Professional Documents
Culture Documents
djaber-n@veecos.org
بتاريخ 14مارس 2018توقفت مسرية عامل من علماء الكسمولوجيا والفيزايء النظرية؛ ستيفن
هاوكينغ عن عمر 76سنة قضاها يف رحاب البحث واالستكشاف ،ما بني نظرايت علم الكون ،وأحباث
حول الثقوب السوداء والديناميكا احلرارية.
"والثقب األسود هو منطقة يف الفضاء (الزمكان) ذات كثافة مهولة ،وتصل اجلاذبية فيها إىل
مقدار ال يستطيع الضوء اإلفالت منها ،وهلذا تسمى ثقبا أسودا" .وقد استعرت هذا املصطلح ألن هناك
ثقواب يف حياتنا (فضاءان) إذا مل نتنبه هلا ونبتعد عنها فإهنا ستجذبنا إليها ومتنعنا من رؤية احلق (الضوء)
ومن مث نفقد البوصلة ونعيش يف ظالم وظلم.
أاثر موضوع وفاة العامل هاوكينغ الكثري من ردود الفعل بني "مرتحم" و"واقف" ،بني من يدعو له
ابلرمحة لروحه والسالم هلا ،وبني متأسف على مصريه .ومبا أن املوضوع عقدي ابلدرجة األوىل فاألوىل أن
نعود للراسخني يف العلم لريشدوان ويدلوان الطريق.
لكن بتأسف نقول أن البعض أخذته موجة احلرية يف التفكري مادام ميتلك عقال ،فال أحد حيجر
عليه وهو حق كفله اإلسالم لكل م ؤمن به فـ "ال إكراه يف الدين" ،فأصبح خيوض يف مسائل حساسة ال
يفقه أبعادها وال يدرك حىت كنهها.
1
موضوع الوالية 1والرباءة 2هو موضوع ال ميكن جتاوزه يف مثل هذا احلدث الذي يرتبط مبصري
اإلنسان يوم القيامة "فال يصح إميان مؤمن إال إذا كان عدوا ألعداء هللا ،وعداوته هلل قد تكون بسبب
كفره بوجوده أو بوحدانيته ،أو كفره ابلوحي الذي أنزله على رسوله ،أو كفره ابلشرع الذي وضعه للناس
ليسلكوه" ،3
ِ ِ ِ وقد أعلنها القرآن الكرمي صراحة( :ما َكا َن لِلنِ ِ َّ ِ
ين َآمنُوا أَ ْن يَ ْسَتـ ْغف ُروا للْ ُم ْش ِرك َ
ني َولَْو َكانُوا َّب َوالذ َ
ِّ َ
اب ا ْجلَ ِحي ِم) –التوبة " ،113:أي :من بعد ما تبني هلم أن ِ ِ
أ ُِوِل قـُ ْرَ َٰب م ْن بَـ ْعد َما َتـَبـ َّ َ
ني َهلُْم أَنـَّ ُه ْم أ ْ
َص َح ُ
املشركني ال يدخلون اجلنة بل النار" .4
يقول ستيفن هاوكينغ " :كل منا حر يف اإلميان مبا يريد ،ومن وجهة نظري أعتقد أنه ال يوجد
إله .فال أحد خلق الكون وال أحد يوجه مصريان .هذا يقودين إىل إدراك عميق رمبا ال توجد جنة ،وليس
هناك آخرة .لدينا هذه احلياة فقط لنقدر التصميم العظيم للكون ،وهلذا ،أان ممنت للغاية".
لذا جاء اخلطاب ألولئك الذين جيدون يف قلوهبم حبا ملن أنكر وجود اخلالق أنه قد "تقطعت
الوالية هو احلق
بينكم وبينهم األسباب؛ ألن األصل الذي يبىن عليه الود ،وتقام عليه احملبة ،وتؤسس عليه َ
الذي جاءكم من ربكم ،وأنتم وإايهم خمتلفون يف األصل ،وال أساس أعمق من العقيدة ،فالدين الذي
تؤمنون به أيها املؤمنون يكفر به عدو هللا وعدوكم ،والشريعة اليت تنتهجوهنا يف حياتكم يكفرون هبا ،فكيف
تبقى بعد هذا جامعة جتمع بينكم وبينهم؟" .5
على أن هناك من يرى أنه من ابب اإلنسانية والرمحة على اخللق أن ندعو هللا له ابملغفرة ،أتسيا
استِغْ َف ُار إِبْـ َر ِاه َيم ِ َألبِ ِيه إِ َّال َعن
بسيدان إبراهيم الذي وعد أابه أن يستغفر له ،فجاء اجلوابَ( :وَما َكا َن ْ
ِ ِ ِ ِ ِ ِِ ِ ٍ
يم) –ا لتوبة" ،114 :وعد َّمْوع َدة َو َع َد َها إِ َّايهُ َفـَل َّما َتـَبـ َّ َ
ني َلهُ أَنَّهُ َع ُدٌّو َِّّلِّل َتـَبـ َّرأَ مْنهُ ۚ إ َّن إبْـ َراه َيم َأل ََّواهٌ َحل ٌ
- 1تعين احملبة يف هللا تعاىل ابلقلب ،مع متثل املعاين اللغوية ،على أن تكون كلها مبنية على أساس املوافقة على الشريعة،
فيبذل املسلم لكل من يوافقه يف الشريعة هذه املشاعر وااللتزامات ،إضافة إىل الدعاء له خبري الدنيا واآلخرة .معجم
مصطلحات اإلابضية ج ،1ص1103 :
- 2هي البغض يف هللا ابلقلب ملن ثبت ارتكابه للكبرية ،وعدم االستغفار له ،وعدم الدعاء له خبري اآلخرة .معجم
مصطلحات اإلابضية ج ،1ص100 :
- 3يف رحاب القرآن ،ج ،23الشيخ إبراهيم بن عمر بيوض ،ص.292 :
- 4تيسري التفسري ،ج ،15قطب األمية الشيخ احلاج احممد بن يوسف اطفيش ،ص.16 :
- 5يف رحاب القرآن ،ج ،23الشيخ إبراهيم بن عمر بيوض ،ص.294 :
2
إبراهيم أابه يف الوقت الذي كان يرجو فيه أن يفهم أبوه احلق فيتبعه ،ويهتدي إليه فيؤمن ابهلل وحده ،ويرتك
عبادة اآلهلة ،واالستغفار يتضمن طلب اهلداية" .6
لذا جند أن من العلماء من شدد يف هذا املوضوع مبينا أن "هلذا أتثري كبري على قلب املؤمن ،إذا
تفكر مليا وجد أن اختاذ أعداء هللا أولياء ،واإللقاء إليهم ابملودة من أعظم الذنوب ،وأكرب الكبائر عند
هللا.7 ".
مع ملحظ أن هذا ال يؤدي ابملسلم أن يتنكر للخري واجلميل الذي يسدى إليه ألن "هللا تعاىل
عدل ال جيور ،وحكيم يضع األشياء مواضعها ،أيمر مبعاملة كل صنف مبا يليق به" .8وهذا التفريق بني
األصناف إمنا ألحكام الدنيا إحساان ألهل اإلحسان فقد " اقتضت عدالة هللا تعاىل أن يفرق بني أحكام
فرق هللا تعاىل بني الكفار
أهل الكتاب وأحكام املشركني يف الدنيا ،أما يف اآلخرة فكلهم إىل النار ،وكذلك ِّ
املساملني"9 . احملاربني للمسلمني واملعتدين عليهم وبني الكفار
على أننا ال حنكم على أي شخص وال نقطع بفوزه أو خبسرانه يف الدار اآلخرة ،ولكن نقول إن
من توفرت فيه شروط الفوز فهو من الفائزين ومن حتققت فيه أسباب اخلسران فهو من اخلاسرين ،فاحلكم
ابلصفة ال بتعيني الشخص.
خطاب ينبئ عن علمنة غري مصرح هبا ،حىت ممن يراتد املسجد ويؤمن ابلواحد األحد ..فمن
الناس من يرى أن العلم مردود كله إذا مل يصدر عن إميان ،ومنهم من يرى أن الدين موضوع شخصي ال
ينبغي أن حنكم به على العلم .والقاعدة تقرر أن اخلريية رهينة بصفاهتا ،لذا أىن وجد اخلري فالواجب شكر
أجل العلم وأهله "يرفع
من قدمه أاي كان دينه ومعتقده ،وأمسى هذه األفعال ما كان مرتبطا ابلعلم ألن هللا ِّ
3
الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" ،وسيدان حممد صلى هللا عليه وسلم جعل عتق أسرى املشركني
يف بدر مقابل تعليمهم أبناء املسلمني.
لذا ليست املشكلة يف التدين من عدمه ألنه مرتبط مبصري صاحبه لكن مرتبط مبدى انفعية العلم
الذي يصدره ؛ فالعامل الذي يربر للظلم مردود علمه ولو كان من أهل الشريعة ،والعامل الذي حيب اخلري
لآلخرين مرحب بعلمه ما مل يتجاوز ومل جيُر.
عاش العامل ستيفن هاوكينغ حياة غري مستقرة منذ أن بلغ 21سنة من عمره ،عندما عاد من
حفلة رأس السنة امليالدية وسقط على الدرج ،فبدأت محلة الفحص الطب اليت انتهت أنه لن يعيش ألكثر
من عامني وهذا يف سنة ،1963فعاش ألكثر من 55سنة بعد ذلك ،قدم للبشرية دروسا يف احلياة قبل
أن يعطيها دروسا حوهلا .عاش العامل هاوكينغ ضمن وعاء حضاري ساعده ليجتاز مرحلة اخلطر والتقهقر
الصحي فتفرغ للعلم وأعطى مثرات عظمى؛ فمن مجعية أمريكية تكفلت بتوظيف ثالث ممرضات يقمن
برعايته على مدار الساعة ،إىل شركة خاصة قامت إبهدائه برانجما حمفوظا به عدد كبري من اجلمل يعرب هبا
عما يريد ،معربا بقوله" :أصبحت أتواصل أحسن مما كنت عليه قبل أن أفقد صويت".
هذه الرعاية وهذا الوجود ضمن بيئة قد تكون نفعية مصلحية يف رعاية ِ
عامل ،لكنها يف النهاية
أنتجت علما تستفيد منه البشرية رغم اختالطه إبيديولوجية صاحبها ،ولعلنا سنكون أكثر مسؤولية وأكثر
حماسبة ملا يزخر به تراثنا اإلسالمي من حتفيز للبذل والعطاء أبصنافه املتعددة.
وضعنا موت ستيفن هاوكينغ أمام مرآة حماسبة النفس جمددا ،عندما رأينا يف وجوهنا عالمات
السؤال عن مصريه أوال وعن مسؤوليتنا يف هذا املوضوع اثنيا ،فإذا كنا أرضا منخفضة هل كنا سنسقي
أرضا عطشى تنتظر غيثا وقطرا ولكنها أعلى من مستواان؟ هل كنا سنقنعه أبن اإلسالم هو ما يصلح
البشرية إىل أن تقوم الساعة وهو املنجى يف العامل اآلخر؟
4
حنتاج إىل مراجعة النفس لنسائل ماذا ميكن أن نقدم -ليس فرادى ولكن مجاعيا ،-فالعا َمل املركب
واملعقد لن يستطيع أن يتعامل معه الفرد لوحده ،وهنا ستربز احلاجة إىل املتحدات العلمية اليت جتمع وال
تفرق بني التخصصات "الدينية والدنيوية" بل -أكيدا -تفرق ،ولكن مبعيار "النافعة أو غري النافعة" .قد
نكون متيقنني اآلن أهنا حاجة ماسة لذلك ،ولكن قد تكون العقبة هي يف ذواتنا ويف جتاوز "األانت" وحمو
الذات واالعرتاف مبحدودية علم الفرد مهما كان.
يعيش اإلنسان يف هذه احلياة بعقل توليدي يتفاعل مع احمليط والواقع كما يراه هو من منظاره
اخلاص فرتاه يوافق على مواقف ويرد أخرى ،ويتأثر بعوامل ويتجاهل أخرى وهذا بناء على منوذج معريف
مركب يف عقله؛ فهناك من يدرك ذلك وهناك من مل يستشعر .ومعرفة اإلنسان لنماذج اآلخرين املعرفية
متكنه من حتليل أفكارهم واختيار ما يتناسب مع رؤيته مما هو رد .وتزداد املواضيع حساسية مادامت تعلو
يف سلم الفكر وتبتعد عن تفاصيل احلياة اجلزئية إىل عمومياهتا .وكان ملوت ستيفن هاوكينغ متحيص لنماذج
الناس املعرفية اليت يصدرون منها .فبني مفرق بني علوم الدين وعلوم الدنيا ،وبني من يرى أن كل الناس
يدخلون اجلنة إال من استثناه هللا حسب مشيئته وال دخل لنا فيها فاهلل رحيم بعباده ،وبني من يرى أن هللا
وهب اإلنسان عقال ميكنه من التقرير دون احلاجة إىل العودة إىل مرجعية مهما كانت ،وبني هذا وذاك ..
هذه النماذج إن مل يفقها اإلنسان عن وعي ستجرفه من دون وعي منه ،فيأيت أمورا قد تناقض مبادئ
عقدية دون أن يعرف .وهنا يزداد الضغط على الفرد أن يتبىن منوذجا معرفيا يفهم من خالله الواقع.
والنموذج ال يرقى ألن يصبح أداة حتليل ما مل يكن بعقل مجعي وأداء مجاعي خيترب قدرة النموذج يف حياة
الناس اليومية.
ملدة 55سنة وهو يعمل دون كلل أو تعب رغم ما يف إعاقته من تكبيل للحركة وتقييد للفعل،
وهي حالة مل تكن مستقرة بل كانت يف تقهقر مع التقدم يف السن؛ ومع ذلك قدم للبشرية الكثري من
األفكار اليت أاثرت حوهلا النقاش وأصبحت حمورا من حماور احلراك العلمي.
5
حاضر وسافر ،كت ب وألِّف ،انقش وفند ،بل حىت حاجج وأنكر ،هي حركية خلدت امسه ألن
الرسالة يف احلياة كانت واضحة وحمددة ،بل جرأته على مواضيع لعدم استنادها إىل مطلق ال يندثر .عمل
كل جهده ألن يثبت ما يؤمن به ماحنا إايه وقته ،وقد ألف يف هذه املسرية 12كتااب مخسا منها ابالشرتاك.
بع د هذا العرض املختصر الذي حاولت أن أستفيد من احلدث الستخراج معايري تفيدان يف أمثال
دونت ،لكن قد تكون مساحة الفايسبوك
هذه األحداث ،اعتقد أن الكثريين قد يشاطروين الرأي فيما ِّ
ختزل راي صاحب مقال ويوجه عكسوذهنيته مل تسمح هلم ابلتحليل وإبداء الرأي أكثر مما قد يؤدي إىل ا ا
ما أراد ألنه مل يستطع أن يعرب جيدا.
6