بين شريعة موسى وانجيل المسيح

You might also like

You are on page 1of 112

‫ه‬

‫م‬ ‫دار كال دية‬


‫م الح ن‬
‫ياة ا‬
‫دية‬
‫ب‬‫أل‬ ‫ِ‬
‫وسى وإ ِجنيل املَسيح‬
‫بَني َشريعة ُم َ‬

‫أتليف‬
‫ألڨا جيه ماكلني‬
‫‪Alva J. McClain‬‬

‫ترمجة‬
‫أشرف بشاي‬
‫طبعة ُأوىل‬
‫جميع ُحقوق الطبع محفوظة‪ ،‬فال يجوز اقتباس‪ ،‬أو إعادة‬
‫نرش‪ ،‬أو طبع الكتاب أو أي ُجزء منه‪ ،‬بدون ال ُحصول عىل‬
‫الناش‪ .‬من يُخالِف ذلك يُع ّرض َ‬
‫نفسه‬ ‫إذن مكتوب من ِ‬
‫للمساءلة القضائ ّية‬

‫الكتاب‪ :‬بني رشيعة موىس وإنجيل املسيح‬


‫الكاتب‪ :‬ألفا جيه ماكلني‬
‫ترجمة‪ :‬القس أرشف بشاي‬
‫إخراج ف ّني وتصميم الغالف وتجهيزات الطباعة‪ :‬القس نرصالله زكريا‬
‫تصميم اآليات‪ :‬أمين عطا‬
‫ال ّن ِاش يف العرب ّية‪ :‬كالم الحياة األبديّة‬
‫رقم اإليداع‪:‬‬
‫الرتقيم ال ّدويل‪978 - 1 - 7323588 - 2 - 9 :‬‬
‫‪Law and Grace,‬‬
‫‪This book was first published in the United States by BMH Books. P.O Box‬‬
‫‪576, Winona Lake, Indiana 46590 with the title Law and Grace,‬‬
‫‪copyright ©1954 by Alva J. McClain. Translated by permission and‬‬
‫‪arranged by F. J. Rudy and Associates.‬‬
‫‪All Rights Reserved‬‬
‫مق ِّدمة النّ ِ‬
‫اشر‬ ‫ُ‬

‫وس وإنجيل املسيح يشوبُها الكثري‬ ‫ما زالت العالقة بني رشيعة ُم َ‬
‫من التشويش يف أذهان ال ّدارسني بل واملسيحيني بشكل عام‪ ،‬فبني‬
‫وس أَ ِو‬
‫كلامت الرب يسوع املسيح «الَ تَظُ ُّنوا أَ ِّن ِجئْ ُت ألَنْق َُض ال َّنا ُم َ‬
‫األَنْ ِب َيا َء‪َ .‬ما ِجئْ ُت ألَنْق َُض بَ ْل ألُكَ ِّم َل» (متّى ‪ ،)17 :5‬وتعاليم الرسول‬
‫يح‬ ‫بولس «ل َْس ُت أُبْ ِط ُل نِ ْع َم َة الل ِه‪ .‬ألَنَّ ُه إِ ْن كَا َن بِال َّنا ُم ِ‬
‫وس ِب ٌّر‪ ،‬فَالْ َم ِس ُ‬
‫إِذًا َماتَ ِبالَ َس َب ٍب!» (غالط ّية ‪)21 :2‬؛ بني هذا وذاك تضيع الرؤية‬
‫الكتاب ّية الصحيحة بشأن رشيعة موىس واملوقف النهايئ منها‪.‬‬
‫كذلك فإن هناك الكثري من اللغط واالرتباك عىل املنابر‬
‫املسيحيّة‪ .‬من املؤسف أن القسوس واملعلّمني ال يجدون يف‬
‫الكتابات العربية ما يشفي غليلهم ب ُخصوص هذا املوضوع‪ ،‬ألن‬
‫املكتبة العربية فقرية يف الدراسات املسيحيّة بصفة عامة‪ ،‬وال سيّام‬
‫الدراسات الكتاب ّية‪.‬‬
‫يُسعد الدار أن تُق ّدم للقارئ العريب هذا الكتاب الذي كتبه‬
‫مؤسس كلية النعمة ‪Grace‬‬ ‫الدكتور القس ألڨا جيه ماكلني ِّ‬
‫‪ Theological Seminary‬وأ ّول رئيس لها‪ ،‬وهي إحدى أكرب كل ّيات‬
‫الالهوت بالواليات املتحدة‪ .‬يف هذا الكتاب الصغري‪ ،‬يُعالج الكاتب‬
‫موضوع الرشيعة واإلنجيل بطريقة دراس ّية وتأمل ّية يف آنٍ واحد‪.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫وهنا يجب التنويه أ َّن د‪ .‬ماكلني ينتمي إىل مدرسة الهوت‬
‫التدبري ‪ ،Dispensation Theology‬الذي يرى أ َّن التاريخ اإلنساين‬
‫ينقسم إىل سبعة تدبريات "أزمنة"‪ ،‬للتعامل اإللهي مع جنسنا‬
‫البرشي‪ ،‬وهو ما يختلف فيه امل ُرتجم مع الكاتب إذ أ َّن امل ُرتجم‬
‫ينتمي إىل مدرسة الالهوت العهدي ‪ ،Covenant Theology‬وهو‬
‫الالهوت الذي تنتمي إليه الكنيسة اإلنجيليّة املشيخيّة‪.‬‬
‫سبب نعمة لكل قارئ حتى‬ ‫نصيل أن يكون هذا الكتاب َ‬
‫رب النعمة الذي « ِم ْن ِملْ ِئ ِه نَ ْح ُن َج ِمي ًعا أَ َخ ْذنَا‪،‬‬ ‫يتع ّرف أكرث عىل ّ‬
‫َونِ ْع َم ًة فَ ْو َق نِ ْع َمة» (يُوح ّنا ‪.)١٦ :١‬‬
‫امل ُح ّرر العام يف اللغة العربيّة‬
‫القس أرشف بشاي‬
‫‪Sola Deo Gloria‬‬

‫)‪(4‬‬
‫املُحتوايت‬

‫ •مقدمة الكاتب ‪7 ...............................................‬‬


‫شيعة) يف كتابات العهد الجديد ‪11‬‬
‫ •«ال ّناموس» (ال ّ‬
‫(((‬

‫الشيعة الحياة األبديّة؟ ‪25 .................‬‬ ‫ •هل تُعطي ّ‬


‫الشيعة ال تُخلِّص اإلنسان ‪29 ..............................‬‬
‫ • ّ‬
‫الشيعة ‪35 ...................‬‬
‫ •قصد الله من وراء إعطاء ّ‬
‫ •رشيعة الله املكتوبة الّتي أُعطيت إلرسائيل ‪45 .......‬‬
‫وس واألمم ‪53 .......................................‬‬
‫ •رشيعة ُم َ‬
‫والشيعة ‪59 .........................................‬‬
‫ •املسيحي ّ‬
‫ •خطورة استعباد املسيحي للرشيعة ‪71 ..................‬‬
‫ •مقياس الحياة لدى املسيحي ‪77 ...........................‬‬
‫ •أسئلة‪ ،‬واعرتاضات‪ ،‬ومشكالت ‪97 .........................‬‬
‫ ‬
‫كلمتي «الناموس والرشيعة» كلفظتني مرتادفتني عىل طُول‬
‫ّ‬ ‫((( يستخدم املرتجم‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫)‪(5‬‬
‫ُمق ِّدمة ال َكاتِب‬

‫برصف ال ّنظر عن انتامءاتهم الفكريّة وتح ُّيزاتهم الالهوتية‪،‬‬


‫هناك اتفاق عام بني ال ّدارسني الجا ّدين للكتاب امل ُق ّدس عىل أن‬
‫مصطلح «ال ّنعمة» هو واحد من أروع املصطلحات الكتاب ّية‪ ،‬بل‬
‫ت ُعترب كلمة ال ّنعمة ُمرادفًا ُمساويًا للمسيح ّية ذاتها‪ .‬لذا‪ ،‬ففي بعض‬
‫ال ّرسائل ال ُبولُس ّية نتقابل مع الربكة ال ّرسول ّية الّتي ال تحمل إال‬
‫ال ّنعمة «ال ّن ْع َم ُة َم َعكُم» (كولويس ‪ ،)١٨ :٤‬مام يعني أن املصطلح‬
‫الخاص بال ّنعمة يتض ّمن ك ُّل يشء يف اإلميان املسيحي‪ .‬فإذا كُنا‬‫ّ‬
‫منتلك ال ّنعمة فال حاجة لنا إىل يشء آخر بعد‪.‬‬
‫أما بال ّنسبة الستخدام هذا املصطلح يف كتابات العهد الجديد‬
‫فهناك اتفاق عام ثان؛ فال ّنعمة هي فضل الله الذي ال نستحقه‪،‬‬
‫وهي اإلحسان والخالص باإلميان الّذي قبلناه يف شخص املسيح‪.‬‬
‫لذا فالخالص ليس م ّنا‪ ،‬وال يتحقّق بأعاملنا‪ ،‬بل هو «عط ّية الله»‬
‫(أفسس ‪ .)٩-٨ :٢‬ومبا أن الخالص املسيحي ال يتم إال باإلميان‪ ،‬إذًا‬
‫ُ‬
‫فليست ال ّنعم ُة بع ُد نعمةً» ( ُروم َية‬
‫ْ‬ ‫فهو ليس من األعامل «وإال‬
‫‪.)٦ :١١‬‬
‫وكثري من الجدل الّذي يُواجه العقيدة املسيحيّة امل ُتعلِّقة‬
‫بالخالص بال ّنعمة سب ُبه «مكانة ال ّناموس» يف قلب املسيحي املؤمن‬
‫)‪(7‬‬
‫الّذي نال خالصه بال ّنعمة‪ .‬كان هذا األمر صحي ًحا يف زمن ال ّر ُسل‬
‫واستمر كذلك يف ك ُّل تاريخ الفكر املسيحي طيلة القرون‪ .‬كذلك‬
‫كان هذا األمر أيضً ا موضو َع املناقشة والحوار يف املجمع الكنيس‬
‫السبب الّذي‬ ‫أعمل ال ّر ُسل ‪ ،١١ ،٥ :١٥‬وكان ّ‬
‫األ ّول الّذي نقرأ عنه يف َ‬
‫دفع ال ّرسول بُولُس لكتابة أكرث رسائله ِح ّدة؛ ال ّرسالة إىل مؤمني‬
‫حرب ال تنتهي‪ ،‬لكن ينبغي عىل ك ُّل جيل يف كنيسة‬ ‫غالطيّة‪ .‬إنها ٌ‬
‫املسيح أن يواجه هذا األمر من أجل نفسه‪.‬‬
‫وهناك دوافع مختلفة تظهر وراء الحوار يف هذا املوضوع‪،‬‬
‫طيب وبعضها اآلخر سيئ‪ .‬ظهر هذا املوضوع‬ ‫بعض هذه ال ّدوافع ٌ‬
‫الساحة الفكريّة ُمؤخ ًّرا بكثري من ال ّدوافع الطّيبة‪ .‬لقد تألّم‬
‫عىل ّ‬
‫مؤمنون كثريون وانزعجوا بسبب فشل الشّ عب املسيحي يف‬
‫العيش طبقًا لهذه تلك ال ّنوع ّية من الحياة الّتي بحسب كلمة الله‬
‫والّتي يجب أن متيّز هؤالء امل ُخلَّصني بال ّنعمة‪ .‬وكعالج لهذه املحنة‬
‫الفكريّة يف الكنائس ا ُقرتح أن نرجع إىل ال ّناموس‪ .‬يجادل البعض‬
‫بالقول‪« :‬لقد فشلنا ألننا مل نفرض عىل أعضاء الكنائس التزامات‬
‫ال ّناموس األخالقي»‪ .‬ويقولون‪« :‬إن طريق ال ّنجاح يف ك ُّل الحياة‬
‫املسيحيّة والعمل الكنيس ميكن أن يتحقق بقيادة شعب الكنيسة‬
‫إىل رؤية أنهم ما زالوا تحت ال ّناموس األخالقي لرشيعة الله‪ .‬من‬
‫املذهل متا ًما أن نرى كيف تنترش وجهة ال ّنظر هذه الّتي يتب ّناها‬
‫كثريون ويدافعون عنها‪.‬‬

‫)‪(8‬‬
‫الخاصة‬
‫ّ‬ ‫ولدي وجهة نظري‬‫ومع أنني مقتن ٌع بكثري من األفكار ّ‬
‫يف هذا املوضوع‪ ،‬إال أن املوقف الحايل قادين لدراسة هذا املوضوع‬
‫ب ُرمته من جديد ليك أراجع عالقة املسيحي بالرشيعة‪ .‬أق ّدم يف‬
‫الصغري نتائج هذه ال ّدراسة مع رجايئ الحار‪ ،‬لنفيس‬‫هذا الكتاب ّ‬
‫ولل ُقراء‪ ،‬أن نجد طريق الحق كام هو ُمعلَن يف كلمة الله‪.‬‬
‫ ‬

‫)‪(9‬‬
‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫شريعة) يف كتاابت العهد اجلديد‬
‫«النّاموس» (ال ّ‬

‫«ال ّناموس» هو الرشيعة املكتوبة الّتي تتض ّمن‪ ،‬بوجه عام‪،‬‬


‫وس النبي‪ .‬يُع ِّرف ال ّرسول بُولُس‬ ‫األسفار الخمسة الّتي كتبها ُم َ‬
‫(الشيعة) بأنه ك ُّل «كتاب ال ّناموس» (غالط ّية ‪،)١٠ :٣‬‬ ‫ال ّناموس ّ‬
‫ويتكلّم ربُّنا عن «ال ّناموس واألنبياء» ُمع ِّرفًا ال ّناموس بأنه ذلك‬
‫الجزء من العهد القديم الّذي يتك ّون من الكتب الخمسة األوىل‬
‫والّتي كانت معروفة جيّ ًدا يف أيامه (متّى ‪ ،)١٧ :٥‬كام يظهر نفس‬
‫أعمل ال ّر ُسل ‪.٢٣ :٢٨‬‬
‫التّعبري يف لُوقَا ‪ ٤٤ :٢٤‬وأيضً ا يف َ‬
‫ُوسوية‬
‫باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن ك ُّل كتاب من هذه الكُتب امل َ‬
‫الخمسة ميكن تعريفه بأنه ُجز ٌء من «ال ّناموس»‪ ،‬ففي كورنثوس‬
‫األوىل ‪ ٣٤ :١٤‬حينام أراد ال ّرسول بُولُس أن يُويص ال ّنساء أن‬
‫«يخضعن كام يقول ال ّناموس»‪ ،‬كان ‪-‬بال شك‪ -‬يُشري إىل ما ورد يف‬
‫قائل عنه إنه‬
‫التّكوين ‪ ،١٦ :٣‬كام كان يقتبس من ال ُخروج ‪ً ١٧ :٢٠‬‬
‫«ال ّناموس» ( ُروميَة ‪ .)٧ :٧‬يُشري ربُّنا نفسه إىل فقرة يف ال ّناموس‬
‫«مكتوب يف ال ّناموس» (لُوقَا ‪:١٠‬‬
‫ٌ‬ ‫قائل‪:‬‬
‫واردة يف الالويّني ‪ً ١٨ :١٩‬‬
‫‪ .)٢٧-٢٦‬وم ّرة ثانية يف بشارة متّى ‪ ٥ :١٢‬يُشري املسيح إىل ما‬
‫سائل الفريسيني ما إذا كانوا قد‬ ‫ورد يف سفر العدد ‪ً ١٠-٩ :٢٨‬‬
‫)‪(11‬‬
‫قرأوا «يف ال ّناموس»‪ .‬أخ ًريا‪ ،‬ففي دفاعه عن الخدمة املدفوعة ‪Paid‬‬
‫يقتبس ال ّرسول بُولُس مقط ًعا ورد يف سفر التّثنية ‪ ٤ :٢٥‬موضِّ ًحا أنه‬
‫وس» (‪١‬كُورنثوس ‪.)٩ :٩‬‬ ‫ِ‬
‫ناموس ُم َ‬ ‫«مكتوب يف‬
‫ٌ‬
‫هذه ليست ُرؤية روائية‪(((.‬يقول أرخيبالد ماكيج إنه «يف‬
‫ُوسوي» ويف‬ ‫البشائر‪ ،‬تُشري الكلمة «ناموس» دامئًا إىل ال ّناموس امل َ‬
‫ُوسوية الخمسة»‪ .‬وبال ّنسبة‬ ‫نفس الوقت تعني «مجموع األسفار امل َ‬
‫الستخدام هذه الكلمة يف ال ّرسائل‪ ،‬يكتب ماكيج‪« :‬بشكل عام‪ ،‬ت ُشري‬
‫وس»‪ .‬ويحاج ساملوند أن كلمة ال ّناموس (‪ho‬‬ ‫الكلمة إىل ناموس ُم َ‬
‫أفسس ‪ ١٥ :٢‬يجب أن تؤخذ «بك ُّل معانيها‬ ‫‪ )nomos‬الواردة يف ُ‬
‫ال باملعنى االحتفايل (الطقيس) فقط‪ ،‬بل ال ّناموس بجملته ككل‪،‬‬
‫(((‬

‫كام يستخدمه الكاتب يف هذه اآلية»(((‪.‬‬


‫وصحيح أن كلمة «ال ّناموس» قد تُشري إىل العهد القديم مبجمله‬
‫(قارن يُوح ّنا ‪ ٣٤ :١٠‬مع مزمور ‪ ٦ :٨٢‬وأيضً ا كورنثوس األوىل ‪:١٤‬‬
‫‪ ٢١‬مع إشعياء ‪ ،)١٢-١١ :٢٨‬لكن حتى يف هذا االستخدام ال ّنادر‬
‫للكلمة يجب أن نتذكّر أن أسفار العهد القديم جميعها تفرتض‬
‫‪(2) Law, in the New Testament, International Standard Bible Encyclopedia‬‬
‫‪(Chicago: Howard-Severance, 1915), III, 1844, 1848.‬‬
‫(( ( يستخدم الكاتب تعبري «الناموس االحتفايل» كمرادف ملا تعارفنا عىل تسميته‬
‫بالناموس الطقيس‪ ،‬أي رشائع تقديم الذبائح املختلفة (املرتجم)‪.‬‬
‫‪(4) Stewart D. F. Salmond, “Ephesians,” The Expositor’s Greek Testament,‬‬
‫‪ed. Robertson Nicoll (4th ed., London: Hodder and Stoughton, 1917),‬‬
‫‪111, 295.‬‬

‫)‪(12‬‬
‫وجود ال ّناموس داعية البرش إىل العودة إليه ومه ِّددة ب ُعقوبات ضد‬
‫ُوسوي مل تكن‬ ‫من ينتهكونه‪ .‬لذا فإن الفكرة األصلية للناموس امل َ‬
‫غائبة بامل ّرة يف مثل هذه االقتباسات‪.‬‬
‫ولهذا ال ّناموس وحدة عضوية ال تنفصم عراها‪ ،‬وهذا األمر‬
‫صحيح بدون ذرة شك أو تساؤل‪ :‬هناك ثالثة عنارص أو مكونات‬
‫تظهر يف هذا ال ّناموس‪ :‬ال ّناموس األديب‪ ،‬ال ّناموس االحتفايل‬
‫(الطقيس)‪ ،‬ال ّناموس املدين‪ .‬ومن الخطأ تقسيم ال ّناموس إىل ثالثة‬
‫نواميس كام اعتاد أن يفعل كثريون‪ ،‬وكذلك من الخطأ تقسيم‬
‫نوعي‪ :‬ال ّناموس األخالقي وال ّناموس االحتفايل‪.‬‬
‫ال ّناموس إىل ْ‬
‫يتضح هذا األمر جليًا من ال ّنصوص الواردة يف العهد الجديد‪:‬‬
‫يوضّ ح كاتب رسالة يعقُوب أن‪َ « :‬م ْن َح ِف َظ ك َُّل ال َّنا ُم ِ‬
‫وس‪َ ،‬وإِنَّ َا‬
‫اح َد ٍة‪ ،‬فَ َق ْد َصا َر ُم ْج ِر ًما ِف الْك ُِّل» (‪ .)١٠ :٢‬وعن كلمة‬ ‫َع َ َث ِف َو ِ‬
‫«ك ُّل» الواردة يف هذا ال ّنص يكتب أوسرتيل أن الكلمة ال ُيونان ّية‬
‫(‪ )panton‬تعادل «كل تعاليم التّوراة»‪ (((.‬ونفس ال ّنقطة يوضّ حها‬
‫ال ّرسول بُولُس يف غالط ّية ‪ ٣ :٥‬بالقول‪« :‬لكن أشهد أيضً ا لك ُّل إنسان‬
‫مختنت أنه ملتزم أن يعمل بك ُّل ال ّناموس»‪ .‬ويُوضّ ح املسيح‪« :‬فَ َم ْن‬
‫اس ه َكذَا‪ ،‬يُ ْد َعى‬ ‫الص ْغ َرى َو َعلَّ َم ال َّن َ‬ ‫نَق ََض إِ ْح َدى ِ‬
‫هذ ِه الْ َو َصايَا ُّ‬
‫لنتمسك بالوحدة‬ ‫ّ‬ ‫الس َم َوات» (متّى ‪ )١٩ :٥‬لذا‬ ‫ُوت َّ‬‫أَ ْص َغ َر ِف َملَك ِ‬

‫‪(5) William O. E. Oesterley, “James,” The Expositor Greek Testament, IV,‬‬


‫‪441.‬‬

‫)‪(13‬‬
‫الكاملة للناموس‪ .‬إن «أصغر الوصايا» الّتي أشار إليها ربُّنا هي‬
‫ُوسوية الخمسة‪ ،‬وال تقترص فقط عىل‬ ‫تلك املوجودة باألسفار امل َ‬
‫«الوصايا األخالق ّية» وال عىل تلك الوصايا القليلة املتضمنة يف‬
‫العظة عىل الجبل‪ ،‬كام هو واضح يف العدديْن ‪ ١٨-١٧‬من متّى‬
‫الشح من‬ ‫الفصل الخامس حيث ال ميكن أن نخطئ يف فهم هذا ّ‬
‫ُوسوي‪.‬‬
‫فم املسيح‪ .‬لقد تح ّدث املسيح ب ُوضوح هنا عن ال ّناموس امل َ‬
‫الشاح‪ ،‬مع وجهة ال ّنظر هذه‪،‬‬
‫يتفق ماير؛ وهو واح ٌد من أقدر ّ ّ‬
‫فيكتب معلقًا عىل متّى ‪« :١٧ :٥‬لذا ال يجب أن نفكِّر يف ال ّناموس‬
‫عىل أنه ال ّناموس األخالقي فقط؛ فهذا التّفكري خاطئ‪ .‬والتّمييز‬
‫بني ال ّناموس الطّقيس‪ ،‬وال ّناموس املدين‪ ،‬وال ّناموس األخالقي هو‬
‫يشء حديث‪ (((».‬ويوضِّ ح بيك‪« :‬هذا التّمييز بني ال ّناموس األخالقي‬
‫وال ّناموس االحتفايل ال معنى له عند ال ّرسول بُولُس‪ (((».‬ونفس‬
‫وجهة ال ّنظر هذه واضحة لدى جودت‪« :‬وبوجه عام‪ ،‬فالتّمييز‬
‫بني األجزاء الطّقس ّية واالحتفال ّية يف ال ّناموس هو يشء غريب عىل‬
‫(((‬
‫الضّ مري اليَ ُهودي الّذي يتناول ال ّناموس كرشيعة إلهية واحدة‪».‬‬
‫‪(6) H. A. W. Meyer, “Matthew,” Commentary in the New Testament” (New‬‬
‫ ‪York: Funk and Wagnalls, 1884), I, 120.‬‬
‫‪(7) A. S. Peake, “Colossians,” The Expositor’s Greek Testament, III,‬‬
‫ ‪527.‬‬
‫‪(8) Fredrick L. Codet, Commentary on St. Paul’s Epistle to the Romans,‬‬
‫‪rev. and ed. Talbot W. Chambers (2d.; New York: Funk and Wagnalls,‬‬
‫ ‪1892), p. 144.‬‬

‫)‪(14‬‬
‫لذا يُحاج جودت بأن ال ّرسول بُولُس ال بُ ّد أنه كان يتبنى وجهة‬
‫ال ّنظر هذه‪.‬‬
‫ويف مقالته القوية الّتي تتكلّم عن ناموس العهد الجديد‪ ،‬يُشري‬
‫جيمس دين إىل حقيقة رائعة تختص بطريقة استخدام العهد‬
‫خاص باقتباس كاتب‬ ‫الجديد لهذا املصطلح؛ فباستثناء واحد وحيد ّ‬
‫السبعينيّة‬‫التجمة ّ‬ ‫العربانيني للنص الوارد يف إرميا ‪ ٣٣ :٣١‬من ّ‬
‫(العربانيني ‪١٠ :٨‬؛ ‪ )١٦ :١٠‬فإن كلمة ال ّناموس الّتي ترد يف العهد‬
‫الجديد تأيت دامئًا يف صيغة املفرد‪ (((.‬ويُعلّق آخر عىل هذه ال ّنقطة‬
‫بالقول‪« :‬إن ناموس الله ‪ ..‬وهو األسلوب املتبع يف األسفار امل ُق ّدسة‪،‬‬
‫فالكاتب الكالسييك كان ليقول (نواميس أثينا أو نواميس سولون)»‪،‬‬
‫فهذه تقري ًبا هي الطّريقة الوحيدة الثّابتة الّتي ت ُشري إىل وحدة‬
‫ال ّناموس اإللهي يف مقابل ال ّنواميس البرشيّة املج ّردة‪.‬‬
‫فربا أُدرجت كأحد‬ ‫أما الفقرة الواردة يف ُروميَة ‪ّ ١٥ :٢‬‬
‫االحتامالت لالستخدام العام لكلمة «ناموس» الّتي ت ُشري إىل مجمل‬
‫ال ّناموس اإللهي‪ .‬يُشري ال ّرسول بُولُس هنا إىل «عمل ال ّناموس مكتوبًا‬
‫يف قلوبهم» أي قلوب األمميني‪ .‬فهل ميكن أن يكون ال ّناموس هنا‬
‫هو ال ّناموس األخالقي فقط؟ ال أعتقد ذلك‪ ،‬فإن قلب ال ّناموس‬
‫االحتفايل هو الذّبيحة‪ ،‬والحث عىل تقديم الذّبائح هو للجميع‬
‫دون استثناء‪ ،‬وهو مطلوب من جميع األمم والشّ عوب‪.‬‬
‫‪(9) James Denny, “Law (in the New Testament), Dictionary of the Bible,‬‬
‫‪ed. James Hastings (New York: Charles Scribner’s Sons, 1911), III, 73.‬‬

‫)‪(15‬‬
‫هذا ال ّناموس األخالقي يتض ّمن ‪-‬كجزء ال يتج ّزأ وكجزء مك ِّمل‪-‬‬
‫توقيع ال ُعقوبات امل ُناسبة‪ ،‬ليك يفرض مطالبه‪ .‬ال ميكن أن ينفصل‬
‫ال ّناموس اإللهي عن جزاءاته كام قد يفرتض البعض‪« .‬ألَ َّن َج ِمي َع‬
‫وس ُه ْم ت َ ْح َت لَ ْع َنة» (غالطيّة ‪.)١٠ :٣‬‬ ‫ال َِّذي َن ُه ْم ِم ْن أَ ْع َم ِل ال َّنا ُم ِ‬
‫وس يُ ْن ِش ُئ غَضَ ًبا» ( ُروم َية ‪ .)١٥ :٤‬كذلك يُشري ال ّرسول‬ ‫«ألَ َّن ال َّنا ُم َ‬
‫«خ ْد َمة امل َ ْوت ‪ِ ..‬خ ْد َمة ال ّدي ُنونة»‬
‫بُولُس إىل ال ّناموس باعتباره ِ‬
‫(‪٢‬كورنثوس ‪ .)٩ ،٧ :٣‬كذلك يح ِّدده ال ّرسول باعتباره «نَا ُموس‬
‫ال َخطيّة وامل َ ْوت» ( ُروميَة ‪ .)٢ :٨‬وكام أشار األسقف مول‪« :‬إنه‬
‫(‪((1‬‬
‫ال ّناموس اإللهي ‪ ..‬الّذي بسببه ميوت الخاطي‪».‬‬
‫وال ميكن للناموس أن ينفصل عن ُعقوباته‪ ،‬هذا هو ما ينادي‬
‫به كبار الالهوتيني وأعظمهم‪ .‬يُح ِّدد جون اوسنت ال ّناموس باعتباره‬
‫تجسي ًدا لثالث أفكار أساس ّية‪ :‬الوص ّية‪ ،‬وااللتزام (بها)‪ ،‬وال ُعقوبة‬
‫(ال ّناتجة عن كرسها)‪ ((1(.‬أما دانيآل وبسرت فقد ذاع عنه قوله‪:‬‬
‫«إن ال ّناموس بغري ُعقوبة هو مج ّرد نصيحة ط ّيبة!» يف والية‬
‫تعليمي يتناول هذه ال ّنقطة‬
‫ّ‬ ‫انديانا بالواليات املتحدة هناك درس‬
‫غي‬
‫رشعون يف هذه الوالية قانونًا ضد من يُ ّ‬ ‫بالتّحديد؛ فقد اسنت امل ِّ‬
‫ساعات العمل خالل ال ّنهار لكنهم مل يربطوا هذا القانون بأي جزاء‬
‫‪(10) “Romans,” The Cambridge Bible (London: Cambridge Press,‬‬
‫ ‪1911).‬‬
‫‪(11) Law, in the New Testament,” International Standard Bible Encyclopedia,‬‬
‫ ‪III, 1844.‬‬

‫)‪(16‬‬
‫يف حالة كرسه‪ .‬ما الّذي حدث؟ لقد أخرج املسؤولون لسانهم‬
‫للقانون وتركوا ساعات حوائطهم كام هي عىل التّوقيت املعتاد‬
‫وذهبوا إىل أعاملهم يف مواعيدهم العادية‪ .‬ضبط ال ّناس هناك‬
‫ساعاتهم عىل التّوقيت القديم وضحكوا عىل القانون مستهينني به‪.‬‬
‫لقد ازدرى ال ّناس هناك بالقانون!‬
‫إن تجريد (حرف ًيا إخصاء) ناموس الله من جزاءاته اإللهية مع‬
‫االستمرار يف تسميته «ال ّناموس» هو أمر خادع ج ًدا‪ ،‬ألن ذلك ميكن‬
‫أن يُس ِّبب تشويشً ا للعقل البرشي كام أنه ميكن أن يجعل مصري ك ُّل‬
‫ال ّنواميس ‪-‬اإللهية منها والبرشية‪-‬إىل االزدراء أو الالمباالة‪ .‬واألكرث‬
‫يتسبب يف إفراغ صليب املسيح‬ ‫من ذلك‪ ،‬فإن مثل هذا اإلجراء ّ‬
‫من معناه األعمق‪ ،‬فحينام يفقد ال ّناموس قداسته املطلقة تفقد‬
‫الخطية نقيصتها املرعبة‪ ،‬وتفقد الجلجثة مجدها األخالقي‪.‬‬
‫تفس ذلك األمر‪ ،‬فجزئ ًيا ويف نفس‬ ‫إن املوعظة عىل الجبل ِّ‬
‫خاصة إىل املعنى ال ّداخيل األصيل‬ ‫ُوسوي‪ ،‬هناك إشارات ّ‬ ‫ال ّناموس امل َ‬
‫للناموس‪ .‬يتضح ذلك جي ًدا من خالل كلامت ربِّنا الواردة يف متّى‬
‫‪ .١٩-١٧ :٥‬ففي آية ‪ ١٩‬يُوضِّ ح ال ّرب أن‪« :‬فَ َم ْن نَق ََض إِ ْح َدى ِ‬
‫هذ ِه‬
‫ُوت‬‫اس ه َكذَا‪ ،‬يُ ْد َعى أَ ْص َغ َر ِف َملَك ِ‬‫الص ْغ َرى َو َعلَّ َم ال َّن َ‬
‫الْ َو َصايَا ُّ‬
‫الس َم َوات» إن هذه «الوصايا» املتض َّمنة يف ال ّناموس يُشار إليها يف‬ ‫َّ‬
‫وس الّتي يُؤكّد عدد ‪ ١٨‬أن «حرف واحد‬ ‫اآلية ‪ .١٧‬إنها ناموس ُم َ‬
‫أو نقطة واحدة» منه ال تزول‪ ،‬وكام أشار ألفورد‪« :‬هذه الوصايا‬
‫)‪(17‬‬
‫(‪((1‬‬
‫الصغرى تُشري إىل أي حرف أو نقطة سابقة‪».‬‬
‫ّ‬
‫ففي هذه العظة الّتي ق َّدمها ربُّنا عىل الجبل‪ ،‬ال ينقض سيدنا‬
‫خاصا به ‪-‬كام يجاهر‬‫ناموسا آخر ً‬
‫ُوسوي بل يضع مكانه ً‬ ‫ال ّناموس امل َ‬
‫السيد التّأكيد‪ ،‬بأقوى‬
‫البعض بالقول‪ .‬وعىل العكس من ذلك‪ ،‬يعيد ّ‬
‫ُوسوي وعدم إمكانية انتهاكه‪.‬‬ ‫لُغة ممكنة‪ ،‬عىل وحدة ال ّناموس امل َ‬
‫البعض أحيانًا أن املسيح قد أجرى تغيريات أساس ّية عىل‬ ‫ُ‬ ‫يجادل‬
‫ال ّناموس‪ ،‬وعىل سبيل املثال ظهر ذلك يف مسألة الطّالق (متّى ‪:٥‬‬
‫‪ ،)٣٢-٣١‬لكن ربَّنا باعتباره معطي ال ّناموس نقض فقط التّنازالت‬
‫الّتي حدثت سابقًا بسبب غالظة قلوب البرش (متّى ‪)٨ :١٩‬؛ تلك‬
‫التّنازالت الّتي ال تتناغم مع املعنى العميق للناموس اإللهي األصيل‪.‬‬
‫إن ذلك ال ّناموس‪ ،‬يف فكر املسيح‪ ،‬ما زال كام هو بك ُّل حرف ونقطة‬
‫منه‪ .‬إن كرس أية وصية من أصغر وصايا هذا ال ّناموس لهو أمر‬
‫مدان من املسيح شخصيًا‪ ،‬بك ُّل وضوح وبال أدىن مواربة‪.‬‬
‫وأكرث من ذلك‪ ،‬إننا إذا ما أمعنا ال ّنظر جي ًدا يف عظة الجبل‬
‫يتضح لنا أن العنارص الثّالثة املك ِّونة للناموس اإللهي موجودة‬
‫هناك؛ فبال جدال يظهر لنا هناك ال ّناموس األخالقي إذ أن الجزء‬
‫األكرب من هذه العظة يتمحور حول ُعنرص األخالق ّيات‪ .‬لكن كثريين‬
‫ال ميكنهم بسهولة اكتشاف أجزاء ال ّناموس االحتفايل املقتبسة من‬
‫‪(12) Henry Alford, New Testament for English Readers (2d ed.; New York:‬‬
‫‪Lee, Shepard and Dillingham, 1872), I, 29, V. 29.‬‬

‫)‪(18‬‬
‫اآليتي يف متى ‪ ٢٤-٢٣ :٥‬تتح ّدثان لنا عن‬ ‫وس هناك‪ .‬إن ْ‬ ‫ناموس ُم َ‬
‫«املذبح» وكذا عن «القربان» الّذي أحرضه العابد إىل املذبح‪ .‬إنها‬
‫التجمة األمريك ّية القياس ّية‬ ‫لُغة التّقدمات الّتي تظهر لنا بوضوح يف ّ‬
‫‪ American Standard Version‬لذلك «فَ ِإ ْن قَ َّد ْم َت قُ ْربَان ََك‬
‫إِ َل الْ َم ْذبَح» (آية ‪ .)٢٣‬يرتجم ماير هذه اآلية كاآليت‪ :‬إذا َ‬
‫كنت‬
‫بصدد تقديم ذبيحتك‪ ((1(».‬ويوضِّ ح ألفورد أن‪« :‬اللغة هنا يَ ُهوديّة‬
‫(‪((1‬‬
‫باإلجامل وال ميكن أن تُفهم إال يف إطار الطّقوس ال َي ُهوديّة‪».‬‬
‫ومن الواضح أيضً ا أن العظة عىل الجبل تحتوي عىل إشارات‬
‫لبعض عنارص ال ّناموس املدين؛ ففي متّى ‪ ٢١ :٥‬يتح ّدث ال ّرب إىل‬
‫الجناة ألنهم معرضَّ ون لخطر «ال ُحكم» عليهم‪ .‬إن ال ُحكم وال ّدينونة‬
‫هنا يُشريان إىل املحاكم املحليّة الواردة يف التّثنية ‪ ،١٨ :١٦‬وكلمة‬
‫«مستوجب» معناها الحريف‪ُ « :‬عرضة بالقانون لـ ‪ ((1(»..‬ويف العدد‬
‫الّذي ييل‪ ،‬يقول ربُّنا إن ُجناة آخرين يستوجبون «املجمع»‪ ،‬وال‬
‫السنهدرين ال ُعليا‪ .‬إن املحاكم‬ ‫شك أن هذا املجمع هو محكمة ّ‬
‫اليَ ُهوديّة املحليّة كانت متلك سلطان ال ُحكم باإلعدام لكن ال ُعقوبة‬
‫السنهدرين‪ .‬لذا‪ ،‬نحن نلتقي‬ ‫الخاصة بال ّرجم مل تكن تصدر إال عن ّ‬
‫ّ‬
‫هنا مع الترشيعات املدنيّة اليَ ُهوديّة كام هي ُمعلنة يف ال ّناموس‬
‫‪(13) Meyer, op. cit., I, 128, V. 23.‬‬
‫ ‪(14) Alford, op. cit., I, 31, V. 24.‬‬
‫‪(15) Charles John Ellicott, Commentary on the Whole Bible (Grand Rapids:‬‬
‫‪Zondervan reprint, 1954), VI, 25.‬‬

‫)‪(19‬‬
‫ُوسوي‪ .‬نالحظ يف سفر العدد ‪ ١٦ :١١‬االحتامل مبصدر تكوين‬ ‫امل َ‬
‫السنهدرين الّذي يتألّف من سبعني عض ًوا‪ .‬األكرث من ذلك نجد يف‬ ‫ّ‬
‫متّى ‪ ٣٥ :٥‬إشارة إىل أورشليم «مدينة امللك العظيم» إذ هي مركز‬
‫السلطة املدنية يف امللكية الثّيوقراطية‪.‬‬
‫ال يقترص األمر عىل هذه العنارص الثّالثة األساسيّة املمثلة يف‬
‫العظة عىل الجبل‪ ،‬بل تظهر لنا أيضً ا يف عظة الجبل الجزاءاتُ‬
‫ُوسوي‪ .‬فتحت عنوان ال ّناموس‬ ‫املرتبطة بعدم تطبيق ال ّناموس امل َ‬
‫لطتي املدنية وال ّدين ّية كيانًا واح ًدا‪ ،‬إذ مل يكن‬
‫الس ْ‬‫ُوسوي كانت ّ‬ ‫امل َ‬
‫هناك فرق بني املجمع الديني وال ّدولة‪ .‬لذلك فنحن نتوقع أن نجد‬
‫ُوسوي الواحد‪.‬‬
‫هناك ال ُعقوبات ال ّدنيويّة واألبديّة يف نفس ال ّنص امل َ‬
‫«السجن» وعن «تغريم‬ ‫لذلك ففي متّى ‪ ٢٦-٢٥ :٥‬نقرأ عن ّ‬
‫الجناة» وعن دفع «الحد األقىص للغرامة»‪ .‬أما يف األعداد ‪،٢٢‬‬
‫‪ ٣٠ ،٢٩‬فنسمع ال ّرب يُحذِّر الجناة من ُعقوبة «نار جهنم» (راجع‬
‫التّثنية ‪ ٢٢ :٣٢‬عن أساس ال ُعقوبة املر ّوعة كالجزاء بسبب الغضب‬
‫ُوسوي)‪.‬‬
‫اإللهي كام يعلنه ال ّناموس امل َ‬
‫ُوسوي‪ ،‬وطلّب ربُّنا م ّنا‬
‫لقد ُولد ربُّنا تحت هذا ال ّناموس امل َ‬
‫طاعة هذا ال ّناموس كأُوىل امل ُتطلّبات‪.‬‬
‫أ‌‪ .‬لقد ُولد املسيح تحت ال ّناموس‪ ،‬لذا نقرأ يف غالط ّية ‪٤:٤‬‬
‫«أَ ْر َس َل الل ُه ابْ َن ُه َم ْولُو ًدا ِمنِ ا ْم َرأَ ٍة‪َ ،‬م ْولُو ًدا ت َ ْح َت ال َّنا ُموس»‪.‬‬

‫)‪(20‬‬
‫تأيت عبارة «تحت ال ّناموس» يف اللغة ال ُيونانية م ّرة أخرى‬
‫يف ‪ ١٨ :٥‬حني يقول الكتاب عن للمؤمنني «لستم تحت‬
‫ال ّناموس»‪ .‬لقد ُخنت الطّفل يَ ُسوع و ُوهب لله رسم ًيا يف‬
‫الهيكل ال َي ُهودي مع تقديم ذبيحة‪ ،‬زوج من اليامم أو فرخي‬
‫وس» (لُوقَا ‪:٢‬‬ ‫شيع ِة ُم َ‬ ‫حامم‪ .‬لقد تم ك ُّل ذلك « َح َس َب َ ِ‬
‫‪ .)٢٤-٢١‬أ ّما عدد ‪ ٣٩‬فيوضِّ ح أنهم «أكملوا ك َُّل َشء َح َس َب‬
‫وس ال َّر ِّب» كام ينبغي‪ ،‬أو عىل ال ّنحو الواجب‪ .‬وعند‬ ‫نَا ُم ِ‬
‫اإلشارة إىل خدمة يَ ُسوع األرضية للشعب اليَ ُهودي يؤكّد‬
‫يح قَ ْد َصا َر َخا ِد َم ال ِْختَانِ ‪،‬‬
‫ال ّرسول بُولُس أن «يَ ُسو َع الْ َم ِس َ‬
‫ِم ْن أَ ْجلِ ِص ْدقِ الل ِه‪َ ،‬حتَّى يُثَبِّ َت َم َوا ِعي َد اآلبَاء» ( ُروميَة ‪:١٥‬‬
‫‪.)٨‬‬
‫الشيعة‪،‬‬
‫يأت لـ «ينقض» ّ‬ ‫وس‪ .‬مل ِ‬ ‫ب‌‪ .‬لقد أطاع ربُّنا رشيعة ُم َ‬
‫بل لـ «يك ِّملها» (متّى ‪ .)١٧ :٥‬ما الّذي تتض ّمنه هذه‬
‫الجملة «الكثيفة» (حرفيًا ال ُحبىل)؟ إن هذه الجملة‬
‫تتض ّمن الطّاعة؛ فعندما ذهب املسيح إىل نهر األردن حتى‬
‫يعتمد من يُوح ّنا املعمدان‪ ،‬أوقف تذ ُّمر يُوح ّنا بالقول‪:‬‬
‫يق ِب َنا أَ ْن نُ َك ِّم َل ك ُّل ِب ّر»‪( .‬متّى‬
‫«اس َم ِح اآلنَ‪ ،‬ألَنَّ ُه ه َكذَا يَلِ ُ‬
‫ْ‬
‫‪ .)١٥ :٣‬إن «الرب» هنا هو األمر الّذي يتطلبه ال ّناموس‬
‫إذ أن معمودية يُوح ّنا كانت تتم «باملاء» وكانت الزمة‬
‫للنجسني (العدد ‪ .)١٩:١٩‬إن ُخضوع ربِّنا لهذه املعمودية‬
‫)‪(21‬‬
‫الطّقسية تكشف‪ ،‬ال عن احتياجه الشّ خيص للتطهري بل‬
‫باألحرى‪ ،‬عن اتحاده بالشّ عب الخاطئ‪ .‬وكام ذكّر يُوح ّنا‬
‫«لقد صار هو مكاننا وبديلنا»‪ .‬وعىل ك ُّل حال‪ ،‬فإن ُخضوع‬
‫املسيح ملعمودية يُوح ّنا ليست مذهلة أكرث من مشاركته‬
‫الحدثي يجب أن يتح ّدث إلينا‬‫ْ‬ ‫يف الفصح ال َي ُهودي؛ فكال‬
‫عن اتحاده بشعبه وليس عن تلوث ّه بأي شائبة بالقطع‪.‬‬
‫أخ ًريا‪ ،‬لقد جاز ربُّنا يف ساعة موته آم ًرا تالميذه أن «أع ّدوا‬
‫الفصح لنا» (لُوقَا ‪ ،)٨ :٢٢‬وكانت هذه امل ُامرسة ُمتوافقة‬
‫ُوسوية‪ .‬لقد كانت‬ ‫الصارمة للرشيعة امل َ‬‫متا ًما مع املتطلبات ّ‬
‫ك ُّل تفصيالت هذا االحتفال واجبة التّنفيذ‪ .‬فإذا كانت‬
‫الخطية هي «تع ّدي ال ّناموس» فإن نفس اآلية تذكّرنا أنه‬
‫«ال توجد فيه خط ّية» (‪١‬يُوح ّنا ‪.)٥-٤ :٣ :١‬‬
‫ُوسوي‪.‬‬‫ج‪ .‬لقد دعا ربُّنا املسيح شعبه إىل إطاعة ال ّناموس امل َ‬
‫هذا هو ال ّنص املستخدم عاد ًة يف إثبات هذا الطّرح‪ :‬متّى‬
‫‪ ١٩-١٧ :٥‬حيث يأمرنا سيدنا بإطاعة هذا ال ّناموس وأوامره‬
‫«يف أقل تقدير»‪ .‬هذا يتطلّب م ّنا أ ّو ًل أن نطيع خاضعني‬
‫للعنارص األخالقية كام توضِّ حها وصية ربِّنا للشاب الغني‬
‫«احفظ الوصايا» ُمش ًريا إىل وصايا اللوح الثّاين من ال ّناموس‬
‫(متّى ‪.)١٩-١٧ :١٩‬‬

‫)‪(22‬‬
‫كذلك فإن ربَّنا يطلب م ّنا أن نطيع ال ّناموس االحتفايل‪ ،‬وتتضح‬
‫السيد لألبرص الّذي نال الطّهارة «أر‬
‫وصايا هذا ال ّناموس من أمر ّ‬
‫نفسك للكاهن ‪ ..‬شهادة لهم» (متّى ‪ .)٤ :٨‬ويف متّى ‪ ٢٦‬يوجد‬
‫لدينا‪ ،‬ليس فقط مثال لطاعة سيدنا للسلطات املدن ّية‪ ،‬بل أيضً ا‬
‫السلطات (اآليات ‪ .)٥٢ ،٤٧‬تأيت ك ُّل هذه‬ ‫أمره لبطرس أال يُقاوم ُّ‬
‫امل ُامرسات والتّعاليم يف تناغم كامل مع تحذير صارم بأن رشيعة‬
‫وس تتطلّب االحرتام حتى يراها «حاكم الشّ عب» (ال ُخروج ‪:٢٢‬‬ ‫ُم َ‬
‫‪.)٢٨‬‬
‫ ‬

‫)‪(23‬‬
‫الفصل الثّاين‬
‫شريعة احلياة األبديّة؟‬
‫هل تُعطي ال ّ‬

‫نظريًا‪ ،‬ميكن أن مينح ال ّناموس الحياة األبديّة إذا متكّن اإلنسان‬


‫من حفظه‪ .‬يرد يف الالويّني ‪ ٥ :١٨‬القول‪« :‬فَتَ ْح َفظُو َن فَ َرائِ ِض‬
‫َوأَ ْحكَا ِمي‪ ،‬الّتي إِذَا فَ َعلَ َها ا ِإلن َْسا ُن يَ ْح َيا ِب َها‪ .‬أَنَا ال ّر ُّب» وتتك ّرر نفس‬
‫الفكرة أيضً ا يف حزقيال‪َ « :‬وأَ ْعطَ ْيتُ ُه ْم فَ َرائِ ِض َو َع َّرفْتُ ُه ْم أَ ْحكَا ِمي الّتي‬
‫سائِ َيل ِف ال َ ِّْبيَّ ِة‪.‬‬ ‫إِ ْن َع ِملَ َها إِن َْسا ٌن يَ ْح َيا ِب َها ‪« ..‬فَتَ َم َّر َد َع َ َّ‬
‫ل بَ ْي ُت إِ ْ َ‬
‫لَ ْم يَ ْسلُكُوا ِف فَ َرائِ ِض َو َرفَضُ وا أَ ْحكَا ِمي الّتي إِ ْن َع ِملَ َها إِن َْسا ٌن يَ ْحيَا‬
‫وت كَ ِث ًريا‪ .‬فَ ُقل ُْت‪ :‬إِ ِّن أَ ْسك ُُب ِر ْجزِي َعلَ ْي ِه ْم ِف ال َ ِّْبيَّ ِة‬ ‫ِب َها‪َ ،‬ونَ َّج ُسوا ُس ُب ِ‬
‫ل‪ .‬لَ ْم يَ ْسلُكُوا ِف فَ َرائِ ِض َولَ ْم يَ ْح َفظُوا‬ ‫ِإلفْ َنائِهِم ‪ ..‬فَتَ َم َّر َد األَبْ َنا ُء َع َ َّ‬
‫وت‪.‬‬ ‫أَ ْحكَا ِمي لِيَ ْع َملُو َها‪ ،‬الّتي إِ ْن َع ِملَ َها إِن َْسا ٌن يَ ْحيَا ِب َها‪َ ،‬ونَ َّج ُسوا ُسبُ ِ‬
‫فَ ُقل ُْت‪ :‬إِ ِّن أَ ْسك ُُب ِر ْجزِي َعلَ ْي ِه ْم ألُتِ َّم َس َخ ِطي َعلَ ْي ِه ْم ِف ال َ ِّْبيَّة»‬
‫(‪ .)٢١ ،١٣ ،١١ :٢٠‬وال شك أن ربَّنا كان لديه نفس املبدأ أيضً ا‬
‫حينام قال للشاب الغني الّذي جاء إليه يلتمس الطّريق إىل الحياة‬
‫الصالحة‪َ « :‬ول ِك ْن إِ ْن أَ َردْتَ أَ ْن ت َ ْد ُخ َل الْ َح َيا َة‬ ‫األبديّة بواسطة األعامل ّ‬
‫فَا ْحف َِظ الْ َو َصايَا»‪( .‬متّى ‪١٧ :١٩‬ب)‪ ،‬وهذه «الوصايا» مأخوذة من‬
‫وس‬ ‫وس‪ .‬يل ِّخص ال ّرسول بُولُس شهادته بالقول‪« :‬ألَ َّن ُم َ‬ ‫ناموس ُم َ‬
‫وس‪« :‬إِ َّن ا ِإلن َْسا َن الّذي يَ ْف َعلُ َها َس َي ْح َيا‬ ‫يَ ْكتُ ُب ِف ال ِ ِّْب الّذي بِال ّنا ُم ِ‬
‫ِب َها» ( ُروميَة ‪.)٥ :١٠‬‬
‫)‪(25‬‬
‫لكن طاعة ال ّناموس يجب أن تكون كاملة‪ .‬ففي املقام األول‬
‫يجب أن يُطاع ال ّناموس كلُّه غري منقوص منه «ألَ َّن َج ِمي َع الّذي َن‬
‫وس ُه ْم تَ ْح َت لَ ْع َن ٍة‪ ،‬ألَنَّ ُه َم ْكتُ ٌ‬
‫وب‪َ « :‬ملْ ُعو ٌن‬ ‫ُه ْم ِم ْن أَ ْع َم ِل ال ّنا ُم ِ‬
‫وس لِيَ ْع َم َل‬ ‫وب ِف كِتَ ِ‬
‫اب ال ّنا ُم ِ‬ ‫ك ُّل َم ْن الَ يَثْبُ ُت ِف َج ِميعِ َما ُه َو َم ْكتُ ٌ‬
‫بِه» (غالط ّية ‪ .)١٠ :٣‬يجب أال يُكرس ال ّناموس نهائ ًيا يف أي أمر من‬
‫وس‪،‬‬‫أوامره مهام كان هذا األمر صغ ًريا «ألَ َّن َم ْن َح ِف َظ ك ُّل ال ّنا ُم ِ‬
‫اح َد ٍة‪ ،‬فَ َق ْد َصا َر ُم ْج ِر ًما ِف الْك ُِّل» (يَعقُوب ‪.)١٠ :٢‬‬ ‫َوإِنَّ َا َع َ َث ِف َو ِ‬
‫واألكرث من ذلك‪ ،‬هذه الطّاعة للناموس يجب أن تكون دقيقة‬
‫ومتقنة‪ ،‬يف االتجاه القلبي لإلنسان جنبًا إىل جنب مع األعامل‬
‫السؤال‪« :‬أال‬ ‫السلوك (متّى ‪ .)٢٨ :٥‬ويبقى ّ‬ ‫الظاهرة؛ الفكر كام ّ‬
‫يحمل ال ّناموس إمكانية الفشل يف تطبيقه وطاعته؟» اإلجابة هي‪:‬‬
‫نعم‪ .‬بك ُّل تأكيد‪ .‬من خالل طقس الذّبيحة الحيوانية‪ .‬يجب أن‬
‫همي‪ :‬أ ّو ًل‪ ،‬إن أصغر فشل يف الطّاعة هو‬ ‫نكون واعني ألمريْن ُم ْ‬
‫مبثابة كرس للناموس‪ .‬ثان ًيا‪ ،‬إن دم الذّبيحة الحيوانية ال ميكن أن‬
‫الشيعة تحمل‬ ‫يُزيل عنا عار خطايانا‪ .‬إن الذّبائح الّتي تصفها ّ‬
‫لنا شهادة عن الطّريقة الّتي يُخلِّصنا الله بها‪ ،‬لكن هذه الطّريقة‬
‫بعيدة ج ًدا عن ال ّناموس ( ُروميَة ‪.)٢١ :٣‬‬
‫وباستثناء املسيح‪ ،‬ال يوجد شخص واحد أطاع الناموس طاعة‬
‫كاملة «ك ُُّل َم ْن يَ ْف َع ُل الْ َخ ِط َّي َة يَ ْف َع ُل التّ َع ِّد َي أَيْضً ا‪َ .‬والْ َخ ِط َّي ُة ِه َي‬
‫ك يَ ْرفَ َع َخطَايَانَا‪َ ،‬ولَيْ َس ِفي ِه َخ ِطيَّةٌ»‬ ‫التّ َع ِّدي‪َ .‬وتَ ْعلَ ُمو َن أَ َّن ذ ََاك أُظْ ِه َر لِ َ ْ‬
‫)‪(26‬‬
‫(‪١‬يُوح ّنا ‪ .)٥-٤ :٣‬أما فيام يختص بسائر البرش جمي ًعا فاألمر املؤكَّد‪:‬‬
‫«إِ ِذ الْ َج ِمي ُع أَ ْخطَأُوا َوأَ ْع َو َز ُه ْم َم ْج ُد الله» ( ُروميَة ‪ .)٢٣ :٣‬هذه هي‬
‫شهادة ك ُّل األسفار امل ُق ّدسة من التّكوين حتى ال ّرؤيا‪.‬‬
‫عمل ًيا‪ ،‬ال ميكن للناموس أن يُخلِّص إنسانًا كائ ًنا من كان‪ .‬يف هذه‬
‫ال ّنقطة فإن شهادة الكتاب امل ُق ّدس شاملة وال تستثني أح ًدا «ألَنَّ ُه‬
‫وس َم ْع ِرفَ َة‬ ‫وس ك ُّل ِذي َج َس ٍد الَ يَتَ َ َّب ُر أَ َما َم ُه‪ .‬ألَ َّن بِال ّنا ُم ِ‬ ‫ِبأَ ْع َم ِل ال ّنا ُم ِ‬
‫الْ َخ ِطيَّ ِة» ( ُروميَة ‪َ « .)٢٠ :٣‬وبِهذَا يَتَ َ َّب ُر ك ُّل َم ْن يُ ْؤ ِم ُن ِم ْن ك ُّل َما‬
‫(أعمل ال ّر ُسل ‪،)٣٩ :١٣‬‬ ‫وس» َ‬ ‫وس ُم َ‬ ‫لَ ْم تَق ِْد ُروا أَ ْن تَتَ َ َّب ُروا ِم ْن ُه ِب َنا ُم ِ‬
‫وس ِع ْن َد الل ِه فَظَا ِه ٌر‪ ،‬ألَ َّن «الْبَا َّر‬ ‫« َول ِك ْن أَ ْن لَيْ َس أَ َح ٌد يَتَ َ َّب ُر بِال ّنا ُم ِ‬
‫بِا ِإل َميانِ يَ ْح َيا»‪( .‬غالط ّية ‪.)١١ :٣‬‬
‫الضوري وامل ُهم يك ّرره الكتاب امل ُق ّدس ثالث‬ ‫وعليه‪ ،‬فهذا الحق ّ‬
‫م ّرات عىل األقل يف آية واحدة فقط وردت يف رسالة غالطيّة‪« :‬إِ ْذ‬
‫وس‪ ،‬بَ ْل ِب ِإميَانِ يَ ُسوع الْ َم ِسي ِح‪،‬‬ ‫نَ ْعلَ ُم أَ َّن ا ِإلن َْسا َن الَ يَتَ َ َّب ُر ِبأَ ْع َم ِل ال ّنا ُم ِ‬
‫آ َم َّنا نَ ْح ُن أَيْضً ا ِبيَ ُسوع الْ َم ِسي ِح‪ ،‬لِ َنتَ َ َّب َر ِب ِإميَانِ يَ ُسوع الَ ِبأَ ْع َم ِل‬
‫وس الَ يَتَ َ َّب ُر َج َس ٌد َما» (غالط ّية ‪.)١٦ :٢‬‬ ‫وس‪ .‬ألَنَّ ُه ِبأَ ْع َم ِل ال ّنا ُم ِ‬ ‫ال ّنا ُم ِ‬
‫وكنتيجة لهذه الحقيقة يجب أن تعي عقولنا جي ًدا «ل َْس ُت أُبْ ِط ُل‬
‫يح إِذًا َماتَ ِبالَ َس َب ٍب!»‬ ‫وس ِب ٌّر‪ ،‬فَالْ َم ِس ُ‬ ‫نِ ْع َم َة الل ِه‪ .‬ألَنَّ ُه إِ ْن كَا َن بِال ّنا ُم ِ‬
‫(غالطيّة ‪.)٢١ :٢‬‬
‫ ‬

‫)‪(27‬‬
‫الفصل الثّالث‬
‫شريعة ال ُتلِّص اإلنسان‬
‫ال ّ‬

‫وس ال ّر ِّب كَا ِم ٌل يَ ُر ُّد‬‫ال يوجد خلل وال نقص يف ال ّناموس «نَا ُم ُ‬
‫يم» (مزمور ‪:١٩‬‬ ‫ْس‪ .‬شَ َهادَاتُ ال ّر ِّب َصا ِدقَ ٌة ت َُص ِّ ُي الْ َجا ِه َل َح ِك ً‬ ‫ال ّنف َ‬
‫‪ .)٧‬ال يوجد أي تساؤل هنا حول ماهية ال ّناموس‪ .‬إنها الرشيعة‬
‫وس»‪ .‬حينام‬ ‫ُسمة «رشيعة ُم َ‬ ‫املعروفة جي ًدا يف العهد القديم وامل ّ‬
‫وس َصالِ ٌح‪ ،‬إِ ْن‬ ‫نصل إىل العهد الجديد نقرأ « َول ِك َّن َنا نَ ْعلَ ُم أَ َّن ال ّنا ُم َ‬
‫وس ًّيا» (‪١‬تيموثاوس ‪ .)٨ :١‬وم ّرة ثانية‪« :‬إِذًا‬ ‫كَا َن أَ َح ٌد يَ ْستَ ْع ِملُ ُه نَا ُم ِ‬
‫وس ُمق ّدس‪َ ،‬والْ َو ِص َّي ُة ُمق ّدس ٌة َو َعا ِدلَ ٌة َو َصالِ َحةٌ» ( ُروم َية ‪:٧‬‬ ‫ال ّنا ُم ُ‬
‫‪ .)١٢‬هنا نقابل حقيقة صادمة‪ :‬إن االحرتام األكرب للناموس كُتب لنا‬
‫بواسطة ال ّرسول بُولُس؛ ال ّرجل الّذي أكّد لنا أن ال ّناموس ال يعطي‬
‫خالصا للخطاة‪ .‬إن املشكلة إذا ً ليست يف ال ّناموس‪.‬‬ ‫حياة وال ً‬
‫إن املشكلة القاتلة تكمن يف اإلنسان ذاته‪ .‬بعد أن يرشح‬
‫ال ّرسول أن ال ّناموس ُمق ّدس وصالح بل «وروحي» أيضً ا‪ ،‬يكشف‬
‫ال ّرسول لنا عن رس عجز ال ّناموس عن أن يخلصنا‪ ،‬فيقول‪« :‬فَ ِإنَّ َنا‬
‫وح ٌّي‪َ ،‬وأَ َّما أَنَا فَ َج َس ِد ٌّي َمبِي ٌع ت َ ْح َت الْ َخ ِطيَّة»‬ ‫وس ُر ِ‬ ‫نَ ْعلَ ُم أَ َّن ال ّنا ُم َ‬
‫الشيعة‪ .‬فإذا بدت‬ ‫( ُروم َية ‪ .)١٤ :٧‬إن الضّ عف يف اإلنسان ال ّ‬
‫الشيعة عاجزة عن تخليص البرش‪ ،‬فإن سبب ذلك «إِ َّن الّذي َن ُه ْم‬ ‫ّ‬
‫)‪(29‬‬
‫َح َس َب الْ َج َس ِد فَب َِم لِلْ َج َس ِد يَ ْهتَ ُّمونَ‪َ ،‬ول ِك َّن الّذي َن َح َس َب ال ّرو ِح‬
‫فَب َِم لِل ُّروح» ( ُروميَة ‪ .)٥ :٨‬هذا هو سبب مجيء ابن الله إىل عاملنا‬
‫وس َعا ِج ًزا َع ْن ُه‪ِ ،‬ف َما كَا َن ضَ ِعيفًا بِالْ َج َس ِد‪ ،‬فَالل ُه‬ ‫«ألَنَّ ُه َما كَا َن ال ّنا ُم ُ‬
‫إِ ْذ أَ ْر َس َل ابْ َن ُه ِف ِشبْ ِه َج َس ِد الْ َخ ِطيَّ ِة‪َ ،‬وألَ ْجلِ الْ َخ ِطيَّ ِة‪َ ،‬دا َن الْ َخ ِطيَّ َة ِف‬
‫الْ َج َسد» ( ُروم َية ‪ .)٣ :٨‬إن كاتب العربانيني يرى أن «العهد» األول‬
‫الشيعة) كان ُمعط ًّل‪ ،‬لكن الكاتب يتحفّظ من‬ ‫(أي العهد الوارد يف ّ‬
‫إمكانية سوء الفهم بالقول إن الخطأ كان من جانبهم «هم» أي‬
‫من جانب الشّ عب (العربانيني ‪ .)٨-٧ :٨‬يجب أن نفهم أن العجز‬
‫كله كان يف اإلنسان وليس يف رشيعة الله‪.‬‬
‫إن مطالب ال ّناموس ال ميكن أن تسرتيح بالتّوافق مع ضعف‬
‫البرش‪ .‬هذه هي الفكرة الجوهرية الّتي يحملها بعض البرش‪.‬‬
‫بال ّنسبة للبعض‪ ،‬ال ّنعمة هي سامح الله بتخفيض املطالب املطلقة‬
‫للرشيعة حتى الدرجة الّتي ميكن أن يتح ّملها اإلنسان الخاطئ‪.‬‬
‫إن مثل هذا املفهوم الخاطئ ال يعظم ال ّناموس وال ال ّنعمة‪ ،‬فلو‬
‫كان هذا األمر ممك ًنا ملا كان للصليب أيّة رضورة‪ .‬يحاج ال ّرسول‬
‫وس ِض ُّد َم َوا ِع ِيد الل ِه؟ َحاشَ ا! ألَنَّ ُه لَ ْو أُ ْع ِط َي‬ ‫قائل‪« :‬فَ َهلِ ال ّنا ُم ُ‬ ‫بُولُس ً‬
‫وس» (غالطيّة ‪:٣‬‬ ‫وس قَا ِد ٌر أَ ْن يُ ْحي َِي‪ ،‬لَكَا َن بِالْ َح ِقي َق ِة ال ِ ُّْب بِال ّنا ُم ِ‬
‫نَا ُم ٌ‬
‫‪ .)٢١‬يبدو هذا واض ًحا أيضً ا يف رسالة ُروم َية‪« :‬ألَ ْن لَ ْي َس ِع ْن َد الل ِه‬
‫وس يَ ْهلِ ُك‪.‬‬ ‫وس فَ ِب ُدونِ ال ّنا ُم ِ‬ ‫ُم َحابَاةٌ‪ ،‬ألَ َّن ك ُّل َم ْن أَ ْخطَأَ ِب ُدونِ ال ّنا ُم ِ‬
‫وس يُ َدانُ» (( ُروم َية ‪.)١٢-١١ :٢‬‬ ‫وس فَبِال ّنا ُم ِ‬ ‫َوك ُُّل َم ْن أَ ْخطَأَ ِف ال ّنا ُم ِ‬

‫)‪(30‬‬
‫إن التّعبري «بال ناموس» يعني بال رشيعة مكتوبة كالّتي كانت لدى‬
‫اليَ ُهود‪.‬‬
‫لكن ال ّرسول يقول إنه حتى لو مل يكن لدى األمم رشيعة‬
‫ناموسا إله ًيا‪« :‬ألَنَّ ُه‬ ‫ً‬ ‫وس لكنهم ما زالوا ميتلكون‬ ‫مكتوبة كناموس ُم َ‬
‫وس‪َ ،‬متَى فَ َعلُوا بِالطّبِي َع ِة َما ُه َو‬ ‫األُ َم ُم الّذي َن لَيْ َس ِع ْن َد ُه ُم ال ّنا ُم ُ‬
‫وس ألَنْف ُِسه ِِم‪،‬‬ ‫وس ُه ْم نَا ُم ٌ‬ ‫وس‪ ،‬فَه ُؤالَ ِء إِ ْذ لَ ْي َس لَ ُه ُم ال ّنا ُم ُ‬ ‫ِف ال ّنا ُم ِ‬
‫وس َم ْكتُوبًا ِف قُلُو ِب ِه ْم‪ ،‬شَ ا ِه ًدا أَيْضً ا‬ ‫الّذي َن يُظْ ِه ُرو َن َع َم َل ال ّنا ُم ِ‬
‫يم بَ ْي َن َها ُمشْ تَ ِك َي ًة أَ ْو ُم ْحتَ َّجةً» ( ُروم َية ‪:٢‬‬ ‫ضَ ِم ُري ُه ْم َوأَفْكَا ُر ُه ْم ِف َ‬
‫‪ .)١٥-١٤‬ويف يوم ال ّدينونة األخري سيُحاسب ك ُّل من اليَ ُهود واألمم‬
‫الشيعة املعطاة لك ُّل منهام؛ سواء أكانت‬ ‫ويُدانون بالتّامم بحسب ّ‬
‫الشيعة مد َّونة يف كتاب أم مكتوبة عىل قلوبهم‪ .‬ليس لدى‬ ‫هذه ّ‬
‫الله محاباة‪ .‬ال ينبغي أن تُنتهك ُحرمة ال ّناموس كتعبري عن طبيعة‬
‫الله القدوس غري القابلة للتغيري‪ .‬ال ميكن لهذه الطّبيعة أن تتغري‬
‫ليك تناسب الضّ عف األخالقي لدى ال ُخطاة‪ .‬يذّكرنا املرنِّم يف سفر‬
‫املزامري أن «الْ َع ْد ُل َوالْ َح ُّق قَا ِع َد ُة كُ ْر ِسيِّ َك‪ .‬ال ّر ْح َم ُة َواألَ َمانَ ُة تَتَ َق َّد َمانِ‬
‫أَ َما َم َو ْجهِك» (‪.)١٤ :٨٩‬‬
‫إن عرش الله األبدي يتثبت فوق رشيعته الّتي ال ت ُكرس‪ ،‬وهذه‬
‫الشيعة‬ ‫ُعب عن طبيعته اإللهيّة‪ .‬ال ميكن العبث بهذه ّ‬ ‫الشيعة ت ِّ‬ ‫ّ‬
‫وال حتى بواسطة الله نفسه‪ ،‬وبالتّأكيد ال ميكن أيضً ا بواسطة‬
‫الشيعة‪ .‬يرى البعض أنه إذا كان خالص‬ ‫اإلنسان امل ُولع بكرس هذه ّ‬
‫)‪(31‬‬
‫البرش بهذه الطّريقة‪ ،‬فال ميكن أن يَخلُص أحد بامل ّرة!‬
‫الضوري أن يجد الله طريقة لتخليص الخطاة‬ ‫لذا كان من ّ‬
‫بال أي تنازل عن يشء من رشيعته‪ .‬هذا األمر يقودنا مبارشة إىل‬
‫السارة اآلتية من الله‪ ،‬فبدون أي تهاون مع‬ ‫قلب اإلنجيل؛ األخبار ّ‬
‫متطلَّبات ال ّناموس تأن َّس اب ُن الله داف ًعا يف الجلجثة ك ُّل التزامات‬
‫البرش وديونهم نتيجة كرس ال ّناموس بالكامل‪ .‬مل يكن هناك أي‬
‫نوع من تقليل هذه ال ّديون وال التّملُّص من أقل طلبات ال ّناموس‬
‫اإللهي‪ ،‬بل دفعها املسيح بالكامل «أَيُّ َها ا ِإل ْخ َو ُة ِب َح َس ِب ا ِإلن َْسانِ‬
‫أَق ُُول‪ :‬لَيْ َس أَ َح ٌد يُبْ ِط ُل َع ْه ًدا قَ ْد تَ َ َّك َن َولَ ْو ِم ْن إِن َْسانٍ ‪ ،‬أَ ْو يَزِي ُد‬
‫َعلَ ْيه» (غالط ّية ‪َ « ،)١٥ :٣‬وال ّر ُّب َوضَ َع َعلَ ْي ِه إِث ْ َم َج ِمي ِع َنا» (إشعياء‬
‫‪٦ :٥٣‬ب)‪.‬‬
‫وملوت املسيح فاعلية أكرب من ُمج ّرد تخليص الخطاة‪ ،‬فبينام‬
‫خلّصنا املسيح مبوته كان يف الوقت ذاته يُعلن لنا بر الله حتى‬
‫اض‪ ،‬لِيَكُو َن بَا ًّرا َويُ َ ِّب َر َم ْن‬
‫يكون الله « ِإلظْ َها ِر ِب ِّر ِه ِف ال َّز َمانِ الْ َح ِ ِ‬
‫ُه َو ِم َن ا ِإلميَانِ ِب َي ُسوع» ( ُروم َية ‪ .)٢٦ :٣‬أدعوك أن تقرأ جي ًدا‬
‫ُروميَة ‪ .٢٦-٢٣ :٣‬إن الله غري املحدود والحاكم املطلق للكون‬
‫ليس هو الشخص الّذي يتالعب برشيعته‪ .‬لذا يستمر ال ّناموس‬
‫السائدة‪ ،‬لكن الله يف املسيح‬ ‫شام ًخا بقداسته امل ُطلقة و ُمتطلّباته ّ‬
‫أويف هذه وتلك بدلً عنا‪ .‬لذا ليتنا نفهم هذا األمر كام أعلنه الله‬
‫فبهذه الطّريقة فقط ُيكن أن نُت ِّمم ال ّناموس ( ُروميَة ‪.)٣١ :٣‬‬
‫)‪(32‬‬
‫ولعل نبي الله إشعياء كان هو الشّ خص الّذي رأى‪ ،‬بوضوح‬ ‫ّ‬
‫كامل‪ ،‬ما كان الله مزم ًعا أن يفعل يف الجلجثة فقال‪« :‬ال ّر ُّب قَ ْد‬
‫س ِم ْن أَ ْجلِ ِب ِّر ِه‪ .‬يُ َعظِّ ُم ّ ِ‬
‫الشي َع َة َويُ ْك ِر ُم َها» (‪ .)٢١ :٤٢‬وكبرش ذوي‬ ‫ُ َّ‬
‫فكر محدود‪ ،‬لن نتمكّن أب ًدا من فهم املجد الكامل للصليب حتى‬
‫نرى هناك‪ ،‬ليس فقط َم َح َّبة الله للخطاة‪ ،‬بل أيضً ا بر الله وقداسته‬
‫يف حفظ مقاييس رشيعته بشكل مطلق يف الوقت نفسه الّذي فيه‬
‫الشيعة‪ .‬هذا هو مجد‬ ‫خلّص الخطاة املذنبني الذين كرسوا هذه ّ‬
‫نعمة الله‪.‬‬
‫عم «عجز ال ّناموس عن فعله»‪ .‬إن‬ ‫يف ُروميَة ‪ ٣ :٨‬يتكلم ال ّرسول ّ‬
‫الكلامت الثّالثة األخرية من هذا االقتباس تُق ِّدم كلمة يُونانية تعني‬
‫«بال قُ ّوة بامل ّرة ‪ .»Powerlessness‬إن ناموس الله عاجز متا ًما عن‬
‫تخليص البرش‪ ،‬وال ميكن أن يحفظنا من سطوة الخطية وسلطانها‪.‬‬
‫ناموس الله ال يُق ّدم لنا حاف ًزا كافيًا للطاعة وال يُعطي املعونة‬
‫الكافية لحفظ متطلباته‪ .‬ناموس الله ال يوجد طريقًا للرتاجع عند‬
‫كرس اإلنسان له‪ .‬ليت الله يفتح عيوننا ليك نفهم أن «معونتنا من‬
‫عند ال ّرب» (مزمور ‪)٢ :١٢١‬؛ فرجاؤنا فيه وحده وال سواه‪.‬‬
‫ ‬

‫)‪(33‬‬
‫الرابع‬
‫الفصل ّ‬
‫شريعة‬
‫قصد هللا من وراء إعطاء ال ّ‬

‫الشيعة ال تُخلِّصنا وال متنحنا ال ُق ّوة ل ُنخلِّص أنفسنا! ملاذا‬


‫إن ّ‬
‫إذًا نهتم بها؟ وملاذا أعط ّيت من األساس؟ إن ال ّرسول بُولُس الّذي‬
‫الشيعة يف كتابات العهد الجديد‬ ‫كان لديه الكثري ليقوله عن ّ‬
‫وس؟‬ ‫أدرك رشعية هذه األسئلة عندما طرح سؤاله‪« :‬فَلِ َمذَا ال ّنا ُم ُ‬
‫قَ ْد زِي َد ب َِس َب ِب التّ َع ِّديَات» (غالط ّية ‪١٩ :٣‬أ)‪ .‬ومن املمكن أن تكون‬
‫السؤال هي‪« :‬ملاذا ال ّناموس إذًا؟» لقد أجاب‬ ‫التجمة الحرفية لهذا ّ‬ ‫ّ‬
‫السؤال إجابة كاملة إذ قال‪:‬‬
‫ال ّرسول عن هذا ّ‬
‫لقد أُضيف ال ّناموس (أي زِيد) بسبب التّعديات (غالطيّة‬
‫‪ .)١٩ :٣‬الفعل أُضيف ‪ added‬يُوضِّ ح أن ال ّناموس ليس أساس ًيا‬
‫‪ primary‬يف تعا ُمل الله مع الخطاة‪ .‬إن عهد الله ووعوده جاءت‬
‫والسبب اإللهي إلضافة ال ّناموس‬ ‫أول‪ ،‬ثم أُضيف ال ّناموس بعدئذ‪ّ .‬‬ ‫ً‬
‫موجود؛ التّعديات البرشية‪ .‬هذا األمر العام سوف يظهر ثانية يف‬
‫جملة أكرث وضو ًحا وتحدي ًدا‪ ،‬أما جوهر املوضوع فهو أن إعطاء‬
‫ال ّناموس مرتبط بخطية اإلنسان‪ .‬إن ُعنرص الوقت ُمهم يف هذا‬
‫املوضوع‪ .‬زيد ال ّناموس بسبب التّعديات «حتى يأيت ال ّنسل املوعود‬
‫به»‪ .‬لذا فإن إعطاء ال ّناموس مل يكن أ ّو ًل كذلك‪ .‬مل يكن أم ًرا نهائيًا‬
‫)‪(35‬‬
‫مع الله الّذي يُخلّص الخطاة إذ يتعامل مع مشكلة الخطية‪ .‬إن‬
‫ال ّناموس « َمزيد»‪« ،‬و ُمؤقَّت»‪.‬‬
‫لقد صدر ال ّناموس لألمثة وللخطاة (‪١‬تيموثاوس ‪.)١٠-٩ :١‬‬
‫الفكرة وراء هذا امل ُقطع املهم هي ضبط ال ّنفس وأهميته األساسية‪.‬‬
‫وحينام ننظر إىل األمر من زاوية اجتامعية‪ ،‬فهذا هو الغرض األعىل‬
‫ٍ‬
‫انعكاسات‬ ‫واألكرث أهمية‪ .‬إن جميع قوانني األمم ورشائعها ليست‬
‫الش وتحجيمه‬ ‫كاملة للرشيعة اإللهية إذ هدفها فقط ضبط ّ‬
‫حامي ًة للمجتمع‪ .‬ويف سن التّرشيعات وجزاءاتها‪ ،‬تعمل الحكومة‬
‫كـ «خادمة لله» ( ُروميَة ‪.)٤ :١٣‬‬
‫وهناك غرض آخر من وراء إعطاء ال ّناموس للبرش هو «معرفة‬
‫الخطية» ( ُروم َية ‪ .)٢٠ :٣‬الكلمة ال ُيونانية هنا هي ‪،epignosis‬‬
‫وهي كلمة تزيد يف معناها عن املعرفة امل ُج َّردة‪ .‬إنها «املعرفة‬
‫الكاملة للخطية»‪ .‬الحق أنه ب ُدون أيّة قوانني وترشيعات يكون‬
‫اإلنسان غري وا ٍع ‪-‬بدرجة ما‪ -‬لحقيقة كونه خاطئ و ُمذنب‪ .‬ولقد‬
‫أعطي ال ّناموس ليك يُق ِّوي هذه املعرفة ويزيدها وضو ًحا‪ .‬لذا يزداد‬
‫ّ‬
‫اإلنسان وعيًا بخطيته وبحاجته إىل املعونة الّتي تأيت من خارجه‬
‫وبشكل أبعد من ال ّناموس‪ .‬بهذا املعنى وحده ُيكن أن يُقال إن‬
‫ال ّناموس يُج ِّهز البرش الهالكني إلنجيل املسيح إذ يجعلهم أكرث وعيًا‬
‫بحاجتهم للخالص‪ .‬لكن الواعظ ال يجب أب ًدا أن يشعر بالذّنب‬
‫حينام يعظ انطالقًا من ال ّناموس ليك ينتج اقتنا ًعا‪ ،‬يف نفس الوقت‪،‬‬
‫)‪(36‬‬
‫الخاصة بالخالص يف املسيح «بدون ال ّناموس»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫السارة‬
‫باألخبار ّ‬
‫من الجيد أن نكشف للبرش احتياجهم إىل خبز الحياة‪ ،‬لكن لنكن‬
‫واعني برضورة أال نرتكهم جيا ًعا؛ فال ّناموس نفسه ال يُعطي خب ًزا؛‬
‫بل يُعطي ُمج َّرد فاتورة بتكلفة الطّعام‪ .‬وهو األمر الّذي يفوق‬
‫إمكانية ك ُّل خاطئ‪.‬‬
‫هناك غرض آخر للناموس وهو كشف الطّبيعة املرعبة‬
‫للخطية‪ُ ( .‬روميَة ‪ .)١٣-٨ :٧‬يف هذه الفقرة امل ُه ّمة يكشف لنا ال ّروح‬
‫القدس أنه بال ّرغم من أن ال ّناموس صالح بالتّامم إال أن خطية‬
‫اإلنسان هي ِسمة مرعبة تعمل ‪-‬بالحقيقة‪ -‬من خالل ال ّناموس‬
‫الصالحة وامل ُق ّدسة الواردة بال ّناموس مل تفشل‬ ‫حتى إن الوصية ّ‬
‫فقط يف القضاء عىل الخطية بل أيضً ا حفّزتها وف ّعلتها! إن الوصية‬
‫«ال تطمع» الّتي اقتبسها ال ّرسول بُولُس تؤكّد أن تأثري هذه الوصية‬
‫بدل من قتل الخطية‪:‬‬ ‫تفعيل الخطية وإحيا َءها ً‬ ‫َ‬ ‫كان‪ ،‬يف الحقيقة‪،‬‬
‫«أَ َّما أَنَا فَ ُك ْن ُت ِب ُدونِ ال ّنا ُم ِ‬
‫وس َعائِشً ا قَ ْبالً‪َ .‬ول ِك ْن ل ََّم َجا َء ِت الْ َو ِص َّي ُة‬
‫َعاشَ ِت الْ َخ ِطيَّةُ‪ ،‬فَ ُم ُّت أَنَا» ( ُروميَة ‪.)٩ :٧‬‬
‫هذا هو أسوأ يشء يف الخطية البرشية‪ :‬إنها من املمكن أن‬
‫تتّخذ من وصية الله امل ُق ّدسة وسيلة للرش « َول ِك َّن الْ َخ ِط َّي َة َو ِه َي‬
‫وس‬‫ُمتَّ ِخ َذ ٌة فُ ْر َص ًة بِالْ َو ِصيَّ ِة أَنْشَ أَتْ ِ َّف ك ُّل شَ ْه َو ٍة‪ .‬ألَ ْن ِب ُدونِ ال ّنا ُم ِ‬
‫الْ َخ ِط َّي ُة َم ِّيتَةٌ» ( ُروم َية ‪َ .)٨ :٧‬م ْن ِمن امل ُخلّصني واملستنريين بروح‬
‫الله ال يعرف صدق هذا األمر من خالل خربته اإلنسانية؟ إن‬
‫)‪(37‬‬
‫الشيعة حفزت الخطية بدلً من وضع نهاية لها‪.‬‬ ‫زخات وصايا ّ‬
‫السبب الّذي دعا ال ّرسول بُولُس ليك يُس ّمي ال ّناموس «قُ ّوة‬
‫هذا هو ّ‬
‫الخطية» (‪١‬كورنثوس ‪.)٥٦ :١٥‬‬
‫لعل القارئ الحظ هنا أن الفقرتني الثّانية وال ّرابعة أعاله‬ ‫ّ‬
‫يحمالن نو ًعا من التّناقض الظاهري‪ :‬كيف ميكن للرشيعة أن‬
‫تح ّجم الخطية لكنها يف نفس الوقت تحفّزها وتف ّعلها؟ لإلجابة عن‬
‫حدثان‬ ‫همي يُ ِ‬ ‫السؤال يجب أن نعلم أن للرشيعة ُعنرصيْن ُم ْ‬ ‫هذا ّ‬
‫نوعي من التّأثري‪ .‬فأما ال ُعنرصان فهام‪ :‬الوصية والجزاء وأما التّأثريان‬ ‫ْ‬
‫فهام التّأثري ال ّداخيل والتّأثري الخارجي‪ .‬ففي ال ّداخل‪ ،‬تحفز الوصية‬
‫التّمرد بسبب طبيعة قلوب البرش العصاة‪ .‬عىل ال ّناحية األخرى‪،‬‬
‫فإن الجزاء الخارجي كبح األفعال الخارجية للتمرد البرشي‪ .‬لذا قُلنا‬
‫ظاهري فقط‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫إن التّناقض‬
‫قليل‪ ،‬لقد عرفنا‬ ‫لننظر إىل املوضوع اآلن من زاوية تختلف ً‬
‫أن ال ّناموس قد أعطي ليك يكشف كرثة خطايانا وبشاعتها « َوأَ َّما‬
‫وس فَ َد َخ َل لِ َ ْ‬
‫ك تَك ُ َْث الْ َخ ِط َّيةُ‪َ .‬ول ِك ْن َح ْيثُ ك ُ ََث ِت الْ َخ ِط َّي ُة‬ ‫ال ّنا ُم ُ‬
‫ا ْز َدا َد ِت ال ّن ْع َم ُة ِج ًّدا» ( ُروميَة ‪ .)٢٠ :٥‬إن التّعبري «جرمية» هنا ال‬
‫السلوكيات الفردية الخاطئة‬ ‫يُشري إىل الخطية عام ًة بل باألحرى إىل ّ‬
‫الّتي تُرتكب يف ظل ال ّناموس‪ .‬لذا فال ّناموس إذ يُضاعف مطاليب‬
‫الله يكشف لإلنسان كرثة جرامئه‪ .‬بهذا املعنى فال ّناموس ال يجعل‬
‫مم هو عليه بالفعل‪ ،‬بل باألحرى يكشف‬ ‫اإلنسان أسوأ حالً ّ‬
‫)‪(38‬‬
‫لإلنسان بوضوح كم هو ردئ بالحقيقة‪ .‬عندما كتب ال ّرسول بُولُس‬
‫عب عن «امل ُمثِّل اليُوناين‬
‫فعل يُونانيًا يُ ِّ‬
‫«دخل ال ّناموس» استخدم ً‬
‫الّذي ال يحتل ُمق ِّدمة املرسح بل يظهر هناك ليك يلعب دو ًرا ثانويًا‬
‫أو تكميليًا»‪ ((1( .‬يا لها من حقيقة! ففي التّعامل مع الخطية‪ ،‬تحتل‬
‫نعمة الله الّتي ظهرت يف املسيح مكان املركز يف ال ّدراما اإللهية عرب‬
‫ك ُّل العصور‪.‬‬
‫أعطي ال ّناموس ليك يستد ك ُّل فم وليك تثبُت مذنوبية ك ُّل‬ ‫ّ‬
‫العامل‪ .‬هذه وظيفة أخرى مه ّمة أنجزها ناموس الله « َونَ ْح ُن نَ ْعلَ ُم‬
‫وس‪ ،‬لِ َ ْ‬
‫ك‬ ‫أَ َّن ك ُّل َما يَقُولُ ُه ال ّنا ُم ُ‬
‫وس فَ ُه َو يُ َكلِّ ُم ِب ِه الّذي َن ِف ال ّنا ُم ِ‬
‫اص ِم َن الله» ( ُروم َية ‪:٣‬‬ ‫يَ ْستَ َّد ك ُّل ف ٍَم‪َ ،‬ويَ ِص َري ك ُّل الْ َعال َِم ت َ ْح َت ِق َص ٍ‬
‫‪ .)١٩‬إن الكلمة اإلنجليزية «مذنب ‪ »guilty‬قد ضعف معناها يف‬
‫شخصا‬
‫الوجدان الشّ عبي املعارص‪ .‬ففي التّفكري العام‪ ،‬ليك نقول إن ً‬
‫وج َد مذنبًا يف جرمية ما‪ ،‬فهذا معناه أن ذلك الشّ خص هو مرتكب‬
‫تلك الجرمية‪ .‬أما يف الكتاب امل ُق ّدس‪ ،‬كام يف مصطلحات محاكمنا‬
‫املدنيّة‪ ،‬ليك نقول إن هذا الشّ خص ُمذنب‪ ،‬فهذا ليس معناه فقط‬
‫أن هذا الشّ خص كرس القانون‪ ،‬بل معناه أيضً ا أنه مستحق أن توقَّع‬
‫عليه ال ُعقوبة جزا ًء ملا اقرتفته يداه‪ .‬الكلمة اليُونانية ‪upodikos‬‬
‫تعني «تحت ُحكم القضاء»‪ .‬هذا هو عمل ال ّناموس اإللهي يف ك ُّل‬
‫الصور واألشكال الّتي جاءنا بها‪ ،‬ليك يُحرض ك ُّل العامل تحت القضاء‬ ‫ّ‬
‫‪(16) Codet, op. cit., p. 227.‬‬

‫)‪(39‬‬
‫اإللهيي‪ .‬وال يُوجد أي استئناف لهذا ال ُحكم القضايئ ليك‬ ‫ْ‬ ‫والعقاب‬
‫الصعب أن نجد خطاة‬ ‫يتوقف ك ُّل لسان ويستد ك ُّل فم‪ .‬ليس من ّ‬
‫السهل االعرتاف بأن أولئك‬ ‫يعرتفون بخطاياهم‪ ،‬لكن ليس من ّ‬
‫الخطاة يستحقون العقاب عىل أفعالهم ال ّردية‪ .‬هذا هو املعنى‬
‫الحقيقي لكلمة «ذنب»‪ ،‬وال ُيكن لله أن يصنع معنا أي معروف‬
‫قبل أن يعرف ك ُّل م ّنا أنه ُمذنب‪.‬‬
‫حارسا كاب ًحا لخطايا البرش حتى يأيت‬ ‫أُعطي ال ّناموس ليكون ً‬
‫الوقت حينام يجدوا الحريّة الحقيق ّية يف املسيح بواسطة اإلميان‬
‫وس‪ُ ،‬م ْغلَقًا َعلَيْ َنا‬‫وس َني تَ ْح َت ال ّنا ُم ِ‬ ‫« َول ِك ْن قَبْل ََم َجا َء ا ِإلميَا ُن كُ َّنا َم ْح ُر ِ‬
‫إِ َل ا ِإل َميانِ الْ َع ِت ِيد أَ ْن يُ ْعلَ َن‪ .‬إِذًا قَ ْد كَا َن ال ّنا ُم ُ‬
‫وس ُم َؤ ِّدبَ َنا إِ َل الْ َم ِسي ِح‪،‬‬
‫ك نَتَ َ َّب َر بِا ِإلميَان» (غالطيّة ‪ .)٢٤-٢٣ :٣‬يف العدد ‪ ٢٣‬يحمل ك ُّل‬ ‫لِ َ ْ‬
‫الفعلي املعنى «يكبح»‪ :‬كُنا «محروسني» ‪« ..‬ويستد» كام لو‬ ‫ْ‬ ‫من‬
‫ك ّنا يف ِسجن أو تحت حراسة عسكريّة‪.‬‬
‫أما يف العدد ‪ ٢٤‬فتُخطئ ترجمة امللك جيمس ‪ KJV‬خطأ كب ًريا‪:‬‬
‫بالقطع مل يكتب ال ّرسول‪« :‬كان ال ّناموس (املرشف املدريس) حتى‬
‫يُحرضنا إىل املسيح» فالكلامت «حتى يُحرضنا» ليست موجودة‬
‫يف ال ّنص األصيل‪ .‬ففكرة أن ال ّناموس يُراقبنا كاملرشف املدريس‬
‫مرش ًدا إيانا للمسيح‪ ،‬هذه الفكرة كلها يجب أن تُبتذل كام يقول‬
‫اليتفوت‪ ،‬فاملرشف املدريس ‪ paidagogos‬يف األزمنة القدمية كان‬
‫عب ًدا مهمته تدريب الطّفل وكبح جامحه حتى يبلغ‪ .‬وعليه‬
‫)‪(40‬‬
‫فال ّناموس كان ‪ paidagogos‬حتى يأيت املسيح ف ُيمك ّننا من نوال‬
‫البنوة لله باإلميان به‪.‬‬
‫لذلك فال ّناموس ال يقود البرش إىل املسيح بل باألحرى يضع‬
‫الضورية حتى يجدوا ال ُحرية األخالقية الحقيقية‬ ‫أمامهم مكابحه ّ‬
‫باإلميان باملسيح‪ .‬للحصول عىل مناقشة ممتازة لهذه الفكرة اقرأ‬
‫ما كتبه دين ‪ Denny‬يف مقاله عن ال ّناموس يف قاموس ‪Hasting’s‬‬
‫‪ Dictionary‬للكتاب امل ُق ّدس‪ .‬هذا ال يعني أن ال ّناموس بال فائدة‬
‫بامل ّرة يف جذب البرش للمسيح‪ ،‬فال ّناموس يكشف لإلنسان فسا َد‬
‫قلبه وموتَه‪ ،‬وبذا يجعل الخاطئ واعيًا بحاجته‪ ،‬لكن ليست هذه‬
‫هي الفكرة الّتي تعلّمها لنا غالط ّية ‪.٢٤ :٣‬‬
‫عطي ال ّناموس ليكون شهادة نبويّة ومنوذ ًجا للخالص‬ ‫لقد أُ ّ‬
‫نتحصل عليها يف املسيح ( ُروميَة ‪ .)٢١ :٣‬فبعد أن‬ ‫ّ‬ ‫بال ّنعمة الّتي‬
‫يكشف ال ّناموس أن العامل كله خاطئ ومذنب أمام الله‪ ،‬وأنه‬
‫بأعامل ال ّناموس ال يتربر ك ُّل ذي جسد يف نظر الله‪ ،‬يبدأ ال ّرسول‬
‫يف إعطاء الخطوط العريضة للطريقة امل ُثىل لل ُحصول عىل الخالص‪.‬‬
‫يف ُروميَة ‪ ٣‬يكتب ال ّرسول‪َ « :‬وأَ َّما اآل َن فَ َق ْد ظَ َه َر ِب ُّر الل ِه ِب ُدونِ‬
‫وس َواألَنْ ِب َياء» (آية ‪.)٢١‬‬ ‫وس‪َ ،‬مشْ ُهو ًدا لَ ُه ِم َن ال ّنا ُم ِ‬
‫ال ّنا ُم ِ‬
‫األمر األول الّذي يجب أن نالحظه هنا هو أن بر الله الّذي‬
‫يُخلِّص الخطاة «خا ٍل من ال ّناموس»‪ .‬يستخدم ال ّرسول حرف الجر‬

‫)‪(41‬‬
‫‪ choris‬الّذي ترجمته «بعيد عن ‪ »apart from‬مبعناه املطلق‪.‬‬
‫يُستخدم هذا الفعل أيضً ا يف العربانيني ‪ ١٥ :٤‬حيثُ يُقال هناك‬
‫عن ربِّنا إنه ُج ِّرب يف ك ُّل يشء‪ ،‬متا ًما كام نُج َّرب نحن أيضً ا‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فهو «بال خطيّة»‪ .‬لذا فإن خالص املؤمن هو أمر بعيد متا ًما‬
‫عن ال ّناموس كام أن ابن الله بعيد متا ًما عن ك ُّل خطية‪ .‬وكام أنه ال‬
‫ُسلطان للخطية عىل املسيح لذا ليس للناموس يشء يف الرب الّذي‬
‫أخذناه من املسيح باإلميان به‪.‬‬
‫الصور‬ ‫لكن عىل ال ّناحية األخرى‪ ،‬إذا كان ال ّناموس عاج ًزا‪ ،‬بك ُّل ّ‬
‫واألشكال‪ ،‬عن املساهمة يف الخالص الّذي نلناه باملسيح‪ ،‬مع ذلك‬
‫يعمل ال ّناموس كشاهد لهذا الرب « َوأَ َّما اآل َن فَ َق ْد ظَ َه َر ِب ُّر الل ِه‬
‫وس َواألَنْ ِبيَاء» ( ُروميَة ‪.)٢١ :٣‬‬ ‫وس‪َ ،‬مشْ ُهو ًدا لَ ُه ِم َن ال ّنا ُم ِ‬
‫ِب ُدونِ ال ّنا ُم ِ‬
‫كيف يحمل ال ّناموس هذه «الشّ هادة»؟ أ ّو ًل‪ ،‬حمل ال ّناموس هذه‬
‫الشّ هادة نبويًا‪ .‬إن ال ّنبوة الكربى العظيمة عن الفادي اآليت للخالص‬
‫موجودة يف ال ّناموس‪َ « :‬وأَضَ ُع َع َدا َو ًة بَ ْي َن ِك َوبَ ْ َي الْ َم ْرأَ ِة‪َ ،‬وبَ ْ َي‬
‫ن َْسلِ ِك َون َْسلِ َها‪ُ .‬ه َو يَ ْس َح ُق َرأْ َس ِك‪َ ،‬وأَن ِْت ت َْس َح ِق َني َع ِقبَ ُه» (التّكوين‬
‫‪ .)١٥ :٣‬ثان ًيا يشهد ال ّناموس عن خالصنا العظيم باملسيح من‬
‫الشيعة‬ ‫خالل ال ّرموز ‪ .Types‬إن ال ّنظام الذّبائحي كله الوارد يف ّ‬
‫ُوسوية يُشري إىل حمل الله الّذي يرفع خطية العامل‪ .‬لذا يتح ّدث‬ ‫امل َ‬
‫ال ّناموس‪ ،‬ب ُوضوح وبطريقة ال تقبل سوء الفهم‪ ،‬عن الرب اإللهي‬
‫الّذي أنعمت به علينا نعمة الله نحن الّذين آمنا باملسيح ببساطة‪،‬‬

‫)‪(42‬‬
‫بينام يف الوقت نفسه ال ميكن للناموس أن يُساهم أقل ُمساهمة‬
‫الصياغة‪ ،‬هذا الرب‬ ‫يف ال ُحصول عىل هذا الرب‪ .‬لذلك‪ ،‬فليك نُص ِّحح ّ‬
‫اإللهي بعيد عن ال ّناموس لكنه مشهود له بواسطة ال ّناموس‬
‫ْس‬ ‫ات الْ َع ِتي َد ِة الَ نَف ُ‬ ‫للناموس فقط «ألَ َّن ال ّنا ُم َ‬
‫وس‪ ،‬إِ ْذ لَ ُه ِظ ُّل الْ َخ ْ َي ِ‬
‫ُصو َر ِة األَشْ َيا ِء‪ ،‬الَ يَق ِْد ُر أَبَ ًدا ِب َنف ِْس ال ّذبَائِ ِح ك ُّل َس َن ٍة‪ ،‬الّتي يُ َق ِّد ُمونَ َها‬
‫َع َل ال ّد َو ِام‪ ،‬أَ ْن يُ َك ِّم َل الّذي َن يَتَ َق َّد ُمون» (العربانيني ‪ .)١ :١٠‬دعونا‬
‫ندرك أهمية هذا الظل وقيمته‪ ،‬ودعونا نعي رضورة أال نضع ولو‬
‫حرفًا واح ًدا ‪ one iota‬يف مستوى هذا ال ّناموس‪.‬‬
‫ ‬

‫)‪(43‬‬
‫الفصل اخلامس‬
‫شريعة هللا املكتوبة الّيت أُعطيّت إلسرائيل‬

‫ُوسوية يف شكل «عهد» قطعه الله‬ ‫الشيعة امل َ‬ ‫لقد أُعطيت ّ‬


‫مع إرسائيل فقط‪ .‬وكمق ِّدمة إلعطاء «الوصايا العرش» عىل جبل‬
‫وس ف ََص ِع َد إِ َل الل ِه‪.‬‬ ‫قائل‪َ « :‬وأَ َّما ُم َ‬
‫سيناء‪ ،‬يتحدث ال ّرب إىل إرسائيل ً‬
‫ُول لِ َب ْي ِت يَ ْعق َ‬
‫ُوب‪َ ،‬وت ُ ْخ ِ ُب‬ ‫فَ َنا َدا ُه ال ّر ُّب ِم َن الْ َج َبلِ قَائِالً‪« :‬ه َكذَا تَق ُ‬
‫سائِ َيل ‪ ..‬فَاآل َن إِ ْن َس ِم ْعتُ ْم لِ َص ْو ِت‪َ ،‬و َح ِفظْتُ ْم َع ْه ِدي تَكُونُو َن‬ ‫بَ ِني إِ ْ َ‬
‫وب‪ .‬فَ ِإ َّن ِل ك ُّل األَ ْرض» (ال ُخروج ‪:١٩‬‬ ‫اص ًة ِم ْن بَ ْ ِي َج ِميعِ الشّ ُع ِ‬‫ِل َخ َّ‬
‫اب‬ ‫وس‪« :‬أَ َخ َذ كِتَ َ‬ ‫الشيعة يف سيناء نقرأ أن ُم َ‬ ‫‪ .)٥ ،٣‬ثم بعد إعطاء ّ‬
‫الْ َع ْه ِد َوقَ َرأَ ِف َم َسا ِمعِ الشّ ْع ِب‪ ،‬فَقَالُوا‪« :‬ك ُُّل َما ت َ َكلَّ َم ِب ِه ال ّر ُّب نَ ْف َع ُل‬
‫َون َْس َم ُع لَ ُه» (ال ُخروج ‪ .)٧ :٢٤‬وملا أُنجزت ُمه ّمة إعطاء ال ّناموس‪،‬‬
‫ُوس أن «الَ ت َْص َن ْع لِ َنف ِْس َك آلِ َه ًة َم ْس ُبوكَةً»‬ ‫الصوت اإللهي مل َ‬ ‫جاء ّ‬
‫(ال ُخروج ‪.)١٧ :٣٤‬‬
‫السجل املكتوب‪ ،‬أُمر الالويّون‪ُ « :‬خذُوا كِتَ َ‬
‫اب التّ ْو َرا ِة‬ ‫بعد إمتام ّ‬
‫وت َع ْه ِد ال ّر ِّب إِل ِه ُك ْم‪ ،‬لِ َيكُو َن ُه َن َاك شَ ا ِه ًدا‬ ‫هذَا َوضَ ُعو ُه ِب َجانِ ِب تَابُ ِ‬
‫َعلَيْكُم» (التّثنية ‪ .)٢٦ :٣١‬يف مقالة عن الوصايا العرش يكتب‬
‫قائل‪« :‬لقد أُعطيت الوصايا العرش ً‬
‫أساسا‬ ‫د‪ .‬سيمبي ‪ً Sampey‬‬

‫)‪(45‬‬
‫(‪((1‬‬
‫إلرسائيل وليس لك ُّل الجنس البرشي»‪.‬‬
‫ُوسوية الخمسة‬ ‫هذا العهد اإللهي املنصوص عليه يف األسفار امل َ‬
‫ترشيعي‪ ،‬لذا فالوصايا العرش قيل عنها‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫يُوصف حقًا بأنه موضوع‬
‫ك آ ُخ َذ لَ ْو َح ِي الْ َح َجرِ‪ ،‬لَ ْو َح ِي الْ َع ْه ِد‬ ‫«ح َني َص ِعدْتُ إِ َل الْ َج َبلِ لِ َ ْ‬ ‫ِ‬
‫الّذي قَطَ َع ُه ال ّر ُّب َم َع ُك ْم‪ ،‬أَقَ ْم ُت ِف الْ َجبَلِ أَ ْربَ ِع َني نَ َها ًرا َوأَ ْربَ ِع َني‬
‫الشيعة‬ ‫ش ُب َما ًء» (التّثنية ‪ ،)٩:٩‬وهذه ّ‬ ‫لَ ْيلَ ًة الَ آك ُُل ُخ ْب ًزا َوالَ أَ ْ َ‬
‫يُشار إليها عادة بأسامء مختلفة مثل‪« :‬كتاب العهد» (ال ُخروج‬
‫‪« ،)٧ :٢٤‬كلامت العهد» (التّثنية ‪ .)١ :٢٩‬واألكرث من ذلك‪ ،‬تسمى‬
‫ال ُعقوبات املنصوص عليها يف ال ّناموس اإللهي بـ «لعنات العهد»‬
‫(التّثنية ‪ .)٢١ :٢٩‬وأخ ًريا فال ّدم املسفوك طاعة لهذا العهد يُدعى‬
‫«دم العهد» (ال ُخروج ‪ ،)٨ :٢٤‬والتّابوت الّذي يقف كرمز للناموس‬
‫األخالقي واالحتفايل يُدعى «تابوت العهد» (العدد ‪.)٣٣ :١٠‬‬
‫أما الربكات املنصوص عليها يف هذا العهد فقد كانت بركات‬
‫مرشوطة بطاعة إرسائيل لوصايا الله «فَاآل َن إِ ْن َس ِم ْعتُ ْم لِ َص ْو ِت‪،‬‬
‫وب‪ .‬فَ ِإ َّن ِل‬ ‫اص ًة ِم ْن بَ ْ ِي َج ِميعِ الشّ ُع ِ‬ ‫َو َح ِفظْتُ ْم َع ْه ِدي تَكُونُو َن ِل َخ َّ‬
‫هذ ِه ِه َي‬ ‫ك ُّل األَ ْر ِض‪َ .‬وأَنْتُ ْم تَكُونُو َن ِل َم ْملَ َك َة كَ َه َن ٍة َوأُ َّم ًة ُمق ّدسةً‪ِ .‬‬
‫سائِ َيل» (ال ُخروج ‪َ « ،)٦-٥ :١٩‬وإِ ْن‬ ‫الْ َكلِ َمتُ الّتي ت ُ َكلِّ ُم ِب َها بَ ِني إِ ْ َ‬
‫َس ِم ْع َت َس ْم ًعا لِ َص ْو ِت ال ّر ِّب إِله َِك لِتَ ْحر َِص أَ ْن تَ ْع َم َل ِب َج ِميعِ َو َصايَا ُه‬
‫‪(17) John R. Sampey, “The Ten Commandments,” International Standard‬‬
‫‪Bible Encyclopedia, V, 2944B.‬‬

‫)‪(46‬‬
‫وص َيك ِب َها الْ َي ْو َم‪ ،‬يَ ْج َعل َُك ال ّر ُّب إِل ُه َك ُم ْستَ ْعلِ ًيا َع َل َج ِميعِ‬‫الّتي أَنَا أُ ِ‬
‫قَبَائِلِ األَ ْر ِض‪َ ،‬وتَأْ ِت َعلَيْ َك َج ِمي ُع ِ‬
‫هذ ِه ال َ َْبك ِ‬
‫َات َوتُ ْد ِرك َُك‪ ،‬إِذَا َس ِم ْع َت‬
‫لِ َص ْو ِت ال ّر ِّب إِله َِك» (التّثنية ‪ ٢-١ :٢٨‬اقرأ إىل آية ‪ .)١٤‬من ناحية‬
‫أخرى‪ ،‬إذا وجد إرسائيل أنهم يئنون تحت القصاص اإللهي‪ ،‬فال بُ ّد‬
‫أن يُفهم أن هذا األمر قد جاء عليه بسبب أنهم «لَ ْم يَ ْح َفظُوا َع ْه َد‬
‫شي َع ِته» (مزمور ‪.)١٠ :٧٨‬‬ ‫السل َُوك ِف َ ِ‬ ‫الل ِه‪َ ،‬وأَبَ ْوا ّ‬
‫أُعطيت التّرشيعات إلرسائيل بسبب الخطية‪ .‬ويف إجابته عن‬
‫سؤال‪« :‬ملاذا أُعطي ال ّناموس إذًا؟» كتب ال ّرسول بُولُس‪« :‬فَلِ َمذَا‬
‫ات‪ ،‬إِ َل أَ ْن يَأْ ِ َت ال ّن ْس ُل الّذي قَ ْد‬ ‫وس؟ قَ ْد زِي َد ب َِسبَ ِب التّ َع ِّديَ ِ‬ ‫ال ّنا ُم ُ‬
‫يط» (غالط ّية ‪ .)١٩ :٣‬حينام أُطلق‬ ‫ُو ِع َد لَ ُه‪ُ ،‬م َرتَّ ًبا بِ َالَئِ َك ٍة ِف يَ ِد َو ِس ٍ‬
‫إرسائيل وخرج من تحت عبودية املرصيني كانت نجاتهم و ُحريّتهم‬
‫الصادر عن إله ذي سلطان مطلق‪.‬‬ ‫حسب وعد ال ّنعمة اإللهي ّ‬
‫رصف إرسائيل أمام هذا الخالص غري املست َحق؟ إن التّقرير‬ ‫كيف ت َّ‬
‫األسيف امل َّدون يف سفر ال ُخروج يُخربنا عن رغبة الشّ عب امل ُخيفة‬
‫بدل من مواجهة مخاطر ال ّرحلة‪ .‬لقد‬ ‫للرجوع إىل نري املرصيني ً‬
‫وس بسبب مرارة املاء يف «مارة» وأرادوا‬ ‫تذ ّمروا ب ُعنف ضد ُم َ‬
‫العودة إىل «أماكن املتعة» يف مرص‪ .‬كانوا عىل استعداد أن يرجموا‬
‫الصحراء‪ .‬حدثت ك ُّل تلك األمور أمام‬ ‫وس بسبب العطش يف ّ‬ ‫ُم َ‬
‫وجه الله القدير الّذي أجرى لهم املعجزات ليك يُنقذهم م ّرات‬
‫السبب الّذي قادهم إىل سفح سيناء‪،‬‬ ‫وم ّرات‪ .‬كانت آثامهم هي ّ‬

‫)‪(47‬‬
‫السلوك باإلميان حسب مواعيد ال ّنعمة الّتي أعطاها‬ ‫إذ فشلوا يف ّ‬
‫الله القدير‪ .‬وكتذكار قوي لهذا الفشل‪ ،‬يُحذِّر كاتب ال ّرسالة إىل‬
‫يب أَ َح ٌد ِم ْن نِ ْع َم ِة الل ِه‪ .‬لِئَالَّ‬
‫قائل‪ُ « :‬مال َِح ِظ َني لِئَالَّ يَ ِخ َ‬ ‫العربانيني ً‬
‫يَطْلُ َع أَ ْص ُل َم َرا َر ٍة َويَ ْص َن َع انْ ِز َعا ًجا‪ ،‬فَيَتَ َن َّج َس ِب ِه كَ ِث ُريون» (‪:١٢‬‬
‫العاملي ال ّروحي‬
‫ْ‬ ‫‪ .)١٥‬ال يوجد ما يُضاهي هذا الفشل الكاريث يف‬
‫واألخالقي‪.‬‬
‫الشيعة إلرسائيل مل يفسخ العهد‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فإعطاء عهد ّ‬
‫السابق الّذي كان عه ًدا غري مرشوط‪ .‬ففي صيغته‬ ‫اإلبراهيمي ّ‬
‫األصليّة‪ ،‬كان العهد مع إبراهيم موجو ًدا يف التّكوين ‪.٣-١ :١٢‬‬
‫وكانت بركات هذا العهد غري مرشوطة بأية استحقاقات يُظهرها‬
‫إبراهيم‪ .‬لقد وعد الله ‪-‬ببساطة‪ -‬بأنه سوف يُبارك إبراهيم ونسله‪.‬‬
‫رمبا يُجادل أحدهم بالقول إن هناك رشطًا واح ًدا موجو ًدا يف ‪:١٢‬‬
‫‪َ « ١‬وق ََال ال ّر ُّب ألَبْ َرا َم‪« :‬ا ْذ َه ْب ِم ْن أَ ْر ِض َك َو ِم ْن َع ِش َريتِ َك َو ِم ْن بَيْ ِت‬
‫أَب َِيك إِ َل األَ ْر ِض الّتي أُر َِيك» لكن التزام إبراهيم بهذا األمر اإللهي‬
‫كان استجابة لإلميان مبواعيد الله امللكية «بِا ِإلميَانِ إِبْ َرا ِهي ُم ل ََّم ُد ِع َي‬
‫أَطَا َع أَ ْن يَ ْخ ُر َج إِ َل الْ َمكَانِ الّذي كَا َن َع ِتي ًدا أَ ْن يَأْ ُخ َذ ُه ِم َرياث ًا‪ ،‬فَ َخ َر َج‬
‫َو ُه َو الَ يَ ْعلَ ُم إِ َل أَيْ َن يَأْ ِت» (العربانيني ‪ .)٨ :١١‬بنفس الطّريقة‪،‬‬
‫نحن نتجاوب اليوم مع دعوة الله حينام نرتك العامل وننضم تحت‬
‫لوائه املبارك «يف املسيح»‪ .‬لقد قطع ال ّرب عهده مع إبراهيم قبل‬
‫وس عىل جبل سيناء‪ ،‬ويُحاج ال ّرسول‬ ‫‪ ٤٣٠‬سنة من إعطاء ناموس ُم َ‬

‫)‪(48‬‬
‫وس الّذي َصا َر بَ ْع َد أَ ْربَ ِع ِمئَ ٍة‬ ‫بُولُس أن‪َ « :‬وإِنَّ َا أَق ُُول هذَا‪ :‬إِ َّن ال ّنا ُم َ‬
‫َو�ثَالَثِ َني َس َنةً‪ ،‬الَ يَ ْن َس ُخ َع ْه ًدا قَ ْد َسبَ َق فَتَ َم َّك َن ِم َن الل ِه نَ ْح َو الْ َم ِسي ِح‬
‫ُوسوي‬ ‫َحتَّى يُ َبط َِّل الْ َم ْو ِعد» (غالط ّية ‪ .)١٧ :٣‬بل إن ال ّناموس امل َ‬
‫نفسه يشهد عىل تف ُّوق العهد الّذي سبقه‪ .‬وعىل ال ّرغم من خطايا‬
‫إرسائيل ودينونة الله األكيدة فإن ال ّرب يقول‪« :‬أَ ْذكُ ُر ِميثَا ِقي َم َع‬
‫ُوب‪َ ،‬وأَ ْذكُ ُر أَيْضً ا ِميثَا ِقي َم َع إِ ْس َح َاق‪َ ،‬و ِميثَا ِقي َم َع إِبْ َرا ِهي َم‪،‬‬ ‫يَ ْعق َ‬
‫َوأَ ْذكُ ُر األَ ْر َض ‪َ ..‬ول ِك ْن َم َع ذلِ َك أَيْضً ا َمتَى كَانُوا ِف أَ ْر ِض أَ ْع َدائِ ِه ْم‪،‬‬
‫َما أَبَيْتُ ُه ْم َوالَ كَ ِر ْهتُ ُه ْم َحتَّى أُبِي َد ُه ْم َوأَنْكُثَ ِميثَا ِقي َم َع ُه ْم‪ ،‬ألَ ِّن أَنَا‬
‫ال ّر ُّب إِل ُه ُهم» (الالويّني ‪.)٤٤ ،٤٢ :٢٦‬‬
‫ُوسوي املكتوب حتى وجد‬ ‫كان إرسائيل‪ ،‬خاض ًعا لل ّناموس امل َ‬
‫الغفران والحريّة يف «العهد الجديد» بواسطة ال ّنعمة يف املسيح «أَ ْم‬
‫وس يَ ُسو ُد‬ ‫وس أَ َّن ال ّنا ُم َ‬
‫تَ ْج َهلُو َن أَيُّ َها ا ِإل ْخ َو ُة ألَ ِّن أُكَلِّ ُم الْ َعا ِر ِف َني بِال ّنا ُم ِ‬
‫َع َل ا ِإلن َْسانِ َما َدا َم َحيًّا؟» ( ُروميَة ‪ .)١ :٧‬إن الحريّة من ال ّناموس تأيت‬
‫فقط حينام يُصبح ال َي ُهودي ميتًا للناموس بجسد املسيح ( ُروم َية ‪:٧‬‬
‫‪ .)٤‬تؤكَّد نفس هذه الفكرة امل ُهمة يف غالطيّة ‪« ٣ :٥‬ل ِك ْن أَشْ َه ُد أَيْضً ا‬
‫لِك ُِّل إِن َْسانٍ ُم ْختَ ِ ٍت أَنَّ ُه ُملْتَ ِز ٌم أَ ْن يَ ْع َم َل ِبك ُِّل ال ّنا ُموس»‪ .‬إن اإلشارة‬
‫هنا ليست فقط إىل العملية الجسامنية بل إىل ال ُخضوع للطقس أو‬
‫للشعرية املصحوبة باإلميان الّذي يُخلّص أو يُعني عىل نوال الخالص‬
‫للنفس‪ .‬إن شعائر ال ّناموس حزمة واحدة‪ :‬فإما أن تُت َّمم م ًعا أو يُقاىس‬
‫اإلنسان من ُعقوبة الفشل لو أخطأ يف واحدة‪.‬‬

‫)‪(49‬‬
‫من الواضح أن ال ّرسول بُولُس ينظر إىل ال َي ُهود غري امل ُخلّصني يف‬
‫أيامه باعتبارهم يعيشون تحت ال ّناموس‪ ،‬ألنه يقول يف ُروميَة ‪:٣‬‬
‫وس فَ ُه َو يُ َكلِّ ُم ِب ِه الّذي َن ِف‬ ‫‪َ « :١٩‬ونَ ْح ُن نَ ْعلَ ُم أَ َّن ك ُّل َما يَقُولُ ُه ال ّنا ُم ُ‬
‫اص ِم َن‬ ‫ك يَ ْستَ َّد ك ُّل ف ٍَم‪َ ،‬ويَ ِص َري ك ُّل الْ َعال َِم تَ ْح َت ِق َص ٍ‬ ‫وس‪ ،‬لِ َ ْ‬‫ال ّنا ُم ِ‬
‫الله»‪ .‬إن األفعال ال ُيونانية املستخدمة هنا ت ُوضِّ ح حقيقة حارضة‪،‬‬
‫ليس فقط ُمج ّرد عالقة ُوجدت يو ًما ما لكن مل تعد لهذه العالقة‬
‫ق ّوتها بعد اآلن‪.‬‬
‫يف نفس اللحظة الّتي كان ال ّرسول يكتب فيها هذه الكلامت‬
‫كان ال ّناموس يتكلّم إىل أصحابه غري املخلّصني‪ ،‬الّذين قال عنهم‬
‫إنهم «تحت ال ّناموس»‪ .‬إذا مل يكن األمر كذلك‪ ،‬ملا كان هناك‬
‫يوم دينونة لهم كام يُؤكِّد بُولُس أنه سيكون « َوك ُُّل َم ْن أَ ْخطَأَ ِف‬
‫وس يُ َدان» ( ُروم َية ‪١٢ :٢‬ب)‪ .‬تظهر نفس الفكرة‬ ‫وس فَبِال ّنا ُم ِ‬ ‫ال ّنا ُم ِ‬
‫أيضً ا يف غالطيّة ‪ ٤‬حيث يتح ّدث ال ّرسول عن « َها َج َر َجبَ ُل ِسي َنا َء ِف‬
‫الْ َع َر ِب َّي ِة‪َ .‬ول ِك َّن ُه يُقَاب ُِل أُو ُرشَ لِي َم الْ َح ِ َ‬
‫اضةَ‪ ،‬فَ ِإنَّ َها ُم ْستَ ْع َب َد ٌة َم َع بَ ِني َها»‬
‫خاصة يف‬ ‫(‪ .)٢٥ :٤‬هنا يف هذا ال ّنص تظهر سطوة ال ّناموس واضحة ّ‬
‫غالط ّية ‪ ١ :٥‬حيث يُحذِّر ال ّرسول املخلصني لئال يعودوا إىل ُعبودية‬
‫ال ّناموس ُمج َّد ًدا‪.‬‬
‫هذه ال ّنظرة ال تتعارض ُمطلقًا مع الحقيقة الّتي أدعوها‬
‫غي الله‬
‫تدبري «حقبة» ال ّناموس الّتي تنتهي بال ُجلجثة‪ .‬لقد ّ‬
‫طريقة التّعامل مع اإلنسان دون أن يلغي نهائيًا امللمح األسايس‬
‫)‪(50‬‬
‫السابقة‪ .‬إن الضّ مري مل يُل َغ بالتّامم حينام قامت الحكومات‬ ‫للحقبة ّ‬
‫البرشيّة‪ ،‬ومل تُل َغ وعود الله حينام بدأت حقبة ال ّناموس‪ .‬وعليه‪،‬‬
‫فإننا اليوم يف عرص ال ّنعمة ما يزال ال ّناموس ساريًا بال ّنسبة ألولئك‬
‫الّذين مل ينالوا ال ُحريّة يف املسيح‪ .‬فمتى آمن أولئك ينطبق عليهم‬
‫القول «إِذًا يَا إِ ْخ َو ِت أَنْتُ ْم أَيْضً ا قَ ْد ُمتُّ ْم لِل َّنا ُم ِ‬
‫وس ِب َج َس ِد الْ َم ِسي ِح‪،‬‬
‫ك ت َِص ُريوا آل َخ َر‪ ،‬لِل َِّذي قَ ْد أُ ِقي َم ِم َن األَ ْم َو ِ‬
‫ات لِ ُنثْ ِم َر ِلله» ( ُروميَة‬ ‫لِ َ ْ‬
‫‪ .)٤ :٧‬وقبل أن يتبع هؤالء املسيح تظل سطوة ال ّناموس حقيقة‬
‫حارضة وقوية‪.‬‬
‫ ‬

‫)‪(51‬‬
‫السادس‬
‫الفصل ّ‬
‫وسى واألمم‬
‫شريعة ُم َ‬

‫ُوسوية باألمم مه ّمة ج ًدا وهناك الكثري‬


‫الشيعة امل َ‬
‫إن عالقة ّ‬
‫من االختالفات الحادة يف املوضوع‪ .‬يؤكِّد البعض أنه ليس فقط‬
‫ُوسوي املكتوب قد أعطي إلرسائيل‪ ،‬بل ومل يكن لله أيّة‬
‫ال ّناموس امل َ‬
‫عالقة مع األمم‪ .‬يُحاج البعض اآلخر أن هذا ال ّناموس جاء لجميع‬
‫وجهتي ال ّنظر‬
‫ّ‬ ‫البرش وأن التزاماته كون ّية‪ .‬هناك بعض الحق يف‬
‫كلتيهام‪.‬‬
‫وس‪ ،‬من زاوية مع ّينة‪ ،‬يق ِّدم ضامنات لألمم‬ ‫إن ناموس ُم َ‬
‫ليدخلوا يف فوائده والتزاماته‪ .‬هذه الضّ امنات‪ ،‬تحت اململكة‬
‫الثّيوقراطية التّاريخ ّية‪ ،‬هي حقيقة ُيكن الّتيقن منها جي ًدا‪ .‬لذا‬
‫ففي غمرة االهتامم ال ّنامويس بالفصح قُ ّدمت الوليمة «للغرباء»‬
‫الّذين سكنوا بني اإلرسائيليني‪ ،‬وكان هناك قانون ملن يُولد بني‬
‫إرسائيل (ال ُخروج ‪ .)٤٩-٨ :١٢‬كذلك ففي حالة العطاء الطّوعي‬
‫الشائع تهتم بالتّفرقة بني الحيوانات‬ ‫للرب لتقديم املحرقات كانت ّ‬
‫السواء‬‫الجيّدة وغري الجيّدة الّتي يُق ّدمها اإلرسائيليون والغرباء عىل ّ‬
‫(الالويّني ‪ .)٢٢-١٨ :٢٢‬كانت القوانني الّتي تتعامل مع دماء الذّبائح‬
‫ُول لَ ُه ْم‪ :‬ك ُّل إِن َْسانٍ ِم ْن‬
‫الحيوانية مفروضة أيضً ا عىل الغرباء‪َ « :‬وتَق ُ‬
‫)‪(53‬‬
‫سائِ َيل َو ِم َن الْ ُغ َربَا ِء الّذي َن يَ ْن ِزلُو َن ِف َو َس ِط ُك ْم يُ ْص ِع ُد ُم ْح َرقَ ًة‬
‫بَ ْي ِت إِ ْ َ‬
‫أَ ْو َذبِي َح ًة ‪َ ..‬وك ُُّل إِن َْسانٍ ِم ْن بَيْ ِت إِ ْ َ‬
‫سائِ َيل َو ِم َن الْ ُغ َربَا ِء ال ّنا ِزلِ َني ِف‬
‫َو َس ِط ُك ْم يَأْك ُُل َد ًما‪ ،‬أَ ْج َع ُل َو ْجهِي ِض َّد ال ّنف ِْس اآلكِلَ ِة ال ّد َم َوأَقْطَ ُع َها‬
‫ِم ْن شَ ْع ِب َها» (الالويّني ‪ .)١٠ ،٨ :١٧‬من املؤكّد أيضً ا أن الغرباء‪ ،‬يف‬
‫ظُروف ُمع ّينة‪ُ ،‬سمح لهم ُمبامرسة طقوس تقديم الذّبائح‪.‬‬
‫األكرث من ذلك‪ ،‬يبدو لنا من خالل ما ورد يف التّثنية ‪٧-١ :٢٣‬‬
‫أن قيو ًدا ُمعيّنة حكمت ُدخول من هم من خارج إىل «جامعة‬
‫ال ّرب» مام يعني أن هذا االنتامء كان ممك ًنا‪ .‬يبدو كذلك أن نبي‬
‫الله إشعياء قد هبط مبستوى األمور الّتي تُ يّز بني إرسائيل «وابن‬
‫الغريب» الّذي انضم إىل شعب ال ّرب (إشعياء ‪ .)٣ :٥٦‬يقول النبي‪:‬‬
‫ِيب الّذي اق َ َْت َن بِال ّر ِّب قَائِالً‪« :‬إِفْ َرازًا أَفْ َرز َِن‬ ‫«فَالَ يَتَ َكل َِّم ابْ ُن الْ َغر ِ‬
‫ص‪َ « :‬ها أَنَا شَ َج َر ٌة يَاب َِسةٌ» (‪.)٣ :٥٦‬‬ ‫ال ّر ُّب ِم ْن شَ ْع ِب ِه»‪َ .‬والَ يَقُلِ الْ َخ ِ ُّ‬
‫وبك ُّل تقدير لكامل ال ّنص‪ ،‬فال ّنقطة ال ّرئيسيّة هنا هي حفظ وصية‬
‫السبت (‪.)٢ :٥٦‬‬ ‫تقديس يوم ّ‬
‫بهذه الضّ امنات الكثرية الواضحة امل ُق ّدمة للغرباء‪ ،‬واملكتوبة‬
‫يف األسفار اليَ ُهوديّة‪ ،‬يصبح من العسري فهم العداوة العنيفة ضد‬
‫الصورة الّتي رأيناها يف زمن‬ ‫األمم والّتي تط َّورت حتى وصلت إىل ّ‬
‫املسيح‪.‬‬
‫املفسين اعتربوا ال ّناموس وكأنه يشء‬
‫ل ُنالحظ كذلك أن بعض ِّ‬

‫)‪(54‬‬
‫يضع حاج ًزا ال يُذلَّل بني ال َي ُهود واألمم عىل أساس ما ورد يف رسالة‬
‫التجمة الخاطئة لآلية الواردة يف ‪ ١٤ :٢‬يف‬ ‫أفسس ‪ .١٩-١١ :٢‬إن ّ‬ ‫ُ‬
‫طبعة امللك جيمس قد ساهمت بشكل واضح يف انتشار هذه‬ ‫(‪((1‬‬

‫الفكرة الخاطئة‪« .‬ألَنَّ ُه ُه َو (املسيح) َسالَ ُم َنا‪ ،‬الّذي َج َع َل االث ْ َن ْ ِي‬


‫الس َيا ِج الْ ُمتَ َو ِّس َط أَ ِي الْ َع َدا َوةَ‪ُ .‬م ْب ِطالً ِب َج َسد ِه‬
‫اح ًدا‪َ ،‬ونَق ََض َحائِ َط ّ‬ ‫َو ِ‬
‫اح ًدا‬ ‫ك يَ ْخل َُق االث ْ َن ْ ِي ِف نَف ِْس ِه إِن َْسانًا َو ِ‬‫وس الْ َو َصايَا ِف فَ َرائِ َض‪ ،‬لِ َ ْ‬
‫نَا ُم َ‬
‫(أفسس ‪ .)١٥-١٤ :٢‬إن الحائط املتوسط‬ ‫َج ِدي ًدا‪َ ،‬صانِ ًعا َسالَ ًما» ُ‬
‫كان يفصل بيننا (اليَ ُهود واألمم)‪ .‬هذا الحائط املتوسط هو يقي ًنا‬
‫«ناموس الوصايا» املشار إليه يف عدد ‪ ١٥‬والّذي نقضه املسيح‬
‫مبوته‪ .‬وهذا الحائط املتوسط (أي ال ّناموس) مل يفصل فقط نو ًعا‬
‫من الخطاة (ال َي ُهود) عن نوع ثان من الخطاة (األمم)‪ ،‬بل هو‬
‫حاجز كان يفصل ك ُّل الخطاة (بنوعيهام اليَ ُهود واألمم) عن الله‬
‫السبب الّذي كان وراء نقض «ناموس الوصايا»‬ ‫القدوس‪ .‬هذا هو ّ‬
‫حتى «يتصالح كليهام (اليَ ُهود واألمم) مع الله يف جسد واحد»‬
‫(أفسس ‪.)١٦ :٢‬‬ ‫ُ‬
‫وبعي ًدا متا ًما عن أية ضامنات ق ّدمها ال ّناموس «للغرباء»‬
‫وس املكتوبة‬ ‫ليقيموا مع إرسائيل فإن املبدأ األسايس لرشيعة ُم َ‬
‫ُوسوي‬ ‫تظهر يف بعض أخالقيات األمم وديانتهم‪ .‬إن ال ّناموس امل َ‬
‫يحتوي عىل ثالثة عنارص‪ :‬األخالقي واالحتفايل (الطّقيس) واملدين‪.‬‬
‫(‪ ((1‬ال تظهر هذه املشكلة باملرة يف الرتجامت العربية (امل ُرتجم)‪.‬‬
‫)‪(55‬‬
‫وبدراسة حالة األمم يُوضِّ ح ال ّرسول بُولُس أنه أحيانًا «ألَنَّ ُه األُ َم ُم‬
‫الشيعة املكتوبة)‪َ ،‬متَى فَ َعلُوا‬ ‫وس (أي ّ‬ ‫الّذي َن لَيْ َس ِع ْن َد ُه ُم ال ّنا ُم ُ‬
‫وس ُه ْم‬ ‫وس‪ ،‬فَه ُؤالَ ِء إِ ْذ لَ ْي َس لَ ُه ُم ال ّنا ُم ُ‬
‫بِالطّبِي َع ِة َما ُه َو ِف ال ّنا ُم ِ‬
‫وس ألَنْف ُِسهِم» ( ُروميَة ‪ ،)١٤ :٢‬ويحاج ال ّرسول بأن األمم‬ ‫نَا ُم ٌ‬
‫وس َم ْكتُوبًا ِف قُلُو ِب ِه ْم‪ ،‬شَ ا ِه ًدا أَيْضً ا‬ ‫«الّذي َن يُظْ ِه ُرو َن َع َم َل ال ّنا ُم ِ‬
‫يم بَيْ َن َها ُمشْ تَ ِكيَ ًة أَ ْو ُم ْحتَ َّجة» ( ُروميَة ‪.)١٥ :٢‬‬ ‫ضَ ِم ُري ُه ْم َوأَفْكَا ُر ُه ْم ِف َ‬
‫لذا يقول ال ّرسول بُولُس إن ك ُّل ما ظهر من صالح بني األمم هو‬
‫مبثابة انعكاس (باهت؟) للناموس اإللهي الواحد األصيل املد ّون‬
‫يف األسفار امل ُق ّدسة‪ .‬إنها الحقيقة؛ لقد ُوجدت أحيانًا بني األمم‬
‫الوثنيني معرفة عالية لألخالق كانعكاس لل ُعنرص األخالقي الّذي‬
‫الشيعة الكتابية املكتوبة‪ .‬كذلك فإن الحث‬ ‫يظهر ب ُوضوح يف ّ‬
‫عىل تقديم الذّبائح هو أمر كوين وشامل موجود يف ك ُّل األمم‬
‫كانعكاس للناموس االحتفايل (الطّقيس) يف الكتب امل ُق ّدسة‪ .‬أخ ًريا‬
‫الشائع املدنية لألمم املختلفة تظهر انعكاسات لرشيعة الله‬ ‫ففي ّ‬
‫املكتوبة (رشيعة حمورايب عىل سبيل املثال)‪ .‬ك ُّل هذه ال ّنقاط‬
‫الشيعة اإللهيّة الواحدة؛ يف ك ُّل من محتوياتها وأصلها‬ ‫تعود إىل ّ‬
‫اإللهي‪ .‬حالة واحدة فقط هي ما ُدونت بإتقان‪ :‬الكتاب امل ُق ّدس‪،‬‬
‫والحالة األخرى كتبت بطريقة غري متقنة عىل قلوب البرش‪ .‬هناك‬
‫اثنتي‪.‬‬
‫رشيعة إلهية واحدة ال ْ‬
‫لذلك ُيكننا استنتاج أن األمم كانوا وما زالوا «تحت ال ّناموس»‬

‫)‪(56‬‬
‫قليل عن ال َي ُهود‪ .‬عند هذه ال ّنقطة يجب عىل‬‫لكن مبعنى يختلف ً‬
‫املرء أن يدرس جي ًدا ما ورد يف ُروميَة ‪ .١٥-١١ :٢‬هنا نجد أن اليَ ُهود‬
‫السواء‪ ،‬ا ُعتربوا خطاة بعي ًدا عن املسيح‪ .‬حاز ال َي ُهود‬
‫واألمم‪ ،‬عىل ّ‬
‫ناموس الله الكامل املكتوب يف أسفارهم امل ُق ّدسة‪ ،‬وبواسطة هذا‬
‫ال ّناموس س ُيدانون (آية ‪١٢‬ب)‪ .‬مل يكن لألمم مثل هذا ال ّناموس‬
‫املكتوب لكنهم سيُدانون ويُعاقبون عىل خطاياهم أيضً ا (آية ‪١٢‬أ)‪.‬‬
‫لإلجابة عىل االعرتاض القائل بأن ذلك األمر ال يبدو عادلً بال ّنسبة‬
‫لألمم يقول ال ّرسول بُولُس إنه عىل ال ّرغم من أن األمم مل يكن‬
‫الشيعة كُتبت عىل قلوبهم؛ رشيعة‬ ‫لديهم رشيعة مكتوبة‪ ،‬إال أن ّ‬
‫داخلية تعكس ناموس الله املكتوب بطريقة غري كاملة‪ .‬وبواسطة‬
‫الشيعة سوف يُحاسبون ويُدانون‪ ،‬إذ انتهكوا ناموس الله‬ ‫هذه ّ‬
‫ال ّداخيل الّذي تشهد له ضامئرهم فيهم شهادة عليهم (اآليات ‪-١٤‬‬
‫‪ .)١٦‬لذا سيدانون عىل قدر ال ّنور الّذي وصل إليهم (كام يف مصدره‬
‫األسايس)‪ .‬سيُدان الجميع وسيُعاقبون؛ يَ ُهو ًدا كانوا أم أمميني‪ .‬إن‬
‫ال ّرجاء الوحيد لل ُخطاة ليس يف ال ّناموس بل يف نعمة الله بربِّنا‬
‫يَ ُسوع املسيح‪.‬‬
‫ ‬

‫)‪(57‬‬
‫السابع‬
‫الفصل ّ‬
‫شريعة‬
‫املسيحي وال ّ‬

‫هل يعيش املسيحي املؤمن اليوم تحت سطوة ال ّناموس؟‬


‫هناك إجابات عديدة لهذا السؤال فك ُّل شخص مراوغ أعطى إجابة‬
‫ُؤسس اإلجابات عىل تعريفات خاطئة أو غري كافية‬ ‫ما‪ ،‬وغال ًبا ت َّ‬
‫للناموس‪.‬‬
‫أ‌‪ .‬يُجادل البعض بأن املسيحي يعيش تحت سلطان ال ّناموس‬
‫األخالقي‪ ،‬لكنه حر من ال ّناموس الطّقيس (االحتفايل)‪.‬‬
‫ب‌‪ .‬يقول آخرون إننا نعيش تحت سلطان ال ّناموس األخالقي‬
‫لكننا ال نعيش يف التّهديد ب ُعقوباته‪.‬‬
‫ت‌‪ .‬يؤكِّد فريق ثالث أننا تحت ال ّناموس األخالقي كقاعدة‬
‫للحياة‪ ،‬لكنهم ال يؤمنون بأن هذا ال ّناموس يصلح كوسيلة‬
‫للخالص‪ .‬بكلامت أخرى‪ ،‬هم يؤمنون بأن ال ّناموس األخالقي‬
‫رضوري للتقديس لكنه ال يجدي نف ًعا كطريقة للتربير‪.‬‬
‫ث‌‪ .‬تتمثَّل ال ّنظرة ال ّرابعة يف أن املؤمن باملسيح يعيش خاض ًعا‬
‫لتعاليم العظة عىل الجبل لكن ليس تحت ناموس سيناء‪.‬‬

‫)‪(59‬‬
‫ج‌‪ .‬قُ ّدمت يف الفرتة األخرية وجهة نظرة جادة أن املؤمن‬
‫املسيحي يعيش يف ظل «ناموس الله» ال تحت «ناموس‬
‫وس» يشمل‬ ‫وس»‪ .‬طبقًا لهذا املخطط فإن «ناموس ُم َ‬ ‫ُم َ‬
‫ُوسوية الخمسة» بينام‬ ‫الشائع الواردة يف «األسفار امل َ‬
‫ك ُّل ّ‬
‫يُختزل ناموس الله يف «الوصايا العرش»‪ .‬مثل هذا‬
‫(‪((1‬‬

‫وس» ال ميكن أن‬ ‫التّمييز بني «ناموس الله»‪« ،‬وناموس ُم َ‬


‫يصمد عند دراسة األسفار امل ُق ّدسة‪ .‬حني نراجع لُوقَا ‪:٢‬‬
‫‪ ٣٩ ،٢٤-٢١‬نرى كيف يُطلق عىل هذا ال ّناموس عينه؛‬
‫وس»‪،‬‬‫أي ال ّناموس الطّقيس (االحتفايل) اسام «ناموس ُم َ‬
‫«وناموس الله»‪ .‬أما يف مرقس ‪ ١٣-٨ :٧‬نجد أن عبارة‬
‫وس قال» تُطلق عىل «وصية الله» ذاتها‪ ،‬وكذلك عىل‬ ‫« ُم َ‬
‫ُوسوية الخمسة مبا فيها‬ ‫املواد الّتي ا ُقتبست من األسفار امل َ‬
‫إحدى الوصايا العرش و ُعقوبة املوت الواردة يف ال ّناموس‬
‫املدين‪.‬‬
‫لن تضلنا وجهات ال ّنظر الخاطئة الّتي اقتبستُها سابقًا إذا‬
‫متسكنا بتعريف كامل للناموس اإللهي؛ فناموس الله الوارد يف‬ ‫َّ‬
‫الكتاب امل ُق ّدس هو ناموس واحد يحتوي عىل العنارص األخالقيّة‬
‫والطّقس ّية واملدنية‪ ،‬وهو ناموس ال ينفصل عىل ال ُعقوبات الواردة‬
‫به‪.‬‬
‫‪(19) See Arthur W. Pink, The Law and the Saint (Swengel, Pa.: Reiner‬‬
‫)‪Publications, n.d.‬‬

‫)‪(60‬‬
‫يتك َّرر القول الكتايب‪« :‬تحت ال ّناموس» ‪ ١٢‬م ّرة يف ترجمة‬
‫امللك جيمس‪ KJV‬ويرد ‪ ١٤‬م ّرة يف الطّبعة القياسيّة األمريكية‬
‫‪ .ASV‬ويف األصل ال ُيوناين يرد حرف الجر «تحت ‪ُ ( »en‬روم َية ‪:٢‬‬
‫‪ ١٢‬القياسية األمريكيّة‪ ،)١٩ :٣ ،‬وترد كلمة ‪ ١١ hupo‬م ّرة يف حالة‬
‫ال ّنصب ‪ُ ( accusative case‬روم َية ‪١٥ ،١٤ :٦‬؛ ‪١‬كورنثوس ‪٢٠ :٩‬‬
‫‪ ASV‬غالطيّة ‪ .)١٨ :٥ ،٢١ ،٥-٤ :٤ ،٢٣ :٣‬يف الفقرة املتبقية تأيت‬
‫الكلمة «تحت ال ّناموس» يف ترجمة مشكوك فيها عن كلمة يُونانية‬
‫واحدة (‪١‬كورنثوس ‪ ،)٢١ :٩‬وسوف نناقش هذه الكلمة الحقًا‪.‬‬
‫وطبقًا ملا يقوله جرين‪ ،‬فالحرف ‪ en‬الّذي يأيت يف املقطع‬
‫الشء‬ ‫أعاله تُشري إىل املناخ العام أو إىل جسم كروي يسكن فيه ّ‬
‫ربا يصف هذا األمر الشّ خص اليَ ُهودي يف عالقته‬ ‫وينشط‪ّ ((2(.‬‬
‫الشيعة بل كان‬ ‫بالشيعة اإلله ّية؛ فال َي ُهودي مل يكن فقط تحت ّ‬ ‫ّ‬
‫فيها أيضً ا بكيانه وترصفاته‪ .‬أما حرف الجر ‪ hupo‬الّذي يرد يف حالة‬
‫ال ّنصب يف مقاطع أخرى فيعني «خاضع ل ُق ّوة يشء أو شخص ما»‪.‬‬
‫يُق ِّرر ثاير ‪ Thayer‬أن هذه الشّ واهد تعمل كأمثلة يف ال ّدراسة الّتي‬
‫قام بها‪ ((2(.‬كذلك يُوجد إيضاح ممتاز يف متّى ‪ ٩ :٨‬حني قال قائ ُد‬
‫املئة‪« :‬أَ ِّن أَنَا أَيْضً ا إِن َْسا ٌن تَ ْح َت (‪ُ )hupo‬سلْطَانٍ ‪ِ .‬ل ُج ْن ٌد ت َ ْح َت‬
‫‪(20) S. C. Green, Handbook to the Grammar of the Greek Testament (New‬‬
‫‪York: Fleming H. Revell, rev. 1912), p. 240.‬‬
‫‪(21) J. H. Thayer, Greek-English Lexicon of the New Testament (New York:‬‬
‫‪Harper & Bros., 1889), p. 642.‬‬

‫)‪(61‬‬
‫(‪ )hupo‬يَ ِدي»‪ .‬متا ًما كام كان قائد املئة ال ّروماين تحت سلطان‬
‫قادة جيشه‪ ،‬طبقًا للقوانني والجزاءات القانونية‪ ،‬هكذا كان جنوده‬
‫تحت أمرته‪.‬‬
‫شخصا ما «تحت ال ّناموس» فهذا‬ ‫ً‬ ‫باختصار‪ ،‬حينام نقول إن‬
‫ُوسوي التّرشيعي‬
‫األمر يعني كتابيًا أنه تحت ناموس الله؛ ال ّنظام امل َ‬
‫الشيعة وهو‬‫كله غري القابل للتجزئة‪ .‬هذا الشّ خص خاضع لوصايا ّ‬
‫ُعرضة ل ُعقوباتها وجزاءاتها‪.‬‬
‫أما اآلن فكلمة الله تُوضّ ح مبا فيه الكفاية أن املسيحي مل ي ُعد‬
‫«تحت ال ّناموس»‪ ،‬ويرد هذا األمر أربع م ّرات عىل األقل‪ .‬يُوضّ ح‬
‫العهد الجديد ببساطة هذا الحق الكبري‪« :‬ألَنَّ ُك ْم ل َْستُ ْم ت َ ْح َت‬
‫ال ّنا ُموس» ( ُروم َية ‪« ،)١٤ :٦‬ألَنَّ َنا ل َْس َنا تَ ْح َت ال ّنا ُموس» ( ُروم َية‬
‫‪« ،)١٥ :٦‬فَل َْستُ ْم ت َ ْح َت ال ّنا ُموس» (غالطيّة ‪« ،)١٨ :٥‬كَأَ ِّن ت َ ْح َت‬
‫ال ّنا ُموس» (‪١‬كورنثوس ‪( .)٢٠ :٩‬الحظ أن اآلية األخرية ال ترد هكذا‬
‫يف ترجمة امللك جيمس القياسيّة لكن ك ُّل امل ُح ِّررين عن اللغة‬
‫ال ُيونانية للعهد الجديد يُوافقون عىل أن هذه العبارة وردت هكذا‬
‫التجمة األمريكيّة القياسيّة ‪ASV‬‬ ‫يف ال ّنص األصيل امل ُق ّدس‪ ،‬أما ّ‬
‫فتتض ّمن اآلية الواردة يف كورنثوس األوىل ‪ ٢٠ :٩‬بدون قراءة بديلة‬
‫اثنتي من‬ ‫أو هامش تفسريي)‪ .‬يجب أن نالحظ كذلك أن هناك ْ‬
‫اآليات الّتي ذكرناها أعاله يربط فيهام الكاتب بالوحي اإللهي‬
‫عظيمتي يف اإلميان املسيحي حينام يقول‪« :‬ل َْس َنا ت َ ْح َت‬ ‫ْ‬ ‫حقيقتي‬
‫ْ‬
‫)‪(62‬‬
‫ال ّنا ُموس»؛ ففي ُروم َية ‪ ١٤ :٦‬نرى الخالص املسيحي من سيطرة‬
‫الخطية مرتبطًا بالفكاك من سيطرة ال ّناموس‪ ،‬ويف غالطيّة ‪١٨ :٥‬‬
‫نرى انعتاقنا من ال ّناموس كدليل عىل قيادتنا تحت سلطان ال ّروح‬
‫القدس‪ .‬هذه التّأثريات العملية يف حياتنا ال ّروحية واألخالقية سوف‬
‫نناقشها الحقًا بأكرث تفصيل‪.‬‬
‫أ‌‪ .‬لنالحظ أن املؤمن ليس تحت ال ّناموس بأي شكل من‬
‫األشكال باعتبار أن ال ّناموس ليس وسيلة للخالص أو حتى‬
‫جز ًءا منه‪ .‬يف ُروم َية ‪ ٢٠ :٣‬نقرأ‪ِ « :‬بأَ ْع َم ِل ال ّنا ُم ِ‬
‫وس ك ُّل‬
‫ِذي َج َس ٍد الَ يَتَ َ َّب ُر أَ َما َمه» ويف هذا ال ّنص يبدو أن ال ّروح‬
‫يتوسع‪ ،‬بشكل جارف‪ ،‬يف إقصاء ك ُّل أعامل ال ّناموس‬ ‫القدس ّ‬
‫من تربير الخطاة أمام الله‪ .‬ال يُوجد ُوضوح أكرث من ذلك‪.‬‬
‫الكلمة ال ُيونانية تُقرأ ببساطة «أعامل ال ّناموس»‪ .‬م ّرة ثانية‬
‫يف ُروميَة ‪ ١٤ :٦‬يُوضِّ ح الكتاب امل ُق ّدس‪ ،‬ليس فقط أن‬
‫ال ّناموس كرشيعة ليس له قُدرة بامل ّرة عىل امل ُساهمة يف‬
‫تقديس املؤمن‪ ،‬بل وعىل العكس من ذلك أن التّحرر من‬
‫ُسلطان ال ّناموس هو أحد األمور الّتي ال غنى عنها يف هذا‬
‫العمل اإللهي امل ُهم داخل ال ّنفس‪ .‬وأبعد من ذلك حني‬
‫يتعامل ال ّرسول بُولُس مع موضوع يقني الخالص املسيحي‬
‫يف ُروميَة ‪ ٨‬إذ يُؤكّد هناك أنه ليس للناموس أيّة قُدرة عىل‬
‫وس َعا ِج ًزا َع ْنه» ففي هذا‬ ‫حفظنا آمنني‪ ،‬بل « َما كَا َن ال ّنا ُم ُ‬

‫)‪(63‬‬
‫الصدد أرسل الله ابنه ليك ينجزه ألجلنا وفينا ( ُروم َية ‪:٨‬‬
‫ّ‬
‫‪ ،)٤-٣‬لذا نحن ندرك أن ال ّناموس ال يستطيع تربيرنا وال‬
‫تقديسنا وال حفظنا‪.‬‬
‫ب‌‪ .‬إن ال ّناموس ال يستطيع أن يُق ِّدم املعونة الّتي ت ُخلِّص‬
‫اإلنسان من الخطية‪ .‬يف كولويس ‪ ١٤ :٢‬ال ُيكن ألي ذي‬
‫«الصك املكتوب»‪ .‬هنا يوضِّ ح‬ ‫عيني أن يفشل يف رؤية ّ‬ ‫ْ‬
‫ال ّرسول أن ال ّناموس اإللهي نفسه مل يكن فقط «ض ًدا» لنا‪،‬‬
‫بل كان «علينا» أيضً ا‪ .‬ويُشري الكاتب نفسه إىل الوصايا‬
‫العرش «املكتوبة واملحفورة عىل الحجر» والّتي ت ُوصف‬
‫بأنها «خدمة املوت» (‪٢‬كورنثوس ‪ .)٧ :٣‬ونتعلّم من ُروم َية‬
‫‪ ١٥ :٤‬أن ال ّناموس «يَ ْع َمل ِلَ ْجلِ الغَضَ ِب» أما يف غالطيّة‬
‫وس ل ْي َس ِم َن ا ِإل َميان»‪ ،‬وحينام كان يقف‬ ‫‪« ١٢ :٣‬ألن ال ّنا ُم َ‬
‫أحدهم يف الكنيسة الباكرة ليُحاج بأن املؤمنني يجب‬
‫عليهم أن يكونوا تحت جزء ولو قليل من ال ّناموس‪ ،‬كان‬
‫بطرس نفسه ينتهره ُمذكِّ ًرا بأن ال ّناموس كان مبثابة «نِريٍ‬
‫َع َل ُع ُنقِ التّالَ ِم ِيذ لَ ْم يَ ْستَ ِط ْع آبَا ُؤنَا َوالَ نَ ْح ُن أَ ْن نَ ْح ِملَه»‬
‫(أعمل ال ّر ُسل ‪.)١٠ :١٥‬‬ ‫َ‬
‫وطبقًا للعهد الجديد‪ ،‬املسيحي « ُح ّر من ال ّناموس»‪ .‬هذه‬
‫هي األطروحة ال ّرئيس ّية يف ُروم َية ‪ .٧‬إن الفشل يف إدراك‬
‫هذا األمر ويف قُبوله يقود‪ ،‬ال محالة‪ ،‬إىل الهزمية ال ّروحيّة‬
‫)‪(64‬‬
‫واألخالق ّية الّتي ُصورت يف بقية هذا الفصل‪ .‬إن هذا املؤمن‬
‫وس ِب َج َس ِد الْ َم ِسيح» ( ُروميَة ‪:٧‬‬ ‫مل يتعلّم بعد « ُمتُّ ْم لِل َّنا ُم ِ‬
‫‪ ،)٤‬وأننا «تَ َح َّر ْرنَا ِم َن ال ّنا ُموس» ( ُروم َية ‪ .)٦ :٧‬كل هذه‬
‫األفعال تأيت يف زمن املايض التّام ‪ Aorist Tense‬لتُشري إىل‬
‫أحداث متّت يف املايض مل ّرة واحدة وإىل األبد‪ .‬تل ّخص رسالة‬
‫ُروميَة أيضً ا هذه األطروحة يف جملة غري قابلة ألن ت ُدحض‪:‬‬
‫يح لِل ِ ِّْب لِك ُِّل َم ْن يُ ْؤ ِمن»‬
‫وس ِه َي‪ :‬الْ َم ِس ُ‬ ‫«ألَ َّن غَايَ َة ال ّنا ُم ِ‬
‫( ُروميَة ‪ .)٤ :١٠‬إن الكلامت اليُونانية لهذه اآلية تضع‬
‫كلمة «غاية» يف صدر الجملة‪ .‬لقد فعل الكاتب امللهم‬
‫ذلك بغرض التنبري عىل هذه الكلمة‪ .‬إن غاية ال ّناموس لك ُّل‬
‫من يؤمن هي املسيح‪ .‬يقول الله إن املسيح هو «الغاية»‪.‬‬
‫ال مواربة هنا‪ .‬فإما أن يكون ذلك هو الحق‪ ،‬أو يُحرم ك ُّل‬
‫خاطئ من خالص املسيح‪.‬‬
‫ت‌‪ .‬يجب أن يكون االستنتاج أن ال ّناموس نفسه كناموس‪،‬‬
‫بال ّنسبة للمسيحيني‪ ،‬قد «أُبطل»‪ .‬ال ميكن أن نقرأ كورنثوس‬
‫الثّانية ‪ ٣‬ب ُدون تح ُّيز ثم ال نرى أن الكاتب يُناقش بؤرة‬
‫ال ّناموس اإللهي بـ «أَلْ َوا ٍح َح َج ِريَّة» (آية ‪ .)٣‬وكمسيحيني‬
‫مؤمنني باملسيح يهتمون بهذا األمر نعلم أن سطوة ال ّناموس‬
‫قد زالت (آية ‪ )١١‬أو «أُبطلت» (آية ‪ .)١٣‬نفس األمر يزداد‬
‫أفسس ‪ُ « ١٥ :٢‬م ْب ِطالً ِب َج َس ِد ِه نَا ُم َ‬
‫وس‬ ‫وضو ًحا عند دراسة ُ‬

‫)‪(65‬‬
‫الص َّك الّذي‬ ‫الْ َو َصايَا ِف فَ َرائِض»‪ .‬وم ّرة ثانية نقرأ‪« :‬إِ ْذ َم َحا ّ‬
‫َعلَيْ َنا ِف الْ َف َرائِ ِض‪ ،‬الّذي كَا َن ِض ًّدا لَ َنا‪َ ،‬وقَ ْد َرفَ َع ُه ِم َن الْ َو َس ِط‬
‫يب‪ ،‬صليب املسيح» (كولويس ‪.)١٤ :٢‬‬ ‫ِالصلِ ِ‬
‫ُم َس ِّم ًرا إِيَّا ُه ب ّ‬
‫ويف سبيل إنجاز ذلك فإن ربَّنا املبارك أشهر قُ ّوات الظلمة‬
‫ظاف ًرا بهم‪ .‬ألن املشتيك األعظم عىل إخوتنا وكل جنوده‬
‫وجدوا أن أساس الشّ كاية هو ال ّناموس؛ فتحت ال ّناموس‬
‫استطاع املشتيك أن يُجادل ب َح ّق بأننا خطاة وال نستحق‬
‫األبديي‪ .‬لكن شك ًرا لله؛ لقد انتهى‬ ‫ْ‬ ‫إال ال ّدينونة والهالك‬
‫ك ُّل ذلك بال ّنسبة للمؤمنني‪ ،‬وكل جزاء أو ُعقوبة ق ّررتها‬
‫الشيعة قد ت ّم دفع أجرتها‪ ،‬وكل مطالب ال ّناموس قد‬ ‫ّ‬
‫ا ُستوفيت‪ ،‬ليس من قبلنا بل من ِقبل حمل الله‪.‬‬
‫(الحظ أنه كان هناك جدل حول هذه ال ّنصوص الّتي‬
‫اقتبسناها سابقًا يزعم أصحابه أنها آيات تُشري إىل ال ّناموس‬
‫الطّقيس (االحتفايل) فقط وليس إىل ال ّناموس األخالقي‪ .‬هنا ينبغي‬
‫أن أُحيل القارئ العزيز إىل ما سبق وقلناه سابقًا بخصوص ال ّناموس‬
‫اإللهي باعتباره وحدة واحدة‪ .‬كذلك ففي كولويس ‪ ١٤ :٢‬يقول‬
‫بيك ‪ Peake‬إن «هذا التّمييز بني ال ّناموس األخالقي وال ّناموس‬
‫الطّقيس ليس له معنى يف فكر ال ّرسول بُولُس‪ ،‬فال ّناموس وحدة‬
‫واحدة وقد ت َّم استيفاؤه كُلُّه بالكامل» ويف فقرة بعنوان «خذه‬
‫قائل‪« :‬إن تغيري زمن الفعل من‬ ‫جان ًبا بعي ًدا عن الطّريق» يُعلّق ً‬

‫)‪(66‬‬
‫البسيط ‪ aorist‬إىل التّام ‪ perfect‬هو تغيري ُمهم ج ًدا باعتباره ِسمة‬
‫مستمرة ألمر اإلبطال‪/‬اإللغاء»‪ .‬هناك‪ ،‬ال ُيكن للمؤمن املسيحي‬
‫أن يجد «نقطة رجوع» إىل ال ّناموس من جديد‪ .‬وتحت عنوان‬
‫قائل‪« :‬حينام ُصلب املسيح‪،‬‬ ‫بالصليب» يُضيف بيك ً‬ ‫«مسم ًرا إياه ّ‬
‫َس َّمر الله ال ّناموس يف صليبه‪ ،‬وال ّناموس ‪-‬كالجسد‪-‬ت ّم فسخه مبوت‬
‫(‪((2‬‬
‫املسيح‪ .‬مل ت ُعد الكفالة موجودة بال ّنسبة لنا»)‪.‬‬
‫بأي معنى كان شعب الله «تحت ال ّناموس» يف العهد القديم؟‬
‫ويتعي‬
‫ّ‬ ‫السؤال س ُيطرح ال محالة‪ ،‬وهو سؤال مرشوع‬
‫ال بُ ّد أن هذا ّ‬
‫علينا إجابته‪.‬‬
‫أ‌‪ .‬لنالحظ أن الله اصطفى لنفسه شعبًا يف العهد القديم وأن‬
‫وس من سيناء إىل الجلجثة‪.‬‬ ‫شعبه عاش تحت ناموس ُم َ‬
‫هذا هو مستوى الحوار الّذي يُجريه ال ّرسول بُولُس يف‬
‫غالط ّية ‪ .٢٣-١٧ :٣‬وإذ يتح ّدث ال ّرسول بُولُس إىل شعب‬
‫الله القديم الّذي كان هو نفسه أحد أفراده‪ ،‬يكتب ال ّرسول‬
‫بُولُس‪َ « :‬ول ِك ْن قَبْل ََم َجا َء ا ِإلميَا ُن كُ َّنا َم ْح ُر ِ‬
‫وس َني ت َ ْح َت‬
‫وس‪ُ ،‬م ْغلَقًا َعلَ ْي َنا إِ َل ا ِإل َميانِ الْ َع ِت ِيد أَ ْن يُ ْعلَن» (آية‬
‫ال ّنا ُم ِ‬
‫‪.)٢٣‬‬
‫ب‌‪ .‬خالل أزمنة العهد القديم كانت عبارة «تحت ال ّناموس»‬
‫‪(22) Peake, op. cit., p. 52728-.‬‬

‫)‪(67‬‬
‫تعني أمريْن فقط ال ثالث لهام‪« :‬تحت ال ّناموس» كطريق‬
‫للخالص‪« ،‬وتحت ال ّناموس» كطريقة للحياة‪ُ .‬يكننا أن‬
‫نتيقن أن عبارة «تحت ال ّناموس» مل تكن تعني طريقة‬
‫للخالص يف تلك األيام‪ .‬ال يُوجد يشء أكرث ُوضو ًحا ورصامة‬
‫يف كلمة الله من حقيقة استحالة حصول أي إنسان عىل‬
‫وس‬‫الخالص من خالل حفظ ال ّناموس «ألَنَّ ُه ِبأَ ْع َم ِل ال ّنا ُم ِ‬
‫وس َم ْع ِرفَ َة الْ َخ ِط َّية»‬‫ك ُّل ِذي َج َس ٍد الَ يَتَ َ َّب ُر أَ َما َم ُه‪ .‬ألَ َّن بِال ّنا ُم ِ‬
‫( ُروميَة ‪ .)٢٠ :٣‬إن الفصل ال ّرابع كله من رسالة ُروميَة يحيك‬
‫لنا عن خالص أبويْنا إبراهيم وداود باإلميان ال باألعامل‪ .‬مع‬
‫بديل‬
‫استبعاد أي إمكانية للخالص باألعامل ال يتبقى لنا إال ٌ‬
‫واحد لعبارة «تحت ال ّناموس» وهذا البديل هو ال ّناموس‬
‫كطريقة للحياة عند شعب الله يف القديم‪.‬‬
‫ت‌‪ .‬لنستكمل اآلن استنتاجنا بشكل منطقي‪ :‬إن تغيري التدبري‬
‫«النمط» اإللهي من ال ّناموس إىل ال ّنعمة ال يعني أن هؤالء‬
‫ال ُخطاة القُدامى قد ّتبروا بواسطة أعامل ال ّناموس بينام‬
‫اليوم يتربر املؤمن بواسطة ال ّنعمة‪ .‬لقد رأينا سابقًا أن‬
‫اإلنسان ال ميكن أن يَخلُص إال بال ّنعمة يف ك ُّل العصور‪.‬‬
‫لكن هذا يعني أن شعب الله يف العهد القديم كان يعيش‬
‫«تحت ال ّناموس» كطريقة للحياة‪ ،‬بينام اليوم ال يعيش‬
‫املؤمنون تحت ال ّناموس كطريقة للحياة‪ .‬إن ذلك هو‬

‫)‪(68‬‬
‫املعنى ال ّدقيق لالهوت التّرشيع‪/‬القانون حتى يومنا الذي‬
‫يؤكّد أن ال ّناموس له قُ ّوته فوق املسيحيني املؤمنني‪.‬‬
‫يا له من أمر عديم املعنى بالتّامم! فإذا كانت تأكيدات‬
‫أولئك املعلِّمني حقيق ّية لكان التّمييز بني الحياة «تحت ال ّناموس»‬
‫والحياة «خارج ال ّناموس» قد أُبطل‪ ،‬ولقد استهلك ال ّرسول بُولُس‬
‫العظيمتي ُروم َية وغالط ّية ليك‬
‫ْ‬ ‫وقته بال طائل يف كتابة رسالت ْيه‬
‫يقول شيئًا بال معنى‪ ،‬وال يزيد يف ذلك عن الكتابات األخرى الّتي‬
‫توضّ ح األهمية القصوى لهذا التّمييز‪.‬‬
‫ ‬

‫)‪(69‬‬
‫الفصل الثّامن‬
‫خطورة استعباد املسيحي للشريعة‬

‫هناك ثالثة طُرق محتملة عىل األقل ميكن أن يشكِّل ك ُّل منها‬
‫الغرض من وراء وضع املسيحيني تحت ال ّناموس‪:‬‬
‫أ‌‪ .‬ال ّنظام الّذي يضع املسيحيني تحت طائلة ال ّناموس ب ُجملته‪،‬‬
‫بك ُّل عنارص هذا ال ّناموس و ُعقوباته‪ .‬هذا هو التّه ّود الكامل‬
‫(ال َي ُهوديّة كلها)‪.‬‬
‫ب‌‪ .‬ال ّنظام الّذي يتطلّب من املسيحيني ال ُخضوع للناموس‬
‫األخالقي و ُعقوباته‪ .‬هذا هو التّرشيع األخالقي‪.‬‬
‫ت‌‪ .‬ال ّنظام الّذي يتطلّب وضع املسيحيني تحت ال ّناموس‬
‫األخالقي ُمج ّر ًدا من ال ُعقوبات امل ُناسبة‪ .‬ميكن أن نُس ّمي‬
‫هذا ال ّنظام بـ «التّرشيع الضّ عيف املتس ّول» (قارن غالطيّة‬
‫‪.)٩ :٤‬‬
‫هذا ال ّنظام األخري هو ما يستحق أقىص درجات االنتقاد‪.‬‬
‫رصا‬
‫أ‌‪ .‬هذا ال ّنظام يقتيض إيجاد مفردات غري كتاب ّية تأخذ ُعن ً‬
‫واح ًدا من ال ّناموس ثم تجريد هذا ال ُعنرص الوحيد أيضً ا‬

‫)‪(71‬‬
‫من ُعقوبته‪ ،‬ثم يُس ّمون هذا ال ُعنرص بـ «ناموس الله»!‬
‫ُعب عن وحدة واحدة تشمل ك ُّل‬‫كتابيًا‪ ،‬كلمة «ال ّناموس» ت ِّ‬
‫العنارص بجميع أدبياتها و ُعقوباتها‪.‬‬
‫ب‌‪ .‬بينام ي ّدعي هذا ال ّنظام بأنه يُكرم ناموس الله فإنه‪ ،‬يف‬
‫الحقيقة‪ ،‬يجلب العار عىل ال ّناموس‪ ،‬ال سيّام وأنه يُقلِّل‬
‫من قداسة ناموس الله (القدوس) حتى يجعل منه ُمج ّرد‬
‫نصيحة طيّبة ال أكرث‪ .‬وهذه ال ّنصيحة ميكن أن تُقارن مع‬
‫توصيات منظمة األمم املتحدة!‬
‫ت‌‪ .‬هذا االتجاه يقود إىل الكارثة إذ يستحرض االرتباك‬
‫والتّشويش ويُضاعفهام‪ .‬تتش ّوه نظرتنا إىل الخطية‪،‬‬
‫والخالص‪ ،‬وعمل املسيح‪ ،‬بل حتى إمياننا بالله‪.‬‬
‫ث‌‪ .‬األسوأ من الكل‪ ،‬فهذا التّجريد لل ُعنرص األخالقي وفصله‬
‫عن ال ُعنرص الطّقيس يف ناموس العهد القديم وفرضه عىل‬
‫املسيحيني كقانون للحياة لهام تأثرياتهام ال ّروحية واألخالقية‬
‫البالغة ال ُخطورة‪ ،‬ألن ال ُعنرص الطّقيس هو الخلف ّية امل ُناسبة‬
‫متا ًما للنعمة الّتي تقود إىل األخالق املسيح ّية‪ ،‬وقرينة‬
‫ال ّنعمة هذه مت ّدنا بالحافز األخالقي العظيم الّذي يضمن‬
‫لنا القدرة عىل الوفاء باملتطلبات األخالقية للناموس‪ .‬لذا‬
‫فإن هذا ال ّنوع من األخالق ّية القانونية (التّرشيعية) يحمل‬

‫)‪(72‬‬
‫يف ذاته معاول هزميته وانهياره‪.‬‬
‫تدين كلمة الله‪ ،‬بثبات وقُ ّوة‪ ،‬ك ُّل املحاوالت الّتي تهدف لوضع‬
‫املؤمن املسيحي «تحت ال ّناموس»‪ .‬لقد أعطى ال ّروح القدس‬
‫الكنيسة‪ ،‬من خالل ال ّرسول بُولُس‪ ،‬رسال َة غالط ّية ألجل هذا الغرض‬
‫بذاته‪ :‬التّعامل مع هذه الهرطقة‪ .‬ليت القارئ يعود إىل هذه‬
‫ال ّرسالة مرا ًرا وتكرا ًرا ليالحظ بدقّة هذا األمر‪ .‬إن مؤمني غالط ّية‬
‫مل يرفضوا إنجيل نعمة الله راجعني للرشيعة‪ ،‬إنهم فقط وقعوا يف‬
‫الخطأ القائل بأن الحياة املسيح ّية‪ ،‬لكونها بدأت باإلميان البسيط‬
‫وس‪ ،‬أو عىل األقل‬ ‫يف املسيح‪ ،‬لذا فال بُ ّد أن تستمر تحت رشيعة ُم َ‬
‫تحت جزء منها‪ .‬يتضح هذا األمر من سخط ال ّرسول الواضح يف‬
‫غالطيّة ‪ ٣-٢ :٣‬حيث يقول‪« :‬أُرِي ُد أَ ْن أَت َ َعلَّ َم ِم ْن ُك ْم هذَا فَ َقطْ‪:‬‬
‫وح أَ ْم ِب َخ َ ِب ا ِإل َميانِ ؟ أَه َكذَا أَنْتُ ْم أَ ْغ ِب َيا ُء!‬ ‫أَ ِبأَ ْع َم ِل ال ّنا ُم ِ‬
‫وس أَ َخ ْذتُ ُم ال ّر َ‬
‫أَبَ ْع َد َما ابْتَ َدأْتُ ْم بِال ّرو ِح تُ َك َّملُو َن اآل َن بِالْ َج َس ِد؟»‪ .‬ليس غريبًا إذًا أن‬
‫يفتتح ال ّرسول بُولُس هذا الفصل بالقول‪« :‬أَيُّ َها الْ َغال َِط ُّيو َن األَ ْغ ِب َيا ُء‪،‬‬
‫َم ْن َرقَاكُ ْم َحتَّى الَ ت ُ ْذ ِع ُنوا لِلْ َح ِّق؟» (‪.)١ :٣‬‬
‫ويستطرد ال ّرسول بُولُس يف هذا األطروحة ُمد ِّم ًرا هذا ال ّنوع‬
‫من التّرشيع خالل بقية الفصل الثّالث والفصل ال ّرابع‪ ،‬كاشفًا أن‬
‫فداء الله يف املسيح قد أعتقنا من سطوة ال ّناموس‪ .‬ويسأل ال ّرسول‬
‫ساخ ًرا‪َ « :‬وأَ َّما اآل َن إِ ْذ َع َرفْتُ ُم الل َه‪ ،‬بَ ْل بِالْ َحر ِِّي ُع ِرفْتُ ْم ِم َن الل ِه‪،‬‬
‫فَ َكيْ َف تَ ْر ِج ُعو َن أَيْضً ا إِ َل األَ ْركَانِ الضّ ِعي َف ِة الْ َف ِق َري ِة الّتي تُرِي ُدو َن أَ ْن‬
‫)‪(73‬‬
‫اف َعلَ ْي ُك ْم أَ ْن أَكُو َن قَ ْد‬
‫ت ُْستَ ْع َب ُدوا لَ َها ِم ْن َج ِد ٍيد؟»‪ .‬ثم يضيف‪« :‬أَ َخ ُ‬
‫تَ ِعبْ ُت ِفي ُك ْم َعبَثًا!»‪ .‬لقد «كُ ْنتُ ْم ت َْس َع ْو َن َح َس ًنا‪ .‬فَ َم ْن َص َّدكُ ْم َحتَّى‬
‫الَ تُطَا ِو ُعوا لِلْ َح ِّق؟»‪ .‬وكاملعلم الّذي فضح هذه البدعة أمام شعبه‪،‬‬
‫يكتب ال ّرسول بُولُس بوحي ال ّروح القدس‪َ « :‬ول ِك َّن ِني أَثِ ُق ِب ُك ْم ِف‬
‫ال ّر ِّب أَنَّ ُك ْم الَ تَ ْفتَ ِك ُرو َن شَ ْيئًا آ َخ َر‪َ .‬ول ِك َّن الّذي يُ ْز ِع ُج ُك ْم َس َي ْح ِم ُل‬
‫ال ّديْ ُنونَ َة أَ َّي َم ْن كَانَ» (‪.)١٠ :٥‬‬
‫لذا فإن هذه البدعة مل تكن مجرد حالة الهوتية طارئة كام اعتاد‬
‫البعض اليوم أن يقول‪ .‬لقد صار هذا األمر واض ًحا ج ًدا منذ افتتاحية‬
‫الشيعة إىل‬ ‫رسالة غالطيّة‪ .‬فأن يطلب البعض إضافة القليل من ّ‬
‫بشون‬ ‫إنجيل نعمة الله فهذا يعني أن هؤالء امل ُعلِّمني التّهوديني يُ ِّ‬
‫بـ «إنجيل آخر» (‪ )٦ :١‬لذا يبادر ال ّرسول بُولُس ق ّرا َءه بالقول إن‬
‫ذلك «ليس بإنجيل آخر» من األصل‪ ،‬ألن كلمة «إنجيل» تتضمن‬
‫استبعاد ك ُّل أعامل ال ّناموس‪ .‬لذا فإنه يبدو للبعض غريبًا أن يضيف‬
‫الشء املضاف ق ّي ًم أو‬ ‫أحدهم شيئًا ما إىل اإلنجيل (مهام كان هذا ّ‬
‫الخاصة بنعمة الله‬‫ّ‬ ‫السارة البسيطة‬ ‫غاليًا)‪ ،‬فاإلنجيل هو األخبار ّ‬
‫لنا يف املسيح‪ .‬وهذه اإلضافة ‪-‬مهام كانت‪ -‬ت ُد ِّمر اإلنجيل باعتباره‬
‫إنجيل بعد! فلو كانت هناك رضورة إلضافة‬ ‫«اإلنجيل»‪ ،‬فال يصبح ً‬
‫أدىن يشء إىل اإلنجيل بغرض وضع أية ُربط أو قيود عىل املؤمنني‬
‫الشء إضاف ًة إىل هذا اإلميان‪ ،‬ولصار‬ ‫باملسيح لصار ال ُخضوع لهذا ّ‬
‫هم للخالص‪ .‬إن «املسيحي» الّذي يقبل الخضوع‬ ‫الشء ُم ً‬
‫هذا ّ‬

‫)‪(74‬‬
‫الشء يُصبح تلقائ ًيا « ُملْتَ ِز ٌم أَ ْن يَ ْع َم َل ِبك ُِّل ال ّنا ُموس»‪ .‬وملثل‬ ‫لهذا ّ‬
‫هذا الشّ خص يُق ِّدم ال ّرسول بُولُس تحذيره‪« :‬إِنِ ا ْختَتَ ْنتُ ْم الَ يَ ْن َف ُع ُك ُم‬
‫الْ َم ِس ُ‬
‫يح شَ ْيئًا!»‪.‬‬
‫وهكذا تصبح املشكلة أكرث وضو ًحا‪ :‬فإما أن تقبل خالص املسيح‬
‫لك بال ّنعمة من خالل اإلميان الّذي ال يحتاج إىل أية إضافات‪ ،‬أو أن‬
‫املسيح لن يقبل أن يُخلِّصك بامل ّرة‪ .‬والحقيقة العارية الّتي يعلنها‬
‫الكتاب امل ُق ّدس أن الله؛ الك ُّل القُدرة‪ُ ،‬يكنه أن يُخلِّص الخطاة‬
‫فقط بطريقة واحدة ال ثانٍ لها‪ :‬ال ّنعمة‪ ،‬ال ّنعمة وحدها‪ .‬فبسبب‬
‫كينونة الله وبسبب طبيعتنا كبرش ال يوجد أمامنا طريقة ثانية‬
‫الشء املضاف‬ ‫للخالص‪ .‬امل ُفارقة الّتي ميكن أن نراها هنا هي أن ّ‬
‫إىل غري املحدود يَنتُج عنه إنقاص من هذا اليشء غري املحدود‬
‫ليصبح محدو ًدا‪ .‬هذه هي رياضيات‪/‬حسابات ال ّنعمة‪ .‬إذا أضاف‬
‫اإلنسان الخاطئ شيئًا ما يفقد هذا اإلنسان ك ُّل يشء‪ ،‬وإذا مل يُضف‬
‫شيئًا يفوز بك ُّل يشء‪.‬‬
‫حينام نفهم ذلك األمر ُيكننا أن نتق ّبل‪ ،‬بتعاطف‪ ،‬اإلنذار الّذي‬
‫شنَاكُ ْم نَ ْح ُن أَ ْو َمال ٌَك ِم َن‬
‫و َّجهه ال ّرسول للغالطيني‪َ « :‬ول ِك ْن إِ ْن بَ َّ ْ‬
‫يم!» (‪.)٨ :١‬‬ ‫شنَاكُ ْم‪ ،‬فَلْ َي ُك ْن «أَنَاثِ َ‬ ‫الس َم ِء ِبغ ْ ِ‬
‫َي َما بَ َّ ْ‬ ‫ّ‬
‫ ‬

‫)‪(75‬‬
‫الفصل التّاسع‬
‫مقياس احلياة لدى املسيحي‬

‫إن مستوى حياة املؤمن املسيحي هو إرادة الله للمؤمن يف‬


‫ضوء ال ّنعمة املعطاة له يف شخص ال ّرب يَ ُسوع املسيح‪ ،‬هذه ال ّنعمة‬
‫الّتي أُعلنت بشكل كامل يف كلمة الله املكتوبة بك ُّل أسفارها‪ .‬هذا‬
‫األمر بالغ األهمية‪ ،‬وال بُ ّد من تذكري القارئ العزيز به‪ .‬إن العنارص‬
‫األساس ّية هي‪:‬‬
‫أ‌‪ .‬إرادة الله‪.‬‬
‫ب‌‪ .‬يف قرينة ال ّنعمة اإللهية‪.‬‬
‫ت‌‪ .‬ال ّنعمة امل ُهداة يف شخص ال ّرب يَ ُسوع املسيح‪.‬‬
‫ث‌‪ .‬النعمة امل ُعلنة يف أسفار الكلمة امل ُق ّدسة بجملتها‪.‬‬
‫الصدد؛‬
‫هناك ثالث فقرات كتابية يج ُدر بنا دراستها يف هذا ّ‬
‫الفقرة األوىل هي ما ورد يف ُروم َية ‪ ٢-١ :١٢‬حيث يضع ال ّرسول‬
‫بُولُس أمامنا كمؤمنني ما يدعوه «إرادة الله»‪ .‬ينبغي أن نالحظ أن‬
‫هذه «اإلرادة اإللهية» يُنص عليها ِضمن «مراحم الله»‪ .‬تأيت هذه‬
‫التتيب‬
‫املراحم أ ّو ًل‪ .‬بال ّنسبة لنا‪ ،‬نحن الخطاة امل ُخلَّصني‪ ،‬هذا هو ّ‬

‫)‪(77‬‬
‫الصحيح الختبار إرادة الله‪ .‬إن الفصول ‪ ١١-١‬من رسالة ُروم َية‬ ‫ّ‬
‫خصصة لرشح «مراحم» ال ّنعمة اإللهية‪ ،‬بعد ذلك يُعالج ال ّرسول‬ ‫ُم َّ‬
‫موضوع إرادة الله للمؤمن ويضع هذه اإلرادة أمامنا باعتبارها‬
‫مركز هذه املراحم‪ .‬وليك يُش ِّجعنا ال ّرسول عىل إدراك مشيئة الله‪،‬‬
‫يكتب‪« :‬فَأَطْل ُُب إِلَ ْي ُك ْم ‪ِ ..‬ب َرأْفَ ِة الله» (‪ .)١ :١٢‬هذا هو ما نقصده‬
‫بالتّعبري‪« :‬إرادة الله يف قرينة نعمته أو يف ضوء مراحمه»‪.‬‬
‫أما الفقرة الثّانية فقد وردت يف يُوح ّنا ‪ ٣٩ :٥‬حيث يكشف ربُّنا‬
‫هناك عن ذاته باعتباره محور ك ُّل اإلعالن اإللهي املكتوب‪ .‬بال ّنسبة‬
‫للمستمعني اليَ ُهود يف زمن املسيح‪ ،‬كان ال ّرجال املزهوون بأنفسهم‬
‫باعتبارهم دارسني غ ّيورين عىل كلمة الله املكتوبة قد سمعوه‬
‫يقول‪« :‬فَتِّشُ وا الْ ُكتُ َب ألَنَّ ُك ْم تَظُ ُّنو َن أَ َّن لَ ُك ْم ِفي َها َحيَا ًة أَبَ ِديَّة»‪.‬‬
‫ثم ذكّرهم املسيح بأن نفس هذه األسفار « ِه َي الّتي ت َشْ َه ُد ِل»‪.‬‬
‫فإذا مل يدرك اليَ ُهود املسيح يف أسفارهم فإن ك ُّل أبحاثهم الغيورة‬
‫يف الكتب امل ُق ّدسة تصبح كال يشء‪ ،‬ألن هبة الحياة األبدية ت ُعطى‬
‫فقط بال ّنعمة اإللهية‪ ،‬ونعمة الله تأتينا فقط من خالل ابنه ربِّنا‬
‫يَ ُسوع املسيح‪ .‬لذا فإن إرادة الله يف قرينة نعمته ال توجد إال يف‬
‫املسيح وحده «أَ َّما ال ّن ْع َم ُة َوالْ َح ُّق فَ ِبيَ ُسوع الْ َم ِسي ِح َصا َرا» (يُوح ّنا‬
‫‪.)١٧ :١‬‬
‫تأيت الفقرة الثّالثة يف رسالة تيموثاوس الثانية ‪ ١٧-١٦ :٣‬حيث‬
‫يُؤكّد ال ّروح القدس من خالل ال ّرسول بُولُس أن‪« :‬ك ُُّل الْ ِكتَ ِ‬
‫اب ُه َو‬
‫)‪(78‬‬
‫ُمو ًحى ِب ِه ِم َن الل ِه‪َ ،‬ونَا ِفع»‪ .‬الكتاب نافع لك ُّل يشء يف حياة أوالد‬
‫الصالحة‪.‬‬
‫الله‪ ،‬وهو يحرضهم إىل الكامل وال ّنمو يف ك ُّل األعامل ّ‬
‫لننتبه اآلن إىل هذه الحقائق امل ُهمة املوجودة يف املقاطع‬
‫الثّالثة أعاله‪:‬‬
‫والستني قادرة عىل أن‬
‫الستة ّ‬ ‫إن كلمة الله املكتوبة بأسفارها ّ‬
‫ُصينا «حكامء» إذ تحكّمنا للخالص الّذي نناله باإلميان باملسيح‪.‬‬
‫ت ّ‬
‫ال شك أن القراءة الجا ّدة الفاحصة لألسفار امل ُق ّدسة‪ ،‬تحت قيادة‬
‫ال ّروح القدس‪ُ ،‬يكنها أن تُحرض اإلنسان غري امل ُخلَّص إىل معرفة‬
‫الخالص بال ّرب يَ ُسوع املسيح‪ .‬والحقيقة أن املرء يستطيع أن ينال‬
‫الحياة األبدية يف املسيح باإلميان البسيط يف شخصه املعبود‪ ،‬لكن‬
‫هذا الشّ خص يظل غري حكيم يف أمور كثرية ترتبط بهذا الخالص‬
‫السبب أعطانا الله كلمته املكتوبة بأسفارها‬ ‫العظيم‪ .‬ألجل هذا ّ‬
‫جميعها ليك «يُحكّمنا» حسب عظمة خالصنا يف املسيح‪.‬‬
‫إن كلمة الله كلها‪ ،‬بجميع أجزائها‪« ،‬نافعة» لجميع املؤمنني‪.‬‬
‫السمة الكاسحة لقول ال ّرسول‪« :‬ك ُُّل ال ِكتَ ِ‬
‫اب‬ ‫يتعي علينا أن نالحظ ّ‬
‫ّ‬
‫‪ ..‬نَا ِف ٌع»‪ .‬وتُرتجم هذه العبارة‪« :‬كُل األسفار ‪ ..‬نافعة» (‪.)ASV‬‬
‫لذا‪ ،‬ليتنا نكون واعني وحذرين من خطأ االعتقاد بأن جز ًءا ما‬
‫من الكتاب امل ُق ّدس ميكن استبعاده جان ًبا أو إهامل دراسته يف‬
‫حياة املؤمن‪« .‬ك ُُّل ال ِكتَاب»‪ ،‬بك ُّل أجزائه‪ ،‬مهام كان صغر أي جزء‪،‬‬

‫)‪(79‬‬
‫ستجده ناف ًعا لك ُّل مؤمن اخترب الخالص‪ .‬ال ُيكننا االستغناء عن أي‬
‫الصدد‪ ،‬من‬‫جزء من كلمة الله وإال فالخسارة ستكون كبرية‪ .‬يف هذا ّ‬
‫الضوري أن نُؤكّد‪ ،‬وبُدون أيّة مساومة‪ ،‬أن «ك ُّل ال ِكتَاب» تشمل‬ ‫ّ‬
‫وس‪ ،‬وليس ذلك فقط بل تشمل ك ُّل العنارص‬ ‫بالضورة ناموس ُم َ‬ ‫ّ‬
‫الّتي يتض ّمنها ال ّناموس؛ ال ّناموس األخالقي‪ ،‬وال ّناموس الطّقيس‪،‬‬
‫وال ّناموس املدين‪ .‬كام يشمل كذلك ك ُّل ال ُعقوبات والجزاءات الّتي‬
‫جاءت يف ال ّناموس‪ .‬نعم نحن املخلَّصني لسنا تحت طائلة ال ّناموس‪،‬‬
‫لكن ال ّناموس جز ٌء من الكلمة املكتوبة لذا فهو «نافع» للمؤمنني‪.‬‬
‫والسؤال‪ :‬بأي طريقة «كل الكتاب» نافع؟ اإلجابة‪:‬‬ ‫ّ‬
‫‪ .١‬لِلتَّ ْعلِ ِيم‪.‬‬
‫‪ .٢‬للتَّ ْوبِي ِخ‪.‬‬
‫‪ .٣‬لِلتَّ ْقو ِ‬
‫ِيم‪.‬‬
‫‪ .٤‬للتَّأْ ِد ِ‬
‫يب الّذي ِف ال ِ ِّْب‪.‬‬
‫يف كورنثوس األوىل ‪ ١٤ -١ :١٠‬نقرأ عن درس للتأديب يف كيفية‬
‫وس (بالتّحديد الوصايا الواردة‬ ‫استخدام ال ّرسول بُولُس لناموس ُم َ‬
‫يف األسفار الخمسة) بطُرق مختلفة لصالح املؤمنني يف جيله‪ .‬نحن‬
‫لسنا تحت ال ّناموس‪ ،‬لكن ألن هذا ال ّناموس هو كلمة الله املوحى‬
‫بها فهي تزخر بالتّعاليم القيّمة وال ّدروس ال ّنافعة لحياتنا‪.‬‬
‫هذه الكلمة امل ُق ّدسة املكتوبة بجملتها تعمل كـ «مرآة»‬
‫)‪(80‬‬
‫للمؤمن‪ .‬يف هذه املرآة الكاملة ُيكننا أن ترى أنفسنا‪ .‬يف الحديث‬
‫عن كلمة الله وارتباطها باملؤمن يصف يعقُوب اإلنسان الّذي‬
‫«يُشْ ِب ُه َر ُجالً ن َِاظ ًرا َو ْج َه ِخلْ َق ِت ِه ِف ِم ْرآ ٍة‪ ،‬فَ ِإنَّ ُه نَظَ َر ذَاتَ ُه َو َم َض‪،‬‬
‫َس َما ُهو» (‪ .)٢٤-٢٣ :١‬إنه يُقارن بني هذا اإلنسان مع‬ ‫َولِلْ َوق ِْت ن ِ َ‬
‫آخر مل «ينظر» إىل وجهه يف املرآة فحسب بل فعل شيئًا باإلضافة‬
‫جلي ليس‬ ‫إىل ذلك (‪ .)٢٥ :١‬بداية فإن االختالف بني هذيْن ال ّر ْ‬
‫فقط فيام عمل ك ُّل منهام‪ ،‬بل باألحرى يف نظرة ك ُّل منهام إىل‬
‫عب عن‬ ‫مرآة الكلمة وتقييمه لها‪ .‬إن الفعل اليُوناين يف آية ‪ ٢٤‬يُ ّ‬
‫ُمج ّرد «نظرة عابرة» بينام الفعل الوارد يف آية ‪ ٢٥‬يتض ّمن «نظرة‬
‫فاحصة»‪ .‬إن ال ّنظرة الفاحصة والتّأمل واالستمراريّة هي الّتي تنتج‬
‫«الشّ خص العامل» والربكة التي يحصل عليها هذا الشخص‪.‬‬
‫لكن هذه ال ّنظرة ألنفسنا يف مرآة الكلمة يجب أال تنفصل عن‬
‫نظرتنا لنفس املرآة الّتي تكشف لنا صورة ربِّنا‪ .‬إن ال ّنظر إىل أنفسنا‬
‫يتعي علينا أن‬ ‫بكاف بل ميكن أن يجلب لنا اليأس الكامل‪ّ .‬‬ ‫ليس ٍ‬
‫قائل‪َ « :‬ونَ ْح ُن‬
‫نرى ال ّرب يف ك ُّل نعمته ومجده‪ .‬كتب ال ّرسول بُولُس ً‬
‫وف‪ ،‬ك ََم‬ ‫َج ِمي ًعا ن َِاظرِي َن (بعيون مفتوحة) َم ْج َد ال ّر ِّب ِب َو ْج ٍه َمكْشُ ٍ‬
‫الصو َر ِة َعيْ ِن َها‪ِ ،‬م ْن َم ْج ٍد إِ َل َم ْج ٍد‪ ،‬ك ََم ِم َن‬
‫يف ِم ْرآ ٍة‪ ،‬نَتَغ َّ َُي إِ َل تِل َْك ّ‬
‫ال ّر ِّب ال ّروح» (‪٢‬كورنثوس ‪ .)١٨ :٣‬إن رؤية نفوسنا يف مرآة الكلمة‬
‫هي أمر جدير ج ًدا باالهتامم‪ ،‬لكن رؤية ال ّرب يف هذه املرآة هي‬
‫الّتي تجلب التّغيري ال ّروحي واألخالقي الّذي يحتاجه ك ُّل م ّنا بش ّدة‪.‬‬

‫)‪(81‬‬
‫ومن الالفت للنظر أن ال ّرسول بُولُس‪ ،‬يف كتابته عن أهمية مرآة‬
‫الكلمة هذه‪ ،‬كان يتكلّم عن أسفار العهد القديم باألساس‪ ،‬ال سيّام‬
‫ُوسوية الخمسة (راجع اآليات ‪.)١٥-١٤‬‬ ‫األسفار امل َ‬
‫السمة املم ِّيزة للحق اإللهي كام كُتب عنه يف‬ ‫هذا يقودنا إىل ّ‬
‫كورنثوس الثانية ص‪ .٣‬ففي اآليات الـ ‪ ١٣‬األوىل يُوضِّ ح ال ّرسول‬
‫وس بال ّنسبة للمسيحي قد «زال» بل‬ ‫بشكل قاطع أن ناموس ُم َ‬
‫بالحقيقة «أُلغي» (آيات ‪ ،)١٣ ،١١‬ومع ذلك فإن نفس هذا‬
‫ال ّناموس يبقى ُجز ًءا من مرآة كلمة الله الّتي نرى فيها مجد ال ّرب‪.‬‬
‫فـ «كناموس» أُلغي مل ن ُعد نحن ‪-‬كمؤمنني‪ -‬تحت طائلته‪ .‬مع‬
‫ذلك يبقى ال ّناموس ُجز ًءا ال يتج ّزأ من األسفار اإللهية كام يبقى‬
‫«ناف ًعا» لنا‪ ،‬كونه يحمل شهادة عن ربِّنا ومخلِّصنا‪ .‬لذا فإن إقصاء‬
‫أو استبعاد أي جزء من كلمة الله املكتوبة‪ ،‬سوا ًء أكان هذا الجزء‬
‫ضمن ال ّناموس األخالقي أو ال ّناموس الطّقيس أو أي يشء آخر‪ ،‬هو‬
‫الصورة اإللهية ال ّرسمية الّتي‬ ‫مبثابة «طمر» أو «دفن» ل ُجزء من ّ‬
‫ترسمها الكلمة للرب يَ ُسوع املسيح‪ ،‬ويف ال ّنهاية هو منع للعمل‬
‫الكامل للروح القدس يف مه ّمة التّقديس‪ .‬نحن نرى أهمية ذلك يف‬
‫خدمة ال ّروح لنا بعد قيامة ربِّنا «ث ُ َّم ابْتَ َدأَ ِم ْن ُم َ‬
‫وس َو ِم ْن َج ِميعِ‬
‫األَنْ ِب َيا ِء يُف ِّ ُ‬
‫َس لَ ُه َم األُ ُمو َر الْ ُم ْختَ َّص َة ِب ِه ِف َج ِميعِ الْ ُكتُب» (لُوقَا ‪:٢٤‬‬
‫‪ .)٢٧‬قارن كذلك لُوقَا ‪.٤٤ :٢٤‬‬
‫هذه الكلمة اإللهية املكتوبة‪ ،‬بكاملها‪ ،‬تُشري إىل ال ّنموذج‬
‫)‪(82‬‬
‫الكامل الّذي لنا يف املسيح‪ ،‬وكلام تف ّرسنا يف مجده يف مرآة الكلمة‬
‫نرى‪:‬‬
‫أ‌‪ .‬الحالة الّتي ينبغي أن نكون عليها هنا واآلن‪ .‬ينبغي أن‬
‫نتذكّر «أَنَّ ُه ك ََم َسل ََك ذ ََاك ه َكذَا يَ ْسل ُُك ُه َو أَيْضً ا» (‪١‬يُوح ّنا‬
‫‪ .)٦ :٢‬يجب أال ننىس «ألَنَّ ُك ْم لِهذَا ُد ِعيتُ ْم‪ .‬فَ ِإ َّن الْ َم ِس َ‬
‫يح‬
‫ك تَتَّ ِب ُعوا ُخطُ َواتِه»‬ ‫أَيْضً ا تَأَلَّ َم ألَ ْجلِ َنا‪ ،‬تَا ِركًا لَ َنا ِمثَاالً لِ َ ْ‬
‫(‪١‬بطرس ‪ .)٢١ :٢‬فإذا كنا نتوقّع امتالك «هذَا الْ ِف ْك ُر الّذي‬
‫ِف الْ َم ِسي ِح يَ ُسوع» (فيلبي ‪ ،)٥ :٢‬يجب أن نجد هذا الفكر‬
‫فيام ُسجل عن هويّة املسيح وعمله‪ .‬ولتحقيق ذلك‪ ،‬يجب‬
‫أن ندرس‪ ،‬ليس فقط البشائر األربع‪ ،‬وال حتى أسفار العهد‬
‫الجديد كله فقط‪ ،‬بل علينا بدراسة ك ُّل كلمة الله املكتوبة‬
‫من التّكوين إىل ال ّرؤيا‪.‬‬
‫واألكرث من ذلك‪ ،‬كلام اكتشفنا املسيح يف الكلمة املكتوبة‬
‫بجملتها فإننا نتعلّم‪:‬‬
‫ب‌‪ .‬الحالة الّتي سنكون عليها يف مجيئه ثانية‪ .‬سنفهم أن هذه‬
‫الحالة األبدية ستكون عىل عكس ك ُّل املظاهر الحالية‬
‫والظروف املعاكسة «إِذَا أُظْ ِه َر نَكُو ُن ِمثْلَه» (‪١‬يُوح ّنا ‪.)٢ :٣‬‬
‫وبهذا ال ّرجاء املبارك يف قُلوبنا نكون ‪-‬كرجال ونساء‪ -‬أكرث‬
‫نقا ًء هنا واآلن‪ ،‬حتى يف الفرتة الّتي تسبق مجيئه (‪١‬يُوح ّنا‬

‫)‪(83‬‬
‫‪ .)٤ :٣‬لذا فإننا سوف نواجه «آالَ َم ال َّز َمانِ الْ َح ِاض» ليس‬
‫َاس بِالْ َم ْج ِد الْ َع ِت ِيد أَ ْن يُ ْستَ ْعلَ َن ِفي َنا»‬
‫فقط ألنها «الَ تُق ُ‬
‫( ُروم َية ‪ )١٨ :٨‬بل أيضً ا ألنه إذا كان الله قد ع ّيننا لنكون‬
‫« ُمشَ ا ِب ِه َني ُصو َر َة ابْ ِنه» ( ُروميَة ‪ ،)٢٩ :٨‬فقد أعد لنا أيضً ا‬
‫الوسائل الّتي من خاللها يت ّمم هذا التّغيري فينا هنا واآلن‪.‬‬
‫إنها كلمة الله املوحى بها واملكتوبة‪ ،‬بجملتها‪ ،‬والّتي تحمل‬
‫لنا الشّ هادة عن ابن الله‪.‬‬
‫هذه الكلمة اإللهية املكتوبة‪ ،‬بجملتها‪ ،‬أُعطيت لنا ليك نُركِّز‬
‫اهتاممنا عىل املسيح؛ من هو‪ ،‬ماذا فعل ألجلنا‪ ،‬مباذا علَّم‪ .‬بال ّنسبة‬
‫للمؤمن الحقيقي‪ ،‬يجب أن يكون املسيح هو مركز ك ُّل يشء‬
‫والجامع لك ُّل يشء «أنت‪ ،‬أيها املسيح‪ ،‬هو ك ُّل ما أريد‪ ،‬ال أريد أي‬
‫يشء آخر»‪.‬‬
‫أ‌‪ .‬إن كلمة الله املكتوبة ت ُص ّوب تركيزنا ليكون عىل املسيح‬
‫نفسه وليس سواه‪ .‬هناك أشخاص ُعظامء آخرين يف‬
‫وس وإيليا فلعلهام األكرث عظمة‬ ‫الكتاب امل ُق ّدس‪ .‬فكّر يف ُم َ‬
‫بني رجاالت العهد القديم‪ ،‬لكنهام يتالشيان بالتّامم من‬
‫املشهد يف نور مجد االبن األبدي‪ .‬فإذا كنا نقرأ إرادة الله‬
‫بشكل صحيح‪ ،‬وإذا كُنا ُمنقادين بال ّروح القدس سوف‬
‫ال نرى «أَ َح ًدا إِالَّ يَ ُسوع َو ْح َده» (متّى ‪ .)٨ :١٧‬ليت ك ُّل‬
‫الو ّعاظ وامل ُعلِّمني يُصغون إىل هذا التّحذير الواحد؛ فإذا‬
‫)‪(84‬‬
‫وس أو إيليا أو غريهام‪ ،‬ليتهم يحذرون من‬ ‫كانوا يبشِّ ون ُمب َ‬
‫الحديث عن هذه «األنوار األقل» ألن هذه األنوار سوف‬
‫رب هؤالء األنبياء وربِّنا‪.‬‬ ‫تح ِّول عيونهم عن ّ‬
‫ب‌‪ .‬إن الكلمة املكتوبة تص ِّوب انتباهنا (وجهة نظرنا) يف‬
‫َم َحبَّة املسيح‪ .‬فحتى العامل الهالك ُيكنه إدراك قيمة‬
‫امل َ َح َّبة‪ ،‬وقادة هذا العامل يتح ّدثون كث ًريا عن امل َ َح َّبة‪ ،‬لكن‬
‫معظم هذا الحديث يعترب نفسه واق ًعا يف َم َحبَّة االختزال‬
‫واالختصار‪ .‬أحيانًا تصبح امل َ َح َّبة الّتي يُظهرها العامل ُمج ّرد‬
‫وثنية لفظية‪ .‬أما يف الكتاب املق ّدس فنحن نقابل شيئًا‬
‫مختلفًا متا ًما‪ .‬هنا يخربنا الكتاب أن «ا َلل َه َم َح َّبة» (‪١‬يُوح ّنا‬
‫‪ ،)٨ :٤‬لكننا غري مرتوكني للمضاربة أو للتخمني يف كنه‬
‫هذه امل َ َح َّبة وطبيعتها اإللهية الّتي ال ت ُرى وال ت ُوصف‪.‬‬
‫إن نفس الكلمة اإللهية الّتي تقول لنا إن «ا َلل َه َم َحبَّة»‬
‫متاسكًا من ال ّناحية‬ ‫تستطرد ليك تو ّجه ُعيوننا إىل يشء أكرث ُ‬
‫التّاريخية «بِهذَا أُظْ ِه َرتْ َم َحبَّة الل ِه ِفي َنا‪ :‬أَ َّن الل َه قَ ْد أَ ْر َس َل‬
‫ك نَ ْح َيا بِه» (‪١‬يُوح ّنا ‪ .)٩ :٤‬هل‬ ‫ابْ َن ُه الْ َو ِحي َد إِ َل الْ َعال َِم لِ َ ْ‬
‫نصارع فكريًا من أجل فهم الطّبيعة الحقيقيّة مل َ َحبَّة الله؟‬
‫«ف هذَا ِه َي الْ َم َح َّبة‪ :‬لَ ْي َس أَنَّ َنا نَ ْح ُن أَ ْح َب ْب َنا الل َه‪،‬‬ ‫حس ًنا‪ِ ،‬‬
‫بَ ْل أَنَّ ُه ُه َو أَ َحبَّ َنا‪َ ،‬وأَ ْر َس َل ابْ َن ُه كَفَّا َر ًة لِ َخطَايَانَا» (‪١‬يُوح ّنا ‪:٤‬‬
‫تجسدت يف ابنه‪ ،‬تصبح‬ ‫‪ .)١٠‬وحينام ندرك َم َح َّبة الله الّتي ّ‬

‫)‪(85‬‬
‫آذاننا أكرث حساسية وانتبا ًها إىل التّحريض الّذي يتبع اآلية‬
‫السابقة‪« :‬أَيُّ َها األَ ِحبَّا ُء‪ ،‬إِ ْن كَا َن الل ُه قَ ْد أَ َحبَّ َنا ه َكذَا‪ ،‬يَ ْنبَ ِغي‬
‫ّ‬
‫لَ َنا أَيْضً ا أَ ْن يُ ِح َّب بَ ْعضُ َنا بَ ْعضً ا» (‪١‬يُوح ّنا ‪.)١١ :٤‬‬
‫ت‌‪ .‬إن كلمة الله املكتوبة تُو ّجه عيوننا نحو عمل املسيح ألجلنا‪.‬‬
‫متى كان لنا العيون الّتي ت ُبرص ال يهم املوضع الّذي نفتح‬
‫حتم مع دم الكفارة‪ .‬إن يُوح ّنا‬ ‫فيه الكتاب ألننا سنتقابل ً‬
‫املعمدان؛ آخر األنبياء العظامء يف العهد القديم‪ ،‬يُل ِّخص‬
‫املتجسد‬
‫ّ‬ ‫لنا الشّ هادة الّتي رآها بعين ْيه بخصوص االبن‬
‫« ُه َوذَا َح َم ُل الل ِه الّذي يَ ْرفَ ُع َخ ِطيَّ َة الْ َعال َِم!» (يُوح ّنا ‪:١‬‬
‫‪ ،)٢٩‬وهذه الكلامت الّتي نطقت بها شفتا املعمدان ت ُخص‬
‫موت «الحمل» الّذي ال ُيكن أن يرفع ع ّنا خطايانا إال مبوته‬
‫ألجلنا‪.‬‬
‫الصفحة الّتي‬ ‫لذلك‪ ،‬فعرب الكلمة املكتوبة‪ ،‬ومهام كانت ّ‬
‫نقرأ فيها نلتقي بيَ ُسوع «الّذي ُو ِض َع قَلِيالً َعنِ الْ َمالَئِ َك ِة‪،‬‬
‫يَ ُسوع‪ ،‬نَ َرا ُه ُم َكلَّالً بِالْ َم ْج ِد َوالْ َك َرا َم ِة‪ِ ،‬م ْن أَ ْجلِ أَل َِم الْ َم ْو ِت‪،‬‬
‫احد» (العربانيني‬ ‫ُوق ِب ِن ْع َم ِة الل ِه الْ َم ْوتَ ألَ ْجلِ ك ُّل َو ِ‬ ‫ك يَذ َ‬‫لِ َ ْ‬
‫‪ ،)٩ :٢‬فندرك يف الجلجثة «أَ َّن ذ ََاك َوضَ َع نَف َْس ُه ألَ ْجلِ َنا»‪،‬‬
‫وأننا قد ُدعينا لرنى أننا «نَ ْح ُن يَ ْنبَ ِغي لَ َنا أَ ْن نَضَ َع نُف َ‬
‫ُوس َنا‬
‫ألَ ْجلِ ا ِإل ْخ َوة» (‪١‬يُوح ّنا ‪.)١٦ :٣‬‬

‫)‪(86‬‬
‫ث‌‪ .‬وكلمة الله املكتوبة تفتح ُعيوننا أيضً ا عىل كالم املسيح‬
‫اي َويَ ْح َفظُ َها فَ ُه َو‬ ‫ووصاياه‪ .‬قال ربُّنا «الّذي ِع ْن َد ُه َو َصايَ َ‬
‫الّذي يُ ِح ُّب ِني‪َ ،‬والّذي يُ ِح ُّب ِني يُ ِح ُّب ُه أَ ِب‪َ ،‬وأَنَا أُ ِح ُّب ُه‪َ ،‬وأُظْ ِه ُر لَ ُه‬
‫ذ َِات» (يُوح ّنا ‪ ،)٢١ :١٤‬ويف م ّرة أخرى قال‪« :‬إِ ْن أَ َحبَّ ِني أَ َح ٌد‬
‫يَ ْح َف ْظ كَالَ ِمي» (آية ‪ .)٢٣‬م ّرة ثانية هنا يتم التّنبري عىل‬
‫الكلمة امل ُق ّدسة ب ُجملتها حتى نتمكّن من فهم رسالة ربِّنا‬
‫بكاملها‪ .‬علينا أن نستوعب أن صوت ربِّنا غري املحدود يأيت‬
‫إىل اإلنسان دامئًا من خالل االبن؛ الكلمة األزيل‪.‬‬
‫لذا فمن الخطأ أن نرفض العهد القديم أو أي جزء من أجزائه‬
‫كام يفعل البعض‪ ،‬أو أن نضع جان ًبا رسائل العهد الجديد إذ يفضِّ ل‬
‫البعض البشائر األربع عليها‪ ،‬أو كام ينظر البعض إىل األجزاء‬
‫ال ّنبوية يف الكتاب امل ُق ّدس كام لو كانت هذه األجزاء قليلة الشّ أن‬
‫أو األهمية يف حياة املؤمن‪ .‬فإذا كُنا حكامء‪ ،‬فكلام قرأنا كلمة الله‬
‫السابق الوجود‪ ،‬يتح ّدث إلينا‬
‫املكتوبة فسوف نسمع صوت االبن‪ّ ،‬‬
‫املتجسد‬
‫ِّ‬ ‫من خالل العهد القديم‪ ،‬كام سنسمع صوت ابن الله‬
‫يُخاطبنا يف البشائر األربع الّتي تُس ِّجل لنا أحداث حياته يف الجسد‪.‬‬
‫السامء يف‬
‫سنسمع كذلك صوت ابن الله امل ُم َّجد يتح ّدث إلينا من ّ‬
‫بقية كتب العهد الجديد‪.‬‬
‫ولنتيقّن أن هناك تق ُّد ًما يف إعالن الله من خالل االبن؛ ففي‬
‫حركة التّاريخ تحل بعض األشياء محل أشياء أخرى‪ .‬هناك أشياء‬
‫)‪(87‬‬
‫تُلغى‪ .‬بعض األشياء تتمتّع بأهمية أكرث من البعض اآلخر‪ .‬يجب‬
‫أن نقرأ كتاب الله‪ ،‬ال بطريقة ميكانيكيّة‪ ،‬بل تحت إرشاد روحه‬
‫القدوس‪.‬‬
‫وقد نتساءل أحيانًا‪« :‬ما أهمية أن (نحفظ) كلامت ربِّنا يَ ُسوع‬
‫املسيح ووصاياه؟» ُيكننا أن نُجيب بالقول إن حفظ وصاياه ال‬
‫ُيكن أن يعني وضع أنفسنا تحت أي نظام ترشيعي من أي نوع‪.‬‬
‫بشكل إيجايب‪ ،‬لدينا بعض ال ّنصوص الّتي تُلقي الضّ وء عىل املشكلة‪.‬‬
‫ال ّنص األول ورد يف امللوك األول ‪ ٨ :١٤‬حيث يتحدث ال ّرب عن‬
‫قائل إنه « َعبْ ِدي َدا ُو َد الّذي َح ِف َظ َو َصايَ َ‬
‫اي َوالّذي َسا َر‬ ‫داود امللك ً‬
‫َو َر ِائ ِبك ُِّل قَلْ ِب ِه لِ َي ْف َع َل َما ُه َو ُم ْستَ ِقي ٌم فَ َق ْط ِف َع ْي َن َّي»‪ .‬هذا هو‬
‫تقرير الله ال ّنهايئ عن حياة داود كلها‪ ،‬رغم أن داود فشل يف حفظ‬
‫وصايا الله‪ ،‬بشكل مرعب غري ذي م ّرة‪.‬‬
‫هناك فقرة أخرى موجودة يف العهد الجديد يف يُوح ّنا ‪.٦ :١٧‬‬
‫هنا نقف عىل أرضية منطية لنستمع إىل امل ُناجاة بني الثّالوث اإللهي‪:‬‬
‫االبن يق ِّدم تقريره إىل اآلب ُمصل ًيا‪ُ ،‬مظه ًرا اهتاممه الكامل بال ّرجال‬
‫تجسده عىل األرض‪ .‬يتض ّمن تقريره‬ ‫الّذين تبعوه خالل رحلة ُّ‬
‫مذهل‪« :‬ل َق ْد َح ِفظُوا كَالَ َم َك»‪ .‬وبالعودة إىل‬ ‫ً‬ ‫امل ُق َّدم إىل اآلب شيئًا‬
‫أولئك ال ّرجال الضّ عفاء نرى طموحاتهم األنانية‪ ،‬وفشلهم املتك ِّرر‬
‫يف استقبال الحق‪ ،‬وشجارهم خالل العشاء األخري‪ ،‬وإنكار بطرس‬
‫الّذي كان عىل وشك الحدوث‪ ،‬وشكوك توما‪ ،‬ومع ذلك فإن ال ّرب‬
‫)‪(88‬‬
‫قائل‪:‬‬
‫الّذي اخترب قلوبهم جمي ًعا ملح ب ُح ّبه تذبذبَهم وضعفَهم ً‬
‫«لقد حفظوا كالمي»‪.‬‬
‫بالقطع مل يكن هذا التّقييم مبنيًا عىل رغبة «إحداث التّوازن‬
‫القانوين» بني األشياء الكثرية الّتي حدثت واألشياء الّتي مل تُت َّمم‪ ،‬بل‬
‫أحب التّالمي ُذ ال ّر َّب‬
‫عىل حالة القلب وعىل اتجاه الحياة كلها‪ .‬لقد ّ‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫ومث َّنوا كالمه‪ ،‬ولهذا فقد كانوا عىل ال ّدرب ّ‬
‫إن إرادة الله امل ُعلنة يف كلمته املكتوبة يجب أن تُقرأ يف قرينة‬
‫السابق‪ ،‬لكننا هنا‬
‫اإلميان بنعمة الله‪ .‬لقد تكلّمنا عن هذا األمر يف ّ‬
‫سنناقش املوضوع بأكرث تفصيل‪ .‬ال يشء أكرث أهمية من هذا األمر؛‬
‫فبُدون أن «ندرك مشيئة الله يف قرينة ال ّنعمة» سنكون دامئًا يف‬
‫خطر العودة إىل ال ّنظام التّرشيعي القديم أو خطر بناء أنظمة‬
‫جديدة‪ .‬فإذا متركزت حياتنا عىل مشيئة الله يف الوقت الّذي أهملنا‬
‫فيه «قرينة ال ّنعمة»‪ ،‬فمن املمكن أن ينتصب ال ّنظام التّرشيعي‬
‫رسالتي ُروميَة وغالطيّة!‬
‫ّ‬ ‫حتى ولو درسنا‬
‫اآلن‪ ،‬لننظر باعتبار إىل كلمة الله الّتي ق ّدمت إرادة الله‬
‫يف قرينة نعمته‪ .‬يف ُروم َية ‪ ١٢:١٢‬يُلتمس منا أن ندرك مشيئة‬
‫ِ‬
‫برحامت) الله»‪ .‬ويف‬ ‫الله‪ ،‬لكن الحث يأيت إلينا «برأفة (حرف ًيا‬
‫كورنثوس األوىل ‪ ١١-٧ :٨‬نتعلّم كيف ينبغي أن نعامل مع «اإلخوة‬
‫الضّ عفاء»‪ ،‬وال ّدليل الكبري املستخدم هنا هو أن هذا األخ الضّ عيف‬

‫)‪(89‬‬
‫يح ألجلِه»‪ .‬ويف رسالة فيلبي ‪ ٥-٢:٢‬يُش ِّجعنا الكاتب‬
‫«قد َماتَ الْ َم ِس ُ‬
‫عىل العيش مبَ َحبَّة وتسامح‪ ،‬وأن نهتم بصالح اآلخرين أكرث من‬
‫االهتامم مبا لنا‪.‬‬
‫كيف ُيكن بُلوغ هذه الوصية الشّ امخة؟ يُو ّجه ال ّرسول قرا َءه‬
‫اللتي وجدوهام يف املسيح (فيلبي ‪،)١ :٢‬‬ ‫إىل امل َ َحبَّة وال ّرحمة ْ‬
‫توسلَه إليهم بأن يضع أمام ُعيونهم التّنازل ال ّرحيم‬
‫ويختتم ال ّرسول ُّ‬
‫البن الله الّذي ارتىض اإلخالء ليكون يف صورة البرش‪ ،‬ثم تنازل أكرث‬
‫الصليب (فيلبي ‪.)٨-٥ :٢‬‬‫ليقبل املوت؛ بل موت ّ‬
‫اثنتي‬
‫ويف فيلبي ‪ ٣-١ :٤‬يكتب ال ّرسول بُولُس ليك يصالح ْ‬
‫اللتي كانتا ‪-‬عىل ما يبدو‪ -‬يف خالف بينهام‪.‬‬ ‫من أخوات الكنيسة ْ‬
‫اح ًدا»‪ ،‬لكن هذا االتحاد ليس ٍ‬
‫بكاف‬ ‫قال لهام‪« :‬أَ ْن ت َ ْفتَ ِك َرا ِف ْك ًرا َو ِ‬
‫اح ًدا ِف ال ّر ِّب»‪ .‬وختم ال ّرسول بُولُس‬‫بل يجب أن «ي ْفتَ ِك َرا ِف ْك ًرا َو ِ‬
‫«ف ِس ْف ِر الْ َح َياة»‪ .‬يا‬
‫حديثه إليهام بتذكريهام أن اسميهام مكتوب ِ‬
‫له من تشجيع مبارك! امرأتان كُتب اسامهام ‪-‬بنعمة الله‪ -‬يف سفر‬
‫رحيمتي إحداهام نحو األخرى‬ ‫ْ‬ ‫الحياة‪ ،‬لكنهام فشلتا يف أن تكونا‬
‫مع أنهام كانتا ضمن أعضاء كنيسة واحدة! حرفيًا‪ ،‬هناك املئات‬
‫من األمثلة األخرى الّتي تُؤيّد هذه الفكرة ميكن أن يجدها القارئ‬
‫املجتهد عند دراسة العهد الجديد‪.‬‬
‫ومع تق ُّدم الوحي سنجد‪ ،‬بالطّبع‪ ،‬تناقضات قويّة ُمؤكَّدة بني‬

‫)‪(90‬‬
‫عرص ال ّناموس وعرصنا هذا‪ .‬ففي سفر التّثنية ‪ ٥ :٦‬يأيت االلتزام‬
‫األكرب يف ش ّدة العمى الّتي ال يرافقها أي لون للنعمة «فَتُ ِح ُّب‬
‫ال ّر َّب إِل َه َك ِم ْن ك ُّل قَلْب َِك َو ِم ْن ك ُّل نَف ِْس َك َو ِم ْن ك ُّل قُ َّوتِ َك»‪ ،‬وعىل‬
‫ال ّنقيض من ذلك نقرأ يف لغة ال ّنعمة «نَ ْح ُن ن ُِحبُّ ُه ألَنَّ ُه ُه َو أَ َحبَّ َنا‬
‫أَ َّوالً» (‪١‬يُوح ّنا ‪ .)١٩ :٤‬إن الفقرة الواردة يف التّثنية تُحرضنا إىل‬
‫«العرش األبيض العظيم» أما كلامت رسالة يُوح ّنا األوىل فتمسك‬
‫القلم لتضع «قوس قزح حول هذا العرش»‪ .‬فإذا كُ ّنا ُحكامء فإننا‬
‫الفقرتي م ًعا‪.‬‬
‫ْ‬ ‫سنقرأ كلتا‬
‫إليك منوذج آخر‪ :‬تكلّم ربُّنا يَ ُسوع املسيح عن التزام ال ّرجل‬
‫تجاه قريبه‪ُ ،‬معط ًيا لنا الوصية الثّانية « َوالثّانِ َي ُة ِمثْلُ َها‪ :‬ت ُِح ُّب قَرِي َب َك‬
‫كَ َنف ِْس َك» (متّى ‪ .)٣٩ :٢٢‬هذا هو ال ّناموس؛ ناموس الله الّذي ال‬
‫نغيه‪ .‬لكن لنقرتب إىل الجلجثة ولنصغِ إىل‬ ‫نجرؤ وال نستطيع أن ّ‬
‫ال ّرب نفسه ُمتحدث ًا من خالل يُوح ّنا «أَيُّ َها األَ ِحبَّا ُء‪ ،‬إِ ْن كَا َن الل ُه قَ ْد‬
‫أَ َح َّب َنا ه َكذَا‪ ،‬يَ ْن َب ِغي لَ َنا أَيْضً ا أَ ْن يُ ِح َّب بَ ْعضُ َنا بَ ْعضً ا» (‪١‬يُوح ّنا ‪:٤‬‬
‫مثال‬
‫‪ .)١١‬إنها نفس الوصية لكنها تأيت هنا يف قرينة ال ّنعمة‪ .‬خذ ً‬
‫آخر وهذه امل ّرة من العظة عىل الجبل «فَك ُُّل َما تُرِي ُدو َن أَ ْن يَ ْف َع َل‬
‫وس‬ ‫اس ِب ُك ُم افْ َعلُوا ه َكذَا أَنْتُ ْم أَيْضً ا ِب ِه ْم‪ ،‬ألَ َّن هذَا ُه َو ال ّنا ُم ُ‬
‫ال ّن ُ‬
‫َواألَنْ ِب َياء» (متّى ‪ .)١٢ :٧‬إن ال ّناموس صالح لكن هناك ما هو أعىل‬
‫« َح ِاس ِب َني بَ ْعضُ ُك ُم الْبَ ْع َض أَفْضَ َل ِم ْن أَنْف ُِسهِم» (فيلبي ‪.)٣ :٢‬‬
‫إن ال ّناموس يُعطينا التّوازن الحكيم للعدالة لكن ال ّنعمة‬
‫)‪(91‬‬
‫الشاهقة بطلباتها تتخطّى الحدود‪ .‬ال ّنعمة تعمل ألنها موضوعة‬
‫يف إطارها «قرينة ال ّنعمة»؛ فابن الله املبارك ُوضع جانبًا بعي ًدا‬
‫مذل‬
‫عن مجده األزيل‪ ،‬متخل ًيا عن سمعته‪ ،‬آخذًا صورة عبد‪ًّ ،‬‬
‫نفسه حتى املوت ألجلنا نحن الّذين ال نستحق منه شيئًا (فيلبي‬
‫‪ .)٨-٣ :٢‬هذه هي أطروحة ال ّنعمة املسؤولة عن هؤالء الّذين‬
‫خلصوا وعرفوا ال ّرب‪ .‬بال ّنسبة للنعمة‪ ،‬ال توجد أية إجابة بعي ًدا عن‬
‫الخضوع البرشي‪ ،‬وعن «تواضع الفكر»‪.‬‬
‫ورغم أن هناك فروقات عهدية أصيلة ميكن أن نالحظها‪ ،‬لكن‬
‫ال ينبغي أن نفرتض أن «قرينة ال ّنعمة» غائبة متا ًما من األجزاء‬
‫األوىل للكتاب امل ُق ّدس‪ .‬يتحدث ال ّرسول بُولُس عن عهد ال ّناموس‬
‫مالحظًا « َوأَ َّما ال ّنا ُم ُ‬
‫وس فَ َد َخ َل لِ َ ْ‬
‫ك تَك ُ َْث الْ َخ ِطيَّةُ‪َ .‬ول ِك ْن َحيْثُ ك ُ ََث ِت‬ ‫ِ‬
‫السؤال‬ ‫الْ َخ ِط َّي ُة ا ْز َدا َد ِت ال ّن ْع َم ُة ِج ًّدا» ( ُروم َية ‪ .)٢٠ :٥‬فإذا ثار ّ‬
‫«كم كان مقدار ال ّنعمة يف زمن ال ّناموس؟» كانت اإلجابة‪« :‬فقط‬
‫الخاص بالذّبائح»‪ .‬إنه موجود حتى‬ ‫ّ‬ ‫اقرأ سجل ال ّناموس الطّقيس‬
‫مثل‪ ،‬انظر إىل‬ ‫ميكننا أن نجد «قرينة ال ّنعمة» يف خضم ال ّناموس‪ً .‬‬
‫الشيعة‪ .‬جاءت‬ ‫ويكن اعتبارها مركز ّ‬ ‫الوصايا العرش الّتي أُعطيت ُ‬
‫هذه الوصايا يف الفصل العرشين من سفر ال ُخروج‪ .‬من املحزن أن‬
‫السابع‬ ‫ُمعظم العظات الّتي تُق َّدم يف هذا الفصل تنتهي مع العدد ّ‬
‫عرش‪ ،‬وغالبًا ما تكون ال ّنتيجة لذلك هي نفس ما حدث عرب تاريخ‬
‫إرسائيل « َول ََّم َرأَى الشّ ْع ُب ا ْرتَ َع ُدوا َو َوقَفُوا ِم ْن بَ ِعيد» (آية ‪.)١٨‬‬

‫)‪(92‬‬
‫هذه هي نتيجة الوعظ بال ّناموس بعي ًدا عن قرينة ال ّنعمة‪.‬‬
‫أما يف آية ‪ ٢٤‬فرنى إله سيناء يتكلّم م ّرة ثانية « َم ْذبَ ًحا ِم ْن‬
‫اب ت َْص َن ُع ِل َوتَ ْذبَ ُح َعلَيْ ِه ُم ْح َرقَاتِ َك ‪ِ ...‬ف ك ُّل األَ َماكِنِ الّتي‬
‫تُ َر ٍ‬
‫الس ِمي ِذكْ ًرا ِآت إِلَ ْي َك َوأُبَا ِرك َُك»‪ .‬كان ينبغي أن يُصنع‬ ‫ِفي َها أَ ْص َن ُع ْ‬
‫املذبح من تراب األرض وهو املادة الّتي تتوافر لك ُّل إنسان! أما‬
‫إزميل‬
‫إذًا كان املذبح من حجارة فال يجب أن يعلو هذه الحجارة ٌ‬
‫لتشكيله‪ ،‬ألن من يصنع ذلك يُل ّوث املذبح ويُن ّجسه‪ .‬األكرث من‬
‫هذا‪ ،‬ال يجب أن يكون املذبح فوق األرض بعدة درجات ُسلَّم‪.‬‬
‫بالتّأكيد كانت هذه التّعليامت مبثابة لُغة ال ّنعمة اإللهية! وكم‬
‫يصبح وعاظ كثريون مثريين للشفقة حينام يُعلِّمون أن املؤمن ما‬
‫زال تحت طائلة «ال ّناموس األخالقي» وأن هذا املؤمن قد تح َّرر‬
‫من ال ّناموس الطّقيس‪ .‬عظ بالوصايا العرش بعي ًدا عن قرينة ال ّنعمة‬
‫تكون قد فقدت ال ُعنرص األوحد الّذي ُيكّنك من اإلدراك الكامل‬
‫ملثالية ال ّناموس األخالقي‪.‬‬
‫الحق أن املؤمن ليس تحت طائلة ال ّناموس بأي معنى من‬
‫املعاين‪ ،‬ال ال ّناموس الطّقيس وال ال ّناموس األخالقي‪ ،‬لكن من ال ّناحية‬
‫األخرى ك ُّل من ال ّناموس الطّقيس وال ّناموس األخالقي يستمران‬
‫جزئي من كلمة الله املكتوبة من البداية حتى ال ّنهاية‪ .‬ألجل هذا‬ ‫ْ‬
‫فال ّناموس «نافع» لك ُّل أوالد الله يف ك ُّل العصور‪.‬‬

‫)‪(93‬‬
‫يف هذا‪ ،‬أود أن أُش ِّجع ك ُّل مؤمن يسعد برؤية ال ّرب يَ ُسوع‬
‫املسيح عرب ك ُّل صفحات الكتاب امل ُق ّدس‪ :‬ال ترتعب من أولئك‬
‫امل ُعلِّمني الخائفني الّذين يرصخون ضد ما يدعونه «طغيان ال ّرمزية‬
‫املفرطة ‪ .»too much typology‬ال شك أن هناك أشياء ميكن أن‬
‫نجد فيها رموزًا صحيحة‪ ،‬وهناك أشياء ال يصح ترميزها‪ .‬لكن مهام‬
‫كان األمر‪ ،‬فإن امتيازك وواجبك األعىل كمسيحي أن تكتشف ك ُّل‬
‫الخاص بال ّرب يَ ُسوع املسيح يف الكلمة امل ُق ّدسة ‪-‬حيثام كان‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫الحق‬
‫تتمسك بهذا الحق‪ .‬إن كرس بعض قواعد التّفسري الكالسيكية‬ ‫وأن ّ‬
‫أفضل كث ًريا من فُقدان رؤية وجهه املبارك‪.‬‬
‫الخاص‬
‫ّ‬ ‫الصدد‪ :‬لنتأكَّد أن الحق‬ ‫هناك تحذير واحد يف هذا ّ‬
‫حق صحيح‬ ‫بربِّنا يَ ُسوع والّذي نكتشفه يف الكتاب امل ُق ّدس هو ٌ‬
‫بحسب اإلعالن التّاريخي عن االبن كام ت ّم تدوينه يف أسفار العهد‬
‫الجديد‪ .‬مع هذا الحارس ال يكون هناك نهاية ملا ُيكن أن نجده‬
‫تجسد‪ .‬وحينام‬‫فيام ُد ّون بالوحي عن ابن الله غري املحدود الّذي ّ‬
‫نجد ابن الله عرب أسفار الكتاب امل ُق ّدس سنلتقي يقي ًنا مع إرادة‬
‫الله الكاملة الّتي تأيت يف القرينة ال ّرائعة لنعمته‪ ،‬إذ أن نعمة الله‬
‫«تَ ْلِ ُك بِال ِ ِّْب‪ ،‬لِلْ َحيَا ِة األَبَ ِديَّ ِة‪ِ ،‬بيَ ُسوع الْ َم ِسي ِح َربِّ َنا» ( ُروميَة ‪.)٢١ :٥‬‬
‫إن قرينة ال ّنعمة هي البيئة الوحيدة الّتي تُدرك فيها مشيئة‬
‫الله بشكل كامل يف الحياة املسيح ّية‪ .‬يف قرينة ال ّنعمة هذه ينمو‬
‫املؤمنون (‪٢‬بطرس ‪ ،)١٨ :٣‬ويثبتون (‪١‬بطرس ‪ ،)١٢ :٥‬ويُبنون‬
‫)‪(94‬‬
‫(أعمل ال ّر ُسل ‪ ،)٣٢ :٢٠‬ويتقوون (‪٢‬تيموثاوس ‪ ،)١ :٢‬ويُك َّملون‬ ‫َ‬
‫(‪١‬بطرس ‪ ،)١٠ :٥‬ويتح َّررون من سلطان الخطية ( ُروميَة ‪،)١٤ :٦‬‬
‫يجدون حريّة كاملة من التّرشيعات املق ّيدة (غالط ّية ‪،)٤-١ :٥‬‬
‫يجدون داف ًعا كافيًا لعمل مشيئة الله (‪٢‬كورنثوس ‪ ،)٩ :٨‬يختربون‬
‫ال ُق ّوة الّتي تُ كنهم يف الحياة املسيح ّية (‪٢‬كورنثوس ‪،)٩ :١٢‬‬
‫السقوط (العربانيني ‪ ،)١٦ :٤‬يجدون اليقني‬ ‫يختربون الشّ فاء بعد ّ‬
‫(أعمل ال ّر ُسل ‪.)٣٢ :٢٠‬‬ ‫كنتيجة نهائية للحياة املسيح ّية َ‬
‫لننتبه أن نتبع مشورة ال ّرسول بُولُس الّتي أعطاها للمؤمنني‬
‫الصاعات الشّ ديدة مع صانعي املشكالت‬ ‫الّذين كانوا يجتازون يف ّ‬
‫من التّهوديّني «كَانَا يُ َكل َِّمنِ ِه ْم َويُ ْق ِن َعانِ ِه ْم أَ ْن يَثْ ُبتُوا ِف نِ ْع َم ِة الله»‬
‫(أعمل ال ّر ُسل ‪ .)٤٣ :١٣‬لنحذر من أولئك الّذين يُق ِّدمون لنا مشورة‬ ‫َ‬
‫مخالفة لتلك الّتي أعطاها ال ّرسول‪ .‬يكتب ال ّرسول بسخط عميق‬
‫ضد أولئك امل ُعلِّمني الّذين يدفعون شعبهم بعي ًدا عن نعمة الله‪،‬‬
‫قليل ج ًدا (غالط ّية ‪.)١٢-٩ :٤‬‬ ‫حتى ولو بدا هذا االبتعاد ً‬

‫ ‬

‫)‪(95‬‬
‫الفصل العاشر‬
‫أسئلة‪ ،‬واعرتاضات‪ ،‬ومشكالت‬

‫أود يف ال ّنهاية أن أجيب عىل بعض األسئلة واالعرتاضات‬


‫واملشكالت الشّ ائعة يف هذا املوضوع‪:‬‬
‫‪ )1‬لقد ت ّم التّأكيد عىل أنه حينام يرفض املؤمن أن يخضع‬
‫للناموس فإنه بذلك املوقف يرفض ُجز ًءا من الكتاب‬
‫امل ُق ّدس‪ .‬هذا االتهام واالفرتاء قد أجبنا عليه فيام سبق‬
‫بال ّدليل الكتايب‪ ،‬لكنني هنا أرغب يف التّعامل مع هذا‬
‫السؤال بطريقة أكرث تحدي ًدا‪:‬‬‫ّ‬
‫أول‪ ،‬نحن ننكر‪ ،‬بشكل قاطع‪ ،‬رفض أي جزء من ال ّناموس‪،‬‬ ‫ً‬
‫بل عىل العكس من ذلك نُعلن قُبولنا لناموس الله يف‬
‫شامل ك ُّل العنارص األخالقية‬
‫يل‪ً ،‬‬ ‫األسفار امل ُق ّدسة بشكل ك ّ‬
‫والطّقسية واملدنية ‪-‬ال نقبل جز ًءا صغ ًريا من ال ّناموس‬
‫مقتطَ ًعا من جزاءاته و ُعقوباته كام اعتاد ُمعارضونا أن‬
‫يفعلوا‪ .‬بالحقيقة إنهم هم ‪-‬ال نحن‪ -‬من يرفضون ناموس‬
‫الله‪.‬‬
‫كامل غري منقوص‬
‫ثان ًيا‪ ،‬نحن نقبل هذا ال ّناموس اإللهي ً‬

‫)‪(97‬‬
‫باعتباره ُجز ًءا من كلمة الله املوحى بها‪ ،‬لذا فال ّناموس‬
‫«نافع» لك ُّل املؤمنني املسيحيني‪ ،‬وال ّروح القدس يستخدم‬
‫هذا ال ّناموس إلرشاد املؤمن «للتعليم والتّوبيخ للتقويم‬
‫والتّأديب» (‪٢‬تيموثاوس ‪ .)١٦ :٣‬ال يُوجد ُجزء من كلمة‬
‫الله ‪-‬مبا يف ذلك ال ّناموس الطّقيس‪-‬قابل ألن نهمله يف‬
‫تعليمنا للكتاب ويف مناداتنا باإلنجيل‪ .‬فإن فعلنا ذلك‬
‫نخرس الكثري ُروح ًيا‪.‬‬
‫ثالثًا‪ ،‬نحن نقبل رشيعة الله باعتبار أَ َّن «ال ّنا ُم َ‬
‫وس َصالِ ٌح‪،‬‬
‫وسيًّا» (‪١‬تيموثاوس ‪ .)٨ :١‬ملعرفة‬ ‫إِ ْن كَا َن أَ َح ٌد يَ ْستَ ْع ِملُ ُه نَا ُم ِ‬
‫معنى الكلمة «ناموس ًيا» (‪ )nomimos‬الحظ تيموثاوس‬
‫الثّانية ‪ ٥ :٢‬الّتي تحمل معنى واضح للفكرة «حسب‬
‫الشيعة» ال‬ ‫الشيعة «حسب ّ‬ ‫ال ّناموس»‪ .‬لذا فاستخدام ّ‬
‫الشيعة تُستخدم كرشيعة‪ ،‬بدون اجتزاء‬ ‫بُ ّد أن يعني أن ّ‬
‫ألي من عنارصها و ُعقوباتها‪.‬‬ ‫ٍّ‬
‫هذا االستخدام املالئم للناموس ُموضَّ ح يف تيموثاوس الثّانية‬
‫ص ‪١‬؛ فاالستخدام القانوين للرشيعة يعني استخدامها كرشيعة‬
‫وس لَ ْم يُوضَ ْع لِلْ َبا ِّر» (آية ‪ ،)٩‬وألن املؤمن « ُم َّربر» يف عالقته‬ ‫«ال ّنا ُم َ‬
‫بال ّناموس كناموس (ألن ال ّناموس من خالل عمل املسيح قد‬
‫صار ُمت َّم ًم للناموس بالكامل وقد أُريض بالتّامم يف ك ُّل مطاليبه‬
‫وجزاءاته منا)‪ ،‬لذا فإن وضع املسيحيني تحت طائلة ال ّناموس هو‬
‫)‪(98‬‬
‫أحد االستخدامات الخاطئة للناموس‪ .‬أن نط ّبق ال ّناموس كناموس‬
‫معناه إنكار الفعالية األبدية لعمل املسيح‪ .‬من جانب آخر يُحاج‬
‫ال ّرسول بأن ال ّناموس كناموس قد صنع «لِألَثَ َ ِة َوالْ ُمتَ َم ِّر ِدي َن‪ ،‬لِلْ ُف َّجا ِر‬
‫َوالْ ُخطَاة» (‪١‬تيموثاوس ‪ .)٩ :١‬لقد حرص ال ّرسول عىل اإلشارة إىل‬
‫الشور الّتي تجعل البرش تحت‬ ‫هذه القامئة الطّويلة من أنواع ّ‬
‫الشيعة اإللهية‪ ،‬وال ّناموس هو العامل الخارجي الّذي يكبح‬ ‫طائلة ّ‬
‫يح‪،‬‬‫الص ِح َ‬ ‫ش ٌء آ َخ ُر يُقَا ِو ُم التّ ْعلِي َم ّ‬ ‫الشور « َوإِ ْن كَا َن َ ْ‬‫ك ُّل هذه ّ‬
‫َح َس َب إِنْجِيلِ َم ْج ِد الل ِه الْ ُمبَا َرك» (‪١‬تيموثاوس ‪.)١١-٩ :١‬‬
‫يف نفس هذا الجزء‪ ،‬حرص ال ّرسول بُولُس عىل أن يضع منوذ ًجا‬
‫بسيطًا لحياة املؤمن هو‪َ « :‬وأَ َّما غَايَ ُة الْ َو ِص َّي ِة فَه َِي الْ َم َح َّبة ِم ْن قَل ٍْب‬
‫طَا ِهرٍ‪َ ،‬وضَ ِمريٍ َصالِ ٍح‪َ ،‬وإِميَانٍ ِبالَ ِريَاء» (‪١‬تيموثاوس ‪.)٥ :١‬‬
‫لكن حتى يف زمن ال ّرسول بُولُس كان هناك بعض ال ّناس ممن‬
‫مل تك ِفهم هذه القاعدة البسيطة‪ .‬لقد كانوا غري مقتنعني بـ «األُ ُمو ُر‬
‫الّتي إِ ْذ زَا َغ قَ ْو ٌم َع ْن َها‪ ،‬انْ َح َرفُوا إِ َل كَال ٍَم بَ ِاطل‪ .‬يُرِي ُدو َن أَ ْن يَكُونُوا‬
‫وس‪َ ،‬و ُه ْم الَ يَ ْف َه ُمو َن َما يَقُولُونَ‪َ ،‬والَ َما يُ َق ِّر ُرونَه»‬ ‫ُم َعلِّ ِمي ال ّنا ُم ِ‬
‫(‪١‬تيموثاوس ‪.)٧-٦‬‬
‫للتلخيص أقول‪ ،‬إن عالقة املسيحي بال ّناموس كناموس قد‬
‫أُمتمت وأُكملت يف املسيح‪« .‬قد أُكمل»‪ ،‬لكن ال ّناموس يستمر‬
‫فاعل َوح ًّيا ككابح خارجي يقف يف وجه األمثة والخطاة‪ .‬من‬
‫ً‬

‫)‪(99‬‬
‫زاوية أخرى فإن ال ّناموس باعتباره وحي الله امل ُق ّدس يتطلّب من‬
‫املؤمن االلتزام به لكونه «ناف ًعا» بك ُّل أجزائه‪ .‬فقط ال ّنفس الّتي‬
‫نالت خالصها بال ّنعمة والّتي استوعبت بوضوح ما متّمه الله فوق‬
‫الجلجثة ُيكنها أن تبتهج بناموس الله‪ ،‬فهذا الشّ خص الفريد الّذي‬
‫حتمل عنا هذا ال ّرعب األبدي‬
‫الصليب ألجلنا ُم ً‬ ‫ُعلق يو ًما عىل ّ‬
‫الشيعة اإللهية ميكنها أن تبتهج بيقني بأن‬ ‫واملوت الّذي طلبته منا ّ‬
‫الشيعة قد استوفيت حتى آخر فلس بواسطة حمل‬ ‫ك ُّل ُمتطلبات ّ‬
‫الله املذبوح ألجلنا‪.‬‬
‫‪ )2‬قلنا أيضً ا سابقًا إنه نظ ًرا ألن كثريين ممن يعرتفون‬
‫باإلميان املسيحي ال يعيشون كام يليق بهذا اإلميان‪ ،‬لذا‬
‫الشيعة تُستخدم لعالج هذا األمر‪ .‬هنا يجب علينا‬ ‫فإن ّ‬
‫االعرتاف باملشكلة حتى حينام نش ُجب هذا املوقف‪ .‬يُواجه‬
‫ك ُّل ال ّرعاة األمناء هذا املوقف إىل ال ّدرجة الّتي تكرس‬
‫قلوبهم‪ .‬لكننا أيضً ا نعلم أن عالج هذا املوقف امل ُخجل يف‬
‫«الكنيسة املعرتفة»(‪ ((2‬ال يتم بال ّنكوص عن ال ّنعمة والعودة‬
‫ُوسوية‪ .‬إن طريق ال ّناموس ت ّم استجالؤه‬ ‫الشيعة امل َ‬‫إىل ّ‬
‫تاريخ ًيا بالفعل باعتباره طريقًا عاج ًزا بالتّامم عن جعل‬
‫وس لَ ْم يُ َك ِّم ْل شَ يْئًا» (العربانيني‬
‫اإلنسان صال ًحا إذ «ال ّنا ُم ُ‬
‫لعل الكاتب يستخدم تعبري «الكنيسة املعرتفة» لإلشارة إىل جامعة املؤمنني‬
‫(‪ّ ((2‬‬
‫كامل (املرتجم)‪.‬‬
‫التي ال تعيش الحق الكتايب ً‬
‫)‪(100‬‬
‫السبب الّذي ألجله ظهرت نعمة الله‬ ‫‪ .)١٩ :٧‬هذا هو ّ‬
‫وس َعا ِج ًزا َع ْنه» ( ُروميَة ‪.)٣ :٨‬‬ ‫يف املسيح ألنه‪« :‬كَا َن ال ّنا ُم ُ‬
‫الشيعة بل مزيد من‬ ‫إن عالج الخطية ليس مزي ًدا من ّ‬
‫ال ّنعمة « َحيْثُ ك ُ ََث ِت الْ َخ ِطيَّ ُة ا ْز َدا َد ِت ال ّن ْع َم ُة ِج ًّدا» ( ُروميَة‬
‫‪.)٢٠ :٥‬‬
‫كنت تنادي بإنجيل نعمة الله للخالص‪ ،‬رمبا يتم‬ ‫‪ )3‬إذا َ‬
‫تحذيرك بأن البعض قد يستخدم تعليم ال ّنعمة كترصيح‬
‫الرتكاب الخطية‪ .‬نعرتف م ّرة ثانية أن هذا التّحذير يستند‬
‫إىل الواقع بالفعل؛ فحتى يف الكنيسة األوىل كان هناك من‬
‫تح ّول بالفعل عن «نعم ِة الله إىل ال ّدعارة» (يهوذا ‪.)٤‬‬
‫لكن يف مثل هذه الحالة فإن املشكلة األساسيّة مل تكن‬
‫كرس ال ّناموس األخالقي (ألنه من هذه ال ّزاوية فالجميع‬
‫السواء‪ -‬قد أخطأوا بكرس هذا ال ّناموس)‪ ،‬بل‬ ‫‪-‬عىل ّ‬
‫السيد الوحيد وال ّرب؛ يَ ُسوع‬
‫باألحرى ألنهم كانوا «يُنكرون ّ‬
‫املسيح» (يهوذا ‪ .)ASV ٤‬لقد كانوا «أمثة فُ ّجار» بحسب‬
‫وصف يهوذا لهم‪ .‬مل يكونوا مخلَّصني من األساس «كُ ِت ُبوا‬
‫ُم ْن ُذ الْق َِد ِيم لِ ِ‬
‫هذ ِه ال ّديْ ُنونَة»‪ .‬امل ُحزن يف هذا املوضوع أن‬
‫هذا األمر ال ُيكن أن يثنينا عن رسالتنا ولن يرجعنا من‬
‫التاجع إال يف‬ ‫الشيعة‪ .‬لن يفيد هذا ّ‬ ‫ال ّنعمة ارتدا ًدا إىل ّ‬
‫تفاقم الكارثة‪ .‬بالتّأكيد يجب علينا أن نحذر أولئك ال ُخطاة‬

‫)‪(101‬‬
‫الش من مصريهم ال ّنهايئ‪ ،‬وأن نُش ِّجعهم عىل‬ ‫امل ُوغلني يف ّ‬
‫ال ُهروب من الغضب اآليت الجئني إىل املسيح‪ ،‬لكننا كو ّعاظ‬
‫الشيعة ال ُيكنها أن تج ّدد اإلنسان‬ ‫ال يجب أن ننىس أن ّ‬
‫وال أن تجعله صال ًحا‪ .‬نعمة الله يف املسيح هي الوحيدة‬
‫الّتي ميكنها أن تتكفل بهذا األمر‪.‬‬
‫‪ )4‬األكرث من ذلك أنك إذا ناديت بإنجيل نعمة الله فلرمبا‬
‫اتُهمت بأنك تتبع «الالناموسيّة»‪ .‬لكن هذا االتهام ليس‬
‫بجديد يف تاريخ الكنيسة؛ فال ّرسول بُولُس نفسه ا ُتهم‬
‫بنفس هذا االتهام يف ُروميَة ‪ .٨ :٣‬لذا ال ينبغي علينا أن‬
‫نستغرب هذا االتهام اليوم‪ .‬والحقيقة أن عدم توجيه هذا‬
‫عاجل معناه أنك غالبًا ال تُنادي بإنجيل‬
‫آجل أم ً‬ ‫االتهام لك ً‬
‫قلت سابقًا إن العقيدة‬ ‫ال ّنعمة كام تجب املناداة‪ .‬وكام ُ‬
‫الخاصة بال ّنعمة ُيكن أن ت ُرسم ككاريكاتري يف‬ ‫ّ‬ ‫الصحيحة‬
‫ّ‬
‫صيغة ضد ال ّناموسية‪ُ .‬يكنك كواعظ أن تتيقن أن أح ًدا لن‬
‫كنت ُمستع ًدا للمساومة بشأن‬ ‫يتهمك بهذا االتهام طاملا َ‬
‫رسالة ال ّنعمة وط ّعمتها بالقليل من ال ّناموس‪ ،‬لكن االتهام‬
‫باطل حينام يها َجم الواعظ الّذي يُنادي بالخالص‬ ‫يكون ً‬
‫الصليب أرىض ربُّنا يَ ُسوع‬
‫بال ّنعمة؛ فبواسطة موته عىل ّ‬
‫املسيح‪ ،‬بالتّامم‪ ،‬ك ُّل متطلبات ال ّناموس امل ُق ّدسة والعادلة‪.‬‬
‫إن أتباع مذهب الالناموسية هم القانونيون الّذين إما يأخذون‬
‫)‪(102‬‬
‫ب ُعنرص واحد فقط من ال ّناموس أو أنهم يقتطعون ال ّناموس من‬
‫ُعقوباته‪ ،‬أو قد يُخفِّفون من مطاليبه إىل املدى الّذي يرغبون فيه‬
‫(لكونهم ضد ال ّناموس‪ ،‬الكلمة ال ُيونانية تعني ضد ‪.)Anti‬‬
‫‪ )5‬ويف رفضك لوضع املسيحي املؤمن تحت طائلة ال ّناموس‬
‫الصالحة‪ .‬يف‬ ‫قد يقولون لك أنك تتدىن مبستوى الحياة ّ‬
‫الحقيقة نحن ال ننزل مبستوى الحياة األخالقية املطلوب‬
‫من املسيحي «تحب قريبك كنفسك» بل نسمو به‪ .‬كان‬
‫مستوى ال ّناموس هو «تحب قريبك كنفسك» لكن قاعدة‬
‫ال ّنعمة الّتي وضعها ربُّنا يَ ُسوع املسيح هي‪« :‬أحبّوا بعضكم‬
‫بعضً ا كام أحببتكم أنا» (يُوح ّنا ‪ .)١٢ :١٥‬إن الفارق بني‬
‫املستويي النهايئ‪ .‬مل ميت ال ّناموس ألجلنا بل املسيح وضع‬
‫ْ‬
‫حياته تحت ال ّناموس ألجلنا وعوضً ا عنا‪ .‬واملسيح بذاته‬
‫الصالح من الحياة يف ضوء‬ ‫هو من وضع لنا هذا املستوى ّ‬
‫إنجيل ال ّنعمة‪ .‬ليت ك ُّل من لديه شُ كوك يف هذا املوضوع‬
‫يقرأ ُمج َّد ًدا ما ورد يف فيلبي ‪ ١١-٥ :٢‬قراءة متأنية جادة يف‬
‫الصالة‪ .‬هنا نلتقي مع يشء ال ميكن تخيله‪ ،‬ليس فقط‬ ‫روح ّ‬
‫الصالح‪ ،‬بل أيضً ا قُ ّوته امل ُحف ّزة‬
‫بسبب ُسم ّوه األبدي يف ّ‬
‫الالنهائية الّتي ترفع الخاطئ يف اتجاه تحقيق الكامل‪.‬‬
‫‪ )6‬وقد يقول قائل‪ :‬أال يأمرنا الكتاب امل ُق ّدس بأن نت ِّمم‬
‫«ناموس املسيح»؟ إن األساس الوحيد لهذه الفكرة موجود‬
‫)‪(103‬‬
‫يف ترجمة امللك جيمس لآلية الواردة يف غالط ّية ‪ .٢ :٦‬من‬
‫شبه املؤكد أن الفعل اليُوناين هنا يأيت يف صيغة املستقبل‬
‫ال ّداليل ‪ Future Indictive‬ال األمر ‪ .imperative‬وكل‬
‫امل ُغرمني بأمر ال ّنصوص الكتابية سوف يجدون هذه‬
‫املعلومة بالتّفصيل يف تفسري اليكوت ‪ Ellicott‬لهذه اآلية‪.‬‬
‫يقبل ماير ‪ Meyer‬قراءة املستقبل بك ُّل قُ ّوة‪ .‬تحت تأثري‬
‫االتجاهات القانونية املبكرة ُيكننا أن نأخذ يف الحسبان‬
‫التّغيري من املستقبل إىل األمر‪ .‬لذا ففي غالطيّة ‪ ٢ :٦‬هناك‬
‫حقيقة واضحة وبسيطة؛ يف حمل أحدنا أعباء اآلخر ُيكننا‬
‫بهذا أن نت ِّمم ناموس املسيح‪.‬‬
‫ومن املهم أن نسأل‪ :‬ما هو «ناموس املسيح»؟ يجب أن نالحظ‬
‫السؤال عادت إىل‬ ‫الشوحات تقري ًبا الّتي تعاملت مع هذا ّ‬ ‫أن ك ُّل ّ‬
‫كلامت ربُّنا « َو ِصيَّ ًة َج ِدي َد ًة أَنَا أُ ْع ِطي ُك ْم‪ :‬أَ ْن ت ُِحبُّوا بَ ْعضُ ُك ْم بَ ْعضً ا‪.‬‬
‫ك ََم أَ ْح َب ْبتُ ُك ْم أَنَا ت ُِح ُّبو َن أَنْتُ ْم أَيْضً ا بَ ْعضُ ُك ْم بَ ْعضً ا» (يُوح ّنا ‪،)٣٤ :١٣‬‬
‫«هذ ِه ِه َي َو ِصيَّ ِتي أَ ْن ت ُِحبُّوا بَ ْعضُ ُك ْم بَ ْعضً ا ك ََم أَ ْحبَبْتُكُم»‬ ‫كذلك ِ‬
‫الشء أيضً ا‬ ‫(يُوح ّنا ‪ .)١٢ :١٥‬وال شك أن يُوح ّنا يُشري إىل نفس ّ‬
‫هذ ِه ِه َي َو ِصيَّتُ ُه‪ :‬أَ ْن نُ ْؤ ِم َن ب ِْاس ِم ابْ ِن ِه يَ ُسوع‬ ‫حينام يكتب‪َ « :‬و ِ‬
‫الْ َم ِسي ِح‪َ ،‬ون ُِح َّب بَ ْعضُ َنا بَ ْعضً ا ك ََم أَ ْعطَانَا َو ِص َّية» (‪١‬يُوح ّنا ‪.)٢٣ :٣‬‬
‫مل تكن امل َ َح َّبة املتبادلة أم ًرا جدي ًدا إذ أن هذه الوصية هي‬
‫ُوسوية‪ ،‬لكن ما كان جدي ًدا‬ ‫الوصية العظمى الثّانية للرشيعة امل َ‬
‫)‪(104‬‬
‫بالفعل هو ذلك االلتزام بأن تكون امل َ َح َّبة املتبادلة عىل غرار َم َح َّبة‬
‫املسيح لنا‪ .‬هذا هو إذًا «ناموس املسيح»‪ .‬إنها ليست الوصايا‬
‫العرش‪ ،‬وال حتى العظة عىل الجبل لكنه قانون امل َ َح َّبة طبقًا‬
‫يتعي علينا أن نُحب أحدنا اآلخر‬ ‫للمقياس اإللهي الجديد‪ .‬حرفيًا ّ‬
‫كام أح ّبنا املسيح‪.‬‬
‫ينبغي أن نالحظ أيضً ا أن العهد الجديد يعترب قانون امل َ َح َّبة‬
‫تتميم لك ُّل الوصايا اإللهية األخرى الّتي تتط ّرق إىل العالقات‬ ‫ً‬ ‫هذا‬
‫بني البرش‪ .‬يُش ِّجعنا الكتاب امل ُق ّدس أن‪« :‬الَ تَكُونُوا َم ْديُونِ َني ألَ َح ٍد‬
‫ِش ٍء إِ َّال ِبأَ ْن يُ ِح َّب بَ ْعضُ ُك ْم بَ ْعضً ا‪ ،‬ألَ َّن َم ْن أَ َح َّب غ ْ ََي ُه فَ َق ْد أَكْ َم َل‬ ‫بَْ‬
‫ِيب‪ ،‬فَالْ َم َح َّبة ِه َي تَ ْك ِم ُيل‬ ‫شا لِلْ َقر ِ‬ ‫وس‪ .‬اَلْ َم َح َّبة الَ ت َْص َن ُع َ ًّ‬ ‫ال ّنا ُم َ‬
‫قائل‪:‬‬‫ال ّنا ُموس» ( ُروميَة ‪ .)١٠ ،٨ :١٣‬وم ّرة ثانية يُح ّرضنا ال ّرسول ً‬
‫«فَ ِإنَّ ُك ْم إِنَّ َا ُد ِعيتُ ْم لِلْ ُح ِّريَّ ِة أَيُّ َها ا ِإل ْخ َوةُ‪ .‬غ ْ ََي أَنَّ ُه َال ت َُص ِّ ُيوا الْ ُح ِّريَّ َة‬
‫وس‬ ‫فُ ْر َص ًة لِلْ َج َس ِد‪ ،‬بَ ْل بِالْ َم َحبَّة ا ْخ ِد ُموا بَ ْعضُ ُك ْم بَ ْعضً ا‪ .‬ألَ َّن ك ُّل ال ّنا ُم ِ‬
‫اح َد ٍة يُ ْك َم ُل‪« :‬ت ُِح ُّب قَرِي َب َك كَ َنف ِْس َك» (غالط ّية ‪-١٣ :٥‬‬ ‫ِف كَلِ َم ٍة َو ِ‬
‫السابق‪ ،‬ألن هذا‬ ‫‪ .)١٤‬من القرينة يبدو جليًا أنه ال ُرجوع للترشيع ّ‬
‫«سلوك بِال ّروح» (غالط ّية ‪ ،)١٦ :٥‬فإذا‬ ‫ال ّنوع من الحياة هو مبثابة ُ‬
‫«انْ َق ْدتُ ْم بِال ّرو ِح فَل َْستُ ْم ت َ ْح َت ال ّنا ُموس» (غالطيّة ‪.)١٨ :٥‬‬
‫الصالحة ما هو أكرث وضو ًحا من كلامت‬ ‫ال يُوجد عن الحياة ّ‬
‫ال ّرسول بُولُس الواردة يف رسالته األوىل إىل تيموثاوس‪ .‬إن الحياة‬
‫املسيحيّة يجب أن تكون «حياة امل َ َحبَّة»‪ ،‬وهذه امل َ َحبَّة تنمو من‬
‫)‪(105‬‬
‫الصادق»‪ .‬إنها ليست شيئًا يأيت تلقائ ًيا‪.‬‬ ‫مصدر ال نهايئ هو «اإلميان ّ‬
‫قائل إن هذه امل َ َحبَّة هي‬
‫واألكرث من ذلك‪ ،‬فال ّرسول بُولُس يكتب ً‬
‫«غاية الوصية» ومنتهاها‪ .‬إنه يق ّيم ك ُّل يشء يف ضوء ال ّناموس‬
‫األخالقي للمسيح‪ ،‬وأبعد من امل َ َحبَّة ال يُوجد يشء آخر‪.‬‬
‫وأختم ال ّنقاش حول هذه ال ّنقطة بإثارة االنتباه إىل يشء مهم‬
‫ج ًدا وصادم‪ :‬بينام جاءت الوصية إلينا َمب َح َّبة أحدنا اآلخر ألن‬
‫هذه امل َ َحبَّة هي تتميم ال ّناموس‪ ،‬فال مكان هنا لتكميل ال ّناموس!‬
‫الصيغة املسيح ّية امل ُناسبة املوجودة يف ُروم َية ‪ ١٤ :٨‬بحسب‬ ‫إن ّ‬
‫ترجمة الـ ‪ ASV‬هي‪:‬‬
‫ش َء ِم َن ال ّديْ ُنونَ ِة اآل َن َع َل الّذي َن ُه ْم‬
‫أ‌‪ .‬لقد تأكد لنا أنه «الَ َ ْ‬
‫ِف الْ َم ِسي ِح يَ ُسوع»‪.‬‬
‫ب‌‪ .‬إن سبب هذا اإلعفاء من ال ّدينونة أننا قد تح ّررنا من‬
‫ال ّناموس الّذي يظهر بش ّدة يف خطية اإلنسان ويجلب له‬
‫املوت األبدي‪.‬‬
‫ت‌‪ .‬إن ما مل يستطع ال ّناموس فعله أنجزه الله يف املسيح ألجلنا‬
‫يف الجلجثة‪ ،‬عندما صار املسيح ذبيحة خطية ألجلنا‪.‬‬
‫ث‌‪ .‬ال ّنتيجة األخالقية للطريقة اإللهية املخلِّصة لإلنسان هي‬
‫أن بر ال ّناموس قد «أُكمل فينا»‪ .‬إن الفعل املبني للمجهول‬
‫هنا «أُكمل» مقصود؛ فام ت َّم ليس إنجازنا نحن بل ت َّم‬
‫)‪(106‬‬
‫(‪((2‬‬
‫ألجلنا وفينا‪.‬‬
‫‪ )7‬لعل أكرث االعرتاضات شيو ًعا عىل عقيدة الخالص بال ّنعمة‬
‫‪-‬ال ال ّناموس‪ -‬أن مثل هذا ال ّنوع من الوعظ قد يتح ّول‬
‫إىل خطر أخالقي‪ .‬رمبا يُجادل البعض‪ ،‬وقد حدث يف زمن‬
‫ال ّرسول بُولُس‪ ،‬أنه ألن نعمة الله أعظم من ك ُّل خطايانا‬
‫فلامذا ال نستمر يف الخطية حتى تتعاظم ال ّنعمة؟ أال يوجد‬
‫ك تَأْ ِ َت‬
‫آت لِ َ ْ‬ ‫خطر أن يقول اإلنسان يف نفسه‪« :‬لِ َن ْف َعلِ ّ‬
‫السيِّ ِ‬
‫الْ َخ ْ َياتُ »؟‬
‫وللرد عىل هذا االعرتاض نقول‪ :‬أولً ‪ ،‬إن عقيدة الخالص‬
‫بال ّنعمة بدون ال ّناموس من املمكن أن تكون عقيدة خطرية‬
‫بال ّنسبة لبعض ال ّناس‪ .‬ألجل هذا فالحق الكتايب كله خطري‬
‫ألولئك الّذين يُقاومون الحق أو يرفضونه أو يُسيئون‬
‫استخدامه‪ .‬إن نفس هذا اإلنجيل يتض ّمن الخالص للحياة‬
‫ملن يؤمن وكذلك املوت ملن يرفض (‪٢‬كورنثوس ‪-١٥ :٣‬‬
‫‪ .)١٦‬من الحامقة األكيدة أن يقرتح أحدهم أن نتوقّف‬
‫يتعي‬‫عن تعليم الحق اإللهي ألن بعضهم قد انحرف‪ .‬كان ّ‬
‫عىل ال ّرسول بُولُس أن يتعامل مع أمثال أولئك ال ّناس يف‬
‫رشا « َديْ ُنونَتُ ُه ْم َعا ِدلَةٌ»‬
‫رصا و ُمبا ً‬
‫أيامه‪ ،‬وكان إنذاره لهم ُمخت ً‬
‫( ُروم َية ‪ .)٨ :٣‬إنه تضييع للوقت والجهد أن تجادل مع‬
‫‪(24) Denny, “Romans,” The Expositor’s Greek Testament, II, 646, V. 4.‬‬

‫)‪(107‬‬
‫ال ّناس الّذين وقعوا أرسى للضالل بسبب ولعهم بالفجور‪.‬‬
‫لكن من ناحية أخرى‪ ،‬بال ّنسبة للمسيحي الحقيقي فمبدأ‬
‫الخالص بال ّنعمة ‪-‬ال ال ّناموس‪ -‬ليس أم ًرا خط ًرا بامل ّرة‪ ،‬بل بالعكس‪:‬‬
‫ك ُّل ما عدا ذلك هو الخطر‪ ،‬لسبب بسيط هو أن نعمة الله يف املسيح‬
‫هي وحدها الّتي ُيكنها أن تكرس قُ ّوة الخطية وهي القادرة عىل‬
‫تغيري حياتنا لتكون عىل صورة االبن‪ .‬إن العودة إىل طُرق ال ّناموس‬
‫ميكنها فقط أن تقرتن بالكارثة األخالقية‪ ،‬إذ أن «قُ َّو ُة الْ َخ ِطيَّ ِة ِه َي‬
‫وس» (‪١‬كورنثوس ‪ .)٥٦ :١٥‬ليس معنى هذا أن ناموس الله‬ ‫ال ّنا ُم ُ‬
‫رشير ألن ال ّناموس ُمق ّدس وصالح‪ ،‬بل معناه أننا نحن البرش ُخطاة‬
‫بشكل بشع حتى إن املح َّرمات امل ُق ّدسة للناموس اإللهي ميكن‬
‫وس َعائِشً ا‬ ‫فقط أن تستثري أسوأ ما فينا‪« :‬أَ َّما أَنَا فَ ُك ْن ُت ِب ُدونِ ال ّنا ُم ِ‬
‫قَ ْبالً‪َ .‬ول ِك ْن ل ََّم َجا َء ِت الْ َو ِص َّي ُة َعاشَ ِت الْ َخ ِط َّيةُ‪ ،‬فَ ُم ُّت أَنَا‪ ،‬فَ ُو ِج َد ِت‬
‫الْ َو ِصيَّ ُة الّتي لِلْ َحيَا ِة ِه َي نَف ُْس َها ِل لِلْ َم ْوت» ( ُروميَة ‪ .)١٠-٩ :٧‬ليس‬
‫ال ّناموس‪ ،‬بل ال ّنعمة وحدها هي ما تستطيع أن متنحنا ال ّنرصة‬
‫وس‬ ‫األخالقية «فَ ِإ َّن الْ َخ ِطيَّ َة لَ ْن ت َُسو َدكُ ْم‪ ،‬ألَنَّ ُك ْم ل َْستُ ْم ت َ ْح َت ال ّنا ُم ِ‬
‫بَ ْل تَ ْح َت ال ّن ْع َمة» ( ُروم َية ‪.)١٤ :٦‬‬
‫من الخطأ متا ًما أن نجادل ‪-‬كام يفعل البعض‪ -‬أن عقيدة‬
‫«الخالص بال ّنعمة وحدها» ميكن أن تقود املسيحيني إىل االستمرار‬
‫يف الخطية‪ .‬إن ال ّنعمة ال تُعلِّم شعب الله الخطية بل باألحرى‬
‫تُعلِّمهم االمتناع عن الخطية «ألَنَّ ُه قَ ْد ظَ َه َرتْ نِ ْع َم ُة الل ِه الْ ُم َخل َِّصةُ‪،‬‬
‫)‪(108‬‬
‫اس‪ُ ،‬م َعلِّ َم ًة إِيَّانَا أَ ْن نُ ْن ِك َر الْ ُف ُجو َر َوالشّ َه َو ِ‬
‫ات الْ َعالَ ِم َّيةَ‪،‬‬ ‫لِ َج ِميعِ ال ّن ِ‬
‫يش بِالتّ َعقُّلِ َوال ِ ِّْب َوالتّ ْق َوى ِف الْ َعال َِم الْ َح ِ ِ‬
‫اض‪ُ ،‬م ْنتَ ِظرِي َن ال ّر َجا َء‬ ‫َونَ ِع َ‬
‫الْ ُم َبا َر َك َوظُ ُهو َر َم ْج ِد الل ِه الْ َع ِظ ِيم َو ُم َخل ِِّص َنا يَ ُسوع الْ َم ِسيح»‬
‫(تيطس ‪.)١٣-١١ :٢‬‬
‫‪ )8‬أال تقول اآليات الواردة يف كورنثوس األوىل ‪ ٢١-٢٠ :٩‬إن‬
‫املسيحيني يعيشون تحت طائلة ال ّناموس؟ إن أولئك امل ّيالني‬
‫للترشيعات والقوانني يستندون ب ُق ّوة عىل هذه الفقرة‬
‫لدعم وجهة نظرهم‪ .‬تُقرأ هذه اآليات يف ترجمة امللك‬
‫ودي ألَ ْربَ َح الْيَ ُهود‪.‬‬‫َصتُ لِلْيَ ُهود كَيَ ُه ٍّ‬ ‫جيمس كالتّايل‪« :‬ف ِ ْ‬
‫وس ليك أَ ْربَ َح الّذي َن‬ ‫وس كَأَ ِّن تَ ْح َت ال ّنا ُم ِ‬‫َولِل َِّذي َن تَ ْح َت ال ّنا ُم ِ‬
‫وس (م َع‬ ‫وس كَأَ ِّن ِبالَ نَا ُم ٍ‬ ‫وس‪َ .‬ولِل َِّذي َن ِبالَ نَا ُم ٍ‬‫تَ ْح َت ال ّنا ُم ِ‬
‫وس لِلْ َم ِسي ِح) ألَ ْربَ َح‬‫وس ِلل ِه‪ ،‬بَ ْل ت َ ْح َت نَا ُم ٍ‬‫أَ ِّن ل َْس ُت ِبالَ نَا ُم ٍ‬
‫أولئك الّذي َن ِبالَ نَا ُموس»‪.‬‬
‫هذا ال ّنص هو الوحيد يف ترجمة امللك جيمس الّذي يبدو فيه‬
‫‪-‬ظاهريًا‪ -‬أن املسيحي «تحت ال ّناموس»‪ .‬ومع أنني أعرتف أن هذه‬
‫اآليات صعبة يف اللُغة اليُونانية فإنني أشعر أن املرتجمني استطاعوا‬
‫الصورة للقارئ اإلنجليزي وإيضاح أن املسيحي خاضع‬ ‫توصيل ّ‬
‫«لناموس املسيح»‪ .‬إن «تحت ال ّناموس» الواردة يف آية ‪ ٢١‬هي‬
‫الصياغة العادية‬
‫كلمة يُونانية «ناموس ‪ »ennomos‬مختلفة ألن ّ‬
‫هي «تحت ال ّناموس ‪ .»upo nomos‬الحظ آية ‪ ٢٠‬حيث ترد‬
‫)‪(109‬‬
‫هذه الكلمة ثالث م ّرات وتق ّدم ك ُّل م ّرة بصورة صحيحة «تحت‬
‫وس‬ ‫ال ّناموس»‪ .‬ما الّذي قصده ال ّرسول حينام كتب «ل َْس ُت ِبالَ نَا ُم ٍ‬
‫وس لِلْ َم ِسيح» (آية ‪)٢١‬؟ من امل ُهم أن نُالحظ‬ ‫ِلل ِه‪ ،‬بَ ْل تَ ْح َت نَا ُم ٍ‬
‫وس» مق ِّد ًما‬ ‫هنا ليس فقط «تَ ْح َت ال ّنا ُموس» بل أيضً ا « ِبالَ نَا ُم ٍ‬
‫كلمة يُونانية واحدة فقط «تَ ْح َت ال ّنا ُموس ‪ »ennomos‬بينام « ِبالَ‬
‫نَا ُموس ‪.»anomos‬‬
‫لقد اتفق ُمح ِّررو ال ّنص اليُوناين عىل أن كلمتّي «الله»‪،‬‬
‫«واملسيح» تأتيان يف صيغة الجر ‪ genitive‬ال صيغة ال ّنصب‬
‫‪ .dative case‬لذا فمن املمكن ترجمة هذا ال ّنص حرفيًا «ليس‬
‫كأين خارج ناموس الله بل يف ناموس املسيح»‪ .‬إن األمر ليس «أين‬
‫نحن؟» بل األمر هو ما نحن فيه من عالقة مع املسيح‪.‬‬
‫ومهام كان معنى هذه الفقرة فال ُيكن بحال أن تعني أن‬
‫ال ّرسول بُولُس كان يُؤكِّد أنه «تحت ال ّناموس ‪ .»upo nomos‬لذا‪،‬‬
‫فكام أرشنا سابقًا‪ ،‬فالرسول يُوضِّ ح يف آية ‪ ٢٠‬أنه «ليس تحت‬
‫التجمة األمريكية القياس ّية ‪ .ASV‬فمع أن‬‫ال ّناموس»‪ .‬اقرأ ذلك يف ّ‬
‫الجملة ال تظهر جي ًدا يف ترجمة امللك جيمس إال أن جميع ُمح ِّرري‬
‫ال ّنص ال ُيوناين يتفقون عىل أن ال ّدليل الكتايب ساحق يف دعمه‪ ،‬لذا‬
‫التجامت اإلنجليزية الالحقة) قد ض ّمنوا هذه‬‫فإن املراجعني (يف ّ‬
‫اآلية بدون هامش إيضاحي وبال أدىن تردد ‪.‬‬
‫(‪((2‬‬

‫(‪ ((2‬هذه املشكلة ليست موجودة يف نص ترجمة فاندايك (املرتجم)‪.‬‬


‫)‪(110‬‬
‫من إصدارات‬
‫دار َكالم احلَياة األبديّة‬
‫الك َرازة يف ال َْع ْهد ا ْلَ ِديد‬
‫ِ‬
‫يُركِّز هذا الكتاب عىل رشح الفكر‬
‫الالهويت الخاص مبضمون أو مبادة‬
‫«الوعظ» أو «املناداة باملسيح» يف العهد‬
‫الجديد‪ ،‬كام يُق ِّدم رش ًحا لبعض املقاطع‬
‫الخاصة بهذا املوضوع والواردة‬ ‫ّ‬ ‫الكتاب ّية‬
‫يف ال ّرسائل البولس ّية ورسالة العربان ّيني‪.‬‬

‫عصومة‬ ‫ِ‬
‫ال َكلمة املَ ُ‬
‫كُتب هذا الكتاب بواسطة ‪ ٢٤‬عامل‬
‫من علامء الالهوت املعارص الذين يؤمنون‬
‫بص ّحة الكتاب املق َّدس وسداده وتنزيهه‬
‫وعصمته‪ .‬كتب ك ُّل من هؤالء العلامء‬
‫خاصة به‪ .‬يُجيب‬
‫فصل واح ًدا من زاوية ّ‬‫ً‬
‫هؤالء الكُتاب عىل مئات األسئلة التي‬
‫تتعلق مبوضوع الوحي املسيحي واملوضوعات األخرى املرتبطة به‪.‬‬
‫)‪(111‬‬
‫وسى وإ ِجنيل املَ ِسيح‬
‫بَني َشريعة ُم َ‬
‫ُي ِّيز كاتب هذا الكتاب بني أجزاء‬
‫الرشيعة املوسويّة‪ :‬الناموس الطقيس‪،‬‬
‫والناموس األديب‪ ،‬والناموس املدين‪ .‬كام‬
‫يتناول رشح موقف اإلميان املسيحي‬
‫من رشيعة موىس مبفرداتها املختلفة‬
‫طبقًا ملا ذُكر عن هذه الرشيعة يف‬
‫تعاليم املسيح و ُرسله يف العهد الجديد‪.‬‬

‫كتب حتت الطبع‬

‫ِ‬
‫ال َْع ْهد ا ْلَديد يَتكلَّم ‪ -‬البشائر األربع وسفر أعمال ّ‬
‫الر ُسل‬
‫ِ‬
‫ال َْع ْهد ا ْلَديد يَتكلَّم ‪ّ -‬‬
‫الر َسائل البُولُسيّة‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرؤاي‬ ‫ال َْع ْهد ا ْلَديد يَتكلَّم ‪ّ -‬‬
‫الر َسائل اجلَامعة وسفر ُ‬

You might also like