You are on page 1of 8

‫جامعة القدّيس يوسف‬

‫كليّة اآلداب والعلوم اإلنسانيّة‬


‫معهد اآلداب الشّرقيّة‬
‫بيروت‬

‫الفصل الدّراسي الثّاني للعا ّم ‪2023-2022‬‬

‫مقرر‬
‫ّ‬
‫العربي الحديث‪ :‬األدباء (‪)2‬‬
‫ّ‬ ‫األدب‬

‫دراسة أقصوصة "مضجع العروس" من كتاب " األرواح المتم ّردة" لجبران خليل جبران‬

‫إعداد‬
‫ال ّطالب محمد خاسكية‬

‫مقدّم إلى‬
‫الدّكتور جورج سلهب‬

‫‪-1‬نبذة عن حياة "جبران خليل جبران" و عن اهتماماته و شخصيته و فنه االدبي‪.‬‬


‫جبران خليل جبران من أحفاد نابغة الكتاب المعاصرين األمريكيين و أوسعهم خياال‪ .‬أصله من‬
‫دمشق‪ ،‬نزح أبيه إلى قرية "بشري" و فيها ولد في كانون األول سنة ‪ .1883‬انه ذو عقيدة مسيحية مارونية‪.‬‬
‫والده "خليل جبران" و هو رجل عديم المسؤولية‪ ،‬كان شديد اليأس قانعا من دنياه بخمرة تذهبه عن مصائب‬
‫الحياة‪ ،‬إلتزم مهنة تربية األغنام و الماعز في الجرود‪ .‬و أمه " كاملة رحمة "‪ ،‬نشيطة حادة الذكاء‪ ،‬قد‬
‫تزوجت من خليل جبران و هي أرملة "حنا رحمة"‪ ،‬كان رجال طيبا و قد أنجبت منه طفال و هو بطرس‪.‬‬
‫لقد بقي جبران في عطائه الفذ يعيش على الحنين و الشوق إلى بالده‪ ،‬و بود لو يسرت له األيام سبل العودة‬
‫إلى األجواء الساحرة التي أفعمت منه البصر و الباصرة فتيا‪ ،‬و لكن رغبته تحطمت بدوره تحت وطأة السل‬
‫الذي إشتد عليه و لفظ آخر أنفاسه في نيويورك في نيسان سنة ‪.1933‬‬

‫و بذلك انتهت حياة إنسان و فنان‪ ،‬أديب شاعر و فيلسوف انتصب أمام تيار الوجود انتصاب‬
‫العنفوان‪ ،‬و الذي كان تمثاال حيا من تماثيل الفن الذي قلما تجود بها عبقرية الوجود‪ .‬جبران خليل جبران‬
‫هو رجل الطبيعة الفنية التي توترت أعصابها‪ ،‬و رقت مالمسها‪ ،‬و دقت مناطق حساسيتها‪ ،‬فكانت عالما‬
‫مزيجا من فكر عميق و إشراق نوراني و عاطفة متحسسة ألخفى المعاني و أخفى المحسوسات‪ ،‬و هو رجل‬
‫االنفرادية االجتماعية التي تريد أن تنمي الفرد بغداء المجتمع‪ ،‬و انه ذو شخصية محبوبة و حديث ممتع‪ ،‬و‬
‫عاطفة و فكر عميق‪ ،‬و لقد وصفته الشاعرة و الناقدة األمريكية الشهيرة "بربارة يونغ" أنه نوع من أنواع‬
‫اآللهة‪ ،‬إذ تقول ‪" :‬هناك جنس من أنواع اآللهة‪ ،‬ال يزال باقيا على األرض‪ ،‬ننظر إليهم حينا من الزمن‬
‫داعين إياهم رجاال و لكنهم من عنصر خالد‪ ،‬أكثر ألوهية منا نحن إن جاز لنا التعبير"‪ .‬فجبران هو خلق‬
‫جبار و رجل ساحر‪ ،‬يتمتع بقدرة عقلية عظيمة إستطاع أن يتحدى بها كل ظروف حياته الصعبة‪ ،‬إضافة‬
‫إلى هذا نجد أن األسلوب الذي مزج فيه بين مختلف المؤثرات النفسية و الثقافية التي توالت عليه غدا مدرسة‬
‫قائمة بذاتها‪ ،‬إذ حاول الكثيرون تقليدها‪ ،‬و لكنهم لم يرتقوا بتقليدهم إلى مراحل أسلوب جبران العالية و في‬
‫هذا السياق يقول المؤرخ "شارل قرم" ‪" :‬خلق هذا اللبناني أسلوبا أدبيا جديدا‪ ،‬و أوجد مدرسة في التعبير‬
‫لم تكن معروفة في اآلداب العربية‪ ،‬كان عليها أن تبقى إلى اليوم مثاال منقطع النظير للشعراء المحدثين‪،‬‬
‫هؤالء الشعراء الذين يدعون جبران أباهم و معلمهم"‪ .‬و على اإلجمال فإن السمة الخاصة التي اتسمت بها‬
‫روائع جبران الفنية سواء سطرها قلم أو خطتها ريشة هي على حد تعبير "شارل قرم" ‪" :‬في الصفاء‬
‫البسيط لذلك الماس الخالص الذي نشأ مركبا فريدا و متألقا من جميع حكمة الشرق و الغرب اللتين ألف‬
‫الحضارة‬ ‫يشرف‬ ‫أن‬ ‫يمكنه‬ ‫الذي‬ ‫السامي‬ ‫الشعر‬ ‫من‬ ‫نادر‬ ‫جوهر‬ ‫و‬ ‫بينهما‪،‬‬
‫اإلنسانية"‪.‬‬

‫لتلخيص كل ما سبق‪ ،‬نستنتج أن جبران خليل جبران هو أديب عربي لبناني مسيحي ذو نزعة إنسانية‬
‫سامية‪ ،‬ناقد إجتماعي‪ ،‬مفكر روحاني ثائر و متمرد‪ ،‬صاحب عقل حكيم و خيال واسع و أقل ما‬ ‫يمكن‬
‫أن يقال عنه أنه عبقري بطبعه ‪.‬‬

‫‪-2‬صورة المرأة عند جبران خليل جبران = لها أهمية كبرى‪.‬‬

‫لقد تولت المرأة المركز األول في حياة جبران و في أعماله الفنية‪ .‬فالمرأة هي مصدر إلهامه و‬
‫منها يستمد قوته و قوة فنه البراق‪ .‬يأتي الحب بالتساوي مع صورة المرأة حيث جبران يفرغ ما في داخله‬
‫من حب و عاطفة و أحاسيس دافئة مستمدة من هذه "المرأة‪-‬الشمس"‪ .‬نجد في كتابات جبران حقول شاسعة‬
‫مفعمة بالورود و الحياة‪ ،‬فكل وردة تجسد صورة امرأة تختلف عن غيرها ‪ :‬فنجد المرأة الحنونة و المرأة‬
‫األم و المرأة المظلومة و المرأة الثائرة و المرأة الضعيفة و المرأة القوية و الخ‪ ...‬يقول جبران خليل جبران‬
‫‪" :‬سعادة المرأة ليست بمجد الرجل وسؤده‪ ،‬وال بكرمه وحلمه‪ ،‬بل بالحب الذي يضم روحها إلى روحه‪،‬‬
‫ويسكب عواطفها في كبده‪ ،‬ويجعلها ويجعله عضوا واحدا من جسم الحياة و كلمة واحدة على شفتي هللا"‪.‬‬
‫فمن خالل ما يقوله و ما يجسده في كتاباته يمكننا مالحظة مدى اهتمامه و تعلقه بمسألة المرأة حيث يعظمها‬
‫و يجردها من اوهام و ماديات هذه الحياة الفانية المنغمسة بالملذات و خاصة ملذ ات الجسد‪ .‬فجبران يريد‬
‫ان يسترجع مكانة المرأة في المجتمع لكي تتمكن من أخذ حقوقها للوصول الى شرخ عالقة العبودية التي‬
‫بينها و بين الرجل و المجتمع‪.‬‬

‫المرأة الجبرانية هي المرأة الشامخة المتمسكة اغصانها بجذور حريتها و التي تقف بعنفوان في‬
‫وجه الظلم و العبودية و السلطات الديني ة الفاسدة و الحاكمة التي ال تكف عن غرز مخالبها في عقل و فكر‬
‫و جسد المرأة التي اصبحت ممسوحة و منعدمة الوجود‪ .‬يزيد جبران و يقول بال خوف‪" :‬أنا مديون بكل ما‬
‫هو أنا الى المرأة منذ كنت طفال حتى الساعة‪ ،‬و المرأة تفتح النوافذ في بصري و األبواب في روحي‪ .‬و‬
‫لوال المرأة األم و المرأة الشقيقة و المرأة الصديقة‪ ،‬لبقيت هاجعا مع هؤالء النائمين الذين ينشدون سكينة‬
‫العالم بغطيطهم"‪ .‬هكذا أحب جبران المرأة و قدر دورها العظيم في مراحل حياته‪ ،‬و ذلك يتضح جليا من‬
‫خالل كتابات جبران ‪ ،‬فتلك كانت كلماته الى حبيبته مي زيادة في احدى رسائله إليها ليخبرها كيف أنه لوال‬
‫المرأة ما أصبح جبران هو جبران خليل جبران الفنان الذي عشقته أوروبا‪ ،‬منذ كان طفال و حملته أمه مع‬
‫إخوته إلى بوسطن مهاجرة من لبنان و تشجيعها المستمر له و حرصها على تعليمه الفنون و بث روح‬
‫الطموح فيه‪ ،‬و المرأة الشقيقة التي يقصد بها أخته "مريانا" التي تكر ست لخدمته و رعايته أيام مرضه‪،‬‬
‫مرورا بالمعلمة "فلرونس بيرس" في مدرسته بالمهجر و التي رأت فيه موهبة الفنان و راسلت صديقة لها‪،‬‬
‫ذات نفوذ أعلى تدعى "جيسي فريمونت بيل" و هي بدورها راسلت الفنان "فريد هوالند داي" و الذي‬
‫ساعده بشكل كبير على بداية طريقه في الرسم‪ ،‬وصوال إلى "ماري هاسكل" المرأة الصديقة والتي كانت‬
‫تكبره بعشرة أعوام لكنها كانت الملهمة و المساندة طوال فترة حياته منذ عرفها حتى وفاته‪ ،‬و مي زيادة‬
‫المرأة التي عشقها و ظل يراسلها حتى أنه تمنى أن يعود و يتزوج منها لتحقق له الرومانسية الشرقية‪ .‬كان‬
‫للمرأة دور بالغ األهمي ة في تكوين شخصية "جبران" و إعطاء المالمح العامة ألعماله فقد رافقته المرأة‬
‫منذ سنين شبابه األولى ‪ ،‬لذلك كثرت أسماء النساء في حياة جبران و لكن األسماء األبرز منها و الالتي كان‬
‫لهن دور كبير في حياة جبران خليل جبران هن ‪ :‬أمه كاملة رحمة‪ ،‬و ماري هاسكل‪ ،‬و اميلي ميشيل أو‬
‫ميشلين‪ ،‬و سلمى كرامة أو حال الضاهر و مي زيادة‪.‬‬

‫‪-3‬أقصوصة مضجع العروس ‪ /‬األرواح المتمردة‪.‬‬


‫يستعرض جبران في هذه األقصوصة‪ ،‬الزواج الكرهي والظلم الصادر عن الرهبان والحكام من‬
‫خالل قصة ليلى التي تركت حبيبها لتتزوج من شخص آخر ال تكن له أية مشاعر عنادا في حبيبها سليم‬
‫الذي هجرته ظنا منها أنه يخونها بعد أن وشت لها نجيبة‪ .‬هذه األخيرة أرادت تزويجها لنسيبها و اوشت لها‬
‫بأن سليم لم يعد يحبها وب أنه كرهها‪ ،‬وطبعا نجحت في خطتها وفرقت ليلى عن سليم وأقنعت ليلى بالزواج‬
‫من شخص آخر وفي ليلة عرسها و مع اصوات الفرح والطبول رأت ليلى محبوبها الذي تركته‪ ،‬استحلفت‬
‫صديقتها سوسان بصداقتهما وكل ما هو عزيز بينهما‪ ،‬استحلفتها بالحب واالفراح و االحزان واالوجاع أن‬
‫تذهب الى حبيبها وتطلب منه أن يجتمع بها في الحديقة المجاورة للمنزل‪ ،‬ألنها تريد أن تعتذر منه عن ما‬
‫فعلته و عن سوء ظنها به‪ ،‬وكيف أن نجيبة و من الى جانبها سمموا قلبها وأفكارها بالتراهات وأوهموها‬
‫بأمور من أجل قضاء مصالحهم واستغاللها‪ .‬بعد أن تأكدت من حقيقة االمر‪ ،‬أدركت بأن سليم مظلوم وأن‬
‫تلك األخبار هي مجرد إدعاءات ال أساس لها من الصحة‪ ،‬التقت به تحت أشجار‬
‫الصفصاف‪.‬‬

‫من شدة حب سليم لليلى لم يشأ أن يفسد زوجها ويعرضها أللقاويل‪ ،‬لهذا لم ينكر ما سمعته ليلى‬
‫بل أكد خيانته لها وبأنه لم يعد يحبها وأحب أخرى‪ ،‬هنا نارا واشتعلت في قلب ليلى‪" ،‬فصارت كلبؤة فقدت‬
‫أشبالها أو كبحر أثارت أعماقه الزوابع" وأخرجت خنجرا كان بحوزتها وطعنته به هنا وعندما تراء له‬
‫الموت‪ ،‬اعترف بحبه لها وبأنه فضل كرامتها وسمعتها على حبه وهنا صعقت ليلى من هول ما سمعت‬
‫وبصوت هائل ورأس مرفوع نادت ليلى كل الحاضرين الى العرس بأن يأتوا الى العرس الحقيقي‪ ،‬وكشفت‬
‫الحقائق وعن خبث ومكر نجيبة من أجل إبعادها عن حبيبها وتزويجها لشخص آخر‪ ،‬لتغمد هي األخرى‬
‫ا لخنجر في صدرها لتلتحق بسليم‪ ،‬ثم يتقدم الكاهن في نهاية المطاف العنا كل من يفكر في مساعدة هاذان‬
‫الجسدان الملطخان بالعار "وملعونة هي األعين التي تذرف دموع الحزن على الهالكين قد حملت األبالسة‬
‫روحيهما الى الجحيم"‪ .‬إلى أن تقدمت سوسان والتي اختيرت لتكون لسانا معبرا عن كل ما يختلج الكاتب‬
‫بداخله من تمرد على الشرائع التي تستبيح قتل األحبة‪ ،‬إذا فكانت ليلى تلك العروس المتمردة التي كسرت‬
‫القيود الظالمة وفضلت الموت مع حبيبها على البقاء مع رجل اختاره الخبث والكذب عريسا لها‪ ،‬متمردة‬
‫على التقاليد والشرائع القاسية التي تحد من حرية القلب وتتحكم في العواطف باسم القانون والهيئات‬
‫االجتماعية‪.‬‬

‫‪-4‬دراسة شخصية "ليلى" = الشخصية الرئيسية في أقصوصة "مضجع العروس"‪.‬‬

‫ليلى‪ :‬الشخصية الرئيسية في مضجع العروس‪ ،‬انها شخصية محورية ذات أهمية كبيرة في‬
‫األحداث حيث ان جميع تلك األحداث تدور حولها من بداية األقصوصة حتى نهايتها‪ .‬قامت بدور بارز ومهم‬
‫حيث كانت رمز للتمرد على كل التقاليد والشرائع التي تحد من حرية القلب والعواطف‪ ،‬وصفها الكاتب‬
‫على أنها عروس جميلة وكئيبة في آن واحد ‪" :‬والعروس الجميلة تنظر بعينين كئيبتين"‪ .‬كانت ليلى ضحية‬
‫مؤامرة خبيثة وماكرة من أجل التفريق بينها وبين محبوبها سليم الذي أتهم بخيانتها مع نجيبة هذه األخيرة‬
‫التي وجدت قواها مع زوج ليلى ونصب هذه المكيدة من أجل مصالحهم وقبول ليلى الزواج منه ‪" :‬قد‬
‫أخبرتني نجيبة بأنك سلوتني وكرهتني و شغفت بحبها‪ ،‬قد ظلمتني تلك الخبيثة واحتالت على عواطفي لكي‬
‫أرضى بنسيبها عريسا" وفعال حدث ما كانت تخطط له نجيبة من خالل تسميم قلبها وعقلها وبث الشك‬
‫فيهما‪ ،‬لحين عرفت ليلى الحقا بالحقيقة الكاملة يوم زفافها‪ ،‬راجية من محبوبها السماح على سوء ظنها به‪،‬‬
‫الى أنه رفض وأكد كل تلك األقاويل عن خيانة حبها وكرهها‪ ،‬هذا كله من أجل مصلحتها وسمعتها وخوفا‬
‫عليها من كثرة كالم الناس ‪" :‬ابتعدي عني أيتها المرأة فقد سلوتك نعم سلوتك وكرهك وتعلقت بهوى غيرك‬
‫فلم يقل الناس غير الصحيح"‪ ،‬الشيء الذي صدم ليلى ألنها لم تكن تتوقع هذه االجابة إذ انها جاءت اليه‬
‫وهي متأكدة أنه سيقبل بعرضها ويسامحها بسبب حبها له ‪" :‬ال أصدق كالمك فأنت تحبني وقد قرأت معنى‬
‫الحب في عينيك وشعرت بمالمسته عندما لمست جسدك"‪ ،‬فكان ردها أنها قتلته عقابا على ما سمعته ليعترف‬
‫لها وعلى شفى خطوة من الموت بأنه كذب بكالمه حماية لها وأنه لم يتخذ غيرها حبيبة له‪ .‬هنا كانت صدمة‬
‫ليلى الكبرى‪ ،‬مما أدى الى قتل نفسها بنفس الخنجر ومعانقة روحه الطاهر‪.‬‬

‫شخصية ليلى‪ ،‬شخصية تعاني القهر والحزن‪ ،‬الندم والخيبة‪ ،‬وسط مجتمع تكبله العادات والتقاليد‬
‫والشرائع الظالمة على الرغم من أنها فتاة كسائر البنات أحبت شابا‪ ،‬لم يكن من نصيبها ولكم أن تتخيلوا‬
‫حالة الحزن واليأس التي تنتابها السيما وأنها زفت الى غير حبيبها نتيجة مؤامرة خبيثة وتبين هذا الوضع‬
‫النفسي لديها في حديثها مع سليم ‪" :‬اسمعني يا حبيبي‪ ،‬اسمعني جيدا‪ ،‬ها قد ندمت على جهالتي وتسرعي‪،‬‬
‫قد ندمت يا سليم حتى سحقت الندامة كبدي ‪ ...‬وقد أخبروني بأنك سلوتني وهجرتني وتعلقت بهوى غيري‪،‬‬
‫أخبروني بكل ذلك يا سليم وسمموا قلبي بألسنتهم ومزقوا صدري بأظافرهم ومألوا نفسي بكذبهم"‪ .‬فهي‬
‫تصف حالتا الندم والحزن اللتان خيما عليها منذ معرفتها للحقيقة بأن سليم لم يخن حبها وال لحظة‪ .‬ويظهر‬
‫أيضا في قول الكاتب‪" :‬فارتعشت العروس لهذه الكلمات وتململت كزهرة ذابلة أمام الريح ثم قالت متوجعة‪:‬‬
‫"ال أعود الى هذا المنزل ولي رمق من الحياة""‪ ،‬هنا يصف الكاتب حالتها النفسية بعد أن صدها سليم‬
‫ورفض األخذ بيدها واتهمها بالخيانة وأيضا في قوله ‪" :‬فقالت الصبية متفجعة ‪" :‬ال أصدق كالمك‪""...‬‬
‫ونلمس أيضا هذا البعد النفسي من خالل وصفها ‪ ..." :‬فتغيرت مالمحها وأبرقت عيناها وتحولت بكليتها‬
‫من االستعطاف والرجاء والتوجع والقساوة وصارت كلبؤة فقدت أشبالها"‪ .‬هنا الكاتب يصف الحالة التي‬
‫آلت اليها ليلى من تحول في مالمح الوجه والمشاعر نتيجة الصدمة التي تعرضت إليها بعدما سمعت ما قاله‬
‫محبوبها سليم‪.‬‬
‫من زاوية الحالة االجتماعية الخاصة بليلى نجدها فتاة في مقتبل العمر أحبت شخص من بني‬
‫جيلها ‪ ..." :‬من زوايا تلك القاعة حيث جلس فتى في العشرين من عمره"‪ ،‬داللة على أنها من مثل هذا‬
‫العمر‪ .‬انها شخصية ثابتة في حبها لسليم‪ ،‬ولكن نتيجة تسميم أفكارها هجرته لتذهب الى رجل آخر غني‪.‬‬
‫يظهر هذا البعد أيضا من خالل حديثها مع سوسان عندما دعتها من أجل أن تتوسل الى حبيبها حتى يلتقيان‬
‫تقو ل‪" :‬أستحلفك يا رفيقتي بالعواطف التي ضمت نفسينا مذ كنا صغيرتين‪ ،‬أستحلفك بكل ما هو عزيز لديك‬
‫في هذه الحياة‪ ...‬أستحلفك بالحب الذي يالمس أرواحنا و يجعلنا شعاعا‪ "...‬حيث يظهر هنا أن ليلى هي‬
‫شخصية وفية ومخلصة لصداقتها ووعودها‪ ،‬هي شخصية ظهرت في حالتين‪ ،‬من جهة ظهرت بشخصيتها‬
‫الضعيفة المنقاضة‪ ،‬تشغل نفسها بأقاويل الناس‪ ،‬و النادمة فيما بعد عندما تعرف حقيقة األمر وكل ذلك ما‬
‫هو اال تدبير خبيث لتزويجها بشخص آخر‪ ،‬الشيء الذي جعلها تترك سليم لتتزوج من غيره نتيجة ما سمعته‬
‫عنه لتذهب هي األخيرة الى رجل غني كهل يكبرها ال يرى فيها سوى إشباع لرغباته الجنسية‪ .‬لتظهر فيما‬
‫بعد تلك الشخصية القوية‪ ،‬بكل ما تحمله الكلمة من معنى بعد أن قتلت حبيبها حبا فيه وهوى وغيرتها عليه‪،‬‬
‫هذا الحب الذي أعطاها القوة والشجاعة لتترك روحها وتذهب الى حبيبها حيث تلتقي على جثة حبيبها وعلى‬
‫مسامع الحاضرين للعرس خطبة في جمال الحب وقساوة التقاليد التي تحاول حصرها وخنقها وتقول ‪" :‬أنتم‬
‫ال تفهمون كالمي اآلن اللجة ال تعي أغاني الكواكب"‪.‬‬

‫يظهر هذا البعد أيضا من خالل شخصيتها المتمردة التي رفضت الزواج حيث تركت العريس و‬
‫تركت الزهور التي ظفرها الكاهن إكليال فهي تترك كل شيء وراء ظهرها غير مبالية وتلحق بحبيبها مغمدة‬
‫الخنجر في صدرها لتكسر بذلك القيود الظالمة قبل أن تكبلها وتحكم عليها وتركت الشرائع التي حبكتها‬
‫التقاليد قيودا‪ .‬فضلت البطلة الرحيل مع محبوبها الى عالم اخر على أن تعيش أكبر كذبة وهي زواجها‬
‫المخطوط باألكاذيب‪ ،‬تحت قيد المادة وسيطرتها على الروح النافرة‪ .‬وفي األخير نستنتج أن البعد االجتماعي‬
‫لهذه الشخصية تشكل من خالل وعيها لما يدور حولها فهي شخصية جسدت جميع القيم‬
‫االنسانية‪.‬‬

‫‪ -5‬مقارنة قصة "ليلى" و شخصيتها مع قصة و شخصية "دونا سول دي سيلفا" في مسرحية‬
‫"هيرناني" ل "فيكتور هوغو"‪.‬‬

‫"دونا سول دي سيلفا"‪ ،‬عشيقة "هيرناني"‪ ،‬يجب ان تتزوج من دوق باستريانا‪ .‬من هنا نالحظ‬
‫مباشرة التشابه بين الشخصيتين النسويتين ‪ :‬حيث "ليلى" اضطرت ان تترك الشاب "سليم" الذي احبته حبا‬
‫جما و عشقته حتى الموت و حتى تمردت على المجمتع و وقفت في وجه الظلم القاتل‪" .‬دونا سول" تتجنب‬
‫هذا الزواج الذي ال تريده‪ ،‬فهي تمثل شخصية البطلة الرومانسية‪ ،‬التي يقدم لها جميع القصور ولكنها بدافع‬
‫الوالء سترفض كل ما يقدم لها إلتباع قلبها حتى لو كان يؤدي بها الى خسارة نفسها‪ .‬انها متعلقة بشكل قاتل‬
‫ب"هيرناني" والحب الذي يربطهما هو نفسه ما سيقودهما الى خسارة نفسهما‪ .‬بعد تجنبها لزفافها المجبر‬
‫ستتم حفلة الزفاف لهذين العاشقين‪ ،‬يرن القرن ويفهم "هيرناني" انه عليه ان يترك حبه فتقرر "دونا سول"‬
‫ان تموت مع حبها وتسمم نفسها مع "هيرناني"‪" .‬دون روي جوميز" الذي احبها و كان هذا الحب فقط من‬
‫طرفه لن يجد لديه اي رغبة في العيش بعد ذلك‪ ،‬فيطعن نفسه وينكب على اجسادهم‪.‬‬

‫فقصة "ليلى" شبيهة لقصة "دونا" حيث كانت افعال "ليلى" افعال بطلة رومانسية بطعنها لحبيبها‬
‫ظنا منها انه كان يخونها مع غيرها ‪ :‬فكانت ترفض اية خسارة و خاصة خسارة حب تعتبره اعظم من اي‬
‫شيء‪ .‬لم تكتف "ليلى" بطعن حبيبها بل طعنت نفسها بعده بعد ادراكها لخسارته‪" .‬ليلى" و "دونا" جمعا‬
‫روحيهما بأرواح كل من "سليم" و "هيرناني" ليجتمعوا جميعا في عالم اخر خال من سموم المجتمعات و‬
‫المعتقدات القذرة‪ .‬فكان الموت هو نتيجة اتباع صوت القلب‪ .‬ف"ليلى" و "دونا" هما ضحايا حب طاهر ال‬
‫يعرف الفساد‪.‬‬

‫ف من خالل هذه المقارنة نستنتج ان كل من العاشقتان هي بطلة رومانسية تتمرد و تتجه نحو التغيير‪ .‬فكانت‬
‫االمرأتان صوتا يريد ان يتلعلع و يدخل في صميم كل امرأة قد عانت من ظلم المجتمع و اضطرت الى ترك‬
‫حب عمرها لتتعفن في قفص زواجها المدبر مع زوج ال يرى فيها اال جسدها و ما يشبع رغباته فقط‪ .‬نالحظ‬
‫ان قصة مضجع العروس و قصة هيرناني تتشابهان ايضا مع قصص شكسبير كقصة "روميو و جولييت"‬
‫مثال‪...‬‬

‫نلخص كل ما سبق بعبارات رائعة لجبران حيث تختصر كل شيء عن مسألة المرأة ‪:‬‬

‫"إن العبودية الخرساء هي تلك التي تعلق الرجل بأذيال الزوجة التي يمقتها‪ ...‬وتلصق جسد المرأة بِمضجع‬
‫الزوج التي تركها وتجعلهما من الحياة بِمنزلة النعل من القدم" ‪.‬‬

‫"إن قلب المرأة ال يتغير مع الزمن و ال يتحول مع الفصول‪ ،‬قلب المرأة ينازع طويال و لكنه ال يموت‪.‬‬
‫قلب المرأة يشابه البرية التي يتخذها اإلنسان ساحة لحروبه و مذابحه‪ ،‬فهو يقتلع أشجارها ويحرق أعشابها‬
‫ويل طخ صخورها بالدماء ويغرس تربتها بالعظام و الجماجم‪ ،‬ولكنها تبقى هادئة ساكنة مطمئنة ويظل فيها‬
‫الربيع ربيعا و الخريف خريفا إلى نهاية الدهور" ‪.‬‬

‫كانت المرأة باألمس عمياء تسير في نور النهار‪ ،‬فأصبحت مبصرة تسير في ظلمة الليل‬

You might also like