You are on page 1of 3

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫بني ‪ ..‬ال تحرجني أمام اآلخرين‪..‬‬

‫عاد إلى البيت وعلى وجهه ارتسمت عالمات لم تكن‬


‫تلك المألوفة‪ ،‬فألقى على سريره محفظته ومعطفه‪،‬‬
‫وتوجه مباشرة إلى المطبخ حيث أمه منهمكة في‬
‫إعداد الغداء له‪.‬‬
‫جلس على الطاولة صامتا‪ ،‬وكأنه يفكر في شيء‪،‬‬
‫وبحس األم علمت أن شيئا ما يدور في خلد‪ ،‬فبادرت‬
‫بالسؤال مباشرة كيف مر برنامج "المنبر" اليوم؟‬
‫لقد أنبتني المعلمة بشدة‪ ،‬أمام زمالئي‪ ،‬وقالت‬
‫لي‪:‬‬
‫لقد أفسدت المسرحية ألنك لم تقم بدورك كما‬
‫رغم‬ ‫الجميع‪،‬‬ ‫أمام‬ ‫أحرجتني‬ ‫لقد‬ ‫ينبغي‪،‬‬
‫التحضيرات المتواصلة‪ .‬لماذا قمت بدورك جيدا في‬
‫اإلنجليزية وأخفقت في العربية؟ ماهذا؟"‬
‫سألته أمه‪ :‬ما الخطأ الذي ارتكبته؟ لقد حفظت‬
‫المسرحية جيدا؟ ‪-‬وتشهد أمه أنه يحب إتمام‬
‫األعمال التي يسندها إليه معلموه‪ ،‬وال يتوانى في‬
‫إنجازها‪ ،‬وال يتوقف حتى يتم العمل‪-‬‬
‫"نعم لقد حفظته جيدا في البيت لكن عندما كنت‬
‫أقوم بدوري نسيت كلمة فلم أستطع المواصلة‪ ،‬ثم‬
‫تداركت وأكملت‪" ...‬‬
‫لقد أنبتني بشدة أمام زمالئي‪ ،‬واعتبرتني السبب‬
‫في عدم األداء الجيد‪.‬‬
‫احتارت األم في الموضوع وابنها الذي يجتاز هذه‬
‫السنة شهادة التعليم االبتدائي ليس من نوع‬
‫الكسالى أو محدودي المواهب‪ ،‬بل هو نشيط وحركي‪،‬‬
‫وكلمة تأنيب واحدة قد تصرفه عن عمل ما إن أحس‬
‫فيه ظلما‪.‬‬
‫حاولت أن ترطب خاطره وأن تذكره بأن اإلنسان‬
‫خطاء‪ ،‬ودفعته ألن يتدارك الخطأ ويصحح‪.‬‬
‫هذا المشهد ذكرني بموقف شبيه له قبل سنتين في‬
‫نفس المدرسة‪ ،‬وكنت واقفا مع الحضور أنتظر بداية‬
‫الحفل‪ ،‬فإذا بي أسمع المعلمة تقول‪ :‬هل أنت جاهز‬
‫ألداء دورك يا عمر‪ ،‬ال تحرجني أمام زمالئي‬
‫والحضور‪ ،‬إياك أن تتلعثم أو أن تخطئ‪...‬‬
‫فتساءلت في نفسي هل مثل هذه النصائح ستكون‬
‫محفزة أم مثبطة‪ ،‬هل ستخفف العبء والمسؤولية‬
‫على التلميذ أم ستزيده رهقا؟‬
‫عندما يركز اإلنسان على البراني على حساب‬
‫الجواني‪ ،‬ويركز على الوسيلة على حساب الغاية‪،‬‬
‫فإن األمور ستنقلب على عقبها‪ ،‬وسنخسر في دراك‬
‫أهدافنا‪ ،‬ألن الوسائل قدمناها على المقصد؛ مقصد‬
‫أن ننشئ إنسانا سويا عدال متوازنا‪ ،‬يؤمن‬
‫بقدراته‪ ،‬ساعيا الستغاللها أحسن استغالل‪ ،‬ال أن‬
‫يسعى إلرضاء محيطه بقدرات غير متوفرة فيه أصال‪،‬‬
‫فيعيش الخيبة بعد الخيبة‪ ،‬فتضمر قدراته التي‬
‫يملكها ألنه ال يستغلها‪..‬‬
‫استفقت من تأملي وساءلت نفسي ماذا لو كنت في‬
‫مكان هذه المعلمة ماذا سيكون رد فعلي‪ ،‬هل أنا‬
‫في منأى عن هذا الخطإ‪ ،‬هل أنا قادر على أن أربي‬
‫‪ 10‬أطفال مرة واحدة –بله ‪ ،-25‬بل أن أربيهم‬
‫وقد شاركني في صقل تصوراتهم أناس آخرون؟؟‬
‫فوصلت إلى نتيجة إلى أن حقل التربية والتعليم‬
‫ليس نظريات تحفظ أو تعاليق تكتب وإنما ممارسة‬
‫واجتهاد ومراوحة بين خطأ وصواب وتصحيح وتدارك‪،‬‬
‫واعتراف بمحدودية إدراك اإلنسان‪ ،‬وتقبل للنصح‬
‫واإلرشاد‪ ،‬وبهذا تواصل البشرية طريقها‪ ،‬وبها‬
‫نحافظ على إنسانية اإلنسان‪.‬‬
‫خاطرة من وحي موقف ابني خالد مع معلمته في‬
‫المدرسة العلمية‬
‫‪ 20‬أكتوبر ‪2018‬‬

You might also like