Professional Documents
Culture Documents
Kafak Loves
Kafak Loves
:المرء على أية حال ال يثرثر إال عندما يشعر مرة بشيء من السعادة ”.وهكذا كانت رسائله لألديبة في ظن كافكا“
التشيكية ،ثرثرة تلو األخرى .يتلهفان إلرسال المظاريف الجادة الفلسفية ،القلقة كعادتها ،المؤرقة كشأنه ،و الخجلة المتوردة
كقلبيهما بين العشق والكتابة والموسيقى والفن والمرض!
من كافكا إلى ميلينا“ :أنا اآلن في انتظار أحد أمرين ،إما أن تواصلي الصمت الذي سيكون معناه ال
ي ،أنا في خير حال أو باألحرى بضع سطور قالئل” .كان كافكا يوبّخ ميلينا حين تتأ ّخر في تخش عل ّ
َ
عليك أن تكوني أكثر مسؤولية ”.عتابات الرد على رسائله أو تقابل سطوره بالصمت بأن يقولِ “ :
ال ُكتاب لبعضهم رقيقة جدًا وتكاد تحث االبتسام.
كانت ميلينا في الثالثة والعشرين من العمر حين بدأت عالقتها الزوجية تنهار ،وهو ما أدى لالنفصال
التام .كما فسخ كافكا خطوبته من فليسيه باور التي ترجاها الليالي لمدة خمس سنوات كي تقبل به .ففي
ت دائما عند نقطة الزوال تماما ،وأنا عند نقطة إنهاك نفسي بنفسي” .كان رسالة لفيليس باور قال“ :أن ِ
يضغط عليها بحبه ،كما تضغط المطرقة على مسمار نحيل فيتقوس و ينثني تما ًما .فرضخت له رغم
ما يراودها من شكوك حياله .فهي ال تشعر بالدفء تجاهه ،وهما يجلسان على ذات األريكة .كيف لها
ذلك ،وهو الذي فسخ خطوبته مرتين قبل الزفاف بأيام قالئل وبها يُت ّم الثالثة.
ويحق القول أنّه كان يعاني من فوبيا الزواج .وعالقته باألطفال ليست جيدة أبدًا ،وتخلو من الود .فقد
ّ
تعرض لمحاوالت عديدة للتخلص منه ،تقودها ثالث شقيقات صغيرات يقيم معهن ،أكبرهن تكاد تبلغ
الخامسة .وكان يصفها بمحاوالت قتل ،بينما أمه التي تكور بطنها وزوجها يضحكان على عراك
األطفال المستمر معه.
كافكا لم يكن بحاجة لتبادله ميلينا الحب -كما ثقافتها وإرادتها وجمال ذهنها وحضور روحها .إيمانها
تحول لعشق ناضج،كناقدة ،به ككاتب لم يكن سببا محوريا لهذا التعلق واالفتتان بها .تعلّق سرعان ما ّ
حاوال تبديده بعقالنيتهما ،لكنه لم يصل أبدًا حد الزوال .وقد ترجمت هذا بوادره القصصية القصيرة
التي مهدت لحياته األدبيّة .فعبّر عن مشاعره تجاهها بأبسط الكلمات:
«فرانز كافكا» ( )1924 – 1883كاتب تشيكي ،ولد ببراغ لعائلة يهودية ناطقة باأللمانية ومن الطبقة
المتوسطة .رائد الكتابة الكابوسية ويعد أحد أفضل األدباء األلمان في فن الرواية والقصة القصيرة .عاش
تعرف إلى
سا وفاقدًا لألمل في كل شيء .لكن أجمل سنوات حياته كما يقول هو ،هي عندما َّ حياته معذبًا يائ ً
ميلينا و بدءا بتبادل الرسائل.
رسائله إليها ُج ِمعت في كتاب «رسائل إلى ميلينا» ،بينما فُقدت جميع رسائلها هي؛ ما شكل خسارة فادحة
عا لهذه الرسائل المتفردة بين روحين قلقتين متقلبي المزاج .في هذا المقال نعرض لفحوى هذه المناجاة وانقطا ً
بين هذا الكاتب الكبير ومعشوقته المميزة ميلينا ،والتي لم يُقدَّر لها أن تنتهي نهاية سعيدة.
كافكا :المعذب البائس
كان هيرمان ،والد كافكا ،رجل أعمال يُوصف بأنه طاغية ومستبد ،وكان غير موافق على سلوك ابنه طريق
األدب والكتابة .كتب له كافكا رسالة طويلة بعنوان «رسالة ألب» ،بث فيها كل مشاعره و معاناته التي عاشها
معه منذ طفولته ،لكنه لم يرسلها إليه .وتعد هذه الرسالة من أهم المداخل نحو فهم أعمق لشخصية كافكا .في
رسائله لميلينا ،يتحدث كافكا عن هذه الرسالة فيقول:
ً
عاجزا حتى عن محاولة النجاة، ما أخافه وعيناي مفتوحتان على اتساعهما ،بعد أن غرقت في أعماق خوفي،
هو تلك المؤامرة التي تقوم في داخلي ضد ذاتي ،تلك المؤامرة وحدها هي ما أخشاه ،وهذا ما ستفهمينه
بصورة أوضح بعد قراءة رسالتي إلى أبي ،وإن كنت لن تفهمي ذلك منها تمام الفهم مع ذلك ،ألن تلك الرسالة
قد وجهت في إحكام بالغ نحو هدفها.
ً
أثرا سيئا عليه منذ
كان والده كذلك عصبي المزاج ،وغالبًا ما كان يوجه جا ّم غضبه على ابنه كافكا؛ ما أحدث ً
طفولته األولى ،وهو ما يتبدى في خوفه الشديد ومقته في نفس الوقت للمدرسة – كما يحكي ذلك لميلينا في
إحدى رسائله إليها -و يتجلى كذلك في استصغاره لنفسه وإذاللها ،وفي شعوره بالحزن والكآبة اللذين رافقانه
طيلة حياته.
حياته االجتماعية لم تكن تسير على ما يرام ،فقد خطب مرتين (أو ثالث مرات باألحرى ،حيث خطب فتاة
منهما مرتين) لكنه في كل مرة كان يفسخ العقد ،وربما كان ذلك بسبب قلقه ومرضه .فمن المتفق عليه عمو ًما
أن كافكا عانى من االكتئاب اإلكلينيكي والقلق االجتماعي طوال حياته ،كما عانى من الصداع النصفي،
واألرق وغيرها من األمراض التي تأتي عادة بسبب الضغوط واإلجهاد المفرط ،وذاك هو السبب ذاته الذي
كان يمنعه في وقت الحق – باإلضافة إلى أسباب أخرى -من زيارة ميلينا في فيينا (لكنه زارها فيما بعد
بالرغم من التعقيدات العديدة واإلنهاك الذي أصابه جراء السفر).
لقاء في المقهى
في بداية الخريف في شهر سبتمبر/أيلول من العام ،1919وفي مقهى في براغ ،كان اللقاء األول بين فرانز
كافكا والشابة ميلينا يزينسكا ،حيث اقترحت عليه مباشرة ترجمة أعماله من األلمانية التي كان يكتب بها إلى
اللغة التشيكية ،فكانت بذلك امتدادًا له ،كأنها «كافكا» آخر يتجول في شوارع فيينا.
بعد لقائهما بدءا بالتراسل .كتب كافكا ما يقرب من 149رسالة وبطاقة بريدية 140 .رسالة منها كتبت خالل
فترة ال تزيد عن 10أشهر ،من مارس/آذار إلى ديسمبر/كانون األول من العام ،1920بمعدل يصل أحيانًا
إلى أكثر من رسالة في اليوم الواحد .أما الرسائل المتأخرة فتعود إلى العامين 1922و.1923
كانت ميلينا تتميز بمميزات عدة ،فقد كانت آنذاك امرأة شابة متزوجة مثقفة وفي بداية مشوارها كصحفية
وكاتبة قصصية ومترجمة ،وعالوة على ذلك فهي مسيحية ،مما كان يعتبر في نظر كافكا اليهودي مشكلة
مثقلة بالتعقيدات النفسية ،ويظهر ذلك جليًا في احتقاره لنفسه ألنه يهودي رغم علمه أن هذا األمر ال يمثل
كبيرا لميلينا (كون زوجها يهوديًا) ،بل يمثل مشكلة له هو مع نفسه ،وباإلضافة لطبعه الق ِلق ،فهو ً
مشكال ً
يستصغر نفسه أمام كل شيء ،فما بالك بالحبيبة التي قدرها في قلبه ال يضاهيه قدر أي شخص آخر ،بما في
ذلك نفسه؟.
ميلينا ،أنت بالنسبة لي ،لست امرأة ،أنت فتاة ،فتاة لم أر مثلها أبدًا من قبل ،لست أظن لهذا أنني سأجرؤ على
أن أقدم لك يدي أيتها الفتاة ،تلك اليد الملوثة ،والمعروقة ،المهتزة ،المترددة ،التي تتناوبها السخونة والبرودة.
أتعلمين يا ميلينا ،إنك عندما تذهبين إليه (يقصد زوجها) فإنك بذلك تخطين خطوة واسعة إلى أسفل بالنسبة
لمستواك ،لكنك إذا خطوت نحوي فسوف تتردين في الهاوية ،هل تدركين ذلك؟.
قد يبدو أن هذه الطريقة في الحط من قدر نفسه إنما هي زيف فقط ،كمن يقلل من شأنه عندما يتلقى مدي ًحا (كما
كان الحال مع دوستويفسكي مثال) ،لكن بالنسبة له ،فهذا الشعور بالنقص من اآلخرين واستصغاره لنفسه
والحط من قدرها حقيقة وطبع فيه ،وقد كتب إلى ميلينا في أحد رسائله يشرح لها ذلك.
اآلن فقط انقطع المطر الذي دام سقوطه يومين وليلة ،مع أن انقطاعه قد ال يستمر سوى لحظة ،لكنه مع ذلك
حدث يستحق أن يحتفل به المرء ،وهذا ما أفعله بالكتابة إليك .إنني أعيش هنا في خير حال ،وال يطيق الجسد
الفاني مزيدًا من العناية ،وتطل شرفة غرفتي على حديقة محاطة بسور ،تزدهر فيها الشجيرات المزهرة،
وتتعرض شرفة الغرفة ألشعة الشمس ،تزورني في الغرفة السحالي والطيور وأنواع مختلفة من الكائنات،
تزورني أزوا ًجا أزوا ًجا ،إنني أرغب رغبة شديدة في أن تكوني هنا.
سل لالطمئنان على حال شخص ما أو لغرض اإلخبار بشيء ،فإن كافكا لم وبخالف الرسائل العادية التي تر َ
يكن يكتب رسائله ال لهذا الغرض و ال لذاك ،بل كان منكبًا على نقل أحداث يومه بشكل حرفي إلى ميلينا،
مشاطرا إياها مشاعره وكأنها تشاركه نفس المكان ،وذلك ما يعبر عنه في غير ما مرة.
ً
نهارا ً
وليال؟ ال بد ما شكل تلك الشقة التي كتبت لي منها يوم السبت؟ هل هي فسيحة وخالية؟ هل أنت وحيدة؟ ً
أن يكون هذا محزنًا حقًا .على الرغم من صغر حجرتي ،فإن ميلينا الحقيقية ،تلك التي زايلتك صراحة يوم
السبت ،توجد معي هنا ،وصدقيني إنه شيء رائع جدًا ،أن أكون معها .ستكون كذبة بالنسبة لي لو قلت إنني
أفتقدك ،إنه السحر الكامل ،المؤلم ،إنك توجدين هنا مثلما أنا هنا ،إن وجودك مؤكد أكثر من وجودي ،إنك
كثيرا من وجودي في الحقيقة.
تكونين حيث أكون ،وجودك كوجودي ،و أكثر ً
ً
طويال مع كافكا ،فها هي الغيرة تنخر قلبه ،ويبدأ كل منهما في إلقاء لكن اإلحساس بالسعادة واالرتياح ال يدوم
كثيرا ما تلقي اللوم عليه لخوفه الشديد ،غير المبرر في كثير من األحيان ،والذي
اللوم على اآلخر ،كانت ً
مسيطرا عليه حتى أصبح كـتهديد دائم له.
ً أصبح
إنني أرتعش فحسب تحت وطأة الهجوم ،أعذب نفسي إلى درجة الجنون .في الحقيقة ،حياتي ،وجودي ،إنما
ضا وجودي .إنه طريقتي في المشاركة في يتألف من هذا التهديد السفلي ،فلو توقف هذا التهديد لتوقف أي ً
الحياة .فلو توقف هذا التهديد ،سأهجر الحياة بمثل سهولة وطبيعية إغالق المرء لعينيه.
مع ازدياد عدد الرسائل ،تزداد نوبات االحتقار الذاتي لدى كافكا والتقليل من شأن نفسه ،ويبدأ جلد الذات
ومحاولة العودة إليها ،ويبدأ كذلك تحليل األمور ورؤية المآل الذي ال مفر منه.
ضا يا ميلينا ،نوع الشخص الذي خطا نحوك ،إن رحلة الثمانية والثالثين عا ًما تستلقي يجب أن تتدبري أنت أي ً
خلفه ،ولما كنت يهوديًا فإن الرحلة في حقيقتها أطول بالفعل من ذلك ،فلو أنني عند منعطف عارض تبدى لي
في طريقي ،قد رأيتك ،أنت التي لم أتوقع أن أراك مطلقًا ،وأن تجيء رؤيتي لك فوق ذلك متأخرة إلى هذا
الحد ،عندئذ ال يمكنني يا ميلينا أن أصبح ملو ًحا لك ،و ال أن يهتف لك شيء في داخلي ،و ال أن أقول آالف
األشياء الحمقاء التي ال أجد لدي شيئًا منها ،وأحذف الحماقات األخرى التي أحس أن لدي منها ما يزيد عن
حاجتي.
وكما يظهر في رسائله ،فإن ميلينا هي األخرى كانت متقلبة المزاج وقلقة قلقًا يشبه أو ربما يفوق قلق
دوستويفسكي (وال عجب فإنه كان كاتبها المفضل) ،بسبب األجواء العصيبة التي سادت األوساط األدبية في
ضا ،كما لو أن المعاناة هي ذلك السلك الرفيع الذي يربطهما، فيينا في تلك الفترة ،وربما بسبب تأثيره هو أي ً
ً
حتى أنها بدأت تتوهم أنها مصابة بمرض الرئة مثله ،حتى سقطت فريسة له حقا .هنا يكتب إليها كافكا كما لو
كان هو المصاب ،ويصل إحساسه باليأس حدًا ال يطاق:
وهكذا فأنت تشعرين بالمرض كما لم تشعري به منذ عرفتك؟ وهذه المسافة التي ال يمكن اجتيازها ،باإلضافة
إلى آالمك لتجعلني أشعر كما لو كنت أنا في حجرتك وأنك ال تكادين تتعرفين علي ،وأنني أتجول بال حيلة
ذهابًا وجيئة بين الفراش والنافذة ،وأحدق في السماء الكئيبة التي بعد كل مرح السنوات المنقضية وبهجتها،
تتبدى للمرة األولى في يأسها الحقيقي ،عديمة الحيلة ،مثلي تما ًما.
ضا بسبب عالقتها بزوجها أرنست التي كانت في طور االنهيار .يتردد ذكر اسم قلق ميلينا كان في تزايد أي ً
زوج ميلينا في الرسائل المتأخرة ،حيث يظهر آنذاك جالء الحقيقة واستحالة بلوغ عالقتهما أية غاية سعيدة.
سهل االعتقاد أن فرانز كافكا لم يكن يمارس الجنس أو أنه كان يعاني نقصا ً في االنجذاب من ال ّ
الجنسي .حيث تفتقر أعماله بشكل ملحوظ لوجود أي شكل من أشكال اإلثارة الجنسيّة (النزعة
اإليروتيكيّة) .كما أن تفصيالً واضحا ً ساد في سيرته الذاتيّة أال وهو خوفه الكبير من والده ،األمر الذي
أثّر على طفولته بشكل أو آخر .وهناك هذه الصورة عنه ،كما كتبت مجلّة "سبايكد" ،على أنّه "متب ّ
ص ٌر
وحيد وشديد القدسيّة في هذا العالم الغارق بالفساد" ،كل هذا كتبه جيمس هاويس في "التنقيب عن
ي ضدّ الوثنيّة سواء كانت أدبيّة كافكا" ،واصفا ً ما اصطلح على تسميته "كافكا الحقيقي" بأنه "نس ٌج نق ّ
أو متعلّقة بالدّين" ،هو الذي "كان يتردد على بيوت الدّعارة في براغ ".رغم كونه معذّبا ً برغباته
الجنسيّة – كما وصفه صديقه وكاتب سيرته الذاتيّة ومنفّذ وصيّته ماكس برود – لم ينكر كافكا على
نفسه تمضية أوقات برفقة المومسات بصورة متكررة إضافةً إلى اهتمامه بالبورنوغرافيا.
الرواية ،ال نستغرب أن كافكا عانى نقصا ً حادا ً في الثّقة بالنفس خالل عالقتي حب لكن في جزء من ّ
عاشهما مع امرأتين –خطوبته على فيليس باور ثم عالقته بالصحافيّة التشيكيّة ميلينا يسينسكا – وقد
بحق ،مشكلتان مطالبة لكافكا "بااللتزام" هو الذي "سعى على الدوام كانت هاتان العالقتان "تعذيباً" ّ
للتهرب منه" .كما أنه أمضى معظم فترة خطوبته من فيليس بالمراسلة ،وقد قامت مكتبة "شوكين"
بنشر مراسالته الشخصيّة مع كلتا المرأتين في مجلّدات منفصلة" .لرواياته بصمة واضحة :نفس
االهتمام العصابي بالتفاصيل الدقيقة؛ نفس جنون االرتياب من تبدل موازين القوى؛ نفس مناخ
االختناق العاطفي الممتزج بصورة مفاجئة بما فيه الكفاية ،مع لحظات من الحماس والبهجة
الصبيانيّة ".هذا ما كتبته الناقدة ميتشيكو كاكوتاني في صحيفة اليويورك تايمز ،وذلك في بحثها الذي
حمل عنوان رسائل إلى فيليس عام "1988النيويورك تايمز" في بحثها الذي حمل عنوان "رسائل إلى
فيليس"عام .1988
سد رسالة الخامس والعشرين من آذار /مارس 1914 ،إلى فيليس هذه الصفات ،بما في ذلك ميل تُج ّ
كافكا إلى "توبيخ" خطيبته و"تراجع واضح" عن نيّته الزواج منها .وكجواب على سؤالها غير
الصريح فيما إذا كانت باور قد تجد فيه "الدّعم الحيوي الذي تحتاجه بال شك" كتب كافكا" ،ال شيء
صراحةً أستطيع قوله عن ذلك":
عزيزتي ف ،إن ما تريدين معرفته عني هو أمر ال أستطيع أن أمنحك إيّاه ،أستطيع أن أعطيه لك فقط
عندما أركض خلفك في التيرجارتين (حديقة في ألمانيا) ،وأنت على وشك التواري تماماً ،وأنا نفسي
أتعرض لإلذالل ككلب ،هكذا أستطيع القيام بذلك .واآلن عندما سجود؛ فقط عندما ّ على وشك ال ّ
صدد يمكنك أن ي هذا السؤال أستطيع فقط أن أقول :أحبّك يا ف ،.بك ّل جوارحي ،بهذا ال ّ تطرحين عل ّ
ص البقيّة ،عزيزتي ف ،.فأنا ال أعرف نفسي تماماً .فما ينتابني من مفاجآ ٍ
ت تثقي بي تماماً .أ ّما فيما يخ ّ
يستمر كسلسلة ال تنتهي.
ّ وخيبات أم ٍل عن نفسي،
عناصر غالبا ً ما
ٌ ك ّل هذا اإلحباط ،احتقار الذّات ،التلميحات الغامضة والخائفة ،والتشبّه بالكالب
ارتبطت بفرانز كافكا ،وعلى الرغم من اعترافه الصريح بالحب .لم يمض وقت طويل بعد أن ت ّم
تشخيص إصابته بالسل عام ،1917حتى قام كافكا بفسخ الخطوبة .في عام ،1920بدأ عالقة غراميّة
قويّة من ناحيته – مكتوبة بكثافة –مع ميلينا يسينسكا ،ظهر هذا جليّا ً في ما ت ّم جمعه من رسائله إليها.
المنظمة :عبارات اإلخالص ّ تض ّمنت هذه الرسائل األسلوب نفسه من الدوافع الشخصية واألدبية
الرقيقة التي تصل إلى طرق مظلمة وغامضة مثل "القبالت المكتوبة ...تتخاطفها األشباح على طول
الطريق" و "لقد أمضيت كل حياتي في مقاومة الرغبة بوضع حد لها ".رسالة واحدة يبدو أن العالقة
لها بميلينا على اإلطالق بل هي تجسيد لمشروع كافكا الكاتب:
أحاول باستمرار التواصل مع شيء ال يمكن إشراك الغير فيه ،لشرح شيء ال يمكن تفسيره،
وألتحدّث عن شيء أشعره أنا وحدي في عظامي وال يمكن ألحد آخر أن يحس به .من حيث الجوهر
لكن الخوف ينتشر ليصل إلى كل شيء ،الخوف من هو ليس ّإال هذا الخوف الذي تحدّثنا عنه غالباًّ ،
األمور الكبيرة كما الصغيرة ،والخوف من العجز عن نطق كلم ٍة واحدة ،على الرغم من أن هذا
توق إلى شيءٍ أكبر من كل ما هو مخيف.مجرد خوف ،بل ٌ ّ الخوف قد ال يكون
تبرر التأكيد في عنوان بحث كاكوتاني" :رسائل حب كافكا الكافكاويّة" .كما لو أنّه
مختارات كهذه ّ
ّ
ستشق استخدم هذه الرسائل كحقل تجارب لصراعاته الداخليّة المتشابكة ،شكوكه ،وهواجسه التي
ّ
طريقها إلى رواياته في النهاية .باإلضافة إلى ما نراه فيها ،من هذه الزخارف الكافكاويّة المقطرة .أبدع
كافكا خالل فترة خطبته لفيليس باور "أعماله األكثر أهمية ،بما فيها رواية "المسخ" ،وخالل عالقته
ي شخصيّا ً "القصر".
بميلينا يسينسكا تبلورت روايته المفضلة لد ّ
ورغم أن موضة مقاربة األدب عبر سيرة الكاتب الشخصية قد ولت ،أي قراءة حياة كاتب ما من خالل
أعماله ،فإن وجود المئات من رسائل كافكا المنشورة جعل أمر فصل أعماله عن حياته أمرا ً صعباً.
وقد وصف إلياس كانيتّي رسائل كافكا بأنها حوار "كان يجريه مع نفسه" ،وكل منها "تعتبر فهرسا ً
لألحداث العاطفية التي ألهمته رواية "المحاكمة" وغيرها من أعماله" .وعلى الرغم من النوبات
العاطفيّة غير المتوقعة التي انتابت كافكا ،فإن هذه الرسائل أضافت قيمة كبيرة لدعم ذلك التقييم النّقدي.
_________________________________
المقال مأخوذ من موقعopenculture.com
كافكا عاشقًا
تحول في فراشه إلي
أحالم مزعجة ،ليجد نفسه قد ّ
ٍ ذات صباح ،أفاق جاريجور سامسا من
حشرة رهيبة.
ب من
سوداويّة إلي مذه ٍ ب سوداويّةً في التّاريخ حدّ ن ْس ِ
ب ك ِّل الكتابات ال ّ أكثر كات ٍ
أن َ َم ْن يصدّق َّ
ي قاتم!» أن يكون يو ًما ما ..عاشقًا. لك من كافكاو ّ
اشتقاق اسمه «يا َ
كانت لكافكا حياة ً جنسيّة فعَّالة ،وطبقًا لصديقه «برود»؛ كافكا كان معذّبًا برغباته الجنسيّة؛
صرح أن حياته كانت عامرة ً بعالقات نسائيّة غير بريئة ،وكذلك وكاتب سيرته رينير سيتاش ّ
كبيرا
مليئة بالخوف من اإلخفاقات الجنسيّة .تردد علي بيوت الدّعارة وكان له اهتما ًما ً
ت حميمة مع نساءٍ عديدا ٍ
ت في حياته. بالبورنوغرافيا ،باإلضافة لعالقا ٍ
خطابات كافكا
في الثالث عشر من أغسطس من العام ،1914التقي كافكا بفيليس بيير ،وهي قريبة لب ْْرودْ،
والتي كانت تعمل في شركة ديكتافون (شركة أسسها جرهام بيل) .بعد أسبوعٍ من لقاءها كتب
كافكا في يوميّاته:
«اآلنسة ف .ب .عندما حللتُ عند برود في الثالث عشر من أغسطس ،كانت هي تجلس إلي
لتوها
المنضدة .لم أكن أعير اهتما ًما إلى من كانت هي .لكن باألحرى أعتقد أنها كانت ّ
محظوظة».
أسألك معروفًا قد يبدو مجنونًا إلي ح ٍد ّما والذي يجب أن أعتبره كذلك
ِ « ُم ْق ِد ٌم أنا اآلن علي أن
أكثر األشخاص دماثةً
اختبار حتي ُ
ٍ الخطاب .وهو أيضًا أعظم حيث أنا الشّخص الذي سيستلم ِ ُ ؛
ضع فيه .حسنًا ،هذا هو:
يمكن أن يُو َ
مرةً أسبوعيًّا فقط؛ لكي يص ِل ِخطابُ ِك يوم األحد .ألني ال استطيع الصمود حيال اًكتُبي لي ّ
ب واح ٍد ِ
منك، يب علي خطا ٍ قادرا علي تح ُّم ِلهم .علي سبيل المثال :أ ُ ِج ُ
ً طاباتك اليوميّة؛ لستُ
ِ ِخ
بك.
واع فقط ِ ط داخل جسدي ُك ِلّه ،و ْهو ٍ وم ْن ث َّم أرق ُد في السرير في هدوءٍ بيّن ،لكن قلبي يتخبّ ُِ
ق أُخري لشرحِ هذا ،ليس ذلك قويًّا بما فيه ال ِكفاية. بك ؛ ال يوجد – حقيقةً – طري ٌ ق أنا ِ ُمتع ِلّ ٌ
كثيرا لدرجة أال أستطيع أن
لكن ،لهذا السبب الدقيق ؛ ال أريد أن أعلم ما ترتدينه ؛ ذلك ير ِبكُني ً
أتعامل في الحياة .وهذا هو السبب أني ال أريد أن أعل َم أنَّ ِك مغرمةٌ بيْ .
وإن فعلتُ ،كيف
أستطيع – ويا لي من أحمق -أن أذهب وأجلس بمكتبي أوهنا بالمنزل بدال من التوثّب علي
معك؟»
ِ القطار بعينينين مغلقتين – فات ًحا إيّاهما فقط ،عندما أكونُ
سبت؛ أُنا ِ
شد ُِك أال تكتبي لي مج ّددًّا وأن أقطع أنا وعدًا خطاب يوم ال ّ
َ إن كنتُ أرسلتُ بالبريد ْ
الرسالة.؟ ك ُّل شيءٍ سيكو ُن علي ما يُرام.مماثالً .يا إلهي !ما الذي منعني من إرسال هذه ّ
مرةً واح ًدب أحدُنا اآلخر ّ ممكن اآلن؟ هل سيكون ذا جدوي إن كاتَ َ ٍ سلمي
ّ ولكن ،هل من ح ٍ ّل
فقط أ ُ ْ
سبوعيّا؟
ال ،لو كان ِل ُمعاناتي أن تُشْفى بمثْ ِل تلكَ الوسائل ؛ فلن تكون جادّة .وبالفعل ؛ أتوقّع أني لن
ضائعة؛ أُنا ِ
شد ُِك بما لتعويض فرصة يوم األحد ال ّ
ِ قادرا علي تح ّم ِل رسائ ِل األحد .لذا ؛ َ
أكون ً
قوة من أجلي في نهاية هذا الخطاب. لديك من ّ
ِ تبقّي
ي:
َفس كافكاو ّ
ويختتم بن ٍ
إن ُكنّا نقد ُّر حيواتنا؛ دعينا نهجرها تما ًما … ُمكبّ ٌل أنا بنفسي إلي األبد؛ هذا هو أنا ،وهذا ما
ْ
علي أن أحيا به.يجب ّ
صة في تصريحه الشهير: ّ
بالطبع لرج ٍل زاوج المتعة باأللم – خا ّ يبدو ذلك مفهوما
عا فيمتذر ً
ّ ِكر من فيليس؛ كان يصرخ بها إلحباطها إيّاه ،ثم يعود ويعتذرمر يو ٌم دون ذ ٍ
إن ّ ْ
تشعر بالذّنب ،كان دو ًما يشكو من مرضه ،صداعه ،أرقِه وعصبيّته ،ثمُ خطابه التّالي أن جعلها
تتحول نبرته إلي نبرة ال ُمح ِقّ ّق ليسألها عن العمل أوعن أشياء شخصيّة« :ماذا حدث بالضبط في
ّ
ت في المكتب؟».
بيتك يوم األحد؟»« ،ماذا ترتدين وأن ِ ِ
عزيزتي فـــ
قادرا أن أكتب معظم أحداث اليوم الها ّمة .اإلفادات الدقيقة الوقتُ هو المسا ُء متأ ّخ ًرا .لن أكون ً
إعطائك إيّاها .باستطاعتي أن أعطي ِكها علي كل ِ التي تريدينها عني عزيزتي فــــ لستُ أستطي ُع
وشك
ِ ت علي تايرجارتين ( ُم ّ
تنزهٌ عا ٌم بألمانيا ) أن ِ ْ خلفك في
ِ حال ،فقط عند المشي بمحاذا ٍة
التّواري ،وأنا علي وشك الجثوم بنفسي ،فقط عندما أُذ َّل كجرو هكذا ،أستطي ُع أن أفعل
ذلك.عندما تطرحين هذا السؤال اآلن أستطي ُع فقط أن أقول :أ ُ ِحبُّ ِك فـــ ،بأقصي حدود قواي،
يمكنك أن تثقي بي تما ًما .لكن بالنسبة للباقي يا فـــــ ،ال أعلم نفسي تما ًما .مفاجآتٌ ِ بهذا الصدد
َ
وإحباطاتٌ عن نفسي تتبع إحداها األخري بتسلس ٍل النهاية له ,ما أتمنّاه هوأن هذي المفاجآت
سار؛ بل األكثر
قواي لكي أراها ال شيء ،إال ال ّ َ واإلحباطات أن تكون لي وحدي ،سأستخد ُم ك َّل
عليك ،أضم ُن ِ
لك ذلك ؛ لكن ،ما ال أستطيع ِ سرورا من المفاجآت عن طبيعتي التي ستستحوذ
ً
ضمانه هو أن أنجح دو ًما في ذلك.
سارةٌ ،ربّما ُ
غير عالوةً علي ذلك؛ أؤمن أن عدم نضوجي؛ تلك التقلّبات في طبيعتي التي ربما ّ
سعادتك المستقبليّة معي ؛
ِ بأي حا ٍل من األحوال مصيريّة من أجل سارة ،ال تحتاج أن تكون ّ ّ
ً
ت اعتماديّة علي اآلخرين يا ف ،لربُما ت في حاج ٍة أن تتعرضي مباشرة آلثارها .لس ِ لس ِ
ت قليالً ما ستستسلمين لذلك
ت بالتأكيد تنزعين أن تكوني إعتماديّة ؛ لكن أن ِتطمحين أو ربُما أن ِ
غير مس ّمي .لن تستطيعي ِفع َل ذلك.
الرغبة إلي أج ٍل ِ
النوع من ّ
تساؤلك األخير .مع ذلك؛ إذا ما كان ممكنًا لي أن آ ُخذُ ِك كما لو َّ
أن شيئ ًا لم يكن؛ يمكنني أن ِ لدي
آخذك
ِ ضروري – هو أن
ّ أقول أن ذلك ليس مستحيالً .لكن ما هو ممك ٌن لي – في الحقيقة هو
بك ح َّد الهذيان.
مهما حدث ،وأن أتشبّث ِ
تحيّاتي،
في عام 1920التقي بميلينا ﭼـيسينسكا وبدآ عالقة دامت فترة ،تبادال رسائل عديدةُ ،ج ِ ّمعت في
المصريّة عام كتابه «رسائل إلي ميلينا» ( ت ُ ِ
رج َم للعربية عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ِ
)1997
كافكا ُمشتاقًا
شعور أننا في غرفة واحدة لها بابان متقابالن وك ٌل منَّا ممسكٌ بمقبض
ٌ «أحيانًا يكون ّ
لدي
الباب .أحدنا ينقر (برمشة عين) ،واآلخر بالفعل خلف بابه .واآلن ،أول واحد قد فعل ،إال أن
ع أن يُري.
يصرح في الحال بكلمة ،فإن الثاني يغلق الباب خلفه ولن يعود يُستطا ُ
ّ
عينيك ،في
ِ أتجول بين السطور ،تحت نور
ّ ألكتب عنه؛ أنا فقط
َ ال أستطي ُع التَّفكير في أي شيء
وسارا حتي لو أن الرأس مرهقة ومتعَبَة».
ً سار ،يبقي جميالً فمك ك َمث َ ِل ٍ
يوم ٍ ّ إتساع ِ
كافكا ال ُمعذَّب
ضجة عنسبب في أني أثير مثل هذه ال ّ «أنا قّذ ٌِر يا ميلينا ،قذارةً ال نهايةَ لها ؛ هذا هو ال ّ
طهارة كما في أعماق الجحيم .إنه التغنّي الذي ظنناه شدوطهارة .ال أحد يستطيع أن يشدو بال ّ ال ّ
المالئكة.
لمستوي أو اثنين،
ً أتعلمين عزيزتي؟ عندما تكونين مع آخرين ،من الممكن أن تنحدري تما ًما
بنفسك إلي الهاويَة».
ِ ولوتصيرين معي؛ ستقذفين
الكتابة مكافأة عذبة رائعة ،لكن مكافأة على ماذا؟ في الليل كان واض ًحا لي أنها مكافأة على
خدمة الشيطان .ربما توجد كتابة أخرى أيضًا ،لكنني ال أعرف سوى هذه.
عشقهن -هي أحد أسباب وجوهر الوجود الذي قد عاش من ّ ومن ث ّم النساء التي
كانت ال ِكتابة – ِ
أجله ؛ لوال ذلك لكان أنهي حياته باالنتحار لليأس من المرض ،الدور الذي يلقي الضوء علي
قدرة طاقة الحب علي وهب أسباب الحياة – مهما تصنّع رافضها السمو عنها – فالطبيعة
ي كافكا ..عاشقًا.
سواداو ُّ
وأخيرا ،رأينا ال ّ
ً البشرية ال يمكن التالعب بها،
ملهمات في حياة ”كافكا”
فرانز كافكا ولد عام 1883في مدينة براغ األلمانية لعائلة يهودية محافظة ،حصل على درجة
الدكتوره في القانون و مارس القانون كمهنة مدة قصيرة من الزمن ،لكنه تركه و فضل التأمل في
الكون مهما كان الثمن
انعزل فترة في حياته كسرت سنين العزلة تلك صحته فأصيب بداء السل الذي فتك به و أنهى حياته
عام 1924و كان في الواحدة و األربعين من عمره
في إحدى رسائله كتب يقول "أن يكون إلى جانبك أحد يكون متفهم ،أن يكون امرأة ،يعني أنك محاط
بعناية من كل جانب ،أنّك تملك هللا " ،و في بعض رسائل أخرى له كان يقارن كافكا بين عشيقاته
والعواصف الثلجية و الخوف و الملل ،كان في حبه حزينا و سوداويًا وحزين و هارب إنه لم يقوى
على التشبث بحبيبة حتى النهاية ،كان يتدرب دائ ًما على على الوحدة و المرارة و الفقدان ،فنجد
في كثير من نصوصه حضور كلمة "مفقود " ،كانت نساؤه و معذباته هن مصدر استعاراته
الجميلة ،غن كافكا يفضل الحب عن بعد
لذلك كان يخشى الزواج بالرغم أنه أحب وو تعرف على العديد من الفتيات إال أنه كان يخشى أن
تتعارض حياته الزوجية مع ميوله األدبية فكتب يقول "سأكون زو ًجا غير صالح ،يخونك كل ليلة
مع كتاباته "
في حياة كافكا ثالث ملهمات أشهرن ميلينا جينيسكا ،و األخريات هن فيليس باور و دورا ديامان
مـيــلـيــنـا جـيـنـيـسـكـا:
ميلينا جينيسكا ،كانت متزوجة في الرابعة و العشرين من عمرها ،كانت جميلة تفيض بكامل
األنوثة إلتقاها كافكا ذات يوم في مقهى في براغ ،و كان اللقاء األل ً
كفيال بأن يقع في عشقها و
يكتب لها العديد من الرسائل و التي صدرت مكتوبة بعنوان "رسائل إلى ميلينا "تجمع رسائله من
عام 1920حتى عام 1924كانت رسائلة لميليلنا األجمل ،ألن ميلينا نفسها كانت األجمل و األقرب
إليه من بين كل ملهماته ،كانت األكثر فه ًما له لذلك كان يشعر معها باالرتياح و الحرية ،كانت
مهتمة بألدب و الموسيقى و الفن متحررة
إلي ،لست إمرأة بل فتاة شابة ،لم أعرف في حياتي فتاة أشد صبا منك"
"بالنسبة ّ
كانت البداية بينهما حين ترجمت ميلينا قصصصا لكافكا إلى اللغة التشيكية ،من هنا بدأت
المراسالت بشكل كتابي ثم التقيا عام 1920لمدة أربعة أيام كانت األفضل في حياة كافكا بأسرها
قرارا
ً حيث صح فيها و اختفى فيها مرضه و زال خوفه ,لكن ميلينا كانت متردد و خائفة ال تمتلك
فقد كانت ميلينا متزوجة و ال تستطيع التخلي عن زوجها ،و رغم كل خوفه هو أيضَا المصاحب
لشخصيته إال أنه ال يملك ملجأ يأوي إليه غيرها و كانت رغبته فوق كل شيء أن يلقي برأسه فوق
ركبتها إلى األبد
حين انقطعت المراسالت بينهما ،و كان فقدان كافكا لميلينا كان يعني له الموت ،في نهايته التقاها
يو ًما و أعطاها مذكراته لتقرأها و تحتفظ بها
ميران – انترمياس
بنسيون أوتبورغ
عزيزتي ميلينا ،
كتبت لك مالحظة من براغ ،و بعدها من ميران .لم أحصل على جواب .في الحقيقة المالحظات ال
صمتك ال يعني سوى إشارة إلى محافظة نسبية -و هذه عادة ً ما ِ ب عاجل ،فإذا كان
تحتاج إلى جوا ٍ
شعورا بالنفور من الكتابة -فأنا راض تما ًما.
ً تعبر عن نفسها في
لالحتمال األول ،ال أملك شيء لقوله ،إذ أنه من المستبعد لي ،و كل شيء آخر هو أقرب .حول
االحتمال اآلخر ،لن أنصح –و كيف لي أن أفعل -لكن ببساطة أسأل :لما ال تخرجين من فيينا لبعض
ت غير عديمة المأوى مثل اآلخرين.
الوقت؟ بعد كل شيء ،أن ِ
ت -لسبب ال أعرفه -ال ترغبينأليست رحلة قصيرة إلى بوهيما قد تعطيك بعض النشاط ؟ و ما إذا كن ِ
مكان آخر ،ربما تكون ميران .هل تعرفينها ؟
ٍ بالذهاب إلى بوهيما ،فلما ال تذهبين إلى
صمتك و الذي يعني "ال تقلق أنا بخير ".أو لربما بعض
ِ لذا أتوقع إحدى األمرين ،إما أن تستمرين في
األسطر.
ألطف تحياتي
كافكا