Professional Documents
Culture Documents
تعتبر الثقافة االستراتيجية مزيج من التأثيرات الداخلية والخارجية -الجغرافية والتاريخية والثقافية
واالقتصادية والسياسية والعسكرية -التي تؤثر على سلوك الدول وتوجهاتها االستراتيجية .ومن خالل هذا
المحور سيتم تناول مجموعة متنوعة من النماذج وذلك من أجل فهم سلوكيات الدول داخليا وخارجيا
والعوامل المؤثرة في ثقافتها االستراتيجية.
تعتبر الثقافة المكون األساسي لالستراتيجية الصينية ،فهناك مجموعة من العوامل التي أثرت في تكوين
الثقافة االستراتيجية الصينية.
أ -مرتكزات الثقافة االستراتيجية الصينية:
اإلرث التاريخي الصيني:
يكاد يكون من المستحيل النظر إلى السياسة الخارجية للصين دون النظر إلى الجذور التاريخية
والثقافية األعمق التي شكلت هذه السياسة .حيث عرفت الصين عدة حروب ،والتي صيغت خاللها
االستراتيجيات مثل الحرب األهلية الصينية ( .)1927-1937والحرب الصينية اليابانية الثانية (-1937
. ) 1945كما يجب اعتبار الحرب الباردة األساس الجديد للثقافة االستراتيجية للصين .فخالل أواخر القرن
التاسع عشر ،وجد المفكرين واالستراتيجيين الصينيين والمسؤولين الحكوميين أنفسهم في عالم عدائي
واضح من القوى اإلمبريالية.
دور الموقع الجغرافي للصين:
للموقع والطبيعة الجغرافية تأثير مهم في تكوين الثقافة االستراتيجية الصينية ،فالصين محاطة بحواجز
طبيعية ،تكون الحياة السكانية فيها منخفضة التركز ،مثل سهوب الشمال واألدغال والمحيط واألراضي
الصحراوية في الجنوب ،والتبت في الغرب .هذه الحواجز الطبيعية جعلت الصين مع مرور الوقت في
غير الحاجة إلى تطوير سياسة خارجية معقدة .إضافة إلى هذا يعكس صور الصين العظيم أهمية عسكرية
وأمنية في ردع المعتدين وإعاقة طريق من يريد الهروب.
الفلسفة الكونفوشيوسية :هي أحد أهم المصادر الفكرية المتجذرة في تأثيرها على الثقافة
االستراتيجي ة الصينية .نمت الكونفوشية في فترة الدول المتحاربة(حوالي القرن الرابع إلى الثاني قبل
الميالد) .الحظ بعض العلماء أنه بين القرنين الرابع عشر والتاسع عشر لم تدخل الصين في حرب مع
اليابان أو كوريا أو فيتنام -في ذلك الوقت ،ألن الدول المحيطة بالصين اعتمدت بشكل أو بآخر أفكار
األخالق الكونفوشيوسية ،التي تنطوي على مفهوم االنسجام الكونفوشيوسي العالمي.
الداوية :أو التاوية هي فلسفة قريبة من الكونفوشية خاصة ما تعلق األمر من ناحية احترام قوانين
الطبيعة ،كما أن الداوية هي معتقد ديني لديها اهتمام بعالقة البشر مع الروحانيات وتقدير العالقة مع
األجداد الذين غادروا إلى عالم الغيب ،فالداوية تعبد الطبيعة كونها تعتقد أن الطبيعة تعكس أحكام اآللهة.
الثورة الثقافية عند ماو تسي تونغ :خالل حكمه بين 1976-1966حاول التقليل من قيمة المعتقدات
في الحق ل العام لمصلحة ما اعتبره ضرورة إعالء شأن المبادئ الشيوعية ،غير أن الكونفوشية والداوية
تحولت مع مرور العصور إلى مبادئ مؤسسة للقيم االجتماعية .وتبنى الحزب الشيوعي إلى حد كبير
وجهة النظر القائلة بأن جوهر القوة الناعمة هو الثقافة الصينية.
1
يميل القادة األمريكيون إلى القلق من أن الصين تسعى إلى السياسة العسكرية التي ستهدد الواليات المتحدة
في نهاية المطاف ومصالح األمن القومي.
خالصة القول هي أن الصين كونفوشيوسية وواقعية ،اعتمادا على الوضع االستراتيجي المحدد التي
تجد نفسها فيها ،استخدمت الصين عبر تاريخها القوة العسكرية لهزيمة المعارضين الذين يهددون حدود
الصين وحكمها األسري ،ولكن الصين تفاوضت أيضا مع األعداء الذين يعيشون خارج الحضارة
الصينية .لقد أدرك الحكام الصينيون فائدة وضرورة تطوير القدرات العسكرية ،خاصة األنواع الجديدة من
األسلحة.
إن اللجوء المتعاقب لمفاهيم "الظهور السلمي" و "التنمية السلمية" -التي ظهرت في 2003و 2005
على التوالي -مكنت الصين من أن تصبح جزءا دائما من المشهد السياسي والمالي في جنوب شرق آسيا.
ج-استراتيجية الدفاع النشط وتشريع استخدام القوة:
حقيقة مخاطر التهديد الخارجي تدفع الصين إلى إظهار البراغماتية واالستباق من خالل اعتماد
استراتيجية "الدفاع النشط" .على الرغم من أن استخدام القوة ال يزال يعتبر المالذ األخير ،فإنه يطبق
سياسة التعزيز الوقائي ل لقدرات القتالية والردعية واالستخباراتية لجيشه .فإذا كان اقتران الخطاب السلمي
والتحديث العسكري قد يبدو في نظر الغرب على أنه تناقض بسيط ،فإن الصينيين يرون فيه تكامال معينا.
شكل نشر الكتاب األبيض للدفاع الصيني في عام 2008نقطة تحول في تأكيد هذا األمر .بعد أن سعت
لفترة طويلة لتقليل الجهود المبذولة لتحديث ال جيش ،قررت الصين بالفعل أن تكون أكثر شفافية من خالل
الكشف عن طموحاتها الدفاعية وشرعيتها .باإلضافة إلى تقديم أرقام ألول مرة تتعلق به.
تقوم الصين باستيراد وت صدير األسلحة ورفع ميزانيتها العسكرية ،وبالتالي عرضت سياسة دفاعية
تهدف إلى إنشاء قوات مسلحة قادرة على كسب جميع أنواع الحروب ،بما في ذلك الحروب غير
المتكافئة .وحماية الحدود والفضاء الوطني ،وتطوير أدوات الدفاع الكمية والنوعية على حد سواء -
بموجب مبدأ "الثورة في الشؤون العسكرية" -وتعزيز استراتيجية نووية للدفاع عن النفس (هي أهداف
حاسمة مذكورة في الورقة البيضاء األخيرة التي نشرت في مارس .)2011
تحاول بكين طمأنة الدول المجاورة من خالل إعادة التأكيد على الطبيعة الدفاعية البحتة لسياستها
النووية باإلضافة إلى التزامها مبدأ عدم التوظيف .ويمثل هذا الخيار الذي يمثل بشكل خاص استراتيجية
الدفاع النشط ،أي ليس الهدف تدمير الخصم ،بل اكتساب قدرات عسكرية كافية لردعه عن أي هجوم ،
أو االنتقام إذا لزم األمر .ومن المفارقات ،أن هذا الموقف الدفاعي يسمح للصين بإضفاء الشرعية على
استخدام القوة في حالة تهديد "لمصالحها الحيوية" .
2
لقد كان لالتحاد السوفياتي دورا حاسما في الحرب العالمية الثانية .فبـعــد انتهاء تلك الحرب ،هيمنت
موسكو على معظم أوروبا من خالل االتحاد السوفياتي و"حلف وارسو" طوال نصف القرن العشرين.
لإلشارة ،تت ميز روسيا بخصائص فريدة من نوعها أبرزها حجمها الكبير الممتد ليس فقط عبر أوروبا بل
عبر قارة آسيا أيضا .لهذا كان التوسع االستعماري السبيل الذي انتهجته روسيا للدفاع عن نفسها ضد
الغزو ،أي من خالل عمليات هجومية السترجاع ما انتزع منها خالل الحربين العالميتين.
ب-المذهب العسكري السوفياتي خالل مرحلة الحرب الباردة :
في ضــوء ما تقــدم يمكــن إجمــال الخصــائص الــتي تميــز بها المـذهب العسـكري الروسـي في
الحقبـة السوفياتية بالنقاط اآلتية:
-إن أحكــام هــذه المــذاهب السياســية والعســكرية قــد تمــت صــياغتها في ضــوء التعــاليم الماركسية-
عن خبرات الحربين اللينينية واآلراء الحزبية للحزب الشيوعي السوفياتي ،فضال عن الحربين العالميتين
األولى والثانية.
-إن الحرب في المذهب العسكري السوفياتي ظاهرة اجتماعية تاريخية تحدث في كل مرحلة من مراحـل
التطـور التـاريخي للمجت معـات وهـي انعكـاس للصـراع الطبقـي ،سـواء كـان بـين قوى وجماعات أو بين
دول منظمة.
-تبنى المذهب العسكري السوفياتي المفهوم العالمي لألمن والـذي يمتـد خـارج حـدود الدولـة الســوفياتية
الســابقة ليشــمل الــدول األعضاء في حلــف وارســو والحلفــاء واألصدقاء في إفريقيا وآسيا وأمريكا
الالتينية.
-إن الحرب مع الرأسمالية هي حالة حتمية حتى مع ظهور السالح النـووي ،وأنهـا سـتكون عالميـة
النطـاق ،ألن النظـام الرأسمـالي يتسـم بالعالميـة وبالسـعي للهيمنـة علـى العـالم عـبر تقويض أركان النظام
االشتراكي.
-إن بناء القوات المسلحة السوفياتية يجب أن يتم بناء على دراسة نوايـا الخصـم واتجاهـات تطور قدراته
العسكرية ،وطبيعة الحرب التي ينوي شنها .
-في حالة نشوب الحرب فإنها ستكون شاملة وليسـت محـدودة ،أي حـرب تسـتخدم فيهـا كافة أنواع
األسلحة من تقليدية ،وفوق التقليدية ،ونووية .
لقد أدت الثقافة االستراتيجية الروسية دورا أساسيا خالل فترة الحرب الباردة ،من خالل تشكيل
القوات المسلحة السوفياتية وفي طبيعة العمليات االستراتيجية التي يجب خوضها في الحرب ،وفي طبيعة
النظام العسكري المالئم للبيئة االستراتيجية الروسية ،مع االلتزام بأهداف القيادة السوفياتية السياسية فيما
يخص السالم و الحرب .غير أن الثقافة االستراتيجية العسكرية الروسية عادت لتحتل مكانة مؤثرة في
إطار النظام السياسي الروسي الحالي.
يمكن سرد خصـائص المـذهب العسـكري الروسـي لمرحلـة مابعد انتهاء الحرب الباردة والمتمثلة
بالنقاط اآلتية:
-حصـول تبـدل في األحكام السياسـية للمـذهب ،إذ أن األهـداف السياسـية والعسـكرية رســمت وفقـا
للظــروف الموضــوعية الداخليــة والخارجيــة الــتي مــرت بـها روسـيا منـذ انتهاء الحرب الباردة،
وطبيعة التهديدات التي يتعرض لها األمن القومي الروسي والحروب المحتملـة الـتي يمكـن أن تـدخلها
روسـيا بعـد أن كانـت هـذه األحكام تصـاغ وفقا للماركسية -اللينينية.
-تبـني المفهـوم القـومي لألمن الـذي يشـمل أراضـي روسـيا ومصـالحها في الخـارج بـدال من المفهوم
العالمي لألمن الذي كان يغطي كل المنظومة االشتراكية .
3
-أن الحروب التي ستدخلها روسيا في المستقبل سوف لن تكون حروبا مثلما كان األمر في الحقبة
السوفياتية وإنما هي حروب متعددة المصادر ،وقد تأخذ نطاقـات عالميـة أو إقليمية أو محليـة ،ومسـتويات
تقليديـة ونوويـة ،في حـين كـان السـوفيات يخططـون فقـط لحرب عالمية شاملة.
-أن بنـاء القـوات المسـلحة الروسـية يجـب أن ال يشمل فقط الجانب العددي للقوات وإنما االهتمام بالجانب
التقني (النوعي) أيضا ،السيما أن حروب المستقبل التقليدية ستكون ذكية.
-أن األسلحة النووية الروسية ستكون لها األولوية في أية حروب مستقبلية تدخلها روسـيا سـواء كانـت
محليـة ،إقليمية ،أو عالميـة ،أي أنهـا سـتكون وسـيلة قتاليـة منـذ البدايـة وليسـت وسيلة ردعية مثلما كان
األمر في الحقبة السوفياتية .
-تقسـيم تلـك األسلحة إل ى أسـلحة ضـربة أولى ،وأسـلحة ضـربة ثانيـة ،أي أن جميــع مواقــع إطــالق
الصــواريخ اإلســتراتيجية ســواء كانــت بريــة ثابتــة أو متحركــة كالغواصــات والطــائرات
االســتراتيجية وســكك الحديــد المتحركــة ،ســوف تكــون مهيــأة للمبـادرة بالضـربة األولى االسـتباقية،
وعندئـذ سـيتعذر علـى الـدرع الصـاروخي األمريكي تدمير جميع صواريخ هذه الضربة األولى إذا كانت
بكثافة عددية هائلة ،والبد أن تفلت منها مجموعة تصيب أهدافها في المدن والمراكز الحيوية للخصم.
إن مجيء بوتين إلى الحكم منذ انتخابه في عام 2000و عودة بروز ثقافة الفكر االستراتيجي
الروسي خاصة بعد أزمة جورجيا ،أعاد المخاوف في النظرة الغربية لروسيا ،والتي كانت قد استمرت
بالتعامل معها وكأنها دولة عادية يمكن تجاهلها ،خاصة خالل التدخل الغربي األحادي الجانب في
العراق ،وفي عدة أماكن من العالم العربي خالل السنوات األخيرة ،مما دفع بروسيا إلى العودة باالستعانة
بثقافتها االستراتيجية العسكرية لوضع حد للتدهور الذي كان قد حصل في قوتها ووضعها في العالم .
أثرت التجارب التاريخية والطبيعة الجغرافية وحتى التركيبة المجتمعية للواليات المتحدة األمريكية في
تشكيل وتطور ثقافتها االستراتيجية.
أ-استخدام القوة في الثقافة اإلستراتيجية األمريكية:
الثقافة االستراتيجية األمريكية محددة بذاكرتها العسكرية ،حتى القرنين 18و ،19فقد تمت إبادة حوالي
40مليون من الهنود الحمر ،وتم اقتطاع ثلث مساحة الكنديين والمكيسكيين بالقوة في إطار توسيع
اإلمبراطورية األمريكية .كما عمل األمريكيون على كسب معاركهم بنصر مطلق منذ حربهم ضد إسبانيا
سنة ،1898إلى الحرب العالمية األولى في ،1917ثم الحرب العالمية الثانية في .1942في حين لم
4
يفلحوا في حربي كوريا والفيتنام ،حيث واجهوا أوضاعا مختلفة عن تلك التي شكلت فكرهم االستراتيجي
وعقيدتهم القتالية.
يمكن أيضا مالحظة درجة عالية من ا الستمرارية في حالة الواليات المتحدة فيما يتعلق باستخدام القوة
لتحقيق أهدافها ،فهناك عدد قليل من البلدان األخرى حيث الثقافة االستراتيجية كانت متسقة كما هو الحال
في الواليات المتحدة .يمكن اإلشارة إلى أنه بعد عام ، 1823تم تأسيس عقيدة مونرو كقاعدة للسياسة
الخ ارجية للواليات المتحدة ،مما أدى إلى فصل الواليات المتحدة عن الخصومات الجيوسياسية المعقدة في
أوروبا .ومع ذلك ،كان األساس المنطقي وراء ذلك متجذرا في التفكير الجيوسياسي ،أي أنها معزولة
وخالية من االختالط األوروبي في نصف الكرة الغربي ،األمر الذي يجعلها قادرة على تعزيز عالقاتها
مع جنوب القارة والحد من مجال السيطرة على القوى االستعمارية األوروبية .ولمدة قرن تقريبا ،كان
تطبيق العقيدة دون عائق وساهم في فهم السياسة الخارجية للواليات المتحدة باعتبارها انعزالية.
كما أن الظروف التاريخية الفريدة للواليات المتحدة أدت إلى الشعور باالستثنائية التي أصبحت راسخة
في الثقافة االستراتيجية األمريكية .ويكمن جوهر هذا السرد في القيم الفردية والليبرالية.
كما أن دعم القيم الديمقراطية الليبرالية واحترام حقوق اإلنسان والحريات ،تعتبر من الدعائم األساسية
لخطاب الثقافة االستراتيجية والتدخل األمريكي .حيث أن توطيد هذه المعايير متجذر في التاريخ والوضع
الجيوسياسي للواليات المتحدة .وتم الحفاظ على هذه القيم خالل فترة الحرب الباردة وتم التأكيد عليها بقوة
خالل إدارتي كلينتون وبوش .فكانت استراتيجيات الواليات المتحدة للمشاركة األجنبية ونشر الديمقراطية
على النمط الغربي ،إلى جانب الدبلوماسية التي تحمل اسم المبادئ األخالقية والقانونية (كمبررات
للحرب) ،تتعارض أحيانا مع القانون الدولي .ويشهد النهج العملي والرافض أحيانا للقانون الدولي على
العالقة غير المست قرة بين األوامر المعيارية واستخدام القوة ،خاصة فيما يتعلق بمذهب بوش الخاص
بالحرب الوقائية ،كما يتضح من غزو العراق المثير للجدل في عام .2003
ب-الهيمنة األمريكية والنظام الدولي الجديد:
أدت نهاية الحرب الباردة إلى حدوث تغير في الفكر االستراتيجي وتحول المعطى العسكري على
مستوى اإلستراتجيات األمنية للدول خاصة بعد ظهور ميكانيزمات وأدوات أخرى قد تهدد الدول من غير
األداة العسكرية مثل العامل االقتصادي والعامل البيئي والعوامل االجتماعية والعوامل الصحية ،بمعنى أن
عامل التهديد قد تغير وتعددت وسائله.
فبعد زوال االتحاد السوفياتي وظهور التكتالت االقتصادية داخل االقتصاد الرأسمالي نفسه كأطراف
أساسية في السياسة الدولية ،تمارس نفوذا متزايدا مثل االتحاد األوروبي واتفاقية التجارة الحرة لدول
أمريكا الشمالية "نافتا" ومنظمة جنوب شرق آسيا "آسيان" ،شكلت كلها مبررات موضوعية للمنظور
القائل بتقدم العامل االقتصادي على العامل العسكري ،ففي هذه الفترة التي تتميز بأقطاب جديدة وإمكانيات
جديدة أصبح الهدف هو تعزيز دور المجموعة الدولية القائمة على حرية السوق وتوسيع دائرة الشعوب
التي تعيش تحت سقف مؤسسات أخرى و العمل على نشر الديمقراطية.
هذا التطور بدأ يتبلور بشكل تدريجي إلى أن أصبح "ثقافة" في الدراسات االستراتيجية الحديثة،
وفرض في إطار اإلستراتيجية األمريكية كمنهج عالمي لحل النزاعات والقضايا العالقة في النظام الدولي،
وما عزز هذا التحول هي أحداث الحادي عشر سبتمبر ،2001التي أعطت للمحافظين الجدد الفرصة
للعودة إلى سدة الحكم وتبنيهم لإلستراتجية ،ونفخت الروح العدائية لكل من ليس مع أمريكا ودفع بالعامل
العسكري إلى مقدمة أجندة السياسة الدولية ،فالمنظورات التقليدية ال تزال مهيمنة بسبب استمرار بعض
أوجه سلوك الحرب الباردة في تطوير أدوات الردع التقليدية والمنافسة حول سوق وتجارة األسلحة ،أما
المنظورات الجديدة ما هي إال نتيجة للمراجعات النظرية عقب نهاية الحرب الباردة من خالل إدراج
عناصر غير عسكرية في المفهوم ،وهناك منظورات قد ظهرت نتيجة للتطور التكنولوجي لألسلحة
الجديدة.
5
هذه الثقافة اعتبرها الباحثون حصيلة المتغيرات المسجلة في البيئة الدولية والتي أثرت وبصورة جلية
ليس فقط على األداء االستراتيجي األمريكي ،بل شملت كل منظومة التنظير التي دفعت بصناع القرار إلى
التوجه إلى صياغة استراتيجية تقترب أكثر إلى االنتماء االيديولوجي منه إلى المنهج العلمي ،وتجلى ذلك
في تحديد العدو القادم "اإلسالم" بطريقة عشوائية لتبرير الخطط المستقبلية المتضمنة الهيمنة على العالم.
فنظرية الهيمنة القائمة على مبدأ السيطرة الجيوسياسية (المدخل األكثر تناسبا مع منطق الهيمنة عبر
تحقيق التفوق) فرض كمنهج في االستراتيجية المعاصرة ،وأخذت حيزا كبيرا في أدبيات الدراسات الدولية
واالستراتيجية ،ألنها أصبحت تشكل مرحلة مفصلية في توزيع القوى والتوازن االستراتيجي رغم تعقيدات
أبعاده في العالقات الدولية ،لكن الحفاظ على المصلحة القومية (الهدف الجوهري للدراسات
االستراتيجية) ،جعل من هذه النظرية القاعدة العامة للدولة العظيمة (القائدة) لممارسة دور يتناسب مع
طموحاتها ،والمتمثل في وجود السلطة البنيوية التي تم ّكن الدولة المهيمنة من احتالل موقع مركزي داخل
نظام مركب يؤهلها لقيادة مجموعة من الدول على حساب بقية المجموعة الدولية ،ليتحقق في األخير
الهدف االستراتيجي القطبية األحادية التي سوف تنقل مركز التأثير في النظام الدولي إلى القطب األحادي
الذي تتمركز عنده القوة العالمية.
في هذا الشأن" ،جون ميرشامير " صرح بـ "أن سعي الدولة في ظل النظام الفوضوي نحو زيادة حصتها
من القوى العالمية إلى أقصى حد لتشمل السعي إلى تحقيق الهيمنة الذي يؤدي إلى زيادة المنافسة األمنية"،
كما جاء رأي "جوزيف ناي" بالقول "أن الهيمنة تشير إلى وجود قوة دولية مسيطرة تكون هي المتفوقة
في المصادر المادية وتتوافر لديها القدرة واإلدارة الالزمتان في صياغة قواعد التفاعل في النظام الدولي"،
نفس التصور طرحه " كريسيتوفر لين" ،بقوله "إن الهيمنة تتخذ أشكاال مختلفة تبدأ بإزالة الخصوم (مثل
اإلمبراطورية الرومانية) وال تنتهي بإخضاع الخصوم وهو ما يناقض مفهوم اإلقناع.
وتشير بعض التقارير ،بأن هناك مخطط إلنشاء "أمريكا العالمية" Pax Americanaالتي من شأنها
أن تتجاوز الهيمنة العالمية التي مارستها اإلمبراطورية الرومانية القديمة .وكانت هذه الفكرة قد صيغت
من قبل المحافظين الجدد ،من خالل "مشروع القرن األمريكي الجديد" الذي يؤكد التفوق العالمي للواليات
المتحدة مدفوعا بشكل دقيق من قبل القوة العسكرية األمريكية .ولقد وفرت القضية العراقية أحسن مثال
عن العالقة بين الليبرالية الجديدة واإلمبريالية التي تتوافق مع التوسع العالمي لقوة الواليات المتحدة.
تعتبر القوة العسكرية وتعزيزها جزء هام من اإلستراتيجية األمريكية الشاملة ،حيث يرى "بول كيندي"
أن ما يميز أمريكا عن كافة اإلمبراطوريات في التاريخ هو "التفاوت في القوة" .وأن "سلوك أمريكا
اإلستعماري يستمر اليوم إذ تملك الواليات المتحدة حقوقا قواعدية في 40بلدا".
فقد قامت الواليات المتحدة بإنشاء قواعد عسكرية في رومانيا وبلغاريا ،ونشر منصات الدرع الصاروخي
في بولندا والتشيك ،والذي يعتبر ذروة الثورة العسكرية األمريكية بعد حرب النجوم سنة ،1983مما يفتح
المجال نحو سباق للتسلح بأحدث التقنيات العلمية.
رغم ذلك قدمت الدراسات اإلستراتجية إطارا لتطوير نظريات وسياسات وعمليات لتخفيض معدل
الحرب ،بحيث كانت هذه الدراسات هي الفرع المهيمن منذ 1950وإلى غاية ،1980لكن مع تركيزها
على استعمال القوة العسكرية فإن أهميتها تراجعت بسبب مسائل جديدة فرضتها العولمة ،ألن السياسة
الدولية المرتبطة بالمسائل العسكرية تبدو مائعة وسيطرت مسائل االقتصاد والتكنولوجيا وحقوق اإلنسان
على اهتمامات صناع القرار وأجبرتهم للتعامل مع تحدي جديد هو كيف تكيف الدراسات اإلستراتجية
المفاهيم التقليدية لإلستراتجية في بيئة أمنية مميزة بالعولمة والثورة المعلوماتية ،والتهديد من طرف
اإلرهاب ،وتوسع أسلحة الدمار الشامل والصراعات اإلثنية واإلقليمية.
ج-تأثير مراكز البحث والتفكير في الثقافة اإلستراتيجية األمريكية:
تعتبر الواليات المتحدة رائدة في مجال التفكير االستراتيجي ،من خالل شبكة واسعة من مراكز البحث
والتفكير ،وتستهدف هذه المراكز تحديث قواعد الفكر والمعرفة والعمل على ترويجها إلى مستوى صانع
6
القرار والرأي العام من خالل العمل على المشاركة في بحوث السياسات العامة واالستراتيجية وتحليلها،
والدعوة إلى إيجاد الحلول للكثير من المشاكل التي تواجه السياسات األمريكية في مختلف أنحاء العالم.
ظهرت الموجة األولى من مراكز الفكر المخصصة في الشؤون الخارجية واالستراتيجية داخل
الواليات المتحدة في وقت مبكر من القرن العشرين .ومن بين المراكز التي أكدت حضورها وقدرتها على
التأثير على مستوى صنع القرار السياسي واالستراتيجي "مؤسسة كارنيغي للسالم العالمي" وقد أنشئت
سنة ، 1910ومؤسسة "هوفر" التي تعنى بالحرب والثورة والسالم والتي تأسست سنة ،1919ومجلس
العالقات الخارجية الذي تأسس سنة ، 1921ومؤسسة "بروكينغز" التي انبثقت عن مؤسسة األبحاث
الحكومية في العاصمة واشنطن سنة . 1916أما الموجة الثانية من مراكز البحث والتفكير فقد ظهرت بعد
الحرب العالمية الثانية ،وبداية الحرب الباردة ،حيث أصبحت الحاجة ملحة لصانعي القرار للحصول على
خبرة مراكز الفكر من أجل التأسيس لسياسات جديدة لألمن القومي والسياسات األمنية ،وكانت البداية مع
مؤسسة "راند" التي دشنت عصر التعاقد بين مراكز الفكر واإلدارة األمريكية بتمويل من سالح الجو
األمريكي سنة .1948
لم تتغير الثقافة االستراتيجية أللمانيا الغربية بشكل جذري بعد اندماجها األولي خالل الحرب الباردة .
وبعد ذلك كانت هناك فترة مستقرة نسبيا أين كان تعزيز العناصر التأسيسية والبيئة الخارجية خاللها
متبادلة إلى حد كبير ،وبالتالي تجنب التعديالت األساسية في اتجاه السياسة .أي تغييرات ناتجة عن تحديات
للممارسات الحالية كان ينظر إليها على أنها تتماشى مع مسلمات الثقافة اإلستراتيجية األلمانية ،عالوة
على ذلك ،سعت في الواقع إلى تعزيزها .جانب مهم من هذا كان توطيد السياسة األمنية من خالل إجماع
قوي بين األطراف الرئيسية فيما يتعلق بالجوهر والتنظيم اتجاه السياسة األمنية أللمانيا الغربية.
7
القانون األساسي في رفض الفكر العنصري القائم على عدم المساواة .سمح هذا اإلصرار على القيم
لأللمان العثور على هوية جديدة بعد عام 1945وإرسالها إلى شركاء جدد ،إشارة إلى أن ألمانيا قد
تغيرت .وكان ال يزال ملحوظا عندما تحدث المستشار "هيلموت كول" عن استمرارية القيم ،وااللتزامات
والشراكات المؤسسية بعد إعادة توحيد ألمانيا .كما تستهدف السياسة الخارجية األلمانية نشر وتعزيز هذه
القيم في جميع أنحاء العالم ،فالديمقراطية وااللتزام بحقوق اإلنسان وسيادة القانون هي عناصر أساسية في
سياستها الخارجية.
8
كذلك من الحرب العالمية الثانية هزمت ،قسمت ،احتلت وحرمت من سيادتها .فالتراث األلماني ال يزال
يمثل الثقافة االستراتيجية األلمانية إلى اليوم .لذا فإن برلين ال تسعى للحصول على منصب القيادة في
األمن الدولي.
استخدام القوة والقيود السياسية والمؤسسية الداخلية:
تعتمد سياسة الدفاع واألمن األلمانية تقليديا على ثقافة ضبط النفس و اإلحجام عن استخدام القوة
العسكرية .األسباب موجودة بشكل أساسي في التاريخ األلماني في القرن العشرين .باإلضافة إلى ذلك ،
أحكاما دستورية متناقضة كان لها تأثير على عرقلة إمكانيات توظيف البوندسوير (القوات
ً اعتمدت ألمانيا
المسلحة لجمهورية ألمانيا االتحادية) خارج اإلقليم .وإذا كانت المادة 87أ من القانون األساسي تُخضع
المشاركة الخارجية للقوات األلمانية إلى تفويض دستوري ،فالمادة 24تؤكد المسؤولية األلمانية في إطار
نظام األمن الجماعي وال يمنع التدخل الخارجي .ومع ذلك ،في إطار العمل الذي تتوخاه سياسة الدفاع
األوروبية أو الناتو ،لقد أصبح من الواضح أن طرق التدخل تتجاوز حدود المنطقة الجغرافية التي يغطيها
الناتو في تسوية الصراعات اإلقليمية.
يجب على البوندستاغ (المجلس التشريعي االتحادي أو البرلمان االتحادي) الموافقة باألغلبية على أي
مشاركة للجيش األلماني في عملية خارجية ،سواء كانت عسكرية أو إنسانية (المادة 87أ) ،من خالل
التحديد الدقيق لتفاصيل تفويض الجيش األلماني لكل عملية (القوى العاملة ،المدة ،المواد .)...
تواجه ألمانيا اليوم ،تحديات أمنية كبيرة والتي تتطلب استجابة وكفاءة في العمل العسكري .كما تدعو
العالقات الدولية المعاصرة إلى رؤية عالمية للقضايا األمنية يتجاوز التحليل العسكري ليشمل الجوانب
االقتصادية والسياسية والثقافية أو اجتماعية .وهذا على وجه الخصوص ما تقترحه المقاربات األمنية
الشاملة التي وضعها االتحاد األوروبي (االستراتيجية األمنية األوروبية) وحلف شمال األطلسي (مفهوم
النهج األمني العالمي الذي تم تبنيه في قمة الحلف في بوخارست عام ، 2008وتم التأكيد عليه مجددًا في
قمة الحلف في لشبونة عام .2010في مواجهة هذه التطورات ،لكن ما يمكن قوله أن السياسة األمنية
األلمانية مقيدة ،ليس بسبب عدم وجود استراتيجية ،بل بسبب شكل من الجمود في ثقافتها االستراتيجية.
تبنت الدولة الجزائرية بعد االستقالل مجموعة عوامل مرجعية كالتاريخ ،وترتب على ذلك تبني عقيدة
ثابتة السيما في مجالي الدفاع واألمن ،انطالقا من مسلمة أن بناء األمن الوطني وإن تعلق بالدولة الوطنية
وتحدد بها ،فإن محدداته أوسع من أن تنحصر في حدودها .وهناك مجموعة من العوامل المؤثرة في الثقافة
االستراتيجية الجزائرية :
يعتبر اإلرث التاريخي االستعماري بمثابة الحركية التي استفاد منها األجيال منذ ،1830أين بدأت
بالمقاومات الشعبية ،ومن ثم النضال السياسي (الحركة الوطنية) الذي انطلق في بداية القرن الماضي عن
طريق نخبة من الشباب المتعلم ،وصوال إلى المرحلة التي تميزت بإنشاء الفرع العسكري المتمثل في
جيش التحرير الوطني الذي جعل من تاريخ 1954ذكرى ال تمحى من أذهان األجيال ،ألنه يمثل المرحلة
المفصلية والحاسمة في تاريخ الجزائر ،فبعد اجتماع القادة 22في جويلية من نفس السنة ،تقرر الخيار
العسكري كأداة للتفاوض مع فرنسا ،وتم قراءته في بيان تاريخي وجه للشعب ( )1954.11.01ومن
9
خالله إلى كل العالم ،وانطلقت الثورة في البداية بمنطقة األوراس بنظام محكم هدفه األول واألخير
"استقالل الجزائر مهما كلف األمر" .وحتى ال تمنح فرصة إلى العدو لزعزعة الثقة بين الشعب والقادة
الثوريين ،تم نهج التوسع لفك الحصار على األوراس ،وأثبت جيش التحرير في العديد من المناسبات (من
خالل المعارك) تحطيم أسطورة أن الجيش الفرنسي ال يقهر ،كما أثبت أنه ليس مجموعة إرهابية أو من
قطاع الطرق ،كما أقنع الرأي العام العالمي بصدق ومشروعية المطلب (الحرية واالستقالل).
ب-الموقع الجغرافي :تمتد الجزائر على مساحة 2.381.741كم( 2أكبر دولة في إفريقيا مساحة) وطول
حدود تبلغ حوالي 6340كلم ،2وامتدادات الساحل بـ 1200كلم ، 2الذي يعتبره الكثير من المحللين من
البوابات المهمة نحو إفريقيا والمتوسط ،وإذا أضفنا إلى ما تحتويه الصحراء من ثروات باطنية (بترول،
غاز ،فوسفات ومياه جوفية) ،فإنه أصبح منطقة جد إستراتيجية مستهدفة من أطراف أجنبية.
فهذا الموقع يمثل الجسر الرابط بين قارتين (أوروبا-إفريقيا) ،شساعة المساحة ،توسطها لدول المغرب
العربي ،طول حدودها البرية والبحرية ،فالشريط الساحلي للبحر األبيض المتوسط المطل على دول
المغرب العربي ،تمر عليه أكثر من % 65من واردات النفط والغاز المتجه إلى أوروبا ،و %15من
الواردات القادمة من الخليج وإفريقيا وأمريكا ،مما يشكل ورقة مهمة في العالقات األورو-متوسطية.
كما أن الهشاشة األمنية التي تعرفها دول الجوار أو ما اصطلح على تسميته "بقوس األزمات" ،فهي نتاج
لمجموعة من العوامل الداخلية (حروب أهلية ،فشل األنظمة ،انهيار المؤسسات السياسية ،االقتصادية،
والعسكرية) التي هيأت الطريق لتحديات خارجية متمثلة في التهديدات األمنية التي وجدت ضالتها
(اإلرهاب ،الجريمة المنظمة...إلخ) ،وهذا ما أثر سلبا على األمن الحدودي للجزائر التي تتقاسم معهم
مجموعة من المكونات الطبيعية والبشرية.
فالجزائر كانت ومازالت محل منافسة بين أكبر القوى عالميا ،خاصة أوروبا (فرنسا) التي تعتبر منطقة
شمال إفريقيا من أهم مناطق نفوذها ،وعليه تبقى كل االحتماالت واردة لدخول المنطقة والتمركز فيها،
ويمكن إلى حد بعيد فهم هذه الرسالة ،من خالل التدخل العسكري الذي تنتهجه من حين إلى آخر تحت
عناوين متعددة ،وهو نفس النهج الذي يمارس من طرف الواليات المتحدة األمريكية في الشرق األوسط
وآسيا.
فكل الدول المذكورة تحاول الهيمنة على المنطقة عبر بوابة الجزائر (إحدى األولويات) ،ومن هنا فتح
الباب على مصراعيه وبدأ التسابق ،لذا يرجح العديد من المحللين أن هناك اعتبارات يمكن من خاللها فهم
توجه الجزائر نحو هذه االستراتيجية في سياستها العامة.
ج-الشرعية الدستورية:
كرست كل الدساتير منذ 1963إلى غاية آخر تعديل ،2020مبادئ الثقافة االستراتيجية الوطنية خاصة
في شقها (السياسة الدفاعية) الجوانب المفاهيمية ،البشرية ،المادية والتنظيمية للدفاع عن السالمة الوطنية
والسيادة الوطنية وعدم التدخل في الشأن الخارجي في زمن الحرب ،من بناء القدرات الدفاعية لألمة في
ظل تنامي التهديدات التقليدية وغير التقليدية التي تواجهها الدولة في فضاء جغرافي وجوار إقليمي شديد
التوتر ،أو في زمن ا لسلم من المساهمة في التنمية االقتصادية واالجتماعية .لتبقى إحدى أهم المهمات
الكبرى (الحفاظ على أمن المواطن والوطن) من األعمال السيادية الموكلة إلى مؤسسة الجيش الوطني
الشعبي الذي اضطلع بهذه المسؤولية بكل مستوياتها وضروراتها كإرث مكتسب من تاريخ المقاومة في
الجزائر.
االعتماد على القواعد القانونية المنصوص عليها في التشريع الداخلي وتدعيمها بما جاء في االتفاقيات
الدولية واإلقليمية ،يضفي الشرعية أثناء تنفيذ كل الخطط العملياتية ،كما يعطي دفع كبير لتقوية الصفوف
وتعزيز التعاون بين الدول في إطار تحقيق السلم واألمن الدوليين ،ومتابعة ومحاسبة كل من تسبب في ذلك
أينما كانوا في الداخل أو في الخارج ،وبالتالي سد األبواب أمام أي تدخل أجنبي مهما كان الهدف منه.
10
د-الشرعية الدولية:
بالعودة إلى المبدأ العام الذي انطلقت منه ديباجة ميثاق األمم المتحدة "نحن شعوب آلينا على أنفسنا ،إنقاذ
األجيال من الحروب وحماية الحقوق ،"..سنجد أن الضمان الوحيد لجميع الحقوق لن يتحقق إال بمشاركة
الجميع وتحت وصاية وإشراف هيئة األمم المتحدة الممثل الوحيد والمصدر األساسي للشرعية الدولية.
من هذا المنطلق ،عمدت الجزائر منذ االستقالل ،إلى االنضمام إلى كل المؤسسات الفاعلة على
المستوى الدولي ،كما ساهمت في إحالل السلم في العديد من القضايا (الصراع االريتري-اإلثيوبي ،تحرير
الرهائن األمريكيين بإيران ،الصراع اإليراني-العراقي) ،كما انضمت إلى العديد من المنظمات الدولية
وهي تجتهد دائما من أجل تجسيد السلم في إطار الشراكة الثنائية أو المتعددة األطراف ،ألنها تؤمن أن
القاعدة العامة المعمول بها في القانون الدولي (أن العالقات بين الدول تقوم على أساس التعاون السلمي)
وهذا ما يضمن حقوق الشعوب في السلم واألمن الدوليين ،وأن الجزائر كغيرها من الدول ملتزمة في
سلوكها بتطبيق المبادئ والقواعد التي تحدد الحقوق والواجبات ،وأن كل مخالفة لهذه المبادئ أو عمل
صادر من دولة من شأنه اإلضرار بدولة أخرى تترتب عليه المسؤولية الدولية.
11