You are on page 1of 71

‫التلوث النفطي‬

‫د‪ .‬حممد عبود‬

‫‪-1-‬‬
‫رئيس جملس اإلدارة‬
‫الدكتور رياض عصمت وزير الثقافة‬
‫املديرالعام‪ :‬حممود عبد الواحد‬ ‫املدير املسؤول ‪-‬‬
‫رئيـــــــــــــس التحريـــــــــــــــــــــر‪ :‬أنطوانيــــــت القـــــــــس‬
‫مستشـــــــــار التحريـــــــــــــــــــر‪ :‬الدكتور نوفل نيـوف‬

‫الطبـاعـي‪ :‬م‪.‬ماجــــــــــد الزهــــــــر‬ ‫اإلشــــــراف‬

‫‪-2-‬‬
‫مقدمة‬

‫تعتمد احل��ض��ارة اإلنسانية يف العصر احلاضر‬


‫على النفط (ال��ب�ترول) أكثر من اعتمادها على أية‬
‫م��ادة أخ��رى‪ .‬وهل��ذا فإن احلصول على النفط أصبح‬
‫قضية صراع وتنافس حاد بني االحتكارات الرأمسالية‬
‫الضخمة وسبباً لكثري من النزاعات الدولية واحلروب‬
‫اليت يشنها الغرب بقيادة الواليات املتحدة األمريكية‬
‫على الساحة الدولية بشكل عام‪ ،‬وعلى امتداد املشرق‬
‫العربي ومشال أفريقيا بوجه خاص‪.‬‬
‫لقد متيزت مخسينات القرن العشرين باكتشاف‬
‫حقول غنية ج��داً بالنفط والغاز يف منطقة اخلليج‬
‫العربي‪ ،‬كما زادت عمليات البحث والتنقيب عن النفط‬
‫وارتفعت معدالت استخراجه ومعاجلته يف مجيع أحناء‬
‫العامل‪ .‬وهكذا‪ ،‬بدأ النفط حيتل مركز الصدارة يف‬
‫ميزان التجارة والطاقة على حنو خاص‪ ،‬يف غالبية‬
‫بلدان العامل‪.‬‬
‫وبسبب حرب تشرين عام ‪/1973/‬م اليت وقعت بني‬
‫العرب والكيان الصهيوني الغاصب لفلسطني واألراضي‬
‫العربية األخ���رى‪ ،‬ب��رزت أزم��ة حقيقية للطاقة يف‬
‫‪-3-‬‬
‫السوق الدولية إثر االرتفاع احلاد ألسعار النفط أثناء‬
‫احلرب وبعدها‪ ،‬وهذا ما جعل الناس يدركون حقيقة‬
‫أن احتياطي البرتول يف العامل ليس أبدياً‪ ،‬وعليه فإنهُ‬
‫جيب االستفادة منه بصورة أكثر اقتصادية وعلى أكمل‬
‫وجه‪.‬‬
‫غري أن النزعات االقتصادية احلالية إلدارات الدول‬
‫الرأمسالية الكربى املهيمنة على العامل وطموحها يف‬
‫تأبيد سيطرهتا على ثروات وخريات الشعوب واستالهبا‬
‫هلا‪ ،‬إضافة إىل معرفة االحتياطي العاملي املؤكد من‬
‫النفط والغاز يف مناطق وجوده املنتشرة على مساحة‬
‫كل ذلك يشريُ إىل أن تلوث‬ ‫الكرة األرضية بكاملها‪ُّ ،‬‬
‫البيئة (على اليابسة ويف املياه البحرية) باملواد النفطية‬
‫أو بنواتج احرتاق مشتقاهتا املختلفة سوف يتزايد بوترية‬
‫عالية خالل العقود القادمة‪.‬‬

‫تعريف النفط مع حملة تارخيية‬

‫يُعَّرفُ النفط بأنه سائل لزج يتكون من عنصرين‬


‫أساسيني مها الكربون واهليدروجني على شكل مزيج‬
‫متجانس من مركبات خمتلفة من الفحوم اهليدروجينية‪،‬‬
‫‪-4-‬‬
‫ذو لون بين قامت أو أسود غالباً‪ ،‬ويُصادف يف بعض‬
‫األحيان عديمَ اللون‪.‬‬
‫عرف اإلنسان النفط والغاز منذ ما قبل التاريخ‪.‬‬
‫فقد أثبتت دراسة اللقى األثرية املكتشفة حتى اآلن‪ ،‬أن‬
‫النفط على ضفاف هنر الفرات كان يستخرج منذ األلف‬
‫الرابع‪ -‬السادس قبل امليالد‪ .‬لقد استخدم البابليون‬
‫مزيج النفط للحرق والتدفئة‪ ،‬كما كان النفط يستخدم‬
‫يف تلك املرحلة من تاريخ البشرية يف مناطق عديدة من‬
‫العامل ألغراض متعددة ‪ ،‬منها التداوي واالستطباب‪.‬‬
‫واستخدم اهلنود احلمر مادة النفط يف حياهتم على‬
‫حنو مبكر أيضاً‪ .‬فقد كان املقاتلون ومحاة جتمعاهتم‬
‫البشرية يدهنون أجسادهم بالنفط قبل ذهاهبم‬
‫للمعارك احلامية الوطيس يف مواجهة خصومهم أو‬
‫أعدائهم‪.‬‬
‫واستخدم املصريون القدماء اإلسفلت (النفط املخرّب)‬
‫يف عمليات حتنيط موتاهم‪ .‬كما استخدمت املشتقات‬
‫النفطية الثقيلة وال تزال يف أعمال البناء املختلفة‬
‫وخباصة عمليات عزل أسقف البيوت وجدراهنا بغية‬
‫محايتها من تسرب الرطوبة واملياه وتقلبات الطقس‬
‫املختلفة‪.‬‬
‫‪-5-‬‬
‫وشكل النفط وسيلة لالحرتاق واإلنارة‪ ،‬وهلذا دخل‬
‫التاريخ حتت اسم « النار اإلغريقية»‪ .‬أما يف الوقت‬
‫احلاضر فقد أصبح النفط أحد أهم مقومات االقتصاد‬
‫العاملي اليت حتدد سياسة الدول الرأمسالية والعوملة‬
‫اجلديدة‪.‬‬

‫عصر النفط وظهور املنتجات النفطية‬


‫من املمكن أن يقوم املؤرخون مستقبالً بإطالق مصطلح‬
‫«الثورة الصناعية الثانية» على احلقبة الزمنية اليت‬
‫أعقبت إجناز عام ( ‪1859‬م) الذي متثل بافتتاح البئر‬
‫النفطية األوىل يف والية بنسلفانيا األمريكية‪ -‬أول‬
‫بئر نفطية يف العامل‪ .‬فالسائل الزييت القوام الذي راح‬
‫يتدفق من خمزون الطاقة املتحجرة يف أعماق األرض‬
‫على شكل نفط من فوهات بعض اآلبار (أو غاز طبيعي‬
‫من آبار أخرى) مل حيوّل العمليات الصناعية وعمليات‬
‫تدفئة البيوت فحسب‪ ،‬وإمنا أحدث تغريات وثورة كاملة‬
‫يف جماالت النقل املختلفة‪ ،‬كما أنه قدّم املواد األولية‬
‫الضرورية لصناعة املنتجات البرتوكيميائية (املنتجات‬
‫والسلع اليت تعتمد صناعتها على مواد أولية يتم احلصول‬
‫‪-6-‬‬
‫عليها من العناصر أو املركبات الكيميائية املوجودة يف‬
‫النفط)‪ ،‬مثل صناعة املواد البالستيكية‪ ،‬والكاوتشوك‪،‬‬
‫واخليوط الصناعية‪ ،‬واملنظفات‪ ،‬واألمسدة‪ ،‬واملبيدات‬
‫الكيميائية‪ ،‬وحتى الربوتينات وغريها من املواد اليت‬
‫تدخل يف النظام الغذائي حلياة اإلنسان أو احليوان‪.‬‬
‫إضافة إىل أنه خلف مجلة تغريات عديدة ومتنوعة ال‬
‫هناية هلا يف حياة الناس‪.‬‬
‫فمنذ عام (‪ )1961‬وحتى (‪ )1965‬م ازداد استخدام‬
‫النفط يف أوروبا الغربية مادةً أولي ًة كيميائي ًة يف‬
‫الصناعات البرتوكيميائية بنسبة ‪ ،%17‬بينما ازداد‬
‫استخدامه يف جمال الطاقة ‪ %7‬فقط‪ .‬وخالل السنوات‬
‫العشر الواقعة بني عامي (‪ )1970‬و (‪ )1980‬م ارتفعت‬
‫نسبة استهالك النفط مادةً أولية كيميائية بنسبة تصل‬
‫إىل الضعف مقارنة مع زيادة نسبة استهالكه يف جمال‬
‫الوقود وإنتاج الطاقة‪ .‬ويذكر أن اجلزء اخلفيف من‬
‫النفط (البنزين) أصبح يستخدم يف الوقت الراهن‬
‫ألغراض كيميائية‪ ،‬وهلذا فقد تظهر يف املستقبل القريب‬
‫معضلة يف حياة اإلنسان املعاصر ذات حدين‪ ،‬وهي‬
‫االختيار بني البنزين مادةً أولي ًة للكيمياء يف الصناعة‬
‫البرتوكيميائية أو البنزين مادةً لوقود السيارات‪.‬‬
‫‪-7-‬‬
‫لقد قلّص احرتاق املواد النفطية والغاز الطبيعي (يف‬
‫عصر النفط) حجم اإلزعاجات واألضرار إىل حد بعيد‬
‫مقارنة مع ما كان يتسبب به الدخان الناتج عن احرتاق‬
‫الفحم احلجري يف سنوات القرن الثامن عشر والنصف‬
‫األول من القرن التاسع عشر (قبل عصر النفط)‪ ،‬لدرجة‬
‫أصبح فيها الوقود النفطي حيل حمل الفحم احلجري‪.‬‬
‫ومع توفر النوع اجلديد من الطاقة فإن التغيري واالنتقال‬
‫من الفحم إىل النفط قد اختلف مداه بوضوح تبعاً‬
‫للمناطق اجلغرافية املختلفة يف العامل‪ .‬ونظراً لقرب‬
‫حقول النفط والغاز من بعضها بعضاً‪ ،‬فإن متديد‬
‫شبكات خطوط النقل‪ ،‬والرخص النسيب احمللي للوقود‬
‫اجلديد إضافة إىل سهولة عوامل اإلمداد والتموين به –‬
‫كل ذلك شجّع اإلنسان على االنتقال الستخدام الوقود‬
‫اجلديد املكتشف‪.‬‬
‫فعلى امتداد دول أوروبا والواليات املتحدة األمريكية‬
‫وأجزاء كبرية من العامل بدأ استخدام البرتول ومنتجاته‬
‫على شكل بنزين وزيوت خمتلفة يتسارع بوترية عالية‪،‬‬
‫وبشكل خاص منذ احلرب العاملية الثانية إثر التوسع‬
‫باالستخدام اخلاص حملركات االحرتاق الداخلي يف‬
‫عربات النقل والطريان على الطرق واخلطوط اجلوية‬
‫الدولية وسكك احلديد ويف وسائل النقل البحرية‪.‬‬
‫‪-8-‬‬
‫خصائص ال��غ�لاف اجل���وي ل�ل�أرض وتغريات‬
‫حرارته عرب العصور اجليولوجية‬

‫قبل البدء باستعراض أشكال تلوث اهلواء باملواد‬


‫النفطية‪ ،‬البد من تقديم فكرة موجزة بشأن خصائص‬
‫الغالف اجلوي لألرض‪ ،‬وتغريات تركيبه وخصائصه‬
‫عرب العصور اجليولوجية (تاريخ األرض)‪.‬‬
‫ي��زن امل�تر املكعب ال��واح��د من اهل��واء على مستوى‬
‫سطح البحر حوايل (‪ 1033‬غراماً)‪ ،‬أما على ارتفاع‬
‫(‪ 40‬كيلومرتاً) من سطح األرض فإنه ال ي��زن سوى‬
‫(‪ 4‬غ��رام��ات) فقط‪ ،‬بفعل تناقص ق��وى الثقالة مع‬
‫االبتعاد عن سطح األرض‪.‬‬
‫ويولد هياج الغالف اجلوي عادة تيارات رحيية‬
‫شديدة‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن الرياح ميكن أن تصبح عامالً‬
‫جيولوجياً هاماً‪ .‬ويشري الباحثون إىل أن زوبعة غبارية‬
‫متحركة من مشال قارة أفريقيا باجتاه الشمال‪ ،‬أي‬
‫باجتاه قارة أوروبا‪ ،‬ميكنها أن تنقل كمية تصل إىل‬
‫(‪ 25‬كيلومرتاً مكعباً) من الرتبة‪ ،‬أي ما يعادل (‪50‬مليار‬
‫طن)‪.‬‬
‫ومن املعروف أن كمية كبرية من غاز ثاني أكسيد‬
‫‪-9-‬‬
‫الكربون ‪ CO2‬تدخل يف تركيب الغالف اجلوي‪ ،‬حيث‬
‫يشكل هذا الغاز يف احلالة الطبيعية نسبة (‪)%0.03‬‬
‫من الكتلة العامة للغالف اجلوي‪ .‬أي إنه يشكل املركب‬
‫الرابع للغالف اجلوي من حيث الوفرة بعد اآلزوت‬
‫واألكسيجني واألرغون‪ .‬وعلى ذلك‪ ،‬فإن الكتلة العامة‬
‫حلمض الكربون (حملول ثاني أكسيد الكربون باملاء‬
‫‪ )H2CO3‬يف الغالف اجلوي تعادل (‪ 2650‬مليار‬
‫طن)‪.‬‬
‫ميكن لتوازن الغالف اجلوي أن يبقى ملدة طويلة دومنا‬
‫اختالل وتغريات كبرية‪ ،‬شرط عدم تدخل اإلنسان يف‬
‫مثل هذه التغريات‪ .‬غري أن األمر من الصعب أن يبقى‬
‫على هذا النحو‪ .‬ذلك أن كتلة الكربون يف الغالف اجلوي‬
‫تزداد (مبعدل ‪ 5‬مليار طن ‪/‬عام) نتيجة عمليات احرتاق‬
‫املواد القابلة لالشتعال اليت يقوم هبا اإلنسان على سطح‬
‫األرض‪ .‬إن عملية زيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون‬
‫يف الغالف اجلوي لألرض‪ ،‬إثر عمليات احرتاق املواد‬
‫القابلة لالحرتاق هذه‪ ،‬تقابلها عملية معاكسة تقوم‬
‫هبا الطبيعة تتمثل بعملية الرتكيب الضوئي للنباتات‬
‫اليت تستهلك ثاني أكسيد الكربون املوجود يف الغالف‬
‫اجلوي هناراً‪ ،‬لبناء هيكلها ونسيجها اخللوي‪ ،‬وتطرح‬
‫‪- 10 -‬‬
‫غاز األكسجني بد ًال عنه‪ .‬ولكن رغم ذلك فقد اختل‬
‫التوازن يف حالة الغالف اجلوي لألرض بفعل النشاط‬
‫التخرييب الذي يقوم به اإلنسان‪ .‬و بالتايل فإن زيادة‬
‫مطردة من ‪ CO2‬تضاف إىل الغالف اجلوي مع مرور‬
‫الوقت ال تستطيع الطبيعة مبساعدة الغطاء النباتي‬
‫تعويضه بغاز األكسجني‪ ،‬وبالتايل تعجز عن إعادة‬
‫التوازن للغالف اجلوي من جديد‪.‬‬
‫وعلى هذا النحو فإن تغيري تركيز ثاني أكسيد الكربون‬
‫يف الغالف اجلوي العام لألرض سيكون كما لو أن‬
‫هواء غرفة حبجم (‪ 35‬مرتاً مكعباً) قد تغري نتيجة‬
‫تنفس إنسان فيها ملدة مخس دقائق‪.‬‬
‫يعتقد كثري من العلماء أن زيادة نسبة ثاني أكسيد‬
‫الكربون ‪ CO2‬يف الغالف اجلوي لألرض ميكن أن‬
‫تؤدي إىل جعل املناخ أكثر دفئاً على سطح األرض‪.‬‬
‫فزيادة ثاني أكسيد الكربون بنسبة ‪ %10‬يف الغالف‬
‫اجلوي لألرض ميكنها أن ترفع درجة حرارة األرض‬
‫حبدود ( ‪ 0,2‬درجة مئوية)‪.‬‬
‫إن درجة احلرارة على سطح األرض كانت متغرية‬
‫خالل التاريخ اجليولوجي لألرض‪ .‬فقبل ثالثة مليارات‬
‫سنة كانت درجة حرارة اهلواء على سطح األرض حبدود‬
‫‪- 11 -‬‬
‫(‪ 71‬درجة مئوية)‪ ،‬أما يف بداية حقب الباليوزوي‬
‫(حقب احلياة األوىل ‪ ،‬أي بدء ظهور احلياة األوىل على‬
‫سطح األرض وتطورها) فإن درجة حرارة هواء األرض‬
‫قد اخنفضت كثرياً‪ ،‬فأصبحت (‪ 20‬درجة مئوية)‪ ،‬غري‬
‫أن األمر قد تغري يف دور الرتياسي ‪ ،‬أي قبل (‪190 -225‬‬
‫مليون سنة)‪ ،‬حيث عادت حرارة اهلواء لالرتفاع من‬
‫جديد فبلغت (‪ 40‬درجة مئوية)‪ ،‬ولكن منذ هناية حقب‬
‫امليزوزوي ( حقب احلياة املتوسطة على سطح األرض)‬
‫وبداية حقب السينوزوي (حقب احلياة احلديثة على‬
‫سطح األرض)‪ ،‬أي قبل حوايل (‪ 65‬مليون سنة) أخذت‬
‫درجة حرارة هواء األرض باالخنفاض إىل (‪ 17‬درجة‬
‫مئوية)‪.‬‬
‫أما يف العصر احلايل‪ ،‬أي منذ حوايل عشرة آالف عام‪،‬‬
‫فإن درجة احلرارة الوسطية للهواء على سطح األرض‬
‫تعادل عموماً (‪ 14,2‬درجة مئوية)‪ .‬فهي تعادل (‪15,2‬‬
‫درجة مئوية وسطياً) يف النصف الشمايل لألرض‪ ،‬يف‬
‫حني أهنا تعادل (‪ 13,2‬درجة مئوية وسطياً) يف النصف‬
‫اجلنوبي لألرض‪.‬‬
‫وتفيد املعلومات الباليونتولوجية‪ ·1‬بأنه منذ حوايل‬

‫‪1‬علم املستحاثات‪.‬‬
‫‪- 12 -‬‬
‫(‪ 700‬أل��ف سنة) انقرضت بشكل مفاجئ أشكال‬
‫عديدة من العضويات الدقيقة من على سطح األرض‪.‬‬
‫ويفسر العلماء هذه الظاهرة بانتقال قطيب احلقل‬
‫املغناطيسي لألرض‪ ،‬أي بتغيري قطيب األرض الشمايل‬
‫واجلنوبي ملكاهنما (املعروف اآلن) وانتقاهلما إىل نقاط‬
‫خمتلفة م��ن سطح األرض‪ .‬كما أن ح��اج��ز محاية‬
‫الغالف اجلوي لألرض كان ضعيفاً يف هذه الفرتة من‬
‫تاريخ األرض‪ ،‬حيث شكلت اجلسيمات الفضائية كتالً‬
‫كبرية من أكاسيد اآلزوت يف الغالف اجلوي لألرض‪.‬‬
‫ومن الطبيعي أن ظواهر مماثلة هلذه الظاهرة ميكن‬
‫أن حتدث يف الغالف اجل��وي ل�لأرض بفعل النشاط‬
‫التخرييب الذي يقوم به اإلنسان‪.‬‬

‫‪- 13 -‬‬
‫فتخريب اإلنسان للبيئة على سطح األرض يتمثل‬
‫بشكل رئيس يف العقود األخرية بانبعاثات ملوثة هائلة‬
‫احلجم لنواتج احرتاق املشتقات النفطية املستخدمة يف‬
‫معامل إنتاج الطاقة الكهربائية‪ ،‬والعمليات الصناعية‪،‬‬
‫ووسائل النقل العامة والطريان‪ ،‬اليت تطلق من عوادم‬
‫حمركاهتا جمموعة كبرية من الغازات السامة والضارة‪،‬‬
‫مثل غازات اآلزوت‪ ،‬اليت أدت إىل مجلة من التغريات‬
‫احلادة يف طبيعة مناخ األرض‪ ،‬وإحداث ثقب يف طبقة‬
‫األوزون (طبقة من الغالف اجلوي تقع على ارتفاع‬
‫حوايل ‪ 30‬كم من سطح األرض تتكون من غاز األوزون‬
‫على شكل ثالثي أكسيد األكسجني ‪ O3‬بشكل رئيسي)‬
‫فوق القطب اجلنوبي لألرض ما زال يتسع مع مرور‬
‫الوقت‪ ،‬مُسَبِّباً االنقراض من على سطح األرض ليس‬
‫للكائنات العضوية الدقيقة فحسب‪ ،‬وإمنا للجنس‬
‫البشري برمته‪.‬‬
‫تلوث اهلواء واملشتقات النفطية‬

‫أصبح استخدام املنتجات النفطية يف عمليات‬


‫التدفئة املركزية للبيوت السكنية واملؤسسات الصناعية‬
‫املختلفة وما يرافق ذلك من انبعاث ملواد غازية خمتلفة‬
‫‪- 14 -‬‬
‫تعد العامل احلاسم األكثر شيوعاً يف تلوث اهلواء‪.‬‬
‫إن نظام املراقبة الفيزيائي الذي وضع ملراقبة ظاهرة‬
‫الدخان املنتشر يف أجواء مدن صناعية متفرقة بيّن‬
‫أن ما يوجد من تلوث للهواء باملواد النفطية شيء آخر‬
‫خمتلف‪ ،‬فهو ليس دخاناً وال ضباباً‪ ،‬وإمنا هو شيء‬
‫مشرتك منهما (دخان – ضباب ‪.)Smog‬‬

‫تلوث اهلواء بنواتج احرتاق املشتقات النفطية املنبعثة‬


‫من إحدى املؤسسات الصناعية‬
‫‪- 15 -‬‬
‫لقد أوضحت الدراسات اليت جرت لتخفيض نسبة‬
‫تلوث اهلواء يف املدن الصناعية اليت تستخدم مشتقات‬
‫النفط املختلفة بأن هناك مجلة من األضرار أصبحت‬
‫تظهر ألول مرة لدى سكان هذه املدن‪ ،‬مثل حتسس‬
‫العني ‪ ،‬وتضرر أوراق النباتات اخلضراء‪ ،‬إضافة إىل‬
‫ظاهرة التشتت الضوئي املميز للدخان‪-‬ضباب الذي‬
‫راح يتشكل بواسطة اإلشعاعات فوق البنفسجية اليت‬
‫يتعرض هلا مزيج انبعاث الفحوم اهليدروجينية وثاني‬
‫أكسيد اآلزوت الناجتي ِْن عن عمليات احرتاق املنتجات‬
‫النفطية‪.‬‬
‫متتلك غالبية امللوثات النفطية (الغازات الناجتة‬
‫عن احرتاق وقود النفط يف الصناعات املختلفة ومعامل‬
‫إنتاج الطاقة وحمركات وسائل النقل) سُمِّيَة حقيقية‬
‫جلسم اإلنسان أو إمكانيات هتييج أو حتسس جهازيّ‬
‫التنفس واألعصاب بدرجات خمتلفة للغاية‪ .‬كما أن‬
‫املنتجات الثانوية هلذه امللوثات اليت تتشكل نتيجة‬
‫سلسلة من التفاعالت الكيميائية املتتابعة مبساعدة‬
‫ضوء الشمس (التفاعالت الفوتوكيميائية) بني امللوثات‬
‫النفطية املنبعثة يف الغالف اجلوي وبني ذرات وجزيئات‬
‫اهلواء احمليط ميكنها أن تؤثر على املنظومات احليوية‬
‫‪- 16 -‬‬
‫(اإلنسان واحليوان والنبات)‪ ،‬املوجودة على سطح‬
‫األرض‪ ،‬حتى ولو كانت برتكيز منخفض للغاية‪.‬‬

‫وهكذا فإن السيطرة على املواد األولية املتفاعلة‬


‫جيب أن تستند على تشخيصها وحتديدها ومعرفة‬
‫مدى تأثريها على مستويات الغالف اجلوي‪ ،‬حيث‬
‫ميكن هلذه املواد أن تكون قادرة على توليد كميات‬
‫فعالة من املنتجات الثانوية‪ .‬فاألوزون مثالً (املقصود‬
‫هنا هو األوزون الضار الذي يرتاكم يف اجلزء السفلي‬
‫من الغالف اجلوي القريب من سطح األرض‪ ،‬وليس‬
‫‪- 17 -‬‬
‫األوزون املفيد املوجود يف طبقة األوزون يف األجزاء‬
‫العليا من الغالف اجلوي‪ ،‬الذي يقوم بدور محاية‬
‫اإلنسان والكائنات احلية من أشعة الشمس الضارة)‬
‫من غري املعروف أنه يتشكل بكمية هامة من مصادر‬
‫مباشرة يف املناطق الصناعية‪ ،‬ومع ذلك فهو مل يزل‬
‫يتشكل على حنو متكرر ولو بكميات قليلة نتيجة‬
‫للتفاعالت الفوتوكيميائية اليت جتري بني مواد الفحوم‬
‫اهليدروجينية املوجودة يف الغالف اجلوي ولو بنسبة‬
‫(‪ )ppm1‬أو أقل من جهة‪ ،‬وبني أكاسيد اآلزوت ‪NO2‬‬
‫ذات النسبة املتقاربة من جهة أخرى‪ .‬ويتطلب األمر‪ ،‬ملنع‬
‫الرتاكمات السامة من األوزون الضار‪ ،‬التحكمَ مبصادر‬
‫ُك ٍّل من أخبرة الفحوم اهليدروجينية و أكاسيد اآلزوت‬
‫املنبعثة إىل الغالف اجلوي جراءَ عمليات احرتاق املواد‬
‫النفطية اليت يقوم هبا اإلنسان يف الوقت احلايل‪.‬‬
‫إن النزاعات االقتصادية احلالية بني الدول الصناعية‪،‬‬
‫وعدمَ التزامها التام بتوصيات الندوات واملؤمترات‬
‫الدولية حلماية البيئة‪ ،‬يف ضوء معرفتنا لالحتياطي‬
‫العاملي املؤكد من البرتول‪ ،‬تشري إىل أن تلوث اهلواء‬
‫بالفحوم اهليدروجينية واملنتجات البرتوكيميائية إضافة‬
‫إىل املواد املنبعثة من عوادم حمركات السيارات‪ ،‬سوف‬
‫‪- 18 -‬‬
‫يتزايد بوترية عالية يف غالبية املناطق الصناعية خالل‬
‫العقود القادمة‪.‬‬

‫عندما تكون البيئة مثناً للحرب من أجل النفط‬

‫ترافقت سنوات بداية العقد األخري من القرن‬


‫العشرين جبملة من الكوارث البيئية اليت مل تقتصر‬
‫على منطقة املشرق العربي بل امتدت إىل املناطق‬
‫األخرى من العامل‪ .‬فاحلرب الكونية اليت أعلنت‬
‫على العراق بقيادة الواليات املتحدة األمريكية‬
‫(حرب اخلليج األوىل ‪ )1991‬حتت ذريعة حترير الكويت‬
‫تسببت بإحراق عشرات ورمبا مئات اآلبار النفطية‬
‫املنتجة على األراضي الكويتية والعراقية على حد‬
‫سواء‪ .‬فقد ظلت اآلبار النفطية املشتعلة شهوراً عديدة‬
‫تزود الغالف اجلوي بسحب هائلة قامتة اللون من‬
‫الغازات السامة واملواد اهلبائية ‪ aerosol‬الناجتة عن‬
‫احرتاق الفحوم اهليدروجينية السائلة والغازية املتسربة‬
‫من آبار املكامن النفطية والغازية يف املنطقة‪ .‬لقد‬
‫راحت سحب الدخان املتصاعد تلف كوكبنا األرضي‬
‫من الشرق إىل الغرب‪ ،‬حيث وصلت آثارها إىل بلدان‬

‫‪- 19 -‬‬
‫عديدة يف العامل ومنها أوروبا‪ .‬ومل حيدث تلوث للهواء‬
‫يف ساحة منطقة القتال واحلرب فحسب‪ ،‬وإمنا مشل‬
‫هذا التلوث الغالف اجلوي لألرض بكاملها‪.‬‬

‫غري أن حرب اخلليج األوىل بالنسبة للواليات املتحدة‬


‫األمريكية وحلفائها مل تكن سوى مقدمة حلرب‬
‫اخلليج الثانية اليت بدأت باحتالل دولة ذات سيادة‬
‫وعضو كامل العضوية يف األمم املتحدة (العراق) يف‬
‫نيسان من عام ‪ ،2003‬بذريعة امتالك العراق ألسلحة‬
‫التدمري الشامل‪ .‬وتكررت الكارثة البيئية يف املنطقة‬
‫من جديد‪ .‬فحرائق آبار ومكامن النفط بدأت منذ‬
‫الساعات األوىل لالحتالل األمريكي للعراق‪ .‬ثم قامت‬
‫قوات االحتالل يف سنوات االحتالل األوىل مبحاوالت‬
‫إغالق آبار النفط املشتعلة يف إطار مساعيها احلثيثة‬
‫للسيطرة الكاملة على ثروات العراق النفطية‪ ،‬وليس‬
‫من أجل العراق أو محاية البيئة العاملية من التلوث‪.‬‬
‫غري أن الوضع األمين غري املستقر يف العراق منذ بداية‬
‫االحتالل وحتى اليوم بقي طوال هذه الفرتة احلاضن َة‬
‫الطبيعي َة لعمليات تفجري متكررة لآلبار النفطية‬
‫وخطوط نقل النفط املمتدة آالف الكيلومرتات من‬
‫‪- 20 -‬‬
‫حمطات اإلنتاج إىل مرافئ التصدير على شط العرب‬
‫املتصل باخلليج العربي‪ .‬وبالتايل فإن فصول كارثة‬
‫تلوث اهلواء يف املنطقة بنواتج احرتاق املواد النفطية‬
‫املتسربة من اآلبار و خطوط نقل النفط والغاز على‬
‫األراضي العراقية ستبقى مستمرة ما دام االحتالل‬
‫األمريكي قائماً للعراق‪.‬‬

‫هل البيئة نقيض للمظهر احلضاري؟‬

‫يبلغ نصيب كل ‪/12/‬فرداً من املواطنني السوريني سيارة‬


‫واحدة بشكل وسطي حتى اآلن‪ .‬فإذا أخذنا بعني االعتبار‬
‫أن عدد سكان سورية يعادل يف الوقت احلاضر حوايل‬
‫(‪ 22‬مليوناً) ‪ ،‬فإنَّ عدد السيارات املتحركة يف طرقات‬
‫وشوارع املدن السورية يبل ُغ (‪ 1.83‬مليون) سيارة أو‬
‫أكثر‪ .‬ويستهلك هذا العدد من السيارات حبدود ‪%45‬‬
‫من إمجايل ما تنتجه األراضي السورية من نفط ‪ .‬فإذا‬
‫علمنا أن اإلنتاج السوري من النفط يبلغ أكثر من‬
‫(‪ 300‬ألف برميل يومياً)‪ ،‬فإن كمية املشتقات النفطية‬
‫الناجتة عن تكرير حوايل ‪ 135‬ألف برميل (حوايل‬
‫‪ 27‬ألف طن) من النفط اخلام حترق داخل حمركات‬
‫‪- 21 -‬‬
‫السيارات يومياً على األراضي السورية‪ ،‬منطلقة بعد‬
‫احرتاقها من عوادم هذه السيارات على شكل انبعاثات‬
‫ملوثة للغالف اجلوي يف املدن السورية الرئيسة بشكل‬
‫أساسي‪ .‬وتتمثل هذه االنبعاثات بعدد كبري من الغازات‬
‫السامة والضارة مثل أول أكسيد الكربون ‪ ،CO‬وثاني‬
‫أكسيد الكربون ‪ ،CO2‬وثاني أكسيد الكربيت ‪،SO2‬‬
‫وأكاسيد اآلزوت ‪ ،NO،O2‬وعناصر كيميائية ضارة‬
‫خمتلفة مثل الرصاص ‪ ،Pb‬إضافة إىل مركبات عطرية‬
‫شديدة السرطنة‪.‬‬

‫إن مجلة الغازات السامة وامللوثة املنبعثة من مداخن‬


‫مصفاة محص تتسبب بأضرار بيئية وصحية جسيمة‬
‫لسكان مدينة محص وريفها القريب‪ ،‬باإلضافة‬
‫إىل الغازات السامة املنطلقة من عوادم السيارات‬
‫املتحركة يف طرقاهتا وشوارعها‪ .‬والسبب األساسي‬
‫يف ختريب البيئة النباتية واحليوانية والغالف‬
‫اجلوي يف هذه املدينة إىل أن مصفاة النفط تقع على‬
‫املشارف الغربية للمدينة‪ ،‬وهذا ما جيعلها تُعَرِّضُ‬
‫سكانَها الستنشاق الغازات الناجتة عن عمليات‬
‫التكرير النفطي على مدار ساعات اليوم‪ ،‬خاصة‬
‫‪- 22 -‬‬
‫وأن االجتاه العام للرياح يف املنطقة هو اجتاه غربي‬
‫(من الغرب باجتاه الشرق )‪.‬‬
‫كما أن ما يقال عن األضرار البيئية والصحية اليت‬
‫تتسبب هبا مصفاة محص لتكرير النفط ميكن أن‬
‫تنطبق أيضاً على مصفاة بانياس لتكرير النفط اليت تقع‬
‫بالقرب من شاطئ مدينة بانياس على الساحل الشرقي‬
‫للبحر األبيض املتوسط ‪ .‬إن الغازات السامة املنبعثة‬
‫من مداخن وأبراج هذه املصفاة تعمل على ختريب‬
‫البيئة ليس يف مدينة بانياس وحميطها فحسب‪ ،‬وإمنا‬
‫ميتد تأثريها إىل ريف هذه املدينة ذي الطبيعة اجلبلية‬
‫اجلميلة واخلالّبة‪ ،‬الذي تنتشر يف جنباته اخلضراء‬
‫جمموعة من القرى املأهولة‪ ،‬اليت من املفرتض أن تكونَ‬
‫منتجعاتٍ نظيف َة اهلواءِ لسكاهنا‪ ،‬ومالذاً لالصطياف‬
‫واالستجمام للقادمني إليها من مدينيت طرطوس‬
‫وبانياس أو مِنَ املدن السورية األخرى‪.‬‬
‫إن الضغوط احلالية املعيقة والصعوبات املتولدة‬
‫بنتيجة التهديد املتمثل بنضوب املوارد النفطية وموارد‬
‫الطاقة التقليدية عموماً سوف تصبح أكثر فاعليّ ًة‪ .‬غري‬
‫أن األجيال البشرية القادمة سوف جتد ضرورة للقيام‬
‫حبماية موارد اهلواء احمللية من التلوث بنواتج احرتاق‬
‫‪- 23 -‬‬
‫البنزين و غازات عوادم احملركات اليت تستخدم النفط‬
‫ومشتقاته وقوداً هلا‪ ،‬كما ستحاول البحث إلجياد موارد‬
‫طاقة بديلة نظيفة وغري ملوثة للهواء والبيئة عموماً‪.‬‬

‫غابة من األبراج يف مدينة صناعية تبعث بسموم منتجات‬


‫احرتاق املشتقات النفطية إىل الغالف اجلوي‪ ،‬فهل حلّت هذه‬
‫الغابة من األبراج الصناعية حمل غابة من األشجار كانت‬
‫تزود الغالف اجلوي يف هذه املنطقة باألكسجني ؟ رمبا‪.‬‬

‫‪- 24 -‬‬
‫اآلثار املرافقة لتلوث اهلواء‬

‫ميكن تصنيف اآلثار السلبية الضارة واملشتبه هبا اليت‬


‫حيدثها تلوث اهلواء بنواتج احرتاق املشتقات النفطية‬
‫وفقاً ملا يلي‪:‬‬

‫‪-1‬اخنفاض الرؤية ‪visibility reduction‬‬


‫الحظ اإلنسان قدمياً وال يزال‪ ،‬أن أكثر آثار التلوث‬
‫اهلوائي وضوحاً يتمثل باخنفاض الرؤية الناتج عن‬
‫تشتت الضوء على سطوح اجلزيئات املادية املعلقة‬
‫باهلواء‪ .‬ويتم اللجوء بني حني وآخر يف املدن الصناعية‬
‫اليت تعاني بشكل جدي من ظاهرة اخنفاض الرؤية‬
‫إىل تقليص حاد الستخدام وسائل النقل‪ ،‬إضافة إىل‬
‫اختاذ مجلة من اإلجراءات األخرى من قبل بلديات‬
‫هذه املدن‪ .‬وتشكل مدينة دمشق منوذجاً للمدن اليت‬
‫تعاني من ظاهرة اخنفاض الرؤية‪ .‬ففي األيام الرطبة‬
‫اليت تكون فيها الرياح بطيئة احلركة على حنو خاص‬
‫ميكن للمسافر القادم إىل مدينة دمشق من املناطق‬
‫األخرى أن يالحظ بوضوح وجود غمامة رمادية‬
‫تغلفها وحتجب بالتايل رؤية معامل املدينة بوضوح‪.‬‬
‫ولعل الكثافة السكانية العالية يف العاصمة السورية‬
‫‪- 25 -‬‬
‫(يعيش يف مدينة دمشق حوايل ربع سكان سورية)‪،‬‬
‫وزيادة أعداد السيارات السياحية وآليات النقل‬
‫املختلفة املتحركة يف شوارعها‪ ،‬اليت مل تزل تستخدم‬
‫املشتقات النفطية وقوداً حلركتها‪ ،‬إضافة إىل االنتشار‬
‫الواسع ألعداد كبرية من املصانع واملعامل واملؤسسات‬
‫الصناعية املختلفة‪ ،‬كل ذلك يساهم يف إضافة مزيد‬
‫من االنبعاثات الغازية واالنبعاثات الصلبة إىل الغالف‬
‫اجلوي احمليط باملدينة‪.‬‬

‫‪- 26 -‬‬
‫‪-2‬األضرار املادية ‪material damages‬‬
‫إن األضرار املباشرة اليت تتعرض هلا اإلنشاءات‬
‫املعدنية‪ ،‬واألغطية السطحية‪ ،‬والتجهيزات املعدنية‬
‫للمعامل واملصانع وغريها من املواد‪ ،‬هي اآلثار املتكررة‬
‫احلدوث والواسعة االنتشار لتلوث اهلواء يف املدن‬
‫املعاصرة‪ .‬فاخلسارة اإلمجالية الناجتة من تلوث اهلواء‬
‫سنوياً غري معروفة بدقة حتى اآلن‪ ،‬إال أهنا بدون شك‬
‫تقدر مبليارات الدوالرات‪.‬‬
‫وي����رت����ب����ط ال����ت����خ����ري����ب امل����������ادي ل���ل���م���ع���دات‬
‫وال��ت��ج��ه��ي��زات ب��ك��ث�يرٍ م��ن أمن����اط امل��ل��وث��ات‪ ،‬غ�ير أنه‬
‫ي���ع���ود ب��ش��ك��ل أس����اس����ي إىل ال���س���دي���م احلامضي‬
‫‪ acid mists‬أو املطر احلامضي‪ ،‬وامل��واد املؤكسدة‬
‫املختلفة‪ ،‬وكربيت اهليدروجني ‪ ،H2S‬إضافة إىل املنتجات‬
‫اهلبائية النامجة عن اح�تراق أشكال الوقود املختلفة‪.‬‬
‫ويشار هنا إىل أن مجيع أمناط هذه امللوثات املذكورة‬
‫أعاله هي ملوثات للهواء اجلوي تتشكل بشكل مباشر من‬
‫االنبعاثات املنطلقة من عوادم السيارات‪ ،‬أو املؤسسات‬
‫وحمطات إنتاج الطاقة اليت تستخدم املشتقات النفطيــــــة‬
‫وقوداً يف حركتها وعملها‪ .‬كما تساهم امللوثات الثانوية‬
‫(امللوثات الناجتة عن تفاعل امللوثات األولية مع غازات‬
‫الغالف اجلوي) يف هذه اخلسارة أيضاً‪.‬‬
‫‪- 27 -‬‬
‫إن غاز األوزون ‪ O3‬الذي يتشكل نتيجة عملياتِ تلوث‬
‫اهلواء‪ ،‬يف األجزاء السفلى من الغالف اجلوي القريبة‬
‫من سطح األرض‪ ،‬الناجتةِ عن احرتاق املشتقات النفطية‬
‫بشكل أساسي‪ ،‬يتكون من جزيء من األكسيجني وذرة‬
‫حرة على شكل (‪.)O0 + O2‬‬
‫ميكن لغاز األوزون أن يتسبب بأضرار سريعة‬
‫وشديدة للمعدات املعدنية واألدوات املطاطية‪ ،‬نظراً‬
‫لطبيعة النشاط الكيميائي اليت يتميز هبا هذا الغاز‪.‬‬
‫فذرة األكسيجني احلرة يف غاز األوزون هي اليت تكسبه‬
‫طاقة إضافية للتفاعل مع املواد املعدنية واملطاطية‬
‫وختريبها‪.‬‬
‫‪-3‬األضرار الزراعية ‪agricultural damages‬‬

‫يتضرر جراء تلوث اهلواء بوضوح عدد كبري من‬


‫الزراعات الغذائية‪ ،‬ونباتات الزينة‪ ،‬إضافة إىل أعداد‬
‫أخرى من احملاصيل اليت مل حتدد درجة أضرارها‬
‫بفعل تلوث اهلواء بشكل واضح حتى اآلن‪ .‬وتنتج القيمة‬
‫املنخفضة للمحصول الزراعي عن أنواع خمتلفة لتضرر‬
‫أوراقه النباتية‪ ،‬وقصور منو نباته أو اخنفاض حجم‬
‫مثاره وإنتاجه‪ .‬كما أن تلوث اهلواء يساهم إىل حد بعيد‬
‫بتخريب نباتات وأزهار الزينة وإضعاف منوها بشكل‬
‫عام‪.‬‬
‫‪- 28 -‬‬
‫ويذكر هنا‪ ،‬أن هناك بعض أنواع النباتات اليت تتميز‬
‫حبساسيتها العالية مللوثات حمددة‪ ،‬ح ّتى إنه ميكن‬
‫استخدام هذه الظاهرة بشكل مفيد من أجل مراقبة‬
‫تغريات مصادر اهلواء‪ ،‬ودرجة تلوثه‪ ،‬ونوع امللوثات‬
‫فيه‪.‬‬
‫‪- 29 -‬‬
‫‪ -4‬اآلثار الفزيولوجية على اإلنسان واحليوان‬

‫تعرضت مدن صناعية كثرية مثل لندن (بريطانيا)‪،‬‬


‫ولوس أجنلس (الواليات املتحدة األمريكية) وعدد آخر‬
‫من املدن الصناعية يف أوروبا لتجارب كارثية مريرة‬
‫وعديدة خالل القرنني املاضيني إثر تعرضها لتلوث‬
‫هوائي قاتل‪ .‬لقد أصيب سكان هذه املدن بصدمة‬
‫مجاعية إثر تعرضهم آلثار شديدة انعكست على‬
‫‪- 30 -‬‬
‫صحتهم جراء جائحة تلوث هوائي‪ .‬غري أن اجلوانب‬
‫الكمية لعالقة ملوثات اهلواء بصحة اإلنسان يف هذه‬
‫األحداث بقيت لألسف دون أن تدرس كفاية‪.‬‬
‫إن احلاالت احلادة من االلتهاب الشعيب املزمن (التهاب‬
‫اجلهاز التنفسي) وسط سكان املدن الربيطانية‪ ،‬وحاالت‬
‫هتيج األنف والبلعوم والعني لسكان مدينة لوس أجنلس‬
‫األمريكية‪ ،‬إضافة إىل التسارع الكبري بعدد اإلصابات‬
‫بسرطان الرئة بني سكان املدن الصناعية الكبرية يبدو‬
‫أهنا ترتافق مجيعها مع تلوث اهلواء‪.‬‬

‫‪- 31 -‬‬
‫فمرض الفلوروسيز ‪ Fluorosis‬يف املاشية عندما‬
‫تتعرض لغبار حيوي مركبات الفلور (الفلوريدات) قد‬
‫تبني أنه مرتبط باالنبعاثات املرافقة لعمليات صناعية‬
‫حمددة‪ .‬كما أن أكثر اآلثار الفزيولوجية لتلوث اهلواء‬
‫قد مت التحقق منها بالدراسات واألحب��اث املخربية‪.‬‬
‫وتتمثل األضرار الصحية بتغريات فزيولوجية لوظيفة‬
‫ال��رئ��ت�ين‪ ،‬وبتعطيل عمل األن��زمي��ات‪ ،‬وب��ت��غ�يرات يف‬
‫كيميائِها أيضاً‪.‬‬
‫‪-5‬اآلثار البسيكولوجية (النفسية)‬

‫ما دام اخلوف هو العنصر املميز لردود أفعال البشر‬


‫جتاه األخطار اليت هتدد حياهتم‪ ،‬مبا فيها أخطار تلوث‬
‫اهلواء‪ ،‬فإن اجلوانب البسيكولوجية هلذه الظاهرة من‬
‫الصعب جتاهلها‪ .‬فاألمراض اجلسدية‪ -‬النفسية‬
‫ميكن أن تكون مرتبطة بفهم غري كامل ملصدر التهديد‬
‫املعلن‪ .‬ومل تبذل حتى اآلن اجلهود املطلوبة لدراسة‬
‫تطور مثل هذه الظاهرة بالعالقة مع الصحة العقلية‬
‫العامة جملموعة من الناس متأثرة بتلوث اهلواء‪ ،‬كما مل‬
‫يدرس الدور الذي متثله عملية تلوث اهلواء يف احلاالت‬
‫العصابية الفردية‪.‬‬
‫‪- 32 -‬‬
‫التلوث النفطي ملياه البحار واحمليطات‬
‫البيئة مقابل االقتصاد‪ -‬وصول نفط أالسكا‬

‫عندما جنحت ناقلة النفط إكسون فالديز عام‬


‫(‪ 1989‬م) فإن أكثر من (‪ 240‬ألف برميل) من النفط‬
‫اخلام قد سفح يف مضيق األمري وليام يف أالسكا‬
‫(أرض أمريكية واقعة بالقرب من منطقة القطب‬
‫الشمايل)‪ .‬كان ذلك احلدث األسوأ يف تاريخ التسرب‬
‫النفطي يف مياه الواليات املتحدة األمريكية‪ .‬لقد أثار‬
‫تسرب النفط هذا مع اآلثار التخريبية اليت تركها على‬
‫احلياة الربية والصناعة السمكية موجة من اجلدل‬
‫والنزاع بني أنصار املطالبة بتأمني حاجات الطاقة‬
‫الالزمة لالقتصاد األمريكي من النفط والغاز من جهة‬
‫وأنصار احملافظة على البيئة من جهة أخرى‪.‬‬
‫كانت ناقلة النفط إكسون فالديز واحدة فقط من‬
‫عدد كبري من ناقالت النفط اليت تنقل النفط من النهاية‬
‫اجلنوبية خلط نقل النفط يف أالسكا لتوصله إىل مصايف‬
‫التكرير الواقعة على السواحل الغربية للواليات املتحدة‬
‫األمريكية‪ .‬واجلدير بالذكر أن مثل هذه التسريبات‬
‫النفطية سبق أن حذر منها تقرير لدراسة البيئة صدر‬
‫‪- 33 -‬‬
‫عام (‪ 1972‬م) عن هيئة املسح اجليولوجي األمريكية‬
‫اليت قامت بدراسة ومسح األضرار احملتملة إلقامة‬
‫خط أنابيب نقل النفط يف أالسكا‪.‬‬

‫كانت الواليات املتحدة األمريكية يف أواخر السبعينات‬


‫من القرن العشرين تستورد مايقارب نصف حاجتها‬
‫من النفط من اخلارج (من منطقة الشرق األوسط‬
‫بشكل رئيس)‪ .‬وكان هذا األمر يكلف الدولة األمريكية‬
‫‪- 34 -‬‬
‫مليارات الدوالرات سنوياً‪ .‬وقد انعكس ذلك بشكل‬
‫واضح على االقتصاد األمريكي برمته وعلى زيادة أسعار‬
‫الطاقة‪ ،‬مما أدى إىل زيادة التضخم يف هذا االقتصاد‬
‫وإىل اخنفاض اإلنتاج الصناعي وزيادة البطالة وتآكل‬
‫مستويات احلياة اليت كانت سائدة آنذاك‪.‬‬
‫كان اجليولوجيون قبل هذا التاريخ بعقد من الزمن‬
‫قد اكتشفوا وجود النفط حتت شواطئ احمليط‬
‫املتجمد الشمايل على املنحدرات الشمالية ألالسكا‪.‬‬
‫و تبيّن فيما بعد أن هذا املوقع يشكل اآلن أكرب حقول‬
‫النفط يف الواليات املتحدة األمريكية‪ .‬ويعود الفضل‬
‫إىل خط أنابيب نقل النفط بأالسكا الذي اكتمل بناؤه‬
‫عام (‪ 1977‬م)‪ ،‬ألن أالسكا تزود اآلن الواليات املتحدة‬
‫األمريكية حبوايل ‪ % 20‬من إنتاجها الوطين الكلي من‬
‫النفط‪.‬‬
‫وبالرغم من أمهية نفط أالسكا القتصاد الواليات‬
‫املتحدة األمريكية يف الوقت احلاضر ‪ ،‬فإن جمموعات‬
‫أنصار البيئة تعترب أن خط أنابيب نقل النفط يف أالسكا‬
‫واستخدام الناقالت النفطية ميثل هتديداً حقيقياً للبيئة‬
‫يف هذه املنطقة‪ .‬لقد تسبب التدفق النفطي املتسرب‬
‫من ناقلة إكسون فالديز عام (‪ 1989‬م) بأضرار أصابت‬
‫‪- 35 -‬‬
‫منظومة النقل البحري ذاهتا‪ .‬كما أن النفط الذي سفح‬
‫إثر انفجار خط أنابيب نقل النفط يف أالسكا أحدث‬
‫آثاراً مدمرة على الغطاء النباتي الضعيف واحلياة‬
‫احليوانية السائدة يف القطب الشمايل عموماً‪ .‬فالنفط‬
‫اخلام املتسرب أو املسفوح سوف يبقى حقبات زمنية‬
‫الحقة على سطح األرض دائمة التجمد إىل أن يتم‬
‫غسله باملياه اجلارية عندما حيل مناخ دافئ فيها‪.‬‬
‫كان اجليولوجيون يف هيئة املسح اجليولوجي‬
‫األمريكي قد قدموا تقريراً رمسياً يوضح النتائج‬
‫البيئية املمكنة الوقوع جراء تركيب خط أنابيب نقل‬
‫النفط املقرتح يف أالسكا‪ .‬وبنتيجة الدراسة النهائية يف‬
‫هذا الشأن نصحوا بعدم إقامة مثل هذا املشروع نظراً‬
‫لألضرار اليت ميكن أن حتدثها عمليات نقل النفط من‬
‫هناية خط أنابيب النقل بواسطة الناقالت البحرية من‬
‫جهة‪ ،‬واألضرار اجليولوجية اليت ميكن أن تتعرض هلا‬
‫الطريق اليت مير هبا خط أنابيب نقل النفط من جهة‬
‫أخرى‪ .‬وهلذا نصح اجليولوجيون بأهنم يفضلون إقامة‬
‫خط لنقل النفط أكثر طوالً من اخلط املقرتح مير عرب‬
‫كندا إىل شيكاغو‪ .‬كان تقرير هؤالء اجليولوجيني قد‬
‫فرض نفوذه على اجملتمع األمريكي‪ .‬غري أن الكونغرس‬
‫‪- 36 -‬‬
‫ورئيس الواليات املتحدة األمريكية عمال على استثناء‬
‫خط األنابيب من القوانني األمريكية اليت تتطلب محاية‬
‫البيئة أمام مثل هذا املشروع االسرتاتيجي احليوي‬
‫الذي ميكن أن يقام خلدمة االقتصاد الوطين‪ .‬إن كمية‬
‫‪ 1.25‬مليون برميل نفط يومياً‪ ،‬اليت ميكن أن تتدفق‬
‫من حقول النفط القطبية يف أالسكا تعين توفري أكثر‬
‫من ‪ /10/‬مليارات من الدوالرات سنوياً كانت تنفق‬
‫على النفط املستورد من البالد األجنبية‪ ،‬ميكن أن‬
‫يدعم هبا االقتصاد األمريكي‪.‬‬

‫أكرب كارثة بيئية يف التاريخ ‪..‬كارثة األلفية الثالثة‬

‫يف أحد صباحات النصف الثاني من شهر نيسان‬


‫من عام (‪ )2010‬صحا العامل على نبأ نشرته وكاالت‬
‫األنباء العاملية مفاده‪ ،‬أن كمية كبرية من النفط تسربت‬
‫من بئر نفطية يف خليج املكسيك‪ .‬كان وقع النبأ على‬
‫مشاهدي أخبار التلفزيون عادياً للوهلة األوىل‪ .‬ذلك أن‬
‫مثل هذا األخبار عن التسريبات النفطية امللوثة ملياه‬
‫البحار أصبحت مألوفة يف وعي مشاهدي التلفزيون‬
‫على امتداد العامل يف العقود األخرية‪ .‬غري أن االهتمام‬
‫‪- 37 -‬‬
‫خبرب البئر النفطية املتفجرة يف خليج املكسيك ما لبث‬
‫أن تصاعد مع مرور كل يوم‪ ،‬وأخذت أنباء الكارثة حتتل‬
‫مساحات أوسع يف أعمدة صفحات الصحافة العاملية‬
‫ونشرات األخبار اليومية‪ .‬حيث بدأت تصرحيات‬
‫املسؤولني األمريكيني توصّف على حنو الفت بعض‬
‫التفاصيل عن الكارثة البيئية اجلديدة‪ .‬فشركة النفط‬
‫بريتش برتوليوم «بي بي» هي الشركة اليت حفرت البئر‬
‫النفطية اليت انفجرت منصتها يف نيسان املاضي يف‬
‫خليج املكسيك‪ .‬وتشري هريا اليفر الباحثة يف معهد‬
‫العلوم البحرية يف جامعة كاليفورنيا إىل أن النفط‬
‫املتسرب قد يصل إىل أكثر من مئة ألف برميل يومياً‪.‬‬
‫وورد يف تقرير للصحفي يف قسم التحقيقات يف‬
‫الصحيفة األمريكية «واشنطن بوست» هويان مادسون‪،‬‬
‫أن البيت األبيض وشركة بريتش برتوليوم «بي بي»‬
‫خيفيان حقيقة ضخامة الكارثة النفطية يف خليج‬
‫املكسيك‪ ،‬ويعمالن معاً على التقليـــل من مسوؤلية‬
‫(بي بي) عن األضرار الكارثية‪ ،‬مستنــداً يف معلوماته‬
‫إىل هيئة مهندسي اجليش األمريكي‪ ،‬وهيئة محاية‬
‫البيئة يف فلوريدا‪.‬‬

‫‪- 38 -‬‬
‫ستصبح هياكل الزوارق البحرية والسفن العابرة ملياه البحر‬
‫امللوثة بالنفط يف خليج املكسيك مغطاة باملواد النفطية‪ .‬وسيعتمد‬
‫حجم أعمال التنظيف املطلوبة على نوع املواد النفطية املتسربة‪.‬‬
‫والنفوط اخلام الثقيلة هي األسوأ يف هذا الشأن‪ .‬فالنفط املتسرب‬
‫من البئر املتفجرة يف خليج املكسيك تقذف من فوهتها آالف‬
‫الرباميل من النفط اخلام إىل املياه البحرية مع مرور كل ساعة‪.‬‬
‫‪- 39 -‬‬
‫ويعمل الرئيس األمريكي باراك أوباما وكوادر البيت‬
‫األبيض العليا إضافة إىل وزير الداخلية باالتفاق مع‬
‫مدير شركة (بي بي) لوضع تشريع حيدد سقف مسوؤلية‬
‫الشركة بنحو عشرة مليارات دوالر عن األضرار اليت‬
‫تسببت هبا الكارثة‪ ،‬على حني أن تقديرات الصحفي‬
‫مادسون حول تلك األضرار تبني أن الكارثة تسببت‬
‫خبسائر ال تقل عن ألف مليار دوالر (بليون دوالر)‪،‬‬
‫وهذا يتناسَبُ مع تأكيدات الباحث فالدميري كتشروف‬
‫األستاذ يف املعهد امللكي التكنولوجي يف السويد‪ ،‬أن‬
‫التسرب النفطي إذا مل يتوقف سريعاً فسوف يدمر‬
‫كل الساحل األمريكي‪ .‬ومع أن البيت األبيض يعتم‬
‫على حجم الكارثة‪ ،‬فإن خفر السواحل وخرباء هيئة‬
‫املهندسني يعتربون أنه إذا مل يتوقف التسرب النفطي‬
‫خالل ‪ /90/‬يوماً فإن األضرار ال ميكن إصالحها يف‬
‫النظام البيئي البحري خلليج املكسيك‪ .‬لقد دفعت‬
‫ضخامة الكارثة الرئيس األمريكي أوباما إىل الطلب‬
‫من وزيرة األمن الداخلي يف حكومته إصدار مرسوم‬
‫يعلن التسرب النفطي (حالة أمن وطين)‪.‬‬
‫فمع هناية شهر أيار‪ ،‬أي بعد مرور حوايل ستة‬
‫أسابيع على بدء الكارثة نقلت الصحافة ووكاالت‬
‫‪- 40 -‬‬
‫األنباء العاملية تصرحيات عن مسوؤلني أمريكيني‬
‫مفادها‪ ،‬أن احلكومة األمريكية مشغولة بالكامل هذه‬
‫األيامَ بعمليات حماوالت السيطرة على البئر النفطية‬
‫ِ‬
‫املتسرب‬ ‫املتفجرة يف خليج املكسيك‪ ،‬وأن بقعة النفط‬
‫بدأت تتسع وتنتشر على امتداد السواحل األمريكية‪،‬‬
‫وحتتاج السيطرة على البئر النفطية املتفجرة إىل حفر‬
‫جمموعة من اآلبار يف حميطها من أجل ختفيف ضغط‬
‫التدفق النفطي منها‪ ،‬وأن كلفة معاجلة الكارثة البيئية‬
‫وتلوث املياه البحرية األمريكية باملواد النفطية بلغت‬
‫حتى اآلن أكثر من سبعني ملياراً من الدوالرات‪.‬‬

‫ثم فجاة يظهر الرئيس األمريكي باراك أوباما على‬


‫شاشات التلفزيونات األمريكية ليعلن‪ ،‬أنه بعد مرور‬
‫مخسني يوماً على انفجار البئر النفطية يف خليج‬
‫املكسيك‪ ،‬وبعد تدفق ماليني عديدة من اللرتات‬
‫النفطية‪ ،‬تعمل السلطات األمريكية كل ما يف وسعها‬
‫لوقف اتساع وانتشار البقعة النفطية العائمة اليت بدأت‬
‫متتد على طول السواحل األمريكية‪ ،‬وأن مكافحتها‬
‫ستستمر ملدة عدة أشهر ورمبا لعدة سنوات‪.‬‬

‫‪- 41 -‬‬
‫ويتحدث الصحفي األمريكي يف صحيفة «واشنطن‬
‫بوست» هويان مادسون عن حالة تواطؤ جُرْم ٍِّي بني‬
‫املكتب السابق لديك تشيين (نائب الرئيس األمريكي‬
‫السابق بوش) يف هاليبورتون‪ ،‬ومؤسسة الثروات‬
‫الباطنية األمريكية ‪ MMS‬التابعة لوزارة الداخلية‬
‫اليت مل حتذر من كوارث مشاهبة ميكن أن حتدث يف كل‬
‫منصات النفط البحرية األخرى حول العامل والبالغة‬
‫ثالثني ألف منصة تستخدم تقانة اإلغالق نفسها اليت‬
‫استخدمتها شركة «بي بي» للبئر النفطية اليت انفجرت‬
‫مؤخراً يف خليج املكسيك‪.‬‬

‫ويشري إىل أن أمريكا اليوم يف صدد ما ميكن أن يشكل‬


‫أكرب كارثة بيئية يف التاريخ‪ ،‬والسيما أن التسرب قد‬
‫يغطي شواطئ األطلسي حتى والية كاليفورنيا مشاالً‪،‬‬
‫ثم حبر الشمال وآيسلندا‪ .‬وهذا ما يهدد احلياة الربيّة‬
‫والبحرية وحتى مصادر املياه العذبة بسبب املركبات‬
‫السامة ‪ ،‬حتى إن أوروبا والسيما انكلرتا قد تلحق هبا‬
‫أضرار الكارثة النفطية يف خليج املكسيك‪.‬‬

‫‪- 42 -‬‬
‫حيتاج طاقم تنظيف مياه البحر من املواد النفطية املتسربة إليها‬
‫من البئر النفطية املتفجرة إىل البسة واقية‪ ،‬وجتهيزات آمنة‪.‬‬
‫فسالمة طاقم التنظيف جيب أن تكون فوق كل اعتبار‪ .‬ألن العمل‬
‫يف معاجلة التسربات النفطية حيتمل كثرياً من املشاق واملخاطر‪.‬‬

‫‪- 43 -‬‬
‫والسؤال املطروح هو‪ :‬ما مدى قدرة البحر‬
‫الذاتية على تنظيف نفسه بنفسه يف حالة‬
‫تلوث مياهه باملواد النفطية؟‬

‫تسرب كبري من املشتقات النفطية يلوث مساحات واسعة‬


‫من مياه البحر على امتداد الشاطئ‪ .‬غري أن األمر ال يتوقف‬
‫عند ذلك‪ ،‬فصخور الشاطئ ورمال شطآن السباحة ميكن‬
‫أن تغطى بطبقة لزجة من املواد النفطية الثقيلة القامتة‪،‬‬
‫بفعل حركة األمواج البحرية واملد واجلزر البحريني ‪.‬‬
‫‪- 44 -‬‬
‫اجلواب‪ :‬إن كثرياً من املواد النفطية امللوثة ملاءِ البحر‬
‫يتأكسد بواسطة البكترييا والعفن واخلمائر اليت هتاجم‬
‫خمتلف قطفات النفط اخلام‪ .‬فالبكترييا على سبيل‬
‫املثال هلا القدرة على هضم السالسل غري املتفرعة‬
‫من الفحوم اهليدروجينية املكونة للنفط‪ .‬غري أهنا‬
‫تالقي مصاعب أكرب هبضم السالسل املتفرعة من‬
‫الفحوم اهليدروجينية اليت تقاوم ملدة طويلة‪ ،‬إضافة‬
‫إىل بقايا القطران اليت تبقى معلقة هتتز فوق سطح‬
‫املياه لفرتات زمنية طويلة ما تلبث بعدها أن ترتسب‬
‫إىل قاع البحر‪.‬‬

‫إن سبب كثري من صيحات االحتجاج ضد التلوث‬


‫النفطي ليس األضرار البيئية احملتملة فحسب‪ ،‬وإمنا‬
‫األضرار االقتصادية واجلمالية اليت يتسبب هبا هذا‬
‫التلوث‪ .‬حيث تؤدي البقع النفطية الزلقة فوق سطح‬
‫املاء إىل ختريب الشريط الساحلي ومياه االستحمام‬
‫وإحداث كثري من األضرار وتشويه املشهد العام للبحر‪.‬‬
‫فعالوة على فقدان كثري من الطيور البحرية ‪ ،‬فإن‬
‫معظم ضحايا التلوث النفطي البحري واخلسارة‬
‫البيئية مل تدرس و تقيَم بدقة على حنو كامل حتى‬
‫‪- 45 -‬‬
‫اآلن‪ .‬وتشري الدراسات اليت تناولت األضرار اليت تتسبب‬
‫هبا التسريبات النفطية إىل مياه البحر إىل أن املواد‬
‫النفطية تقتل النبات واحليوان ومجيع أشكال احلياة‬
‫يف مناطق املد واجلزر البحريني‪ ،‬وخباصة الكائنات‬
‫اليت تعيش يف أعايل ووسط النطاقات الساحلية مثل‬
‫احليوانات القشرية والسرطانات والرخويات البحرية‬
‫(بلح البحر) وأعشاب الصخور ومجيع ما يرافقها‬
‫من احليوانات الالفقارية‪ .‬وحتتاج املنطقة الساحلية‬
‫يف حال تلوثها باملواد النفطية إىل مدة زمنية متتد‬
‫من سنتني إىل عشر سنوات لتستعيد عافيتها‪.‬‬

‫‪- 46 -‬‬
‫أما احلال يف املناطق الشاطئية فلن تكون أفضل‪،‬‬
‫ألن الرمال الشاطئية تصبح ملوثة باملواد النفطية إثر‬
‫محل األمواج البحرية لالنتشار النفطي السطحي من‬
‫عرض البحر ونقله إىل املنطقة الشاطئية ومن ثم دفعِهِ‬
‫إىل داخل الكتلة الرملية املمتدة على الشاطئ ليرتسب‬
‫بعد ذلك على السطوح العليا حلباهتا الرملية‪ .‬وهناك‬
‫سوف تقتل املادة النفطية مجيع أشكال احلياة املوجودة‬
‫يف رمال الشاطئ‪.‬‬

‫لقد دُ ِرست اآلثار البيئية للتلوث النفطي على احلياة‬


‫البحرية بشكل جيد ‪ .‬غري أنه مل يعرف إال قلي ٌل عن‬
‫اآلثار السُّـمِّـيَّةِ للفحوم اهليدروجينية النفطية على‬
‫احلياة البحرية واحلياة املوجودة على القاع والسالسل‬
‫الغذائية البحرية‪ ،‬ومدى اآلثار اليت خيلّفها النفط الذي‬
‫يصل إىل املناطق البحرية العميقة وتلك اليت تتسبب‬
‫هبا املواد النفطية املمتصة أو املشتتة على األجسام‬
‫الصخرية واملواد البحرية املختلفة‪.‬‬

‫‪- 47 -‬‬
‫أبعاد وطبيعة أخطار التلوث النفطي ملياه البحر‬

‫لقد عرفت مشكلة التلوث النفطي ملياه البحر منذ عام‬


‫(‪ 1754‬م) عندما وصف جونز هاناوي تسرباً للنفط من‬
‫عنابر خشبية على اجلزيرة املقدسة يف حبر قزوين حيث‬
‫غطت طبقة من النفط مساحة من سطح البحر امتدت‬
‫لعدة أميال‪ .‬وظلت هذه املشكلة حمدودة نسبياً قبل بدء‬
‫احلرب العاملية األوىل حيث كانت مناطق إنتاج النفط‬
‫تَشمَ ُل مساحات معينة و حمدودة‪ .‬و مع تقدم استخدام‬
‫السفن اليت تستعمل الوقود النفطي وازديادِ السيارات‬
‫و الطائرات‪ ،‬و طرقات اإلسفلت و آالف اجملاالت و‬
‫العمليات اليت تتطلب املنتجات النفطية املختلفة لعملها‪،‬‬
‫إضافة إىل عمليات نقل املشتقات النفطية من أماكن‬
‫إنتاجها إىل أماكن استهالكها‪ ،‬أصبحت عملية التلوث‬
‫النفطي مشكلة عاملية وصلت إىل حد الكارثة يف بعض‬
‫جوانبها‪.‬‬
‫فمنذ حلظة استخراج النفط وتدفقه من فوهات اآلبار‬
‫النفطية وحتى احرتاقه‪ ،‬أو ختريبه بفعل البكترييا‪ ،‬أو‬
‫حتطمه بفعل عمليات أخرى‪ ،‬فإن املادة النفطية تشكل‬
‫ضرراً دائماً لكل شيء حي‪ ،‬ولكل األشياء اليت ميكن‬

‫‪- 48 -‬‬
‫أن تكون على متاس معها‪ .‬ال يوجد مكان وال زمان‬
‫مل يصل إليه النفط و مشتقاته‪ .‬فالنفط ينقل بالبحر‬
‫بواسطة ناقالت النفط اخلاصة و غريها من وسائط‬
‫النقل املختلفة‪.‬‬

‫ناقلة نفط‬

‫‪- 49 -‬‬
‫تعود غالبية التسريبات النفطية اليت حتدث أثناء‬
‫حتميل الناقالت بالوقود النفطي إىل قلة احليطة‬
‫واحلذر أو إىل عيوب وأخطاء يف املعدات املستخدمة‬
‫يف عمليات التحميل هذه‪ .‬واجلدير بالذكر هنا‪ ،‬أن‬
‫التسهيالت املتاحة الستقبال كميات من املياه النفطية‬
‫هي تسهيالت متوفرة يف كثري من املوانئ العاملية وفقاً‬
‫لقوانينها اخلاصة‪ .‬كما أن بعض السفن ميكن أن تكون‬
‫جاهلة لقانون منع تفريغ املياه اآلسنة وغريها من مياه‬
‫النفايات النفطية يف مناطق احلدود البحرية الدولية‪.‬‬
‫إن معظم خمالفات هذا القانون ميكن جتنبها‪ .‬وذات‬
‫األمر ميكن أن يقال بالنسبة للتلوث الذي حيدثه ضخ‬
‫مياه املوازنة (هي كمية من املياه تعبأ هبا عنابر اجلزء‬
‫اخلايل من سفينة النقل كي حتافظ السفينة على توازهنا‬
‫أثناء سفرها يف عرض البحر‪ ،‬حبيث يتم التخلص منها‬
‫بتفريغها عند انتهاء الرحلة) وعمليات التنظيف األخرى‬
‫اليت جتري مبياه نظيفة ترمى يف البحر بعد تلوثها إثر‬
‫عمليات التنظيف هذه‪ .‬وإذا كانت عمليات التنظيف‬
‫ضرورية أو أن ضخ وتفريغ مياه املوازنة املائية شيء البد‬
‫منه فإنه باإلمكان إجناز كل ذلك يف أي وقت وأي مكان‬
‫ولكن شريطة أ َّال يتسبب إال باحلد األدنى من األضرار‪.‬‬

‫‪- 50 -‬‬
‫ينتج عن عمليات التنظيف ملياه الشواطئ البحرية‬
‫كميات هائلة من النفايات النفطية‬

‫وهناك مصدر شائع آخر للقلق يرتبط بثقوب التسريب‬


‫املوجودة يف جسم سفن النقل‪ .‬حيث إن ثقوب التسريب‬
‫هذه قد سامهت حبوايل (‪ )%20‬من التسريبات النفطية‬
‫‪- 51 -‬‬
‫يف مياه البحر خالل األربع السنوات املمتدة من عام‬
‫(‪ ) 1956‬إىل عام (‪ 1959‬م)‪.‬‬

‫وتتسبب احلوادث العرضية مثل التصادم ‪ ،‬أو ارتطام‬


‫السفينة بتضاريس قاع البحر ‪ ،‬أو احلرائق‪ ،‬بأسوأ‬
‫عمليات التلوث النفطي ملياه البحر طاملا أن مثل هذه‬
‫احلوادث حتصل غالباً بالقرب من الشواطئ‪ ،‬وبالتايل‬
‫ميكن آلالف براميل النفط أن تتدفق من سفن نقل‬
‫النفط املنكوبة‪ .‬كما أن الصدأ التدرجيي الذي يصيب‬
‫اخلزانات املعدنية للعنابر املغمورة باملياه ميكن أن يكون‬
‫املصدر األساس اإلضايف للتلوث النفطي ولسنوات‬
‫عديدة بعد غرق هذه السفن‪.‬‬

‫يضاف إىل ذلك أن إقامة املنشآت والتجهيزات‬


‫أو املعدات الشاطئية يف موانئ النقل البحري عادة‬
‫مايعقبها ظهور بقع خميفة على سطح مياه البحر‪.‬‬
‫وجدير بالذكر أيضاً أنَّ بناء أية مؤسسات صناعية‬
‫أو مصفاة لتكرير النفط اخلام‪ ،‬مثل معمل اإلمسنت‬
‫ومصفاة بانياس يف حمافظة طرطوس‪ ،‬ميكنه أن يؤدي‬
‫إىل طرح كميات كبرية من الزيوت النفطية إضافة إىل‬
‫‪- 52 -‬‬
‫ملوثات أخرى خمتلفة‪ ،‬كل ذلك يشكل مصادر صعبة‬
‫وخطرية لتلوث املنطقة‪.‬‬

‫‪- 53 -‬‬
‫البيئة مقابل الرياضة‪ -‬الوجه البيئي لرياضة‬
‫السباقات البحرية‬

‫بقي شيء صغري‪ ،‬لكنه ينمو ويزداد بسرعة كبرية‪ .‬إنه‬


‫التلوث النفطي الذي حتدثه ماليني الزوارق الرياضية‬
‫واملراكب البحرية الصغرية املتحركة اليت جتوب‬
‫اخللجان البحرية ومياه األهنار والبحريات يف دول العامل‬
‫(حصة الواليات املتحدة األمريكية وحدها منها تزيد‬
‫عن ‪ /8/‬مليون زورق ومركب صغري)‪ .‬فقائد كل مركب‬
‫يف عطلة هناية األسبوع (قبل مشاركته يف السباقات‬
‫الرياضية أو بعدها) يرمي يف عرض البحر املياه اآلسنة‬
‫املتجمعة يف أسفل مركبه إضافة إىل بعض ما تبقى من‬
‫الزيت النفطي يف الغالون من فوق منت مركبه دون أن‬
‫يفكر ولو حلظة أين ومتى ميكن أن يرمي كل ذلك قبل‬
‫البدء مبمارسة هوايته يف السباقات أو النزهات البحرية‬
‫األسبوعية‪ .‬أي إن اآلالف من أنواع النفايات ترمى يف‬
‫املنطقة نفسها ويف وقت واحد‪ ،‬حيث ميكن أن تشكل هذه‬
‫الظاهرة مشكلة كبرية يف املستقبل القريب‪ .‬إن كثرياً من‬
‫الزيوت النفطية اليت يلقى هبا يف مياه البحر من املراكب‬
‫الصغرية املبحرة هي أخف نسبياً مقارنة مع زيت النفط‬
‫‪- 54 -‬‬
‫اخلام‪ ،‬ولكنْ قلي ٌل من االنتباه واالهتمام هو السائد يف‬
‫معاجلة هذه املشكلة‪ .‬وذات احلال بالنسبة ملراكب السباقات‬
‫والنزهات املائية يف مياه األهنار والبحريات العذبة‪ .‬غري أن‬
‫جسم املياه العذبة يبدو أنه أكثر حساسية مقارنة مبياه‬
‫البحر املاحلة‪ ،‬فهي تتحسس األجسام الغريبة اليت تلقى‬
‫فيها قبل أن يصبح األمر متفاقماً‪ ،‬كما أهنا تتأثر سلباً‬
‫هبذه األجسام قبل املياه البحرية املاحلة‪.‬‬

‫إنه من الصعب للغاية أن تقدر بدقة مجلة األضرار اليت‬


‫حتدثها الكميات الكبرية املتسربة من النفط يف مياه البحر‬
‫على مستوى العامل‪ .‬ولكن ميكننا إجياز وتشخيص املشكلة‬
‫على النحو اآلتي‪ :‬إن ماميكن أن حيدث يف منطقة واحدة‬
‫من العامل يف هذا الشأن ميكن أن ينسحب على املناطق‬
‫املشاهبة يف كل مكان من هذا العامل‪ ،‬كما أن النتائج ميكن‬
‫أن تكون ذاتَها أيضاً‪.‬‬
‫وميكن ذكر احلاجات األساسية ملياه البحار على مستوى‬
‫العامل على النحو التايل‪:‬‬
‫‪-1‬توالد وصيد األمساك‪.‬‬
‫‪-2‬توالد وصيد احملار‪.‬‬
‫‪-3‬ت���وال���د وب��ق��اء احل��ي��وان��ات ال��ب��ح��ري��ة م��ن الفقاريات‬
‫والالفقاريات مبا فيها طيور املاء‪.‬‬
‫‪- 55 -‬‬
‫‪-4‬السباحة‪ ،‬ورياضة ال��زوارق البحرية‪ ،‬ورياضة صيد‬
‫األمساك‪ ،‬وغريها من اهلوايات‪.‬‬
‫‪-5‬اإلحبار والنقل البحري‪.‬‬
‫‪-6‬متديد وتشتيت النفايات اليت تلقى يف عرض البحر‬
‫بغية التخلص منها‪.‬‬
‫‪-7‬التزود مبياه الشرب عن طريق حتلية مياه البحر يف‬
‫ظل أزمة تناقص موارد املياه العذبة على مستوى العامل‬
‫وخباصة يف بلداننا العربية‪.‬‬
‫‪-8‬التزود باملياه الصناعية‪.‬‬
‫إن تلوث مياه البحر املاحلة باملواد النفطية يقلص من‬
‫إمكانية االستفادة املثلى بالنسبة ألي غرض من األغراض‬
‫الثمانية املذكــــــورة آنفـــاً‪ ،‬وهذا التقليص يتناسب طرداً‬
‫وبشكل مباشر مع زي��ادة كميات النفط املرمية يف مياه‬
‫البحار واحمليطات‪.‬‬

‫من املؤكد أن الضرر األساسي الناجم عن التسرب‬


‫النفطي يتمثل أساساً باخلطر الذي يهدد حياة اإلنسان‪.‬‬
‫والتهديد الكبري و املباشر هنا هو ما تشكله النار واحلرائق‪.‬‬
‫فالنفط واملواد احلطامية امللوثة باملواد النفطية املرمية أو‬
‫العائمة على سطح مياه املوانئ أو السواحل البحرية ألي‬
‫‪- 56 -‬‬
‫مدينة حبرية يف العامل‪ ،‬أو تلك اليت تطفو وتتحرك لتصل‬
‫إىل الشاطئ تشكل فرصاً قائمة خمتلفة حلدوث حرائق‬
‫كارثية‪.‬‬

‫عانى الفيليينيون من كارثة تسرب هائل للنفط‬


‫يف مياه شواطئهم سنة ‪2006‬‬

‫‪- 57 -‬‬
‫إن النفط الذي يتم غسله على رمال الشاطئ بواسطة‬
‫الرياح ‪ ،‬وأمواج املد واجلزر والتيارات البحرية خيلق‬
‫أنواعاً خمتلفة من املشكالت‪ .‬ووفقاً للتقارير احلديثة‬
‫اليت قدمها املعهد األمريكي للنفط ‪ ،API‬فإن التيارات‬
‫البحرية املومسية ميكن أن تكون مسؤولة إىل حد كبري‬
‫عن وصول وإعادة متوضع التسريبات النفطية مقارنة مع‬
‫الفعل الذي ميكن أن تقوم به أمواج املد واجلزر يف هذا‬
‫اجملال‪ ،‬عندما حتدث التسريبات النفطية يف حبر مفتوح‪.‬‬
‫وتشكل رمال الشاطئ امللوثة بالنفط إزعاجاً للساحبني‪،‬‬
‫كما تكلف غالياً هؤالء الذين يعتمد مصدر رزقهم جزئياً‬
‫أو كلياً على البيع أو تقديم اخلدمات للناس القادمني‬
‫للتمتع مبياه ومشس الشواطئ البحرية‪.‬‬

‫ثم هناك تكلف ُة تنظيفِ الشواطئ امللوثة بالنفط‪.‬‬


‫فتكاليف تنظيف رمال الشاطئ جلزيرة حبرية مأهولة‬
‫صغرية ملرة واحدة مبا فيها تنظيف األبنية اجملاورة من‬
‫بقايا املواد النفطية ميكن أن تصل إىل عدة آالف ورمبا‬
‫ماليني من الدوالرات‪ .‬إن إزالة آثار التلوث النفطي عن‬
‫رمال شواطئ السباحة يف عديد من املناطق البحرية يف‬
‫العامل هي عملية مستمرة إىل هذا احلد أوذاك طوال‬
‫موسم السباحة‪.‬‬
‫‪- 58 -‬‬
‫وبالدخول إىل املنطقة اليت تأثرت بالتلوث النفطي‬
‫فإن األشكال املختلفة فيها من احلياة احليوانية تربهن‬
‫من الوهلة األوىل على وجود نتائج مأساوية واسعة‬
‫االنتشار لتلوث مياه البحر فيها‪.‬‬

‫يعترب احمليط املصدر األهم و األكرب غري الناضب‬


‫للغذاء‪ .‬كما أن غالبية األجزاء املنتجة من هذا احمليط‪،‬‬
‫أي مياهه السطحية و الضحلة‪ ،‬متثل يف الواقع‬
‫‪- 59 -‬‬
‫األجزاء األكثر تأثراً إىل حد كبري بالتلوث النفطي‪.‬‬
‫فإذا استطعنا أن نتخيل أن كل تسريب نفطي يف مياه‬
‫البحر ميدد بكامل الكتلة املائية جلميع احمليطات فإن‬
‫مشكلتنا ميكن أن تكون صغرية على مدى عديد من‬
‫السنوات القادمة‪ .‬غري أن الوضع ليس على هذا النحو‬
‫على كل حال‪.‬‬
‫وليس خطأ أن نفرتض بأنه طبقاً الحتشاد معظم‬
‫خطوط النقل العاملية يف مناطق اخلطوط الساحلية و‬
‫املوانئ‪ ،‬وانتشار مصانع تكرير النفط و املراكز الصناعية‬
‫بالقرب من حمطات النقل النفطي‪ ،‬فإن حصة التلوث‬
‫النفطي الكربى ملياه البحر ميكن أن تستمر فرتاتٍ زمني ًة‬
‫طويل ًة يف هذه املناطق‪ ،‬أي يف ذات املناطق اليت تشكل‬
‫االحتياطي األكرب للحياة البحرية‪.‬‬

‫طبيعة و أشكال تأثريات التلوث النفطي على‬


‫األنواع املختلفة من احلياة البحرية‬

‫هناك آراء خمتلفة حول طبيعة و تنوع اآلثار السلبية‬


‫للتلوث النفطي على األشكال املختلفة للحياة البحرية‪.‬‬
‫و بشكل عام‪ ،‬هناك مخس طرائق أساسية ميكن للمواد‬
‫‪- 60 -‬‬
‫النفطية أن تؤثر بواسطتها على حيوانات املياه البحرية‬
‫املاحلة‪ ،‬و هي كما يلي‪:‬‬
‫‪-1‬فساد حياة األمس��اك و احليوانات احملارية مما‬
‫جيعلها غري صاحلة للغذاء‪.‬‬
‫‪-2‬تسمم احلياة احليوانية بفعل تناول احليوانات‬
‫البحرية لغذاء ملوث بالنفط و مشتقاته‪.‬‬
‫‪-3‬فساد و خرق السالسل الغذائية للمياه البحرية‪.‬‬
‫‪-4‬اإلعاقة امليكانيكية للحيوانات البحرية‪.‬‬
‫‪-5‬اآلثار املنفرة‪.‬‬
‫إن فساد حياة احليوانات البحرية اليت تصبح على‬
‫متاس مع املواد النفطية هو حبد ذاته شاهد على‬
‫األضرار اليت يلحقها التلوث النفطي مبياه البحر‪.‬‬
‫إن الفكرة القائلة بأن النفط واملاء الميتزجان هي‬
‫فكرة شائعة إىل حد ما‪ ،‬غري أن هذه الفكرة ليست‬
‫دقيقة متاماً‪ .‬فجزيئات الغضار أو غريها من اجلزيئات‬
‫الرسوبية الدقيقة العالقة يف املياه البحرية السطحية‬
‫ميكنها أن متتص سريعاً كميات كبرية من النفط وأن‬
‫تغوص بعد ذلك لترتسب يف قاع البحر‪ ،‬حيث ميكنها‬

‫‪- 61 -‬‬
‫البقاء هناك فرتات زمنية طويلة‪ .‬والقضية ال تنتهي هنا‪،‬‬
‫فتشوش رسوبات القاع بفعل التيارات البحرية حتت‬
‫السطحية ميكنه إعادة كثري من اجلزيئات الغضارية‬
‫أو الرسوبية املشبعة باملواد النفطية إىل السطح لتطفو‬
‫من جديد يف أوقات الحقة‪.‬‬

‫كما أن املنتجات النفطية املتبقية الثقيلة (األسفلت‬


‫مثالً) ‪ ،‬غالباً ما تكون ذات كثافة قريبة من كثافة مياه‬
‫البحر‪ ،‬وبالتايل ميكنها يف ظروف حمددة أن تغوص‬
‫باجتاه القاع هي األخرى‪ .‬وميكن يف ظروف سيطرة‬
‫طقس شديد الربودة أن تغوص بسرعة باجتاه القاع‬
‫كي تظهر على السطح من جديد عند عودة الطقس‬
‫الدافئ‪ .‬وعلى هذا النحو فإن النفط يصل إىل قاع‬
‫األوساط البحرية ومييل للبقاء هناك على متاس مباشر‬
‫مع العضويات اليت تستوطن أعماق البحار‪ .‬وعليه فإن‬
‫كثرياً من أشكال احلياة البحرية قد يقتل بشكل كامل‬
‫بفعل هذا التماس‪ ،‬أما ما يبقى منها على قيد احلياة‬
‫فيتميز بطعم منفر ورائحة كريهة للحومها‪.‬‬

‫إن املواد النفطية املرتسبة يف قاع أي مصب هنري‬


‫‪- 62 -‬‬
‫يف البحر ترسل فيما بعد تياراً ثابتاً من املواد السامة‬
‫يف مجيع أحناء املصب‪ ،‬وإذا تعرض قاع املصب‬
‫حلركات مائية مشوشة بشكل متكرر فإن بإمكان املواد‬
‫النفطية ذاهتا أن تتحرك وتنتشر أكثر فأكثر باجتاه‬
‫أعايل النهر‪ .‬إن التقرير الذي قدم يف هذا الشأن عام‬
‫(‪ )1953‬من قبل الباحثي ِْن ‪ Hunt and Ewing‬أشار‬
‫إىل أنه أثناء عمليات التنظيف ورفع األوحال السنوية‬
‫يف الثالثة أميال السفلى من هنر روج ‪Rouge River‬‬
‫يف والية ميشيغان األمريكية مت سحب ‪/1700/‬غالون‬
‫من النفط والشحم يومياً خالل مدة استمرت مخسني‬
‫يوماً‪ .‬إن هذه الكمية اهلائلة هي نتاج تراكم سنة واحدة‬
‫من امللوثات النفطية ملياه البحر‪.‬‬

‫وطيور املاء هلا نصيبها هي األخرى من تلوث مياه‬


‫البحر بالنفط‪ .‬إذ يتمثل الضرر األساسي باإلعاقة‬
‫البسيطة لريش هذه الطيور‪ .‬وتتميز زيوت الوقود‬
‫والنفط اخلام بأهنا غليظة القوام ودبقة يف املكان‬
‫الذي تصله من جسم الطائر‪ .‬وعندها يصبح من‬
‫الصعب إزالة هذه املواد دون مساعدة‪ .‬فعندما يغدو‬
‫الطري على متاس مع املواد النفطية حلظة حيط على‬
‫‪- 63 -‬‬
‫املاء‪ ،‬ثم يسبح بعد ذلك يف هذه املياه صعوداً وهبوطاً‬
‫غالباً ما يتعرض للهالك املؤكد نتيجة التصاق املواد‬
‫النفطية بريشه‪ ،‬ويؤدي ذلك إىل ضعفِ حركته‪ .‬فإذا‬
‫كان الطقس بارداً فإن بقعة من النفط حبجم زر سرتة‬
‫جاكيت تكون كافية للتسبب يف موت هذا الطائر‪.‬‬

‫وقد يغطي النفط ريش الطري باجتاه األسفل فيكوِّن‬


‫خيوطاً نفطية دبقة وتبدأ املياه الباردة بالنز والتسرب‬
‫‪- 64 -‬‬
‫عرب الطبقة النفطية إىل اجللد‪ ،‬فتبدأ حرارة جسم‬
‫الطري بالتناقص بوترية أسرع من عملية جتديدها‪.‬‬
‫وتتسارع عملية االحنطاط اجلسدي اليت يتعرض هلا‬
‫الطري على هذا النحو‪ ،‬وبشكل خاص إذا ما تعرض‬
‫جناحاه للتلوث النفطي أيضاً‪ ،‬األمر الذي سيؤدي‬
‫حتماً إىل إعاقة حركته وتوقفه عن الطعام‪ .‬والطيور‬
‫اليت تتعرض لتسريبات نفطية وهي على مسافة بعيدة‬
‫يف عرض البحر يتعرض أكثرها للغرق قبل التمكن من‬
‫الوصول إىل الشاطئ‪.‬‬

‫ويشار هنا إىل أن الطيور غري امللوثة بالنفط ميكنها‬


‫هي األخرى أن تتحسس اآلثار النفطية على النباتات اليت‬
‫تتغذى عليها أو على العضويات املوجودة يف القاع اليت‬
‫أصبحت ملوثة‪ .‬فالنفط حبد ذاته مادة سامة‪ ،‬وميكن أن‬
‫يكون مهلكاً إذا كانت الكمية اليت تناوهلا الطري كافية‪.‬‬

‫إن إحدى النتائج اليت ميكن التوقف عندها انطالقاً‬


‫من هذا العرض هي‪ ،‬أنه إضافة إىل كثري من املشاكل اليت‬
‫ي َُخ ِّل ُفها التلوث النفطي فإن هناك أربعة أسباب أساسية‬
‫هلذا التلوث تتمثل بالنقاط التالية‪:‬‬
‫‪-1‬الذريعة االقتصادية‪.‬‬
‫‪- 65 -‬‬
‫‪-2‬اجلهل وغياب الثقافة البيئية‪.‬‬
‫‪-3‬قلة االهتمام‪.‬‬
‫‪-4‬التنظيم والتنفيذ غري املالئمني‪.‬‬

‫حتاول مجعيات ومؤسسات أنصار البيئة إنقاذ الطيور اليت‬


‫كانت ضحية لتلوث مياه البحر باملواد النفطية‪.‬‬
‫عضوان من إحدى مجعيات أنصار البيئة حياوالن إنقاذ‬
‫هذا الطائر بغسل جناحيه وريشه وتنظيفه من املواد‬
‫النفطية الثقيلة اليت علقت جبسمه علّه يعود للطريان‬
‫واحلياة مرة أخرى‪ ،‬فهل سينجحان مبهمتهما؟؟‬

‫‪- 66 -‬‬
‫إن مجيع هذه األسباب ميكن تقليصها‪ ،‬إذا مل يكن‬
‫باإلمكان التخلص منها‪ ،‬عن طريق تركيز النشاط والفعل‬
‫على جوانب مجيع املصاحل املتعلقة بالتلوث النفطي‪ .‬وجيب‬
‫عدم التوقف عن النقد أو الضغط باجتاه إجناز العمل‬
‫املطلوب هبذا الشأن‪ .‬إن الباحثني األكثر إدراكاً واهتماماً يف‬
‫جمال التلوث النفطي يف سورية والبلدان العربية األخرى‬
‫خيفقون غالباً بتقديم الوثائق اجليدة والواضحة أو تأمني‬
‫املعلومات القيمة املبيّنة حلقيقة وأبعاد املشكلة‪ .‬وتزداد‬
‫احلال سوءاً عند غياب دور فعال للجمعيات والنوادي‬
‫األهلية املهتمة حبماية البيئة‪ ،‬أو اقتصار دورها على‬
‫رفع شعارات خالية من احملتوى والفعل املؤثر‪ .‬إن مشكلة‬
‫التلوث النفطي هي مشكلة تعيشها كل دول العامل؛ سواء‬
‫كانت مصدرة للنفط أو مستوردة له‪ .‬وليس هناك من شك‬
‫يف أن هذه املشكلة موجودة وذات طابع كارثي‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن‬
‫هناك حاجة ماسة وضرورية لتبادل املعلومات بني الدول‬
‫املعنية هبذا الشأن‪ ،‬وتقدميها وجعلها واضحة جلميع‬
‫املهتمني وأصحاب القرار يف حكومات هذه الدول‪.‬‬

‫‪- 67 -‬‬
‫حاجتنا للثقافة البيئية‬

‫هل التطبيق الكايف لالستخراج املفيد واالستثمار‬


‫للثروات الطبيعية متكافئ مع اجلهود املبذولة إليقاف‬
‫عمليات التلوث؟ ميكننا اإلجابة على هذا السؤال حتديداً‬
‫بـ «ال»‪ .‬فعالــم السياسة واالقتصاد يف غالبية دول العامل‬
‫مل يفكر جيداً بعد مبصطلحات املنظومة البيئية والتعاضد‬
‫املتبادل املرهف القائم بني عناصر الطبيعة أو عناصر‬
‫احلضارات املدنية املتنوعة‪ .‬وليس جيداً أن نلجأ إىل اللوم‬
‫و جلد الذات ألن عاملنا يف املاضي كما هو اليوم ال يزال‬
‫يتعامل مع البيئة بشكل غري ناضــج‪ .‬فاألحباث العلمية‬
‫يف جمال البيئة ليست كافية متاماً‪ ،‬كما أهنا ال تزال يف‬
‫معظمها فردية و قاصرة عن كونِها عمالً فعاالً و معاجلاً‬
‫حلالة العجز احلاصلة يف توازن الوضع احلضاري احلايل‬
‫املمتد على كامل مساحة سطح كوكبنا األرضي سفينتنا‬
‫املشرتكة‪.‬‬
‫إن التحليل املتكامل للمنظومات البيئية مبساعدة‬
‫أجهزة الكمبيوتر‪ ،‬اليت تُ َقدَّمُ هلا املعطيات األولية املتوفرة‬
‫واملتعلقة بدراسة هذه املنظومات‪ ،‬ميكنه أن يعطينا‬
‫َ‬
‫شكوك علماء‬ ‫اإلجابات املنشودة بسرعة فائقة‪ ،‬ويوقف‬
‫البيئة الصرحية واملعلنة هبذا الشأن‪.‬‬
‫‪- 68 -‬‬
‫بالطبع ال يتوفر لدينا يف سورية عدد كاف من علماء‬
‫البيئة ‪ Ecologists‬حتى اآلن‪ ،‬وهذا األمر رمبا ينطبق‬
‫أيضاً على البلدان املتطورة‪ .‬غري أننا ال نشري إىل ذلك‬
‫ألننا حباجة ماسة العتماد عدد كبري من العاملني يف‬
‫هذا احلقل‪ ،‬فاألعداد الكبرية العاملة يف حقل البيئة يف‬
‫بلد ما قد ال يكون مؤشراً بالضرورة على صحة وعافية‬
‫البيئة يف هذا البلد‪ .‬واحلقيقة هي أننا حنتاج أكثر ما‬
‫حنتاج يف الواقع إىل مزيد من الوعي البيئي العام الواسع‪،‬‬
‫فوجهة النظر البيئية وطريقة املقاربة البيئية ميكنها أن‬
‫تتطور يف معظم حقول املعرفة ‪.thought of fields‬‬

‫إن املرء ميكن أن يكون إيكولوجياً (مناصراً للبيئة ومدافعاً‬


‫عن صحة منظوماهتا املختلفة) بغض النظر عمّن يكون‪...‬‬
‫فــاالختبــــار احلقيقي لإلنسان هو قدرته على جعل تفكريه‬
‫أكثر عمقاً وجعل منظوره أكثر اتساعاً ومشولية لألشياء‪،‬‬
‫وما إذا كان يع ِرفُ إىل أي مدى هو مشغول مبوضوع‬
‫النموذج اجليد للحياة والوسط احمليط‪.‬‬

‫‪- 69 -‬‬
‫صدر من السلسلة‬

‫فايز فوق العادة ‬ ‫حنن جزء من هذا الكون‬


‫حممد قرانيا ‬ ‫دمشق‬
‫األشرعة احلمراء (ألكسندر غرين) ت‪:‬فريوز نيوف‬
‫ت‪:‬قاسم طوير‬ ‫مملكة ماري‬
‫ ‬ ‫خمتارات من أسامة‬
‫د‪.‬هشام احلالق‬ ‫القدس‬
‫حسن بالل‬ ‫الذرة‬
‫فايز فوق العادة‬ ‫العلم يدهشنا‬
‫أنطوانيت القس‬ ‫مملكة إيبال‬
‫طــه الزوزو‬ ‫البيئة‪ :‬الطبيعة واإلنسان‬
‫قصة الكون واحلياة واإلنسان موسى ديب اخلوري‬
‫عبد اهلل عبد‬ ‫ربيع كاذب‬
‫حممد املصري‬ ‫صفحات من تاريخ املوسيقا‬
‫(أنطون دوسانت أكزوبريي)‬ ‫األمري الصغري‬
‫ت‪ :‬أنطوانيت القس‬
‫موسى ديب اخلوري‬ ‫قصة اخرتاع األرقام‬
‫د‪ .‬غزوان زركلي‬ ‫الصوت والزمن‬
‫هنادي زرقة‬ ‫حشرات يف بيتك وحديقتك‬
‫‪- 70 -‬‬
‫د‪ .‬ريم منصور األطرش‬ ‫طريق احلرير‬
‫أويس الشريف‬ ‫احلاسوب‬
‫فلزات (سليكون‪/‬كوارتز‪/‬حرير صخري)‬
‫أ‪.‬د‪ .‬حممد عبود‬
‫فايز فوق العادة‬ ‫الثقوب الكونية السوداء‬
‫موسى ديب اخلوري‬ ‫الفسيفساء‬
‫د‪ .‬تغريد شعبان‬ ‫فن النحت «يف العصر القديم»‬

‫‪- 71 -‬‬

You might also like