You are on page 1of 115

‫الفهرس‬

‫األكلى ‪9 - 4 ........................................................... :‬‬ ‫الحلقة‬ ‫‪-‬‬


‫الثاتية ‪17 - 10...........................................................:‬‬ ‫الحلقة‬ ‫‪-‬‬
‫الثالثة ‪24 - 18.......................................................... :‬‬ ‫الحلقة‬ ‫‪-‬‬
‫الرابعة ‪30 - 25......................................................... :‬‬ ‫الحلقة‬ ‫‪-‬‬
‫الخامسة ‪36- 31....................................................... :‬‬ ‫الحلقة‬ ‫‪-‬‬

‫السادسة برهاف النظم ‪42 -37......................................... :1‬‬ ‫الحلقة‬ ‫‪-‬‬


‫السابعة برهاف النظم ‪49-43..........................................: 2‬‬ ‫الحلقة‬ ‫‪-‬‬
‫الثامنة برهاف النظم ‪56-50............................................. :3‬‬ ‫الحلقة‬ ‫‪-‬‬
‫التاسعة برهاف النظم ‪66-57............................................:4‬‬ ‫الحلقة‬ ‫‪-‬‬
‫العاشرة برهاف النظم ‪73-67........................................... :5‬‬ ‫الحلقة‬ ‫‪-‬‬
‫الحادية عشر برهاف النظم‪82-74........................................: 6‬‬ ‫الحلقة‬ ‫‪-‬‬
‫الثانية عشر برهاف النظم ‪91-83........................................ :7‬‬ ‫الحلقة‬ ‫‪-‬‬
‫الثالثة عشر برهاف النظم ‪100-92........................................:8‬‬ ‫الحلقة‬ ‫‪-‬‬
‫الرابعة عشر برهاف النظم ‪109-101....................................: 9‬‬ ‫الحلقة‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬الحلقة الخامسة عشر برهاف الحدكث ‪117-110...............................: 1‬‬

‫‪3‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫الحلقة األكلى‬
‫ق السىٌماكاتً كىالٍىأ ٍرضى كىأى ٍنىزؿى لىكي ٍم‬ ‫ن خىلى ى‬ ‫ف (‪ )59‬ىأمىٌ ٍ‬ ‫شًركيو ى‬ ‫صطىفى آلٌلى يه خى ٍيهر ىأمىٌا ي ٍ‬ ‫نا ٍ‬ ‫}قلً الٍحىمٍدي لًٌلىهً كىسىبل هـ عىلى عًبادًقً الىٌذًي ى‬
‫ن‬
‫ف (‪ )60‬ىأ ىٌم ٍ‬ ‫ل هيمٍ قىوٍـه يىعٍ ًدليو ى‬ ‫ت بىهٍجىةو ما كافى لىكي ٍم أىفٍ تينًٍبتيوا شى ىجرىها أىإًلهه مىعى الٌلى ًه بى ٍ‬ ‫ق ذا ى‬ ‫ن السىٌماءً ماءن فىأىنٍىبتٍنا ًب ًه حىدائً ى‬ ‫مً ى‬
‫ف‬
‫ل ىأكٍىثريهيمٍ ال يىعٍلىميو ى‬ ‫ن حا ًجزنا أىإًلهه مىعى الٌلى ًه بى ٍ‬ ‫ل بىيٍنى الٍبى ٍحىريٍ ً‬‫ل خًبللىها أىنٍهارنا كىجىعىلى لىها رىكاسًيى كىجىعى ى‬ ‫جىعىلى الٍىأ ٍرضى قىرارنا كىجىعى ى‬
‫ن‬
‫ف (‪ )62‬ىأمىٌ ٍ‬ ‫كىريك ى‬‫ض أىإًلهه مىعى الٌلىهً قىلًيلنا ما تى ىذ ٌ‬ ‫ف السيٌوءى ىكيىجٍعىليكي ٍم خيلىفاءى الٍىأ ٍر ً‬ ‫ش ي‬ ‫ك ً‬‫طٌرى إًذا دىعاقي ىكيى ٍ‬ ‫ضى‬ ‫(‪ )61‬ىأمىٌنٍ يجًيبي الٍ يم ٍ‬
‫ن‬
‫ف (‪ )63‬ىأمىٌ ٍ‬ ‫شًركيو ى‬ ‫شرنا بىيٍنى يىدىمٍ رىحٍ ىمًت ًه أىإًلهه مىعى الٌلىهً تىعالىى الٌلى يه عىمىٌا ي ٍ‬ ‫ل الرًٌيا ىح يب ٍ‬
‫يىهٍدًيكيمٍ فًي ظيليماتً الٍىبرًٌ كىالٍبى ٍحرً ىكمىنٍ يرٍسً ي‬
‫ل ال‬ ‫ن (‪ )64‬قي ٍ‬ ‫ل هاتيوا يبرٍهانىكي ٍم إًفٍ كي ٍنتي ٍم صادًقًي ى‬ ‫ض أىإًلهه مىعى الٌلىهً قي ٍ‬ ‫ن السىٌماءً كىالٍىأ ٍر ً‬ ‫ق ثيمىٌ يعًيديقي ىكمىنٍ ىيرٍزيقيكيمٍ مً ى‬ ‫يىبٍدىؤيا الٍخىلٍ ى‬
‫ل هيمٍ فًي‬ ‫ؾ عًلٍميهيمٍ فًي الٍآ ًخرى ًة بى ٍ‬ ‫ل ادىٌارى ى‬ ‫ف (‪ )65‬بى ً‬ ‫ف ىأيىٌافى يبٍعىثيو ى‬‫ب ًإالىٌ الٌلىهي كىما ىيشٍ يعريك ى‬ ‫يىعٍلىمي مىنٍ فًي السىٌماكاتً كىالٍىأ ٍرضً الٍغى ٍي ى‬
‫ن‬
‫ف (‪ )67‬ىلقىدٍ كيعًدٍنا هذا نىحٍ ي‬ ‫ف (‪ )66‬كقاؿى الىٌذًينى كى ىفريكا أىإًذا كينىٌا تيرابنا كىآباؤينا أىإًنىٌا لىمي ٍخرىجيو ى‬ ‫ل هيمٍ مًنٍها عىميو ى‬ ‫شكوٌ مًنٍها بى ٍ‬ ‫ى‬
‫ن (‪ )69‬كىال‬ ‫ف عاقًبىةي الٍمي ٍجًرمًي ى‬ ‫ف كا ى‬ ‫ظريكا كى ٍي ى‬ ‫ل سًيريكا فًي الٍىأ ٍرضً فىانٍ ي‬ ‫ن (‪ )68‬قي ٍ‬ ‫الى أىساطًيري الٍىأ ٌكىلًي ى‬ ‫ف هذا ًإ ٌ‬ ‫ل إً ٍ‬‫كىآباؤينا مًنٍ قىبٍ ي‬
‫كريكفى{سورة النمل‬ ‫ف عىلىيٍهًمٍ كىال تىكينٍ فًي ضىيٍقو مًمىٌا يىمٍ ي‬ ‫تى ٍحزى ٍ‬
‫صدؽ اهلل العظيم كبلٌغ رسوله الكريم كنحن على ذلكم من الشاهدين ‪..‬اللهم اجعلنا من شهاداء الحق القائمين بالقسط‬
‫آمين اللهم آمين ‪..‬‬
‫الحمدهلل رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا كيرضى عدد خلقه كرضى نفسه كزنة عرشه كمداد‬
‫كلماته؛ كاشهد أف ال إله إال اهلل كحدق ال شريك له كال نظير له كالمعين كال كزير كال ن ٌد له كال شبي ىه كال مثيل‬
‫‪..‬كاشهد أف سيدنا كنبينا كحبيبنا محمدا عبدق كرسوله كصفوته من خلقه ‪ ..‬اللهم صلًٌ كسلم كبارؾ عليه كعلى آله‬
‫الطيبين الطاهرين كصحابته الميامين المباركين كاتباعهم بإحساف إلى يوـ الدين ‪..‬‬
‫سبحانك العلم لنا إال ماعلمتنا إنك أنت العليم الحكيم‪ ،‬اللهم علمنا ماينفعنا كانفعنا بما علمتنا ك زًدنا علمان‪ ،‬كاهدنا لما‬
‫ط مستقيم‪ ،‬كافتح علينا فتوح العارفين برحمتك يا أرحم‬ ‫اختيلًف فيه من الحق بإذنك؛ إنك تهدم من تشاء إلى صرا و‬
‫الراحمين ‪..‬اللهم آمين ‪.‬‬
‫أما بعد إخواني كأخواتي‪،‬‬
‫السبلـ عليكم كرحمة اهلل جميعا كبركاته ‪..‬‬
‫السلسلة التي نستعين باهلل تبارؾ كتعالى في الشركع فيها كفي اتمامها كانجازها بحوؿ اهلل سبحانه كتعالى كمنٌه هي‬
‫كما اعلنا عنها تحت عنواف مطرقة البرهاف ك زجاج اإللحػػاد‬
‫كاف بودٌم توخيا لئلختصار أف ادعوها مطرقة اإللحػػاد على أف هذق اإلضافة قد تفسر بأنها إضافة للفاعلية بمعنى‬
‫المطرقة التي يطرؽ بها اإللحػاد قد يطرؽ بها اإليماف‪ ،‬كالحاؿ أنني أريد اإلضافة للمفعولية ‪ ..‬المطرقة التي تطرؽ‬
‫اإللحػػػػػاد؛ فلما اشتبه األمر خاصة عند الذين ال يعرفوف المسائل اللغوية كالنحوية آثرت البياف كالوضوح فقلت "مطرقة‬
‫البرهاف ك زجاج اإللحػػػػػػػػاد"‬
‫طبعا هذا العنواف فيه دعوة فيه زعم فيه تبجٌح‪ ،‬كلست أنا المتبجٌح كمن أنا حتى اتبجٌح ‪ ..‬إف جاز ألحد أف يتبجح هم‬
‫الذين أقاموا هذق البراهين عبر ألوؼ السنين ‪ ..‬في القرف التاسع عشر كتب الفيلسوؼ المنطيق العالم الباحث الشهير‬
‫(جوف ستيورات مًل) اللًٌيبرالي العتيد كتب يقوؿ‪" :‬ستكوف صدمة هائلة للعامة لو أنهم كقفوا على حجم أكالئكم‬
‫النابهين الذين يتبنوف اإللحػػػػػػاد عقيدة كمذهبا" يقوؿ األذكياء كالعلماء كالمبرٌزكف المبلحدة كثيركف؛ الناس سوؼ‬
‫ييصدىموف لو علموا بهذق الحقيقة !‬
‫‪4‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬
‫ال لن نيصدىـ كالعلى العامة كالعلى الخاصة من مثل هذا التهويل ‪ ....‬لماذا ؟‬
‫ألف المبلحػػدة إف جمعتهم في كل األعصار – كاعني نابهي المبلحدة كاذكيائهم – فهم ال يكادكف يشكلوف اصبل‬
‫شيئػػػنا إلى جانب جيوش المؤلًٌهػػة من الفبلسفة كالمفكرين كالعلماء عبر العصور‪ ،‬لن أقوؿ أيضا انهم اذكى لكنهم ال‬
‫يقلوف ذكاءا‪ ..‬أما أنهم أذكى أك غير أذكى هذا ماسيضح كيستبين إف شاءاهلل في تضاعيف كأنحاء هذق السلسلة‬
‫حين نعرض لدليل الملحد ثم بعد ذلك نعرض برهاف المؤٌلػًػه؛ كسوؼ نرل أيهما اذكى ايهما احكم عقبل ايهما اقوـ بحجته‬
‫كأدفع عن مذهبه كطريقته‪ ..‬سوؼ يضح هذا لكن يحتاج الى كقت إف شاءاهلل تبارؾ كتعالى فصبرا صبرا‪..‬‬
‫لماذا تناكؿ هذا الموضوع ايها اإلخوة؛ لعلنا لو تناكلناق كمسلمين ككعرب قبل عشرين اك ثبلثين سنة سيقاؿ‪ :‬هذا من‬
‫باب الترؼ الفكرم كالفلسفي كالبلهوتي ‪ ..‬لماذا؟ لئللحاد ؟ الناس تحتاج تتعلم دينها‪ ،‬أحكاـ الحيض كأحكاـ الطهارة ك‬
‫احكاـ النفاس كصبلة العيدين كصبلة الكسوؼ ‪ ..‬أما اليوـ كمن األسف الشديد فقد صار لزامػػػػػػػػنا أف نتناكله كأف‬
‫نمعن فيه‪ ،‬كأف يتناكله كل من له لياقة فكرية ك عىقىدية أم الهوتية كفلسفية؛ ال أقوؿ لكي نػىػذيب ‪..‬أنا ال أحب‬
‫المنطق اآليدكلوجي حتى المنطق التبشيرم لي موقف منه ‪ ..‬لكن الحقيقػػة غالية؛ كإذا ثبت أف اهلل تبارؾ كتعالى هو‬
‫لى اإلنساف طريقه إلى هذق الحقيقة‪ ،‬هذا سيكلفه الكثير في الدنيا‬ ‫حقيقة الحقائق‪ ،‬فخطير جدا كخسارة فادحة أف يض ٌ‬
‫كفي العالم اآلخر الذم ال يؤمن به ‪..‬‬
‫كلذلك هذا الموضوع موضوع البحث عن كجود اهلل تبارؾ كتعالى كمايتعلق بهذق الذات األقدس كالحًمىى األرفع ظل‬
‫يستحوذ على مخيلة كعلى اذهاف كبار المفكرين كالعلماء كالفبلسفة كما أيضا على مخيلة اإلنسػػػػاف العادم حين نتحدث‬
‫إف شاءاهلل في المرات المقبلة عن براهين اإليماف كسنتحدث عن برهاف الفطرة؛ كسوؼ نرل هل النظرية الوحيانية‬
‫تفسر لنا نشوء اإليماف كنشوء العقيدة اإللػػاهية في التاريخ البشرم أـ النظرية التطورية ‪ ..‬كفي كل حاؿ سوؼ نرل‬
‫في كلتا الخالتين كمع كلتا الويجهىتين أف اإلنساف القديم ماقبل التاريخ كاف هو الباحث عن اإللػه‪ ،‬كاف هو المتقرب الى‬
‫اإللػه دائما ‪ ..‬هذق المسألة مشغلة‪ ،‬حتى الذين انكركا كجود اهلل تبارؾ كتعالى كنادكا بموته؛ فركيد مثبل تأثرا كتبعا‬
‫لزمرة كاف من آخرها نيػػتشًػه المتوفى سنة ‪1900‬ـ ‪ ..‬فركيد كاف يرل أف اإلنساف هو الذم خلق كاخترع إلػػهه ‪-‬‬
‫كليس العكس – لكنه قاؿ في كتابه المشهور (مستقبل كهم)‪" :‬سيأتي يو هـ يتخفف فيه اإلنساف من هذق العقيدة‬
‫(عقيدة كجود اهلل) لكن ليس في المستقبل القريب" يقصد فركيد بذلك أف اهلل لم يمت؛ كهو من باب كما يقاؿ‬
‫بلغتنا الدارجة > يصطنع لنفسه خط رجعة يقوؿ"ليس في المستقبل القريب" ألف ألفين عشرة آالؼ مليوف سنة‬
‫يعني يجعل لنفسه خط رجعة يضمن لنفسه أنه ربما بعد ألف سنة يقاؿ عنه عالم كبير‪ ،‬لم ييخضىع على األقل‪ ،‬إلى اآلف‬
‫الناس تعبد اهلل تبحث عن إلػه ك هو لم يينكًر هذا يعلم أنه باطل كلكنه قاؿ في المستقبل البعيد سوؼ نتخفف ‪..‬‬
‫ميشيل أكنفريػه (صاحب كتاب‪ :‬نفي البلهوت) كهو ملحد عنيد كمتحمس قاؿ‪ " :‬أنا أقوؿ اإللػػه لم يىميت كليس‬
‫ضلٌل‬
‫ييحتضىر ك لػػػػػن يموت في أم يوـ من األياـ؛ سيموت آخر إلػه مع آخر إنساف ألف الخرافة التموت كالحكايات التي يت ى‬
‫بها األطفاؿ اليمكن ادحاضيها " كاف يقوؿ ميشيل‪ :‬حكاية اإلله هذق كاإليماف باهلل هي حكاية خرافية حكايات من‬
‫بدائية اإلنساف االنساف ماقبل التاريخ حكايات تناغي كتستجيب ألشياء فينا‪( ..‬كالعياذ باهلل) ‪..‬تعالى اهلل عما يقولوف‬
‫علوٌان كبيرا ‪ ..‬فكاف يقوؿ اكنفريػػه "أف هذق حكايات خرافية حكايات يخىدىٌر بها األطفاؿ فبل يمكن القضاء عليها ألف‬
‫العقل اإلنساني ليس كامبل ليس تاما هو عقل خرافي عقل طفولي" ‪ ..‬كطبعا هذم عبارة عجيبة جدا هذا ليس خط‬
‫رجعة‪..‬ال ‪ ،‬هذا خط رجعة مع شيك على بياض خط رجعة مفتوح ‪ ،‬دائما سيقوؿ لك مهما ظل هناؾ عدد هائل من‬
‫اناس تؤمن باهلل هم بينهم فبلسفة كعلماء هذا ال يشكًٌل أم دليل بالنسبة إلى ٌي !‬
‫ألف فركيد حين قاؿ ماقاؿ ر ٌدى عليه غيرق‪ ،‬من بينهم الفيلسوؼ المسلم علي عزت بيجوفيتش قاؿ" لماذا ظل الناس‬
‫يفعلوف هذا؟ (أم لماذا ظل الناس يخلقوف إالههم؟)" ‪ ...‬لكن اكنفريػػه تهرىٌب من مثل هذا اإليراد بذكاء ‪..‬ك‬
‫يستطرد الدكتور عدناف معنى رد علي عزت بيجوفيتش ‪ :‬انت يا سًغموند فركيد تفترض أف االنساف فعل هذا حين‬

‫‪5‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫كاف بدائيا كبسيط التفكير لكن اآلف اإلنساف في القرف العشرين كمػػازاؿ من العلماء الكبار كالفبلسفة كالمفكركف‬
‫كاألذكياء من البشر يؤمنوف كهم األكثر طبعا بحسب بعض الدراسات اإلحصائية بأف هناؾ فقط ‪ %2,13‬من‬
‫سكاف األرض اآلف في القرف الحادم كالعشرين ممن ييصرًٌحوف أنهم مبلحدة‪ ،‬أما الذين يقولوف ال أعلم (أف هناؾ إله أك‬
‫ليس هناؾ إله) ييسمونهم < البل أدريين > ‪ -‬هذا يسمى اإللحاد الضمني‪Implicit atheism‬أم إذف ممكن‬
‫اإللحاد عندق امكانية قائمة لتفسير الوجود كالطبيعة – هؤالء زيهاء ‪ %12‬؛ كالبقية على اإليماف على المسيحية على‬
‫االسبلـ على اليهودية بقية مؤمنة مؤلًٌػهة يؤمنوف باإلله ‪ ..‬إذف مازاؿ التأليػه هو المذهب السائد كالكاسح حتى‬
‫احصائيان‪..‬‬
‫ل الناس يفعلوف هذا الى اليوـ في عصر العلم في عصر التكنولوجيا‬ ‫على عزت اعترض على فركيد يقوؿ له‪ " :‬لماذا ظ ٌ‬
‫في عصر الفضاء يعيدكف خلق إلػههم‪ ،‬هل هذا صحيح؟" فػػأكنفريػػه يقوؿ "هذق حكاية اصبل لن تنتهي كلن تموت‪..‬‬
‫هذق حكاية خرافية‪ ،‬ستبقى مع اإلنساف حتى يفنى هذا اإلنساف" ‪ ..‬أيضا هو تأثر بػػػنيتشًه الذم قاؿ‪" :‬آخر مسيحي‬
‫كاف هو أكؿ مسيحي كمات على الصليب" ‪ ..‬أم أنه انكر المسيحية ‪.‬‬
‫على كل حاؿ حتى ال نطيل عليكم احب اف اعرض عليكم خطة هذق السلسلة كيف سنسير عليها حتى تشاركونا اف‬
‫شاءاهلل في خطوات المسير ‪..‬‬

‫سنبدأ بتعريف اإللحاد كنعرض كيف تطور هذا المفهوـ كاإلشكاالت حوؿ هذا التعريف‪ ،‬كبعد ذلك أيعقًٌب بلمحة‬
‫تاريخية ارجو اف تكوف موجزة الى حد ما ‪ ،‬ألننا اذا اردنا اف نعرض تاريخ مفصل لئللحاد هذا سيستغرؽ مننا الى عشرات‬
‫الساعات كيستوعب مننا ألوؼ الصحائف‪ ،‬لكن سنتناكله بلمحة عامة كاجمالية بإذنه تبارؾ كتعالى ‪..‬‬
‫في أثناء هذا العرض أحاكؿ أف اعرًٌج كاف اضع اصبعي على األسباب التي دعت إلى اإللحاد؛ ألف كثيرا جدا من هذق‬
‫األسباب لم تكن محض اسباب عقلية برهانية استداللية استنتاجية ‪..‬ال ‪ ،‬كانت من باب العوامل ‪ ..‬فيه فرؽ بين‬
‫السبب كبين العامل أك بين الدليل كبين العلة ‪..‬‬
‫الموضوع المػيػدلىٌل هو الذم يقوـ دليل ما على برهنته اصاب أك أخطأ ‪..‬‬
‫الموضوع الميعلىٌل يتبرر بعوامل معينة بعًلىل ال بأدلة‪ ..‬يعني مثبل ‪ :‬لماذا البلدة الفبلنية مسيحية كػػاثوليكية > هذا‬
‫ليس مدلل هذا معلل‪ ،‬مستحيل اف يقوؿ لك كل فرد من هذق البلدة انا مسيحي كاثوليكي عندم أدلة على ذلك‬
‫ت نفسك على ذلك‪ ،‬انت ابن عوامل معينة ابن علل معينة أم األمر معلل كليس مدلل‪..‬‬ ‫‪..‬مستحيل ‪ ،‬انت كجد ى‬
‫أكثر ما ييقاؿ انه اسباب كمبررات لئللحاد هي عوامل اك علل لئللحاد ليست براهين كأدلة‪ ،‬اذف اإللحاد هو معلل ال مدلل‬
‫‪..‬لكن لكي ابسط لكم ‪:‬‬
‫اآلف بما ييعرؼ بػػػػػاإللحاد الجديد مثل إلحاد دككينز ك ساـ هيريس كدانيل دينيت كأمثاؿ هؤالء إلحػػػػػادهم يستند كثيرا‬
‫على علل على عوامل كليس على أدلة ‪ ..‬يقوؿ لك األدياف هي سبب نكبة البشرية انظر الى الحركب انظر الى تاريخ‬
‫الدنيا ‪..‬األدياف دائما هي السبب‪ ،‬لذلك نحن ألحىدنا !‪ .‬هذا ليس برهاف ‪ ،‬الموضوع اضيق من هذا بكثير !‪.‬‬
‫كفي الحلقات المقبلة بإذف اهلل تبارؾ كتعالى سوف ندخل في مواجهة اإللحاد في مقارعة كمنازلة اإللحاد بمعنى أننا‬
‫سنعرض بما لدينا من براهين كسنبدأ بهذا ‪ ..‬هذا من باب التحدم القوم ‪.‬‬
‫عموما كاف بعض البلهوتيين بعض رجاؿ الدين عبر العصور يستندكف الى ماييعرؼ بحجة الجهل ككانوا يقولوف للمبلحدة‬
‫كربما لػ البلشكوكيين كالبل أدريين‪" :‬هيا اثبتوا لنا أنتم أف اللػػػه غير موجود" > كهذا من باب حجة الجهل‪ ،‬هذا تطبيق‬
‫من تطبيقات حجة الجهل في المنطق بمعنى أنك اذا لم تستطع اف تثبت انه غير موجود اذف هو موجود!‪ ،‬ككأنه نوع‬
‫من برهاف الخيلٍف ‪..‬‬

‫‪6‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫سنبدأ نحن بالمواجهة ‪..‬لماذا؟ ألف بعض المبلحدة في القرف العشرين آثركا اف يقذفوا بالكرة في ملعب المؤلًٌػػهة‪ ،‬قالوا‬
‫ألكؿ مرة فعلناها‪ ..‬انطونيو فلو مثبل في مرحلة إلحادق فعل هذا‪ ،‬في كتابه فرضية اإللحاد قاؿ‪" :‬انا فعلت هذا ألكؿ‬
‫مرة؛ قذفت بالكرة في ملعبهم‪ ،‬قلت لهم‪ :‬ال ليس الملحد المطالب بإثبات عدـ كجود اإللػػػػػػه‪ ،‬أنتم تقولوف انه يوجد‬
‫إله!" كهذا الصحيح طبعا‪ ،‬هذا السير الفكرم السليم ‪ ..‬البينة على من ادٌعى أنت تدٌعي اف اهلل موجود ‪..‬اذف برهًن هذا‬
‫!‬
‫ألف برهاف النفي كما ييقاؿ برهاف السٌلب صعب جدا جدا‪ ،‬هناؾ مثل مشهور لبرنارد راسًٌل يتحدث فيه عن ابريق خرافي‬
‫اك ابريق افتراضي يقوؿ‪" :‬فالنفترض مثبل أنه بين الكوكب الفبلني كالكوكب العبلني ابريػػق خزفي صيني يدكر بطريقة‬
‫معينة بين الكوكبين ‪..‬برهًن لي أنه غير موجود ؟" ‪ ..‬التستطيع بأم حاؿ من األحواؿ‪ ،‬كيف تستطيع اف تبرهن انه‬
‫غير موجود ؟! تبرهًن السٌلب لكن البرهاف دائما يكوف على الموجود‪ .‬كبالنسبة لنا ال توجد مشكلة قد قبلنا التحدم‪..‬‬
‫نحن سنبدأ بعرض براهيننا‪ ،‬كفي األثناء سنعرض لكل براهين كأدلة المبلحدة المنافية كالمعارضة‪ ،‬طبعا لديهم اعتراضات‬
‫لديهم ايرادات كما يقاؿ‪ ،‬كسنجيب عنها كاحدة كاحدة كبكل نزاهة كموضوعية ‪.‬‬

‫إلى اآلف ايها األخوة لكي نحرر محل النزاع للمواجهة حوؿ قضية كجود اهلل تبارؾ كتعالى كخالق ك مبدع لهذا الوجود ‪..‬‬
‫هذا الذم نريدق فقط لن نتفرع في قضايا اخرل كلن نتدخل في األدياف ‪..‬‬
‫تعػػػػػػػػػػػريف اإللحػػػاد‬
‫ندخل اآلف في موضوعنا مػػػػػػػػػػاهو اإللحاد ؟‬
‫عرٌؼ اإللحاد بمقدمة مختصرة جدا (جولياف بيجيني) ‪ :‬اإللحاد هو اإليماف بعػػدـ كجود إلػػه أك آلػػهة ‪.‬‬
‫ثم ذهب الرجل ينحو بالبلئمة على الذين ربطوا بين اإللحاد كبين اإلنحراؼ المسلكي‪ ..‬طبعا هذا عبر العصور كخاصة في‬
‫العصور الحديثة أكثر الناس يربطوا بين اإللحاد كبين اإلنحراؼ الخيليقي فالملحد هو الخائن يخوف الوطن‪ ،‬الملحد هو الذم‬
‫يدمن الخمر‪ ،‬الملحد هو الذم يرتكب المفسٌقات ك كجوب الفجور‪..‬كأف هذا تجني على المبلحدة ‪.‬‬
‫عموما يتم ربط اإللحاد بنفي األخبلقية – كطبعا هذا كاقعيا غير صحيح يمكن اف تجد ملحدا كتجد لديه اخبلقية عالية‬
‫جدا‪ ،‬لذلك هل يوجد ملحدكف حقيقيوف؟! كهذا يتوقف على تعريف اإللحاد كعلى تبرير األخبلقية إلحاديا هل يمكن ؟؟‬
‫فيربطوف بين اإللحاد كبين البل أخبلقية ‪ ،‬اإللحاد معناها ال اخبلقية‪ ،‬إلحاد معناها ال معنى للحياة‪..‬الحياة تفقد معناها‪..‬‬
‫قاؿ جولياف ‪:‬غير صحيح ‪.‬‬
‫كارؿ سيقين – ملحد‪ -‬في كتابه (عالم تسكنه الشياطين) ذكر في مقدمة الكتاب‪ :‬أنه يمكن أف نضفي على اإلنساف‬
‫كعلى الحياة معن نى اجمل بكثير في ظل مفاهيم اإللحاد‪ .‬من المعاني التي تيفرىض بإسم اإليماف‪ ،‬كاإليماف باإللػػػه‪ ،‬المعاني‬
‫االغترابية التي تجعل االنساف يغترب عن ماهيته عن حقيقته عن ذاته كإنساف ‪ > ..‬هكذا كاف يزعيم كانا اختلف معه‬
‫تمػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػامنا ‪..‬طبعا هذق الفكرة نجد أسيسها لدم هيجيل فويىر باخ ككل من تكلم باالغتراب عن الدين بالذات‬
‫فوير باخ في جوهر المسيحية ‪..‬‬
‫أيضا خيرية اإلنساف‪ ،‬قالك االنساف اليكوف خيٌرا كال طيبا بغير دين كالملحد ليس خيٌرا ‪ ،‬فطبعا المبلحدة يرفضوف هذا‪.‬‬
‫من األحسن أف التتورطوا حين تناقشوف ملحدا في هذق الفخاخ ‪ ،‬ألف هذق النقاشات الفلسفية معمقة جدا جدا كمن‬
‫الصعب اف تصل فيها بسهولة الى مقطع الحق كالى كلمة الفصل النهائية لغير المتخصص تماما‪ ،‬كقابل ايضا للمكابرة‬
‫‪ ..‬اترؾ هذا النقاش كدائما حرٌر محل النزاع ‪ ،‬كمحل النزاع هو يوجد إلػػه أك ال يوجد ‪ ..‬هذا الذم نريدق في األكؿ كتدرٌج‬
‫بطريقة كاضحة ‪..‬‬
‫طبعا هذا التعريف الذم أكردق هذا الكاتب (بيجيني) هذا التعريف يمكن اف نقع عليه في أم معجم ‪ ،‬ستجد نفس‬
‫التعريف‪ ..‬كهذا تعريف معجمي ليس تعريف لفظي ‪ ،‬احذركا التعريفات اللفظية فالتعريفات اللفظية ال تسمن كال تغني‬
‫‪7‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬
‫من جوع كال تيقدـ شيئا ‪ ..‬أحيانا قد يأتيك أحدهم كيقوؿ لك‪ " :‬ليس هذا معنى اإللحاد‪ ،‬اإللحاد هو الميل عن الحق‪،‬‬
‫ألحد عن بمعنى ماؿ عن‪ ،‬كليس من شرط الملحد اف يكوف منكر لوجود الذات اإللػػهية مستشهدا بقوؿ اهلل تعالى‬
‫(كهلل األسماء الحسنى فادعوق بها ك ذركا الذين يلحدكف في اسمائه ) كهذا يعني انهم اعترفوا يوجودق كألحدكا في‬
‫اسمائه كعطلوها أك شبهوا كذا ‪ > " ....‬يا اخي اهلل يخليك نحن ال نتكلم عن تعريفات لفظية نحن نتحدث عن‬
‫مذهب النفي نتحدث عن مذهب البل ربوبية‪Atheism‬البل ألوهية ‪ ،‬كما يأتيك احدهم يقوؿ لك ‪:‬عرٌؼ المعتزلة‬
‫‪..‬فيقوؿ لك ‪ :‬المعتزلة من االعتزاؿ! ‪ ..‬ال كاهلل فهمت كثير كاستفدت انا‪ ،‬أهذا يعني المعتزلة ؟!!! األخ اعتزؿ‬
‫الدرس فهل يعني اصبح من المعتزلة؟!! ‪ ..‬تعريف لفظي هذا‪ ،‬ال نريد االشتقاؽ‪ ،‬فالتعريف االشتقاقي يفيد فقط‬
‫كمًهاد لكي نبني عليه تعريفا بالحى ٍد اك بالرسم اك بكليهما ‪ ..‬الى آخرق‪.‬‬
‫كلذلك دليل (كامبريدج) لئللحاد يقوؿ‪" :‬من الصعب اف نضع تعريفا لئللحاد ألف هذا المفهوـ(مذهب اإللحاد) تطور‬
‫عبر العصور مواكب نة لتطور مفهوـ اإللػػه"‪ .‬طبعا ألنه في نهاية المطاؼ هو نفي اإلله‪ ،‬اإلله الذم تؤمن به الحضارة‬
‫هذق غير التي تؤمن به الحضارة تلك‪ ،‬فأنت قد تنفي هذا اإلله فتػيعىديٌ ملحدا عند ابناء هذق الثقافة‪ ،‬لكن قد تبقى مؤمنا‬
‫عند ثقافة أخرل لم تنفي آلهتها اك إلهها‪ ،‬في المدينة االغريقية سقراط تمت محاكمته بتهم كثيرة كمن ضمنها اإللحاد‬
‫! ‪ ..‬كيف اإللحاد هذا رجل مؤمن !! ‪ ..‬في محاكرة ألفبلطوف يوًثفى كاضح أنه كاف مؤمنا‪ ،‬طبعا كهذق مشكلته‪ ،‬كرد‬
‫عن سقراط أنه دعى إلى توحيػػػػػػػػد األلهة‪ ،‬لذلك بعض اإلسبلميين ظن اف سقراط "كاف نبيا" – اهلل اعلم‪ -‬كسلوؾ‬
‫سقراط عجيب كميتته كريمة ايضا ‪ ،‬فيها شرؼ‪..‬فدعى الة توحيد األلهة > بالضبط هذا كاف إلحادق ‪ ،‬ألف األغارقة‬
‫ضد التوحيد ‪ ،‬كانوا يؤمنوف بتعدد األلهة اكالد كاحفاد كقصص كبيرة ‪ ..‬على كل حاؿ‪ ،‬فطبعا كونك تنكر تعدد آلهة‬
‫المدينة إلحػػػاد‪ ،‬تنادم بإلػه كاحد > ملحد ‪ ..‬نعم هنا نرل تطور مفهوـ اإللػه ‪ ..‬في حضارة موحًٌدة من يقوؿ بالشرؾ‬
‫كبالتعدد لآللهة > يكوف ملحد ‪..‬أليس كذلك ؟!‬
‫فقالو صعب اف نقدًٌـ تعريفا كاضحا لئللحاد‪ ،‬هذا يعتمد على مفهوـ اإللػه ‪ ..‬المسيحيوف األكائل كانوا ييحرىقوف‪ ،‬كانوا‬
‫طيريؽ ألف مسيحي كيضعوف عليهم الزيت كييشعلونهم – في عصر الشهداء‬ ‫ييتخذكف مشاعل يضعونهم على جوانب ال ٌ‬
‫كمايقاؿ – ألنهم مبلحػػدة‪ ..‬ماذا انكركا؟‬
‫انكركا آلهة االمبراطورية الركمانية اآللهة الوثنية خصوصػػػػػػػػا عبادة االمبراطور ‪ ،‬فكانوا ييحرىقوف ييشعل بهم ألنهم كانوا‬
‫اليعبدكف االمبراطور‪ ،‬قسطنطين اصبحت مسيحية لكن لم يجعلها ديانة رسمية ‪ ،‬كبعدها لما اصبحت المسيحية هي‬
‫الديانة الرسمية لئلمبراطورية الركمانية سنة ‪380‬ـ > صار الملحد هو من ال يؤمن بعقائد المسيحيين كصار ييعامىل‬
‫كملحد كقد ييقتل اك ييسجىن اك ييعذىٌب! ‪ ..‬انعكست اآلية ‪.‬‬
‫ق على من عطٌل شيا من‬ ‫في السياؽ اإلسبلمي هناؾ توسع كثيرا كتجوٌزنا كثيرا في استخداـ مصطلح اإللحاد‪ ،‬أيطلً ى‬
‫صفات اهلل‪ ،‬على من شبٌه‪ ،‬على من انكر اصبل من اصوؿ الدين ييعتبر ملحدا‪ ...‬كلذلك إذا عرفنا اإللحاد بأنه انكار كجود‬
‫الذات اإللهية انكار كجود اهلل ليس في الحضارة اإلسبلمية ملحد كاحد كال ابو العبلء المعرٌم كال محمد ابن زكريا الرازم‬
‫كال ابن الراكندم كهؤالء كبار المبلحدة المشهورين في تاريخنا لنعود لكتاب الفيلسوؼ العبلمة <عبد الرحمن بدكم>‬
‫رحمه اهلل من تاريخ اإللحاد في اإلسبلـ كإلى غيرق ‪ ..‬كبار المبلحدة هؤالء كال كاحد منهم انكر كجود اهلل تبارؾ كتعالى‪،‬‬
‫لكن انكركا اشياء دكف ذلك‪ ،‬حتى ابن سينا‪ ،‬ابن رشد كخاصة ابن سينا انكر العناية اإللهيػة‪ ..‬متابعة ألرسطو الذم‬
‫كاف فكرقي‪ (:‬اهلل خلق العالم ثم تركه ييدير نفسه‪ ،‬اهلل اليعلم الجزئيات غير مشغوؿ بها‪ ،‬اهلل مشغوؿ في التأمل في‬
‫ذاته الكريمة) ‪ ..‬كلذلك كيسًما (ابن رشد كابن سينا) باإللحاد‪ .‬كاختلط مصطلح اإللحاد في السياؽ االسبلمي بمصطلح‬
‫الزندقة ‪ ..‬انكار النبوة > الحاد ‪ ..‬يعني محمد ابن زكريا الرازم هذا أسيٌ مشركعه اإللحادم الزندقي – اف جاز التعبير –‬
‫إنكػػػار النبوٌة‪ ،‬ينكر النبوة كيسخر منها‪ ،‬لكن يؤمن باهلل‪ ،‬يقوؿ‪ ":‬اهلل موجود لكن اهلل ليس بحاجة إلى أف يتصل بهذا‬
‫العالم عبر بشر ييسمٌوفى رسبل‪ ،‬مالرسل إال سىحىرة العقل اغنى عنهم " ك ر ٌد عليه العلماء بكتب أخرل‪ .‬أما هذق‬

‫‪8‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫المصطلحات هنا ال تعنينا اآلف في هذق السلسلة سنيعنى بإنكار كجػػػػػػػػػػػود اللػه كخالق مبدع للوجود‪ ،‬هػػػػػػػػػػػذا الذم‬
‫سنحصر انفسنا فيه‪..‬‬
‫من جهته الفيلسوؼ الشهير ( أندريػه الالند) في قاموسه الفلسفي الشهير جدا كهو من أدؽ المعجمات كالفواميس‬
‫الفلسفية على اإلطبلؽ‪ ،‬يقوؿ‪ " :‬اليمكن تعريف هذق المفردة إال تعريفا لفظيا‪ ،‬نظرا ألف مضموف فكرة التلحيد يتباين‬
‫كجوبا حسب ترابطه بمختلف التصورات الممكنة للػه" ‪ ..‬كما شرحت لكم سابقا تصوراتنا عن اإلله مختلفة بين‬
‫الثقافات كالحضارات ككذا ‪..‬مختلفة كثيرا‪ ،‬فػػػػػػػػػػوين اإللحاد ؟! ماهوا اإللحاد انكار ماذا ؟ ‪ ..‬ماتنكرق هنا ييعديٌ هناؾ‬
‫ال‬
‫ل عن فرانك قوله‪ " :‬مامن تهمة كانت اكثر تداك ن‬ ‫ايمانا كليس الحادا كالعكس هكذا ‪ ..‬إذف فتعريفه صعب ‪ .‬ثم نقى ى‬
‫من تهمة اإللحاد‪ ،‬ففي الماضي كاف يكفي المرء حتى ييتهم هذق التهمة حتى ييشاطًر الناس اآلراء السائة كالمعتقدات‬
‫الرسمية"‪ .‬هذق تهمة سقراط كتهمة المسيحيين في االمبراطورية الركمانية الوثنية‪ ،‬انت اذا اختلفت مع ديانة المدينة‬
‫السائدة فأنت ملحد ‪ ،‬مهما تكوف اآلراء كالمعتقدات) فاحشة كحتى فاسقة اذا خالفتها تعتبر ملحدا‪ ،‬في القرآف الكريم‬
‫نفس الشيء}أخرجوا آؿ لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهركف{سورة النمل‪ .56/‬أنت تخالف السائد‪ ،‬اذف أنت انساف‬
‫شاذ كمنبوذ ينبغي اف تينبػىذ ‪..‬‬
‫كختم (الالند) بالقوؿ‪ " :‬كالحاؿ فإف هذق مفردة التبدك لنا مشتملة إال على قيمة تاريخية‪ ،‬ينبغى تحديدها في كل‬
‫حالة خاصة كتاليا التحمل نظرية محددة فما هو تأكيد لؤلكهية عند البعض يمكن أف يكوف إلحادا عند البعض اآلخر ‪،‬‬
‫كعليه فقد تناسب النقاش الفلسفي الذم تنزع من الجهة الثانية الخركج منه " ‪ .‬كلذلك لعدـ الوضوح كالثبات التاريخي‬
‫لمدلوؿ هذا المصطلح تم اتهاـ كثيرين عبر العصور باإللحاد مع أنهم يؤمنوف بوجود اهلل‪ ،‬يعني (باركخ اسبينوزا) مثبل‬
‫يأتيٌهًم بأنه ملحد‪ ،‬كليعًن اربع لعنات من ألسًنًهدرينن (مجمع الرهبيين كاألحبار) في أمسترداـ‪ ،‬كمينًعى الناس أف يقتربوا منه‬
‫الى اربعة اذرع ‪ ..‬الرجل تحدث عن كجود اهلل كحاكؿ اف يثبت كجود اهلل‪ ،‬كدليله على اثبات كجود اهلل كضوحه التاـ‬
‫يقوؿ اهلل كاضح جدا جدا من اكضح الواضحات كيف ال نؤمن به!‪ ...‬لكن المفهوـ الذم تبناق (باركخ اسبينوزا) لئللػػه‬
‫ليس هو المفهوـ السائد كالشائع في الديانات التوحيدية مثبل كال حتى في ديانات اخرل غير توحيدية‪ ،‬إنما هو الشائع‬
‫في بعض الديانات الشرؽ اقصوية مفهوـ كىحٍ ىدكًم‪ ،‬مفهوـ كحدة الوجود أف اهلل تبارؾ كتعالى هو كالكوف شيء كاحد‬
‫‪ ..‬طبعا هذا مفهوـ عند األدياف السماكية يعتبر مفهوما الحاديا‪ ،‬هذا يساكم اك يعادؿ حتى من انكر اهلل قالو "هذا‬
‫ليس اهلل الذم نؤمن به‪ ،‬أنت تؤمن بإلػه الطبيعة يعني الطبيعة كاإللػػه شيء كاحد ‪..‬كأف الركح السارية في هذا الكوف‬
‫التي تنظمه هي القوانين ذاتها"‪ ..‬هذا إلحػػاد عند النصارل كعند المسلمين‪ ،‬كقالك (اسبينوزا) أنا مؤمن ‪ ،‬مؤمن باهلل‬
‫على طريقتي) ‪ ..‬هذق طريقته ‪.‬‬
‫ابو حامد الغزالي كفٌر ابن سينا كالفارابي بمسائل معينة‪ ،‬قولهم بػػػًػقًدىـ العالىم يعتبر كيفٍرنا عند ابي حامد الغزالي‪ ،‬انكارهم‬
‫لعلم اهلل بالجزئيات‪ ،‬انكارهم للمًعاد الجسماني‪ ،‬كل هذا كفير ‪ ..‬كقالو ال نحن مؤلهوف كنحن مؤمنوف‪ ،‬كنحن اقمنا من‬
‫اجمل البراهين كاقواها على كجود اهلل‪ ،‬كبرهاف ابن سينا المعركؼ بػ برهاف الصديقين في القرف الحادم عشر الهجرم‪،‬‬

‫لكن عيػدىٌ هؤالء الى زنادقة‪ ،‬عيديٌكا مبلحدة‪ ،‬ألنهم خالفوا التصور السائد لدل المسلمين السنيًٌين بالذات كهكذا ‪..‬‬

‫نكتفي اف شاءاهلل في هذق الحلقة بهذا القدر على أف نلقاكم في حلقة مقبلة فالسبلـ عليكم كرحمة اهلل تعالى‬
‫كبركاته‬

‫‪9‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫الحلقة الثاتية‬

‫الحمدهلل كالصبلة كالسبلـ على رسوؿ اهلل كعلى آله كصحبه كمن كاالق ‪..‬‬
‫اللهم افتح علينا كأنت خير الفاتحين ‪ ...‬أخواني أخواتي السبلـ عليكم كرحمة اهلل تعالى كبركاته ‪،،‬‬
‫مازلنا مع تعريف اإللحاد في القوانين اك النواميس كما ترجمها بعض العرب ألفبلطوف في محاكرته الشهيرة‪ ،‬ذكر‬
‫افبلطوف ثبلثة اشكاؿ لئللحاد ‪ ..‬الشكل األكؿ يتمثل في انكار األلوهيػػػة اك الربوبية‬
‫الشكل الثاني يتمثل في اثبات األلوهية مع انكار العناية الربانية للخلق‪ ،‬كالعناية الربانية تعني أف اهلل تعالى يعنيه‪ ،‬مهتم‬
‫بشؤف الخليقة بشؤف الكوف كخاصة بمسار ك مصير اإلنساف‪ ،‬لذلك من لوازـ كمقتضيات العناية اإللهية ارساؿ الرسل‬
‫ك إنزاؿ الكتب طبعا هذا اذا فيه عناية إلهية‪ ،‬يعني كل انساف ينكر العناية اإللهية الزـ اف ينكر النبوة كالرساالت‬
‫كالوحي‪ .‬فأفبلطوف قاؿ هذا الحاد ايضا كإف اعترفت بوجود اهلل تبارؾ كتعالى ‪.‬‬
‫كآخر ضرب من ضركب اإللحاد في تصنيف افبلطوف هو‪ :‬االعتقاد بأف األلهة يمكن اف تيستجلىب رضاها كييستدفع‬
‫سخطيها بتقريب القرابين كتضحية األضاحي ‪ ..‬مع أنه هذا ملمح يتكرر في معظم الديانات‪ ،‬كله طقوس مشهورة جدا‬
‫جدا بتقديم القرابين كتضحية االضاحي التكاد تخلو منه دين من الديانات المشهورة ‪ ..‬قاؿ عنه افبلطوف أنه‬
‫إلحػػػػػػػػػػػػاد !‬
‫الشكل األكؿ من اشكاؿ اإللحاد انكار األلوهية اإللحاد الصريح نجدق عند الفبلسفة السابقين على سقراط الفبلسفة‬
‫الطبيعيوف الذين تقريبا كضعوا اللبنات األكلى كأسس لما صار ييعرىؼ ك إلى اليوـ بالمذهب الطبيعي‪( ،‬لكن طبعا اختلف‬
‫المفهوـ كاتىٌسعى كثيرا) بمعنى أنهم يؤمنوف بأف الطبيعة هي المبدأ الوحيد الذم علينا أف نكوف كاثقين موقنين به‬
‫مكتفيػن به‪ ،‬كالطبيعة كافية لنكي نفهمها كلكي نفسرها النحتاج الى مبدأ مفارؽ لها؛ ييقاؿ عنه إلػه أك آلهة أك قوة‬
‫ماكراء الطبيعة‪ ،‬الطبيعة كالطبيعة فقط ! ‪ ..‬عجيب‪ ،‬فعبل هذق مرحلة متقدمة من اإللحاد تاريخيػػػػػػان‪ ،‬يعني من هؤالء‬
‫مثبل (ديموكريتوس) صاحب النظرية الذريىٌػػػػة كهي نظرية في منتهى الذكاء كالتي ظلٌت مهجورة الى القرف الثامن عشر‬
‫– نظرية ال احد يعبأ بها ألف الفبلسفة كالمفكرين كانو مأخوذين بنظرية االتصاؿ االرسطية ‪ -‬ارسطو قار ىع‬
‫ت اآلف كبشكل قطعي أف‬ ‫ديموكريتوس هذا كسفىٌهىػ يه سفىٌػه كجهة نظرق الذرية كقاؿ عنها غير صحيحة ‪ ..‬طبعا ثب ى‬
‫النظرية الصحيحة هي النظرية الذرية كليس النظرية االتصالية نظرية ارسطو‪ ،‬كهذا فسىٌر كل شيء؛ فسر النفس اك‬
‫الركح فسرها ذريٌنا مادينا ‪ ..‬قالك النفس ماهي النفس؟ قاؿ "النفس نفس الشيء تتكوف النفس كما تتكوف أم شيء‬
‫آخر لكن من ذرات بعضها كبير كبعضها صغير ك تأخذ اشكاال مختلفة كلها زكائد كمسننات لها يركب بعضها في‬
‫بعض ( هكذا يتخيل هو ) كهذق تيكوًٌف كل شيء حتى النفس تتكوف من ذرات" ‪..‬فهؤالء كانوا طبيعيين اسسوا‬
‫المذهب الطبيعي في تفسير الوجود؛ فالفبلسفة قبل سقراط ( مؤسسو المدرسة المادية كييعرفوف بالفبلسفة الذريين)‬
‫يعتبرهم أفبلطوف بأنهم مػػػػػػػػػػػػػػػبلحدة ‪( ..‬تالًس) مثبل نظريته الشهيرة في الماء كأصل في الوجود (النظرية العناصر‬
‫األربعة) أف الوجود كله مكوف من عناصر – كطبعا كلمة عنصر هو الشيء الذم ال ينحل الى ماهو دكنه – كالعناصر هي‬
‫الماء كالهواء كالتراب كالنار‪ ،‬كطبعا كاضح اآلف في الطبيعة الحديثة هذم ليست بعناصر هذق مركبات ككبلـ فارغ‪ .‬لكن‬
‫هػػػػػػػكذا هم اعتقدكا كهذق خطوات ذكية على فكرة‪ ،‬الفبلسفة الطبيعيوف كالفبلسفة قبل سقراط يمكن اف ييقاؿ –‬
‫كقد قاؿ هذا اكثر من مؤرًٌخ – للعلم أنهم هم الذين ارسوا الدعائم األكلى للعلم الطبيعي؛ يعني بداية نشأة العلم‬

‫‪10‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫الطبيعي مع الفبلسفة السابقين على سقراط ‪ .‬لكن هذا العلم الطبيعي لم يكتهًل كلم ينضج في البداية كلم يكتهل‬
‫اال في العصر الحديث كبالذات في اكركبا كما يقولوف‪ ،‬نحن نقوؿ كعبر العالم اإلسبلمي ‪ ..‬العالم االسبلمي ايها االخوة‬
‫قدٌـ امدادا هائبل جدا جدا جدا للعلم الحديث التجريبي اليمكن التغاضي عنه هذا جحود‪ ،‬ثم تابعت أكركبا كاستبحرت في‬
‫هذا الشيء استبحارا عظيػػما جدا ‪.‬‬

‫لنرل كجهة النظر الثانية انكار العناية‪ ،‬افبلطػػػوف كقف ضد الحاد انكار العناية ؛ قاؿ كجهة النظر هذق اك هذا الموقف‬
‫الفكرم ييعادؿ اك يساكم اك يرادؼ القوؿ بػػ كسىل اآللهػػػػة اآللهة كسولة التتقن عملها ألنها ال يتتً ٌميهي‪ ،‬كل من ال يتم‬
‫عمله فهو ال يتقنه على األقل هذا الحد االدنى من االتقاف اإلتمػػػػػػػػػػاـ ‪ ..‬قاؿ افبلطوف هذا يعتبر اتهاما لآللهة انها‬
‫عاجزة كمتراخية ك كسولة ‪ ،‬ألنها خلقت االنساف كخلقت الكوف ثم ادارت ظهرها له كهو ليس إلػهان لئلنساف كالكوف‬
‫ليس إلػػها ال يستطيع اف يقوـ بنفسه سيحتاج الى نظرها الى التفاتها الى مبلحظتها لكنها ال تفعل كسولة ‪> ..‬‬
‫قاؿ هذا إلحػػػػػػػػػاد ‪ ..‬كهذق كجهة نظر جميلة من افبلطوف انه يعتبر انكار العناية يعادؿ اإللحػػػػػػػػػػاد ‪.‬‬

‫كاخيرا الموقف الثالث المتمثل بإلحاد القرابين كاألضاحي قاؿ افبلطوف ‪ :‬االعتقاد بأف األلهة يمكن اف تيستجلىب رضاها‬
‫كييستدفع سخطيها بتقريب القرابين كتضحية األضاحي ييعادًؿ القوؿ بأف اآللهة سخيفة كالقضاة المرتشين الذين‬
‫يمكن اف تيزيٌف ضمائرهم كآرائهم بدفع النقود لهم‪ ،‬قاؿ هذق آلهػػة؟! هذا إلحػػػاد ‪ ،‬كلذلك منع افبلطوف القرابين‬
‫الفردية قاؿ عنها أنها الحاد ‪ ..‬لكن خضوعا منه للسائد المجتمعي – نعرؼ افبلطوف كاف في اثينا ككانت لديهم آلهة‬
‫كانت تيقرٌب لها القرابين ككاف فيه كهٌاف كفيه معابد – بعدين ياتىٌهىم باإللحاد مثل استاذق سقراط ييقتىل ‪ ..‬قاؿ ‪ :‬ال‪،‬‬
‫انا ضد القرابين الفردية كمع القرابين الجماعية ‪ ..‬كاضح أنه يينافق نفسه كينافق المجتمع حسب قاعدته كتبريرق العقلي‬
‫لوصف مثل هذا المسلك باإللحاد أف القرابين المجموعية أمعن في اإللحاد‪.‬‬
‫( في القرآف الكريم بالرغم من أنه عندنا االضاحي كعندنا القرابين لكن في القرآف قاؿ تعالى‪" :‬لن يناؿ اهلل لحومها كال‬
‫دماؤها" عكس التصور االسرائيلي اليهودم في كتبهم أف اهلل يتمخػىٌخ برائحة الحريق كيفرح بهذا جدا كينتشي يحب‬
‫رائحة الشواء ! ‪ ..‬فعبل هذا مفهوـ إلحادم كما قاؿ افبلطوف ‪ ..‬لكن في القرآف بشكل كاضح في سورة الحج‪" " :‬لن‬
‫يناؿ اهلل لحومها كال دماؤها كلكن ينال يه التقول منكم"‪ ..‬كفي السورة ذاتها في موضعين‪ :‬اهلل اخبر أف المراد كالمقصود‬
‫من تضحية هذق االضاحي أف يأكل منها البائس كالفقير‪ ،‬كيأكل منها القانع كالمعتر فقط‪ .‬لكي نفهم فلسفة القرابين‬
‫في االسبلـ‪ ،‬كلؤلسف الى اليوـ تجد من جهلة كأيميين المسلمين كالمسلمات من يقرٌب القرابين من يضحي االضاحي بل‬
‫من يصلي الصلوات ينقرها نقرا على خلفية أشبه بػػػاإللحادية ! يريد اف يرش ىو اهلل ‪ ..‬كقد سبق ك ذكرت في خطبة ما‬
‫اتفق لبعض الناس معي قلت له‪ :‬لؤلسف بعض الناس يصلوف يصوموف كيأتوف الكبائر كيأكلوف لحوـ الناس كيلتهموف‬
‫اموالهم يخدعونهم يغشونهم ماهذا ! قاؿ‪ :‬عجيػػػػػب‪ ،‬كيف يفعلوف كهم يصلوف؟! فقلت له‪ :‬هم يفعلونه ألنهم‬
‫يصلوف ‪ ..‬قاؿ لي‪ :‬لم افهم ‪ ..‬قلت‪ :‬لعلهم لو لم يكونو يصلوف لكانو اقرب الى العفة ك الى الشرؼ ك الى االمانة في‬
‫المعاملة ‪ ..‬كالذم يقوؿ لك‪ :‬انا على االقل ال اصلي كال اصوـ لؤلسف الشديد ك أجمع الى هذا ايضا الضحك على‬
‫الناس ك تهويٌؿ اموالهم كاغشهم في تجاراتهم اعوذ باهلل إني اذف إلى شق ٌي سأكوف من اهل جهنم‪ ،‬لكن لما كاف يصلي‬
‫كيظن اف الصبلة مرا ىد اهلل بذاته اهلل يفرح بالصبلة هكذا تنقرها نقرا دكف خشوع دكف اف تنهاء عن فحشاء دكف اف‬
‫تقربك الى معركؼ هذق الصبلة يحبها اهلل كيريدها ‪ > ..‬اذف هو يتعاطى مع الصبلة كالعياذ باهلل كمخدًٌر للضمير‪..‬‬
‫يعني صلي من هنا‪ ،‬كافعل ماشئت ألنك صلىٌيتى يا اخي على االقل الصبلة بحسابها كاالثم بحسابه فنعػػػػتدؿ !؛ كال‬
‫يدرم مثل هذا المسكين أنه اف كاف يصلي على هذق الخلفية كبمثل هذا الوعي الزائف‪ ،‬فإف صبلته حتما ستكوف لعػػنة‬
‫عليه‪ ،‬كقد كرد في بعض األحاديث على كذا في اسانيدها فعبل أف مثل هذق الصبلة تيىلفيٌ كالثوب الخىلىق األسود‬

‫‪11‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫كتيضرىب بها كجهه كتقوؿ‪ :‬ضيٌعك اهلل كما ضيعتني ‪ .‬صبلته تدعو عليه‪ ،‬لكن أف يسلٌم عن يمينه ثم عن شماله ثم‬
‫يقوؿ"هاتو المتعة" المتعة المحرمة !‪ ..‬شيء اليكاد يصىدؽ كهذق حقائق ‪ ..‬فاالسبلـ الحمدهلل برمء من مثل هاته‬
‫النزعات ‪..‬‬
‫تقسيػػػػػػػػػػػػم افبلطوف هذا الثبلثي ذكرني بتقسيم ثبلثي للركائي كالمفكر الفرنسي الملحد الموسوعي هو المشرؼ على‬
‫الموسوعة الفرنسية الشهيرة (دينيس دًدًرك) كاف ركائيا كانت عندق ركاية الراهبة مشهورة جدا كطبعا فيها ىقسىمات‬
‫الحادية كاضحة ‪( ..‬دينيس دًدًرك) كاف يقوؿ ‪ :‬انا اميز بين ثبلثة انواع اك ثبلث فئات من الملحدين‪ ،‬ملحد يقوؿ‪ " :‬اف‬
‫اهلل غير موجود حقا كيعتقد هو بذلك حقنا " قاؿ انا اسمي هذا الملحد الحقيقي ‪ .‬ك ملحد متردد اليستقر على رأم (يعني‬
‫هذا الشكوكي) ‪ .‬كملحد ثالث ‪ :‬يػػتمنى اف اهلل غير موجود من أجل يمضي على ضًٌيىتًه كيمضي في سلوؾ القبائح‬
‫كارتكاب انواع الفسوؽ كالفجور دكف كخز من الضمير" ‪ ..‬كهذا تقسيم فيه نوع من الذكاء ألنه المس البواعث‬
‫النفسية إلدٌعاء اإللحاد‪ ،‬لذلك اكثر من فيلسوؼ في العصور الحديثة طرح السؤاؿ‪ :‬هل يوجد مبلحدة حقيقيوف؟ ‪...‬‬
‫اعتقد (دينيس دًدًرك) مرة نفسه سيئًل هل يوجد ملحد حقيقي اك اف هذا كله كذب كبواعث نفسية كاجتماعية‬
‫كادعائية؟ ‪ ..‬فقاؿ هل يوجد مسيحي حقيقي ؟ ‪ ..‬صعب تقريبا‪ ..‬هل كاليوـ؛ هل يوجد مسلم حقيقي؟ ككل يوـ‬
‫نسمع طائفة من فضائح بعض المشائخ المالية كالسلوكية ككذا شيء يهزٌ ضمير المسلمين‪ ،‬اين المسلم الحقيقي ‪،‬‬
‫موجود طبعا لكن نادر ‪ ..‬انا لم افهم هذق الحقيقة اال تقريبا قبل زهاء ثبلث سنوات كصدمتني ‪ ،‬الحقيقة التي اعبر‬
‫عنها بأف التدين امتيػػػػػػػػػػػػػػػػػػاز ‪ ،‬التدين الحقيقي كما يريدق اهلل ككما امر به اهلل تبارؾ كتعالى ك لوجه اهلل > امتياز ‪..‬‬
‫مامعنى امتياز ؟ يعني يختص اهلل به طائفة قليلة أك ينجح في تمثله كبلورتًه طائفة قليلة من الناس ‪ ..‬معظم تدين‬
‫الناس تدين كاذب كطقوسي كشعائرم كاجتماعي‪ ،‬كقد سبق اف قلت في خطبة‪ " :‬نحن النعرؼ االيماف الحقيقي‪ ،‬نحن‬
‫نؤمن باإليماف ‪ ..‬أم نحن نؤمن بما يؤمن به اآلخركف المجتمع يريد االيماف على طريقة المسلمين فنحن مؤمنوف‪ ،‬ألننا في‬
‫مجتمع مسلم! " لكن االيماف الحقيقي هو االلتزاـ بالبحث عن الحقيقة مهما كلفت‪ ..‬هذا صعب كنػػػػػػػػػػػػػػػػػػػادر‬
‫‪..‬امتيػػاز ‪ ،‬اللهم اجعلنا من الممتازين ‪ .‬كلذلك التدين هذا االمتيازم يكلف صاحبه الكثير يا إخواف أقل مايكلفه جهاد‬
‫النفس؛ كي تكوف صادقا في كل شيء حتى في بسمتك في غضبك‪ ،‬ال تكن ممثبل ال تكن كائنا مفتعبل تفتعل‬
‫األشياء‪ ،‬احيانا تنظر الى البعض حتى المشائخ يدٌعي انه يغضب هلل كللرسوؿ كترل انت الكذب في كجهه‪ ،‬ثم تأتي‬
‫مواقفه السابقة كالبلحقة كهي بالعشرات لتؤكد بأنه شيخ من شيوخ الكذابيػػػػػن ‪ ..‬يارجل استحي على نفسك‬
‫كماهذم الغضبة ال يمضىرية من اجل اهلل كرسوله ‪ ..‬كله كذب تمثيل افتعاؿ ‪ ..‬هكذا يقتنص امواؿ الناس‪ ،‬انتبهوا ‪..‬‬
‫البد اف يأخذكا الناس تصورا أنه ذلكم الرجل العالم الشديػػػػػػػػػػػد الغيرة على دين اهلل حتى ي يغرىٌهم عن انفسهم يختدعهم‬
‫‪..‬هذا مرض التديٌن كعدـ التدين خير منه ألنه ص ٌدى عن سبيل اهلل تبارؾ كتعالى ‪.‬‬
‫أيها اإلخوة‪ ،‬في العصور الحديثة كاجهنا طائفة من المصطلحات التي تتعلق باإللحاد كنوع من التوصيف كالتقييد كنوع‬
‫من التصنيف‪ ،‬يقولك إلحاد مطلق كإلحاد نسبي مثبل‪ ،‬الحاد سالب كالحاد موجب الحاد قوم الحاد ضعيف الحاد نظرم‬
‫ف بنفسه كما‬ ‫الحاد عملي ‪ ..‬اإللحاد المطلق ببساطة هو انكار كجود اهلل اك اآللهة همذا بغير قيد اك شرط‪ ،‬الكوف مكت و‬
‫المذهب الطبيعي عند الفبلسفة قبل سقراط في النسخة األكثر حداثة عند ( جوف ديوم) البراغماتي الشهير األمريكي‬
‫الذم كاف فيلسوفا طبيعيا ككاف ملحدا عنيدا كهو عالم في المنطق كاف مشهور كفي التربية كاف يقوؿ " الطبيعة‬
‫كافية تفسًٌر نفسها التحتاج الى أم مبدأ آخر مفارؽ لها على االطبلؽ‪ ،‬كافتراض أم مبدأ هو اغتياؿ االنساف كاغتياؿ‬
‫لقدرات االنساف كتعليم االنساف الكسل كتغريب له عن نفسه" ‪ ..‬قاؿ االيما بآلهة أك إلػه معناق اف هذا االنساف‬
‫يحمٌل هذق اآللهة معظم االعباء كيجلس هو ببل مسؤلية‪ ،‬ألني ضد اآللهة ‪ ..‬طبعا هذا كله كبلـ ضعيف هذق ليست‬
‫حجج منطقية كال حجج فلسفية‪ ،‬لكن هكذا كاف يقوؿ (جوف ديوم) كهذا اسمه اإللحاد المطلق‪.‬‬

‫‪12‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫اإللحاد النسبي هو ليس انكار األلوهية أك الربوبية من حيث اتت كإنما انكار تصورات معينة لؤللوهيػػة اك للربوبية‪ ،‬فمثبل‬
‫قد يوصم باإللحاد النسبي كيقاؿ هذا ملحد نسبي نسبة الى ثقافته كإال عند ثقافة اخرل ييعتبر مؤمنا‪( ..‬زنوفا) مثبل‬
‫كمثله (انًكسوجراس) انكر المفاهيم التشبيهية لآللهة مع اف حضارته االغريقية ماقبل الميبلد في القرف السادس‬
‫كانت تشبيهية‪ ،‬اآللهة هم بشر مطوركف معظموف كمضخموف نعم عندها النظرة االنسانية اك نظرة تيسيرية تشبيهية‬
‫‪ ( ..‬زنوفاف) قاؿ‪ " :‬انا اتخيل (اهل تراقيا طبعا يؤمنوف بآلهتهم كلذلك مثٌلو في التماثيل آللهتهم على انهم بيض‬
‫البشرة زيرؽ العيوف كشيقري الشعر ) لو أف زنجيا أراد اف يمثٌل إلػهه لمثٌل يه اسود البشرة عظيم المشافًر مفلفل الشعر‪..‬‬
‫كاتخيل لو اف االحصنة االفراس أرادت اف ترسم آلهتها لجاءت آلهتها على امثالها‪ ،‬فيأتيٌهًم باإللحاد ‪ ..‬في الحقيقة هو لم‬
‫يكن ملحدا بمعنى اإللحاد المطلق هو لم ينكر كجود اآللهة كإنما انكػر هذق النزعة التشبيهية لآللهػػة كطلب اف نكوف‬
‫ارقى من هذا‪ ،‬اذا اردنا اف نؤمن باآللهة فلنؤمن بآلهة سامية متعالية عن هذا التجسيد كالتشبيه‪ ..،‬كهذا جميل‪ ..‬ال‪،‬‬
‫قالك هذا ملحد! الحاد نسبي ‪.‬‬
‫كاإللحاد النظرم ايها االخوة هو موقف فكرم‪ ،‬فلسفي اك غير فلسفي كقد يكوف علميا ايضا ييػػػػػػػػػنكر كجود اإلله اك‬
‫اآللهة‪ ،‬كيحاكؿ اف يقيم البراهين على انكارها‪ ،‬كيدحض البراهين المخالفة ‪.‬‬
‫اإللحاد العملي ال ينخرط صاحبه في المحاجات كالسجاالت النظرية‪ ،‬كإنما يعيش كأف اآللهة غير موجودة اك كأف اهلل غير‬
‫موجود؛ يعني عايش حياته بالطوؿ كالعرض يفعل كما يريد كماشاء اف يفعل ‪،‬يعيش كملحد‪ ،‬اآلف لو سألت هل هذا‬
‫موجود؟ موجود بكثرة بين المسلمين كبين المسيحيين كبين اليهود كبين الهندكس كبين كل بني البشر‪ ،‬كثيػػػػػػػػػػػػػر من‬
‫بني البشر يعيش كملحد عملي ‪ ،‬كتستغرب " اهذا يؤمن باهلل كباليوـ اآلخر‪ ،‬يفعل هذق األفاعيل ‪ ،‬يهجر اباق عشر‬
‫سنين‪..‬اك يضرب اباق ! ‪ ..‬اكيضرب امه اك يكرق اقرب الناس اليه اك ياكل امواؿ التبرعات للمنكوبين بالزالزؿ‬
‫كالكوارث ‪ ..‬كمسلم كممكن يكوف شيخ كماف كيف هذا ‪ ..‬مؤمن هذا؟!! يعني سؤالك حين تقوؿ ‪ :‬مؤمن هذا؟‬
‫كالعامة تقوؿ كافر كفر هذا‪ ،‬هم ال يريدكف يعطوف فتاكل بالتكفير‪ ،‬يسموف هذا كفرا ككم كأموٌ من شيء هو سلوؾ‬
‫عملي منحرؼ تسميه العامة كيفٍػػػػػػػػػػػرنا ‪ ..‬االسراؼ مثبل يسمونه كفرا‪ ،‬حين يسمع امير اك ملك ذهب في رحلة الى‬
‫اسبانيا اك كذا خمسة اياـ فأنفق فيها مليوف ‪ ..‬مػػػػػػاذا؟!! كفر هذا يا اخي ‪ ..‬هنا هذا يتضمن منظورا يمكن اف نعبر‬
‫عنه بأنه استيعاب لمفهوـ اإللحاد العملي الكفر العملي‪ ،‬كعندنا في االسبلـ على فكرة كفر عملي كعندنا كفر نظرم ‪..‬‬
‫كػػكفر النعمة هو كفر عملي‪ ،‬الطعن في األنساب كفر عملي‪ ،‬النياحة على الموتى كفر عملي‪ ،‬االستسقاء باألنواء كفر‬
‫عملي كليس بكفر نظرم‪ ،‬فيقولوف الحاد نظرم ك إلحاد عملي ‪..‬‬
‫االلحاد العملي هو اف يعيش حياته كما لو اف اهلل غير موجود مع أنه لو سألته يقوؿ لك اف اهلل موجود لكن يبدك انه‬
‫ال دخل لي فيه كالدخل له ف ٌي ‪ ..‬عمليا هذا ملحد ‪ ،‬كهذا ال يكلفك اف تنخرط معه في محاجٌة كمساجلة‪ ،‬ألنه اليعترؼ‬
‫بالقضية كلها ‪ ..‬هذا كاف الملحد العملي ‪.‬‬
‫لدينا اإللحاد اإليجابي كاإللحاد السلبي كهما مصطلحاف قديماف نسبيا‪ ،‬لؤلسف بعض الناس تعتقد انهما مصطلحاف‬
‫جديداف‪ ،‬ألف احد المفكرين ألٌف كتاب بإسم اإللحاد اإليجابي في الثمانينات‪ ،‬كهذا غلط ‪ ..‬هذاف المصطلحاف معركفاف‬
‫في السياؽ األكركبي في القرف الثامن عشر ‪..‬‬
‫بإختصار معنى اإللحاد السلبي هو الخلو من الفكرة المعتقدية‪ ،‬بمعنى الطفل حين يولد‪ ،‬في المنظور الملٌي يعني عند‬
‫اليهود كالنصارل كالمسلمين التوحيدم‪ ،‬ييعتقد اف الطفل يولد مزكدا باإليماف ‪ ..‬طبعا عند المسلمين اسمه الفطرة اك‬
‫الميثاؽ (كإذ أخذ ربك من بني آدـ من ظهورهم ذريتهم كأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أف‬
‫تقولوا يوـ القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ) األعراؼ‪18/‬‬
‫الباركف (دكلباخ) الفرنسي في القرف الثامن عشر‪ ،‬كهذا الرجل كاف معاصرا لػ (ديدرك) كالموسوعيين ككاف احد المراجعين‬
‫في الموسوعة الفرنسية‪ ،‬كاف يراجع المقاالت كيصحٌح‪ ،‬ككاف له صالوف معركؼ في شارع لورياؿ ييستورىد فيه اإللحاد‬

‫‪13‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫كيأتيه مثقفوف كبار كفبلسفة كمفكركف؛ مع أنه من اعضاء هذا الصالوف لم يكن ملحدا حقيقيا إال ثبلثة كالبقية كانو‬
‫ربوبيين يؤمنوف بوجود اهلل تبارؾ كتعالى كلكن ال يؤمنوف بالشرائع كالرساالت كالنبوات ‪ ..‬فالباركف (دكلباخ) ألف كتابا‬
‫بمعونة (دينيس ديدرك) كنشرق تحت اسم < نظاـ الطبيعة > كدافع فيه عن اإللحاد كبشراسة؛ زعم فيه أف‬
‫األطفاؿ حين يولدكف مبلحدة ‪ ..‬في األدبيات الغربية ألكؿ مرة ييزعىم اف الطفل حين يولد يولد ملحد ‪ ..‬كطبعا هذا‬
‫الكبلـ لم يميت كعاش‪ ،‬كجدنا كاحد في التسعينيات في القرف العشرين (جوف سميث) احد المبلحدة الميحدىثين ييكرر‬
‫نفس الكبلـ هذا ‪ ..‬حسنا كانا اقوؿ لك‪ :‬بقوة متعادلة ينبغي اف ييقاؿ الطفل يولد خيلٍوان من أم شيء ال من إيماف كال‬
‫من إلحاد‪ ،‬يعني اقرب شيء لو اردنا اف نسمي الطفل نسميه ( ال ادريا)‪ ،‬لكن في الحقيقة هل الطفل لديه القوة‬
‫اإلدراكية الفهمية لكي يختار موقف المؤمن اك موقف الملحد ؟ ليس عندق هذق القوة‪ ..‬لذلك ال يسمى ال مؤمنا كال‬
‫ملحدا حتى في الدين‪ ،‬احدهم يقوؿ لي‪ :‬ال ‪ ،‬في حديث ابو هريرة كفي الصحيح قاؿ صلى اهلل عليه كعلى آله كسلم ‪:‬‬
‫(كل مولود يولد على الفطرة) ‪ ..‬في رأيي هذا ليس بدليل‪ ،‬مامعنى الفطرة؟ الفطرة هي الخًلٍقىة‪ ،‬كمالمقصود هنا‬
‫بالخلقة؟ الليػػاقة ‪ ..‬خلقة اإلنساف تؤهٌله اف يتعاطى مع المسائل البلهوتية‪ ،‬يعني انك لن تجد في يوـ من األياـ أم‬
‫نوع من الحيواف لديه الهوت ‪ ..‬البلهوت الحصاني البلهوت السٌبيعي البلهوت النمرم ‪..‬الخ‪ ،‬لذلك انا عرىٌفت االنساف‬
‫بالتعريف الذم ارتضيه‪ :‬هو الباحث عن اإليماف‪ ،‬المبلئكة ال تؤمن لكن تعبد تسبٌح تقدٌس كال تقدر تأتي بآية كلو كاحدة‬
‫في القرآف الكريم اف المبلئكة آمنت ‪ ..‬اإلنساف يؤمن‪ ،‬ألنه يبحث عن اهلل تبارؾ كتعالى‪ ..‬اإليماف هو البحث عن اهلل‪.‬‬
‫فهو الكائن المؤمن الباحث عن اهلل‪ ،‬كيف كلماذا؟ فطرة خيلًق بحيث يكوف كذلك‪ ،‬خيلًق كفيه االستعداد لذلك‪ ..‬الاله‬
‫اال اهلل ‪،‬اذف هي غريزة لكن في اإلنساف فقط‪ ،‬فالحيوانات ال تبحث عن اهلل‪ ..‬لذلك مثلما قاؿ (بلوتوراؾ)‪ :‬كيجًدىت‬
‫مدف حتى بغير حصوف بغير دكر للتعليم‪ ،‬لم توجد مدينة كاحدة بغيػػر معػػػػػػػػػػابد‪ ،‬اذف االنساف هو الكائن المؤلًٌه الباحث‬
‫عن اإللػه المتشوًٌؽ للغيب للماكراء ‪ ..‬فأف تقوؿ لي "يولد الطفل ملحدا" > كبلـ فارغ ‪ ..‬اذا اردنا الدقة‪ ،‬ال ملحدا كال‬
‫مؤمنا يولد خيلوا لكنه مستعدا للتعاطي مع المسائل البلهوتية‪ ،‬فيه فرؽ كبير بين الموقفين اتعرؼ لماذا؟‬
‫المبلحدة يقتنعوف كاالف فيه مبلحدة من إخواننا العرب يقولوف لك " إأتني بأم طفل كأنا اصنع لك منه ما أريد‪ ،‬إأتني ال‬
‫يتعرٌض لػ قاؿ اهلل كقاؿ الرسوؿ كاليسوع ك موسى كابراهيم ‪ ..‬كسوؼ يعيش كيموت دكف اف يسأؿ عن هذق‬
‫المسائل" كهذا غيػػػػػػػػػر صحيػػػح‪ ،‬كسوؼ نرل كيف يمكن اختبار هذق الفرضية بالدراسة األنثوبيولوجية كخاصة‬
‫المجتمعات البدائية ‪ .‬طبعا ( إمًل دكركاين) مؤسس علم االجتماع الحديث في فرنسا كما يقاؿ كاف يتبنى هذا المنظور‬
‫المجتمعي يقوؿ لك الدين صناعة اجتماعية المجتمع يريد هذا‪ ،‬كالعجيب اف النبي عليه السبلـ قاؿ في الحديث‪" :‬كل‬
‫مولود يولد على الفطرة فأبواق يهوٌدانه اك ينصرانه اك يمجسانه ‪ ،‬كفي ركاية يمسلمانه‪ ،‬كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء‬
‫هل ترل فيها من جدعاء‪ ،‬ثم تبل قوله تعالى من سورة الركـ ‪ ( :‬فطرة اهلل التي فطر الناس عليها ال تبديل لخلق اهلل‬
‫ذلك الدين القيًٌم ) ‪ .‬النبي يعرؼ أنه ال يمكن اف ييشكل هذا حجة ضد الدين اف المجتمع هو الذم يشكل بعد ذلك‬
‫عقيدة الطفل اك عقيدة الفرد ك موقفه اآليدكلوجي‪ ..‬كلكن نحن نتحدث عن االستعداد كلوال هذا االستعداد لما كاف‬
‫للتشكيل معنى اصبل ‪ ،‬كما لو آتيتني بقرد الشامبانزم كتجعله فيلسوفا يتكلم في المجردات كالمفاهيم العقلية ‪..‬‬
‫مستحيػػػػػػػل ألنه ليس لديه استعداد‪ ،‬ك هات أم طفل من استراليا من افريقيا من اكركبا من أم مكاف كمن قبيلة‬
‫بدائية تماما اليعرفوف الكتابة كالقراءة ك ضعه في أم مجتمع كعلٌمه‪ ،‬فيصبح فيلسوفا كبيرا أمر عادم ممكن‪ ،‬ألف لديه‬
‫استعداد‪ ،‬هم اليعرفوف هذا‪ ،‬فالباركف(دكلباخ) في نظاـ الطبيعة قاؿ‪" :‬اف األطفاؿ يولدكف مبلحدة"‪ ،‬معناها حتى‬
‫ؿ‬
‫الكبير الذم ليس لديه فكرة عن الموضوع ييسمى ملحدا عندهم‪ ،‬من قاؿ لكم اف هذا ملحدا ‪ ،‬ل ىم ال نقوؿ عنه غير مبا ً‬
‫لم يبحث كهو خلو من العقيدة ال عدنه تأكيد على اإليماف كال عندق تأكيد على نفي اإليماف باهلل ممكن يكوف ال أدريا‪،‬‬
‫لذلك معظم البل ادريين يغضبوف من المبلحدة حين يصًر المبلحدة على جعلهم مبلحدة مثلهم‪ ،‬يقولوف نحن لسنا مبلحدة‬
‫كلسنا مؤمنين نحن نقف في نقطة الوسط كنرل اف األدلة متكافئة‪ ،‬ادلة المؤمن ك ادلة الملحد‪ ،‬كال ندرم ‪ ..‬قد يكوف‬

‫‪14‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫اهلل موجودا كقد يكوف غير موجودا ال ندرم‪ ..‬المبلحدة على فكرة عندهم عقدة انهم قًلٌة ( ارجو اف اليغضبوا مني) كأف‬
‫الخط العاـ للمجتمع كالحضارة ليس معينا لهم كليس متوائما معهم‪ ،‬كهذا يغضبهم فيحبوف اف يزيدكف عددهم هيا‬
‫لنعتبر البل ادريين كنعتبر االطفاؿ مبلحدة ايضا كلكن الحاد سلبي ‪ ..‬كهذا ليس له قيمة ‪.‬‬
‫اذف اإللحاد المهم كالذم ننخرط في نقاشه اإللحػػػػػػػػػػاد اإليجابي كمعناق هو ‪ :‬الذم يتبنى موقف النفي كيقوؿ لك لدم‬
‫ادلة كبراهين كسوؼ اجادؿ بها ‪ .‬في نفس الشيء يقوؿ لك اإللحاد الضمني كاإللحاد الصريح ‪.‬‬
‫ؿ له‪ ،‬ك اإللحاد الضمني مثل الحاد الطفل الذم يولد‬ ‫اإللحاد الصريح هو اإللحاد الذم يصرٌح بالنفي كيحتج عليه كيستد ٌ‬
‫كهو خليو ‪ ..‬طبعا نفس التعطيل‪ ..‬هذا ليس ملحدا خطأ اف يسمى ملحدا ‪..‬‬
‫اإللحػػػػاد القوم كاإللحػػػاد الضعيف ‪:‬‬
‫اإللحػػػػاد القوم مثل اإللحاد الصريح ككاإللحاد الموجب يجزـ بالنفي كياتيك باألدلة‪ ،‬كاإللحػػػاد الضعيف مثل اإللحاد‬
‫الضمني كاإللحاد السالب ‪.‬‬

‫نأتي اآلف الى اللمحػػػػػػػػة التاريخيػػػػػػػػػػػػػػػة ‪:‬‬


‫أكؿ مانبدأ به ايها االخوة نبدا بالديانات الشرؽ اقصوية؛ في الهندكسيػػػػػػػة مثبل‪ ،‬الهندكسية ست مدارس مشهورة ال‬
‫ييعرىؼ عنها أف لدل احدل هذق المدارس نزعة الحادية‪ ،‬بل على العكس فالديانة الهندكسية ديانة تؤمن باآللهة كبتعدد‬
‫اآللهة بزهاء ‪ 340‬آلهة‪ ،‬ككما ذكرنا اكثر من مرة هي ديانة ترل كل ظاهرة لها إلػه يرعاها كالمسؤؿ عنها‪ ،‬كل‬
‫ظاهرة من الظواهر تيفسٌر بإلػػه‪ ،‬من هنا كثرت اآللهة لديهم؛ لكن الهندكسية تعتقد ايضا أف هذق اآللهة كلها تظل‬
‫تيختزؿ كتنحصر حتى تعود في النهاية الى إلػه كاحد مسيطر‪ ،‬كالهندكس الذم يبلغ المقاـ الذم يفنى فيه عن مبلحظة‬
‫كل هذق الكثرة المتكثرة من اآللػهة كاليعود يرل إال فعل كآثار اإللػػه الواحد يكوف بلغ اعلى درجة من درجات‬
‫االستنارة كالتدين في فًهم الهنادًكة كييعطى اسماء من ضمنها المهاتمة‪ ،‬هذا بلغى درجة انه ال يرل اال اهلل الواحد‬
‫كيفنى عن كل الصور كاألمثاؿ ‪ .‬لكن هناؾ مدرسة اسمها مدرسة (لوكاياتا) هذق مشهور اكثر‪ ،‬اسمها الحقيقي‬
‫االكؿ (كارافاكا) أيسست هذق المدرسة في القرف السادس قبل الميبلد‪ ،‬كيبدك انها طورت نزعات كمقاربات مادية‬
‫الحادية كهي مدرسة فلسفية‪ ،‬مدرسة تنتمي الى الهندكسية كلكنها ال تشكل كاحدة من المدارس الست الرئيسة‬
‫فيبدك انها تيار جانبي فرعي ال قيمة له‪ ،‬لكن المؤرخوف ييعنوف بكل شاردة ككرادة اذا اتاحت الوثائق لهم ذلك‪ ،‬هناؾ‬
‫بعض األشعار بلغتنا عنهم كفعبل حين تقرأ هذق األشعار تشعر انك اماـ نزعة الحادية تدعو الى التمتع كيفما تشاء‪ ،‬في‬
‫صرىٌح‪ ،‬انكارها هلل اك لآللهة ليس مصرىٌحان به‪ ،‬كتنكر‬
‫النهاية الكل فػػاني مافي شيء‪ ،‬ك كاضح انها تنكر الحياة اآلخرة مي ى‬
‫خلود الركح ايضا بوضوح‪ .‬كلذلك كتب بعض نقاد الهنود المعاصرين قوؿ‪ " :‬نحن لسنا كاثقين من ادٌعاء اف مدرسة‬
‫لوكاياتا كانت مدرسة الحادية"‪ ،‬كيبدك اف هذا الدارس الهندم رجٌح أف هذا بفعل مدارس اخرل ارادت اف تيعلي ك تؤكد‬
‫من شأف النزعة اإللحادية بهدؼ كغاية دحضها كالرد عليها ‪ ..‬بعض الناس يحب اف يخوض معركة كهمية فييشيطن‬
‫خصمه‪ ،‬كيدٌعي اف خصمه زنديق كخطر على االسبلـ كخطر على األمة كشيء كبير كيبدأ اآلف يرد عليه؛ حتى يظهر انه‬
‫هو شيء كبير‪ ،‬كخصمه في الحقيقة ال هو زنديق كال خطر على األمة كالدين‪ .‬فيقوؿ هذا الرجل في موضوع اللوكاياتا‪:‬‬
‫"هي ليست مادية الى هذق الدرجة كليست الحادية‪ ،‬مدارس اخرل زعمت ذلك فيها كأكدته لكي تقوـ بإدحاض هذق‬
‫الوجهة من النظر"‪.‬‬
‫هناؾ مدارس اخرل ايها االخوة اك نزعات الحادية لكن ليس لدينا تفاصيل ‪ ..‬مثل مدرسة (السماخايا)‪ ،‬ك(البورفا‬
‫كالميماسا)‪ ،‬لؤلسف ليست لدينا عن هذق المدارس اية معلومات سول انها لها اتجاق الحادم‪.‬‬
‫كالبوذا المستنير لؤلسف فيه تصريحات عنه في بعض الدراسات أنه كاف ال يؤمن باهلل ككاف يقوؿ بالذات "صفات‬
‫اهلل الموجود كلٌي العلم ككلٌي القدرة ككلٌي اإلرادة ككيلٌي الخير كالطيبة‪ ،‬صفات متناقضة اليمكن اف تدخل في دماغي‬

‫‪15‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫" كهذق حجة إلحادية الى اليوـ على فكرة كهذق حجة الشر‪ :‬كيف تقوؿ لي عند اهلل العلم الكامل كيعرؼ كل شيء‬
‫يصير بالكوف‪ ،‬كهنا ظلم كهنا عذابات في الناس ‪ ..‬الخ من شركر ‪ ،‬كهو يعلم بكل هذا كيػػػػػػػػػقدر اف ييغير ‪ ،‬كفي نفس‬
‫الوقت خيٌر كال يحب الشر‪ ،‬كالشر موجود كالعذاب موجود‪ ...‬هذا ال يدخل دماغي " كالمبلحدة يقتنعوف بهذا كهي حجج‬
‫ليست سهلة !‪ ،‬كال تسطيع أف تردٌها هكذا بحماس كاندفاع‪ ..‬اذا اردت اف تري ٌد فػػريد ردا فلسفيا معقوال‪ .‬كهؤالء‬
‫المبلحدة ليسو بأناس اغبياء‪ ،‬يعني مثل ماقاؿ (إبليز باسكاؿ)‪ " :‬الملحد شخص ذكي كلكن إلى حد" (طبعا باسكاؿ‬
‫لم يكن ملحدا ‪ ،‬كاف مؤمنا إيماف التجربة الركحية‪ ،‬كليس ايمانا فلسفيا) ‪ ..‬كما انه من حق الملحد اف يتساءؿ كيطرح‬
‫التناقضات‪ ،‬فػػبوذا كاف يقوؿ "هذق الصفات بالذات ال يمكن اف تنسلك في عقلي كفي ذهني ألنها متناقضة"‪.‬‬

‫نأتي الى العصر الكبلسيكي القديم ببلد االغريق ‪ ..‬عموما ثمة رأياف متعارضاف في ميبلد اإللحاد ‪:‬‬
‫رأم يقوؿ أف اإللحاد لم يولد اال في اكركبا في العصور الحديثة كماقبل ذلك لم هناؾ الحاد‪ ،‬كلكن االغريق القديمة‬
‫عرفت اإللحاد بوجهات نظر فردية فيلسوؼ يقوؿ شيئا‪ ،‬شكاؾ‪ ،‬سفسطائي‪ ،‬فيلسوؼ طبيعي‪ ،‬لكن ليس كخط‬
‫فكرم عاـ‪ ،‬كبقيت هذق النزعات مفرقة كضعيفة ضد الخط العاـ‪ ،‬لكن ال ننكر انها نزعات الحادية ‪.‬‬
‫بالنسبة للفبلسفة قبل سقراط‪ ..‬قد اعطيتكم فكرة سريعة في دركسنا عن الفلسفة تكلمنا عنهم فلن نعيد ذلك‪،‬‬
‫كلكن نذكٌر ‪:‬‬
‫ب بالملحد األكؿ ألنه كاف يتكلم في قضية األلوهية كيشكك فيها كيقيم بعض‬ ‫الفيلسوؼ (دييغو راس) مثبل ‪ ،‬لي ٌقً ى‬
‫األدلة ‪.‬‬
‫(كريتياس) – كهؤالء كلهم كانوا قبل سقراط – كاف يزعم أف اآللهة هي من صنع الخياؿ البشرم كأفكار ييخوىٌؼ بها‬
‫المجتمع كيخوٌؼ بها الناس يعني كنظاـ للضبط! ‪ ..‬هذق الفكرة ستتكرر في اكركبا المعاصرة ك أكركبا الحديثة عند‬
‫عشرات من المفكرين كأنها من ابداعهم‪ ،‬هذا كاف في القرف الخامس كالسادس قبل الميبلد‪،‬‬
‫نفس الفكرة رددها (كارؿ ماركس) في القرف التاسع عشر‪ ،‬قاؿ ‪ " :‬االدياف كاآللهة كلها ابتداع بشرم لضبط‬
‫المجتمعات ألجل االمبراطور كألجل اإلقطاعي كألجل الكنسية رجل الدين ك الرجاؿ االغنياء يتحكموا في الرعية كفي‬
‫الضعفاء كالمساكين ‪ ..‬فكرة قديمة هذق‪ ،‬لعل (كريتياس) اكؿ من قاؿ بها ‪.‬‬
‫ذكرنا اف الذريين بشكل عاـ كفي مقدمهم استاذهم األكبر (ديموكريتوس) شرحوا العالم الطبيعي بمبادمء طبيعية‬
‫مادية ‪ ،‬كلم يحتاجوا الى المفارؽ‪.‬‬
‫(بركتاقوراس) الشكاؾ السفسطائي الشهير ايضا عدىٌ من المبلحدة ‪.‬‬
‫في القرف الثالث قبل الميبلد أقرىٌ فيلسوفياف مشهوراف ايضا بأنهما ال يؤمناف بوجود اآللهة (ستراتو) كالفيلسوؼ‬
‫(تيودكركس)‪ .‬كفي ‪ 262‬قبل الميبلد في القرف الثالث يعني بعد الذريين بثبلثة قركف‪ ،‬اعرب (هوميركس) عن رأيه‬
‫بأف‪ :‬اآللهو ماهي اال حكاـ تم تأليههم ‪ ،‬يعني اصل كنشوء جذر كفكرة اك عقيدة األلوهة كاف مع حكاـ عاديين بشر‬
‫يحكموف الناس ‪ ،‬ملوؾ يعني‪ ،‬كتم تأليه هؤالء يعني تم رفع مثابة كاعتبار هؤالء‪ ،‬اف الحاكم مثبل يطلع على كل شيء‪،‬‬
‫الحاكم قادر على كل شيء ‪ ،‬يجرًٌد من هذق الصفات التضخيمية التعظيمية للحاكم مفهوـ صار ييعرىؼ باأللوهية‪ ،‬فقيل‬
‫اف هناؾ كائنا اعلى من الطبيعة كاعلى من االنساف كاعلى من الزماف كالمكاف اسمه اإللػه‪ ،‬في الحقيقة مافي شيء‬
‫مفارؽ‪ ،‬هو كاف الحاكم نفسه لما كبرناق كصدقنا هذق االكاذيب كالخرافات كلما جردنا منها هذا الكائن المتسامي الذم‬
‫اسميناق اإلله اك اآللهة‪ ،‬يعني فكرة األلوهية عند (هوميركس) ابتداع بشرم‪ ،‬كػ (سيغموند فركيد) الذم يقوؿ‪:‬‬
‫"ابتدعنا اإللػه من خبلؿ النازع الحاصل في البلشعور عند الطفل فينا بين حبه ألبيه كبين كرهه ألبيه‪ ،‬بين حبه لذاته‬
‫كبين توقيرق ألبيه‪ ،‬بين حبه لرعاية ابيه كحبه لئلستقبلؽ عن ابيه" ‪.‬‬

‫‪16‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫(هوميركس) نفسه لم يصرٌح بأنه ملحد حاكؿ يفسر فكرة األلوهية طبعا هذا إلحاد ‪ ..‬كهو يقوؿ" انا لست ملحدا‬
‫متشددا" إال انه ياتٌهًم بأنه من كبار المبلحدة ألنه س ًخرى من اآللهة ك عوىٌد الناس بأف تسخر منهم في اربعة اصقاع‬
‫األرض‪ ،‬ألنه شاعر ‪ ..‬كبين قوسين شخصية (هوميركس) شخصية اشكالية الى اآلف لدل النقاد كمؤرخين األدب ليس‬
‫معركفا هل فعبل هو شخصية حقيقية اـ شخصية ميتخيلة لم توجد اصبل!‬
‫(ايبكيور) هذا في القرف الثالث قبل الميبلد‪ ،‬ايتهًم بأنه ملحد‪ ،‬كاالف كثير من المبلحدة يحتجوف بػ (ايبكيور) هذا على انه‬
‫ملحد‪ ،‬كعندق حجج‪ ،‬كهو من أحسنى من صا ىغ حجة الشرٌ‪ ،‬قاؿ‪ " :‬كيف انا أؤمن باهلل العلي العظيم الحكيم القدير الخيًٌر‬
‫الميحب للخلق‪ ،‬كانا ارل في العالم كل هذق المعاناة ككل التطاحن ككل الشركر كاآلالـ كالعذابات كالمرائر؟! أنتم تزعموف‬
‫أف اإلله موجود كأنه كلًٌي العلم كانه كلي القدرة كأنه خيًٌر‪ ،‬إما اف هذا الرب يريد اف يغير هذق األشياء كاليقدر على‬
‫ذلك فهو عاجز كليس بػرب‪ ،‬كإما أنه يريد اف يغير كقادر على انه يغير كلكنه اليفعل‪ ،‬فهذا عبثي اك شرير حقود!‪ ،‬اك إما‬
‫انه يريد كيقدر كلكنه لم يقع هذا الشيء لم يغير‪ ،‬معناق أنه غير موجود!" كهذق اسمها حجة الشر كهي من أقول‬
‫األدلة عبر العصور كإلى اليوـ يستعاف بها ‪ ،‬المبلحدة الجدد اك المحدثوف كثيػػػػػػػر متأثرين فيها‪ ،‬بعد ‪ 11‬سبتمبر ايلوؿ‪،‬‬
‫كتبوا كتابات ك بين ‪ 2004‬ك ‪ 2007‬طفح السوؽ بكتابات هؤالء المبلحدة الجدد‪ ،‬ككثير أكدكا العبلقة بين اإللحاد‬
‫كاإليماف كاإلرهاب كالشركر كالقتل كالحركب استغلوا احداث ‪ 11‬ايلوؿ‪ ،‬كسامح اهلل من فعل ذلك كمن أيٌد ذلك كمن‬
‫صار فتنة للعالمين ‪ ،‬فتنة جعلت الناس يحقركف هذا الدين كيكرهوف اهله كأنه دين ارهاب كقتل كتدمير للعالم‬
‫كالحضارة‪.‬‬
‫نكتفي اف شاء اهلل بهذا القدر في هذق الحلقة على اف نلقاكم في حلقة كالسبلـ عليكم كرحمة اهلل تعالى كبركاته ‪..‬‬

‫‪17‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫الحلقة الثالثة‬
‫إف الحمدهلل كالصبلة كالسبلـ على رسوؿ اهلل كعلى آله كصحبه كمن كاالق‬
‫اللهم علمنا ماينفعنا كانفعنا بما علمتنا علمتنا ك زًدنا علمان‪ ،‬كافتح علينا بالحق كانت خير الفاتحين‪..‬‬
‫انتهينا في الحلقات السابقة الى (إبًكيور) كحجة الشر‪ ،‬لكن ينبغي التنويه بأف (إبًكيور) لم يكن ملحدا بالمعنى األكؿ‬
‫الذم حددق افبلطوف باإللحاد بمعنى انه لم يينكًر كجود اآللهة‪ ،‬بل اعترؼ بأنها موجودة كتحدث عن تركيبها‪ ،‬كالغريب‬
‫كاف ديموقراطيسيا (كاف يتبع ديموكريتوس) كاف متأثر بالنظرية الذرية ككاف يلتزـ بها‪ ،‬كالعجيب انه قدىٌـ منظورا‬
‫ذريا هلل ‪ ،‬كقاؿ "اآللهة تتكوف من ذرات مادية صغيرة جدا جدا كمتموضعة هذق اآللهة في عوالم كسيطة‪ ،‬لكنها‬
‫ليست تيعنى ال بمسار اإلنساف كال بمصيرق"‪(،‬يعني انكر العناية اإللهية)‪.‬‬
‫الشعر الركماني (لوكريتوس) يبدك انه كاف ال أدريا ألنه قاؿ في رسالته الشهيرة (حوؿ طبيعة األشياء) "اذا كاف‬
‫هناؾ ثمة آلهة‪ ،‬فإنها على مايبدك ال تيعنى باإلنساف" ‪ ..‬يقولوف هذا عطفنا على حجة الشر ‪ ،‬فكيف نجمع بين اإلله‬
‫موجود كبين نفي العناية اإللهية‪ ،‬هذق نظرة تلفيقية تريح بعض العقوؿ كبعض النفوس‪ ،‬مثبل ألنه بغير فرضية اإلله اك‬
‫فرضية الرب الخالق ‪ ،‬ال يمكن فىهم نشوء الكوف كيف نشأ الكوف من أين أتى‪ ..‬فنيضطر بأف نؤمن باإلله‪ ،‬كفي نفس‬
‫ن بنا‬
‫الوقت آمنا به كخالق اآلف‪ ،‬لكن نرل في الكوف شركرا كمصائبا كمحنان كببليا‪ ،‬فكيف يسمح بهذا‪ ،‬يبدك انه غير معت ً‬
‫اصبل‪ ،‬هو تركنا ألنفسنا‪ ،‬كمن هنا هذا الشر نحن المسؤكلوف عن هذا الشر كالطبيعة مسؤلة عنه كاألشياء‪ ،‬لكن هو غير‬
‫مسؤؿ ألنه ال ييعنى بنا‪ ،‬أما لو كنا ييعنى بنا كيسمح بهذا فنحن سنرفض كنجدٌؼ بحق هذا اإلله ‪..‬‬
‫كهذا ايضا غيػػػػػر صحيح ‪ .‬النظرية االسبلمية في العدالة اإللهية اعمق بكثير‪ ،‬على فكرة كبكل تواضع من الصعب اف‬
‫تعرؼ حجم ما اسهم به العقل المسلم بشكل عاـ‪ ،‬حتى الفبلسفة اإلسبلميوف الذين ننكر عليهم بعض األشياء‪ ،‬ال‬
‫يمكن أف تعرؼ حجم ما اسهم به العقلية االسبلمية إال بعد أف تقارنها بإشكاالت كمرادات كمشاكل اآلخرين‪.‬‬
‫يوجد مدرسة البيركنية كهي مدرسة شكوكية‪ ،‬أم انها كانت اقرب الى البل ادرية‪ ،‬بل أسوأ فالشكوكية قد تكوف‬
‫أسوأ من البل ادرية‪ ،‬ألف من الشكوكيين مىن طبيعة تكوف عقل اإلنساف غيػػػػػػػػر مؤهٌلة أف تعرؼ‪ ،‬الثقة في العقل‬
‫صرٍؼ النظر عن هذق المسائل من‬ ‫ليست ميطلقة تامٌػػػة‪ .‬كلذلك هذق النزعة البيركنية كانت ترل انه من األفضل ى‬
‫أساسه‪ ،‬كعليك اف تعيش في حالة راحة كسبلـ للعقل‪،‬‬
‫اآلف بعض الشعوب المعاصر يقاؿ نسبة كبيرة من الناس تعيش كًفق هذا المنطق‪ ،‬يقوؿ لك اليعنيني اف اهلل اك اإلله‬
‫موجود اك غير موجود‪ ،‬أم أرًح بالك من التفكير في هذا‪ ،‬كهذا ييسمٌى باليونانية (أثاراكسًيىا) أم راحة الباؿ‪ .‬اكثر مايليق‬
‫باإلنساف اف ييعطًٌل عقله‪ ،‬كطلب راحة الباؿ ال ييبرر ك ييعد شيئا محترما إال بعد استنفاد الويسع كالجهد في دراسة هذق‬
‫المسائل‪ ،‬كبعد اف يثبت لك عقليا كدراسيا انها مستحيلة‪ ،‬مثبل كوضعية المناطقة الذم يقوؿ لنا‪ :‬البحث في هذق‬
‫المسائل بحث فػػػارغ‪ ،‬كهذق المسائل كل األقواؿ فيها فارغة اصبل‪ ،‬ليست بصادقة كليست بكاذبة‪ ،‬ال يمكن التحقق‬
‫منها"‪ ،‬كهؤالء بإمكاننا اف نحترمهم كال استطيع احتراـ من يطلب راحة الباؿ من دكف اف يبذؿ خطوة كاحدة على‬
‫الطريق‪ ..‬اقوؿ له أنت اشبه باألنعاـ ‪ ،‬فاالنساف هو الكائن المفكٌر ‪( ..‬كانت) كيف ال احترمه‪ ،‬قاؿ‪ :‬البحث في البل‬
‫مستحيل كبلـ فارغ ‪ ،‬بنية العقل البشرم غير مؤهلة اصبل اف يتعاطى مع اية مسألة من المسائل الميتافيزيقا‪ ،‬كالمعارًؼ‬
‫كلها إما تحليلية‪ ،‬كإما تركيبية‪ .‬التحليلية > يقينية‪ ،‬كالمنطق ككالرياضيات‪ ،‬كأما التركيبية كهي التي تضيف معلومات‬
‫جديدة كاالستقراء كالعلوـ التجريبية‪ ،‬كالعلم الحديث > هذق ترجيحية ال تعطي يقينا رياضيا اك منطقيا‪ ،‬كلكنها جيدة‪،‬‬
‫أما ماعدا ذلك من المسائل الميتافيزيقا فالعقل اليستطيع اف يخوض فيها من اصلهً‪ ،‬فهو عاجز ‪ ..‬فأقوؿ لػ (كانت)‬

‫‪18‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫انت تهرًؼ بماال تعرًؼ‪ ،‬ماذا يعني اف تثبت كجود ال عقلية‪ ،‬غير صحيح‪ ،‬فأنا احترـ موقف (كانت) مع اختبلفي معه ‪،‬‬
‫ألنه موقف فيلسوؼ درس عشرات السنين كانتهى الى هذق النظرية‪ ،‬فأحترـ هذا الموقف كليس الموقف البيركني ‪..‬‬
‫ف‬
‫نأتي اآلف الى العصر الوسيط‪ ..،‬في العصر الوسيط االسبلمي لم يعرؼ اإللحاد بمعنى نفي الربوبية‪ ،‬كإنما عرفوق بمعا و‬
‫أخرل‪ ،‬كالطعن في النبوات‪ ،‬كالطعن في تصور معين هلل الذم أتى عبر الوحي كالرسالة‪ ،‬فلديهم تصويٌر اقرب الى إله‬
‫الفبلسفة‪ ،‬مًن يه الى إله المتدينين‪ ،‬كهذق احدل المشكبلت التي أرٌقت الدماغ كالضمير الغربيىين‪ ،‬الذم هو التوتر‬
‫كاالستقطاب بين اإللهين‪ ..‬تصورين لئللهة‪ ،‬إلػػػه الفبلسفة كتناغم متحرؾ طبعا‪ ،‬كلدينا إله اراهيم كاسحاؽ كيعقوب‬
‫كيسوع المسيح‪ ،‬كهذق مشكلة ‪ ..‬ككذلك هذق كانت مشكلة في اإلسبلـ‪ ،‬هناؾ مؤلٌهة لكن على طريقة الفبلسفة‪،‬‬
‫فالفارابي ‪ ،‬ابن رشد‪ ،‬الكندم‪ ،‬ابن سينا على طريقة الفبلسفة‪ .‬كفي النبوات كما ذكرت لكم‪ ،‬محمد ابن زكريا الرازم مثبل‬
‫قد طعن في النبوات قائبل‪" :‬هذا النبي اذا بعثه اهلل سيبعثه بأكامر كنواهي كتشريعات‪ ،‬هل العقل يستطيع اف يعرؼ‬
‫ك أف يبرر ما اتى النبي منها اك ال يستطيع؟ فإف قلنا العقل يستطيع‪ ،‬فبل حاجة لنا بها‪ ،‬كاذا كاف العقل ال يستطيع‬
‫فهي غير معقولة‪ ،‬كيف ييكلىٌف بها العاقل فسأردها ايضا"‪ ..‬ابو العبلء المعرم كاف ملحدا بالمعنى االفبلطوني الثالث‬
‫لئللحاد أال كهو تقريب القرابين‪ ،‬كاف متأثرا بالفلسفات الهندية بالجينية كغيرها‪ ،‬قاؿ أم شيء فيه ركح ال يجوز اف‬
‫ل‬
‫شبٍ ى‬
‫بلى كصفوا ً‬ ‫تذبحه‪ ،‬كلذلك لما قيل له‪ :‬فبلف اًعتىلٌ فوصفوا له فريٌكجة اك ديكا‪ ،‬فقاؿ "استضعفوؾ فوصفوؾ‪ ،‬ه ٌ‬
‫األسد" ‪..‬لكن ليس لدينا في السياؽ االسبلمي ملحد بالمعنى االكؿ (‪.) Atheist‬‬
‫في اكركبا كفي بداية العصور الوسطى مستحيل اف تجد رجبل ملحدا‪ ،‬السلطة المطلقة كانت لليهود كللميتافيزيقا‪،‬‬
‫كهذق احكمت قبضتها على الفكر االنساني‪ ،‬كبعد ذلك ظهرت بعض الحركات الهرطوقية الهرطقة كتعني ( البدعة‬
‫االعتقادية)‪ ،‬كالهرطقة كانت تيعامل تقريبا كااللحاد‪ ،‬حيث أيبيدى عشرات األلوؼ من الناس بسبب بدعتهم كهرطقتهم‪،‬‬
‫كاف ال ييتسامح البتٌة مع الحركات الهرطوقية‪ ،‬لكن لما زادت كفي األخير حتى بعضها اخذت شكبل اصبلحينا فرىبطت‬
‫نفسها‪ ،‬كبعضها أيبيدىت من عند آخرها‪ .‬من ضمن هذق الحركة (نيكوال اك نيكوالس كوزا ) في اعلصور الوسطى‪ ،‬ط ٌوىر‬
‫فهمنا يمكن اف يقاله له فهم هرطوقي لئليماف باهلل تبارؾ كتعالى‪ ،‬شكل من اشكاؿ اإليماف سمٌاق ( االعتقاد الجاهل‬
‫) الذم يقوؿ‪" :‬كفاءة اللغة ككفاءة العقل االنساني تعجزاف عن التعاطي مع هذا العالم المتسامي"‪ ،‬اذف ماذا تريدنا اف‬
‫نفعل يا (كوزا)؟ يقولك ‪ :‬سلٌم باإليماف أف تؤمن كانتهى! ‪.‬‬
‫( كًلياـ األككامي ) في القرف الثالث عشر الميبلدم‪ ،‬لؤلسف الشديد بموقفه اإلسمػاني نستطيع اف نقوؿ انه خطى‬
‫خطوة لغير صالح االيماف‪ ،‬طبعا في كقته من الصعب قراءة تضمينات هذق الخطوة الفلسفية‪ .‬اكال مامعنى اإلسمانية؟‬
‫باختصار ‪ :‬المذهب اإلسمي هو المذهب ببساطة الذم يينكًر كجود المفاهيم الكلية‪ ،‬يعني المعقوالت‪ ،‬بمعنى‪ :‬مفهوـ أم‬
‫مادة في الكوف مفهوـ كلي ‪ .‬لكن قاؿ‪ :‬حتى في الذهن ال يوجد مفهوـ كيلي‪ ،‬بل موجود األسماء فقط ‪ .‬كهذق‬
‫مسألة خطيرة جدا ألنك إف انكرت المعقوالت كالمفاهيم الكلية كاكتفيت بوجودها فقط كأسماء كألفاظ‪ ،‬فأنت‬
‫انكرت قدرة االنساف على التعقل بالمعنى الفلسفي‪ ،‬كهذا له نعكاسات خطيرة على االيماف كالبرهنة عليه ايضا‪ .‬فػ (‬
‫كلياـ ) بهذق النزعة اإلسمانية خطى خطوة لصالح المادية ضد الميتافيزيقا( كال يوجد ميتافيزيقا بغير مفاهيم كلية) ‪.‬‬
‫كذهب ( كلياـ ) مؤكدان أنه اليمكن للعقل البشرم اف يتعاطى مع الجوهر اإللهي‪ ،‬كبهذا الحت لدينا بوادر االنقساـ بين‬
‫العقل كاإليماف‪ ،‬كبدأنا نسمع كلمات مثل‪" :‬انا أيؤمًن ألفهم" ليس افهم أليؤمن‪ ،‬كيمكن اكؿ من حاكؿ اف يعكس اآلية‬
‫هذق ( آنزًـ ) من كانتابيرم‪ ،‬صاحب البرهاف الوجودم‪ ،‬ككاف يؤكد دائما"انا أيؤمًن ألفهم"‪ ،‬لكن بالبرهاف الوجودم عمل‬
‫خطوة معاكسة‪ ،‬ييحاكؿ يفهٌمك لكي تؤمن! كهذا كاف متطور على عكس هؤالء‪ ..‬كماهو البرهاف الوجودم ؟ قاؿ (‬
‫آنزًـ )‪ " :‬تعاؿ أنت فكر كسترل اشياء كبيرة كجليلة كسترل ماهو أجل منها‪ ،‬في األخير رغما عنك بالضركرة ينتهي‬
‫الذهن الى تصويٌر شيء موجود هو اكبػػػر من كػػل كبيػػػر كهذا هو اهلل" كهذا كاف من البراهين القوية قليبل‪.‬‬

‫‪19‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫كهذق االستقطابية الثنائية ‪ :‬العقل‪ ،‬اإليماف ‪ ،،‬لؤلسف أثٌر بعد ذلك على جماعة من كبار البلهوتيين‪ .‬كػ (جوف‬
‫كًيكلًف) كعلى (هىسٍ) كعلى (مارثن لوثر) كهؤالء اصبلحيوف كبار كلكن اثرت عليهم‪ ،‬رأيناها تتردد ايضا مع ( سوريػن‬
‫كًركاجو ) الذم قاؿ‪ " :‬كل ماتحاكؿ اف تفهم اكثر‪ ،‬يضعف ايمانيك! )‪ ،‬كنحن المسلمين لم نعتد على هذا المنطق‪ ،‬مع‬
‫انه هذا المنطق ليس باطبل تمامان فيه شيء من الحقيقة‪ ،‬في نهاية المطاؼ؛ كل ايماف البد اف يكوف فيه جزء‬
‫تسليػػمي‪ ،‬كجزء رهًاني‪ .‬كانتبه كما قلت لك‪ :‬إياؾ أف تتكأ الى آخر مشوار على العقل كبراهين العقل‪ ،‬الزـ يكوف فيه‬
‫نور ذاتي ‪ ( ،‬كمن لم يجعل اهلل له نورا فما له من نور) ‪.‬‬
‫عصػػر النهضة ( الميبلد الجديد) هذا العصر ساهم في توسيع نطاؽ التفكير التشكيكي كطرح تساؤالت جديدة ‪..‬‬
‫كطرح مقاربات جديدة‪ ،‬فمتبل ‪ :‬المهندس كالرساـ كالمخترع ( ليوناردك دافًنشي ) هذا الرجل طرىح التجربة كوسيلة من‬
‫كسائل البياف كاإليضاح‪ ،‬كقبل ذلك التجربة كانت غير معركفة في السياؽ األكركبي – الذم كاف محكوما بالنظاـ الفكرم‬
‫ألرسطو الذم لم يكن يقيم كزننا للتجربة‪ ،‬فهو يقيم كزنا اعظم للتأمل كالتفكير – فػدافنشي قالك ال‪ ،‬التجربة محترمة‪،‬‬
‫كسنعتمد عليها كسيلة من كسائل اإليضاح‪.‬‬
‫نأتي الى اإلصػػػبلح الديني في القرف السادس عشر كماتبلق‪ ،‬االصبلح الديني ساعد على طرح كجهات نظر متعارضة كعلى‬
‫الجرأة داخل الدين الواحد (المسيحية)‪ ،‬في األكؿ كاف عندنا الكنيسة الركمانية الكاثوليكية ككفى‪ ،‬لكن ال‪ ،‬اآلف لدينا‬
‫كاثوليك كلدينا بركتًستانت‪ ،‬كداخل البركتستانت فيها أجنحة مختلفة ايضان‪ ،‬كهذا لؤلسف ساعد على الجرأة كال ٌديغٍمىة‬
‫الدينية كمسائلتها‪ .‬بالمناسبة من ضمن حجج محمد زكريا ابن الرازم لدينا في اإلسبلـ‪ ،‬تناقض األنبياء كالريٌسيل‪ ،‬كيزعموف‬
‫أف المصدر كاحد‪ ،‬اذف هذا كذب كال توجد رسالة! ‪ .‬هكذا بكل بساطة!‪ ،‬لم يضع احتماؿ انهم يتناقضوف في الفركع‬
‫كليس في األصوؿ‪ .‬بفضل اهلل القرآف دقيق هنا‪ ،‬كالتناقض في الفركع ييحمىد كال يذىـ ! فبلبد من ذلك التناقض ألف‬
‫الشرائع تختلف من مرحلة الى مرحلة‪ ،‬كلكن في التوحيد في اصوؿ االعتقاد كلػػهم على قوؿو كاحد‪ ،‬فغير صحيح الحكم‬
‫عليهم بأنهم يتناقضوف‪.‬‬
‫فاإلصبلح الديني اتاحت مداخل جديدة لمسائلة العقائد الدينية بسبب التنوع كالتشكيلة الواسعة من اآلراء‬
‫كاالختبلفات ‪ ..‬الخ‪.‬‬
‫في نفس الوقت بدأف نرل جهودا فلسفية جديدة في البرهنة على كجود اهلل ‪ .‬مع ( ديكارت) مثبل‪ ،‬الذم برهن كجود‬
‫اهلل بطريقته الخاصة‪ ،‬آمن بوجود األفكار الواضحة بذاتها كالفطرية‪ ،‬كالتي ال ييطلىب عليها برهاف بل هي اساس‬
‫البرهاف‪ .‬كانطلق منها إلثبات كجود الذات اإللهية‪ ،‬كهو في النهاية يرل أف كجود اهلل تبارؾ كتعالى هو الضمانة للتفكير‬
‫الصحيح عند اإلنساف‪ ،‬كمن ثم نرل الديكارتيين الذين خرجوا من نفس عباءة (ديكارت) لكن (ديكارت) كلٌػ ىد نقيضه‪،‬‬
‫كممكن اف ييعتبر (اسبينوزا) نقيضا لػ (ديكارت) فػ (اسبينوزا) لم يؤمن باإلله الميفارًؽ الذم يمكن اف يقاـ برهاف كجودق‬
‫على حجج عقلية قائبل‪ " :‬الحاجة لنا بإله ميفارًؽ ميتسامي"‬
‫كمن قرائتي الخاصة للمسألة‪ :‬اف التطور الفكر الديني إخواني عبر البشرية حتى من الفترة البدائية يؤكد دائمنا أف اإلله اذا‬
‫تمٌ تصويرق على أنه متساـو تمامان كعالم تمامنا > ييفقىد ‪ ،‬يكفر الناس به‪ ،‬لكن المهفارؽ اآلف حتى في األدياف التوحيدية‬
‫هذا اإلله يتدخل في الشاف الطبيعي كاإلنساني كاحيانا بأسلوب سافًر كبأسلوب ينتهك حيرمىة القوانين الطبيعية‬
‫كاإلجتماعية‪ ،‬هػػذا يرفضيه العقل الفلسفي الجديد‪ ،‬كالعقل العلمي يرفضيه تماما‪ ،‬فترؾ هنا مشكلة ‪ :‬إف آمنا به متساميا‬
‫متعالينا بالكامل‪ ،‬نفينا العناية كالتدخل‪ ،‬ففقدنا الحاجة اليه‪ ،‬ال نريدق ماحاجتنا له! ‪ ..‬كهذا كما قلت لكم حتى في‬
‫المدارس البدائية ثىبىتى هذا‪ ،‬ففي دراسات دقيقة كلطيف جدا تيثبت لك اف قوما معينا عبدكا هذا اإلله‪ ،‬كبعد حين‬
‫أكٌدكا أنهم فقدكق‪ ،‬في اللحظة التي جردكق فيها‪ ،‬اعطوق كػػػػػػػػػػامل التسامي كالتعالي فػػػفيقًد‪ .‬كعادكا إما الى كثنية‬
‫شركية اك الى غير ذلك‪ .‬هذا يحدث في التاريخ كيتكرر سبحاف اهلل‪ ،‬لذلك أين نقطة االعتداؿ‪ ،‬الوسط الذهبي‪،‬‬
‫الدكتور(المسيرم) في جلساته األخيرة – رحمة اهلل عليه‪ -‬كاف كثيرا يهتم بهذق النقطة‪ ،‬اإلله الحلولي الحاؿ في‬

‫‪20‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫الطبيعة كفي االنساف‪ ،‬كاإلله المفارؽ المتسامي ‪ ...‬أين نقطة الوسط بينهما! ال نريدق متسامي بالكامل بحيث يغيب‬
‫كننساق‪ ،‬يعني ( جاف بوؿ سارتر ) فيلسوؼ كجوديا ملحد كاف يقوؿ‪ " :‬انا ال انكر كجود اهلل هكذا بالمطلق‪ ،‬لكن‬
‫قولي هو أف اهلل في يوـ من األياـ كاف موجودا‪ ،‬ككاف ينطق ككاف يتصل باإلنساف‪ ،‬ثم صمىت بالكامل لم يعيد ييسمع‬
‫له صوت‪ ،‬اين هذا اإلله‪ ،‬لقد فقدناق لسنا بحاجة اليه كسنعيش بدكنه‪ ،‬كنحن افضل بدكنه‪ ،‬ألف المسؤلية ستيلقى‬
‫على عاتقنا بالكامل‪ ،‬نحن اآلف لسنا ذلكم الطفل الذم يعيش في رعاية ابيه اك ابويه‪ ،‬بل على العكس نحن اطفاؿ ببل‬
‫آباء اآلف كسوؼ نجابه المسؤلية بحًس المسؤلية الكاملة"‪ .‬اكثر المبلحدة عندهم هذق الفكرة‪ ( .‬لودفيك فًػتكًنشتاين‬
‫ؿ عنا‪ ،‬هذا ييلزمني‬‫) فيلسوؼ نمساكم مهندس شهير كتب مرة يقوؿ‪ " :‬اذا ضللنا نصر على أنه مفارًؽ كساـو كمتعا و‬
‫اف اعلن له التحدم ‪ ،‬اما اذا كاف منخرطا فينا مندمجا معنا كبشر في هذق الدنيا‪ ،‬فبل بأس"‪.‬‬
‫كما قلت لكم عن الديانات التوحيدية تتحدث عن تدخل سافر‪ ،‬اين هذا التدخل السافر‪ ،‬انها المعجزات؛ توقف الزماف‪،‬‬
‫توقف الشمس‪ ،‬يحيى الميت‪ ،‬طعاـ ييشبع فردا فييشبع خمسمئة فرد‪ ،‬العػػقل العلمي بدأ يتشكك في هذق المسائل‪،‬‬
‫فنحن اآلف في عصر العلم‪ ،‬عصر النهضة كاالصبلح كالعلم الحديث ( نيكوالس كوبانيكوس)‪ ( ،‬يوهانس كيبلر )‪( ،‬‬
‫تيخو براها )‪( ،‬جاليلو جاليليه)‪ ،‬كبعدين (نيوتن) ‪ ..‬الفلسفة المسيحية المدرسية كانت ترل اف الطبيعة ال يمكنها اف‬
‫تقوؿ شيئا عن اهلل‪ ،‬طبيعة صامتة ال يمكن اف تينبًئىك شيئا عن اهلل كعن صفات اهلل‪ ،‬صمٌتوا الطبيعة كسكتوها‬
‫لصالح الوحي‪ .‬لكن العلم قاؿ على لساف نيوتين‪" :‬أف الطبيعة تتكلم كتينبًيء عن اهلل ك تشي بصفاته‪ ،‬كانه قادر ك‬
‫ابدم ك أزلي ككلي العلم ك كلي االرادة ك كلي الحضور ‪ ."..‬فصار عندنا انكسار جديد ايضا‪ :‬الطبيعة تقوؿ اك ال تقوؿ‪،‬‬
‫البلهوت تقوؿ( الطبيعة ال تقوؿ)‪ ،‬كالعلم قاؿ (الطبيعة تقوؿ)‪ .‬في الوقت نفسه ال ننسى اف القرف السادس عشر‬
‫قرف الكشوفات الجغرافية كالمراكب البحرية كاالساطير كالسفر حوؿ العالم‪ ،‬كهذا شكٌل مددا جديدا للشك‪ ،‬ال قوؿ‬
‫اإللحاد‪ ،‬الى االف اإللحاد ال يوجد‪ ،‬فكلمة اإللحاد محقورة جدا جدا ال يغامًر احد اف يدعوا الناس الى تسميته بالملحد‪ ..‬عار‬
‫جدا جدا‪ ،‬هذق كادت اف تكوف مقبولة كيتبجح بها البعض تقريبا في القرف الثامن عشر‪ ،‬كقبل ذلك كاف ممنوعا ككلمة‬
‫اإللحاد كانت كلمة مهينة‪.‬‬
‫مع الكشوفات الجغرافية ككثرة الترحاؿ كالتسفار حواؿ العالم‪ ،‬الحظ األكركبيوف اف هناؾ في العالم ثقافات اخرل‬
‫حضارات اخرل أنماط حياة اخرل‪ ،‬انماط ايماف‪ ،‬نيظيم ايماف مختلفة‪ ،‬كهذا ساعد على مسائلة الموركث‪ ،‬هل يكوف الدين‬
‫هو الدين الوحيد الصحيح كالعالم كله خاطيء‪ ،‬كهذا العالم يعيش من آالؼ السنين ايضا‪ ،‬فهذا عمل هزة للضمير الديني‬
‫األكركبي‪ .‬كهذا ذكٌرنا بػمأساة فكرة (األنتي بود) مع كقت الكشوفات الخغرافية‪ ،‬ماهو الػ (األنتي بود)؟ ‪ ..‬كاف‬
‫المسيحيوف سابقا قبل الكشوفات الخغرافية يعتقدكف اف العالم منحصر في رقعة معينة‪ ،‬هذق الرقعة أتى المسيح‬
‫لتخليصها‪ ،‬الرقعة المقابل لها على األرض هذق ليس فيها احد خالية تماما ليس هناؾ بشر‪ ،‬لكن مع الكشوفات‬
‫الخغرافية كالدكراف حوؿ األرض كيجًد اف كل الببلد فيها بشر كهناؾ ناس‪ ،‬هنا ناس كهنا ناس‪ ،‬في احد الجهات هنا‬
‫ييسمٌى (األنتي بود) فأثار سؤاؿ‪ :‬من الذم ييخلص سكاف األنتي بود؟! فهذا أرٌقهم كثيرا ‪ .‬تمػػػػػػػاما مثلما ( جيوردانو‬
‫بركنو) في القرف السادس عشر‪ ،‬كقد ايعدًـ في ‪ 1600‬ـ بالضبط‪ ،‬قد طرح فكرة فلسفية لم تكن علمية ‪-‬مع انه كاف‬
‫كاهنا‪ -‬فكرة تعدد العوالم‪ < ،‬هذق الفكرة مطركحة في الفلسفيات اليونانية القديمة كاعتقد عند (انًكسا بوراس)>‪،‬‬
‫كهذا مشكلة كهذا الحاد كهرطقة ك زندقة‪ ،‬ألنه اذا كانت توجد عوالم اخرل فالمسيح لم ييصلىب عندهم كال يجد‬
‫صليب كال يوجد خبلص‪ ،‬معناق اف النظرية كلها سقطت‪ .‬حاكلو اف يعيدكق عن فكرته هذق كلم ييػفًد معه ‪ ،‬سيجًن‬
‫تسعة سنوات‪ ،‬ثم أيعدًـ حرقا‪ ،‬ايعيد له االعتبار في أكاخر القرف العشرين‪ .‬كعلى فكرة كثيركف ممن ايحرقوا في اكركبا‬
‫الكاثوليكية تيقاـ لهم االف في ركما نيصيب تذكارية‪ ،‬يضربوف لهم تعظيم سبلـ كباألمس احرقوهم‪ .‬كبيػن مزدكجين انا‬
‫اقوؿ‪ " :‬جميل جدا اف تدرس كمسلم تاريخ اآلخرين‪ ،‬نحن بشر بيننا مشابه كثيرة جدا‪ ،‬فحين تدرس تاريخ األفكار‬
‫كتطورها كمصائرها ك مًحىن األفكار كالمفكرين ‪ ،‬على األقل ممكن تيكوًٌف معالم رؤية لما ينبغي اف تتصرؼ حياله كيف‬

‫‪21‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫يكوف‪ ،‬ال تكرر حماقات اآلخرين‪ ،‬كعلى فكرة يبدك اننا ننخرط في تكرارها اآلف في طريقة مشابهة الى حد الفت‪.‬‬
‫فالكشوؼ الجغرافية اثارت مشاكل جديدة‪ ،‬العلم الحديث ( نيكوالس كوبانيكوس) ضربة قاضية كانت‪ ،‬األرض مركز‬
‫الكوف‪ ،‬كاألرض فيها تجسٌد الرٌب في المسيح عليه السبلـ‪ ،‬قاؿ ( نيكوالس كوبانيكوس)‪ :‬هذا األمر غير صحيح‪،‬‬
‫باألدلة كالحسابات الشمس مركز الكوف‪ ،‬فنتقلنا الى نظرية مركزية الشمس بدال من نظرية مركزية األرض‪ .‬كفيما بعد‬
‫عرفنا انه اصبح كبلما فارغا فبل الشمس كال األرض مركزا الكوف‪ .‬كطبعا لم ييشهىر كتابه اال بعد كفاته‪ ،‬تأثر به العالم‬
‫التجريبي الكبير(جاليليو جاليليه) عندما قرأ هذق النظرية‪ ،‬ألٌػف كتابه في ثبلثة اجزاء حًوار حوؿ النظامين الكونيين‪ ،‬كلكن‬
‫الكنيسة لم يخفى عليها ذلك‪ ،‬كاضح انه متعاطف كانه يتيح للقراء اإلطبلع على حجج النظاـ الجديد كهذا ال يجوز‪،‬‬
‫استغواء للعقل هذا كمخادعة‪ .‬مثلما حصل عند المسلمين‪ ،‬أم شيء مخالف اسمه بدعػػػػػػة! ممنوع نشر البدعة ممنوع‬
‫محاكرة البدعة‪ ،‬ممنوع الرد على المبتدعة فأنت لو ردٌيت عليهم فقد عملت لهم شيهرة‪.‬‬
‫من أراد اف يتعاطى مع عالم األفكار عليه اكال بكل تواضع اف يعلم كيف يعمل عالم األفكار‪ ،‬ال تخلق عالما خياال من‬
‫عندؾ كتظن انه يمكنك اف تهندس افكار الجماهير‪ ،‬ال احد يستطيع اف ييهندس افكار الجماهير‪ ،‬كتضع لي آليات‬
‫معينة‪ ،‬أحرؽ الكتب احرؽ المفكرين احرؽ من طبعها ‪ ..‬كله كبلـ فارغ كله يعيش كله يبقى‪ ،‬كيبقي آثارق‪ ،‬هذق‬
‫ت سابقا‪ :‬لماذا يصًركف اف يفعلوا هذا‪ ،‬في الشرؽ كفي الغرب كفي اكركبا كفي العالم‬ ‫خطوات انتحارية دائما‪ ..‬ككما ذكر ي‬
‫االسبلمي‪ ،‬إنها شهوة السيٌلطة ‪ ..‬هؤالء يكونوف صعاليك‪ .‬اماـ قضية الحق كالباطل ال يوجد موقع لي اك لك‪ ،‬اترؾ‬
‫الحق يا اخي‪ ،‬اترؾ الحق يصطدـ مع الباطل‪ ،‬لكن ال يريد‪ ،‬يريد اف يمارس السيٌلطة يريد ييعدًـ كيقطع الرقاب كيحرًؽ‬
‫كيمنع كيضع قائمة بالكتب المحرمة ‪ .‬أحسػػػػػػػػن شيء في اكركيا خىدىـ الكتاب ك خدـ الهراطقة كالمبلحدة كالمجدًٌفين‬
‫قػػػػػػػػػػػػػائمة الكتب الممنوعة!‪ .‬فأحب شيء الى المرأ ما مينًع‪ ،‬فقط يكفي اف تمنع الناس عن شيء يثير حمٌية البحث‬
‫عنه‪ ،‬كحمٌية االعتقاد انه قوميٌ ال ييقهىر ‪ ..‬هذا غبػػاء‪ ،‬ال تعطي الناس انطباعا عن الحماقات أنها ال تيقهىر‪.‬‬
‫ايضا من ضمن األسباب التي ساعدت النزعات الشكوكية كاإللحادية هي حرب الثبلثين عاما كهي النزاع بين الكاتوليك‬
‫كالبركتستانت‪ ،‬التي تورط فيها كسط اكركبا ثم شمىلت دكال اخرل‪ ،‬كبريطانيا نجىت منها ‪ ،‬ثم بعد ذلك انتهت الى نزاع‬
‫سياسي حرب متصلة ثبلثوف سنة مئات المعارؾ في بعض الببلد مات ثلث سكانها كفي بعضها ثلثا سكانها‪ ،‬دمػػار‬
‫كامل بإسم الدين‪ ،‬فالناس حين رأكا هذا مػليٌوا كصار يوجد نوع من التعزيز كالدعم الرافض للدين حتى لئلله نفسه نزعى‬
‫إلحادية بسبب كيبلت الدين التي جرها الدين كالمتدينوف‪ .‬كسأقوؿ نصيحة إلخوانا المسلمين حوؿ العالم‪ ( :‬اتقوؿ اهلل‬
‫في األمة‪ ،‬ال تكونوا سبب فتنة‪ ،‬ال تيؤرًٌثوا نيراف األحقاد )‪ ،‬كنت اتساءؿ اليوـ‪ :‬رجل يعمل كيحترؽ ضد نفسه كضد‬
‫مصالح نفسه من اجل أف ال تحترب األمة ك أف ال تتمزٌؽ أف ال تتفجر هذق األمة ك رجل كهذا ييحارب حربا شعواء ‪ ،‬كفي‬
‫المقابل سبحاف اهلل ييضرىب تعظيم سبلـ لمن يعملوف على تمزيق األمة كتفجير كل األلغاـ في األمة ‪ > ..‬هؤالء‬
‫مشائخ على مذهب السنة كعلى مذهب كذ‪ ،‬ك موقٌركف كطيبوف! ‪ ..‬قلت‪ :‬كاهلل العظيم حماقة نعيشها كاقسم باهلل‬
‫ييسجلها التاريخ اآلف كسيسجلها فيما بعد ! لكن اف شاء اهلل الشباب الواعي اليقًظ يحوؿ دكف هذق الكارثة‪..‬‬
‫بعد اف مات (جاليليو جاليليه) جاء ( اسحاؽ نيوتن ) مباشرة‪ ..‬نيوتن كاف شيئا متفردا‪ ،‬كاف هرـ من العلم‪ ،‬الحظ أف‬
‫(رينيه ديكارت) طىمىحى الى االحاطة بعلم شمولي‪ ،‬كيعني‪ :‬انه العلم الذم يفسًٌر كل شيء‪ ،‬كهو في منظور (ديكارت)‬
‫هو الرياضيات‪ ،‬كنيوتن يحرتم الرياضيات فهو عالم فيزيائي متمكن‪ ،‬لكنه قاؿ‪ :‬ال‪ ،‬الرياضيات ليس علما شموليا فهو‬
‫علم تحصيلي تحليلي في األخير‪ ،‬الميكانيكا علم شمولي كالميكانيكا تتوسل الرياضيات‪ ،‬الرياضيات آلة من آالتها‪ .‬لكن‬
‫اآلف حدث افتراؽ جديد كهو اف نيوتن أكٌد على أف الطبيعة ليست صامتة‪ ،‬الطبيعة تستطيع – كهي مخلوقة لذلك ك‬
‫الئقة – اف تيخبرىنا الكثير الكثير عن الرب‪ .‬باألحرل اراد أف يقوؿ لنا نيوتن – ككأنه في األخير فعل هذا ‪ : -‬أف ماال‬
‫تخبرنا بها الطبيعة عن اهلل ال حاجة لنا بها‪ ،‬مع انه كاف يوقٌر الكتاب المقدىٌس كيقرؤق‪ ،‬كله بعض الرسائل البلهوتية‬
‫ايضا!‪ ،‬لكن الهوته كاف الهوتا علميا – اف جاز التعبير – فأكٌد خبلفا للنزعة المدرسية الوسيطة اف الطبيعة تخبرنا عن‬

‫‪22‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫اهلل‪ ،‬كمن ضمن ماتخبرنا به أنه أزىلي ك أنه ال نهائي ابدم‪ ،‬كانه كلي القدرة‪ ،‬ككلي العلم ك كلي المشيئة‪ ،‬ك كلي الحضور‪.‬‬
‫لكن لؤلسف النموذج الذم قدىٌمه اسحاؽ نيوتن كمن سار في طريقه الصورة التي قدمها هلل تبارؾ كتعالى‪ ،‬صورة‬
‫ميكانيكية‪ ،‬كأنه صانع آلة عظيمة اسمها الكوف‪ ،‬آلة كفؤة‪ ،‬تعمل بدقة ليست متناهية ‪ ،‬صنعها ثم تركهىػػػػػػا ‪ ..‬اذف‬
‫فقد دخلنا في (نفي العناية اإللهية)‪ ،‬ككل هذا يساعد كيبني منظورا جديدا لئليماف اسمه < المنظور الربوبي > معناق‬
‫‪ :‬اف اهلل ييؤمىن به كخالق‪ ،‬لكن ال ييؤمن به كمشرًٌع كمعبود كمعتنو بهذا الكوف‪ .‬كهذا اقربا الى إله (ارسطو) ‪ ،‬منظور‬
‫ليس الحاديا‪ ،‬كما الحظت (كارف ارمستركنغ) كقالت‪ :‬الربوبيوف كانو متحمٌسينجدا لئليماف‪ ،‬بل كانوا مهوكسين‬
‫باإليماف‪ ،‬ماكانوا مبلحدة‪ ،‬غير صحيح‪ ..‬بل على العكس انهم يؤمنوف ايمانا عميقا بوجود اإلله كخالق كمبدع للوجود‬
‫كلقوانين الوجود‪ ،‬كهذا مهم فيما قدىٌمه اسحاؽ نيوتن الذم قاؿ" اهلل مبدع قوانين الوجود"‪ ،‬كعلى فكرة‪ ،‬هذق الفكرة‬
‫النيوتونية لم ييصرًٌح بها في كتبه‪ ،‬صرىٌح بها في رسائله الى (ريتشارد بنتلي) عالم الكبلسيكيات اإلنجليزم كاحد مشاهير‬
‫العصر ك صديقه‪ ،‬كهذق الرسائل من اهم الوثائق التي تيطلعنا على كيفية ايماف اسحاؽ نيوتن الذم كتب في رسالته‬
‫يقوؿ‪ " :‬ليت شعرم هل الطبيعة اك الصدفة هي التي ادركت اف هناؾ شيء اسمه الضوء ك ادركت كيف ينحرؼ‬
‫ق هذق القوانين؟"‪ .‬يتساءؿ كيضرب انماطا من‬ ‫كينكسر هذا الضوء‪ ،‬ككيىٌفت عيوف الفراش كاإلنساف كالنحل كالنمل كًف ى‬
‫هذا التساؤؿ الذكي‪ ..‬كهو غير صحيح ‪ ،‬ليست الطبيعة كليس صدفة‪ ،‬هو الذم اذكى من كل هذق األشياء‪ ،‬بمعنى‬
‫انه الرىٌب الخالق‪ .‬كعلى فكرة الداركانيوف كالجدد ايضا قد يظنوف اف لديهم جوابا نهائيا‪ ،‬كهذا غير صحيح‪ .‬فكرة من‬
‫الذم قنىٌن القوانين‪ ،‬الى اليوـ تطرح نفسها بقوة متجددة في العلوـ الطبيعية كخاصة في الفيزياء كالكوزمولوجيا‪ .‬كال‬
‫يوجد جواب فلسفي‪ ،‬كسنرل فيما بعد اف شاءاهلل‪ ،‬كسوؼ نناقش كال يوجد جواب على هذا التساؤؿ‪ ،‬إال بػمناظير‬
‫معينة شكوكية كبعضها عىدىميٌة‪ ،‬أنا اسميها عدمية مثل منظور (ديفيد هيوـ) كمثل منظور كثييير من المبلحدة الجدد‬
‫الذين انكركا – تبعا لػ هيوـ – قاكنية القانوف‪ ،‬اليوجد قانوف طبيعي قانوف علمي‪ ،‬كلها تكيفات عقلية‪ ،‬في الخارج ك‬
‫نفس األمر ال يوجد شيء اسمه قانوف علمي اصبل‪ ،‬هذق صًيىغ عقلية كهمية لمحاكلة تفسير الطبيعة‪ .‬كهذق نظرية‬
‫عدمية‪ ،‬كهذق النظرية ال تضرب برهاف اإليماف بقدر ماتضرب صدقيات العلم‪ ،‬صدقيات العقل ذاته! فإذا الغيت‬
‫صدقية العقل فهذا اسميه انتحار العقل‪ ..‬ككاف نيوتن يفهم انه توجد قوانين كظيفة العقل الكشف عنها كصياغتها‬
‫رياضيا كليس ايجادها‪ ،‬العقلبل ييوجًد القوانين بل يكتشف ك يصوغها اما انه يخلقها يخترعها فهو ال يستطيع‪ ،‬ألف‬
‫الكوف يسير بها كهو مضموف بها ميحكى يم بها‪ ،‬كاكتشاؼ هذق القوانين كصياغتها هما اللذاف ييمكًٌناف من التنبؤ أف اعرؼ‬
‫ماذا سيحصل غدا كبعد غد !‪ ( .‬بيير الببلس) الذم كاف عاصًرا لنابليوف بونابارت‪ ،‬كاف عالما كبيرا جدا في الميكانيكا‬
‫كالفلك كالرياضيات ككاف عالما ذكيا كاستفاد من علم نيوتن‪ ،‬كخالفه في اشياء كخاصة في المنظور االيماني‪ ،‬زارق مرة‬
‫نابليوف اعتقد عاـ ‪ 1805‬ـ ذهب اليه في بيته يزكرق‪ ،‬كاف (الببلس) عندق كتاب في علم الفلك‪ ،‬كاف يشرح‬
‫لنابليوف عن الكوف كصفاته المدهشة كانضباطه الحكيم ‪ ..‬الخ‪ ،‬فصاح فيه نابليوف سائبل‪ " :‬مىن صنىع هػػذا كػػله؟ "‬
‫فكاف رد (الببلس)‪ " :‬هذق الفرضية ال حاجة لي بها أم انه اليحتاج اف يقوؿ انه اهلل‪ .‬فكاف عند (الببلس) منظور‬
‫طبيعي‪ ،‬عكس نيوتن مع انه لم يرل انه هناؾ داعو لطرح سؤاؿ ( من الذم قنىٌن القانوف) ‪ ..‬فكاف عند (الببلس)‬
‫منظور طبيعي كصيدفي أم اف الكوف كوٌف نفسه بنفسه ك رتب نفسه بنفسه الى اف اصبح ماعليه اآلف‪ ..‬كهػػػذا غير‬
‫صحيح طبعا‪ ،‬اآلف في العلم الحديث مستحيل اف يكوف هذا صحيحا في العلم المعاصر خاصة في الكوزمولوجيا‪ ،‬أما‬
‫نيوتن طرح سؤاال كالى اليوـ ال يزاؿ ييطرىح‪ ،‬كاحسن من يطرحه االف عالم الرياضيات التطبيقية ( بوؿ ديفيس )‪ .‬لكن‬
‫توجد مشكلة اآلف غير ما يشي بالعناية اإللهية‪ ،‬كهي اف الطريقة النيوتينية كمن سار في مسارهم جعلوا البلهوت تحت‬
‫رحمة العػػلم المتطور المتحرؾ الذم يغير فركضه ك ييغير براهينه ك يغير مناهجه ايضا!‪ ،‬ألنهم بلوىركا أك صاغو صورة‬
‫هزٌ ايماف الناس‬ ‫علمية للػػػه‪ .‬كسنرل البلكازـ كماهي التضمينات ايضا كالتوابع لهذق الصورة العلمية هلل‪ ،‬هذق سوؼ ت ي‬

‫‪23‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫باهلل ك عما قريب‪ ،‬فما هي التضمينات كماهي البلكازـ كماهي التوابع كالعواقب لهذا ‪ ..‬هذا ماسنعرض له بحوؿ اهلل‬
‫تعالى في الحلقة المقبلة فإلى ذلكم استودعكم اهلل كالسبلـ عليكم كرحمة اهلل تعالى كبركاته ‪.‬‬

‫‪24‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫الحلقة الرابعة‬

‫اعوذ باهلل السميع العليم من الشيطاف الرجيم‬


‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫كالحمدهلل كالصبلة كالسبلـ على رسوؿ اهلل كعلى آله كصحبه كمن كاالق‬
‫‪ ..‬سبحانك العلم لنا اال ماعلمتنا إنك أنت العليم الحكيم‪ ،‬اللهم علمنا ماينفعنا كانفعنا بما علمتنا علمتنا ك زًدنا علمان‬
‫‪ :‬أما بعد‬

‫السبلـ عليكم كرحمة اهلل تعالى كبركاته‪،‬‬

‫توقفنا في الحلقة الثالثة عند النموذج النيوتني كهو النموذج االلي الميكانيكي في تفسير الكوف‪ ،‬حيث انتهى اسحاؽ‬
‫نيوتن إلى أف الطبيعة تستطيع اف تخبرنا الكثيػػػػػػػػػر عن اهلل‪ .‬كما أنه (نيوتن) كاف يؤمن ببساطة العقيدة ك كضوحها‪،‬‬
‫كيكرق األسرار الدينية‪ ،‬لذلك اشتبه على بعضهم ك عدىٌقي ربوبيا‪ ،‬كليس بعيدا اف يعىد كذلك على انه يؤمن بالكتاب‬
‫‪.‬المقدىٌس كييدافع عنه‬

‫مالخطػػػػػػػػر الذم قاـ بها اسحاؽ نيوتن‪ ،‬كتأسس عليها ك كفاقان لها الهوت علمي جديد‪ ،‬أم لها اسس علمية كليست‬
‫!اسس عقلية محض اك فلسفية صًرؼ ؟‬
‫الخطػػػػػر يبريز اذا ادركنا اف هذا البلهوت العلمي قد اعاد تعريف اإللػػه اك اهلل عندهم‪ ،‬بحيث اختزله في حقيقة مفاهيمية؛‬
‫مفهومية هذق الحقيقة تستند على استنتاجات كنظريات كاستخبلصات علميػػػػػػػػػػػػة‪ ،‬لكن طبيعة العلم متحركة متر ًقٌية‬
‫‪.‬احيانا متناسخة‪ ،‬اليوـ النظرية مختلفة كقد تكوف مختلفة تمػػػػػػػػػػاما‪ ،‬فبل ندرم‬
‫كمن جهة ثانية‪ ،‬انموذج النيوتني في تصوير العالم كبالتالي في استخبلص صفات الرٌب اك الصانع اك الخالق‪ ،‬هذا النموذج‬
‫دىعىم التصور المعركؼ إللػػه الفجػػوات‪ ،‬كالى اليوـ مفهوـ الفجوات يتعاطى معه قاموس اإللحػػادم‪ ،‬كباختصار إله الفجوات‬
‫يعني شيئا‪ ،‬كاالف مع نيوتن يعني شيئا آخر‪ ،‬يعني صار يعني شيئين‪ .‬كهذا ليس في صالح التصور البلهوتي الذم يريد‬
‫‪.‬أف يتشبٌث الى آخر المشوار بوجود اهلل تبارؾ كتعالى كحضورق الدائم‬

‫المفهوـ الذم كاف معركفا إلله الفجوات أننا نيسنًد الى اله تبارؾ كتعالى عن طريق التفسير كالتعليل كل ماال نجد له‬
‫تفسيرا كتعليبلن‪ ،‬ظاهرة نستطيع اف نعللها بعللها ( يحدث هذا من اجل هذا‪ ..‬لكن لماذا يحدث هذا؟ هذا غير مفهوـ‪،‬‬
‫ألف اهلل يريد هذا)‪ ،‬اضفء المعنى‪ ،‬خلع المعنى على ما ال نرل معنى له‪ ،‬يدخل في مفهوـ إله الفجوات‪ ،‬على حد ما قاؿ‬
‫(جاف بوؿ سارتر) الفيلسوؼ الوجودم الملحد في القرف العشرين‪ " :‬يبدك أف في ذهنً اإلنساف ثقبان‪ ،‬يمكن اف ندعوق‬
‫ب اهلل‪ ،‬هذا الثٌقب هو الذم حىمىل اإلنساف عبر العصور على اف يتشبٌث بمفهوـ اهلل ك كجود اهلل من أجل اف يضف ىي‬ ‫ثق ى‬
‫المعنى على عالم ك كجود ال معنى له "‪ .‬يحاكؿ اإلنساف‪ ،‬ال يستطيع اف يتعايش مع عدمية المعنى‪ ،‬مع عالم ال معنى له‪،‬‬
‫‪.‬ال معنى فيه‪ ،‬المعنى من كراءق‪ ،‬فييريد اف يخلق معنى عن طريق التشبٌث بمفهوـ اهلل‬

‫‪25‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫نيوتن اضاؼ معن نى جديدا لمفهوـ إله الفجوات‪ ،‬تبنى نيوتن المنظور اآللية الميكانيكية للعالم‪ ،‬ك رأل اف العالم بمثاية‬
‫نظاـ متكافل متآزر متناغم متراسل؛ اشبه مايكوف ساعة دقيقة الصنع محكمة التركيب كاضحة الهدفية كالغاية منها‪،‬‬
‫فإذا ما ميلًئىت راحت تعمل من تلقائها بذاتها بعيدا عن صانعها‪ ،‬قد يحدث نوع من التأخير نوع من عدـ الدقة في‬
‫عملها‪ ،‬فيضطر يتدخل صانعها لكي يعيد التوقيت‪ .‬نيوتن الحظ في بعض القضايا كخاصة في عالم السماكات‬
‫الميكانيكا السماكية‪ ،‬ليست كما ينبغي‪ ،‬ال تتفق تماما مع الحسابات بعض الشذكذات في حركة بعض األجراـ‬
‫السماكية‪ ،‬تبدأ كشذكذ بسيط كيسير جدا‪ ،‬لكن هناؾ التراكم فإذا تراكم هذا البد اف يستحيل بعد مئات السنين‬
‫ألوؼ السنين الى خلل كاضح‪ ،‬ال يسوغي معه استمرار النظاـ الكوني على ماهو عليه‪ ،‬يقوؿ اسحاؽ نيوتن‪ " :‬هنػػػػػػػػػا يرل‬
‫الرٌب نفسه مدعونا اف يتدخل إلعادة البرمجة لييصلح هذا الخطأ" اذف ايضا هو إله فجوات‪ ،‬يعني كل ماقدٌمهي البلهوت‬
‫العلمي النيوتني هو ربما توسيع معنى إله الفجوات‪ .‬كهذا شيء خطير من حيث انه اذا جاز للعلم في يوـ من األياـ –‬
‫كقد زعم (الببلس) اف هذا قد كقع ك حىصىل‪ -‬اذا جاز للعلم اف يتقدـ بحيث ييعطي تفسيرا جديدا لهذق األشياء بحيث‬
‫‪!.‬ال تظهر مثل هذق الشذكذات‪ ،‬اذف سنستغني عن تدخل اهلل‬

‫طىر لي اليوـ ‪ :‬أريد اف اكشف عن الجذكر العقبلنية كالفلسفية لهذا لبلهوت العلمي النيوتني –‬ ‫أريد اف اكشف هنا بما خ ى‬
‫في ظني – الجذكر البعيدة تمت في المدرسية الوسطية‪ ،‬أم محاكلة عقلنة الدين‪ ،‬نيعطي دكرا اضافيا للعقل كإف لم‬
‫يكن امتيازيان‪ ،‬هذق بداية‪ .‬مع اف (رينيه ديكارت) المتوفٌى سنة ‪ 1650‬ـ في القرف السابع عشر ابو العقبلنية الميحدىثة‬
‫قاؿ باالستقطاب‪ ،‬استقطاب عالم الطبيعة بإزاء ماكراء الطبيعة‪ ،‬الركح ‪ ،‬كالنفس ‪ ..‬الدين‪ ،‬كالفلسفة ‪ ..‬كرأل (رينيه‬
‫ديكارت) – طبعا األصل مع (توـ األكويني) الذم تأثىر بإبن ريشد القائل بإزدكاجية الحقيقة مع انه طعن فيه كاعتبرق‬
‫طرىٌ اف يتتلمذ على افكارق (لؤلسف هذق طريقة النفوس الغير ذات‬ ‫كافرا ك زنديقا من باب الشعور بالمرارة‪ ،‬ألنه اض ي‬
‫المصداقية كغير سوية تمامػػا) – الثنائية في الفكر الغربي اكؿ ماتبلور بشكل كاضح مع (رينيه ديكارت) كالى اليوـ لم‬
‫يتخلص الفكر الغربي تماما من هذق الثنائية الصارخة بطريقة استقطابية‪ ،‬فالفلسفة اك العقل عالم كمجاؿ بحياله‪ ،‬الدين‬
‫ل (ديكارت) القوؿ بالخوارؽ كحتى المعجزات‪ .‬معناها غير عقبلنية بحسب‬ ‫ك الوحي عالم كمجاؿ بحياله‪ ،‬كلذلك قىبً ى‬
‫منظورهم‪ ،‬قاؿ ألنها ال تنتمي لمجاؿ العقل‪ ،‬بل تنتمي الى مجاؿ الوحي كالخبر‪ ،‬هذا له قوانينه الضابطة كحدها على ًحدىا‬
‫‪ .‬التوجد مشكلة اقبله بهذا المعنى‪ ،‬لكن اذا اردت اف ايحاك ىم يه معنى هذا انها خطوة خطيرة‪ ،‬اتعرفوف لماذا؟ في‬
‫الخطوة المتقدمة سوؼ نرل اف هذق االستقطابية كهذا الفصل غير مبرٌر‪ ،‬فنعمل على التوحيد كالدمج‪ ،‬فييصبًح الموضوع‬
‫خطير‪ ،‬لمن ستكوف الحظوة كاألكلوية؟ في السياؽ الغربي كاضح انها ستكوف للعقل‪ ،‬سيتراجع الدين‪ ،‬سييشذٌب في‬
‫البداية‪ ،‬سييهذٌب‪ ،‬في األخير ربما سييػػػػػنفػػى كييلقػػى به ! ‪ .‬الديكارتيوف العًظاـ (مًل براينش)‪( ،‬اليب يتس)‪ ،‬ك(باركخ‬
‫‪.‬اسبينوزا) هؤالء اشهر الديكارتيين‬
‫مًل براينش) كاف كفيٌان الى هذق الثنائية‪ ،‬ك(اليب يتس) ايضا‪ ،‬أما (باركخ اسبينوزا) مع انه من خارجي عباءة (‬
‫(ديكارت) فقد اختلػػف‪ ،‬كاف اكثر جراءة من هؤالء الديكارتيين بل اكثر جراءة من (ديكارت) نفسه‪ ،‬كاستطاع اف‬
‫يخطوة الخطوة التي لم يجرؤ (ديكارت) اف يخطوها ‪ .‬طبعا ( بليز باسكاؿ) ككاف مؤمنا متنورا‪ ،‬كبحماس ليس بهوس‬
‫كلكن بحماس‪ ،‬كتب يقوؿ‪ " :‬لم اغفر لػ(ديكارت) فعلته‪ ،‬فقد كاف يسعى في كل فلسفته الى اف يستغني عن اهلل‬
‫تبارؾ كتعالى"‪ ،‬عكس ماييصوًٌر للناس ‪ ،‬ثم يستثني (باسكاؿ) قائبل‪ " :‬على أنه لما لم يكن قادرا على البى ٍو ًح بهذا‬
‫الغرض‪ ،‬اكتفى بأف ييسند الى الرٌب كظيفة النقر باألصبىع من أجل تحريك الكوف‪ ،‬كبعد اذف استغنى عنه كلم يىعيد بحاجة‬
‫اليه "‪ .‬هذا الفهم العميق جدا من العالم كالمخترع كالفيلسوؼ كالمتألًٌه ( بليز باسكاؿ) فعبل كجد مصداقهي تماما‪ ،‬يعني‬
‫هذق نهاية المشركع الديكارتي‪ ،‬كما تنبأ بها ( بليز باسكاؿ) بذكاء منقطع النظير‪ ،‬فعبل كجدت ترجمتها في الفيزياء‬
‫كالميكانيكا النيوتينية تماما!‪ .‬نيوتن زاد على ذلك بأف نجعل له عبلقة التدخل بين الحين كاآلخر من أجل اصبلح‬

‫‪26‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫الشذكذات المتراكمة‪ ،‬يأتي (بيير الببلس) كيقوؿ ال‪ ،‬هذق الشذكذ غير موجودة‪ ،‬اذف نحن لم نعد نحتاج الى تدخل اإلله‪،‬‬
‫(الببلس) يبدك انه كاف ملحدا اليؤمن اصبل بوجود اإلله‪ ،‬كيقوؿ‪ " :‬لو استطعنا اف نعرؼ كل المعلومات المتعلقة‬
‫(نفترض الكوف في لحظته األكلى) فإننا نستطيع اف نعرؼ أم شيء عن أم شيء الى نهاية األمر"‪ .‬أم كاف يعني‪ :‬اف‬
‫المساءؿ محسوبة كلها كتعمل بآلية منضبطة ك دقيقة‪ ،‬الحاجة الى اإلله ال مبتدءنا كال توسٌطا كال انتهاءنا !‪ .‬هذا الذم‬
‫‪.‬اثار فضولي كنظرم أف (باسكاؿ) تنبٌأ بهذا المصير‬

‫الخطوة التي خطاها (باركخ اسبينوزا) ككاف اكثر عقبلنية من ديكارت ذاته‪ ،‬هو أنه تخلى عن هذق الثنائية‪ ،‬كآمن‬
‫بالواحدية بطريقة حلولية‪ ،‬أم بمعنى اف اهلل ليس شخصا يقبع خارج هذا العالم‪ ،‬اهلل كالكوف نسيج كاحد‪ ،‬هذق الركح‬
‫السارية ك الحاكمة في الوجود هي اهلل‪ .‬طبعػػا سيعترض احدكم كيقوؿ لي ال انا قرأت رسالة البلهوت كالسياسة اك‬
‫الرسالة في البلهوت‪ ،‬ك(باركخ اسبينوزا) في اكؿ رسالته يػػػؤكٌد الثنائية‪ ،‬كيقوؿ‪ " :‬الدين له مجاله‪ ،‬كالفلسفة – التي‬
‫كانت تعني في كقتهم‪ :‬العقل‪+‬العلم – لها مجالها‪ ،‬كينبغي اف ييحتفظ لكل مجاؿ بإختصاصاته كامتيازاته "‪ .‬هذا حل‬
‫توفيقي‪ ،‬يبدك أنها خطور مقنىٌعة من (باركخ اسبينوزا) تحت ضغط المجتمع كالعصر‪ ،‬كانت تمضي بعيدا في كتابه تجد‬
‫انه يعطي األكلوية تقريبا للعقل على الدين‪ ،‬للفلسفة على الوحي‪ .‬كبتعبير فيلسوؼ مصر (حسن حنفي) ‪ -‬كهو مترجم‬
‫لهذق الرسالة‪ -‬يقوؿ‪" :‬األلغاـ التي زرعها (باركخ اسبينوزا) في عصرق انفجرت فيما بعد كال تزاؿ تنفجر الى اليوـ في‬
‫عصرنا هذا"‪ .‬عبىٌر عنها باأللغاـ ألف (باركخ اسبينوزا) كاف مقنعان كيسير متخفيان‪ ،‬لو جاهر بكل مايعتقد لكاف سيقتل‬
‫‪.‬مباشرةن‪ .‬من هنا خطورة هذا المشركع الجديد مشركع البلهوت العلمي النيوتني‬

‫في العصر نفسه ايضا بدأف نرل الصعود في الفكر التجريبي‪ ،‬كالفلسفة التجريبية‪ ،‬كفلسفة أثرت على الكثيرين‪ ،‬هذق‬
‫> )الفلسفة اتخذت المنظور المادم‪ ،‬فطرية األفكار التي اثبتها كحاكؿ اف يبرهنها على طريقته كأخطأ (رينيه ديكارت‬
‫كي ًفىر بها اآلف‪ ،‬مع (جوف لوؾ) اإلنجليزم كهو مفكر كبير‪ ،‬كفيلسوؼ سياسة كهو اكبر فيلسوؼ استيميلوجي‪ ،‬بعضهم‬
‫يعديٌق المؤسس لئلبستيميلوجيا الحديثة‪ ،‬في رسالته الشهيرة جدا المعركفة‪ ،‬قاؿ‪ " :‬أف اإلنساف يولد صفحة فارغة‪،‬‬
‫ليس عندق افكار فطرية كال غير فطرية‪ ،‬كالحواس هي منفذق الى هذا العالم"‪ .‬فهذق فلسفة تنحو نحو المادية التؤمن‬
‫بشيء سابق اك بشيء له مصدر مخالف لما في عالم الطبيعة‪( ،‬توماس هوبس) ‪-‬البركتستانتي كالفيلسوؼ السياسي‬
‫االنجليزم الشهير صاحب التنين – عمٌم النظرة المادية على كل شيء‪ ،‬حتى على العواطف كعلى العقل االنساني ( الذم‬
‫‪.‬تخيله توماس كأنه زمبركات كاشياء تعمل بطريقة النبض كالضغط)‪ .‬منظور مػػػػػػادم جاؼ كغليظ‬

‫رأينا بعض كبار رجاؿ الدين يتخففوف من الدين بل ينتموف الى اإللحاد‪ ،‬مثل (جاف ميسلًم) – الذم كاف رجل دين كبيرا‬
‫كمشهوران ك كصل الى يرتىب عالية ك خىدىـ الملوؾ‪ ،‬ككاف كميربٌي ك كواعًظ‪ -‬كلكنه في آخر حياته انطوىل على الحػػػػػاد‪،‬‬
‫شرىت مجموعة من اعماله فعػػػػػػػػبل تيعبٌر عن الحاد صريح ‪ ،‬بعض بواعثه ايها االخوة هو النفور من رجاؿ‬ ‫فحين توفي ين ً‬
‫الدين‪ ،‬كمن استخدامهم المهين جدا جدا للدين كللكلمات المقدسة ألجل منافعهم كمصالحهم ك حيثياتهم‪ ،‬لكن عندق‬
‫‪.‬اسباب فلسفية كعقلية‬

‫مع (ديفيد هيوـ) االسكتلندم سًرنا بإزاء نظرية معرفية شكوكية‪ ،‬تعتمد التجريب اك التجريب اساسا‪( ،‬ديفيد هيوـ)‬
‫فيلسوؼ تجريبي حسي‪ ،‬شكٌك حتى في مفهوـ السببية ذاته‪ ،‬ك انكر مفهوـ الضركرة ضمن هذا المبدأ‪ ،‬ك عوىٌؿ على‬
‫الحس كالتجربة تعويبل كبيرا‪ ،‬بمعنى انه افقد كل البلهوت الطبيعي كالبلهوت العلمي ايضا أم اساس ميتافيزيقي يدٌعي‬
‫االستناد اليه‪ .‬كهذا انعطاؼ الى ما يخدـ اإللحاد‪ .‬سار في خطى (ديفيد هيوـ) الفيلسوؼ األماني النقدم‬

‫‪27‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫الكبير(كانت) صاحب المقولة الشهيرة‪ ":‬هيوـ انقذني من سباتي الديٌجماطيقي"‪ ،‬مشركع (كانت) مشركع كبير كعميق‬
‫يمكن اف نلخصه في كلمات " يرل اف بنية العقل االنساني متكيفة بطريقة معينة بحيث ال تستطيع اف تتعاطى إال‬
‫مع ظواهر الوجود" ‪ .‬كهذا شيء خطير ألف هذق ايضا ك بضربة كاحدة يينهي كل مشركعية ك مصداقية للميتافيزيقا‪،‬‬
‫الميتافيزيقا تدٌعي انها تبحث في الماهيات في الجواهر‪ ،‬كهو (كانت) يقوؿ عنها انها مستحيػػػػػػػػل في كتابه ( نقد‬
‫العقل الخالص)‪ ،‬ككما عرفنا انه قد ىفشًلى فشبل كاضحا أف ييفرٌؽ بين المعقوالت الفلسفية كالمعقوالت المنطقية‪ ،‬كهذا‬
‫خطؤق القاتل ! كهي اضعف نقطه في مشركعه ‪ .‬فػ (كانت) حين بحث عن المعرفة قاؿ اف عقلنا فقط يتعاطي مع‬
‫األشياء في ظاهرها‪ ،‬األشياء في ذكاتها في حقيقتها ال سبيل في الوصوؿ اليها‪ ..‬فانتهى (كانت) الى أنه من‬
‫المستحيػػػػل اثبتا كجود الذات اإللهية عقػػػبلن‪ ،‬إال انه يؤمن باهلل كلكن ليس على اسس عقلية إلعتبارات اخبلقية‬
‫كعملية‪ ،‬في احدل المرات بيدك اف خادمه الوف ٌي الذم را ىعهي كارؾ اف (كانت) يبدك انه ال يؤمن باهلل‪ ،‬فقاؿ ( كانت)‬
‫لخادمه‪ ":‬احيانا نقوـ بكسر الدكمينو لنتيح مجاال لئليماف "‪ .‬في عاـ ‪ 1989‬ـ اشتعلت الثورة الفرنسية‪ ،‬حرية‪ ،‬إخاء‪،‬‬
‫مساكاة‪ ،‬هذق الثورة كانت في جوق كاضح لها ثورة على الدين كعلى الكنيسة كعلى المؤسسات الدينية كعلى القداسة‬
‫كالقدسيين‪ ..‬انتج عن الثورة الفرنسية االرهاب كحقوؽ االنساف‪ ،‬القائد الثورم الكبير (ايبير) اعلن مباشرة عبػػػادة‬
‫العقل‪ ،‬ك توٌج آلهة العقل في مذبح كاتدرائية نوترداـ في مكاف اإلله يسوع المصلوب‪ ،‬كالغى القدٌاس كاعطى اإلذف‬
‫بنهب الكنائس‪ ،‬كتعطلت عن اعمالها‪ ،‬كبعض رجاؿ الدين نيفوا كبعضهم في االقامة الجبرية كبعضهم يقتًل‪ ..‬ثم أتى‬
‫بعدق مباشرة بفترة بسيطة جدا الطاغية الكبير (ركبػًسبير) المحامي ‪ ،‬محامي الثورة محا وـ ناجح لكنه طاغيػػة أتى كقاد‬
‫(ايبير) الى المقصلة مباشرة ك أعلن عبػػادة القدرة الكيلًٌيػػة كمفهوـ طبيعي كليس كمفهوـ ميفارؽ‪ ..‬يعني خطوة‬
‫متراجعة قليبل كليس كثيران‪ ،‬لكن بعد بضعة اشهر قًيػػدى الى المقصلة ايضا‪ .‬في عهد (نابليوف بونابارت) ت ٌمى علمػػنة‬
‫فرنسػػػا‪ ،‬لكنه اعاد للكنيسة الكاثوليكية كثيرا من االعتبار ألهداؼ سياسية براجماتية‪ ،‬المشػػػكلة اآلف هي رمزية‬
‫العبلقة بين اهداؼ الثورة ك بيػػن اإللحػػػػػػاد كعبلقة تآزر ك تعاكف ظلت تؤثر على الذهنية األكركبية‪ ،‬يعني اف هذق الثورة‬
‫هضىت الدين‪ ،‬ك توٌجت العقل إلها‬ ‫دافعت عن حقوؽ اإلنسػػػػػاف ‪ ،‬دافعت عن >التي دعمت اإللحاد في البداية ك ن ى‬
‫المساكاة‪ ،‬الحريػػػػػػات!‪ ،‬فصار فيه ارتباط الذهنية األكركبية بين التي تشوؽ االنساف كيحلم بها االنساف حرية إخاء‬
‫مساكاة حقوؽ انساف كرامة انساف عقل االنساف استقبلؿ االنساف‪..‬الخ كبيػػػػػػػػػػن معاداة الديػػػػن ‪ .‬ككما قيلت في‬
‫الدركس السابقة" نحن ال نخضع في انتخابنا األفكار كاآلراء كالنظريات فقط لؤلسباب العقلية كالمنطقية‪ ،‬اكثر ما‬
‫نخضع لعوامل نفسية‪ ،‬كهذا عامل نفسػػػي‪ ،‬اف الثورة فعلت كذا كانتجت كذا ‪ ..‬انه عامل نفسي سايكولوجية لكنها‬
‫تؤثر في الناس‪ ،‬كهذا ميبلحظ الى اآلف‪ ،‬كهذا ضعف االنساف‪ ،‬هذا الضعف ال يتغلب عليه إال مهفكٌر عظيم‪ ،‬مفكًٌر يتجاكز‬
‫ذاته‪ ،‬يتجاكز محنته يتجاكز ألمه‪ ،‬هؤالء النجوميوف قػلىٌة‪ .‬مثبل نقوؿ‪ :‬انك لديك تجربة سيئة جدا مع رجاؿ الدين‪ ،‬فواضح‬
‫اف هذق التجربة السيئة مع رجاؿ الدين تيرشًٌحك اف تكوف احد المناهضي الدين الشاغبي على الدين‪ ،‬احد المشككين في‬
‫جدكل الدين ‪،‬في اخبلقية السلوؾ الديني‪ ،‬تجربة شخصية ‪ ،‬لكن هذا ليس تبريرا منطقيا علميا حتى اك موضوعيا‪ ،‬هذق‬
‫تجربة شخصية ‪ ..‬في المقابل نجد ألوؼ من رجاؿ الدين في احسن الناس كأطيب الناس كأرحم الناس‪ ..‬فمن الذم‬
‫يستطيع اف يتجاكز التجارب هذق ! هو المفكٌر النادر االستثنائي‪ ،‬الناس تخضع لهذق األمور ‪ ،‬حتى كبار المفكرين في‬
‫الشرؽ كالغرب لهم مثل هذق التجارب ك يخضعوف لها! كػ ( إيلي كيزيل)اعتقد هذا اليهودم الذم اخذ جائزة نوبل‬
‫أمه كاخته ايحرقتا في المحرقة كما ذكر هو عندما رأل دخانا يتصاعد حينما قيدتا الى المحرقة‪ ،‬تجربة صعبة >للسبلـ‬
‫كانت‪ ،‬لكنها لم تيفقدق ايمانه‪ ،‬بعد ذلك يحكي عن طفل دكف العاشرة مبلئكي الوجه ايقتي ىد الى االعداـ شنقان‪ ،‬كالطفل‬
‫كاف يمشي الى المشنقة في حالة سكينة كصمت هدكء عجيب‪ ،‬ك ايجبرنا على اف نصطف كامتدت عملية اعدامه اكثر‬
‫من ساعة!‪ ..‬امعانا في اذاللنا ك ارعابنا‪ ،‬قاؿ رجل بجانبي كتساءؿ " اين اهلل؟ اين هو؟" ‪ .‬هنا هذق التجربة الصعبة‬
‫حقا‪ ،‬اآلف ليس العقل يتحدث فقط‪ ،‬اكثر شيء العاطفة الشعور‪ ،‬كإال نحن نعلم اف األطفاؿ تهثتىل كل يوـ ! ‪ ..‬لكن‬

‫‪28‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫حينما انت تخوض غمار تجربة كهذهػ‪ ،‬كتكوف شاهد عياف عليها‪ ،‬كليس فقط تسمع عن قتل األطفاؿ كك ‪ ..‬مثبل كيف‬
‫لو كاف هذا الطفل طفلك انت!‪ ،‬العملية صعبة جدا جدا شيء ييزلزؿ اإليماف كليست سهلة‪ ،‬كهذا معنى اإلختبػػار‬
‫‪ .‬كاإلبتػػبلء‪ ،‬شيء صعب جدا نسأؿ اهلل اف ال يبتلينا‬

‫فبعد اف تساءؿ ذلك الرجل بجانب ( إيلي كيزيل)‪ ،‬الذم قاؿ حينها‪ ":‬انبثق صوت في داخلي اسمعه بشكل كاضح‬
‫يقوؿ‪ :‬هػػاهو معلىٌق على المشنقة! " ‪ .‬أم انه ال يوجد إله !‪ ،‬فلو كاف يوجد إله لم يكن ليسمح لهذا العدكاف اف يقع‪.‬‬
‫فهذق مسألة نفسية كليس بتفسير عقلي كال تبرير منطقي لئللحاد‪ ،‬إنما مسألة نفسية ناتجة من تجربة شخصية‪.‬‬
‫‪..‬كبقي ( إيلي كيزيل) متعايشا مع إلحػػػػػػادق‪ ،‬فلم يستوعب عقله ك نفسه ضجرىت ك سخطىت‬

‫ن بموضوعية المعرفة – كهذا المصطلح تقريبا طرحته الفلسفة التنويرية‬ ‫نػػأتي إلى الفيلسوؼ الكبير (هيػغل) الذم آمػػ ى‬
‫تقريبا هم الذين عاشوا في القرف الثامن عشر‪ -‬في فترة ماييعرىؼ بػ أزمة الوعي األكركبي‪ ،‬كالمقصود بأزمة الوعي أزمة‬
‫نشأت في عصر التنوير‪ ،‬أزمة تتعلق بالنظر الى الكتاب المقدٌس كصدقيٌته التاريخية‪ ،‬التنويريوف عاشوا في فترة هذق‬
‫األزمة ككانوا سببا ايضا في إحداث هذق األزمة‪ ،‬لكن التنويريوف ليسػػػػػػػػػػوا مبلحػػدة جميػػػعا اك من عند آخرهم‪ ،‬انقسموا‬
‫الى قسميػن‪ :‬الى تنويريين مبلحػػدة‪ ،‬كتنويريين ربػوبييػن‪ ،‬من الصعب اف تجد تنويريا مؤلٌهان‪ ،‬من الذين ال يؤمنوف‬
‫‪ ،‬ك أكؿ من استخدـ ‪Light‬بالبلهوت الكتابي‪ ،‬بل يؤمنوف ببلهوت العقل‪ .‬كمصطلح "التنوير" آتية من كلمة النور‬
‫هذا المصطلح بشكل أدل في النهاية الى افراز هذا المصطلح المتأخر "التنوير" ربما يكوف (ديكارت)‪ ،‬في حديثه عن‬
‫النٌور الطبيعي – النور الطبيعي هو مايقصد نور العقل – كمن هنا مفهوـ الربوبية‪ ،‬نؤمن باهلل كخالق كصانع لهذا‬
‫الوجود‪ ،‬لكن ال يتدخل في حياتنا التي يكفي فيها العػػػػػقل‪ ،‬الذم يستطيع اف يميز من الخير من الشر‪ ،‬من الصح من‬
‫الغلط‪ ،‬لسنا بحاجة الى شريعة اك الى انبياء ك ريسيل‪ ،‬طبعا في الترجمات العربية لؤلسف هناؾ خلط كبير‪ ،‬يترجموف‬
‫الربوبي الى األلوهي‪ ..‬األلوهة تشير الى التعبد كالعبادة‪ .‬فالعقل سيصير له جدارة أف يناقش الكتاب المقدٌس‪ ..‬هل‬
‫هذق >مشكلة النقد األعػػػػػلى <انت صادؽ؟ هل أنت ثابت تاريخيا؟‪ ،‬كهذق مشكلة جديدة ايضا ! اسمها‬
‫‪:‬المشكلة الكبيرة جدا التي سمٌاها (بوؿ آزار) بػ (أزمة الوعي األكركبي) التي تعني باختصار‬
‫هي أزمة العقل األكركبي في النظر إلى كالتعاطي مع "موركثه الديني المسيحي"‪ .‬كاذف هناؾ الربوبيوف الذين يؤمنوف‬
‫باهلل كخالق كصانع لهذا الوجود‪ ،‬لكن ليس كمشرًٌع‪ ،‬نعبدق بفعل الخيرات كاإلحسػػاف الى اآلخرين ‪ ..‬كالسياسي‬
‫كالعالم كالمخترع األمريكي (بًنيامين فرانكلين) كمثل السياسي البلمع كالشهير الرئيس األمريكي (توماس جيفرسوف)‬
‫الذم قاؿ‪ ":‬الدين الذم أؤمن به كالعقائد يقبلها العقل على أسس من العقل"‪ .‬كمثل ايضا (فرانسوا فولتير) الذم‬
‫قاؿ في قاموسه الفلسفي الشهير‪ " :‬نريد من الربوبية أف ييعلًٌم الناس كثيرا جدا اشياء تتعلق بالسلوؾ األخبلقي‪،‬‬
‫‪ "،‬كأشياء قليػػػلة جدا تتعلق بالعقائد الدينية‬

‫على فكرة هذا كبلـ دكننا اف نناقشه كلكنه يؤشر الى شيء خطير‪ ،‬كيربط معنا بالكبلـ الذم اقتبسته مرتين في سنة (‬
‫كاحدة من (البرت شفايتسا) حين قاؿ حاكيا عن توقعه‪ " :‬أف النصر في المستقبل ك ربما القريب سيكوف لؤلدياف‬
‫األخبلقيػػػة!" ‪ ،‬هذق الفكرة تنويرية كأنا موافق من حيث المبدأ على هذق الفكرة)‪ ،‬بمعنى مثبل اإلسبلـ كهو حق عقيدة‬
‫ك شريعة في اعتقادم كمسلم‪ ،‬لكن إف اصررنا على الطراز اآلف‪ ،‬كظللنا ميصرٌين على أف نترجمه شريعة اكامر كنواهي‬
‫كافعل كال تفعل‪ ،‬كنبسط ك نىميد ركاؽ هذق الشريعة كحتى اللحية ك حجم اللحية كهيئة اللباس كالنقاب ‪ ..‬الخ‪ ،‬كل‬
‫اذف فنحن سنعمل على أف يبتعد الناس عن الديػػػن كخاصة في هذا >شيء نضع فيه حكم شرعي ‪ ..‬أقوؿ لك‬
‫العصر سينفركف كالعكس هو المطلوب !‪ .‬كعلى فكرة القرآف مقتصد جدا في التشريع‪ ،‬من ضمن زيهاء ستة آالؼ‬

‫‪29‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫أف آيات التشريع زهاء >كنصف تقريبا اك اقل من ذلك بقليل من اآليات المشهػػػور عند علماء األصل كاإلجتهػػػاد‬
‫مئتاف كخمسين آية! كالباقي اكثرق يتعلق بأمرين ‪ ،‬بالعقيدة كعلى أسس شبه عقلية‪ ،‬التأمل في اآليات‪ ،‬ففي القرآف‬
‫لدينا زيهاء ألف آية كونية تؤشر الى الطبيعة الى الكوف الى الخًلقة الى الى ‪ ،..‬كاألمر الثاني يتعلق باألخبلؽ كالسلوؾ‬
‫األخبلقي مع البشر‪ ،‬كم هذا الدين جميػػػل‪ ،‬يجب اف تكوف خطتنا في خدمة اإلسبلـ متناغمة مع القرآف الكريم‪ ،‬فما‬
‫عظىٌمه نيعظٌمه‪ ،‬كما اعطاق حجما ك صيتا نعطيه حجما ك صيتا‪ ..‬كهكذا‪ .‬إف تحدٌث عن الرحمة في مئة آية كعن النقمة‬
‫خطبنا مئة خطبة عن الرحمة‪ ،‬ك عشر خطب عن النٌقمة‪ ...‬كهكذا ‪ .‬كهذا الصحيح فانتبهوا‪ ،‬كأقوؿ >في عشر آيات‬
‫‪.‬لكم بشكل عاـ الفكر االسبلمي غير متناغم الى حد بعيد مع الموازين كالمقادير القرآنية‬

‫فعندما قاؿ (توماس جيفرسوف)‪ ":‬الدين الذم أؤمن به كالعقائد يقبلها العقل على أسس من العقل"‪ ،‬هنا توجد‬
‫أكلوية مطلقة للعقل كالوحي يختفي هنا صحيح؟!‪ ،‬لػػػكن ال يختفي بالكامل‪ ،‬ألف الوحي ييوحي‪ ،‬يعني مفهوـ اإلله الطٌيب‬
‫الرحيم الميحب مستمد قطعان من الكتاب المقدس (اإلنجيل)‪ ،‬صحيح هذا اإلله له كجوق ك صور اخرل ‪ ..‬ال‪ ،‬الدين الربوبي‬
‫ال ييحب اف ينظر اليها !‪( .‬فولتير) كتب مر نة يخاطب اهلل تبارؾ كتعالى‪" :‬يصوٌركنك طاغية جبارة‪ ،‬ك ابحث فيك عن‬
‫ت مسيحيا‪ ،‬انا ربوبي‪ ،‬لست مسيحيا فقط من أجل اف احبك اكثر !"‪ .‬لم يكن (فولتير) ملحدا‪،‬الرجل ربوبي‬ ‫أب رحيم‪ ،‬لس ي‬
‫ب علينا أف نخلي ىق يه !"‪ .‬ألف الحياة التطيب بدكنه‪ ،‬كالتستمر‬
‫متحمٌس‪ ،‬كاف يقوؿ‪ " :‬لو أف اهلل غير موجود‪ ،‬لىوى ىج ى‬
‫المجتمعات بدكنه‪ ،‬قاؿ لماذا تحاربونه! لوال هذا إلله لخانتني زكجتي كلسرقتني خادمتي‪ ..‬ك(فولتير) ضد نظرية اف‬
‫‪.‬االخبلؽ الطيبة يمكن اف تقوـ بغير اإليماف باهلل‪ .‬ففي نهاية المطاؼ الدين يبقى يوحي‬

‫كعلى ذًكرًنا لػ (أزمة الوعي) سنتحدث عنها أنها هي بسبب ماييعرىؼ بالنقد األعلى نقد الكتاب المقدىٌس‪ ،‬هذق قنبلة‬
‫فجرها ( رًيتشارد سيموف) الفرنسي‪ ،‬هو ابو هذق الدراسات‪ ،‬لكن في الحقيقة هي من القنابل التي زرعها (باركخ‬
‫اسبينوزا)‪ .‬طبعا في رسالة البلهوت كالسياية‪ ،‬كاضح جدا الجهد الذم بذله (اسبينوزا) في إعادة النظر في الصدقية‬
‫التاريخية للكتاب المقدىٌس‪ ،‬ثم تدعيم المبدأ الجديد في النظر الى الكتاب المقدٌس على ضوء المقررات العقلية كالعلمية‪،‬‬
‫‪ .‬كهذا كاف أمرا جديدا خػػػػػارج األشياء الميػػفىكىٌر فيه‬

‫‪ .‬سنكمل في الحلقة المقبلة بإذف اهلل عن (( النقد األعلى )) فالسبلـ عليكم كرحمة اهلل تعالى كبركاته‬
‫‪.‬‬

‫‪30‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫الحلقة الخامسة‬

‫ن الرىٌحًي ًم‬
‫ًبسٍمً الٌلى ًه الرىٌحٍمى ً‬
‫سىبًٌ ًح اسٍمى رىٌبًكى الٍأىعٍلىى (‪ )1‬الىٌذًم خىلىقى ىفسىوىٌل (‪ )2‬كىالىٌذًم قى ٌدىرى فىهىدىل (‪ )3‬كىالىٌذًم أى ٍخرىجى الٍ ىمرٍعىى‬
‫سرىل‬
‫سًريؾى لًلٍي ٍ‬ ‫هرى ىكمىا يىخٍفىى (‪ )7‬كىنيىي ٌ‬ ‫(‪ )4‬فىجىعىىلهي غيثىا نء أىحٍوىل (‪ )5‬سىني ٍقرًيئكى فىلىا تى ٍنسىى (‪ً )6‬إلىٌا مىا شىاءى الٌلى يه إًٌنىهي يىعٍلىمي الٍجى ٍ‬
‫كىري مىنٍ يى ٍخشىى (‪ )10‬ىكىيتىجىنىٌبيهىا الٍأىشٍقىى (‪ )11‬الىٌذًم يىصٍلىى النىٌارى الٍكي ٍبرىل‬ ‫كرىل (‪ )9‬سىيى ٌذى ٌ‬ ‫ت ال ٌذً ٍ‬ ‫ف نىفىعى ً‬ ‫كً ٍر إً ٍ‬
‫(‪ )8‬فى ىذ ٌ‬
‫كىر اسٍمى رىٌبًهً فىصىلىٌى‬ ‫(‪ )12‬ثيمىٌ لىا يىميوتي فًيهىا ىكلىا يىحٍيىى (‪ )13‬قى ٍد أىفٍلىحى مىنٍ ىتىزكىٌى (‪ )14‬كى ىذ ى‬
‫فى هىذىا لىفًي الصيٌ يحفً الٍأيكلىى‬ ‫(‪ )15‬بىلٍ يتؤًٍثريكفى الٍحىيىاةى الديٌنٍيىا (‪ )16‬كىالٍآ ًخرى ية خى ٍيره كىأىبٍقىى (‪ )17‬إً ٌ‬
‫ف إً ٍبرىاهًيمى ىكميوسىى (‪)19‬‬ ‫(‪ )18‬صي يح ً‬

‫صدؽ اهلل العظيم ‪ ..‬كبلٌغ رسوله الكريم كنحن على ذلك من الشاهدين‪،،‬‬
‫اللهم اجعلنا من شهدآء الحق القائمين بالقسط‪ ..‬آمين اللهم آمين‪.‬‬
‫الحمدهلل رب العالمين ك اشهد اف الاله اال اهلل كحدق ال شريك له‪ ،‬كاشهد اف سيدنا محمدا عبدق ك رسوله‪ ،‬اللهم‬
‫صلي كسلم كبارؾ عليه كعلى آله الطيبين الطاهرين كعلى صحابته المباركين كاتباعهم بإحساف الى يوـ الدين‪..‬‬
‫سبحانك العلم لنا اال ماعلمتنا انك النت العليم الحكيم‪ ،‬اللهم علمنا ماينفعنا كانفعنا بما علمتنا ك زدنا علمان‪ .‬كاهدنا لما‬
‫اختيًلفى فيه من الحق بإذنك انك تهدم من تشاء الى صراط مستقيم‪ ..‬اللهم آمين‬

‫أما بعػػػػػػد ‪:‬‬


‫اخواني اخواتي احييكم بتحية االسبلـ جميعا فالسبلـ عليكم كرحمة اهلل كبركاته‪،‬‬
‫كما كعدتكم بحوؿ اهلل تعالى‪ ،‬فاليوـ سننخرط في جوهر الموضوع كعمودق الفقرم براهين اإليماف ك إشكاالت كشبهات‬
‫كإيرادات ‪ -‬ك إف شاء المبلحدة ‪ -‬حجج كادلة اإللحاد‪ ..‬كعلى ماذكرت في الحلقة االكلى نحن اخترنا اف نبدأ بعرض براهين‬
‫اإليمانمن باب قبوؿ التحدم‪ ،‬الملحد السابق (انطونيو فلو) الذم انتهى بعد ثمانين سنة من اإللحاد الى اإليماف الواثق‬
‫بوجود الذات اإللهية كختم حياته كارتحل عن هذق الدنيا‪ ،‬بهذا االيماف يقوؿ‪" :‬لقد فعلناها للمرة األكلى‪ ،‬قذفنا الكرة‬
‫في ملعب المؤمنين‪ ،‬قلنا لهم كمبلحدة لسنا نحن من ييطالىب ببرهنة عدـ كجود اإلله‪ ،‬كلكن البينة على من ادٌعى‪ ..‬انتم‬
‫تدٌعوف كجود اإلله عليكم أف تزكدكنا باألدلة هاتوا براهينكم اف كنتم صادقين‪ ،‬دائما كاف يلعبها المؤمنوف معنا بشكل‬
‫معكوس"‪- ،‬كلذلك كانت اسهم المبلحدة مبخوسة كمنقوصة لكن هذق المرة قاؿ العكس‪. -‬‬
‫الفيلسوؼ األمريكي الشهير مؤسس على النفس (كلياـ جيمس) احد اعمدة الفلسفة الذرائعية له تحليل قد يختلف‬
‫حوله الفبلسفة كالمفكركف‪( ،‬كلياـ جيمس) يتحدث عما يسميه بػ "الخيارات األصلية" كلحديثه عنها ييقدٌـ بالقوؿ‪:‬‬
‫"احيانا تتكافأ ادلة خيارين اك فرضين اماـ الميخيىٌر بينهما‪ ،‬كلذلك يجد نفسه غير قادر على اف يىبػيت برأيه في المسألة‪،‬‬

‫‪31‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫فييحجم عن البت كينصرؼ عن المسألة برمتها‪ ،‬لكن هذا ال يحدث دائما‪..‬احيانا يرل االنساف نفسه مضطرا كملزكما على‬
‫تى برأيه‪ ،‬فإف لم تكفي المبررات المنطقية فإنه ييهرىع كيفزع الى المرجحات الوجدانية (بلغةالدين لدينا‪ :‬يستفتي‬ ‫اف يىبي ٌ‬
‫قلبه‪ ،‬هذق قوة من قول االنساف ايضا‪ ،‬هذق القوة تيمارس دكرهااكثر بكثير ممايظن العامة كمما يظن الخاصة من‬
‫المفكرين كالفبلسفة كالعلماء الثقات‪ ،‬اما العامٌي المسكين يظن انه يصدر عن منطق العقل! كهذا ليس بصحيح‬
‫فمعظم العواـ يصدركف عن إيحاءات القلب كالعاطفة كالوجداف بعيػػػػدا عن مرجحات المنطق ك موجبات العقوؿ‪ ،‬لكن‬
‫ل عن التفكير بهذق الفكرة‪ /‬لفت نظرم‪ ،‬اف القرآف‬ ‫حتى العلماء كالفبلسفة ال ينجوف من هذق الورطة‪ ..‬ككي ال اض ٌ‬
‫العظيم لدل حديثه ك هو حديث مكركهر في موارد كثيرة في كتاب اهلل عزٌ كجل‪ ،‬يتحدث عن القلب ك يعزي إليه‬
‫كظيفتين‪ :‬كظيفة الفهم كالعقل كالتدبر‪ ،‬ك كظيفة الشعور كاالحساس ‪ ،‬هذق اللفتة القرآنية ايها االخوة تريد اف تفتح‬
‫اعيننا على مقدار التعقيػػد التي تتسم به المسألة‪ ،‬االنساف ليس كائنا منطقيا محضا‪ ،‬كليس عالما من المشاعر‬
‫كالوجدانات‪ ،‬انه كائن مزدكج يعيش بالعقل كالوجداف‪ ،‬يزعم انه يصدر عن منطق العقل في حين انه يخضع لهول‬
‫النفس كالقلب ‪ ..‬كدكف اف يدرم! ‪ .‬بعض المفكرين كالفبلسفة طالبوا "العالًم اف يتخلى عن العواطف جملة كتفصيبل‪،‬‬
‫عليه اف يكوف اشبه بصخرة القلب لها !" كما قاؿ (تشارلز داركين)‪ ..‬طبعا هذا مستحيػػػل‪ ،‬جميل اف يحاكؿ العالًم اك‬
‫المفكر اف يصدر عن منطق عقلي صًرؼ محض الى حدوٌ ما لكن ال يستطيع االنساف اف يكوف كذلك ‪ ..‬فػ (كلياـ‬
‫جيمس) كاف اكثر كاقعية حين تيعوًزينا المبررات المنطقية‪ ،‬قاؿ البأس اف نفزع الى المرجحات الوجدانية‪..‬‬
‫تى برأم إزاء خيار معين من بين خيارات‪( ،‬كلياـ جيمس) يقوؿ‪ " :‬ليس إزاء كػػػػل الخيارات‪ ،‬ازاء‬ ‫لمػػذا علينا احيانا أف نىبي ٌ‬
‫خيارات اك فركض محددة اسميها بالفركض كالخيارات األصلية"‪ .‬الخيارات األصلية تتصف بسمات ثبلث‪/1 :‬انها‬
‫فركض اك خيارات حيػىٌػة‪/2 ،‬مفركضة‪/3 ،‬كحاسمة ‪ ..‬لكن مامعنى هذا! ‪..‬يضرب (كلياـ جيمس) لنا األمثاؿ كيقوؿ‪:،‬‬
‫طرًح عليك هذا السؤاؿ‪ :‬هل كاف القمر كما كاف ييعتقد في زمن من األزماف فعبل مصنوعا من الجبن؟!(يعضهم حدد‬ ‫لو ي‬
‫نوعية هذا الجبن‪،‬جبن انجليزم)‪ ،‬هذا الخىيار ليس خىيارا حيٌنا على مقالة (كلياـ جيمس)‪ ،‬تستطيع اف تصرؼ النظر عن‬
‫هذق الفرضية ‪،‬لست مضطرا ملزكزا اف تناقشها باألساس‪ ،‬ألنه ليس ىفرٍضا حيٌا‪ ،‬بمعنى أف القمر مصنوع من الجبن اك‬
‫الزٌبد اك الحجر‪ ،‬هذا لن يؤثر في حياتنا االنسانية على كوكبناهذا الجبن اك هذا الصخر هو كماهو من مبليين السنين‪،‬‬
‫لى شيء‪ .‬من عندم انا اكمل‪ ،‬كمثل‪ :‬الشعب العراقي‪ ،‬لو اكتشف اليوـ اف عليه اف‬ ‫كيدكر بنفس القانوف ‪،‬لن يخت ٌ‬
‫يواجه اف فرضية كخىيار اف صداـ حسين مازاؿ حيٌا‪ ،‬اليقوؿ هذا ليس خيارا حيا‪ ،‬هذا خيار حي‪ ،‬ألف الرجل مرعب كخطير‬
‫كقد عانى منه شعبه كثيرا كطويبل‪ ،‬فهناؾ احتماؾ انه مازاؿ حيا‪ ،‬بمعنى اف هناؾ خطة بين القول العالمية في راسها‬
‫الواليات المتحدة كبين صداـ‪ ،‬كقد يكوف مآؿ هذق الخطة هو اعادة تنصيب هذا الرجل‪ ،‬فالمسألة قش ىعىر بدني !‪..‬‬
‫مجرد تخيل هذق المسألة مرعب بالنسبة للعراقيين‪ ،‬فالخيار هذا خىيار حي (بلغة كلياـ جيمس)‪ ،‬ينبغي اف تتعاطى معه‬
‫كعراقي بجدية كالتقوؿ"اليهمني" كفرضية كوف القمر جبن اك صخر‪ ..‬طبعػػا طبقوا هذا على مسألة كجود اهلل‪ ،‬اهلل‬
‫موجود اك غير موجود‪ ،‬خىيار حي اك غير حي‪ ،‬سيؤثر في كامل حياتنا‪..‬‬
‫ت هل تشرب‬ ‫ثانيا‪ :‬البد اف يكوف الخيار مفركضا ليكوف خيارا اصليا‪ ،‬كمعنى اف يكوف مفركضا كالمثل اآلتي‪ :‬لو سيئل ى‬
‫الشام بالسكر اك بغير سكر؟ ليس مفركضا‪ ،‬ال اريد اف اشرب الشام من اصله‪ ،‬فهنا الخىيار ليس مفركضا‪ ،‬لكن الخيار‬
‫المفركض لو تعلقت المسألة باهلل‪ ،‬اهلل قد يكوف موجودا‪ ،‬كقد اليكوف موجودا‪ ،‬خيىػػار مفركض ينبغي اف يعالجه بجدية ال‬
‫اقوؿ المسألة التهمني ايضا‪..‬ال ‪ ،‬كلذلك اشرس المبلحدة – عبر العصور‪ -‬تعاطو مع هذا الخيار ككاف موقفهم االنحياز‬
‫الى النفي‪ ،‬ليست مشكلة لكن اتخذكا موقفا‪ ،‬ك دركسوا المسألة كانخرطوا في نضاؿ كفي سجاالت فلسفية كعلمية‬
‫كبلمية الهوتية‪ ،‬كاتعبوا انفسهم ‪ ..‬الخ‪.‬‬
‫كأف يكوف الخياير حاسمنا كمعناق بلغة (كلياـ جيمس) أم تترتب عليه (الخيار اك الفرض) آثار جوهرية ك ربما دراماتيكية‬
‫في حياة الفرد‪ ،‬قد يكوف الخيار حيا كمفركضا كلكن ليس حاسما‪ ،‬مثبل‪ :‬أف تذهب هذق الليلة الى المسجد لتتابع‬

‫‪32‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫محاضرة – ارجو اف التكوف ميملٌة اك معقدة كهذق‪ -‬اك تذهب الى السينما لتحضر احدث االفبلـ‪ ،‬متابعة احدث االفبلـ‬
‫اف تتابع اك ال تتابع > هذا خيارا ليس حاسما !‪ ،‬لكن انت انهيت الثانوية العامة‪ ،‬امامك ثبلث سبل اك اقل اك اكثر‪،‬‬
‫تلتحق بكلية كذا اك كلية كذا‪ >> ،‬هذا خىيار حاسم ! ليس كمتابعتك لفيلم اك شيء ما‪ ..‬تتابعه اك التتابعه‪..‬‬
‫عملية ليست حاسمة كلن تؤثر عمليا في حياتك الفي جملتها كال في تفاصيلها‪...‬‬
‫لو طبقنا هذق المفاهيم على مسألة كجود اهلل اك عدـ كجود اهلل‪ ،‬هل نرل انها مسألة يمكن اف توضع ضمن هذق‬
‫الخيارات األصلية اك التوضع‪ ..‬بشكل عػػػػاـ توضع‪ ،‬بعض الناس ييكابر كيناقش‪ ،‬هم احرار اليهمنا‪ ،‬حتى هذا الميدخىل‬
‫ليس مدخبل الزما كضركريا لنا‪ ،‬لكن نحن اردنا اف نجعله مدخبل للمحاضرة‪ ،‬ألف بعض الناس لؤلسف الشديد اليهتم‬
‫بالمسألة‪ ،‬النستطيع اف نقوؿ ثقافة التهتم‪ ،‬يعني كثقافة بوذية (ثقافة غير مؤلٌهة) لكنها اهتمت بالمسألة هذق‪،‬‬
‫قدٌمت تبريرات لموقفها‪ ،‬ك لما التهتم لمسألة كجود اآللهة‪ ..‬اما الذين اليهتموف بمسألة كجود اهلل اك عدـ كجودق‬
‫يحكي تشوها في المسلك االنساني‪ ،‬كنقوؿ دائما اف االنساف هو الكائن الباحث عن اهلل ‪ ،‬البحث عن الغيب‪.‬‬
‫المواقف الفلسفية كالوجودية إزاء الوجود كتفسيرق‪ ،‬تمايزت كتعددت عبر األعصار‪ ،‬هناؾ الموقف "المثالي" كهذا‬
‫الموقف ليس موقفا جديا في التعاطي مع المسألة‪ ،‬ألف المثاليين (باللغة الفلسفية كليس بالمعنى االخبلقي) كالمثالية‬
‫تعني المذهب اك النزعة التي ال ترل حقيقة كاقعية اك خارجية ألم شيء خارج الذهن اإلنساني‪ ،‬يعني كل شيء بالكوف‬
‫كمافيه عػػدا ذهن اإلنساف ليس له كاقعية خارجية ! ‪ .‬أم اف كل هذا تخليق كصناعة الذهن‪ ..‬يعني انه خيػػاؿ‪ ،‬لذلك‬
‫بعض الفبلسفة آثر اف يترجم هذا المصطلح الفلسفي بػ "الخيالية" كهي ترجمة دقيقة في نظرم افضل من كلمة‬
‫المثالية‪ ،‬فلو قلنا المذهب الخيالي اك لتخيلي افضل من لو قلنا المذهب المثالي‪ ،‬كهذا مبحث طويػل النريد االنخراط فيه‪.‬‬
‫كلذلك "المثالي" ال ييعني بمسألة تفسير الوجود اليأخذها بجدية‪ ،‬ألف الوجود كهم‪ ،‬لكن في نهاية المطاؼ عليه اف‬
‫يفسر كجود ذهنه‪ ،‬كهذا موقف غير متٌسق‪.‬‬
‫في المقابل هناؾ المدارس كالنزعات كالفلسفات الواقعية‪ ،‬طبعا المؤلٌهة المؤمنوف في األدياف كالطوائف المختلفة‬
‫كاقعيػػػٌوف‪ ،‬أم تعني اف المسألة محسومة لديهم‪ ،‬يقرٌكف بعينيٌة الخارج‪ ،‬يعترفوف بموضوعية كاقعية لؤلشياء خارج حيٌز‬
‫الذهن‪ ،‬ادركناها اك لم ندركها هي موجودة‪ .‬لكن قضية هل ندركها كما هي تماما اك تتشىوٌق صورها‪ ..‬فهذق مسألة‬
‫اخرل !‪ .‬ايضا هذا مبحث لطيف كجميل من مباحث االبستميلوجيا‪ ،‬كأنا _كعدناف) مقتنع بالواقعية النقدية المعقولة‬
‫الى حد ما ك ادلتها قوية‪.‬‬
‫هناؾ الماديوف على اختبلؼ المدارس المادية كمذاهبها طبعا‪ ،‬الماديوف ايها االخوة كاقعيػٌػوف‪ ،‬المادمٌ هو يؤمن بوجود‬
‫االشياء في الواقع كفي عين الخارج ايمانا متحمسٌان‪ ،‬هو يقوؿ بأصالة المادة‪ ،‬كيريد أف يفسٌر بها كل شيء حتى نشاط‬
‫العقل كالذهن‪ ،‬يفسرها بطريقة مادية‪ ،‬لكن المادم مع ايمانه بلزكـ العلل الفاعلية لتفسير الوجود‪ ،‬إال انه يقصير العلل‬
‫الفاعلية على عالم الطبيعة‪ ،‬كاليتعداها الى عالم ماكراء الطبيعة‪ ،‬لذلك الفيلسوؼ المفكر العالم المادم يطلب العلل‪،‬‬
‫يطلب األسباب‪ ،‬ال ينكر مبدأ العللية كالسببية‪ ،‬يؤمن بالعلل الفاعلية لكنه ال يبسطها كاليمدها كاليتعدل بها حدكد‬
‫العالم الواقعي الطبيػػػعة‪ ،‬فيرل اف الطبيعة كافية لنفهمها كنفسرها بأسباب كعلل طبيعية محضة ال بأسباب ماكراء‬
‫طبيعية كاألركاح كالمبلئكة كاإللهة‪ ،‬انه يرل اف كل ذلك كبلـ فارغ‪ ،‬لكن بالمقابل هل الفيلسوؼ اإللهي ينكر كاقعية‬
‫األشياء ماديا؟ ال ينكر‪ .‬هل ينكر األسباب المادية؟ ال ينكرها بل يطلبها‪ ،‬إذف هو مادم بهذا االعتبار‪ ،‬يفترؽ ك ينماز من‬
‫المادم عند نقطة انه يذهب الى ابعد من العلل كاألسباب الطبيعي كيؤمن بأسباب فوؽ طبيعية‪ ،‬لذلك كػػػل إلهي‬
‫مػػػػادمٌ كيتجاكز المادية‪ ،‬لكن كل مادم الهي‪ ،‬لذلك االف النزعة الغالبة على العلم الحديث هي نزعة مادية‪ ،‬يصريٌكف تماما‬
‫هلى انبغاء ك كجوب اف نقف عند حدٌ العلل الفاعلية المادية الطبيعية‪ ،‬ممنوع اف تتعداها‪ ،‬مجرد اف تشير محض اشارة‪،‬‬
‫مجرد اشارة الى علة كراء طبيعية مباشرة تيتهىم الى أف تسيء الى العػػػلم كتدمرق ! يغضبوف جدا كيقولوف‪ :‬هذا الذم‬
‫س لبوس العلم فليس علما حقيقيا‪ ،‬عًلم زائف اك عًلم سىقىط ‪ ،‬ألنه يشير الى خارج الطبيعة‪ ،‬كمػػن هنا‬
‫تقوله كإف لبً ى‬

‫‪33‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫غضبهم على نظرية التصميم الذكي كيحاربوف كل من يتبناها‪ ،‬ككل من يشير اليها اشارة ايجابية في معرض‬
‫االستئناس‪ ،‬يعني اصبح هذا العلم كأنه علم جديد‪ ،‬كأنه آيدكلوجيا‪ ،‬لكنه ليس دينا ليس آيولوجيا‪ ،‬كلكننا نحافظ على‬
‫مكتسباتنا‪ ،‬هذا العلم نجح ضمن هذا الحدكد نريد اف نواصل النجاحات‪ ،‬النريد اف ندخل فيما ليس منه فيفسد‪ ،‬كنعود‬
‫الى مزج الدين بالعلم‪ ،‬كمزج التأليهات بالعلم كتفسد مؤسسات العلم ‪ ... .‬في النهاية هم احرار‪ ،‬فهل بالعلم كحدق‬
‫ؾ االنساف؟ هل بالعلم كحدق تفسر األشياء ك تدرؾ األشياء؟ هل العلم هو‬ ‫يحيى اإلنساف؟‪ .‬هل بالعلم كحدق يدر ي‬
‫اقصى حدكد العقل االنساني؟‪ .‬هل العلم يعاد الى العقل‪ ،‬أـ اف العلم ابن العقل؟‪ .‬العلم نشاط من نشاطات العقل‬
‫كالعقل اكسع كابعد كاضخم بكثير‪ ،‬القول العقلية ابعد بكثير من القول العلمية‪.‬‬

‫بػػرهػػػػاف النيٌػػظٍم‬
‫نأتي الى براهين المؤلهين اك اإللهيين المؤمنين‪ ،‬كهذق البراهين تتنوع بين براهين فلسفية‪ ،‬كبين براهين علمية شبه‬
‫فلسفية‪ ،‬التوجد براهين علمية على كجود اهلل‪ ،‬أف العلم يقف عند حدكد فواعل ك األسباب الطبيعية‪ ،‬العلم يكفر بكل‬
‫اشارة الى ماكراء الطبيعة‪ .‬نبػدأ بدليل يركنه المؤلهين المؤمنين انه اقول األدلة كأبسطها يمكن اف يستوعبه العامًٌيٌ‪،‬‬
‫على انه في عمقه دليل قوم جدا جدا جدا‪ ،‬كليس من السهل البتٌة اف يينقىض‪ ،‬انه الدليل المعركؼ في االدبيات‬
‫البلهوتية سواءا في العلم االسبلمي اك اليهونصراني بدليل < العناية > ‪ -‬كهي تسمية اراها غير موفقة‪ -‬اك الدليل <‬
‫الغائي > ‪ -‬كهي تسمية جيدة في نظرم احرزت اكثرمن ‪ ،%60‬كالتسمية االحسن دليل < النظم أك النظاـ>‪ ،‬هو‬
‫دليل الغائي هو دليل العناية هو دليل النىٌظىم كهو الذم اتخذ في العصر الحديث كبالذات في ثمنينات القرف العشرين‬
‫كالى اليوـ اسما معاصرا كله ابعاد كإيحاءات علمية اكثر منها فلسفية هو ( دليل التصميم الذكي )‪ ،‬هذا البرهاف هو‬
‫نوع من االستدالؿ‪ ،‬بمعنى ما دليل قياسي له مقدمات ككل دليل‪ ،‬مقدمة صغرل‪ ،‬كمقدمة كبرل‪ ،‬كمقدمة كسطى‪ ،‬ثم‬
‫توجد النتيجة‪ .‬برهاف التصميم اك برهاف النٌظم اك الدليل الغائي ‪-‬الذم تحدث عنه بإسهاب على اف جعله خامس ادلته‬
‫(توماس اإلكويني) في < الخبلصة البلهوتية > ‪ ،‬كسبق في تقريرق االسبلميوف بشكل عبقرم متفرد تابعهم فيه‬
‫(االكويني) كغيرق ‪( ،‬كلياـ بيلي) نشر كتابه سنة ‪ 1802‬ـ المشهور جدا في انجلترا < علم البلهوت الطبيعي > ك‬
‫ذكر فيه االستعارة الشهيرة أمثولة الساعة أم شبٌه فيه الكوف بالساعة‪ ،‬فبلبد من هذق الساعة الدقيقة المتآزرة‬
‫المتكافلة االجزاء المتعاكنة التي تحكي غائيٌة كقصدية كهدفية البد لها من ميصمًٌم هادؼ عاقل كحكيم كقدير‪ ،‬ذلك‬
‫كاف مثاؿ من امثلة برهاف النظم اك الدليل الغائي اك العناية ‪..‬‬
‫المقدمة الصغرل حسيىٌة‪ ،‬يتكفٌى الحس يتمويلنا بها‪ ،‬البد اف تكوف حسية‪ ،‬لكن هل يؤثر كوف مقدمة برهاف النظم‬
‫الصغرل حسيٌ نة على طبيعة البرهاف كما سقط سقوطا مدكيٌنا (ديفيد هيوـ) في كتابه العظيم < محاكرات في الدين‬
‫الطبيعي> ؟ سقط الرجل!‪ ..‬ظن اف هذا الدليل هو من االدلة التي تنتمي الى الحس يمكن اف يتعاطى العلم الطبيعي‬
‫معه‪ ..‬كهذا غير صحيح‪ ،‬هو دليل عقلي محض‪ ،‬هنا (هيوـ) لم يفهم الحقيقة‪ ،‬لم يكن متمكنا من الفلسفة العقلية‪.‬‬
‫مقمة الدليل الصغرل حسيػػػىٌة كما تشاهد انت الساعة مصنوعة كهي صناعة بشرية أنت تشاهد صناعة طبيعية‪ ،‬لن‬
‫نقوؿ االف الهية حتى نكوف محايدين‪ ،‬االف هل هذق الصناعة الطبيعية تيعزل الى الطبيعة بذاتها ك إف تسلسلت‬
‫اسبابها‪ ،‬أك الى شيء خارج الطبيعة الى اهلل تبارؾ كتعالى‪ ،‬هذق هي التي يتكفل بها برهاف النظم بالجواب عنها‪ ،‬لكن‬
‫هذق المقدمة حسية‪ ،‬ارل في هذا الجهاز‪ ،‬في هذق الخلية‪ ،‬في العضو‪ ،‬في حركة الكواكب‪ ،‬في النجوـ في أم شيء في‬
‫الكوف‪ ،‬ارل فيه نظما تصميما‪ ،‬لذلك العلم هنا يتدخل‪ ،‬فهو يزكدنا بشواهد كثيرة ييمكن اف تيتخذ صغرل هذا البرهاف‪،‬‬
‫علم كظائف االعضاء‪ ..‬علم الٌنيسيج‪ ..‬علم التشريح‪ ..‬في علم الفلك‪ ..‬في الكيمياء ‪..‬الفيزياء‪ ..‬مقدمات كثيرة جدا‬
‫نأخذها كهي كلها حسية‪ ..‬ماذا تقوؿ المقدمة الصغرل الحسية؟ تقوؿ‪" :‬هػػػػػذا الشيء منظىٌم" ‪ .‬فقط ‪ .‬لكن تقوله‬
‫بطريقتها‪ ،‬بعد ذلك مقدمة عقليػػػة محض ليست حسية‪ ،‬ككل منظىٌم البد له من منظًٌم‪ .‬لماذا ؟ ‪ .‬هذق المقدمة لماذا‬

‫‪34‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫نقوؿ أنها مقدمة عقلية فلسفية ليست منطقية؟ ألف مفهوـ العلًٌيىٌة من مفاهيم الفلسفية‪ ،‬من المعقوالت الثانية‬
‫الفلسفية‪ ،‬ليس مفهوما ماهى ىويٌان‪.‬‬
‫المقدمة الوسطى هي التي تتمثل في الشيء الذم يتكرر كيربط بين المقدمة الصغرل كالمقدمة الكبرل‪ ،‬النظاـ يعني‪،‬‬
‫ظٌما‬
‫ككل نظاـ البد له من منظًٌم‪ ،‬كاذا كاف ذلك كذلك البد اف نصير الى استخبلص النتيجة‪ ،‬اذف البد اف نحدد من ً‬
‫لهذا الشيء المنظىٌم ‪ ..‬البد اف يكوف له منظًٌم‪ ،‬كيصير البحث في هذ المنظًٌم!‪ ..‬كيف؟ من هو المنظًٌم؟ يمكن اف‬
‫تكوف الطبيعة منظًٌمان؟ الصدفة ممكن اف تكوف منظما؟‪ ..‬سوؼ نرل كنختبر‪ ،‬كالمنظًٌم هو اهلل تبػػارؾ كتعالى‪ ،‬هذا الذم‬
‫ينتهي اليه برهاف النظم‪ ،‬يقوؿ لك المنظًٌم هو اهلل‪ ،‬لماذا هو اهلل؟ لم ليس الطبيعة؟ لم ليس الصدفة؟‪ .‬هػػػذا الذم‬
‫يتكفل برهاف النظم بالجػػواب عنه !‪ .‬كتلك كانت الفكرة العامة عن برهاف النظم كأهم مانتهينا اليه من هذا العرض‬
‫الموجز هو اف برهاف النظم برهاف عقلي كليس برهانا حسيا‪ ،‬مع انه يتوسل في صغراق معطيات حسية‪ ،‬هذا اليؤثر على‬
‫طبيعته‪ ،‬ألف الكبرل اهم كالكبرل مأخوذة من العقل هي مفهوـ عقلي‪ ،‬كالحكم مؤسىٌس اصالة على مراعاة فعل كأثر‬
‫الكبرل‪ ،‬في الصغرل اذا كاف البرهاف عند كل من درس ابجديات الفلسفة بقوؿ كاحد ببل مثنوية ‪ :‬هو برهاف عقلي‬
‫اليسمى برهانا حسيا‪ ،‬كالحس هو الذم ادرؾ به هذا الكوب‪ ،‬هذا اسمه ادراؾ حسي‪ ..‬فقط‪ ،‬لكن عبلقة البد لهذا‬
‫الكوب من صانع‪ ،‬كهذا الصانع عليه اف يكوف بصفات كذا ككذا‪ ..‬هذق كلها مسائل عقلية‪ ،‬ألنها تعتمد على مفهوـ‬
‫اسمه العلٌية كهذا مفهوـ عقلي محض معقوؿ ثاني فلسفي ليس حسيا – هذق يفهمها أم كاحد دارس فلسفة اما‬
‫الغير دارس سيخلط االمور مع بعضها‪.‬‬
‫االف نتقدـ خطوة الى االماـ كهي ‪ :‬المػػػادم كالمؤلٌه كالمؤمن كبلهما يؤمناف بالعلٌيٌة‪ ،‬يعني المادم الينفي العلية‪ ،‬بل‬
‫على العكس‪ ،‬العلم الطبيعي نفسه االمبريقي المادم يقوـ على مبدأ العلية على مبدأ فلسفي‪ ،‬كهو يعتبر العلية‬
‫كالفلسفية كهو يبحث عن االسباب‪ ،‬اذف أيػػػػػن يفترقاف؟!‪ .‬اذا بنتحدٌث باللغة االرسطية فقد تحدث عن اربعة انواع‬
‫من العلل ‪ :‬العلٌة المادية‪ ،‬الصورية‪ ،‬الفاعلية‪ ،‬الغائية‪ .‬يعني هذق المنضدة لها صورة معينة هذق الصورة تسمى عند‬
‫ارسطو علة صورية أم شكل الشيء‪ ،‬مما صينعت هذق الطاكلة من الخشب (كهذق العلة المادية)‪ ،‬كمن الذم صنعها ؟‬
‫النجار (هذق العلة الفاعلية)‪ ،‬لماذا صنعها؟ لؤلكل عليها اك إللقاء محاضرة مثبل (هذق العلة الغائية)‪ ،‬كالعلل الغائية‬
‫تسبق الصورية قبل اف تاخذ صورتها كتسبق المادية حتى !‪ .‬كهي آخر شيء يتحقق من بعد العلة الصورية كالمادية‪.‬‬
‫المادم ال يفترؽ عن اإللهي في اإليماف بالعلل الفاعل اك الفاعلية‪ ،‬فكل معلوؿ البد له من علة‪ ،‬اين يفترقاف؟ في‬
‫مسألتين ‪:‬‬
‫المسألة األكلى تختص بالعلل الفاعلية‪ ،‬المادم يسلسلها الى ماال نهاية‪ ،‬يقوؿ لك هذق العلة معلولة لكذا كهذق‬
‫معلولة لكذا‪ ،‬ككل علة يكوف معلوال باعتبار آخر الى ماال نهاية‪ ،‬توجد مشكلة االف! ‪ ..‬ألننا اذا اخذنا هذق التسلسلية‬
‫(الى ماال نهاية) عليما سنصطدـ بإشكاالت علمية‪ ،‬يعني االف مثبل اشهر نظرية في نشوء كخلق الكوف التي هي‬
‫نظرية (االنفجار الكبير) تقوؿ لك هذق النظرية‪ :‬ال‪ ..‬البد للكوف من بداية‪ ،‬التستطيع اف تسلسل الى ماال نهاية فقد‬
‫انتهى‪ ..‬اليوجد بالنسبة لهذق النظرية شيء اسمه الى ماال نهاية‪ ..‬فمفهوـ الػ (الى ماال نهاية) هو مفهوـ مجرد‪،‬‬
‫ليس له حقيقة خارجية‪ ،‬العلم يقوؿ هذا ‪ ،‬كهذا يساعد موقف المؤمنين موقف المؤلٌهة‪ ،‬كألف الماديين التفتوا الى هذا‬
‫االشكاؿ العلمي فقد طوركا نظريتهم في التفسير‪ ،‬فتنازلوا عن سلسلة العلل الفاعلة الى ماالنهاية الى نظرية اخرل‬
‫تسمى نظرية "خاصية المادة"‪ .‬أم اف الماديين ليست لديهم مشكلة االف‪ ،‬فهذق المادة كهذا الكوف بكل مافيه من‬
‫مادة >نعػػم له بداية معينة‪ ،‬لكن المادة نفسها تتصف بخصائص معينة تجعلها قػػػػادرة على اف تيصمًٌم انماطا‬
‫كتصاميم معقدة كتؤدم ‪-‬في نظرنا نحن ككائنات نسبية ‪ -‬في اآلخير اغراضا ‪ ... .‬عجيب!‪ ،‬يعني المادة صارت هي‬
‫اهلل (على قولهم) !!‪ ..‬هل يمكن لخاصية المادة اف تنوب كأف تسد (تفسيريا كتحليليا) مسد فرضية اإلله ؟!! هذق‬
‫معركة طػػػػاحنة بين اإللهيين كالماديين سنتعرض لها حين نتعرض لمسألة خاصية المادية اف شاء اهلل‪.‬‬

‫‪35‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫كالموسألة الثانية في االفتراؽ بينهما ‪ :‬في العلٌة الغائية‪ ،‬المؤلٌه ال يقتصر في ايمانه‪ ،‬يقوؿ ‪" :‬انا اؤمن ك أكقن بالعلة‬
‫الغائية‪ ،‬بمعنى اف العلة الفاعلية البد اف تتصف بقدر من الذكاء كالفهم كاالدراؾ يسمح لها اف تصمم تصاميم‪ ،‬كاف‬
‫تخلق اشياء كأف تبدع موجودات تخدـ قصودا كأهدافا معينة‪ ".‬طبعا العلم يقشعر بدنه من الغائية‪ ،‬معركة بين العلم‬
‫كالفلسفة‪ ،،‬العلم اليحب التفسير الغائي كقد تخلى عن النزعة الغائية بالكامل‪ .‬لكن الغائية مهمة جدا في المنظور‬
‫البلهوتي كاالف في مسأألة بحث كجود اهلل‪ ،‬ألف العلة الفاعلية كجدها اليمكن اف تقدـ لنا تبريرا للمصنػػػػػوع الحكيم‬
‫الهادؼ الدقيق‪ ،‬الذم يحكي – كما يقوؿ علماء التصميم الذكي اك الباحثوف – توقيعات اك بصمات الذكاء ‪ .‬مثبل‪:‬‬
‫شخص أم ٌي هبل يصلح بلحاظ القدرة اك القوة الذم فيه‪ ،‬انه كإنساف يأخذ قلم ك أف يخط احرؼ كارقاما؟ نعم يصلح ‪،‬‬
‫هل يصلح بلحاظ العلم الذم عندق اف يخط كتابا في المنطق؟ ال يصلح ‪ ،‬اذف العلة الفاعلية كحدها غير كافية في‬
‫تفسير مانراق من كجود من مصنوعات تحكي ذكاءا تحكي تقديرا تحكي تصميما‪ ،‬لذلك نحن النفصل كال نفكك كال‬
‫نؤمن بالتفكيك في تفسير ظاهرة الكوف كفي كجودق كتعقيداته بين العلة الفاعلية كالعلة الغائية‪ ،‬اما المادم يفعل‬
‫هذا الفصل كالتفكيك يكابر اك اليكابر هذق مشكلة سنتصدل لها بإذف اهلل كال نتسبق الحكم ‪....‬‬
‫نأتي االف الػػى تعريػف التصميم اك النٌظٍم اك النظاـ‪ ،‬عموما نظريا لو كقع االنساف في كهف قديم يعود الى خمسين الف‬
‫سنة خىلىت‪ ،‬كقع على قطعة حجر‪ ،‬فأخذها هكذا كتناكلها بيدق يراها عشوائية تماما فيلقي بها‪ ،‬كقع نظرق الى جانبها‬
‫على مبعدة خمسة امتار اكثر اقل‪ ،‬على قعطة حجر تقريبا على شكل كتاب مهذبة االطراؼ كمنحوتة بشكل مستطيل‪،‬‬
‫كمرقوـ عليها رموز اشبه بالكلمات ك صور‪ ،‬صورة لثور‪ ،‬صورة لعين انساف ‪ ...‬الخ‪ ،‬هل يجد االنساف نفسه مضطرا اف‬
‫يفرؽ بين الحجرين؟ نعم‪ ،‬بالضركرة يفرٌؽ‪ ،‬فالعشوائية الشكل تختلف عن المنحوتة الشكل‪ ،‬كيبدأ يتساءؿ ازاء الحجرة‬
‫الثانية من الذم صممها هذا التصميم‪ ،‬متى صيممت هذا التصميم؟ ماعساها هذق الرموز تعني؟! هذا هو الفرؽ بين‬
‫التصميم كغير التصميم! ‪ ..‬هذا ليس جوابا سهبل‪ ،‬هذا غير مقبوؿ عند علماء اليوـ‪ ،‬ألف مشكلة برهاف النظم كمشكلة‬
‫التصميم الذكي‪ ،‬انه مطالب كخاصة في الربع االخير في القرف العشرين‪ ،‬اف يضع اصبعنا على معايير ك ببلكات محددة‪،‬‬
‫للتمييز بين الشيء المصمم كالشيء العشوائي‪ ،‬العلم اليتعامل مع مشاعر ايها االخوة‪ ،‬كال مع عبارات شعرية ك خطابية‪،‬‬
‫كهذق طبيعة العلم كلهذا تقدىٌـ‪ ،‬فيهتم بػ كيف نعرؼ بأف هذا مصمم اك غير مصمم؟ ‪ ..‬طبعا علماء التصميم قدموا بما‬
‫يسمى بػ عبلمات الذكاء‪ ،‬كل شيء ييعد لترجمة لذكاء معين‪ ،‬يقدـ لعبلمات الذكاء ‪ ،‬البد اف يكوف مصمما‪ ،‬مثل‬
‫التعقيد المحدد‪ ،‬مثل التعقيد الغير قابل لئلختزاؿ‪.‬‬
‫يهعرٌؼ علماء الكبلـ البلهوت (النظم اك التصميم) بػ أركاف ثبلثة‪ ،‬اجزاء مختلفة كجود تعدد األجزاء‪ ،‬النظم اليكوف في‬
‫جزئية كاحدة‪ ،‬لكن توجد اجزاء مختلفة بينها ترابط "أم الييسمح بأف ينقص عددها"‪ ،‬كتناسق"أم انها ليست عشوائية‬
‫كمنظمة حتى في مكانها"‪ ،‬كتحكي هدفية اك غائية اك قصدية‪ .‬هذا هو التصميم اك النظم ‪..‬‬

‫‪36‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫الحلقة السادسة برهاف النظم ‪1‬‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬


‫الحمدهلل كالصبلة كالسبلـ على رسوؿ اهلل كعلى آله كصحبه كمن كاالق‬
‫اللهم افتح علينا بالحق كأنت خير الفاتحين‪..‬‬

‫اكماؿ للحلقة السابقة‪:‬‬


‫الوجود تقريبا من الذرة الى المجرة كجود ميصمىٌم‪ ،‬كهنا طبعا يتدخل الملحد كحتى العلماء يقولوف "اف هذا غير صحيح‪،‬‬
‫توجد اشياء مصمٌمة كتوجد اشياء كثيرة غير خاضعة ألم تصميم كالتحكي هدفية كالغائية‪،‬هي اشياء عشوائية‬
‫كالزالزؿ البراكين االعاصير > اهذق تصاميم ؟! هذ مجرد دمار عشوائي عبثي منفلت" كهذق احدل االعتراضات على‬
‫برهاف التصميم‪ ،‬كهو اعتراض اكردق (ديفيد هيوـ) في محاكرات بشأف البلهوت الطبيعي ‪ ..‬اكر ىد ستة اعتراضات منذ‬
‫القًدىـ كهي حجج تتكرر كهي ليست عبقرية تجلت عنها عبقرية الميحدثين‪..‬‬

‫فيقوؿ اكلئك الماديوف كاكلئك المبلحدة " توجد تصاميم طبيعية‪ ..‬المشكلة بهذا ‪ ..‬هذق التصاميم صدفية‬
‫اتفاقية"‪ ،‬كمعنى الصدفة بإختصار‪ :‬الصدفة يمكن اف تكوف صدفة بالنظر الى الجانب الفاعلي‪ ،‬اك صدفة بالنظر الى‬
‫الجانب الغائي‪ ،‬الصدفة الفاعلية اليقوؿ بها احد كال المبلحدة كال مادم يقوؿ بها‪ ،‬ألف الماديين ال ينكركف العلل‬
‫الفاعلية‪ ،‬بل يحترمونها كيلحظونها‪ ،‬كيطلبونها كبها ييعللوف كيفسركف‪ ،‬كيفترقػػػوف عن المؤلًٌهة في العلل الغائيػة !‬
‫كهذا ليس بالمعنى المعركؼ للصدفة لكنها ليست تحكي شيئا غائيا كهدفا مسبقا‪ ،‬اك مايسميه (ريتشارد داككنز) ‪-‬‬
‫احد المطورين المحدثين كأحد عتاة المبلحدة المعاصرين ‪ -‬بػ صانع الساعات األعمى ‪ ،‬آلية االنتخاب الطبيعي تصنع نظما‬
‫كالساعات‪ ،‬لكن هذا الصانع أعمى ألنه ليس عقبل اصبل‪ ،‬هي آلية معينة داركين كشف عنه‪( ،‬فرانسيسكو إياال) العالم‬
‫الحيوم الكبير الشهير يقوؿ‪ " :‬إف من أبرز كاخطر االنجازات التي قدمها لنا (تشارلز داركين) هي انه بيىٌن لنا كيف اف‬
‫التصميمات المعقدة التي تؤدم كظائف محددة‪ ،‬ليست معلولة ليست مسببة ليست مصممة عن ذكاء‪ ،‬كإنما جاءت‬
‫كنتيجة لئلصطفاء الطبيعي‪ ،‬في زمانية طويلة"‪ ..‬تفسير األشياء بآلية االصطفاء الطبيعي هي احد اعظم كأرسخ اعمدة‬
‫اإللحاد المعاصر‪ ،‬يعني حتى ماكاف يحتج به البلهوتيوف ال يقرٍكسطيوف‪ ،‬بأف الصدفة ال تيفسًٌر هذا ف طريق المراكمة ألف‬
‫الصدفة كما تيراكًم احتماالت بنٌاءة‪ ،‬يمكن اف تأتي باحتماؿ كاحد هدٌاـ يهدـ كل هذق التراكمات‪ .‬ال‪ ،‬االصطفاء‬
‫الطبيعي يعرؼ هذا كيقوؿ لك انا اقوؿ هذا‪ ..‬هي ميقاربة ليست سهلة‪ ،‬فاالصطفاء الطبيعي اليستبقي اال مايصلح‪،‬‬
‫ككل ماال يصلح كلو في مرحلة معينة يفنيػػػه!‪ ،‬كيبقى دائما الذم يصلح‪ ،‬كهكذا يحدث التطور كيبقى االمتداد ‪ .‬يعني‬
‫هذق الحجة البلهوتية القيركسطية انتهت ايضا‪ .‬كما يقاؿ مثبل لنفترض أف بين يدينا كعػػػاءا معينا كلنفترض اف فيه‬
‫احجارا اك كتبا اك قطع خشب مرقمة من كاحد الى عشرة‪ ،‬لكنها مختلطة‪ ،‬االف كلما قمنا بخض عنيف لهذا الوعاء‬
‫سييعاد ترتب هذق األشياء بداخله‪ ،‬ماهي احتمالية اف تترتب هذق القطع الخشبية بطريقة متسلسلة تصاعديا ؟!‪.‬‬
‫المػػادم يقوؿ لك نعم احتمالية موجودة‪ ،‬صحيح ضعيفة جدا لكنها ليست منعدمة‪ ،‬كلما طاؿ الزماف هذق احتمالية‬
‫تصبح قوية‪ ،‬فالبلهوت القيركسطية قالت نعم كيمكن اف تترتب من كاحد الى تسعة‪ ،‬لنفترض عشر مبليين سنة من‬

‫‪37‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫الخض المتواصل‪ ،‬لكن بعد ذلك احتماؿ بخضة كاحدة اف ينهدـ كل هذا الترتيب كنبدأ من جديد قائم كهو اقول بكثير‬
‫من احتماؿ اف يأتي رقم عشرة فوؽ رقم تسعة‪ ،‬اقول بمبليين المرات‪ ..‬كهذا االعتراض الينفع مع االنتخاب الطبيعي‪،‬‬
‫قاؿ انا اخذت هذا في االعتبار‪ ،‬كقل دائما هذا االنتخاب االعمى يستبعد كل ماال يتكيف كل ماال يصلح‪ ،‬كيستبقي‬
‫مايصلح باستمرار ك زمانية طويلة‪.‬‬

‫اذف المادم اليؤمن بالصدفة على انها نفيي للعلة الفاعلية‪ ،‬لكنه يقوؿ بالصدفة كاالتفاؽ كنفي للعلة الغػػائية ليس‬
‫للعلة الفاعلية‪ ،‬ك يعزي هذا النظم الى عمل االتفاؽ في صدفة زمانية طويلة جدا‪ ،‬يعني السبب هنا هو الصدفة‪ ،‬هو‬
‫يفسًٌر بالصدفة ‪ ،‬اك يفسر باالنتخاب الطبيعي‪ ،‬اك يفسر بخاصية المادة‪ ..‬هذق نظرية من اخبث النظريات!‪ .‬خاصية في‬
‫المادة انها في زمنية طويلة تنتخب هذق االشكاؿ تيكوٌف التصاميم‪ ،‬كاضح انها خاصية كلست محتاج الى فرضية إله‬
‫مفارؽ للكوف‪ ،‬المػػادة تفعل هذا كتبرهن هذا! ‪.‬‬
‫لعلكم تنبهتم الى اف اصرار العلماء على تسمية برهاف التصميم الذكي لم يقدـ شيئا جديدا‪ ،‬ألف برهاف النظم كما‬
‫ذكرناق نحن ككما قررق المتكلموف خاصة االسبلميوف منهم‪ ،‬هو يتضمن بشكل كاضح‪ ،‬يقو لك ترابط كاتساؽ كغائية‬
‫هدفية قصدية‪ ،‬الذكاء حػػاضر في صلب النظم‪ ،‬يعني هنػػا لم يقدـ مصطلح التصميم الذكي شيئا جديدا!‪ ،‬هو ركز‬
‫على شيء لم يتنبه له بعض من قرركا هذا البرهاف من الهوتيي اكركبا‪ ،‬البلهوت االسبلمي تنبه له تمػػػػاما قاؿ لك هذا‬
‫ركن من االركاف الثبلثة بغيرق اليكوف نظما‪( ..‬كيلياـ دًمسكي) ‪-‬عالم الرياضيات الشهير كالفيلسوؼ البلهوتي‬
‫كصاحب المصطلح المعركؼ في التعقيد المتخصص ‪ ،Specialist complexity‬كصاحب المصطلح (كيلًٌي اك‬
‫ؼ أم حرؼ من االحرؼ هو‬ ‫شامل)‪ -‬يقوؿ‪ " :‬انا ابحث عن تعقيد متخصص‪ ،‬كمعناها في مثاله الذم يضربه لك‪ :‬كالحرٍ ٍ‬
‫متخصص لكنه ليس معقدان فيراق (دمسكي) ليس نظما ليس تصميما‪ ،‬مثاؿ آخر‪ :‬كاألحرؼ الميهوٌشة مرتبة كراء‬
‫بعضها في شكل قطع قطع بحيث التفهم منها شيئا‪ ،‬هو تعقيػػد لكنه ليس متخصصا اليفيد ايا شيء!‪ ..‬هنا‬
‫(دًمسكي)يقوؿ ال اتحدث عن التعقيد المحض ‪ ..‬آخر مثاؿ‪ :‬احرؼ مرتبة بشكل معين بحيث تكوف كلمات كهذق‬
‫الكلمات تكوف جملة مفهومة‪ ،‬يقوؿ عنه (دًمسكي) انه تعقيد متخصص‪ ،‬فيه كظائف معينة فيه معنى فيه داللة فيه‬
‫مفهوـ كفي نفس الوقت تجدق تعقيػػد‪..‬‬

‫الملحد الشهير عالم الفلك (كارؿ سيقىن) –صاحب (كوزموس)‪ -‬عندق ركاية مشهورة ميثًٌلىت فيلما كهي <‬
‫االتصاؿ ‪ > Contact‬تتحدث عن الػ سي تي‪ CeTI‬البحث عن الذكاء خارج األرض‪ .‬دائما نتلقى اشارات من‬
‫الفضاء الخارجي‪ ،‬لكنها إًشارات إلى اآلف على األقل تؤكد انها اشارات عشوائية ليست لها اية داللة كمعنى‪ ،‬كيحرص‬
‫العلماء على تلقيها يهتموا باستقباؿ أم اشارة تحكي ذكاءا في كواكب اخرل مجرات اخرل عوالم اخرل‪ .‬في ركاية يصوٌر‬
‫لنا‪ :‬في يوـ من االياـ استقبل الراصدكف (حراس بوابات السماء كما ييقاؿ) اشارات ىكضىح انها ذكيػٌة‪ ،‬كهنا السؤاؿ‬
‫لماذا ذكية؟‪ .‬كيف عرفنا انها ذكية؟‪ ،‬ماهو معيار (كارؿ سيقىن) لجعل الشيء العشوائي الى ذكيان؟‪ ..‬يعني يحكي‬
‫تصميما‪ ،‬كإرساؿ اشارة بطريقة معينة >يسمى تصميم‪ ،‬طبعا (كارؿ سيقىن) في ركايته الخيالية العلمية يقوؿ‪" :‬‬
‫هذق االشارة كانت عبارة عن اعداد اكلية تتكرر بنسق معين‪ ،‬كبين كل عدد كآخر فترة زمنية‪ ،‬تبدأ من ‪ 2‬الى العدد‬
‫االكلي ‪ 101‬بالبع تعرفوف االعداد االكلية انها تقبل القسمة على نفسها كعلى العدد كاحد فقط‪ ،‬طبعا ىفرًح العلماء‬
‫كالباحثوف انه فيه ذكاء خارج االرض‪ ،‬نحن نساءًؿ (كارؿ سيقىن) لماذا اعتمد هذا النمط لتجعله يحكي تصميما ذكيا؟‪.‬‬
‫ألنه مامن قانوف فيزيائي يقضي بأف تكوف االشارات الراديوية على هذق الهيئة!‪ ،‬لكن انتبهوا جيدا ‪..‬في البحث عن‬
‫ال يكوف هذا التصميم ضركريا‪ ،‬اذا كاف ضركريا اليوجد فيه‬ ‫التصميم الذكي –كهذا ماقاله (دًمسكي)‪ -‬كاحد مهم جدا أ ٌ‬
‫خيار‪ ،‬فلن يكوف تصميما ذكيا‪ ،‬ألنه اف كاف تصميما ذكيا > البد اف يحكي إختيػػػػػارا !‪ ،‬المصمم كاف عندق اكثر من‬

‫‪38‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫خيار‪ ،‬فكل شيء ضورم المناص منه ال يكوف تصميما ذكينا !‪ .‬عكس مايعتقدق مفكر ساذج صبياني فيقوؿ‪ :‬ال بل‬
‫على العكس‪ ،‬التصميم الذكي البد اف يكوف شيئا ضركريا! ‪ ..‬كهذا ليس بصحيح‪.‬‬

‫فبل يوجد في قوانين الفيزياء شيء ما يجبر على اف االشارات تكوف بهذا الٌنسىق‪ ،‬كهذق النمطية‪ ...‬اك ربما حتى الزماف‬
‫ايضا محكوـ بمتوالية قد تكوف عددية اك هندسية ‪..‬فبليوجد في قوانين الفيزياء مايبرر لنا هذا‪ ،‬فإذا حدث هذا كحصل‬
‫نعػػػػرؼ انه يحكي خطة كتصميما !‪ .‬هذق بصمة ذكاء معين ‪..‬فنعرؼ اف في الفضاء الخارجي خارج المجرة اك داخل‬
‫المجرة اف هناؾ كائنات ذكية تود اف تتصل بنا كتتواصل معنا‪ ،‬تلك ركاية لػ (كارؿ سيقىن) ‪.‬‬
‫لؤلسف الشديد هذا الكبلـ على كضوحه لكنه ال ييشكل مقدمات ملزمة للماديين كالمبلحدة‪،‬يقولوف نختلف كنفترؽ‬
‫عنكم‪ ،‬نؤمن بالعلل الفاعلية‪..‬لمى تستبعدكف ايها المؤمنوف ك المؤلٌهة انه بطريق الصدفة كمحض االتفاؽ حاصل كل‬
‫ماحصل‪ ..‬مالذم يمنع من هذا؟!‬
‫في القرف التاسع عشر‪ ،‬كلب حراسة (تشارلز داكرين) – هكذا كانوا يسمونه – عالم األحياء الكبير (كيلياـ هاكسلين)‬
‫كاف صديق لداركين كمتعصب جدا لنظرية التطور‪ ،‬كلما قرأها قاؿ‪ :‬اللعنة!‪ ،‬كيف لم افكر بهذا من قبل!‪ .‬ثم بدأ ييبشٌر‬
‫بها في كل المحافل‪ ،‬حتى اعاد ترتيب افكارق كخياراته االخبلقية على ضوء نظرية التطور‪ ،‬على كل حاؿ كاف شكوكيا‬
‫لم يكن ملحدا‪ ،‬فػله عبارة ضد المبلحدة بشكل رئيس‪ ،‬قاؿ‪ " :‬هؤالء المبلحدة يعتمدكف على ادلة طبيعية غير كافية‬
‫ت في مسألة ال ييكتفى فيها بمثل هذق االدلة!"‪ ..‬كلذلك هو كاف ال أدرينا > كعلى فكرة ييقاؿ اف‬ ‫كغير كافية للبى ٍ‬
‫الذم صك هذا المصطلح ألكؿ مرة هو (توماس هاكسلي)‪ .‬فكاف كيلياـ ال ادريا يقوؿ اهلل موجود اك غير موجود‬
‫الادرم‪ ،‬فاألدلة غير كافية كال كافية‪ ... .‬طبعا هنا الخطأ الفلسفي ايها االخوة‪ ،‬كتذكركا دائما عبارة آينشتاين (‬
‫ت لكم اف في الدراسة النفسية كدراسات االبداع‪ ،‬في معظم هذق الدراسات‬ ‫العلمػػػاء فبلسفة ضعفآء )‪ ..‬ككما قل ي‬
‫معظم المراجع حتى!‪ ،‬يتأكد دآئما اف اذكى البشر هم > الفبلسفة < ‪ ،‬ثم الفنانوف‪ ،‬ثم ثالثا هم >العلماء< !!‬
‫كلذلك تجد بعض العلماء التطوريين مثل (ستيفين جي قاكلٍت) صاحب كتاب < صخور األزماف > هذا الكتاب كله‬
‫يتحدث عن حل مشكلة ‪ -‬ليست مفارقة كليست لمشكلة معضلة – النزاع بين العلم كالدين‪ ،‬هذق أرٌقت العقلية‬
‫الغربية‪ ،‬كهو انتهى بكل بساطة الى حل توفيقي (الٌريكىاؽ ‪ /‬المجاؿ) – طبعا هذا مصطلح الهوتي في األصل كاالف‬
‫يستخدـ في العلم بمعنى آخر‪ -‬حل األركقة المجاالت ‪ ،،‬الميادين يعني‪ ..‬كباختصار يقوؿ هذا الكتاب اف الديػػن له مجاله‬
‫‪ ،،‬كالعػػػلم له مجآله‪ ،‬كعلى كل منهما اف يحترـ مجاؿ اآلخر‪ ،‬أما اذا أبى الدين إال اف يتدخل في ركاؽ العلم‪ ،‬كأبى العلم اال‬
‫اف يتنطع فػ يىبيتٍ في قضايا باحث البلهوت > قاؿ هنا يحصل الخلط كالخبط كلن ننتهي الى نتيجة !‪ .‬كيبقى الصراع‬
‫محتدما‪..‬‬
‫كلماذا ذكرنا في سياؽ موضوعنا (توماس هاكسلي)؟‬
‫ألنه هو صاحب فرضية القرد اك مبرهنة القرد‪ ،‬كماذا تقوؿ هذق المبرهنة اك الفرضية؟ تقوؿ كبكل بساطة كهي مجرد‬
‫شعر اك خياؿ محض ليس لها عبلقة ال بالعلم كال بالفلسفة‪ ،‬محض خياؿ‪ ،‬هلوسة فكرية‪ ،‬فيقوؿ‪ " :‬انا اعتقد انه لو‬
‫جلس مجموعة من القركد الذكية الشامبانزم ‪ ،‬على آلة الطباعة كتضرب عشوائيا كبقيت على هذا فترة طويلة‪ ،‬طبعا‬
‫كلما طالت الفترة كلما عىظي ىم احتماؿ النجاح ‪ ..‬كنحن نعرؼ اف االحتماالت ييعبر عنها بعدد كسرم يعني‪ :‬البسط فيه هو‬
‫امكاف النجاح‪ ،‬كالمقاـ فيه هو عدد المحاكالت في اربعين من مية‪ ،‬يعني االحتماؿ يكوف نهاية اربعة من عشرة‪ ،‬قاؿ انا‬
‫اظن انه بعد فترة طويلة ليس مستبعدا بالمرة اف نجد هذق القردة كقد تمخٌض عن ضربها لآللة العشوائي الغير قاصد‬
‫الغير كاعي الدارؾ األعماؿ الكاملة كأعماؿ(كيلياـ شكسبير)"‪ ..‬يعني اعطيني زمنا كعشوائية النظامية الهادفة ابدا‬
‫تعمل‪..‬سترل نجاحا‪.‬‬

‫‪39‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫طبعػػا المبلحدة يتشبثوف بهذا بطريقة اك بأخرل‪ ،‬احيانا ليس بهذق الطريقة الفجٌة كلكن بطريقة اخرل يؤكدكف انهم‬
‫يؤمنوف بقدرة العشػوائية في الزمانية الطويلة على انتاج شيء غير عشوائي كميصمىٌم كجميل كقوم جدا‪..‬‬
‫اآلف المجلس القومي البريطاني للفنوف كالعلوـ اراد اف يجرب هذق المبرهنة‪ ،‬قاؿ عندنا امكانيات ليس علينا اف ننتظر‬
‫عشرة ببليين سنة لكي نرل النتيجة‪ ..‬كهػي تجربة اليمكن اف تصمم اصبل‪ ..‬كيف تيصمم فبليوجد قرد يعيش عشرة‬
‫ببليين سنة‪..‬كبلـ فارغ كهذا امر غير قابل لئلختبار كبالتالي غير قابل للدحض ك للتزييف‪ ،‬لكن المجلس قاؿ نحن ممكن‬
‫اف نعمل تمثيل لهذق التجربة حاسوبية‪ ،‬لدينا حواسيب االف عمبلقة بعض تقوـ بعشرات المليارات العمليات الحسابية‬
‫في ثانية!‪ ،‬فقاموا بهذق التجربة تمثيليا بمجموعة قركد ربما ستة اك عشرة‪ ،‬كجعلوها تضرب تمثيليا على لوحة المفاتيح‬
‫عشوائيا لشهر كامل‪ ،‬بعد هذا الشهر كجدنا صحائف أم خمسين كرقة ملئانة‪ ،‬خمسين كرقة في شهر كامل لم نجد‬
‫كلمة كاحدة تتكوف من حػرؼ ! ‪ ..‬أم باللغة االنجليزية حرؼ ‪ A‬ممكن تكوف كلمة اذا كانت مسبوقة بمسافة فارغة‪،‬‬
‫كمتبوعة بمسافة فارغة‪ ..‬هنا تصبح كلمة‪ ،‬كلدينا ‪ 30‬مدخل هنا ‪ 26‬للحركؼ االبجدية ك ‪ 4‬للرموز‪ ،‬كاالحتماؿ عندنا‬
‫سيكوف هو اننا نريد مثبل كلمة من ثبلثة احرؼ التي هي مسافة فارغة بعدها حرؼ ‪ A‬كمسافة فارغة‪ ،‬يعني كاحد على‬
‫ثبلثين ‪ ،‬ثبلثين اهس ثبلثة ‪ ،‬يطلع معنا كاحد على سبعة كعشرين ألف‪ ،‬يعني من بين كل سبعة كعشرين ألف محاكلة‬
‫لدينا احتماؿ كاحد فقط محاكلة كاحدة قد تنجح تفلت كنجد (فراغ ‪ A‬فراغ)‪ ..‬كلكػػن حتى هذق النتيجة كاالحتمالية لم‬
‫نجدها في شهر كػػامل في تجربة المجلس‪ ...‬فهذا هٌزى الثقة بمبرهنة القرد هذق‪ ،‬كلدينا ايضا مبرهنة القرد البلمتناهية‬
‫أم ادخلوا فيها زمانا ال نهائيا‪ ،‬هنػػػػػػا اثبات كاقعية كعلمية كإمكاف اف يكوف هذا الزماف البلنهائي متاحا للتجريب ال تقع‬
‫على عاتق المؤلٌهة‪ ،‬تقع على عاتق العلم‪ ،‬اسألو علماء الكونيات كعلماء الفيزياء الكونية‪ ،‬هل هذا الكوف ال نهاية اصبل ؟‬
‫هل كيجًد من البلنهاية ببل بداية كيستمر الى ماالنهاية؟‪ ،‬اـ أف له بداية ك نهاية مرشحة له ايضا؟‪ ،‬ل ىم حتى الكفر بالعلم‬
‫ايضا صار؟!‪ ..‬العلم نفسه حتى البد اف ييستبعد كالبد اف نكابر عليه ليس الكفر بالفلسفة كالعقل‪ ...‬كهذق يترٌهات‬
‫ككبلـ ال اساس له من الصحة‪ ،‬انه نوع من االصرار اك كما سماق (بليز باسكاؿ) > ارادة اإللحاد !‪ ..‬فيه ناس هكذا‬
‫تفكر ‪..‬بالرغم من كجود كل البراهين اال انها تريد اف تلحد ‪ ..‬انتم احرار ماذا بأيدينا اف نفعل!‪ ..‬لكن نريد اف نتبع‬
‫العقل نحن ننادم من كراء (مارثن لوثر) كاف يقوؿ إلهي اغفرلي ‪ ،‬هذا كل ماعندم‪ .‬مشيرا الى عقله‪ ،‬كاف يقوؿ انا افكر‬
‫بعقلي‪،‬ال استطيع اف افكر خارج عقلي! كما انا االف اقوؿ في مأساتي مع هؤالء المنغلقين التائهين‪ ،‬الاستطيع اف‬
‫تحببني في اناس عقلي اليحبهم‪ ..‬البراهين التيحببني فيهم ال استطيع فيا رب اغفر لي فهذا كل مػػػػاعندم! دماغي انا‬
‫كل ماعندم‪ ،‬اما انتم اذا اردتم اف تفكركا ببل دماغ فأنتم احرار ‪ ..‬انتحركا عقليا ‪..‬ليست عندم اية مشاكل فلن انتحر‬
‫ل عقلػػػػ هه عند اهلل‪ ،‬ال يوجد احد يقوؿ‬ ‫عقليا ‪ ،،‬عندم عقل علي اف اتبٌعه‪ ..‬يػػػػػػوـ القيػامة سيدخل النار كػػػل من عطىٌػػػ ى‬
‫لك انت تأكل كانا بطني ستشبع عنك‪ ،،‬كلكن نحن نرضى بػػما يسمى بػ "فػكًٌػر عني" !‪ .‬كهذا ماسيدخلك نارجهنم‬
‫على فكرة !! ‪ ..‬النبي صلى اهلل عليه كسلم قاؿ‪" :‬كأهل النار خمسة‪ :‬كالضعيف الذم ال زٌىبىر له الذين هم فيكم تب هع‬
‫اليبتغوف اهبل كال ماال ‪" ..‬الحديث ‪ .‬معنى الحديث اف من اهل النار هم الناس العواـ (اللي عليهم عليهم‪ ،‬معاهم‬
‫معاهم) كليسوا مستفيدكف ال ماديا كال عائد عليه بشيء يستفيد منه‪ ،‬إنما يتبع الكبراء كالسادة مهما قالوا مهما كاف‬
‫موقفهم هم متبعوف لهم كرائهم كيموتوف كيفجركف انفسهم لهم‪ ..‬مامعنى (ال زٌىبىر له) أم العقل له يػىػزٍبػيػري يق عن متابعة‬
‫المبطلين في باطلهم كالظالمين في ظلمهم ! كال يوجد عندنا منطق قالوا اطلق النار فأطلقت ‪ ،‬اعمل فعملت‪ ،‬انا عبد‬
‫مأمور يارب‪.. ،‬قاؿ النبي اف هؤالء من اهل النار !!! في الدين لدينا عقل يرل ك يفكر فيميز كيقرر‪ ،‬لم يخلقه لك‬
‫لتعطٌله‪..‬أليس ذلك بصحيح؟! كعلى فكرة لو استعملت المخ تجدق يستوعب االمور العلمية كالفلسفية كالقرآف كالدب‬
‫كالشعر فيجعلك من ارقى الناس! ‪ ..‬لكنك اف لم تستخدمه فأحببت اف تعيش شبيه بدابة اك بهيمة‪ ،‬فيقوؿ اهلل‬
‫هذق نعمة كفرتها كجزاء الكفر بها جهنم‪ ،‬فجوهر ماذكرق في الحديث اف العبد الضعيف الذم حاله يقوؿ‪ :‬انا عبد‬
‫مأمور> هو من اهل جهنم‪..‬فبل يوجد عندنا هذا المنطق ‪ .‬نحن المؤمنوف نحب اف نفكر بعقولنا ‪ ،‬كينبغي على الملحد اف‬

‫‪40‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫يحترـ هذق الخاصية‪ ،‬فكٌر بعقلك‪ ،‬آل تحاكؿ اف تفكر بخارج حدكد العقل كخارج حدكد العلم‪ ،‬فهذا ييعتبر انتحار لعقلك‬
‫هو جنوف كليس بتفكير! كاسمه ايضا عدمية عقلية أم تكفر بعقلك كتكفر بالعلم كمنجزاته لكي تبرهن مااليتبرهن‪.‬‬
‫كهذا هو اإللحاد العجيب ‪.‬‬
‫أتى عىالًم يبدك انه من اصل الماني (جيرالد شركدر) صاحب كتاب < الوجه الخفي هلل> ‪ -‬عالم كوني فيزيائي مشهور‪،-‬‬
‫كقاؿ انا اريد اف امشي خطوة لؤلماـ‪ ،‬كسآخذ قصيدة لشكسبير ‪ ،‬إنما سأجرل محاسبة لكن هذق المرة ليس على‬
‫حرؼ ‪ A‬مسبوقا كمتبوعا بالفراغ كإنما على قصيدة سوناتا‪ ،‬هذق القصيدة مكونة من ‪ 488‬حرفا‪ ،‬فوجد بعد اجراء‬
‫المحاسبة انه احتماؿ اف هذق القركد الذكية المتطورة اف تكتب فقط هذق الػ سوناتا‪ ،‬احتمػػاؿ ضغيػػػف جدا الى درجة‬
‫تستعصي على التخيل يساكم كاحد على عشرة مرفوعة لؤليس ستمئة كتسعين ! أم يعني الرقم كاحد كامامه ‪690‬‬
‫صفرا !!‪ ..‬يأتيك ملحدا مكابرا كيقوؿ‪ :‬اذف مازاؿ هناؾ احتماال كإف كاف ضعيفا ! ‪ ..‬فنسأله هل عيمير الكوف يسمح‬
‫بهذا ؟! هل المادة في الكوف تسمح بهذا ؟! من اين للقرد طاقة ليظل يضرب عشوائيا الى هذا العدد من المرات؟‬
‫هل الطاقة في الكوف تسمح بهذا؟ فيقوؿ منتحرا عقله‪ :‬نعم طاقة الكوف يسمح بهذا‪ > ..‬هذا الفاهم في الرياضيات‬
‫كال كونيات كال عارؼ أم شيء‪..‬منتحر عقليا بالفعل! ‪ ..‬أتعرفوف الدقائق الصغيرة الذرية كاأللكتركف كالنيوتركف‬
‫كالبركتوف ‪ ..‬الخ في الكػػوف كم يبلغ عددها؟ يعني مثبل في رأس هذا القلم مئات األلوؼ من الذرات كفي كل ذرة –‬
‫كما توصل اليها العلماء بالتقريب‪ -‬مئتي دقيقة ! كفي الكوف كم تبلغ عدد الدقائق ؟ عشرة أيس ‪ 80‬دقيقة‪ ،‬كما‬
‫اجمع عليه العلماء‪ ..‬نػػػريد اف نفترض اف المادة في الكوف (التي كزنها عشرة أيكس ‪ 58‬كيلو غراـ‪ ،‬هذا كزف المادة في‬
‫كل الكوف) لو حولنا كل هذق المادة الى رقائق حاسوبية ككل رقاقة منها تزف كاحد على مليوف مل غراـ‪ ،‬يعني في‬
‫كيلو لدينا مليار دقيقة‪ ،‬كاالف كل دقيقة بمثابة قرد يضرب عشوائيا على لوحة المفاتيح بمعدؿ مليوف ضربة في‬
‫الثانية‪ ،‬كننظر في عمر الكوف ستظل القردة تضرب ‪ 000 000 13,7,000‬سنة كليس شهرا كما جربها لمجلس‬
‫البريطاني!‪ ..‬الكومبيوتر يعينه على إجراء هذق الحوسبات العمبلقة‪ ،‬كالنتيجة ستكوف لدينا عدد المحاكالت‪ ،‬اتعرؼ كم‬
‫محاكلة؟ انها عشرة أيس تسعين محاكلة فقػػط! بالرغم من كل هذا الزماف كأعداد تلك الرقائق التي تضرب المحاكالت‬
‫كمليوف ضربة في الثانية ‪ !..‬انها عدد المحاكالت فقط كليست امكانية النجاح‪ ،‬فىلًكي احصل على عدد المحاكالت‬
‫المطلوبة هذق ( عشرة أيس ‪ 690‬محاكلة) يعني بقي لي ‪ 600‬محاكلة‪ ،‬كبمعنى آخر أنني اريد كونا أكسع من كوننا‬
‫هذا كتتحوؿ كل المادة فيه الى كما ذكرنا سابقا ‪ ..‬سػػتمئة مػػرة ‪ ،‬احتاج الى ستمئة كوف‪ ،‬اك كونا كاحد لكن يطوؿ‬
‫عمرق ستمئة مرة‪ ..‬يعني ‪ 600 × 000 000 13,7,000‬سنة!! كفي األخير ليصبح عندم عشرة أيس ‪690‬‬
‫محاكلة‪ ،‬كاالحتماؿ اف تنجح المحاكلة هي ‪ :‬كاحد فقط !! ‪ ..‬اهلل اكبر‪ ،‬شيء يقشعر بدنك‪ ،‬كليس االمر يتعلق بخلق‬
‫االنساف كالشيء بركتيني‪..‬ال ال‪ ،‬انها قصيدة سوناتا تحتوم على ‪ 488‬حرفا فقط !!!‪ ..‬يأتيك احدهم يقوؿ لك‪:‬‬
‫لكن هذا اليساكم الصفر‪ .‬نعم؟!‪ ..‬مامعنى الصٌفر عندؾ؟‪ ..‬في نظرم انا ارل هذا العدد االحتمالي دكف الصفر ببليين‬
‫ببليين المرات‪ .‬لذلك علماء الرياضيات قالو اذا اردت اف تضع احتماؿ متناهي الضآلة يساكم الصفر‪ ،‬اتعرفوف ماهو؟ انه‬
‫كاحد على عشرة أيس ‪ .. 150‬هذا صًفًر انتهى ‪ .‬ك الواحد على عشرة أيس ‪ 160‬؟ ‪ ..‬هنا دخلنا بالسالب أم مادكف‬
‫الصفر! ‪ .‬ال تقوؿ لي‪ :‬لكني االف اراق كاحد على األقل ‪ .‬هههه كهل رأيت هذا االحتماؿ الواحد؟!‪ ..‬انك تراق على‬
‫الورقة فقط‪ ،‬في الكوف فانت لن تراق في آالؼ آالؼ مليارات السنين كفي مليارات مليارات مليارات مليارات المحاكالت‬
‫‪ ..‬كلن تػػراق ! أغرٌؾ انك رأيته على الورؽ رقم كاحد ؟!!!! ليػػػس له كجود‪ ،‬كبلـ خيالي انه كجود رمزم عدمي‪ ..‬لذكل‬
‫(هاكسلي) انتهى بمبرهنته هذق عن القردة‪.‬‬
‫للك (انطونيو فلو) قاؿ لما كقفت على هذق المحاسبة اخبرت (جيرالد شركدر) بالقوؿ‪ " :‬إف مبرهنة القرد مجرد كو هـ‬
‫من النفايػػات !"‪ .‬كهذا ماحمل (انطونيو فلو) على اف يؤمن بعد ثمانيػػن سنة من التنظير لئللحػاد‪ ،‬ككتابة الكتب‬
‫كالمحاضرات بالعشرات بل بالمئات في اإللحاد حوؿ العالم‪ ،‬كالرجل انتهى الى االيماف! ‪ ..‬انها آيات اهلل في الخلق‪.‬‬

‫‪41‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫(دمسكي) هو أتى بمفهوـ عتبة احتمالية معينة ندحل بعدها في العىدىـ‪ ،‬حددق بػ كاحد على عشرة أيس ‪ 150‬سمٌاق‬
‫< ‪ > universal probability pound‬يعني نستطيع اف نقوؿ حد االحتمالية الشمولية العامة‪ ،‬بمعنى أم‬
‫شيء احتماؿ كقوعه كاحد على عشرة أيس ‪ 49‬سيظل في حيٌز االمكاف‪ ،‬في تاريخ الكوف هذا ممكن اف يحصل كلو مرة‬
‫كاحدة ‪ ..‬أم شيء احتماؿ كقوعه كاحد على عشرة أيس ‪ 150‬أك أزيىد من هذا‪ ،‬فهو مستحيػػػػػػػػػػػػػل اف يقع كغير‬
‫متصوىٌر الوقوع‪ ،‬ك عشرة أيس – ‪ 150‬تساكم الصفر عندم‪ ..‬لمى قاؿ (دمسكي) ذلك؟ ‪ ..‬سنرل ‪..‬‬
‫قاؿ (دمسكي) اذا اردنا اف نعد الدقائق الذرية في الكوف‪ ،‬نجد انها عشرة أيس ‪ 80‬دقيقة‪ ،‬ثػػانيا معدؿ الحد االقصى‬
‫ايها االخوة للتحوالت كالعمليات التي تحدث في كل ثانية في هذا الكوف هو عشرة أيس ‪ 45‬في الثانية على مستول‬
‫الكوف كهذا عدد مخيف!‪ .‬ل ىم هو عشرة أيس ‪45‬؟ ألف هذا معكوس زمن ببلنك‪ ،‬اصغر شيء ممكن تتخيله هو كقت‬
‫زماف ببلنك‪ ،‬فقاؿ نحن نعمل معكوسه‪ ،‬فأكثر عدد متخيل كليس بشرط اف كاقعي‪ ،‬لكن لو افترضنا خياليا نأحذ أم‬
‫شيء ممكن اف يقع في دائرة الوجود‪ ،‬باالحتماؿ الضعيف جدا جدا جدا‪ ،‬فاحتمالية كقوعه لن يحدث مطلقا‪ .‬ثػػالثا‪ ،‬لدينا‬
‫عشرة أيس ‪ ، 25‬نريد اف نرل طوؿ عمر الكوف اطوؿ من المعركؼ بػ عشرة أيس ‪ 25‬مليار مرة‪ ،‬قالك اضرب عشرة‬
‫أيس ‪ 80‬بػ عشرة أيس ‪ 45‬بػ عشرة أيس ‪ = 25‬ستكوف النتيجة عندم عشرة أيس ‪ 150‬قاؿ أم احداث ممػػكن‬
‫تقع مهما كانت صغيرة كبسيطة كحقيرة في الكوف كله آل يػػوجد احتماؿ لحدكثها بعد هذا الحػد ( عشرة أيس ‪150‬‬
‫) ‪ ،‬الكوف التسمح بهذا أم حدث مهما كاف صغيرا كليس الحديث عن تكوف جسم االنساف اك بمئة التريليوف خلية‪،‬‬
‫ككل خلية كػػػوف بحد ذاته كعػػػالم من التصاميم الذكية‪ ..‬اذا اردتى اف تتكلم بمنطق العلم‪ ،،‬هذا منطق العلم‪ ،‬منطق‬
‫المحاسبات‪ ،‬كليس بمنطق ارادة اإللحاد‪ ،‬اريد اف ايلحًد هكذا بالقوة! كتبدأ تأتيني بػ (دكاكنز) ك < كهم اإلله > ك‬
‫(داركين) ‪ ..‬الخ ‪..‬اليهمنا ذلك فنحن نتحدث باللغة الرياضية كما تحدث بها المتخصصوف فيها ‪.‬‬
‫فاحفظوا هذا ‪ :‬حد االحتمالية الشاملة هو عشرة أيس – ‪ 150‬كهذا يساكم صفرا فكل شيء بعدق اقل من صفر ‪،‬‬
‫فػ عشرة أيس – ‪ > 190‬شيء مػرعب في عدميته في تأبًٌيػه على التصور شيء ال ييتخىيٌل !!!! ييكتب هكذا كييقاؿ‪،‬‬
‫لكن يمكن اف يتخيل ذلك كلو بأم طريقة من الطرؽ‪ ،‬اليسمح بهذا ال موارد الكوف ال طاقته ال ىزمىنيه ال طوله ال عرضه‬
‫كالآآآ شيء يسمح بتصورق على االطبلؽ‪ ،‬فضبل عن اف نفسٌر به نشوء الحياة‪ ،‬كالحياة العاقلة الذكية كالحياة الباحثة‬
‫عن اهلل‪ ،‬كالحياة الباحثة في المجردات كهكذا ‪ ...‬قاؿ تعالى‪ } :‬يقتًل اإلنساف ما أكفرق { ‪.‬‬
‫بعض العلماء ايضا كانت لهم محاكالت اخرل‪ ،‬بعضهم قاؿ نريد اف نرل قردة (هاكسلي) هذق تكتب عشوائية ركاية لػ‬
‫( هلماـ مًلٍفًيل )‪ ،‬ركاية رائعة كمن اطوؿ الركايات‪ ،‬اك ركاية اخرل‪ ،‬اك تكتب الػ <‪ > KJB‬الكتاب المقدس نسخة‬
‫الملك جيمس‪ > KJB< ،‬هذق تتكوف من تقريبا اربعة مبليين حرؼ‪ ،‬فقالوا سنأخذ ‪ 26‬حرفا من دكف مسافة الفراغ‪،‬‬
‫لكي تضرب عليها القردة عشوائي نة على لوحة المفاتيح‪ ،‬سنقوؿ انها تساكم ‪ 26‬مرفوعة لؤليس‪ 4,855,063‬تكوف‬
‫النتيجة رقم مذهل كمخيف‪ :‬ثبلثة فاصلة ثمانية من عشرة × عشرة مرفوعة لؤليس ‪ . 5032323‬يعني بتكوف‬
‫النتيجة ‪ :‬كاحد على ثبلثة فاصلة ثمانية من عشرة × عشرة مرفوعة لؤليس ‪ .. 5032323‬ليس خلق اإلنساف‬
‫بالصدفة كيتطور ال‪ ،‬خلق هذا النص فقط معدكـ احتماليته‪ ،‬كمن االكثر تعقيدا؟ اإلنجيل اـ االنساف ؟! ‪..‬‬
‫العلم الرياضيات اك الحوسبة يتحدث ايها االخوة ‪ ..‬كليس االكهاـ كالشعر كالخطابات كالوعظيات ‪ ..‬انه العلم‪ ،‬على‬
‫اإللحاد هنا اف يحترـ نفسه ك أف يلزـ حدكدق‪ ،‬ال يتكلم بإسم العلم ككذا كهو اليحترـ مقررات العلم ‪.‬‬

‫نكتفي بهذق الحلقة على اف نلقاكم في الحلقات المقبلة بإذف اهلل تعالى كالسبلـ عليكم ك رحمة اهلل كبركاته ‪..‬‬

‫‪42‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫الحلقة السابعة برهاف النظم ‪2‬‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬


‫الحمدهلل كالصبلة كالسبلـ على رسوؿ اهلل كعلى آله كصحبه كمن كاالق‬
‫اللهم افتح علينا بالحق كأنت خير الفاتحين‪..‬‬
‫اخواني اخواتي السبلـ عليكم كرحمة اهلل كبركاته‬

‫لم اكمل ماكددت اف اقوله في نهاية الحلقة السابقة كهي‪ :‬اني لػػن أتورٌط في هذا التوقيت من هذق السلسلة مع‬
‫المبلحػػدة كنصرائهم بأف اناقش كيفية تكوٌف بعض النظم المصممة كادخل في نقاش مع التطوٌريين كاحتمالية ذلك‬
‫كامكانيته‪ ،‬الالال ‪ ..‬انا سأبدا من البداية الصحيحة‪ ،‬سأبدأ من الكوف نفسه ‪ ،،‬اكبر منظومة على االطبلؽ كأهوؿ‬
‫منظومة هي الكوف‪ ،‬ألنه مبدأ االنتخاب الطبيعي المفركض اليعمل في الكونيات اال بتدعيم متكلىٌف‪ ،‬فضبل اف يعمل في‬
‫اـ مسائل الكونيات كهي مسألة نشوء الكوف نفسه‪ ،‬اليوجد ابدا مجاؿ لئلختيار كاالصطفاء‪ ،‬يوجد لدم كوف تكوٌف‬
‫بطريقة االنفجار العظيم‪.‬‬
‫كاعتقد انه أم مثقف بسيط كعادم عندق فكرة مبدئية عن نظرية االنفجار الكبير‪ ،‬كيف كاف الكوف كله‬
‫قبل ‪ 000 000 13,7,000‬ثبلثة عشر فاصل سبعة مليار سنة مضغوطا في الشيٌػ ىذيٍذىة اك المتفردة‪ ،‬حيث كانت‬
‫القول االربع‪ :‬القوة الجاذبية‪ ،‬كالقوة الكهركمغناطيسية‪ ،‬كالقوة النوكية الضعيفة‪ ،‬كالنوكية القوية‪ ،‬كلها كانت بمثابة‬
‫شيء كاحد غير متميز في حيػًٌػز اصغر من البركتوف مبليين مبليين المرات على ما اذكر انه عشرة ايس ‪ 32-‬من متر تقريبا‪،‬‬
‫شيء مذهل في صغرق بعضهم كصفه بالعدـ‪ .‬في ظػػركؼ معينة حصل هذا االنفجار الرهيب‪ ،‬كاالف بدأ الكوف يتمدد‬
‫بسرعة هائلة في جميع االتجاهات‪ ،‬لم يكن هناؾ فراغات اصبل‪ ،‬ييخلق االتجاق كييخلىق الزماف حتى بهذا االنفجار هكذا‪،‬‬
‫كعلى كل حاؿ الزماف كالحيًٌز هي مفاهيم بيع ًديىة أم ال ييبحث عنها كأجزاء في الكوف‪ ..‬انتبهوا‪ ،‬ككما ذكرت لكم اف‬
‫مكمن الصعوبة في المسائل الفلسفية في تصويرها‪ ،‬بعكس المسائل الرياضية فإذا صوٌرت المسألة الفلسفية بشكل‬
‫دقيق كصحيح‪ ،‬يسهيل حلها كالعكس صحيح‪ ..‬اذا لم تصورها كلم تتصورها بشكل دقيق يصعب حلها كيظل يتكرر‬
‫السؤاؿ ألف التصوير خاطيء‪ ،‬بمعنى الى اليوـ قد نقع على علماء كبار مشاهير حوؿ العالم كيقولوا لك نحن لم نج ًد اهلل‬
‫سىهي لم نمسٌه‪ ،‬كيف نؤمن بشيء لم نجربه! ‪ ..‬عجيػػب! كمن قاؿ لك اصبل اف اهلل الذم‬ ‫تحت المايكركسكوب‪ ،‬لم ني ًح ٌ‬
‫ييبحث في مسألة كجودق من عدمها ييبحث عنه في عرض اشياء الكوف؟! أم فيلسوؼ إلهػي طرح المسألة بهذق‬
‫الطريقة؟! أقػوؿ له يا سيدم العالم الكبير حتى ك إف كاف من حىمىلة جائزة نوبل‪ :‬ابحث لي باهلل عليك بنفس الطريقة‬
‫عن الزمن ؟!! نريد اف نضبط الزماف متلبسا تحت التليسكوب اك المايكركسكوب اك بأم كسيلة‪ ،‬الزمػػاف كال المكاف‬
‫يمكن البحث عنهما في عرض االشياء الطبيعية‪ ،‬يعني كشيء من اشياء الطبيعة‪ ،‬كجزء من أجزاء الطبيعة‪ ..‬أم عالم‬
‫فيزيائي يفهم هذا جيدا‪ ..‬أما الزماف كأما المكاف فيينظر اليها على انهما بػيػعداف يوجداف في االشياء كمع االشياء‬
‫كتحيطاف باالشياء‪ ،‬هذا بيعٍد ليس شيئا! كذلك البحث عن اهلل الييبحث عنه ال كشيء كال كبعد‪ ،‬لػػػكن كوجػػػود‬
‫محيط بكل شيء ك بكل بعد ( هو االكؿ كاآلخر كالظاهر كالباطن) (كهو معكم أينما كنتم) نريد اف نبحث نحن‬
‫كإلهيين عن اهلل لكن كفق مفهوـ محدد عن اهلل‪ ،‬النريد اف نمسخ كنختزؿ لئلله بحيث ييصور انه شيء من اشياء‬
‫الطبيعة‪ ،‬ثم اذا فشلنا بعد ذلك في العثور عليه ككضع االصبع عليه نقوؿ‪" :‬آق الػعلم قد فشل‪ ..‬اهلل ليس موجودا!‬

‫‪43‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫‪ "...‬ماهذق الحمػػػاقة؟! من قاؿ لك هذا؟ هذا اليصلح في البحث عن الزماف فكيف يصلح في البحث عن رب‬
‫الزماف؟!!! ‪ ..‬هذق مشكلة الضعف الفلسفي عند العلماء لؤلسف الشديد‪ ،‬عالم كبير يتورط في حماقة فلسفية كهذق‬
‫! ألنه لم يدرس الفلسفة كلم يفهم حتى كيف تيصاغ المفاهيم الفلسفية‪ ..‬اك حتى الركح ييبحث عنها كشيء! عن‬
‫نفسي انا أؤمن بالركح كأفق للمعنى افق للقيمة‪.‬‬
‫بدأ الكوف يتوسع بشكل سريع جدا في جميػع االتجاهات‪ ..‬االف يخضع الكوف في توسعه كتوازنه لفعل ك أثر قوتين‬
‫متضادتين‪ ،‬قوة التمدد بفعل قوة االنفجار‪ ،‬كقوة االنكماش بفعل قوة الجػػاذبية‪ ،‬لكن الكوف ال يزاؿ يتمدد كنشأت‬
‫المجرات السيٌديـ الكواكب النجوـ مذنبات ‪ ..‬الخ الكوف كما نعرفه كهو كوف قابل للدراسة كقابل ألف ييفهم‪ ،‬كييختبر‬
‫بمعنى من معاني االختبار‪ ،‬ك الى االف هو كوف متوازف كال يزاؿ يتوسع بدليل الػ (‪ )red shift‬اإلزاحة نحو االحمر في‬
‫المطياؼ‪ ،‬اذف هو يتوسع‪ .‬يقوؿ العلماء كمنهم العالم الشهير (بوؿ ديفيس) لديه كتاب <سوبر فورس القوة‬
‫الفائقة>‪ ،‬يقوؿ فيه‪ " :‬الكوف متوازف كال يزاؿ يتوسع تحت تاثير قوتين (قوة االنفجار كقوة الجاذبية)‪ ،‬لكن هذا‬
‫التاثير متوازف كهو الذم يعطي للكوف امكانية اف يظل يتوسع بهذق الطريقة المعقولة كالمفهومة‪ ،‬كاف يمكن لهذا‬
‫الكوف اف ينهار على نفسه مرة ثانية ‪ ،‬تحت تأثير غلىبىة الجاذبية على قوة االنفجار‪ ،‬اك يتػػبلشى الكوف‪ ،‬أم يتوسع‬
‫بمعدؿ اسرعبحيث يكوف ربما تبلشي من مبليين اك ربما حتى من ببليين السنين‪ ،‬لكن الكوف موجود كنحن نرصدق‬
‫كنراقبه"‪ ،‬اذف فيه توازف دقيق‪.‬‬
‫يقوؿ (بوؿ ديفيس)‪" :‬لو اختل هذا التوازف بأكثر من عشرة مرفوعة لؤليس السالب ‪ 18-‬ثانية‪( ،‬يعني بجزء من مليوف‬
‫تريليوف جزء من الثانية)اسراعا اك ابطاءا‪ ،‬إما اف ينهار على نفسه هذا الكوف أك إما اف يتبلشى" بهذا المقدار؟!! ليس‬
‫بمقدار ثانية بل جزء من مليوف التريليوف من الثانية > ينعدـ الكوف ! ‪ ..‬كقالك منذ البداية الى اليوـ‪ ،‬كاستدلى غيرق‬
‫يقوؿ مؤكدا كبلمه‪" :‬ككلما طاؿ الزماف كالكوف يتمدد زادت دقة كرهافة هذا التوازف! ‪.‬‬

‫(ستيفن هوكينق) كهذا مشهور اكثر من (بوؿ ديفيس)‪ ،‬له كتاب <تاريخ موجز للزماف> يقوؿ ‪":‬لو كاف معدؿ‬
‫التمدد بعد ثانية كاحدة من االنفجار‪ ،‬أم بمعدؿ جزء من مئة مليوف التريليوف جزء من الثانية>إلنهار الكوف على نفسه‬
‫قبل اف يصل الى حجمه الحالي"‪ .‬كاليزاؿ هناؾ ماهو اعجب من هذا‪ ،‬صديق (ستيفن هوكينق) هو (ركجر بنركز)‬
‫فيزيائي كرياضياتي كبير انجليزم‪ ،‬لديه كتاب اسمه <اباطرة العقل الحديث> يقوؿ فيه‪ ،‬درس فيه مقدار االحتماؿ اف‬
‫يكوف جاء هذا الكوف صدفة‪ ،‬ظهرت الحياة جاء االنساف بالصدفة‪ ،‬كيكوف هذا االحتماؿ بمقدار كاحد على عشرة‬
‫مرفوعة لعشرة مرفوعة لػأيس ‪ ، 123‬القوقوؿ ‪ ،100‬كلدينا ‪ 23‬صفر‪ ،‬كالكونتيليوف ‪ ،18‬كلدينا ‪ 5‬مئة ألف‪ ،‬يعني‬
‫كاحد على عشرة مرفوعة الى عشرة مرفوعة أليس مئػة ألف كونتيليوف قوقوؿ ! ‪ ..‬آلآآآ يمكن تخيٌػػػل هػػػذا الرقم !! لو‬
‫ذهبت تكتب على كل دقيقة (اليكتركف‪،‬نيوتركف‪..،‬الخ) في الكوف تكتب صفرا‪ ،‬اتعتقد انك ستنتهي؟! ماستكتبه‬
‫عشرة أيس ‪ . 8‬معناها انه لػو مثبل‪ :‬رب العالمين كٌلفى انسانا احمقنا كقاؿ له لن ادخلك الجنة كال النار اال اذا نجحت‬
‫في هذا االختبار‪ ،‬فأجاب االحمق ماهو االختبار؟ اف تكتب هذا الرقم بالطريقة العادية (الواحد كأمامه االصفار)‪ ،‬فقاؿ‬
‫االحمق‪ :‬هذق سهلة‪ ،‬فذهب المسكين ليكتبها‪ ،‬فلو عاش ببليين ببليين ببليين ببليين السنوات لػػن يفرغ من كتابة‬
‫هذق االصفار!‪..‬كستكوف جهنم ارحم له من اف يواصل هذا العمل!‪ .‬كتبسيطا للناس الذين لم يسمعوا بهذق االرقاـ‬
‫كاالمور الحاسبية المحيًٌرة‪ ،‬عندما نقوؿ عشر أيس ‪ 3‬معناها‪ :‬ألف‪ ،‬كاحد كامامه ثبلثة اصفار‪ .. .‬ك عشرة أيس ‪ > 6‬أم‬
‫مليوف‪ ،‬ك عشرة أيس ‪ > 12‬أم تريليوف‪ ،‬كاحد ك أمامه اثناعشر صفرا‪ ،‬ك عشرة أيس ‪ > 18‬كونتيليوف‪ ،‬كاحد كأمامه‬
‫ثمانية عشر صفرا‪ ،‬ك عشرة أيس ‪ > 100‬القوقوؿ‪( ..‬كقصة القوقل‪ :‬هو عالم رياضيات امريكي فكر في هذا الرقم‬
‫> كاحد كأمامه مئة صفر‪ ،‬ماذا يسميه‪ ،‬فذهب الى ابن اخته الصغير كناداق‪ :‬فسأله لدينا كاحد كأمامه مئة صفر ماذا‬
‫نسميه‪ ،‬فأجاب الطفل الصغير الذم مازاؿ صغيرا اليستطيع الكبلـ بوضوح‪ :‬قوقو ‪ ،‬فأعجبته الكلمة فاستخدمها كػ‬

‫‪44‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫قوقوؿ لهذا الرقم!)‪ .‬كاآلف‪ :‬عشرة أيس عشرة أيس ‪ 6‬كيف تقرأها هذق؟ عشرة مرفوعة لؤليس مليوف‪ ،‬فالرقم يعني‪:‬‬
‫كاحد كأمامه مليوف صفر‪ ،‬كلن تنتهي من كتابة الرقم‪ .‬سنكبر الرقم قليبل كػ عشرة مرفوعة للعشرة أيس ‪ 9‬؟ أم تعني‬
‫عشرة أيس مليار‪ ،‬أم ستكتب كاحد كأمامه مليػػػار صفر !! كالتريليوف تعني كاحد كأمامه تريليوف صفر ‪ ،‬كعشرة أيس‬
‫عشرة أيس قوقوؿ‪ ،‬أم عشرة مرفوعة للعشرة أيس ‪ 100‬؟ أم ستكتب الرقم‪ :‬كاحد ك أمامه قوقل صفر كليس‬
‫تريليوف صفر !‪ .‬فهنػػػا مقدار االحتماؿ الذم ذكرق (ركجر بنركز) في نشوء الكوف كالحياة فيه صدف نة هو مئػة ألف‬
‫كونتيليوف قوقوؿ‪ ،‬معناها أف كاحد على عشرة أيس ‪ 690‬اصبح ال شيء ‪ ،‬كمقارنة بهذا مع عشرة أيس ‪ 150‬فهذا‬
‫األخير أهوف بكثير ‪ .‬فهو صفر كاحتماؿ حدكثه الشيء‪ ،‬فمابالك بػ مئػة ألف كونتيليوف قوقوؿ؟! اذف فبلتوجد ادنى‬
‫احتمالية لحدكث أم شيء ‪.‬‬
‫نشأة الكوف ككيف نشأ‪ ،‬كالشركط البلزمة الستبقاء التوازف لكي تنشأ المنظومات كتنشأ الحياة‪ ،‬كينشأ االنساف‬
‫كالذكاء االنساني كالرٌصد‪ ،‬كتقوـ هذق العلوـ كالمحاسبات‪ ،‬كػػل هذا يااخواني نشػأ مرة كاحدة‪ ،‬كعلى االقل فيه مسار‬
‫ييعرىؼ بهذا الكوف في كوننا‪ ،‬لم يحدث هذا مئة بليوف مرة كفي آلية عظمى هائلة اسمها االنتخاب الكوني مثبل‪ ،‬ابدا‬
‫فقد حث هذا مرة كاحدة كبطريقة كاحدة‪ ..‬اين دكر الصدفة‪ ..‬اين دكر العشوائية‪ ..‬اين دكر المراكمات ؟! الهذا كال‬
‫هذا كال هذا ‪ .‬التتورطوا في نقاش أم ملحد تطورم بأف تناقشوا امكانية انبثاؽ تصميم صغير‪ ،‬على مستول خىلىوم اك‬
‫مستول برتيني اك كذا بالصدفة في مدل عمر الكوف‪ ،‬التتورطوا في هذا‪ ،‬ك قل له قبل هذا انا سأناقش عن الكوف كله‬
‫ال في انتخاب كال غير انتخاب‪ ،‬لمرة كاحدة حصل هذا ‪ ..‬ككيف حصل هذا ‪..‬‬
‫لؤلسف توجد اشكاالت طرحوها‪ ،‬كهي ترداد عصرم سبق كطرحها (ديفيد هيوـ) الذم كاف اذكى من طرحها كنسىٌقها‬
‫آنذاؾ في كتابه الكبير <محاكرات بخصوص الدين الطبيعي>‪ .‬مػػاهي االعتراضات التي تقدـ بها الرجل؟ ‪ ..‬هي ستة‬
‫اعتراضات اثنػػػػاف منها فقط يتعلقاف ببرهاف التصميم اكالنظم‪ ،‬كاالربع االخرل ال عبلقة لها بالبرهاف‪ ،‬كهذا يؤكد ايضا‬
‫تهويٌش فكر الفبلسفة‪،‬‬
‫كلذلك قبل عرضنا إلعتراضاته البد لنا من ايضاحات حوؿ برهاف النظم‪ ،‬كما ذكرنا سابق‪ :‬اف برهاف النظم ليس تجريبيا‬
‫كال تمثيليا‪ ،‬ليس برهانا حسيا‪ ،‬ليس برهانا استقرائيا‪ ،‬هو برهاف عقلي محض‪ ،‬ككما نعبلؼ انه من اساليب االستدالؿ‬
‫هي التمثيل الذم يسمى بلغة الفقهاء كاالصوليوف بالقياس‪ ،‬كيسميه المناطقة بالتمثيل‪ ،‬ماهو التمثيل باختصار ‪ :‬هو‬
‫تعدية حكم فرد اك جزئية مفردة الى جزئية اخرل بجامع االشتراؾ في العلٌة‪ .‬مثاؿ‪ :‬اف المشترؾ في تحريم اكاع الخمر هو‬
‫العلة كهي اإلسكار‪ ،‬كبطرؽ استنباط العلة كجدنا اف العلة الشرعية تحريم خمر العنب هي اإلسكار‪ ،‬كقد كيجًدىت كقد‬
‫حققنا من كجود هذق العلة في خمر التفاح > فيصبح محرما ‪ ..‬كهذا اسمه بلغة المنطق "قياس تمثيلي" كالغالب‬
‫يسموق القياس‪.‬‬
‫ثانيا بعد التمثيل لدينا االستقراء‪ ،‬كتعني االستقراء‪ :‬أم تصفح جزئيات كثيرة للخركج منها بحكم يعمها‪ ،‬كما اف هناؾ‬
‫استقراء ناقص كاستقراء تاـ‪ ،‬كاالستقراء التاـ مختلف حتى في استقرائيته‪ ،‬كأف اختبر هذق القطعة من الحديد ارها‬
‫تتمدد بالحرارة كتنكش بالبركدة‪ ،‬قد يكوف لعلة خاصة بها‪ ،‬اختبر القطعة الثانية الثالثة الرابعة المئة قطع النهاية لها‬
‫تقريبا ‪ ،‬لكن اجد خفس الشيء اف الحديد يتمدد بالحرارة ك ينكش بالبركدة ‪ .‬قد أيعدًٌم هذق التجربة الى المعادف عموما‪،‬‬
‫أم سأختبرؾ غير الحديد كالعشرات منه‪ ،‬كغير الرصاص ‪ ،‬كغير النحاس‪ ،‬كغير كذا ككذا‪ ،‬ثم اقوؿ المعادف بشكل عاـ‪..‬‬
‫هذا االستقراء‬
‫اما التجربة فهي معركفة لن نشرحها‪ ،‬لكن في التجربة البد من السنخية‪ ،‬البد من اتحاد طبيعة األشياء المجربة تماما‪.‬‬
‫برهاف النظم هذا ليػػػػس استقراءا كال تجريبا كال تمثيبل‪ ،‬ألنه كما شرحنا سابقا انه برهاف عقلي‪ ،‬مالفرؽ بين التمثيل اك‬
‫االستقراء اك التجربة كبين البرهاف العقلي ؟‪ ..‬أف البرهاف العقلي عيلويٌقي ك اهتمامه بالشيء في ذاته‪ ،‬مباشرة يذهب اليه‬
‫مرة كاحدة‪ ،‬بمعنى اف برهاف النظم مثبل يهتم بأف هذا الشيء المنظم > البد اف يكوف له منظٌم‪ ،‬بغض النظر عن‬

‫‪45‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫طبيعة التنظيفي‪ ،‬كحتى بغض النظر عن طبيعة المنظًٌم ككامل صفاته كمشخٌصاته‪ ،‬المهم أف الشيء المنظىٌم البد اف‬
‫يكوف له منظًٌم‪ ،‬الشيء المصنوع البد اف يكوف له صانع‪ ،‬ألف العقل هنا يبلحظ مبدأ العلٌيٌة قانوف العلٌية‪ ،‬مباشرة‬
‫يلتفت > اليه يطبًٌقه > يحكم به !‪ .‬كهذق مسألة ليست تجريبية كال تحتاج الى تجربة‪ ،‬كليست مسألة حسية كاف‬
‫كنات المقدمة الصغرل حسية‪ ،‬لكن جوهرق عقلي في المقدمة الكبرل ثم الحكم !‪.‬‬
‫نبىٌػه العلماء الى كعلى كأف برهاف النظم الييحتا يج في اثباته الى تصفح كل موجودات الكوف‪ ،‬مجرد تصفح بعض هذق‬
‫الموجودات‪ ،‬ك كجداف انها تمثل مقدمات لبرهاف النظم مقدمات صغرل ‪ ،‬فهو يكفي في اثبات صدقية كاعتبار هذا‬
‫البرهاف‪ ،‬كمثلوا له بمثاؿ معقوؿ جدا‪ ..‬قيل‪ :‬دخلت على مكتبة من تأليف شخص معين‪ ،‬قيل لك هاهنا سبعوف كتابا‪،‬‬
‫كلها منسوبة الى شخص معين‪ ،‬كانت لم تسمع بهذا الشخص من قبل‪ ،‬فأخذت كتابا كتصفحته‪ ،‬كجدته مبوٌبان حسن‬
‫التبويب‪ ،‬مفصل فصوال‪ ،‬له مقدمة قرأتها مرتبة تماما‪ ،‬تذكر عن الباعث على التأليف الهف منه‪ ،‬المنهج المتبع في‬
‫ت شيئا في بعض الفصوؿ التابع لبعض األبواب في الكتاب‪ ،‬كجدت احتجاجا قويا تنسيقا للحجج ‪..‬‬ ‫دراسة مسائله‪ ،‬قرأ ى‬
‫الخ‪ ،‬هذا يدؿ مباشرة الى اف صاحب هذق الكتب رجػػل فيلسوؼ ذك عقل منظم كعقل جبار كذكاء كقريحة‪ ،‬يكفي اـ‬
‫اليكفي؟‪ ..‬يكفي فكيف لو تصفحت كتابين ثبلث اك اربع ؟! يكفي ذلك انه رجل عاقل كفي اعلى طبقات العقل‬
‫كالتفكير‪ ،‬كذلك قاؿ المتكلموف يكفي فقط اف نقف على بعض النظم‪ ،‬بعض التصاميم في الطبيعة كالكوف‪ ،‬آية آيتين‬
‫ثبلث‪ ..‬يكفي‪ ،‬كهذا الذم ذكرق علماؤنا قبل مئات السنين كنبهوا عليه ‪ ،‬لؤلسف يتورط كيتخوىٌض المبلحدة المعاصركف‬
‫في جعله شبهة ك ارادة‪ ،‬كما يقولوف‪":‬نحن تصفحنا بعض االشياء كلم نتصفح كل شيء في الكوف‪ ،‬مايدرينا؟ لعل‬
‫الذم لم نتصفحه ‪ > "...‬اف هؤالء حتى ال يفهموف مبادمء االستدالؿ!‪.‬‬
‫ذكرتي لكم اف هذا البرهاف من البراهين السهلة كالواضحة التي تناسب العلماء كاالخصائيين بل كحتى العػػامة‪ ،‬كلهذا‬
‫القرآف الكريم لم يزؿ ييظهر العناية الزائدة به!‪ ،‬حين يوجٌه النظر ‪( ..‬افبل ينظركف ‪ ( )..‬افبل ينظر االنساف ‪ ( ) ..‬كفي‬
‫األرض آيات ‪ )..‬كػػػل البراهين اآليوية تتحدث عن برهاف النظم تقريبا‪ ،‬اك معظمها على االطبلؽ‪ ..‬قرآف اعتني به مالم‬
‫ن بغيرق بحمد اهلل تبارؾ كتعالى‪ .‬يأتينا شخص يقوؿ‪ " :‬لكن هذا البرهاف اليناسب خطة القرآف كهدفه التوحيدم‬ ‫يعت ً‬
‫في علم التوحيد‪ ،‬العرب انفسهم كانوا يؤمنوف باهلل كخالق‪ ،‬لكن اليؤمنوف بتوحيدق في العبادة في األلوهة!" ‪ ..‬ال‬
‫ياسيدم‪ ،‬نحن سنزيد عادة‪ ،‬كهنا نفترؽ كمتكلمين اسبلميين اك فبلسفة اسبلميين‪ ،‬نفترؽ عن اصحاب نظرية التصميم‬
‫الذكي‪ ،‬هم يقولوف‪ :‬الذم يقع على عاتق برهاف التصميم الذكي فقط هو اثبات اك برهنة اك التدليل على اف كل نظاـ‬
‫البد له من منظًٌم فقط‪ ،‬كجود اهلل فقط‪ ،‬اما ماعدا ذلك فنحن نفترؽ معهم‪ .‬كهذا كبلـ غير حيح كغير دقيق‪ ،‬كأنتم‬
‫تحدثتم عن عبلمات الذكاء‪ .‬نحن نقوؿ – كهذا البرهاف اآليوم يعني داللة اآلية على ذم اآلية كهو مىدهٌ لبرهاف النظم–‬
‫كما قبل قليل عرفت من اثر يينسب لرجل اسمه ابن سينا (مثبل) لم يسمع به ابدا من قبل كقلت هذا الرجل عاقل‬
‫كهو فيلسوؼ‪ ،‬من اين عرفت هذا ؟ من آثارق انها قطعة من نظم عقله‪ ،‬فأنت عرفت ليس فقط كجود الصانع‪ ،‬بل‬
‫استعت اف تستدؿ ببعض خصائص المصنوع على بعض خصائص الصانع كليس على كل خصائصه! ‪ .‬كاضح من‬
‫نظرية االنفجار الكبير أف صانع هذا الكوف كمفجر هذق المفردة قديػػػر‪ ،‬عليم‪ ،‬دقيق جدا أم حكيػػػم‪ ،‬كخلق االنساف‬
‫(حن خلقناكم فلوال تصدقوف ( ‪. )) 57‬‬
‫ض انهما‬
‫بعض المتكلمين المعاصرين كحتى القدماء خػػلطوا بين برهاف النظم كبين برهاف الهداية‪ ،‬مع اف القرآف ىعىر ى‬
‫برهاناف متمايزاف كإف كانا متكافلين‪ ،‬طبعا الهداية اال بنظم اصبل‪ ،‬كالهداية فرع النظم‪ ،‬قاؿ تعالى‪ } :‬الذم خلقني فهو‬
‫يهدين { }سبًٌح اسم ربك األعلى الذم خلق فسوىٌل { ‪ ،‬خلق فسوىٌل = النظم‪ .‬كنصػػػحتي للعالمين ليس للمسلمين‬
‫فحسب > من اراد اف يستمع الى اله خالق الوجود اف كاف يؤمن به اك كاف مازاؿ يريد تصورا حوله‪ ،‬فاليستمع الى‬
‫القرآف كيف يعرًٌؼ اهلل بنفسه‪ ،‬اترؾ الكبلـ الفارغ المذكور عن اهلل‪ ..‬اإلله متجسد في شكل بشر في شكل انثى في‬
‫شكل ‪ ...‬الخ من كبلـ فارغ‪ ،‬استمع الى اهلل الحػق يتحث عن نفسه‪} :‬كخلق كل شيء فق ٌدرىقي تقديرا{‪ } ،‬إنا كل‬

‫‪46‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫شيء خلقناق بًقىدىر {‪ ،‬فكل شيء مقدٌر تقديرا‪ ،‬سبًٌح اسم ربك األعلى الذم خلق فسوىٌل كالذم قدٌر فهدل {‪ ،‬فهدل >‬
‫هذا برهاف الهداية‪،‬لكي نستفيد من هذا االيضاح حوؿ برهاف الهداية‪ :‬كفرؽ بينه كبين برهاف النظم اف هذا االخير‬
‫يتعلق بػ البػنػيػة‪ ،‬اما برهاف الهداية يتحدث بالمسار ‪ ،‬بالفاعلية كيف تفعل هذا‪ ،‬كيف تحقق االهداؼ بعد ذلك‪ ،‬بل‬
‫ككيف تتكيف مع البيئة ـ الشركط مع الظركؼ‪ ،‬هنا ييفسح برهاف الهداية بعد برهاف النظم المجاؿ لئلصطفاء الطبيعي‬
‫الداركيني‪،‬‬
‫(ستيفين جي قولت) في كتابه < إبهاـ الباندا > ‪ -‬كهو امريكي يهودم‪ ،‬لكنه يؤمن اف للدين مجاله كللعلم مجاله‬
‫لكنه تطوٌرم على فكرة‪ ،‬كله مقاربات جديدة في التطور اليرضاها المتطوركف االخركف! – يقوؿ‪ " :‬الباندا قبل ألوؼ‬
‫السنين كانت من عائلة الراكوف تقريبا‪ ،‬ككانت تسعى على االرض على اطرافها االربعة مثل القطط كالفهود ‪..‬الخ‪،‬‬
‫لذلك هي لم تحتاج الى االبهاـ‪ ،‬بعد ذلك اختلفت الظركؼ البيئية‪ ،‬اضطرت الباندا الى اف تدخل الى الغابات‪ ،‬كاالف تبدأ‬
‫تتسلق كتريد اف تقشًٌر ثمرة البامبو لكن ليس لها االبهاـ‪ ،‬عند المعصم برزت لها زائدة صغيرة كبالوؼ السنين تحولت‬
‫هذق الزائدة الى شيء اشبه الى االبهاـ‪ "،‬كبالفعل تركف عندها اآلف‪ ،‬هناؾ كتبا يألًٌفت عنها!‪ ،‬في كتاب آخر من مؤيدم‬
‫التصميم الذكي اسمه <الباندا كالناس> يجاكب فيه عن شبهات ابهاـ الباندا‪ ،‬فهذا االبهاـ الزائد عند المعصم مترهًٌل‬
‫كضعيف‪ > ،‬يسخر منه (ريتشارد داككنز) قائبل‪ ":‬ماهذا الميصمًٌم الذم لم يكن من البداية يعرؼ حاجات المخلوؽ!"‬
‫كعلى فكرة هذا الرجل (ريتشارد داككنز) ‪ -‬مع احترامنا له كعالم – يتورط في غباكات رهيبة! كهو غير منصف ابدا‪ ،‬لكن‬
‫عندق اشياء قوية البد اف نأخذها بذكاء‪..‬‬
‫الكبلـ حتى في التصميم بطريقة كالتي فعلنا جميل جدا كمهم‪ ،‬لكن عندما نتورط في أمور جزئية داخل منظومات الكوف‬
‫(اصبع الباندا‪ ،‬العين‪ ،‬اشياء اخرل كثيرة‪ )..‬فمازلنا نحتاج الى معلومات علمية مختلفة ك أدؽ‪ ،‬لكن لو كقفنا عند حدكد‬
‫الكوف فهذا مفحػػػػم ييفحًم أم ملحد‪ ،‬كلن اتورط في اشياء العلم يتطور في فهمها كتفسيرها‪ ..‬فالنسبة إلبهاـ الباندا اف‬
‫خطأ (داككنز) انه ييقيًٌم دكر االبهاـ ضمن نظرة انعزالية ال ضمن النظرة الكلية له لهذا المخلوؽ في هذق الظركؼ ‪،‬‬
‫كعلى فكرة‪ ..‬أليس من السخرية اك من البلفت اف تكوف الباندا من احذؽ المخلوقات في تخشيب البامبو؟! > اذف‬
‫ابهامها يؤدم كظيفته‪ ،‬كهي ليست عاجزة !!‪ ،‬يأتيك احدهم يقوؿ لك "هي ليست مسألة عجز الباندا اك غير عاجزة‪ ،‬اك‬
‫نظرة منعزلة اك نظرة كلية‪ ،‬انما الرب ليس لديه النظرة المعرفية كنظرة الفناف اك المهندس قبل اف يرسم اك يصمم‬
‫شيئا يكوف على علم بماذا سيرسم "‪ .‬نحن نقوؿ له انت مسكين‪ ،‬مػػن قاؿ لك اف الرب حين كصف نفسه قبل‬
‫(داركين) بػ ‪ 1200‬سنة في هذا القرآف‪ ،‬من قاؿ لك انه اصبل في خطته اراد اف يخلق مخلوقات كاملة اك تامة ؟!‬
‫هل هو قاؿ هذا ؟!! هػػو ييفهمنا بأف الكماؿ المطلق له كحدق‪ ،‬ككل ماعداق تعتريه اآلفات كتتناكشه النقائص ‪ ..‬هو‬
‫يقوؿ هذا!‪ ،‬كليس هذا فحسب‪ ..‬هو يقوؿ لك‪ :‬أنا خلقت المخلوقات – عضويا‪ -‬ك أنا تركت هامشا كسيعا لتطويرها‬
‫كتحسينها‪ ،‬انا افعل هذا‪ ،‬هذا في خطتي‪ ،‬اين قاؿ الرب هذا ؟ > بشكل كاضح قاؿ تعالى‪ } :‬الحمد هلل فاطًر‬
‫السماكات كاألرض جاعلً المبلئكة ريسيبل أكلي أجنحة مثنى ك ثيبلثى ك ريباع يىزيػػدي في الخلٍقً مايشاء{ ‪ ،‬في زيادة فيه‬
‫ق جديػػػد{ ‪ ،‬لذلك هناؾ اناس يتحدثوف عن "‬ ‫امكانية لئلضافات!‪ ،‬كقاؿ عزىٌ من قائل‪ } :‬بل هم في لىبٍسو من خىلٍ و‬
‫التطور اإللػػهي"‪ ،‬ليست لديهم مشكلة مع التطور يؤمنوف بهذا‪ ،‬لكن هذا ضمن خطة إلهية كغائية إلػػهية‪ ،‬اهلل يحب‬
‫هذا كيريد هذا‪،‬‬
‫كلػػذلك (فرانسيس كولينز)‪ -‬طبيب عالم جينات‪ ،‬امريكي مشهور جدا‪،‬كهو رائد كمدير مشركع <الجينوـ البشرم>‪-‬‬
‫كتب قائبل‪ " :‬بالنسبة لي اليعني شيئا اف ييطلىب في خلق االنساف اف يكوف االنساف كامبل‪ ،‬انا ال استطيع اف اتعرؼ‬
‫على اشياء كثيرة في خطة الرب اال من خبلؿ ضعفي‪ ،‬من خبلؿ معاناتي" ‪ ،‬كانا اقوؿ لك ‪ :‬نحن االف نتحدث كعقل‬
‫بشرم منظومة بشرية – كاغفرلنا يارب هذا كل ماعندنا‪ -‬نحن سنفقد انسانيتنا‪ ،‬اجمل مافي انسانيتنا كبشريتنا اننا لو‬
‫صًرنا كاملين‪ ،‬النمرض‪ ،‬النموت‪ ،‬ال نصاب بأم خلل اك تراجع كظيفي‪ ،‬النفتقر‪ ،‬ال نضعف‪ ،‬ال نجهل كنعلم كل شيء‪..‬‬

‫‪47‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫يعني آلهة مصغرة‪ ،‬لن ييصبح للمعنى الذم نفتخر به ك يىلىذٌ لنا أم معنى‪ ،‬انا كإنساف ال أحب هذق الكمالية !‪ ..‬الجمػاؿ‬
‫في أننػػا نجهػػل فػي ظرؼ نحػػب فيػػه اف نعػػرؼ !‪ ..‬انه من الجميل اف تكوف جاهبل كتدرؾ انك جاهبل ينقصك العلم‪،‬‬
‫فتحاكؿ لتتعلم كتخوض التجارب ك قد تكتشف امورا أخرل ايضا لم تكن تتوقع انك ستتعلمها‪ ،‬هنا اللذة ‪ ..‬في طعم‬
‫االنتصار في االستكشاؼ اثناء التعلم ك نحوىز على فهما جديدا !‪ ..‬جميػػل جدا اف اكوف ذاؾ االنساف الصغير من معيار‬
‫متر ك سبعين سنتم في المتوسط ك امامي جباؿ الهمبليا كقمم إيفيرست ثمانية كنصف كيلو متر‪ ..‬ك أتسلقها كإنساف‬
‫كاجتهد الى اف اصل الى القمة‪ ..‬هنا تجد طعم اللذة بعد الوصوؿ كتحقيق مرادؾ بعد جهد كصبر ك تحدٌم ‪ ..‬جميل‬
‫جدا اف يمرض االنساف كيموت انساف عزيز عليك فتبحث عن هذا المرض فتفك شيفرتها‪ ،‬فتقهر هذا المرض بالدكاء‬
‫كالعبلج كبالطعم كباللقاح‪ ..‬االف انتهت تلك االمراض تقريبا كالحصبة كالكوليرا كالطاعوف‪ ،‬كيإذف اهلل سيختفي‬
‫السرطاف كاإليدز‪ ،‬كتأتيك امراض اخرل فتحاكؿ كتبحث لتهزمها‪ ..‬هػػذق الملحمة االنسانية هذق الدرامة االنسانية‪..‬‬
‫جميػػػػل أف ينهػػػار البطػػل ك تحيػػػا القيػػػػػمة‪ ،‬يمػػػوت البطل كيحيػػا المعنى من بعػػدق‪ ،‬هػػذا أجمل شيء عندما نبلحظ‬
‫ف كهو سيموت اليوـ اك‬ ‫الدراما االنسانية‪ .‬األبطاؿ معظم انتصاراتهم في مظلوميتهم ك موتهم‪ ،‬ألنه يموت االنساف الفا ً‬
‫بعد ألف سنة‪ ،‬لكن بموته تػػألقت القيػػػمة‪ ،‬تػألٌق المعنػػػى مباشرة كبشكل ابدم تقريبا‪ ،‬تأبٌدت القيمة ‪ ...‬هػػػذا‬
‫الجمػػػاؿ‪ .‬هذا ما اردت اف اذهب بكلمة (فرانسيس كولينز) كهو ابعد مما قاؿ‪ ،‬فلو كنا كاملين فنحن لن نتعرؼ على‬
‫ربنا بالطريقة هذق ! ‪ .‬كانت ترل بنفسك اف من بعض اسرار ك حًكىم الببليػػا كالمصائب كالضعف البشرم أنهػػػا تعػػػود‬
‫باإلنسػػػػاف إلى اللػػه‪ ،‬تعػػود باإلنسػػاف إلى إنسػػػانيته!‪ .‬اقبح مافي االنساف انه يظن انه كامل ك أنه إلػػه‪ ،‬هل تستطيع‬
‫اف تتحمل االنساف الميستغني؟! هػػذا االنساف ال يهطاؽ انه انساف محقور‪ ،‬هذا مخلوؽ يريد اف ينسلخ من انسانيته‪،‬‬
‫فاالنساف من الجميل اف يبكي احيانا للضعف للخسارة لؤللم لفداحة المصاب‪ ..‬يبكي‪ ،‬كهذا اجمل مافيه‪،‬هذق الدموع هي‬
‫برهػػاف انسانيتػػه‪ ،‬لكن االجمػػػػل منها هي اف يتحامل على جراحه كيكمل مسيرته إيمانا منه بقيمة الحياة كبجدارة‬
‫االنساف‪ ،‬أف ييخط قى ىدريق كمصيرق‪ ،‬كيكمل مسيرته‪ ..‬هذا هو االنساف الذم نعشقه‪ .‬كاهلل كال مرة تاقت نفسي الى اف‬
‫اكوف مىلىكان‪ ،‬بل "كإنساف" ارل نفسي اجل من مىلىك‪ ،‬كالمىلىك باختصار بلغة حاسوبية هو كػائن مبرمج‪ ،‬اال له مقاـ‬
‫معلوـ‪ ،،‬انا الاريد اف اكوف كائنا مبرمجا‪ ،‬كمعنى الكائن المبرمج أم انه نا وج على االطبلؽ دائما هو الرابح ليس عندق احتماؿ‬
‫نى عليه بقيمة‬ ‫خسارة‪ ،‬لكني اقو لك‪ :‬نجاته ال معنى لهػا !‪ ،‬كعلى فكرة هو اليشعر بنجاته‪ ،‬انت تكوف تتمنٌن عليه ك تىمي ٌ‬
‫النجاة التي ال يفهمها هو كال يدركها‪ ،‬ألنه ال معنى للنجاة بدكف احتمػػػػاؿ الخسػػآرة !‪ .‬كائن يسبح ييقدًٌس ليبل نهارا‪،‬‬
‫اليوجد اختبار‪ ،‬هو لم يدخل اختبارا باالصل‪ .‬انا كإنساف حياتي أجمل‪ ،‬ألني أختار الجزء المبلئكي فيني لكػػن بإختيارم ك عى ٍبىر‬
‫ن‬
‫معاناة كانصهار كتمحيٌض للخير كجهاد نفس‪ ،‬هذا هو الجمآؿ في اإلنساف يا إخواني ‪ (( ..‬اليناؿ المج ىد اال سيٌد فط ي‬
‫ف سئىٌػاؿي))‪ ..‬كهذا هو الفرؽ‬ ‫ؿ بغيًر السي ً‬
‫ؿ جهل ية له ماكسبت ** كال سئو ي‬‫قي على السادات فعٌاؿي‪ ،‬الجهو ه‬‫** لًما ىيشي ٌ‬
‫س عن‬ ‫بين االنساف كالمىلىك‪ ،‬انت سبىٌحت كقدىٌست عن برمجة من غير اختبار من غير معاناة‪ ،‬اما االنساف فػسبىٌ ىح كقدىٌ ى‬
‫مجاهدة كعن تعب كعن معاناة !‪ .‬مػػػػن الببلهة كالغبػػآء اف ييقاؿ‪" :‬لو كاف االنساف مصمما إللػه حكيم قدير ك ك ‪، ..‬‬
‫كاف ينبغي تصميمه اف يكوف على احسن مايكوف!"‪ .‬ال ال ‪ ،‬هو ميراد اف يكوف تصميمه هكذا‪ ،‬كعلى فكرة هذا النقص‬
‫الذم تراق في بعض االعضاء كاألجهزة > ميراد اصبل كمسار اك انبوب لئلبتػػبلء ! كيف يحدث انفصاؿ الشبكية عند‬
‫بعض الناس كيعمل في لحظة؟! ألف الشبكية موضوعة بطريقة تسمح بانفصالها‪ ،‬كيقولوف‪":‬هذا عيب في التصميم"‪،‬‬
‫بل هذا ليس عيبا‪ ،‬اللػػه يريد هذا !‪ ،‬ككم نسبة حدكث هذا ؟!! ‪ ..‬يحدث كمصيبة كإبتبلء كعبرة كأشياء معينة‪،‬‬
‫حتى بما يسمى باألخطاء الوراثية‪ ،‬يولد االنساف احيانا باعضاء زائدة اك ناقصة‪ ،‬كل هذا ميرا هد لحدكثه‪ ..‬ك لػػو لػػم يكن‬
‫هناؾ امراض كراثية كال اخطاء خًلقًية كال ‪ ..‬الخ >> لما كجىدى العلمػػػاء انفسهم مدفوعين اف يدخلوا في عمق هذا‬
‫العالم السحرم في الصندكؽ االسود – كما سماق (مايكل بيهي) <صندكؽ داركين االسود> أم عالم الخلية الذم‬
‫يجهله داكرين تماما – نحن في هذا اليوـ اطٌلعنا على دقائق هذا الصندكؽ االسود كقدمنا تحديات جديدة للمقاربات‬

‫‪48‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫التطورية‪ ،‬لمػاذا العلماء دخلو هذا العالم ؟ حتى يتغلبوا على هذق األدكاء كاالمراض على هذق االخطاء كما يسمونها هم‪،‬‬
‫اهلل يريد هذا‪ ،‬هذا جزء من الدراما ‪....‬‬
‫ف الكوفً غاصنا بها ملئاف بها‪ ،‬يغفل عنه الكثير من الناس‪ .‬كما عرٌفنا "المعجزة"‬ ‫بػػرهاف النظم لكثرة شواهدق ك كو ي‬
‫طبً الجمعات كما حددناق كفقا هذا التعريف‪ :‬فػكل شيء في الوجود ميعجًز‪ ،‬ذا كاف المعجز ماال‬ ‫سابقا في احدل يخ ى‬
‫تستطيع انت انجازق‪ ،‬ماال تستقل الصدفة ك فرص االتفاؽ بإنجازق‪ ،‬كما يحكي قدرة خارقة كدقيقة كحكيمة كجبارة‬
‫كػل مافي الوجود معجز من الذرة الى المجرة > عبارة (شاتو برياف)‪ .‬كليس ما يعىد عاديا اك غير معجز بأقل في اعجازيته‬
‫اك في دخوؿ باب االعجاز مما جرت العادة بعدًٌق معجزة ‪ .‬كاهلل يسميها اآليات‪ ،‬يسمي المعاجز التي جرت على االنبياء‬
‫باآليات‪ ،‬كيسمي الظواهر الطبيعية كالكونية كلها آيػػػػػػػػات‪ ،‬هذق آيات كهذق آيات‪ ،‬ألنه في النهاية كله معجز لو‬
‫ئللٍف كالتعوٌد‪ ،‬قاؿ تعالى‪ } :‬ككأيًٌنو من آي وة في السماكات كاألرض‬
‫التفتىٌ اليه!‪ ،‬لكػػن لماذا يحدث الغفلة عنها؟! لػً ً‬
‫يمريٌكف عليها كهم عنها ميعرًضوف كمايؤمنوا اكثرهم باهلل إال كهم مشركوف { ‪( .‬كمايؤمنوا اكثرهم) > هذق من برهاف‬
‫اآلية‪ ،‬كاآلية في اآلية!‪ ،‬ألف اآلية تدؿ على ذم اآلية‪ ،‬كهذق اآلية تدؿ على جدارته‪ ،‬كاستحقاقه كحػػػػدق االفراد‬
‫كهي في خلق هذق اآليات كتصميمها الذم ال إله اال هو – اف جاز‬ ‫شىر ى‬
‫بالعبػػودية ! لمى الوقوع في الشرؾ؟‪ ،‬من الذم ى‬
‫التعبير‪ -‬آل احػػد ‪ ..‬فلماذا ييعبىد غيرق ؟!! فهي آيات تدؿ على كجودق كتدؿ على قىدٍر ما من صفاته توجًب هذق‬
‫الصفات افرادق بالعبودية كاأللوهة كحدق‪ ..‬فؤلنها كثيرة ايها االخوة لذلك يحتاج االنساف احيانا الى فضوؿ عالًم‪،‬‬
‫كدهشة فيلسوؼ‪ ،‬ك إحساس فناف مرهف‪ ،‬لكي يلتقط اآليات !‪ ،‬كالذم ليس عندق تلك المواصفات فهو لن يفهم‬
‫اآليات كلن يلتفت اليها‪ ،‬كعلى فكرة‪ ،‬الحقيقة لها اكثر من كجه‪ ،‬من ضمنها الوجه الفني الجمالي‪ ،‬كفيه الوجه العلمي‪،‬‬
‫كفيه الوجه العقلي المحض‪ ،‬كفيه كجوق اخرل‪ ،‬كاالنساف المتكامل ينظر للحقيقة من كجوهها المتعددة‪ ،‬حدثتكم في‬
‫اكثر من مرة عن (بوؿ سيزاف) الذم مكث خمس سنوات > يرسم لوحة غركب الشمس ! ثم لم يقضي نهمته من‬
‫بلوغ النجاح الذم يرتضيه كفناف رهيف الحًسٌ في تقليد هذق الظاهرة الطبيعية التي تتكرر كل يوـ ! كنحن نجدها‬
‫عادم‪ ،‬لكن عند الفناف ليست عادية بتاتا‪ ،‬ثم قاؿ اعيدكها اعيدكها‪ ،‬اف خمس سنوات لزمن يسير لتصوير لحظة غركب‬
‫شمس‪ ،‬آل تكفي ! مالذم رآق (سيزاف) في غركب الشمس اذف؟! كنحن ال نلتفت اليه حى لو كنا نسكن في صحراء اك‬
‫طن جميل ك رأيناق كل يوـ‪. . .‬‬ ‫شى ٌ‬

‫اذف كما عرفنا اف برهاف النظم رسالته الرئيسة ك االساسية هي اثبتا كجود اهلل كخالقٌيىىتهي‪ ،‬ثم بعد ذلك يمكن اف‬
‫ييستفاد من برهاف النظم – اذا بسطناق الى برهاف اآليوم‪ -‬الوصوؿ كاالستدالؿ على بعض صفات هذا الخالق الصانع‪،‬‬
‫اما اثبات سائر الصفات اإللهية فبرهاف النظم ليس مسؤال عنها‪ ،‬انتبهوا‪ ،‬يعني اثبات العدالة اف اهلل عدؿ الذم ال اله‬
‫اال هو‪ ،‬اثبات الحكمة من كل كجه > ال ليس برهاف النظم ! كاثبات اشياء كثيرة اخرل > التقع على عاتق برهاف‬
‫النظم‪ . . .‬فبل يصح اف تورد هذق اإليرادات كإشكاالت على برهاف النظم فهذا خطأ التفكير‪.‬‬

‫نكتفي بهذق الحلقة على اف نلقاكم في الحلقات المقبلة بإذف اهلل تعالى كالسبلـ عليكم ك رحمة اهلل كبركاته ‪..‬‬

‫‪49‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫الحلقة الثامنة برهاف النظم ‪3‬‬

‫أعوذ باهلل من الشيطاف الرجيم‬


‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫ف{‪1‬‬ ‫شًركيو ى‬ ‫ستىعٍجًليو يق سيبٍحىاىنهي ىكتىعىالىى عىمىٌا ي ٍ‬ ‫(ىأتىى ىأ ٍمري الٌلىهً فىبل ىت ٍ‬
‫ف{‬ ‫ف أىنٍ ًذريكا أىٌنى يه ال ًإىل ىه إًال أىنىا فىاتىٌقيو ً‬
‫ن عًبىادً ًق أى ٍ‬‫ن ىأ ٍمرً ًق عىلىى مىنٍ ىيشىاءي مً ٍ‬ ‫} يىنٌزًؿي الٍمىبلئًكى ىة بًالريٌكحً مً ٍ‬
‫ن{‪4‬‬ ‫ن ينطٍفىةو فىإًذىا هي ىو ىخصًيمه ميبًي ه‬ ‫ق اإلً ٍنسىافى مً ٍ‬ ‫ف { ‪ } 3‬خىلى ى‬ ‫شًركيو ى‬ ‫ض بًالٍحىقًٌ تىعىالىى عىمىٌا ي ٍ‬ ‫أل ٍر ى‬
‫ق السىٌمىوىاتً كىا ى‬ ‫‪ { 2‬خىلى ى‬
‫ف{‪6‬‬ ‫سرىحيو ى‬ ‫ؿ حًينى يترًيحيوفى كىحًينى ىت ٍ‬ ‫ف { ‪ } 5‬ىكلىكيمٍ فًيهىا جىمىا ه‬ ‫} كىاألىنٍعىا ىـ خىلىقىهىا لىكيمٍ فًيهىا دًؼٍءه ىكمىنىافًعي ىكمًنٍهىا تىٍأكيليو ى‬
‫س إًفىٌ رىبىٌكي ٍم ىلرىءيكؼه رىحًي هم {‬ ‫قً األىنٍفي ً‬ ‫ل أىثٍقىالىكي ٍم ًإلىى بىلىدو لىمٍ تىكيونيوا بىالًغًي ًه إًال ًبشً ٌ‬ ‫} ىكتىحٍمً ي‬
‫ف{‪8‬‬ ‫‪ { 7‬كىالٍخىيٍلى كىالٍبًغىاؿى كىالٍحىمًيرى ًلىت ٍركىبيوهىا كىزًينىةن ىكيىخٍليقي مىا ال تىعٍلىميو ى‬
‫ن{‪9‬‬ ‫} كىعىلىى الٌلىهً قىصٍ يد السىٌبًيلً ىكمًنٍهىا جىاًئره ىكلى ٍو شىاءى لىهىدىاكي ٍم أىجٍمىعًي ى‬
‫ف { ‪10‬‬ ‫شرىابه ىكمً ٍن يه شى ىجره فًيهً يتسًيميو ى‬ ‫ن السىٌمىاءً مىاءن لىكيمٍ مً ٍن يه ى‬ ‫} هيوى الىٌذًم أى ٍنىزؿى مً ى‬
‫ف { ‪11‬‬ ‫كىريك ى‬
‫ك آليىةن لًقىوٍـو ىيتىفى ٌ‬ ‫ت إًفىٌ فًي ىذًل ى‬ ‫} ينٍبًتي لىكي ٍم ًب ًه الٌزى ٍرعى كىالٌزى ٍيتيوفى كىالنىٌخًيلى كىاألىعٍنىابى ىكمًنٍ كيلًٌ الثىٌ ىمرىا ً‬
‫ف { ‪12‬‬ ‫ك آليىاتو لًقىوٍـو يىعٍقًليو ى‬ ‫ت بًىأ ٍمرً ًق إًفىٌ فًي ىذًل ى‬ ‫} كىسى ٌخىرى لىكيمي اللىٌيٍلى كىالنىٌهىارى كىالشىٌمٍسى كىالٍقى ىمرى كىالنيٌجيوـي يمسى ٌخىرىا ه‬
‫ف{‬ ‫كىريك ى‬ ‫ك آليىةن لًقىوٍـو يى ٌذى ٌ‬ ‫أل ٍرضً مي ٍختىلًفنا ىألٍوىاين يه إًفىٌ فًي ىذًل ى‬ ‫} ىكمىا ىذرىأى لىكيمٍ فًي ا ى‬
‫ن‬
‫ستى ٍخرًجيوا مً ٍن يه حًلٍيىةن تىلٍىبسيونىهىا ىكىترىل الٍفي ٍلكى مىوىا ًخرى فًيهً ىكًلتى ٍبتىغيوا مً ٍ‬ ‫طًرينٌا ىكىت ٍ‬
‫‪ { 13‬كىهيوى الىٌذًم سى ٌخىرى الٍبى ٍحرى ًلتىٍأكيليوا مً ٍنهي لىحٍمنا ى‬
‫ف { ‪15‬‬ ‫هىتديك ى‬ ‫أل ٍرضً ىركىاسً ىي أىفٍ تىمًي ىد بًكيمٍ كىأىنٍهىارنا كىسيبيبل لىعىلىٌكيمٍ تى ٍ‬ ‫ف { ‪ } 14‬كىىألٍقىى فًي ا ى‬ ‫كريك ى‬ ‫ىفضًٍلهً ىكلىعىلىٌكيمٍ ىتشٍ ي‬
‫ف { ‪17‬‬ ‫كىريك ى‬‫ق أىفىبل تى ىذ ٌ‬ ‫ف { ‪ } 16‬أىفىمىنٍ يىخٍليقي كىمىنٍ ال يىخٍلي ي‬ ‫هتىديك ى‬ ‫} كىعىبلمىاتو كىبًالنىٌجٍ ًم هيمٍ يى ٍ‬
‫} كىإًفٍ تىعيديٌكا نًعٍمىةى الٌلىهً ال تيحٍصيوهىا إًفىٌ الٌلىهى لىغىفيوره رىحًي هم { ‪،){ 18‬سورة النحل‪ 18 -1/‬صدؽ اهلل العظيم كبلٌغ‬
‫رسوله الكريم‪ ،‬كنحن على ذلك من الشاهدين‪ ،‬اللهم اجعلنا من شداء الحق القائمين بالقسط‪ ..‬اللهم آمين‬
‫الحمد هلل حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب كيرضى عدد خلقه ك رضى نفسه كمداد كلماته ك حىمىلة عرشه‪.‬‬
‫كاشهد اف ال اله اال اهلل كحدق ال شريك له‪ ،‬ك اشهد اف سيدنا كنبينا محمدا عبدق كرسوله‪..‬اللهم صلي كسلم كبارؾ‬
‫عليه كعلى آله الطيبين كصحابته الميامين كاتباعهم بإحساف الى يوـ الدين‪ .‬سبحانك العلم لنا اال ماعلمتنا انك انت‬
‫العليم الحكيم‪ ،‬اللهم علمنا بما ينفعنا‪ ،‬كنفعنا بما علمتنا ك زدنا علما كاهدنا لما اختيلًف فيه من الحق بإذنك انك تهدم من‬
‫تشاء الى سراط مستقيم ‪ .‬اما بعد‪،‬‬
‫اخواني اخواتي السبلـ عليكم كرحمة اهلل كبركاته‪....‬‬
‫ذكرت سابقا اف (ديفيد هيوـ) اكرد شبهاته في كتابه الشهير الذم طيبًع بعد كفاته <محاكرات حوؿ الدين‬
‫الطبيعي>‪ ،‬ادار هذق الشبهات على لسانين شخصين افتراضيين‪ ،‬الشخصية االكلى "فيلوف" كهو الذم يدافع عن‬
‫برهاف النظم‪ ،‬في مقابل "كلينثًس" الذم يتشكك كيبدم اعتراضات ك إيرادات كشبهات حوؿ هذا البرهاف‪ .‬كقد‬
‫تتساءلوف لماذا نحن انتخبنا كاخترنا اف نقف طويبل مع (ديفيد هيوـ)‪ ،‬ألف شبهاته قوية جدا‪ ،‬ببل شك هذا فيلسوؼ‬
‫عمبلؽ!‪ .‬بعض الناس يظنوف اف الذكاء دائما يعني الصواب‪ ،‬غير صحيح يا اخواني‪ ،‬الذكاء اليعني الصواب‪ ..‬ألنه ليس‬
‫ذكاءا الػاهيا‪ ،‬هذا ذكاء بشر‪ ،‬البشر مهما كاف عبقريا ذكيا فهو يخطيء كيصيب‪ ،‬بعض الناس كهذا مسلك عامي‬
‫اقرب الى التفكير العامي كليس للتفكير العلمي الفلسفي الممنهج يقولوف‪" :‬انت تتناقض‪ ،‬من جهة تصفه فيلسوؼ‬
‫عبقرم‪ ،‬كمن جهة تقوؿ انه تهافت كلم يفهم البرهاف"‪ .‬نعم هذا يحصل دائما مع الفبلسفة العباقرة مع العلماء الكبار‬
‫مع المفكرين المشاهير‪ ،‬يحدث دائما كمعنا نحن ايضا‪ ..‬لسنا بدعا نحن بشر‪ ،‬نحن كائنات نسبية ضعيفة‪ ،‬نخطيء‬
‫‪50‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬
‫كنصيب‪ ،‬لسنا آلهة كنتعلم من اخطائنا‪ ،‬يجب اف نتعلم التواضع‪ ،‬اف لم نتعلم التواضع لن نتعلم كلن نعتاد اف نخضػع‬
‫للحقيػػػقة اذا الحى برهػػػػانها لنا ك أسفرت عن كجهها! سنكابر كنركب رؤسنا فنبقى جهلة كنبقى مدعاة للسخرية ممن‬
‫هم اذكى مننا اك ممن هم اقرب لمعرفة الحقيقة منٌا ببرهانها كدليلها‪ .‬فالذكػػآء اليعني الصواب ‪ ،،‬لكن طبعا الذكاء إزاء‬
‫الغباء > يعني صوابا اكثر ! لكن هذا اليعني اف الذكي يصيب دآئما ‪ ،‬كإال لنسلٌم ادمغتنا لعالم فيلسوؼ ذكي كاحد ك‬
‫ف عن البحث كنشطب على الباقين‪ ..‬من يقوؿ هذا ‪ ..‬تشوهات عامية ال معنى لها‪.‬‬ ‫نك ٌ‬
‫اخترنا اف نقف على شبهات هذا الرجل (ديفيد هيوـ) النه فيلسوؼ ذكي عمبلؽ‪ ،‬كألف شبهاته تلقي بظبللها‪ ،‬كتطبع‬
‫بطابعها اعتراضات كإيرادات كثيرة الػػػػػػى اليػػػوـ ! كثير جدا من االعتراضات التزاؿ تيكرر كهي مجرد استدعا كاقتباس‬
‫لشبهات (هيوـ) بصياغة اخرل بتعبير كتمثيل آخر‪ ،‬لكن نفس الجوهر تقريبا‪ ،‬هناؾ شبهات جديدة ببلشك‪ ،‬لكن هذق‬
‫الشبهات هي االكثر تواردا‪ .‬شبهات (ديفيد هيوـ) اكال‪ ،‬ثم بعد ذلك نظرية التطور لػ (تشارلز داركين) كالشبهات‬
‫التي اتى بها داركين على مسألة برهاف العناية اك برهاف النظاـ ألجئت البلهوتيين الغربيين على التخلٌي عن برهاف النظاـ‬
‫نهائيػػػا !‬
‫الشبػػهة االكلى التي اكردها هي قوله‪" :‬لقد جربنا المصنوعات البشرية – كاتضح لنا انه مامن صنعة متقنة كمحكمة‬
‫ؼ إال كلها مصمم ما يتصف بدكرق بالذكاء كاالحكاـ كالدقة كالبراعة كالحذاقة‪ -‬قاؿ‬ ‫تحكي قصدا كتشير الى غاية كهد و‬
‫(هيوـ) عن انه امر ميسلىٌم كالاعتراض على هذق المسألة التي ال ييكاىبير عليها‪ ،‬فالصناعات البشرية موجودة ككثيرة‪ ،‬كببل‬
‫شك مامن صنعة بشرية كامثولة الساعة التي استخدمها (كيلياـ بيلي) في كتابه الشهير الذم طبع عاـ ‪ 1803‬ـ‬
‫تقريبا‪ ،‬هذق االمثولة اصبحت ايقونة في باب االستدالؿ اك التمثيل لبرهاف النظاـ‪ ،‬ايقونة هذا البرهاف‪ ،‬فػ (هيوـ)‬
‫الاعتراض له‪ ،‬قاؿ كلكننا نزعم من باب القياس كالتمثيل‪ ،‬أف الكوف بدكرق ألف فيه نظاما‪ ،‬فيه دقة‪ ،‬كإحكاـه‪ ،‬البد اف‬
‫يكوف له مصمم خالق ذك ٌي > (هيوـ) قاؿ هنا انا اختلف معكم في هذا‪ ،‬قاؿ ألننا نقيس صنعةو طبيعية على صنعة‬
‫بشرية‪ ،‬هذا القياس مع الفارؽ‪ ،‬من جهة اخرل‪ ،‬ألننا جربنا الصناعات البشرية‪ ،‬كمامن صنعة حذقناها كابدعناها من ضربة‬
‫كاحدة‪ ،‬انما بطريقة التجربة كالخطأ كتتطور كتترقى‪ ،‬كتتثقف هذق الصناعات أم تيرهىف حتى تاخذ صورتها ربما المعاصرة‬
‫المٌتىسًمة بالدقة كالرهافة‪ ،‬لقد جربنا كاتضح لنا صحة هذا المبدأ‪ ،‬لكننا لم نجرب الكوف! الكوف يبدك انه كيجًد مرة كاحدة‬
‫هكذا نحػػن لم نجربة‪ ،‬الكوف ليس بصدد التجريب‪ .‬كفػػي ردنا على (هيوـ) بيىٌػنا انه أيكتًيى من عدـ فهمه بعمقو لبرهاف‬
‫النظاـ‪ ،‬برهاف النظاـ ليس برهانا تمثيليا‪ ،‬كليس تجريبيا‪ ،‬برهاف التصميم في حقيقته برهػػػػاف عقلي‪ ،‬العقل فيه يتوجه‬
‫الى الموضوع من حيث هو‪ ،‬اما اف مقدمات هذا البرهاف مأخوذة من الحس مأخوذة من المشاهد هذا ال يؤثر عليه‪ ،‬ألف‬
‫المقدمة األخرل مقدمة عقلية كهي المهمة في البرهاف‪.. .‬‬
‫الشبػػهة الثانية‪ :‬يقوؿ (هيوـ)‪ " :‬اذا كاف النظاـ السائد حاليا في هذا الكوف القابل للرصد يدؿ على كجود الخالق‬
‫المنظم المصمم‪ ،‬اذف كيف نفسر كجود الظواهر العشوائية‪ ،‬الظواهر الفوضوية‪ - ،‬االف هذا االعتراض اخذ صورة منػ ىقٌحة‪،‬‬
‫كنسخة اكثر احكاما كدقة في شكل مايعرؼ بفيزياء الفوضى‪ ،‬هذق الشبهة لن اجيب عنها االف ألنهاتحتاج الى‬
‫محاضرة مطولة ك مطولة جدا‪ ،‬على اننا يمكن اف نجتزمء بجملة يسيرة فنقوؿ‪ :‬هذق الفوضى فلنقل مثبل في شكل‬
‫البراكين‪ ،‬الزالزؿ‪ ،‬الطوفانات‪ ،‬االعاصير ‪ ..‬هذق كلها ظواهر عشوائية‪ ،‬نحن نسلٌم بهذا ‪،‬كلكن هذق الظواهر الفوضوية‬
‫ال تسمح اف نقوؿ اف الكوف الذم نقطنه كنعيش فيه‪ ،‬هو كوف فضوم ‪ ..‬هذا غير صحيح‪ ،‬انه كوف منظٌم بدليػػػػػل‬
‫انه لو كاف بجملته كتفاصيله كوناي عشوائيا يضرب على غير هدل كعلى غير خطة مرسومة محددة‪ ،‬لما قامت للعلم‬
‫قيامة‪ ،‬كالعلم الينجح كالشتغل كال ينجع اال في عالم ميقنٌن‪ ،‬عالم مدستر‪ ،‬عالم محكوـ بقوانين محددة‪ ،‬اذف عالم‬
‫منظٌػػػم‪ ..‬هذق الجملة سنتحدث عنها اف شاءاهلل في الحلقات المقبلة حين نتحدث عن عقبلنية الكوف‪ ،‬هل الكوف‬
‫عقبلني يحكي ذكاءا؟ ‪.‬‬

‫‪51‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫الشبهة الثالثة يقوؿ (ديفيد هيوـ)‪" :‬مالذم يحوؿ بيننا كبين اف نعتقد اف هذا النظاـ كهذق الدقة ك ذاكم االحكاـ‬
‫في الكوف انما ييدار كيينظٌم ك ييتحكٌم فيه من قًبىل المادة ذاتها؟" أم يقصد اف المادة هي التي تقوـ بهذا التحكم‪،‬‬
‫المادة هي التي تنتج النظاـ‪ ..‬ك أقوؿ لكم كثير من الماديين اليوـ في هذق الحقبة من حياة العلم كاالنساف يعتقدكف‬
‫بصحة هذق الفكرة!‪ ،‬يعزكف الى المادة‪ ،‬كهي النظرية المعركفة بنظرية خاصية المادة‪.‬‬
‫الشبهة الرابعة‪ :‬يقوؿ (ديفيد هيوـ)‪ :‬من اين ككيف لنا اف نثبت اف هذا النظاـ الذم نبلحظه كندرسه كنقررق نعترؼ‬
‫به‪ ،‬هو النظاـ األكمػػػل ؟! لكي تكوف األكمل البد اف يكوف ما بإزائه نظاما آخر بل نيظيم اخرل حتى تتسنى المقارنة‪،‬‬
‫التوجد مقارنة لدينا كوف كاحد كحيد هنا‪ .‬هذا الكوف هو القابل للتجريب اك بعض ظواهرق‪ ،‬كبعضها قابل للرصد‪ ..‬هذا‬
‫هو الكوف كوف كاحد كحيد‪ ،‬من اين لك اف تزعم انه كوف يتسم بأنه كامل ؟!‪ . .‬شبهته قوية ببل شك !‬
‫الشبهة الخامسة‪ :‬قاؿ (ديفيد هيوـ)‪" :‬لنسلٌم اعتباطا كتعسفا > أف هذا الكوف مصنوع هلل‪ ،‬مصمم لهذا الرب القدير‬
‫> قد سلمنا بهذا ‪ ،‬كلكن من اين لنا اف هذا اإلله الذم صمم هذا الكوف كخلقه كابدعه يتصف بسائر الصفات‬
‫الكمالية من العدؿ كالرحمة كالخيرية كالحكمة‪ ..‬الخ‪ ،‬النستطيع اف نعرؼ!‬
‫الشبهة السادسة‪ :‬قاؿ (ديفيد هيوـ)‪ :‬اذا سلمنا اف اهلل هو الذم خلق هذا الكوف‪ ،‬من يدرم لعل الخالق حين أبدع‬
‫ب مرارا ك تكرارا قبل اف يصل الى هذق الصيغة النهائية الحالية الفعلية لهذا الكوف ؟! لماذا‬ ‫هذا الكوف كخلقه‪ ،‬قد جٌر ى‬
‫تقولوف انه صممه بضربة كاحدة؟!‬
‫كمػػا تعلموف في آخر خمسة عشر سنة من القرف العشرين ايعيد بعث برهاف النظم من جديد في نسخة جديدة كصفتها‬
‫بأنها نسخة منقحة‪ ،‬كهي نسخة ‪ :‬برهاف التصميم الذكي‪ ،‬حجة التصميم الذكي‪ ،‬هذا البرهاف ايها االخوة هناؾ‬
‫مؤسسات ترعاق‪ ،‬مئات من كبار العلماء ثلة منهم البأس بها كانوا من التطوريين على الطريقة الداركينية طبعا‬
‫بالمذاهب المستحدثة الداركينية‪ ،‬كانوا متحمسين لهذق الطريقة‪ ،‬لكنهم نزكال على مقتضى ادلة علمية كثيرة في حقوؿ‬
‫علمية متعددة‪ ،‬تركوا هذق القناعات كتحولوا الى مشايعة التصميم الذكي‪ ،‬كألفوا كتبا قوية كانباع منها مئات األلوؼ‬
‫من النسخ‪ .‬فمػػا حكاية هذا التصميم‪ ،‬ل ىم هو قوم الى هذق الدرجة؟ الذين يناقشوف هذا البرهاف – كهم يفعلوف هذا‬
‫تقريبا الى اليوـ – يظنوف اف هذا البرهاف اصالة يتوجه الى الموجودات الجزئية الى النظم الجزئية‪ ،‬يفعل هذا البرهاف‪..‬‬
‫صحيح‪ ،‬كالذين يدافعوف عنه كيأتوف باالمثلة كالنماذج يفعلوف هذا‪ ،‬لكن اصل هذا البرهاف التصميم الذكي الييعنى بهذا‬
‫قػػدىر عنايته بالقوانين المؤسسة للكوف‪ .‬كلذلك هذا البرهاف سيكوف قويا جدا في مواجهة الداركينية‪ ،‬حيث تفشل‬
‫ينجح هو !‪.‬‬
‫كاضح اخواني اخواتي اف شبهات (ديفيد هيوـ) الرابعة كالخامسة كالسادسة العبلقة لها حقيقية كفعلية ببرهاف‬
‫ت صدفة‪ ،‬كأف له مصمما اك‬ ‫النظاـ‪ ،‬برهػػاف النظاـ ييلقى على عاتقه مسؤلية شيء كاحد هو اثبات اف هذا الوجود لم يػأ ً‬
‫خالقا‪ .‬اآلف كوف هذا الخالق حكيما عادال رحيما اليتدخل فيه برهاف النظاـ كليس من اعباء البرهاف‪ ،‬كغير مطلوب من‬
‫هذا البرهاف اف هذا النظاـ الموجود هو النظاـ االكمل ةاالكثر كماال‪ ..‬برهاف النظاـ ال عبلقة له بهذق المسألة !‪ ..‬كلم‬
‫يقيل لك انه سيثبت لك اف هذا النظاـ هو االكمل‪ ..‬اكمل ازاء ماذا؟! لم يقل هذا‪ .‬انتبهوا‪ ،‬هكذا الدقة الفكرية‬
‫كالفلسفية‪( ..‬ديفيد هيوـ) هنا لم يكن دقيقا بالمرة‪ ،‬كىنسىب الى البلهوتيين كالى برهاف العناية اك برهاف النظاـ ماال‬
‫يدعيه هذا البرهاف في نفسه‪ ،‬دقيػػق جدا تحرير محل النزاع كما يقوؿ المناطقة اك علماء المناظرة محل النزاع ماهو‪،‬‬
‫نقطة البحث ماهي‪ ،‬البد اف يكوف هذا دقيقا جدا‪ ،‬برهاف النظاـ يقوؿ هذا الكوف ليس ناشئا عن صدفة بل هناؾ‬
‫منظم موجد له‪ ،‬كوف هذا الموجد هو إله األدياف إله المسلمين اك إله النصارل اك ‪ ..‬الخ فبل عبلقة للبرهاف بهذا‪،‬‬
‫كالعجيب اف بمثل (ريتشارد داككنز) يتدخل في هذق المسائل‪ ،‬كهذا البرهاف ال عبلقة له بهذق القضايا!‪ ..‬طبعا ال‬
‫يسوغ لمسلم اف يقوؿ اف برهاف النظم يثبت اف اهلل إلهنا كما نفهمه منزؿ القرآف العظيم هو الذم اكجد الكوف >‬
‫هذا غير صحيح فبرهاف النظم اليقوؿ هذا ! ‪ .‬فهذق مسائل متقدمة‪ ،‬كتطرح بطرح آخر كبنحو آخر‪ ،‬كيستدؿ عليها ايضا‬

‫‪52‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫بنحو آخر كببراهين اخرل‪ ،‬مهم جدا الدقة في هذق المسائل‪ ،‬حى ال نتورط في اشياء تؤخذ علينا كتجعلنا بمحل السخرية‬
‫‪...‬‬
‫لنفصًٌل بعض األشياء ايها االخوة‪ ،‬طلب كحدانية اهلل انه الواحد‪ ،‬انه كلي العلم‪ ،‬أنه رحيم‪ ،‬انه حكيم‪ ،‬هذا ممكن طلب‬
‫هذق االمور‪ ،‬لكػػن ليس من برهاف النظم‪ ..‬البلهوتيوف ليس في االسبلـ فقط بل حى في االدياف السماكية االخرل‬
‫لديهم االدلة االخرل إلثبات هذق المسائل‪ ،‬يعني اليعولوف فقط على برهاف النظم حتى ييقاؿ موقفهم متضعضع قلق ك‬
‫هش‪ ،‬يقوؿ (هيوـ) برهاف النظم ال يثبت هذق المسائل‪ ،‬اذف انتم دينكم هش كضعيف‪ ..‬غيػػػر صحيح‪ ،‬نحن النعوٌؿ‬
‫فقط على برهاف النظم حتى في مسألة خلق اهلل ك كوف اهلل هو خالق هذا الكوف ‪ ،‬النعوٌؿ فقط على برهاف النظم‪..‬‬
‫لدينا براهين اخرل‪ ،‬سنتحدث عنها بعػػد اف نفرغ من برهاف النظم!‪ .‬هذق البراهين التي تثبت اف اهلل هو خالق هذا‬
‫الوجود أك اف هذا الوجود مخلوؽ إلله ‪ -‬ال اله اال هو ‪.‬‬
‫شبػػهة اف اهلل تبارؾ كتعالى لعله جرٌب خلق الكوف مرارا كتكرارا الى اف انتهى كأفلح في الوصوؿ لهذا النسخة كهي‬
‫الكوف الفعلي االف‪ ،‬هذق الشبهة مطركحة في علم البلهوت‪ ،‬يعني ليست من بنات افكار (ديفيد هيوـ)‪ ،‬كتتعلق‬
‫بمسألة ‪ :‬هل علم اهلل فعلي اك غير فعلي؟‪ .‬مامعنى فعلي؟ لدينا مصطلحاف ارسطوياف شهيراف‪< :‬اإلمكاني‪،‬‬
‫كالفعلي> يعني مابالقوة كما بالفعل‪ .‬علم االنساف امكاني كفعلي‪ ،‬كل فعلي فيه كاف‬
‫ف شىيٍئنا { (سورة النحل‪ ،)78/‬اذف اليوجد علم‪ ،‬كالنركة في‬ ‫ف يأمىٌهىاتًكيمٍ الى تىعٍلىميو ى‬
‫هلل أى ٍخرىجىكيم مًٌن يبطيو ً‬
‫امكانيا‪ } ،‬كىا ي‬
‫سياؽ النفي تعيم‪،‬يعني كال أم معلومة لدل االنساف حين يخرج من بطن امه‪ ،‬كلكن هذا االنساف يصبح عالما كبيرا‪،‬‬
‫لماذا؟‪ ...‬الشامبانزم اليستطيع‪ ،‬الغوريبل التستطيع كالقط اليستطيع ‪ ...‬اف يصبح عالما كبيرا كاالنساف كيدرس‬
‫الكوف كيضع نماذج رياضية‪ ،‬ألف اإلنساف مهيٌأ بالقوة ليعلم فاالنساف عليم اك عالم بالقوة‪ ،‬كمابالقوة ضمن شركط‬
‫معينة ك ظركؼ خاصة‪ ،‬يتحوؿ الى مابالفعل‪ .‬هػػػل علم اللػػه هػػػكذا ؟ يخرج من القوة الى الفعل ؟‬
‫نحن كبلهوتيين أم علماء الدين نقوؿ آلآآآآآ غير صحيح‪ ،‬عػػػلم اهلل كػػػلٌه فعلي‪ ،‬بعض البلهوتيين عندهم نظرية تقوؿ‬
‫علم اهلل فعػػله اصبل!‪( ،‬كبلـ عميق لكن له موضوع اخر الهوتي)‪ ..‬اذف شبهة (هيوـ) اف اهلل جرب كجرب ‪ ..‬ثم‬
‫اهتدل الى الصورة االكمل > هذا الكبلـ مضمٌن به فكرة الهوتية خاطئة‪ ،‬ال يوافق عليها البلهوتيوف‪ ،‬تقوؿ اف علم‬
‫اهلل يخرج من قوة الى فعل عبر التجريب‪ ،‬فعلم اهلل بأف هذق النسخة من هذا الكوف انها االفضل كاالكمل – هذا االف‬
‫علم فعلي لكن لم يكن فعليا باستمرار انما كاف بالقوة‪ -‬مالذم اخرق من الفعل؟ التجربة كالخطأ‪ ..‬يعني على نح ًو علم‬
‫االنسػػاف!‪ ..‬كهذا كبلـ غير صحيح‪ ،‬لػػػػػكن أنا لي رأيي الخاص في هذق المسالة بالذات كالرد اك المحاجة مع (هيوـ)‪ :‬لو‬
‫تأملنا اسلوب اهلل تبارؾ كتعالى في الخلق‪ ،‬للفت نظرنا شيء عجيب ‪ ..‬كحتى ال انسى‪ ..‬في كتاب (بوؿ ديفيس)‬
‫الجميل كالماتع <عقل اهلل> يقوؿ فيه‪ " :‬من الجدير بالمبلحظة أف االعتقاد في كقت كاحد‪ ،‬بعوالم أكواف متعددة‪،‬‬
‫كبإله مصمم مسؤؿ عن هذق االكواف كمنها انتخب هذا الكوف‪ ،‬هو اعتقاد متىٌسق تماما" على اف (بوؿ ديفيس) ضد‬
‫نظرية االكواف المتعددة‪ ،‬ككجه لها اكثر من نقد قوم كاليعتقد بها تماما حتى انه قاؿ‪ " :‬في النهاية اذا اضطررت الى‬
‫الترجيح بين االكواف المتعددة كبين إله مصمم‪ ،‬فػمبدأ <نصل اككاـ> يضطرني اف ارجح اإلله المصمم !‪ ".‬ألنه‬
‫لتفسير كجود النظاـ كالدقة كالتصميم في كوف كاحد هو كوننا‪ ،‬ندخل كنقحًم تعقيدات ال نهائية باالحرل‪ ،‬ألف النظرية‬
‫تتحدث عن اكواف ال نهائية‪ ،‬لكي نفسر بهذا التعقيد البلنهائي تعقيدا محدكدا في كوننا هذا‪ ،‬هذا ضد <نصل‬
‫اككاـ> كما يقوؿ (بوؿ ديفيس) على طوؿ الخط‪ ،‬هذا معنى كبلمه‪ ،‬لذا قاؿ‪" :‬انا كرياضياتي ككفيزيائي محترؼ‬
‫كحائز على الجوائز العالمية سأنحاز الى اإلله المصمم !"‪ .‬بإسم العلم تجترح هذاق النظريات هركبا من االقرار بإله صمم‬
‫كخلق‪ ،‬اليريدكف‪.. .‬‬
‫من كجهة نظرم انه بالتأمل في اسلوب اهلل في الخلق يضح لنا ‪ ..‬ربػػػما صحة مقولة (بوؿ ديفيس)‪ ،‬يعني اف اهلل‬
‫تبارؾ كتعالى خلق اكثر من كوف ثم انتخب هذا الكوف‪ ،‬في هذق الفكرة ليست عندم مشكلة‪ ،‬لكن عندم مشكلة في‬

‫‪53‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫التضمينات الفلسفية‪ ،‬في اعادة قراءة هذق المسألة اف كانت حقيقية ‪ ..‬كمسلم ‪ ..‬ألف اهلل يقوؿ في اكؿ سورة‬
‫في كتاب اهلل ‪ } :‬الحمد هلل ربًٌ العػػػػػالميػػن { مباشرة هذا التعبير القرآني يينعش خيالنا االسبلمي‪ ..‬الخياؿ المؤمن‬
‫المؤلًٌه الموحد لكي يفهم انه ليس ثمة عالم كاحد فقط هو هذا العالم! – كما قلنا – القابل للتجريب كالقابل للرصد ‪..‬‬
‫ال ال‪ ،‬هناؾ عوالم } الحمد هلل ربًٌ العػػػػػالميػػن { > اذف مسألة تعدد العوالم مسألة ليست مطركحة‪ ،‬مسألة‬
‫منصوص عليها!‪ ،‬في كتاب اهلل (رب العالميػػن)‪ ،‬لهذا السبب بالذات لق ىي (جيوردانو بركنو) مصيرق المأساكم على‬
‫الخازكؽ محركقا‪ ،‬ألنه اعتقد بتعدد العوالم‪ ،‬كيف يقوؿ بتعدد العوالم كالمسيػػح بعث في هذا العالم فقط !‪ .‬كيف‬
‫ينجوف اذف‪ ،‬كيف يتخلصوف‪ ..‬عندنا التوجد مشكلة‪ ،‬كليٌه عبيد هلل ‪:‬‬
‫ن شىيٍ وء ًإلىٌا يسىبًٌ يح بًحىمٍدً ًق { االسراء‪.44/‬‬
‫}كىإًفٍ مً ٍ‬
‫}اهلل الذم خلق سبع سماكات كمن األرض مثلهن{ الطبلؽ‪12/‬‬
‫يعني لم يقل اهلل تبارؾ كتعالى (سبعة كواكب) ال‪ ،‬انها سبعة أراضيػػػػن كأف يقوؿ لك كوكب مثل هذا‬
‫الكوكب!‪ ،‬بشركط مقاربة‪ ،‬قطعا السبع السماكات ليست متماثلة دائما كفي كل شيء‪ ،‬متماثلة من حيث االصل‪،‬‬
‫لكن كل سماء لها خصائصها ك سماتها‪ ،‬لكن البنية يبدك انها كاحدة‪ ،‬كذلك االراضوف ‪ ..‬ليس تماثبل تاما‪ ،‬مع اف‬
‫الحديث الذم اخرجه البيهقي كقاؿ في اسنادق صحيح‪ ،‬لكنه شاذ بالمرة‪ ،‬حديث ابي الضحى عن عبد اهلل ابن عباس‬
‫ض آدـ كآدـ‪ ،‬ابراهيم كإبراهيم‪ ،‬محمد كمحمد‪،‬‬ ‫رضي اهلل عنهما‪ ،‬أنه قاؿ‪ " :‬سبع اراضين كأرضكم هذق‪ ،‬في كل ار و‬
‫كابن عباس كإبن عباسكم!"‪ .‬هذا الحديث قد يكوف فيه نوع من المبالغة‪..‬‬
‫كما اننا نجد عند اسلوب اهلل تبارؾ كتعالى في الخلق‪ ،‬نجد شيئا شبيها في عالم االنساف‪ ،‬مئات مبليين الحيوانات‬
‫المنوية لكن كاحد منها فقط هو من يجتاز االختبار كيخصب كيلقح البويضة‪ ،‬الباقي يفنى كيهلك‪ ..‬لماذا؟ نفس‬
‫الشيء‪ ،‬كاف اهلل تبارؾ كتعالى يستطيع اف يصمم االنساف بطريقة يتماثل فيها الذكر كاالنثى‪ ،‬بويضة هنا ك حيمن‬
‫كاحد فقط‪ ،‬لكػػن لماذا مئات المبليين الدكر لها كتهلك ككاحد فقط هو من ينجح في المسابقة؟‪ .‬اذف في الميداف‬
‫االكبر اقصويا الكوف اك االكواف‪ ،‬هناؾ اكثر من كوف اكثر من عالم‪ ..‬هل يمكن اف يكوف بالفعل اهلل تعالى اختار منها‬
‫كونا كاحدا يكوف كوننا هذا العاقل مثبل؟ ربما اكثر من كوف‪ ،‬الندرم‪ ..‬عودة الى مقولة (بوؿ ديفيس)‪ :‬يمكن اف‬
‫يتسق االيماف بعوالم متعددة كباهلل كصانع ك مصمم‪ ،‬ليس بالضركرة اف هذا يقود الى االلحاد اك التشكيك في كجود‬
‫الذات االلهػػية‪ ،‬على خلفية دينية‪ ..‬هذا ممكن ك هذا ممكن‪ .‬لكن (ديفيد هيوـ) كيف فسر هذق المسألة لو كقعت‬
‫بافتراض كقوعها‪ ،‬لدينا هذا االفتراض مرجح‪ ..‬فسرها على اف علم اهلل ليس علما فعليا‪ ،‬فالعلم ينتقل من القوة الى‬
‫الفعل‪ ،‬فيقع اهلل تحت طائلة مبدا التجربة كالخطأ‪ ،‬حتى يعرؼ بعد ذلك ماهو االنسب كاالكثر مبلئمة‪ ،‬كهذا غير‬
‫صحيح‪ ...‬اما نحن نفسرق كمبدأين على االقل اثنين مختلفين‪ ،‬مبدأ التفضيل‪ ،‬اهلل يريد اف يخلق من شيء اكثر من‬
‫نسخة كاكثر من نموذج ليفضًٌل بعضنا على بعض‪ ،‬هذا داخل في حكمة اهلل‪ ،‬في العالم االنساني نفسه‪ ،‬البشر ليسوا‬
‫متماثلين تماما‪ ،‬حتى االنبياء كهم سادات ك خيرة البشر‪ } ،‬تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض { البقرة‪، 285 /‬‬
‫السماكات السبع متفاكتة في الفضل كالشرؼ‪ ،‬كاشرفها اعبلها ليس للعلو لكن لمعنى معركؼ لدل الملًٌيين‪ ،‬الجباؿ‬
‫تختلف في فضلها (أيحيد جبل يحبنا ك نحبه)‪ ،‬الشهور بعضها افضل من بعض‪ ،‬األياـ منها الجمعة ‪ ..‬كهكذا‪ ،‬مبدأ‬
‫التفضيل كليس مبدا التجربة كالخطأ‪ ..‬مالذم يمنع بنفس المنطق كنفس المعنى اف خلق كابدع كصمم اكثر من كوف؟‬
‫ليفضل بعضنا على بعض‪..‬اذف مبدأ التفضيل هو السارم كليس مبدا التجربة كالخطا كما كاف يعتقد (هيوـ)‪ ،‬دائما‬
‫البد اف تطلقوا العناف ألخيلتكم‪ ،‬اف تتعدد االفتراضات‪ ،‬السقوط دائما تحت طػػػػػائلة افتراض كاحد قد يكوف سقوطػػنا‬
‫مدكًٌيػػان في الخطأ يحكي قصور الفكًر قصور النظر ‪...‬‬
‫المبدأ الثاني هو االختيػار أم االصطفاء‪ ،‬نوع من االصطفاء ليس من التفضيل ابدا‪ ..‬كانما اختيار كانتخاب‬
‫لحكمة } كربك يخلق مايشاء ك يختار { القصص‪ .68 /‬المبلئكة مثبل منها مبلئكة يختار اهلل لتبليغ رساالته‪ ،‬كهي‬

‫‪54‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫مهمة شريفة جدا‪ ،‬كمنها مبلئكة تيختار ألغراض اخرل كنصرة المؤمنين مثبل‪ ،‬ليس بالضركرة اف يكوف المبلئكة االعلى‬
‫كاالرقى مثابة هم الذين ينصركف المؤمنين‪ ،‬كانما هذق مهمة يوكل بها هؤالء‪ ،‬مهمة اخرل توكل بنوع اخر من‬
‫المبلئكة‪} ..‬اهلل يصطفي من المبلئكة رسيبل كمن الناس{ الحج‪ ،75/‬مبدا االختيار هذا ال عبلقة له بالتفضيل ‪ -‬هذا‬
‫الكبلـ على خلفية مؤمنين مؤلًٌهين امثالنا‪ ،‬نحن لنا نظرية كمؤلٌهة كما نفهمها من كتاب اهلل‪ ،‬كبلـ على الفرض‪ ،‬كبلـ‬
‫(هيوـ) عن فرض‪ ،‬ك (هيوـ) اليؤمن باهلل اصبل‪ ،‬ككبلمه عن إله يجرب كينتخب على فرض ‪ ،‬كجوابنا على الفرض ايضا‬
‫النصادر على المطلوب كإال المحاضرات كلهاغايتها البعيدة كقصدها االساسي كالرئيس هو اثبات كجود الذات االلهػػية‬
‫ك ادحاض شبهات المبلحدة عبر العصور‪ -‬يحدث ايضا في عالم التخصيب في عالم تخليق االنساف‪ ،‬من بين مئات مبليين‬
‫الحيوانات المنوية ككثير جدا منها صالح‪ ،‬يختار حيمنا كاحدا يحمل امراضا كراثية‪ ،‬يحمل طفرات تؤدم الى جنين مشوٌق‪..‬‬
‫انساف ناقص بعاهة‪ ،‬لماذا اختارق اهلل تبارؾ كتعالى؟! لحكمة قد يبدك لنا كجه منها‪ ،‬كتخفى كجوق‪ ،‬هو الذم اختارق‪،‬‬
‫ليس للتفضيل لم يختر االكمل‪ ،‬لم يختر االكمل‪ ،‬كانما اختيار ‪ ..‬كلذلك اهلل تبارؾ كتعالى ألنه يعلم اف من البشر‬
‫ق‬
‫سيعترض على امثاؿ هذق االختيارات‪ ،‬فقاؿ سبحانه كتعالى‪} :‬ك ربك يخلق مايشا يء كيختار{‪ ،‬يختار مايشاء على كًف ً‬
‫الحكمة }ك ربك يخلق مايشا يء كيختار مػػػػاكاف لهم الخىيرىة { ‪ ،‬اذف تفسيرنا يقوـ على مبدئين‪.‬‬
‫على ذًكر االصطفاء‪ ،‬تذكرت اآلية‪} :‬إف اهلل اصطفى آد ىـ ك نوحان{ آؿ عمراف‪ ،33/‬كهذق تعزز موقفنا لكن من زاكية‬
‫ث آخر‪ ،‬كيف اتى هذا التعزيز؟ حتى آدـ ‪ ،‬قد يكوف – كهذا ييسعًد التطوريين‪ -‬حلقة ليس‬ ‫اخرل‪ ،‬كفيها اشارة الى مبح و‬
‫بالضركرة تطورية لكن حلقة في سلسلة خلق شبيه‪ ،‬حلقة متقدمة (زمنيا متأخرة اقرب الينا) كالمتقدـ هو االبعد زمنيا‪،‬‬
‫ف آدـ)‪ ،‬طبعا‬ ‫لماذا؟ في االدبيات الصوفية‪ ،‬يينسب الى النبي عليه افضل الصبلة كالسبلـ حديث اك خبر ‪( :‬قبل آدـ أل ي‬
‫لم تصح من جهة االسناد لكن موجودة في االدبيات الصوفية في بعض كتب الحديث‪ ،‬اهل السنة‪ ،‬كاالمامية االثنى‬
‫ف آدـ‪ ،‬كفي ركاية ألف ألف آدـ) ‪ ..‬لماذا؟ قػػػد يشير قوله‬ ‫عشرية عندهم ربما خبراف اك ثبلثة على االكثر‪( ،‬قبل آدـ أل ي‬
‫عزٌ من قائل‪} : :‬إف اهلل اصطفى آد ىـ ك نوحان كآؿ ابرهيم ك آؿ عمراف على العالمين{‪ ،‬الى هذا ‪ .‬كيف؟ ألف االصطفاء‬
‫عموما يكوف لفرد اك مجموعة بين افراد اك مجموعات بحسب المصطفى‪ ،‬هنا الذم كقع عليه االصطفاء المصطفى هو‬
‫شخص كاحد هو آدـ ‪ ،‬من بين مىن اصطفاق اهلل؟ اذف من بين أكادـ آخرين (قبل آدـ ألف آدـ)‪ ،‬لو كاف آدـ هو الحلقة‬
‫االكلى بإطبلؽ في الخًلقة المعركفة بالبشر مثبل لما سا ىغ اف يقوؿ‪} :‬إف اهلل اصطفى آدـى{‪ ،‬يبدك انه كاف مسبوقا‬
‫ك الدماء كنحن نسبح‬ ‫‪ ..‬كلذلك حين استفصلت كاستفسرت المبلئكة }قالوا اتجعلي فيها من يفسدي فيها كيسف ي‬
‫بحمدؾ ك نقدٌسي لك{ البقرة‪ ،30/‬بعض االحتماالت التي طرقت هذق االية معنويا أف المبلئكة كيف عرفت هذا ؟!‬
‫كيف عرفت اف هذق الخليقة – المفركض انها جديدة كما كنا نيلقىٌن‪ -‬انها خليقة جديدة؟‪ ،‬يمكن اف ييستأنس بهذا‬
‫االستفسار من المبلئكة أف آدـ ليس هو أكؿ هذق الخليقة‪ ،‬انما منه اك شبيهه اك من جنسه أكادـ آخركف سبقػػػوق‪،‬‬
‫ف‬
‫ككانوا في االرض خلفاء استخلفهم اهلل تبارؾ كتعالى من بعضهم بعضا‪} ،‬كجعلكم خبلئ ى‬
‫األرض{ فاطر‪ ،39/‬فقاسوا آدـ على أكلئكم كظنوا انه سيفسد كما افسد من قبله‪ ،‬كفي الحقيقة أفسد ابن آدـ‬
‫مفسد الى اليوـ‪ ،‬بعض العلماء ك بذكر هذق الفكرة كيلدت مع االماـ محمد عبدق رحمة اهلل عليه ثم طورها بعض‬
‫االسبلميين الحقا‪ ،‬يتحدثوف عن الفرؽ كالتفرقة بين البشر كاالنساف‪ ،‬البشر أعم كاالنساف أخص‪ ،‬نحن االف بشر ببل شك‬
‫ألننا بادك البشرة‪ ،‬ظاهر الجلد يسمى البشرة‪ ،‬فاالنساف هو المخلوؽ البادم البشرة‪ ،‬آلف الحيوانات مغطاق بشعر بصوؼ‬
‫بوبر بحراشف‪ ،..‬من تعرفات االنساف هو الكائن الذم يمشي على قدمين بػادم البشرة‪ ،‬فنحن بشر لكننا ايضا عبلكة على‬
‫ذلك نحن أناسي نحن ناس –جمع انساف – نحن‬
‫ق ىبشىران مًن طًينو{‪ }71‬فىإًذىا سى ٌوى ٍي يتهي كىنىفىخٍتي فًيهً مًن ريٌكحًي فىقىعيوا ىل يه سىا ًجدًينى‬
‫انساف } إًذٍ قىاؿى رىٌبيكى لًلٍمىلىائًكى ًة إًنًٌي خىالً ه‬
‫{‪ {72‬سورة ص‪ ،‬بالتسوية كنفخ الركح فيه يستحيل انسانا !‪ ،‬العبلقة بين البشرية كاالنسانية عبلقة عموـ‬
‫كخصوص مطلق‪ ،‬دائرتاف متداخلتاف كالركز كاحد‪ ،‬الدائرة الكبرل هي البشر‪ ،‬كالدائرة الصغرل هي االنساف فكل انساف‬

‫‪55‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫بشر‪ ،‬لكن ليس كل بشر انسػػاننا ! ‪ ..‬فهل ياترل كاف قبل آدـ بشر آخركف؟! ربما نعرض بجواب سريع ألف هذا ليس‬
‫مبحثنا‪..‬‬
‫لكن في الحلقة المقبلة اف شاءاهلل تعالى ‪ ..‬فالسبلـ عليكم ك رحمة اهلل تعالى كبركاته ‪..‬‬

‫‪56‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫الحلقة التاسعة برهاف النظم ‪:4‬‬

‫أعوذ باهلل من الشيطاف الرجيم‬


‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫الحمد هلل حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب كيرضى عدد خلقه ك رضى نفسه كمداد كلماته ك حىمىلة عرشه‪.‬‬
‫كاشهد اف ال اله اال اهلل كحدق ال شريك له‪ ،‬ك اشهد اف سيدنا كنبينا محمدا عبدق كرسوله‪..‬اللهم صلي كسلم كبارؾ‬
‫عليه كعلى آله الطيبين كصحابته الميامين كاتباعهم بإحساف الى يوـ الدين‪ .‬سبحانك العلم لنا اال ماعلمتنا انك انت‬
‫العليم الحكيم‪ ،‬اللهم علمنا بما ينفعنا‪ ،‬كنفعنا بما علمتنا ك زدنا علما‪.‬‬
‫اخواني اخواتي السبلـ عليكم كرحمة اهلل كبركاته‪....‬‬
‫نعود الى اسلوب اهلل في الخلق‪ ،‬انه يخلق من كل شيء نسخا متعددة من االكواف كمن األكادـ كمن االشياء‪ ،‬كحتى‬
‫النطيل في هذق المسألة اردت اف اختم بالقوؿ أف ادعاء فهم اسلوب اهلل في الخلق فهما تاما كمنتهيا‪ ،‬ادٌعػػػػا هء‬
‫شًركًيٌ‪ ،‬ادعاء كثني شركي‪ ،‬كلو زعم هذا احد اكبر األكلياء اك احد اكبر العلماء في هذا العصر اك في غيرق‪ ،‬ألنه ييعادؿ‬
‫بمساكاة علم االنساف بعلم اهلل ‪ ..‬كمن يقوؿ" نحن نعلم كل مايعلمه اهلل لذلك نستطيع اف نفسر اسلوبه في‬
‫الخلق!" > هذا اليقوؿ به مؤمن‪ ،‬هذا اليقوله انساف يدرؾ نسبيته كمحدكديته‪ ،‬يبقى موضوع اسلوب اهلل في الخلق‬
‫موضوعا مفتوحا ‪ ..‬نكتفي بهذا القدر من التعليق عن موقف (هيوـ) من هذق المسألة (مسألة فعلية علم اهلل اك انه‬
‫يخرج من القوة الى الفعل)‪.‬‬
‫اآلف افضت النوبة كما يقاؿ الى بسط الحديث كتشقيق الكبلـ في الشبهة الثالثة من شيبىه (هيوـ) كهي الشبهة‬
‫التي تدكر حوؿ (خاصية المادة)‪ :‬قابلية المادة كاهلية المادة كلياقة المادة ألف ييفسر بها كل مانراق من كجوق كمظاهر‬
‫االنتظاـ كالدقة كالتصميم كاالحكاـ‪ .‬مػػػا معنى نظرية خاصية المادة؟ معناها باختصار كببساطة أف المادة عناصر‬
‫كمركبات سواءا تحدثنا على مستول العناصر اك عن مستول المركبات مركبات العناصر‪ ،‬هذق الخاصية فيها قابلية ال‬
‫تنفك عنها‪ ،‬هذق القابلية هي التي تفسر لنا االحكاـ كالدقة كالنظاـ في الكوف‪ .‬للمزيد من الشرح بما ذكرناق االف‪،‬‬
‫لنضرب مثاال ليتضح لنا المعنى‪ ،‬مثبل لنأخذ شيء مركٌب تركيبا معقدا جدا كالخلية الحيوانية اك الخلية النباتية فيها‬
‫القابلية اف تقوـ بما تقوـ به‪ ،‬الجزمء البركتيني في الخلية مثبل‪ ،‬هذا مركٌب ايضا من اربعين ألف ذرة احيانا تنميه عناصر‬
‫خمسة معركفة‪ ،‬فيه قابلية اف يؤدم مايؤديه كيفعل مايفعله‪ ،‬لكن كيف تكوٌف ؟ العناصر التي كونت هذا الجزمء‬
‫فيها قابلية اف تلتئم بعضها ببعض‪ ،‬كبتركب بعضها مع بعض كعلى بعض‪ .‬طبعا كاضح االف ‪ ..‬بضربة كاحدة اف مثل‬
‫هذق النظرية تقريبا ‪ ..‬هيػػرآء مجرد هيرآء‪ ،‬تيفسٌر كل شيء كبالتالي التفسر شيئا‪ ،‬هذق النظرية في تقويمي الشخصي‬
‫تينهي العلم‪ ،‬كل شيء سنقوؿ‪ :‬قابلية‪ ،‬كلكنهم يقولوف ال اليينهي العلم‪ ،‬كيبقى دكر عتيد للعلم كهو اف يصف مفاعيل‬
‫منتوجات انتاج قابلية المادة‪ .‬كهذا كبلـ ايضا قوم‪ ،‬يمكن اف ييجاب به عن شبهة انها تنهي العلم!‪ .‬كماقصدته‬
‫بكلمة" تنهي العلم" بمستول اعمق ك أدؽ كهو مستول التعليل‪ .. .‬يأتي احدهم كيقوؿ‪ :‬ال‪ ،‬العلم فقط يقنع‬
‫بالتوصيف‪ ،‬ال يريد التعليل التعليل ليس من مهمات العلم ‪ ..‬هذا كبلـ لؤلسف‪ ،‬نجدق في جملة كفي عدد كبير من‬
‫كتب فلسفة العلم ‪ ،‬لكنه فعليا غير صحيح كغير مطبق‪ ،‬ككما ذكرت في خطبة "كيسألونك من خلق اهلل"‪ .‬ما من‬
‫عالم تقريبا يستبحر علمه كتتسع مداركه كمعارفه اال كيستحيل فيلسوفا صغيرا‪ ،‬العلم في النهاية ال يستطيع اف‬
‫يكبح جماح نفسه كشغفه المشبوب الى معرفة االجوبة النهائية‪ ،‬معرفة اعمااؽ االشياء‪ ،‬العلل النهائية‪ ،‬التي تنتهي عند‬
‫الموحدين المؤمنين‪ ،‬الى المبدأ االكؿ‪ ،‬كهكذا يمارس دكرا ميتافيزيقيا‪ ،‬يتورط في الفلسفة الميتافيزيقية‪ ...‬هنا نظرية‬
‫خاصية المادة تبطل المسعى العلمي !‪ ،‬كيبقى العلم ساذجا طفوليا تجريبيا حسيا‪ ،‬جافا خشنا ‪،‬يصف فقط ماذا‬
‫‪57‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬
‫يحدث‪ ..‬كباألساس اف تقدـ العلم اليمكن اف يكوف رهنا بمجرد الوصف‪ ،‬العلم اليتقدـ اال بمستويات من التعليل‪،‬‬
‫يعمق بعضها فيكوف اعمق من اعمق من بعض‪.‬‬
‫اذف نظرية خاصية المادة من حيث انها تزعم انها تفسر‪ ،‬في الحقيقة التفسر شيئا!‪ .‬فعندما تسأؿ عن أم شيء‬
‫تريدق‪ ،‬ستجد االجابة "انها خاصية المادة‪ ،‬المادة تفعل هذا"‪ ،‬كأف تسأؿ كيف نشأت الحياة؟ نقوؿ نشأت مثبل مع‬
‫الجزمء السحرم ‪( DNA‬الحامض البركتيني المنزكع االكسجين)‪ ،‬لكن كيف تكوف هذا؟ تكوينه مسألة معضلة مسألة‬
‫خوارقية اعجازية؟ يقوؿ لك‪" :‬انها خاصية المادة‪ ،‬المادة تفعل هذا"‪ ،‬قد يكوف األصل ‪ RNA‬أم‬
‫فرضية ‪ RNA‬أم‪:‬‬
‫ف هذا ؟!! يقوؿ لك‬ ‫( ‪ )RNA hypothesis‬في علم االحياء االف‪ ،‬يقوؿ لك فرضية ‪ RNA‬اكال‪ ،‬ككيف تكوٌ ى‬
‫‪" ":‬خاصية المادة"!‪ ،‬كيف كجد الشطر اآلخر له التحم معه ك كوىٌف الػ ‪DNA‬؟ ‪" :‬خاصية المادة"! ماشاء اهلل على‬
‫االسلوب الجميل !!!‪ .‬كيف تطورت المملكة الحيوانية؟‪" .‬خاصية المادة"! كيف تعمل المادة ‪ ..‬كيف ‪ ..‬كيف ؟‬
‫"خاصية المادة"!‪ > .‬هذق نظرية مادية ك جافة لكنها نظرية بلهػػاء ! بمعنى‪ ،‬انها في الحقيقة تهرب من التفسير‪،‬‬
‫كتسلم بالواقع كميعطى خاـ‪ ،‬كهنا طبعا كما قلت ينتحر العلم‪،‬أك يجمد‪ ..‬العلم هنا‪ ،‬تقولي ‪ :‬ألنه هكذا‪ ،‬هذا معنى‬
‫خاصية المادة ألنه هكذا‪ ،‬هو هكذا ألنه هكذا!‪ .‬هػػذا اسمه بلغة فلسفة العلم‪ :‬التسليم بالمعطيات الخػػاـ‪ .‬نحن ال‬
‫نريد اف نسلٌم ال فبلسفة كال علماء‪ ،‬نحن نريد اف نفهم‪ ،‬نريد اف نستدؿ‪ ،‬اف نيعلل‪ ،‬فهذق النظرية ال تيسعفنا على‬
‫االطبلؽ ايها االخوة ‪..‬‬
‫طبػػعا كجود هدؼ بعيد‪ ،‬كغاية قىصًيٌة للنظم المختلفة تسعى الى تحقيقها اك الى بلوغها المفركض اذف هذق النظرية‬
‫تفشل ايضا في التعاطي معها ‪ ..‬لمػػػاذ؟! كجػػود تناسق بين البًنىى المختلفة لتحقق منظومات اكسع‪ ،‬تفشل هذق‬
‫النظرية في تفسيرها‪ .‬كهذا اهم شيء في نقاش خاصية المادة ‪ ..‬لماذا تفشل هنا كتفشل هناؾ ايضا‪ ..‬ألف‬
‫المفركض في خاصية المادة اف تفسٌر لنا كيف تتراكب ككيف تتعانق العناصر أك بعض المركبات‪ .‬أما كيف يتم تنسيق‬
‫كمؤازرة كتعاكف‪ ،‬يحكي ترجمة لخطة معينة‪ ،‬كهذق الخطة في النهاية تحكي هدؼ اقصى كهدؼ كاعو كعاقل كذكيٌ‪،‬‬
‫هذق النظرية"خاصية المادة" تفشل تماااما ال تتعاطى على هذا المستول‪ ،‬ال تستطيع!‪ .‬كما قلت لكم نسخة من‬
‫هذق النظرية اك فصل في كتاب هذق النظرية‪ ،‬فصل القابلية الكميائية‪ ،‬كقابلية الكلور كلورين اف يتعاشق مع‬
‫الصوديوـ لييكوٌف بلورات ملح الطعاـ‪ ،‬يقوؿ لك‪ :‬هذا له قابلية لهذا‪( ..‬حسب التركيب الذرٌم لهذا كلهذا)‪ ،‬كهذا‬
‫مفهوـ كممكن اف يحدث هذا‪،‬لكن ماهو ابعد من هذا‪ ..‬تفشل هذق النظرية تماما‪.‬‬
‫نأتي االف لنوضح‪ ..‬اننا ذكرنا في خطبة الخلية قبل اسابيع‪ ،‬أف في البدف اإلنساني زيهاء مػئة تريليوف خليػػػة( التريليوف‪:‬‬
‫عشرة أيس ‪ )12‬كل خلية باستثناء كريات الدـ الحمراء‪ ،‬كباستثناء الخبليا الجنسية التي فيها نصف الجينوـ البشرم‪،‬‬
‫كخبليا كريات الدـ الحمراء ليس فيها نواة كلذلك ليس فيها أم شيء له عبلقة بالجينات اصبل‪ ..‬بػػإستثناء هذق ك‬
‫هذق > كل خلية في بدننا تحتوم على الجينوـ كامبل‪ .‬بواقع زيهاء ارب وع كعشرين ألف جين مورًٌث هي التي تحدد بما‬
‫ييعرىؼ بالنمط الظاهرم‪ ،‬هذا رهن ك محدد بػ المكوٌف الوراثي‪ ،‬الجينوـ‪ ،‬الحقيبة الوراثية الكاملة ‪ 46‬كركموزكـ في اربع‬
‫كعشرين ألف مورٌثة‪ .‬اريد اف اقوؿ نقاشا في خاصية المادة‪ . .‬كل خلية تقريبا من هذق المئة تريليوف خلية قادرة‬
‫على اف تعكس كعلى اف تنجز كل كظائف البدف اإلنساني‪ ،‬ألنها تحتػػوم على الجينوـ كػػػػػامبل‪ ،‬اذف لغنا االف سر‬
‫التخصص‪ ..‬سر كبير مدهش‪ ،‬لماذا تتخصص الخلية الكبدية بأف تكوف خلية كبدية ؟!! فتعمل فقط فيها الجينات‬
‫المطلوبة كالمحدكدة‪ ،‬كتدخل اخرل في سبات خلوم‪ .‬لماذا؟! ال تقل لي قابلية المادة‪ ،‬هناؾ خطة على فكرة ‪ ،‬على‬
‫مستول البنية االنسانية كلها من مئة تريليوف خلية‪ ،‬الخطة هذق توزع اؿ مئة تريليوف خلية توزيعا دقيقا جدا جدا على‬
‫االجهزة كاالعضاء! ‪ ..‬بحيث ينتج كل شيء من هذق المتوزعات الوظيفة‪ ،‬كيقوـ كيطلع بالمهمة الموكولة‪ ..‬مىػػػػػػػػػن‬
‫الذم حدٌد المهمة؟ من الذم رىسىم الغاية؟ من الذم اعطى األكامر؟ من الذم نسٌق بين المئة تريليوف خلية بحيث تقوـ‬

‫‪58‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫كل خلية المطلوب منها ؟!!!‪ ..‬هنا ليس تفشل‪ ..‬بل تنتػػػحر نظرية خاصيػػة المادة ! ال تستطيع اف تقدـ شيئا‬
‫على االطبلؽ‪ .‬مثل هذق البًنية التي تقوـ على التناسق كالموائمة كالتكييف كمؤازرة كتعاكف شػػػامل اجمالي كتفصيلي‪،‬‬
‫على مستول البنية كعلى مستول المئة تريليوف خلية كيػػػف تفسر لنا نظرية خاصية المادة هذق الحقيقة؟! ‪ ..‬ال‬
‫تستطيع !‬
‫خاصية الماة تستطيع اف تزعم انها تعمل على المستول اإلفرادم‪ ،‬بمعنى انها تقوؿ لك ‪ :‬انا استطيع اف اعرؼ هذق‬
‫الطوبة كيف تكوف مثبل‪ ،‬حسنا لنفترض مثبل اف النظرية فسٌرت كيف نشأت الخلية كلن تستطيع طبعا‪ ..‬مستحيييل‪،‬‬
‫الكبلـ عن كومة من الطوب عشركف ألف ثبلثوف ألف طوبة‪ ،‬كالفرؽ بينها كبين منزؿ مستقل كبير اك قصر مشيد‬
‫شامخ ؟ كل عاقل يدرؾ اف ثمة فرؽ شاسعا بين كومة الطوب كبين القصر ! مع اف القصر في النهاية كفي الجملة‬
‫عبارة عن كومة طوب ايضا‪ ..‬اذف مالفرؽ؟ لو سألت أم عاقل عن الفرؽ لقاؿ لك ‪ :‬اف يكمن في كلمة كاحدة كهي‬
‫كلمة‪ :‬مخطط نيفًٌذ‪ .‬هناؾ مخطط معين‪ ،‬العبلقة للطوب به‪ ،‬اليس كذلك ؟ تمػػػػػػػػػاما كما العبلقة للخلية بهذا‬
‫المخطط !‪ .‬اذف هناؾ مخطط عاـ حتى قبل انجاز البًنيىة ! انجاز البنية محكوـ بهذا المخطط‪ ...‬الطوب مفرقا تفاريق‬
‫هكذا اليساكم قصرا كال يساكم منزال‪ ،‬اليمكن اف يستحيل الطوب الى قصرا بغيػػػػػػػر مخطط يحكي كعيا كيحكي قصدا‬
‫ك غائية سابقة ك حاكمة على اعادة مى ٍوضًعىة هذا الطوب في اماكنها المناسبة لها‪ ،‬المخطط حػػاكم ‪ ،‬كما هو المخطط‬
‫حاكم على كل خلية من خبليا البدف‪ ..‬اين عمل قابلية المادة هنا؟ ال يوجد‪.‬‬
‫اذف تكلمنا عن البشر كالتكوين البشرم‪ ..‬هذا الجنين الذم يكوف في البداية مجرد حيمنان كبويضة مفترقين مستقلين‪،‬‬
‫يتم التخصيب‪ ،‬كيبدأ يتكاثر الى اف يتم جنينا تاما في اشهر‪ ..‬السر اف الظركؼ التي كيجًد فيها هذا الجنين مناسبة تماما‬
‫(الرٌحم) بتكويناته المعركفة‪ ،‬كاالجواء الثبلثة‪ ،‬كالمشيمة ككيف يتم تغذية هذا الجنين ‪ ..‬قصة طويلة ‪ ،‬علم األجنة علم‬
‫كامل‪ ،‬يحكي االعجاز كاإلدهاش كاإلبهار‪ ..‬اتقولوف ايضا اف هذا من خاصية المادة ؟!! قبل اف يتم التلقيح الرٌحم مهيٌأ‬
‫تماما لهذا‪ ،‬كحدق ‪ ..‬هذا عالم كهذا عالم‪ ،‬كيف تم التنسيق بين عالمين اك شيئين منفصلين ؟! اذا تم التلقيح فكل‬
‫الظركؼ مهيأة‪ ،‬يتم االف الجنين رحلته كيمضي قىدىر يق في عالمه الصغير‪ ،‬كهو مهيأ االف للخركج الى العالم الكبير الى‬
‫سىرىق ) الظركؼ مهيأة ايضا لخركجه ك من مخرج ضيٌق جدا ‪ ،‬كيف تتم عملية الوالدة‪ ..‬اقرؤا أم‬ ‫الدنيا‪ ( ..‬ث ٌمى السبيل ي ٌ‬
‫سىرىق )‬‫كتاب ثقافة علمية عامة في علم الوالدة‪ ..‬شيء عجيػػب كمػػػدهش جدا اهلل اشار اليه بقوؿ‪ ( :‬ث ٌمى السبيل ي ٌ‬
‫من هذا المخرج الضيق جدا كيف يتم خركج هذا الكائن ذك الثبلث كيلو جرامات اك اربع كاحيانا خمسة كيلوجرامات!‪..‬‬
‫بهذق الرأس الكبيرة كالتكوين الغضركفي الذم سيستحيل عظما‪ ،‬كل شيء مهيأ‪ ،‬حتى اذا خرج كجد صدر امه الجنوف‬
‫كثدييها المهيئين تماما ألف يلتقمهما كهو مهيأ لئللتقاـ‪ ،‬كألخذهما بيديه لكي يمتص الحليب كالمطلوب كالمهيػٌأ هذا‬
‫الحليب ايضا الذم تختلف درجة كثافته‪ ،‬كملوحته اك حبلكته ‪ ،‬كدفئه في اليوـ اكثر من مرة بحسب ماهو المطلوب‬
‫لهذا الجنين‪ ،‬كيف يخرج هذا الجنين كهو مزكٌد بمناعة في األشهر االكلى الستة بالذات ‪ ،‬منػػػػاعة اقصوية تجعله محصنا‬
‫ضد الجراثيم كاالمراض‪ ،‬النه ضعيف ليس عندق اية مناعة مكتسبة المسكين‪ ..‬من الذم هيأ كل هذق االمور؟! من‬
‫الذم ربط هذا بهذا كهذا بهذا ؟! قابلية المادة؟!! انا اقوؿ لكم يبدك اف هؤالء اخطئوا في التسمية ءامنوا باهلل تبارؾ‬
‫كتعالى‪ ،‬كبدال من اف يقولوا اهلل هو الذم هيأ ك أكجد هذق القابليات كهذق المؤازرات كالتناسقات ‪ ..‬قالوا ‪ :‬المادة اك‬
‫خاصية المادة سمٌوق خاصية المادة ‪ ..‬هم يتحػػػدثوف عن اللػػه ! كإال أريني هذق الخاصية‪ ،‬ماهو هذا العقل الذم‬
‫يديرها‪ ..‬أين؟! إف زعموا اف العلم يقف بنا على هذق الخاصية تفصيبل في كل بًنيىة ‪ ..‬كذب هذا غير صحيح ليس‬
‫موجودا‪ .‬الموجود هو العكس تماما‪ ،‬اشياء يمكن اف توصىف تفاريق كما هي ال نجد فيها العقبل كال ذكاءا كال ارادة كال‬
‫مخططا عاما يحكم على الجملة هلى البًنيىة كلها‪ ..‬ليس موجودا هذا ! فمن اين اتى هذا المخطط ؟! ‪ .‬نفس الورطة‬
‫التي اشرت اليها التي تورط فيها الدراكنة كالماديوف عموما‪ ،‬حين يواجهوف النسخة الجديدة من التصميم الذكي‪ ،‬كالذم‬
‫ييصٌر على طلب جواب عن مصدرية القوانين المؤسسة للوجود ‪ ..‬كليس عن تفسير بعض البينىى لهذا الوجود ! ال ال‪..‬‬

‫‪59‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫بل كيف انبثق هذا الوجود‪ ،‬لدينا شركط ابتدائية فريدة‪ ،‬ألنه هذا هو الكوف الوحيد ال يوجد غيرق‪ ،‬نحن على االقل الذم‬
‫ندرسه كقابل للدراسة كقابل للتنظير‪ ،‬هو هذا الكوف‪ ،‬كنه توجد اكواف اخرل‪ ،‬هذق لم نرها كغير قابلة لئلختبار‪ ،‬على‬
‫االقل نحن استطعنا اف نعرؼ عمر هذا الكوف ك بوسائل علمية دقيقة‪ ،‬استطعنا اف نحدد الى حد بعيد جدا ارجحية‬
‫صدؽ نظرية االنفجار الكبير بأكثر من شاهد كاكثر من دليل‪ ،‬من ضمن ذلك اشعاع الخلفية الكونية هذا كاف مددا‬
‫جديدا لهذق النظرية‪ ،‬اذف نحن في كوف قابل لئلختبار‪ ،‬للرصد ‪ ،‬لذلك يقوؿ بعض الفيزيائيين نظرية االكواف المتعددة‬
‫ايضا تعاني من مشكلة‪ ،‬ماذا تفعل مع من يينكرها؟! هيا اقنعني‪ ..‬كالتستطيع ‪ ،‬النها فرضية خيالية‪ ،‬بخبلؼ نظرية‬
‫االتفجار الكبير مثبل‪ ،‬فيه اشياء هنا تشهد‪ ،‬مثل التطور لداركين ليس امرا خياليا‪ ،‬بل فرضية علمية محترمة‪ ،‬كفيه لها‬
‫شواهد مادية على االقل تحاكؿ تعطيها ارجحية‪ ،‬فالتطوٌر مثل االنفجار الكبير على فكرة ‪ ..‬كاذا اردنا اف نكوف‬
‫متعصبين لمبدأ (بوبر) في قابلية التكذيب ك ننكر علمية التطور ‪ ،‬تقريبا ممكن ننكر في عملية االنفجار الكبير ! ‪.‬‬
‫سؤالنا االف ‪ ..‬من الذم أعدىٌ كل هذق الشركط‪ ،‬كهيأ كل تلك الظركؼ؟ ك تحسٌب لكل العوارض‪ ،‬انتبهوا‪ ،‬لدينا‬
‫التحسب لعوارض مستقبلية في التكوينات الحيوية‪ ،‬ليس فقط التكيف الراهني‪ ،‬ال ‪ ..‬تحسب ألشياء مستقبلية‪ .‬كفي‬
‫التكوين الحيوم كالكوني عموما خصوصيات ‪ ،‬كل هذق االشياء من الذم هيأها كنسٌق بينها؟! هل يمكن رد كل هذا‬
‫الى خاصية المادة ؟ اك الى خواص الخلية الحية مثبل؟ مستحيل اليمكن‪ ..‬اذف مالسر ؟!‪ .‬التناسق على مستول البنية‪،‬‬
‫سواءا البنية الكونية اك البنية الحيوية‪ ،‬هذا التناسق امامه ثبلثة فركض لييفسٌر بها ال رابع لها‪،‬‬
‫اكال‪ :‬اف يكوف هذا التناسق أثر كخاصية كل مادة من مواد الطبيعة على حًدا‪ ،‬اف كل مادة من مواد الطبيعة أم عنصر‬
‫من العناصر يمكن اف يفسر لك سر هذا التناسق‪ .‬مستحيل طبعا ! هذا ساقط تماما‪ ،‬لكنها فرضية ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬اف يكوف هذا التناسق أثر كخاصية اجتماع هذق المواد كلها‪.‬‬
‫الفرضية الثالثة‪ :‬اف يكوف هذا التناسق كالتآزر أثر اجتماع هذق المواد جميعها‪ ،‬كلكن على نحو خاص‪ ..‬بتعبيرم‪ :‬اجتمعت‬
‫على نحو يينجز تنفيذ خطة سابقة‪.‬‬
‫طبعا االحتماؿ االكؿ ساقط في اكؿ درجة من درجات البحث‪ ،‬ليس هناؾ احد يقوؿ انه فيه خاصية في كل عنصر‬
‫تفسر لنا االنتظاـ في كل بنية‪ ..‬مستحيل لم يقل بهذا احد على االطبلؽ‪ .‬ألف العنصر كحدق ال يكوًٌف بنية‪ ،‬فكيف‬
‫تفسر بنية بخاصة عنصر؟! مستحيييل البد فيه اجتماع عنصر مع عنصر مع عنصر‪ .‬االف اجتمعت هذق العناصر‪ ،‬اجتمعت‬
‫هذق المواد مجػػرد اجتماع‪ ،‬هل هذا االجتماع كحدق مجردق ييفسر لنا التناسق كالتآزر ؟؟ مستحيل‪ ،‬ألنه ممكن يجتمع على‬
‫ا ٌم نحو كليس على نحو خاص ! فيكوف اجتماعا عشوائيا فوضويا تمػػػػػػما كالخبليا السرطانية‪ ،‬تتكاثر بطريقة سرطانية‬
‫فتسبب الهبلؾ‪ .‬الخلية الصحيحة كالصحية تتكاثر بحسب المطلوب‪ ،‬اف تكاثرت خارج عن البرنامج تصبح سرطانا‬
‫تيهلًك !‪ .‬لكػػن االف بق ىي االحتماؿ الثالث أف التناسق كالتآزر هو مفعوؿ كنتاج اجتماع المواد لكن على نحػػػو خاص‪ ،‬يعني‬
‫انها اجتمعت على هيئة كبشكل محدد كاف يمكن اف تجتمع على شكل آخر الى مبليين االشكاؿ‪ ،‬يعني خذ مثبل جزيئا‬
‫بركتينيا كاحدا هذا الجزمء المركب من اربعين ألف ذرة‪ ،‬كػػاف يمكن ألم ذرة أف تتموضع في موضع جارتها فيستحيل‬
‫الى مركب آخر‪ ،‬قد يستحيل الى مركب سيمٌ زعاؼ! اربعوف ألف يجب اف تتموضع كل ذرة في موضعها تمااااما‪.‬‬
‫الحامض النوكم الرٌيبوزم منزكع االكسجين ‪ ، DNA‬عرفنا كيف يتكوف من سلسلتين كالقواعد النيتركجينية تتابع‬
‫بطريقة محددة ليس يغير هذق الطريقة ‪ ،‬لو تتابعت بطريقة اخرل > صار مركبا آخر تمػػػاما يفشل في اداء مهمته‬
‫كهي تشفير المعلومات‪ .‬اذف المادة تجتمع على نحو خاص‪ ،‬هذا النحو ليس ضركريا‪ ،‬يعني العقل اليمنع كالواقع اليمنع‬
‫بدليل حدكث الطفرات‪ ،‬اك يتدخل عالًم متخصص يتبلعب في تركيب المواد فتختلف هذق التموضعات كالتموقعات‬
‫يستحيل النافع ضارٌا كالصالح فاسدا‪ ،‬كالصحيح خطئا ‪ ..‬اذف ليس بالضركرة اف تجتمع هكذا‪ .‬انتبهوا‪ ،‬مهم جدا جدا في‬
‫البحث عن التصميم‪ ،‬كالبحث عن الغاية كالذكاء كراء التصميم دآئما اف نؤكد اف الضركرة غير حاكمة‪ ،‬أم يوجد مجاؿ‬

‫‪60‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫لئلختيار ‪ ..‬فيثور السؤاؿ‪ :‬ك من صاحب هذا االختيار؟! من الذم اختار الصيغة الصالحة كالصحيحة التي تنتج بنية‬
‫صحيحة كصالحة ؟!‬
‫يعني مثبل لو اخذنا بيت شعر ألبي الطيب المتنبي رحمه اهلل الذم كاف يقوؿ‪:‬‬
‫( ك إذا كانت النفوس كبارا ~ تىعًبىت في ميرادها األجساد ) اذا جئنا نفككه كنحلله كجدناق حركفا‪ ،‬كل حرؼ له‬
‫خاصية صوت خاص به‪ ،‬حسنا لو جاء احدهم كادٌعى بأف كراء كل خاصية لكل حرؼ من هذق الحركؼ أمرا آخر‪ ،‬كهو‬
‫التآزر ‪ ،‬التعالق‪ ،‬التنسيق كبهذق الصفات نرل في األخير هذا البيت من الشعر امامنا‪ ،‬يحكي المعنى الذم ارادق ابو الطيب‬
‫المتنبي‪ ،‬فيه معنى في ذهن المتنبي‪ ،‬لو زىعىم احدا كقاؿ‪ :‬اف هذا البيت قد توٌلد بهذق الطريقة‪ ،‬بعيػػػدة عن ارادة المتنبي‬
‫كعن ذكػائه كعن لياقاته االدبية كالشعرية‪ ،‬ألف األحرؼ فيها خاصية المادة‪ ..‬حرؼ الواك فيه خاصية تستدعي اف‬
‫تتلوق الهمزة ‪ ..‬كالهمزة فيها خاصية تستدعي اف يكوف قبلها حرؼ الواك‪..‬كيتلوها حرؼ الذاؿ‪ > ..‬هل ييعقل هذا‬
‫الكبلـ ؟! مستحيػػػػل‪ ،‬اتعرفوف لماذا؟ ألف هذا بيت من ابيات الشعر لدينا مبليين من االبيات مبليين من الجيمىل‬
‫تتموضع فيها االحرؼ ايضا بطريقة مختلفة ! كذلك في الطبيعة في الكوف‪ ..‬لدينا مركبات مختلفة‪ ،‬كما لدينا‬
‫مركبات تحتاجها بنيتنا‪ ،‬كلدينا مركبات ليست ألجسامنا سيمًٌيىٌة قاتلة كسيم الثعباف يحتاجها الثعباف‪ ،‬تتناكله انت‬
‫فتموت يقضي عليك‪ ..‬اذف لماذا خاصية المادة تفعل هنا (كفق خطة؟) هذا الذم نريدق‪ ..‬كهناؾ تفعل شيئا آخر‬
‫كفق ماذا‪ ،‬الندرم نقوؿ كفق خاصية‪ ..‬خاصية ماذا؟ نفس الذرات نفس العناصر‪ ،‬لكن في هذق البنية تنتج شيئا‪ ،‬كفي‬
‫تلك البنية تنتج شيئا مختلفنا !‪ ..‬نفس األحرؼ‪ ،‬احفظوا هذا المثاؿ ألنه مثاؿ جيد جدا‪ ،‬خذ لك أم بيت شعر المشكلة‬
‫عندم‪ ،‬كقولي انا اناقش خاصية المادة على هذا النحو‪ ،‬تفهم هذق النظرية تمامػػا ك تصيػػػبها في مقتػل !‪ ..‬ال احد‬
‫يقوؿ اف هذا البيت هو نتاج خواص الحركؼ‪ ،‬كل حرؼ له خاصية معينة كهو الصوت الذم يصىوىٌت به‪ ،‬كيعبر عن‬
‫كيانه‪ ،‬يستدعي ماذكرت لكم‪ ،‬فنرل بعد ذلك المعنى الكامن في قلبي الشاعر‪ ،‬عيبًٌر عنه ببيت شعر كالذم تلوناق‬
‫عليكم‪ ..‬لم يقل بهذا كاليقوؿ بهذا عاقل‪ ..‬لكن لؤلسف‪ ،‬فبلسفة علماء ماديوف يقولوف بهذا فيما هو اصعػػػػب منه‬
‫!‬
‫سنرل االف بعض االشياء الحسابية السريعة‪ ..‬عػػالًم شهير جدا سويسرم فيزيائي توفي سنة ‪( 1942‬تشارؿ أيكقًن‬
‫قػػًي) بالفرنسية‪ ،‬كبالعربية يسمونه (جام)‪ ،‬هذا العالم ىحسىب احتماؿ تكوف جزمء بركتيني كاحد بطريق الصدفة‪ ،‬كما‬
‫يدٌعي الماديوف!‪ ..‬اعطني مكونات اصلية ك زمنا كاترؾ الصدفة تنجز الباقي‪( ..‬يقولوف لك الباقي الصحيح هو عمل‬
‫الصدفة)‪ .‬اذف جزمء بركتيني كاحد مكوف من اربعين الف ذرة‪ ،‬ما احتماؿ اف يتكوف بالصدقة‪ ،‬بحسابات طويلة معقدة‬
‫مرهقة؟! قاؿ العالم (جام) اف االحتماؿ هو ‪ :‬عشرة مرفوعة الى األيس ‪ ، 160-‬يعني كاحد على عشرة أيس ‪،160‬‬
‫يعني كاحد على كاحد امامه ‪ 160‬صفرا !! يعني مليوف مليوف‪ ،‬طبعا هذا الرقم كنذكركم للمرة التانية انه يساكم‬
‫الصفر‪ .‬بعضهم كتب قبل اياـ ‪ ،‬ينقٌد عليٌ في موقع اسمه الحقيقة بعنواف (الرد على احتماالت عدناف ابراهيم)‬
‫عجيب‪ ..‬ك أنا متعجٌب ك حزين‪ ..‬حتى خطبة أمس عن (الطاقة كالمادة) بعض الناس كتبوا تحتها تعليقات ‪ ..‬لؤلسف‪،‬‬
‫المستول العلمي ضعيف جدا جدا لدل هؤالء اإلخوة!‪ ..‬اليستوعبوف ماذا تقوؿ !‪ ،‬حتى مبادمء العلم اليعرفونها‪ ،‬الذم‬
‫ر ٌد على احتماالتي قاؿ‪ :‬انت كيجًدت كله اصبل خضع الحتماؿ معناق انك موجود من بين كم مئة حيواف منوم ‪ ،...‬يػػا‬
‫أخي‪ ،‬القضية في تكوف حيواف منوم كاحػػػد‪ ،‬خلية هي في الجينوـ‪ ،‬في حامض نوكم في الػ ‪ DNA‬كاحد‪ ،‬كليس ألوفا‬
‫منه!‪ ،‬هنا المبحث‪ .‬عجيب‪ ،‬ال اعرؼ كيف يفكركف‪ ،‬اك كأنه يصًر اف يكوف ملحدا‪ ،‬كلو بببلهة‪ ..‬عيب‪ ،‬حاكؿ اف تفهم‬
‫ماذا ييلقى إليك‪ .‬انا لستي في حرب مع هؤالء‪ ،‬بل على العكس انا اتمنى لهم كل خير‪ ،‬كأسعد جدا حينما يهتدكف الى ما‬
‫اعتقد انها الحقيقة التي اعيش بها كأنا بها سعيد كمكتمل بفضل اهلل تعالى‪ ،‬هذق ليست حػػرب‪ ..‬حتى عنواف المطرقة‬
‫هذق عنواف صحفي دعائي فقط‪ ،‬لكن ليس فيه اسلوب الطرؽ كال التهشيم ابدا ابدا‪ .‬لست قدٌكما كال ارل غيرم‬
‫مساميرا‪ ،‬ادؽ في اخشاب الببلهة كأخشاب الحصرية كاالنغبلقية‪ ،‬ال لست احب اف ارل نفسي كذلك‪ ..‬كتب المنتقد‬

‫‪61‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫‪ :‬ينتقد على موضوع حد االحتمالية الشاملة الميلزًمة لًػ (كيلياـ دًمسكي) قاؿ " ال ادرم اصبل كيف حسبها (دمسكي)‬
‫كهذا من نجوـ التصميم الذكي‪ > ..،‬كأف هذا بحدق بالذات تهمة!! > اذا كنت تقوؿ بالتصميم الذكي فأنت غبي!‪..‬‬
‫ابدا ليس كذلك‪ ،‬نػػػاقش الحجة كما هي‪ ،‬كسأتلو عليكم مرة اخرل من أين اتى بهذا الرقم العجيب‪( ،‬دمسكي) قاؿ‪" :‬‬
‫أم احتماؿ يتجاكز هذا االحتماؿ الذم حددته يساكم الصفر‪ ،‬عدـ‪ ،‬مستحييل اف يقع‪ :‬عشرة مرفوعة لؤليس ‪ "150-‬إذا‬
‫عشرة مرفوعة لؤليس ‪= 151-‬عىدـ‪ = 150- ،‬عدـ‪ =149- ،‬احتماؿ كارد‪ ،‬كهذا مقدار احتماله! كاحد على كاحد‬
‫كأمامه ‪ 149‬صفر = احتماؿ ضعيف جدا جدا جدا‪ ،‬لكنه ممكن في هذا الحد فقط‪ ،‬لكنه ليس عدـ فالعدـ هو‬
‫الصفر‪ .‬اذا عشرة مرفوعة لؤليس ‪ 150-‬لماذا ؟ كيقوؿ الناقد"ال اعرؼ من اين اتى بها دمسكي"‪ ،‬أتى بها بطريقة‬
‫ذكية جدا جدا ذكية ك محكمة‪ ،‬هذا الرجل (دمسكي) قاؿ انها بحسب معطيات العلماء كمقرراتهم‪ ،‬كهي عدد الدقائق‬
‫الذرية في الكوف المرصود كالقابل للرصد – هكذا كتب بالضبط‪ -‬عددها عشرة ايس ‪ 80‬فقط في الكوف كله ! كهذا‬
‫عدد الدقائق الذرية كليست الذرات‪ ،‬معناها اف عشرة ايس ‪ 100‬مخيف‪ ..‬طبعا!‪ ،‬ليس بسهل‪ ،‬بعضهم يقوؿ "هذا‬
‫شيء عادم في اصبع يدم من الدقائق الذرية عشرة ايس "‪ ،500‬هذا ليس بفاهم شيء! ثانيا‪ :‬التحوالت الفيزيائية‬
‫التي تحدث في الثانية الواحدة اقصػػ معدؿ لها كم؟ عشرة ايس ‪ 45‬تحوؿ في الثانية‪ ،‬هذا اسرع تحوؿ ممكن غير هذا‬
‫مستحييل‪ ،‬ألنه يتخطى حتى زماف ببلنك‪ ،‬كهذا عكس زماف ببلنك‪ ،‬كقاؿ (دمسكي) هذا معكوس زماف ببلنك!‪ ،‬غير‬
‫هكذا التوجد امكانية يحصل أم تحوؿ‪ ،‬فنحن عندنا اكبر احتماؿ اقصى حد ممكن ألكبر عدد من التحوالت يقع في‬
‫الثانية (عشرة ايس ‪ 45‬تحوؿ) يعني اجراء العمليات اسرع مايكوف في الثانية‪ .‬بعد ذلك لديك عشرة ايس ‪ 25‬مليار‬
‫مرة طوؿ عمر الكوف محسوبا بالثواني‪ ،‬هيا احسبها‪ :‬اضرب عشرة ايس ‪ 80‬بًػ عشرة ايس ‪ 45‬بًػ عشرة ايس ‪25‬‬
‫ستكوف النتيجة عشرة ايس ‪ !! 150‬فكرة عبقريػػػػػة‪ ..‬فإذا لدينا أم احتماؿ سيكوف كاحد على عشرة ايس ‪ 150‬كلن‬
‫يكوف هذا االحتماؿ موجودا فالكوف اليسمح‪ ،‬الدقائق التسمح‪ ،‬سرعة العمليات التسمح‪ ،‬عمر الكوف اليسمح‪ ،‬كله‬
‫اليسمح‪ ..‬اذا كاف نشوء كانبثاؽ جزمء بركتيني كاحد كما قاؿ ( تشارؿ يوقًن قػًػي) انه عشرة ايس ‪ 160-‬معناته هذا‬
‫يساكم الصفر اك اليساكيه؟ انه يساكم الصفر‪ .‬أم حسابيا علميا ‪ ..‬مستحيل اف يتكوف جزمء بركتيني كاحد‬
‫بالصػػػػػدفة!‪..‬‬
‫(تشارؿ يوقًن قػًػي) حسب الزمن الذم سنعطيه نحن زمن طويل جدا جدا‪ ..‬تتفاعل هذق المواد تشتغل كتيخىض في‬
‫عشرة أيس ‪ 243‬سنة ! اليوجد عمر مثل هذا !! الكوف كم يبلغ عمرق؟ ثبلثة عشر مليار سنة ك سبعمئة مليوف ‪،‬‬
‫يعني ‪ × 13,7‬عشرة أيس ‪ . 9‬فقط‪ .‬هذا عمر الكوف‪ .‬كمع ذلػػك سيظل االحتماؿ عشرة ايس ‪ . 160-‬فالذين‬
‫يلحدكف كيتكلموا بإسم العلم نرجوا اف يسمعوا هذا‪ ،‬يقولوف ‪ :‬الال نحن عندنا األجوبة‪ ..‬عندنا التطور التعاكني‪ ،‬لدينا‬
‫التطور التراكمي‪ ،‬لدينا التطور قبل البيولوجي‪ ....‬سوؼ نرل الحيلة القابعة خلف كػػػل هذا الكبلـ‪.‬‬
‫لدينا عشرة أيس ‪ 243‬الكوف الذم يتم فيه تفاعل المكونات كالعناصر‪ ،‬كلما كاف اكبر كلما كاف افضل‪ ،‬ألف تكوف‬
‫فيه المادة كثيرة جدا‪ ،‬ككلما كاف الكوف اصغر كلما كاف االحتماؿ اضعف‪ .‬قاؿ لك انا اريد كوف يكوف نصف قطرق‬
‫عشرة ايس ‪ 82‬سنة ضوئية!‪ .‬حسنا من يقوؿ لي كم يبلغ نصف قطر كىوٍنينا ؟ إنه ‪ × 13,7‬عشرة أيس ‪ 9‬سنة‬
‫ضوئيػة االف‪ ..‬لماذا هذق العملية معقدة الى الدرجة هذق؟! ألف عالم انجليزم آخر ىحسىب رياضيا عدد الطرؽ التي ممكن‬
‫اف تتحد بها ذرات الجزمء البركتيني‪ ،‬نحن قلنا اربعين ألف ذرة من عناصر خمسة تتحد بشكل محدد‪ ،‬كالطرؽ التي ممكن‬
‫طيريؽ ! أم تريليوف تريليوف‬ ‫تتحد بها هذق الذرات عددها كثير جدا جدا قاؿ لك تساكم عشرة ايس ‪ ، 48‬تريليونات ال ٌ‬
‫تريليوف تريليوف طريقة‪ ..‬كنحن نريد طريقة كاحدة منها فقط‪ ،‬كاإلختبار فيه سؤاؿ ك له من األجوبة ‪ :‬تريليوف اربع‬
‫مرات ‪ ..‬كفيه اجابة كاحدة فقط هي الصحيحة!‪ ..‬عمل مرهق للتفكير حقا‪ ،‬قد يقوؿ احدهم‪ :‬الال‪ ،‬هذق امتحانات‬
‫جنونية‪ ،‬هذق امتحانات ال مجاؿ فيها للنجاح‪ ،‬ال مجاؿ فيها لدخوؿ التحدم‪ ،‬ال مجاؿ فيها للصدفة‪ ...‬اتعرفوف لماذا ؟‬
‫بالضبػػط ألنها تحكي الفرؽ بين الخالق كالمخلوؽ !!! } أفمن يخلقي كمن ال يخليق افبل تعقلوف{ الحديث عن الخػػػلق‬

‫‪62‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫اآلف‪ ،‬خلق الحياة ‪ ،‬خلق المادة‪ ،‬خلق كذا ‪ ..‬عن الخػلٍق من العىػػػػدىـ ‪ ،‬ال مجاؿ للتحدم اصبل‪ ،‬ال مجاؿ للنجاح‪ ،‬ال مجاؿ‬
‫بً اإلنساف‪ ،‬بين الكوف ك ربًٌ الكوف‪،‬‬ ‫للصدفة كالعشوائية‪ ..‬الآآآ يوجد نهائيا‪ ،‬بالضبط هو الفرؽ بين اإلنساف كبين ر ٌ‬
‫بين المادة ك ربًٌ المادة الذم ال إله إال هو‪ .‬امور تيدخًلنا في العدـ دائما كفي الصٌفرية كفي البلنهائيات‪.‬‬
‫حيجىٌة مهمة‪ ،‬حتى ال انسى‪ ،‬لو كاف هذا النظاـ الذم نراق في أم بنية من البناء هو فعبل من خواص المادة كخاصية المادة‬
‫كقابلية العناصر تيفسٌرقي‪ ،‬لكاف معنى ذلك اننا كصلنا الى "الكأس المقدٌسة"‪ ،‬لكل المباحث العلمية كأس المقدسة‬
‫للفيزياء‪ ،‬كأس المقدسة للكونيات‪ ،‬الكأوس المقدسة للحيويات‪ ،‬لكل شيء‪ .‬اذا كانت خواص المادة تفسر لنا النظاـ‬
‫هذا ك أم نظاـ في أم منظومة معاناها فقط المعرفة بالمادة معرفة دقيقة تستطيع اف تدلنا على كل نظاـ محتمل‬
‫دكف اف نقف على تفاصيله‪ .‬القػػػػاعدة الفلسفيػة‪ < :‬المعرفة بالعلة‪ ،‬تستلزـ المعرفة بالمعلوؿ > ماهي علٌة النظاـ‬
‫هذا؟ المادة ك حواص المادة‪ ،‬نحاكؿ اف نعرؼ المادة كخواص المادة‪ ،‬كيتساءؿ احدهم‪ :‬كما اعرفني بخواص المادة؟ اذف‬
‫معناتها انت تفسٌر بشيء انت تجهله‪ ،‬كهو مجهوؿ‪ ،‬كتريد اف تقنعني انك تريد اف تفسٌر فتقوؿ لي"من خواص‬
‫المادة"‪ ...‬أم خواص ؟ انه كما تفسر بػ ‪ x x x :‬ييفسر لي النظاـ !‪ .‬اذا انت صادؽ ك جاد في االعتقاد بنظرية‬
‫خاصية المادة بطريقة كاضحة جدا‪ ،‬فهذا يستلزـ لزكما منطقيا كاضحا‪ :‬أف الوقوؼ على المادة كمعرفة خواص المادة‬
‫يستلزـ منطقيا المعرفة بالنظم الناتجة كالمفعولة لهذق الخواص‪ ،‬ضركرة اف المعرفة بالعلة معرفة بالمعلومة‪ ..‬كهذا‬
‫الكبلـ غير صحيح‪ ،‬كالحتى الماديين يقولوف بهذا‪ ،‬كهذق ليست طريقة للعلم كتقدـ العلم‪ ..‬يعرفوف المادة كخواص‬
‫المادة ثم يتركونها‪ ،‬كيبدؤف في االفتراضات كاجتراح النظريات‪ ،‬كتخيل نماذج كاختبارها‪ ،‬ال ‪ ،‬أليس عندهم طريقة‬
‫مختصرة جدا كهي اف تترؾ كل السعي كالجهد في المادة فقط !‬
‫مػػادة ماذا كالعلماء الكبار يقولوف الكوف اقرب الى فكرة منه اف يكوف آلة‪ ،‬فضبل عن اف يكوف مادة! ‪ ،‬كليست‬
‫متركبة في شكل آلة ايضا ‪( ..‬تشارلز داكرين) في السيرة الذاتية عندق عبارة ‪" :‬بال ىحرًمٍ من المستحيل هذا ماقضى به‬
‫عقلي أنه من الصعب بل من المستحيل اف يوصف هذا الكوف الهائل‪ ،‬كالميعجًب بمافيه اإلنساف بقابلياته للتحسب‬
‫لمصالحه كمنافعه أف تكػػػػػػوف كليػػدة الصدفػػة العميػآء‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬هذا يؤكد كجود ذكاء كتخطيط على نحو‬
‫مشابه كمماثل للذم عند االنساف"‪ ،‬كهذا مبدأ مهم جدا في معقولية العالم‪ ،‬كهذا معنى أف اهلل خلق آدـ على صورته‪،‬‬
‫نحن فينا نفس إلػهي } فنفخت فيه من ركحي {‪ ،‬مسألة البحث االنساني‪ ،‬الذكاء االنساني‪ ،‬الوعي االنساني‪ ،‬تشوؽ‬
‫االنساف الى المجهوؿ‪ ،‬البحث عن الرب الذم ال اله اال هو‪ ،‬محاكلة تفسير األمور‪ ،‬طبعا ما اضيق نظرية الماديين‬
‫كالطبيعيين الذين يركف اف العقل كالوعي مجرد كسيلة ذريعة للبقاء‪ .‬كبلـ سخيف‪ ..‬سخيف جدا‪ ،‬ألنه مستحيل البحث‬
‫عن نشأة الكوف هو شرط للبقاء‪ ..‬عرفت النشأة اك لم تعرفها فهذا ليس له عبلقة ببقاءؾ كإنساف على األرض على‬
‫االطبلؽ‪ ..‬أليس كذلك ؟! الكائنات األخرل سبقتنا الى كوكبنا االزرؽ الجميل كال تزاؿ تعاصرنا ك ربما نفنى كتبقى هي‬
‫على انها التعرؼ شيئا مما يشتغل به الوعي اإلنساني !!‬
‫مػن مقػػوالتي‪ :‬اإللحػػاد انتحار عقلي‪ ،‬كاإللحػػاد كاإلغراؽ في المادية مهػػانة إنسانيػػة ! ألننا نيصًر على اف نهين اإلنساف‪،‬‬
‫كاف نختزله كأف نخفض قيمته‪ ،‬نظرة تخفيضية تسخيفية كتسفيهية لئلنساف ك موقع اإلنساف في الوجود‪ ،‬كموقع‬
‫االنساف حتى إزاء كعًي ًه كإحساسه بالكرامة الذاتية‪ ،‬من اجل ماذا؟ اف ننكر كجود الغيبيات كاآللهة كاإللػه ككذا ‪ ..‬لماذا‬
‫؟! أنت من سيخسر‪ ،‬اإلله على فرض كجودق (ك في اعتقادم أنه موجود حتما) هو ال يخسػر شيئنا ! دائما انت الذم‬
‫تخسر ‪ ..‬أنت تيلحد كتخسر دائػػما‪ ،‬هو (اإلله) اليربح كال يخسر‪ ،‬ألنه ليس بصدد مسابقة اصبل‪ ،‬هو اليدخل في‬
‫مسابقة‪ ..‬الطبيعيوف اليفهموف هذا‪ ..‬المساكين‪ .‬لكن العقل – كما يقوؿ (جوف ديوم)‪ -‬هو كسيلة فقط للبقاء‪ ،‬آلة‬
‫مثل االعضاء كاالحشاء كالجوارح فقط‪ . .‬أهذا هو ؟! غير صحيح‪ ..‬بالمرررة غير صحيح‪ ،‬هذا اليفسر نشوء الفلسفة‬
‫كاألطب كالفًكًر كالعلوـ‪ ..‬شركط البقاء جً ٌد منزكر كمحدكدة‪ ..‬لن ايعيدها فقد ذكرناها سابقنا ‪.‬‬

‫‪63‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫نأتي الى مثاؿ آخر‪ ،‬جزمء الهيموجلوبين – الجزمء السحرم هذا – هو سبب من اهم اسباب حياتنا ك امتدادنا ألنه ينقل‬
‫األككسجين من الرئتين الى سائر الٌنيسيج كالخبليا‪ ،‬هذا الجزمء جزمء بركتيني متوسط الضخامة‪ ،‬فيه جزمء األنسولين مثبل‪،‬‬
‫يتكوف من كاحد كخمسين حمضا نوكيان‪ ،‬في الجسم االنساني كما تعلموف عشركف حمضنا أمينيان‪ ،‬في العالم في األرض‬
‫زيهاء ثمانين حمضنا أمينيان‪ ،‬في الخلية في الجسم االنساني عشركف حمضا امينيا من توليفها كتكريرها كتركيبها تتكوف‬
‫البركتينات المختلفة‪ ،‬احماض نوكية أنزيمات ‪ ..‬الخ‪ 539 ،‬حمضا أمينيا يتكوف الهيموجلوبين‪ ،‬بياض البيض بركتينيٌ فيه‬
‫‪ 670‬حمضا امينيا‪ ،‬كهذا متوسط الضخامة ايضا!‪ ،‬توجد جزيئيات بركتينية اضخم من هذا‪ .‬دعونا مع الهيموجلوبين‬
‫فيه ‪ 539‬حمض أميني هي توليف كتكرار مؤلف لعشرين حمضا امينيا ‪ ..‬طبعا هذق األحماض كلها يساريٌة‪ ،‬كيف‬
‫يمكن لجزمء بركتيني محدد (ليكن الهيموجلوبين) اف يحظى بشكله الفراغي من بين امكانات كثيرة حيادية‪ ،‬يمينية‪،‬‬
‫يسارية‪ ،‬يأخذ هذا الشكل الفراغي المتفرٌد المطلوب لكي يؤدم مهمته‪ ،‬كيف تتم هذق العملية‪ ،‬ماهو االحتماؿ اف تتم‬
‫هذق العملية بالصدفة بالعشوائية؟! ألف كل هذق األشكاؿ بالفراغية كما قلت لكم كلها ممكنة‪ ،‬هل تم تجريب كل‬
‫هاإلمكانات في الطبيعة‪ ،‬كربما بخاصية المادة‪ ،‬ربما باإلنتخاب الطبيعي‪ ،‬تم فيما بعد انتخاب صيغة كاحدة (للتبسيط‬
‫كللتسهيل من قبل العلماء الذين قالوا النريد اف نعمل على ‪ 539‬حمض أميني‪ ،‬فهذا كثير كعملية مرهقة) كأخذكا‬
‫‪ 100‬حمض اميني‪ ،‬طبعا لكل حمض اميني له ‪ 3‬كقع فراغي (حيادم‪ ،‬يميني‪ ،‬يسارم)‪ ،‬كاالحتماالت لمجموع الموجود‬
‫كله‪ :‬ثبلثة مرفوع لؤليس ‪ 100‬كهو اف تقوـ بعملية ضرب العدد ‪ 3‬في نفسه مئة مػػرة‪ >..‬نتيجة مخيفة في‬
‫تضاعفها كهي كما حسبها العلماء‪ 10 × 5 :‬مرفوعة لؤليس ‪ 47‬تريليونات تريليونات المرات‪ ،‬يعني ‪ 500‬مليار مليار‬
‫مليار مليار مليار احتماؿ ‪ ...‬كالمطلوب منها احتماؿ كاحد فقط !‪ . .‬التغير من تشكيل الى تشكيل ييستغرؽ عشرة‬
‫مرفوعة لؤليس ‪ 13-‬من الثانية‪ ،‬يعني جزء من عشرة آالؼ من مليار جزء‪ ،‬لو قسمنا الثانية الى عشرة آالؼ مليار جزء‪،‬‬
‫جزء منها يتم تجريب شكل آخر‪ ،‬كهذا جزمء بركتيني كاحد يا اخواني‪ ..‬لنعلم كم هي معجزة‪ ،‬كلماذا في األخير قاؿ‬
‫(ريشارد دككينز) انه تصميم!‪ ..‬كماقاله كاف في مقطع فيديو تجدكنه في موقع اليوتيوب‪ .‬نعػػػود للهيموجلوبين ‪..‬‬
‫عدد الترتيبات اآلف التي يمكن اف تتراض فيها تلك األحماض األمينية هي‪ :‬عشرة أيس ‪ .. 620‬شيء الييصدٌؽ‪ ،‬كمن‬
‫هذا الرقم من عشرة أيس ‪ 620‬ترتيب الى ‪ 539‬حامض اميني ‪ ..‬كاحػػػد هو المطلوب‪ ،‬ترتيب كاحد فقط كالينفع غير‬
‫هذا! ‪ .‬أم خطأ كاحد في غير موضعه لن يتكوف الهيموجلوبين‪ ،‬سيتكوف شيء آخر‪ ،‬كأين يتم هذا؟ في الخبليػػػا ك بأم‬
‫سرعة؟ كما قلت‪ :‬في كل ثانية ألفين جزمء بركتيني‪ ،‬كأف تقوؿ‪ :‬اهلل ‪ ..‬تكوف انتهى تكوين ألفين جزمء بركتيني !!‬
‫‪ ..‬هذق قدرة اهلل العاملة هنا كاضح جدا جدا جدا‪ ،‬هذق قدرة ربانية تعمل هنا‪ } ،‬أفمن يخلقي كمن ال يخليق { يا أخي‬
‫؟!!! هذا الحي القيوـ الذم ال إله اال هو‪ ،‬التقوؿ لي ال مادة‪ ،‬ال تقولي عبث‪ ..‬كبلـ جنوني هذا ‪ ،‬انتحار هذا ‪ ،‬فعبل‬
‫انتحار!‪ .‬قاؿ لك سوؼ نغذم حاسوب فائق كخارؽ بالمعلومات المطلوبة الخاصة بًػػ لف السبلسل الببتيدية للجزمء‬
‫البركتيني (احماض مع بعضها تكوف سبلسل ببتيدية)‪ ،‬ك تيلىف هذق السبلسل بطريقة محددة كليست بأية طريقة! ‪،‬‬
‫ك نريد جزمء بركتيني مكوف من مئة حمض اميني ايضا ليس جزمء اليهموجلوبين‪ ،‬كسنرل كم يحتاج الحاسوب الخارؽ هذا‬
‫لػً لف هذق السبلسل لػفنٌا عشوائيا‪ ،‬كفيما بعد كبالصدفة سيكوف هناؾ احتماؿ كاحد فقط ينجح بلفٌها بالطريقة‬
‫المطلوبة الصحيحة ‪ ..‬بالصدفة كم يحتاج ليعمل هذا الحاسوب لكي يصل الى المطلوب ‪..‬بالصدفة كليس من‬
‫تعليماتنا نحن نعطيه اف يعمل كما نريد‪ ..‬عشوائيا كما عمل الكوف مثل ماقالوا انه عشوائيا؟! حسنا ليقم باللف‬
‫عشوائيا ‪ ..‬اذف يحتاج الحاسوب الخارؽ لكي ينجح في هذا عشوائيا الى عشرة ايس ‪ 127‬سنة ! ‪ ..‬شيء اليكاد‬
‫يصدؽ ! يعني يكوف تريليونات من عمر الكوف لكي ينجح فقط في الوصوؿ الى اللٌفة المطلوبة !!!! ‪ .‬الخليٌة تقوـ‬
‫بهذا بجزء يسيػػر من الثانية ‪ ،‬تنتهي من اللف المطلوب ك لػفػٌػنا صحيػػحا اليتحوؿ الى سي ٌم !!‪.‬‬
‫نختػػم هذق الحلقة بالحوار عن " القابليػػة الكيميائيػػة" هي نسخة منقٌحة تنقيحا ساذجا من "خاصية المادة" هي فصل‬
‫في كتاب خاصية المادة‪ ،‬كقالو بالقابلية الكيمياكية نحن نفسر تكوٌف الػ ‪ RNA‬ك ‪ DNA‬ألف االحماض االمينية فيها‬

‫‪64‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫قابلية‪ .. .‬طبعا البأس هذق نقطة متقدمة جدا ‪ ،‬نريد ماقبل هذا كهو معرفة كيف تكوف الحمض االميني ‪ ..‬هل‬
‫بالقابلية؟! كليس هذا فحسب‪ ..‬بل سنتورط في معضلة "الدجاجة اكال اـ البيضة" !‪ ،‬فمن الذم يكىوًٌف الحمض‬
‫االميني؟ كيف تتكوىٌف االحماض االمينية؟ تتكوف باألمر من االحماض النوكية‪ ،‬عبر مساعدة األنزيمات‪ ..‬لكن االحماض‬
‫النوكية هذق كيػػػػػف تكونت ؟! ‪ ..‬انتبهوا‪ ،‬في البدء كانت المعلومة‪ ،‬في األكؿ كاف يوجد مخطىٌط ‪ ..‬دائما !‪ ،‬أك كما‬
‫في اإلنجيل‪ :‬في البدء كانت الكلمة‪ .‬فعبل هذق كلمة عظيمة جدا كحقيقية‪ ،‬ك أنا اقوؿ لكم في البدء كاف الوعػػػي أم‬
‫كانت المعلومة‪ ..‬ال نحبٌذ اف نصف اهلل بالوعي‪ ..‬لكن هذق لغتهم ‪ ..‬لكي يفهموها ‪ ،‬اليفهموف غير لغة "اف في البدء‬
‫كاف العقل‪ ،‬الوعي" كهو األصل‪ :‬اف في البدء كػػػاف اللػػه ‪ ..‬إذا اردنا اف نعرؼ من األكؿ‪ .‬فهو (اهلل) األكؿ‪ ،‬ك (اآلخر)‬
‫ينتهي كل شيء عندق‪ ،‬األكؿ ال أكؿ قبله كببل اكلية‪ ،‬كاذا لم تصل اليه ال تصل الى تفسير نهائي‪ ،‬كممكن تتورط في‬
‫الخرافات كتغرؽ في البلنهاية الخرافية‪ ،‬اما نحن فبل‪ ..‬لدينا ال نهاية لكنه معقوؿ جدا جدا ألنه يحكي كعيا‪ ،‬كييترجم عن‬
‫كعي‪ ،‬كيعمل بوعي‪ ،‬كتفسير نبي األشياء هو التفسير الواعي‪ ،‬كهو األقرب كهو األبسط‪ ..‬من غير تعقيدات ليس لها‬
‫معنى‪.‬‬
‫فقالك بالقابلية الكيمياكية تتجمع االحماض االمينية كتتكوف بركتينات‪ ،‬تتجمع القواعد النيتركجينية (أدكنين‪ ،‬ثايمين‪،‬‬
‫ساتوزين‪ ،‬قوانين) بتكوًٌف الحمض النوكم ‪RNA‬ك ‪ . DNA‬يوجد عالًم امريكي (دين كانيًن) مازاؿ حيا الى اليوـ لديه‬
‫كتاب اسمه < القدىر الكيمياكم الحيوم >‪ ،‬هذا عالم كاف تطوريا كهو عالم بيولوجي‪ ،‬ككاف من المتحمسين لفرضية‬
‫القابلية الكيمياكية‪ ،‬ثم اكتشف بعد ذلك انه هذق الفرضية ال تستطيع اف تفسر لنا شيئا‪ ،‬كسنرل االف لماذا هي‬
‫كذلك ‪ ..‬انت تتكلم عن قابلية‪ ،‬لنرل كاحدة من سبلسل الػ ‪ ،RNA‬ككما نعلم انه يوجد تتابع معلوـ بين القواعد‬
‫ت في خطبة سابقة اف هذا‬ ‫النيتركجينية ‪ :‬فاألدكنين دائما يقابله الثايمين‪ ،‬كالساتوزين دائما يقابله القيوانين‪ ،‬كما ذكر ي‬
‫مايسمى بالتعاشق بين هذق القواعد‪ ..‬جميل جدا‪ ..‬فيأتوف اصحاب فرضية القابلية الكيمياكية كينهوف تفسيرهم بأنه‬
‫هذا هو ‪..‬رأينا التتابع كهذا هو تفسير نشوء الحمض ! ال أنت لم تفسر شيئا‪ ..‬لم تقل شيئا!‪ ،‬القابلية الكيميائية‬
‫مثل مافهم (كانين) قاؿ تفسًٌر لنا التتابع فقط التتابع لتلك القواعد‪ ،‬لكن ال تفسر تتابعا مخصوصا ‪ .‬ك نؤكد كنعيد‬
‫ل صحيحا فهو عقل محترـ‪ ،‬كالعلم كحدق ال يجدً بدكف فلسفة‪ ،‬خاصة اذا تنطٌع العلم يقدـ‬ ‫أف العقل الفلسفي اذا عىمً ى‬
‫تفسيرات‪ ،‬كينخرط في نقاشات الهوتية حوؿ قضايا ميتافيزيقية كدينية الينفع‪ ،‬يعني قبل اف تقرأ لػ (كانين) كأمثاله‪،‬‬
‫ق‬
‫قبل أف يتوصلوا حتى الى هذق الحقائق العلمية المحترمة‪ ،‬العقل الفلسفي كاف يقوؿ بهذا‪ ..‬خاصية المادة تفشل كف ى‬
‫الفرضين األكليين في تفسير النظاـ كالتناسق‪ ،‬كفق الفرضية الثالثة كهي الفرضية التي تقضي على خاصية المادة! ألف‬
‫التناسق ي ىفسٌر باجتماع عدد من المواد لكن على نحو خاص كمخصوص‪ .‬يقوؿ هذا العالم(كانين)‪ " :‬القابلية الكيمياكية‬
‫تفسر لنا التتابع‪ ،‬لكن ممكن التتابع يكوف مثبل ‪ ، .... AT AT AT AT‬كهذا التتابع خلو من المعنى كال داللة له‪،‬‬
‫هذا ليس تتابعا موجودا في الػ‪ DNA‬هذا ال يىرمًٌز أم شيء كالييشفًٌر أم شيء!‪ ،‬فالقابلية الكيمياكية على هذا تقتصر‬
‫فقط تتابع هذا مع هذا ‪ ..‬لكن التتابع كفق طريقة معينة ييفهمنا انه تتابع قصدم غائي‪ .‬اآلف في اللغة مثبل كيف تتم‬
‫التتابع؟ كأف نقوؿ ‪ :‬آ بي آ بي آ بي ‪ ......‬التوجد لغة ! لكن لو قلنا مثبل‪ :‬أب يضرب ابنه ليؤدبه ‪ ...‬اذف هنا نجد‬
‫تتابع معقد ليس بسيطا!‪ ،‬كهذا اكؿ فرؽ ذكرق (كانين) بمعنى انه التكرار ممنوع يكوف فيه انتظاـ‪ ،‬أم انتظاـ في‬
‫التكرار يخرجه عن الداللة‪ ،‬يفشل في الترميز‪ ،‬الػ‪ DNA‬اليوجد فيه كهذا كال أم تكرار بسيط‪ ،‬لذلك في اللغة كما في‬
‫هذق البًنى الحيوية كحتى الطبيعية‪ ،‬لكي يكوف لدينا شيء فيه داللة البد اف يكوف فيه تتابع اك تكرار غير منتظم‬
‫كييراعى قواعد بعينها‪ .‬إذا اردنا اف نفهم ماهو التعقيد؟ التعقيد ينفط الى ‪ 3‬اشياء‪ /1 :‬التنويٌع‪ /2 .‬عدـ االنتظاـ‪/3 .‬‬
‫عدـ القابلية للتنبؤ به‪ .‬االف فهي قفزة فلسفية‪ ،‬نوع من التفكير الفلسفي‪ ..‬قوانين الطبيعة الفيزيائية في العالم‪:‬‬
‫تتسم بإنتظاـ كطلوع الشمس كل يوـ بمبدأ كدليل حتى اننا نتنبأ متى تيكسىف الشمس أليس كذلك ؟! كتتصف‬
‫بالتكرار‪ ..‬اذف ليست الطبيعة هي مصدر هذا‪ ،‬ألف فاقد الشيء الييعطيه‪ ،‬يقولوف الطبيعة الكوف فعل هذا‪ ،‬ليس‬

‫‪65‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫كذلك‪ ،‬بل يوجد شيء مفارًؽ لهذا الشيء‪ ..‬يبقى العقل كالوعي مصدرا للتخطيط‪ ،‬للبرمجة كمصدرا للتصميم‪ .‬اما اف‬
‫يينسب هذا الى الطبيعة اك الى العشوائية اك الصدفة اك االنتخاب الطبيعي اك القابلية الكيمياكية‪ ،‬اك القوانين البيعية‬
‫نفسها كل هذا لؤلسف‪ ،‬اغراؽ في غموض زائد‪ ،‬كهركب من التفسير المقبوؿ الصحيح‪.‬‬

‫نكتفي هذق الليلة على اف نكمل في الحلقة المقبلة اف شاءاهلل‬


‫شكر اهلل لكم كالسبلـ عليكم ك رحمة اهلل تعالى كبركاته‬

‫‪66‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫الحلقة العاشرة برهاف النظم ‪5‬‬

‫أعوذ باهلل من الشيطاف الرجيم‬


‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫هلل يسير قيل سيركا في األرضً فانظركا كيف بىدىأ الخلق ث ٌمى‬ ‫فى ذلك على ا ً‬ ‫} أكىلم ىيىركٍا كيف يبدًمءي اهلل الخىلقى ثمنٌ ييعيديق إ ٌ‬
‫فى اهلل على كل شيء قدير ييع ٌذًبي من يشا يء ك يرحمي من يشآء كإليهً تيقلىبوف كمآ أنتم‬ ‫اهللي يينشيءي النٌشأة اآلخرىة إ ٌ‬
‫بميعًجزين في األرض كال في السٌمآء كمالكم من دكفً اهللً من كلينٌ كال نىصير كالذين كفركا بآيات اهلل كلقآئه أكلئك يىئًسوا‬
‫فى في ذلك‬ ‫ب أليم فما كاف جواب قومه اال أفٍ قالوا اقتلو يق اك حرًٌقوق فأنجاقي اهلل من النار إ ٌ‬ ‫من رحمتي ك أكلئك لهم عذا ه‬
‫هلل أكثانان مود ىة بينًكم في الحياة الدنيا ثمىٌ يوـى القيامة يك يقري بعضكم‬
‫آلياتو لقو وـ يؤمنوف ك قاؿ إلنما اتخذتيٌم من دكف ا ً‬
‫ن بعضيكم بىعضان ك مأكاكمي الناري كى مالىكم مًن ناصرين { صدؽ اهلل العظيم كبلٌغ رسوله الكريم‪ ،‬كنحن على‬ ‫بًبىعض كى يلع ي‬
‫ذلك من الشاهدين‪ ،‬اللهم اجعلنا من شداء الحق القائمين بالقسط‪ ..‬اللهم آمين‬
‫الحمد هلل حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب كيرضى عدد خلقه ك رضى نفسه كمداد كلماته ك حىمىلة عرشه‪.‬‬
‫كاشهد اف ال اله اال اهلل كحدق ال شريك له‪ ،‬ك اشهد اف سيدنا كنبينا محمدا عبدق كرسوله‪..‬اللهم صلي كسلم كبارؾ‬
‫عليه كعلى آله الطيبين كصحابته الميامين كاتباعهم بإحساف الى يوـ الدين‪ .‬سبحانك العلم لنا اال ماعلمتنا انك انت‬
‫العليم الحكيم‪ ،‬اللهم علمنا بما ينفعنا‪ ،‬كنفعنا بما علمتنا ك زدنا علما كاهدنا لما اختيلًف فيه من الحق بإذنك انك تهدم من‬
‫تشاء الى سراط مستقيم ‪ .‬اما بعد‪،‬‬
‫اخواني اخواتي السبلـ عليكم كرحمة اهلل كبركاته‪....‬‬
‫تحدثنا في آخر الحلقة السابقة عن التعقيد الذم هو سمة للمنظومات الحية بالذات‪( ،‬دككينز) في الفصل األكؿ من‬
‫كتابه <صانع الساعات األعمى> يزعم اف التعقيد هو سمة للمتعضٌيات فقط‪ ،‬كأما البسائط فهي كائنات ك موجودات‬
‫ألشياء العالم الطبيعي األشياء الفيزيائية‪ ،‬كهذا الكبلـ سنثبت ايضا انه غير صحيح‪ ،‬كهو نظرة مغالية في التخصص‪،‬‬
‫ينظر الى تخصصه على انه يتٌسم بنوع زائد من التعقيد الذم يحتاج الى قدرة تفسيرية اعلى‪ ...‬هذا غير صحيح‪ ،‬فالعالم‬
‫الطبيعي كاشياء العالم الطبيعي ليست كما يظن هو‪ ،‬كالعجيب أنه جعل حتى "االكواركات" من هذق البسائط‪،‬‬
‫‪ ........‬كقراءة سريعة كعجلى لقصة االكوارؾ ككيف ت ٌم افتراضه في البداية كديقىيًٌقة خيالية افتراضية على يد‬
‫(قيرماف) ثم بعد ذلك تقريبا تبرهن اك ثبت انه اقرب الى الواقع!‪ ،‬كله كجود كاقعي يدرؾ انها مسألة غير بسيطة‪ ،‬كأف‬
‫كجود هذق الدقائق تحت الذرية ليس كجودا بسيطا بل هو كجود معقد الى حد بعيد‪ ،‬كالوجود الحيوم للمتعضيات كلها‬
‫مشركط بمدل الترابطية كالعبلئقية بين كائنات كدقائق العالم الذرم كتحت الذرم‪ ،‬هذا كاضح جدا لمن درس هذق‬
‫المسائل‪ ..‬لكن الرجل يرسل الكبلـ على عوائنه ‪ ..‬تحدثنا عن (كانين) عن رأيه في التعقيد‪ ،‬كختمنا بالقوؿ أنه البد من‬
‫كجود عقل كذكاء ك كعي كإرادة كقصد من كراء كل هذف النٌظيم كالتصاميم‪ ،‬كذكرنا أنه مثبل في تعاقب القواعد‬
‫النيتركجينية في يجزىمٍء الحامض النوكم هناؾ شيء تفشل فيه نظرية خاصية المادة عامة فشبل ذريعا كمدكًٌينا في‬
‫تفسيرق ‪ ..‬كهو تتابع القواعد النيتركجينية‪ ،‬ك أهم شيء في هذا ال يجزىمٍء للحامض النوكم هو هذا التتابع‪ ..‬فلو تخيلنا هذا‬
‫اللولب المزدكج‪ ،‬لدينا هنا السكر الرٌايبوزم المنقوص األككسجين كفي الطرؼ اآلخر من السلسلة اآلخرل ايضا موجود هذا‬

‫‪67‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫السكر‪ ..‬ميعتلًق من اعبلق مجموعة الفوسفات كمن ادناق كذلك ترتبط بسكر الرايبوز‪ ،‬اذف هذا السكر دائما هو هنا‪..‬‬
‫بعد ذلك تلتئم القاعدة بهذا السكر الرايبوزم مثبل (االدكنين) كدائما (االدكنين) يأتي مع (الثايمين) باستمرار ‪ ،‬بينهما‬
‫رابطا هيدركجينيا‪ ،‬بعد ذلك يأتي اؿ(الساتوزين) كبينه كبين اؿ(إقوانين) رابطا هيدركجينيا كذلك‪ ..‬كل هذق المكونات‬
‫مرتبطة برابطة‪ ،‬إال القواعد النيتركجينية في السلسلة الواحدة فهي غير مرتبطة‪ ..‬هذق القاعدة غير مرتبطة بالقاعدة‬
‫التي تليها تحتها‪ ،‬مايعني انه كاف ممكن اف يكوف (الساتوزين) بمكاف (االدكنين) كتتبدؿ المواقع‪ ..‬فلو تبدلت المواقع‬
‫فشلىت الشيفرة ‪ ..‬انتهى كل شيء كضاعت المعلومة‪ ،‬كنحن قلنا اف هذا التتابع ليس مجرد تتابع مجرد بسيط‪ ،‬إنما‬
‫هو تتابع ال منتظم معقد غيػػر اعتباطيا‪( ،‬مامعنى كلمة اعتباطي‪،‬تعسٌفي ‪ :‬أم الذم اليحكي معنى)‪ ..‬فعل يم الوراثة يدكر‬
‫على فك هذق المنظومات المتتابعة تتابعا غير منتظم‪ ،‬مع إف القواعد النيتركجينية غير مرتبطة ببعضها البعض في‬
‫السلسلة الواحدة‪ ،‬الهنا كالهنا‪ ،‬فييمكن اف يحدث تبادؿ مواقع كبسهولة كاليوجد أم مانع كيميائي!‪ ...‬كهم يتحدثوف‬
‫عن قابلية كيميائية‪ ،‬كفي الحقيقة التتبادؿ ابدا – اال في حدكث طفرات بالطبع‪ ،‬معظمها مخرًٌب كميهلًك في حق‬
‫الحيوانات‪ -‬كهذا التتابع هو تتابع ميشفًٌر‪ ..‬يمىرمًٌز يجمل رسالة‪ ،‬هذق الرسالة هي التي تصنع البنية الحيٌة‪ ..‬كما قلت لكم‬
‫كل ماييعرؼ بالنمط الظاهرم > هو يىدين للنمط الجيني‪ ..‬كالنمط الجيني يمكن اختزاله في هذق الحامض‬
‫النوكم ‪ DNA‬أهم شيء فيه هو تتابع هذق القواعد ‪ ..‬كالسؤاؿ هو ‪:‬‬
‫من الذم رسىم ىك حدد كخطٌط هذا التتابع ؟!‬
‫إف كانت اجابتك بػ ‪ :‬انها القابلية الكيمياكية‪ > ...‬ستكوف خاطئة‪ ،‬فالكيمياء تسمح بتبادؿ االمكنة بين هذق المواد‪،‬‬
‫كالكيمياء التوجب هذا التتابع !‪ ..‬ابدا‪ ،‬ليس لدينا أم تبرير اك تسويغ كيميائي لهذا التتابع المن قريب كال من بعيد‪ ..‬ك‬
‫هنا أتحدل ليس المبلحدة كإنما علماء الكيمياء كالوراثة نتحدل كل علماء الدنيا‪ ،‬بل على العكس هم بكل تواضع –‬
‫اليتٌسم به بعض المبلحدة البسطاء السذٌج‪ -‬قالوا‪ :‬ال‪ ،‬بما اف المسألة على هذا النحو – بكل تواضع قالوا‪ :‬لنطهر ضيرنا‬
‫ك نينىوًٌر مسيرتنا العلمية‪ ،‬نحن نتراجع كنعلن االستسبلـ كنقوؿ (المسألة من كرائها سرهٌ كبير)‪ ..‬القابلية كيمياكية‬
‫كالخاصية مادة ‪ ..‬يوجد ذكاء يوجد ميصمٌم‪( .‬اسحاؽ نيوتن) في ملحق كتابه العظيم المشهور جدا االف <المبادمء>‬
‫الرياضية الفلسفة الطبيعية قاؿ‪(( :‬إف االنتظاـ كالركعة المتمثٌلة في مجموعتنا الشمسية تحكي كالبد عن قصد كهدؼ‬
‫لرب خالق مبدع مصمٌم‪ ،‬اليػػجوز أف يقاؿ أنه ركح الكػػوف)) ‪ ..‬هذا ليس علما إنه فلسفة‪ ،‬لكن يقولها عالم كبير‪،‬‬
‫كدائػػػػػما تذكركا هذا‪ :‬عند البحث عن النهايات‪ ،‬كالبحث عن األجوبة األقصوية النهائية يتتاخم العلم مع الميتافيزيقا‪،‬‬
‫العلم مع الفلسفة‪ ،‬العلم مع الدين‪ ..‬تقريبا تزكؿ الحدكد ‪ ..‬كهذق العبارة التي ذكرها العالًم (جورج سموت) الفيزيائي‬
‫الكبير كالذم اشتيهًر بفضل ابحاثه الدقيػػقة على اشعة الخلفية الكونية صاحب كتاب <تجعدات الزماف> قاؿ دائما‬
‫حين نبحث عن اجوبة لبلسئلة النهائية فإنه يكاد يزكؿ الحاجز بين العلم كبين الميتافيزيقا !‪ ..‬التقل لي اننا نتحدث‬
‫كعلم‪ ،‬نتحدث كفلسفة االف‪ ..‬رغمػػا عنك‪ ،‬أك تبقػى متواضعا اختزاليا كيمياكيا‪ ،‬فيزيائيا‪ ،‬فلكيا ‪ ..‬تتحرؾ في حدكد‬
‫بسيطة جدا كال عبلقة لك بهذق المسائل التتطرؽ اليها النفيا كال اثباتا‪ ..‬اما اذا اردت اف تتطرؽ اليها فبلبد لك اف‬
‫تتكلم كفق منظور مختلف‪ ،‬منظور فيلسوؼ‪ ،‬منظور الهوتي‪ .‬بعضهم اليحب كلمة فلسفة‪ ،‬سيرتها ليست حسنة عند‬
‫علماء اليوـ‪ ..‬يعتبركنها مزيجا من األهواء كمن التأمبلت كمن االنطباعيات كاالشياء التي الحقائق لها كالكقائع تدعمها‪..‬‬
‫كما عرفوف‪ ..‬الميتافيزيقيا تهدـ صرحها عند هؤالء‪..‬لكنها تبقى في نظرهم افضل من الدين‪ ،‬اليحبوف كلمة الدين‬
‫كالفلسفة‪ ..‬ماذا يسمونه؟ يسمونه ماكراء العلم‪ ،‬كهو اليبحث في قضايا العلم‪ ..‬الال‪ ،‬يبحث في صلوحية العلم نفسه‪،‬‬
‫في مشركعية العلم‪ ،‬في مصوٌغيٌة العلم‪ ،‬يعني هو نوع من البحث المنهجي لكن يحفر تحت األسس ذاتها‪ ،‬كلذلك‬
‫يقولوف‪( :‬الميتا سؤاؿ)‪ ..‬األسئلة الميتاكية ‪ ..‬مثل هذق االسئلة (الميتاكية)‪ ..‬هذا تعبير ملطٌف من هؤالء العلماء‬
‫المتشبثين بلفظة العلم عن هموـ ميتافيزيقية ‪(.‬بولكنق هور) اإلنجليزم–زميل (ستيفين هوكنق) لكنه مؤمن كهو‬
‫عالم كبير كعالم في الدقائق الذرية كاكتشف بعضها في السبيعينيات ‪ -‬هو الذم سماق ‪ :‬ميتاعًلم‪ ،‬ميتاسؤاؿ ‪ ..‬عال هم‬

‫‪68‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫مؤمن باهلل كله منظور فلسفي ممتاز ابرزق في كتاباته‪ ،‬كسبق كنقلت في خطبتي عن (ستيفين هوكنق) من االيماف الى‬
‫االلحاد‪ ..‬نقلت عنه سخريته من (ستيفين هوكنق)‪ ،‬كهي سخرية في مكانها كهي محقٌة تمػػػػاما ! قاؿ‪(" :‬ستيفين‬
‫هوكنق) عالم كبير فذ‪ ،‬يعني من كزف علماء نوبل ‪-‬ليس اقل منهم‪ ،‬لكن نوبل التعطى اال كفق معايير محددة‪،‬كهو الى‬
‫االف يتخبط لم ينتهي‪ ..‬لديه بعض الكشوفات‪ ،‬النظريات الجيدة‪ ،‬لكن ليس بالحجم الذم يستحق عليه جائزة نوبل‪-‬‬
‫كلكن حين يذهب (ستيفين هوكنق) يتكلم في قضايا الهوتية فلسفية‪ ،‬يمكن ببساطة اف ييتهم بسذاجة !"‪ .‬كنحن‬
‫قلنا هذا ايضا‪ ..‬كعلى فكرة (ساـ هيريز) ك(ريتشارد دككنز) كامثاؿ هؤالء ليسوا احسن حاال حين يتكلموف في قضايا‬
‫دينية كفلسفية فهم يعربوف عن سذاجة بعيدة جدا كسطحية‪ ...‬لكن يغترٌ بهم الشباب الذم لؤلسف لم يؤسس‬
‫نفسه فلسفيا كربما حتى علميا بالطريقة المطلوبة‪..‬‬
‫نظرية القابلية كخاصية المادة يمكن اف تفسٌر لنا شوؽ كانجذاب االحجار الى بعضها البعض كما ذكرت في الحلقة‬
‫السابقة عن ذلك المثاؿ الذم ضربته عن كومة االحجار كالقصر المشيد الشامخ‪ ..‬كانتبهوا‪ ،‬كل مثاؿ ككل مجاز حين‬
‫نذهب به الى اقصى غايته يتبلشى‪ ،‬يعني ممنوع في العلم ممنوع في الفكر اف تأتي بمثاؿ‪ ،‬ثم تلتزـ بكل تضميناته في‬
‫الميمىثىٌل له‪ ..‬هذا خطأ تقع في مغالطات‪ ..‬كجه معين ثم الى حد ك تقف‪ ..‬انتبهوا‪ .‬كلذلك ليس النقاش حتى في المثاؿ‬
‫من دأب المحصلين كما نقوؿ دائما‪ .‬التناقش كتقوؿ لي "هذا حجر ‪ ، "...‬نحن نأتي بمثاؿ‪ ،‬يختلف الحجر عن العنصر‬
‫الكيمياكم‪..‬فعبل‪ ،‬هناؾ مايبرر االنجذاب‪ ،‬اما في الحقيقة الحجر الينجذب‪ ،‬نحن نمثل لكي نوضٌح‪ ،‬لهذا التناقش في‬
‫المثاؿ فهذا ليس من دأب الميحصٌلين‪ .‬حسنا القابلية الكيمياكية (حجر ينجذب الى حجر) فهمنا هذا‪ ...‬هػػذا اقصى‬
‫مايمكن اف تقدمه القابلية الكيمياكية كخاصية المادة > انجذاب عنصر الى عنصر‪ ،‬انجذاب حجر الى حجر‪ ،‬لكن لمػػػاذا‬
‫تنجذب األحجار هنا بطريقة مستطيلة حتى الى آخر األحجار‪ ،‬تيشكٌل مثبل خطا بطوؿ عشرة امتار‪ ،‬لكنها تنجذب هنا‬
‫بشكل عامودم نصف متر فقط‪ ،‬كهنا تنزكم‪ ،‬كهنا تكوف كذا ‪ ، ...‬ليس ممكنا اف تكوف القابلية تفسًٌر هػػذا‪ ،‬كيف‬
‫ييفسٌر هذا ؟ بػػػػإرادة المخطًٌط‪ ،‬ارادة المهندس‪ ،‬ارادة الذم عندق المخطط االكلي (مخطط هذا القصر المشيد) يريدق اف‬
‫يينفذ بهذق الطريقة‪ .‬كليس تفسيرق بخاصية األحجار‪ ،‬فاألحجار كلو تركتها ببليين السنين التبني نفسها قصرا مشيدا‪،‬‬
‫تمثاؿ موسى مثبل لمايكل انجيلو‪ ..‬مستحيل اف تنحت نفسها‪ ..‬اترؾ أم صخرة‪ ،‬اتركها عمر الكوف كله‪..‬لن تفعل‬
‫شيئا‪ .‬فلو لم تكن هناؾ خطة محددة لتجاذب هذق األحجار لكاف الناتج عشوائيا‪ ،‬ركاما آخر من الحجارة‪ ..‬ركامية‬
‫عشوائية‪ ،‬لكن قصر مشيد كدقيق‪ ،‬مأحوذ فيه باإلعتبار حاجات ساكنيه‪ ،‬فهذا قبو‪ ..‬كهذا مخزف‪ ،‬كهذق ساحة لؤللعاب‪،‬‬
‫كهذا مكاف للمسبح‪ ..‬ككيف ستكوف النوافذ كعلى أم جهة ستكوف مفتوحة بحيث تواجه الشمس ‪ ..‬كاضح اف هناؾ‬
‫غايات محددة مأخوذة في التصميم‪ ..‬العػػػػػشوائية اليمكن تحكيػها‪ .‬سآتيكم بنقل عن عالم فيزيائي كشهير جدا‬
‫كعمبلؽ‪ ،‬ملحد (فريد هويل) تماما شأنه شأف (دككنز) ييضطرٌ في النهاية اف يعترؼ بالتخطيط كالتصميم رغمػػا عنهم !‬
‫‪( ..‬فريد هويل) ككاف قد اقترح شبه نظرية مصغرة للتفاعبلت النوكية داخل النجوـ داخل الشمس مثبل كاشباق‬
‫الشمس‪ ،‬تفسر لنا كيف ينتج الكربوف الذم هو عنصر مهم جدا جدا للحياة كلكل اشكاؿ الحياة التي نعرفها‪ ،‬لذلك‬
‫الكيمياء العضوية تسمى بالكيمياء الكربونية‪ ،‬يقوؿ (فريد هويل) بعد اف اقترح نظريته المصغرة كقد نجحت تماما‪" :‬‬
‫اليملك العالًم بمطالعة الشواهد المحددة اال اف يقٌر بأف قوانين فيزيائية محددة هي التي اخذت طريقها الى العمل كالى‬
‫االشتغاؿ بحيث تينفٌذ بعد ذلك مايمكن اف يكوف اشبه بخطة معينة‪ ،‬لكي ينتج لنا هذا المكوٌف كمكونات أخرل بشكل‬
‫دقيق جدا‪ ..‬طبعا كما تعلموف انتم كالقوة النوكية الضعيفة مثبل‪ ،‬لوال القوة النوكية الضعيفة لما امكن اندماج نوكم‬
‫داخل الشمس‪ ،‬كأيضا تفكك النيوتركنات الى بركتونات بفعل النوكية الضعيفة‪ ،‬كهذق القوة تعمل في حدكد دنيا‬
‫صغيرة جدا جدا لو كانت اعلى منها قليبل‪ ،‬اك ادنى منها قليبل لما تم هذا االندماج‪ ،‬كهذا مهم جدا كما يقوؿ (هويل)‬
‫لنشأة الحياة كاألحياء‪ .‬اما مسألة نشأة الكربوف في باطن الشمس كقد فصٌل فيها (هويل) مسألة في غػػػاية التعقيد‬
‫كهي رهن ترابطات دقيقة جدا جدا بدكنها‪ ،‬لذلك هو اضطر اضطرارا أف يقوؿ‪ :‬قوانين فيزيائية معينة مراد لها اف‬

‫‪69‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫تعمل كتشتغل لكي تنفذ مايمكن اف يكوف اشبه بمخطىٌط‪ ،‬إف قلنا أنه ضربة حظ (أم بالصدفة صار) فمعنى ذلك لنا‬
‫ت هذا انه ضربة حظ اذف‬ ‫ط عشواء!" يريد اف يقوؿ اذا كصف ى‬ ‫الويل اك لنا الرحمة ألننا نعيش في عالم كله يخبط خب ى‬
‫ليس في الكوف نظاـ‪ ،‬ألنه هذا انظم مايمكن اف تقع عليه‪..‬منظم جدا جدا دقيػػػق في حدكد عجيبة‪ ،‬كليس هذا فقط‬
‫في انتاج الكربوف في باطن الشمس‪ ..‬شيء معقد جدا بشكل مذهل ‪ ..‬لكنه يحصيل كما قي ٌدًىر لػه (ك خلقى كل شيء‬
‫فقدٌرقي)‪ ،‬طبعا هذا ليس قفزا منا الى االستنتاج‪ ،‬فيقوؿ لنا احدهم‪ :‬هذا إله الفجوات‪ ..‬الال‪ ،‬هذا لنا كمسلمين ‪ ،‬هذا‬
‫ليس ألصدقائنا المبلحدة‪ ،‬هذا لنا فقط نحاكؿ اف نتذكر‪( ،‬ك خلقى كل شيء فقدٌرقي)‪ ،‬تعجبني مقولة (بولكنق هور)‪:‬‬
‫"انا أكثر اف انظر الى الحقيقة على انها طبقات متعددة‪ ،‬فالنظر الى مافي الكوف من نظاـ‪ ،‬يعكس تقدير الرٌب كالتمتع‬
‫بما في الوجود من جماؿ يعكس إبداع الرٌب‪ ،‬كالخضوع لمبادمء الخير كالشر يعكس حكمة الرٌب" ‪..‬نعم هو مؤمن باهلل‬
‫‪..‬ليس مسلما‪ ،‬لكن هي الفطرة كالعقل السليم‪ .‬كسنقف كقفة جميػػلة‪ ،‬اجمل مماتتخيلوف مع الذكاء االنساني‪ ،‬لكي‬
‫توقنوا اف هذا الذكاء هو هبة الرٌب الذم الاله اال هو‪ ،‬كاليمكن ال لداركين كال لدككنز كال لكل هذق التطوريات اف‬
‫ييفسرلنا مانتمتع به من ذكاء!‪ ،‬ك كفق الصيغة اآلقول‪ ،‬المبدأ االنساني في صيغته القوية‪ ...‬ال‪ ،‬المسائل كاف يجب اف‬
‫تجرم على المحو الذم جرىت عليه لكي نكوف نحن هنا‪ ،‬طبعا هناؾ الصيغة الضعيفة للمبدأ نفسه‪ ،‬ماهي؟ نحن هنا‪،‬‬
‫كاالمور تجرم الننا هنا‪ ،‬هذا كل ماهنالك !‪ .‬يعني هذا اقرب للصدفة‪ ،‬ال‪ ،‬هذق الصيغة الضعيفة‪ ..‬لكن الصيغة القوية‬
‫هي‪ :‬اليمكن تفسير كجودنا كبشر بهػػذق الياقات الذكية كالقابليات الذهنية كالعقلية كالفلسفية كالبحثية إال بأف كل‬
‫ماجرل جرل لكي يينتًج هذا النتاج !‪ .‬بمعنى مبدأ الميسخريٌة‪ ،‬القرآف سماق التسخير‪ ( :‬ك سخٌر لكم مافي السماكاتً كمافي‬
‫ض جميعا منه ) كليٌه مسخر ألجلك ! كهذا هو المبدأ اإلنساني في صيغته القوية‪ ،‬كتعرفوف من اقترحه؟! عالم‬ ‫األر ً‬
‫فيزيائي كبير ملحد (فرانك تًبلًر)‪،‬لديه كتاب اسمه <حين دقٌت الساعة الصفر>‪.‬‬
‫على كل حاؿ‪ ،‬اذف القابلية تفسر لنا عبلقات فردية‪ ،‬اما عبلقات منظومية بين عدة عناصر محددة تكوٌف بًنيىة التػػػي‬
‫يؤخذ فيها حاجات مستقبلية‪ ،‬كقد الحظ هذا (تشارلز داركين) اف هناؾ حاجات مستقبلية‪ ،‬االنتخاب الطبيعي يمكن‬
‫اف يبرر حاجات فقط تنفع في الصراع البقائي اآلف ك هنا‪ ..‬خاصة اف هذا االنتخاب الطبيعي اعمى ال رؤية مستقبلية‪،‬‬
‫ألنه ليس كيانا‪ ،‬فحين يتحدث عنه (داكرين) قبل (دككنز) يمكن تشعر للحظة انه كياف معين‪ ،‬بديػػل إله‪ ،‬لكػنه إله‬
‫أحمق أبله‪ ،‬ألنه ليس له باصرة كال بصيرة‪ ،‬كالينظر الى المستقبل‪ ،‬لكنها ليست فكرة حمقاء‪ ،‬فكرة االنتخاب الطبيعي‬
‫فكرة ذكية جدا‪ ،‬كتقدر اف تفسر امور كثيرة‪ ،‬كهي ليست على النحو الذم تلقاها به بعض المعارضين‪ ،‬ال‪ ،‬هي ميبرٌرة‬
‫ضمن المشاهدات الكثيرة‪ ..‬باختصار‪ :‬يحدث تغيير معين طفركم‪ ،‬تلقائيا الشركط البيئية االف شركط البقاء‪ ،‬شركط‬
‫التكيف‪ ،‬شركط التبلؤـ‪ ،‬هذق الطفرة التي احدثت هذا التغير‪ ،‬تجعل هذا الكائن اكثر صبلحية‪ ،‬كاليوجد راصد كال‬
‫مرصود حقيقي‪ ،‬لذلك هي قوة عمياء‪ ،‬لكن ليست عشوائية‪ ،‬ألنه ليس بذات ليس كيانا كليس إلػها‪ ..‬ابدا‪ ،‬كإنما هو‬
‫دالٌػػػة –بلغة رياضية‪ -‬كأنه دالة لمدل صلوحية هذا التغير للتكيف مع البيئة كشركطها كتحدياتها‪ ..‬هذا هو فقط !‬
‫اليوجد قرار محدد من ادارة معينة كنستبقي هذا الكائن االف‪..‬حجم التبلؤـ مع البيئة اكثر من غيرق‪ ،‬فيبقى‪ .‬لذلك‬
‫تشبيه (تشارلز دككنز) تشبيه رائع‪ ،‬لكنه قاصر‪ ،‬كهو تشبيه المناخًل‪ ،‬االنتخاب الطبيعي يعمل مثل المنخل‪ ،‬لديك‬
‫منخل معين تضع فيه كمية من الحصى مختلفة االحجاـ‪ ،‬كعيوف هذا المنخل صغيرة‪ ،‬كلن ينفذ الى الحصيات االصغر‪،‬‬
‫ككتكوٌـ عندؾ كومة كاحدة فقط االف‪ ،‬كالى حد نوع ما متجانسة‪ ،‬كالحصيات الصغيرة التي خرجت من المنخل كتبقى‬
‫كمية اكبر‪ ،‬االف نأتي بمنخل آخر ‪-‬هكذا بعمل االنتخاب الطبيعي‪ -‬بفتحات اكبر قليبل نضع فيه الحصى المتبقى‪ ،‬تنزؿ‬
‫كومة اخرل متجانسة ايضا‪ ،‬كهي اكبر من االكلى‪ ،‬ثم نأتي بمنخل ثالث فتحاته اكبر من قبله بقليل‪ ..‬كهكذا لدينا ‪3‬‬
‫كومات متميزات‪ .‬قاؿ االنتخاب الطبيعي يعمل على هذا النحو‪ ،‬أم انه اليعمل بخطوة كاحدة‪ ،‬لكنه انتخاب تراكمي‪.‬‬
‫التطوريوف كالماديوف كالمبلحدة بينهم –ليس كل تطورم ملحدا‪ ،‬كمن اياـ (داركين) كاف يوجد تطوريوف مؤمنوف ‪..‬‬
‫رجاؿ دين‪ ،‬االف في الغرب رجاؿ دين كثيركف يركف اف التطور هو الذم يتفق مع الدين‪ ،‬الخلق اليعني ضربة كاحدة‪ ،‬بل‬

‫‪70‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫على العكس ‪..‬الخلق يعني تطورا مستمرا‪ ،‬نحن ايضا نتفق مع هذا المنظور من حيث االصل‪ -‬لكن ادراكا من التطوريوف‬
‫الى عمق كصعوبة هذا التحدم‪ ،‬نحتوا لنا مصطلحا جديدا‪ ،‬قالوا‪ :‬التطور الكيميائي النفهمه‪- ،‬لكي نفهم الفرؽ بين التطور‬
‫الكيمياكم كالتطور الحيوم العضوم‪ ،‬اهم آلية من آليات التطور‪ :‬هو االنتخاب الطبيعي‪ ،‬هذق اآللية التعمل اال ضمن‬
‫شركط معينة‪ ،‬من ضمنها انها تعمل في المجاؿ الحيوم‪ ،‬ليس في المجاؿ الفيزيقي كال في المجاؿ الكيماكم‪ ،‬اليوجد تطور‬
‫فيزيائي كالتطور كيميائي‪..‬يوجد تطور حيوم فقط‪ ،‬لكن هذق ليست سول تراجعات كترقيعات‪ ،‬كلما يفتًقى في النظرية‬
‫فتقه‪ ،‬راحوا يرقعونه برقعة‪ ،‬لكن الترقيع ليس كالتأسيس ! فالنظرية حين تيرقٌع‪ ،‬كعلى طريقة (اعطيه اسما) تصبح‬
‫النظرية في النهاية فضيحة !‪..‬نظرية مهلهلة‪ .‬فالتطور الحيوم يعمل ضمن انتقاء من مجموعة اك من مجموعات ال‬
‫يعمل على فرد كاحد مستحيييل‪ ،‬كفي زمنية طويلة‪ ،‬كضرنا لكم مثاال موحيا كاضحا كبسيطا‪ ،‬مثاؿ الدب‪ ،‬لماذا الدب‬
‫ابيض‪ ..‬كاف يكوف الدب في القطب ابيض أم معناق فرصة اطوؿ لبلستمرار كالنجاح‪ ،‬لونه بلوف البيئة فيستطيع اف‬
‫يتربص لطرائدق دكف اف ييشعىر به‪ ،‬يقوؿ لك التطوريوف في البداية الحاؿ لم يكن كذلك‪ ،‬كاف هناؾ دببا بألواف‬
‫ب صغير‬ ‫مختلفة اشهرها الدببة البنية‪ ،‬في يوـ من االياـ‪ ،‬هكذا صدفة ‪ ..‬حدثت طفرة في اللوف‪ ،‬ف يولًد لدينا دبى ٍي ه‬
‫ابيض اللوف‪ ،‬ببل شك ستكوف فرصة هذا الدبيب اعظم في البقاء‪ ..‬في النهاية تنقرض الدببة البنية‪ ،‬فعبل انتخاب من‬
‫مجموعة في زمنية طويلة‪ ،‬ك تتسيىٌد الدببة البيضاء البيئة‪ ..‬هذا مفهوـ كمعقوؿ الى حد بعيد جدا‪ ،‬كما قلنا هذق‬
‫ليست فكرة حمقاء بل فكرة عبقرية‪ ،‬لكنها التفسر كل شيء لؤلسف‪ ،‬امثاؿ (دككنز) هذا يتعبد في محراب‬
‫الداركينية التطورية‪ ،‬يريد اف يفسر كل شيء بهذق اآللية‪ ،‬يسميها < داركين المينز > اآلليات الداركينية‪ ،‬يقوؿ لك‬
‫"حتى لو كيجًد مصدر حياة على كوكب آخر على نجم آخر‪ ،‬فهناؾ حياة نشأت باآلليات الداركينية!"‪ .....‬دارين ماذا؟!!‬
‫يعتبر اف الداركينية منطق للوجود كله !!! غير صحيح‪ ،‬هذق مغاالة مضحكػػة‪ ،‬خاصة عندما يتحدث عن نشأة الحياة‬
‫في قلب نجم ‪ ،‬التوجد امكانية للحديث عن آليات داركينية‪ ،‬لكنه يقوؿ هذا ‪..‬ببل استحياء‪ ،‬على اساس انه "مصطلح"‬
‫<اآلليات الداركينية> !‪ .‬هذا لم يقل اال ما يبعث على الضحك كالسخرية !‬
‫فكيف يمكن اف يعمل التطور كاالنتخاب الطبيعي في المجاؿ الكيميائي؟ غير معقوؿ‪ ،‬كيف نشأ اكؿ جزمء من الػحمض‬
‫النوكم ‪ DNA‬؟ كقد علمنا كيف يتركب هذا الجزمء المعقد جدا‪ ...‬يقولوف هذا هو التطور الكيميائي كبما أنه‬
‫لدينا ‪ DNA‬معناها اف الخلية موضوعها سهل جدا‪ ،‬فهم على كل حاؿ يحاكلوف اف يتخزلوا الخلية في اعقد شيء فيها‬
‫كهو الػ ‪ DNA‬المادة الوراثية‪ ،‬فيوقولن اف الذم حدث‪ :‬بالطفرة هكذا‪ ،‬طفرات عشوائية كسبحاف اهلل االنتخاب‬
‫الطبيعي الكيمياكم انتخب قواعد نيتركجينية‪ ،‬بالصدفة ترتىٌبىت بالطريقة هذق ! ‪ ..‬عجيػػػب!!‪ ،‬أبالصدفة هذق ترتبت‬
‫بطريقة محددة التي تفسر لنا نظاـ الحياة كنشأة الحياة‪ ،‬كجمالية هذق المتعضيات؟!‪..‬نعم قالوا انها بالصدفة!‪...‬‬
‫لكن هنا توجد كرطة كبيرة جدا‪ ،‬لقد شرحنا سابقا عن احتمالية نشوء جزمء كاحد بالصدفة > صفرا في النهاية!‪..‬‬
‫يتجاكز حد االحتماؿ الميلزًـ الذم عينه (كيلياـ دمسكي) بمراحػػػػػل‪ ،‬يعني اقل من الصفر بمراحػػل مذهػػػػػلة !!‬
‫ثانيا‪ :‬نحن نستطيع اف نفهم كيفية عملية آلية االنتخاب الطبيعي في الميداف الحيوم على اساس التكيف مع البيئة‪ ،‬اما‬
‫هنا فبل يوجد تكيف من اصله‪ ..‬ألنه لكي يوجد التكيف يجب اف تكوف هنا خلية تامة‪ ،‬كلن توجد خلية تامة لوحدها‪،‬‬
‫يجب اف تكوف في نسيج‪ ،‬كالنسيج في عضو‪ ،‬كالعضو في متعضيٌة‪ ،‬كهذق المتعضية تدخل في صراع على البقاء أم‬
‫تنافس‪ ،‬كبعد ذلك يتم االنتخاب بحسب االكثر اهلية بالموائمة‪ ،‬كبالتكيف الزائد‪ ...‬تتحدث عن مستول حمض فقط‪..‬‬
‫كيف تم االنتخاب لماذا‪ ،‬على أم األسس ؟؟‪ ..‬يسكتوف على هذق األسس‪ ،‬كفق أم معايير؟!! اليوجد‪ ..‬فقط يعطيه‬
‫اسما (التطور الكيميائي)!‪ ..‬يغتالوف كعي الناس‪ ،‬فانتبهوا ‪ ..‬كال أحب اف اشجب العلم‪ ،‬حتى اليقوؿ بعضهم ‪:‬هؤالء‬
‫المتدينوف يشجبوف العلم يزهًٌدكف في العلم‪ ،‬ابدا‪ ،‬بالعكس نحن نوقٌر كنقدر العلم جدا‪ ..‬لكن نحب اف يعرؼ من يعبدكف‬
‫العلم حدكد العلم‪ ،‬هناؾ كتاب كبير<حدكد العلم> لػ (جوف سوليفاف) اًعرؼ حدكد العلم‪ ،‬اف تعديت حدكدق اصبحت‬
‫كهانة‪ ،‬اصبحت ديانة‪ ،‬لؤلسف (ستيفن كايد بيرؽ) ‪ -‬الحائز على جائزة نوبل للسبلـ‪ -‬في كتابه <احبلـ النظرية‬

‫‪71‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫النهائية> التي هي النظرية الموحٌدة العظمى‪ ،‬يقوؿ‪" :‬بالنسبة لي مايعطي نظرية الحالة المستقرة جاذبية من منظور‬
‫فلسفي اكثر هو ‪ :‬انها تجنبنا الوقوع في كرطة بداية للكوف"‪ ..‬أم يقصد في معنى كبلمه‪ :‬انا منزعج جدا من قضية‬
‫اف الكوف له بداية! كسنأتي بمثاال جديدا لبداية الكوف‪ ،‬هذق المادة – التي نتراجع تماما كعلماء النستطيع‪ ،‬معارفنا‬
‫المحدكدة حاليا التسمح لنا اف نخوض ذاؾ الغمار‪ ،‬ألنه هذا عالم كله مكتنز في اقل من طوؿ ببلنك‪ ،‬احفظوا هذق‬
‫المقولة‪ << :‬أم شيء في اقل من طوؿ ببلنك ييعتبر فيزيائيا عى ىدمىنا >> كهذا من العدـ ‪ ،‬لكن نظرية االنفجار الكبير‬
‫تقوؿ أنه كيجًد‪ ،‬نعم معناها تقوله بصيغة ثانية من عدـ‪ ،‬كطبعا اكثر من كثافة ببلنك‪ ،‬كأعلى من حرارة ببلنك‪ ...‬كل‬
‫الحدكد مخركقة هنا تماما‪ ...‬ليس فيها الرياضيات كال فيزياء‪ ..‬الكل يقف ‪ ....‬من عىدىـ‪ .‬بعد ذلك صار االنفجار هذا‪،‬‬
‫في اقل من جزء من مئة ألف جزء من الثانية‪ ،‬طبعا هذا الشيء (العدـ) من ريتبة عشرة أيس ‪ 34-‬من المتر‪ ،‬يعني اقل‬
‫ببليين المرات من البركتوف‪ ..‬فعبل هذا عىدىـ‪ ،‬هذا بعد جزء من مئة ألف جزء من الثانية!‪ ،‬اتعرفوف كم صار حجمه؟! حجم‬
‫المجموعة الشمسية !! لكن ليس هذا هو المحيٌر‪ ..‬ال ‪ ،‬يتمدد بهالسرعة الفظيعة هذق لكن متوازف‪ ....‬كاف ممكن اف‬
‫يعود على نفسه منهارا بقوة الجاذبية‪ ،‬اك كاف ممكن اف يتمدد بشكل اسرع فيتشتت فينتهي كل شيء كلن يكوف‬
‫فيه كوف ‪ ..‬لكن فيه توازف بين التمدد كبين االنجذاب كاالنكماش‪ ،‬هذا التوازف بلغ من الرهافة كالدقة بحيث انه لو‬
‫زاد اك نقص بقدر يساكم عشرة ايس ‪ 60‬لما كيجً ىد الكوف !! يقوؿ علماء الفيزياء‪ :‬سنمثل لهذا بتمثيل محدد‪ :‬دقة هذا‬
‫التوازف = اصابة هدؼ هبارة عن بوصة مربع موجودة في اقصى حدكد الكوف !! يعني على بيعد تقريبا اربعة عشر‬
‫بليوف سنة ضوئية‪ ..‬غير معقوؿ اذا كضعنا الهدؼ على بعد مئتين متر‪ ..‬لن تجد قناصا يصيبه!‪ ..‬كيضربة كاحػػػػدة‬
‫فقط‪ ،‬شيء اليصدؽ‪ ..‬شيء يقشعر له الاقوؿ البدف ‪ ..‬بل يقشعر له القلب كاهلل العظيم!‪ ..‬عندما يقولوف لك‪:‬‬
‫الصدفة‪ ..‬باالنتخاب الكيمياكم‪ ..‬ماهذا االنتحار العلمي ؟! كطبعا قبل ذلك كاف االنتحار العقلي ‪ ..‬معركؼ ‪ ..‬لماذا‬
‫تنتحركف؟ ماهذا الكىبر ؟! قرأت نصا لػ (كارؿ ماركس) في كتاباته المبكرة‪ ..‬شيء اليصدؽ‪ ،‬الرجل لم يقدـ أم مبرر‬
‫فلسفي‪ ،‬قدٌ ىـ ىعتىهان نفسيا‪ ،‬كبرا كعنجهية كعجرفة‪ ،‬باختصار يقوؿ‪ " :‬انا ملحد‪ ،‬ك ادعوا الى االلحاد ألف االنساف يجب اف‬
‫ت نفسك؟ هل كلدت نفسك‬ ‫اليدين في كجودق اال لنفسه" رددت عليه في نفسي‪ :‬باهلل عليك؟ هل انت حمل ى‬
‫يعني؟ ك ربيت نفسك بنفسك؟ كأكجدت اللبن غذاءا لك بنفسك كحدؾ ؟‪..‬ما هذا الهبل؟!!! كيقولوف هذا‬
‫فيلسوؼ‪ ..‬يريد اف ينقذ البشرية!! ‪ ..‬هنا (ماركس) أحمػػػق‪ ،‬عندما تعاطف مع المساكين الفقراء فأنا احترمه لهذا‪،‬‬
‫لكن عندما يحكي هذا الهراء فأنا اسميه أحمػػػػق الحمقى ! قاؿ تعالى‪ ( :‬إف في صدكرهم إال كًبير ماهم ببالغيه فاستعذ‬
‫باهلل) غافر‪ .. 56،‬هؤالء بغباكاتهم يجعلونك تفهم القرآف معمقا !! فاهلل يعلم اين يجعل رسالته‪ ..‬في الحديث عن‬
‫محمد ابن جبير ابن مطعم‪- ،‬طبعا جبير اسلم رضواف اهلل عليه بعدما سمع هذق اآليات كليس قبلها‪،‬سمعها لما أتى‬
‫للمدينة يفاكض في أيسارل بدر‪ ،‬كبعد ذلك كتب اهلل له اإلسبلـ‪ ،‬كهذا ابنه محمد‪ -‬يقوؿ‪ :‬قاؿ ابي (جبير) ‪" :‬لما‬
‫سمعتي الرسوؿ يقرأ في المغرب بالطور ( اـ خيلًقوا من غير شيء أـ هم الخالقوف أـ خلقوا السماكات كاألرض بل‬
‫اليوقنوف أـ عندهم حزائن ربك أـ هم المسيطركف) كاد قلبي أف يطيػر!" كاد يموت خوفا‪ ،‬كليس (ماركس)‪ :‬حينما‬
‫قاؿ الأدين اال لنفسي‪ ،‬اليوجد أحد يقوؿ لي خلقتك!‪ ..‬اذف انت مشكلتك نفسية‪ ،‬نوع من الكبر ‪ ،‬كما في (دككنز)‬
‫رأيت فيه كبرا عجيبا‪ ،‬اليريد اف يخضع ألم شيء‪ ،‬غيرق من اخوانه من العلماء كاكبر منه باأللوؼ ك حملة نوبل يؤمنوف‬
‫بمنطف علمي قوم ايضا! ‪ .‬على فكرة‪ ،‬حتى دقة هذا التوازف العجيبة جدا جدا‪..‬كاحد على عشرة ايس ‪ 60‬كإال ذهب‬
‫الكوف ‪ ......‬أيػػػضا ال ييسلًٌموف لهػػا !‪ ،‬يقولوف‪ " :‬ممكن اف يكوف عندنا اكواف متعددة بشكل ال نهائي‪ ،‬كفي كوف‬
‫كاحد هذق الطٌلقة النارية اصابت هذا الربع(مربع الهدؼ)‪ ،‬سنشرح االف فسلسفة عميقة‪ ،‬ستسمعوا الشبهة‬
‫كستسمعوا الجواب‪ ،‬الفيلسوؼ الملحد ( جوف ليزلي ) يقوؿ‪" :‬عادم‪ ،‬المسألة ليست فيها اية اسرار‪ ،‬كال صعوبات‪،‬‬
‫المسألو توشك اف تكوف ذبابة على حائط‪ ،‬كقناص يضرب برصاصه‪ ،‬ثم ضربها‪ ...‬لدينا احتماالف‪ /1 :‬اف يكوف الذم‬
‫ضربها قناص ماهر‪ .‬اك ‪/2‬انه ليس بقناص إنما شخص هاكو يضرب عدة طلقات الى اف اصابت احدل تلك الطلقات‬

‫‪72‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫الذبابة !‪( .‬كنحن مثالنا يختلف في نوع الهدؼ ك بيعد الهدؼ كمن ضربة كاحدة ألف الكوف انفجر مرة كاحدة فقط‬
‫كليس بعدة انفجارات!‪ ،)..‬قاؿ هذق نظرية االكواف المتعددة‪ ،‬أم لدينا اكوف كثيرة متعددة المادة فيها عندها زمن‬
‫النهائي‪ ،‬كتتفاعل فيها من ببليين السنين من هنا كمن هناؾ‪ ،‬كفي كوف كاحد منها‪ ،‬فتراكبت المواد مع بعضها فكوٌف‬
‫لنا هذا الكوف الذم نعيشه !‪ ...‬بمعنى أنه ليس لك اف تشتق أم شيء يشي بحكمة اك بدقٌة اك بتصميم في حالة‬
‫فريدة‪ ،‬لكنهم قالو هذق الحالة ليست فريدة فبتجاربنا العقلية هذق كبقوة الخياؿ سنفترض انها توجد اكوف ال نهائية‪،‬‬
‫كحصل ماقلت لكم‪ ..‬اتعرفوف كيف سنجيب على هذق الشبهة ؟! سوؼ نرل ‪....‬‬
‫(بولكنق هور) هو الذم اجاب بإجابة ذكية جدا جدا‪ ...‬قاؿ‪ " :‬نحن النتحدث عن ذبابة زريٌة القيمة‪ ،‬ماذا لو بدال من‬
‫التحدث عن تلك الذبابة التي القيمة لها‪ ،‬بأف نتحدث عن مفتاح كهربائي يفتح كنزا من الكنوز لم ييرل مثليه‪ ،‬هذا الكنز‬
‫عالم بحياله‪ ،‬ييفتح بضرب هذا المفتاح الكهربائي عن بعد‪ "..‬فالذم حصل هل هو ذبابة انضربت اـ مفتاح للكنز؟ هو‬
‫المفتاح للكنز‪ .‬فالذم حصل ليس عندما انفجر الكوف اعتدؿ بطريقة عادية‪ ،‬كليس فقط اتٌزف كاعتدؿ‪ ..‬الال‪ ،‬بل ايضا‬
‫نشأت الحياة بل حيوات‪ ،‬كجاء عندنا كائن اسمه اإلنساف بذكاء عجيب كياقات مدهشة محيٌرة تبحػػػػػث في هذق‬
‫القضايا كمن جميع الزكايا‪ ،‬كتضع كل االحتماالت‪ ،‬ففرؽ كبير بين رصاصة تضرب ذبابة زريٌة كبين ضربة مفتاحا لكنز‬
‫!! ‪..‬في حالة الذبابة ممكن اف نستميل الى فكرة الصدفة‪ ..‬لكن في حالة المفتاح نقوؿ ال‪ ،‬البد من خطة‪ ،‬ألنه لدينا‬
‫كنز مرصود‪ ،‬يوجد خارطة‪ ،‬فيبدك اف الذم ضرب المفتاح هذا عندق فكرة عن عالم الكنوز هذا‪ ....‬علينا اف ننتبه جيدا‪..‬‬
‫امثلة خطيرة على ألسنة علماء ‪ ..‬ك إكماال لمقولة (ستيفن كايد بيرؽ) يقوؿ‪ ":‬من ناحية فلسفية انا أجد جاذبية‬
‫اكثر في نظرية الحالة المستقرٌة اكثر من اية نظرية اخرل " كنظرية االنفجار الكبير‪ ..‬يكرهوف هذق النظرية كثيرا‪ ،‬ألنه‬
‫اليتخيل نفسه متورطا في حكاية بداية الكوف‪ ..‬لكن االنفجار الكبير له بداية رغما عنك‪ ،‬كبداية من عىدىـ ايضا ! ‪...‬‬
‫كهذا ييزعجهم جدا جدا‪ ..‬لكن الحالة المستقرة الكوف أزلي ك أبدم‪ ،‬كفي كل اللحظات اليتغير ك متجانس كفيه تخليق‪.‬‬
‫لكن على فكرة‪ ،‬حتى هذق النظرية (ستيفن كايد بيرؽ)هنا يقوـ بعمل تفضيبلت بين نظريات علمية على اسس‬
‫اعتقادية كفلسفية ك آيدلوجية‪ ،‬هو يحب اف يلحد‪ ،‬يرفض أم شيء يأتيه بإسم اهلل اليريدق‪ ،‬فػػ عندنا نظريتين ‪:‬‬
‫نظرية علمية محترمة تقودؾ لئليماف‬
‫كنظرية ترفض اال اف تلحد ك تنكًر‬
‫عجيب كيف للعلماء اف يقعوا في هذق التفضيبلت العقائدية كاآليدلوجية‪ ،‬فبل تعتقدكا اف العالًم هو مىلىك العًلم منزٌق‬
‫بالكامل‪ ..‬فالعالم في نهاية المطاؼ بشر ك يعيش ضمن سياؽ اجتماعي حضارم كثقافي معين ‪..‬صحيح ؟! كما يكذب‬
‫علينا من يقوؿ أف العلم في العالم كله كاحد الثقافات مختلفة ‪ ..‬غير صحيح‪ ،‬هذا كبلـ لم يدرسوا حتى فلسفة العلم‪،‬‬
‫كما اف العلم ليس كاحد‪ ..‬الفيزياء في الياباف ليست كالفيزياء في امريكا ايضا ‪ ..‬فما رأيكم ؟! مع اف المبامء شبه‬
‫كاحدة‪ ،‬لكن التضمينات تختلف تماما ‪ !..‬ككذلك علم األحياء يختلف ‪..‬‬

‫نكتفي هذق الليلة على اف نكمل في الحلقة المقبلة اف شاءاهلل‬


‫شكر اهلل لكم كالسبلـ عليكم ك رحمة اهلل تعالى كبركاته‬

‫‪73‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫الحلقة الحادية عشر برهاف النظم‪6‬‬

‫بسم اهلل كالحمد هلل كالصبلة كالسبلـ على رسوؿ اهلل كعلى آله كصحبه كمن كاالق‬
‫سبحانك العلم لنا اال ماعلمتنا انك انت العليم الحكيم‪ ،‬اللهم علمنا بما ينفعنا‪ ،‬كنفعنا بما علمتنا ك زدنا علما ‪.........‬‬
‫إخواني أخواتي السبلـ عليكم كرحمة اهلل كبركاته ‪،‬‬
‫كقفنا في الحلقة السابقة عند التطور الكيمياكم‪ ،‬كفي الحقيقة المعنى لمصطلح التطور الكيمياكم كال التطور الفيزيائي‪،‬‬
‫التطور الذم نتقبله من حيث االصل هو التطور الحيوم ‪ ..‬كلذلك لديهم مصطلح آخر ‪ " :‬االنتخاب الطبيعي قبل‬
‫البيولوجي"‪ ،‬مصطلح يبدك انه مخيفا‪ .!..‬النفهم هذا!‪ ،‬انتم لم تقدموا لنا أم صيغة لئلنتخاب الطبيعي تيفهىم خارج حدكد‬
‫الحيوم‪ ،‬كغير معقوؿ كال ييفهم بأم طريقة‪ ،‬يعني عدنا الى معضلة "الدجاجة قبل أـ البيضة"! بالمناسبة على ذكر هذق‬
‫المفارقة اف احد العلماء األلماف – نسيت اسمه‪ -‬اعتقد انه حائز على جائزة نوبل اقترح مازحا‪ :‬اف ييعطى ارسطو جائزة‬
‫نوبل للوراثة‪ ،‬لماذا؟ قاؿ‪ :‬ألف ارسطو في معلوماته العلمية قدٌـى لنا صورة مبسطة كحقق بها سىبقنا على العلماء‬
‫المحدثين حين قاؿ‪" :‬المعلومة في البداية" أم المعلومات اكال ‪ ،‬يمعنى اف البيضة قبل الدجاجة‪ .‬علم الوراثة يقوـ على‬
‫هذق الفكرة‪ ،‬المعلومة اكال‪ ،‬معنى المعلومة‪ :‬المخطط‪ ،‬الخطة‪ ،‬التصميػػػم‪ ...‬اليمكن اف تنجز البنية من غير خطة !‬
‫الخطة اين نجدها؟ نجدها في الشيفرة ‪ DNA‬خطة متكاملة كاملة‪،‬لكي يهربوا من هذق االلتزامات كقعوا في‬
‫المفارقة!‪ ..‬كسبب هذا التشابه بين مصطلحهم الجديد كبين مفارقة "الدجاجة قبل أـ البيضة" باختصار‪ :‬الشيفرة‬
‫الوراثية ‪ DNA‬لكي تعمل نحتاج الى انزيمات‪ ،‬كاالنزيمات هي نوع من البركتين‪ ،‬كلكي نبني بركتين نحتاج الى شيفرة‬
‫كراثية‪ ،‬ها نحن ندكر في حلقة مفرغة ! من اين بدأت العملية؟!‪..‬كهذا ليس تساؤلي‪ ،‬انما تساؤؿ علماء االحياء كعلماء‬
‫الوراثة‪ ،‬كهذا التحدم الذم ريفًع في كجه المبلحدة كالتطوريين‪...‬‬
‫لذلكم قالو هيا نهرب الى فرضية جديدة‪ ...‬فرضية الػ ‪ RNA‬اكال‪ ،‬كيقصدكف بها أف الكائنات بدأت بسيطة جدا‬
‫شيفرتها الوراثية ليست محمولة في الحمض النوكم‪ DNA‬ال‪ ،‬بل محمولة في الحمض النوكم ‪ RNA‬هو اكثر بساطة‪،‬‬
‫كبعد ذلك تم – بمحض الصدفة ايضا‪ -‬أف سلسلة ‪ RNA‬كجدت سلسلة ‪ RNA‬اخرل مبلئمة لها ( انتم تعرفوف‬
‫في الػ ‪ RNA‬انه بدؿ الثايمين يوجد يوراسيل‪ ،‬كهذا لن يتعرضوا له‪ ،‬كسنغض الطرؼ عنها) فظي ًفرىت هذق السلسلة‬
‫بتلك فتكوٌف لدينا الػ ‪ ... ! DNA‬هكذا‪ ،‬كضربة ساحر‪..‬ليس لديهم تفسير علمي! بل افتراض سخيف جدا كباهت‪،‬‬
‫كال عليه أم دليل‪ ،‬مجرد هركب من إلزامات محددة‪.‬‬
‫حسنا اكؿ تحدم‪ ...‬كيف تكوٌف الػ ‪ RNA‬نفسه اصبل ؟!! كهو مكوٌف بحسب تتابع محدد‪ ،‬منتظم كمعقد‪ ،‬فكيف‬
‫نشأ بالصدفة ؟ ‪...‬ام مسألة حيوية هي بحث في المعقد‪ ،‬كقد نقلت لكم عن (ريتشارد دككنز) في الفصل االكؿ من‬
‫كتابه أف علم األحياء (تعريفه)‪] :‬هو العلم المعني بدراسة المنظومات المعقدة التػػػػي تشي بطابع من التصميم[ اعترؼ‬
‫‪74‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬
‫بذلك‪ ،‬لكن نحن نقوؿ اف هذا التصميم يعود الى ذكاء أك عقل(بلغتهم التي يفهموها) مثل ماقاؿ (نيوتن)‪] :‬ال نقدر‬
‫اف نقوؿ أف اإلله هو ركح الكوف‪ ،‬بل هو مػػػآلك الكوف ك لكل شيء[ طبعا بمعنى عندما تقوؿ اف اهلل هو ركح الكوف‬
‫= أم أنه ييعادًؿ الكوف ليس اكبر منه كال اصغر من الكوف‪ ،‬بمعنى في األخير اف اهلل هو الكوف نفسه‪ ،‬دخلنا في‬
‫نظرية كحدكية‪ ،‬أم انه الداعي للبحث عن اهلل كػػذكاء كػػعقل كقصد كإرادة كمعنى خارج الوجود هذا الحسي المادم‪..‬‬
‫(نيوتن) رفض هذق النظرية كقاؿ انا اؤمن باهلل الذم ايعديٌق مالكا للكوف كلكػػػػػل شيء‪ ..‬كيعني هذا من الناحية‬
‫الفلسفية ‪ :‬أف اهلل اكبر من الكوف‪ ،‬كاكبر من كل شيء‪ ،‬كبالتالي اكثر (اف جاز التعبير) ذكاءا كعقبل‪ ،‬ك كعيا مما حتى‬
‫ترصدق في الكوف‪ ،‬كهذا صحيح ألنك سترصد في الكوف عقبل ك كعيا كقصدا !‪ .‬كعلى فكرة‪ ،‬اهلل خلقنا‪ ..‬كهذق هي‬
‫معنى النصوص الدينية سواء عند اليهود أك عند المسلمين اك حتى عند النصارل‪ ،‬أف اهلل خلق االنساف على صورة الرب‪..‬‬
‫ليس المقصود معناق بالشكل ‪ ..‬ال‪ ،‬بل يقصدكف بالصورة أم على الصفة‪ ،‬كليس كصفات الجبركت مثبل ‪ ..‬الخ‪ ..‬ال‪،‬‬
‫بل اكثر صفة مرادة اتعرفوف ماهي؟ انها صفة الفىهٍػػػػػػم‪ .‬كهذا ظل العلماء يبلحظونه الى اليوـ بمن فيهم (تشارلز‬
‫داركين) الذم قاؿ في نصه الذم بعثه لػ (قرام)‪ " :‬عندق ذكاء كالذم لنا نسبيا"‪ ،‬ك إلى اليوـ علماء الفيزياء ايضا‬
‫يتحدثوف بنفس المنطق‪( ...‬هوكنق) قبل اف ييعلن الحادق ماذا قاؿ؟ قاؿ‪"] :‬اهلل في نهاية المطاؼ كما نفهمه هو‬
‫ماييعادؿ هذق النظم الرياضية التي نفهم بها الوجود"[‪ ،‬ككاف (آينشتاين) يقوؿ‪"] :‬أحب اف اصل اف اعرؼ كيف خلق‬
‫اهلل الكوف‪ ،‬أحب اف اعرؼ افكار اهلل"[‪ ،‬كهذا ممكن جدا‪ ،‬ألف اهلل خلق كونا يشي بكثير من صفاته‪ ،‬كهو البرهاف‬
‫اآليوم‪ .. ( :‬إف في ذلك آليات ‪ )..‬كما يذكًر في القرآف الكريم‪ ،‬كمعنى اآلية‪ :‬أم هي العبلمة التي تدؿ على صاحبها‪،‬‬
‫فالكوف يدؿ على صانعه‪ .‬كهل لدينا القدرة كاللياقة ألف نفهم هذا؟ نعم نحن نفعل هذا ! كالعجيب جد جدا –كهذا‬
‫لن ييفسٌر اال بعد اف نفهم‪ -‬اننا منذ كقت طويل جدا مخلوقوف بذكاء اكثر بكثير مما نحتاجه للبقاء‪ ،‬لماذا هذا‬
‫الذكاء؟!‪ ..‬كهذا كرٌط الدراكنة فذهبوا يحيكوف حيلة جديدة هي‪( :‬التكيف الميسبىق) ‪ ..‬اس هم اعطىوٍنا اياق كلم ييفسر‬
‫شيئا‪ ،‬عند الدراكنة هذق النظرية (التكيف الميسبىق) يتكلم فيها نشوء الذكاء االنساني العجيب الذم هو ابعد بكثير من‬
‫حاجات البقاء‪ ،‬ألف اهلل خلق اإلنساف لكي يعرفه‪ ،‬كهذا هو المبدأ اإلنساني!‪( ،‬إال ليعبدكف ) (إال ليعرفوف)‪ ،‬هو أراد‬
‫ذلك ال اله اال هو‪ ،‬كهيأ الكوف بحيث جعله قاببل ألف ييعرىؼ‪ ..‬كلمة (آينشتاين)‪"] :‬أكثر األشياء غير قابلة للفهم هو‬
‫أف الكوف قابل للفهم"[‪ ،‬قاؿ هذا ميحيًٌرقي‪ ،‬لكنه ليس محيرا لنا‪ ،‬اذا سلٌمنا باهلل تبارؾ كتعالى‪ ،‬اذا كافقنا على فرضية‬
‫فى األمور تيحىل !‪ .‬اهلل خلق الكوف بنظاـ معين‪ ،‬الكوف كما قاؿ (السًٌير جيمس) في ‪" :‬هذا الكوف اقرب الى اف‬ ‫اهلل‪ ،‬أ ٌ‬
‫يكوف فكرة منه الى اف يكوف آلة" انتهى التفسير الميكانيكي‪ ،‬نحن اليوـ في فيزياء آخرل في فىلىك آخر‪ ،‬قاؿ هذا فكرة‪،‬‬
‫عالم من المعقولية‪ ،‬هذا الكوف عالم من العقل‪ ..‬كأنت عقل‪ ،‬اذف يمكن اف يتناظراف‪ ،‬كأف يتراسبل‪ ..‬كهذا الذم يبرر‬
‫نجاحاتنا العلمية‪ ،‬اآلف نحن نفهم الكوف ك نس ٌخًريق فعبل ال اله اال اهلل‪ ..‬كيف يتم هذا؟! كهذا ما حىيٌر (آينشتاين)‪.‬‬
‫لنعود كنرل كيف اف سلسلة الػ ‪ RNA‬هذق بتتابع مطلوب منظم دقيق‪ ،‬كيف تم اختبارها اصبل‪ ،‬لماذا تبقى؟ نفس‬
‫ؼ انه‬
‫التساؤؿ على الػ ‪DNA‬الذم هربوا منه!‪ ..‬كيف تم انتخاب الػ ‪ RNA‬هذا بالتتابع المطلوب؟! من عر ى‬
‫مطلوب؟! مالعمعيار الذم استند اليه االنتخاب الكيمياكم االنتخاب ماقبل الطبيعي ‪..‬سمٌه ماشئت‪،‬ال‬
‫يهمنا‪..‬انتخاب ‪ x‬لكي يستبقي بالذات هذا الجزمء‪ ..‬لماذا ؟؟ الجزمء غير موجود في منظومة‪ ،‬صحيح؟! كالحػػاؿ أنه‬
‫ييشفًٌر لخدمة منظػػػػومة!‪ ،‬اين هذق المنظومة؟ ليست مخلوقة غير موجودة‪..‬مالذم اختارق هذا؟ من الذم استبقاق اذف؟‬
‫اعدتونا الى مربع اإلله رغما عنكم ك عنٌا‪ ،‬اك الى مربع هذق القوة الذكية المسيطرة على الكوف‪ ،‬لكن االنتخاب االعمى‬
‫اليستطيع‪ ،‬اتعرفوف لماذا؟ ألنه اليوجد تكيف هنا!‪ ،‬اليوجد نجاح بالمعيار االنتخابي‪ ،‬انتبهوا‪ ...‬يجب اف نفهم هذا‬
‫الفكرة جيدا لكي نستطيع اف نحاجج بها‪..‬‬
‫بعد ذلك تورطوا في خطوة اعمق ‪ ..‬قالوا‪ :‬بالصدفة التقت هذق السلسلة بسلسلة اخرل ‪ RNA‬كبتتابع منظٌم‬
‫(بالصدفة)!!يعني الصدفة فسرت التعالق بينهما! الذم سيجعلهما يكوناف جزمء الػ ‪ ..DNA‬المطلوب‪ ،‬المادة‬

‫‪75‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫الوراثية السحرية هذق ‪ ...‬كل هذا كبلـ فارغ ‪ ،‬لذلك سنرل (ريتشارد دككنز) كيف يفر في األخير الى النجوـ‬
‫كالكواكب البعيدة‪ ،‬حيث قاؿ ممكن اف يكوف تخلٌق كل هذا خارجا كجاء الى هنا‪ ..‬أنت لم تفعل شيء‪ ،‬طوٌلت على‬
‫نفسك الطريق‪ ،‬كسيعود السؤاؿ نفسه‪ :‬ككيف تم تخليق الحياة هناؾ ؟!‪ ..‬فكٌر أنه رمى فكرته بعيدا كانتهى‪،‬‬
‫كاقبلوها سحريا‪ ..‬ال‪ ،‬لن ننقبل اف ننتحر عقليا‪ ،‬ليس ألننا مؤمنين ككذا‪ ...‬ال‪ ،‬بل ألننا عقبلء‪ ،‬النريد اف ييغتاؿ عقلنا‬
‫كذكاؤنا‪ ،‬اجمل كأثمن مالدينا هو العقػػل‪..‬أليس كذلك؟! أتحسٌر على نفسي كإنساف‪ ..‬فكل الحيوانات تتفوؽ عليٌ فيما‬
‫عدا عقلي هذا ‪..‬فلن اقبل اف تيلقى فيه أية افكار كتحليبلت‪ ،‬الاريد اف ييلقى به إال مايليق بعقلي‪ ،‬ميزتي كإنساف‬
‫‪...‬العقػػل‪ .‬كيالؤلسف‪ ،‬معظم عباد اهلل معطٌلين عقولهم! يعيركنه‪ ،‬يقولوف‪ :‬أعرتيك عقلي‪ ،‬فكٌر به ثم اعًد يق لي‪ !...‬بهذق‬
‫الحالة يصبح اإلنساف أدنى من األنعػػػػاـ‪ ،‬ألنها ارقى من االنساف في كل شيء بمختلف ميزات كل منها‪ ،‬إال في العقل‪،‬‬
‫فإذا عطٌله االنساف‪ ...‬فقد ضاع!‬
‫جزمء الػ ‪ RNA‬جزمء غير مستقر‪ ،‬معركؼ ‪ ..‬كأقول جزمء هو جزمء الػ ‪ DNA‬هذا‪ ..‬مستقر جدا جدا ك قوم بعكس‬
‫جزمء الػ ‪ RNA‬جزمء ضعيف غير مستقر‪ ،‬في الفترة الذين هم يتحدثوف عنها هذا قبل مليار سنة‪ ،‬ألنه بالطريقة‬
‫عندهم اف الحياة نشأت بعد ثبلثة مليار ك سبعمئة مليوف سنة‪ ،‬فقبل مليار سنة كانت بيئة االرض هذق عواصف ك‬
‫شركط اليمكن اف تعمل على استقرار هذا الجزمء‪ ،‬كانت تهلكه مباشرةن‪ ..‬فكيف استقر؟! ليس لديهم اية اجابة‪..‬‬
‫كاحفظ مني هذا المثاؿ الذم ضربه على ما اعتقد (جوف سيل)عالم كبير كفيلسوؼ‪ ،‬عندق دارسات في علم المخ‬
‫كاالعصاب‪ ،‬يعني تتفق معه كفيلسوؼ اصيل‪ ،‬يقوؿ‪" :‬لنفترض أف سجينا يقبع في غرفة العبلقة له بالخارج‪ ،‬كليست‬
‫سرًٌب اليه‬ ‫سرًٌبت اليه اكراؽ‪ ،‬كفيها رموز ال يعرفها غير مفهومة‪ ،‬ثم ي‬
‫لديه اية كسائل اتصاؿ بالخارج‪ ،‬من نافذة صغيرة ي‬
‫ك تلك الرموز ككتب معانيها‪ ،‬في األخير ظهرت عندنا معادالت دقيقة‬ ‫مايفك الرمز األكؿ‪ ،‬كالرمز الثاني كالذم يليه‪ ،‬أم ف ٌ‬
‫ل له‪ :‬اتعرؼ ماهذق الرموز (الرياضية اك االلغوية)؟ هذق باللغة الصينية‪ .‬لقد طبىٌق‬ ‫تصف حالة معينة‪ ،‬بعد ذلك قي ى‬
‫اللغة الصينية كاستفاد منها دكف أف يكوف لديه أم إلماـ باللغة الصينية!‪ ،‬كيف تمت هذق االعجوبة؟! ليس اعتمادا‬
‫عليه‪ ،‬بل اعتمادا على خارج السجن‪ ..‬الذم اعطاق هذق األمور‪ ،‬كاعطاق مفاتيحها‪ ،‬مىن في خارج السجن هو الذم يعرؼ‬
‫دالالت هذق الرموز ‪ ...‬طبعا (جوف سيل) ضرب هذا المثل للحاسوب‪ ،‬لكي يقوؿ لك مهما بلغ الحاسوب من قدرات‪،‬‬
‫لن يكوف في ذكاء البشر‪ ،‬اذف ابحث عن المبرمج‪ ،‬ال تبحث عن البرنامج‪ ،‬الحاسوب حتى اليفهم برنامجه!‪.‬‬
‫(هالدين) كتب مرة يقوؿ‪" :‬لو كنا فعبل مجرد عالم من المادة‪ ،‬كبالتالي تفكيرنا كاف تفكيرا ماديا ‪ ..‬كصحىٌت النظرية‬
‫المادية‪ ،‬لما استطعنا اف نعرؼ انها كذلك!" فإذا كل شيء مادم كالتفكير ايضا ماديا‪ ،‬كنتاجه المادة‪ ،‬كمجرد نبضات‬
‫كهرككيماكية ‪-‬كما يقوؿ علماء االعصاب االختزاليوف التحجيميوف‪ -‬معناها اليمكن للكيمياء اف تفسر إال الكيمياء‬
‫كانتهينا‪ ...‬لن تفهم‪ ،‬اذف يجب اف يكوف شيء اعلى من الكيمياء هو الذم يفسرلك العقل كالذكاء‪ ،‬كالحس الجمالي‪،‬‬
‫كالحس الديني‪ ،‬كالحس الفلسفي ‪ ..‬كهنا نفس الشيء‪ ،‬لو كنا نحن مجرد مادة مثل الحاسوب فهو عبارة عن مادة‪،‬‬
‫اليفهم برنامجه اصبل ‪ ..‬تماما كسجين الزنزانة‪ ،‬نقدٌـ له لغة هو اليفهمها‪ ،‬نحن الذين نفهمها ‪ ..‬لكنه يطبٌقها صحيحة‬
‫دكف فهمه لها!‪ ..‬فبل تسأؿ عن البرنامج كال عن المبىرمىج‪ ،‬بل اسأؿ عن المبىرمًج ‪ ..‬كعلى اساس برمىجه كماهي خطة‬
‫البرمجة؟! ‪ ..‬فػػنحن بحثنا عن اهلل هػػػػػػكذا‪ ،‬في نهاية المطاؼ بحثنا عن الخطة‪ ،‬كعن اللغة الفوؽ كونية‪ ،‬كعن هذا‬
‫المبرمًج المصمم الذم ال اله اال هو‪ .‬اما البحث عنه من داخل الغرفة فصعب‪ ،‬مستحيل لن نستطيع اف نبحث عنه‬
‫كنجدق‪ ،‬لذلك كما ذكرت لكم‪ ..‬قاؿ لك في النهاية األسئلة النهائية تقودؾ الى الميتافيزيقا‪ ..‬رغما عنك‪..‬‬
‫كهنا السؤاؿ‪ :‬هل نحن مؤهلين لهذا ؟!‬
‫كل اعداء برهاف التصميم اجابوا بػػ ال‪ ،‬لسنا مؤهلين‪ .‬كيتورطوف في انتحار عقلي كعلمي‪ ..‬فيقولوف‪ :‬من قاؿ لنا اصبل اف‬
‫هذا نظم ؟ ينكركف حتى معقولية الكوف !‪( ..‬آينشتاين) كاف اذكى منهم‪ ..‬كاف متشبٌثا آلخر لحظة بمعقولية الكوف‪..‬‬
‫سأضرب لكم مقبوستين منه‪ :‬في قصة فػر ٌدى عليه (مًلزبور)‪" :‬ال تخبر اهلل كيف ينبغي اف ييدير كونه"‪ ..‬كبلـ (مًلزبور)‬

‫‪76‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫في نظرم الى حد معين صحيح‪ ،‬ثم بعد ذلك يسقط !‪ ..‬فالمفركض اف تكوف كظيفة العالم اف يقرأ الكوف أف يدرس‬
‫الكوف بتجرد من غير تحيٌز من غير احكاـ مسبقة‪ ،‬بعد ذلك مايتحصٌل عليه ييعرًب عنه ‪..‬ال أف يتسبق االحكاـ دكف علم‬
‫اك دراسة‪ ،‬في النهاية كيصبح كبلـ (آينشتاين) اقول بقليل منه‪..‬‬
‫كالقصة األخرل عندما (جيسي ميلر) قاس ألكؿ مرة تدفقا غير صفرم لؤلثير – ككانت هذق صاعقة‪ -‬طبعا تجربة‬
‫مايكسوف ك مورلي كالنظرية النسبية العامة اثبتت انه اليوجد شيء اسمه أثير‪ ،‬األثير هذق اسطورة انتهت‪..‬الوسط‬
‫المفركض التي كانت تنتقل فيه الموجات الكهركمغناطيسية بما فيها الضوء المرئي‪ ،‬ككل الموجات ‪ ..‬فػ (جيسي ميلر)‬
‫قاس كتجربة اعطت تدفقا غير صفرم لؤلثير‪ ،‬فقيل لػ (آينشتاين) اتفضل هذق النتائج الجديدة‪ ..‬فالنظرية النسبية‬
‫العامة على المحك‪ ..‬فر ٌدى (آينشتاين) بكل ثقة غير عابئا‪" :‬قدرة اهلل خفية نعم‪ ،‬لكنها ليست شريرة‪ ،‬نظريتي‬
‫صحيحة" في األخير نظرية (آينشتاين) تجاكزت المحنة ك أثبتت صحتها ‪ ..‬معػػنى هذا الكبلـ أف (آينشتاين) متشبٌثا‬
‫بمعقولية الكوف‪ ،‬الكوف يمكن اف ييقرأ رياضيا‪ ،‬كإذا فهمته رياضيا بشكل دقيق فأنت فهمته‪ ..‬كعلى فكرة‪ ،‬مقولة‬
‫اصلها كجذرها من (ديكارت) الذم كاف يقوؿ‪" :‬اهلل ليس مخادعا‪ ،‬اهلل ليس من غرضه اف يضللنا‪ ،‬كلن يسمح‬
‫لشيطاف اف يضللنا ايضا"‪.‬‬
‫نعود لمثاؿ السجين كالحاسوب كالذكاء االنساني‪ ..‬األهم كاألكثر حساسية في الػ ‪ RNA‬هي أصل كمصدر المعلومات‬
‫التي تم تشفيرها بطريقة معينة كمحددة ‪ ..‬كما لو كجدت مجموعة حجارة مشكٌلة على هيئة معينة أم شفٌرت لنا‬
‫معلومة توحي لنا عن كجود مىن قاـ بذلك‪ ،‬ليس المهم اآلف الشكل‪ ..‬بل مىن الذم شكٌل هذا الشكل‪ ،‬كماقصدق من‬
‫تشكيله على هذق الهيئة‪ ،‬فعندما نجد نظاما من التشفير كمايحدث هو اهم من هذا‪ ،‬ك دكف ذلك كقبل ذلك ‪..‬‬
‫اساس كمصدر المعلومة‪ ،‬كقد يتساءؿ احدهم‪ :‬لمى نفترض اف لها مصدر؟ ألنها ليست معلومة مفردة‪ ،‬بل معلومة‬
‫مركبة جدا جدا‪ ،‬تشفٌر لنا امورا كثيرة‪ ،‬كهذق االمور متناسقة نظاميا بين بعضها البعض ‪ ..‬بمصطلحنا المعركؼ انها‬
‫تيشفًٌر منظوميا ! ‪ ..‬فأنا سؤالي هو‪ :‬عن مصدر المعلومات التي تم تشفيرها في الػ ‪ RNA‬من أين ؟! كليس عن‬
‫عملية التشفير نفسه كيف تمت ‪...‬اتعرفوف لماذا ؟ ألف قبل ما "الصدفة" ماتنتخب الػ ‪ ..RNA‬المعلومة موجودة !‬
‫ل ‪ ..‬هذا الذم قاله (سموت)‪" :‬كأنك تكشط‬ ‫اذف الذكػػاء أكال‪ ،‬القصد اكال ‪ ...‬هنػػػا نحن نواجه اللػػه عٌز ك ج ٌ‬
‫الطبقات عن كجه الرٌب !" ‪ .‬هذا كله يتغاضى عنه الدراكنة كالمبلحدة ككأف المسألة سهلة‪ ،‬لذلك عالم األحياء‬
‫المكسيكي (انطونيو الزكانو) عضو في ناسا‪ ،‬كقد ترأس (اعظم منظمة في العالم) لدكرتين‪ ،‬له عبارة جميلة‪" :‬كما أف‬
‫الوجود ضيف جديد تماما على العدـ‪ ،‬فالحياة ضيف جديد تماما على الوجػػػػود‪ ".‬بمعنى‪ :‬لن تستطيع اف تفسر نشأة‬
‫الكوف بدكف افتراض يمضىيًٌف هو اهلل تبارؾ كتعالى‪ ..‬اخرج هذا الكوف من العدـ الى الوجود ‪ ،،‬كلن تستطيػػع اف تفسر‬
‫نشأة الحياة بغير معطي الحياة الذم خلق الحياة كالموت الذم ال اله اال هو‪ ..‬لن تقدر ‪ ،‬اذهب ك حاكؿ‪ ،‬انتحر عقليا ‪..‬‬
‫لن تستطيع‪ .‬فهم كلما امعنوا خطوة اكثر‪ ،‬فقد خدمونا مزيد خدمة‪.‬‬
‫األمور كاضحة بفضل اهلل عز كجل‪ ،‬نساؿ اهلل اف يحفظ علينا ايماننا ‪ ..‬هديتي كنصيحتي لكل اخ ملحد‪ :‬بكل تواضع‬
‫ارفع يديك كقل يارب اف كنت موجودا فاهدني إليك‪ ،‬ككن صادقا‪ ..‬إياؾ اف تخوض معركة مع عدناف ابراهيم كغير‬
‫عدناف ابراهيم‪ ..‬فأنت من سيخسر‪ ..‬ستخسر ركحك كتخسر مصيرؾ االبدم‪ ،‬اياؾ اف تلعب‪ ..‬هذق القضية بالذات‬
‫ليس فيها لعب‪ ،‬ككن متواضع تواضع علماء الغرب الكبار‪ ،‬الذم عدد منهم البأس به عادكا الى االيماف بكل تواضع‪.‬‬
‫كما كعدتكم سأقرأ عليكم ماكتبه (تشارلز داركين) الى (آرسا جرين) العالم النباتي الكبير ‪" :‬إف عقلي يقضي بأنه من‬
‫الصعب جدا‪ ،‬بل من األحرل من المستحيل تصور هذا الكوف الهائل المعجًب‪ ،‬بما في ذلك اإلنساف ذم القابلية على‬
‫تقدير مصالحه‪..‬أف يكوف نتيجة الصدفة العمياء اك الضركرة البلزبة‪ ،‬من اجل هذا اجدني مضطرا الى النظر الى العلة‬
‫االكلى على انها تمتلك عقبل ذكيا ييشابه بمعنى مالدل عقل اإلنساف ‪ ،‬كبهذا استحق اف ايدعى مؤلٌها" كهذق مقولته‬
‫التدؿ على انه كافر‪ ،‬بل مؤمن مؤلٌه‪..‬‬

‫‪77‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫نأتي الى (دككنز) الذم ال يؤمن بهذا الكبلـ‪ ،‬كيأبى اال أف يأتي كل حين من قبعته بأرنب جديد‪ ..‬مصطلحات كاشياء‬
‫جديدة ‪ ..‬كػ (اإلنتقاء التراكمي)‪،‬ليس بضربة كاحدة فلو كاف كذلك فسيفشل‪ ...‬كلديه مثاؿ طريف ذكر يق في‬
‫كتابه‪ ،‬كفي برنامجه‪ ،‬قاؿ بالطريقة التي اقترحها صديقه (توماس هاكسلي) ‪ -‬شرحناها في الحلقات السابقة‪ -‬أنه يريد‬
‫اف يعيد النظر فيها‪ ..‬فلو احضرنا هذا القرد ليضرب على لوحة المفاتيح ضربا عشوائيا كم شئنا من الزماف‪ ،‬النتيجة في‬
‫األخير الشيء المعنى بالمطلق‪ ،‬كقاؿ ستكوف الكلمة التي ستتم عليها التجربة في مبرهنة القرد هي جملة (يبدك لي انه‬
‫ابن يعرٍس)‪ ،‬كعمل (دككنز) برنامجه في الحاسوب‪ ،‬في اعلى البرنامج كتب جملة‪( :‬يبدك لي انه ابن يعرٍس)‪ ،‬كفي السطر‬
‫الذم يليه كتب‪ :‬ماذا يفعل القرد هذا بالضربات العشوائية؟‪ ،‬كبعد ذلك يوجد لدينا قرد آخر يعمل على برنامج –صممه‬
‫(دككنز)‪ -‬يستخدـ اآللية الداركينية التي هي آلية االنتخاب الطبيعي التراكمي‪ ،‬كسنرل النتيجة‪ ..‬قاؿ هذا القرد يضرب‬
‫عشوائيا كالتظهر سول حركفا متتابعة على غير ذم معنى على االطبلؽ دكف اية نتيجة‪ ،‬قاؿ اف هذا ممكن اف تستغرؽ‬
‫التجربة – على ايامهم‪ -‬مدة كبيرة جدا ‪..‬على ما اذكر عشر أيس كاحد كأربعين محاكلة تقريبا‪ ،‬يعني عشرة آالؼ ثبلث‬
‫مرات التريليوف ! في احتماؿ كاحد من عشرة آالؼ التريليوف تريليوف تريليوف محاكلة‪ ..‬تخرج لنا محاكلة كاحدة ناجحة‬
‫لكتابة (يبدك لي انه ابن عرس)‪..‬صح االحتماؿ ملزـ ليس عدما‪ ..‬لكن ضعيف جدا جدا‪ ..‬عمر الكوف مستحيل اف يسمح‬
‫بهذا‪ ،‬فقاؿ (دككنز) سنرل على البرنامج الذم صممته‪ :‬يكتب القرد‪ ،‬لو أم كلمة اتى منها حرؼ كاحد يحتفظ بها‬
‫الحاسوب كتبقى في مكانها ال تيطرىد‪ ،‬كهكذا بقية األحرؼ ‪ ...‬فكل حرؼ ييكتب توضع ‪..‬فقاؿ بعد عدد يسير جدا من‬
‫كتًبىت‪ .‬كبالفعل طبق العملية ‪ ..‬يأتي احدهم كيقوؿ‪:‬‬ ‫المحاكالت‪ ..‬ربما بعد نصف ساعة‪..‬ثلث ساعة‪..‬نجد الجملة قد ي‬
‫لكن هذا غش كاضح جدا جدا‪ ..‬كعندما تقوؿ لي اف الكوف كيجًد باالنتخاب الطبيعي‪ ،‬ال انت مخطيء‪ ،‬فاإلنتخاب‬
‫الطبيعي ليس لديه خطة ميسبقة‪ ،‬كلمة السر في الموضوع كله هي الخطة الميسبقة‪( ..‬دككنز) نفسه كانت عندق‬
‫خطة ميسبقة‪ ،‬كاضحة في كتابته لعنواف التجربة (يبدك لي انه ابن عرس)!! كالبرنامج يعمل بالنظر الى الخطة‬
‫المسبقة‪..‬االنتخاب الطبيعي صحيح هو ليس عشوائيا‪ ..‬لكنه ليس لديه خطة ميسبقة اصبل! فكيف سيفسر لي‬
‫نظريتك عن االنتخاب الطبيعي التراكمي ظهور اشياء معقدة جدا جدا ال يمكن اال اف تكوف مخططة ليست عشوائية‬
‫هي‪ ..‬مثل الذكاء االنساني‪ ،‬بدليل انها تأتي كعلى طريقتك في االنتخاب تينتخب قبل اف يدعو البقاء الى انتخابها‬
‫‪..‬ليس لها عبلقة بالبقاء‪ ..‬النحتاجها بالمرة‪ ،‬لماذا موجودة؟! اذف هي ليست منتخبة‪ ..‬مخلوقة‪ ..‬مصمٌمة !‪ ..‬سنثبت‬
‫هذا الكبلـ علميا‪ ،‬كالتطوريوف يعرفونه كيعترفوف به‪ ،‬بالرغم من محاكالتهم ليس لديهم تفسيرا لذلك‪.‬‬
‫يعني االنتخاب الطبيعي مصطلح محترـ‪ ،‬كعندق قدرة تفسيرية عالية‪ ،‬يفسٌر اشياء كثيرة‪ ،‬لكنه اليفسر كل شيء‪..‬‬
‫بخبلؼ هذق المصطلحات الفارغة‪ ..‬عدناف ابراهيم يسميها (ريقىع النظرية التطورية)‪..‬‬
‫فقاؿ (دككنز)‪" :‬بالرغم من أنه هذا ييعتبر نموذجا جيدا الى حد ما للداركينية بإعتبار انها انتخاب تراكمي إال انه من‬
‫الناحية األخرل يتضمن بعض الغش‪ ،‬ألف هذا البرنامج يخطط للوصوؿ الى هدؼ مستقبلي‪ ،‬فهو على علم بالمستقبل >‪،‬‬
‫أما عملية التطور الحقيقية فإنها عمياء الترل المستقبل" اعترؼ (دككنز) كسكت‪..‬معتقدا اف فكرته قد نجحت‪ ..‬بل‬
‫على العكس‪ ،‬فػبعض الغش الذم تحدٌث عنه هذا ‪ ..‬قد دمٌػػر نظريته بالكامل !! لم يبقى لها معنى‪ .‬انا أؤمن باالنتخاب‬
‫الطبيعي في حدكد انه يستبقي االصلح في معركة البقاء اآلف بفي الشركط الراهنة‪ ،،‬لن يستطيع معرفة المستقبل‪ ،‬لن‬
‫يقدر على معرفة احتياجاتنا بعد مئة ألف سنة‪ ..‬كلذلك حدثتكم ربما في حلقة سابقة عن (ريتشارد دككنز) في لقاؤق‬
‫مع (بنشتاين) القانوني كاالعبلمي كالمعلق السياسي كاالقتصادم الشهير يهودم‪ ،‬قد اعترؼ بالتصميم‪ ،‬عندما سيئل عن‬
‫اصل الحياة‪ ،‬كهذا السؤاؿ الذم يحرجهم جدا‪ ،‬كعلى فكرة ‪ ..‬يوجد سؤاؿ اكثر احراجا لهم ‪ :‬كيف نشأ الكوف ؟! لذلك‬
‫الفيلسوؼ الشهير (ريتشارد سويمبًر) قاؿ‪" :‬على هؤالء التطوريين كالمبلحدة كالماديين عموما عليهم قبل اف ينخرطوا‬
‫في نقاش مسألة اصل الحياة ‪ -‬ألنهم يصوركف الكوف على انه مصنع كلديه آلية االنتخاب الطبيعي‪ ،‬بهذق اآلليات‬
‫الداركينية المصنع يصنٌع الحياة‪-‬عليهم اف يقولوا لنا كيف نشأ المصنع !"‪ ..‬القصة ليست في الخلية بل في الكػػػػػوف‪.‬‬

‫‪78‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫فيجب اف نرتب افكارنا نحن‪ ،‬كهم عليهم اف يرتبوا نظرياتهم كاطركحاتهم‪ ،‬كهذق القضية (نشأة الكوف) العبلقة لها‬
‫بعلم األحياء‪ ،‬عبلقتها بالكوزمولوجيا كهذا العلم ال ييسعًفيهم!‪..‬‬
‫ب حريق في عمارة‪ ،‬فجاؤا رجاؿ االطفاء ك اطفئوا الحريق‪ ،‬طبعا اكؿ‬ ‫هناؾ طيرفة عند علماء الفيزياء االمريكيين‪ :‬ش ٌ‬
‫شخص هرع الى المكاف هو المهندس كقدٌـ خرائط البناء‪ ،‬بعد اسبوع اتى الفيزيائي قدٌـ تقريرق فيزيائيا‪ ،‬بعد شهر اتى‬
‫الرياضياتي ذك الشعر المنكوش كقدٌـ تقريرق الرياضياتي قائبل‪ :‬انا بعد جهد جهيد كشغل ليل نهار‪..‬اثبت اف هذا‬
‫الحادث ممكن اف يقع‪ .‬فشكركق كما شكركا من قبله‪ ..‬كي نفهم اف الرياضيات حساس كخطير لكنه محدكد‪ ،‬في‬
‫األخير يجب النموذج الرياضي يبىرر بمبادمء اكثر صبلبة منه‪ ..‬دخلنػػا في معضلة (كورت قودًؿ) النمساكم‪.. ..‬‬
‫الرياضيات ال تخلق كقائع‪ ،‬لذلك البد اف تستند الى اسس دقيقة جدا عقبلنية كفلسفية‪ ،‬بعبارة قلتها قبل ذلك ك‬
‫اعيدها‪" :‬جذر العالىم الفيزيائي اليوجد في الفيزياء‪ ،،‬فضبل عن اف يوجد في اللغة التي تجترحها الفيزياء كهي لغة‬
‫الرياضيات ‪ ...‬انتبهوا‪ ،‬هذق اشارات اليفهمها الناس العاديين‪ ،‬ينخدعوا في اشياء معينة‪..‬‬
‫فلما سأؿ (بنشتاين) (دككنز) عن اصل الحياة من اين ؟‬
‫فأجابه‪" :‬أنا افترض اف اصل الحياة جزمء ذاتي االستنتساخ" ‪ ....‬لماذا فسر بػ ذتي االستنتساخ؟ لكي يهرب من‬
‫معضلة الدجاجة كالبيضة! فاستغفل الصحفي المسكين ‪..‬فلو كنت مكانه ألستوقفته لحظة‪ :‬ماذا تعني بجزمء ذاتي‬
‫االستنساخ ؟!! طبعا (بنشتاين) ليس عالما في األحياء كال في الفيزياء لهذا سكت عليها‪ ..‬لكنه في النهاية كرٌط يه ك‬
‫سجل عليه اصابة قاهرة‪ ..‬فػلكي ييستنسخ الجزمء يحتاج الى شيفرة‪ ،‬حسنا الشيفرة موجودة‪ ..‬لكي تعمل الشيفرة‪..‬‬
‫نحتاج الى انزيمات ‪ ..‬اإلنزيمات بركتينات‪ ،‬كالبركتينات لكي تيبنى فهي بحاجة الى الجزمء !! فهنا المعضلة مىن قبل مىن!‬
‫فقاؿ (دككنز) في نفسه‪ :‬سأعطيه اسما (اللعبة العظيمة في استعماؿ قوة الكلمات كالمسميات) ك اقوؿ له االجابة‬
‫بأنه جزمء ذاتي االستنساخ" ‪ > ...‬شيء عجيب كهو نوع من الكذب العلمي ياجماعة‪ ،‬شيء ليس له أم تفسير على‬
‫االطبلؽ كال حتى احتماؿ عندق‪ ،‬فيذهب كيعطي اسما من عندق‪ ،،‬كالسامع يىرهب هذق التسمية التي في حقيقتها ليس‬
‫في مضمونها أم تحليل ال منطقي كال حتى غير منطقي‪..‬ككأف هذق التسمية كيجًدىت‪ ..‬على فكرة‪( ،‬فركيد) احسن عالم‬
‫في القرف العشرين نبىٌه على خطورة هذق اللعبة‪ ،‬لكن في سياؽ آخر‪ ..‬في محاربة الخرافة كالسحر‪ ،‬قاؿ هذا نوع من‬
‫العيصاب يصيب األشخاص كيصيب األمم كالجماعات‪ ،‬االعتقاد بقدرة الكلمات على التكوين‪ ..‬على فكرة‪ ،‬هذق خاصية‬
‫هلل }إنىٌما أمري يق إذا أرا ىد شيئنا أف يقوؿى ىلهي كينٍفىيىكوف ‪ { 82‬يس‪ ،‬اهلل فقط الذم يقوؿ‪ :‬كن‪ ..‬فيكوف‪ ،‬ألف الذم يقوؿ‬
‫كن ‪ ..‬فيكوف الوحيد الذم عندق القدرة أف يشكٌل ك ييحدًث شيئا من ال شيء‪ ،‬شيء محير ك غير مفهوـ بالمرة ‪ ..‬هذا‬
‫رب العالمين ال اله اال هو ‪( .‬علي عزت بيقوفيتش) ‪-‬الفيلسوؼ االسبلمي الكبير‪ -‬كاف سؤاله ‪ :‬لماذا الشيء كاف‬
‫شيئا ؟! فالذم يستطيع اف يجعل الشيء شيئا‪ ،‬كأف يخلًٌق الشيء من الشيء ‪ ..‬طبػػػػعا ينفعل كل شيء بأمرًق بعد‬
‫ذلػػػػػك ! كهو قادر تبارؾ كتعالى اف يجعل االنساف كذلك‪..‬مثل ماعندهم اكامر تكوينية يجعل الشمس بمكانها‬
‫كاألرض تلف حولها باستمرار بطريقة كمحسوبة جدا جدا‪ ،‬لكن حمٌله اهلل االمانة‪ ،‬فمسؤليته على عاتقه‪ ،‬كهو الوحيد الذم‬
‫لديه خاصية االختيار اذا اراد اف يؤمن اك اراد اف يكفر‪ ،‬المبلئكة ال تتمتع بهذق الخاصية فهم اليعصوف اهلل فيما امرهم‬
‫كيفعلوف مايؤمركف‪ .‬فػ(فركيد) قاؿ لك هذق الجماعات األفاضل المعصوبين يعتقدكف بقدرة الكلمات على التكوين‪،‬‬
‫يعتقدكف انه بكلمات يستطيعوا اف يصنعوا احداث كونية‪ ...‬قاؿ عنهم فركيد انه هىبىل‪ ..‬هذا االستهباؿ كهذق‬
‫الحماقة يقع فيها هؤالء المبلحدة (دككنز) يقع فيها كثيرا‪..‬فيستعمل هذا االسلوب بإعطاء تسمية مايعجز عن‬
‫تفسيرق كما يريد هو‪..‬مثبل بػ ‪..‬فهل صدقته انت مباشرة؟ اذا صدقته فأنت من المعصوبين الذين كصفهم (فركيد)‪،‬‬
‫اغتاؿ عقلك هذا الػ(دككنز) دكف اف تدرم !‪..‬‬
‫إرادة اهلل يا إخواني كهذق فائدة فلسفية‪..‬احفظػػػوها‪ :‬إرادة اهلل ييمثىٌل بها ضركرة الشرط الكافي‪ .‬في الفلسفة حين‬
‫يتحدثوف عن الشركط‪ ،‬يقولوف الشركط ثبلثة‪( ،‬طبعا هي نوع من التوليفة الغير كاملة من الضركرة كالكفاية) ‪:‬‬

‫‪79‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫‪/1‬فلدينا شرط كافي غير ضركرم ‪ ..‬مثل لو قطعت رأس انساف‪ ،‬أيموت اـ ال؟ يموت كهذا كافي‪ ،‬لكن ضركرم اف‬
‫اليموت اال بقطع الراس؟ ال‬

‫‪/2‬كلدينا شرط ضركرم غير كافي‪ ،،‬مثل‪ :‬االككسجين ضركرم للحياة‪ ،‬كلكن غير كافي إلستمرارية الحياة من دكف‬
‫المصادر األخرل البلزمة للبقاء حيا‬

‫‪/3‬كلدينا شرط ضركرم كافي‪ ،،‬هػػو الذم جعل الشيء شيئنا ‪..‬إرادة اهلل عٌزى ك‬
‫جل }إنىٌما أمري يق إذا أرا ىد شيئنا أف يقوؿى ىلهي كيػػػػػػػػنٍ فىيىكوف ‪ {82‬يس‪.‬‬
‫اللهم دلٌنا عليك كعرٌفنا بك‪ ،‬كاربطنا بك ك ال تحرمنا يارب العالمين ‪ ..‬فهذا هو معناها‪ :‬قاؿ مجرد اف نقوؿ له اذا اردنا يق‬
‫ط ضركرمه ككاؼو‪..‬ألف تنتًج مشركطها مباشرة ‪ ..‬على فكرة‪ ،‬هذا تكيف القرآف بلغتنا‪ ،‬اللغة العربية‬ ‫فإرادة اهلل شر ه‬
‫تجعلك تشعر أنه توجد مساحة ييعبىٌر عنها بالكلمات‪ ،‬إال أنه في كاقع األمر كفي نفس األمر ييسمٌوق‪ ،‬اليوجد فاصل‬
‫زمني‪ ....‬في إحدل الخطب عندما تكلمت عن اقساـ الثانية‪ ...‬أنك ستصل الى درجة جزء من مليوف مليوف جزء من‬
‫الثانية‪ ،‬ثم يأتي الكركنوف‪..‬كال يوجد منه ! الذم هو أقل مسافة كهو طوؿ ببلنك (عشرة ايس ‪ 35-‬متر)‪ ..‬طوؿ‬
‫ببلنك بالتمػػاـ هو (‪ 34 – 10 × 1,6‬من المتر ) ‪..‬ارأيت هذا الطوؿ من الزماف كهو اقل شيء في الثانية؟!‪..‬‬
‫اليوجد كهذا طوؿ كييعتبر عىدىـ‪ ،‬لكن افترض يوجد شيء بطوؿ ببلنك‪ ...‬الضػػوء الذم يسير ثبلث مئة ألف كيلو متر‬
‫في الثانية‪ ،‬في كم يقطع مسافته في طوؿ ببلنك؟! ‪ ..‬اصغر زمن ممكن كهو زمن ببلنك كهو يساكم عشرة ايس ‪-‬‬
‫‪ 45‬من الثانية‪ ...‬زمن ببلنك هو الزمن الذم يستغرقه الضوء لكي يقطع مسافة ببلنك‪ ،‬كهو الشيء في الوجود اسمه‬
‫طوؿ ببلنك باألساس‪ ..‬لكنه افتراضية العلماء فيما لو كيجًد هذا الزمن‪ .‬إذا العقل االنساني استطاع اف يتخيل حىدىثان‪،‬‬
‫فيما لو افترضنا تلك الشيٌذىيذىة‪ ،‬التي اخترقت جدار طوؿ ببلنك‪ ..‬كافترضنا انه يوجد ضوء من كوف آخر خلقه اهلل‬
‫كاخترؽ الشذيذة‪ ،‬فتخيل في كم اخترقها ؟!! اخترقها في عشرة ايس ‪ 45-‬من الثانية‪ ...‬معناها العقل في مقدكرق اف‬
‫يتصوٌر أف أمر اهلل تبارؾ كتعالى – حين يريد اهلل‪ -‬ال يتخلٌف عنه مأمورقي كال حتى اقل من زماف ببلنك هذا !!!! ‪..‬‬
‫كالعقل يتخيل صفات اهلل على نحو أنسىنًي في صفة اعطاء اهلل امرق في مدة يستغرقها كبلمه ( كن كذا ‪ ..‬ككن‬
‫كذا ‪ )..‬حاشا هلل‪ ،‬لن نعرؼ كيفية صفاته‪ ،‬ليس كمثله شيء سبحانه ‪ ..‬فيتساءؿ احدهم‪ :‬كلكن كيف‪ ،‬فقد خلق‬
‫السماكات كاألرض في ستة أياـ ؟! هي إرادته اف تيخلق في ستة اياـ ‪ ..‬مع انه قادر اف يخلقها في اقل زمن !‪..‬‬
‫كأحدهم يتساءؿ‪ :‬خلق اهلل رجبل كقاؿ بأمرق اف يكوف فقيرا في سنة‪ ،‬فدخل الرجل في صفقات خاسرة كتعرض لخسائر‬
‫الى اصبح فقيرا في سنة؟! هو أمر اهلل كقوله له اف يكوف فقيرا في سنة!‪..‬األمر في سنة!‪ ،‬على حسب األمر‪ ،‬كلن‬
‫ييتخلٌف عنه ‪ .‬كتوجد أكامر فورية آنية‪ ،‬لذلك }كما أمر الساعة إال كلمح البصر{النحل‪ 50،‬كلمح البصر يعني ‪ :‬كاحد على‬
‫خمسة عشر من الثانية ! كتردد صور السينما‪..‬كما ترل ‪ 16‬صورة تظهر متتالية في الثانية سترل سيٌاؿ من الصور‬
‫تتحرؾ فعبل ‪ ،‬لو كانت ‪ 12‬صورة ستراها متقطعة‪ ..‬إنها كلها آيات‪ ،‬كهذا ركعة العلم‪ ،‬كالفكر‪ ،‬كالبحث‪ ،‬ركعة‬
‫الفلسفة‪..‬فالتعلم كالقراءة كالبحث يقرٌب إلى اهلل تبارؾ كتعالى‪ ،‬كيينضًج اإلنسانية فيك } كعلٌم آدـ‬
‫األسماء { البقرة‪ . 31،‬لهذا آدـ هو مسجود المبلئكة‪ ،‬ألنه يعرؼ ماالتعرفه المبلئكة ‪..‬‬
‫على كل حاؿ‪ ،‬قاؿ(دككنز)‪ " :‬لنفترض أف هذق الحياة صيػػمًٌمىت في عالم بعيد في الفضاء الخارجي"‪ ..‬فأحرجه‬
‫(بنشتاين) قائبل‪" :‬معناها أنت يابركفيسور دككنز تيقًر بالتصميم ك تؤمن به‪ ،‬لكن بالنسبة لك هذا التصميم تعزكق الى‬
‫نجوـ أخرل‪ ،‬كواكب بعيدة‪ ،‬الفضاء الخارجي ‪ ...‬لكنك التريد اف تعزكها الى اهلل!"‪ ..‬إنما هي المكابرة‪ ،‬كليس فيها حل‪،‬‬
‫لكن لو عزكناها الى اهلل فيوجد الحل‪ ،‬كإله الى حد نهائي‪ ،‬ذات ذكية عاقلة‪ ..‬كما سماها (نيوتن) مالكا لكل شيء‪ ،‬هي‬
‫ؿ عنها ايضا!‪ ..‬نحن النرل ابدا انه‬‫المسؤلة عن هذا الشيء كعن البدايات‪ ،‬كأما التسيير كالسىٌيٍركرة فهو طبعا مسؤ ه‬

‫‪80‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫يوجد تناقض بين مفهوـ الخلق اإللهي‪ ،‬كبين مفهوـ األسباب كفاعلية األسباب‪ ،‬في الحلقات المقبلة سأتكلم عن إله‬
‫الفجوات بإذف اهلل‪ ...‬إله الفجوات فكرة بلهاء ناشئة عن تخيل التناقض كالتعارض بين مفهوـ الخلق‪ ،‬كبين مفهوـ‬
‫األسباب‪ ،‬كلذلك حدث هناؾ تعارض بين التفسير العلمي‪ ،‬كالتفسير الديني الغائي‪ ..‬إما التفسير الميكانيكي اك التفسير‬
‫الغائي‪ ،‬كل منهما ضد اآلخر ‪ !..‬كهذا كله غلط‪ ،‬كسنشرح هذا علميا فلسفيا ربما في الحلقات المقبلة اف شاءاهلل‪.‬‬
‫كما كعدتكم اف نتكلم عن موضوع "التكيف الميسبىق" مصطلح جديد عند التطوريين كالدراكنة كالماديين ماقصته هذا؟‬
‫له أمثلة كساذكر مثالين ]مثاؿ الصوت عند اإلنساف‪ ،‬كمثاؿ الذكاء البشرم[ ‪:‬‬
‫كمثاؿ الذكاء البشرم‪ :‬طبعا (تشارلز داركين) في عصرق درس الذكاء اإلنساني كما درس العواطف عند الحيوانات كعند‬
‫اإلنساف‪ ،‬ك عزاق الى االنتخاب الطبيعي‪ ،‬قاؿ‪ :‬الذكاء نشأ عند اإلنساف كحاجة تخدـ كجود اإلنساف‪ ،‬كتخدـ مصلحة‬
‫بقائه‪ ،‬ك تم انتخاب كل ماييعزز الذكاء االنساني بآلية االنتخاب الطبيعي‪ ..‬بهذق البساطة هذق ‪ ..‬ككاف يوجد في زمنه‬
‫عالم كبير تطورم معاصر ك تزامن معه في الوصوؿ الى نظرية التطور كبالذات االنتخاب الطبيعي كهو (ألفرد راسًٌل‬
‫كالًس) كإلحترامه لػً(داكرين) كاف يسمي النظرية بالداركينية كلديه كتاب سما يق ‪ ،‬لم يينسبه إلسمه (كالسيزـ) ألنه‬
‫حتى في نشر كرقته قد سبق (داركين) الذم كاف أمينا في اعترافه بأنها كرقة (كالس)‪ ،‬لكنه عمل لعشرين سنة عمل‬
‫ضخم اضخم مما عمله (كالس)‪ ،‬كاختلف معه في اشياء‪..‬‬
‫بالنسبة لًػ (ألفرد راسًٌل كالًس) كضىٌح انه يرفض أف ييفسىٌر الذكاء االنساني بآلية االنتخاب الطبيعي‪ ،‬كقاؿ انه عندق‬
‫مصطلح جديد ييبرًٌر له هذا الرفض كهو "الذكاء الكامن"‪ ،‬كبإختصار هو‪( :‬ماييعرًب عنه اإلنساف من لياقات ذكائية‬
‫تثبت انها ابعد بكثير ك أزيد كاكثر فيضا بكثير من حاجات البقػػػػػاء) كليس من مليوف‪ ،‬بل من ألوؼ ألوؼ مبليين‬
‫السنين موجود هذا الذكاء عند اإلنساف‪ ،‬كلذلػػػك يعرًفىت هذق بػ ماهي هذق المفارقة؟ انك تيسلًٌم بمقدٌمات معينة‬
‫كتطورم ‪ ..‬تقودؾ نتائج ضد المقدمات‪ ،‬كتقوؿ هذق المفارقة‪( :‬كيف يتسنى لئلنتخاب الطبيعي – ككما شرحت لكم‬
‫اف (كالس) ك (داركين) كليهما يؤمناف بآلية االنتخاب الطبيعي‪ -‬الى انتخاب صفات معينة هي المسؤكلة عن هذا الكم‬
‫الهائل من الذكاء االنساني‪ ..‬في حاؿ أف هذق المنتخبات (الذكاء) اليحتاجه اإلنساف في هذا الوقت كال لعشرات ألوؼ‬
‫السنين القادمة‪ ،‬كلكن تؤدم عملية االنتخاب هذق الى انقراض االفراد التي ال تتمتع بهذا الذكاء الكامن‪ ،‬كمىن يبقى هو‬
‫الذم عندق هذا الحجم من الذكاء‪ ،‬هذق القدرة ‪ ،‬هذق الماحة‪ ،‬هذا المدل ‪ .)...‬هذا عكس االنتخاب الطبيعي تماما !‬
‫فاالنتخاب الطبيعي ينتخب كيستبقي الصفات التي تساعد على البقاء اآلف كهنا‪ ،‬بدليل كما قاؿ (دككنز)‪ :‬االنتخاب‬
‫الطبيعي أعمػػػى ليس لديه رؤية مستقبلية نهائيا‪ ..‬فػ لكي يينتخب ذكاء كامن لن احتاجه بالمرة‪ ..‬ذكاء المهارات‬
‫الموسيقية‪ ،‬ذكاء الصناعات الدقيقة جدا جدا كالرقائق اإللكتركنية‪ ،‬ذكاء الرياضيات كحساب المثلثات كالجبر‬
‫كاللوغارتمات كالقصة الكبيرة المعقدة هذق الموجودة عند االنساف‪ ،‬ذكاء للمواهب الجمالية كالفنية بكافة مجاالته‪...‬‬
‫كل هذا انا ال احتاجها‪ ...‬ك (كالس) قاؿ‪ :‬بدليل اف تأتي بطفل من اقزاـ استراليا‪ ،‬هؤالء شعوب بدائية‪ ،‬ك ضعه في‬
‫مدرسة متقدمة بلندف اك في فرنسا‪ ،‬كيخرج منها في عمر الربع سنوات اك الست سنوات بجائزة نوبل بالرياضيات اك في‬
‫الفيزياء اك في االحياء‪ ..‬مثل أم كاحد غربي! ‪ ..‬كفي المجتمع الذم يحيطه كمن عشرات ألوؼ السنين المقدار الذم‬
‫يحتاجه من الذكاء ليس له عبلقة بالمثلثات كالفيزياء كالكيمياء مطلقا ‪ ...‬له عبلقة بػ كيف يقنيص ‪ ..‬كيف يصيد‪..‬‬
‫كيف يصنع سكينا اك رمحا ‪ ..‬الخ ‪ ..‬كهو مايحاجته للعيش كالبقاء‪ ،‬متغلٌب على كل الظركؼ البيئية كمتكيف معها‪،‬‬
‫كسيٌد المنطقة‪ ،‬لماذا هذا يستطيع اف تعلم مثله مثلي كل العلوـ الدقيقة‪ ..‬عندق هذا الذكاء الكامن موجود بالقوة‬
‫من أين ؟! هذق مفارقة كالس‪ .‬احفظوها‪ ،‬عندما تناقشوا داركيني قولو له جاكبونا عن مفارقة كالس ‪ ..‬من أين‬
‫ككيف؟!‬
‫بالنسبة لػ (كالس) فقاؿ العملية سهلة عندم‪" :‬الذكاء االنساني هبة من الذكاء الرباني"‪ ،‬كالعجيػػػب أف الجينوـ عندنا‬
‫في إيطار الجينات الفاعلة‪ ،‬يتماثل مع جينوـ الشامبانزم اكثر من ثمانية كتسعين ك نصف في المئة ! كأين ذكاؤق من‬

‫‪81‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫ذكائنا؟!‪ ..‬ال مقارنة !‪ ..‬كالمسألة ابعد من هذا‪ ،‬كأنا كمتدين كمسلم ارجع لكتاب اهلل العزيز }كنفختي فيه من‬
‫ركحي{ الحجر‪} 15،‬ثم أنشنا يق خلقا آخر{ المؤمنوف‪ 14،‬هذق النشأة األخرل بالنفخ‪ ..‬نفخة الركح الربانية هذق‪ ،‬ليست‬
‫صى به اإلنساف‪ ،‬مع أنه بغير هذا السر يكوف شامبانزم‪ ..‬التوجد تميزات‬ ‫الركح كجزء من اهلل‪ ..‬كبل‪ ،‬إنه سرٌ إلهي خي ٌ‬
‫كبيرة بينه كبين الشامبانزم حتى على المستول الجيني! ‪ ..‬لكن }نفختي فيه من ركحي{ ال إله إال اهلل‪ ..‬هذا الذم‬
‫جعلنا خلقا آخر‪ ..‬نقرض الشعر‪ ،‬ننحت التماثيل ‪ ..‬نبحث عن الرب‪ ..‬نؤدم العبادات‪..‬نبني المعابد‪ ..‬نتوصل لمسائل‬
‫الرياضيات العجيبة التي تفسر الكوف كنشاة الكوف كمصير الكوف ‪ ..‬نبحث في اصلنا في اصل الخلقة كالنشأة ‪..‬الخ ‪،‬‬
‫كصدقوني‪ ،‬بمقػػػدار ما تخلو من هذق المعاني‪ ،‬يبدك أف هذق النفخة فيك تكاد تخمد كتذكم بالكامل‪ ،‬فبلبد اف تذكيها‪..‬‬
‫أما الدراكنة فقالو‪ :‬لن نعترؼ‪ ،‬لدينا مفهوـ آخر اسمه "الذكاء العاـ" كهو كالتالي‪ :‬االنتخاب الطبيعي انتخب عناصر‬
‫معينة أكدت كع ززت مايسمى بالذكاء االف عند اإلنساف في فترات متباعدة‪ ،‬كاماكن مختلفة‪ ..‬اإلنساف احتاج الى هذا‬
‫الذكاء في حدكد معينة فاستخدمه في القنص نعم‪ ،‬في تسلق األشجار‪ ،‬في قطع األغصاف‪ ...‬كلكن هذا الذكاء في‬
‫مراحل اخرل يصلح اف يصمم جهازا ‪ ..‬اف يعزؼ على آلة موسيقية‪ ،‬هذا اإلبهاـ يصلح ألف يكتب بالقلم‪ ..‬هو نفسه‬
‫الذم يصلح لتسلق األشجار كقطع األغصاف كغيرها من اعماؿ بسيطة ‪ ..‬فقالو هذا ذكاء عاـ موجود عند الكل في‬
‫مراحل متقدمة حديثة ايستيخدًـ هذا الذكاء في قضايا علمية كفلسفية كتقنية‪ .. .‬لكن تشعر اف تفسيرهم هذا هو‬
‫هركب‪..‬تقرير المشكلة بشكل آخر‪..‬صح ؟! اليقدـ تفسيرا حقيقيا‪ ،‬ماذا يعني الذكاء العاـ بالطريقة هذق؟!‬
‫نقطة ضعف الذكاء الداركينية الحديثة هذق أنهػػػػػا تفترض اف الذكاء هذا شيء محدد ك كاضح!‪ .‬كالذكػػاء ليس‬
‫كذلك‪ ،‬هم لم يتفطنوا الى هذا ‪ ..‬هل هناؾ جين من الجينات هو المسؤؿ عن الذكاء؟ هل سمعتوا أم عالم كراثي‬
‫قاؿ‪ :‬هذا جين الذكاء ؟! مستحيل‪ ،‬اليوجد هذا الجين المسمى بػ جين الذكاء!‪ ..‬جين كاحد اك مجموعة جينات ‪ ..‬ابدا‬
‫التوجد‪ ،‬فالذكاء مسألة معقدة كمركبة جدا جدا ‪ ..‬حتى الدماغ هذا ‪،‬المخ كيف يعمل كيف يتخصص‪ ،‬كيف يمكن اف‬
‫تكوف له لياقات علمية ادبية فنية لغوية مختلفة‪..‬مسألة معقدة جدا جدا‪ .‬كقالوا‪ :‬بدليل أف مخ اإلنساف كىًبرى‪ ،‬فيما‬
‫كاف اصغر حجما في السابق‪ ..‬اك صار اعلى سنا‪ ..‬حسنا كبر الدماغ كصار حجمه ‪ 1350‬سنتم مكعب‪ ،‬عندما كبر الى‬
‫هذا الحجم فعبل‪ ،‬صار ميدانا لمدل من الذكاء صىلي ىح ألشياء كثيرة‪ ،‬كبعد ذلك ظل صالحا ألشياء اخرل‪ ..‬كهذا – كما‬
‫قلت قبل قليل‪ -‬تقرير للمشكلة بطريقة اخرل‪ ،‬هم يقرركف المشكلة ال يجيبوف‪ ..‬هذا ليس تفسيرا ! كسؤالي هو ‪:‬‬
‫كيف تم انتخاب شيء معين صىلي ىح ألشياء بدائية تساعد على البقاء‪ ،‬لكن عندما اختلفت الشركط كالظركؼ ظل صالحا‬
‫لتطوير حياة االنساف الى مدل فىلىكي في بيعدًق عن الحاالت األكلى‪ ،‬فكيف ذلك؟ معناق انه من البداية من كقت ماتم‬
‫انتخابه كاف مهبرمجا ألف يصلح لهذق الظركؼ الجديدة‪ ،‬كونه لم ييستخدـ هذا الذم قاله (كالس) انه ذكاء كامن ‪،‬‬
‫كالبطارية عندؾ عندما لم تكن مستخدمة كقت ماتستعملها ستؤدم لك الغرض منها كاإلضاءة اك غيرها مثبل ‪..‬‬
‫نحن حديثػػػنا عن هذا الكموف‪ ..‬مػػػػػاهو سر هذا الكموف ؟؟؟! مع انه كاف المفركض اف يتم تطوير عبر االنتخاب مع كل‬
‫نشوء حاجة جديدة‪ ،‬يتحدل ظركؼ البيئة اك المجتمع اك كذا ‪ ..‬لكنه لػػػػػػػػم يحديث ذلك !!‬

‫نكتفي هذق الليلة على اف نكمل في الحلقة المقبلة اف شاءاهلل‬


‫كالسبلـ عليكم ك رحمة اهلل تعالى كبركاته‬

‫‪82‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫الحلقة الثانية عشر برهاف النظم ‪7‬‬

‫الجزء األكؿ‬

‫أعوذ باهلل السميع العليم من الشيطاف الرجيم‬


‫بسم اهلل الرحمن الرحيم ‪..‬الحمد هلل رب العالمين كالصبلة كالسبلـ على اشرؼ المرسلين سيدنا محمد ابن عبداهلل النبي‬
‫األمين كعلى آله الطيبين كصحابته الميامين‪ ..‬اللهم علمنا بما ينفعنا‪ ،‬كنفعنا بما علمتنا ك زدنا علما‬
‫أما بعد ‪ ..‬اخواني اخواتي السبلـ عليكم كرحمة اهلل كبركاته ‪.‬‬
‫كقفنا في الحلقة السابقة عند مفارقة كالًس التي تعني باختصار اف هذا العالم التطورم المعاصر لػ (تشارلز داكرين) طرح‬
‫المفارقة على النحو التالي‪ :‬لماذا يقوـ االنتخاب الطبيعي بإصطفاء صفات معينة تتعلق بالذكاء اإلنساني‪ ،‬لكن هذا‬
‫الذكاء المتاح كالموجود أكثر بكثير من حاجة االنساف في تلكم االحقاب المتقدمة أم في اسبلؼ االنساف إليػػه‪ ،‬يعني‬
‫هو ليس شرطا في البقاء‪ ،‬هو شرط زائد يمكن اف ييحتاج اليه بعد عشرات ألوؼ من السنين‪ ،‬لكن االنتخاب الطبيعي‬
‫هو الذم اصطفى ذلك‪ ،‬بمعنى انه استبعد كل من اليملكوف هذق المواصفات‪ ،‬كاستبقى هؤالء على أف هؤالء الباقوف‬
‫يتميزكف بذكاء زائد الى حد بعيد عن الذكاء الشرطي للبقاء‪...‬ك االنتخاب الطبيعي اليعمل على هذا النحو بالمرة‪ ،‬بل‬
‫ينتخب الصفات التي تساعد على البقاء اآلف ك هنا ! ‪..‬‬
‫بالنسبة لػ (ألفرًد كالس) اجاب عنها بأف الذكاء االنساني منحة من الذكاء اإللػػهي‪ ،‬كبعض الناس تدعو هذق االجابة‬
‫بأنه إلػػه الفجوات‪ ..‬اف (كالس) لم يستطع أف يفهم المسألة فأحاله على اهلل ‪ ..‬ك لؤلسف كثيرا من إخواننا المسلمين‬
‫كالعرب أدمنوا على استخداـ مصطلح إله الفجوات دكف اف يعرفوا اعماقه الحقيقية‪ ،‬نحن ليس لدينا شيء اسمه إله‬
‫الفجوات‪ ،‬غير صحيح بالمرة‪ ،‬إله الفجوات هذا مصطلح خػػاص يمكن اف يكوف له بعض المعنى في التجربة األكركبية‪ ،‬في‬
‫السياؽ اإلسبلمي ال معنػػػػى له مطلقنا !‪ ..‬كبالمناسبة‪ ،‬اليدرم هؤالء العلماكيوف أف إله الفجوات يقابله عًلمً الفجوات‬
‫ايضا !‪ ..‬في النهاية بحساب منطقي بسيط إله الفجوات سيكوف اسعد حاال من علم الفجوات‪ .‬بإختصار‪ :‬كلما فشل‬
‫العلم في تقديم تفسير حاضر له يقولوف " العلم سوؼ ينجح حتما في يوـ من االياـ في تقديم تفسير" يحيلونه على‬
‫غائب كعلى مستقبل كباالحتماؿ كفد الينجح ‪ ..‬هذا علم الفجوات ايضا‪ ،‬بمعنى أف العلم ييعوًٌض عن اإلله‪ ..‬العلم هو‬
‫إلهػنا ‪ ...‬لكن علمك فاشل االف في اشياء كثيرة‪ ،‬سينجح في يوـ من االياـ ‪ ...‬أم علم الفجوات !‬
‫خذكها مني فلم ييسبىق إليها‪ :‬سنقارع إله الفجوات بػ علم الفجوات‪ ،‬ككل من يقوؿ لك إله الفجوات‪ ،‬قل له أنت علم‬
‫الفجوات ايضا‪ ..‬أنت علم مثقٌب‪ ..‬في التصور االسبلمي لئلله مفهوـ إله الفجوات اليعمل ‪ ..‬غير موجوككد ليس له‬
‫مكاف بالمرة‪.‬‬
‫لػػػم يستسلم الدراكنة‪ ،‬كطبعا اليريدكف إله الفجوات‪ ،‬قالوا لدينا تفسير لهذق الظاهرة العجيبة كهو نظرية"الذكاء‬
‫العاـ"‪ ،‬طبعا اليمكن اف تكوف نظرية‪ ،‬هذق فرضية كضعيػػػفة جدا‪ ..‬كمعنى هذق النظرية‪ :‬يقولوف بحكم تطور حجم‬
‫الدماغ االنساني كتعقيٌدق عبىر زمنية طويلة جدا‪ ،‬صار هذا الدماغ مؤهبل ألعماؿ كثيرة بعضها يحتاجها االنساف اليوـ‪،‬‬
‫كبعضها اليحتاجه‪ ..‬الذم يحتاجه الدماغ اليوـ يقوـ بالوفاء بهذق الحاجات‪ ،‬على أنه يستطيع ايضا بعد مليوف سنة اك‬

‫‪83‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫نصف مليوف سنة أف يقوـ بحاجات اكثر تعقدان كأكثر تركبا كاكثر تطورا‪ ...‬بمعنى اف هذا الدماغ الذم كبر حجمه‬
‫كتعقدت بنيته كاستيخدـ في يوـ من االياـ للقنص ك تسلق االشجار كفي الحركب كفي الحاجات االجتماعية العادية‪ ،‬في‬
‫يوـ الحق‪ ..‬في اياـ الناس هذق‪ ..‬نفسه سيكوف صالحا لممارسة الموسيقى كالفنوف التشكيلية كالرياضيات العليا‪،‬‬
‫كصناعة السفن كالصواريخ كالقنابل الذرية ‪..‬الخ كبنفس الدماغ ‪!..‬‬
‫هذق فرضية‪ ،‬لكن انتبهوا‪ ،‬تيحاكؿ اف تيقدـ شيئا كتتغاضى عن اشياء‪ ،‬نعود للمربع االكؿ‪..‬مامعنى ذكاء عاـ‪ ،‬انتم‬
‫تقولوف ذكاء عاـ! ‪ ..‬انتم بهذا التفسير أكدتم أنه ذكاء اكثر عمومية اكثر لياقة‪ ،‬كلمة "عاـ ‪ "Gineral‬تضلل‬
‫قليبل‪ ،‬كلمة العمومي تيعادًؿ كلمة اللياقة‪ ،‬ذكاء لديه لياقة كقدرة كامكانية اف يتعاطى مع شركط للبقاء اكسع بكثير‬
‫من الشركط المتاحة حاليا!‪ ..‬كهػػل حقا يوجد شيء اسمه ذكاء عاـ؟! سوؼ نرل كنستشير العلماء األخصائيين في‬
‫شؤف الذكاء بالذات ‪ ،،،‬كثمٌة أمر آخر‪ ،‬البداية غير موفٌقة عندما تقوؿ لي "عندما كبر الدماغ‪ "..‬ككأف جدـ الدماغ مهم‪..‬‬
‫ت سابقنا أف االنساف البدائي " ‪ "Neanderthal‬يزيد على الدماغ االنساني بنحو ‪، %10‬‬ ‫ليس مهما‪ ،‬لقد ذكر ي‬
‫حجم ادمغتنا ‪ 1350‬سنتم مكعب‪ ،‬حجم دماغ االنساف البدائي ‪ 1520‬سنتم مكعب مع أنه الييقارف باإلنساف الذم‬
‫نعرفه في لياقاته كذكائه !‬
‫كنقلت عن عالم االعصاب امريكي من اصل هندم كالمشهور عالميا كالملقب بػ (ماركو بولو علم االعصاب)‪ ،‬ك (بركؾ‬
‫العصر الحديث) كهو (راما شاندراف) اليزاؿ حيا يمكنك اف تقرأ له بعض المحاضرات كفي موقع اليوتيوب‪ ،‬عالم ذكي‬
‫جدا كمتكلم لىبًق‪ ،‬كلطيف كظريف‪ ..‬قاؿ‪" :‬عقلي المتخصص في علم االعصاب كالدماغ اليستطيع –كهو اكبر عالم‬
‫اعصاب في العالم‪ -‬اف يتقبل اف ييقاؿ أف الذكاء الذم كاف الزما لتسلق االشجار اك رمي بالقوس اك تسديد حربة الى‬
‫طريدة هو الذكاء الذم ييستخدـ في الجبر كحساب المثلثات ‪ ..‬مستحيل!" ىيريد نظرية الذكاء العاـ‪ ،‬كاف يريد اف‬
‫يقوؿ‪ :‬عجيب اف يكوف عند االنساف قبل عشرات ألوؼ كمئات الوؼ السنين هذق اللياقة الذكائية التي تتخطى بمراحل‬
‫الشركط المطلوبة بالبقاء !‪ .‬كهذا يطرح تحدوٌ كبيرا‪ ،‬االنتخاب الطبيعي اليفسر هذا‪ ،‬لكن لماذا كاف األمر على هذق‬
‫الشاكلة‪ ..‬لماذا؟! طبعا بالنسبة لدينا فنحن نعرؼ لماذا‪...‬يبدك أف االنساف الذم نعرفه ميذكىن هو خيلًقى لكي يعرؼ‪،‬‬
‫اسمها مىلىكىة االستعراؼ "” ‪ cognition ability‬كهذق المىلىكة موجودة لديه لكي يتعرؼ على تفسير على كجود‪،‬‬
‫كلكي يتطلب بها تعليبل للوجود‪ ،‬كيتسلٌق حتى يصل الى المبدأ األكؿ للوجود‪ ..‬كعلى فكرة‪ ،‬هذا ماظل اإلنساف يفعله‬
‫كإلى اليوـ‪ ،‬حتى مبلحدة علماء الطبيعة كعلماء األحياء كالفبلسفة يطرحوف مسألة الوجود األعلى لينفوها‪ ،‬لػػكن ال‬
‫يستطيعوف اف يتجاكزكها بالمرة‪....‬تيطرىح باستمرار‪ ،‬كمنهم من يطرح كيثبت‪ .‬لذلك (جوف بارك) الفيزيائي اإلنجليزم‬
‫الشهير جدا‪ ،‬يقوؿ‪" :‬هل يمكن اف يكوف أمرا غير مقصود كغير ذم معنى‪ ،‬أننا نتمتع بهذق اللياقات التي تؤهلنا لدرس‬
‫هذق الموضوعات الصعبة؟!" كال الموضوع فيه قصدية معينة ؟! نظرية مفارقة كالس هذق تدعػم هذا االتجاق‪..‬‬
‫مفهوـ الذكاء العاـ‪ ..‬هل هو مفهوـ كاقعي علمي‪ ..‬معترؼ به المجتمع العلمي اليوـ؟! أبػػػدا‪ ،‬اقرأ الكتب المتخصصة‪،‬‬
‫ففي كل الكتب تقريبا شبه اجماع على اف الذكاء متعدد‪ ..‬كالذكاء الثبلثي‪ ،‬كالذكاء العاطفي‪ ،‬كهذق النظريات من‬
‫اشهر النظريات المعاصرة في توصيف الذكاء االنساني‪ .‬فالذكاء المتعدد ‪ Multiple intelligences‬لػ‬
‫(جاردنر)‪ ..‬خبلصته‪ :‬أف كل انساف فينا لديه انواع من الذكاء مختلفة متعددة‪ ،‬كتوجد اقساـ في المخ يوىزىٌع عليها هذا‬
‫الذكاء‪ ..‬العجيب –كمايقوؿ جاردنر كاتباعه‪ -‬أننا ال نختلف فقط في حجم الذكاء الفبلني بيننا‪ ،‬بل بعبلقة الذكاءات‬
‫هذق ببعضها‪ ..‬كل فرد ايضا متميز‪ ،‬كبالتالي يقوؿ هؤالء العلماء‪ :‬لدم كل فرد منا سىمٍت ذكائي محدد يميزق عن‬
‫اآلخر" ‪ ،‬هذ الكبلـ مزعج جدا للدراكنة!‪ ،‬بينهم يتحدثوف عن الذكاء العاـ‪ ..‬مفهوـ بسيط مسطح ساذج‪ ،‬كأنه اقرب الى‬
‫اف يكوف عضوا محددا كانتهى‪ ،،،‬ال ‪ ..‬الذكاء مفهوـ ديناميكي متحرؾ‪ ،‬مثل الغابة السحرم‪ ،‬عدة ذكاءات في الفرد‪،‬‬
‫حتى العبلقة بين هذق الذكاءات مختلفة من فرد الى فرد!‬

‫‪84‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫اذف سقطت نظرية الذكاء العاـ التي لم تكن سول حيلة "اعطه اسما" كلم تكن تملك تفسيرامنطقيا‪ ،‬من هذق‬
‫الذكاءات المتعددة‪ ،‬الذكاء اللغوم‪ ...‬عموما النساء اذكى لغويا من الرجاؿ‪ ،‬قدرتهن على اكتساب اللغة احسن كاسرع‬
‫من الرجاؿ‪..‬معركؼ !‪ ،‬كالرجاؿ متفاكتوف‪...‬‬
‫الذكاء المنطقي الرياضي ‪Logical mathematical intelligence‬‬
‫الذكاء البصرم الفضائي كالمكاني‬
‫الذكاء الموسيقي‬
‫الذكاء الجسمي الحركي‬
‫الذكاء التتصنيفي‬
‫الذكاء الركحي اك الوجودم‬
‫الذكاء التعارفي اك العبلئقي بين االشخاص‬
‫ذكاء الوعي بالذات ‪ ..‬معرفة االنساف ذاته داخليا‪..‬كعلى فكرة‪ ،‬معظم مشاكل الناس من هذين النوعين من الذكاء‪،‬‬
‫ليس لديهم الذكاء التعامل مع اآلخرين‪ ،‬كليس لديهم ذكاء التعرؼ على شخصياتهم انفسهم ‪..‬كمن اجمل مايكوف‬
‫عندما يكوف عند االنساف ذكاء ذاتي كعي بذاته‪..‬ام محاكلة تجاكز االنساف نفسه ‪ ..‬ألف اإلحالة الدائمة الى الذات‪،‬‬
‫توقً يع االنساف في التناقض!‪..‬لكي اتجنب الوقوع في هذا التناقض علي اف اتجاكز ذاتي بحيث ال أيحيل الى ذاتي‪ ..‬لذلك‪،‬‬
‫االنساف الواعي يطلب من أخيه اك صديقه المقرب اف يخبرق عن رأيه به بكل صراحة فالمؤمن مرآة أخيه‪ ..‬لكن هناؾ‬
‫من يستطيع اف يعرؼ ذاته كأنما يخرج من شخصيته كيصبح هو اآلخر كينظر الى نفسه ‪ ...‬فيعرؼ نفسه كيفهمها‪،‬‬
‫كحتى النظر الى المرآة قد يفيد عندما تنظر الى نفسك كيف تغضب كيف تنفعل‪..‬ممكن تجد اشياءا التعجبك عن‬
‫نفسك‪ ..‬ألف اإلحالة الى الذات توقعك في التناقض‪ ..‬مثبل لو كتبت عبارة‪ ، :‬هذق عبارة تحيل الى ذاتها‪ ،‬توقعك في‬
‫التناقض مباشرة‪ ..‬اذا اخذت على ظاهر العبارة كصدقت انها عبارة كاذبة‪..‬اكقعتك في التناقض‪ ،‬أم تقوؿ لك‪:‬انا عبارة‬
‫كاذبة‪ ،‬كانت تقوؿ هي صادقة معناها صدىقت في اإلخبار عن نفسها‪ ،‬فهي صادقة بهذا االعتبار‪ ،‬كهي كاذبة ألنها‬
‫ت إنها كاذبة ألنها قالت عن‬ ‫صادقة فهػػػي صادقة كاذبة ! كهذا هو التناقض‪ .‬كفي الحالة المعاكسة فيما لوقل ى‬
‫نفسها أنا عبارة كاذبة‪ ،‬اذف هي بهذا االعتبار كاذبة كألنها كاذبة‪ ،‬فهي تكذب فيما تيخبًر عن كاقع حالها فتصبح‬
‫صادقة‪..‬فهي عبارة صادقة‪ ..‬اذف هي عبارة كاذبة صادقة ! ‪ ...‬هذق المفارقة اكتشفها (برناند راسًٌل) اسمها‬
‫مفارقة اإلحالة الى الذات‪ ،‬ك أكحت لي بنظرية في التوحيد كالعرفاف من أعجب مايكوف‪..‬حلٌيت المفارقة ك في النهاية‬
‫تصل الى اهلل تبارؾ كتعالى‪ ،‬كهو المصدر ال إله اال هو‪ ،‬هو المصدر لكل كعي الذم ال إله إال هو‪ ،،‬كعليه‬
‫اإلحػػػالة‪..‬فقط‪ ،‬كإال بغير إحالة إليه كاالستمداد منه فالوعي البشرم يصبح مستحيػػػل ! يصبح كعي متناقض بهذق‬
‫المفارقة التي أيري ىد بها ضرب اسس اإليمػآف‪.. .‬‬
‫هذق الذكاءات بأنوعها التسعة العبلقة بينها عبلقة متفرٌدة لكل شخص‪ ،‬تجعل منه شيئا بحياله مايجعل لكل منا‬
‫سمتا ذكائيا خاصا‪..‬‬
‫لدينا نظرية الذكاء الثبلثي يعتمد على ثبلثة اشياء اساسية‪ :‬الجانب التحليلي‪ /‬بعض الناس ليس لديها قدرة تحليلية‬
‫كبيرة‪ ،‬كالجانب اإلبداعي‪ /‬منذ الصًغىر عنداإلنساف فيه هذا الجانب حب البناء كالهدـ‪..‬كيبدع فيه‪ ،‬كالجانب العملي‪.‬‬
‫صرٍعة‪ ،‬ألنها نظرية جميلة جدا في‬ ‫كلدينا الذكاء العاطفي اك االنفعالي‪ ،‬اك يتشًف في القرف العشرين كبعد ذلك اصبح ى‬
‫تفسير الذكاء االنساني‪ ..‬كهي مؤسسة على خمسة اركاف‪:‬‬
‫‪ /1‬بيعد الوعي بالذات‪ ،‬كهو اهم ركن‪ ،‬قاؿ النبي صلى اهلل عليه كسلم‪" :‬من كاف له من قلبه كاعًظ كاف عليهً من اهلل‬
‫حافظ"‪ ،‬انت تكوف كاعظ نفسك‪ ،‬كلتحذر من عمى البصيرة حيث اليرل االنساف نفسه اال مخلوؽ مبلئكي كهو اعمى عن‬
‫رؤية حقيقته الخبيثة التي البعض يرل اف كل جرائمه هي قربى الى اهلل كأنه حالة استثنائية‪ ..‬على فكرة‪ ،‬هذق اسوأ‬

‫‪85‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫درجة من درجات الزندقة‪ ..‬هذا الزنديق الحقيقي كهو موجود‪ ،‬كليس له عبلقة ابدا بالوعي الذاتي‪ ،‬هو يعيش مع ذات‬
‫اخرل موهومة‪ ،‬لكي يستطيع اف يستبقي الذات الملعونة‪ ،‬ليس عندها محظور كال حدكد ! يكفي فقط اف تستغضبه‬
‫قليبل‪..‬حتى يهتك كل شيء محرٌـ منك عرضك كدينيك كمالك كاذا استطاع ىدمىك ايضا ! لهذا تجد هذا الشخص‬
‫ابعد الناس اف يكوف ذكيا عاطفيا‪ ،‬لذلك الينجح في الحياة االجتماعية‪ ..‬كعلى فكرة‪ ،‬هكذا تكوف الشخصية‬
‫السايكوباتية (الغير اجتماعية) الشخص السايكوبات يرل نفسه احسن انساف‪ ،‬كهو ممثل بارع كفي الوقت الذم يعرؼ‬
‫نفسه انه يكذب على اهلل كعلى الناس كعلى اقرب الناس اليه كييسيء اليهم‪ ،‬كليس عندق راحة ضميرية‪ ،‬بػػل الضمير‬
‫لديه اساسنا ! كلذلك علماء النفس الكبار قالوا احسن اسلوب في التعامل معه هو أف تبتعد عنه نهائيػػان‪ ..‬إيٌػػػػاؾ اف‬
‫تفكر بأنه لديك القدرة لتغير فيه‪ ..‬لن ينفع مطلقا غير اف تبتعد كتهػػػرب ‪.‬‬
‫‪ /2‬بيعد ادارة المشاعر كهذا له عبلقة بالبعد األكؿ كأنه نوع من التنويع كالتفصيل‪ ،‬كالتحكم بمشاعرؾ كتعطيها مدل‬
‫تتحرؾ‪ ،‬يعني من الذكاء االنفعالي انك تظهر احيانا انفعالك‪ ،‬كهذا ليس انفبلت ‪ ..‬بل النبي كا يغضب‪ ،‬لكنه يغضب‬
‫لحدكد اهلل‪ ،‬كيظهر غضبه‪،‬كهذا امر مطلوب‪ ..‬كفي بعض المرات ال‪ ،‬أم ليس دائما يكوف هذا نهجك‪ ،‬متى تظهر‬
‫انفعالك‪ ..‬متى تكبته‪ ..‬متى تقابل اإلساءة ببسمة‪..‬متى تقوؿ توقف هذا كافيا‪ ..‬هذق ادارة المشاعر‪ ،‬كال تدار على‬
‫نحو كاحد‪ ،‬يعني العرب كانت تقوؿ‪ :‬من استيغضًب كلم يغضب فهو حمار‪ ،‬فبل تقل انا حليم كساتحلٌم‪..‬ليس دائما كإال‬
‫اصبحت كالحمار بدكف مشاعر في المدل البعيد‪ ..‬فيه مرٌات عليك اف تضع حدا ‪ ..‬كلكن ليس دائما كأنت من يقدٌر‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪ /3‬بيعد الحافز ‪.‬‬
‫‪ /4‬بيعد التعاطف أم كيف تكوف متعاطفا مع اآلخرين‪ ،‬اف تضع نفسك موضع اآلخر‪( ..‬كارؿ ركجرز) من اعمدة علم‬
‫النفس االنساني قاؿ‪" :‬هذا من انبل مايتمتع به بنو البشر"‪ ،‬كعلى قدر ماتتمتع به‪ ،‬فأنت انساف راقي جدا جدا‪ ،‬اف‬
‫تحاكؿ اف تعيش الحالة التي يعيشها اآلخر‪ ،‬حتى تتفهم كضعه كتعرؼ احساسه ك تعرؼ مالذم تحتاجه لكي تتعامل‬
‫معه بطريقة مناسبة له‪ ..‬قاؿ (سانت أيكغستين)‪" :‬الحكم على الناس كبالذات من خبلؿ حيثيات مواقفه االجتماعية‬
‫خطيػػئة"‪ .‬هم العباقرة فقط الذين يتلمحوا الذكاء في أيناس عاديوف جدا جدا!‪ ،‬كالمسيح عندق اصل الرسالػة‪" :‬ال تدينو‬
‫ال تدانو"‪ ،‬فبل تكن موزعا تصنيفاتك للناس هكذا‪ ،‬بل على قدر ماتستطيع اف تبرر‪ ..‬ليس لمجرد التبرير‪ ،،‬ال‪ ،‬بل تبرير‬ ‫أل ٌ‬
‫تعاطفي‪ :‬لو كاف كذا ككذا ‪ ،‬لم يكن ليعمل هكذا ‪..‬تفهٌم احساس اآلخرين كمايحتاجوق هو من الذكاء كالريٌقي‪.‬‬
‫‪ /5‬بيعد المهارات االجتماعية كهي مهارات تواصلية ‪.‬‬
‫اذف نظرية الذكاء العاـ بالطريقة الداركينية غيػػر موجود‪ ،‬كمما يؤكد كبلمنا هذا‪ ،‬كالذكاء العاـ يفشل فيه أنك تجد‬
‫بماييسمى بػ الحمقى اك البيلهاء أك البيلٍه العباقرة‪ ..‬العالًم األحمق‪ ،‬يكوف معامل الذكاء عندهم اقل من خمسين! ‪..‬لكن‬
‫هؤالء في نفس الوقت ييعربوف كييترجموف عن بعض المهارات الذكائية كخاصة في الرياضيات مدهشة ك محيرة !!‬
‫كيف؟؟! النعرؼ‪ ،‬عجيػػب!‪..‬مهارات ذكائية غير طبيعية‪ ..‬هنػػا نظرية الذكاء العاـ تفشل‪ ،‬ففي هذا لديه تفوؽ في‬
‫جانب معين بشكل الفت‪ ،‬كفي باقي الجوانب ليس لديه اية مهارة‪ ،‬يعني اليوجد شيء اسمه ذكاء عاـ موجود كحد‬
‫معين في كل البشر‪.‬‬

‫"التكيٌف الميسبق"‬
‫ييقصد به ظهور تغيرات حيوية معينة‪ ،‬هذق التغيرات ال تخدـ شيئا ييراد اآلف‪ ،‬لكنها ستخدـ في المستقبل البعيد لماذا‬
‫ظهرت ؟ لماذا تم انتخابها ؟!! كهنا االنتخاب الطبيعي يفشل‪ ..‬يأتي شخص ما كيسألني‪ :‬اتناقش االنتخاب الطبيعي‬
‫اـ تناقش التصميم؟‪ ..‬نناقش التصميم‪ ،‬فمازلنا في برهاف التصميم!‪ ..‬كهذق تحديات اف هناؾ مصمما‪ ،‬كهذا المصمم‬
‫ليس االنتخاب الطبيعي كما تعتقدق أنت‪ ،‬بل هو المصمم الذم ال إله إال هو‪ ،‬فاالنتخاب الطبيعي المفركض ينتخب‬

‫‪86‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫األشياء التي تخدـ هنا كاآلف فقط‪ ،‬لكن ال ينتخب اشياءا ستستخدـ بعد نصف مليوف سنة كالتصويت عند االنساف‬
‫مثبل!‪ ،‬من قبل نصف مليوف سنة كاف عند اسبلفنا مجرل الصوت‪ ،‬كيف عرفنا؟ في الجماجم فيها نتؤات معينة لتؤكد‬
‫اف هذا المجرل موجود‪ ،‬مجرل الصوت عبارة عن حنجرة كالبلعوـ كاللساف المزمار كتجويفي االنف كالفم كاألسناف كمكملة‬
‫كالحنكين‪ ..‬كل هذا هو جهاز التصويت الذم كيجًد في اسبلفنا قبل نصف مليوف سنة‪ ،‬كلم يكونوا يتكلموف‪ ..‬كالى‬
‫اليوـ‪ ،‬في القردة العليا كفي الطفل الصغير االنساني‪ ..‬نرل تشابه كبير بينهما في كجود هذا الجهاز الصوتي كامبل‪،‬‬
‫كتجد الحنجرة مرتفعة‪ ،‬كلما ارتفعت الحنجرة يتقاصر البلعوـ كالينفع للتصويت بعد ‪ ..‬الطفل يكبر قليبل فالحنجرة تنزؿ‬
‫كيصبح البلعوـ اطوؿ‪ ،‬فيصبح صالحا للتصويت‪..‬لكن في القردة العليا ماتزاؿ حنجرتها مرتفعة التستطيع اف تصوٌت‬
‫كاإلنساف‪ ..‬لكن اف يكوف هذا المجرل الصوتي عند اسبلفنا من قبل نصف مليوف سنة ك لم يتكلموا‪ ..‬هذا شيء‬
‫غريػػب‪ ،‬كاالنتخاب الطبيعي كماقلت لكم هنا‪ ..‬يقف مكتوؼ اليدين‪ ..‬الستطيع اف يفهم لماذا ! ألنه المفركض اف‬
‫ينتخب مايصلح لآلف‪ ..‬كليس ينتخب ماسيصلح لمابعد نصف مليوف سنة !!!! اذف هناؾ قصد‪ ،‬هناؾ مصمم عندق‬
‫رؤية مستقبلية يقوؿ لك‪ } :‬يزيدي في الخلقً مايشآء (‪ { )1‬فاطر‪ ،‬كأنا اخليق كأطوٌر بهذق الطريقة لكي بعد نصف‬
‫مليوف سنة سأجعل من هذق الخليقة خليقة تصوٌت ك تتكلم! } الرحمن‪.‬علٌم القرآف‪.‬خلق اإلنسافى‪.‬علٌمه‬
‫البياف { الرحمن‪ 1:4،‬هنا تجد مددا جديدا لنظرية التصميم‪..‬‬
‫على كل حاؿ‪ ..‬لؤلسف‪ ،‬المشوار مع المبلحدة كالماديين تستمر كيتصل‪ ،‬اليستسلموف كهذا شيء جميل‪ ..‬ألنه أمر‬
‫يستدعينا للدفاع كالتفكير كبالمعاناة كبالصراع يصبح جميػػبل ‪ ..‬سبحاف اهلل‪ ،‬لذلك خطيبتك خطيبة هي أجمل منها‬
‫زكجة‪ ،‬لم تكن لك بالكامل مسىلىٌمة‪..‬لك فيها بعض الحظ كالحظ االكبر فيها لؤلهل ‪ ..‬على كلوٌ يتقدـ هؤالء لينقضوا‬
‫علينا كل البنياف بتشكيك فظيػػع مركٌع‪ ،‬كهذا التشكيك ممكن يسبق إليه فيلسوؼ كبير‪،‬اك حتى انساف عادم‬
‫يستخدـ عقله‪ ،‬من اين لي اف عقلي يفكر على النحو الصحيح كيعكس كاقعية األشياء؟! من اين لي اف االشياء لها‬
‫كاقعية حقيقية؟! قد تكوف المسألة كلها مبتدا كمنتهى أننا هنا كنفكر بطريقة معينة‪ ،‬نسقطها على الكوف الخارجي‪،‬‬
‫كنظن انها صحيحة كتعطي األشياء كاقعية‪ ،‬كهذا كله كهم كبير عشنا فيه‪..‬فقاعة‪،‬كله ترهات ‪ ..‬كنتحدث عن‬
‫تنظيم كانتظاـ كعن قوانين كعن حكمة كعن تدبير ك ربوبية كتصميم كمصمم ‪ ..‬ككل هذا اساطير !!؟ ‪ ..‬هذا سؤاؿ‬
‫ييطرح كاعتراض دائما ييطرح من كبار الفبلسفة كصغار المثقفين ‪ ..‬كهو مخيف ! لذلك البد اف نتكلم عنه بقية حلقة‬
‫اليوـ‪..‬‬
‫أكال هذق الشبهة تعني في الوقت ذاته اف التصاميم الصنعية ايضا ليس لها داللة كال كاقعية كالتصاميم الطبيعية‪..‬‬
‫انتبهوا‪ ،‬يعني اف الشبهة ليست عن التصاميم الطبيعية كتصميم الحامض النوكم‪..‬تصميم جناح الفراشة‪..‬تصميم دماغ‬
‫اإلنساف‪..‬الخ‪ ،‬حتى التصاميم الصنعية كالساعة كالصاركخ كالقنبلة النوكية كالسيارة ك‪ ..‬الخ‪ ،‬هذق تصاميم تعني انها‬
‫تعكس خطة كتعكس نظاما‪ ،‬النظاـ ارتباط سببي معين مقصود‪ ..‬شيء يرتبط بشيء بحيث يؤدم الى شيء كهكذا‪.‬‬
‫كمن أدؽ تعريفات التصميم‪ ،‬تعريف قدمه ابن ريشد رحمة اهلل عليه في كرددق بعض كبار علماء الفيزياء في القرف‬
‫الحادم كالعشرين دكف اف يقفوا عليه‪ ،‬يقوؿ ابن رشد‪" :‬النظم أك التصميم هو أف يكوف ماقبل الغاية خادما لما‬
‫بعدق(للغاية)"‪ ،‬يعني توجد عندم كسائل مقدمات هذق ليست حادثة اك موضوعة هكذا‪..‬ال ال‪ ،‬بل موضوعة لكي‬
‫تخدـ غاية محددة‪ .‬كلذلك يقاؿ في التصميم من احسن تعريفاته‪ :‬أف الوسائل تبحث عن غاياتها‪ ..‬هكذا يقوؿ بعض‬
‫علماء الفيزياء المعاصرين‪ .‬كاضح أنها توجد غائية معينة في التصاميم الصنعية صح ؟! غائية كاضحة ك (ديفيد هيوـ)‬
‫س عليها التصاميم الطبيعية ؟!! ‪( .‬ديفيد هيوـ) لم يخطر على باله من هو األصل كمن‬ ‫كافق عليها‪ ،‬لكن لماذا تقي ي‬
‫هو المقلٌد!‪ ،‬فاألصل هو الطبيعة ‪ ،‬كاإلنساف هو الذم ييقلٌد‪ ..‬الطبيعة علمت االنساف كيف يكوف التصميم‪ ،‬اليوـ‬
‫تقريبا مامن اختراع كبير إال كله اصل في الطبيعة !!!‪ .‬اذف اذا كاف فيه مصداقية ك كاقعية كداللة للتصميم الصنعي‪،‬‬
‫من باب اكلى اف يكوف هناؾ داللة لتصميم الطبيعة‪ ،‬بمعنى كما لو قلت لي أف هذق الساعة التي في معصمك تساكم‬

‫‪87‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫كما لوكانت مفككة اجزاؤها منثورة في ساحة االرض ! كماهو المثاؿ عندما تقوؿ لي عن جزمء الحمض النوكم بتنظيم‬
‫تركيبات مكوناته يساكم كما لو كاف مجموعة قواعد نيتركجينية مرماة هكذا في فضاء الجسم اليصل بينها شيء مع‬
‫ركابط هيدركجينية منثورة مفككة‪ ،‬هل يتساكياف حقا في كبل الحالتين ؟!! الفرؽ بينهما أف هذا يشتغل كهذا ال‬
‫يشتغل‪ ..‬هذا ييشفًٌر كيعطي اكامر كينجح كيصنع ‪ ..‬كهذا اليستطيع ! كالفرؽ تماما بين هذق الساعة تدؿ على الوقت‬
‫كبدقة تستطيع اف تقوؿ لي بعد ساعة ستشرؽ الشمس‪ ..‬الساعة لم تجعلها تشرؽ لكنها دلٌت عليها‪ ،‬رابطة داللية‬
‫ليست تكوينية‪ ،‬ك متواضع عليها كتنجح دائما التخونني كما أف هذا الجزمء ينجح باستمرار في أف يعطي نتيجته‪ ..‬إف‬
‫ساغ لك اف تقوؿ هذا ‪ ،‬ساغ لك اف تقوؿ هذا بصدد الجزمء النوكم‪..‬‬
‫بعد الكبلـ في هذق المقدمة‪ ،‬التشكيك في موضوعية النظم في الكوف‪ :‬من قاؿ انه يوجد نظم إله ك كاقعية؟! قد‬
‫يكوف هذا اسقاط من العقل االنساني‪ ،‬الكوف هو هكذا كانتهى‪ ،‬بل نحن الذين سميناق نظما كاسقطنا عليه مفاهيمنا‬
‫البشرية كارداتنا كمصالحنا ‪ ..‬غير صحيح‪ ،‬لكن هذا الكبلـ خطير جدا كعدمي‪ ،‬كيعني أكؿ مايعني هو القضاء على سائغية‬
‫العلم‪ ،‬ليس العلم فقط‪ ،‬بل القضاء على امكانية كإمكاف كل استدالؿ من حيث أتى‪..‬ام استدالؿ‪ ،‬هو يقضي على‬
‫نفسه ‪ ..‬اتعرؼ لمى؟! نحن كل تفكيرنا ككل مفاكرتنا‪..‬كل حواراتنا كتواصلنا‪..‬كل هذا هو ضركب من االستدالؿ‪ .‬اذا‬
‫ت كاقعية النظم‪ ،‬معناها انكرت النظاـ االرتباطي‪ ،‬انه يوجد ارتباط معقوؿ بين االشياء‪ ،‬ليس بإرتباط عشوائي‪ ..‬بل‬ ‫أنكر ى‬
‫هذا مرتبط بهذا لمعنى‪ ،‬لغاية‪ ،‬لقصد‪ ،‬كبدليل أنه يشتغل عندما يرتبط فإنه يشتغل كيعطي نتيجة‪ ،،‬كاذا عكسنا‬
‫االرتباط اليعطي نتيجة اك اليشتغل بالمرة‪ ،‬تماما كصاركخ مكوف من خمسة مبليين قطعة‪ ،‬ابسط صاركخ لمٌا صينًع‬
‫كانت فيه خمسة مبليين قطعة!! ‪ ،‬قطعة كاحدة لو اخذتها يتوقف الصاركخ كله‪ ..‬يعني كل شيء في مكانه‪،‬‬
‫كمكاف لكل شيء – كمايقاؿ‪ -‬كل قطعة لها مكانها كهي في مكانها‪ ..‬اذف يوجد نظم‪ ،‬كهذا مايحدث في الطبيعة‪،‬‬
‫أم شيء خذ منه شيئا يتوقف‪..‬اك نتيجة مختلفة تماما التخدـ البنية قد تدمرها قد تعوقها قد تفسدها ‪..‬‬
‫ت كاقعية تعقيٌل العالم‪،‬‬
‫فحيػاتنا كلها هي قائمة على االستدالؿ‪ ،‬ال امكانية ألم استدالؿ من حيث اتى اذا انكر ى‬
‫معقولية العالم‪ ،‬كقدرة العقل على اف يتعقٌل‪ ،‬ألنه يصبح بكبلمك هذا كسؤالك كجوابك كاستداللك نفسه المعنى له‪،‬‬
‫فكما قلت لنا عن النظم كالتصميم عبارة عن اسقاطات عقولنا كاف العالم خاؿً من النظم ‪ ..‬آق اذف بكبلمك هذا فالعالم‬
‫منظم جدا جدا‪ ،‬كتسألني‪ :‬كيف فهمتى هذا؟! ألنه التوجد ارتباطات‪ ،‬كل شيء مرتب على كل شيء بدكف تنظيم‪ ،‬أنا‬
‫صرٌنا أنا اريدق غير منظم!‪ ..‬فأقولك لك‪ :‬انا‬ ‫سأفهم من كبلمك‪ ،‬سأفهم من محاجٌتك إف العالم منظم جدا‪ ،‬فتقوؿ لي مي ً‬
‫حير يا اخي‪ ،‬ألنه التوجد اية معقولية ألم شيء‪ ..‬انا سأرتب أم شيء على أم شيء كما أريد على رغبتي انا‪ ...‬فتقوؿ‬
‫لي‪ :‬هذق سى ٍفسىطة !‪ .‬أنت اذا قضيت على المبادمء تتيح لي كلكل احد كلنفسك المجاؿ ألف ييرتٌب أم شيء على أم‬
‫شيء!‪ ..‬هؤالء هم السفسطائيوف الحقيقيوف معاصركف في اثواب علماء كفبلسفة (يعني سفسطة التنتهي)‪ ،‬يلعبوف‬
‫لعبة السفسطة دكف اف يدركا!‪..‬‬
‫العػػلم على ماذا يقوـ باهلل عليك ؟!‬
‫العلم يقػػػوـ على االعتقاد بواقعية العبلقات االرتباطية بين االشياء‪ ،‬موجودة كيؤمن بها العلم‪ ،‬كبإختصار يقوـ على‬
‫موضوعية النظم‪ ،‬أنه يوجد نظم في الخارج‪ ،‬كيجًدتى لتكتشًف يه اك لم توجد فهو موجود كيعمل كيؤدم رسالته‪ ،‬فأنا كػعلم‬
‫احترـ هذا مبدئيان كأبدأ اسعى لكي اكشف عن القوانين الحاكمة كالفاعلة فيه‪ ،‬كهكذا يتمٌ العلم‪ ..‬كاذا انكرت هذا‪،‬‬
‫فأنت تضرب سائغية العلم‪ ،‬يصبح العلم غير سائغ مشركع مستحيل!‪ ،‬كهو مشركع ممكن جدا جدا كناجح كفعٌاؿ‪،‬‬
‫كسنرل ‪..‬‬
‫لو كاف كبلـ هؤالء السفسطائيوف صحيحا‪ ،‬ألمكن في عالم العلم ايضا أف نقرٌب اية ظاهرة من ظواهر الطبيعة‪ ،‬بأم‬
‫فرضية‪ ،‬ليس شرطا بفرضية محددة بل اية فرضية‪ ،‬انت قرٌبها بفرضية (أليست بإسقاطات كما تدٌعي؟!) كانا‬
‫سأقولبها بفرضية معاكسة لفرضيتك‪ ،‬أنت انظر اليها من زاكية من خبلؿ فرضيتك‪ ،‬كانا انظر اليها بزاكية بفرضية‪،‬‬

‫‪88‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫كفي األخير أنا سأنتج علما كأنت تنتج ‪ ...‬كهذا غير صحيح‪ ،‬ألنه في المسار العلمي تيمتىحىن فرضية‪ ،‬كتسقط‪ ،‬فنستغني‬
‫عنها‪ ..‬ك تيمتىحىن فرضية ثانية كثالثة كاحيانا عشرات الفرضيات الى اف نقع على الفرضيات الصحيحة التي تكشف عن‬
‫القانوف الحاكم‪ ،‬هي فرضية محددة كغيرها الينفع‪ ،‬كاحيانا ييعتىقد الفكر االنساف لمئة سنة كمئتين كثلثمائة سنة الى اف‬
‫يقع على الفرضية الصحيحة‪ ،‬كيظل فاشبل تماما كما فشل في فهم كثيرمن االمراض كآليات االمراض ككيف يحدث‬
‫المرض‪ ،‬كسقط في كهدة الخرافة كتداكل بالسحر كبالشعوذة كبالتنجيم ك ببوؿ الحمير‪ ..‬كبضرب الناس كبالتىٌربنة ك ٌخزٍؽ‬
‫سبى الى الشيطاف كالى اليهود كالى األجانب ‪ ...‬إلى أف عرؼ المقاربة الصحيحة لهذق الظاهرة‬ ‫الدماغ ‪ ..‬كمات البشر كين ً‬
‫االمراضية‪ ،‬كتغلٌب عليها كانتهى شيء اسمه الطاعوف‪ ،‬كشيء اسمه حصبة‪ ،‬كشيء اسمه كوليرا ‪ ..‬انهيناها باللقاحات‬
‫كالتطعيم كالتطهيرات كامور كثيرة جدا‪ .‬اذف العلم ينجح‪ ،‬كيسيطر‪ ،‬كيغير البيئة كالطبيعة‪ ،‬كيضع شركطه كامكاناته‪،‬‬
‫ألنه منهاج صحيح ينطلق من احتراـ النظم كالعبلقات العلٌية الحسابية في العالم الخارجي ‪ ...‬لكن مسألة اسقاط ‪..‬لك‬
‫الحق اف تقارب من زاكية بفرضية كأنا بفرضية كأنت ستنجح كأنا سأنجح هذق اسمها أم عندؾ صح ك عندم صح‪ ،‬غير‬
‫صحيح‪..‬في العلم هػػذا ال ييفلًح !! ممكن يفلًح في الفلسفة الفارغة على الجىهىلة‪ ،‬لكن في العلم الذم احيانا بييختىبر اختبارا‬
‫هرٍشة أىكقىفاها فإنما كًلىا جانبي هرشة لهن طريقي"‪( ،‬هرشة‬ ‫ف ى‬
‫تجريبيا ‪ ..‬الينجح اإلثناف‪ ،‬كاألعرابي الذم قاؿ‪" :‬خذا أن ى‬
‫هذق ثنًيىٌة قريبة على مكة في طريق الجحفة ك يتطًل على البحر األحمر‪ ،‬لها مسلكاف‪ ،‬من أم مسلك فأنت تأتي ثنية‬
‫هرشة)‪ ،‬ففي لغة الفيزياء مسألة تناظر‪ ..‬لكػػن في العلم ليس فيه كهذق المسألة ‪ ..‬مقآربة كحدة صحيحة‪ ،‬كالثانيػػة‬
‫تكوف صحيحة‪ ،‬قد تكوف هي المقاربة األصح نسبيا اآلف‪ ،‬الى اف تهتدم الى مقاربة اكثر صحةن‪ ..‬لن ليس كاحد ضد‬
‫كاحد كاإلثنين صحيحاف!‪ ..‬ال‪ ،‬هذا غير صحيح‪.‬‬
‫اذف األخطر ليس ضرب سائغية العلم فحسب‪ ،‬بل الوقوع في السفسطة بمعنى ضرب معقولية العقل‬
‫نفسه‪..‬معقولية الفكر البشرم‪ ..‬معقولية االستدالؿ البشرم‪ ..‬هذا اخطر شيء على االطبلؽ‪.‬‬
‫اآلف معقولية الطبيعة المتبدًٌية في نظمها كتصاميمها‪ ،‬اذا افترضنا أنها فعبل مجرد اسقاط بشرم يعكس تحيزاتنا‪،‬‬
‫كيعكس مصالحنا‪ ..‬كممكن اف نستبدؿ هذا التحيز بتحيز آخر‪..‬كما قلت بهذق الفررضية بفرضية اخرل‪..‬يهذق المقاربة‬
‫بمقاربة اخرل‪ ،‬فاألمر رهن كاحد من شيئين‪ :‬إما اف يكوف رهن التواضع كاالصطبلح بينا كمجتمع بشرم حتى مصغٌر‬
‫مجتمع علمي‪ ،‬كإما اف يكوف رهن البنية العقلية لنا ‪ ..‬لكػػن في كبل الحالتين هو اسقاط‪ .‬انتبهوا‪ ،‬االف سنتعمق اكثر‬
‫فلسفيا‪ ..‬الذين يينكركف موضوعية النظم‪ ،‬ككاقعية النظم كالتصاميم‪ ..‬نقوؿ لهم‪" :‬هذا االسقاط إما اف يعكس مسألة‬
‫كضعية‪ ،‬بحيث يكوف هذا االسقاط رهنا لئلتفاؽ بيننا بإختيارنا (مثل اتفاقنا عن اشارة المركر الحمراء انها توقف الطريق)‬
‫هل سيحدث هكذا؟! هذا الكبلـ بحد ذاته غير كاقعي اليحدث هكذا ‪ ..‬األكثر كاقعية هو أف هذا االسقاط البشرم‬
‫المدٌعى‪ ،‬كالذم يسحب كاقعية النظم هو انعكاس لبنية العقل االنساني !‪ ،‬يعني اقتربنا من (كانط ‪ ) Kant‬مخلوقين‬
‫نحن بالطريقة هذق‪..‬موجودين بالطريقة هذق‪ ،‬تطورنا(بلغة المبلحدة)بهذق الطريقة‪ ..‬العقل االنساني يفكر بالطريقة‬
‫هذق‪ ،‬لكن األمر في الخارج شيء مختلف ليس له عبلقة بهذا‪..‬عقلك هكذا! لو انك كنت مخلوقا آخر كلك عقل‬
‫(كمسألة كيفية ادراكك لؤللواف كاسمائها كمدلوالت لؤللواف نفسها)‪ ،‬فهو نفس الشيء موضوع األفكار كتعقيٌل‬
‫الكوف كالطبيعة كإدراكك لؤلصفر كاألحمر‪..‬التوجد اشياء اسمها اصفر كاحمر بل ندركها في عقولنا انها ذات األلواف‬
‫االصفر كاالحمر‪ . ..‬دخلنا في اشياء مشاكسة اآلف‪ ..‬لكن مزاؿ هذا الكبلـ غيػػر صحيح‪ ،‬نحن النستسلم االف‪ ،‬نقوؿ ال‪،‬‬
‫حتى النظم كالتصميم كالهدفية في الكوف ليست هي انعكاس لبنية العقل‪ ..‬ال فنحن لدينا فرضية اخرل ك أدؽ بكثير‪،‬‬
‫كهذا الشيء محير‪ ،‬كهذا ما حيىٌر (آينشتاين) كما قلت لكم مئة مرة‪ ،‬أنه يوجد تجاكب كيوجد تراسل بين بنية الكوف‪،‬‬
‫كبنية العقل ! كهذا الذم استعجب منه العلماء الكبار ‪ ..‬ستقوؿ لي‪ :‬هذق مجرد فرضية‪ .‬ال‪ ،‬هذق فرضية مؤيدة‬
‫بخمسين ألف دليل!‪ ..‬نحن نعيش بفضل صًدؽ هذق الفرضية ‪ ..‬ما رأيك ؟! سأثبت لكم هذا اليوـ ‪ ..‬هذق محاضرة‬
‫اليوـ ‪..‬‬

‫‪89‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫يوجد تجاكب بين بنية الكوف كبين بنية العقل بحيث اف العقل اآلدمي العقل البشرم االنساني قآدر –سبحاف اهلل‬
‫العظيم‪ -‬أف يفهم بعض سر هذق البنية‪ ،‬كبعض نظمها‪ ،‬كبعض تصاميمها كيتوغل ‪ ،‬كيبحث كيضع يدق على القوانين‬
‫الفاعلة كالحاكمة في هذا الوجود‪ ،‬كيسخر الوجود بها‪ ،‬كيفهمه فهما تنبؤيا‪ ،‬كيستطيع اف يعرؼ اليوـ أنه بعد مليوف‬
‫كخمسين سنة في يوـ كذا كفي ساعة كذا ‪ ..‬سيحدث كسوؼ كلٌي مثبل !‪..‬يعرؼ هذا كينجح تماما‪ ،‬كبالقانوف الذم‬
‫عرفه كسماق قانوف التربيع العكسي القائم على قانوف الجاذبية‪ ،‬استطاع اف يحددلك سيبعث المركبة الفضائية كتصل‬
‫بعد اربعة اياـ مثبل كعشرة كتسعة دقائق ‪..‬الخ تحط على القمر بعد هذا التوقيت تماما !!! كبالعفل يتحقق ماتمت‬
‫دراسته كحسابه !‬
‫كأيضا التجاكب بين بنية الكوف كبين بنية العقل سمحت لنا كعلماء كبشر ‪ ..‬اف نرل كنفكر عن شذكذ في مسار‬
‫كوكب ما‪ ،‬ككضعنا افتراضات احتمالية كجود كوكب آخر كتلته كذا ككذا‪ ،‬كبعدق كذا ككذا ‪ ..‬هو السبب في احداث‬
‫هذا االنحراؼ الفبلني ‪ ..‬كبعد ستين سنة تقريبا نكتشف هذا الكوكب بالضبط كعلى نفس البعد كبنفس الكتلة‬
‫كنسميه كوكب نبتوف !! ‪ ..‬أإلى هذق الدرجة ؟! اذف أنت اآلف ال ينفعك اف تتسفسط تتكلم سفسطائيا‪ ،‬فاألمر‬
‫اعقد من هذا بكثير‪ ،‬صحيح مسألة كيفية ادراؾ اللوف كما الى ذلك كلكن هذق مسألة اخرل ‪ ،‬لػػػكن هذا ال يضرب‬
‫اساس كاقعية منظومية العالم كمصممية الوجود‪ ،‬كال يضرب اهلية العقل إللتقاط القوانين الحاكمة‪ ،‬ستسألني‪ :‬اذف‬
‫هل القوانين لها كاقع متسامي ؟ ‪ ..‬فهذا يؤكد اف االفتراض ايضا غير صحيح كهو اف بنية العقل هكذا ‪ ،‬هذا المتاح‬
‫لنا يارب ‪..‬انتهينا كاغفرلنا‪ .‬ال‪ ،‬صحيح يوجد العقل كبنية كحاكمة علينا‪ ،‬كنحن النستطيع اف نفكر خارجه كال بغيرق‪ ،‬لكن‬
‫من حيسن حظنا أف هذق البنية متجاكبة مع بنية الوجػػػػػػود كقادرة اف تتراسل معاها جيدة جدا كتنجح‪ ،‬كمن هنا نجاح‬
‫العلم ‪ ..‬لػػػػكن السػػػؤاؿ‪ :‬كيف ؟! كماهو سر تجاكب البنيتين ؟ ‪ ،‬كنعود الى مفارقة كالس‪ ،‬كلماذا زكٌدتنا الطبيعة –‬
‫لديهم‪( -‬من غير اآلليات الغبية‪ ..‬لن تستطيع اف تفسر لنا) لماذا زكٌدتنا بهذق المىلىكة من قبل مئات ألوؼ السنين‪،‬‬
‫لماذا لدينا هذق اللياقة الهائلة؟ كهذق اللياقات ال عبلقة لها بوجودنا في إًطار البقاء فقط‪ ..‬ال‪ ،‬فنحن نستطيع اف نبقى‬
‫من غيرها‪ ..‬صحيح ؟!‬
‫الوجود له رتبتاف‪ ..‬تقسيم معين‪ :‬كجود تاـ‪ ،‬ك كجود االنساف ‪ ..‬اف يبقى ك أف يقهم > هذا كجود تاـ ! ‪ ،‬أما الوجود‬
‫الناقص‪ :‬فهو كجود الجمادات كالبهائم ‪ ..‬الخ‪ ،‬أف توجػد كال تفهم (فنحن شرفنا اننا نوجىد كنفهم)‪ ،‬لدينا القدرة اف‬
‫نفهم‪ ،‬عملت خطبة في السابق‪ ،‬عن هل يمكن لبقىٌة صغيرة دقيقة جدا جدا تمشي على شعرة في فرك حيواف لبوف‬
‫معين اف ترل هي هذا الحيواف التي هي على شعرة في فركق كتفهمه كله ؟! مستحيل ‪ ..‬فػ نحن أصغػػػر من هذق‬
‫البقىٌة في الكػػػػػػوف !! كلدينا القدرة على معرفة الكوف كبناء النماذج الرياضية تخيٌل شكل الكوف‪ ،‬هل هو اسطوانة‬
‫هل هو كرة هل هو مفتوح هل هو سلبي التحدٌب اك ايجابي التحدب اك مغلق؟ ‪ ..‬شيء عجيب‪ ،‬ككيف نشأ كمامصيرق‬
‫كماهو مسارق ‪ ....‬كيػف للبقٌة اف تفعل هذا ؟! بهذا العقل الضخم بهذق اللياقات العجيبة في قدرتها‪ ،‬كهي اكسع‬
‫بكثيػػػػػػر من حاجات البقاء اليومي العادم‪ ..‬مالنمل عاش قبلنا بكثير كالفأر عاش قبلنا كموجودين الى اليوـ كليس لديها‬
‫كل هذق اللياقات‪ ،‬نحن أتينا آخر شيء‪ ،‬نحن بقمة المخلوقات تطوريا‪ ..‬أليس هذا مايقولوق ؟! لكن لدينا كل هذق‬
‫االهلية‪..‬اذف هناؾ شيء معين‪ ..‬علينا اف نتساءؿ عنه ‪..‬‬
‫لنأخذ بعض االمثلة‪ ،‬تعرفوف جدكؿ العناصر الكيمياكية الذم كضعه العالم الركسي الشهير (ديميترم ماندؿ يًيف) في عاـ‬
‫‪1869‬ـ‪ ،‬طبعا هو عيدًٌؿ عدة مرات‪ ،‬لكن باختصار‪ /‬توجد ثمانية عشر مجموعة في الجدكؿ رأسية‪ ،‬كتوجد دكرات سبعة‬
‫افقية‪ ،‬كترتيب العناصر يتبع خطة محددة‪ ،‬جاء هذا الرجل لمن بعدق‪ ،‬كضعوا العناصر المكتشفة كفق الخطة هذق‬
‫تنتظم تماما‪ ،‬لكن بقيت فراغات‪ ،‬فعرفوا انه البد اف تكوف في الطبيعة عناصر تسيد هذق الفراغات‪ ..‬اذف يوجد نظاـ‬
‫هنا في الطبيعة‪ ،‬كليس نظاـ الجدكؿ الذم يكضًع‪ ..‬ال ال‪ ،‬هذا الجدكؿ مجرد صياغة بسيطة لهذا النظاـ‪ ،‬النظاـ العقلي‬
‫الذم اكتشفه كليس الجدكؿ‪ ،‬كنحن صغناق في شكل جدكؿ‪ ،‬ك فعبل‪ ،‬يوما فيوما نجد اف هذا توقع العلماء صحيح‪ ،‬الى‬

‫‪90‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫عاـ ‪2009‬ـ صار لدينا مئة كثمانية عشرة عنصرا ‪ 118‬في الجدكؿ الدكرم !! معناها فعبل الطبيعة فيها نظاـ‬
‫كدقيق جدا جدا‪ ،‬يسمح لػ (ماندؿ ييف) كلمن أتى بعدق اف يترؾ فراغات حتى في يوـ من االياـ س يتسىد !! يعني هذق‬
‫فراغات ادراكي‪ ،‬تعكس فراغات في الوجود‪ ،‬اذا امتؤل في الطبيعة سيمتليء في العقل أم في الجدكؿ‪ ..‬فيه تناظير !‬
‫حالة مرآكية‪ ،‬كهذا ماحدث ‪ ..‬معناها فيه نظاـ كهي ليست مسألة افتراضية ‪.‬‬

‫انتهى الجزء األكؿ من الحلقة ‪13‬‬


‫يتبػػع الجزء الثاني ‪....‬‬

‫‪91‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫الحلقة الثالثة عشر برهاف النظم ‪8‬‬
‫أعوذ باهلل السميع العليم من الشيطاف الرجيم‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪..‬الحمدهلل رب العالمين‪ ..‬ياربًٌ لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كماتحب كترضى‪ ،‬نعوذ‬
‫برضاؾ من سخطك‪ ،‬كنعوذ بمعافاتك من عقوبتك‪ ،‬كنعوذ بك منك النحصي ثناءا عليك‪ ،‬أنت كما اثنيت على‬
‫نفسك‪ .‬كاشهد اف ال إله إال اهلل كحدق الشريك له‪ ،‬كأشهد أف سيدنا كحبيبنا كنبينا محمدا عبدق ك رسوله‪ ..‬اللهم‬
‫صلٌ كسلٌم كبارؾ عليه كعلى آله الطيبين الطاهرين كصحابته المباركين الميامين كأتباعهم بإحساف الى يوـ الدين‪..‬‬
‫سبحانك العلم لنا اال ماعلمتنا إنك أنت العليم الحكيم‪،‬للهم عليمنا بما ينفعنا كنفعنا بما علمتنا ك زدنا علما‪ ،‬اللهم آمين‪...‬‬
‫أما بعػػػد‪،‬‬
‫السبلـ عليكم كرحمة اهلل كبركاته ‪..‬‬
‫على كل حاؿ قد علمتي كعىلًمى الناس أف مثل هذق المحاضرات اليمكن اف تفي بحاجة امثاؿ هاته الموضوعات على جهة‬
‫الغىناء كالوفاء‪ ،‬كلذلك اقتنعت اخيرا بأف ييترىؾ التفصيل في مثل هذا الموضوع لميؤلىٌف بحياًل ًه يمكن فعبل اف نيبرمء‬
‫ذمتنا‪ ،‬كاف نقض ىي حق الموضوع‪ ،‬أما في مثل هذق المحاضرات فالتوسط افضل‪ ،‬كهذا ماسنصير إليه لكن الذم لزىٌـ الى‬
‫االسهاب الطريقة العجيبة التي يمارس بها بعض الناس النقد‪ ..‬يتسرٌع قبل أف يتتًم الكبلـ في الموضوع‪ ..‬من اكؿ‬
‫حلقة يبدأ ييشكًل كيقوؿ أنت لم تقيل هذا كلم ذاؾ‪ ،‬طريقة غريبة جدا جدا‪ ،‬كاضح انها ناشئة من قلٌة اإلطبلع ك من‬
‫عدـ التدرب كالتمرٌس بأخبلقيات البحث كالمناظرة العلمية‪ ،‬لؤلسف الشديد ‪،‬كطبعا أجزاء كبيرة جدا‪ ،‬معظم االنتقادات‬
‫التي تيوىجىٌه إلينا سواءا في الموضوعات الفلسفية‪ ،‬أك في الموضوعات الدينية البحتة‪ ،‬إنما هي نػػاشئة من قلٌة االطبلع‬
‫كمن قلة التعميٌق‪ ..‬في هذق الحلقة سنغلق موضوع برهاف النظم بإذف اهلل‪ ،‬كنتناكؿ مسائل محددة ‪ ..‬المسألة األكلى ‪-‬‬
‫عنىٌى لي بعض كجوق النقل ايضا على اإلنتخاب التراكمي كفي الحقيقة ال ادرم‪ ..‬هل انا تناكلته في المحاضرات السابقة‬
‫المسجٌلة اـ في المحادثات مابعد التسجيل مع بعض اإلخوة‪ ،‬لكنني على ماهو اقرب الظن لي انني قد تكلمت عن‬
‫االنتخاب التراكمي لدل (ريتشارد دككنز)‪ ،‬كتصديت له بالنقد في محاضرة مسجلة‪ -‬على كل حاؿ‪ ..‬االنتخاب التراكمي‬
‫الذم اقترحه (ريتشارد دككنز) على ما اشرت الييفسًٌر لنا نشوء الجزيئيات الحيوية‪ ،‬اك جزيئيات الحياة األكلية مثل‬
‫الحامض النوكم مثبل‪ ،‬معركؼ لماذا اليستطيع تفسيرق‪ ،‬فاإلنتخاب الطبيعي يفشل في تفسير نشوء العالم المادم‬
‫الطبيعي‪ ..‬الكوف‪ .‬لػػػكن كوف اني ىذكىرت سبيبل طريفا إلبطاؿ النتخاب التراكمي‪ ،‬كليس االنتخاب بخطوة كاحدة – كما‬
‫اقترح (ريتشارد دككنز)‪ -‬بطريقة االشارة الى ماييعرىؼ في حساب اك في رياضيات االحتماؿ بالوقائع المستقلة‪ ،‬كالوقائع‬
‫المتنافية‪ ،‬كلكن هذا الكبلـ –لؤلمانة العلمية كألكوف أمينا مع ضميرم كمع عقلي ايضا – ليس دقيقا تماما بعد إمعاني‬
‫النظر فيه‪( .‬ريتشارد دككنز) قد تكوف قد قصٌرت به عبارته في كتابه الشهير <صانع الساعات األعمى>‪ ،‬لكن نحن‬
‫اآلف سندافع عن موقفه ثػػػم نوجًٌه إليه نقدا جديدا مع ذلك‪ ،‬ألف ماييحدًثيه االنتخاب الطبيعي في الحقيقة ليس هو –‬
‫كما قلنا كقاؿ غيرنا ‪ -‬من قبيل الوقائع المستقلة‪ ..‬هذا غير صحيح‪ ،‬بل هي كقائع متنافية الى ح وٌد ما‪ ..‬كيف؟‬
‫سنبسٌط ‪ :‬االف كائن معين ًبطىريق الطفرة حدث فيه تغير ما‪ ،‬هذا التغيٌر ثبت كتبرهن انه ناف هع له تكيٌفيٌان‪ ..‬ييكسًبيه‬
‫مركنة اكثر كمبلئمة اكثر‪ ،‬كتكيفا أزيد مع البيئة كشركطها‪ ،‬لذلك ييستبقى‪ ..‬كهذا هو جوهر االنتخاب الطبيعي‪ ،‬هذا‬
‫التغير يجعل الكائن اكثر مبلئمة للبيئة لذلك من الطبيعي اف يبقى! ‪ ..‬فكرة بحد ذاتها ذكية كمعقولة‪ ،‬ككما ضربنا‬
‫المثل بالديٌب البني كالدٌب األبيض في القطب مثبل‪ ..‬ألف هناؾ كيانا يقرر‪ ،‬كيانا كاعيا اك عاقبل اسمه االنتخاب الطبيعي‪،‬‬
‫االنتخاب الطبيعي ليس مفهوما كيانيا‪ ،‬ابدا‪ ..‬هو مفهوـ تخليلي‪ ..‬مفهوـ تفسيرم فقط‪ ،‬ليس اكثر من ذلك‪ .‬لكن‬
‫هذا يحدث‪ ،‬ال بأس نحن مستعدكف في درجة اك درجات من النقاش اف نتقبل هذا الشيء‪ ،‬كهي فكرة ذكية ببل‬
‫شك‪ .‬حتى اكضح مالدمٌ‪ :‬االنتخاب الطبيعي بهذا المعنى‪ ،‬اليتعامل مع هذق االحداث كهذق التغيرات على أنها كقائع‬
‫‪92‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬
‫مستقلة‪ ،‬كهي ليست مستقلة‪ ..‬مع أف هذا التغير يخدًـ الكائن كيجعله اكثر تكيفيا ‪ ..‬اذف ليست مستقلة‪ ،‬لذلك‬
‫هذا التغير هو الذم ييستىبقى‪ ،‬لو حدث تغير آخر قد ييهلًك الكائن‪ ..‬أم يصبح اكثر ضعفا كأقل مبلئمة لشركط بيئته‬
‫فيهلك كينقرض!‪.‬‬
‫إذف النقد الذم كجٌهناق‪ ،‬ك كجٌهه غيرنا الى االنتخاب التراكمي على اساس انه من قبيل الوقائع المستقلة هػػذا غيػػر‬
‫صحيح‪ .‬بل هذا ظلم لهذق اآللية العلمية‪ ،‬يجب اف نكوف دقيقين‪ ..‬كأنا دائما كما تعوٌدتي ك عوٌدتكم احترـ ضميرم‪،‬‬
‫كاحترـ ضميرم العلمي كليس الديني فحسب‪ .‬البػد اف نذكر الحقائق كما هي‪ ،‬كليس من مصلحتنا بعد ذلك أف نناقًش‬
‫ك أف نخرج في نهاية المطاؼ كالمغفلين ال نعرؼ عن ماذا نتكلم‪ .‬فاالنتخاب الطبيعي اليتعامل مع كقائع مستقلة‪ ،‬ك‬
‫للتذكير‪ ،‬الوقائع المستقلة من قبيل خمس قطع معدنية مثبل مرقٌمة بأرقاـ من كاحد الى خمسة‪ ،‬تضعها في جيبك‪،‬‬
‫كباإلحتماؿ اف تسحب رقم ثبلثة مثبل‪ ،‬فمن أكؿ ضربة هو‪ :‬كاحد على خمسة‪ ،‬ثم سحبت قطعة اخرل كظهر لك انه‬
‫كاف رقم اربعة‪ ،‬تعيد هذق القطعة المعدنية‪ ،‬احتماؿ اف تسحب رقم ثبلثة من اكؿ ضربة ايضا هو خيمٍس‪ ،‬كهكذا ‪..‬‬
‫كلو سحبت بليوف مرة االحتماؿ يبقى دائما خيمس‪ ،‬ألنه كقائع مستقلة‪ ..‬أما الوقائع المتنافية‪ :‬فتسحب رقم ثبلثة لكن‬
‫ينسحب معك فيخرج معك رقم خمسة‪ ،‬فتستبعدق كتجعله خارج جيبك‪ ،‬ثم تسحب اآلف ‪ ..‬احتماؿ اف يكوف الرقم‬
‫الخارج معك هو رقم ثبلثة فيكوف‪ :‬كاحد على اربعة ! أم ارتفع االحتماؿ‪ ..‬لكن خرج معك رقم اثنين فتستبعدق‪،‬‬
‫كاحتماؿ اف يكوف ثبلثة فثيليث كهكذا نصف كهكذا كاحد على كاحد ‪ ..‬يعني كقائع متنافية‪ ،‬في الحقيقة االنتخاب‬
‫الطبيعي اقرب الى اف يتعامل مع الوقائع المتنافية! التغير الذم يفيد ييستبقى‪ ..‬التغير الذم ييهلًك ييستبعد إذف هػػي‬
‫ليست مستقلة‪.‬‬
‫لكػػػن رغم ذلك كمع ذلك مايىفشىل االنتخاب الطبيعي في تفسيرق اشياء كثيرة ايضا من ضمنها‪ :‬ل ىم دائما تكوف‬
‫نتيجة هذا االنتخاب بًنيىة تىصًف بالجمالية كبالتناظرية‪ ،‬ككاف يمكن للكائن اف يعيش بغير هذا التناظر كبكسرق احيانا‪..‬‬
‫فما سر هذا التناظر؟! تمػػػػاما كمسألة االحماض األمينية العسراء‪ ،‬لماذا هي دائما عسراء يسارية كال تتركب اال بهذق‬
‫الطريقة كبإستمرار؟ لمػػػاذا لم يتدخل االنتخاب الطبيعي هنػػا ؟؟! على فكرة هناؾ نقود اخرل طويلة‪ ،‬لكن ال اطوٌؿ ‪،‬‬
‫احببت فقط اف اسجٌل هذق المبلحظات بسرعة‪.‬‬
‫كهنػػاؾ شيء أخطر من هذا‪ ..‬انها شبهة يلجأ اليها الماديوف كالمبلحدة كالتطوريوف الذين ارادكا اف يكونوا تطوريين‬
‫مبلحدة‪ ،‬كهي شبهة التٌبصيٌر الرجعي عشرين على عشرين‪ ،‬بمعنى اف التٌبصيٌر الرجعي يكوف دائما صائبا بنسبة عشرين على‬
‫عشرين‪- ،‬كما نقوؿ عن النظر ستة على ستة – كهنا اليعني بػ البىصىر إنما التبصيٌر‪ ،‬نحن نسميه اإلدراؾ بأثر رجعي‪ ،‬الفهم‬
‫بأثر رجعي‪ ،‬من قديم نحن نتكلم في قضايا التاريخ عن ادٌعاء الحكمة بأثر رجعي‪ ..‬هذا يسمى في لغة العلم‪ ،‬كييستخدـ‬
‫في العلم حتى في ميادين مختلفة بما فيها علم النفس يسمى التبصر بأثر رجعي‪ ..‬معنػػى هذا الكبلـ ‪ :‬قد يقع حادث‬
‫معين كلنفترض حادث سيٌارات‪ ،‬طبعا النتيجة مركٌعة لكنها لم تبلغ حد الموت‪ ،‬كبعد اف يبرأ السائق ك يىنٍقىه يبدأ‬
‫يتساءؿ مالذم حدث معي‪ ..‬كيبدأ يستذكر ‪ ،‬كربما يقوؿ‪" :‬آق‪ ..‬هذا الحادث كقع فعبل بأنني عندما رأيت السائق‬
‫المعاكس لي لم اتصرؼ بالطريقة السليمة‪ ،‬كاف ينبغي اف انحرؼ قليبل الى اليمين‪ ،‬يبدك انه اختلط عليٌ األمر‪ ،‬كفوجئت‬
‫ت شماال‪ ،‬كهذا الذم أدٌل الى هذق المىهلكة"‪ .‬االف هو تماما يفهم مالذم حدث لكػػن بأثر رجعي‪..‬‬ ‫ت التحكم فدخل ي‬
‫كفقد ي‬
‫كل شيء امامه‪ ،‬كموضوع ال ًفتىن‪ ..‬كفتنة سياسية اك أم شيء‪ ،‬طالما هي موجودة كجارية قػلىٌ من الناس من يفقه‬
‫حقيقة مايجرم‪ ،‬بعد اف تضع اكزارها ك تيسفًر عن آثار مدمرة كهائلة على مستول الشعب‪ ،‬يبدأ ماشاءاهلل ادعياء الحكمة‬
‫بأثر رجعي !‪ ..‬في الحقيقة كاف ينبغي اف نفعل كذا ككذا ‪ ..‬كالحزب الفبلني اخطأ ك تهور كك‪ ،..‬ال ال‪ ،‬انت تتكلم في‬
‫أثر رجعي بنسبة عشرين على عشرين‪ ،‬لكن في اثناء المحنة أنت لم تفهم هذا‪..‬‬
‫التبصر بأثر رجعي في قضايا اإللحاد كاإليماف ييستخدـ بأسلوب ماكر جدا‪ ،‬كغبي جدا‪ ..‬كتجدهم من علماء كبار‪ ،‬كبعضهم‬
‫علماء الرياضيات‪ ،‬كبعضهم علماء فبلسفة ‪ ..‬يوظفونه على هذا النحو‪ ،‬يقولوف أنتم يامعاشر الميؤلًٌهة كالمؤمنين تدأبوف‬

‫‪93‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫دائما على اإلستنجاد بمفهوـ التعقيد‪ ،‬كأف هذق بنية معقدة‪ ،‬كهذا تصميم معقد ‪ ..‬الخ‪ ،‬قالوا نحن ال نؤمن بهذا الشيء‪،‬‬
‫كهذا اليؤثر علينا كثيرا‪ ،‬هذا ال ييحدًث لنا فرقا‪..‬كيقولوف‪ :‬كل ماهنالك أنكم جئتم الى بنية ما كهي كثيرة جدا‪ ،‬فقلتم‬
‫انها معقدة جدا بحساب االحتماالت‪ ..‬مستحيل اف تتركٌب هذق المتعضية‪ ..‬هذا التركيب ‪ ،‬كاليترتب هذا الترتب‬
‫بالصدفة‪ ،‬اذف ال بد اف هناؾ ذكاءا ك كعيا‪ ،‬كعقبل من هذا التعقيد كهو اللػه‪ .‬اذف هو اهلل ‪..‬قد ثبت المطلوب‪ .‬ال‬
‫هذق طريقة فاشلة التقنعنا‪ ،‬فأنتم تدٌعوف هذا من باب التبصر بأثر رجعي‪ ..‬قالوا‪ :‬إأتونا االف بكم من القطع المعدنية‪..‬‬
‫اجزاء أم شيء‪ ،‬ألف قطعة مثبل‪ ،‬خذكها هكذا كانثركها في الهواء ‪ ..‬كهذق القطع مرتبة من كاحد الى ألف مثبل‪ ،‬ستقع‬
‫كقوعا اتفاقيا‪ ،‬لكن ستشكل االف شيئا مركبا تركيبا ما‪ ..‬الحديث عن الترتيٌب االف‪ ،‬كليس التركيب بالمعنى الحيوم‪..‬‬
‫لكن ترتب معين ك تحدًث شكبل‪ ،‬هذا الترتيب معقد ك معقد جدا‪ ،‬كبمعنى انه بحساب االحتماالت‪..‬لو قذفنابها مرة‬
‫اخرل لكي تترتب هذا الترتب فلن يحدث ذلك‪..‬مستحيل‪ ،‬كلو قذفت بها مليوف مرة ستترتب بترتب جديد كمعقد‪،‬‬
‫هناؾ تركيب حقيقي‪ ..‬كهذا اليساكم لك اف تقوؿ اف هناؾ تركب كتعقد ليس للصدفة دكر فيه‪ .‬بل هو صيدفي‬
‫تماما! كال دكر للعقل فيه‪ >> ..‬هكذا ييشكًلوف على الناس‪ ..‬كبعضهم كتب هذا المثاؿ باإلنجليزية نقدا إلحدل‬
‫محاضراتي قبل فترة‪ ،‬قرأت هذا كضحكت‪ ..‬كسأجيب على هذا الكبلـ المتهافت جدا الذم يحتج به بعض العلماء‬
‫كالفبلسفة‪ ،‬كبلـ ضعيف كالقضية اكسع كاكبر بكثير من قضية التبصر بأثر رجعي‪..‬لماذا؟ سأضرب لكم بمىثىلين كبهما‬
‫يضح لكم األمر تماما ‪:‬‬
‫لدينا مجموعة الحركؼ العربية‪ ..‬ثمانية كعشركف حرفا مكتوبة على قطع خشبية مثبل اك معدنية اك ببلستيكية‪ ،‬اخذنا‬
‫هذق األحرؼ كنثرناها في الهواء‪ ،‬كقعت االف في حيٌز معين ‪ ،‬كترتبت ترتبا ما ‪ ..‬س ع ز ؽ ‪ ..‬لنقرأها االف‪ ..‬كجدناها‬
‫اعتباطية ليس لها أم معنى اك مفهوـ‪ ،‬كلكن هذا الترتيب الذم حدث بمحض الصدفة ترتيب ما‪ ،‬لكػػي يحدث مرة اخرل‬
‫بالصدفة ‪ ...‬تجدق مستحيػػػػػػػػل‪ ،‬يوجد فيه نوع من التعقيد‪ ..‬كلو نثرتها مليوف مرة ستقع بػ ترتب جديد – كالفرؽ‬
‫بين الترتب كالترتيب هو أف الترتب‪ :‬مايحدث كيقع بدكف أم فاعل يقصد بحدكثه‪ ،‬أما الترتيػب‪ :‬أم اف هناؾ فاعل‬
‫قىصى ىد على عمل هذا الترتيب‪ ،‬كالفرؽ بين الصيٌدٍفي ك الغائي‪ -‬لكن انتبهوا‪ :‬المليوف ترتب بينها شيءه يجعلها متساكية‪،‬‬
‫بإعتبار معين كلها متساكية مع انها مختلفة‪ ،‬مليوف ترتب مختلف‪ ..‬اتعرفوف مالذم ييساكم بينها ؟؟ نعم إنها‬
‫اإلعتباطيػػة!‪ ،‬أم مليوف ترتٌب بػػبل معنػػى‪ ..‬ببل رسالة ‪ ..‬التحكي شيئا ‪ ..‬التدؿ على شيء‪ .‬لػػػػكن لو مرة –كهذا الذم‬
‫حىدىث كال يزاؿ يحدث في الوجود – نثرنا هاته األحرؼ في الهواء فسقطت على االرض كترتبت مثبل بطريقة‪ :‬ـ ف _ ؿ‬
‫ـ _مـت_باؿسمؼ_ـات_بغمرق_تعددت_اؿاسباب_كاؿـكت_‬
‫ك ا ح د ‪ ..‬حػػػػتما سيكوف هذا األمر الفتا جدا لكل من شاهد هذا الترتب‪ ،‬بل على األصح هو ترتيب كليس ترتب‬
‫ألنك لو نثرتها مرة اخرل ستترتب بشكل بيت شعر آخر اك جملة مفهومة نستطيع اف نعيها‪ ،‬ففي الطريقة األكلى كاف‬
‫تعقد كتركيب يحكي ترتبا‪ ،،‬كهناؾ (في الطريقة الثانية) تعقد كتركيب يحكي ترتيػػبا‪ ..‬في األكؿ اعتباطي‪ ،‬كفي اآلخر‬
‫غػػػػائي قصدم‪ ..‬هادؼ‪ ..‬ذك معنى ذك داللة ‪ ..‬ذك رسالة! كقطعػػا الترتب اك الترتيػػب –البد اف نفكر هل هو ترتب اك‬
‫ترتيب – الحاصل بين القواعد النيتركجينية االربعة للحامض النوكم ‪ DNA‬هو ترتيػػػب ليس مجرد ترتب‪ ،‬ألنه ليس‬
‫فقط بذم داللة‪ ،‬كإنما داللة ك أ ٌم داللة!‪ ،‬داللة تيشفًٌر للكائن كله‪ ،‬تجعله على ماهو عليه‪ ..‬هي الداللة التي تجعلني‬
‫على ما انا عليه‪ ،‬تجعل الدجاجة على ماهي عليه‪ ،‬كالكركدف على ماهو عليه‪ ،‬كالشجرة على ماهي عليه‪ ،‬كالزهرة على ماهي‬
‫عليه‪ ..‬كماكل تلك المخلوقات على ماهي عليه هػػو الحيػػػاة‪ ،‬كالحياة شيء متفرٌد كمفترًؽ ك متميز كمختلف الى ابعد حد‬
‫عػػن الػػبل حيػػاة ! كلذلك‪ ،‬فرؽ كبير بين تركٌب نراق مثبل في السحاب‪ ،‬كبين تركيٌب نراق في البنية الحية‪ ،‬كلذلك ظل‬
‫اإللػػهيوف كدأبوا ك إلى اليوـ على اف يستشهدكا كيستدلوا على كجود الخالق سبحانه كتعالى ال بأشكاؿ السحاب‪،‬‬
‫كشكل سحابي مثل كلمة محمد‪ ،‬مثبل‪ ،‬ال‪ ..‬هذا يحدث صدفة عند الناس‪ .‬المسيحيوف كم مرة رأكا شكبل يشبه‬
‫شكل عيسى عليه السبلـ في السحاب‪ ..‬ك الييستىدىؿ بهذا على شيء ‪..‬إال العواـ الجىهىلة‪ ،‬النستدؿ بكومة كوٌمت‬

‫‪94‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫جببل اك تلٌة رمل‪ ،‬هذق التلٌة خذ منها قليبل أك زًد عليها قليبل‪ ..‬تبقى تلٌة!‪ ،‬ال يظهر تغيٌر دراماتيكي‪ .‬لػػػػكن لنرل‬
‫الػ ‪ DNA‬خذ قاعدة نيتركجينية ‪ ،‬اضف قاعدة‪..‬ينبثق لنا تغيٌر دراماتيكي !! تغير الكائن بالمرة ‪ ..‬يتشوٌق‪ ،‬فبدال من‬
‫اف يخرج (آينشتاين) سيخرج (فرانكشتاين) مثبل !! ‪. J‬بدال من اف يخرج كائنا جميبل‪ ،‬تخرج مقبحة تجرح الشعور الجمالي‬
‫عند اإلنساف حتى ‪ .‬كهكذا‪ ..‬ألف هذا التركيٌب "هػػادًؼ ك غائي ك مقصود‪ ،‬كله رسالة" ككما قاؿ (ألفرًد نورت كايتد)‪:‬‬
‫"األموات ال يحملوف رسائل" فقط األحياء كالعقبلء يحملوف رسػػائل‪ .‬كاضح اف هذق الطبيعة كهذا الوجود‪ ،‬كجود‬
‫كتىب كأرسل‬ ‫هادؼ كغائي‪ ،‬يحمل رسالة‪ ..‬دايما اذا تحدثنا عن الرسالة‪ ،‬مباشرة يتبادر الى الذهن هذا السؤاؿ‪ :‬من الذم ى‬
‫الرسالة؟ كإلى مىػػن؟! كهذا يذكرنا مرة اخرل بالقدر الهائل‪ ،‬الذم يزكًٌ ىد به الكائن الحي من الذكاء‪ ،‬كقبل ذلك هو عندق‬
‫كى الرسائل ! ييرا يد منه‪ ،‬كييراد له اف يفك هذق الرسائل‪ ..‬كالحمدهلل هذا االنساف‬ ‫هذا الذكاء ‪ ..‬لمػػػػػاذا ؟! لكػػي يىفيػػ ٌ‬
‫يفعلها ‪ ..‬يفعلها بالعلم‪ ،‬بالفلسفة‪ ..‬يفعلها بالبلهوت‪ ..‬يفعلها هكذا‪ ،‬ألنه مزكد‪ ..‬بمالم تيزكٌد به كائنات اخرل!‪ .‬اذف‬
‫موضوع التبصر بأثر رجعي الينبغي اف ييشغىب على الناس كال على المؤمنين‪ ..‬ليس فيه شيء جديد كهو موضوع تافه‪..‬‬
‫النقطة األخيرة التي اريد اف اختم بها كبلمي في الجزء األكؿ من هذق الحلقات‪ ..‬كما كعدتكم اف اتحدث عن إله‬
‫الفجوات‪..‬‬
‫معنػػػػى إله الفجوات‬
‫نسمع هذا المصطلح كثيرا جدا‪ ،‬كثيرا مانعثر عليه في كتب المبلحدة كالعلماكيين الذين يسخركف من الدين كمن طريقة‬
‫المتدينين في التفسير كالفهم‪ ،‬كمن موقف المتدينين من العلم كمناهجه‪ ..‬إلػػه الفجوات له معنياف‪ :‬احدهما معركؼ‬
‫كمشهور‪ ،‬كاآلخر اقل شهرة كمعرفية‪.‬‬
‫ق هذا‬ ‫المعنى األقل شهرة كمعرفية كالمعنى الذم تشبٌث به اسحاؽ نيوتن كأضرابه‪ .‬اهلل تبارؾ كتعالى شاء اف يخل ى‬
‫ل مسار كمسير هذا الكوف للقوانين التي اكدعها‪ ،‬يعني هذا اإلله الى حد ما قريب من المحرؾ الذم‬ ‫الكوف‪ ،‬ثم ىككى ى‬
‫اليتحرؾ الذم تفقٌت عنه ذهنية (ارسطو طاليس)‪ :‬القوانين االف هي التي تتولى المسألة‪ ،‬اهلل الذم خلق الكوف كمن‬
‫ثم رىفىع يدق‪ ،‬اهلل الذم اكدع فيه قوانينه‪ ،‬قوانينه تسٌيًري يق ‪..‬اهلل يراقب فقط كال يتدخٌل‪ ،‬بعضهم –الذين لديهم نزكع‬
‫الهوتي اك ديني ‪ -‬قاؿ يمكن اف يتدخٌل احيانا ليصنع معجزة اك عجيبة‪ ..‬أما العلماء األكفياء لمنهج العلم فيرفضوف‬
‫تمااااما المجاؿ للتدخل حتى هلل ‪ ..‬قانوف طبيعي سارم دائما كال يينقىض كال يقبل استثناءات‪ << ..‬هكذا يقولوف!‪.‬‬
‫على كل حاؿ‪ ..‬لكن هذا لم يكن نهاية المطاؼ‪ ،‬الحظ (اسحاؽ نيوتن) اف هذق القوانين تيقصًٌر احيانا في فهمنا كفي‬
‫تفسيرنا لماذا تحدث بعض األشياء التي تعتبر شذكذا عن هذق القوانين كمسارات بعض الكواكب مثبل‪ ..‬فإقترح‬
‫(نيوتن) أف اهلل يتدخٌل في هذق اللحظات حين ييقصًٌر القانوف –كفي الحقيقة ليس القانوف إنما هو فىهٍمنا اك صياغتنا‬
‫للقانوف‪،‬ربما حددناق اكثر من البلزـ اك كسٌعناق اكثر من البلزـ‪..‬الادرم – أم اف يكوف حينها لزاما على اهلل اف يتدخٌل لكي‬
‫يعيد األمور الى نصابها ثم يعود القانوف يعمل على ماهو الئح كبائن لنا‪ .‬بدال من اف يقوؿ أنا قاصر فهمي للقانوف‬
‫صياغتي له‪..‬حدكد فهمي لعمل هذا القانوف يبدك انه خضعت هذق الحدكد لنوع من التشوٌق لنوع من القصور‪ ..‬ال‪،‬‬
‫سبحاف اهلل‪ ،‬كهذا هو عجرفة اإلنساف كعجرفة العلماء‪ ،‬أم انه من األسهل عليهم اف ينسبوا القصور الى صانع القانوف‪،‬‬
‫ألنهم يركف انه اذا كانت القصور في القوانين أم اف القصور في صانع تلك القوانين‪..‬القانوف يقىصًٌر‪ ،‬المفركض أف ال‬
‫ييقصٌر‪ ،‬بل المفركض اف يكوف على قد الميقىنىٌن له‪ ،‬فنحن نتدخٌل بإيضاح كيفية تصحيح اهلل في هذا بإله الفجوات‪.‬‬
‫كًريني تماما لؤلسف‪ ،‬بمحاكالت بعض رجاؿ‬ ‫كهػػػذا غير صحيح‪ ..‬لكن هذق عجرفة اإلنساف‪ ،‬كأنه هو الكامل‪ ..‬هذا ييذ ٌ‬
‫الدين لدينا نحن المسلمين ايضا‪ ،‬لتفسير بعض األخطاء‪ ..‬التناقضات‪ ..‬التعاكسات في األحاديث النبوية الصحيحة‪..‬‬
‫يسهيل عليهم اف ينسبوا الخطأ الى اهلل عًوىضػػنا أف ينسبوق الى البخارم اك مسلم أك إلى الركاة !!‪ ،‬بل يعتقدكف اف الركاة‬
‫الييخطئوف‪ ،‬ماشاءاهلل كانهم كاملين خالين من األخطاء !‪ ..‬كتجدهم في محاكالتهم ينسبوف الخطأ كالنقص الى اهلل‬
‫بالجهل اك بالكذب‪ ..‬استغفر اهلل العظيم! ‪ .‬ستقوؿ لي هذا كيفر‪ ،‬من اين لك بهذا الكبلـ؟!‪ .‬هذق حقيقة لكن لن‬

‫‪95‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫اضرب لها مثبل اآلف‪ ،‬تحتاج الى درس ديني‪ ،‬اف شاءاهلل سأيلقيه‪ . ..‬هذا إله الفجوات‪ ،‬إله الفجوات في المفهوـ الشائع‬
‫كالمعركؼ عند معظم الناس كمعظم المثقفين على االطبلؽ هو‪ :‬كل مايفشل العلم في تقديم تفسير له نقوؿ "اهلل‬
‫هو الذم فعل هذا"‪" ،‬اهلل أراد ذلك"‪ ،‬فسيمًٌيى إله الفجوات‪ ..‬حيػػلة ييهرىع إليها المتديًٌن العاجز الذم اتخذ موقفا سلبيا‬
‫من العلم كمساعيه كمنجزاته‪ ،‬تجعله دائما كلما الحظ اك كقف على فشل جزئي للعلم في تفسير ظاهرة معينة تجعله‬
‫يهرع الى القوؿ‪ :‬ارأيتم؟ العلم ىفشًل!‪ .‬حسنا ألديك تفسير؟‪ .‬نعم لدم تفسير‪ :‬اهلل هو الذم صنع هذا‪ ..‬اهلل هو الذم‬
‫صمم ك رتٌب بهذق الطريقة ‪ .‬لذلك هم يقولوف برهاف النظم يخدًـ إله الفجوات‪ .‬كهذا غير صحيح‪ ،‬كال يمكن اف نتورٌط‬
‫في هذا نحن‪ ..‬لكن كيف ‪ ،‬مالذم يحدث؟!‬
‫سأقوؿ لكم الحاصل في هذق المسألة كاهلل اعلم‪ :‬الخطػػأ الكبير الذم كقع فيه الفًكًر األكركبي‪ ،‬كال زاؿ متورطا فيه الى‬
‫ض كاحد مع القوانين التي تكفىٌلى العلم بإكتشافها ثم صياغتها‬ ‫اليوـ هو أنه تخيىٌل أف اهلل تبارؾ كتعالى يعمل في ىع ٍر و‬
‫باألسلوب العلمي المعركؼ‪ ،‬يعني يتعارضاف عًوىضنا أف يتطاكال‪ ..‬سنشرح هذاف المفهوماف الفلسفياف (مفهوـ التعارض)‬
‫ك (مفهوـ التطاكؿ) ‪:‬‬

‫إذا كاف اهلل يعمل في عرض عمل القوانين‪ ،‬فواضح إذا امكىنى تبياف كتفسير الظاهرة بعمل القانوف ال يبقى دكر هلل‪ ،‬اف‬
‫اهلل هنا فرضية غير الزمة !‪ ..‬طبعا انا متأكد االف انتم كمسلمين كمسلمات تتعجبوف من هذا المنطق‪ ،‬تقولوف‪ :‬هذا‬
‫منطق في منتهى السخافة‪ ،‬كأف القوانين تتحدل اهلل ! كأنها ليست اسلوب اهلل في العمل! كأنها ليست مفعوالت‬
‫هلل! لكػػػن هكذا هو الفكر األكركبي‪ ..‬شيء غريػػػب!‪ .‬كسأقوؿ لكم لماذا انتهى األمر الى هذق النهاية المأساكية –‬
‫كهذا معنى إله الفجوات‪ -‬اهلل يتعارض مع القوانين أم يعمبلف في عرض كاحد كليس في طوؿ كاحد‪( ..‬توماس‬
‫كتىب يقوؿ مرة ‪" :‬كل ماينجح العلم في تفسيرق‪ ،‬فبالضػػػػركرة اهلل ال دكر له فيه"‪ .‬ال‪،‬‬ ‫هاكسلي)<كلبي داركين> ى‬
‫ليس بالضركرة‪ ،‬هذا كبلـ غبي جدا جدا‪ ،‬كبلـ غير صحيح البتٌة‪ ،‬لكنه يقوؿ هذا كفي القرف التاسع عشر‪ ،‬أما في القرف‬
‫العشرين كالحادم كالعشرين يكتب (ستيفن كاينبيرغ) –حامل جائزة نوبل في الفيزياء‪ -‬في <احبلـ النظرية النهائية>‬
‫كاف يقوؿ‪" :‬كاف الناس الى غاية القرف التاسع عشر يؤمنوف باهلل مستندين الى براهين من جنس اف األجراـ السماكية‬
‫أجراـ خالدة‪ ،‬كأجراـ بسيطة كمكونة من مادة اخرل ‪-‬أم انهم يكرركف اسطوانة (ارسطو) – من عالم الكوف كالفساد‪ ،‬أما‬
‫األجراـ العلوية فليست من عالم الكوف كالفساد‪ ،‬فهذا عالم دائم اثيرم ال ينحلٌ كالبسائط" كيستدلوف بهذا على اهلل‬
‫الذم خلقها كعلى جماله ‪ ..‬قاؿ‪" :‬أما اليوـ فالناس يركف فيها اشياء من الناحية التكوينية تماما كاألشياء التي على‬
‫األرض‪ ..‬عالم الكوف كالفساد‪ ..‬نفس العناصر مثل الهيليوـ كالهيدركجين ‪..‬الخ‪ .‬ثم استتلى الرجل لكي يبرهن عن أف‬
‫ب عليها‪ ،‬اذف هو مقتنع بنفس الفكرة!‪ ،‬نفس فكرة (هاكسلي)‪..‬‬ ‫ط ى‬‫شى‬‫حيلة إله الفجوات مػػػػاعادت تيجدم‪ ،‬العلم ى‬
‫غريب‪،‬منشأ هذق الفكرة في منتهى السذاجة بالنسبة لمسلم عالم دينه كعندق تصوٌر كىوٍني لهذق األشياء‪.‬‬

‫كمػػا قلت لكم أنهم ظنوا اف اهلل كالقوانين متعارضاف‪..‬أم أف اهلل شيء‪ ،‬كالقانوف شيء آخر‪ .‬يبدك اف هذق الفكرة‬
‫السخيفة هو سذاجة المتدينين في األعصار الخالية كخاصة في العصور الوسطى كتصاريحهم الدااائمة "اهلل فعل‪..‬اهلل‬
‫خلق‪ "..‬بالجملة دكف الدخوؿ في التفاصيل‪ ،‬ككاف الناس مقتنعين في كقته‪ ،‬كلما جاء العلم كلم يعيد مقتنعا بهذا الفهم‬
‫الجيمىلي اإلجمالي‪ ،‬كبدأ يبحث عن علل كعن عوامل تفصيلية ك دقيقة كتفرٌؽ بين الظاهرة كالظاهرة‪ .‬كنجح العلم أيٌما نجاح‬
‫لى هؤالء المتدينوف السذىٌج على االستعصاـ بالموقف السلبي‬ ‫في ظواهر كثيرة اف ييفسٌرها بدأنا نفهم ‪ ..‬لكن ظػػػ ٌ‬
‫المستنكر للعلم كبإنجازاته‪ ،‬كذٌبوق ك كذٌبوا حتى الحواس‪ ،‬كما حصل لػ (غاليليو) الذم كاد يمكن اف يينصىف من هؤالء‬
‫بمجرد اف يلقوا نظرة كاحدة عبر التليسكوب البدائي‪ ،‬رفضوا ذلك ‪ ..‬فلو نظركا لوجدكا‪ ..‬لكن رفضوا حتى النظر‪ ،‬ألنهم‬
‫معتقدكف اف الحق في جانبهم كأف الباطل في جانبك ‪،‬كاليخضعوف لهذق المنهجية العلمية التجريبية اإلمبريقية‪..‬‬

‫‪96‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫اليؤمنوف بها‪ ..‬فحدىث تفاكت جدا كبير بين موقف هؤالء الجامدين السيٌذىٌج‪ ،‬كبين موقف العلماء ال ىمرًف الذم يعترؼ‬
‫بنسبيته كبتطورق كتكامله‪ ..‬ألنه منهج بحثي مختلف‪ ،‬فإتسعت الهوىٌة الى األمد األقصى بين الفريقين‪..‬‬

‫فصار العلم يتبجٌح كيقدٌـ تفسيراته العلمية الدقيقة لهذق الظاهرة اك تلك إزاء هذا التفسير الجيمىلي الساذج "اهلل‬
‫فعل‪ ..‬اهلل خلق‪ ..‬اهلل اراد‪ "..‬إذف رفض العلم بانه يوجد إله كال انه فعل كذا كالخلق كذا ‪ ..‬العلم فقط هو الذم‬
‫يعطيني الجواب‪ .‬كلؤلسف الموقف كله خطأ بسبب إفراط ك تفريط‪.‬‬

‫طريقة المسلم على العكس تماما‪ ،‬فهي طريقة مبنية على أف القوانين الطبيعية –بشكل عاـ – هي أسلوب اهلل تبارؾ‬
‫كتعالى‪ ..‬طريقته في العمل‪ ،‬في تشغيل الوجود‪ .‬كأنت كلما نجحت كعلم في تقديم تفسير جديد تفصيلي لظاهرة ما‪،‬‬
‫كلما اعطاؾ زادا جديدا تيقارب به كيفية عمل اهلل في الخلق‪ ،‬كيف يعمل؟ العلم يقوؿ لك‪ .‬قاؿ تعالى‪} :‬أكلم يىر ٍك أنٌا‬
‫خلقنا لهم ممٌا عىمًلىت أيدينا أنعامان فىهيم لها راكبوف{يس ‪، 71‬عىمًلىت أيدينا‪ ..‬يد اهلل تعمل ‪ ،‬كالسؤاؿ كيف تعمل؟‬
‫هل رأل أحدنا اهلل مباشرة باألساس ؟ هل رأل يدى اهلل كيف تعمل مباشرةن؟! ‪} ..‬ليػػس كمثله شيء{ األعراؼ‬
‫‪ ، 54‬اهلل عند الموٌحًٌدين عند الميؤلًٌهة كالمًلًٌيين يعمل لكن آل بأسلوب مباشر‪ ،‬يعمل عبر األسباب التي خلقها كالتي‬
‫سبٌبها ك سبٌب بها‪ ،‬كالعلل التي اعدٌها‪ ..‬كعلل ميعىدٌة ألشياء هي معلوالتها على أنه هو العلة الحقيقة لكل شيء في‬
‫الوجود ‪ .‬لكن لماذا شاء‪ ،‬مالحكمة أنه شاء اف يعمل عبر األسباب أم عبر القوانين‪ ،‬عبر النظم ‪ ..‬لماذا ؟!‬

‫ألف اهلل تبارؾ كتعالى لو لم ىيشىأ أف يفعل كفق هذق الطريقة لما امكن االستدالؿ عليه اصبل‪ ،‬كلما فكٌر آدمي في اف‬
‫يستدؿ على كجود اهلل‪ ..‬ألف اإلستدالؿ كله‪ ..‬ركحه هو النظػػػاـ السببي‪ .‬لػػذلك –كما نقوؿ دائما – من يينكًر مفهوـ‬
‫العًلٌية‪ ،‬قانوف العًلٌيٌة‪ ،‬قانوف السببية فهػػػػو يينكًر كل استدالؿ حيث أتى ! كيفضي به األمر الى عدمية مطلقة‪ ،‬ممنوع‬
‫أف ييحدىٌث اك ييناقش‪..‬ألنه ببل فائدة اصبل‪ ،‬على أنه متشبًٌث دكف اف يدرم بمعقولية كسائغية كمشركعية االستدالؿ‪،‬‬
‫كرىقي‪ ،‬حتى ميكانيكا الكم‪،‬‬
‫بالتالي هو متشبًٌث دكف اف يدرم بمعقولية القانوف العقلي <قانوف العًليٌة> ك ييريد اف يين ً‬
‫هزيٌق كال تستطيع اصبل‪ ،‬ميكانيكا الكم حين ذهبت تنفي السببية إنما‬ ‫فيقوؿ‪ :‬ال‪ ،‬الميكانيكا هزٌت مبدأ السببية! ‪ .‬ال تى ي‬
‫نفتها بالسببية ذاتها‪ ..‬ببساطة‪ ،‬ميكانيكا الكم تقوؿ لك‪ :‬أنا ارل ظواهر معينة خارج نطاؽ السببية هي اآلف تيثبًت‬
‫السببة ! ألنها تنطلق من أف لكل ظاهر وة سببان‪ ،‬فإذا رأينا ظاهرة معينة‪ ،‬كفيما يظهر ال سبب لها‪ ،‬سنقوؿ إنها ظاهرة‬
‫ال سببية إتكٌاال على مبدأ السببية‪ ..‬أم أف نفي السببية عملية مستحيلة بغير التشبٌث بالسببية‪ ،‬لو نفينا السببية فعبل‬
‫كبالمطلق كمن حيث أتت –كما قلت لكم ‪ -‬ليس اننا سنتورط في نفي السببية في عالم صيغركم فحسب (كهو عالم‬
‫ميكانيكا الكم الذم تشتغل في ميدانها)‪ ،‬ال‪ ..‬بل سنتورط في انكار كل استدالؿ‪ ،‬الحديث يصبح ببل قيمة‪ ،‬العلم‪..‬‬
‫الفلسفة ‪..‬الخ كالشيء له قيمة‪ ..‬اللغة ليس لها قيمة‪ ،..‬التوجد اية عبلقة سببية بين أم شيء كشيء‪،‬المسألة اعقد‬
‫من هذا فانتبهوا‪ ،‬القوانين العقلية قوانين جبارة‪ ،‬اكثر جبركتا من كل قوانين العلم كصياغاته‪ ،‬فالقوانين العلمية متحركة‬
‫كنسبية‪ ..‬القوانين العقلية كبغير عقل‪ ،‬ال إمكاف لقياـ العلم اصبل‪ ..‬اليوجد سعي علمي‪..‬لكن هذق مسائل فلسفية‬
‫معركفة في مواطنها‪..‬‬

‫على كل حاؿ‪ ،‬المؤمن المسلم المًلًٌي يرل –بفضل اهلل تبارؾ كتعالى – اف هاته القوانين‪ ،‬كهذق النظم إنما هي اسلوب‬
‫كطريقة عمل اهلل في الشيٌغيل‪ ،‬اسلوب اهلل في العمل‪ ،‬كلذلك التقع في عرض اهلل‪ ..‬فكيػػف تقع في عرض اهلل كهي‬
‫اسلوبه ؟!!!‬

‫‪97‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫انما تقع في طوؿ عمىلً اهلل‪ ،‬فهي تعمل ك اهلل يعمل بها‪ ..‬اليوجد تعارض بالمرة‪ ،‬كلذلك كل نجاح ينجزق العلم في‬
‫تقديم تفسيرات جديدة كمبتكرة لنا لعمل نظاـ ‪..‬لعمل شيء معين ‪ ..‬تفسير ظاهرة طبيعية اك غير طبيعية اك حيوية‬
‫‪..‬الخ إنمػػػا ييقدـ لنا زادا ييموًٌلنا بزاد جديد نقارب به عمىل اهلل فنزداد إيمانا‪..‬‬

‫كهنا مسألة مهمة بخصوص إله الفجوات كهي‪ :‬اف البشر ظلوا ك مازالو يؤمنوف باهلل ميذ كانوا ‪ ..‬أم قبل نشوء العلم‬
‫الحديث قبل القرف السادس عشر‪ ..‬قبل (كًبلًر) ك (تيخو باها) ك (كوبر نيكوس) ك (غاليليو) ‪ ..‬أم أنه يوجد عًلم اـ‬
‫اليوجد فبل فرؽ‪ ،‬اإليماف موجود‪ ،‬ألف اإليماف ال يستند الى العلم اصالة‪ ،‬اإليماف يستند الى العقل‪ ..‬مًيبلؾ كمناط‬
‫اإليماف هو العقل كليس العًلم‪ .‬العلم عندق دكر تمويني يموًٌننا ببعض األشياء التي تجعلنا نقارب عمل اهلل‪ ،‬أما كجود اهلل‬
‫ككونه هو العلٌة الحقيقية في هذا الوجود كله كفي احداث هذا الكوف كله كإيجادق‪ ،‬كالكوف قائم به ‪ ..‬كل هذا‬
‫العقل أكجبىه ‪..‬العقل توصٌل إليه‪ ،‬بغض النظر عن العلم كاف اك لم يكن نجح‪..‬فشل‪ ..‬اخفق‪ ..‬هذا اليعنينا‪..‬‬

‫بعض المبلحد العرب السيٌذىٌج البسطاء (ملحد على نيته) المسكين‪ ،‬يدٌعوف أف المؤمنوف لم يؤمنوا إال مع العلم الحديث‬
‫كفي القرف العشرين ك الواحد كالعشرين مع (ستيفن هوكنج)‪ ..‬أم اذا آمن (هوكنج) آمنا‪ ..‬كاذا كىفىر (هوكنج) كفرنا!‬
‫‪ ..‬هػػػػػػذق ترهات كليست صحيحة‪ ،‬ككبلـ ساذج‪ ..‬في الحلقات األكلى من برهاف النظم قلت اليوجد ثمة برهاف علمي‬
‫على كجود اهلل‪ ..‬مستحيل‪ ،‬كالذم يقوؿ لك لدم برهاف علمي على كجود اهلل‪ ،‬قل له‪ :‬اكال أنت ساذج التفهم ال في‬
‫فلسفة العلم كال في الفلسفة العقلية أنت انساف بسيط جدا جدا كمغفٌل‪ ،‬كال تفهم ماذا تقوؿ‪ ..‬العلم اليستطيع اف‬
‫ييثبت كجود اهلل كليس من شأنه اف يينفي كجود اهلل‪ ..‬ألف العػػػلم عندق مساحة يشتغل فيها فقػػط كهي ساحة العالم‬
‫الطبيعي سواءا الكبركم اك الصغركم‪ ،‬كعندق مناهج محددة يتوسل بها‪ ،‬كل ماخرج عن هذق الساحة يقوؿ لك‪ :‬هذا‬
‫ليس من تخصصي‪ ،‬أم انه لو ثبت بالعلم اف هذا التصميم المعين تصميم ذكي كعبقرم كجميل كفاعل كك ‪ ..‬اذف فاهلل‬
‫موجود‪ ..‬سيقوؿ لك العلم كمادخلي بوجود اهلل كما ادراني بوجود اهلل؟! هنا العلم يقف‪ ..‬تدخل الميتافيزيقا آآق دخلت‬
‫المبادمء العقلية اآلف! من حقٌك كعالم فقط االف اف تقوؿ هذا‪ ،‬اف هذا الشيء اليثبت كال ينفي‪ ،‬لكن من حقي انا‬
‫كفيلسوؼ اف استغل هذا الشيء الذم اكتشفته انت كعالم كمثاؿ‪..‬مادة استخدمها‪ ،‬ثم أيعمًل فيها آلة القوانين‬
‫العقلية‪ .‬اكؿ هاته القوانين هو قانوف العلية‪ ،‬كفلسفيا البد لكل معلوؿ من علٌة‪ .‬انتبهوا‪ ،‬العلل الفلسفية تختلف عن‬
‫العلل العلمية‪ ،‬كتختلف عن العلة في اذهاف المثقفين العاديين‪ .‬العلل الفلسفية اليمكن اف تكوف بينها كبين معلولها‬
‫فاصلة زمينة ‪ ..‬كهذق األمور اليفهمها الكثير‪ ،‬هناؾ أيناس كتبو ينتقدكني كأنا ابتسمت ك مضيت ‪ ..‬ككاهلل ليس‬
‫كًبران مني اك عجرفة ألني لم أقم بالرد على التعليقات على يخطىبي كمحاضراتي‪،‬التي تجدها لؤلسف بكل سذاجة كمن معلٌق‬
‫بمنصب الدكتور الفبلني ككذا‪ ..‬اليفهم كال يعرؼ ماذا يقوؿ المسكين!‪ ،‬مػػاذا افعل أنا؟! ال كقت لدم ألف ابدأ كأشرح‬
‫الفلسفة العقلية ك في مئة صفحة مبػػػاحث العلٌة كالعلٌيٌة ؟!! النستطيع‪ ..‬الموضوع طويل كمعقد جدا جدا لن يفهمه‬
‫المسكين‪ ..‬كيفكر ييعلٌم عنها كالعامل‪ ..‬أم ابي عًلىلًي‪ .‬ابي ليس عًلىلًي كال أمي ! ابدا‪ .‬العلة التنفصل عن معلولها فيه‬
‫تقارف‪ ..‬فيه اقتراف زمني فلسفيا‪ ،‬هم اليفهموف هذق األشياء كلها‪ ،‬كيوجد فرؽ بين العلة بهذا المعنى‪ ،‬كفرؽ بين‬
‫لو حاؿ‪ ،‬المشكلة في هذق القضايا كما قلت لكم أنه ال‬ ‫العلل الميعًدىٌة! مقدمات كممهًٌدات نسميها علل مجازا‪ .‬على ك ٌ‬
‫يستطيع اف يتصدٌل لها احد إال بعد أف ييحكًم مقدماته كلها‪ ..‬يفهم علم المنطق كالصٌورم كالمنطق األحاديث‪ ،‬يفهم‬
‫الفلسفة كاقسامها كخاصة العقلية كيتعمق فيها‪ ..‬يفهم علم الكبلـ االسبلمية كالمسيحية كاليهودية‪ ..‬يفهما جيدا!‪،‬‬
‫يفهم بعد ذلك اشياء كثيرة في العلم المعاصر‪ ،‬كفلسفة العلم‪ ،‬بعد ذلك ليتقدٌـ ك يتكلم‪ ..‬مالم تيحسًن هذا فستأتي‬
‫بمصائب كتظن نفسك أنك فهماف‪ ،‬كفي الحقيقة انت لم تفهم شيئا‪ ..‬هذق هي المشكلة على كل حاؿ‪ ،‬فاعذركني‬
‫على هذا‪.‬‬

‫‪98‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫نعود الى نقطة اف العلم ال عبلقة له اال بالعالم الطبيعي فقط‪ ،‬هذا تخصصه كالعبلقة له بغير ذلك‪ ،‬فهو غير مهيأ‬
‫إلثبات اك انكار كجود اهلل‪ ...‬لػػكن المهيٌأ لذلك هو الميتافيزيقاجزء من الفلسفة‪..‬هذق الفلسفة الحقيقية‪ ..‬جوهر‬
‫الفلسفة هو الميتافيزيقا كليست الفلسفة العلمية‪ ،‬اذا الغيت الميتافيزيقا فقد الغيت الفلسفة كما فعل (كانط)‬
‫ككما فعل من قبله (ديفيد هيوـ) ‪ ..‬لكن اف تستخدـ هذق المسائل العلمية فهي كػزاد فقط‪ ،‬اختلفت هذق الحقائق‬
‫العلمية اـ لم تختلف فهذا ال يضر الميتافيزيقا‪ ،‬يبقى الفيلسوؼ العقلي كالعقبلني مؤمنا باهلل بغض النظر عما يقوؿ‬
‫العلم‪ ،‬العلم في النهاية يفسر العالم الطبيعي‪ ،‬لكن العالم الطبيعي ككل يحتاج الى تفسير في كجودق كفي امتدادق‬
‫كاستمرارق سوؼ نرل اليوـ حين نتعرٌض لبرهاف الحدكث كجها آخر لحاجة العالم الى اهلل تبارؾ كتعالى ‪ ..‬الفلسفة هنا‬
‫تتكلم كتتصدر الموقف كليس العلم الطبيعي‪ ..‬معظػػم علماؤنا كمشائخنا يتورطوف حتى األذقاف عندما يقولوف "‪..‬البرهاف‬
‫العلمي لوجود اهلل‪..‬البراهين العلمية لػ ‪ ،" ...‬هػػؤالء اليفهموف مايقولوف‪ ..‬اطفاؿ في هذا الميداف‪ ،‬عيب كهذا ييضحًك‬
‫علينا المتخصصين فبل عبلقة البرهاف العلمي بهذق القضايا‪.‬‬

‫اذف البد اف نتبه الى قضية اف اهلل كالقانوف اليتعارضاف بل يتطاكالف‪ ..‬فالقانوف هو اسلوب عمل اهلل في الخلق‪،‬اهلل‬
‫يعمل كالقانوف يعمل‪ ،‬اهلل يعمل بالقانوف‪..‬كفقط‪ .‬كما قاؿ تعالى‪} :‬ك ماتشاؤف إال أف يشاء اهلل{التكوير ‪، 29‬أثبت‬
‫لنا المشيئة‪ ،‬كأثبت لذاته العىلًيىٌة المشيئة أليس كذلك؟! يسأليك احدهم مستفسرا‪ :‬ككيف ذلك ‪..‬الجى ٍبري كاإلختيار‪،‬‬
‫كالقضاء كالقىدىر‪..‬حسنا اذا شاءاهلل‪ ،‬مالذم يبقى لمشيئتي انا؟ انتفت مشيئتي! قل له‪ :‬يا اخي مشيئتك التعمل في‬
‫عرض كاحد مع مشيئة اهلل‪ ،‬كإنما تطاكؿ مع مشيئة اهلل (مشيئة العبد تقع في طوؿ مشيئة الرب الذم ال اله اال هو )‬
‫انتبهوا‪ ،‬مسألة مهمة جدا جدا كتنحل العقدة‪.‬‬

‫شرٍت الى‬
‫في النهاية بصدد حديثي عن إله الفجوات ربما في المحاضرة السابقة من باب التظريٌؼ كليس التطرٌؼ أ ى‬
‫مصطلح جديد اقترحه كهو عًلم الفجوات‪ ،‬أنتم تأخذكف على المتدينين هذا المفهوـ الغالط‪ .‬كعلى فكرة هو مفهوـ ال‬
‫كزف له‪ ،‬كال تبرير له اال في السياؽ الغربي الفلسفي كالبلهوتي‪ ،‬اما في السياؽ االسبلمي فبل موضع له‪ ..‬فتصوير اهلل‬
‫كالقانوف على انهما متعارضاف نجم عنه مفهوـ الفجوات‪ ،‬كالبد اف ينجم‪ ،‬فما ينجح فيه العلم‪ ،‬ييستغني فيه عن اهلل‪،‬‬
‫مايفشل فيه العلم ييفزىع فيه الى اهلل ‪ ..‬اذف هذا إلػػه الفجوات ! لكػػن في الطرح كالتصور االسبلميين اهلل كالقانوف‬
‫يتطاكالف كال يتعارضاف فيػػػػػػختفي بالكامل كمن حيث اتى مفهوـ إله الفجوات !!! كيصبح العلم يخدـ مفهوـ اهلل‬
‫كيعزز االيماف باهلل كبعمل اهلل كبقيٌوميىٌة اهلل في كونه كعلى كونه‪ ،‬كبكوف الكوف قائما بربه ال إله اال هو ‪..‬‬

‫لكن دعونا نتنزىٌؿ اعتباطا‪ ،‬كنحاكؿ اف نتقمٌص السياؽ الغربي كالفكر كالتصور الغربيين (إله الفجوات عندهم‪ ،‬كهو غير مبرر‬
‫في طرحنا االسبلمي)‪ ،‬لديهم في خلفيتيهم ايها االخوة‪ ،‬إله الفجوات ييهرع اليه حين يسجل العلم فشبل في تفسير‬
‫ظاهرة معينة‪ ،‬كلذلك ييسخىر منه ‪ ،‬كعلى فكرة‪،‬الى االف المتدينوف المتحمسوف في الغرب من المسيحيين الشعوريا‬
‫يشمتوف بالعلم‪ ،‬كيحبوف اف ييظهركا الشماتة به‪ ،‬يفعلوف هذا !‪..‬كبعضهم متفلسفة كبار ‪..‬انظركا العلم قاصر العلم‬
‫يفشل‪ ،‬كحين يفشل في تفسير ظاهرة معينة هو اليفشل اليوـ‪ ،‬بل يسجل على نفسه مشوارا طويبل من الفشل‬
‫فإذا فشل العلم اليوـ في تفسير ظاهرة‪ ،‬فهو تتويجا لمسار العلم كله الفاشل في تفسير هذق الظاهرة‪..‬ام بعد‬
‫اربعمئة سنة لم تفسرها فأنت فشل على مدل اربعمئة سنة‪ ،‬مالذم يضمن لي غدا انك ستنجح؟! اك بعد غد‪ ..‬اك‬
‫تستمر في الفشل‪..‬اذف انت فاشل! ‪ .‬ييظهركف الشماتة في العلم‪ ،‬كهػػػذا ليس من مصلحة الدين‪..‬لؤلسف‪ ،‬لكن هي‬
‫معركة‪ ،‬هذق بعض آثار معركة القيركسطية بين العلم كالدين في السياؽ األكركبي اك الغربي‪..‬‬

‫‪99‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫العلماكيوف كما نسميهم دائما ايضا من جهتهم ييهرعوف كلما كقعوا في احراج الفشل كعدـ القدرة على التفسير الى‬
‫القوؿ‪" :‬العلم حتمػػػا سيفسر هذق الظاهرة يوما غدا اك بعد غد الى اف قد ‪ ..‬سيفسر‪ ،‬ليس بالضركرة اليوـ هو فشل‬
‫أم يبقى فاشبل‪ .‬أنػا قلتي مقترحا‪ :‬هػػذا علم الفجوات !! هػػذا يتشبث بعلم الفجوات‪ ،‬كهذا ايضا يتشبث بعلم‬
‫الفجوات‪ ..‬لكن بطريقة كما رأيتم‪ .‬أيهمػػا اقرب الى المنطقية كالتماسك‪ :‬منطق إله الفجوات (على خطئه طبعا) ‪ ،‬اك‬
‫منطق علم الفجوات ؟ أيسارع الى القوؿ‪ :‬إله الفجوات ‪..‬اكثر تماسكا‪ ،‬كاكثر منطقية‪ ،‬ألف الذم يقوؿ بإله الفجوات ‪-‬‬
‫كما ينيبزيق عدكق العلمىوم‪ -‬إنما يصدر في قوله هذا عن إله آمن به على خلفية عقلية‪ ،‬لديه براهين عقلية على كجود‬
‫اهلل!‪ ،‬براهين عقلية العبلقة لها بالعلم‪ ،‬لذلك كما قلت لكم ظل الناس من ألوؼ السنين مؤمنين باهلل قبل اف ينشأ‬
‫العلم الحديث بكامله‪ ،‬كلذلك هم ييهرىعوف الى تفسير أم ظاهرة بإسنادق الى اهلل الذين آمنوا به على اساس عقلي‪ ،‬كهذا‬
‫اإلله في ظنهم كفي اعتقادهم موجود‪ ..‬االف هو موجود‪ ،‬كليس سيوجىد لكي ييفسر‪ ،‬موجود كهو الذم خلق‪ ،‬كهو صحيح‬
‫هو خلق هو ابدع هو شاء هذا الشيء على هذا النحو‪ ..‬كهكذا ككذا‪ .‬بخػػػػػبلؼ العلم‪ ،‬فالعلم يا إخواني ليس كيانا‪،‬‬
‫العلم مسار ممتد‪ ،‬كعملية ممتدة كمتناسخة –ككما قاؿ األديب الشهير الركائي (سامىر سموـ)‪" :‬العلم ييثبت العلم‬
‫مانفاق باألمس‪ ،‬كينفي اليوـ ما اثبته باألمس"‪ ،‬ك هلي ٌمى جرا‪..‬على كل حاؿ‪ ،‬هذا صحيح كمبلحظ‪ .‬كعبارة (آرثر كوستلىر)‬
‫في الجماجم في صحراء العلم‪ ..‬معناها يوما ما كانت مرشحة ألف تكوف خالدة‪ ،‬لكن االف مجرد جماجم كعظاـ حفريات‬
‫كمتحجرات ‪..‬انتهى كل شيء‪ ،‬كفي عصرها كاف األمل معقودا عليها اف تمتد الى ماالنهاية‪ .‬العموم يقوؿ لك‪" :‬العلم‬
‫سيفسر"‪ .‬العلم ليس كيانا‪ ،‬كليس لدينا ضمانة اكيدة انه سينجح ‪ ،‬اذف العلم ييحيل على احتماؿ في حين اف إله‬
‫الفجوات القوؿ به احالة على موجود‪..‬حاضر‪ ،‬كآمنا به على خلفية عقلية‪ ،‬يبقى موقف إله الفجوات اكثر تماسكا من علم‬
‫الفجوات‪ .‬طبعا بافتراض اك بتعابط االف اف هذا المصطلح اصبل له مايبررق‪ ،‬هو فقط مبرر في السياؽ الغربي على انه‬
‫خاطيء كناشيء عن اسس خاطئة تماما‪.‬‬
‫اكتفي اف شاءاهلل بهذا القدر لكي اختم كما كعدتكم هذق الحلقات الطويلة في برهاف النظم اك برهاف التصميم لكي‬
‫ييفض ىي بنا الحديث اف شاءاهلل تعالى في الحلقة المقبلة الى برهػاف آخر كهو برهاف الحػػدكث‬

‫ن جميعا كرحمة اهلل كبركاته‪.‬‬


‫فأقوؿ قولي هذا كاستغفر اهلل لي كلكم كالسبلـ عليكم كعليك ٌ‬

‫‪100‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫الحلقة الرابعة عشر برهاف النظم ‪9‬‬

‫أعوذ باهلل السميع العليم من الشيطاف الرجيم‬


‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪..‬الحمدهلل رب العالمين‪ ..‬ياربًٌ لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كماتحب كترضى‪ ،‬نعوذ‬
‫برضاؾ من سخطك‪ ،‬كنعوذ بمعافاتك من عقوبتك‪ ،‬كنعوذ بك منك النحصي ثناءا عليك‪ ،‬أنت كما اثنيت على‬
‫نفسك‪ .‬كاشهد اف ال إله إال اهلل كحدق الشريك له‪ ،‬كأشهد أف سيدنا كحبيبنا كنبينا محمدا عبدق ك رسوله‪ ..‬اللهم‬
‫صلٌ كسلٌم كبارؾ عليه كعلى آله الطيبين الطاهرين كصحابته المباركين الميامين كأتباعهم بإحساف الى يوـ الدين‪..‬‬
‫سبحانك العلم لنا اال ماعلمتنا إنك أنت العليم الحكيم‪،‬للهم عليمنا بما ينفعنا كنفعنا بما علمتنا ك زدنا علما‪ ،‬اللهم آمين‪...‬‬
‫أما بعػػػد‪،‬‬
‫السبلـ عليكم كرحمة اهلل كبركاته ‪..‬‬
‫على كل حاؿ قد علمتي كعىلًمى الناس أف مثل هذق المحاضرات اليمكن اف تفي بحاجة امثاؿ هاته الموضوعات على جهة‬
‫الغىناء كالوفاء‪ ،‬كلذلك اقتنعت اخيرا بأف ييترىؾ التفصيل في مثل هذا الموضوع لميؤلىٌف بحياًل ًه يمكن فعبل اف نيبرمء‬
‫ذمتنا‪ ،‬كاف نقض ىي حق الموضوع‪ ،‬أما في مثل هذق المحاضرات فالتوسط افضل‪ ،‬كهذا ماسنصير إليه لكن الذم لزىٌـ الى‬
‫االسهاب الطريقة العجيبة التي يمارس بها بعض الناس النقد‪ ..‬يتسرٌع قبل أف يتتًم الكبلـ في الموضوع‪ ..‬من اكؿ‬
‫حلقة يبدأ ييشكًل كيقوؿ أنت لم تقيل هذا كلم ذاؾ‪ ،‬طريقة غريبة جدا جدا‪ ،‬كاضح انها ناشئة من قلٌة اإلطبلع ك من‬
‫عدـ التدرب كالتمرٌس بأخبلقيات البحث كالمناظرة العلمية‪ ،‬لؤلسف الشديد ‪،‬كطبعا أجزاء كبيرة جدا‪ ،‬معظم االنتقادات‬
‫التي تيوىجىٌه إلينا سواءا في الموضوعات الفلسفية‪ ،‬أك في الموضوعات الدينية البحتة‪ ،‬إنما هي نػػاشئة من قلٌة االطبلع‬
‫كمن قلة التعميٌق‪ ..‬في هذق الحلقة سنغلق موضوع برهاف النظم بإذف اهلل‪ ،‬كنتناكؿ مسائل محددة ‪ ..‬المسألة األكلى ‪-‬‬
‫عنىٌى لي بعض كجوق النقل ايضا على اإلنتخاب التراكمي كفي الحقيقة ال ادرم‪ ..‬هل انا تناكلته في المحاضرات السابقة‬
‫المسجٌلة اـ في المحادثات مابعد التسجيل مع بعض اإلخوة‪ ،‬لكنني على ماهو اقرب الظن لي انني قد تكلمت عن‬
‫االنتخاب التراكمي لدل (ريتشارد دككنز)‪ ،‬كتصديت له بالنقد في محاضرة مسجلة‪ -‬على كل حاؿ‪ ..‬االنتخاب التراكمي‬
‫الذم اقترحه (ريتشارد دككنز) على ما اشرت الييفسًٌر لنا نشوء الجزيئيات الحيوية‪ ،‬اك جزيئيات الحياة األكلية مثل‬
‫الحامض النوكم مثبل‪ ،‬معركؼ لماذا اليستطيع تفسيرق‪ ،‬فاإلنتخاب الطبيعي يفشل في تفسير نشوء العالم المادم‬
‫الطبيعي‪ ..‬الكوف‪ .‬لػػػكن كوف اني ىذكىرت سبيبل طريفا إلبطاؿ النتخاب التراكمي‪ ،‬كليس االنتخاب بخطوة كاحدة – كما‬
‫اقترح (ريتشارد دككنز)‪ -‬بطريقة االشارة الى ماييعرىؼ في حساب اك في رياضيات االحتماؿ بالوقائع المستقلة‪ ،‬كالوقائع‬
‫المتنافية‪ ،‬كلكن هذا الكبلـ –لؤلمانة العلمية كألكوف أمينا مع ضميرم كمع عقلي ايضا – ليس دقيقا تماما بعد إمعاني‬
‫النظر فيه‪( .‬ريتشارد دككنز) قد تكوف قد قصٌرت به عبارته في كتابه الشهير <صانع الساعات األعمى>‪ ،‬لكن نحن‬
‫اآلف سندافع عن موقفه ثػػػم نوجًٌه إليه نقدا جديدا مع ذلك‪ ،‬ألف ماييحدًثيه االنتخاب الطبيعي في الحقيقة ليس هو –‬
‫كما قلنا كقاؿ غيرنا ‪ -‬من قبيل الوقائع المستقلة‪ ..‬هذا غير صحيح‪ ،‬بل هي كقائع متنافية الى حدوٌ ما‪ ..‬كيف؟‬
‫سنبسٌط ‪ :‬االف كائن معين ًبطىريق الطفرة حدث فيه تغير ما‪ ،‬هذا التغيٌر ثبت كتبرهن انه ناف هع له تكيٌفيٌان‪ ..‬ييكسًبيه‬
‫مركنة اكثر كمبلئمة اكثر‪ ،‬كتكيفا أزيد مع البيئة كشركطها‪ ،‬لذلك ييستبقى‪ ..‬كهذا هو جوهر االنتخاب الطبيعي‪ ،‬هذا‬
‫التغير يجعل الكائن اكثر مبلئمة للبيئة لذلك من الطبيعي اف يبقى! ‪ ..‬فكرة بحد ذاتها ذكية كمعقولة‪ ،‬ككما ضربنا‬
‫المثل بالديٌب البني كالدٌب األبيض في القطب مثبل‪ ..‬ألف هناؾ كيانا يقرر‪ ،‬كيانا كاعيا اك عاقبل اسمه االنتخاب الطبيعي‪،‬‬

‫‪101‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫االنتخاب الطبيعي ليس مفهوما كيانيا‪ ،‬ابدا‪ ..‬هو مفهوـ تخليلي‪ ..‬مفهوـ تفسيرم فقط‪ ،‬ليس اكثر من ذلك‪ .‬لكن‬
‫هذا يحدث‪ ،‬ال بأس نحن مستعدكف في درجة اك درجات من النقاش اف نتقبل هذا الشيء‪ ،‬كهي فكرة ذكية ببل‬
‫شك‪ .‬حتى اكضح مالدمٌ‪ :‬االنتخاب الطبيعي بهذا المعنى‪ ،‬اليتعامل مع هذق االحداث كهذق التغيرات على أنها كقائع‬
‫مستقلة‪ ،‬كهي ليست مستقلة‪ ..‬مع أف هذا التغير يخدًـ الكائن كيجعله اكثر تكيفيا ‪ ..‬اذف ليست مستقلة‪ ،‬لذلك‬
‫هذا التغير هو الذم ييستىبقى‪ ،‬لو حدث تغير آخر قد ييهلًك الكائن‪ ..‬أم يصبح اكثر ضعفا كأقل مبلئمة لشركط بيئته‬
‫فيهلك كينقرض!‪.‬‬
‫إذف النقد الذم كجٌهناق‪ ،‬ك كجٌهه غيرنا الى االنتخاب التراكمي على اساس انه من قبيل الوقائع المستقلة هػػذا غيػػر‬
‫صحيح‪ .‬بل هذا ظلم لهذق اآللية العلمية‪ ،‬يجب اف نكوف دقيقين‪ ..‬كأنا دائما كما تعوٌدتي ك عوٌدتكم احترـ ضميرم‪،‬‬
‫كاحترـ ضميرم العلمي كليس الديني فحسب‪ .‬البػد اف نذكر الحقائق كما هي‪ ،‬كليس من مصلحتنا بعد ذلك أف نناقًش‬
‫ك أف نخرج في نهاية المطاؼ كالمغفلين ال نعرؼ عن ماذا نتكلم‪ .‬فاالنتخاب الطبيعي اليتعامل مع كقائع مستقلة‪ ،‬ك‬
‫للتذكير‪ ،‬الوقائع المستقلة من قبيل خمس قطع معدنية مثبل مرقٌمة بأرقاـ من كاحد الى خمسة‪ ،‬تضعها في جيبك‪،‬‬
‫كباإلحتماؿ اف تسحب رقم ثبلثة مثبل‪ ،‬فمن أكؿ ضربة هو‪ :‬كاحد على خمسة‪ ،‬ثم سحبت قطعة اخرل كظهر لك انه‬
‫كاف رقم اربعة‪ ،‬تعيد هذق القطعة المعدنية‪ ،‬احتماؿ اف تسحب رقم ثبلثة من اكؿ ضربة ايضا هو خيمٍس‪ ،‬كهكذا ‪..‬‬
‫كلو سحبت بليوف مرة االحتماؿ يبقى دائما خيمس‪ ،‬ألنه كقائع مستقلة‪ ..‬أما الوقائع المتنافية‪ :‬فتسحب رقم ثبلثة لكن‬
‫ينسحب معك فيخرج معك رقم خمسة‪ ،‬فتستبعدق كتجعله خارج جيبك‪ ،‬ثم تسحب اآلف ‪ ..‬احتماؿ اف يكوف الرقم‬
‫الخارج معك هو رقم ثبلثة فيكوف‪ :‬كاحد على اربعة ! أم ارتفع االحتماؿ‪ ..‬لكن خرج معك رقم اثنين فتستبعدق‪،‬‬
‫كاحتماؿ اف يكوف ثبلثة فثيليث كهكذا نصف كهكذا كاحد على كاحد ‪ ..‬يعني كقائع متنافية‪ ،‬في الحقيقة االنتخاب‬
‫الطبيعي اقرب الى اف يتعامل مع الوقائع المتنافية! التغير الذم يفيد ييستبقى‪ ..‬التغير الذم ييهلًك ييستبعد إذف هػػي‬
‫ليست مستقلة‪.‬‬
‫لكػػػن رغم ذلك كمع ذلك مايىفشىل االنتخاب الطبيعي في تفسيرق اشياء كثيرة ايضا من ضمنها‪ :‬ل ىم دائما تكوف‬
‫نتيجة هذا االنتخاب بًنيىة تىصًف بالجمالية كبالتناظرية‪ ،‬ككاف يمكن للكائن اف يعيش بغير هذا التناظر كبكسرق احيانا‪..‬‬
‫فما سر هذا التناظر؟! تمػػػػاما كمسألة االحماض األمينية العسراء‪ ،‬لماذا هي دائما عسراء يسارية كال تتركب اال بهذق‬
‫الطريقة كبإستمرار؟ لمػػػاذا لم يتدخل االنتخاب الطبيعي هنػػا ؟؟! على فكرة هناؾ نقود اخرل طويلة‪ ،‬لكن ال اطوٌؿ ‪،‬‬
‫احببت فقط اف اسجٌل هذق المبلحظات بسرعة‪.‬‬
‫كهنػػاؾ شيء أخطر من هذا‪ ..‬انها شبهة يلجأ اليها الماديوف كالمبلحدة كالتطوريوف الذين ارادكا اف يكونوا تطوريين‬
‫مبلحدة‪ ،‬كهي شبهة التٌبصيٌر الرجعي عشرين على عشرين‪ ،‬بمعنى اف التٌبصيٌر الرجعي يكوف دائما صائبا بنسبة عشرين على‬
‫عشرين‪- ،‬كما نقوؿ عن النظر ستة على ستة – كهنا اليعني بػ البىصىر إنما التبصيٌر‪ ،‬نحن نسميه اإلدراؾ بأثر رجعي‪ ،‬الفهم‬
‫بأثر رجعي‪ ،‬من قديم نحن نتكلم في قضايا التاريخ عن ادٌعاء الحكمة بأثر رجعي‪ ..‬هذا يسمى في لغة العلم‪ ،‬كييستخدـ‬
‫في العلم حتى في ميادين مختلفة بما فيها علم النفس يسمى التبصر بأثر رجعي‪ ..‬معنػػى هذا الكبلـ ‪ :‬قد يقع حادث‬
‫معين كلنفترض حادث سيٌارات‪ ،‬طبعا النتيجة مركٌعة لكنها لم تبلغ حد الموت‪ ،‬كبعد اف يبرأ السائق ك يىنٍقىه يبدأ‬
‫يتساءؿ مالذم حدث معي‪ ..‬كيبدأ يستذكر ‪ ،‬كربما يقوؿ‪" :‬آق‪ ..‬هذا الحادث كقع فعبل بأنني عندما رأيت السائق‬
‫المعاكس لي لم اتصرؼ بالطريقة السليمة‪ ،‬كاف ينبغي اف انحرؼ قليبل الى اليمين‪ ،‬يبدك انه اختلط عليٌ األمر‪ ،‬كفوجئت‬
‫ت شماال‪ ،‬كهذا الذم أدٌل الى هذق المىهلكة"‪ .‬االف هو تماما يفهم مالذم حدث لكػػن بأثر رجعي‪..‬‬ ‫ت التحكم فدخل ي‬
‫كفقد ي‬
‫كل شيء امامه‪ ،‬كموضوع ال ًفتىن‪ ..‬كفتنة سياسية اك أم شيء‪ ،‬طالما هي موجودة كجارية قػلىٌ من الناس من يفقه‬
‫حقيقة مايجرم‪ ،‬بعد اف تضع اكزارها ك تيسفًر عن آثار مدمرة كهائلة على مستول الشعب‪ ،‬يبدأ ماشاءاهلل ادعياء الحكمة‬

‫‪102‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫بأثر رجعي !‪ ..‬في الحقيقة كاف ينبغي اف نفعل كذا ككذا ‪ ..‬كالحزب الفبلني اخطأ ك تهور كك‪ ،..‬ال ال‪ ،‬انت تتكلم في‬
‫أثر رجعي بنسبة عشرين على عشرين‪ ،‬لكن في اثناء المحنة أنت لم تفهم هذا‪..‬‬
‫التبصر بأثر رجعي في قضايا اإللحاد كاإليماف ييستخدـ بأسلوب ماكر جدا‪ ،‬كغبي جدا‪ ..‬كتجدهم من علماء كبار‪ ،‬كبعضهم‬
‫علماء الرياضيات‪ ،‬كبعضهم علماء فبلسفة ‪ ..‬يوظفونه على هذا النحو‪ ،‬يقولوف أنتم يامعاشر الميؤلًٌهة كالمؤمنين تدأبوف‬
‫دائما على اإلستنجاد بمفهوـ التعقيد‪ ،‬كأف هذق بنية معقدة‪ ،‬كهذا تصميم معقد ‪ ..‬الخ‪ ،‬قالوا نحن ال نؤمن بهذا الشيء‪،‬‬
‫كهذا اليؤثر علينا كثيرا‪ ،‬هذا ال ييحدًث لنا فرقا‪..‬كيقولوف‪ :‬كل ماهنالك أنكم جئتم الى بنية ما كهي كثيرة جدا‪ ،‬فقلتم‬
‫انها معقدة جدا بحساب االحتماالت‪ ..‬مستحيل اف تتركٌب هذق المتعضية‪ ..‬هذا التركيب ‪ ،‬كاليترتب هذا الترتب‬
‫بالصدفة‪ ،‬اذف ال بد اف هناؾ ذكاءا ك كعيا‪ ،‬كعقبل من هذا التعقيد كهو اللػه‪ .‬اذف هو اهلل ‪..‬قد ثبت المطلوب‪ .‬ال‬
‫هذق طريقة فاشلة التقنعنا‪ ،‬فأنتم تدٌعوف هذا من باب التبصر بأثر رجعي‪ ..‬قالوا‪ :‬إأتونا االف بكم من القطع المعدنية‪..‬‬
‫اجزاء أم شيء‪ ،‬ألف قطعة مثبل‪ ،‬خذكها هكذا كانثركها في الهواء ‪ ..‬كهذق القطع مرتبة من كاحد الى ألف مثبل‪ ،‬ستقع‬
‫كقوعا اتفاقيا‪ ،‬لكن ستشكل االف شيئا مركبا تركيبا ما‪ ..‬الحديث عن الترتيٌب االف‪ ،‬كليس التركيب بالمعنى الحيوم‪..‬‬
‫لكن ترتب معين ك تحدًث شكبل‪ ،‬هذا الترتيب معقد ك معقد جدا‪ ،‬كبمعنى انه بحساب االحتماالت‪..‬لو قذفنابها مرة‬
‫اخرل لكي تترتب هذا الترتب فلن يحدث ذلك‪..‬مستحيل‪ ،‬كلو قذفت بها مليوف مرة ستترتب بترتب جديد كمعقد‪،‬‬
‫هناؾ تركيب حقيقي‪ ..‬كهذا اليساكم لك اف تقوؿ اف هناؾ تركب كتعقد ليس للصدفة دكر فيه‪ .‬بل هو صيدفي‬
‫تماما! كال دكر للعقل فيه‪ >> ..‬هكذا ييشكًلوف على الناس‪ ..‬كبعضهم كتب هذا المثاؿ باإلنجليزية نقدا إلحدل‬
‫محاضراتي قبل فترة‪ ،‬قرأت هذا كضحكت‪ ..‬كسأجيب على هذا الكبلـ المتهافت جدا الذم يحتج به بعض العلماء‬
‫كالفبلسفة‪ ،‬كبلـ ضعيف كالقضية اكسع كاكبر بكثير من قضية التبصر بأثر رجعي‪..‬لماذا؟ سأضرب لكم بمىثىلين كبهما‬
‫يضح لكم األمر تماما ‪:‬‬
‫لدينا مجموعة الحركؼ العربية‪ ..‬ثمانية كعشركف حرفا مكتوبة على قطع خشبية مثبل اك معدنية اك ببلستيكية‪ ،‬اخذنا‬
‫هذق األحرؼ كنثرناها في الهواء‪ ،‬كقعت االف في حيٌز معين ‪ ،‬كترتبت ترتبا ما ‪ ..‬س ع ز ؽ ‪ ..‬لنقرأها االف‪ ..‬كجدناها‬
‫اعتباطية ليس لها أم معنى اك مفهوـ‪ ،‬كلكن هذا الترتيب الذم حدث بمحض الصدفة ترتيب ما‪ ،‬لكػػي يحدث مرة اخرل‬
‫بالصدفة ‪ ...‬تجدق مستحيػػػػػػػػل‪ ،‬يوجد فيه نوع من التعقيد‪ ..‬كلو نثرتها مليوف مرة ستقع بػ ترتب جديد – كالفرؽ‬
‫بين الترتب كالترتيب هو أف الترتب‪ :‬مايحدث كيقع بدكف أم فاعل يقصد بحدكثه‪ ،‬أما الترتيػب‪ :‬أم اف هناؾ فاعل‬
‫قىصى ىد على عمل هذا الترتيب‪ ،‬كالفرؽ بين الصيٌدٍفي ك الغائي‪ -‬لكن انتبهوا‪ :‬المليوف ترتب بينها شيءه يجعلها متساكية‪،‬‬
‫بإعتبار معين كلها متساكية مع انها مختلفة‪ ،‬مليوف ترتب مختلف‪ ..‬اتعرفوف مالذم ييساكم بينها ؟؟ نعم إنها‬
‫اإلعتباطيػػة!‪ ،‬أم مليوف ترتٌب بػػبل معنػػى‪ ..‬ببل رسالة ‪ ..‬التحكي شيئا ‪ ..‬التدؿ على شيء‪ .‬لػػػػكن لو مرة –كهذا الذم‬
‫حىدىث كال يزاؿ يحدث في الوجود – نثرنا هاته األحرؼ في الهواء فسقطت على االرض كترتبت مثبل بطريقة‪ :‬ـ ف _ ؿ‬
‫ـ _مـت_باؿسمؼ_ـات_بغمرق_تعددت_اؿاسباب_كاؿـكت_‬
‫ك ا ح د ‪ ..‬حػػػػتما سيكوف هذا األمر الفتا جدا لكل من شاهد هذا الترتب‪ ،‬بل على األصح هو ترتيب كليس ترتب‬
‫ألنك لو نثرتها مرة اخرل ستترتب بشكل بيت شعر آخر اك جملة مفهومة نستطيع اف نعيها‪ ،‬ففي الطريقة األكلى كاف‬
‫تعقد كتركيب يحكي ترتبا‪ ،،‬كهناؾ (في الطريقة الثانية) تعقد كتركيب يحكي ترتيػػبا‪ ..‬في األكؿ اعتباطي‪ ،‬كفي اآلخر‬
‫غػػػػائي قصدم‪ ..‬هادؼ‪ ..‬ذك معنى ذك داللة ‪ ..‬ذك رسالة! كقطعػػا الترتب اك الترتيػػب –البد اف نفكر هل هو ترتب اك‬
‫ترتيب – الحاصل بين القواعد النيتركجينية االربعة للحامض النوكم ‪ DNA‬هو ترتيػػػب ليس مجرد ترتب‪ ،‬ألنه ليس‬
‫فقط بذم داللة‪ ،‬كإنما داللة ك أ ٌم داللة!‪ ،‬داللة تيشفًٌر للكائن كله‪ ،‬تجعله على ماهو عليه‪ ..‬هي الداللة التي تجعلني‬
‫على ما انا عليه‪ ،‬تجعل الدجاجة على ماهي عليه‪ ،‬كالكركدف على ماهو عليه‪ ،‬كالشجرة على ماهي عليه‪ ،‬كالزهرة على ماهي‬
‫عليه‪ ..‬كماكل تلك المخلوقات على ماهي عليه هػػو الحيػػػاة‪ ،‬كالحياة شيء متفرٌد كمفترًؽ ك متميز كمختلف الى ابعد حد‬

‫‪103‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫عػػن الػػبل حيػػاة ! كلذلك‪ ،‬فرؽ كبير بين تركٌب نراق مثبل في السحاب‪ ،‬كبين تركيٌب نراق في البنية الحية‪ ،‬كلذلك ظل‬
‫اإللػػهيوف كدأبوا ك إلى اليوـ على اف يستشهدكا كيستدلوا على كجود الخالق سبحانه كتعالى ال بأشكاؿ السحاب‪،‬‬
‫كشكل سحابي مثل كلمة محمد‪ ،‬مثبل‪ ،‬ال‪ ..‬هذا يحدث صدفة عند الناس‪ .‬المسيحيوف كم مرة رأكا شكبل يشبه‬
‫شكل عيسى عليه السبلـ في السحاب‪ ..‬ك الييستىدىؿ بهذا على شيء ‪..‬إال العواـ الجىهىلة‪ ،‬النستدؿ بكومة كوٌمت‬
‫جببل اك تلٌة رمل‪ ،‬هذق التلٌة خذ منها قليبل أك زًد عليها قليبل‪ ..‬تبقى تلٌة!‪ ،‬ال يظهر تغيٌر دراماتيكي‪ .‬لػػػػكن لنرل‬
‫الػ ‪ DNA‬خذ قاعدة نيتركجينية ‪ ،‬اضف قاعدة‪..‬ينبثق لنا تغيٌر دراماتيكي !! تغير الكائن بالمرة ‪ ..‬يتشوٌق‪ ،‬فبدال من‬
‫اف يخرج (آينشتاين) سيخرج (فرانكشتاين) مثبل !! ‪. J‬بدال من اف يخرج كائنا جميبل‪ ،‬تخرج مقبحة تجرح الشعور الجمالي‬
‫عند اإلنساف حتى ‪ .‬كهكذا‪ ..‬ألف هذا التركيٌب "هػػادًؼ ك غائي ك مقصود‪ ،‬كله رسالة" ككما قاؿ (ألفرًد نورت كايتد)‪:‬‬
‫"األموات ال يحملوف رسائل" فقط األحياء كالعقبلء يحملوف رسػػائل‪ .‬كاضح اف هذق الطبيعة كهذا الوجود‪ ،‬كجود‬
‫كتىب كأرسل‬ ‫هادؼ كغائي‪ ،‬يحمل رسالة‪ ..‬دايما اذا تحدثنا عن الرسالة‪ ،‬مباشرة يتبادر الى الذهن هذا السؤاؿ‪ :‬من الذم ى‬
‫الرسالة؟ كإلى مىػػن؟! كهذا يذكرنا مرة اخرل بالقدر الهائل‪ ،‬الذم يزكًٌ ىد به الكائن الحي من الذكاء‪ ،‬كقبل ذلك هو عندق‬
‫كى الرسائل ! ييرا يد منه‪ ،‬كييراد له اف يفك هذق الرسائل‪ ..‬كالحمدهلل هذا االنساف‬ ‫هذا الذكاء ‪ ..‬لمػػػػػاذا ؟! لكػػي يىفيػػ ٌ‬
‫يفعلها ‪ ..‬يفعلها بالعلم‪ ،‬بالفلسفة‪ ..‬يفعلها بالبلهوت‪ ..‬يفعلها هكذا‪ ،‬ألنه مزكد‪ ..‬بمالم تيزكٌد به كائنات اخرل!‪ .‬اذف‬
‫موضوع التبصر بأثر رجعي الينبغي اف ييشغىب على الناس كال على المؤمنين‪ ..‬ليس فيه شيء جديد كهو موضوع تافه‪..‬‬
‫النقطة األخيرة التي اريد اف اختم بها كبلمي في الجزء األكؿ من هذق الحلقات‪ ..‬كما كعدتكم اف اتحدث عن إله‬
‫الفجوات‪..‬‬
‫معنػػػػى إله الفجوات‬
‫نسمع هذا المصطلح كثيرا جدا‪ ،‬كثيرا مانعثر عليه في كتب المبلحدة كالعلماكيين الذين يسخركف من الدين كمن طريقة‬
‫المتدينين في التفسير كالفهم‪ ،‬كمن موقف المتدينين من العلم كمناهجه‪ ..‬إلػػه الفجوات له معنياف‪ :‬احدهما معركؼ‬
‫كمشهور‪ ،‬كاآلخر اقل شهرة كمعرفية‪.‬‬
‫ق هذا‬ ‫المعنى األقل شهرة كمعرفية كالمعنى الذم تشبٌث به اسحاؽ نيوتن كأضرابه‪ .‬اهلل تبارؾ كتعالى شاء اف يخل ى‬
‫ل مسار كمسير هذا الكوف للقوانين التي اكدعها‪ ،‬يعني هذا اإلله الى حد ما قريب من المحرؾ الذم‬ ‫الكوف‪ ،‬ثم ىككى ى‬
‫اليتحرؾ الذم تفقٌت عنه ذهنية (ارسطو طاليس)‪ :‬القوانين االف هي التي تتولى المسألة‪ ،‬اهلل الذم خلق الكوف كمن‬
‫ثم رىفىع يدق‪ ،‬اهلل الذم اكدع فيه قوانينه‪ ،‬قوانينه تسٌيًري يق ‪..‬اهلل يراقب فقط كال يتدخٌل‪ ،‬بعضهم –الذين لديهم نزكع‬
‫الهوتي اك ديني ‪ -‬قاؿ يمكن اف يتدخٌل احيانا ليصنع معجزة اك عجيبة‪ ..‬أما العلماء األكفياء لمنهج العلم فيرفضوف‬
‫تمااااما المجاؿ للتدخل حتى هلل ‪ ..‬قانوف طبيعي سارم دائما كال يينقىض كال يقبل استثناءات‪ << ..‬هكذا يقولوف!‪.‬‬
‫على كل حاؿ‪ ..‬لكن هذا لم يكن نهاية المطاؼ‪ ،‬الحظ (اسحاؽ نيوتن) اف هذق القوانين تيقصًٌر احيانا في فهمنا كفي‬
‫تفسيرنا لماذا تحدث بعض األشياء التي تعتبر شذكذا عن هذق القوانين كمسارات بعض الكواكب مثبل‪ ..‬فإقترح‬
‫(نيوتن) أف اهلل يتدخٌل في هذق اللحظات حين ييقصًٌر القانوف –كفي الحقيقة ليس القانوف إنما هو فىهٍمنا اك صياغتنا‬
‫للقانوف‪،‬ربما حددناق اكثر من البلزـ اك كسٌعناق اكثر من البلزـ‪..‬الادرم – أم اف يكوف حينها لزاما على اهلل اف يتدخٌل لكي‬
‫يعيد األمور الى نصابها ثم يعود القانوف يعمل على ماهو الئح كبائن لنا‪ .‬بدال من اف يقوؿ أنا قاصر فهمي للقانوف‬
‫صياغتي له‪..‬حدكد فهمي لعمل هذا القانوف يبدك انه خضعت هذق الحدكد لنوع من التشوٌق لنوع من القصور‪ ..‬ال‪،‬‬
‫سبحاف اهلل‪ ،‬كهذا هو عجرفة اإلنساف كعجرفة العلماء‪ ،‬أم انه من األسهل عليهم اف ينسبوا القصور الى صانع القانوف‪،‬‬
‫ألنهم يركف انه اذا كانت القصور في القوانين أم اف القصور في صانع تلك القوانين‪..‬القانوف يقىصًٌر‪ ،‬المفركض أف ال‬
‫ييقصٌر‪ ،‬بل المفركض اف يكوف على قد الميقىنىٌن له‪ ،‬فنحن نتدخٌل بإيضاح كيفية تصحيح اهلل في هذا بإله الفجوات‪.‬‬
‫كًريني تماما لؤلسف‪ ،‬بمحاكالت بعض رجاؿ‬ ‫كهػػػذا غير صحيح‪ ..‬لكن هذق عجرفة اإلنساف‪ ،‬كأنه هو الكامل‪ ..‬هذا ييذ ٌ‬

‫‪104‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫الدين لدينا نحن المسلمين ايضا‪ ،‬لتفسير بعض األخطاء‪ ..‬التناقضات‪ ..‬التعاكسات في األحاديث النبوية الصحيحة‪..‬‬
‫يسهيل عليهم اف ينسبوا الخطأ الى اهلل عًوىضػػنا أف ينسبوق الى البخارم اك مسلم أك إلى الركاة !!‪ ،‬بل يعتقدكف اف الركاة‬
‫الييخطئوف‪ ،‬ماشاءاهلل كانهم كاملين خالين من األخطاء !‪ ..‬كتجدهم في محاكالتهم ينسبوف الخطأ كالنقص الى اهلل‬
‫بالجهل اك بالكذب‪ ..‬استغفر اهلل العظيم! ‪ .‬ستقوؿ لي هذا كيفر‪ ،‬من اين لك بهذا الكبلـ؟!‪ .‬هذق حقيقة لكن لن‬
‫اضرب لها مثبل اآلف‪ ،‬تحتاج الى درس ديني‪ ،‬اف شاءاهلل سأيلقيه‪ . ..‬هذا إله الفجوات‪ ،‬إله الفجوات في المفهوـ الشائع‬
‫كالمعركؼ عند معظم الناس كمعظم المثقفين على االطبلؽ هو‪ :‬كل مايفشل العلم في تقديم تفسير له نقوؿ "اهلل‬
‫هو الذم فعل هذا"‪" ،‬اهلل أراد ذلك"‪ ،‬فسيمًٌيى إله الفجوات‪ ..‬حيػػلة ييهرىع إليها المتديًٌن العاجز الذم اتخذ موقفا سلبيا‬
‫من العلم كمساعيه كمنجزاته‪ ،‬تجعله دائما كلما الحظ اك كقف على فشل جزئي للعلم في تفسير ظاهرة معينة تجعله‬
‫يهرع الى القوؿ‪ :‬ارأيتم؟ العلم ىفشًل!‪ .‬حسنا ألديك تفسير؟‪ .‬نعم لدم تفسير‪ :‬اهلل هو الذم صنع هذا‪ ..‬اهلل هو الذم‬
‫صمم ك رتٌب بهذق الطريقة ‪ .‬لذلك هم يقولوف برهاف النظم يخدًـ إله الفجوات‪ .‬كهذا غير صحيح‪ ،‬كال يمكن اف نتورٌط‬
‫في هذا نحن‪ ..‬لكن كيف ‪ ،‬مالذم يحدث؟!‬
‫سأقوؿ لكم الحاصل في هذق المسألة كاهلل اعلم‪ :‬الخطػػأ الكبير الذم كقع فيه الفًكًر األكركبي‪ ،‬كال زاؿ متورطا فيه الى‬
‫ض كاحد مع القوانين التي تكفىٌلى العلم بإكتشافها ثم صياغتها‬ ‫اليوـ هو أنه تخيىٌل أف اهلل تبارؾ كتعالى يعمل في ىع ٍر و‬
‫باألسلوب العلمي المعركؼ‪ ،‬يعني يتعارضاف عًوىضنا أف يتطاكال‪ ..‬سنشرح هذاف المفهوماف الفلسفياف (مفهوـ التعارض)‬
‫ك (مفهوـ التطاكؿ) ‪:‬‬
‫إذا كاف اهلل يعمل في عرض عمل القوانين‪ ،‬فواضح إذا امكىنى تبياف كتفسير الظاهرة بعمل القانوف ال يبقى دكر هلل‪ ،‬اف‬
‫اهلل هنا فرضية غير الزمة !‪ ..‬طبعا انا متأكد االف انتم كمسلمين كمسلمات تتعجبوف من هذا المنطق‪ ،‬تقولوف‪ :‬هذا‬
‫منطق في منتهى السخافة‪ ،‬كأف القوانين تتحدل اهلل ! كأنها ليست اسلوب اهلل في العمل! كأنها ليست مفعوالت‬
‫هلل! لكػػػن هكذا هو الفكر األكركبي‪ ..‬شيء غريػػػب!‪ .‬كسأقوؿ لكم لماذا انتهى األمر الى هذق النهاية المأساكية –‬
‫كهذا معنى إله الفجوات‪ -‬اهلل يتعارض مع القوانين أم يعمبلف في عرض كاحد كليس في طوؿ كاحد‪( ..‬توماس‬
‫كتىب يقوؿ مرة ‪" :‬كل ماينجح العلم في تفسيرق‪ ،‬فبالضػػػػركرة اهلل ال دكر له فيه"‪ .‬ال‪،‬‬ ‫هاكسلي)<كلبي داركين> ى‬
‫ليس بالضركرة‪ ،‬هذا كبلـ غبي جدا جدا‪ ،‬كبلـ غير صحيح البتٌة‪ ،‬لكنه يقوؿ هذا كفي القرف التاسع عشر‪ ،‬أما في القرف‬
‫العشرين كالحادم كالعشرين يكتب (ستيفن كاينبيرغ) –حامل جائزة نوبل في الفيزياء‪ -‬في <احبلـ النظرية النهائية>‬
‫كاف يقوؿ‪" :‬كاف الناس الى غاية القرف التاسع عشر يؤمنوف باهلل مستندين الى براهين من جنس اف األجراـ السماكية‬
‫أجراـ خالدة‪ ،‬كأجراـ بسيطة كمكونة من مادة اخرل ‪-‬أم انهم يكرركف اسطوانة (ارسطو) – من عالم الكوف كالفساد‪ ،‬أما‬
‫األجراـ العلوية فليست من عالم الكوف كالفساد‪ ،‬فهذا عالم دائم اثيرم ال ينحلٌ كالبسائط" كيستدلوف بهذا على اهلل‬
‫الذم خلقها كعلى جماله ‪ ..‬قاؿ‪" :‬أما اليوـ فالناس يركف فيها اشياء من الناحية التكوينية تماما كاألشياء التي على‬
‫األرض‪ ..‬عالم الكوف كالفساد‪ ..‬نفس العناصر مثل الهيليوـ كالهيدركجين ‪..‬الخ‪ .‬ثم استتلى الرجل لكي يبرهن عن أف‬
‫ب عليها‪ ،‬اذف هو مقتنع بنفس الفكرة!‪ ،‬نفس فكرة (هاكسلي)‪..‬‬ ‫ط ى‬
‫شى‬‫حيلة إله الفجوات مػػػػاعادت تيجدم‪ ،‬العلم ى‬
‫غريب‪،‬منشأ هذق الفكرة في منتهى السذاجة بالنسبة لمسلم عالم دينه كعندق تصوٌر كىوٍني لهذق األشياء‪.‬‬
‫كمػػا قلت لكم أنهم ظنوا اف اهلل كالقوانين متعارضاف‪..‬أم أف اهلل شيء‪ ،‬كالقانوف شيء آخر‪ .‬يبدك اف هذق الفكرة‬
‫السخيفة هو سذاجة المتدينين في األعصار الخالية كخاصة في العصور الوسطى كتصاريحهم الدااائمة "اهلل فعل‪..‬اهلل‬
‫خلق‪ "..‬بالجملة دكف الدخوؿ في التفاصيل‪ ،‬ككاف الناس مقتنعين في كقته‪ ،‬كلما جاء العلم كلم يعيد مقتنعا بهذا الفهم‬
‫الجيمىلي اإلجمالي‪ ،‬كبدأ يبحث عن علل كعن عوامل تفصيلية ك دقيقة كتفرٌؽ بين الظاهرة كالظاهرة‪ .‬كنجح العلم أيٌما نجاح‬
‫لى هؤالء المتدينوف السذىٌج على االستعصاـ بالموقف السلبي‬ ‫في ظواهر كثيرة اف ييفسٌرها بدأنا نفهم ‪ ..‬لكن ظػػػ ٌ‬
‫المستنكر للعلم كبإنجازاته‪ ،‬كذٌبوق ك كذٌبوا حتى الحواس‪ ،‬كما حصل لػ (غاليليو) الذم كاد يمكن اف يينصىف من هؤالء‬

‫‪105‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫بمجرد اف يلقوا نظرة كاحدة عبر التليسكوب البدائي‪ ،‬رفضوا ذلك ‪ ..‬فلو نظركا لوجدكا‪ ..‬لكن رفضوا حتى النظر‪ ،‬ألنهم‬
‫معتقدكف اف الحق في جانبهم كأف الباطل في جانبك ‪،‬كاليخضعوف لهذق المنهجية العلمية التجريبية اإلمبريقية‪..‬‬
‫اليؤمنوف بها‪ ..‬فحدىث تفاكت جدا كبير بين موقف هؤالء الجامدين السيٌذىٌج‪ ،‬كبين موقف العلماء ال ىمرًف الذم يعترؼ‬
‫بنسبيته كبتطورق كتكامله‪ ..‬ألنه منهج بحثي مختلف‪ ،‬فإتسعت الهوىٌة الى األمد األقصى بين الفريقين‪..‬‬
‫فصار العلم يتبجٌح كيقدٌـ تفسيراته العلمية الدقيقة لهذق الظاهرة اك تلك إزاء هذا التفسير ال يجمىلي الساذج "اهلل‬
‫فعل‪ ..‬اهلل خلق‪ ..‬اهلل اراد‪ "..‬إذف رفض العلم بانه يوجد إله كال انه فعل كذا كالخلق كذا ‪ ..‬العلم فقط هو الذم‬
‫يعطيني الجواب‪ .‬كلؤلسف الموقف كله خطأ بسبب إفراط ك تفريط‪.‬‬
‫طريقة المسلم على العكس تماما‪ ،‬فهي طريقة مبنية على أف القوانين الطبيعية –بشكل عاـ – هي أسلوب اهلل تبارؾ‬
‫كتعالى‪ ..‬طريقته في العمل‪ ،‬في تشغيل الوجود‪ .‬كأنت كلما نجحت كعلم في تقديم تفسير جديد تفصيلي لظاهرة ما‪،‬‬
‫كلما اعطاؾ زادا جديدا تيقارب به كيفية عمل اهلل في الخلق‪ ،‬كيف يعمل؟ العلم يقوؿ لك‪ .‬قاؿ تعالى‪} :‬أكلم يىر ٍك أنٌا‬
‫خلقنا لهم ممٌا عىمًلىت أيدينا أنعامان فىهيم لها راكبوف{يس ‪، 71‬عىمًلىت أيدينا‪ ..‬يد اهلل تعمل ‪ ،‬كالسؤاؿ كيف تعمل؟‬
‫هل رأل أحدنا اهلل مباشرة باألساس ؟ هل رأل يدى اهلل كيف تعمل مباشرةن؟! ‪} ..‬ليػػس كمثله شيء{ األعراؼ‬
‫‪ ، 54‬اهلل عند الموٌحًٌدين عند الميؤلًٌهة كالمًلًٌيين يعمل لكن آل بأسلوب مباشر‪ ،‬يعمل عبر األسباب التي خلقها كالتي‬
‫سبٌبها ك سبٌب بها‪ ،‬كالعلل التي اعدٌها‪ ..‬كعلل ميعىدٌة ألشياء هي معلوالتها على أنه هو العلة الحقيقة لكل شيء في‬
‫الوجود ‪ .‬لكن لماذا شاء‪ ،‬مالحكمة أنه شاء اف يعمل عبر األسباب أم عبر القوانين‪ ،‬عبر النظم ‪ ..‬لماذا ؟!‬
‫ألف اهلل تبارؾ كتعالى لو لم ىيشىأ أف يفعل كفق هذق الطريقة لما امكن االستدالؿ عليه اصبل‪ ،‬كلما فكٌر آدمي في اف‬
‫يستدؿ على كجود اهلل‪ ..‬ألف اإلستدالؿ كله‪ ..‬ركحه هو النظػػػاـ السببي‪ .‬لػػذلك –كما نقوؿ دائما – من يينكًر مفهوـ‬
‫العًلٌية‪ ،‬قانوف العًلٌيٌة‪ ،‬قانوف السببية فهػػػػو يينكًر كل استدالؿ حيث أتى ! كيفضي به األمر الى عدمية مطلقة‪ ،‬ممنوع‬
‫أف ييحدىٌث اك ييناقش‪..‬ألنه ببل فائدة اصبل‪ ،‬على أنه متشبًٌث دكف اف يدرم بمعقولية كسائغية كمشركعية االستدالؿ‪،‬‬
‫كرىقي‪ ،‬حتى ميكانيكا الكم‪،‬‬ ‫بالتالي هو متشبًٌث دكف اف يدرم بمعقولية القانوف العقلي <قانوف العًليٌة> ك ييريد اف يين ً‬
‫هزيٌق كال تستطيع اصبل‪ ،‬ميكانيكا الكم حين ذهبت تنفي السببية إنما‬ ‫فيقوؿ‪ :‬ال‪ ،‬الميكانيكا هزٌت مبدأ السببية! ‪ .‬ال تى ي‬
‫نفتها بالسببية ذاتها‪ ..‬ببساطة‪ ،‬ميكانيكا الكم تقوؿ لك‪ :‬أنا ارل ظواهر معينة خارج نطاؽ السببية هي اآلف تيثبًت‬
‫السببة ! ألنها تنطلق من أف لكل ظاهر وة سببان‪ ،‬فإذا رأينا ظاهرة معينة‪ ،‬كفيما يظهر ال سبب لها‪ ،‬سنقوؿ إنها ظاهرة‬
‫ال سببية إتكٌاال على مبدأ السببية‪ ..‬أم أف نفي السببية عملية مستحيلة بغير التشبٌث بالسببية‪ ،‬لو نفينا السببية فعبل‬
‫كبالمطلق كمن حيث أتت –كما قلت لكم ‪ -‬ليس اننا سنتورط في نفي السببية في عالم صيغركم فحسب (كهو عالم‬
‫ميكانيكا الكم الذم تشتغل في ميدانها)‪ ،‬ال‪ ..‬بل سنتورط في انكار كل استدالؿ‪ ،‬الحديث يصبح ببل قيمة‪ ،‬العلم‪..‬‬
‫الفلسفة ‪..‬الخ كالشيء له قيمة‪ ..‬اللغة ليس لها قيمة‪ ،..‬التوجد اية عبلقة سببية بين أم شيء كشيء‪،‬المسألة اعقد‬
‫من هذا فانتبهوا‪ ،‬القوانين العقلية قوانين جبارة‪ ،‬اكثر جبركتا من كل قوانين العلم كصياغاته‪ ،‬فالقوانين العلمية متحركة‬
‫كنسبية‪ ..‬القوانين العقلية كبغير عقل‪ ،‬ال إمكاف لقياـ العلم اصبل‪ ..‬اليوجد سعي علمي‪..‬لكن هذق مسائل فلسفية‬
‫معركفة في مواطنها‪..‬‬
‫على كل حاؿ‪ ،‬المؤمن المسلم المًلًٌي يرل –بفضل اهلل تبارؾ كتعالى – اف هاته القوانين‪ ،‬كهذق النظم إنما هي اسلوب‬
‫كطريقة عمل اهلل في الشيٌغيل‪ ،‬اسلوب اهلل في العمل‪ ،‬كلذلك التقع في عرض اهلل‪ ..‬فكيػػف تقع في عرض اهلل كهي‬
‫اسلوبه ؟!!!‬
‫انما تقع في طوؿ عمىلً اهلل‪ ،‬فهي تعمل ك اهلل يعمل بها‪ ..‬اليوجد تعارض بالمرة‪ ،‬كلذلك كل نجاح ينجزق العلم في‬
‫تقديم تفسيرات جديدة كمبتكرة لنا لعمل نظاـ ‪..‬لعمل شيء معين ‪ ..‬تفسير ظاهرة طبيعية اك غير طبيعية اك حيوية‬
‫‪..‬الخ إنمػػػا ييقدـ لنا زادا ييموًٌلنا بزاد جديد نقارب به عمىل اهلل فنزداد إيمانا‪..‬‬

‫‪106‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫كهنا مسألة مهمة بخصوص إله الفجوات كهي‪ :‬اف البشر ظلوا ك مازالو يؤمنوف باهلل ميذ كانوا ‪ ..‬أم قبل نشوء العلم‬
‫الحديث قبل القرف السادس عشر‪ ..‬قبل (كًبلًر) ك (تيخو باها) ك (كوبر نيكوس) ك (غاليليو) ‪ ..‬أم أنه يوجد عًلم اـ‬
‫اليوجد فبل فرؽ‪ ،‬اإليماف موجود‪ ،‬ألف اإليماف ال يستند الى العلم اصالة‪ ،‬اإليماف يستند الى العقل‪ ..‬مًيبلؾ كمناط‬
‫اإليماف هو العقل كليس العًلم‪ .‬العلم عندق دكر تمويني يموًٌننا ببعض األشياء التي تجعلنا نقارب عمل اهلل‪ ،‬أما كجود اهلل‬
‫ككونه هو العلٌة الحقيقية في هذا الوجود كله كفي احداث هذا الكوف كله كإيجادق‪ ،‬كالكوف قائم به ‪ ..‬كل هذا‬
‫العقل أكجبىه ‪..‬العقل توصٌل إليه‪ ،‬بغض النظر عن العلم كاف اك لم يكن نجح‪..‬فشل‪ ..‬اخفق‪ ..‬هذا اليعنينا‪..‬‬
‫بعض المبلحد العرب السيٌذىٌج البسطاء (ملحد على نيته) المسكين‪ ،‬يدٌعوف أف المؤمنوف لم يؤمنوا إال مع العلم الحديث‬
‫كفي القرف العشرين ك الواحد كالعشرين مع (ستيفن هوكنج)‪ ..‬أم اذا آمن (هوكنج) آمنا‪ ..‬كاذا كىفىر (هوكنج) كفرنا!‬
‫‪ ..‬هػػػػػػذق ترهات كليست صحيحة‪ ،‬ككبلـ ساذج‪ ..‬في الحلقات األكلى من برهاف النظم قلت اليوجد ثمة برهاف علمي‬
‫على كجود اهلل‪ ..‬مستحيل‪ ،‬كالذم يقوؿ لك لدم برهاف علمي على كجود اهلل‪ ،‬قل له‪ :‬اكال أنت ساذج التفهم ال في‬
‫فلسفة العلم كال في الفلسفة العقلية أنت انساف بسيط جدا جدا كمغفٌل‪ ،‬كال تفهم ماذا تقوؿ‪ ..‬العلم اليستطيع اف‬
‫ييثبت كجود اهلل كليس من شأنه اف يينفي كجود اهلل‪ ..‬ألف العػػػلم عندق مساحة يشتغل فيها فقػػط كهي ساحة العالم‬
‫الطبيعي سواءا الكبركم اك الصغركم‪ ،‬كعندق مناهج محددة يتوسل بها‪ ،‬كل ماخرج عن هذق الساحة يقوؿ لك‪ :‬هذا‬
‫ليس من تخصصي‪ ،‬أم انه لو ثبت بالعلم اف هذا التصميم المعين تصميم ذكي كعبقرم كجميل كفاعل كك ‪ ..‬اذف فاهلل‬
‫موجود‪ ..‬سيقوؿ لك العلم كمادخلي بوجود اهلل كما ادراني بوجود اهلل؟! هنا العلم يقف‪ ..‬تدخل الميتافيزيقا آآق دخلت‬
‫المبادمء العقلية اآلف! من حقٌك كعالم فقط االف اف تقوؿ هذا‪ ،‬اف هذا الشيء اليثبت كال ينفي‪ ،‬لكن من حقي انا‬
‫كفيلسوؼ اف استغل هذا الشيء الذم اكتشفته انت كعالم كمثاؿ‪..‬مادة استخدمها‪ ،‬ثم أيعمًل فيها آلة القوانين‬
‫العقلية‪ .‬اكؿ هاته القوانين هو قانوف العلية‪ ،‬كفلسفيا البد لكل معلوؿ من علٌة‪ .‬انتبهوا‪ ،‬العلل الفلسفية تختلف عن‬
‫العلل العلمية‪ ،‬كتختلف عن العلة في اذهاف المثقفين العاديين‪ .‬العلل الفلسفية اليمكن اف تكوف بينها كبين معلولها‬
‫فاصلة زمينة ‪ ..‬كهذق األمور اليفهمها الكثير‪ ،‬هناؾ أيناس كتبو ينتقدكني كأنا ابتسمت ك مضيت ‪ ..‬ككاهلل ليس‬
‫كًبران مني اك عجرفة ألني لم أقم بالرد على التعليقات على يخطىبي كمحاضراتي‪،‬التي تجدها لؤلسف بكل سذاجة كمن معلٌق‬
‫بمنصب الدكتور الفبلني ككذا‪ ..‬اليفهم كال يعرؼ ماذا يقوؿ المسكين!‪ ،‬مػػاذا افعل أنا؟! ال كقت لدم ألف ابدأ كأشرح‬
‫الفلسفة العقلية ك في مئة صفحة مبػػػاحث العلٌة كالعلٌيٌة ؟!! النستطيع‪ ..‬الموضوع طويل كمعقد جدا جدا لن يفهمه‬
‫المسكين‪ ..‬كيفكر ييعلٌم عنها كالعامل‪ ..‬أم ابي عًلىلًي‪ .‬ابي ليس عًلىلًي كال أمي ! ابدا‪ .‬العلة التنفصل عن معلولها فيه‬
‫تقارف‪ ..‬فيه اقتراف زمني فلسفيا‪ ،‬هم اليفهموف هذق األشياء كلها‪ ،‬كيوجد فرؽ بين العلة بهذا المعنى‪ ،‬كفرؽ بين‬
‫لو حاؿ‪ ،‬المشكلة في هذق القضايا كما قلت لكم أنه ال‬ ‫العلل الميعًدىٌة! مقدمات كممهًٌدات نسميها علل مجازا‪ .‬على ك ٌ‬
‫يستطيع اف يتصدٌل لها احد إال بعد أف ييحكًم مقدماته كلها‪ ..‬يفهم علم المنطق كالصٌورم كالمنطق األحاديث‪ ،‬يفهم‬
‫الفلسفة كاقسامها كخاصة العقلية كيتعمق فيها‪ ..‬يفهم علم الكبلـ االسبلمية كالمسيحية كاليهودية‪ ..‬يفهما جيدا!‪،‬‬
‫يفهم بعد ذلك اشياء كثيرة في العلم المعاصر‪ ،‬كفلسفة العلم‪ ،‬بعد ذلك ليتقدٌـ ك يتكلم‪ ..‬مالم تيحسًن هذا فستأتي‬
‫بمصائب كتظن نفسك أنك فهماف‪ ،‬كفي الحقيقة انت لم تفهم شيئا‪ ..‬هذق هي المشكلة على كل حاؿ‪ ،‬فاعذركني‬
‫على هذا‪.‬‬
‫نعود الى نقطة اف العلم ال عبلقة له اال بالعالم الطبيعي فقط‪ ،‬هذا تخصصه كالعبلقة له بغير ذلك‪ ،‬فهو غير مهيأ‬
‫إلثبات اك انكار كجود اهلل‪ ...‬لػػكن المهيٌأ لذلك هو الميتافيزيقاجزء من الفلسفة‪..‬هذق الفلسفة الحقيقية‪ ..‬جوهر‬
‫الفلسفة هو الميتافيزيقا كليست الفلسفة العلمية‪ ،‬اذا الغيت الميتافيزيقا فقد الغيت الفلسفة كما فعل (كانط)‬
‫ككما فعل من قبله (ديفيد هيوـ) ‪ ..‬لكن اف تستخدـ هذق المسائل العلمية فهي كػزاد فقط‪ ،‬اختلفت هذق الحقائق‬
‫العلمية اـ لم تختلف فهذا ال يضر الميتافيزيقا‪ ،‬يبقى الفيلسوؼ العقلي كالعقبلني مؤمنا باهلل بغض النظر عما يقوؿ‬

‫‪107‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫العلم‪ ،‬العلم في النهاية يفسر العالم الطبيعي‪ ،‬لكن العالم الطبيعي ككل يحتاج الى تفسير في كجودق كفي امتدادق‬
‫كاستمرارق سوؼ نرل اليوـ حين نتعرٌض لبرهاف الحدكث كجها آخر لحاجة العالم الى اهلل تبارؾ كتعالى ‪ ..‬الفلسفة هنا‬
‫تتكلم كتتصدر الموقف كليس العلم الطبيعي‪ ..‬معظػػم علماؤنا كمشائخنا يتورطوف حتى األذقاف عندما يقولوف "‪..‬البرهاف‬
‫العلمي لوجود اهلل‪..‬البراهين العلمية لػ ‪ ،" ...‬هػػؤالء اليفهموف مايقولوف‪ ..‬اطفاؿ في هذا الميداف‪ ،‬عيب كهذا ييضحًك‬
‫علينا المتخصصين فبل عبلقة البرهاف العلمي بهذق القضايا‪.‬‬
‫اذف البد اف نتبه الى قضية اف اهلل كالقانوف اليتعارضاف بل يتطاكالف‪ ..‬فالقانوف هو اسلوب عمل اهلل في الخلق‪،‬اهلل‬
‫يعمل كالقانوف يعمل‪ ،‬اهلل يعمل بالقانوف‪..‬كفقط‪ .‬كما قاؿ تعالى‪} :‬ك ماتشاؤف إال أف يشاء اهلل{التكوير ‪، 29‬أثبت‬
‫لنا المشيئة‪ ،‬كأثبت لذاته العىلًيىٌة المشيئة أليس كذلك؟! يسأليك احدهم مستفسرا‪ :‬ككيف ذلك ‪..‬الجى ٍبري كاإلختيار‪،‬‬
‫كالقضاء كالقىدىر‪..‬حسنا اذا شاءاهلل‪ ،‬مالذم يبقى لمشيئتي انا؟ انتفت مشيئتي! قل له‪ :‬يا اخي مشيئتك التعمل في‬
‫عرض كاحد مع مشيئة اهلل‪ ،‬كإنما تطاكؿ مع مشيئة اهلل (مشيئة العبد تقع في طوؿ مشيئة الرب الذم ال اله اال هو )‬
‫انتبهوا‪ ،‬مسألة مهمة جدا جدا كتنحل العقدة‪.‬‬
‫شرٍت الى‬‫في النهاية بصدد حديثي عن إله الفجوات ربما في المحاضرة السابقة من باب التظريٌؼ كليس التطرٌؼ أ ى‬
‫مصطلح جديد اقترحه كهو عًلم الفجوات‪ ،‬أنتم تأخذكف على المتدينين هذا المفهوـ الغالط‪ .‬كعلى فكرة هو مفهوـ ال‬
‫كزف له‪ ،‬كال تبرير له اال في السياؽ الغربي الفلسفي كالبلهوتي‪ ،‬اما في السياؽ االسبلمي فبل موضع له‪ ..‬فتصوير اهلل‬
‫كالقانوف على انهما متعارضاف نجم عنه مفهوـ الفجوات‪ ،‬كالبد اف ينجم‪ ،‬فما ينجح فيه العلم‪ ،‬ييستغني فيه عن اهلل‪،‬‬
‫مايفشل فيه العلم ييفزىع فيه الى اهلل ‪ ..‬اذف هذا إلػػه الفجوات ! لكػػن في الطرح كالتصور االسبلميين اهلل كالقانوف‬
‫يتطاكالف كال يتعارضاف فيػػػػػػختفي بالكامل كمن حيث اتى مفهوـ إله الفجوات !!! كيصبح العلم يخدـ مفهوـ اهلل‬
‫كيعزز االيماف باهلل كبعمل اهلل كبقيٌوميىٌة اهلل في كونه كعلى كونه‪ ،‬كبكوف الكوف قائما بربه ال إله اال هو ‪..‬‬
‫لكن دعونا نتنزىٌؿ اعتباطا‪ ،‬كنحاكؿ اف نتقمٌص السياؽ الغربي كالفكر كالتصور الغربيين (إله الفجوات عندهم‪ ،‬كهو غير مبرر‬
‫في طرحنا االسبلمي)‪ ،‬لديهم في خلفيتيهم ايها االخوة‪ ،‬إله الفجوات ييهرع اليه حين يسجل العلم فشبل في تفسير‬
‫ظاهرة معينة‪ ،‬كلذلك ييسخىر منه ‪ ،‬كعلى فكرة‪،‬الى االف المتدينوف المتحمسوف في الغرب من المسيحيين الشعوريا‬
‫يشمتوف بالعلم‪ ،‬كيحبوف اف ييظهركا الشماتة به‪ ،‬يفعلوف هذا !‪..‬كبعضهم متفلسفة كبار ‪..‬انظركا العلم قاصر العلم‬
‫يفشل‪ ،‬كحين يفشل في تفسير ظاهرة معينة هو اليفشل اليوـ‪ ،‬بل يسجل على نفسه مشوارا طويبل من الفشل‬
‫فإذا فشل العلم اليوـ في تفسير ظاهرة‪ ،‬فهو تتويجا لمسار العلم كله الفاشل في تفسير هذق الظاهرة‪..‬ام بعد‬
‫اربعمئة سنة لم تفسرها فأنت فشل على مدل اربعمئة سنة‪ ،‬مالذم يضمن لي غدا انك ستنجح؟! اك بعد غد‪ ..‬اك‬
‫تستمر في الفشل‪..‬اذف انت فاشل! ‪ .‬ييظهركف الشماتة في العلم‪ ،‬كهػػػذا ليس من مصلحة الدين‪..‬لؤلسف‪ ،‬لكن هي‬
‫معركة‪ ،‬هذق بعض آثار معركة القيركسطية بين العلم كالدين في السياؽ األكركبي اك الغربي‪..‬‬
‫العلماكيوف كما نسميهم دائما ايضا من جهتهم ييهرعوف كلما كقعوا في احراج الفشل كعدـ القدرة على التفسير الى‬
‫القوؿ‪" :‬العلم حتمػػػا سيفسر هذق الظاهرة يوما غدا اك بعد غد الى اف قد ‪ ..‬سيفسر‪ ،‬ليس بالضركرة اليوـ هو فشل‬
‫أم يبقى فاشبل‪ .‬أنػا قلتي مقترحا‪ :‬هػػذا علم الفجوات !! هػػذا يتشبث بعلم الفجوات‪ ،‬كهذا ايضا يتشبث بعلم‬
‫الفجوات‪ ..‬لكن بطريقة كما رأيتم‪ .‬أيهمػػا اقرب الى المنطقية كالتماسك‪ :‬منطق إله الفجوات (على خطئه طبعا) ‪ ،‬اك‬
‫منطق علم الفجوات ؟ أيسارع الى القوؿ‪ :‬إله الفجوات ‪..‬اكثر تماسكا‪ ،‬كاكثر منطقية‪ ،‬ألف الذم يقوؿ بإله الفجوات ‪-‬‬
‫كما ينيبزيق عدكق العلمىوم‪ -‬إنما يصدر في قوله هذا عن إله آمن به على خلفية عقلية‪ ،‬لديه براهين عقلية على كجود‬
‫اهلل!‪ ،‬براهين عقلية العبلقة لها بالعلم‪ ،‬لذلك كما قلت لكم ظل الناس من ألوؼ السنين مؤمنين باهلل قبل اف ينشأ‬
‫العلم الحديث بكامله‪ ،‬كلذلك هم ييهرىعوف الى تفسير أم ظاهرة بإسنادق الى اهلل الذين آمنوا به على اساس عقلي‪ ،‬كهذا‬
‫اإلله في ظنهم كفي اعتقادهم موجود‪ ..‬االف هو موجود‪ ،‬كليس سيوجىد لكي ييفسر‪ ،‬موجود كهو الذم خلق‪ ،‬كهو صحيح‬

‫‪108‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫هو خلق هو ابدع هو شاء هذا الشيء على هذا النحو‪ ..‬كهكذا ككذا‪ .‬بخػػػػػبلؼ العلم‪ ،‬فالعلم يا إخواني ليس كيانا‪،‬‬
‫العلم مسار ممتد‪ ،‬كعملية ممتدة كمتناسخة –ككما قاؿ األديب الشهير الركائي (سامىر سموـ)‪" :‬العلم ييثبت العلم‬
‫مانفاق باألمس‪ ،‬كينفي اليوـ ما اثبته باألمس"‪ ،‬ك هلي ٌمى جرا‪..‬على كل حاؿ‪ ،‬هذا صحيح كمبلحظ‪ .‬كعبارة (آرثر كوستلىر)‬
‫في الجماجم في صحراء العلم‪ ..‬معناها يوما ما كانت مرشحة ألف تكوف خالدة‪ ،‬لكن االف مجرد جماجم كعظاـ حفريات‬
‫كمتحجرات ‪..‬انتهى كل شيء‪ ،‬كفي عصرها كاف األمل معقودا عليها اف تمتد الى ماالنهاية‪ .‬العموم يقوؿ لك‪" :‬العلم‬
‫سيفسر"‪ .‬العلم ليس كيانا‪ ،‬كليس لدينا ضمانة اكيدة انه سينجح ‪ ،‬اذف العلم ييحيل على احتماؿ في حين اف إله‬
‫الفجوات القوؿ به احالة على موجود‪..‬حاضر‪ ،‬كآمنا به على خلفية عقلية‪ ،‬يبقى موقف إله الفجوات اكثر تماسكا من علم‬
‫الفج‬
‫كات‪ .‬طبعا بافتراض اك بتعابط االف اف هذا المصطلح اصبل له مايبررق‪ ،‬هو فقط مبرر في السياؽ الغربي على انه خاطيء‬
‫كناشيء عن اسس خاطئة تماما‪.‬‬

‫اكتفي اف شاءاهلل بهذا القدر لكي اختم كما كعدتكم هذق الحلقات الطويلة في برهاف النظم اك برهاف التصميم لكي‬
‫ييفض ىي بنا الحديث اف شاءاهلل تعالى في الحلقة المقبلة الى برهػاف آخر كهو برهاف الحػػدكث‬
‫ن جميعا كرحمة اهلل كبركاته‪.‬‬
‫فأقوؿ قولي هذا كاستغفر اهلل لي كلكم كالسبلـ عليكم كعليك ٌ‬

‫‪109‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫الحلقة الخامسة عشر برهاف الحدكث ‪1‬‬
‫أعوذ باهلل السميع العليم من الشيطاف الرجيم‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪..‬الحمدهلل رب العالمين‪ ..‬ياربًٌ لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كماتحب كترضى‪ ،‬كاشهد‬
‫اف ال إله إال اهلل كحدق الشريك له‪ ،‬كأشهد أف سيدنا كحبيبنا كنبينا محمدا عبدق ك رسوله‪ ..‬صلى اهلل كسلٌم كبارؾ‬
‫عليه كعلى آله الطيبين الطاهرين كصحابته المباركين الميامين كأتباعهم بإحساف الى يوـ الدين‪ ..‬سبحانك العلم لنا اال‬
‫ماعلمتنا إنك أنت العليم الحكيم‪،‬اللهم علمنا بما ينفعنا كنفعنا بما علمتنا ك زدنا علما‪ ،‬اللهم آمين‪ ...‬أما بعػػػد‪،‬‬

‫السبلـ عليكم كرحمة اهلل كبركاته ‪..‬‬


‫سنشرع في هذق الحلقة في الكبلـ عن برهاف جديد طاؿ في تقريرق كبلـ علماء البلهوت اك علماء العقائد على اختبلؼ‬
‫التسميات كليس فقط من المسلمين بل من اليهود كالمسيحيين أم من اصحاب الديانات التوحيدية كما تيعرىؼ‪ ،‬على اف‬
‫الدين كاحد‪..‬كهو برهاف حدكث المػػادة ‪ ،‬يبرهنوف بحدكث المادة على كجود الذات اإللهية‪ ،‬فما معنى الحدكث؟ لكي‬
‫نعرؼ معنى الحادث‪ ..‬هذا الشيء حادث –هذق مصطلحات فلسفية الينبغي اف تؤخذ على أصل الوضع اللغوم‪ ،‬كإنما‬
‫على اصل االصطبلحي – الحػػػادث هو ‪ :‬كل شيء يقع في ظرؼ الزماف يسمى حادثا‪ .‬يتساءؿ احدهم‪ :‬انطبلقا من‬
‫هذا التعريف‪ ،‬هناؾ فريق من الناس يقولوف بأزلية الوجود ‪ ..‬بأزلية الكوف‪ ،‬ألنهم اليعترفوف بحدكث الكوف‪ ،‬صحيح‪.‬‬
‫ككل من قاؿ بأزلية الكوف هم ‪-‬في رأسهم (ارسطو) كاف يقوؿ بأزلية الكوف للمادة األكلى‪ ،‬المسألة معركفة ًب ًقدىـ‬
‫العالم‪ -‬اكثر الفبلسفة االسبلميين تابعوق على ذلك‪( ..‬ابو نصر الفارابي)‪(..‬ابو علي ابن سينا)‪(..‬ابو كليد ابن‬
‫رشد)‪(..‬ابن طفيل) ‪(..‬ابن باجٌة)‪ ...‬حتى ( يمبلىٌ صدرا) يقوؿ بهذا لكن على نحو مختلف قليبل‪ ..‬هؤالء يقولوف بأزلية‬
‫العالم على انهم يقولوف بمخلوقيٌته هلل‪( ،‬ابو حامد) كفٌرهم في بهذق المسألة‪ ،‬كنحن ال نرتئي اف نكفٌرهم ألف المسألة‬
‫فيها اشتباق‪( ،‬ابن تيمية) شيخ االسبلـ –معظم اتباعه اليعرفوف هذا‪،‬كهو ثابت في كتبه بشكل كاضح كفاقع‪ -‬قاؿ‬
‫بوجود حوادث ال أكؿ لها!‪ ،‬يعني قاؿ بًقًدىـ هذق األشياء بأزليتها‪ ،‬فكفٌرق كثير من المعاصرين من شيوخ االسبلـ‪ ،‬كال‬
‫يزالوف الى اآلف يكفٌركنه‪ ،‬بعض كبار األشاعرة يكفركف ابن تيمية ألنه قاؿ بحوادث ال اكؿ لها ‪. . . .‬‬
‫الذين قالوا بقًدىـ العالم اليمكن اف ييصادًقوا على برهاف حدكث العالم كبالتالي اف ييبرهنوا به على كجود الذات اإللهية !‪.‬‬
‫على اف من هؤالء (القائلين بقدـ العالم) فبلسفة موحٌدكف‪ ،‬يقولوف بقدـ العالم كبأف اهلل اسبق منه ال بالزماف كلكن‬
‫بالريٌتبة‪ ،‬يقولوف بقدـ العالم كبكونه مخلوؽ هلل‪ ،‬كمفعوال هلل‪ ،‬الينفوف الخلق‪ ...‬شيء عجيب‪ ،‬نظرية معقدة جدا‪....‬‬
‫لذلك ال تيسارعوا الى التكفير‪ ،‬كاليسارع اليه اال الجهلة‪".‬كما قاؿ ابوحامد رضواف اهلل تعالى عليه"‪.‬‬
‫إذف‪ ،‬بالنسبة للحدكث كالكوف في ظرؼ الزماف‪ ،‬مامعنى الكوف في ظرؼ الزماف؟ يعني اف يتبثق هذا الشيء من العدـ‪،‬‬
‫ق بعدـ كأيخرًج من كتم العدـ الى انوار الوجود يسمى كييدعى حادثا‪ ،‬كالعملية‬‫أم اف يكوف مبسوقا بعدـ‪ .‬فكل ماسيبً ى‬
‫كلها تسمى الحدكث‪ ،‬أم شيء خرج من العدـ الى الوجود‪ ...‬لم يكن ثم كاف‪ ،‬ييقابله كما سمعتم قبل قليل هو‬
‫"القديم" كالقديم في اللغة الكبلمية العقائدية اليعني العتيق‪ ،‬بل القديم الذم ال اكؿ له بمعػػػػػػنى الذم اليقع في ظرؼ‬
‫الزماف‪ ..‬فليس حادثا ! ‪ .‬اهلل تبارؾ كتعالى قديم‪ ،‬كمامعنى قديم؟ معناق اف اهلل غير كاقع في ظرؼ الزماف‪ ،‬كالبد اف‬
‫يصح هذا الكبلـ‪ ،‬ألف اهلل هو مزمٌن الزماف كما هو مكمٌن المكاف‪ ،‬كمظرٌؼ الظركؼ زمانيٌيها كمكانيٌيها‪ ،‬فإذا كاف اهلل‬
‫كذلك‪ ،‬فهذا ستنتج عنه نواتج كتتلوق تواؿو‪ ،‬كتلزمه لوازـ كثيرة جدا جدا نستبين بها عيقم تفكيرنا كقصورها في قياس‬

‫‪110‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫اهلل على الحوادث كالمخلوقات كعلى االنساف بالذات‪ ،‬كستنحل به معضبلت في العقيدة كفي الفهم‪ .‬فاهلل تبارؾ‬
‫كتعالى خارج ظرؼ الزماف ألنه قديم ال اله اال هو‪ .‬اهلل كجودق ليس مسبوقا بعدـ‪ ،‬لو كاف كجودق مسبوقا بعدـ لكاف‬
‫من اقساـ الحوادث‪ ،‬أم لكاف ممكنا من الممكنات‪ ،‬على اف الممكن في االصطبلح الفلسفي الممكن ال يساكم الحادث‬
‫تماما كما ييطلقه كثير من المتكلمين‪ ،‬بل على العكس الممكن هو ممكن مع كونه قديما ايضا عند هؤالء!‪.‬‬
‫ث هو الذم اخرجه من كتم العدـ الى نور الوجود ‪..‬‬ ‫ب احتياجه الى ميحدً و‬
‫الحادث ايها اإلخوة اذا كاف هذا تعريفه‪ ،‬كى ىج ى‬
‫فالحادث دائما يحتاج الى عًلٌة‪ ،‬لو اردنا اف نصوغ هذا صياغة استنباطية تقليدية‪ :‬نقوؿ هذا الشيء المعين حادث‪ ،‬هذا‬
‫مقدمة صغرل‪ ،‬ككل حادث البد له من محدث كهذق مقدمة كبػػػرل‪ ،‬النتيجة‪ :‬هذا الشيء البد له من محدث ‪..‬فبدكرنا‬
‫نبحث عن هذا المحدث‪ ،‬لكن التقفز بضربة كاحدة كتقوؿ‪ :‬هذا الشيء مخلوؽ هلل‪ ،‬هنا توجد قفزة‪ ..‬بل علينا اف نقوؿ‬
‫في األكؿ النتيجة بأف البد له من محدث‪ .‬اآلف هل هذا المحدث‪ ،‬حادث آخر أك محدث غير حادًث‪ ..‬هذق مسألة من‬
‫خلق اهلل‪ ..‬كهذق مسألة اخرل نتناكلها بتفصيل آخر‪ .‬لكن على األقل هذق المسألة تيصاغ على هذا النحو‪ :‬هذا الشيء‬
‫المعين ك إف شئت تقوؿ الكوف كله حادًث‪ ،‬كالبد لكل حادثو من محدث‪ ،‬اذف البد اف يكوف لهذا الكوف محدث‪..‬‬
‫كالسؤاؿ ‪ :‬من هو ؟‪ .‬هل هو نفسه الكوف احدث نفسه؟ ممكن اك غير ممكن سوؼ نرل‪ .‬قد يقوؿ لي احد الملحدين‪:‬‬
‫هذا الكبلـ منطقي شكلي ال كزف له‪ ،‬من قاؿ لك اف الكوف اصبل حاث؟!‪ ،‬انت هكذا قفزت‪ ،‬كالنتيجة مقررة لديك‬
‫سلفا‪ ،‬كجئت تقرر اعتسافا اف الكوف حادث ‪ ،‬من اين لك بهذا الكبلـ؟! الكوف ليس حادثا‪ ،‬الكوف أزلي الكوف قديم لم‬
‫ىيزىؿ‪،‬فكما تؤمن بإله قديم لم يزؿ‪ ،‬كنحن نؤمن بكوف قديم لم يزؿ أم ليس مسبوقا بعدـ! ‪ ..‬تذكركف في خطبة‬
‫كيسألونك من خلق اهلل‪ ،‬تعرضنا بسرعة للقانوف الثاني للديناميكا الحرارية (قانوف كارنو)‪ ،‬هذا القانوف كاضح جدا‪ ،‬قانوف‬
‫عامل ك مقرر ‪ .‬بموجب هذا القانوف ‪ :‬تنتقل الحرارة في الوجود كله من األجساـ كالحيٌز األكثر إلى تلك األقل حرارة‪،‬‬
‫كاألمر الينعكس من ذاته‪ ،‬اترؾ االمور على ماهي عليه ‪..‬دائما تسير على هذا النحو باستمرار‪ .‬لذلك حين تصافح احدا‬
‫من الناس تقوؿ له‪ ":‬يدؾ دافئة" فيقوؿ لك مستغربا‪ :‬ال‪،‬ابدك عاديا‪ ،‬كلكن يبدك اف يدؾ باردة‪ ...‬فإذا كانت يدؾ‬
‫اقل دفئا من يدق ستشعر فعبل بدؼء يدق‪ ..‬أم تنتقل الحرارة من الجسم األكثر حرارة الى الجسم اآلقل حرارة ‪..‬هكذا‬
‫الوجود كله يعمل بهذق الطريقة ماديا طبيعيا هكذا‪ .‬لػػػو كاف هذا الكوف أزليا يعني ماضيه يعود الى ماالنهاية‪ ،‬كليس‬
‫من قبل خمسة عشر بليوف كال مئة كخمسين بليوف سنة ‪..‬بل الى ماالنهاية في الماضي‪ ،‬ماكنا اآلف هنا نتكلم هذا‬
‫الكبلـ! ‪ ..‬ألنه كاف سيكوف قبل مدة متمادية جدا جدا ‪ ،‬البد اف يكوف هذا الكوف قد تموىٌت حراريا‪ ،‬أم بلغ درجة‬
‫الصفر المطلق‪ ،‬يسألني احدهم مثبل‪ :‬لماذا عند الصفر المطلق؟ لم الينخفض عند درجة خمسة اك ستة في الكوف ؟! ‪.‬‬
‫في الفضاء العميق السحيق الدرجات هناؾ قر يبة من الصفر المطلق‪ ،‬كوف بارد جدا جدا كمعتم جدا جدا }ك أغطش‬
‫ليلها{ النازعات‪ ،29،‬الكوف بارد كفارغ بشكل التتخيله‪ .‬أم انك ممكن تمشي –بحسب سيقن‪ -‬تسير في عشرة ايكس‬
‫‪ 32‬سنة‪ ،‬تخيل تمشي كم بليوف بسير معين ‪ ..‬كالتعثر على مجرة ! الكوف كاسع جدا‪ ،‬لكن بسرعات معينة كليس‬
‫بسرعة الضوء‪ ،‬فتمشي فيه بأية سرعة تجد الكوف فارغ اسود بارد بدرجة الصفر المطلق‪ ..‬رغم انها توجد مليارات‬
‫المجرات في الكوف التي فيها مئات مليارات النجوـ‪ ،‬هذا شيء قليل جدا تعتبر كنقاط في الكوف‪ ..‬اذف هذا الكوف لو‬
‫كاف ازليا لوصل الى درجة التموت الحرارم أك الصفر المطلق من ببليين ببليين السنين اليعلمها اال اهلل‪ ..‬لكن نحن هنا‬
‫في الكوف كمازالت العمليات الفيزيائية كالكيميائية تحدث‪ ،‬أليس كذلك ؟ كمازالت النجوـ تتوهج كتشتعل كتبث‬
‫الطاقة ‪ ..‬معناها لم يبلغ الكوف درجة الصفر المطلق‪ ..‬كما معنى اف يبلغ الصفر المطلق؟ كما ذكرناها في الخطبة‪ :‬اذا‬
‫النظاـ بلغ الصفر المطلق فحركة األلكتركنات كأم شيء أم جزمء يتوقف كينتهي ‪ ..‬هذا هو التموٌت‪ ،‬كل شيء يتوقف‬
‫بالكػػامل‪ ،‬فتنتهي كل مظاهر الحياة‪ ،‬ككل التفاعبلت كيميائية كتفاعلية ‪ ..‬كلها تتوقف‪ ..‬يصبح عالما من السكوف‬
‫المطلق‪ ،‬ليس هذا الكوف الذم نعرفه‪ ،‬فإذا ص ٌحى هذا‪ ،‬كص ٌحى اننا هنا كبعقولنا كنرل الكوف كما هو اآلف كهذا صحيح ‪..‬‬
‫كذاؾ صحيح ‪ ..‬معناها اف الكوف ليس أزليا‪ ..‬أم اف الكوف خيلًق البارحة !‪ ،‬طبعا بحسب علم الكونيات هو مخلوؽ قبل‬

‫‪111‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫ثبلثة عشر مليار كسبعمئة مليوف سنة‪ ،‬اقل من اربعة عشر مليار سنة‪ ،‬لذلك مازاؿ الكوف لديه فرصة أف يعيش الى‬
‫ت هنا بصدد التعرض للنظريات السخيفة‬ ‫ماشاءاهلل‪ ..‬لكن ايضا بهذا القانوف لن يعيش الى ماال نهاية‪ .‬بالطبع انا لس ي‬
‫التي لم تثبت كالحالة المستقرة‪ ..‬حقل التخليق ‪ ..‬الخ كل هذا كبلـ غير صحيح‪ .‬الصحيح لحد االف كالقوم هو‬
‫ماذكرناق‪ ،‬طبعا توجد نظريات كتوجد نماذج اخرل تيقاؿ كقد عرٌجنا عليها في الحلقات السابقة‪.‬‬
‫االف قد يأتي ملحد اك مادم يقوؿ لنا‪ :‬ماعبلقة هذا بوجود اهلل ؟! فأنا عندم اعتراض‪ ..‬نحن نؤمن بأف هذا الكوف أزلي‪،‬‬
‫كمع ذلك هو غير متموًٌت حراريا االف‪ ،‬ألف الكوف مع كونه أزليا قديما غير مسبوؽ بالعدـ إال انه لم يتموٌت حراريا‪ ،‬ألنه‬
‫فقط بدأ يشتغل كيتفاعل‪ ،‬كخرج عن حالة التجانس التاـ قبل فترة بسيطة‪ .‬كهذا ما اعترض به (برًفاند راسًل) في‬
‫اكثر من كتاب له‪ ،‬يقوؿ‪" :‬الكوف في حالة تجانس‪ ..‬التوجد اية تفاعبلت كال اية انتقاالت‪ ،‬في ظركؼ محددة النعرؼ‬
‫لماذا‪ ،‬اختل هذا التجانس‪ ،‬فبدأت هذق العمليات كالتفاعبلت "‪ .‬كبلـ فلسفي جميل‪ ،‬بماذا نجيب نحن كموحدين‪ ،‬نجيب‬
‫لى التجانس؟‬ ‫بالتساؤؿ‪ :‬لو افترضنا اننا سلٌمنا بأف الكوف كاف على الصفة التي ذكرت كعلى الحالة التي نعىتىٌ‪ ،‬لػػػػػماذا اخت ٌ‬
‫ماهو السبب كارء اختبلؿ هذا التجانس؟ كمامعنى اختبلؿ التجانس؟ معنى اختبلؿ التجانس ‪ :‬نشوء اك انبثاؽ حركة‬
‫تفاعل حرارم‪ ..‬أم انتقاؿ حرارم من هذا الى ذاؾ‪ ..‬فلماذا هذا االختبلؿ؟ بحػػػػػكم اف العقل االنساني مضطر رغما عنه‬
‫(كحتى الملحدكف يفعلوف ذلك) لقانوف العلية أم البد اف يكوف هناؾ سبب ما‪- ،‬كحسب العلية‪ -‬اقوؿ له هذا السبب‬
‫الػ ما هذا‪ ،‬اما اف يكوف سببا كامنا في جوؼ المادة‪ ..‬في جوؼ العالم المادم هذا نفسه اك اف يكوف سببا خارجا عن‬
‫هذا الكوف المادم‪ .‬طبعا سييهرىع الملحد اك المادم الى القوؿ‪( :‬طبعا هو االكؿ اما الثاني فبل يؤمن به) هو أكيد انه‬
‫سبب كامن في جوؼ المادة‪ .‬في عمق المادة كالكوف‪ .‬اقوؿ له ‪ :‬كقعتى في التفكير الدائرم‪ ..‬أم ييجعىل الشيء سببا ك‬
‫يمسىببا في الوقت ذاته‪ ..‬كهذا مستحيػػػل!‪ ،‬اك يتوقٌف الشيء على شيء في الوقت الذم يتوقٌف عليه الميتوىقٌف عليه‬
‫على ما توقٌف عليه ‪ ..‬مستحيػػل‪ ،‬هذا اسمه التفكير الدائرم اك (ال ٌدىكٍر)‪ ،‬أم كمثاؿ‪ :‬عندما تذهب الى الجامعة كأنت خريج‬
‫ثانوية عامة تريد التسجيل فيها‪ ،‬فتقوؿ لك الجامعة‪ :‬المانع لدينا كلكن عليك اف تكوف خريجا من الكلية الفبلنية التي‬
‫انت راغب التسجيل فيها‪ ،‬لكي نقبلك في تسجيلك فيها !‪ ..‬مستحيل‪ ،‬يتوقف الشيء على نفسه‪ ،‬اذف‪ ،‬في حياتك‬
‫لن تدخل هذق الكلية ‪ .‬قاؿ تعالى‪} :‬أـ خيلًقوا من غير شيء؟{ الطور ‪،‬كهذا ابطاؿ القوؿ الذم يبطل العلية‪ ،‬فبل يوجد‬
‫ق‬
‫شيء اسمه "نحن مخلوقين كفقط" اليوجد‪ ،‬فلكل معلوؿ علٌة‪} ،‬أـ همي الخالقوف{الطور ‪ ،‬أم ٌدكٍر ‪ ،‬مخلوؽ خىىل ى‬
‫مخلوؽ‪ .‬فالقرآف أبطل هاتين الحماقتين بكلمتين‪ ..‬في سورة الطور }أـ خيلًقوا من غير شيء{ ام ابطاؿ القوؿ الذم‬
‫يبطل العلية‪ ،‬فيقوؿ احدهم‪" :‬ليس شرطا العلية تكوف موجودة‪ ..‬موجود بغير سبب‪ "..‬لكن هذا كبلـ فارغ‪ ،‬اليقوؿ‬
‫به احد !‪ ،‬حتى الذم ييبطًل العلية اليقوؿ به‪ ،‬ألنه حين يى ٍعتىلىٌ البطاؿ العلية إنما ييصادًؽ على العلية ! بدليل انه يريد‬
‫اف يقنعك بهذا القوؿ‪ ،‬اذف هو يؤمن بأف هذق الحجة علة لئلقناع‪ .‬هذق هي القوانين العقلية هي قوانين مطلقة‬
‫كشاملة عامة كلية‪ ،‬كاليستطيع احد اف يلغيها‪..‬قاؿ اهلل }أـ خيلًقوا من غير شيء{ لن تستطيع‪} ،‬أـ ه يم‬
‫الخالقوف{ أم هل يكوف المخلوؽ خالقا في الوقت ذاته‪ ،‬أم خلق نفسه؟! مستحيػػػػل ‪ ..‬كهذا اسمه ال ٌدىكٍر‪ .‬فنقوؿ‬
‫لهم‪ :‬اذا قلتم هذا السبب ‪-‬كهو غير معين كغير معركؼ بتفاصيله‪ -‬داخل المادة‪ ،‬كامن في قلب المادة‪ ..‬فقد كقعتم‬
‫في الدٌكر المحاؿ‪ ،‬ألنه ليس معنى اختبلؿ التجانس اال كقوع التبادؿ الحرارم‪ ،‬هو تعبير عن شيء كاحد‪ ،‬ييعبٌر بأنه اختبلؿ‬
‫التجانس الحرارم بوقوع التبادؿ كالتفاعل الحراريين‪ ،‬فأف تفسر هذا بهذا‪ ،‬فهذا اسمه دىكر!‪ .‬فاطلب منهم اف يعينوا لك‬
‫سببا نقبله‪ ،‬لن تجد عندهم سببا‪ .‬لم يبقى اال اف يقولوا ‪ :‬ال ال‪ ،‬كاضح اف السبب خارج المادة‪.‬‬
‫االف توجد قضية فلسفية خطيرة جدا‪ ،‬فقد تورىٌطوا اكثر‪ ،‬فالقاعدة كمبدأ من مبادمء الفسفة العقلية‪< :‬ال ىعرىضي البد‬
‫اف يعود الى الذاتي‪ ،‬كالذاتي ال ييفسر بغيرق>‪ .‬أم كل مابال ىعرىض البد اف يعود الى ما بالذات‪ ،‬بمعػػػػنى –كما ذكرت في‬
‫الخطبة‪ -‬كهذا المسجد االف ميضاء بهذا النور‪ ،‬كالنور ميضاء بػػذاته‪ ،‬اليوجد شيء يضيء النور‪ ،‬ألف معنى النورية اإلضاءة‪،‬‬
‫فإذف نفسر بكوف المسجد مضاءا بوجود منابع الضوء هذق‪ ،‬كيف نفسر انها هي مضاءة‪ ،‬مستحيل بذاتها طبيعة‬

‫‪112‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫الضوء‪ ،‬فإضاءة النور صفة ذاتية له ال ييطلىب لها تفسير‪ .‬ك أبسط من هذا‪ ،‬مشركب الكركديه هذا حلو المذاؽ‪ ،‬بماذا‬
‫أيفسر حبلكة مذاقه؟ ألف الكركديه اذا غيلًيى كحدق تجدق حامض جدا‪ ،‬فنسر حبلكته بالسكر اك العسل المضاؼ اليه‪،‬‬
‫بماذا افسر حبلكة السكر؟ ال تفسيػػػػػر لها !‪ .‬ألف معنى السكرية هو الحبلكة‪ .‬فما بالذات ال ييطلب له تفسير‪ ،‬ما‬
‫بال ىعرىض يطلب له تفسير الى اف نعود الى ما بالذات‪ ،‬فكل مابال ىعرىض البد اف يعود الى ما بالذات‪ ،‬ك ما بالذات اليعود‬
‫الى شيء‪ .‬االف التبادؿ الحرارم الذم يحدث في الكوف من ذاتيات المادة اك من ىعرىضياتها؟ من عرضياتها بدليل قولكم‬
‫أتى على المادة حين ال نهائي كانت متجانسة كلم توجد تبادالت‪ ،‬ثم حدث التبادؿ هذا‪ ،‬معناها ىعرىض لها بعد اف لم‬
‫يكن فهو من ىعرىضياتها‪ ،‬بماذا ييفسىٌر ؟ نطلب له تفسير‪ ،‬البد في النهاية اف نيسنًدى يق الى سبب ‪ ..‬الى ميحدًث ال ييطلىب‬
‫له ميحدًث آخر ‪ ،‬الييطلب له سبب آخر يسببه كهو كاجد هذا الوجود ‪ ..‬هو الخالق الذم ال اله اال هو !‪ .‬هذا العقل كال‬
‫دخل للعلم بهذا‪ ،‬العلم يوضح لك فقط مقدمات البرهاف‪ ،‬يتدخل فيه‪ ،‬ليست لدينا اية مشكلة‪ ..‬لكن السير كله‬
‫البد اف يكوف سيرا عقليا محضا هنا‪.‬‬
‫اذف فاعلية المادة ككونها فاعلة كتتحرؾ كفيها تبادالت‪ ..‬من ىعرىضياتها‪ .‬المثلث زكاياق تساكم قائمتين‪ ،‬ذاتي اـ‬
‫ىعرىضي؟ ذاتي‪ ..‬فبل يوجد مثلث ببل زكايا قائمتين‪ ،‬كبعد مئة سنة فجأة ‪ ..‬ىعرىض له اف زكاياق تساكم قائمتين‪ ..‬غير‬
‫صحيح‪ ،‬ألف كوف المثلث مثلثا ال يعني شيئا اكثر من اف زكاياق تساكم قائمتين‪ .‬حسنا‪ 2=1+1 ،‬ذاتي أك عرىضي؟‬
‫ذاتي‪ ،‬فبل يوجد كاحد يضاؼ الى كاحد يعطينا نتيجة غير معركفة كمبهمة كبعد فترة معينة نجعلها تساكم اثنين!‪.‬‬
‫قد يسألني احدهم‪ :‬بعد أف كضحتى لنا برهاف حدكث الكوف‪ ،‬أين اإلشارة له في القرآف ؟ كثيييير جدا‪ ،‬القرآف ملئػػػاف‬
‫ريٌػاف من االشارات كالتصريحات الى برهاف الحدكث‪ ،‬كمن اشهرها محاجة ابراهيم عليه السبلـ‪ ،‬فييقاؿ لي‪ :‬كيف‬
‫تتفلسف‪ ..‬الدين ليس بفلسفة‪..‬الخ‪ ،‬اقوؿ له انت التعرؼ شيئا‪ ،‬فالكثير يخافوف من الفلسفة قد تؤدم الى االلحاد‬
‫ككذا‪ ،‬اطبلقا ليس له عبلقة‪ ،‬فالفلسفة ليست مذاهب انا ال احترـ الكثر المذاهب‪ ،‬الفلسفة منهج في التفكير كنشاط‬
‫عقلي‪ ،‬كهي في صميمها ال تتناقص مع مسائل الموحدين‪ ،‬بل على العكس تيعزٌزهم لكن بلغة فنية محترمة يحترمونها‬
‫الناس‪ ،‬القرآف الكريم ىعرىض إلبراهيم عليه السبلـ لما رأل كوكبا }قاؿ هذا ربي{ االنعاـ‪ 78،‬في الحقيقة هو لم يعتقد‬
‫انه ربه‪ ،‬هو كاف في مقاـ المحاجة‪ ..‬يحتج عليهم‪ ،‬بدليل قوله في آخر السياؽ الكريم }كتلك حجتنا آتيناها إبراهي ىم على‬
‫قومه{ اذف ابراهيم عليه السبلـ كاف في مقاـ المناظرة اـ في مقاـ النظر؟ المناظرة كليس النظر‪ ،‬ليس في مقاـ اف‬
‫يحتج لنفسه بل اف يحتج بها عليهم ‪ ،‬ال لذاته‪ ..‬هو كاف موحًٌدا كمؤمنا من قبل نبوئته عليه السبلـ‪ ..‬حسنا }قاؿ‬
‫هذا ربي{ يقوؿ لهم‪ :‬هذا ينفع اف يكوف إلػها‪ ،‬كاف يكوف هذا الكوكب هو المدبٌر – كخاصة في بيئة بابلية في أكر‪،‬‬
‫يعتقدكف بالتنجيم كبثبات العالم العلوم كبأثيريته كبلطافته كببساطته‪ ،‬ككماقلت لكم ككونه خارجا عن عالم الكوف‬
‫كالفساد ‪..‬الخ ‪ ،‬فهم يعتقدكف بهذا‪ ،‬يسمونها مدبرات‪ -‬للكوف كالذم يدبر لبني اإلنساف‪ ..‬ممكن جدا‪ ،‬ل ىم ال !‪ ..‬يريد اف‬
‫بي اآلفًلين{ االنعاـ‪، 76،‬كهذا حدث مع القمر كمع الشمس‪ ....‬هذا‬ ‫يستدرجهم الى الحق‪} ،‬فلما أفىل قاؿ ال أ ًح ٌ‬
‫استدالؿ ببرهاف الحدكث على اف الحادث اليكوف ربا‪ ،‬اليكوف خالقا‪ ..‬لماذا؟! كاضح اف هاته الكواكب كالسيارات‬
‫كالنجوـ تفعل هذا من أمد ال يعلمه اال اهلل‪ ..‬مذ كانت كهي تظهر كتختفي‪ ،‬تشرؽ ثم تغرب رغمػػا عنها‪ ،‬محكومة‬
‫بإستمرار بقانوف الظهور كالغيبوبة بإستمرار بطريقة نمطية رياضية رغمػػػػػػا عنها‪،‬فكيف تكوف آلهة ك تدبر ؟!! فمن‬
‫أخص صفات اهلل تبارؾ كتعالى هي اإلرادة كالمشيئة }إف ربك فعٌاؿ لما يريد{ ‪ ،‬ما شاءاهلل كاف كمالم يشأ لم‬
‫يكن‪ !..‬كبما أف الكوكب يظهر كيختفي‪ ،‬اذف فيه تغير‪ ،‬التغير عبلمة الحدكث‪..‬فكل حادث البد له من ميحدًث‪ .‬ثػػم‬
‫شركؽ هذا الكوكب اك النجم كغركبه‪ ،‬اك طلوعه كأيفوله مػػن ىعرىضياته كاضح أنه يعرض له‪ ،‬بدليل أنه االف غارًب‪ ،‬كبعد‬
‫حين يطلع معناق هو ىعرىضي ليس ثابتا له‪ .‬السكر لن يكوف حلوا كبعد ساعة يتحوٌؿ الى مالح‪ ..‬اذف ال ىعرىضي متغير‬
‫كالذاتي ثابت‪ ،‬هذا الكوكب يطلع ثم يأفيل ‪ ..‬اذف هذق ذاتيات اك ىعرىضيات؟ ىعرىضيات له‪ ،‬يعني الطلوع له ىعرىضي‬
‫كليس ذاتي‪ ،‬ألنه حين يأفل لن يكوف طالعا‪ ،‬كحين يطلع لن يكوف آفًبل ‪ ..‬اذف هذا ىعرىضي‪ .‬كتستعجبوف على تفكير‬

‫‪113‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫ابراهيم عليه السبلـ كحجته التي اعطاق اهلل اياها‪ ..‬فهو أبو األنبياء كاذكى البشر على اإلطبلؽ كاليعني انه نبي أم انه‬
‫يعطًٌل عقله‪ .‬حتى هذق البراهين الفلسفية هي عطايا إلػػهية !‪ ..‬طبعا كاهلل يباركه ك يحبه‪ ،‬فيسألني احدهم ل ىم تتخذ‬
‫موقفا متشنجا؟!! من الجمود العقلي ك الدكراف مع األسماء حين يقولوف‪ :‬أنه هذا "برهاف فلسفي" اسمه "برهاف‬
‫الحدكث" النحتاجه! ‪ .‬هذا سذاجة في التفكير تجدق عند بعض المشائخ كالعلماء‪ ،‬سذاجػػػة بالغة جدا جدا ياجماعة‪..‬‬
‫العقبلء من البشر ال تيذهًبهيم المصطلحات كاألسماء كالعنوانات كإنما يعتمدكا على تحقيق المضمػػػػػػػوف‪ ،‬يعني ايضا هم‬
‫يفرٌقوف مرة اخرل بين ال ىعرىضي كالذاتي‪..‬اسمه برهاف الحدكث هذا ىعرىضي ! باللغة اإلنجليزية يسمٌوق شيء آخر‪ ،‬كبالياباني‬
‫شيء آخر‪ ،‬كممكن في علم الكبلـ نعطيه اسما آخر‪ ...‬لكن جوهر االحتجاج به كاحػػػد‪ ،‬فجوهرق ذاتي له كبرهاف‪ ،‬كاسماؤق‬
‫هي ىعرىضية تعرض له باختبلؼ الناطقين باللغات‪ ..‬كاآلمور سهلة كبديهية‪ ،‬لكن لؤلسف‪ ..‬تجد علماء كبار يتقحٌموف‬
‫كرطة اإلنكار بالجمود كالتحجر‪.‬‬
‫نأتً االف لكي نقوؿ‪ :‬سواء برهاف النظم أك برهاف الحدكث ماذا يثبت هذاف البرهاناف؟ هل يثبتاف اف اهلل تبارؾ كتعالى‬
‫هو خالق الكوف كالوجود؟ ال‪ ،‬اليفعبلف ذلك ابدا‪ ..‬ماذا يفعبلف اذف؟ حاجة الوجود الى ميحدًث‪ ،‬اآلف ماهو هذا المحدًث‪،‬‬
‫هل هو كاحد اك اثناف اك ثبلثة؟ هل هو أزىلي غير أزلي‪ ،‬هل هو غني بذاته اك غير غني‪ ،‬قيٌوـ اك غير قيوـ‪ ،‬اليتعرٌض‬
‫البرهاناف بذاتهما لذلك‪ .‬يعنػػػػي الغاية التي يبلغها برهاف النظم‪ ،‬كبرهاف الحدكث هو الغاية التي يظهر فيها حاجة الوجود‬
‫كحاجة االشياء كالكائنات الى ميحدث‪ .‬طبعا كما قلنا في برهاف اآليوم كالذم لخصناق بكلمة‪ :‬البرهاف اآليوم يعني داللة‬
‫اآلية على ذم اآلية‪ ،‬اآليات كما تدؿ على أف للظاهرات كلؤلشياء كللكائنات محدثا فتدؿ ايضا بوج وه اك بوجوق على‬
‫بعض صفات هذا الميحدث‪ ..‬صحيح‪ .‬لكن تبقى مهمة برهنة سائر الصفات التي لديهم بها كموحدين مؤلٌهة تبقى على‬
‫عاتق براهين اخرل‪ ..‬كصارى ماييثبته برهاننا اليوـ أف الوجود الحادث اك الميحدىث البػػد له من ميحدًث‪ ،‬لكن اليثبت لنا‬
‫البرهاف بذاته كبرهاف الحدكث أف هذا الميحدًث ال ميحدًثى له‪ ،‬ممكن هو يكوف ميحدًث ك له محدًث‪..‬مثبل ! ‪ ،‬ال ييثبًت‬
‫لنا؟! فماذا نفعل؟ نحن عقيدتنا‪ ..‬ايماننا المبرهن بفضل اهلل عز ك جل‪ ،‬اف هذا الميحدًث ال محدًثى له‪ ،‬هو محدًث كل‬
‫ق اهلل‬ ‫ث له! ‪ ..‬هنا تكوف المشكلة الفلسفية !‪ ،‬كهذق مشكلة كما طرحتها سابقا في خطبة فمن خل ى‬ ‫حادث كال ميحدً ى‬
‫‪ ،‬لؤلسف الشديد تورٌط ك تهوٌر بسببها جماعة من كبار الفبلسفة‪ ،‬ككبار عقبلئهم مثل (إمانويل كانط)‪ ،‬ك (ديفيد‬
‫هيوـ)‪ ،‬ك (جوف ستيورات مًل)‪ ،‬ك (برًفاند راسًٌل)‪ ،‬ك(جاف بوؿ سارتًر)‪ ..‬كثيركف تورٌطوا هنا‪ ،‬احتجوا ببساطة كقالوا‪" :‬‬
‫انتم تدٌعوف كنحن موافقوف اف قانوف العلية اك السببية قػػػػػانوف عقلي‪ ،‬كبكونه قانونا عقليا فهو قانوف عاـ كمطلق"‪،‬‬
‫كمعنى عاـ أم شامل ال استثنائي له‪..‬ينطبق على الكل‪..‬يقبل التخصيص‪ ،‬ككونه مطلقا أم ال تقييد له‪ ..‬فيفعل في‬
‫كل الظركؼ كتحت كل الشركط‪ ،‬هذا هو معنى المطلق‪ ..‬هناؾ فرؽ بين الكيلٌي كالمطلق الذم يقبل التقييد‪ .‬القػػػػانوف‬
‫العقلي التخصيص له‪ ،‬كال تقييد له‪ .‬فقالوا هؤالء‪ :‬نحن موافقوف‪ ،‬لكن تورٌطتم يا مؤلٌهين‪ ،‬ألنكم استثنيتم الرٌب من‬
‫هذا !‪..‬قلتم كل شيء البد اف يخضع لقانوف العلية‪ ،‬كلذلك كل شيء فهو معلوؿ من جهة‪ ،‬كله علٌة‪ ...‬حين كصلتم‬
‫الى اهلل قلتم هو العلٌة كال علٌة له !‪ ،‬كهذا خطأ كمناقضة لقانوف العلية !!‪ .‬كهذق الشبهة قد تكوف قوية لمن لم‬
‫يقرأ الفلسفة العقلية‪ ،‬كلم يحذقها‪ ،‬كلكن لمن حذقها كتمهٌر بها ستبدك له شبهة سخيفة جدا جدا جدا‪ ..‬هذق‬
‫ت مسيحيا> قاؿ‪" :‬انا كنت مؤمنا الى اف‬ ‫الشبهة هي التي جعلت (برًفاند راسًٌل) ييفارؽ ايمانه في كتيٌب ًه <لماذا لس ي‬
‫بلغتي الثامنة عشر‪ ،‬فبينما اقرأ في سيرة (جوف ستيورات مًل) كقعت على هذق العبارة‪ :‬قاؿ (مًل) كاف ابي يقوؿ‪:‬‬
‫"إف الطريقة المعركفة في االستدالؿ على كجود الذات اإللػهية المعنى لها‪ ،‬ال جدكل من كرائها‪ ،‬كبالتالي فالسؤاؿ من‬
‫خلق هذا الشيء ‪..‬الخ ال معنى له" أم الشيء موجود كانتهى‪ ،‬ألنك في النهاية ستبلغ الى من خلقى اهلل‪..‬اف تقوؿ لي‬
‫هو خالق غير مخلوؽ فهذا كبلـ فارغ‪ ..‬اذف انا سأستغني عنه ‪( !..‬راسًٌل) قاؿ انا استثني هذق الشيٌبىه‪ ،‬أفقدته إيمان يه‬
‫!‪ ..‬النستطيع اف نقوؿ (برًفاند راسًٌل) غبي‪ ،‬كاف ذكيا‪ ،‬رجل فيلسوفا كبيرا جدا جدا‪ ،‬لكن سبحاف اهلل‪ ..‬الهداية بيد‬
‫اهلل‪ ،‬كتىبىعا لمراد العىبد‪ ..‬هل تريد الهداية؟! هل تريدها؟ اـ عندؾ ارادة اإللحاد كالكفر؟! كهذا أمر آخر‪ ،‬فنسأؿ اهلل اف‬

‫‪114‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫يهدينا في كل األمور‪ .‬فمن أراد الحق ك بنيٌة خالصة ايها اإلخوة‪ ،‬كلكن ايضا الحق يريد جيهدا كتعبان‪ ،‬انا اعرؼ أف الذين‬
‫حتى يعارضوف خاصة في الشؤكف الدينية تكوف عندق النيٌة‪ ،‬لكنه لم يبذؿ الجهود البلزمة لمعرفة الحق فتهوٌر ‪.‬‬
‫كسألخًٌص لكم بما أني لن اعيد الخطبة ‪ ،،‬أكؿ شيء اجابتنا هي‪ :‬أننا لم نقيل إف كل شيء اك كل موجود محتاج الى‬
‫ميحدًث‪ ..‬لم يتورٌط به فيلسوؼ الهػي‪ ،‬هذا ال يقوله احد ‪ ،‬كال عالًم كبلـ‪ ،‬إنمػػػػػػا نقوؿ كل حادث ماثبت حدكثه ىلًز ىـ‬
‫احتياجه بالضركرة الى الميحدًث‪ ،‬كهذق القاعدة صحيحة مئة في المئة‪ ،‬كالحديث عن اهلل تبارؾ كتعالى ال على انه حادًث‪،‬‬
‫لو كاف حادًثنا سنتقبٌل‪ ،‬لكن لن يكوف اهلل‪ ..‬هذا الحادث يحتاج الى ميحدًث‪ ،‬الى أف نبليغ الى الميحدًث الذم ال يحتاج الى‬
‫ميحدًث فهػػػػػػو الخالق األكحد الذم ال إله اال هو‪ .‬فمن قاؿ لكم إف القاعدة اف كل شيء أك كل موجود محتاج الى‬
‫ميحدًث؟! ‪ ..‬هنا يأتي احدهم يقوؿ لي‪ :‬كيف تسوٌغوف اهلل بػكل شيء؟ إنه يصح في األرجح أف ييسمىٌى اهلل شيئا‪،‬‬
‫استمعت الى كاحد متنصٌر أبله يقوؿ‪" :‬انظركا الى المسلمين يسمٌوف اهلل شيئا !!" ‪ ،‬كمالمشكلة في ذلك ؟! حسنا‬
‫فاهلل شيء لكن ال كاألشياء‪ ،‬كاهلل موجود كانت تقوؿ هذا كمسيحي‪ ،‬كأنا موجود ‪ ،‬لكن انا موجود حادًث‪ ،‬كاهلل موجود‬
‫ل‬
‫كاجب الوجود كمن جميع الجهات الذم ال إله اال هو‪ ..‬فليست مشكلة هذق‪} ..‬قل أم شي وء أكبير شهادة قي ً‬
‫اهلل{ األنعاـ‪ 19،‬أرأيتم؟! كهذا مارجٌحهي معظم علمائنا أف اهلل ييسمٌى شيئا ال إله اال هو‪ ،‬شيء ال كاألشياء ‪ ،‬ك ميشيًٌء‬
‫األشياء الذم ال إله اال هو‪ ...‬فاهلل موجود كنحن موجودكف ايضا‪ ،‬لكن هو موجود ال كجودا إمكانيا‪ ،‬بل كجودا كجوبيا أم‬
‫ضركريا‪ ،‬هذا هو الفرؽ يا أخي !‪ ..‬نحن لدينا علم‪ ،‬كهذا عالًم‪ ،‬كاهلل عالم‪ ،‬لكن ماهي صفة عل ًم اهلل كماتكوف صفة علم‬
‫المخلوؽ؟!‪ ..‬هذق اشتراكات لفظية‪ ،‬هذق التخيفنا كال تهولينا‪ ،‬دائما نحقق المعنى‪ ،‬نحن التهولنا البداءات كال العنوانات‪.‬‬
‫على كل حاؿ‪ ،‬فقلنا القاعدة هي أف كل حادث أم كل مفتقر‪ ..‬كل مااليقوـ بذاته‪ ،‬كل ممكن فهو يحتاج الى محدث‪،‬‬
‫لم نقل كل شيء كال كل موجود‪ ،‬هذا أكال ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬كأما الجواب المسهب الذم خضنا فيه‪ ،‬كهذا هو األهم فهو التحقيق الفلسفي في مًبلؾ اك مناط اإلحتياج الى‬
‫العلٌة‪ ،‬فماهو مًبلؾ اإلحتياج الى العلٌة؟ لدينا ثبلث نظريات‪ ..‬الذم كاف مدار تفصيلها في تلك الخطبة السابقة‪..‬‬
‫النظرية الكبلمية لعلماء العقيدة لدينا المسلمين كاألشاعرة كالماتوريدية كغيرهم‪ ،‬نظرية المتكلمين تقوؿ مبلؾ االحتياج‬
‫الى العلة هي الحػػدكث‪ ،‬كنحن اآلف في برهاف الحدكث‪ ،‬كإذا سألتني‪ :‬كهل هناؾ من خالف في هذق المسألة؟ نعػػػم‪ ،‬هو‬
‫الفبلسفة الذين قالوا اف الكوف ليس محدىثان‪ ،‬كليس مسبوقا بزماف على أنهم مؤمنوف باهلل‪ ،‬كأقاموا أدلة من اركع مايكوف‬
‫على كجود اهلل مثل (ابن سينا) ك (الفارابي) ك (ابن رشد) الذم كاف مصليا ككاف فاضي القضاة كفقيه المالكية‬
‫كيقوؿ بًقًدىـ العالىم‪ ،‬أم اليقوؿ بحدكثه خبلفا ألبي حامد كخبلفا لسائر األمة تقريبا‪ ،‬لكن ابن تيمية ايضا تورط في القوؿ‬
‫بهذق األشياء‪.‬‬
‫على كل حاؿ‪ ،‬النظرية الثانية هي النظرية الفلسفية التي قالت ال‪ ،‬مبلؾ االحتياج الى العلة ليس الحدكث‪ ،‬كإنما هي‬
‫اإلمكاف الذاتي‪ ..‬نطرية (ابن سينا)‪ ،‬كقد قلت لكم سابقا‪ ،‬اليعني كوف الشيء ممكنا أنه بالضركرة حادث‪ ،‬قد يكوف‬
‫قديما على انه ليس كاجبا بل من اقساـ الممكنات‪ ،‬كعند (ابن سينا) ك (الفارابي) ك (ابن رشد) ككل هؤالء الفبلسفة‬
‫العقليين عندهم الواجب فقط هو اهلل‪ ،‬الواجب بالذات طبعا ليس بالغير‪ .‬الواجب بالذات فقط هو اهلل الواحد األحد‪،‬‬
‫ككل ماعداق ممكن‪ ،‬ك كونه ممكنا ال يتناقض مع كونه قديما غير مسبوؽ بعدـ‪ ..‬نحتاج الى التفصيل في هذا في‬
‫المحاضرات القادمة حتى نمسك عن التكفير‪( ..‬ابن سينا) كافر‪( ..‬ابن تيمية) كافر ‪ ..‬ال تكفٌر يا اخي‪ ،‬فهي مسألة‬
‫معقدة ‪ ..‬فإبن تيمية قاؿ هذا متابعة لهم‪ ..‬تأثر بهم ‪..‬فأدلتهم قوية !‪.‬‬
‫بل‬
‫النظرية الثالثة كاألخيرة كهي أركعها ك أقواها كأمتنها‪ ،‬كفيها تحقيق فلسفي رائع على انه بسيط ك مفهوـ نظرية ال يم ٌ‬
‫صدرا –رحمة اهلل عليه‪ -‬تيوفٌي سنة خمسين كألف للهجرة أم في منتصف القرف الحادم عشر الهجرم‪ ،‬تقريبا سنة ‪16‬‬
‫ميبلدم‪ ،‬كنظريته تقوؿ أف مبلؾ االحتياج الى العلة ليس الحدكث‪ ،‬كليس االمكاني الذاتي‪ ،‬بل هو اإلمكاف الوجودم‪،‬‬
‫بل صدرا الى هذا الكبلـ بتحليل‬ ‫يمعنى أف كجود كل شيء عدا اهلل تبارؾ كتعالى هو من قبيل الوجود التعلٌقي‪ ،‬كصل الم ٌ‬

‫‪115‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫مفهوـ العليٌة‪ ..‬ماهي العليٌة‪ ،‬فوجد أف كل ماعدا الحق البارم ال اله اال هو جلٌ مجدق كتعالى ك عز‪ ،‬كله إنما يتمتع‬
‫بوجود تعلٌقي باهلل‪ ،‬كجودق دائما ميسند الى اهلل‪.‬‬
‫بل صدرا يقوؿ‪" :‬كل مافي الوجود من دقيق كجليل‪،‬‬ ‫بل صدرا في الحركة الجوهرية‪ ،‬الم ٌ‬
‫كسأعرٌج بسرعة على نظرية الم ٌ‬
‫كظاهر كخفي‪ ،‬كل ماعدا اهلل تبارؾ كتعالى في حركة مستمرة دائبة‪ ،‬الشيء ثابت‪ ،‬كل شيء محكوـ بالحركة‪ ".‬كحتى‬
‫اكضح لكم معنى الحركة الجوهرية‪ ،‬البد اف أفرٌؽ بين مفهومين للحركة‪ ..‬المفهوـ الفلسفي‪ ،‬كالمفهوـ الهندسي كالعلمي‬
‫كالفيزيائي‪ ،‬فالمفهوـ العلمي للحركة يجعلها حركة نسبية رهنا بالمكاف‪ ،‬كيتحدث هذا المفهوـ عن ثبلثة اضرب من‬
‫الحركة‪ :‬الحركة الخطية في بعد كاحد‪ ،‬الحركة السطحية في بع ىديٍن أم على محورين من ضمن المكاف‪ ،‬كالحركة‬
‫الفضائية اك الفراغية كيسموها الحركة الحجمية‪ .‬يقوؿ هؤالء العلماء كالفبلسفة الذين اعتمدكا مفهومهم كتقريب‬
‫للمفهوـ الفلسفي‪ :‬اما اذا كاف المحور نفسه متحركا‪ ..‬اختفى مفهوـ الحركة‪ .‬ألف الحركة حركة شيء على محور‪ ،‬فإف‬
‫تحرؾ المحور نفسه‪ ،‬فلن تكوف هنا حركة تحدث ! كبهذا التبسيط اليسير فهمنا اف الحركة فعبل مفهو هـ نسبي‪ ،‬فكل‬
‫شيء انما يتحرؾ بالنسبة الى غيرق‪ ،‬لذلك اذا قلنا الوجود هو الكوف فقط‪ ،‬فػػػػػبل ييتصىوىٌر الكوف حركة ! إنما يتتىصوٌر في‬
‫األشياء داخل الكوف نسبة الى بعضها البعض‪ ...‬أما الكوف كله يتحرؾ فمستحيل اليتحرؾ‪ ،‬إال اذا قلت ال‪ ،‬الكوف هو‬
‫اكسع منه في فراغ اكبر فتتوهٌم محورا معينا يتحرؾ فيه كوننا إلى اف تصل الى كوف ليس بعدق كوف فيتوقف‪..‬‬
‫يفشل كيبطل مفهوـ الحركة‪ ..‬هذا هو التقريب الفيزيائي لمفهوـ الحركة‪.‬‬
‫الفبلسفة اليتحدثوف عن الحركة بهذا المعنى ‪ ..‬على فكرة كجدنا في كتابات الماركسية يتحدثوف عن اإليماف‬
‫كيناقضونا كمؤمنين يحاكموف كبلمنا في الحركة الى مفهومهم هم في الحركة الفيزيائية‪ ،‬كهذا خطأ ‪ ..‬لذلك اقوؿ لكم‬
‫البد من توسيع الدائرة المعرفية‪ ،‬فأنت كفيزيائي تتحدث فقط من منطلق فيزيائي كتناقشني فلسفيا ك الهوتيا‪..‬‬
‫التستطيع‪ ..‬تفشل ! كهذا يجعلني اضحك منك‪ ،‬كالعكس صحيح ايضا‪ ،‬فبل يجوز لفيسلوؼ الهي اك عقبلني اف يحاكم‬
‫الفيزيائيين الى مفهومه هو الى الحركة! كينقض مفهومهم بمفهومه‪..‬اليجوز‪ ،‬فهذا فهم كهذا فهم‪ ،‬البد اف تراعي‬
‫ط‬
‫االصطبلحات‪ ،‬لكل اهل فن اصطبلحهم‪ ،‬لكن محاكمة اصطبلح اهل فن ما بإصطبلح فن آخر فهذا خطأ خلط ك خب ي‬
‫في العلم كالمناظرة‪ ،‬كلػػػػػػكن كفي الغرب يقع هذا األمر كثيرا!‪ ،‬كاليتفطنوف اليه ‪.‬‬
‫لكن مامعنى الحركة التي يتحدث عنها الفبلسفة اإللهيوف كالعقبلنيوف بما فيهم ال يمبلٌ صدرا‪ ،‬ماهي هذق الحركة؟ الحركة‬
‫عندهم عبارة عن مطلق التغير‪ ،‬في درجات كجودية تسمى حركة بغض النظر عن تنسيبها الى غيرها‪ ،‬بمعنى ‪ :‬اآلف هذا‬
‫الفنجاف لونه ابيض‪ ،‬بفعل معين لو اف لونه استحاؿ الى لوف اغمق قليبل‪ ،‬هذا يسمى حػػركة‪ ..‬هذا التغير تغير حركي ‪-‬‬
‫ليس فيزيائيا بل فلسفيا‪ -‬ألف هذا اللوف انتقل من رتبة كجودية الى رتبة كجودية أشد من لوف االبيض‪ ،‬هذا يسمى‬
‫فلسفيا بالحركة‪ ،‬كل تغير كإف لم يكن منسٌبان الى غيرق يسمى حركة‪ .‬هذا هو الفهم الفلسفي غير الفهم الفيزيائي‪.‬‬
‫بل صدرا يقوؿ‪" :‬كل مافي الوجود بإستثناء الخالق الذم ال إله اال هو‪ ،‬كهو رب هذا الوجود‪ ،‬كله يخضع للحركة‬ ‫ال يم ٌ‬
‫الجوهرية" ‪ ،‬أم حركة مستمرة دائبة‪ ،‬بمعنى اليبقى أم شيء على حاله لحظتين متواليتين‪ ،‬تماما كما تحدث السادة‬
‫األشاعرة عن استحالة بقاء ال ىعرىض زمانين متواليين في العقيدة األشعرية‪ .‬كهذا فهم عميق جدا جدا جدا‪ .‬بعض المؤلٌهة‬
‫ك‬
‫يسموف هذا البرهاف بالذات <برهػػاف القهر بالحركة> اهلل قهر الوجود كله كما قاؿ‪} :‬كل في فل و‬
‫يسبحوف{ يس‪، 40،‬كل شيء متغير متحرؾ من حاؿ الى حاؿ‪ ،‬أم ليس من حق شيء اف يقوؿ هذا حاؿ لي مكاف اك‬
‫موقف اتشبٌث به‪ ...‬الال‪ ،‬ستزايرق سريعا‪ ،‬اسرع مماتتخيل‪ ،‬لن تبقى في لحظتين !! هػػذا في نهاية المطاؼ اكحى‬
‫لكثير من الفبلسفة المؤلٌهة بما فيهم (ابو حامد الغزالي) بل األشاعرة عموما‪( ،‬مًل براينش) من الديكارتيين بنظرية‬
‫الخلق المستمر‪ ،‬أف اهلل تبارؾ كتعالى اليزاؿ ييعدًـ هذا الوجود بكل مافيه كيخلقه من جديد دائػػػػػػػما‪ ،‬ألف هذا الوجود‬
‫اليستغني عن خالقه كال أقلٌ من لحظة !}ال تأخذق سًنى هة ك ال نوـ{ البقرة‪ ، 255،‬شيء محير كعجيػػب بخبلؼ‬
‫الفهم البدائي البسيط الساذج لخالقية اهلل تبارؾ كتعالى أنه على نحو الفخار اك الخزٌاؼ أك البنٌاء في معمارق الذم انجز‬

‫‪116‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬


‫عمله ك أدار ظهرق كتركه خلفه‪ ،‬كما قاؿ (ابن رشد) – الذم هو ضد هذا المعنى‪ :‬اهلل ليس على هذا النحو‪ ،‬أنه بنى‬
‫بناية ثم تركها‪ ،‬مات البنٌاء كبقيت العمارة‪ ..‬لؤلسف‪ ،‬بعض الفبلسفة األكركبيين يظنوف هذا الظن باهلل ! الال‪ ،‬ابدا‪،‬‬
‫كإنما األشياء المحتاجة الى اهلل الفي اصل اخراجها من العدـ الى الوجود‪ ،‬اك تشكيلها ضمن الوجود ألنها قديمة –في‬
‫نظرية قًدىـ العالىم‪ -‬من شكل الى شكل‪ ،‬اكسابها شكبل جديدا‪ ،‬ال ليس في هذا‪ ،‬بل في دكاـ ماهي عليه كعلى ما آلت‬
‫إليه‪ ..‬بإستمرار تحتاج الى اهلل عز ك جل‪ ،‬كهذا معنى القيٌومية فيعوؿ من القياـ الػػذم يقػػػػػوـ بػػه كػػػل شيء على أنػػه‬
‫قػػػػائم بذاتػػه الذم ال إله إال هو اليحتػػاج الى شيء يقوـ به‪ ..‬الحي القيوـ الذم ال اله اال هو‪ ..‬لذلك آية الكرسي هي‬
‫أعظم آية في كتاب اهلل‪ ،‬فلو أخذته سبحانه سًنىة من النوـ ماذا سيحدث؟ يزكؿ الوجود تمػػػػاما‪ ،‬فإذا قلت لي ب ًقدىـ‬
‫العالىم‪ ،‬فسأقوؿ لك على قًدىـ العالىم فسيتدمٌر عالًىي يه على سافًلهً‪ ..‬سيتعجٌن العالم في أقل من لحظة!‪ .‬على الجهتين‬
‫توجد كارثة ستحدث‪ ،‬فػوًفق نظرية الحدكث لو أخذت اهلل سنة من النوـ كالخلق مستمر يغيػػػػب الوجود ‪..‬يعود الى‬
‫العدـ‪ ،‬كالشيء انتهى ‪ !.‬على نظرية قًدىـ العالىم كأزليته على انه مخلوؽ هلل‪ ،‬أك اهلل سابق عليه بالرتبة ال بالزماف لو‬
‫اخذته سنة من النوـ يتطربق هذا الكوف كيتعجٌن بما فيه‪ ..‬ييدمٌر كيهلًك في بعضه البعض!!! لكن تبقى المادة ‪..‬‬
‫ال يمبلٌ صدرا يقوؿ –كما ذكرت لكم‪" -‬ك إف فشل الحس اإلنساني في مبلحظته‪ ،‬ستفشل في اف ترل مثبل هذا الحائط‬
‫يتغير‪ ،‬كانا اقوؿ لكم سبحاف اهلل كحتى اآلف ‪..‬يتغير فيزيائيا‪ ،‬تعالوا بعد عشر سنين سترل اف لونه قد تغير‪ ،‬اشياء‬
‫ف طويػػػػل‪..‬‬ ‫كثيرة فيه تغيرت‪ ،‬لكن هذق ال تلحظ في زمن قصير كال تيلحظ في الزماف الطويل‪ ،‬إنما تيلحظ مرة بعد زما و‬
‫أم لو مكثت عشر سنين كأنت تراقب ‪ ،‬سيتغير كأنت التشعر بتغيٌرق‪ .‬كهذا الفرؽ بين انساف تقريبا اليرل التغير‬
‫الدراماتيكي في ابنه ألنه متعايش معه بإستمرار فهو اليرقب هذا التغير‪ ،‬كبين من يغيب عن ابنه سنوات طواؿ ثم يرل‬
‫التغير الذم حصل له‪ .‬المبل صدرا قاؿ لك ال‪ ،‬اياؾ اف يغرٌؾ الحس‪ ،‬فكل شيء يتغير باستمرار في كل لحيظة كال‬
‫يبقى زمانين على ماهو عليه‪ ..‬تتغير هذق االعراض باستمرار‪ ،‬كاتخذ –رحمة اهلل عليه‪ -‬الحركة الجوهرية برهانا على‬
‫مخلوقية العالم هلل‪ ،‬كحاجة العالم هلل تبارؾ كتعالى‪ ،‬ككبلمه ابلغ من مجرد الكبلـ في حدكث العالم‪ ،‬اك إحداث اهلل‬
‫للعالم‪ ،‬قاؿ انه ليس فقط أحدىىثهي‪ ،‬ال ‪ ..‬أحدىىث يه كييحدًىث يه بإستمػػػػػػرار في كل لحيظة الذم ال اله اال هو ‪ .‬هذق الحركة‬
‫الجوهرية تتوائم كتلتئم بمفهوـ قيٌوميٌة اهلل تبارؾ كتعالى‪.‬‬
‫اكتفي بهذا القدر في هذق الحلقة ألنني اآلف اذا تركت هذا الكبلـ سأدخل في موضوع الفرؽ بين نظرية من قاؿ بقدـ‬
‫العالم‪ ،‬كنظرية من قاؿ بحدكث العالم‪ ،‬كهذا يحتاج الى كقت طويػػل ايضا ‪. . .‬‬
‫كالسبلـ عليكم كرحمة اهلل تعالى كبركاته ‪.‬‬

‫‪117‬‬ ‫‪| www.dradnanibrahim.com‬‬

You might also like