Professional Documents
Culture Documents
تطور نظام العالقات الدولية بين القوى ال ُكبرى منذ نياية الحرب
اختمفت طبيعة العالقة بين الدول الكبرى مع مرور األيام وتتابع األحداث الدولية التي
أثرت وتؤثر في ىذه العالقة سمباً أو إيجاباً .فما نجم عن الحرب العالمية الثانية كان كبي اًر سواء
عمى مستوى التحالفات العالمية أو عمى طبيعة العالقات الدولية التي اعتاد عمييا العالم في
السابق .فحدثت تغييرات كبيرة في ىيكل وموازين القوة الدولية السائدة في ذلك الوقت .فنتائج
الحرب أدت إلى صعود قوة جديدة ،قابمو انزواء وتراجع لقوة سابقة سادت العالم وتحكمت بو لفترة
زمنية طويمة.
كما فرضت الحرب عمى القوتين المتين ستصبحان القوتين العظمتين المييمنتين عمى النظام
الدولي الجديد وعمى العالقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية أن تخرجا من عزلتييما:
الواليات المتحدة التي اختارت العزلة بإرادتيا ،واالتحاد السوفييتي الذي فُرضت عمية قس اًر .فمن
ىذا المنطمق ،ال يمكن استخدام المعيار نفسو في تقييم العالقات الدولية التي سادت النظام
العالمي في المرحمتين المتين أعقبتا الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة .فالحربان شكمتا
مرحمتين فاصمتين في تاريخ النظام العالمي والعالقات الدولية .وربما ما ُيميز فترة ما بعد الحرب
الباردة ىو أن العالقات أخذت تتغير بشكل متسارع ال مثيل لو لم تشيده العالقات الدولية في
السابق .وال شك أن ىناك أسباباً ليذا التغير والتطور الدراماتيكي الذي شيدتو العالقات الدولية.
ويمكن أن ُنشير ىنا إلى قوة وفعالية الدور الذي قامت بو الواليات المتحدة الذي شكل المحرك
األساسي لطبيعة العالقات الدولية وشكل االستراتيجيات العالمية .فأمريكا لم تستطع أن تحكم
العالم بشكل كامل عمى طريقة نظام القطبية الواحد الذي ساد فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية،
والدول المعارضة لمقطبية األحادية لم تستطع بدورىا أن تفرض نظاماً دولياً جديداً.
1
2
كان من أىم النتائج التي تمخضت عنيا الحرب العالمية الثانية إنتاج نظام عالمي جديد ،تبوأت
فيو الواليات المتحدة األمريكية مركز الدولة األولى في العالم ،والمسيطرة عمى السياسات العالمية
المتمثمة بشكل خاص في أوروبا ومنطقة آسيا المحيط اليادي .وقد منحت الحرب العالمية الثانية
الواليات المتحدة نقاطاً كثيرة من القوة ،قابميا نقاط ضعف عانى منيا الجانب األوروبي.
ولعل أبرز مظاىر القوة التي امتمكتيا الواليات المتحدة تمثمت في القوة االقتصادية
واإلمكانيات المالية الكبيرة التي تمتعت بيا ،في فترة تميزت بالحاجات االقتصادية الشديدة لمدول
األخرى ،األوروبية منيا بشكل خاص.
أما المظير الثاني فتمثل بالقوة العسكرية اليائمة التي تمتعت بيا ،في الوقت الذي ازدادت
فيو الحاجة األوروبية ليذه القوة في مواجية التيديدات القادمة من القطب العالمي اآلخر ،االتحاد
السوفييتي .ويضاف إلى ذلك عامل التأثير الثقافي والسياسي الذي دعم من موقف وقوة الواليات
المتحدة االقتصادية والعسكرية.
أما العامل األخير من عوامل قوة أمريكا فتمثل في إسياميا في احتالل بعض البمدان
الميمة كألمانيا وايطاليا ،وقياميا ُمنفردة باحتالل اليابان ،وتحويميا إلى قاعدة عسكرية حيوية
وحميف استراتيجي ميم ليا في منطقة آسيا.
يتقاسم كل من الغرب والواليات المتحدة الكثير من القواسم المشتركة والعالقات الوثيقة الثقافية
واالقتصادية واالجتماعية والسياسية العميقة التي كانت تربط المجتمع األمريكي باألوربيين .وما
يفسر عمق ىذه العالقات ،التاريخ الطويل من التواصل والغنى والتنوع الذي حممتو اليجارت
والموجات األوروبية خالل القرون الخمسة الماضية.
أقامت الواليات المتحدة عالقات مع الدول األوروبية منذ عام ، 3391حيث تأسست بعثة
الواليات المتحدة في الدول األوروبية المختمفة ،المنضوية تحت سقف االتحاد األوروبي .وتم
تمثيل المفوضية األوربية (االتحاد األوروبي اآلن) في الواليات المتحدة في عام 3391ومقرىا
في واشنطن .ويعقد كل من االتحاد األوروبي والواليات المتحدة قمم رئاسية منتظمة لتقييم
2
3
وتطوير التعاون عبر األطمسي .ونتج عن ىذه القمم المنتظمة إعالن األطمسي في تشرين الثاني
من عام 3331والذي شكل لممرة األولى الحوار بين الواليات المتحدة واالتحاد األوروبي في ذلك
الوقت .وتغيرت طبيعة العالقات بين الطرفين حسب التطور الذي أصاب كل طرف ،والقضايا
والمصالح لتي تيم كل دولة منيما.
-3العالقات بين الواليات المتحدة األمريكية واالتحاد األوروبي بعد الحرب الباردة.
تمكنت الواليات المتحدة األمريكية بين عامي ( ) 3391 – 3319من استغالل النتائج التي
أفرزتيا الحرب العالمية الثانية :فظيورىا كقوة عظمى تمتمك من اإلمكانيات ما يمكنيا من التوسع
وفرض شروطيا عمى كثير من دول العالم ،والتحكم بالقضايا العالمية ،قابمو ضعف وخوف في
الوقت نفسو من قبل الدول األوروبية .فيذه األخيرة كانت تنظر إلى أمريكا عمى أنيا المصدر
الوحيد لممساعدات االقتصادية والمالية والعسكرية ،إال أنيا كانت في الوقت نفسو قمقة من أن
تعود أمريكا إلى سياسة العزلة التي اتبعتيا في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية األولى .وقد
استغمت دول أوروبا ىذه األوضاع بشكل جيد وجعمت من نفسيا المحور األساسي لمسياسة
األمريكية ،والمتمقي األكبر لممساعدات التي تقدميا ،االقتصادية منيا (مشروع مارشال)،
والعسكرية.
كانت بريطانيا أكبر المتحمسين لتقوية العالقات مع الواليات المتحدة األمريكية وأكبر المستفيدين
من المساعدات التي قدمتيا .فالحكومة البريطانية التي كان يرأسيا اتمي من حزب العمال ،عممت
جاىدة عمى توثيق العالقات األوروبية األمريكية ،والحصول عمى العون العسكري واالقتصادي.
3
4
وينطمق البريطانيون في ذلك من إدراكيم حقيقة موقع ومكانة بريطانيا الجديد .فيي لم تعد تمتمك
من اإلمكانيات ،والموارد ما يمكنيا من أن تمعب الدور نفسو الذي كانت تتمتع بو من قبل عمى
المستوى االقتصادي والسياسي .لذلك وجد البريطانيون أن السبيل الوحيد الذي يمكن أن يعوض
ىذا التراجع يكمن في إقامة عالقات قوية مع الواليات المتحدة األمريكية.
ومثل مشروع مارشال اإلطار الذي حصمت من خاللو الدول األوروبية عمى المساعدات
االقتصادية .وقد حاولت الواليات المتحدة األمريكية انتياج سياسة اقتصادية واستراتيجية لمواجية
الخطر الشيوعي من خالل منح الدول األوروبية المنيكة مساعدات اقتصادية .فمشروع مارشال
عام ( 3311نسبة لوزير الخارجية األمريكي جورج مارشال) ييدف إلى إعادة بناء أوروبا ،وىو
ليس ضد بمد أو عقيدة ،بل ضد الفقر والجوع واليأس والفوضى .فالصناعة والتجارة في الدول
األوروبية تعرضت لمدمار والتخريب ،ولحقت فييا أضرار كبيرة وىذا يجعميا ساحة لممد
الشيوعي ،لذلك من الواجب مساعدة ىذه الدول الستعادة اقتصادىا القوي .ووفقاً لمشروع
مارشال ،طالبت الدول األوربية مبمغ 82بميون دوالر ،أنقصيا ترومان إلى 31بميون دوالر ،في
حين وافق الكونغرس عمى 31بميون دوالر فقط.
لم يكن ىدف الواليات المتحدة من مشروع مارشال اقتصادياً فقط ،بل سياسياً وعسكرياً أيضاً.
يكية
فاألىداف االقتصادية تتمثل في إعادة بناء اقتصاد أوروبا وتطويره بأموال ومساعدات أمر ّ
مما ينعكس إيجاباً عمى االقتصاد األمريكي الذي سينتعش بدوره ويتمتع بزيادة في معدالت النمو
االقتصادي .فالدول األوربية مثمت ،وال زالت تمثل مرك اًز ميماً لالستثمارات وسوقاً لمسمع
يكية.
األمر ّ
الشيوعية في أوروبا
ّ السياسية :تركزت بشكل أساسي في مواىة خطر انتشار
ّ أما األىداف
ّ
أن المجتمعات التي تعاني من ويالت الحرب ،ومن البطالة والفقر والجوع وانخفاض
الغر ّبية .ذلك ّ
في مستوى المعيشة ،تُشكل المناخ المناسب النتشار الفكر الشيوعي .لذلك كانت الواليات المتّحدة
أن المساعدات االقتصادية ،واتخاذ اإلجراءات التي يمكن أن تدعم النظام
كية تنظر إلى ّ
األمري ّ
الديمقراطي في أوروبا وتُشكل السبيل األمثل لمواجية الخطر الشيوعي.
4
5
وتنوعت أشكال المساعدات األمريكية التي تضمنيا مشروع مارشال .فالنسبة األكبر من
المساعدات المالية ( )%3قُدمت عمى شكل معونات ،وبشروط ُميسرة من حيث سعر الفائدة
المنخفضة والمدة الزمنية الطويمة الالزمة لمسداد ( 89سنة) .وتعددت المعونات االقتصادية
األمريكية األخرى منيا منح أوروبا معونات إضافية تمثمت في شكل معدات حربية وسمع
استثمارية ومواد تموينية.
وكان لالستثمارات األمريكية في أوروبا دور فاعل في اإلنعاش االقتصادي الذي شيدتو الدول
ومفيد لمشروع مارشال ،أُنشئت منظمة التعاون االقتصادي األوربية .ولضمان تنفيذ فاعل ُ
األوروبي المسؤولة عن الجوانب االقتصادية المتعمقة بمشروع مارشال.
ولم يكن تقديم األمريكيين لمشروع مارشال دون مقابل .فالشروط األمريكية تمثمت بضرورة
ولم يكن التدخل األمريكي في الجوانب االقتصادي أقل من التدخل في النواحي السياسية
واالستراتيجية ،كالتدخل في االنتخابات اإليطالية ،ومعارضة التيارات الشيوعية ،واعادة تسميح
ألمانيا بعد تفجر الحرب في شبو الجزيرة الكورية.
5
6
العسكرية:
ّ ب -المساعدات
كما ىو الحال في مشروع مارشال الذي تكفل بتقديم المساعدات االقتصادية ،فإن حمف شمال
األطمسي شكل إطار التعاون العسكري األمريكي -األوروبي.
كان اليدف األساسي الذي أُنشئ من أجمو الحمف ىو الدفاع عن الدول األعضاء ضد أي خطر
ييددىا عمى أراضييا؛ ضد أي ىجوم تتعرض لو أراضييا أو قواتيا العسكرية ،إضافة إلى
التنسيق وتقديم المساعدة المتبادلة عمى المستويات األمنية والعسكرية والسياسية بين الدول
األعضاء في الحمف.
وشكمت الواليات المتحدة ،لمواجية الخطر الشيوعي ،ورداً عمى انتصار الشيوعية في الصين عام
،3313حمف جنوب شرق آسيا المعروف بسياتو وتم التوقيع عمى الميثاق األساسي لو في
العاصمة الفمبينية مانيال في عام . 3391وضم الحمف دوالً من آسيا كأستراليا والفمبين وتايالند
وباكستان إلى جانب دول أوربية ىي فرنسا وانكمت ار .وكانت مانيال المقر األساسي لقيادة الحمف
العسكرية.
وقد جاء الحمف تتويجاً لممخاوف المشتركة بين الدول األوروبية الغربية والواليات المتحدة
األمريكية التي بدأت تواجو الخطر السوفييتي ومحاصرة المد الشيوعي .وجاء في الوقت نفسو
تأكيداً عمى الصمة الوثيقة بين األمنين األوروبي واألمريكي المتصمين حيث ال يمكن الفصل
بينيما .فالدول األوربية غير قادرة ،بمفردىا عمى مواجية الخطر الشيوعي والقوة السوفييتية ،ذلك
6
7
ومع انتياء الحرب الباردة ،حدثت تغييارت كبيرة في المشيد الدولي؛ فانيار االتحاد السوفييتي،
الصرع
ا واختفت الكتمة الشيوعية التي يقودىا ،وتبدلت طبيعة العالقة بين الدول العظمى ،وانتيى
طر تحول
األيديولوجي الذي تحكم بفترة الحرب الباردة .ومع تغير الخريطة الجيوسياسية لمعالم ،أ
ميم في طبيعة االىتمامات الدولية .فانتقل االىتمام من األحالف العسكرية إلى التكتالت
االقتصادية الكبرى اإلقميمية أو العالمية .ومع تقمص العبء األكبر الذي تمثل في مواجية
الخطر الشيوعي ،بدأت سياسة الحمف الداخمية والخارجية تتغير .وتمثل ىذا التغير بضرورة
تغيير الييكمية ،واعادة توزيع وتقاسم األعباء ،المالية بشكل خاص ،ودخول دول جديدة لم يكن
التطورت من ضرورة
ا يسمح ليا بتكوين قوة عسكرية كاليابان عمى سبيل المثال .وانطمقت ىذه
المتغيرت الجديدة التي بدأت بعد انتياء
ا االستعداد الجيد لمرحمة عالمية جديدة ،والتالؤم مع
الحرب الباردة وانطالق الحرب عمى اإلرىاب.
لم تسر العالقات األوروبية -األمريكية عمى نفس النسق من التعاون والتفاىم ،بل شابتيا
الخالفات والتناقضات والسيما بعدما بدأ االعتماد والحاجة األوروبية ألمريكا تخف مع االبتعاد
زمنياً عن الحرب العالمية الثانية ،وتحقيق أوروبا نجاحات اقتصادية كبيرة .فكانت الخالفات
والتناقضات السياسية واالقتصادية والعسكرية الصفة األساسية التي ميزت العالقات األوروبية-
األمريكية في الفترة ما بين 3391و حتى ما قبل نياية الحرب الباردة بقميل.
ففي الستينات بدأ الخالف بين طرفي األطمسي حول رؤية كل طرف لدوره ،ال سيما أوروبا التي
كانت تطالب بالحصول عمى نفوذ أكبر .فجاء االقتراح األول لتعديل طبيعة العالقة من الرئيس
األمريكي جون كيندي الذي طرح مشروع "االتكال المتبادل عبر األطمسي" .إال أن النتائج
العسكرية واالقتصادية كانت مخيبة ،فأوروبا ال زالت مقسمة ،وليس ليا قرار موحد فيما يتعمق
7
8
بالتعاون مع أمريكا ،وبريطانيا ال زالت خارج األسرة األوروبية ،وفرنسا الديغولية تبحث عن
االستقالل في سياستيا عن الواليات المتحدة.
وبدأت منذ العام 1963بوادر االستقالل في سياسة ديغول :سحب األسطول الفرنسي في
البحر المتوسط من سمطة الناتو ،واالنسحاب من البرنامج العسكري لمناتو في عام 3399مع
بقائيا عضواً فيو .كما زادت من انتقادىا الشديد لمحرب األمريكية في فيتنام ،ووسعت عالقاتيا
مع االتحاد السوفييتي وبمدان أوروبا الشرقية .أما ألمانيا ،فقد تخمت عن سياستيا المتشددة تجاه
االتحاد السوفييتي ،وانتيجت سياسة التوجو شرقاً عمى الرغم من المعارضة األمريكية ليا .وال
يمكن إىمال األعباء العسكرية التي تتكبدىا ألمانيا في دفاعيا التقميدي الذي تتحممو ،في الوقت
الذي ال يعكس ذلك القوة الحقيقية أللمانيا التي ال يسمح ليا أن تمتمك قوة نووية.
وبدأ الصراع األمريكي -األوروبي من أجل نفقات الناتو .فاألمريكيون مارسوا ضغوطاً كبيرة
عمى األوروبيين لمقيام بنصيب أكبر من نفقات الدفاع .وظيرت االنتقادات من الكونغرس
األمريكي لمدول األوروبية التي تتردد في تحمل المزيد من النفقات ،والسيما ّأنيا تمتمك اقتصاداً
يمكنيا من اإلسيام بفاعمية أكبر .ونجح الضغط الذي بمغ أوجو في عام ،1973حيث تكفمت
أوروبا بدفع معظم التكاليف ،وزادت ألمانيا الغربية من تعويضاتيا لمقوات االمريكية المتواجدة
عمى أراضييا.
وفي مطمع السبعينات من القرن الماضي ،كانت أوروبا تسير نحو تحقيق وحدتيا السياسية
واالقتصادية .فشكل ىذا التوجو األوروبي نحو التكامل مصدر خوف وقمق لدى اإلدارة األمريكية
كونو يقمص من دور أمريكا في أوروبا وييدد زعامتيا ويخفف من سياسة الييمنة التي كانت
تتمتع بيا عمى األطمسي .وقادت كل من فرنسا وألمانيا ىذا التوجو ،وكانت فرنسا ترغب ،انطالقاً
من رغبتيا باالستقالل عن السياسة األمريكية ،بأن يكون لدى أوروبا كممة واحدة تتكمم بيا خارج
نطاق حمف األطمسي ،وبمورة سياسات مستقمة خاصة بالدول األوربية.
8
9
إلى تفوق الناتج القومي لألسرة األوروبية عمى نظيره األمريكي .وكان أحد أىم نتائج التعافي
االقتصادي األوروبي ىو الموقف التدريجي لممساعدات االقتصادية األمريكية ألوروبا الغربية،
حاولت الواليات المتحدة إلغاء التعرفة الجمركية المفروضة عمى السمع األمريكية الواردة إلى دول
األسرة األوروبية لكنيا فشمت .فقامت إدارة الرئيس نيكسون بفرض رسوم إضافية بمقدار % 31
تصدرىا دول األسرة األوروبية إلى الواليات المتحدة األمريكية ،والغاء قابمية
ّ عمى الواردات التي
تبديل الدوالر إلى ذىب ،ومراقبة األجور واألسعار.
أما عمى الجانب السياسي ،فقامت اإلدارة األمريكية بتغيير استراتيجية حمف شمال األطمسي
القائمة عمى مبدأ "الرد الشامل" عمى أي تيديد يمكن أن يكون مصدره االتحاد السوفييتي ،التي
كانت تحظى برضى الدول األوروبية ،إلى استراتيجية "الرد المرن"؛ أي التدرج باستخدام األسمحة
من التقميدية إلى النووية ،وبما يتناسب مع مستوى التيديد.
واستمرت العالقات األوروبية الغربية مع االتحاد السوفييتي بقيادة الحكومة الفرنسية .وعممت
ىذه الدول عمى االستمرار في تطوير عالقاتيا التجارية مع الكتمة الشيوعية عمى الرغم من
السياسة المتشددة التي اتبعتيا الواليات المتحدة تجاه االتحاد السوفييتي في عيد جيمي كارتر.
كما عارضت الدول األوروبية السياسات األمريكية تجاه العديد من مناطق ودول العالم ،كالسياسة
التي أقرىا مبدأ ريغان مع دول العالم الثالث .لقد أسيم الوضع الجديد ألوروبا مع بداية
السبعينات ،ومعارضتيا لبعض السياسات األمريكية ،إلى إجبار ىذه األخيرة عمى أن تُعيد
حساباتيا فيما يتعمق بسياساتيا الغربية والشرقية عمى حد سواء منذ مطمع الثمانينات.
وحمل عام 1989معو الكثير من األحداث التي فاجأت وأدىشت العالم في آن واحد ،وأجبرت
القوة األمريكية عمى مراجعة سياساتيا مرة أخرى .فقد شيدت أوروبا الشرقية العديد من التغيرات
المتسارعة ،فتم تيديم جدار برلين في التاسع من تشرين الثاني عام ، 3323وىو ما سمح
بإعادة فتح الحدود بين البمدين ،وامكانية توحيد األلمانيتين ،وىذا ما تضمنو مشروع المستشار
األلماني ىمموت كول ذي النقاط العشر لتوحيد ألمانيا في دولة كونفدرالية .ولم تصمد ألمانيا
9
11
الشرقية ،وانيارت ،لتندمج المقاطعات الشرقية الخمسة مع المقاطعات الغربية اإلحدى عشرة
مكونة دولة موحدة تحتفل بأول عيد قومي جديد ليا في الثالث من تشرين األول من عام ،3331
ُليصبح الثالث من تشرين األول العيد القومي السنوي أللمانيا الموحدة.
وسقطت ألمانيا الشرقية مقابل حزمة من المساعدات االقتصادية ،واإلغراءات العسكرية ،وتخمي
السوفييت عنيا .فغورباتشوف السوفييتي تخمى عن الزعيم األلماني الشرقي ىونيكار وعن خمفو
كرنز ،وسحب قوات بالده العسكرية من ألمانيا الشرقية مقابل وعد بالحصول عمى مساعدات
اقتصادية ضخمة تقدميا ألمانيا الغربية لبالده ،وتخفيض عمى قواتيا المسمحة .وأصبحت ألمانيا
الموحدة زعيمة االقتصاد في أوروبا الغربية ،وقوة اقتصادية ضاربة في العالم .وقد منح الوضع
الجديد أللمانيا الموحدة قدرة أكبر عمى المناورة السياسية والقدرة عمى اتخاذ ق اررات سياسية أكثر
استقاللية .وبدأت ألمانيا بالعمل مع فرنسا ،عدوتيا في األمس القريب ،عمى تحقيق الوحدة
األوربية االقتصادية والسياسية ،وربما العسكرية عمى المدى البعيد وىذا سيميد من دون شك إلى
إحداث تغيرات كبيرة في العالقات األوروبية-األمريكية من جية ،وفي طبيعة العالقات الدولية
من جية ثانية.
مرت العالقات الصينية -السوفيتية بمراحل متعددة ،شيدت فييا الكثير من األحداث التي
انعكست سمباً أو إيجاباً عمى طبيعتيا .وقد تأثرت العالقات بجممة من األحداث الخاصة بكل بمد
أو بأحداث يتشارك فييا البمدان.
الصينية:
ّ -1العالقات السوفييتية
تُعد العالقات الروسية -الصينية قديمة (تعود إلى القرن السابع عشر) ومتشعبة ،وتتأثر في
الوقت نفسو بالمصالح ،وباألحداث التي شيدىا الطرفان .لذلك لم تكن ىذه العالقات عالقة مودة
أو صداقة بالمعنى الحقيقي .وقد أثرت الثورة الروسية في الصين الجميورية في عيد صن يات
صن ،ومن ثم تشانغ كاي شيك ،وفي صين ماوتسي تونغ الشيوعية ،وأسيمت في بناء نوع من
العالقات المتميزة بين الدولتين وكذلك بين زعمائيم .ويمكن أن ُنشير في ىذا المجال إلى معاىدة
11
11
الصداقة عام 3391التي وقعت بين كل من ماوتسي تونغ وستالين بعد قيام الجميورية الصينية،
والتي لم تختمف عن تمك التي ُعقدت عام 3319بين ستالين وتشانغ كاي شيك.
ركزت المعاىدة التي تم توقيعيا بين الصين واالتحاد السوفيتي في عام 3391عمى التعاون
العسكري واألمني ضد اليابان بالدرجة األولى .فقد نصت عمى أن يقوم الطرفان باتخاذ التدابير
واإلجراءات كافة التي من شأنيا منع اليابان من القيام بأي أعمال عدوانية أو من أي دولة أخرى
تنظم ليا في المستقبل .وتعيد الطرفان كذلك بتقديم المساعدة العسكرية بعضيما لبعض ضد
اليابان ،في حال قامت األخيرة بعدوان ،إلجبارىا عمى توقيع معاىدة سالم .كما تضمنت المعاىدة
تعيد الطرفان بعدم الدخول في أي تحالف موجو ضد الطرف اآلخر ،وأن يتم التنسيق فيما بينيما
إليجاد الحمول المناسبة لممشكالت األساسية التي تيم البمدين .وقد نجح الطرفان بالفعل في حسم
بعض المسائل الشائكة ،وال سيما مشكمة سكة حديد تشانغ شوان لصالح ماوتسي تونغ ،وىذا
يعني إعادة ربط مصير العديد من المناطق كجنوب منشوريا وشرق الصين وميناء بورت أرثر
ودايرين بالصين .وعمى الرغم من عدم تركيز المعاىدة عمى الجوانب االقتصادية ،فقد شيدت
ىذه العالقات تطو اًر كبي اًر ونمواً سريعاً.
واستغل ماوتسي تونغ المعطيات الدولية في تمك الفترة لتحقيق أىدافو من خالل التوقيع عمى تمك
المعاىدة؛ فاليابان ُىزمت في الحرب العالمية الثانية ،وحزب الكومنتانغ (الحزب الوطني) لم يعد
موجوداً عمى األرض ،وغير فاعل عمى المستوى السياسي ،وجميورية الصين الشعبية قائمة وىي
المسيطرة عمى كامل األراضي الصينية اآلن وىي أيضاً صديقة لالتحاد السوفييتي .فمن بين
ُ
المكاسب التي حققتيا الصين من خالل تمك االتفاقية ،الحصول عمى قرض من االتحاد
السوفييتي قيمتو 111مميون دوالر لمدة خمس سنوات بفائدة %3بيدف بناء الصناعات الثقيمة
والمناجم والسكك الحديدية ،عمى أن تقوم الصين بسداد قيمة ىذا لقرض مواد خام صينية.
ومن بين ما تضمنتو المعاىدة أيضاً ثالث مذكارت ،المذكرة األولى ألغت معاىدة 3319بين
االتحاد السوفييتي والصين الوطنية ،وتضمنت المذكرة الثانية اعتراف الدولتين باستقالل منغوليا
الخارجية ،أما المذكرة الثالثة فنصت عمى أن يقوم السوفييت بتسميم الممتمكات اليابانية التي
11
12
سيطروا عمييا في منشوريا ،إضافة إلى المباني التي كانت تحتميا البعثة العسكرية الروسية في
بكين لمصين.
كان لمصين أكثر من ىدف تنوي تحقيقو من خالل إبرام ىذه المعاىدة:
اليدف األول ىو مواجية النظام الدولي الجديد الذي يعتمد عمى نظام القطبية الثنائية.
والثاني يتمثل في الحصول عمى مساعدات اقتصادية من االتحاد السوفييتي ،لعمميا أن الحصول
عمى مثل ىذه المساعدات من الدول الغربية التي تتبنى نظاماً اقتصادياً مختمفاً أم اًر في غاية
الصعوبة.
ويتمثل اليدف الثالث في مواجية اليابان التي كانت تحتل أراض صينية.
أما اليدف الرابع لمصين فيو مواجية الواليات المتحدة األمريكية التي أمسكت بزمام أمور الدول
األوروبية التي أنيكتيا الحرب من خالل مشاريع إعادة اإلعمار ،وأعادت تحالفيا مع اليابان
اآلسيوية لمواجية المد الشيوعي الصيني.
االمتيازت.
ا واستطاعت الصين خالل الحرب في الجزيرة الكورية من تحقيق الكثير من األىداف و
فعمى الرغم من عدم االستعداد ليذه الحرب ،كانت الفائدة الصينية كبيرة .فقد تمكنت الصين
خالل الحرب من تدعيم موقفيا ،وتمتين العالقات الصينية -السوفييتية ،وحصوليا عمى كميات
ضخمة من األسمحة السوفييتية التي مكنتيا من تحديث جيشيا وسالحو من جية ،وجعميا قادرة
عمى مواجية أي تيديد يمكن أن تقوم بو الواليات المتحدة االمريكية ضدىا.
وحصمت الصين الشيوعية عمى مساعدات كثيرة عمى المستوى االقتصادي والفني .فقدمت
موسكو لبكين تجييزات فنية ومعمومات تكنولوجية .وتطور التعاون بين البمدين ليشمل قيام
االتحاد السوفييتي بضم 1111صيني لتدريبيم في المشروعات السوفيتية المختمفة ،وتدريب عدد
من الصينيين في األكاديمية السوفيتية ،واسياميم في إعادة ىيكمة وتنظيم التعميم الصيني عمى
نمط التعميم المتبع في بمدىم ،وذلك من خالل تدريب 3111مدرس صيني في االتحاد
السوفييتي ،وقبول عدد كبير من الطالب الصينيين في الدراسات العميا التابعة لمجامعات
السوفيتية.
12
13
كان السوفييت ينظرون في عالقاتيم مع الصين عمى أنيا الطرف األصغر ،وربما األضعف من
خالل إصرارىم عمى أن تكون القيادة ليم وتفوقيم في كل اتفاق ُيعقد بين الطرفين ،في الوقت
الذي كان اليدف األساسي لمصينيين ىو تحقيق مصالحيم القومية ،راضين بوضعيم كتابع،
ومستفيدين من الظروف اإلقميمية والدولية السائدة آنذاك.
إال أن المفارقة في العالقات بين االتحاد السوفييتي والصين ىو أن زيادة التقارب وتوسيع
وتنمية مجاالت التعاون وتوثيقيا ُيزيد من عوامل االحتكاك والخالف بينيما .فعمى سبيل المثال،
كانت الحكومة الروسية تُصر عمى ضرورة أن يدفع الصينيون قيمة المساعدات التي يتمقونيا،
وكذلك اإلصرار الكبير من قبل الحكومة السوفيتية عمى ضرورة قيام الصين بدفع قيمة
المساعدات العسكرية التي . 3391فالسوفييت لم يكونوا معتادين -كانوا يتمقونيا خالل الحرب
الكورية 3391عمى أن يدفعوا بمثل ىذا السخاء ألي نظام حكم ميما كان نوعو ،حتى لو كان
شيوعياً ،والصينيون كانوا ينظرون إلى تمك المساعدات عمى أنيا ضئيمة مقارنة بالخدمات
والتضحيات التي يقدمونيا ،والسيما في خالل الحرب الكورية ،وىذا جعميم يعتقدون بأنيم وحدىم
من تحمل تكاليف الحرب الكورية.
وحتى عام 1956العام الذي توقف فيو العمل بمعاىدة ، 1951بدأت الخالفات تظير
بين الدولتين خالل فترة الستينات .وقد أسيمت عدة عوامل في تطور ىذه الخالفات ووصول
الصينية ( - 3399
ّ الثقافية
ّ بعضيا إلى حد التيديد العسكري والنزاع المسمح بينيما؛ الثورة
،)3319والنزاع المسمح عمى الحدود عام ،3393وقيام االتحاد السوفييتي عام 3313بعقد
معاىدة صداقة وتعاون مع اليند جارة الصين ،وأحد أكثر البمدان عداوة ليا .وقد أسيمت ىذه
ابتداء من عام 3311بالتوجو نحو
ً األحداث في إقناع الزعيم الشيوعي الصيني ماوتسي تونغ،
الغرب والواليات المتحدة األمريكية وتطبيع عالقات بالده معيما.
13
14
والسيما عندما طمب االتحاد السوفييتي من الصين خدمات مقابل تمك المساعدات .إال أن تمك
صرع أيديولوجي إال مع دخول العالم العقد السادس من
ا الخالفات لم تتطور إلى خالفات أو
القرن الماضي .وقد كانت قضية األمن العسكري بين البمدين محور الخالف األيديولوجي قبل أن
يتحول إلى ص ارع عسكري عمى الحدود في عام .3393
ويمكن القول إن الخطاب الذي ألقاه خرتشوف عام 3399كان السبب في ظيور الخالفات
األيديولوجية بين الصين واالتحاد السوفييتي .فعمى الرغم من أن السوفييت اعتبروا أن ىذا
الخطاب شأن داخمي ،إال أن الصينيين كانوا ينظرون لو عمى أنو شكل بداية القطيعة بين الفكر
الرسمالية في سبيل نشر
الصرع مع أ
الشيوعي الصيني (الماوي) الذي يعتمد عمى العنف و ا
الشيوعية .فالرئيس خرتشوف أشار إلى إمكانية التخمي عن الحرب والتحول إلى االشتراكية عن
طريق السمم وطرح مبدأ التعايش السممي .وقد مثمت ىذه المبادئ األسس الجديدة لمسياسة
السوفييتية الجديدة ىاجس خوف وقمق لدى الزعيم الصيني ماوتسي تونغ الذي شعر بأن ىذا
التوجو الجديد لمسياسة السوفييتية يمكن أن يحول الصين إلى دولة ضعيفة وغير قادرة عمى حسم
قضايا إقميمية تدخل في خانة األمن القومي الصيني (مسألة تايوان) وعمى مواجية الغرب
الرسمالي ،ال سيما الواليات المتحدة.
أ
وتمثمت قمة المخاوف الصينية من سياسة خرتشوف في الزيارة التي قام بيا في عام 1959
إلى واشنطن بعد سمسمة من اإلجراءات التطبيعية مع الواليات المتحدة في محاولة لتحقيق انفراج
في العالقات بينيما؛ فعمل عمى تحقيق التوازن اإلستراتيجي مع الواليات المتحدة والتقميل من
مخاطر نشوب حرب معيا يمكن أن تُستعمل فييا أسمحة غير تقميدية .فالمخاوف الصينية تأتي
من الخوف من أن يؤثر التعايش السممي بين االتحاد السوفييتي والغرب إلى إضعاف موقف
الصين والضرر بمصالحيا في تايوان ،ذلك أن استعادة الجزيرة يستمزم استعمال التحالف
والتعاون الصيني -السوفييتي بشكل كامل .فالسياسة السوفييتية الجديدة اعادت التأكيد عمى
الخالف األيديولوجي بين موسكو التي كانت ترفض استعمال القوة العسكرية والحرب كوسيمة
المثمى
لتحقيق انتشار الشيوعية وانتصار ،وبكين التي كانت تُؤكد أن الحروب ىي الوسيمة ُ
لتحقيق األىداف الشيوعية.
14
15
واستمرت العالقات في التدىور حتى وصمت في بداية الستينات إلى حد إثارة مشاكل الحدود بين
البمدين .وتدىورت األوضاع عمى الحدود بشكل خطير في عام 3398مع اجتياز أعداد كبيرة
من بعض األقميات الصينية الحدود باتجاه األراضي السوفييتية .ثم تحولت ىذه الخالفات الخطيرة
بعد ذلك إلى صراع دعاوى بين الطرفين حول امتالك بعض المناطق واألراضي الحدودية.
فأثارت الصين مسألة األراضي التي سيطرت عمييا روسيا القيصرية ،وطالبت بضرورة إعادة
النظر في ىذه المعاىدات واسترداد بعض األراضي التي كانت قد سيطرت عمييا في السابق.
15
16
وتدخل مسألة الصواريخ الكوبية عام 1962عمى خط تدىور العالقات بين الطرفين.
فالصينيون لم يراعوا المرحمة الحساسة التي تمر بيا عالقات موسكو بواشنطن ،وأعمنوا مساندتيم
وتأييدىم لمطالب وحقوق كوبا ،واتيموا االتحاد السوفييتي بالتخاذل والرضوخ لممطالب والتيديدات
وعدت أن الموقف الضعيف لالتحاد السوفييتي سوف ُيسيء لمكتمة الشيوعية ويظيرىا
األمريكيةّ .
بمظير الضعف ويقمل من ىيبتيا أمام الدول الصغيرة التي ستفقد الثقة بيا ،ويقوي المركز
المضاد ،مركز الرأسمالية والواليات المتحدة .فالواليات المتحدة كانت قد فكرت في مياجمة كوبا،
بأنيا لن تسمح
قبل أن يستقر الرأي في قيام حظر عسكري عمييا .وترافق ىذا الحظر مع التيديد ّ
بإرسال أسمحة ىجومية لكوبا ،وطالبت السوفييت بتفكيك قواعد الصواريخ السوفييتية المبنية أو
قيد البناء وازالة جميع األسمحة اليجومية.
وكانت إدارة كيندي تتوقع عدم موافقة االتحاد السوفييتي وحدوث مواجية بين الطرفين .وبالفعل
رفض خرتشوف ،بالعمن ،من خالل رسالة أرسميا لو رفضو لممطالب األمريكية ،وىدد بأن
اإلجراءات األمريكية يمكن أن تتسبب في نشوب حرب صواريخ نووية ،بينما أرسل عبر قنوات
سرية جممة من االقتراحات التي تُمثل حالً لممشكمة القائمة .وانتيت األزمة في 82تشرين أول
3398باتفاق كل من الرئيس األمريكي جون كيندي واألمين العام لألمم المتحدة إزالة السوفييت
لقواعد الصواريخ الكوبية ،عمى أن تتعيد الواليات المتحدة بعدم غزو كوبا ،وأن تقوم بالتخمص
من الصواريخ البالستية.
ونتج عن االنشقاق بين االتحاد السوفييتي والصين عدد من الحروب بالوكالة في منطقة
جنوب شرق آسيا كالصراع بين كمبوديا وفيتنام .إال أن الحرب الفيتنامية لعبت دو اًر ميماً في
الخالف السوفييتي -الصيني .ففي الوقت الذي نجحت فيو الصين بتفجير قنبمتيا النووية،
وازاحة خرتشوف عن سمطة الكريممن عام 3391كانت حرب فيتنام سبباً في عودة الخالف بين
القطبين الشيوعيين ،عمى الرغم من أن زيادة تواجد األمريكيين في اليند الصينية كان عامل قمق
ُمشترك لكل منيما .فالسوفييت طالبوا الصينيين بضرورة التنسيق والتعاون لمساعدة فيتنام
الشيوعية ،في الوقت الذي كانت فيو الصين ترفض مثل ىذا التعاون ،بل وتُعرقل أي مساعدة
ُمقدمة من االتحاد السوفييتي لمفيتناميين الشماليين .إال أن األحداث الداخمية الت أخذت تعاني
مدة الثورة الثقافية ،أجبرتيا عمى االنكفاء نحو الداخل ،لتعود إلى اتباع
منيا الصين في خالل ّ
16
17
سياسة العزلة الطوعية التي غالباً ما عاشتيا في فترات مختمفة من تاريخيا ،وتتراجع عالقاتيا مع
العالم الخارجي لتصل إلى مستويات منخفضة جد.
وأثار التقارب بين الواليات المتحدة والصين في سبعينيات القرن الماضي مخاوف االتحاد
السوفييتي ،الذي كان يخشى أن يضطر لمحرب عمى جبيتين :مع قوات حمف شمال األطمسي
التي تقوده الواليات المتحدة ،ومع القوات الصينية عمى الجبية الشرقية .وسعت الصين في بداية
الثمانينات إلى عقد اتفاقيات مع الواليات المتحدة بيدف تشكيل تحالف ضمني ضد االتحاد
السوفييتي .وفي عام 3323قام الرئيس السوفييتي ميخائيل غورباتشوف بزيارة لبكين بيدف
إصالح العالقات معيا ،واعطاء دفعة جديدة لمحادثات ترسيم الحدود.
17