You are on page 1of 41

‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬

‫أبستمولوجيا مناهج ما بعد الحداثة يف سياقاتها العربية‪،‬‬


‫إشكالية املنهج أم إشكالية السلطوية؟‬
‫‪1‬‬
‫بوزيان بغلول‬
‫امللخص‪ :‬إن منهج النقد األديب املعارص أو حتى منهج العلوم االجتامعية‬
‫وعلوم املادة أضحى يف سياقاته العربية واقعا بني املطرقة والسندان‪ ،‬إما‬
‫كمحاولة للبحث املزمن عنه (فجاء مشوها باإلكراه من زيجات عدة عىل‬
‫أساس غري متوقع وهو تعدد الصفات واملواهب) وإما محاولة للبحث املزمن‬
‫فيه (باختزاله ليأيت والبد عىل املقاس) وهو ما يوحي إليه التضاد الجديل‬
‫املنظومايت يف طريف معادلة العنوان الفرعي‪" :‬إشكالية املنهج أم إشكالية‬
‫السلطوية؟"‪ ،‬إذ وال بد من أن يستوي الطرفان معا أو ينتفيان معا‪ ،‬بل أن‬
‫حضور أحدهام وغياب اآلخر هو مبثابة مؤرش عىل وجود خلل ما عىل‬
‫مستوى تلك املنظومة‪ ،‬ويعني ذلك أن ضمور الطرف األول يف مقابل انتعاش‬
‫الطرف الثاين والعكس بالعكس هو أمر مستحيل عمليا‪ ،‬وهو ما ييش بكل‬
‫اعتباطية عن رسيرة هذا البحث‪ ،‬الذي يجمع بني البحث يف نظرية النقد يف‬
‫النقد األديب املعارص والبحث يف نظرية األدب أي "أبستمولوجيا العلم"‬
‫باملفهوم الفلسفي‪ ،‬فكيف مل تطرح إشكالية املنهج إذن يف سياقه الغريب الذي‬
‫أنتجه بالحدة التي تطرح يف السياق العريب لوال مدنيته وإنسانيته؟ فاألمر يف‬
‫حقيقته يطرح ارتباط إشكالية املنهج بإشكالية القيم املدنية واإلنسانية يف‬
‫املجتمعات املتخلفة؛ املجتمعات التي يعرتض سبيل تطبيق املنهج بحلته‬
‫الغربية لديها قيم املجتمع الديني‪ ،‬كام يف سياقات العامل الثالث األخرى‪ ،‬لكن‬
‫تبني السلطوية يف السياق العريب الدفاع عن قيم املطلب الديني سياسيا‪ ،‬هو‬
‫الذي جعلنا نستبدلها بإشكالية السلطوية‪.‬‬
‫فلقد تحول منهج ما بعد الحداثة يف جامعات املجتمعات السلطوية‬
‫ومراكزه البحثية إىل بحث مزمن يف املنهج تغميطا للعقول وتصبريا لها يف‬

‫‪ .1‬المؤلف المرسل‬

‫‪1‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫الوقت ذاته (إىل خضوعه لعملية تبييء كام يقول محمد أركون‪ ،‬وقد اخرتنا‬
‫عبارة " البحث املزمن يف املنهج " تقليال من اجرتار مصطلحات بعينها يكون‬
‫قد ملها القارئ العريب كالتنظري‪ ،‬والتوصيف‪ ،‬واالسرتاتيجية‪ ،‬واالنزياح‪،‬‬
‫والتداول‪ ،‬والتناص‪ ،‬والتأصيل‪ ..‬مبحاولتنا انتهاج أسلوب مختلف بقدر اإلمكان‬
‫عن أسلوب املغاربة يف هذا الشأن حيث‪ :‬االنحياز‪ ،‬الحياد‪ ،‬الترشيح‪،‬‬
‫االنحراف‪ ،‬التوازي‪ ،‬التطفل‪ ،‬التوليف‪ ،‬التصنيف‪ ..‬مفردات قد تحمل دالالت‬
‫شعبية لكن علميتها يف منطق تعاملها مع ما تطرحه النظرية العلمية من‬
‫تجدد‪ ،‬وطرح لخطاب دمياغوجية الواقع) ونود أن نكشف عن ذلك بقراءة‬
‫وصفية تاريخية ألهم محطات استقبال تلكم املناهج عىل مستوى النشاط‬
‫البحثي العريب‪.‬‬
‫الكلامت املفتاحية‪ :‬نقد ما بعد االستعامر‪ ،‬الهرمنيوطيقا‪ ،‬مناهج ما بعد‬
‫الحداثة‪ ،‬األبستمولوجيا‪ ،‬الحداثة ـ تقليد‪.‬‬
‫املقدمة‪ :‬نعتقد أنه إذا كان املعنى املستشف من ظاهرة "البحث يف‬
‫املنهج" املا بعد حدايث بالخصوص هو عدم تقدير وإهانة للعقل العريب‬
‫واألمازيغي والكردي وغريها‪ ،‬برهن اإلرادة الحرة يف البحث العلمي‬
‫ومساومتها‪ ،‬فإن املعنى املستشف من ظاهرة "البحث عن املنهج" الجامع أو‬
‫الشامل أو التكاميل يف القرن الواحد والعرشين يؤكد أن فعال من يحتل مكانة‬
‫الباحثني األحرار اإلرادة هم أنصاف الباحثني غري األكفاء‪ ،‬ألنهم رهنوا أنفسهم‬
‫لخدمة قيم األيديولوجيا وليس قيم البحث العلمي‪ ،‬يف عرص هو عرص املنهج‬
‫املتحرر من السياقات امللوية لذراعه‪ ،‬وهي السياقات التي ال تنعم بقيم‬
‫الدميقراطية لكن تأتيه مناهجه النسقية من الفضاءات الدميقراطية‪.‬‬
‫ونود يف هذا البحث تناول موضوع أصبح يطرح كثريا يف امللتقيات‬
‫والندوات الفكرية والدراسات األكادميية‪ ،‬بخاصة تلكم التي تعنى بدراسات‬
‫الرتاث‪ ،‬وامليثولوجيا‪ ،‬وعلم األديان واألساطري‪ ،‬واألنرثوبولوجيا‪ ،‬بحيث تكون‬
‫موضوعات بعينها‪ ،‬سواء كانت أنطولوجية أو أبستمولوجية‪ ،‬أحوج ما تكون‬
‫إىل املناهج الغربية يف تقيص حقيقتها الكامنة‪ ،‬لكن يعزى إىل تلك املناهج‬
‫قصور بشكل أو آخر يف االنسجام مع تطرحه الديانات التوحيدية بخاصة‬

‫‪2‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫اإلسالم والديانة اليهودية والزرادشتية واألرثوذوكسية‪ ،‬وما اتفق الباحثون عىل‬
‫إثارته يف كل مرة فرضا هو إمنا تلكم املناهج ابتكرت يك تطبق ضمن سياقات‬
‫علامنية إلحادية ال غري‪ ،‬إذن سيكون فكر وعلوم املسلمني براء منها براء‬
‫الذئب من دم يوسف‪ ،‬وهي املناهج التي تنمذجها مناهج ما بعد الحداثة‬
‫بخاصة‪ ،‬تكمن اإلشكالية يف التمركز السلطوي يف امليدان العلمي واألكادميي‬
‫بالخصوص‪ ،‬أي أن طبيعة خطاب مناهج ما بعد الحداثة التي جاءت عىل‬
‫أسس حداثية ال تكمن يف مدى علميتها‪ ،‬بل يف مدى عمليتها‪ ،‬وعرب مدخالن‬
‫هام يف مثل حالة املغرب العريب متحالفان‪ :‬ديني وسيايس‪ .‬أوال‪ :‬يف مدى‬
‫انسجام طبيعتها مع السياق الذي يحتويها‪ ،‬وال ميكن ذلك إال من زاوية النظر‬
‫إىل طبيعة نظرية األدب‪ /‬نظرية النقد‪ ،‬التي هي طبيعة تنأى وإال تعدل عن‬
‫التقليد الذي يبصمها ببصمته من السياق السوسيو ـ ثقايف (الديني األخالقي‬
‫بالتحديد) وبدون هذه املرحلة ال ميكن مناقشة طبيعة األدب البالغية‬
‫والتأويلية‪ ،‬إذن الفنية التذوقية يف األصل‪ ،‬للخلوص إىل نظرية يف النقد تضع‬
‫يف االعتبار هذه الطبيعة‪ ،‬وثانيا‪ :‬من يرعى هذه اإلشكالية هو مشكلة‬
‫الخطاب الدمياغوجي السيايس السلطوي‪ .‬فكيف يعدل عن اضطهاده‬
‫للحداثة تجزيئا وشدا عىل القياس‪ ،‬أي ليا لذراعها‪ ،‬مشوها بذلك حقيقة‬
‫مستوى األدب والنقد يف دياره؟ والذي أكرثيته أضحى مغاربيا ملونا بهذين‬
‫الخطابني‪ ،‬محتال زيفا موقع اغتصبه لنقيضه (الذوقي والتأوييل) متركزا (أي‬
‫باالقصاء والتهميش السلطويني)‪ ،‬وهذه اإلشكالية افرتضت منهجا وصفيا‬
‫تحليليا نجمع فيه البيانات واملعلومات ثم نقوم بتحليلها وتفسريها‪،‬‬
‫مدعمينه باملنهج التاريخي قصد الوصول إىل نتائج وتوصيات ما‪.‬‬
‫يهدف البحث إذن إىل التامس أدلة تاريخية وعقلية تثبت إشكالية‬
‫السياق الغري مستقل عن التبعات السياسية والسلطوية بخصوص مناهج ما‬
‫بعد الحداثة التي طرحت خصيصا لدراسة الظواهر اإلنسانية واالجتامعية‪،‬‬
‫لكن وجدت إشكالية تطبيقها ضمن السياقات غري العلامنية‪ ،‬وهي التي‬
‫تقارب الخمس مناهج‪ :‬نظرية التلقي‪ ،‬الهرمنيوطيقا‪ ،‬نقد خطاب ما بعد‬
‫االستعامر‪ ،‬املنهج األسطوري أو األنرثوبولوجي‪ ،‬املنهج التفكييك‪ ،‬والنقد‬
‫الثقايف قد يجمع هذه املناهج يف تآلف مع املناهج الحداثية كالسيميائية‬
‫‪3‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫واألسلوبية وغريها أو يكتفي بواحد منها (مع اإلشارة أن النقد الثقايف يوظف‬
‫شقه الخاص بكشف املضمرات املسكوت عنها‪/‬الال أخالقية‪ ،‬الباحثون ذوي‬
‫امليوالت الرتاثية‪ 2‬ويوظف شقه الخاص بالنقد النسوي‪ ،‬وتحليل الخطاب يف‬
‫نقد ميشيل فوكو لسلطة املعرفة العلامنيون)‪ .‬وسنتناول بالتحليل املستفيض‬
‫الثنني منها وهي‪ :‬علم التأويل ‪ Hermeneutics‬ودراسات ما بعد االستعامر‬
‫أو نقد ما بعد االستعامر ‪ ،post-colonial criticism.‬بتعبري آخر إشكالية‬
‫تطبيق املنهج ال تطرح إشكالية عدم العلمية وحدها مع الرتاثيني‪ ،‬وال‬
‫اإلشكالية األخالقية مبفردها مع العلامنيني‪ ،‬كون أن أي سعي ألهداف نابعة‬
‫من حسن نية تعد بحد ذاتها رمزا للتقوى والورع‪ ،‬لكن تطرح إشكالية خضوع‬
‫الباحثني مهام كانت اتجاهاتهم إىل اإلخضاع واملامرسات الجربية للسلطوية‪،‬‬
‫تجعلهم يحيدون عن األهداف العلمية التي جاءت من أجلها تلك املناهج‪.‬‬
‫والسياق هنا سيحمل دالالت أخرى إضافية غري الزمان واملكان‪ ،‬وهي توظيف‬
‫املصالح بني الحاكم والتيارات واملذاهب التي ينتمي إليها الباحثون وبالتقادم‬
‫أصبحت مميزة للبيئة العربية‪.‬‬
‫‪ .1‬مناهج ما بعد الحداثة وإشكالية السياق‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ .‬نقصد بالباحث ذو الميول التراثي‪ ،‬الباحث المحافظ على الهوية الثقافية غير الموتورة‪ ،‬وهذا‬
‫الصنف يدرك قيمة االختالف الفكري والثقافي من حيث هو يدفع إلى التقدم بخلق مناخ المنافسة‪،‬‬
‫وهو غير الباحث المتزمت ‪/‬األصولي الذي يسعى إلى الهوية الموتورة‪ ،‬ولو بمماألة السلطة‪ ،‬أي‬
‫التحالف معها مهما كان وضعها السياسي ألجل تكريس العصبية كما يقول علي حرب‪ ":‬بقدر ما‬
‫حولوا القضايا إلى أفكار ميتة أو إلى برامج فاشلة أو إلى مناهج قاصرة أو عقيمة‪ ،‬بقدر ما وقعوا‬
‫أسرى لفخاخ الهوية الموتورة أو ألقانيم العقيدة المقدسة أو ألساطير الحقيقة المطلقة وأجوبتها‬
‫النهائية‪ ،‬والنتيجة هي الحجب والتمويه أو الشعوذة والمصادرة وكل ما أدى إلى نفي الواقع المعاش‬
‫وإلى تفويض كل ما ادعوا الدفاع عنه‪ ،‬أي إلى حيث ترتد عليهم أعمالهم‪ ،‬وتنتقم الوقائع من أفكارهم‪.‬‬
‫ينظر علي حرب‪ :‬تواطؤ األضداد اآللهة الجديدة وخراب العالم‪ ،‬ص‪.13‬‬

‫‪4‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫تتفاوت نسبة رفض منهج ما بعد الحداثة‪ 3‬بحسب بيئة التطبيق‪ ،‬ليبقى‬
‫مصريه التحول إىل نظرية يف النقد مستعصية عىل التطبيق إال نسبيا‪ ،‬أو إىل‬
‫تبيئ املنهج كام يقول محمد أركون‪ ،‬وقد اخرتنا كعهدنا عبارة " البحث الدائم‬
‫يف املنهج " حتى ال نقع يف اجرتار مصطلحات بعينها يكون قد ملها القارئ‬
‫العريب‪ ،‬كالتنظري‪ ،‬والتوصيف‪ ،‬واالتساق‪ ،‬واالنزياح‪ ،‬والتناص‪ ..‬ناهيك عن‬
‫محاولتنا انتهاج أسلوب مختلف بقدر اإلمكان عن أسلوب املغاربة حيث‪:‬‬
‫االنحياز‪ ،‬الحياد‪ ،‬االنحراف‪ ،‬التوازي‪ ،‬التطفل‪ ..‬مفردات لها دالالت شعبية‪،‬‬
‫لكنها عملية وأقل دمياغوجية يف الفضاءات املحافظة الشديدة اإلنغالق ــ‬
‫ذلك أن الخطابات حتى تتجدد كالخطاب الدمياغوجي‪ ،‬البد من وضعها يف‬
‫مقابلة لخطاب أكرث تأثريا وتحررا من القيود‪ ،‬ولن يكون ذلك الخطاب يف‬
‫الوقت الراهن غري خطاب مؤسسات عامة الشعب املناهضة لالستمرار يف‬
‫التسيري املشبوه لها ــ إنها املناهج التي مىض عىل نشأتها يف الغرب من‬
‫العرشين حتى الستني سنة‪ ،‬أي أصبحت قدمية‪ ،‬لكنها مازالت عندنا تعامل‬
‫كأنها جديدة! كالنقد النسوي‪ ،‬والتفكيكية‪ ،‬وعلم التأويل أو التأويل العقيل‬
‫ال التفسريي‪ ،‬ونقد ما بعد الكولونيالية‪ ،‬وتحلل بها النصوص وتنجز بها‬
‫البحوث تحت مسميات‪ ،‬عىل غرار‪" :‬املنهج الفالين بني املامرسة والتطبيق"‬
‫بالرغم من أن يف هذين اللفظني (املامرسة والتطبيق) تعسف‪ ،‬كأنه يريد من‬
‫خاللهام القول‪ :‬املنهج برغم علميته ليس جديرا بالتطبيق واملراد أنه مشكوك‬
‫يف حداثته أو ما بعد حداثته‪ ،‬فاقد ملصداقيته البحثية‪ ،‬لكن هامش املناورة‬
‫ـ النسبي ـ مرتوك وحصافة الباحث‪.‬‬

‫‪ .3‬ال توجد إحصائيات علمية دقيقة في هذا الشأن‪ ،‬لكن مقارنة بين المغرب العربي و المشرق‬
‫العربي بخصوص اإلقبال على قراءة القرآن الكريم تأويال وتفكيكيا فإن النسبة األكبر منهما هي تلك‬
‫التي تحيد إلى القراءات أو الدراسات المزمنة في التنظير للمنهج هدا و بناءً‪ ،‬متحولة إلى دراسات‬
‫في األدوات بدل الموضوعات‪ ،‬ثم يأتي بعدهما عندنا في الجزائر نقد ما بعد االستعمار والنقد‬
‫النسوي على التوالي‪ ،‬وفي المشرق العربي نظريات القراءة؛ وكلها مناهج قبل أن يولج بها إلى النص‬
‫مباشرة يتوقف بها أوال على أعتابه مطوال إلعادة تفصيلها على قد النص بطريقة تحيّر األلباب‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫و إذا ما حاولت الجرأة البحثية عندنا اعتامد هذه املناهج فإنها عبثا‬
‫تحاول‪ ،‬بل قبل أن يكفر أصحابها رمبا سينتهي بهم األمر إىل التقوقع يف الال‬
‫جدوى‪ ،‬ثم يف التهميش التعسفي والدوران يف حلقة مفرغة فينحرفون‬
‫ببحوثهم بداهة إىل "البحث املزمن يف املنهج"‪ ،‬وال نريد إبدال تسمية‬
‫"الظاهرة" بتسمية "املصطلح" حتى ال نرهق كاهل أزمة املصطلح يف مدونة‬
‫النقد العريب مبصطلح آخر جديد‪ .‬وال نود تسمية مناهج بعينها باملناهج‬
‫الذاتية واألخرى باملناهج املوضوعية‪ ،‬فهذه مغالطة وذر للرماد يف العيون من‬
‫قبل نزعة مدعومة وهي ذات ميوالت تراثية ومحافظة‪ ،‬والتي تضع نفسها‬
‫ضد سلطة أقوى مبكان هي سلطة العقل‪ ،‬بل سلطة الحضارة نفسها‪ ،‬التي‬
‫أوجدت تلكم املناهج عندما تقول‪ « :‬املشهد النقدي الذي شهدته الساحة‬
‫النقدية يشري إىل موقفني متنافرين‪ :‬األول يتمثل باالرمتاء يف دائرة املوضوعية‬
‫املتطرفة‪ ،‬والثاين يتمثل بالنزعة الذاتية املتطرفة‪ ،‬وترمي النزعة املوضوعية‬
‫إىل الرتكيز عىل النص الشعري‪/‬أو األديب وحده‪ ،‬بوصفه بنية لغوية وإشارية‬
‫محايثة ومكتفية بذاتها (‪ )..‬أما النزعة الثانية فتعمل يف دائرة تسعى إىل نزع‬
‫سالح النص ومحو سلطته املطلقة‪ ،‬ومنح هذه السلطة للقارئ‪ ،‬بوصفه مبدعا‬
‫‪1‬‬
‫للمعنى وتتمثل هذه النزعة مبا سمي مبا بعد البنيوية »‬
‫فتقع هذه النزعة أول ما تقع يف مناقضة العقل أي النهج منهج العقل ثم‬
‫القول بالال عقل يف الوقت ذاته! كام أن املنهج علم والعلم موضوعي دامئا‪،‬‬
‫أما نسبية تلك املوضوعية حري بها علم األبستمولوجيا ‪Epistemology‬‬
‫العلم الذي يعنى بالدراسة النقدية للمعرفة العلمية‪ ،‬مبا فيها وسائل إنتاج‬
‫تلك املعرفة‪ ،‬ومبا أن املنهج علم‪ ،‬فاألبستمولوجيا تنقده من زاوية علمية‪،‬‬
‫أطلق عليه الفيلسوف الفرنيس أندري الالند اسم فلسفة العلوم وهو بذلك‬
‫يختلف عن علم مناهج العلوم (ميثودولوجيا) ألن األبستمولوجيا تدرس‬
‫بشكل نقدي مبادئ كافة أنواع العلوم‪ ،‬وفروضها ونتائجها لتحديد أصلها‬
‫املنطقي وبيان قيمتها‪ .‬فاملنهج التجريبي مثال يف دراسة الظاهرة التاريخية‬
‫والتأويل العقيل يف دراسة النصوص والعادات والتقاليد القدمية مبا فيها‬
‫الدينية‪ ،‬مجال الذاتية فيهام مقيد؛ مجال محصور ومغلق بالتجاوز‪ ،‬ألن‬
‫البديل هو االنكفاء والجمود‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫‪ .2‬ما املنهج؟‪:‬‬
‫ليت شعري‪ ،‬أويستطيع الناقد الباحث أن يوصل سيارته إىل بيته‬
‫الريفي دومنا أن يشق طريقا يوصلها بالطريق العامة؟ نخىش أن يف األمر‬
‫تشابها‪ ،‬فبالنسبة للوصول إىل النتائج العلمية‪ ،‬يف رضوبها أو معرتكاتها الثالث‪:‬‬
‫علوم ماديات الكون (الفيزياء والفلك والطب‪ ،)..‬وعلوم اإلنسان واملجتمع‬
‫مبا فيها الفلسفة وعلوم الخيال واإلبداع والفنون‪ ،‬األمر كله حري بالطريق‬
‫أي باملنهج أو النهج‪ ،‬يقال نهج يف األمر أي أوضحه‪ .‬واملنهاج غري املنهج‪ ،‬ليس‬
‫غايته الوصول إىل معرفة ما لكن هو طريقة العرض فقط‪ ،‬فالربنامج الدرايس‬
‫‪ programme‬املعد للتعليم االبتدايئ منهاجا وليس منهجا‪ ،‬كام يجب التحرز‬
‫من قول املنهجية بدل املنهاج ألن ذلك من شأنه اإلحالة إىل املنهج‪ ،‬عدم‬
‫الضبط الدقيق للمصطلح غالبا ما يؤدي إىل الخلط يف املفاهيم والوقوع يف‬
‫األغالط‪ .‬و«كلمة منهج يف اللغة الفرنسية مشتقة من لفظ يوناين‪ :‬مبعنى بعد‪،‬‬
‫ومن‪ Hodos :‬الطريق‪ .‬واملعنى العام للمقطعني هو‪ :‬التزام الطريق‬
‫‪2‬‬
‫أو ‪ Méthodos‬مكون من ‪ Méta‬السري يف طريق محدد»‬
‫واملنهج مناهج عدة‪ ،‬ففي املناهج املنضوية تحت مرشوع الحداثة نلفي‪:‬‬
‫منهج استنباطي استداليل صالح للبحوث التي تتناول املوضوعات الفلسفية‬
‫وعلم املنطق‪ .‬كام نلفي املنهج العلمي التجريبي االستقرايئ‪ ،‬يعتمد عىل عمل‬
‫الحواس‪ ،‬موايت لعلوم املادة والرياضيات‪ ،‬ومنهج علمي يجمع بني االستقراء‬
‫والتجريب (النسبيني) صالح لعلوم اإلنسان واملجتمع‪ ،‬كاملناهج التالية‬
‫املستعملة بكرثة يف دراسة الظواهر اإلنسانية واالجتامعية وتعتمدها البحوث‬
‫العلمية مبا فيها يف مجال األدب‪[ :‬املنهج الوصفي‪ ،‬التحلييل‪ ،‬التاريخي‪،‬‬
‫االجتامعي‪ ،‬املنهج االمربيقي‪ ،‬دراسة الحالة‪ ،‬املنهج النفيس‪ ،‬االنطباعي ‪،] ..‬‬
‫يصبح املنهج يف مثل هذه الحالة األخرية مثل الطريق الليلية املحتاجة إىل‬
‫إشارات ضوئية‪ ،‬كام هناك إمكانية لشق طريق الغري معبدة‪/‬ترابية للجرار إىل‬
‫املنزل الريفي‪ ،‬هناك إمكانية لشق طريق معبدة بالزفت للسيارة الفاخرة‪،‬‬
‫وأخرى بالحجارة للعربات التي تجرها الخيول‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫أما مناهج ما بعد الحداثة فحدث وال حج ألنها يف معظمها مناهج‬
‫إشكالية يف سياق املجتمعات املحافظة التقليدية‪ ،‬وجلها تحولت بالفعل فيه‬
‫من أداة إجرائية للدراسة والتنقيب العلمي إىل موضوع للدراسة البحثية‬
‫نفسها‪ ،‬تحت مسمى "البحث يف املنهج" تحت ذريعة القصور أو تسب‬
‫الذاتية إليها‪ .‬و«أول من استعمل كلمة منهج أفالطون وأرسطو‪ .‬وقد‬
‫استعمالها مبعنى البحث أو النظر أو املعرفة‪ ،‬تطور معنى كلمة منهج يف‬
‫عرص النهضة‪ .‬ففي هذه الفرتة نجد أن طائفة من املناطقة قد اصطلحت‬
‫عىل قسم من أقسام علم املنطق بلفظ منهج‪ .‬قسم راموس (‪Ramus 1572‬‬
‫‪ (1515-‬املنطق إىل أربعة أقسام‪ :‬التصور‪ ،‬الحكم‪ ،‬الربهان‪ ،‬املنهج‪ .‬وأدرج‬
‫القسم الرابع ضمن علم البالغة‪.‬‬
‫تطور معنى كلمة منهج يف القرن السابع عرش ‪:‬صاغ فرانس بيكون‬
‫‪ )1561-1626( Francis Bacon‬يف كتابه )‪Organum Novum (1620‬‬
‫قواعد املنهج التجريبي‪ ،‬اكتشف رينه ديكارت (‪ )1650-1596‬يف كتابه‬
‫(مقال يف املنهج) (‪ )1637‬املنهج العقيل الذي يؤدي إىل معرفة حقيقة‬
‫العلوم‪.‬‬
‫حدد أصحاب منطق بور رويال املنهج تحديدا دقيقا‪ ،‬وجعلوه القسم‬
‫الرابع من علم املنطق‪ .‬عرفوه بأنه‪ :‬فن التنظيم الصحيح لسلسلة من األفكار‬
‫العديدة‪ ،‬من أجل الكشف عن الحقيقة حني نكون جاهلني بها‪ ،‬أو من أجل‬
‫الربهنة عليها لآلخرين ملا نكون عارفني بها‪ .‬أصبح منهج الوسيلة املؤدية إىل‬
‫الهدف املطلوب‪ ،‬والتي يتبعها الباحث يف دراسته للمشكلة كشفا عن‬
‫الحقيقة بوساطة طائفة من القواعد العامة‪ ،‬تهيمن عىل سري العقل وتحدد‬
‫‪3‬‬
‫عملياته حتى يصل إىل نتيجة معلومة»‬
‫كام يحصل أنه بعد مدة ال يصل مستعمل الطريق إىل نتيجة مع بدء‬
‫بروز تشققات يف الطريق‪ ،‬نتيجة السيول وعوامل الطبيعة املختلفة‪ ،‬يحصل‬
‫نفس اليشء عىل مستوى املنهج‪ ،‬وهي أيديولوجية الباحث متأثرا بالسياق‬
‫املجتمعي الذي يعيش فيه‪ ،‬وهو ما يطلق عليه باإلشكالية األبستمولوجية يف‬
‫فهم العلم‪/‬املنهج‪ ،‬أو عس املوامئة بني النظرية والتطبيق‪ ،‬فاملنهج كنظرية‬

‫‪8‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫هو صالح بآلياته وقوانينه لدراسة الظاهرة العلمية أو اإلنسانية‪ ،‬وهو يف ذلك‬
‫مكتشف لهذا الغرض‪ ،‬لكن الواقع قد يأيت بأمور بعكس ما كنا نتوقع‪ ،‬تيش‬
‫أن العيب يف التطبيق وليس يف اآللية املنهجية‪ ،‬والنموذج األوضح هو يف نقد‬
‫األديان؛ نقد النص املقدس القديم والجديد باملنهج الهرمنيوطيقي داخليا‬
‫وخارجيا من قبل الغربيني‪ ،‬مستبعدين القرآن‪ ،‬إما تحت طائلة أنه نص غري‬
‫مقدس أي غري ساموي‪ ،‬أو أنهم علموا مسبقا أن تلك الدراسات غري مرغوب‬
‫فيها من لدن املسلمني‪ ،‬وملا كنا بصدد العوائق األبستمولوجية‪ ،‬استبعدنا يف‬
‫هذا البحث العوائق البيولوجية التي تقوم بني النظرية والتطبيق يف ميدان‬
‫علوم املادة‪ ،‬ألنه ليس لإلنسان وال املنهج دور فيها‪ ،‬وإمنا الصعوبات متأتية‬
‫من طبيعة املادة املدروسة نفسها وهي املادة العضوية‪.‬‬
‫وفيام ييل عينة ــ وفق ترسيمة معينة من املناهج ــ عن انحياز الباحث‬
‫العريب للثقافة التي تحيط باملنهج وقواعده العلمية مصادرا إياه لصالحها‪،‬‬
‫كونها ثقافة تسقط يف مناقضة مبادئ العقل والتنوير التي جاءت بتلك‬
‫املناهج‪ ،‬حتى أنه يسعى سعيه إىل محاولة قلبها رأسا عىل عقب ثم إفراغها‬
‫من محتواها بكل ما أويت من قوة وجهد‪ ،‬بخاصة تلكم البحوث التفكيكية‬
‫التي درجت عليها األبحاث والدراسات النقدية يف اململكة السعودية واململكة‬
‫املغربية‪ ،‬بتحويرها إىل دراسات ال تنقيض يف املنهج أي "البحث الدائم يف‬
‫املنهج" ومن تلكم النقود التنظريية التي تشبهها لدينا يف الجزائر التأصيل‬
‫لتفكيكية من نوع خاص مع عبد امللك مرتاض‪ ،‬ولنقد ما بعد االستعامر خاص‬
‫فاق اعتامده يف الجامعات الجزائرية حدود التصور‪ ،‬بشقيه الجدليني‪ ،‬املوقف‬
‫املناهض لخطاب ما بعد االستعامر‪ ،‬وخري من مثله جزائريا الطاهر وطار‬
‫رواية ونقدا‪ ،‬واملوقف الجزائري املناقض لخطابها‪ ،‬أال وهو خطاب العوملة أو‬
‫الكولونيالية الجديدة‪ ،‬وهي كولونيالية محلية لها خصائص الكولونيالية‬
‫التقليدية يف تهميش خطاب األقلية والنهوض بسياسة التدجني‪ ،‬إن عىل جميع‬
‫املستويات وخاصة الثقافية‪ ،‬وخري من مثله عندنا رشيد بوجدرة‪.‬‬
‫‪ .3‬محاوالت البحث عن "املنهج التكاميل"‪:‬‬

‫‪9‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫لو صنفت مناهج البحث العلمي تصنيفا أبستمولوجيا تبعا ملوضوع‬
‫البحث‪ ،‬بدون إهامل سياقاتها التي خرجت منها‪ ،‬لصنفت صنوفا عدة‪ :‬مناهج‬
‫بحث علوم الطبيعة‪ ،‬ومناهج بحث علوم االجتامع‪ ،‬ومناهج بحث علوم‬
‫اإلنسان‪ ،‬مبا فيها الفلسفة واآلداب والفنون‪ ،‬وهذه املناهج جميعها أصولها‬
‫مذاهب فلسفية كربى؛ بعضها ينطوي تحت الفلسفة العقلية الديكارتية‬
‫وتحت الفلسفة التجريبية‪ ،‬وبعضها يجمع بينهام‪ ،‬أو يتموضع تحت قبة‬
‫املناهج الوضعية‪ ،‬كام هي دراسات الحالة يف العلوم االجتامعية‪ ،‬وحتام ال‬
‫يطرح مشكل عس التطبيق باملرة يف تلكم السياقات التي خرجت منها تلك‬
‫املناهج‪ ،‬كون املجتمعات الغربية مجتمعات علامنية غري تقليدية‪ ،‬ترفض‬
‫الخلط بني التقليد أو بني ما هو أسطوري وما هو عقالين‪ .‬أما تصنيف تلكم‬
‫املناهج عىل مستوانا العريب فيطرح إشكالية مستقطبة ال ترتجي حلوال يف‬
‫الوقت الحايل عىل األقل‪ ،‬ال ضري من أن يجد البحاثة املتأملون العارفون بخبايا‬
‫التقدم والتخلف من أن يصنفوها يف سياقنا إىل صنفني فقط‪ :‬تلكم املناهج‬
‫التي تحافظ عىل موضوعية‪/‬حياد الباحث وروحه العلمية إىل حد ما‪ ،‬كونها‬
‫ال تدخل العوامل الخارجية التقليدية‪ ،‬وال تعتني باملضامني عنايتها باألشكال‪،‬‬
‫وهي املناهج البنيوية النصية‪ ،‬وتلكم املناهج املتبقية التي ال يحافظ فيها‬
‫الباحث عىل موضوعيته‪ ،‬بل قد يستغلها لتزييف الحقائق العلمية‪.‬‬
‫أما عىل مستوى العلوم اإلنسانية قد يصنف املنهج بحسب اهتاممه‬
‫باملضامني‪ ،‬وهناك مناهج معارصة مازالت متبعة يف بعض البحوث والدراسات‬
‫النقدية األدبية‪ ،‬هي تلك التي تنعت بالتقليدية‪ ،‬كام هناك مناهج ما بعد‬
‫الحداثة‪ ،‬وهام صنفان يستأثران باملضمون أكرث من الشكل‪ ،‬كاملنهج التاريخي‬
‫واالنطباعي والنفيس واملنهج االجتامعي بشقيه‪ :‬السوسيو ـ نقد واملادية‬
‫الجدلية‪ ،‬واملنهج التفكييك‪ ،‬واملنهج التأوييل‪/‬الهرمنيوطيقا‪ ،‬ونظرية التلقي‪،‬‬
‫والنقد الثقايف‪ ،‬ونقد ما بعد االستعامر‪ ،‬وهي التي تستهوي املشتغلني عىل‬
‫قضايا األدب (الرتباطها باملضمون‪ :‬بالفكر) وتنام معهم عىل نوايا مسبقة‬
‫تحتمل تبييت حسن وسوء النية العلمية معا‪ ،‬الرتباطها بالشعور ومشاعر‬
‫االنتامء إىل الثقافة‪ ،‬متاما كام يحتمل التأويل املعنيني الباطن والظاهر؛ فإذا‬
‫كان الباحث علامين مثال لكنه حورص أو همش ــ سواء يف الجزائر أو يف الوطن‬
‫‪10‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫العريب واإلسالمي قاطبة ــ فسيجتهد لإلملام بقدر كاف باملعارف املتعلقة‬
‫بالرتاث اإلسالمي‪ ،‬واملنهج التأوييل‪ ،‬والتاريخي أو املنهج االجتامعي‪ /‬املاركيس‬
‫والتفكيكية جيدا‪ ،‬يك يعمل معاول النقد والبحث العلمي وفق هذا املنظور‪.‬‬
‫لعل النموذج األبرز أمامنا هو نرص حامد أبو زيد ومحمد أركون‪ ،‬بل‬
‫سيشيد عامله النقدي الخاص كام هو حال عبد املالك مرتاض‪ ،‬وهو ناقد‬
‫معروف عربيا مع تلميذه يوسف وغْلييس‪ ،‬وقد نال ذرعا من تهميشه يف‬
‫بلده الجزائر ما جعله يرتحل عرب الجامعات العربية‪ .‬ومرتاض مع يوسف‬
‫وغْلييس استحدثا منهجا بعد تنظري مضني أسمياه باملنهج التكاميل‪ ،‬لعله هنا‬
‫ستبدو الطريق التي متثلنها أعاله ممسوخة (سائرة يف كل حدب وصوب)‬
‫تأثرا ال واعيا بالدرس الفلسفي واالجتامعي‪ ،‬ومرحلة النقد الواقعي يف املرشق‬
‫العريب يف األربعينيات والثالثينيات‪ ،‬املتخلف السياقات عام يجري حاليا من‬
‫تسارع علمي‪ ،‬والحاصل يف املسألة أن كل من النقاد العرب‪ :‬السيد قطب‬
‫وأحمد كامل زيك وبعدهام نعيم اليايف‪ ،‬وشوقي ضيف أرادوا التجريب يف‬
‫النقد األديب فبحثوا عن املنهج الكامل‪ ،‬ولو كان غري ذلك منهجا (غري تكاميل)‬
‫لبحثوا فيه عنه‪ ،‬كام سرنى مع مناهج ما بعد الحداثة التي بدأت يف الظهور‬
‫عىل املستوى العريب بعد نهاية الستينيات عموما؛ واملسألة ههنا جلية يف‬
‫تأثرهم بالحياة العلمية لذلك العرص بخاصة يف العلوم التجريبية والوضعية‬
‫(يف العلوم االجتامعية) والبحث يف علوم اللسان وعلم الكالم ــ الذي يعتمد‬
‫فيه عادة عىل املنهج العقيل‪ ،‬عندما ظهرت حاجة املدارس الكالمية أو‬
‫الباحثني الكالميني إىل منهج تكاميل مؤلف ــ بالتايل خضوع كل ناقد متأيت‬
‫من فروع فقهية وفلسفية كسيد قطب‪ ،‬وعبد الرحمن بدوي للجانب الذي‬
‫يجيده ويربز فيه‪ ،‬ولهذا يصعب عليه التعامل بنفس الكفاءة مع الجوانب‬
‫األخرى التي قد ال يكون يجيدها أو ال يعرفها‪ ،‬وقد تخىل هؤالء النقاد‬
‫تدريجيا عن فكرة املنهج التكاميل مع بروز النقد املا بعد حدايث بداية الفرتة‬
‫املشار إليها‪ ،‬وتبلور حركة هذا النقد معناه العكوف عن مرشوعهم‪ ،‬كونها‬
‫حركة تعيد للمضامني األيديولوجية االعتبار بشكل جيل‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫أما الناقد يوسف وغلييس فاستمر او أحيا يف نهاية التسعينيات تجارب‬
‫هؤالء النقاد العرب الذين ذكرنا !‪ :‬سيد قطب‪ ،‬وأحمد هيكل‪ ،‬وحسام‬
‫الخطيب‪ ،‬ومحمد صادق عفيفي‪ ،‬ومحمد مصطفى هدارة‪ ،‬وعبد القادر القط‬
‫وأحمد كامل زيك‪ ،‬ويوسف مراد يف "البحث عن املنهج" الذي يسد عورة‬
‫االصطدام بتقاليد السياق‪ ،‬ولعل أقل ما يقال عن هؤالء النقاد الرواد الذين‬
‫يستعري تجاربهم الناقد الجزائري الشاب يوسف وغلييس‪ ،‬أنهم مثل عبد امللك‬
‫مرتاض نهلوا وينهلون كذا من فرع معريف‪ ،‬وحلمهم هو البحث عن منهج‬
‫يأخذ من كذا من علم صفاته وخصائصه كذلك! ولعل محاولة خلقه ثم‬
‫التنظري له‪ ،‬أي البحث يف املنهج عن املنهج‪ ،‬ومدى مالمئته إن صح التعبري‪،‬‬
‫وكان ذلك يف مرحلة حساسة مر بها الوطن العريب ماجت بانعطافات سياسية‬
‫وفكرية عميقة هزت كيانه‪ .‬وهي حتام غري مرحلة العوملة وما بعد الحداثة‬
‫فام بال إذن هذا الصنيع الذي يشبه اإلثم مل يحرك أحدا من النقاد‬
‫الجزائريني؟‬
‫بل أن و ْغلييس أراد بكتابه "مناهج النقد األديب املعارص" إشباعا ليكتمل‬
‫حجام من خالل محاولة التنظري ملنهج تكاميل‪ ،‬وليخرج به من صفة الكتيب‬
‫إىل صفة الكتاب املتجاوز ال ‪ 125‬صفحة ال غري! ولألسف وغلييس ههنا‬
‫يقارب كالم الباحث اللبناين سامي سويدان مقاربة غري مالمئة زمنيا حتى ال‬
‫نقول يحرفه أو يستغله ملآرب أخرى‪ ،‬حني يقول الناقد العريب سامي سويدان‪:‬‬
‫«‪ ..‬قصور املنهج الواحد عن اإلحاطة باملعطيات الكلية للنص‪ ،‬ألن تعدد أبعاد‬
‫النص وتنوعها يقتيض مساهمة أكرث من منهج يف استقصائها‪ ،‬هذا املنهج‬
‫املشرتك يولد "منهجا مركبا" أو "متعددا" مع رضورة تغليب منهج ما‪ ،‬يتفق‬
‫وغلبة املستوى املناظر له يف النص (‪ )..‬انطالقا من أن كل منهج يسمح بتناول‬
‫النص يف جانب من جوانبه ويف وجه من أوجهه‪ ،‬غري أنه يظل قارصا عىل‬
‫االستحواذ عىل أوجه اإلبداع املختلفة يف النص املدروس (‪ )..‬لكن كعادته يف‬
‫‪4‬‬
‫غمرة هذه املنهجية املتعددة يعطي السيادة للمنهج البنيوي‪» ..‬‬
‫ويحاول وغلييس استثامر مقاربة مخاض الباحثني العرب هذه لتوليد منهج‬
‫تكاميل دون أن يقفوا عىل حسم نهايئ يف أمره‪ ،‬وعىل غرار أشهر الباحثني‬

‫‪12‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫الغربيني يف سنوات الستينيات أيضا؛ وهو ما مل يقر به وغلييس يف كتابه‬
‫املذكور أعاله عندما أقر الباحثني الغربيني والعرب بعدم وثوقهم من توفيقهم‬
‫منذ البداية‪ ،‬ولكن الباحث الجزائري الشاب يعرض مناقشا تحليالتهم تاريخيا‬
‫لتعمري كتابه‪ ،‬تارة اقتباسا عن الباحث اللبناين نعيم اليايف يف دعوته ملنهج‬
‫تكاميل لدراسة املعارف عامة بخاصة تلك املرتبطة مثنى مثنى‪ ،‬كنظرية‬
‫األدب وفلسفة الفن‪ ،‬دراسة علمية وفلسفية واجتامعية وليس دراسة‬
‫النصوص األدبية فقط‪ ،‬وطورا تحليال وتركيبا ملا جاد به الباحثان العربيان‬
‫سامي سويدان ومحمد القعود يف املوضوع حني يقول‪ ..« :‬مل تكن عندي‬
‫حساسية اتجاه أي منهج أو مذهب (‪ )..‬ولهذا وظفت مقوالت بنيوية‬
‫وأسلوبية وسيميائية وتفكيكية ونصية وتأويلية ونظرية التلقي‪ ،‬كام وظفت‬
‫مقوالت من النقد العريب القديم‪ ،‬أي أن ما نهجته هو منهج مركب من عدة‬
‫مناهج ‪ ،‬تتسق جميعها يف األساسيات والركائز املعرفية‪ ،‬وهو اتساق يجعل‬
‫‪5‬‬
‫الرتكيب بني عنارصها أو بعضها أمرا مرشوعا من الوجهة املنهجية»‬
‫وخالصة القول التي أنتهى إليها يوسف وغلييس بالقطع‪ ،‬هي أن‬
‫الرتكيب املشار إليه هو توليفة بني املناهج املتقاربة جدا مع بعضها البعض‪،‬‬
‫كاالنطباعي مع النفيس‪ ،‬أو كاملنهج الوصفي مع املنهج األسلويب‪ ،‬أو كاملنهج‬
‫البنيوي مع املنهج السيميايئ ‪ ،‬وهو بدل أن يستغل تنظريات الباحثني الذين‬
‫عرض لكتبهم بكذا من عرش صفحات نسخا مع ما تعرضوا له من نقد‬
‫ويسمي ذلك (تطبيقاتها العربية) وهم جلهم متأتني إما من تخصصات فقهية‬
‫‪6‬‬

‫وفلسفية وألسنية وإما هي معا‪ ،‬كام أسلفنا متخمني بالتجارب وما زالوا يف‬
‫أثر البحث والتجريب‪ ،‬كالناقد العريب اللبناين املعروف نعيم اليايف‪ ،‬وعبد‬
‫امللك مرتاض الذي له يف الرتاث النقدي العريب مآربه‪ ،‬فهل سيسوغ له ذلك‬
‫العرض ـ مع أستاذه مرتاض ـ الخلط بني مصطلحات تعود إىل مناهج ذات‬
‫أصول معرفية مختلفة بحجة الرتكيب املنهجي والتوافق والتكامل واإلثراء مع‬
‫النقاد اآلخرين‪ ،‬كام هو الشأن مثال يف مصطلح التأويل يف النقد العريب‬
‫املعارص‪ ،‬ذلك أن أصول التأويل يف الحقل الرتايث العريب ال تتقاطع مع نظريتها‬
‫يف الفكر الغريب‪ " :‬نتصور أن بوسعنا أن نخلط بني مصطلحات تعود إىل‬
‫مناهج مختلفة يف أصولها املعرفية‪ ،‬نتصور أن ذلك يخلق نوعا مام نزينه‬
‫‪13‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫ألنفسنا ونطلق عليه مصطلحا مرغوبا فيه هو مصطلح التكامل‪ ،‬هذا التلفيق‬
‫الذي يسمى أحيانا عىل اإلطالق أن نضم عددا من املصطلحات التي تنتمي‬
‫إىل نظرية معينة ونلفقه قرصا مع مصطلحات أخرى تنتمي إىل نظرية‬
‫‪7‬‬
‫مخالفة لها معرفيا‪ ،‬ألن ذلك ينتج تناقضا شديدا يف املبادئ املؤسسة "‬
‫أما أن يكون هدف هذا املجهود (العرض املطول) متكينا ملنهج ال وجود‬
‫له إبان الفرتة من نهاية التسعينيات إىل أيامنا عىل األقل اسمه "املنهج‬
‫التكاميل" إخراج كتاب للطلبة الجزائريني وسد النقص يف املراجع الجزائرية‬
‫يف مساق مناهج النقد األديب املعارص‪ ،‬وليصنفه كمجهود تقليدي إىل جانب‬
‫املناهج البنيوية والسياقية وغريهام‪ ،‬بل ولو تريث قليال إىل ما بعد العرشية‬
‫األوىل (‪ )2010‬ملا جاء بسرية املنهج التكاميل أصال‪ ،‬بل لكان جاءنا مبناهج ما‬
‫بعد بنيوية جديدة بدأت تأخذ لها أبعادا تطبيقية مهمة يف مرشق الوطن‬
‫العريب و املغرب األقىص‪ ،‬عىل غرار النقد األسطوري‪ ،‬والنقد النسوي‪ ،‬واملنهج‬
‫التسع الذي يظهر الباحث املتفوق والفحل‬ ‫األركيولوجى (الحفري)‪ ،‬لكنه ر‬
‫يف "مناهج النقد األديب" هكذا وبدون تحديد زمني‪ ،‬مع العلم أن املتخصصني‬
‫يف مجال علوم اللغة واألدب يحددون بداية التأريخ للعرص املعارص من‬
‫حدود بداية السبعينيات‪ ،‬منذ ‪ 15‬متوز ‪ 1972‬فصاعدا‪ ،‬عكس حقل العلوم‬
‫االجتامعية والفلسفة الذي يحدد عندهم من ‪ 1945‬فصاعدا‪ ،‬لذلك كان حري‬
‫بالكاتب عىل األقل تصنيف مناهج النقد األديب الحديث يف فصل‪ ،‬ومناهج‬
‫النقد املعارص‪/‬املا بعد حدايث يف فصل آخر‪ .‬ذلك أن اإلشارة إىل منهج من‬
‫املناهج دون أيديولوجيته أو دون أصوله املعرفية الغربية التي متخض عنها‪،‬‬
‫ومن غري تحديد لعالقته بالخلفية األبستمولوجية املؤطرة له تكريس‬
‫للغموض وعدم نزاهة الباحث‪.‬‬
‫أما إذا كان الناقد والباحث ذو اتجاهات أو ميوالت محافظة فإنه ما مل‬
‫يخضع هو اآلخر للضغوطات واملزايدات من قبل السلطة العلامنية يف‬
‫اإلدارات العربية منها مراكز البحث الجامعية‪ ،‬سيجتهد يف دراسة اللغات‬
‫األجنبية‪ ،‬ونهل نصيبا معتربا من الثقافة‪ ،‬ثم اإلملام بالدراسات الثقافية‪ ،‬ثم‬
‫اختيار منهج‪ ،‬كمنهج نقد ما بعد االستعامر أو النقد الثقايف معتقدا أنه ميارس‬

‫‪14‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫بحثا علميا تفاعليا‪ ،‬عندما يدافع عىل الهوية وقضاياها ضد أحداق العوملة‬
‫وتجارب اآلخر غري املسلم معها (اآلخر االستعامري) ومعتقدا أيضا أنه ال يريد‬
‫بعلومنا تقوقعا؛ يريدون بحثا يف املنهج بعبارة أوجز مخالفة ملنهج العلامنيني‬
‫ــ التجريب فيه ــ مستعملني مصطلحات غري دقيقة موازية كبني املامرسة‬
‫والتطبيق أو "بني التأصيل والتجريب"‪ ،‬كام يقول الناقد وليد قصاب « إن‬
‫هذا النقد الغريب مستمد من األدب الغريب‪ ،‬وهو أدب ذو نكهة ورؤية‬
‫مضمونية وفنية يخالف كثري منها ما هو معروف يف أدبنا العريب‬
‫واإلسالمي (‪ )..‬إن العيش عىل مائدة اآلخر هو نوع من التالش فيه‬
‫(‪ )..‬االكتفاء مبجرد اجرتاره أو محاكاته هو قتل لروح اإلبداع فينا‪ ..،‬ولن ترشق‬
‫شمس الحضارة اإلسالمية من جديد إال اذا خلعت ثياب الغرباء و ارتدت‬
‫عباءة اآلباء »‪ ،7‬ولعل النموذجان اللذان ال تخطئهام العني يف مثل هذه الحالة‬
‫هام إدوارد سعيد وزبانيته من غري الفلسطينيني‪ ،‬وعبد الله الغذامي وزبانيته‬
‫يف الدول العربية االشرتاكية‪ ،‬أو التي كانت اشرتاكية وضاقت ذرعا من ويالت‬
‫االستعامر‪ ،‬إن ثقافة أو اقتصادا كالجزائر؛ وهذه الحال مخالفة لتصور‬
‫العلامنيني يف سياقهم الغريب للبحث يف املنهج‪ ،‬وهي معايشة التجريب كام‬
‫يقول الباحث الغريب‪ « :‬استخدام املصدر من كلمة منهج اليونانية‪ ،‬وهي‬
‫الجري أو امليش ‪ currere‬عرب طريق ما لتأكيد أهمية الشخص وعملية امليش‬
‫والجري عرب الطريق‪ ،‬وهي هنا التجربة أو الخربة التي يعيشها الفرد يف‬
‫التعلم (‪ )..‬تشمل هذه النظرة املحتوى والعملية‪ ،‬حيث يكون املحتوى ضمن‬
‫العملية‪ .‬هذا التكامل غري موجود يف الفصل التقليدي بني املنهج واإلرشاف‪،‬‬
‫الذي يستخدم سلسلة الغاية والوسيلة؛ اختيار النهايات أوال ثم تبني الوسائل‬
‫‪ ..،‬يف التعريف العمليايت للمنهج»‪ 8‬فقد كان ديكارت من خالل منهج‬
‫الكوجيتو (أنا أشك إذا أنا موجود) بصدد االنتقال من الجانب األنطولوجي ـ‬
‫وجود العامل‪ ،‬وجود الذات ـ إىل الجانب األبستمولوجي واملتمثل يف البحث‬
‫عن معيار الصدق واملنهج الواجب اتباعه‪.‬‬
‫أما الباحثون والعلامء املعتدلون الذين يرمون إىل النزاهة والروح‬
‫العلمية املحسوبني ال عىل العلامنيني وال عىل املحافظني‪ ،‬فكذلك سنجدهم‬
‫ينقسمون إىل قسمني‪ :‬من يطبقون املناهج البنيوية عن حسن نية ويستأثرون‬
‫‪15‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫بها ألنفسهم‪ ،‬وال يتوخون غري املهنية وخدمة العلم واألدب‪ ،‬وستجدهم من‬
‫هم ليسوا متطفلني عىل امليدان‪ ،‬بينام القسم الثاين منهم فهم املتطفلون‬
‫الدخالء‪ ،‬نجد أكرثهم من املغرب العريب ممن تحدوهم إرادة االستفادة‬
‫الذاتية والتكسب‪ .‬أما أفضل الباحثني عىل اإلطالق عربيا‪ ،‬هم الباحثني عن‬
‫جامليات األدب يف ذاته و لذاته‪ ،‬الذين ال يرتجى منهم انحيازا وال نقصا‬
‫معرفيا وال تطفال ـ وهم قليلون جدا‪ ،‬ال يكاد يعرف لهم غاية غري غاية الرقي‬
‫بأدبهم عرب الوسطية األيديولوجية‪ ،‬من ذلك إدراك نظرية األدب إدراكا حقيق‬
‫بتحقيق توازن بني النقد الجديد‪ ،‬وما مييز اللغة العربية من خصائص فنية‬
‫بالغية وشعرية ال تخرج يف جميع الظروف عن تذوق جامليتها‪ ،‬وهم الذين‬
‫يسعون إىل دراسة األدب شكال ومضمونا بانتهاج املناهج األسلوبية والبالغية‪،‬‬
‫تجد أغلبهم يف القطر العراقي من أحفاد مدرسة الحداثة الشعرية‪ 9‬ويف‬
‫مضارب مدارس األدب العريب يف مرص والشام املتأثرة تأثرا متوازنا بني‬
‫الرتاث والوارد‪ ،‬يجعلها تفرق بني تقليدية خطاب اللغة وتقليدية خطاب‬
‫الدين‪ .‬ناهيك "أن التقدم الحاصل يف مناهج التفكري ما بعد الحدايث‪ ،‬ومع‬
‫تطور الدراسات الثقافية‪ ..‬أصبح باإلمكان عد أي شء نصا‪ ،‬ألن الدراسات‬
‫الثقافية تنظر إىل النص الثقايف عىل أنه منط من التعبري ذو مغزى‪ ،‬شكال‬
‫‪9‬‬
‫ومضمونا عندما تدرس كل تقاطعاته بكل تعقيداتها"‬
‫‪ .4‬انتهاء نقد خطاب ما بعد االستعامر إىل خطاب متجدد يف‬
‫األبستمولوجيا‪:‬‬
‫درجت نظريات "املا بعد" أو نقود املا بعد إعطاء أولوية لجاملية‬
‫املضمون أو نحو القص ضمن ثنائية املبنى‪/‬املعنى أو قصة‪/‬خطاب السدية‪،‬‬
‫حيث يرى رواد نقاد هذا التيار الفكري الفلسفي أن "ما بعد " املستعملة يف‬
‫نظرية ما بعد الحداثة أو ما بعد البنيوية؛ أي الـ ‪ post‬هي كلمة مضللة‬
‫ومراوغة بل سلبية‪ ،‬موهمة أننا دخلنا يف حضار‪10‬ة املا بعديات اىل غري رجعة‬
‫بعدما كنا يف املا قبليات‪/‬الرتاثيات‪ ،‬كأنها تود خداعنا بإخفاء شء ما وهو‬
‫أنه توجد مرجعية تعقلن العقالنية والحداثة أو االستنارة املظلمة‪/‬ما بعد‬
‫الحداثة يف املرشوع الحدايث‪ ،‬وقد تطورت هذه النظرية من مقوالت فلسفية‬

‫‪16‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫كربى كالعدمية الفلسفية‪ /‬الالعقالنية املادية أو التفكيكية‪ ،‬ونهاية التاريخ‬
‫ولالنتظام‪ ،‬ولالنسجام‪ ،‬واللعب بالدوال واملدلوالت‪ ،‬منطوية كلها عىل محاولة‬
‫إرجاع املعرفة الكاملة والكلية إىل الطبيعة واملادة‪ ،‬بالتايل موت نهايئ لإلله يف‬
‫مقابل فقدان كيل لإلنسان للسيطرة عىل نفسه كوجود مادي منيس وليس‬
‫مضمحل‪ ،‬الوجود الذي أوصله يف فرتة االستنارة املضيئة إىل مرتبة اإلله‪.‬‬
‫وكان لنا ملا ملسنا عالقة الذات باآلخر يف كتابات جربان عن الرشق‬
‫والغرب يف أكرث من قصة وقصة مطولة‪ ،‬كيوحنا املجنون والعواصف والنبي‪،‬‬
‫أن منيض يف قراءة أدبه قراءة شغف لام رأينا فيه من تجسيد فظيع لنظرة‬
‫املجتمع الجزائري للذات واآلخر‪ ،‬فوثقنا بالخصب يف أنفسنا منذ ذلك الحني‪،‬‬
‫ونوينا أن نجعل من هذا املوضوع موضوع بحث الدكتوراه‪ ،‬أو أن نشتغل‬
‫عليه كأحد مصنفاتنا لام بعد الدكتوراه‪ ،‬بخاصة بعدما تبني لنا أنه ما مل يكن‬
‫مبقدور جربان خليل جربان‪ ،‬الذي عاش وتعلم يف الغرب‪ ،‬قوله عىل لسان‬
‫بعض أبطال قصته األجنحة املتكسة التي تقارب السرية الذاتية‪ ،‬عن الذات‬
‫واآلخر‪ ،‬قد قاله بالفعل عىل لسان قصصه األخرى‪ ،‬وهو بالذات ما اكتشفه‬
‫إدوارد سعيد صاحب منهج نقد خطاب ما بعد االستعامر الذي نحن بصدده‪،‬‬
‫عند دراسته لنظرة الغرب للرشق يف رواية " قلب الظالم " (‪ )1889‬للبولندي‬
‫‪ Joseph Conrad‬بعنوان "جوزيف كونراد ورواية السرية الذاتية"‪ ،‬صحيح‬
‫أن البطل يف الرواية ما هو إال عنرص فني ـ بنيوي ـ ال يختلف عن املتالزمة‬
‫الرياضية (س) محتوى يف مجموعة (ص) ‪ :‬س ‪ ‬ص ‪ ،‬فهو من إبداع مخيلة‬
‫الروايئ لتشكيل عامله السدي‪ ،‬لكن يف نفس الوقت يعترب املعادل املوضوعي‬
‫أيضا املحايك للواقع بكل تعقيداته وتشعباته السياسية والثقافية‪ ،‬وهنا‬
‫بالذات تكمن أهمية البطل يف الرواية بعامة‪ ،‬وصورته يف رواية ما بعد‬
‫االستعامر بخاصة‪ ،‬كصوت ومحور فكرة رئيسة‪ ،‬ال تنفصم عن شخصية الراوي‬
‫والشخصية الثانوية والعرضية كمحاور بنيوي لها؛ عندما يرى فيها انعكاس‬
‫لصورة الذات والهوية أو صورة االغرتاب والعوملة؛ إذ مل تقل السدية املعارصة‬
‫أن "الرواية هي فن الشخصية " إال بعد أخذها باعتبار مييل إىل اليقني‪ ،‬أنه‬
‫من تلك الشخصيات ال ريب تربز ال محال شخصية البطل متمخضة عن رصاع‬
‫الواقع مع ذاته أو مع اآلخر املختلف‪ ،‬عاكسا وعيا بالتاريخ املتأزم من وجهة‬
‫‪17‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫نظر صاحب الرواية‪ ،‬مرتكزا عىل فلسفة التشكيك يف املسلامت وإعادة النظر‬
‫يف املقوالت املركزية التي شكلت حداثة حضارة اآلخر‪.‬‬
‫فالبطل ليس خاصية روائية تنتعش يف فرتة وتذوي يف أخرى‪ ،‬لكنه كان‬
‫كذلك منتعشا نوعا ما مع تجيل خطاب ما بعد الحداثة عرب الفن والفكر‬
‫الفلسفي وصوال إىل النقد األديب‪ ،‬فال مناص إذن من يعرب البطل عن فلسفة‬
‫الفرد شكال ومحتوى‪ ،‬أي اسام و مظهرا و أفكارا وأيديولوجيا يف هذه املرحلة‪،‬‬
‫فكام كان هاجس الرواية هو التساؤل الدائم عن هذا الفرد‪ ،‬أي عن البطل‬
‫الذي ميكن أن يجسد نظرة الروايئ املتفردة للوجود تساءل نقد ما بعد‬
‫االستعامر متمحورا حول الخطاب بوصفه فعال متخيال إنشائيا بدوره عن‬
‫وعي فردي مبشكالت غري فردية‪ ،‬كتلك التي تجلت منذ نشأته سنوات‬
‫الستينيات من القرن املايض بعد نرش كتاب " برشة سوداء أقنعة‬
‫بيضاء ‪ " Peau noire, masques blanches‬لفرانز فانون الصادر‬
‫العام ‪ 1952‬وكتاب "موقع الثقافة ‪ "Location of The Culture‬لهومي‬
‫بابا الصادر عام ‪ ،1994‬ثم الكتاب الذي كان له أثر قوي يف انتشار نقد أو‬
‫أدب أو دراسات ما بعد االستعامر أال وهو كتاب "االسترشاق" املفاهيم‬
‫الغربية للرشق إلدوارد سعيد العام ‪ ، 1978‬و" الثقافة واإلمربيالية " ‪ 1993‬و"‬
‫العامل والنص والناقد "كمتمامن لكتاب االسترشاق‪ ،‬وثالثتها وضعت أسس نقد‬
‫ما بعد االستعامر‪ ،‬وشكري املايض ال يريد التفصيل أكرث "وهو ينقل وصف‬
‫املرتجم محمد عناين له‪ ،‬بأن كتاب االسترشاق ال ينتقد االسترشاق وال يصف‬
‫عيوب وإمنا هو بحث يف املنهج‪ ،‬مع ذلك هو تركة مهمة كونه يفتتح حقال‬
‫من البحث األكادميي هو الخطاب االستعامري"‪ ،11‬وقد نشأت هذه النظرية‬
‫أوال يف إطار صيغة متثيل باتجاه واحد‪ ،‬وهي صيغة مقاومة‪ ،‬كآداب تتبع بالد‬
‫مستعمرة عانت من ويالت املستعمر يف ثقافتها و هويتها‪ ،‬متثلت يف الكشف‬
‫عن تركته الظاهرة والباطنة للسيطرة والهيمنة بالثقافة‪ ،‬وقد استندت عليها‬
‫الحكومات املستعمرة لبناء األيديولوجية القومية واالشرتاكية‪ .‬لكن مع‬
‫تطور االهتاممات وصوال إىل العوملة‪ ،‬برزت صيغة متثيل مضادة وإن مل تكن‬
‫يف إطار املتخيل دامئا‪ ،‬لتلفت األنظار إىل اإليحاء اإليجايب للفظة "االستعامر"‬
‫كانت يف إطار الفنون‪ ،‬كاملقاالت األدبية‪ ،‬والصحفية‪ ،‬والرسم التشكييل‪،‬‬
‫‪18‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫واملوسيقى‪ ..‬هذا التمثيل ـ املوازي ـ له خلفيته التأسيسية يف نقد خطابات‬
‫ما بعد االستعامر عند الناقد الهندي هومي بابا‪ ،‬الذي خالف إدوارد سعيد‬
‫بتوليد مفهوم "الهجونة الثقافية" يف سياق تطور نقد خطاب ما بعد‬
‫االستعامر‪ ،‬بخاصة عندما عجزت الدولة العربية الحديثة عن الخروج من‬
‫مأزق التخلف دون مساعدة من الغرب (املستعمر السابق)؛ يرى هومي بابا‬
‫باختصار أن االشتباك بني املستعمر واملستعمر مل يخل من تالقح‪ ،‬أي أن‬
‫املتسعمر تأثر به كام تأثر به املستعمر‪ ،‬بل إن االستعامر بوصفه تجربة‬
‫جوهرية وقلقة قد خلقت ذاتا جديدة للمستعمر‪ ،‬تعتمد يف جانب كبري منها‬
‫عىل خطابه اتجاه املستعمر وعالقته به‪.‬‬
‫وبعيدا عن صيغ التمثيل املؤتلفة واملوازية‪ /‬املضادة‪ ،‬ال بد من التوقف‬
‫عند أسس هالمية ما فتئ يذكرها الناقد األردين شكري املايض مارا أمامها ويف‬
‫كل مرة مرور الكرام‪ ،‬بل ويجعل من هذا املنهج إطار أكادميي مرشوع وخاص‬
‫بدول الجنوب مبا فيهم العرب لنقد اآلخر‪ ،‬لكن أليس ذلك املنهج منهجا‬
‫مشيدا عىل قاعدة هالمية عندما تقول" أن نقاد خطاب ما بعد‬
‫االستعامر الرواد كلهم باحثني تعلموا يف جامعات الغرب ومؤسساته الثقافية‬
‫ممن تعرضت بالدهم األصلية لالستعامر"‪ ،12‬لكن ماذا لو قلبنا اآلية فاحتلينا‬
‫نحن الرشق موضع الغرب؟ أوكنا لنرتكهم وبكل دميقراطية يتعلمون يف‬
‫جامعاتنا ومؤسساتنا الثقافية‪ ،‬ليؤسسوا ملنهج يهاجموننا فيه ويصفوننا عىل‬
‫ما دار أكرث من نصف قرن بأوصاف ليست موجودة فينا أصال؟ أكنا نقبل‬
‫بذلك؟ ثم كيف تنقل الحضارة والتنوير إىل الرشق‪ ،‬املستمر يف سباته هذا إن‬
‫مل تكن قد نقلتها فعال ملا حطت ركابها بالجزائر العام ‪ 1830‬ومع بدء حملة‬
‫نابليون عىل مرص العام ‪1798‬؟‬
‫هذه الحملة االسترشاقية التي أيدها املثقفون املرصيون املستنريين‬
‫بثقافة الفكر التنويري والتي حملته إليهم حملة نابليون‪ ،‬ورأوا فيها تأثريا‬
‫إيجابيا عىل أحوال الرشق العريب عموما‪ ،‬أدى إىل انقالب حقيقي ونهضة‬
‫فعلية‪ .‬فيام عارضها التيار السلفي رافضا أية آثار إيجابية لها‪ ،‬جازما بأنها‬
‫حملة عسكرية استعامرية كعهد حكم الغالب للمغلوب باملدافع واألسلحة‬

‫‪19‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫الفتاكة التي ال قبل للمرصيني بها‪ ،‬رافضني مطبعة نابليون ألنها تطبع‬
‫بالحرب املصنوع من مادة تنجس حروف القرآن‪ 13‬دومنا الرتكيز عىل نرش‬
‫التعليم واملعرفة أي الثقافة! بل فسيظهر نقد خطاب ما بعد االستعامر القائل‬
‫بتوظيف االسترشاق للمعرفة والقوة والسلطة إلخضاع الرشق كأنه خطابا‬
‫جدليا‪ ،‬هذا كله إن مل ينسف منهج نقد خطاب ما بعد االستعامر ويقتلعه‬
‫من جذوره فسيضعه يف موقعه الالئق كمنهج ضيق‪ ،‬وهو يف طور دائم من‬
‫التجريب‪ .‬هذا إن مل يكتشف زيفه‪ ،‬بكشف أداته املراوغة بالثقافة (الهوية)‬
‫املوازية أيضا الناقد والروايئ والباحث الهجني الثقافة‪ ،‬كشف التخلف السيايس‬
‫ألنظمة بلدان العامل الثالث السلطوية عن بطالن نظرية نقد خطاب ما بعد‬
‫االستعامر‪ ،‬أي تنوميها لشعوبها ضد ما يأتيها من تنوير ثقايف غريب‪ ،‬بخطاب‬
‫دمياغوجي عتيد‪ ،‬كونه ال يفعل ذلك إال بسالح الشيوعية والدكتاتورية‬
‫والقومية املعادية لإلمربيالية‪" ،‬فرواد التنوير العرب كانت لهم املقدرة عىل‬
‫استيعاب تأثريات الثقافة الغربية دون تحفظ وعقد موروثة تحول دون‬
‫التفاعل واالستفادة اإليجابية من منجزات التنوير"‪ 14‬لكن يف ظل حركات‬
‫التحرر وحروب إرسائيل تغري كل شء‪ ،‬فأصبح املنهج الغريب إمربيالية يحسن‬
‫التعامل معه ديبلوماسيا‪ ،‬فنمت العقد اتجاه التنوير املستمر والفكر األصويل‬
‫السلفي هو أول من احتضن تلك العقد وكرسها‪.‬‬
‫صحيح أن نقطة بدء منهج نقد ما بعد االستعامر قد تكون محايدة‬
‫موضوعية‪ ،‬لكن مع االستمرار والتطور‪ ،‬خضع الخطاب أحيانا دون وعي إىل‬
‫غصب وعي اآلخر‪ ،‬حينام يتكلم بطل الرواية عن وعي الرشق مثال أو الغرب‬
‫ـ أحيانا ـ وإخضاعه لفكرته األساسية ممثال له باستمرار كمن له عليه سلطة‪،‬‬
‫ثم إعادة تقديم األشياء بأيقونة تلخصه يف عبارة‪ ،‬لتشكل الفكرة الحسنة أو‬
‫السيئة عنه‪ .‬هذا ما صنعه علامء وكتاب الغرب عامة بالرشق؛ استعارة‬
‫وصورة مكثفة تنقل فحوى ما يريدون قوله‪ ،‬من جملتها أن البالد املتقدمة‬
‫الحضارة متثل ذات والبالد املتخلفة متثل آخر أقل منها دينا ودنيا‪ .‬وهو ما‬
‫فتح أبوابا للحوار بني األنا واآلخر‪ ،‬جسدت مرحلة العوملة والعوملة الثقافية‪،‬‬
‫وأعطى إقرار حق التعدد واالختالف الثقايف مرشوعية لخطاب اآلخر‬
‫املستعمر وقلل من أهمية خطاب األنا والهوية‪/‬املحلية‪ ،‬بخاصة يف ظل تزامن‬
‫‪20‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫التحول املفهومي لهذا املنهج أبستمولوجيا مع نشاطات الشبكات اإلرهابية‬
‫املنتسبة لإلسالم‪.‬‬
‫بحق‪ ،‬لقد توقع كثري من الباحثني واملفكرين انتهاء الشكل التقليدي‬
‫لالستعامر واألبـحـاث املتعلقة بـه‪ ،‬والـظـروف املحيطة‪ ،‬لكن الواقع السيايس‬
‫والثقايف اليوم يوحي بالعكس؛ حيث أصبح هذا الحقل ال يعنى فحسب‬
‫باملوقف املضاد أو املواقف االنفعالية املتحمسة‪ ،‬كالهامش‪ ،‬واملركز‪ ،‬والتاريخ‪،‬‬
‫والتهجني‪ ،‬واملستعمر واملستعمر‪ ،‬بل يعنى املواقف التفاعلية‪ ،‬وبتلك الحقبة‬
‫بصفتها مرحلة مـرت بها البرشية وتركت أثرها الكبري يف الـمـرحـلـة‬
‫الـحـالـيـة كـذلـك‪ ،‬عـلـى مـسـتـويـات عـدة‪ ،‬أبــرزهــا‪ :‬الـعالقـة مــع‬
‫اآلخـــر‪ ،‬والـمحليــة والعوملة‪ ،‬والــوعــي‪ ،‬ومفاهيم التحرر والدميقراطية‬
‫والعدل‪ .‬ومبارشة اآللية املضادة أي االستغراب عىل يد شكيب أرسالن وعبد‬
‫الوهاب املسريي‪ ،‬وحسن حنفي‪ ،‬والطيب صالح مرتكزين عىل أيديولوجياتهم‬
‫املاركسية والقومية‪ ،‬والحقيقة أن نظرية ما بعد االستعامر التي هي نظرية يف‬
‫نقد سياسة وثقافة االستعامر أثناء مرحلة االستعامر وبعده‪ ،‬أي أن نشاطها‬
‫ممتد ال نهايئ‪ ،‬بدليل بلوغها ملرحلة العوملة واملحلية بعد "الغزو الثقايف"‪،‬‬
‫وتبلورت من هذه النظرية مدرسة نقدية بدأت بالرتكيز عىل نقد الخطاب‬
‫الكولونيايل الحديث املنتج واملتمركز يف الغرب‪ ،‬ثم امتدت بعد ذلك بسبب‬
‫الطفرة املعرفية واملنهجية التي أحدثها ليشمل أوضاعا أخرى مثل دراسات‬
‫التابع وغريها‪ ،‬حتى توقف اآلن عند مفهوم االستعامر الثقايف أو الكولونيالية‬
‫الجديدة مخصبة درس الدراسات الثقافية‪.‬‬
‫ولهذا الفكر النظري ما يقابله عىل مستوى العميل ــ األديب ــ حيث ما‬
‫فتئ تيار الرواية الجديدة يجهز عىل البطل غري ما مر‪ ،‬تفكيكا لبورجوازية‬
‫املجتمع الرأساميل يف شقها املاركيس‪ ،‬ومتهيدا لسيادته املعرفية عىل الطبيعة‬
‫يف شقه الربوتستانتي‪ ،‬أي أن يصبح اإلنسان شء وسلعة فاقد لخصوصيته‬
‫الروحية يوظف كام توظف؛ موت البطل هو تعبري عن افتقاد اإلنسان‬
‫املعارص ملعامله الفردية والروحية الحيوية‪ ،‬لكن هل مات البطل فعال؟‬
‫الحقيقة أنه تحول من دور إىل دور يف كنف املجتمع‪ ،‬مختزال يف وظيفتي‬

‫‪21‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫املتعة وملء الفراغ‪ .‬وقد أدى هذا الوضع إىل ظهور الروايات الجديدة التي‬
‫صدرت يف السنوات األخرية يف املرشق العريب بالخصوص اهتامما لتصوير‬
‫أبطالها تصويرا ملحميا‪ ،‬عىل خالف ما درجت عليه العادة يف الرواية العربية‬
‫الكالسيكية‪ ،‬وعىل غرار تصوير البطل يف الروايات األوروبية إذا ما وضعنا‬
‫خلفية التنوع وغزارة التأليف لديهم بالحسبان‪ .‬البطل يف الروايات العربية‬
‫بحكم نظرة املبدع املسبقة نحى باالتجاه نحو تشكيل السد أو تبنيه إن‬
‫صح التعبري‪ ،‬أصبح عنرص فني مختفي و منتهي‪ ،‬فالروايات العربية مل تكتب‬
‫رواية البطل الروايئ‪ ،‬الذي ميكن أن يضاهي يف خلوده دون كيشوت أو‬
‫روبنسون كروزو أو زوربا اليوناين لدى األجيال‪ ،‬لعل لالستعامر دورا غري‬
‫مبارش يف ذلك‪ ،‬باستثناء شخصيات مهمة وقليلة جدا يف الروايات العربية‬
‫الحديثة عىل مستوى واسع مثل‪ :‬الجبالوي يف رواية " أوالد حارتنا" لنجيب‬
‫محفوظ‪ ،‬أو مصطفى سعيد يف "موسم الهجرة إىل الشامل" للطيب صالح‬
‫أو وليد مسعود يف "رحلة البحث عن وليد مسعود" لجربا إبراهيم جربا‪ ،‬أو‬
‫مستوى ضيق كيونس مارينا يف رواية " أصابع لوليتا" لواسيني األعرج والويل‬
‫الطاهر يف "رواية الويل الطاهر يعود إىل مقامه الزيك"‪.‬‬

‫سيكون البطل العريب نتاجا لخيبات الواقع العريب‪ ،‬عند إجراء مقابلة‬
‫الرشق بالغرب والدميقراطية باالستبداد والحرية باالستعباد "وهذا الواقع قد‬
‫عجل بتفتيت صورة البطل كمفهوم أنطولوجي‪ ،‬لكن ليس إلغائه أو اختفائه‬
‫اختفاء فنيا كليا‪ ،‬فام اختفي يف الحقيقة هو مفهوم البطولة ذاتها‪ ،‬التي‬
‫احتكرها القائد السيايس أو الحاكم"‪ 15‬ميكن أن نعترب البطل يف الرواية العربية‬
‫املعارصة هو بطل مضاد للصورة املبجلة للبطل القائد كام صنعته‬
‫األيديولوجيات السياسية املستغلة للدين استغالال سيئا‪ ،‬كالبطل القومي‬
‫االشرتايك‪ ،‬وهو يقف ضد اآلخر املتطور موقفا أخالقيا‪ ،‬حفاظا عىل أصالته‪،‬‬
‫وهو بطل ارتدى رداء دينيا صوفيا لذات الغرض‪ ،‬كأمنا ما يريد قوله هذا‬
‫البطل للبطل املقابل له هو أنه بالرغم من أنك متثل بؤرة الوجود‪ ،‬ومركز‬
‫التاريخ‪ ،‬واملنافح عن قيم الحرية والدميوقراطية وحقوق الشعوب‪ ،‬مع ذلك‬
‫سأهزمك! كام هزم أجدادي يف سياق حركات التحرر أقوى الجيوش‬
‫برش بإنسان‬‫االستعامرية؛ فالويل الطاهر بطل رواية الطاهر وطار هو بطل ّ‬
‫‪22‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫خارق يستطيع تجاوز حدود عرصه والتعجيل ببزوغ فجر جديد للبرشية كام‬
‫برش به نتشة ‪ ،F.Nitzsche‬كام أن البطل يونس مارينا بطل رواية " أصابع‬
‫لوليتا " ترعرع منذ صباه يف سياق الخطابات ما بعد الكولونيالية املناهضة‪،‬‬
‫مالحظا أن السلطة االشرتاكية تغري خطابها ناحية االنحياز لإلسالميني ضد‬
‫اليساريني والعلامنيني‪ ،‬يف شكل احتكار سلطة املعرفة احتكارا ال دميقراطيا‬
‫يتكئ عىل العنرصية‪ ،‬وبدون إرشاك املجتمع املدين (تعايل السلطة يف التصور‬
‫املاركيس) وهي يف نفس الوقت كانت تشكو من وقوعها ضحية تهميش‬
‫املركزية االستعامرية! هذا املفهوم املتغري للهامش واملركز الذي برش به‬
‫ميشيل فوكو ‪ M.Foukault‬من موقع مثقف أكادميي ال منحاز‪ ،‬قائال أن‬
‫السلطة مبدعة يف نرش املعرفة وهذه املعرفة قد تكون معرفة خاطئة من‬
‫خالل ما يسميه بالخطاب‪ .‬والخطاب يوجد يف تحول؛ "السلطة عندما تحاول‬
‫أن تنرش فكر معني تنرشه بأدوات القمع والتمويه والخداع‪ ،‬وأن هذه األدوات‬
‫تتغري بطريقة خفية أو عن طريق اإلعالم كرتويج معلومات خاطئة ولكن‬
‫يقنعون الجامهري أنها معلومات صحيحة"‪ ،16‬هذا ما سيجعل من البطل‬
‫"يونس مارينا " يحمل عبء مناوءة الخطاب املناهض لإلمربيالية محليا منذ‬
‫شبابه‪ ،‬ويجعله يسوغ خطاب العوملة يف مقابل الهوية الثقافية (اللغة‬
‫واألصالة املحلية) الحقا عند ما يتحول إىل املنفى‪/‬الغرب الجئا‪ ،‬مساهام كبطل‬
‫رومانيس مثايل حامل مشعل املهمشني؛ مضاد لخطاب السلطة يف بلده‬
‫األصيل بخاصة عندما تندلع أعامل العنف؛ وهذا ما يسمى بجدلية املركز‬
‫والهامش يف نظرية ما بعد الكولونيالية‪ ،‬منذ وضع نفسه مهمشا يف مقابل‬
‫مركز مل يربح يناضل لصالح املهمشني ضد القهر السيايس والثقايف مبا فيه‬
‫الحريات الفردية‪ .‬بالتحديد ضد سلطة املعرفة مجسدا مقولة فوكو يف تحول‬
‫الخطاب عندما يكون بيد السلطة إىل خطاب جديل بني مركز وهامش‪ ،‬بغض‬
‫النظر عن التأويالت السياسية له‪ ،‬كونه بحث يف إبستمولوجية املنهج (منهج‬
‫نقد ما بعد االستعامر)؛ والبطل يونس مارينا ههنا ينطبق عليه مصطلح‬
‫الهجونة الثقافية مثله مثل ميشيل فوكو نفسه‪ ،‬بني واقع السلطة يف الثقافة‬
‫الفرانكو ـ اشرتاكية وواقعها يف الثقافة األنجلو ـ أمريكية األكرث محايثة‬
‫للمجال الذي متارس فيه‪ ،‬وهذا كله يف إطار نقد ما بعد االستعامر‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫‪ .5‬انتهاء الهرمينوطيقا إىل البحث املزمن يف املنهج‪:‬‬
‫حالة الباحث العريب اليوم مع مناهج بعينها كعلم التأويل يف عدم‬
‫اكتامل نضجها وعدم جديتها بالقدر الكايف هي أشبه ما تكون ببدايات التنوير‬
‫يف القرن السابع عرش مع إرهاصات بزوغ آليات عمل الفكر العقيل األورويب‬
‫الحديث بعد اتكائه عىل املنهج العلمي‪ ،‬مع فرنسيس بيكون ‪Francis‬‬
‫‪ Bacon‬يف املنهج التجريبي وديكارت مع املنهج العقيل اللذين تم تجديدهام‬
‫كمنهجني واحد تجريبي منطقي أو وضعي واآلخر عقيل حديس بتجاوز‬
‫القياس األرسطو طالييس‪ ،‬وقامت بفضلهام وازدهرت علوم الطبيعة والعلوم‬
‫االجتامعية والفلسفة الديكارتية‪ ،‬ومل مييض الوقت حتى تطور النقاش حول‬
‫فلسفة العلوم‪ .‬فهل هي الحالة نفسها التي واجهت تلك البداية؟ وهي‬
‫معرتك املذاهب الفلسفية مع العقائد الدينية أي إخضاع العقل لإلميان‬
‫والفلسفة للدين‪ 17‬مازالت تواجه اليوم العرب وتشدهم إىل االنكفاء‬
‫وهم عىل أعتاب نهاية التاريخ!؟ ولعل السؤال الذي ما انفك املفكر والناقد‬
‫الراحل نرص حامد أبو زيد يطرحه‪ ،‬كمحاولة التعريف مبرشوعه النقدي عىل‬
‫خلفية استقطاب الواقع وانكفاء البحث مع اتساع الهوة بني املعرفة اإلميانية‬
‫واملعرفة العقلية‪ .‬وبني القانون النظري الوضعي املجرد والواقع العميل‬
‫الحيس كان سؤاله الداعي للتأمل‪« :‬كيف جمعنا قوة العقل وقوة التجربة‬
‫وقوة التدين؟»‪ 18‬ماضيا يف تعقيبه‪ « :‬التجربة كجزء من تحويل العقل إىل‬
‫تجربة شخصية وليس إىل أفق مجرد من القواعد‪ ،‬لو بحثت عىل تقدم‬
‫البرشية وأخذت نيوتن مثال ستجده خليط من العقل والتجربة ونسق ما من‬
‫أنساق التدين‪ ،‬ميكن أن يكون اإلميان بقيمة العلم إحداها‪ ،‬ولدينا يف تراثنا‬
‫قيمة من هذا الشكل هو ابن رشد الذي جمع بني العقالنية و التجربة‪ ،‬ومن‬
‫كليهام ينبثق التدين (‪ » )..‬ال يأيت إذن الحديث عن تجربة الباحث‪ ،‬الباحث‬
‫عن املعرفة العقلية مبعزل عن طموحه النقدي‪ ،‬باعتبار أن لألديب شاعرا كان‬
‫أو روائيا هدف يضاهي الهدف الذي يصبو إليه الناقد املفكر‪ ،‬متمثال يف‬
‫مامرسة املدينية‪ ،‬بل درجة من الوعي تسمو حتى عن ما يهدف إليه الطب‬
‫من تربئة لألجساد‪ ،‬إعالء للقيم اإلنسانية كالحرية‪ ،‬والعدالة االجتامعية‪..‬‬
‫لذلكم فإن املفكر الناقد هو مبثابة الطبيب الذي يعالج الروح‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫لعل السؤال الذي يطرح نفسه يف خضم الحديث عن حركية املنهج‬
‫النقدي العريب اآلخذة يف التبدل لتتناسب مع التيارات الفكرية املتواترة‬
‫ونظرياتها الخالقة لها متحيصا وتدقيقا؛ فمن تيار الحداثة إىل ما بعد الحداثة‬
‫التي ما إن يذوي منهجا من مناهجها حتى متدنا بآخر جديد عىل أنقاض‬
‫سابقه‪ ،‬مبرشين نحن بتيار يسمى ما بعد بعد الحداثة‪ ،‬والسؤال بقي هو‬
‫كام كان‪ :‬فيام يكمن اإلشكال ـ الذي يفسه تخلفنا ـ أيف املنهج النقدي‬
‫املستعار علم التأويل‪ /‬الهرمينوطيقا؟ أم يف أيديولوجية السياق الذي مل يتح‬
‫تشبعه بالتقليد توفري رشوط املناهج الحداثية التي تنبني عىل أسسها ما بعد‬
‫حداثة املنهج؟‬
‫‪ .6‬إشكالية املنهج أم إشكالية أيديولوجية الخطاب الديني؟‪:‬‬
‫اإلشكالية مطروحة بقوة ألن أصحاب تلك املناهج ليسوا هم اليابانيني‬
‫وال الروس وال حتى الصينيني‪ ،‬بل هم الغربيون بكل ما ترسب يف ذاكرة العرب‬
‫من رصاعات معهم بحكم التاريخ والقرب الجغرايف أوال‪ ،‬وبحكم االصطفاء‬
‫بحمل الرسالة الساموية إن صح التعبري ثانيا‪ ،‬فحينام حطت جيوش نابليون‬
‫رحالها االسترشاقية عىل أرض الكنانة طرح ذلك شكا وارتيابا حقيقيا هو‬
‫األعقد مرارة‪ ،‬بعد ذلك الذي انجرت عنه الحروب الصليبية بني الحضارتني‬
‫العربية اإلسالمية والغربية املسيحية‪ ،‬األخرية تكون متسكت حينها بحجة‬
‫حامية وتأمني الطرق إىل املقدسات املسيحية الواقعة عىل أراض عربية‪ ،‬بينام‬
‫رأى فيها العرب أنها نية مبيتة لالنتقام والنيل من الحضارة اإلسالمية عىل يد‬
‫رتشارد قلب األسد‪ ،‬قبل تبلور النزعة اإلنسانية يف فلورنسا التي مهدت‬
‫للتنوير والحداثة‪ ،‬أمال يف تراجعها و تقوقعها‪ ،‬غري أنها وجدت من يرفع‬
‫الشبهة عن تلك الفرضية يف شخص صالح الدين األيويب‪ ،‬لكن بعد سبع قرون‬
‫ونيف عن تلكم الحروب الصليبية تحمل "الحضارة" فعال إىل العرب حمال‬
‫مع حملة نابليون عىل مرص عام ‪ !1798‬يف الوقت الذي كان من املفروض أن‬
‫الحضارة تحملها أفالك مكتظة بالعلامء والنخبة وال يحملها سيل عرمرم‬
‫مدجج بأفتك وأحدث األسلحة‪ ،‬يف هذا النموذج يتبني أن سوء النية وعقلية‬
‫االستعداء وتجذرها تاريخيا بني اإلسالم واملسيحية يغذيها االختالف العقدي‬

‫‪25‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫املبني عىل أحقية كل منهام بالخالفة عىل األرض‪ ،‬وعدم تقدير كل طرف‬
‫لآلخر‪ ،‬بل وعدم استئامنه أيضا زاد‪ ،‬يقول الدكتور محمد أركون يف كتابه‬
‫"الدين والنص والحقيقة" أن الغرب هو اآلخر مل يلني جانبه لإلسالم تاريخيا‬
‫فكيف يطمع أن يحظى بقبوله والتبعية له؟ فام رض حملة نابليون لو هي‬
‫قدمت الحضارة للعرب عىل طبق من سلم وسالم عوض طبق من صفيح‬
‫ساخن‪ ،‬لعل تلك أوىل إرهاصات القطيعة والعداء الحضاري املستحكم بحكم‬
‫تشدد الفكر الديني‪ ،‬كمامرسة عملية وتجربة روحية‪ ،‬وليس تشدد الدين‬
‫كنص أو كقانون نظري؛ أي وجود أرضية السلطة التي تتكأ عليه املامرسة‬
‫الدينية يف غلوها‪.‬‬
‫وإىل أيامنا مازال السبب الرئيس ملامرسة السلطوية يعود إىل فهم‬
‫وتأويل النصوص الدينية واإلنتاجات الفكرية واألدبية فهام فلسفيا يجعل من‬
‫الحوار والتقارب مع أيا كان ممكنا‪ ،‬واضعة يف الحسبان منفعتها األيديولوجية‬
‫السياسية واملذهبية يف االعتبار‪" ،‬تنامى فهم وحضور التجربة الدينية تاريخيا‬
‫إىل درجة غطى عىل أنشطة اإلنسان وع ّد عليه أنفاسه؟ وكيف تثبتت كمصدر‬
‫للتعقل فرتات طويلة جدا‪ ،‬وعمل عىل تنحية ـ من خالله دعاته ورجاله ـ‬
‫أشكال الفهم األخرى‪ ،‬من فلسفة وعلم وفن‪ ،‬وتضايق من اإلضافات الجديدة‪،‬‬
‫فدخلت بذلك التجربة الثقافية اإلنسانية يف رصاع مرير طويل بني مكاسب‬
‫جديدة بلغتها املعارف الحداثية‪ ،‬وبني إبستميات تقليدية خافت عىل‬
‫‪19‬‬
‫مكانتها ومنظورها"‬
‫مع العلم أن حادثة اكتساح أفالك نابليون املدججة باألسلحة ملرص من‬
‫خليج أيب قري كانت بداية البداية لرصاع جديل بني فريقني من املرصيني‪ ،‬وهام‬
‫التنويريني والسلفية املتعهدين برد املعتدين‪ ،‬ورد معه ادعاءات الغزاة يف‬
‫نحورهم إىل أيامنا! ونقطة التقائهم وتحالفهم التاريخي مع السلطوية هم‬
‫"اليهود" دامئا وأبدا‪ ،‬ولكن الثابت من كل ذلك هو سؤال اتباع املنهج‪ ،‬الذي‬
‫بوأ الفرنسيني العلوم يف صورة تصدير املطبعة إىل مرص‪ « ،‬فسؤال النهضة‬

‫‪26‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫بقدوم الجيوش الفرنسية جعله مثقال بالتهم‪ ،‬فهل كانت النهضة املنشودة‬
‫نهضة صادقة أم غالف للتبعية اتجاه الغرب املستعمر»‪ ،20‬لعل تبلور خطاب‬
‫تهيب الغرب من اإلسالم تهيبا تاريخيا نكوسيا ثم استمراره يربره يف أحيانا‬
‫كثرية سلطة الهيمنة واالستقواء بالشعور الروحي عوض الربهان العقيل؛‬
‫فعندما احتفل األمريكان وحلفائهم بنقل سفارتهم إىل القدس قامت قيامة‬
‫العامل اإلسالمي ومل تقعد هرجا ومرجا بصخب العاطفة وحدها‪ ،‬فكيف‬
‫نتحدث إذاك عن حوار األديان وتقارب الحضارات؟‪ ،‬إذن كيف نربهم لهم‬
‫عن صفاء مجتمعاتنا من األنساق املتطرفة التي تقف ضد التقدم العلمي‪،‬‬
‫التي ميثلها الفكر الديني املغال يف الحذر من التعامل مع الغرب ومع‬
‫مناهجه؟ وهم عىل علم باسرتاتيجياته املستقبلية أكرث منا‪.‬‬
‫ونزعة االنكفاء والحذر السي القاسم املشرتك بني الهيمنة والشعور الديني‬
‫تجذرت تاريخيا يف املجتمعات العربية واإلسالمية عىل السواء‪ ،‬يف مرص‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،‬أفغانستان‪ ،‬تركيا‪ ..‬ومن صميم التقليد هي‪ ،‬وتقع ضد التأويل‪ ،‬ولعل‬
‫ما كشف عن هذا التحالف السي هو هزمية ‪ ،1967‬حيث تدعم املؤسسة‬
‫الدينية وباملقابل يؤازر الحكم االستبدادي؛ حيث تضع السلطوية مؤسسة‬
‫األزهر‪ ،‬وجمعية العلامء املسلمني‪ ،‬واالتحاد العاملي لعلامء املسلمني تحت‬
‫حاميتها ودستوريا أيضا‪ ،‬فتتحول اإليديولوجيا إىل دين وخطاب رسي "غري‬
‫رسمي" بيد األقوياء وتعزل نخبة املنهج أو تحيد مامرسة وتطبيقا‪ ،‬حتى لو‬
‫شكلت األغلبية‪ ،‬حتى هناك من األيديولوجيات السياسية من تنارص الفكر‬
‫الديني املتطرف الذي يقف حجر عرثة أمام التقدم العلمي عندما يتعلق‬
‫األمر مبصالحه العليا كالشيوعية مثال‪ ،‬حتى أضحت ساحة املعركة التي من‬
‫أجلها يراد من العلامنيني والنخب املثقفة واألكادميية االجتهاد‪ ،‬أخذا لناصية‬
‫العلم ومناهجه األحدث "املا بعد حداثية" عن الغرب قصد الخروج من‬
‫التخلف الحضاري ال تخرج عن بؤر ثالث أو العبني أساسيني ثالث وهم‪ :‬النص‬
‫و مؤلف النص ومدى قربه أو بعده عن املنهج النقدي الغريب يف أخذ العلم‪.‬‬
‫يف هذا االطار ما فتئ املفكرون الذين اشتغلوا عىل التأويل كثريا‪ ،‬أمثال‬
‫أدونيس‪ ،‬وحسن حنفي‪ ،‬والطيب تزيني‪ ،‬ونرص حامد أبو زيد يلحون عىل‬

‫‪27‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫رضورة االجتهاد‪ ،‬ألنه السبيل الوحيد للخروج من التخلف بأن يؤجر املجتهد‬
‫إن أصاب‪ ،‬وال يحاسب إن أخطأ‪ ،‬بينام يرى بعض النقاد املغاربة (املغرب‬
‫والجزائر) الذين تسببوا يف غموض مناهج ونظريات النقد البنيوي إال ما رحم‬
‫ربك‪ ،‬ملا استعابوها استيعاب محاكاة ومتاه‪ ،‬فتعالت عن يس التطبيق بسبب‬
‫اغرتابية الرتجمة وضبابية معانيها‪ ،‬ويف هذا الصدد يقول الناقد السعيد بن‬
‫كراد أن املنهج النقدي الغريب " كل ما نجح يف تحقيقه هو إغراق السوق‬
‫النقدية برتسانة هائلة من املصطلحات واملفاهيم‪ ،‬التي تحولت مع مرور‬
‫الزمن إىل أدوات صامء رعناء ال تحيل سوى عىل ذاتها‪ ،‬بعيدا عن غنى النص‬
‫وإحاالته الداللية املتنوعة!"‪ 21‬ولعل خاصية االنتساب إىل الله أو إىل ساموية‬
‫الحضارة من عدمها كان دامئا جوهر الرصاع التاريخي للخطاب الديني العريب‬
‫مع علامنية الغرب‪ ،‬وتحرزه منها بنوع من الغرية امللتحفة بالندية‪ ،‬والهر‬
‫مينوطيقا منهج ما بعد حدايث هدفه ترويض النص الديني باألساس‪ ،‬إذا ما‬
‫وضعنا يف االعتبار من أن العلامنية ما هي يف حقيقتها إال ثورة دينية‬
‫بروتستانتية كالفينية تحررت من سلطة الكنيسة‪ .‬كام يقول املفكر ماركس‬
‫فيرب‪« :‬الثورة الرأساملية الحديثة املنجزة يف الغرب هي ثورة ثقافية قبل كل‬
‫شء‪ ،‬ومصادرها قيم أخالقية ودينية انبثقت عن املسيحية الربوتستانتية‬
‫الكالفينية»‪ 22‬بينام تنتفي تلك الندية والغرية مع البوذية والكونفشيوسية‪،‬‬
‫ألنهام ال تنتسبان إىل السامء (إىل وحي إلهي)‪.‬‬
‫هكذا يضفي الفكر الديني عىل النص رشعية بالقداسة والكلية وبالقرف‬
‫من املنهج الذي ميس بتلك القداسة‪ ،‬من دون أن ينظر حوله إىل سنة‬
‫االختالف الكونية‪ ،‬إىل الرشق العظيم مثال؛ اليابان الصني والهند ملاذا تقدموا‬
‫وملاذا تأخر؟ أليس وراء ذلك غري التهيب من اآلخر الغريب والتعايل عن اآلخر‬
‫" العمالق الرشقي" واضع يف مخيلته عنه ما وضعه الغرب عنه ــ ال دينيون‪،‬‬
‫مجموعة مذاهب ال متت بصلة بالسامء‪ ،‬همج‪ ،‬مقاومون للتحرض ــ فلو أننا‬
‫فقط قمنا بنقد أنفسنا عندما ركب اليابان موجة الحضارة بداية القرن وتبعته‬
‫الهند مؤخرا فقط‪ ،‬وسعينا مثل ما سعيا‪ ،‬رمبا ال كانت أحوال منظومتنا‬
‫الفكرية‪-‬الدينية والسياسية عىل غري ما هي عليه‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫لكنه وقْع خطاب السلطوية كان أقوى‪ ،‬استثمر وال زال يستثمر أوارص‬
‫ارتباط الشعوب العربية بالدين "الحنيف"‪ ،‬ولعل الحالة األكرث تجليا هي‬
‫حالة السلطوية‪ 4‬يف الجزائر‪ ،‬التي لعبت عىل قيم الدين سياسيا منذ‬
‫انقالب ‪ 1965‬للبقاء يف السلطة‪ ،‬تلك السلطة التي تحولت إىل أيقونة متثل‬
‫القيم الدينية اإليجابية يف مقابل قيم اآلخر الكافر‪ /‬االستعامر كل ما لزم األمر‪،‬‬
‫بخاصة عند دنو موعد االنتخابات‪ ،‬ليقع خطابها أو ما يقع عىل "األمة" فتقع‬
‫األمة أول ما تقع يف االقتناع برضورة الحذر رفضا وانتقاء ملقتنيات اآلخر‪ ،‬حتى‬
‫ولو كان هو املنهج العلمي والنقدي الغريب؛ فعندما أول نرص حامد أبو زيد‬
‫الخطاب القرآين وخطاب احتكار السلطة له ــ اللذين منهام حاك اإلمام‬
‫الشافعي ثوبا علميا له‪ ،‬بل وقاسه عىل املقاس بشكل عجيب! ــ ومختلف‬
‫النصوص التي أخذت لها نوع من القداسة يف تراثنا الديني‪ ،‬أعني املوطأ‬
‫وصحيح البخاري وتفسري الطربي وابن كثري‪ ،‬وغريها كثري‪ ،‬املحاكية لقداسة‬
‫النص القرآين‪ .‬فمحاولة استباحة دم اإلمام الشافعي‪ ،‬الذي كفر الباحث الفذ‬
‫نرص حامد أبو زيد بسببه كأنها محاولة سفك دم منهج علم التأويل‪/‬‬
‫الهرمينوطيقا نفسه‪ ،‬الذي له أصول فلسفية أملانية‪.‬‬
‫والفلسفة الغربية مستندة عىل العقالنية والتجربة معا‪ ،‬تجرف كل ما هو‬
‫نظري قطعي كالفكر اليقيني لدى األصوليني‪ ،‬املنهج الذي له « فعل محكوم‬
‫باسرتاتيجية‪ ،‬تسعى إىل تحديد الطرق التي يتم بها تشكيل املعنى‪ ،‬وتنظيمه‬
‫داخل وقائع مادية قصد تداوله وترصيفه يف أفعال ومامرســات وسلوكيات‬
‫معينة »‪ ،23‬فالنشاط التأوييل كهذا يكاد يكون رديف تعددية املعنى الذي‬

‫‪ .4‬السلطوية أو أيديولوجيا الحكم االستبدادي معروفة منذ القدم بالبحث عما يقربها من الشعب‪،‬‬
‫الستثماره سياسيا‪ ،‬منذ عهود قديمة جدا ترجع إلى بدايات نشوء الرهبانية في عهد نوح‪ .‬وإقصاء‬
‫المعارضة الفكرية الفردية والجماعية في الحقبة اليونانية بطريقة تحريض الشعب وتعبئته ضد‬
‫فيتاغورث وسقراط‪ ،‬كما تجلت السلطوية في فترة القومية في الستينيات والسبعينيات ضد إسرائيل‬
‫واإلمبريالية الغربية‪ .‬ونفس الشيء مازالت تمارسه السلطوية في الجزائر كلما تعلق بجزائر ما بعد‬
‫‪ 1962‬في عالقة الذات مع اآلخر؛ عالقة التخلف بالتقدم ودون خوف‪ ،‬ألنها تعرف بأن الغرب‬
‫يفضلها كدكتاتورية سياسية عن الدكتاتورية الدينية التي قطعا هي من ستخلفه في حالة سقوطه‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫أوصل أبو زيد إىل نتائج عقلية محل فخر التيار العقيل‪ ،‬ومحل بغض التيارات‬
‫األيديولوجية واألصولية والنفعية‪ ،‬وبخاصة اهتدائه كام اهتدى طه حسني‬
‫قبله مستنريا مبنهج الشك‪ ،‬إىل أن األحاديث املسنودة برواية صحيحة قد‬
‫تحمل تحريف وانتحال‪ /‬وما بالك بالروايات الضعيفة السند‪ ،‬ما يعني أن‬
‫السلطة التي وضعها الشافعي لنفسه سلطة وهمية راجعة لتغييب النقد‬
‫و االجتهاد‪ ،‬وبعد املعتزلة مل تقوى الجهود العقالنية الفردية عىل نقد تلكم‬
‫السلطة‪ ،‬إذ يقول‪ « :‬الخطاب الديني حينام يرفع يف وجه العقل واالجتهاد‬
‫مبدأ ال اجتهاد فيام فيه نص إمنا يقوم بعملية خداع أيديولوجي‪ ،‬ألن ما كان‬
‫يعنيه القدماء بالنص هو الواضح القاطع الذي ال يحتمل إال معنى واحدا‪،‬‬
‫والنص بهذا املفهوم يف القرآن الكريم نادر‪ ،‬ألن معظم االحاديث النبوية‬
‫‪24‬‬
‫نقلت مبعانيها ال بألفاظها‪ ،‬باإلضافة إىل ما دخل من التزييف واالنتحال»‬
‫وبقيت اجتهادات زمرة نرص أبو زيد العقلية املستنرية باملنهج املا بعد حدايث‪،‬‬
‫وكأنها معزولة أمام خطاب النقل‪ ،‬الواقف عىل داللة التأويل كام وقف عند‬
‫املفسون والفقهاء والفـرق الكالمية وجمهور املتصوفة‪ ،‬وهو الذي لخصه‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ « :‬التأويل هو حرف اللفظ من املعنى الراجح إىل‬
‫املعنى املرجوح لدليل يقرتن به»‪ 25‬مسنود بنخب واسعة مشبعة‬
‫بثقافة تراثية كانت أو وطنية‪ ،‬لكن منتمية إىل قطاعات الطبقات االجتامعية‬
‫الكادحة التي تأكل عيشها من يد السلطوية‪.‬‬
‫وتعريف ابن تيمية هذا هو تعريف غنويص بالنسبة لنظرية الهرمينوطيقا‪،‬‬
‫ويشري بول ريكور أحد أقطابها املعارصين إىل ثالث أنواع من التأويالت‪:‬‬
‫الخالق واملجازي‪/‬األمثويل والغنويص أما األخريان فيتعارضان مع األول ويقول‪:‬‬
‫"العالقة التي تربط املعنى األول باملعنى الثاين يف املجاز أو األمثولة متثل نوعا‬
‫من الرتجمة (‪)..‬حيث يكون املعنى األول لألمثولة (الرموز واألساطري) مبثابة‬
‫لباس تخيييل يخفي وراءه معنا فلسفيا‪ ..‬ومبا أن الرمز هو قبل ـ‬
‫هريمينوطيقي يجب أن نفكر ال خلف الرموز‪ ،‬وإمنا انطالقا منها (‪ )..‬ورفض‬
‫ريكور بشدة التأويل الغنويص العرفاين للرموز واعتربه علام دوغامئيا‪/‬مذهبيا‬
‫لألسطورة يقوم عىل عقلنة الرموز وتجميدها عىل الصعيد التخيييل (‪ )..‬عىل‬
‫النقيض من ذلك ال يعامل التأويل الخالق الرمز عىل أنه فلسفة متنكرة خلف‬
‫‪30‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫غالف تخيييل‪ ،‬فالتأويل الخالق يسعى إىل أن يفكر مبا يكشفه أو يوحي به‬
‫الرمز"‪ ،26‬ومن دون شك أن هذه الرؤية مل يهتد إليها ريكور لوال غرفه من‬
‫عدة علوم‪ ،‬طريق معرفة الذات عن طريق الغريية؛ فليست العالقة انعكاس‬
‫مبارش للذات يف مرآة ذاتها‪ ،‬أو التامهي املطلق مع مثلها وعاملها الذاتوي‬
‫املغالق وإمنا هي انفتاح عىل التأويل املفتوح‪.‬‬
‫‪ .7‬إشكالية املنهج أم إشكالية الخطاب السلطوي؟‪:‬‬
‫ال مراء يف اتكاء بل توظيف الخطاب السيايس العريب املعارص لسلطة‬
‫قوية هي سلطة املجتمع الديني‪ ،‬سلطة التقاليد وعلومها الرشعية إىل درجة‬
‫ال متاثله فيه أي سلطة‪ ،‬فإذا كانت الديكتاتوريات األمريكو ــ التينية وظفت‬
‫الجرمية املنظمة وباروناتها خاصة املتاجرة باملخدرات وما شابهها للبقاء يف‬
‫الحكم واضطهاد شعوبها‪ ،‬فإن النظام السلطوي‪/‬الدكتاتورية العربية قد‬
‫وظف خطاب الدين مبا يخدم مصالحه السياسية‪ ،‬وله يف ذلك رشف السبق‬
‫تلهية ألهل الحجاز عن االنشغال بالسياسة يف العهد األموي‪ ،‬ثم يف حسن‬
‫الترصف مع التيار العقيل‪/‬املعتزلة‪ ،‬بالسعة التي جعلها الخليفة املأمون‬
‫مذهب الدولة جعلها املعتصم متحى من التاريخ يف طرفة عني؛ ففي فرتة‬
‫الستينات والسبعينات كان الفكر الشمويل هو الذي روج ملقولة أن اإلسالم‬
‫هو دين العدالة االجتامعية واالشرتاكية‪ ،‬ويف فرتة التسعينات روج لإلسالم‬
‫كدين الحرية والدميقراطية الذاتية‪/‬الشورى‪ ،‬ويف العرشيتني األخريتني بدأ‬
‫يقال أن اإلسالم هو دين السالم واألمن والحوار مع اآلخر املختلف‪ ..‬وهكذا‪.‬‬
‫ويف الجزائر تتغري املرجعية الدينية للجزائريني بني املدرسة األصولية الباديسية‬
‫اإلصالحية والصوفية التيجانية بتغري رئيس الدولة!‬
‫ولعل تأويل النص الديني الذي هو نص لغوي مجازي ــ التأويل يف أدق‬
‫معانيه هو تحديد املعاين اللغوية يف العمل األديب من خالل التحليل وإعادة‬
‫صياغة املفردات والرتاكيب ومن خالل التعليق عىل النص (‪ )..‬أما يف أوسع‬
‫معانيه فهو توضيح مرامي العمل الفني ككل ومقاصده باستخدام‬
‫وسيلة اللغة‪ 27‬ــ حسب أهواء الفرق الكالمية تبعا للقاموس السيايس‪ ،‬املناط‬
‫به االختالف بالشورى‪ ،‬مثل ما أ رول قبلها من قبل املعتزلة‪/‬العقليني‪ ،‬ومعرش‬

‫‪31‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫الصوفية املرتبطني بالسلطة السياسية العباسية‪ ،‬وخصومهم جامعة أهل‬
‫الحديث‪/‬النقليني تأويالت متناقضة‪ ،‬لدليل قاطع عىل نجاح رواد فلسفة‬
‫التأويل‪ ،‬فيللهم دلتاي وجورج غادامري ‪ H.G.Gadamer‬مبجرد أنهم متكنوا‬
‫من علم للتأويل بغية الوصول إىل نتائج مهمة تخىش‪ ،‬وتاريخ التفسري األهوايئ‬
‫للنصوص الدينية يشري إىل ذلك‪ ،‬وإعطاء الوايل واألمري والخليفة للشعراء‬
‫والعلامء واملناطقة وعلامء الكالم والبهاليل والدراويش‪ ،‬العطايا من خزائن‬
‫الدولة وبسخاء يف الرتاث العريب‪ ،‬إىل أن ترسخت ثقافة احتكارية للنصوص؛‬
‫رشاء ذمة الشاعر والفقيه املعتزيل والفنان والسيايس املعارض فيها‪ ،‬التي هي‬
‫ذمة مدنية ذاتية باملال‪ ،‬ويف االتجاهني‪ :‬املفسين األصوليني واملؤولني‬
‫العقليني‪ ،‬خشية تبلور فكر الخوارج والزنادقة واملرتدين‪ ،‬ومرشوع تطويع‬
‫املجتمع الديني والعقالين لخدمة السلطان ميثل أقىص ما ميكن أن تبلغه‬
‫علامنية الدولة يف زماننا‪ ،‬بل هي املواطنة العلامنية بحد ذاتها‪.‬‬
‫ويحسب للمعتزلة منهجهم العقيل الذي رمبا أدى إىل نتائج فكرية نرية‬
‫لو قدر له أن يستمر‪ ،‬كام استمر الدرس النقدي البالغي عند الجاحظ‪ ،‬وأيب‬
‫هالل العسكري‪ ،‬وعبد القاهر الجرجاين وغريهم‪ .‬فيحسب لنا اليوم كأمة‬
‫تراثية روح النقد العلمي وإن كان نقدا أيديولوجيا‪ ،‬نقدا غري بناء كالنقد‬
‫الغريب املوصوف بالعقالنية والتنوير‪ ،‬والدليل عىل ذلك هو أن جميع الحكام‬
‫العرب تقريبا بعد النكسة العام ‪ ،1967‬أعطوا أهمية قصوى للعلم‪ :‬مرتبة‬
‫ثانية بعد التسلح‪ ،‬وأرسلوا ألوف من الباحثني الشباب للغرب لتعلرم شتى‬
‫تقنيات الحداثة الغربية‪ ،‬وملا رجع هؤالء الباحثني خاصة من هم يف مجال‬
‫علوم اإلنسان واملجتمع وجدوا مقاومة شديدة يف تطبيق ما تعلموه‪ ،‬من لدن‬
‫السيايس والحاكم مدفوع من التيارات السلفية والنخبة غري التنويرية‪،‬‬
‫بالدعوى إىل الرتوي يف تطبيق أحدث املناهج العلمية الغربية! ولعل هذا‬
‫الفهم يكشف إذا ما كشف عن شء الطابع النفعي لأليديولوجيا‪ ،‬وافتقارها‬
‫إىل البعد األخالقي بحكم ارتباطها بالسلطة وإرادة القوة‪" ،‬فالسياسة إذن‬
‫هي الوجه اآلخر ملصطلح األيديولوجيا‪ .‬وميكن استخدام أحدهام بدل اآلخر‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫وإذا كانت األيديولوجيا‪ 5‬مضمونة تدخل ضمن الحق يف التعددية وحرية‬
‫الفكر‪ ،‬فإن لها رضرا بليغا ال ميكن نكرانه إن تركت دومنا مراقبة من املواطنني‪،‬‬
‫الذين هم الجهة الوحيدة التي بإمكانها وعرب املامرسة الواعية لحق‬
‫االنتخاب‪ ،‬أن تقلل من أرضار املامرسة األيديولوجية السيئة‪ ،‬ومتنع من تحولها‬
‫‪28‬‬
‫إىل الدكتاتوري"‬
‫هل كان بإمكان املثقف والناقد الباحث ولوج املعرتك الفكري دون‬
‫سالح النقد؟ فإذا تخيلنا يف أيامنا مثقفا غري نقدي فإننا سنسلخ عنه صفة‬
‫أنطولوجية من صفة الحضور والغياب أو الحركة والسكون فضال عن الثقافة‪،‬‬
‫يف مثل هكذا حال سيكون املواطن العادي أيضا غري قادر عىل متييز الصواب‬
‫من الخطأ يف مجتمعه فتحوم الشكوك حول مواطنيته‪ .‬فالعقلية النقدية‬
‫املرتاوحة بني شك إىل يقني فشك ثم يقني وهكذا دواليك جزء من هوية‬
‫اإلنسان يف التعاطي مع بنية العقل والوجود‪ .‬إذا افتقدت افتقد معها عنارص‬
‫كثرية جدا من هويته اإلنسانية؛ ال مراء يف أن مجتمعاتنا العربية مجتمعات‬
‫سلطوية وأبوية ومجتمعات قبلية ورثت جيناتها القابلية للهيمنة واإلخضاع‪،‬‬
‫ويف القبيلة تكون أهمية الدفاع عن القبيلة أهم من صواب الفكرة‪ ،‬إذ النقد‬
‫فعالية عقلية وذوقية‪ ،‬تتلو الفعالية األدبية التي هي فعالية إنسانية؛‬
‫" فالناقد يقوم بعمليات القراءة والتحليل والتأويل والفهم والحكم‪ ،‬وهي‬
‫عمليات ذهنية وذوقية تتدخل فيها القدرات العقلية والكفاءات الفنية عند‬

‫‪ .5‬اإليديولوجية حاجة أساسية للفرد‪ ،‬ألنها تأتي في المرتبة الرابعة بعد الحاجة إلى الطعام وإلى‬
‫الجنس وإلى األمان‪ .‬وهي حاجة أساسية للمجتمع ألنه ال يمكن تصور مجتمع حديث أو قديم دون‬
‫وجود سياسة محددة توجهه داخليا وخارجيا‪ .‬وتعتمد هذه السياسة على أيديولوجيا معينة قد تكون‬
‫دينية موروثة أو مأخوذة من إحدى الفلسفات أو تمثل مزيجا من أفكار عامة لها تطبيقات سياسية‬
‫ملموسة مثل أفكار الحرية وحقوق اإلنسان‪ .‬ينظر باقر جاسم محمد‪ :‬األيديولوجيا والسلطة السياسية‪،‬‬
‫الحوار المتمدن‪ ،‬نشر بتاريخ ‪ ،2005/11/16‬العنوان‪:‬‬
‫‪http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=50612‬‬

‫‪33‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫الناقد‪ .‬وبالنظر إىل هذه األصول التي يعول عليها يف كل عمل نقدي‪ ،‬تتأكد‬
‫‪29‬‬
‫الصفة اإلنسانية يف هذا العلم أكرث فأكرث"‬
‫ولعل يف ظل هذه املنظومة غري الطبيعية‪ ،‬تصبح العلامنية وهي املجال‬
‫الخصب الحيوي لتطبيق املنهج العلمي الغريب دون سواها عصية إىل حد‬
‫الخرافة؛ ألنه سنكون عندئذ أمام فصل الدين عن السياسة بإزاء فصال له عن‬
‫املجتمع‪ ،‬وهذا أمر مستحيل‪ ،‬من شأن منظومة "حاكمية الله" هاته كشف‬
‫نواياها بالبحث عن ذريعة للتسلط تحت مسمى اإلسالم السيايس‪ ،‬فحال‬
‫الحاكم املستبد االشرتايك يف فرتيت الستينات والسبعينات كام يف العرشيتني‬
‫األخرييتني يف أغلب الدول العربية كحال الباحث الدائم يف مناهج ما بعد‬
‫الحداثة (أبستمولوجيا) العيص عن التبييئ وعن التطويع املنهجي! وقد نجد‬
‫بعضا من النخبة األكادميية املاركسية التي يعوزها عمق التجربة‪ ،‬حتى ال‬
‫نقول عمق الروح العلمية اليوم‪ ،‬تتبع نفس األسلوب الذي نهجته املؤسسة‬
‫الدينية الرسمية اتجاه املناهج النقدية الغربية‪ ،‬يف تكريس الطابع األحادي‬
‫(الرتايث) للفكر والثقافة مستغلة رسوخها الالشعوري يف دواليب فضاء السلطة‬
‫العربية املعارصة ــ ادعاء عدم قابلية قراءة الرتاث سواء كان بالغيا أو دينيا‬
‫قراءة ما بعد حداثية ــ بل كانوا يفعلون ذلك مبكر وخبث سنوات الحرب‬
‫الباردة بإيعاز املنفعة املادية تحت تأثري مشرتك للثالوث‪" :‬الحاكم واملثقف‬
‫النخبوي والفقيه صاحب السلطة الدينية املطلقة"‪ 6‬بحسب عبد الله العروي‪،‬‬
‫وحتى أحيانا مبشاركة الويل عندما يعترب نفسه خليفة للرسول (ص) أو وسيطا‬
‫بني الله واملجتمع‪ ،‬لعل خالصة هذا التكتل املحكم الحبك‪ ،‬ذو الصبغة‬
‫النفعية القروسطية‪ ،‬هو أن يستمر تصور الرأي العام مبا فيهم األجيال‬
‫الجديدة املهجنة من طلبة العلم أن إشكالية املنهج ما بعد الحدايث ال صلة‬
‫لها بأيديولوجية بعينها‪ ،‬وإمنا هي ذات صلة بأصل ثقايف غريب مختلف‪.‬‬

‫‪ .6‬الفقيه على حسب ما ورد في ﺃدبيات النهضة العربية الحديثة ساهم بجانب السياسي وداعي‬
‫التقنية في صناعة األيديولوجية العربية المعاصرة‪ .‬ينظر عبد هللا العروي‪ :‬األيديولوجية العربية‬
‫المعاصرة‪ ٬‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬ط‪ ،1‬الدار البيضاء‪.1995 ،‬‬

‫‪34‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫الخامتة‪:‬‬
‫ــ ال ميكن لغري جاحد يف أيامنا أن يدعي مهام كانت اتجاهاته الفكرية أن‬
‫تاريخ النقد األديب قد عرف أكرث من منعطفني تاريخيني‪ ،‬بل البد من رد النقد‬
‫األديب إىل أصوله الفلسفية أوال‪ ،‬ملعرفة أن األمر يتعلق مبنعطفني‪ ،‬واحد انجر‬
‫عن فلسفة الحداثة‪ ،‬شقه األول النقد السياقي‪ ،‬وهذا النقد يوصف بأنه خارج‬
‫نيص أو بالتقليدي بالتقادم نجد منه‪ :‬املنهج التاريخي واالجتامعي واملنهج‬
‫النفيس واملناهج اللغوية‪ ،‬كاملنهج الوصفي التحلييل‪ ،‬واملعياري البالغي‬
‫واملقارن‪ ،‬وهذا النقد يسقط ما يقع خارج النص املؤلف (والسياق‬
‫االجتامعي) عىل النص أما شقه الثاين هو ذلك النقد الذي يوصف بالجدة‬
‫واملعارصة والنسقية‪ ،‬وهو نقد نصاين يبحث يف النص عن هندسته الجاملية‬
‫شكال ومحايثة وال ينبثق مضمونه‪/‬دالالته إال كتتمة لحلته‪ ،‬وتجىل يف املدرسة‬
‫الشكالنية ثم البنيوية وفروعها يف شقها الفرنيس ويف شقها األمرييك (النقد‬
‫الجديد) واآلخر هو النقد املا بعد حدايث؛ وهو الذي عني باملضمون الذي‬
‫يفرزه النص أكرث من عنايته بالشكل‪ ،‬عرف بالنقد املا بعد البنيوي كتحليل‬
‫الخطاب‪ ،‬والتأويلية‪ ،‬ونظرية التلقي‪ ،‬ونظرية ما بعد الكولونيالية‪ ،‬والنقد‬
‫الثقايف وغريها من املناهج التي عنيت كلها باملضامني متجاوزة األشكال‪،‬‬
‫فأرعبت من يرعى األشكال‪ ،‬التي هي دون محتوى أو دون فكر مقنع للعقل‪.‬‬
‫ــ ولعل نور الحقيقة غري الخافية التي انبلجت بوضوح مع توايل سطور بحثنا‬
‫هي أن املناهج البنيوية النسقية واملناهج اللغوية البالغية واألسلوبية يف‬
‫سياق الثقافة العربية اإلسالمية بقيت نسبيا بعيدة عن ذاتية الناقد ال‬
‫العتبارات املحايثة فقط‪ ،‬بل كذلك ألصالة مادتها التي هي من أصالة الذوق‬
‫واإلبداع املقرتن بروح أخالقية علمية ملن يهتدون إليها ‪ ،‬بينام دخلت املناهج‬
‫السياقية ومناهج ما بعد البنيوية مجال تكريس األمر الواقع‪ ،‬إما شدا عصبيا‬
‫متزمتا أحيانا باتجاه الرتاث الديني‪ ،‬وإما العكس اتجاه النبش يف ذلك الرتاث‬
‫قصد تعريته‪ .‬فظاهرة البحث يف املنهج يف حالة املامرسة النقدية األكادميية‬
‫العربية املعارصة‪ ،‬وكجزء ال يتجزأ من الرشق أدت إىل حالة من التوافق عىل‬
‫هوية ثقافية إنسانية كونية‪ ،‬انطالقا من الهجنة الثقافية التي متخض عنها‬

‫‪35‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫منهج نقد‪/‬أدب‪/‬نظرية ما بعد االستعامر‪ ،‬وإىل حالة من التقوميات االستباقية‬
‫واالجتهادات الغري مسبوقة ملأل الفراغات وسد الثغرات املعرفية ومعالجة‬
‫كدمات االصطدام بالحداثة ثم ما بعد الحداثة يف تراث الرشق اإلسالمي‪،‬‬
‫أفضت كلها إىل مجرد املناقشات التي دارت حول البحث يف علم‬
‫الهرمنيوطيقا‪ ،‬والتفكيكية‪ ،‬ونظرية القراءة‪ ،‬والنقد النسوي وغريها‪.‬‬
‫ــ املنهج النقدي املا بعد حدايث أو ما بعد البنيوي الخليق بثقافته الغربية‬
‫التي أنجبته منهج علمي وأداة منهجية متميزة بعقالنية وموضوعية خطابها‪.‬‬
‫وهذا ما يفس اطراد الحضارة الغربية يف النمو والتطور‪ ،‬منذ أن وجدت تلك‬
‫املناهج عىل مدار القرن العرشين‪ ،‬أما موضوعيتها فهي التي أجلتها مناقشتنا‬
‫ملنهج نقد خطاب ما بعد االستعامر الذي نشأ يف الغرب لينتقد برشاسة هذا‬
‫الغرب! وإن عكس بذلك ارتباط الرشق (العامل اإلسالمي) العلمي بالغرب‪،‬‬
‫وهذه قمة املوضوعية العلمية املفتقدة لديه‪ ،‬والواقع يعكس يف الوقت ذاته‬
‫رغبة يف اللحاق به عن طريقها‪ ،‬لكن الرسوخات الذهنية املضادة بخاصة مع‬
‫مناهج بعينها كعلم التأويل والتفكيكية آلت عىل نفسها ونأت إال أن تركن‬
‫يف كل مرة إىل تراث املايض‪ .‬لكن بالرغم من ذلك خلقت مناج ما بعد الحداثة‬
‫نقاشات حادة مستمرة من دون أن تقف منها عىل موقف رصيح (ونسبية‬
‫تطبيقاتها املتفاوتة من قطر عريب آلخر تثبت ذلك) وهو ما أطلقنا عليه‬
‫ظاهرة البحث املزمن يف املنهج أو أبستمولوجية املنهج‪/‬العلم ما بعد الحدايث‪.‬‬
‫ــ الترصف العبثي غري املحسوب العواقب قصد تكاملية منهجية مزعومة‬
‫ترصف ال واعي‪ ،‬وقد تناس ال واعيا مناهجه ومذاهبه التقليدية فالتبست من‬
‫أمامه طريق الحداثة من طريق التقليد‪ ،‬كام تلتبس طريق عىل مفرتق‬
‫الطرق‪ ،‬أهو من أجل غاية حرص املعنى ميقاربته كغاية إجرائية يف حد ذاتها‪،‬‬
‫أم إلدراك جامليته؟ وال يهم حينئذ إدراكه عن طريق توليفة منتقية مختزلة!‬
‫ال عجب أن نجد يف الخلط بني املناهج املتعددة أثر رعاية سلطوية‪،‬‬
‫وباستنفاذ الطاقة وضياع الجهد والوقت تفكيكا ألجل إعادة تركيب ميكن من‬
‫استمرارها‪ ،‬فحال التوفيق التلفيقي بني عدة مناهج متنابذة أبستمولوجيا‬
‫وإجرائيا يشبه حال السباح الذي يظل يسبح يف سباق السباحة الحرة بعدة‬

‫‪36‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬
‫أنواع من السباحات‪ ،‬ليجد يف األخري نفسه يف ذيل الرتتيب! كام أن للنص‬
‫غريزة مقاومة‪ ،‬فهو ال يحب التطويع القرصي يك يكون يف خدمة تلك املناهج‪،‬‬
‫وعندما تتالىش تلك الغريزة يتالىش معها جوهر األدب‪ .‬مع ذلك الحس السليم‬
‫قد يقتيض تطويع املناهج لتكون يف خدمة األدب رشيطة أال يجريه نفس‬
‫الناقد عىل نفس النص‪ ،‬بل نقاد متعددون عىل نص واحد أو عدة نصوص‪.‬‬
‫الهوامش‪:‬‬

‫‪ . 1‬عبد هللا عنبر‪ :‬المناهج النقدية والنظريات النصية‪ ،‬مجلة دراسات العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪،‬‬
‫المجلد ‪ ،37‬العدد ‪ ،2010 ،1‬ص‪.96‬‬
‫‪ .2‬محمد البدوي‪ :‬المنهجية في البحوث والدراسات األدبية‪ ،‬دار الطباعة للمعارف والنشر‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫ص‪. 9‬‬
‫‪ .3‬لطفية بوقربة‪ :‬تعريف المنهج‪ ،‬موقع مدونة مناهج النقد األدبي‪ ،‬نشر بتاريخ ‪ ،/11/2‬العنوان‪:‬‬
‫تعريف‪ -‬المنهج‪.https://lotficour.wordpress.com/2011/11/02/‬‬
‫‪ .4‬يوسف وغليسي‪ :‬مناهج النقد األدبي المعاصر‪ ،‬جسور للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر ‪ ،2007‬ص‬
‫‪.38‬‬
‫‪ .5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫‪ .6‬ينظر المرجع نفسه‪ ،‬من ص ‪ 39‬إلى ص ‪.48‬‬
‫‪ .7‬صالح فضل‪ :‬مناهج النقد األدبي المعاصر‪ ،‬ط‪ ،1‬ميريت للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة ‪،2002‬‬
‫ص‪.14‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ .‬وليد قصاب‪ :‬مناهج النقد األدبي رؤية إسالمية‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق ‪ ،2008‬ص‪.10‬‬
‫‪ .9‬سايمون درونغ‪ ،‬الدراسات الثقافية‪ :‬مقدمة نظرية‪ ،‬عالم الفكر‪ ،‬عدد ‪ ،425‬يونيو ‪،2015‬‬
‫ص‪.10‬‬
‫‪ .10‬عبد الوهاب المسيري وفتحي التريكي‪ :‬الحداثة وما بعد الحداثة‪ ،‬ط‪ ،3‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‬
‫‪ ،2010‬ص‪.86‬‬
‫‪ .11‬شكري عزيز الماضي‪ :‬ما بعد الكولونيالية‪ ،‬موقع الجمعية الفلسفية األردنية‪ ،‬نشر بتاريخ‬
‫‪ ، 2017/12/30‬العنوان‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v=bFNa9Ur_bQk&t=1249s :‬‬

‫‪37‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬

‫‪ . 12‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ ،ON‬نشر بتاريخ‬ ‫‪ .13‬يوسف زيدان‪ :‬مناقشة درء تعارض العقل والنقل البن تيمية‪ ،‬موقع ‪Ent‬‬
‫‪ ، 2018/3/5‬العنوان‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v=avotYNfDVZo&t=2395s :‬‬
‫‪ .14‬محمد الرميحي‪ :‬التقديم‪ ،‬عالم الفكر‪ ،‬عدد ‪ ،3‬مجلد ‪ ،29‬يناير مارس ‪ ،2001‬ص‪.6‬‬
‫‪15‬‬
‫‪ .‬بن علي لونيس‪ :‬موت البطل في الرواية‪ ..‬من رأى جثته؟‪ ،‬الخبر‪ ،‬تاريخ النشر‬
‫‪ ،20/11/2014‬العنوان‪:‬‬
‫‪https://www.djazairess.com/elkhabar/573771‬‬
‫‪ .16‬فوزي العدمي‪ :‬حفر في األركيولوجية العدمية لدى ميشيل فوكو‪ ،‬ط‪ ،1‬دار المعارف‬
‫الحكمية‪ ،‬بيروت ‪ ،2014‬ص‪.184‬‬
‫‪ .17‬رينيه ديكارت‪ :‬المقال عن المنهج‪ ،‬ترجمة محمود الخضيري‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪،‬‬
‫ط‪ ،3‬القاهرة ‪ ،1985،‬ص‪.16‬‬
‫‪ .18‬نصر حامد أبو زيد‪ :‬هكذا تكلم ابن عربي‪ ،‬ط‪ ،1‬الهيئة العامة المصرية للكتاب‪ ،‬القاهرة‬
‫‪ ،2002‬من مقدمة الكتاب‪.‬‬
‫‪ .19‬الحاج دواق‪ ،‬الدين ومكاسب المعرفة البشرية من معضلة االنكفاء إلى ضرورة االنفتاح‪،‬‬
‫سلسلة ملفات بحثية‪ ،‬عدد ‪ 03‬مايو ‪ ،2017‬ص‪.3‬‬
‫‪ .20‬محمد أركون‪ :‬الدين والنص والحقيقة‪ ،‬ط ‪ ،2‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت ‪،1995‬‬
‫ص‪.31‬‬
‫‪ .21‬سعيد بنكراد‪ :‬ممكنات النص ومحدودية النموذج النظري‪ ،‬فكر ونقد‪ ،‬عدد ‪ ،58‬أبريل‬
‫‪ ،2004‬ص‪.23‬‬
‫‪ .22‬عبد الرزاق الداوي‪ :‬الخطاب عن حرب الثقافات في الفكر الغربي‪ ،‬عالم الفكر‪ ،‬المجلس‬
‫الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬عدد ‪ ،2‬مجلد ‪ ،36‬نوفمبر وديسمبر ‪ ،2007‬ص‪.115‬‬
‫‪ .23‬سعيد بنكراد‪ :‬ممكنات النص ومحدودٌية النموذج النظري‪ ،‬فكر ونقد‪ ،‬عدد ‪ ،58‬أبريل‬
‫‪ ،2004‬ص‪.24‬‬
‫‪ .24‬نصر حامد أبو زيد‪ :‬نقد الخطاب الديني‪ ،‬ط ‪ ،2‬سينا للنشر‪ ،‬القاهرة ‪ ،1994‬ص‪.11‬‬
‫‪ .25‬عبد الرحمن محمد الجبوري‪ :‬التأويل التأسيس والمصطلح والداللة‪ ،‬مجلة جامعة كركوك‬
‫للدراسات اإلسالمية‪ ،‬العدد ‪ ،2‬المجلد ‪ ،5‬ص‪.13‬‬

‫‪38‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬

‫‪ .26‬حسام الدين درويش‪ :‬إشكالية المنهج في هيرمينوطيقا بول ريكور وعالقتها بالعلوم اإلنسانية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬ط‪ ،1‬المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬بيروت ‪ .2016‬ص‪.71-70‬‬
‫‪ .27‬سعد البازعي وميجان الرويلي‪ :‬دليل الناقد األدبي‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬ط ‪ ،3‬بيروت‬
‫‪ ،1988‬ص‪.88‬‬
‫‪ .28‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ .29‬محمد أديوان‪ :‬النص والمنهج‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬منشورات دار األمان‪ ،‬الرباط ‪ ،2006‬ص‪.65‬‬

‫املصــادر واملــراجــع‪:‬‬
‫‪ .1‬الكتب‪:‬‬
‫‪1‬ـ حسام الدين درويش‪ ،‬إشكالية املنهج يف هريمينوطيقا بول ريكور وعالقتها بالعلوم‬
‫اإلنسانية واالجتامعية نحو تأسيس هريمينوطيقا للحوار‪ ،‬ط‪ ،1‬املركز العريب لألبحاث‬
‫ودراسة السياسات‪ ،‬بريوت ‪.2016‬‬
‫‪2‬ـ رينيه ديكارت‪ ،‬املقال عن املنهج‪ ،‬ترجمة محمود الخضريي‪ ،‬الهيئة املرصية العامة‬
‫للكتاب ط‪ ،3‬القاهرة ‪.1985‬‬
‫‪3‬ـ سعد البازعي وميجان الروييل‪ ،‬دليل الناقد األديب‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬ط‪ ،3‬بريوت‬
‫‪.2002‬‬
‫‪4‬ـ صالح فضل‪ ،‬مناهج النقد األديب املعارص‪ ،‬ط‪ ،1‬مرييت للنرش والتوزيع‪ ،‬القاهرة‬
‫‪.2002‬‬
‫‪5‬ـ عبد الله العروي‪ ٬‬األيديولوجية العربية املعارصة‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ٬‬ط‪ ٬ 1‬الدار‬
‫البيضاء‪.1995 ٬‬‬
‫‪6‬ـ عبد الوهاب املسريي وفتحي الرتييك‪ ،‬الحداثة وما بعد الحداثة‪ ،‬ط‪ ،3‬دار الفكر‪،‬‬
‫دمشق ‪.2010‬‬
‫‪7‬ـ فوزي العدمي‪ ،‬حفر يف األركيولوجية العدمية لدى ميشيل فوكو‪ ،‬ط‪ ،1‬دار املعارف‬
‫الحكمية‪ ،‬بريوت ‪.2014‬‬
‫‪8‬ـ محمد أديوان‪ ،‬النص واملنهج‪ ،‬دط‪ ،‬منشورات دار األمان‪ ،‬الرباط ‪.2006‬‬
‫‪9‬ـ محمد أركون‪ ،‬الدين والنص والحقيقة‪ ،‬ط‪ ،1‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬بريوت ‪.1995‬‬
‫‪10‬ـ محمد البدوي‪ ،‬املنهجية يف البحوث والدراسات األدبية‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الطباعة‬
‫للمعارف والنرش‪ ،‬تونس ‪.1998‬‬
‫‪11‬ـ نرص حامد أبو زيد‪ ،‬هكذا تكلم ابن عريب‪ ،‬ط‪ ،1‬الهيئة العامة املرصية للكتاب‪،‬‬
‫القاهرة ‪.2002‬‬
‫‪12‬ـ نرص حامد أبو زيد‪ ،‬نقد الخطاب الديني‪ ،‬ط‪ ،1‬سينا للنرش‪ ،‬القاهرة ‪.1994‬‬
‫‪39‬‬
‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‪/‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو ‪ISSN:2437-0622‬‬

‫‪13‬ـ يوسف وغلييس‪ ،‬مناهج النقد األديب املعارص‪ ،‬ط‪ ،1‬جسور للنرش والتوزيع‪ ،‬الجزائر‬
‫‪.2007‬‬
‫‪14‬ـ ويليام دول‪ ،‬املنهج يف عرص ما بعد الحداثة‪ ،‬ترجمة خالد العوض‪ ،‬ط‪ ،1‬العبيكان‬
‫للنرش‪ ،‬الرياض ‪.2016‬‬
‫‪15‬ـ وليد قصاب‪ ،‬مناهج النقد األديب رؤية إسالمية‪ ،‬ط‪ ، 2‬دار الفكر‪ ،‬دمشق ‪.2008‬‬
‫‪ .2‬املقاالت‪:‬‬
‫‪ .1‬الحاج دواق‪« ،‬الدين ومكاسب املعرفة البرشية من معضلة االنكفاء إىل رضورة‬
‫االنفتاح»‪ ،‬سلسلة ملفات بحثية‪ ،‬عدد ‪ 03‬مايو ‪،2017‬‬
‫‪ .2‬ساميون درونغ‪« ،‬الدراسات الثقافية‪ :‬مقدمة نظرية»‪ ،‬عامل الفكر‪ ،‬عدد ‪ ،425‬يونيو‬
‫‪.2015‬‬
‫‪ .3‬سعيد بنكراد‪« ،‬ممكنات النص ومحدودية النموذج النظري»‪ ،‬فكر ونقد‪ ،‬العدد ‪،58‬‬
‫أبريل ‪.2004‬‬
‫‪ .4‬عبد الرحمن محمد الجبوري‪« ،‬التأويل التأسيس واملصطلح والداللة» مجلة جامعة‬
‫كركوك للدراسات اإلسالمية‪ ،‬العدد ‪ ،2‬املجلد‪.2010 ،‬‬
‫‪ .5‬عبد الرزاق الداوي‪« ،‬الخطاب عن حرب الثقافات يف الفكر الغريب»‪ ،‬عامل الفكر‪،‬‬
‫العدد ‪ ،2‬مجلد ‪ ،36‬نوفمرب وديسمرب ‪.2007‬‬
‫‪ .6‬عبد الله عنرب‪« ،‬املناهج النقدية والنظريات النصية»‪ ،‬دراسات العلوم اإلنسانية‬
‫واالجتامعية‪ ،‬العدد ‪ ،1‬املجلد ‪.2010 ،37‬‬
‫‪ .7‬محمد الرميحي‪« ،‬التنوير»‪ ،‬عامل الفكر‪ ،‬العدد ‪ ،3‬مجلد ‪ ،29‬يناير مارس ‪.2001‬‬
‫‪ .3‬املواقع اإللكرتونية‪:‬‬
‫‪ .1‬باقر جاسم محمد‪« ،‬األيديولوجيا والسلطة السياسية»‪ ،‬الحوار املتمدن‪،‬‬
‫‪ ،2005/11/16‬العنوان‪:‬‬
‫‪http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=50612‬‬
‫‪ .2‬بن عيل لونيس‪« ،‬موت البطل يف الرواية‪ ..‬من رأى جثته؟ »‪ ،‬صحيفة الخرب‪،‬‬
‫‪ ،2014/11/20‬العنوان‪https://www.djazairess.com/elkhabar/ :‬‬
‫‪ .3‬شكري عزيز املايض‪ :‬ما بعد الكولونيالية‪ ،‬الجمعية الفلسفية األردنية‪2017/12/30 ،‬‬
‫العنوان‪https://www.youtube.com/watch?v=bFNa9Ur_bQk&t=1249s :‬‬
‫‪ .5‬لطفي بوقربة‪ ،‬تعريف املنهج‪ ،‬مدونة مناهج النقد األديب‪،2011/11/2 ،‬‬
‫تعريف‪ -‬املنهج‪https://lotficour.wordpress.com/2011/11/02/‬‬
‫‪ .6‬يوسف زيدان‪ ،‬مناقشة درء تعارض العقل والنقل البن تيمية‪ ،‬موقع ‪،ON Ent‬‬
‫‪ ،2018/3/5‬العنوان‪:‬‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v=avotYNfDVZo&t=2395s‬‬
‫‪40‬‬
ISSN:2437-0622 ‫ تيزي وزو‬،‫جامعة مولود معمري‬/‫جملة متثالت جملة علمية أكادميية‬

Abstract in English
Epistemology of the postmodern curriculum in its Arab
contexts, the problematic of the curriculum or the
problem of authoritarianism?
Bouziane Baghloul: independent researcher in cultural
studies from Algeria
Abstract: The approach of contemporary literary criticism or
even the approach of social sciences and material sciences has
become, in its Arab contexts, a situation between a rock and a hard
place, either as an attempt to chronically search for it (it was then
distorted by compulsion from several marriages on an unexpected
basis, which is the multiplicity of qualities and talents) or as an
attempt to chronically search for it (by reducing it to come It must
be measured), which is indicated by the systemic dialectical
contradiction on both sides of the equation of the subtitle: “The
problem of methodology or the problem of authoritarianism?” As
the two sides must either be equal or negate together, rather the
presence of one and the absence of the other is an indication of a
defect. What is at the level of that system, and this means that the
atrophy of the first party in exchange for the recovery of the second
party and vice versa is practically impossible, which indicates in all
arbitrariness the bed of this research, which combines research in the
theory of criticism in contemporary literary criticism and research in
the theory of literature, i.e. "The epistemology of science" in the
philosophical sense, so how could the problem of the method not be
raised, then, in its Western context, which produced it with the
intensity that is presented in the Arab context, had it not been for its
civilization and humanity? In fact, the matter raises the link between
the problem of the curriculum and the problem of civil and human
values in backward societies. Societies that impede the application
of the approach in its western way have the values of religious
society, as in other Third World contexts, but the adoption of
authoritarianism in the Arab context is the defense of the values of
the religious demand politically, which made us replace it with the
problem of authoritarianism.
Keywords: Postcolonial criticism, hermeneutics, postmodern
approaches, epistemology, modernity - tradition.

41

You might also like