Professional Documents
Culture Documents
تمهيد
1
أهمية موضوع الدراسة
للمرة في
أ تأتي أهمية موضوع الدراسة في إبراز المكانة االجتماعية والدور الوظيفي
مملكة أوركيش الخورية ،لدراسة دورها فيه ،كونها نموذج للحضارة المدنية في األلفين الثالث
والثاني ق .م في الجزيرة السورية وهو السبب الرئيسي الختيار الموضوع ألنها شهدت تحوال
كبي ار النخراطها في األمور اإلدارية ،مما يعطي مؤش ار واضحا على أن المكانة االجتماعية للمرأة
ودورها في تقليد مناصب قيادية وادارية لم يكن وليد اللحظة وإنما منذ آالف السنين ومشاركة
الرجل في النواحي السياسية والثقافية واالجتماعية واالقتصادية ،كون اإلنتاج العلمي عن المرأة ال
يعدو أن يكون مجرد مقاالت وتقارير ،كما أن معظم الدراسات التي تتناول دور المرأة هي عبارة
عن عناوين مختلفة تتناول المعلومات نفسها .كما تهدف الدراسة هنا إلى استيفاء العناصر
كملة وفق ترتيب ممنهج وإخراج صورة كاملة وشاملة عن مكانتها ودورها في أوركيش (تل الم ِّ
ُ
موزان) في الجزيرة السورية بوصفها وحدة متكاملة من الناحية الجغرافية والموارد االقتصادية
والفئات السكانية ودورها السياسي وعالقاتها.
منهجية البحث
اعتمد البحث المنهج الوصفي والتحليلي المرتبط بموضوع الدراسة مستندا على الدراسة
الميدانية للموقع بما يرتبط بموضوع البحث ،من خالل استقراء المادة العلمية ،سواء أكانت من
الصور أو الرسوم ،لالستدالل بها على األفكار المطروحة في الدراسة.
شكلت مسأ لة الهوية الكردية موضوع جدل كبير بين الناس بمختلف مجاالتهم ،حيث لجأ
البعض إلى نسبهم ألصول غريبة دون اللجوء إلى أدلة واقعية .فقد كان الكرد عرضة لتفريغ
الذاكرة؛ لتهميش تاريخ أسالفهم ،لدرجة أن الكردي ال يعرف شيئا من تاريخه وقوميته سوى لغته،
حيث يقول المؤرخ الكردي محمد أمين زكي "عندما زالت كلمة عثماني من تركيا ،سألت نفسي
إلى أي ساللة أنتمي ،ألن كلمة "العثماني" الشاملة لجميع العناصر الخاضعة لحكمها قد خدرت
أعصاب أبناء القوميات األخرى .فاضطررت أن أسأل عددا من أساتذة التاريخ فأوصل أحدهما
أصلهم برواية مضطربة وسند ضعيف إلى (كرد بن عمر القحطاني) وجعل اآلخر أصل الكرد
2
متحد ار من ساللة جني من الجان يدعى (جاساد) ،وتألمت من سخف هذين الجوابين وانطلقت
1
فكرة التحقيق في هذه المسالة.
استندت الدراسة هنا إلى عدة محاور رئيسية تبدأ بتناول الهوية الكردية ألحد فروع أسالف الكرد
وهم الخوريين المرتبطين بأصولهم للكرد حاليا.
الطبيعة الجغرافية
يذكر المؤرخ الكردي محمد أمين زكي أن كردستان التي هي الموطن األول للساللة
البشرية الثانية وموضع انتشارها إلى جهات أخرى حسب الحوادث التاريخية ،كان يسكنه في فجر
التاريخ شعوب جبال زاگروس وهم (الخوريون -السوباريون) وأطلق عليهم اسم (خوري) إلى
جانب (لولو) و (جوتي) و (كاسي) و (كالدي) فهذه الشعوب هي األصل القديم جدا للشعب
الكردي وقد أبدت نشاطا سياسيا كبي ار في عهد كل من السومريين واألكاديين وفي أوائل عهد
اآلشوريين 2.ويؤيد هذا االفتراض Wilhelmفي كتابه عن الخوريين أنه من خالل سجالت من
3
فترة أور الثالثة تكشف أن المناطق الجبلية شرق وشمال وادي دجلة والفرات كانت الموطن لهم.
كما ُنشرت مؤخ ار العديد من الدراسات حول أصول الخوريين ،فالباحث أحمد محمود
الخليل ُيشير في كتابه "المملكة الخورية الميتانية" إلى أن الفرع الخوري الميتاني هو أحد الفروع
من أسالف الكرد إلى جانب الجوتيين والميديين الذين وضعوا األسس االجتماعية والثقافية
والسياسية لألمة الكردية 4.ومن المقاالت عن طبيعتهم الجبلية أحدها للباحث KONRAD
HIRSCHLERحول التاريخ الكردي ،إذ يؤكد بوجود سلف للكرد في المنطقة كالخوريين
والجوتيين والكاشيين واالو اررتيين والميديين ،كما يضيف بأن الهجرات المتكررة للعديد من األقوام
المذكورة أدناه إلى األناضول وتركزهم في المنطقة وفي اآلخر سموا األناضول وطنا لألتراك،
1زكي (محمد امين) ،خالصة تاريخ الكرد وكردستان -من أقدم العصور التاريخية حتى اآلن ،القسم األول،
الطبعة الثاني ،بغداد ،5002 ،ص .84-84
8الخليل (أحمد محمود) ،تاريخ مملكة ميتاني الحورية ،أربيل ،5012 ،ص .7
3
لذلك أصبح من الضروري إيجاد روايات وأدلة في هذه المناطق بأنها كردية األصل ،فهو يشير
في أحد الفرضيات بأن اآلريون هم السكان األصليين منذ أكثر من 0666سنة ،وفي العصر
الحديث الكرد هم أقرب إليهم وبالتالي يعتبرونهم األحفاد ،في إشارة إلى المناطق الجبلية على
الحدود الشرقية والجنوبية ،ما يعادل المنطقة الحدودية الحالية بين سوريا والعراق وايران وتركيا
حيث شكلت هناك خالل تلك الفترة كيان سياسي وهم الخوريون ،وهي داللة على أن الكرد هم
أقدم الناس في المنطقة ،ويتناقض مع السكان الذين وصلوا في وقت الحق مثل الفرس والرومان
والبيزنطيين والعرب واألتراك ،ويصورون على أنهم غزاة ومحتلين للمناطق الكردية ،وفي بعض
األحيان يشمل مجموعات مثل األرمن والسريان االرثوذوكس ،ومن المثير لالهتمام بشكل عام
وجود شعوب وأقليات عرقية معترف بها ،ومع ذلك فإن هذه الشعوب أو األقليات ناد ار ما يوجد
وصف تاريخي ملموس لوجودهم ،وإنما الوصف مقتصر على الكرد فقط ،باستثناء بعض األمثلة
العرضية مثل األرمن والشركس؛ يظهرون بشكل أساسي كضحايا للمذابح والطرد القسري أواخر
االمبراطورية العثمانية 5.ويؤيد هذه الدراسة مقالة لـ ـ ـ Ferdinand Hennerbichlerعن أصل
الكرد ،فهو يشير بأن النظرة األولى للكرد يدفع لالعتقاد بأنهم ايرانيون ومن أصل ايراني،
باعتبارهم هندو أوروبيين مستندين إلى حد كبير على االعتبارات اللغوية .وعلى النقيض من مثل
هذه االعتقادات ،فإن أحدث أبحاث الحمض النووي ( )DNAلالنتروبولوجيا البشرية المتقدمة
تشير إلى أن أسالف الكرد ينتمون للسكان األصليين في البداية من الهالل الخصيب في العصر
الحجري الحديث (النيوليتيك) ،وانتشروا مشكلين مجتمعات تاريخية وطبقات مختلفة من األجداد
الكرد ،كل واحدة منها ذات خلفيات وراثية وعرقية ولغوية وثقافية متميزة .فمن خالل نشر البيانات
لمراكز توزيعهم ،هذه البيانات تشير إلى أن أحفاد الكرد ،اللذين ال يزالون يعيشون على أرضهم،
تُظهر أعلى نسب عرقية من أسالفهم 0.تحت مسمى "الخوريين" "شعوب الجبال" ،إلى جانب
الحضارات الكبرى كالسومريين والحثيين والبابليين ،وكانوا يشكلون جزءا من المجتمع وحافظوا
على عالقات جيدة مع جيرانهم في المنطقة كالحثيين واألكديين ،وأول من نقلوا الثقافات السومرية
5
Hirschler, K.''Defining the Nation: Kurdish Historiography in Turkey in the
1990s'',Middle Eastern Studies 37, 3, 2001, pp. 152 — 153.
6
Hennerbichler, F., "The Origin of Kurds", Advances in Anthropology 2, 2 (2012), p.
64. ;p. 71.
4
والبابلية واالشورية إلى الشمال والشرق من خالل التجارة ،وجميع المنحدرين من األصل الخوري
كانت لديهم روابط قوية بدال من تشكيل كيانات متميزة ،فقد فضلت العيش مع جيرانها كما تفعل
اليوم ،وبعد الخوريين شكل الميتانيون كونفدرالية أقوى بين القرن السادس عشر والثالث عشر قبل
7
الميالد ،ولكن كانوا في صراع دائم مع الحثيين واآلشوريين.
باإلضافة إلى ما تقدم ورد ذكر الخوريون في الكتاب المقدس تحت مسمى "الحوريين" في
إشارة إلى طبيعتهم الجبلية .وهنا يشير الباحث ريبر خلف في أطروحته عن مملكة اوركيش بذكر
8
المقدس في سفرالمقدسة ،خالل فترات الحقة ،حيث ذكرهم الكتاب ُ
الخوريين في أهم الكتب ُ
التكوين اإلصحاح :30السطور 9. 21-26وطبيعة سكنهم في المناطق الجبلية األمر الذي
16
والكشف بأن يعزز فرضية وجود السكان الخوريين وطبيعة إقامتهم في المناطق الجبلية .
11
عاصمتهم مدفونة تحت قرية سورية حديثة تسمى "تل موزان" يؤكد على أهمية المكان وقدسيته.
7
Uzun, A., “Living Freedom” – The Evolution of the Kurdish Conflict in Turkey and
the Efforts to Resolve It, Berghof Transitions 11, Berlin, 2014, p. 11.
4خلف (ريبر) ،مملكة اوركيش (تل موزان) دراسة أثرية حضارية 1800-5700ق .م ،رسالة دكتوراة (غير
منشورة) ،كلية اآلثار ،جامعة القاهرة ،5014 ،ص .44
5
التشابه اللفظي (اللغوي)
تأتي أهمية اللغة الخورية باعتبارها مكملة لفرضيات وجودهم في المكان واستكماال
لفرضية إقامتهم في المناطق الجبلية .ففي دراسة للباحث نضال حاج درويش حول تحديد تأريخ
دقيق لبداية قدوم الخوريين إلى المنطقة نظ ار لعدم وجود أية نصوص تاريخية تلقي الضوء على
الحدث .يرى الباحث استنادا إلى األدلة األثرية من تل موزان بأنهم كانوا موجودين في الجبال
التي تحد أوركيش من الشمال خالل األلف الرابع ق.م .ولكن ليست هناك أية أدلة مباشرة إلثبات
صحة هذا الرأي أو نفيه .فالدالئل اللغوية من أسماء األشخاص واألماكن تشير وبدون شك إلى
وجودهم في المنطقة ومنذ األلف الثالث ق .م 12.وابتداء من العصر األكدي (2154-2346
ق.م ).ازداد انتشار الخوريين في مناطق شمال بالد الرافدين وزاگروس ،وتظهر األسماء الخورية
كذلك األمر وبكثرة في النصوص المكتشفة من منطقة الخابور ،في كل من ناگار ( Nagarتل
براك) ،ونابادا (تل بيدر) وجاغر بازار 13.Chagar Bazar/أما تسمية خوري فظهرت ابتداء
من القرن 15ق .م حيث استخدم أدريمي حاكم مدينة أالالخ تسمية شابي خوري Šabē
،Ḫurriأي جيش الخوريين ،وقد استخدمها الحثيون أيضا ،وتظهر هذه التسمية في التوراة
بصيغة خوريم.
وهذا االسم شائع في الدراسات العربية حوري أما اللفظ الصحيح فهو خوري ولهذا االسم
بحسب الباحث أحمد الخليل صلة بكلمة ُخردي = ُخورادي التي ترد في النصوص الحورية
واالو اررتية وتعني (الجندي اليقظ ،الحارث) ،ويسمى شعب حوري باسم (هوري) أيضا ،وما زال
الكود = ُكرداغ ،في اقصى غربي
الكرد ،وثمة في منطقة عفرين (جبل ُ
االسم مستعمال عند ُ
كردستان) سلسلة جبلية اسمها بالكردية (جبل هاوار) وهو أحد صيغ (هوري /حوري /خوري)
حاج درويش (نضال) ،مملكة أوركيش (تل موزان) الخورية دراسة تاريخية حضارية ،سورية ،2617 ،ص 12
.13
6
يرى الباحث هنا أنه باإلضافة إلى التشابه اللفظي فإن المعنى والصفة للتسمية أيضا
داللة على التشابه بين الكرد الحاليين وأسالفهم الخوريين ،فمعنى الجندي اليقظ أو الحارس أو
جيش الخوريين ،تتسم بصفة عسكرية ،كون المنطقة كانت ومازالت عرضة للهجمات من الخارج،
األمر الذي فرض على أصحاب المكان أن يكونوا يقظين ومستعدين دائما لحماية أرضهم منذ
آالف السنين إلى وقتنا الراهن .وفي إشارة إلى ذلك يرى الباحث إن موقع المملكة المحاذي
للجبال ،أثر على فكر ومعتقد سكانها نحو تمجيد معبودات مرتبطة بالجبال مثل كوماربي الذي
15
ومن خالل ما سبق ُيالحظ مدى تأثير طبيعة يظهر في أغلب المناظر ُمحاربا في الجبال.
10
المكان على سكان المنطقة من كافة النواحي الفكرية والمادية.
كما وردت العديد من المصطلحات الخورية المتشابهة مع الكردية على سبيل المثال
مصطلح تا-يبي ار ta-ibiraاستخدمها السومريين لإلشارة إلى الحداد أو الشخص الذي يعمل في
تعدين النحاس وقد اقتبسها السومريين من اللغة الخورية ،وجذرها تاب-ڤ ،Tab-vفالكلمة
أو tibiraأقرب إلى العالمة الحورية ( tab-iriو tab- 17
السومرية "صهر النحاس" tabira
)liمع تناوب مشترك لألحرف ،i/rوالمصطلح kabar / kabalumالمعروف في " إبال "،
أقرب إلى المصطلح الحوري kabaliوالتي تعني "البرونز" 18وهي كلمة قديمة في السومرية
وشكلت جزءا من اسم مدينة سومرية قديمة تدعى باد-تيبيرا ،وال يعلم فيما إذا تم اقتباس الكلمة
من مناطق زاگروس أم طوروس ،حيث تمتع سكان زاگروس وطوروس ومنذ زمن باكر بمهارة
فائقة في الصناعات المعدنية (التعدين) نظ ار لغنى مناطقهم بالمصادر المعدنية ،في حين كانت
مناطق بالد الرافدين فقيرة بتلك الثروة ،وقد كانت لبالد الرافدين عالقات تجارية واسعة مع مناطق
زاگروس وطوروس ،وكانت المعادن إحدى المواد المستوردة من تلك المناطق .والجدير باالهتمام
أ ن منطقة مازندران الحالية جنوب بحر قزوين كانت تسمى منذ القدم وحتى العصر السلجوقي
15
Ward, W. H., the Seal Cylinders OF Western Asia, Washington, 1910, p. 416.
17
CAD T, p. 27.
18
Lipiński, E., "Hittites et Hourrites dans la Bible", BibAn 2 (2012), pp. 19 - 20.
7
طبرستان ،التي تعني في اللغة الشعبية بالد الفأس ،وهذه التسمية مرتبطة بوفرة الخشب الذي تم
استغالله في المنطقة ،وكلمة طبرستان مؤلفة من مقطعين تبر( Tabar/في اللغة الفارسية) أي
اإليرنية بالد ،ويسمى الفأس في اللغة الكردية تفر
ا الفأس ،وستان التي تعني في اللغات
.Tavr/Tawrبموجب ذلك فإن الكلمة الخورية تاب /ڤ Tab-vترتبط باالسم الجغرافي
طبرستان ،وكلمة تبر الفارسية وتور/تڤر الكردية هي ذو أصول خورية استخدمت للداللة على
19
الفأس كأداة معدنية تم تعدينها آلالف السنين في تلك المناطق.
جميع اللغات في المواقع ذات األصول الكردية تشير إلى أن أجدادهم تكلموا بعدة لغات
منذ فترة ما قبل التاريخ متبوعة بتقاليد متعددة اللغات مرتبطة ببعضهم من خالل بعض األسماء
أو الكلمات ،وهو ما يشهد عليه فترة األلف الثالث ق .م ،فقد وردت العديد من المصطلحات
26
الخورية تشير إلى ارتباطهم ونسبهم بالكرد الالحقين.
هنا ال بد من اإلشارة أنه بغض النظر عن تشابه اللغة المحكية لدى الخوريين وغيرها
من األقوام التي تنسب في أصولها للكرد ،يرى الباحث إن اللغة بالرغم أنها دليل مهم لتحديد
نسبهم ،ولكن ال يمكن ربطها مباشرة كدليل قاطع لتحديد أصولهم .فأحيانا يكفي ورود بعض
األسماء أو اإلشارات المتقاربة مع العائلة اللغوية للكرد للداللة على انتمائهم ،ففي المجتمع
الخوري بإقليم الجزيرة السورية خالل األلف الثالث ق .م وردت بعض األسماء الخورية للملوك
والملكات وبعض الشخصيات األخرى ،إال أن بعض األلواح المكتشفة كانت مكتوبة باألكدية
وبعض األختام تحمل مشاهد فنية ذات طابع أكدي ،لدرجة افتراض بعضهم أنهم باألصل
أكديين ،لكن الدالئل تُؤكد إنهم عاشوا إلى جانب الخوريين في أوركيش وكانت األكدية هي اللغة
المحكية حينها في المنطقة ،كما إن األلواح المكتشفة تعود إلحدى ملكات اوركيش ذات األصل
األكدي ،والتي تعاملت في وثائقها بلغتها األم ،ولكن المكتشفات األثرية والفنون المختلفة األخرى
تنسب للخوريين وأثرت بالثقافات األخرى كالحثيين ،وما ورد أعاله عن موطن وطبيعة نسبهم
دليل قوي إلى جانب اللغة النتمائهم العرقي فالطبيعة الجغرافية والعادات والتقاليد المرتبطة بين
19
Ahmed, K. M., The Beginnings of Ancient Kurdistan (c. 2500-1500 BC), Doctoral
thesis (Unpublished), Universiteit Leiden, 2012, p. 175.
20
Hennerbichler, F., op. cit., p. 76.
8
السكان الحاليين مع السلف هي إشارة واضحة إلى انتمائهم للمكان والسكان األصليين ،أما تعدد
اللغات في مناطقهم كانت نتيجة اختالطهم باألقوام األخرى ،أو المحتلين والتي فرضت على
أجيالهم التكيف مع اللغة المحكية حينها ،األمر نالحظه اآلن في العديد من المناطق والمواقع
الجغرافية ،فكثير من السكان الكرد في الوقت الحالي يتكلمون بلغات مختلفة عن الكردية ،كما إن
بعضهم ال يتقن لغتهم األم ،نتيجة ابتعادهم عن ثقافتهم واختالطهم بثقافات أخرى.
تستند الدراسة هنا الى مكانة المرأة ودورها في مملكة اوركيش (تل موزان) ،ففي دراسة لـ ـ
Matthews, Vحول األسرة في الشرق القديمُ ،يشير إلى أن الثقافات القديمة هو نظام متوارث
لألجيال الالحقة من األقرباء كالعشيرة أو الهوية العرقية ،ألن العديد من األُسر تعيش وفق منهج
أجدادهم ،للحفاظ على موروثهم الحضاري من عادات وغيرها 21.فهي حصيلة التطور التاريخي
والثقافي والحضاري للنسيج االجتماعي في البيئة الكردية ،التي استقرت عليها منذ تلك الفترات
إلى يومنا هذا ،باستثناء بعض االختالفات فرضتها بعض الظروف والبيئة الجغرافية للمناطق
ذاتها .وانطالقا من هنا يركز البحث على دورها في الماضي أي أواخر األلف الثالث قبل الميالد
(الخوريون) وتُركز الدراسة على عدة نقاط رئيسية لتحليل أوجه التشابه واالختالف بينهما منها:
جرت العادة في أغلب حضارات الشرق األدنى القديم على اإلشارة إلى هيمنة الرجل على
ومش ِّرعا وقائدا عسكريا ،إال أن ثمة وضع مختلف لهذا المفهوم كان مختلفا في ِّ
الحكم ملكا ُ
مقاليد ُ
إحدى هذه الحضارات القديمة .فقد كان للمرأة موقف بارز مقابل للرجل في الهياكل االجتماعية
التحاد الممالك القديمة في األلف الثالث والثاني ق .م كمجموعة عرقية تتعلق بالخوريين 22.ففي
21
Matthews, V., "Marriage and Family in the Ancient Near East", in; Ken M.
Campbell, Marriage and Family in the Biblical World, InterVarsity Press, USA, 2003,
p. 3.
22
Ocalan, A., War and Peace in Kurdistan, International Initiative, second edition,
Cologne, 2009, p. 11.
9
أوركيش الخورية (تل موزان) كانت المرأة تأتي في قمة الهرم االجتماعي ما يعرف اصطالحا ب ـ
()23
(الملكة) حيث ل ِّعبت دو ار ممي از وأحدثت تغيي ار في الطابع السياسي واإلداري والفني فيها.
وقد وردت العديد من اإلشارات ضمن الوثائق القديمة تتعلق بمكانتها المرأة تلك الفترة،
منها دراسة ل ـ " " Fumi Karahashiعن دور المرأة قديما ،ففي وثائق "لجش" ُخصصت بعض
األراضي لبعض النساء وعلى الرغم من ِّقلتها إال أنها كانت مثيرة لالهتمام ،ركزت على أفراد
األُسرة المالكة ،وزوجات كبار الموظفين ،األمر الذي يوضح مكانة المرأة خالل تلك الفترة بحكم
المتنفذين كزوجة ملك أو زوجة أحد كبار الموظفين ،أو إحدى النساء الالتي
صلة العالقة مع ُ
ُكن يعملن ضمن البالط الملكي وكان ل ُهن وضع خاص ،وهو ما ينطبق على مملكة أوركيش
24
الخورية ،فقد ُحظيت المرأة بتلك المكانة االجتماعية في تلك الفترة.
23
Wilford, J. N., "Lost Capital of a Fabled Kingdom Found in Syria", New York
Times, 21 Nov, p. 1; p. 5.
24
Karahashi, F., "Women and Land in the Presargonic Lagash E2-MI2 Corpus", in:
Lion, B & Michel, C.,The Role of Women in Work and Society Université Paris
Ouest Nanterre La Défense, November , 2014, p. 3.
الجادر (وليد)" ،األزياء واألثاث ،حضارة العراق" ،الجزء الرابع ،العصور القديمة ،4بغداد ،1985 ،ص 307 25
؛ .372
11
ومغني وبجانبها ابنتها والخدم (الشكل 20.)1وظهرت
مركزية في المنظر ومحاطة بعازف قيثارة ُ
أختام أخرى للملكة في كل منها يعطي اسم أكدي (أوكنيتوم )UqnÎtum /كما هو
27
كما إن النقوش على هذه األختام مكتوب KUR.ZA-ni-tumأو. ZA.KUR-ni-tum
ُمميزة اعتمادا على اللقب الذي يتبع اسم الشخصية أحدها يعطي لقب الملكة ( )NINواآلخر
تحت مسمى زوجة " توبكيش "( )DAM Tupkišأو مجرد زوجة 28.ويذهب البعض من
الباحثين منهم " " M., Stolبمقارنتها مع النساء في الفترة الالحقة لها كما في البابلية القديمة
ومن خالل رسائل من " ماري (تل الحريري) " تظهر إلى حد كبير المغنيات ُ
وهن أيضا فتيات
29
وعدد من المسؤولين لختم الحاويات باسم الملكة .يستخلص من هذه المشاهد مع الملكة،
المكانة المرموقة لها في المجتمع وخاصة وضعيات تصويرها على مشاهد بعض االختام تُمثل
36
هيبتها (الشكل .)1
الشخصية الثانية هي " تارآم أكد " 31حيث تؤكد جميع المؤشرات أنها كانت متزوجة من
أحد ملوك أوركيش (تل موزان) ،وهو ما يشير أن هذه المملكة الخورية الشمالية قد تحالفت مع
26
Lawler, A., "Who Were the Hurrians?", archaeology (2008), p. 49.
أن كلمة kansurruهي تسمية للعالم السفلي ،وهي مسبوقة بالعالمة األكدية .ومثال آخر أيضا في الكلمة
األكدية kukûوتعني (الظالم) وهي أيضا تسمية للعالم السفلي في القاموس األكدي وتأتي بالشكل []u-um/ú
KUR.ZA-ku-uk-kمسبوقة بالعالمة .KUR.ZAوفي أختام الملكة أوكنيتوم تحمل الكتابة هذه العالمة
األكدية كتأكيد على األصل األكدي لالسم .لمزيد من المعلومات راجع . CAD K, p. 152; p. 498.
28
Orsi, V., Crisi e Rigenerazione nella valle dell’Alto Khabur (Siria), vol 1, Firenze
University Press, 2011.p. 249.
29
Stol, M., "Women in Mesopotamia ", JESHO 38,2 (1995). p. 135.
30
Buccellati, G., & M., "Mozan/Urkesh: A New Capital", DDS 1 (1996), p. 131.
أعتمد " نرام سين " على بناته في إدارة دويالت المدن في بالد النهرين واإلشراف على المعبد الرئيسي في 31
المدن المهمة فقد عين ابنته (اينمينانا) كاهنة على " أور " ،و(توتا نبشوم) كاهنة على " نيبور " و(شومهانيتا-
اسي) كاهنة على " سيبار " – أهم دويالت المدن في بالد النهرين خالل األلف الثالث ق .م – اال ان تارآم
11
32
البيت الملكي في أكد ،وبالتالي كان لها أهمية سياسية ومكانة اجتماعية رفيعة في اوركيش
حوالي ( 2246ق .م ) /الفترة األكدية الوسيطة – حيث ظهر لها ختم خاص مع خدم
وموظفين في البالط ،مع تسمية للملكة ومسؤول أكدي كما ُذ ِّكر سابقا يدعى " ايشار-بيلي ".33
أكد كانت ملكة أوركيش (تل موزان) وزوجة ملك (إندان) خوري في اوركيش (تل موزان) راجع صالح سليم
(علي)" ،ملكات العراق بين األسطورة والتاريخ" ،مجلة الموروث ،العدد السابع والثالثون ( ،)2611ص .7
32
حاج درويش (نضال) ،المرجع السابق ،ص Orsi, V., op. cit., p. 281 ; .41
ايشار -بيلي :اسم أكدي ،وتجدر اإلشارة بأنه موظف مهم من البيت الملكي في أكد وهو معروف في مختلف 33
الوثائق في أوما وأكد .لمزيد من المعلومات راجع Buccellati, G., & M., "The Royal Palace at
Urkesh", AAAsyr 49 (2001), p. 64.
الكوروتوفريك :وهو شخص بالغ مائل لألنثى البشرية أو معبودة أو مربية تحمل طفل في العصر البرونزي في 34
الشرق األدنى .حيث أن الرجال ال يظهرون في الكوروتوفريك كونهم لم يصوروا مع أبنائهم كما نموذج
الكوروتوفريك اإلناث.
12
الكوروتوفريك " لتصوير األم والطفل بأنه ُيمثل نوعا ما "األم العظيمة المعبودة" أو صورة من
35
وهو منظر فريد من نوعه ،ويميز مكانتها في أوركيش (تل موزان). الخصوبة.
مما سبق شكل اشارة واضحة لمكانة المرأة الخورية كأحد أسالف الكرد في الجزيرة
30
السورية (موقع أوركيش /تل موزان).
تكمن مشاركة المرأة في العملية السياسية من خالل مقارنة المجتمع الذي يمكنها سياسيا
ويعزز مشاركتها الفعالة في العمل السياسي .وبين المجتمع الذي يحمل سيادة المفاهيم البالية
ُ
والمعادية لحقوقها وعدم تقبلها في هذا االطار أو غيره .فتعتبر مشاركتها في هذا المجال مؤشر
ومقياس على مدى ذروة المجد واالزدهار في األولى والتفكك والتحلل في الثانية .وهو أمر أكد
نجاحه من تجارب واقعية في الحياة كطريق نحو مجتمع ديمقراطي متوازن.
استطاعت النساء في المجتمع الخوري من تحقيق دورها السياسي منذ األلف الثالث ق .
م ،فشخصية الملكة " اوكنيتوم " كانت األهم الى جانب الملك في ممارسة انشطة متعددة والذي
35
Budin, S. L., "New Book on Kourotrophic Iconography", newsletter of the
coroplastic studies interest group 6 (2011), pp. 8 - 9.
شيخ موسى (روزين) ،دور المرأة في المجتمع الكردي في سورية ) مقاربة تاريخية( ،مجلة حرمون للدراسات، 30
13
يضفي عليها طابع السلطة السياسية مع الملك ،فالعديد من النقوش التي تعزز اسمها وتربطه مع
الملك ،لدورها في تسيير أمور المملكة على الصعيد االداري والسياسي ،وهي مهام تؤدي الى
استنتاج مفاده أن المرأة الخورية كانت مختلفة عن باقي النساء في الممالك األخرى المعاصرة،
فقد كانت متميزة في تسيير أمور المملكة المختلفة بما فيها السياسية.
كما تؤكد بعض مشاهد األختام من أوركيش الخورية تعود للملكة "تارآم أكد" بأنها أيضا
كانت تمثل شخصية سياسية .حيث يشير النقش بصفتها ابنة "نارام سين" األكدي ،يعود للسنوات
األولى من تأسيسها ،يدل على الحكم الذاتي في اوركيش (تل موزان) 37 .فخالل فترة حكمها
يالحظ تحوال واضحا في النشاط السياسي ألوركيش ،وداللة لمنافسة المرأة في المراكز السياسية،
التي تحمل مشاهد تشير إلى قوتها وهيبتها 38.فكان لها دور سياسي خاص في تقوية العالقات
بين الممالك فيما يعرف اصطالحا بالزواج الدبلوماسي ،فزواجها من ملك خوري داللة على
التحالف بينها وبين أكد خالل تلك الفترة.
لذلك يعتبر نموذج مشاركة المرأة مجال الحياة السياسية ،الجواب الحقيقي لنضالها
وكفاحها من أجل الوصول إلى حريتها .واستطاعت أن تستثمر طاقاتها ،وعملت على وصول
المرأة إلى مراكز صنع القرار وتهيئتها سياسيا.
إن نجاح أي مؤسسة في المجتمع ابتداء من البيت وانتهاء بأعلى مؤسسة فيه مرتبط
بإدارتها ،وهذا النجاح يتوقف على اإلداريين ومهاراتهم ،وبالتالي فإن هذا الدور ليس بالسهل
ويعتمد على الموهبة والخبرة العلمية واستنباط الحلول ألي مشكلة ،لكن السؤال هو هل للمرأة دور
في اإلدارة؟ أو هل تمتلك تلك المقومات لإلدارة الناجحة؟ ألن الشائع من منظور أغلب الناس هو
تفوق الرجال في هذا المجال .فقد احتفظت المرأة الخورية منذ األلف الثالث ق .م بمنصبها فيما
يرتبط بالشؤون االدارية أُسوة بالملك ،وأيد هذا الرأي " "Matteo Vigoحول العالم الحثي ،عن
37
Buccellati, G., & M., "The Royal Palace at Urkesh and the Daughter of Naram-Sin
", AAAsyr 49 (2001), p. 63.
38
Buccellati, G., & M., "The Royal Palace at Urkesh", AAAsyr 49 (2001), p. 63
14
تأثره بالثقافة الخورية فيما يتعلق بإدارة المرأة ،لتخصصات متعددة كالسلطة ،فقدت شهدت طبعات
أختام من عاصمة الحثيين "خاتوشا" مدى تأثرها بالخوريين كونهم أكثر الشعوب تأث ار باألخيرة،
الذي يتيح الدور المركزي للمرأة عندهم كما في اوركيش (تل موزان) ،فقد كانت لـ ـ " بودوخيبا
،" Puduhepaزوجة "حاتوشيلي الثالث " ملكة الحيثيين 39قد تأثرت بملكات اوركيش على
الصعيد االداري في إشارة إن المرأة من العائالت الخورية قادرات على تأكيد ادوارهن الفردية،
حيث أتاحت األعمال الفنية كمناظر األختام تصور الملكة بوضعية اإلشراف على أعمال القصر
وتوجيه بعض المهام ،وهي تشكل حضو ار جوهريا للمرأة وصعودا نحو تقاسم السيطرة كحاكمة
وادارية ،وبروزها في الحياة اليومية في اإلشراف على سجالت المخازن كامرأة عاملة في شتى
ويالحظ فيما يرتبط بالمهام اإلدارية والوظيفية للملكة "
األعمال ومنتجة للمواد والمصنوعاتُ .
أوكنيتوم " ،أن ُمعظم العقود والخطابات في التعامل مع النساء من الطبقات العليا للمجتمع يأتي
أسماءهن ومعرفة السلع ،وما إلى ذلك ،ويعرف من خاللهاخطيا من الرسائل والمصروفات و ِّ
ْ
46
وكشفت عدد من األلواح التي توثق دور المرأة كإدارية ،منها بعض النصوص أنشطتهن .
ْ
األكدية تناولت مواضيع ادارية ،فوجود ختم الملكة على األبواب والمخازن دليل على اإلشراف
المباشر للملكة " تارآم أكد " وادارة القصر ،ويتجلى من قراءة دقيقة لمجمل الدالئل األثرية
والنصية والمقارنة الجغرافية ألوركيش (تل موزان) إن المرأة لعبت دو ار مهما على الصعيد االداري
سواء على الصعيد االقتصادي أو الفني أو التعليمي ،حيث عثر على قسم مخصص للكتبة
41
الهدف منه تعليم السكان تحت اشراف الملكة.
ومن خالل استقراء المعلومات التاريخية حول إدارة المرأة تشير الدراسة إلى مدى الدور
المنوط بالمرأة في المجتمع انطالقا من المجتمع الخوري في اوركيش ،وهو ما يؤكد أن الظروف
الملكة الحيثية بودحيبا Puduhepaوهي زوجة حاتوشيلي الثالث .والتي كان لها دور بارز في المفاوضات 39
مع رعمسيس الثاني .لمزيد من المعلومات راجع حمود (محمود) ،الديانات السورية القديمة خالل عصري البرونز
الحديث والحديد 333 - 1066ق .م ،دمشق ،2614 ،ص .562
40
Stol, M., op. cit., p. 136.
شيخ موسى (علي)" ،ملكات العراق بين األسطورة والتاريخ" ،مجلة الموروث ،بغداد ،العدد السابع والثالثون 41
15
التي سمحت لها بممارسة هذا الدور منذ آالف السنين ،ومن ناحية أخرى فاإلشارة إلى تأثر
الثقافات األخرة كالملكة الحثية التي اقتدت بالخورية في إدارة شؤون المملكة ،واالقتداء بها.
ما بين قبول المرأة في العمل والدورة االنتاجية ورفض مشاركتها الرجل في هذا الدور
وتهميشها كقوة منتجة الى جانبه ،البد من تأكيد دورها كعضو منتج وفعال إلى جانب الرجل
وأغلب األحيان أكثر منه ،ابتداء من الريف فهي المزارعة والعاملة إلنتاج الغذاء ،إلى تحسن
وضعها االقتصادي في المجتمع كمنتجة ساهمت في تسريع العملية االنتاجية فيه .فالكثير من
األدلة التاريخية تُشير إلى دورها كمتنفذة ومشرفة ،إال إن دورها اآلخر ال يتعدى كخادمة أو
عاملة دون حقوق .أما في اوركيش (تل موزان) وردت العديد من المشاهد توحي إلى أهمية الدور
الذي مارسته المرأة في القصر والمكانة الخاصة التي تتمتع بها ،من خالل إصدار أختام خاصة
بأسمائها ،وادراجها ضمن المشاهد الملكية الخاصة بملوك اوركيش ،على عكس باقي المواقع
والمجتمعات المعاصرة حول تهميش دور العامالت في القصر أو خارجه ،وهو أمر نستنتج منه
إن المملكة تمتعت بطابع حماية وحقوق عامليها واصدار وثائق خاصة بهم خاصة اإلناث ،فقد
ظهرت شخصيات تقوم بمهام خدمية متعددة في البالط ،في مناظر توضيحية عن الحياة اليومية
في البالط الملكي ومنها :الوصيفة ،وكبيرة الطباخين والج ازرين والمغنيات .ويالحظ إن أغلب
وكشف في
العاملين عند الملكة كانوا نساء ،وهي إشارة على دور السيدات في البالط الملكيُ ،
بالطها العديد من العامالت األخريات منهم في طحن الحبوب والخبز والطهي ،والعمل في
مطابخ القصر وغير ذلك ،ومنهن الالتي ي ُع ْدن مستحضرات
المعطرة ألهم السيدات في البالط الملكي ،وجميع
الزيوت ُ
هؤالء النساء العامالت كانوا يحصلن على حصص غذائية
42
وصوف ورواتب إعاشة.
42
Lion, B & Michel, C., The Role of Women in Work and Society in the Ancient
Near East. SANER 13 (2016), p. 10.
16
ومن الشخصيات المؤثرة حينها الوصيفة( :زامينا )Zamena /تبدو في عالقة حميمية
غير مسبوقة في مناظر الختم للملكة ،فتظهر الملكة " أوكنيتوم " وإحدى وصيفاتها المعروفة
باسم خوري (زامينا) تقوم بتمشيط وتجديل شعر الملكة (الشكل .)3ويبدو أن تلك الوصيفة
شخصية مؤثرة في القصر كونها تظهر بقوة في أغلب مناظر أختام الملكة ،باإلضافة إلى صدور
43
أختام خاصة باسمها ،وهو ما يعطي طابع مميز لشخصيتها ودورها الرئيسي في القصر.
وأيضا كبيرة الطباخين والج ازرين "Tuli " :يؤكد بأن الشخص المسؤول عن المطبخ كانت امرأة
لها ختم خاص يصور أداء واجباتها ُنقش على ختم لخدم الملكة وهو ُمميز من خالل مضمونها
ٍ
بشكل نادر جدا في وقت الحق. على خالف مناطق أخرى في األلف الثالث ق .م ،ويظهر
ويصور منظر آخر وهو شخص على وشك ذبحه لشاة .وامرأة تضع الزبد في المخض .كما
يحتوي المنظر على نقش مسماري يعطي لقب طباخ الملكة :المسؤول عن كامل المطبخ 44.كما
قمن بأعمال النسيج أيضاالمغنيات مع الملكة اللواتي كان عددهن كبي ار ،ومنهن ي ْ
شوهد عدد من ُ
من خالل ما ورد من مناظر على أختام الملكة في أوركيش (تل موزان) .ويبدو من الدور الكبير
للنساء من البالط الملكي وخاصة الوصيفة والطاهية ،وتأثيرهن في القصر وهو أمر شاع في
بالد ما بين النهرين ولكن بأسلوب مختلف ففي دراسة ل ـ ـ " " Sophie Démareحول النساء
وأعمالهن في بالد ما بين النهرين تُعطي نتيجة مفادها صعوبة تحديد اإلطار القانوني لعمل المرأة
في بالد ما بين النهرين ،باستثناء الوصيفة التي تعمل بموجب عقد .ومعظم الوثائق اإلدارية
تشير بأن القوة العاملة النسائية غير الماهرة كثي ار ما تكون في وضع تقديم الخدمات .ولكن ما
نشاهده في أوركيش (تل موزان) أغلب المشاهد توضح الجانب النسائي كالوصيفة زامينا والطاهية
" تولي " وغيرهن الالتي كان ل ُهن وضع خاص في العملية االنتاجية من خالل صدور أختام
45
خاصة بهما تحمل أسماءهما.
43
Ahmed, op. cit., p. 207.
44
Buccellati, G., & M., Dal profondo del tempo, All'origine della comunicazione e
della comunità nell'antica Siria, Firenze, 2014, p. 46.
45
Démare, S., "Women at work in Mesopotamia: the legal point of view", in: Lion, B
& Michel, C.,The Role of Women in Work and Society Université Paris Ouest
Nanterre La Défense, November , 2014, p. 2.
17
ومن جانب آخر لم يقتصر دور المرأة حينها في البالط الملكي فحسب فقد عكست
بعض الوثائق ومشاهد األختام تمثيلها لوظائف متعددة في الحياة العامة كمعالجة وطبيبة ومربية
40
وتعكس نشاطاتها في الغزل وعاملة وهي خصائص تمثل دورها االقتصادي في اوركيش.
والنسيج باإلضافة إلى المشاركة في األعمال التجارية واليومية خارج المنزل هذا الدور 47وهو ما
يدعمه من وثائق ومشاهد حول األنشطة التقليدية الداخلية والخارجية ،وهو أمر ُيستنتج منه ،أن
48
المرأة في أوركيش (تل موزان) الخورية كانت جزء ال يتج أز من نظام انتاجي.
وهو قانون يمكن أن نستمده من واقع حياة المرأة في أوركيش الخورية خالل األلف الثالث
ق .م حيث تأكد دور الملكة (الزوجة الرئيسية للملك) وفقا لما جاء من كتابات على بعض
األختام .حيث اللقب DAMالمضاف ُيشير إلى الزوجة – وهو أمر غير معروف بين الدالئل
49
األثرية من منحوتات األلف الثالث ق .م ،عاكسا تميُّز الزوجة عن النساء الثانويات وغيرهن.
كما أن التأكيد على تسمية " أوكنيتوم " كزوجة الملك يؤدي إلى االعتقاد بأنها أعطت وضعا
خاصا للقرين الملكي أي (الزوج) .كما لم يرد أي ذكر أو إشارة نصية أو أثرية على تعدد
56
الزوجات.
46
Recht, L., "Perfume, women and the underworld in Urkesh: exploring female roles
through aromatic substances in the Bronze Age Near East", JIIA/ 1 (2014), p. 21.
47
Stol, M., op. cit., pp. 136 - 37.
48
Recht, L., op. cit., p. 20.
49
Buccellati, G., & M., "The Royal Storehouse of Urkesh", AFO 42 - 43 (1995), p.
16.
50
Twair, P. M., & Twair, S., "The Kingdom of the Lion", Saudi Aramco World
)(1997
p. 8.
ارتبط وضع الذكور في كثير من الثقافات على اليمين واألنثى على اليسار ،ومعبود حامي على اليسار للشخص.
لمزيد من المعلومات راجع Stol, M., op. cit., p. 123.
18
الخاتمة
مما تقدم من دراسة يبدو جليا أن المرأة في المجتمع الخوري كانت جزءا ال ينفصل عن
كيان المجتمع ،وقد شغلت أدوا ار مهمة عبر العصور ،وكانت فاعلة ونشيطة في تسيير األمور
السياسية واالدارية واالقتصادية واالجتماعية .وعليه خلصت الدراسة عن مكانة المرأة ودورها إلى
مجموعة من النتائج ،يمكن تقديمها في النقاط التالية:
-1ساهم طبيعة الموقع الجغرافي في الجزيرة السورية ،في إبراز دورها النشط كإدارية وعاملة،
ويعد أوركيش (تل موزان) خالل األلف الثالث والثاني ق .م .من أهم المواقع التي احتضنت
أسالف الكرد ،وما زالت إلى اآلن.
-2عكست اإلشارة إلى اسم الملكة في أوركيش (تل موزان) في العديد من األختام ،إلى أهميتها
ومساهمتها في حركة المجتمع ،وأصبحت قدوة لباقي النساء.
-3أظهرت التعامالت السياسية الداخلية والخارجية للملكة إلى قوتها ونفوذها في المنطقة خالل
األلف الثالث ق .م .فضال عن الليونة السياسية للمملكة بمشاركة الملكة إلى جانب الملك.
-4تمتع المرأة بمكانة بارزة في المجتمع الخوري ،باعتبارها السيدة األولى آنذاك كالملكة،
وسيدات المجتمع ثانيا في التعامالت اليومية بمختلف المجاالت والمهن.
-5األسلوب المنظم في إدارة وتنظيم النشاط فمن خالل مراجعة بعض النصوص يالحظ دور
أوركيش (تل موزان) في تنظيم المعامالت التجارية من خالل سجالت خاصة لوثائق وقوائم
للمهن التي تُعزز وضعها االقتصادي وحماية حقوق عامليها وخاصة النساء وكانت إحدى عوامل
ازدهار المدينة.
-0تشير طبيعة التركيبة السكانية الى مشاركة نساء غير خوريات في أمور إدارة المدينة وأنشطة
أخرى الذي كان سائدا منذ األلف الثالث ق .م بين الخوريين في أوركيش (تل موزان) ،السكان
األصليين مع األقوام األخرى وخاصة األكديين في مجتمعهم.
-7لم تكن مناظر األختام للملكة والنساء عامة في أوركيش (تل موزان) عبارة عن صورة
اعتيادية فقط للحياة اليومية فيها وإنما تبين لها دالالت خاصة ،تعمد الفنان بتصويرها إليصال
19
المشاهد في فترات الحقة .والتي تُفسر اليوم حياة المجتمع الخوري آنذاك،
رسالة معينة إلى ُ
لتعظيم دور المرأة وتكريمها وقتها.
21