Professional Documents
Culture Documents
يجد الدارس لحضارة وادي الرافدين صعوبة الفصل بين التاريخ األشوري
والتاريخ العام لهذه الحضارة،نظرا للتماثل الكبير بين مختلف المظاهر الحضارية لهذا
البلد.لكن دراسة الحقبة المبكرة في تاريخ أشور تشكل ضرورة ملحة من اجل
استيعاب األصول األولى للحضارة األشورية،والتي تتسم بالصعوبة البالغة في
متابعتها،إذ إن دراسة هذه الحقبة تصطدم بعقبات كبيرة،فعلى العكس من الجنوب الذي
وصلنا منه كتابات غزيرة سواء نصوص تاريخية(قوائم ملوك،كتابات ملكية،نصوص
نذرية)،أو نصوص أدبية(أساطير،مالحم،مراثي،أدب مدرسي)،أو نصوص قانونية
(عقود اقتصادية،عقود زواج،قوائم جرايات،نصوص إصالحات)،أو نصوص
دينية(تراتيل،أدعية،قوائم بأسماء اآللهة) التي تقدم مادة غنية ومهمة للباحث في
العصور المبكرة لبالد سومر،ولكن في بالد أشور فان األمر مختلف،ففي العصور
المبكرة،السيما في عصر فجر السالالت (،)Early Dynastic Periodفإننا ال نمتلك أي
وثائق من اجل بناء تصور واضح حتى لو كان جزئيا عن بالد أشور،وقد أشير إلى
هذه الحالة من قبل المنقب األلماني فالتر اندريه ( )Walter Andréaانه في أشور
نعاني":من غياب كامل للنصوص الكتابية"(.)1لذا فان اعتمادنا الكلي في كتابة تاريخ
أشور في هذا العصر سيعتمد بالدرجة األساس على المادة االثارية المتوفرة والتي
كشفت عنها التنقيبات االثارية،ومن ثم اإلشارات القليلة التي وردتنا من وثائقنا في
الجنوب أي بالد سومر.
يسمى هذا العصر في بالد أشور بعصر الطبقة (،)2()G-Hوان معرفتنا عن هذا
العصر ،من الناحيتين السياسية والحضارية ناقصة وغامضة السيما في الطورين
األول والثاني من عصر فجر السالالت(،)3إال انه في الطور الثالث من هذا العصر
أخذت تصلنا بعض المعلومات عن هذه المنطقة(.)4ويؤرخ المنقب اندريه عصر
الطبقتين ( )G-Hبفترة زمنية ترقى إلى األلف الرابع-الثالث قبل الميالد(.)5هذا ويعد
اندريه إن شعب الطبقة ( )Gمعاصرين لساللة لكش( )Lagašاألولى أي في عصر فجر
)6المصدر نفسه،ص.28
)7زياد عويد سويدان المحمداوي،التطورات السياسية في بالد الرافدين:العهد األشxxوري الوسxxيط(،رسxxالة
ماجستير غير منشورة،جامعة بغداد،كلية اآلداب،)2003،ص.25
)8فوزي رشيد،ترجمات لنصوص سومرية ملكية(،بغداد:بال.مط،)1985،نص رقم،5:العمود،6:األسطر:
.19-17
)9انظر حول ذلك:
.MDA,P.22
كذلك:فوزي رشيد،قواعد اللغة السومرية(،بغداد:مديرية الثقافة العامة،)1972،ص.23
)10اندريه،معابد عشتار القديمة،ص.28
2
نسxxبة لبالد بابxxل)،أي إن بالد أشxxور كxxانت خاضxxعة سياسxxيا إلى إحxxدى الxxدويالت
الجنوبية،ويستند اندريه في رأيه هذا إلى عدة أسباب وهي:
.1تشييد سكان أشور في هذا العصر معبدهم حسب الخطة الجنوبية.
.2االختالفات الملفتة لألنظxxار الxxتي تظهxxر في رؤوس التماثيxxل،والxxتي افxترض سxابقا
ماير ( )Meyerوجود عرقين من البشر متعايشين جنبxxا إلى جنب.وهxxذه المسxxألة تتعلxxق
بالرجال فقط،حيث يبدو بعضهم حليقي الرؤوس فضال عن اللحية،وهذا نشxxاهده أيضxxا
في الجنوب السيما في بسمايا وتلو،بينما يظهر رجال آخرون حليقي اللحيxxة أيضxxا لكن
لهم شxxxxعر غزيxxxxر منسxxxxدل إلى الخلxxxxف،حيث يسxxxxتقر فxxxxوق الرقبxxxxة على شxxxxكل
ضفيرة.ويصادفنا هذا الشكل في أعمال النحت في بسمايا ونفر وتلو.
.3وجود تناقض بين التماثيل األشورية والسومرية،إذ تغيب تماما النقxxوش الكتابيxxة من
التماثيل األولى التي تظهر في معظم التماثيل السxxومرية،وهنxxا يتسxxاءل اندريxxه هxxل إن
شxعب أشxور يجهxل الكتابxة ؟ إن ذلxك غxير ممكن بxرأي المنقب،فقxد عxثر في منطقxة
القصر القديم في أشور على كسر لرقم مشوية تحمل عالمات كتابية،وقxxد وجxxدت هxxذه
الكسر في الطبقات العميقة جدا التي البد إنها تتطابق مع طبقة المعبد ()Gأو (.)Hولهذا
يرى هذا المنقب بأنه ربما كانت الكتابة على التماثيل امتيازا لألمراء الكبار،بينما كxxان
يجب على األمراء األصغر شأنا االكتفاء بصنع تماثيل فقط دون نقش أية نصوص.
من خالل ذلك يخلص اندريه إلى نتيجة مفادها إن شعب الطبقة( )Gكان تابعا
ألحد الحكام من الجنوب،كما حصل لزريقوم الذي حكم الحقا في عصر ساللة أور
الثالثة(.)11غير إن هناك أسباب وجيهة تجعلنا نرفض رأي اندريه،وان أشور في هذا
العصر لم تكن خاضعة للجنوب،فبالنسبة للحجة األولى الخاصة ببناء السكان معابدهم
على غرار المعابد البابلية،فال يشكل دليال على سيطرة سياسية من الجنوب،طالما إن
المؤرخين يؤكدون إن بالد أشور كانت خاضعة طوال األلف الثالث قبل الميالد
لمؤثرات قادمة من الجنوب.وان القول بوجود عرقين من البشر في أشور على أساس
االختالف في النحت،فهو أمر ال يمكن الركون إليه الن المنحوتات تخضع لألذواق
الفنية أكثر مما تعكس اختالفات عرقية،فضال عن إن استخدام المنحوتات كأدلة
الختالفات قومية أصبح مرفوضا من قبل الباحثين المحدثين(.)12وان غياب النقوش من
التماثيل األشورية ربما يعود بالفعل إلى عدم معرفة السكان بالكتابة،ويبدو إن هذا
األمر هو الذي جعلنا ال نشهد وثائق كتابية من هذا العصر في أشور،ويشير العالم
األلماني اوتو ادزارد إلى حقيقة إن العالقات بين بالد بابل وبالد أشور كانت مغلقة إلى
درجة ما،بسبب وجود جبل حمرين،وهو فرع من سلسلة جبال زاكروس،والصحراء
الواقعة إلى الجنوب منه.ويعتقد ادزارد إن ذلك هو السبب في عزلة بالد أشور لذلك
فإنها لم تحصل على الكتابة إال في وقت متأخر كثيرا عن بالد بابل،فهناك بعض
)11المصدر نفسه،ص.29-28
)12باقر،مقدمة في تاريخ الحضارات،ج،1ص.80-79
3
النصوص تظهر فقط في أشور فقط خالل الفترة األكدية(.)13وان االفتراض الذي يقول
إن غياب النقوش الكتابية من التماثيل في أشور بسبب إن ذلك امتيازا خاصا باألمراء
الكبار وليس من حق األمراء األصغر شأنا يتناقض مع نتائج التنقيبات االثارية،فقد
عثر في ماري(()Mariتل الحريري قرب البو كمال الحالية) على تماثيل عليها كتابة
أعانت الباحثين على معرفة أسماء األشخاص الذين تصورهم التماثيل ومنها تمثال
(،)14()Ur-Nanšeوليس الطحان أيدي-ناروم( )Idi-Narumوالمغنية أور-نانشة
هناك من دليل على إن هؤالء كانوا من الطبقة الحاكمة.
نخلص من هذا إن محاولة البرهنة على إن بالد أشور كانت خاضعة للجنوب
في هذا العصر،ال يمكن األخذ بها ما لم تتوفر أدلة كتابية تؤكد هذه المسألة.هذا ويمكن
االفتراض إن بالد أشور خالل هذه الحقبة على غرار الجنوب كانت تتألف من عدد
من الدويالت مثل أشور ونينوى،رغم وجود رأي يقول إن بالد أشور لم ينشأ فيها
نظام دول المدن في عصورها القديمة على غرار ما ظهر في الجنوب(.)15ونقرأ في
نص يعود ألحد حكام الجنوب وهو لوكال انيموندو حاكم دولة اداب ( )Adabوالذي
حكم حسب ما يذكر اإلثبات السومري للملوك تسعون سنة()16والذي ربما كان من
ملوك سومر العظام.وقد وصلتنا منه وثيقة متأخرة تدل على انه كان غازيا كبيرا بسط
نفوذه من األراضي الواقعة بين البحر المتوسط حتى جبال زاكروس،ووصفته الوثيقة
بملك الجهات األربعة،وتتحدث عن بنائه معبد اينامزو وتذكر حضور وفود من الدول
المجاورة ومنها بالد سوبارو (سوبير) مع أضاحيهم للمشاركة في هذه
المناسبة(.)17فإذا ما أخذنا ما ورد في هذه الوثيقة كحقيقة تاريخية فان ذلك يعني وجود
عالقات سياسية مبكرة بين بالد أشور والجنوب.ومن الجدير بالذكر إن الوثيقة تشير
إلى إن الوفود الذين حضروا كانوا بصفتهم سوكال ماخ( )Sukkal-Mahوهي كلمة
سومرية تعني وزير الملك(.)18ويترجمها ادزارد الوزير األقدم وان سوكال في األصل