You are on page 1of 3

‫المحاضرة السادسة‬

‫فكر حضارات ما بين النهرين‬

‫الحضارة البابلية أنموذجا‬

‫تمهيد‪ :‬شهدت منطقة ما بين النهرين ـ ـ ـ والتي تقع على ضفاف نهري دجلة والفرات وتضم‬
‫العراق الحالي وجزء من إيران وشبه الجزيرة العربية ـ ـ ـ أقدم الحضارات على االطالق‪ ،‬حيث‬
‫اكتشفت أقدم اآلثار والمخطوطات الدالة على ذلك في مختلف مجاالت الحضارة وعلى وجه‬
‫الخصوص الكتابة والقوانين والفكر واألدب‪ .‬ومن بين أهم هذه الحضارات نجد سومر وبابل وفارس‬
‫وغيرها‪ ،‬وسنحاول أن نتطرق في محاضرتنا هذه إلى الحضارة البابلية كعينة من هذه الحضارات‬
‫وهذا في مجال الفكر باعتبارها من ورثت الحضارة السومرية‪ ،‬وكانت إنجازاتها مقدمة لمن جاء‬
‫بعدها من األمم والدول كالكدانيين واألشوريين والفرس وغيرهم‪ .‬وعلى اتساع المجاالت الحضارية‬
‫والثقافية التي برزوا فيها كان الفكر الفلسفي من بين أهم ما برزوا فيه‪.‬‬

‫آثار الحضارة السومرية‪ :‬انطالقا من تقدم الحضارة السومرية على باقي الحضارات تاريخيا‪،‬‬
‫وحضاريا فقد كان لها كثير من المنجزات الحضارية والثقافية التي أفادت منها باقي الحضارت‪ ،‬قد‬
‫يكون أهمها الكتابة والتي تعتبر أهم منجز إنساني على اإلطالق والتي بدونها ال يمكن الحديث‬
‫عن حضارة أو مدنية أو دين أو فكر "الكتابة أروع ما خلفه السومريون‪ ،‬ويبدو هذا الفن عندهم فنا‬
‫عظيم الرقي‪ ،‬صالحة للتعبير عن األفكار المعقدة في التجارة والشعر والدين ‪...‬ويرجع عهدها إلى‬
‫‪ 3600‬قم‪ 1"...‬ويطلق عليها الكتابة المسمارية‪.‬‬

‫وبناء على اختراعهم لحروف الكتابة‪ ،‬فقد استطاعوا بذلك الحديث في األدب الذي برزت‬
‫بعض أشكاله البسيطة‪ ،‬والتي كانت عبارة عن صلوات وأدعية دينية‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫ويل ديورانت‪ ،‬قصة الحضارة‪ ،‬ج‪ 2‬من المجلد األول‪ ،‬تر‪ :‬محمد بدران‪ ،‬دار الجيل للطبع‪ ،‬بيروت‪ ،‬بد ط‪ ،‬بد سنة‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫الحضارة البابلية‪ :‬تعتبر الحضارة البابلية الوريث الذي ورث الحضارة السومرية والفكر من‬
‫ضمنها‪ .‬بالد بابل تعني باألكدية بوابة اإلله كان الفرس يطلقون عليها بابروش أي دولة بالد ما‬
‫بين النهرين القديمة‪ .‬وظهرت هذه الحضارة بين القرنين ‪18‬ق م‪ ،‬و ‪ 6‬ق م‪ .‬ومركزها هو مدينة‬
‫بابل والتي مر عليها خالل فترات وجودها العديد من الشعوب والحكام‪ .‬وقد مرت هذه الدولة‬
‫بمرحلتين‪ ،‬تشمل المرحلة التأسيس وكانت ابتداء من ‪ 1763‬وأعظم ملوكها كان حامورابي‪ ،‬كما‬
‫شهدت مرحلة ثانية ابتداء من ‪ 652‬ق م‪ ،‬وكان أعظم ملوكها نبوخذ نصر‪.‬‬

‫الفكر الفلسفي عند البابليين‪ :‬لقد اشتغل البابليون بمختلف صنوف المعرفة الممكنة في‬
‫عصرهم‪ ،‬فكان من ضمن ما اشتغلوا به أمور الميتافيزيقا والكون‪.‬‬

‫وحدة الكون‪ :‬رفص السومريون والبابليون بعدهم جمود الكون أو فراغه‪ ،‬بل نظروا إليه على‬
‫أساس أنه حي تتوحد فيه الظواهر الطبيعية بالعالقات االجتماعية‪ ،‬وهي الفكرة التي تقربنا من‬
‫وحدة الوجود المقترنة بالتشبيه والتجسيم‪.3‬‬

‫أصل الكون ونشأته‪ :‬ترى هذه الفلسفة الكونية البابلية أنه في البدأ كان البحر‪ ،‬الذي ولد الجبل‬
‫الكوني المؤلف من السماء واألرض متحدتين‪ ،‬فكان اإلله (آن) وهو السماء مذكر وكانت اإللهة‬
‫(كي) وهي األرض مؤنثة‪ .‬حيث تولد عن اتحادهما الهواء وهو اإلله آنليل الذي قام بفصل السماء‬
‫عن األرض‪ ،‬فاختص والده آن بالسماء‪ ،‬واختص هو باألرض‪ ،‬فهيأ اتحاده بأمه األرض المسرح‬
‫لتنظيم الكون بخلق اإلنسان و الحيوان والنيات وتأسيس المدن‪.4‬‬

‫نظرية الفيض‪ :‬وقد سبقوا أفالطون في قوله بالفيض‪ ،‬وهي الفكرة التي نجدها في ما بعد عند‬
‫المسلمين‪ ،‬والقائمة على أساس التدرج في الخلق حيث تصدر اآللهة عن بعضها‪ ،‬كما تصدر‬
‫الكائنات األخرى عنها‪ .‬وهي قائمة "على مبدأ القوة الخالقة للكلمة اإللهية‪ ،‬فبموجب هذا المبدأ كان‬

‫‪3‬‬
‫جمال المرزوقي‪ ،‬الفكر الشرقي القديم‪ ،‬دار اآلفاق العربية‪ ،‬ط‪ ، 2001 ،1‬ص‪.192‬‬
‫‪4‬‬
‫مصطفى النشار‪ ،‬المصادر الشرقية للفلسفة اليونانية‪ ،‬دار قباء‪ ،‬ط‪ ،1997 ،1‬ص‪.118‬‬
‫كل ما ينبغي لإلله الخالق أن يفعله هو أن يصمم الخطط ويقول الكلمة وينطق باالسم إسم الشيء‬
‫المراد خلقه فيتم الخلق"‪ 5‬وان كان المؤرخون يعتقدون أن مصدر هذه الفكرة هو المذهب المنفي‪.‬‬

‫المالحم‪ :‬وتضمنت هذه المالحم أبرز المشكالت الفكرية األساسية‪ ،‬والتي تدور حول الكون‬
‫والحياة وأصل الوجود واألشياء‪ ،‬والخلق واإلنسان‪ ،‬وقصة الحضارة‪ ،‬والمجتمع اإلنساني ومشكالته‪،‬‬
‫وسلوك الفرد‪ ،‬وقيم المجتمع وقضية العدل اإللهي‪ ،‬ومسألة الخير والشر‪ ،‬وماهية الصراع في‬
‫الوجود وحدوده‪ .‬وكان أهمها ملحمة جلجامش والتي تعرضت لفلسفة الحياة والموت‪.6‬‬

‫‪ 5‬مصطفى النشار‪ ،‬المصادر الشرقية للفلسفة اليونانية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.118‬‬


‫‪ 6‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.121‬‬

You might also like