‫المحاضرة ‪01‬‬

‫‪ -1‬الجيوسياسية‪ :‬مقاربة نظرية‬

‫يواجه مسعى وضع تعريف موحد شامل للجبولتيكا صعوبات كبيرة تتمثل في حصر‬
‫مختلف التعاريف المقدمة في شأنها‪ .‬وفيما سيأتي سيتم عرض لعدد من التعاريف وهي على‬
‫سبيل الذكر وليس الحصر‪ ،‬وسننتهي بوضع تعريف إجرائي يساعد على دراسة الجيبوليتكا‪.‬‬
‫فقد اختلف المهتمون بميدان الجيبولتيكا على إعطاء تعريف موحد لها‪ ،‬فمن هؤالء من يعرفها‬
‫انطالقا من المنظور الوضعي الواستفالي حيث الدول كفاعل وحيد تتفاعل في إطار صراع‬
‫عالقات القوة من أجل السيطرة في بيئة جغرافية‪ .‬ومن أبرز التعاريف نجد‪:‬‬
‫‪ 1-1‬مفهوم جيوسياسة العالقات الدولية‪:‬‬
‫هي العلم الذي يدرس التأثيرات المختلفة لإلقليم بما يتضمنه من تضاريس (بحار وجبال‬
‫وسهول وخلجان وغابات‪ )..‬ومناخ‪ ،‬على أداء صناع القرار السياسي داخل الدولة نفسها‪،‬‬
‫وعلى أداء السياسة الخارجية للدول بشكل عام‪ .‬فمن الناحية اإلبستيمولوجية مصطلح‬
‫ي الجغرافيا‪ ،‬و ‪ Politic‬تعنى السياسة‪ ،‬مما يوحى‬ ‫الجيوبولتيكا مكون من شقين ‪ Geo‬وتعن ّ‬
‫لنا بوجود عالقة بين األرض أو الجغرافيا مع السياسة‪ ،‬و منه فالجيوسياسيّة أو الجيوبوليتيك‬
‫هي علم دراسة تأثير األرض على السياسة‪ ،‬في مقابل مسعى السياسة لالستفادة من هذه‬
‫المميّزات وفق منظور مستقبلي أي (عالقة تأثر وتأثِير)‪ ،‬و هناك من يصفها "بعلم سياسة‬
‫األرض" بمعنى العلم الذي يعنى بدراسة تأثير السلوك السياسي في تغيير األبعاد الجغرافيّة‬
‫للدولة‪ ،‬م ّما يستحضر في أذهاننا أن هناك فاعالً يمارس عالقة قوة في إطار جغرافي معين‪.‬‬
‫وعليه يمكن القول أن علم الجيوبوليتيك في أبسط معانيه هو العلم الذي يقودنا إلى دراسة‬
‫كيفيّة استخدام الجغرافيا مصدر قوة للتعبير عن المواقف السياسية‪ .‬ويعود الفضل إلى الباحث‬
‫ي "رودلف کلين )‪" Rudolf Kjellen (1922 - 1864‬والباحث األلماني‬ ‫السّويد ّ‬
‫"فريديريك راتزل ) ‪" Friedrich Ratzel (1904 - 1844‬في بروز هذا المصطلح إلى‬
‫عرفها بكونها "البيئة الطبيعيّة للدولة والسلوك السياسي‪".‬‬
‫الوجود‪ ،‬حيث ّ‬

‫*‪ -‬تعريف‪:‬ردولف كيلن‪Rudolf Kjellén‬‬

‫فـــــــردولف كيلن ( ‪ ،)1864-1922‬وهو من علماء السياسة‪ ،‬ويعد أول من استخدم‬
‫المصطلح الجرماني “الجيوبولتيك ‪” Geopolitik‬عام ‪ 1905‬في المجلة الجرمانية‬
‫‪،Geographische Zeitschrift‬عرف الجيبولتيكا على أنها "دراسة البيئة الطبيعية‬
‫للدولة‪ ،‬وأن أهم ما تعنى به الدولة هو القوة‪ ،‬كما أن حياة الدولة تعتمد على التربية‪ ،‬والثقافة‬
‫واالقتصاد‪ ،‬والحكم وقوة السلطان"‪ .‬ويذهب إلى القول‪ ،‬بأنه "يجب جعل الجغرافيا في خدمة‬
‫الدولة‪ ،‬وهو الغرض األسمى للدراسة‪ ،‬وبذلك تتحول الجغرافيا إلى جيوبولتيك"‪.‬‬
‫*‪ -‬تعريف‪:‬كارل هاوسهوفر‪karl Haushofer‬‬
‫كارل هاوسهوفر (‪ ، )1869-1946‬قدم تعريفا للجيوبولتكيا انطالقا من فكرة أن الجيبولتيكا‬
‫علم طموح أسماه "علم الدولة الجديد"‪ ،‬الذي يستند إلى عدد كبير من األسس ذات الصلة‬
‫بالجغرافيا‪ ،‬ال سيما الجغرافيا السياسية‪ .‬وبحسبه الجيبولتيكا‪" :‬هي العلم القومي الجديد للدولة‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وهي عقيدة تقوم على حتمية المجال الحيوي بالنسبة لكل العمليات السياسية ذات األسس‬
‫الجغرافية السيما الجغرافيا السياسية"‪.‬‬
‫*‪ -‬تعريف بيار ماري كالوس‪Pierre Marie Gallois‬‬
‫يعرف الجيوبولتكي الفرنسي بيار كالوس (‪ )1911-2010‬الجيوسياسية بانها ‪" :‬هي دراسة‬
‫العالقات الموجودة بين تسيير أو قيادة قوة على المستوى العالمي واإلطار الجغرافي الذي‬
‫تمارس فيه"‪.‬‬
‫غير أن النقاش مابعد وضعي يطرح فهما جديدا للجيبولتيكا ال يركز فقط على الدول كوحدة‬
‫تحليل أساسية‪ ،‬وإنما يدخل وحدات ومتغيرات أخرى على غرار القوة الصلبة العسكرية –‬
‫واالقتصادية‪ ،‬كالتكنولوجيا وأثر االقتصاديات العالمية والقيم واألفكار والدين والتاريخ حتى‬
‫متغير الجنس – النوع‪ -‬والبيئية والمشكالت ذات المنحي العالمي ويمكن ذكر منها تعاريف‪:‬‬
‫*‪ -‬تعريف‪:‬ايف الكوست‪Yves Lacoste‬‬
‫وعلى نحو متصل طور إيف الكوست مفهوم الجيبولتيكا بالقول‪" :‬هي دراسة مختلف أشكال‬
‫صراع السلطة على األرض‪ ،‬القدرة تقاس بالموارد التي يحتويها االقليم وبالقدرة على‬
‫التخطيط خارج االقليم وهذا لمسافات تتزايد شيئا فشيئا"‪.‬‬
‫يشير مصطلح الجيبولتيكا في يومنا هذا إلى استخدامات متعددة فهو يستخدم ليعني كل أشكال‬
‫صراع القوة أو التأثير على االرض وعلى االفراد الذين يعيشون فيها‪ ،‬الصراع بين كل ما‬
‫ينطوي على سلطة سياسية – ال يتعلق األمر فقط بالدول ولكن أيضا بالحركات السياسية‬
‫والجماعات المسلحة إلى حد ما غير الشرعية‪ ،-.‬في إطار الصراع من أجل السيطرة أو‬
‫الهيمنة على إقليم سواء كان صغيرا أو كبير‪.‬‬
‫*‪ -‬تعريف‪:‬بارتس شابمن‪Bert Chapman‬‬
‫فيرى بأن الجيوبولتيكا تعكس الواقع الدولي ومجموعة القوى العالمية المنبثقة عن تفاعل‬
‫الجغرافيا من جهة‪ ،‬والتكنولوجيا والتنمية االقتصادية من جهة أخر‪ ،‬وتتسم بالطابع الديناميكي‬
‫ال الثابت‪ .،‬ويخلص إلى أن تفسير الجيوبولتيكا يتم عبر مجموعة من الخيارات اإلستراتيجية‪،‬‬
‫التي تساعد على توفير دليل يسمح بتحقيق الكفاءة اإلستراتيجية‪ .‬وتضع أماكن محددة من‬
‫المجال الجغرافي كعامل استراتجي ومصدر مهم وحاسم للسلطة‪ ،‬إن الجيبولتيكا بحسبه أذن‬
‫تأخذ بوجهة النظر القائلة بأن الجغرافيا ليست سوى جزء من مجمل الظاهرة العالمية‪.‬‬
‫تعريف‪:‬ألكسندر دوغين‪Alexandre Guelievitch Douguine‬‬
‫بجانبه يتساؤل الروسي ألكسندر دوغين في كتابه اسس جيوبلتيكا وهو يحاول إعطاء تعريف‬
‫للجبولتيكا بالقول‪" :‬ماهو التعريف الذي نعطيه لهذا العلم الغامض والبالغ التعبير واإلثارة في‬
‫الوقت نفسه؟"‪ .‬الجيبولتيكا– رؤية للعالم– ومن هذه الزاوية يفضل مقارنتها ال مع العلوم بل‬
‫مع منظومات العلوم‪ .‬وهي تقع على مستوى واحد مع كل من الماركسية واللبيرالية وما إلى‬
‫ذلك‪ ،‬أي مع تلك النظم التي تفسر المجتمع والتاريخ‪ ،‬وذلك عن طريق طرح المعيار األهم‬
‫"الجيوبوليتيك" كمبدأ أساسي ثم تربط به كافة اآلفاق األخرى والمتعلقة باإلنسان والتي‬
‫يصعب حصرها عددا‪ .‬ويذهب للقول‪ ،‬الجيبولتيكا تقوم على ‪" :‬أساس التقريب‪ ،‬التبسيط‪،‬‬
‫اختصار المظاهر الكثيرة والتنوع في الحياة إلى عدة متغيرات‪ ،‬ولكن بغض النظر عن هذا‬
‫الخطأ المقصود والمكنون‪ ،‬والجيبولتيكا تفرض بطريقة مؤثرة ثبوتيتها في مسألة تفسير‬
‫الماضي وفع اليتها الالمتناهية في تنظيم الحاضر وتصميم آفاق المستقبل كما يرى ان العالم‬
‫‪2‬‬
‫برمته هو عبارة عن مجال واضح وجلي والذي يمكن رؤيته و إدراك طبيعته انطالقا من‬
‫وجهات نظر المنظرين الذين يعطون األفضلية لما هو أبيض‪ ،‬ذكوري‪ ،‬وللطبقات العليا‪.‬‬
‫*‪ -‬المفكر األلماني ردولف كيلن‪ :‬يعرفها على أنها "التطبيق العملي للجغرافيا السياسية في‬
‫تحليل القوة القومية"‪ ،‬وبتالي فرق بينها وبين الجغرافيا السياسية التي تعطينا نظرة مجردة‬
‫للواقع الجغرافي والسكاني الذي خلق لنا مستوى معين من القوة والتأثير للوحدة السياسية‪،‬‬
‫بينما الجيوبوليتيك توظف هذه اإلمكانات الطبيعية في توسعها ونموها‪ ،‬وبتالي فإننا في‬
‫الجغرافيا السياسية ننطلق من العوامل الطبيعية من مساحة وموقع إستراتيجي والحدود‬
‫وطبيعة األرض والمناخ والسكان والموارد والثقافة ‪ ....‬وغيرها و مدى تأثيرها في مختلف‬
‫سياسات الدول داخليا و خارجيا بينما الجيوبوليتيك تبحث في الخلل الذي ينجم عن النقائص‬
‫فمكونات هذه العناصر من خالل تدراك مواطن الضعف وتحويلها على قوة‪.‬‬
‫‪ -2-1‬التعريف االجرائي لجيوسياسية العالقات الدولية‬
‫تبعا لكل ماسبق من تعاريف‪ ،‬ومن دون إغفال للمتغيرات الوضعية وما بعد الوضعية ذات‬
‫الصلة بمساعي‪ :‬القوة‪ ،‬السيطرة‪ ،‬وتمدين ودمقرطة الشعوب وأسلمة المجتمعات من جهة‬
‫أخرى وغيرها‪ ،‬يمكن تعريف الجيبولتيكا باعتبارها‪:‬‬
‫"شتى سياسات الصراع المختلف بين القوى والفواعل الرسمية وغير رسمية (الدول‬
‫والحركات المطلبية المسلحة وحركات التحرير ‪ ..‬الخ) في بيئة اقليمية معينة من أجل‬
‫السيطرة أو التنافس او التعاون على اإلقليم ومن أجل تطوير مسعى السيطرة إلى خارج البيئة‬
‫الجغرافية‪ ،‬ويجري ذلك بحسب ما يمتلك من موارد القوة المادية وبحسب ما يروج له من‬
‫موارد غير مادية وافكار وعقائد والقيم و حتي الذكية منها كالكتنولوجيا وغيرها"‪.‬‬
‫‪ 1-3‬الفرق بين جيوسياسة العالقات الدولية والجغرافيا السياسية‬
‫‪ -‬الجيوبوليتيك تهتم برسم سياسة الدولة على المدى البعيد‪ ،‬أي لديها نظرة مستقبلية من خالل‬
‫توظيف المعلومات المتحصل علها من الجغرافيا السياسيا ‪ .‬بينما تهتم الجغرافيا السياسية‬
‫بالمعطي الجغرافي لكن في الماضي وليس المستقبل‪.‬‬
‫‪ -‬بالنسبة للجيوبوليتيك تنطلق من البحث عن تحقيق مصالحها من خالل نظرة ذاتية وطنية‪،‬‬
‫وبهدف توظيف هذه اإلمكانيات الطبيعة لتحقيق مصالحا على المستوى الخارجي وخاصة‬
‫فكرة التوسع‪ ،‬لذلك فإن الجيوبوليتيك تحمل فكرة عدوانية فكرة المجال الحيوي‪ .‬بينما‬
‫الجغرافيا السياسية تبحث في أثر هذه العوامل الطبيعية في السياسات المختلفة للدولة من‬
‫خالل نظرة‬
‫موضوعية‪.‬‬
‫‪ -‬تحمل الجيوبولتيك نزعة عدائية وتوسعية وتمتهن تحريف الحقائق والخرائط‪ ،‬حيث‬
‫أنها‬
‫تسعي لتحيق مصالح الدول مهما كان الثمن حتى ولوعلى حساب تحريف وتشويه الخرائط‬
‫بينما الجغرافيا السياسية تعطينا الحقيقة كما هي ال غير‪.‬‬
‫‪ -‬ارتبطت الجغرافيا السياسية بالسلم بينما الجيوبولتيك ارتبطت بالحرب ‪ .‬فإن كان األول علم‬
‫نظري فإن الثاني هو األكثر تطبيقا في العالم‪.‬‬

‫‪3‬‬