Professional Documents
Culture Documents
تمهيد :شهدت منطقة ما بين النهرين ـ ـ ـ والتي تقع على ضفاف نهري دجلة والفرات وتضم
العراق الحالي وجزء من إيران وشبه الجزيرة العربية ـ ـ ـ أقدم الحضارات على االطالق ،حيث
اكتشفت أقدم اآلثار والمخطوطات الدالة على ذلك في مختلف مجاالت الحضارة وعلى وجه
الخصوص الكتابة والقوانين والفكر واألدب .ومن بين أهم هذه الحضارات نجد سومر وبابل وفارس
وغيرها ،وسنحاول أن نتطرق في محاضرتنا هذه إلى الحضارة البابلية كعينة من هذه الحضارات
وهذا في مجال الفكر باعتبارها من ورثت الحضارة السومرية ،وكانت إنجازاتها مقدمة لمن جاء
بعدها من األمم والدول كالكدانيين واألشوريين والفرس وغيرهم .وعلى اتساع المجاالت الحضارية
والثقافية التي برزوا فيها كان الفكر الفلسفي من بين أهم ما برزوا فيه.
آثار الحضارة السومرية :انطالقا من تقدم الحضارة السومرية على باقي الحضارات تاريخيا،
وحضاريا فقد كان لها كثير من المنجزات الحضارية والثقافية التي أفادت منها باقي الحضارت ،قد
يكون أهمها الكتابة والتي تعتبر أهم منجز إنساني على اإلطالق والتي بدونها ال يمكن الحديث
عن حضارة أو مدنية أو دين أو فكر "الكتابة أروع ما خلفه السومريون ،ويبدو هذا الفن عندهم فنا
عظيم الرقي ،صالحة للتعبير عن األفكار المعقدة في التجارة والشعر والدين ...ويرجع عهدها إلى
3600قم 1"...ويطلق عليها الكتابة المسمارية.
وبناء على اختراعهم لحروف الكتابة ،فقد استطاعوا بذلك الحديث في األدب الذي برزت
بعض أشكاله البسيطة ،والتي كانت عبارة عن صلوات وأدعية دينية.2
1
ويل ديورانت ،قصة الحضارة ،ج 2من المجلد األول ،تر :محمد بدران ،دار الجيل للطبع ،بيروت ،بد ط ،بد سنة ،ص.34
2
المرجع نفسه ،ص.36
الحضارة البابلية :تعتبر الحضارة البابلية الوريث الذي ورث الحضارة السومرية والفكر من
ضمنها .بالد بابل تعني باألكدية بوابة اإلله كان الفرس يطلقون عليها بابروش أي دولة بالد ما
بين النهرين القديمة .وظهرت هذه الحضارة بين القرنين 18ق م ،و 6ق م .ومركزها هو مدينة
بابل والتي مر عليها خالل فترات وجودها العديد من الشعوب والحكام .وقد مرت هذه الدولة
بمرحلتين ،تشمل المرحلة التأسيس وكانت ابتداء من 1763وأعظم ملوكها كان حامورابي ،كما
شهدت مرحلة ثانية ابتداء من 652ق م ،وكان أعظم ملوكها نبوخذ نصر.
الفكر الفلسفي عند البابليين :لقد اشتغل البابليون بمختلف صنوف المعرفة الممكنة في
عصرهم ،فكان من ضمن ما اشتغلوا به أمور الميتافيزيقا والكون.
وحدة الكون :رفص السومريون والبابليون بعدهم جمود الكون أو فراغه ،بل نظروا إليه على
أساس أنه حي تتوحد فيه الظواهر الطبيعية بالعالقات االجتماعية ،وهي الفكرة التي تقربنا من
وحدة الوجود المقترنة بالتشبيه والتجسيم.3
أصل الكون ونشأته :ترى هذه الفلسفة الكونية البابلية أنه في البدأ كان البحر ،الذي ولد الجبل
الكوني المؤلف من السماء واألرض متحدتين ،فكان اإلله (آن) وهو السماء مذكر وكانت اإللهة
(كي) وهي األرض مؤنثة .حيث تولد عن اتحادهما الهواء وهو اإلله آنليل الذي قام بفصل السماء
عن األرض ،فاختص والده آن بالسماء ،واختص هو باألرض ،فهيأ اتحاده بأمه األرض المسرح
لتنظيم الكون بخلق اإلنسان و الحيوان والنيات وتأسيس المدن.4
نظرية الفيض :وقد سبقوا أفالطون في قوله بالفيض ،وهي الفكرة التي نجدها في ما بعد عند
المسلمين ،والقائمة على أساس التدرج في الخلق حيث تصدر اآللهة عن بعضها ،كما تصدر
الكائنات األخرى عنها .وهي قائمة "على مبدأ القوة الخالقة للكلمة اإللهية ،فبموجب هذا المبدأ كان
3
جمال المرزوقي ،الفكر الشرقي القديم ،دار اآلفاق العربية ،ط ، 2001 ،1ص.192
4
مصطفى النشار ،المصادر الشرقية للفلسفة اليونانية ،دار قباء ،ط ،1997 ،1ص.118
كل ما ينبغي لإلله الخالق أن يفعله هو أن يصمم الخطط ويقول الكلمة وينطق باالسم إسم الشيء
المراد خلقه فيتم الخلق" 5وان كان المؤرخون يعتقدون أن مصدر هذه الفكرة هو المذهب المنفي.
المالحم :وتضمنت هذه المالحم أبرز المشكالت الفكرية األساسية ،والتي تدور حول الكون
والحياة وأصل الوجود واألشياء ،والخلق واإلنسان ،وقصة الحضارة ،والمجتمع اإلنساني ومشكالته،
وسلوك الفرد ،وقيم المجتمع وقضية العدل اإللهي ،ومسألة الخير والشر ،وماهية الصراع في
الوجود وحدوده .وكان أهمها ملحمة جلجامش والتي تعرضت لفلسفة الحياة والموت.6