Professional Documents
Culture Documents
3
مقدمة املركز 6...................................
مقدمة املؤلف 9..................................
التكفري بتهمة الرشك 13.............................
عوامل انتشار الفكر التكفريي17....................
متهيد 20........................................
عرض للرؤية التكفريية 20..........................
ما املقصود بتوحيد الربوبية؟20......................
ما املقصود بتوحيد األلوهية؟21.....................
تعليق عىل هذا التمييز 21............................
كيف حكم التكفرييون عىل جل األمة بالرشك؟ 22...
نتيجة الدعويني املدمرة 23...........................
منهج البحث 24....................................
تنبيه 25.............................................
الفصل األول :حقيقة توحيد املرشكني باهلل يف
الربوبية 27......................................
أدلتهم عىل توحيد املرشكني يف الربوبية27............
مناقشة هذا الرأي 29................................
األمر األول اآليات والروايات ترصح بأهنم كانوا
يعتقدون بأن آهلتهم ترض وتنفع 29...................
أوال اآليات الكريمة 29.............................
ثانيا األخبار 31.....................................
األمر الثاين االعتقاد بوجود أبناء وبنات هلل من مسلامت
عقائد املرشكني33...................................
األمر الثالث استدالل القرآن بدليل التامنع القائم عىل
افرتاض وجود قدرتني مستقلتني 35.................
إذن ما حقيقة ذلك اإلقرار بالربوبية يف جواب
4
املرشكني؟ 39.......................................
الرأي األول إنه جواب الفطرة40....................
الرأي الثاين إنه إقرار بالربوبية دون التوحيد بذلك42.
الفصل الثاين :هل وقع املسلمون يف رشك
األلوهية؟ 45....................................
العبادات املدعى وقوعها عند القبور 46..............
املبحث األول ـ الذبح والنذر46..................
املبحث الثاين ـ الدعاء 49........................
اآليات املستدل هبا 50...............................
البحث األول معنى الدعاء يف اآليات املستدل هبا 53.
إقرارهم بأن الدعاء ينقسم إىل دعاء عبادة ودعاء
مسألة56............................................
هل اآليات تتحدث عن دعاء العبادة أو دعاء املسألة؟
58
وخالصة 66........................................
هل هناك تالزم بني دعاء املسألة والعبادة؟ 67........
البحث الثاين تقييد رشكية دعاء املسألة بام ال يقدر عليه
إال اهلل 68...........................................
انتقال من دعاء العبادة إىل املسألة خروج عن بحث
األلوهية 74.........................................
هل سيصبح دعاء املسألة عبادة بتقييده بام ال يقدر عليه
إال اهلل؟76..........................................
دعاء املسألة يمكن أن يصبح رشكا يف أحد الفرضني
التاليني 77..........................................
التوحيد والرشك يعرفان بالعقل وال مدخل للنصوص
فيها79..............................................
تنبيهان ال بد منهام 81............................
التنبيه األول ال ربط للشفاعة بالرشك 81.............
التنبيه الثاين ال عالقة للتوسل بالرشك أيضا 82.......
5
مقدمة املركز
7
.6الكشف عن االشتباه واخللط العميق
احلاصل عند املكفرين يف مسألة التوسل
والشفاعة حني جعلوها مرتبطة بمسائل الرشك
واحلال أهنا من مسائل السنة والبدعة.
ختاما نشكر املؤلف عىل جهوده الكبرية يف رفد
الساحة الفكرية والثقافية بمثل هذه األبحاث
القيمة يف رد الشبهات عن الدين احلنيف،
ونناشد املعنيني بالثقافة والفكر والرتبية القيام
بنرش هذا الكراس عىل أوسع نطاق إليقاف
زيادة وقوع الشباب املسلم يف الزيف والتلبيس.
واحلمد هلل رب العاملني ،وصىل اهلل عىل أرشف
األنبياءواملرسلنيحممدوآلهالطيبنيالطاهرين.
8
مقدمة املؤلف
11
هبذا االجتاه ،ولكن ال أعتقد أن مثل هذه
الدعوات وتلك املؤمترات جمدية جتاه هذه الفئة
التكفريية ،إذ ما الفائدة يف املطالبة بالوحدة
والتآلف ومواجهة العدو الواحد املشرتك مع
من يكفرك ويعتربك مرشكا؟ فكأن لسان حاله
يقول :أتريدين أن أضع يدي يف أيديكم وأنتم
أجىل مصاديق الكفر والرشك عندي؟ هل أضع
يدي يف يد مرشك ملواجهة كافر؟! إن خطرا من
هذا القبيل ال يعالج إال ببيان مواطن اخللل يف
رؤيتهم للكفر واإليامن والرشك والتوحيد.
وخالصة ليس مكمن اخلطر الذي يواجه
املجتمعات اإلسالمية يف جمرد االختالف،
بل عىل العكس من ذلك إذ يعرب عن حالة
طبيعية وصحية ،وإنام مكمن اخلطر ينحرص يف
الفئات اإلقصائية التي تريد أن تفرض رؤيتها
اخلاصة عىل اآلخرين ممن يعيشون معهم يف
نفس املجتمع ،وأخطر األدوار التي يامرسوهنا
تتلخص يف اعتبار من خيالفهم يف بعض الرؤى
كافرا خارجا عن ملة اإلسالم.
بل إن الكفر بمعناه املجرد أمر هني ،إذ إن من
أنواعه الكتايب وهو الذي قد حفظ له اإلسالم
12
ذمته ،كام هو احلال بالنسبة لليهود والنصارى،
ولكن أسوأ أنواع التكفري وأخطره هو التجرؤ
باحلكم عىل أن املسلم الذي يشهد الشهادتني
مرشك ،فالرشك باهلل أسوأ الضالالت البرشية
َ
ش َك بهِ َو َي ْغفِرُ
اهلل ال َي ْغفِ ُر أ ْن ي ُ ْ َ
كام قال عز وجل ﴿ إ َّن َ
ِ
ِ
ْ ً ََ َْ ُ َ َ َ ْ َ ُ ََ ْ ُْ ْ
شك بِاهللِ فق ِد افتى إِثما
ما دون ذل ِك ل ِمن يشاء ومن ي ِ
ً
َع ِظيما ﴾ النساء ،48 :وأخطر ما يرتبونه عىل الكفر
الرشكي هو احلكم هبدر دم من يكفرون وإباحة
ماله.
التكفريبتهمةالرشك:
إن األمر الذي نود تفصيله يرتبط بإبراز فهم
خاطئ وشاذ للتوحيد والرشك ،بل رؤية خطرية
تنترش بني الشباب املسلم -السيام يف اخلليج
واجلزيرة العربية -تقلب خارطة العامل السياسية
حيث ُترج جل املسلمني املقرين بالشهادتني
عن اإلسالم باعتبارهم مرشكني.
إهنا دعوى عظيمة بحق مسلمني يشهدون
الشهادتني يقشعر منها بدن كل سليم الفطرة،
والسؤال :كيف آمن هبذه الدعوى هذا العدد
الكبري من الشباب املسلم؟!
بل األنكى كيف تم إقناع بعضهم بمامرسة أبشع
13
جرائم العرص احلديث واملتمثلة باملفخخات
التي نراها عىل نحو شبه يومي عىل شاشات
الفضائيات؟!
ملاذا أصبح جيش العدو الصهيوين أقل خطرا
بحيث تكالبت هذه الفئة عىل الشعب املسلم
يف العراق بنسائه وأطفاله وشيوخه؟ هل ألن
جيش العدو الصهيوين أصبح كتابيا بينام الشعب
العراقي شعب مرشك؟!!
لقد تم حشو عقول هؤالء الشباب بمقولة إن
العراق أصبح موطنا للرشك واملرشكني بحيث
مل يعد جمتمعا مسلام ،وهذا األمر مل يكن ليكتب
له النجاح لوال وجود رواد هلذا الفكر التكفريي
املضلل سعوا وبكل جهدهم لتحريف مقاييس
الرشك والتوحيد عند الشباب املغرر هبم ،ومل
يتوقف التضليل عند هذا احلد بل تعداه إىل مقولة
إنه ال فرق يف جواز القتل بني الكبري والصغري
والشيخ والطفل والرجل واملرأة ،فلم حتفظ
حرمةألحدكامحفظهااإلسالم،فأصبحتهذه
الضاللة هي أكرب منبع ورافد ملا نجده يف ساحتنا
السياسية من جمازر وفظائع متارس ضد املسلمني
خاصة واإلنسانية عامة وباسم اإلسالم!!
14
ولألسف الشديد فإن اخلطر األهم واألعظم أن
البعض ممن حيارب اإلرهاب خملصا يف حربه هلا
وقع حتت طائلة هذه الرؤية اخلطرية من حيث
ال يشعر ،حيث ترسبت إىل أهم مراكز املجتمع
التعليمية(املدراسومناهجهاالتعليمية)،فنجد
أنه بدال من أن يدرس فيها ما يعرضه القرآن
الكريم والسنة النبوية الطاهرة من مقاييس
للتوحيد والرشك تم تدريس تلك الرؤية الضالة
واخلاطئة هلؤالء التكفرييني وفهمهم اخلاطئ
للتوحيدوالرشك.
ونكتفي بعرض نموذجني لذلك عىل سبيل
املثال ال احلرص:
أوهلام :فقرات من منهج الرتبية اإلسالمية
للصف التاسع ،حيث نقرأ فيه حتت عنوان
(معنىالعبادةومنيستحقها):
«من دعا غري اهلل أو ذبح أو نذر لغري اهلل أو استعان
أو استغاث بميت أو غائب أو بحي حارض فيام
ال يقدر عليه إال اهلل فقد أرشك الرشك األكرب،
وسواء رصف هذا النوع من العبادة لصنم أو
شجر أو حلجر أو لنبي من األنبياء أو لويل من
األولياء ،فهذا كله رشك واهلل عز وجل ال يرىض
15
أن يرشك معه يف عبادته أحد ،ال مقرب قوم وال
َّ
نبي مرسل وال ويل وال غريهم ،قال تعاىل ﴿ إِن
َ َ ْ ُ َْ ُْ َ َ ََْ ُ ُ َ
ون ذل َِك ل َِم ْن ي َ ُ
شاء َو َمنْ اهلل ال يغفِر أن يشك بِهِ ويغفِر ما د
ً ْ ً ْ
ش ْك بِاهللِ َف َق ِد اف َتى إِثما َع ِظيما ﴾ ،وقال عز وجل ي ِ
ُْ
َ َ ً َ َ ُ ْ َ َ َ َ َ َ َّ ْ
﴿ وأن المسا ِجد ِلِ فال تدعوا مع اهللِ أحدا﴾ ،وقال
ً َ َ ُْ ُ
شكوا بِهِ َشيْئا ﴾. َ ُُْ
سبحانه ﴿واعبدوا اهلل وال ت ِ
ومع األسف الشديد فقد اختذت القبور يف بعض
البالد أوثانا تعبد من دون اهلل ،يذهب إليها الناس
يطلبون من أصحاهبا قضاء حوائجهم بحجة
أهنم أناس صاحلون وهلم جاه عند اهلل ،وقد
نسوا أن هذا -واهلل -هو قول املرشكني كام ذكره
ََُُْ َ ْ ُ
يف القرآن يف قوله تعاىل ﴿ ويعبدون مِن د ِ
ون اهللِ ما
ْ ُ َ ُ ُ ُ َ ُ َْ َ ُ ُّ ُ
ضه ْم َوال َينف ُع ُه ْم َو َيقولون هؤالءِ شفعاؤنا عِن َد اهللِ ال ي
َْ اهلل بما ال َي ْعلَ ُم ف َّ ُْ َُّ ُ َ
ون َ َ
ماوات َوال ِف األر ِض ِ الس ِ ِ قل أتنبِئ
َ َ َّ ُ ْ ُ َ ُ ْ َُ ََ
شكون﴾ وقوله عز وجل ﴿أال ِلِ سبحانه وتعاىل عما ي ِ
ّ ُ ْ ُ َ َّ َ َّ َ ُ ْ ُ َ ْ َ َ ْ ُ ُ ُ ْ َّ
ادلِين الال ِص والِين اتذوا مِن دونِهِ أو ِلاء ما نعبدهم إِال
ُ لُ َق ّر ُبونا إ َل اهلل ُزلْىف إ َّن َ َ ْ ُ ْ
اهلل يك ُم بَي َن ُه ْم ِف ما ه ْم فِيهِ ِ ِ ِ ِ ِ
َ ََْ ُ َ
اهلل ال َي ْهدِي َم ْن ُه َو اكذ ٌِب ك َّفار ﴾(((. ون إ َّن َ
يتل ِف ِ
وثانيهام من منهج الرتبية اإلسالمية للصف
العارش ،وصياغته أخطر ألنه يرصح بأن حكم
((( الرتبية اإلسالمية للصف التاسع يف دولة الكويت ص ،23 -22
الطبعة الثانية 1423هـ.
16
هؤالء هو القتل ،فكُتب يف املنهج حتت عنوان
نواقض التوحيد« :الرشك نوعان :أ -الرشك
األكرب :وهو رصف يشء من أنواع العبادة لغري
اهلل سبحانه وتعاىل كالدعاء لغري اهلل عز وجل أو
التقرب بالذبائح والنذور لغري اهلل عز وجل من
القبور واجلن والشياطني واخلوف من املوتى أو
غريهم أن يرضوه أو يمرضوه وعبادة غري اهلل
كالذين عبدوا العجل والكواكب واألحجار
ََُُْ َ ْ ُ
ون اهللِ ما الواألصنام قال تعاىل ﴿ويعبدون مِن د ِ
َ ُ ُّ ُ ْ َ َ ْ َ ُ ُ ْ َ َ ُ ُ َ ُ ُ َ ُ
عاؤنا عِنْ َد اهللِ ﴾». يضهم وال ينفعهم ويقولون هؤالءِ شف
ثم يضع جدوال يفرق فيه بني حكم الرشك األكرب
والرشك األصغر فيذكر أنه من حيث العقيدة
الرشك األكرب خيرج من ملة اإلسالم ،ومن
حيث العقوبة فعقوبة الرشك األكرب هي إباحة
دم املرشك وماله وخلوده يف النار((( ،هذا بعد أن
تعلموا أن زوار القبور من املرشكني.
عواملانتشارالفكرالتكفريي:
املهم أن هذا الفكر أصبح مستوعبا لعدد كبري
من الشباب املسلم يف اخلليج واجلزيرة العربية،
18
الضاللة الكبرية التي نخرت ومازالت تنخر يف
اجلسداإلسالمي.
وهذا البحث هيدف لبيان مدى اخللل الكبري
الذي وقعوا فيه يف قراءهتم وفهمهم لآليات التي
استندوا إليها ،وهذا البيان من شأنه -بإذن اهلل -
العمل عىل إنقاذ الشباب من براثن هذه الرؤية
اخلطرية.
19
متهيد
عرضللرؤيةالتكفريية:
تقوم الرؤية التكفريية التي نتحدث عنها عىل
أساس التفريقبنينوعنيمن التوحيدمهاتوحيد
الربوبيةوتوحيداأللوهيةومنثميقابلهامنوعان
من الرشك مها رشك الربوبية ورشك األلوهية
(و ُيعرب عنه أحيانا برشك العبادة) ،وتتقوم
رؤيتهم آليات التوحيد والرشك يف القرآن هبذا
التنويع.
مااملقصودبتوحيدالربوبية؟
توحيد الربوبية هو إفراد اهلل عز وجل باخللق
وامللك والتدبري ،وينطلق هذا االصطالح من
املعنى اللغوي لكلمة الرب ،قال ابن فارس:
«الراء والباء يدل عىل أصول ،فاألول :إصالح
اليشء والقيام عليه ،فالرب :املالك واخلالق
والصاحب ،والرب :املصلح لليشء ...واهلل
20
جلثناؤهالربألنهمصلحأحوالخلقه.(((»...
مااملقصودبتوحيداأللوهية؟
توحيد األلوهية (ويعرب عنه أحيانا بتوحيد
العبادة) هو إفراد اهلل عز وجل بالعبادة(((،
فسجودك وصالتك جيب أن يكونا هلل وليس
ألي موجود آخر ،وهذا أيضا ينطلق من املعنى
اللغوي لكلمة اإلله ،قال ابن فارس« :إله اهلمزة
والالم واهلاء أصل واحد وهو التعبد فاإلله
اهلل تعاىل وسمي بذلك ألنه معبود ويقال :تأله
الرجل إذا تعبد ،(((»...وبناء عىل هذا الفارق
اللغوي سيتضح الفرق بني كلمتي رب وإله يف
َ َّ ّ َ ُْ َ ُ ُ
ِك
اس * مل ِ سورة الناس ،قال تعاىل ﴿ قل أعوذ بِر ِ
ب انل ِ
انلَّ ِاس * إِهلِ انلَّ ِاس ﴾ الناس.3-1:
تعليقعىلهذاالتمييز:
إن هذا التمييز بني املفردتني غري مرفوض من
الناحية النظرية ،ولكن من الناحية العملية يرى
املتتبع أن األديان قامت عىل التالزم بني هذين
األمرين ،فهو األصل عند مجيع الديانات حتى
26
الفصل األول:
حقيقة توحيد املرشكني
باهلل يف الربوبية
أدلتهم عىل توحيد املرشكني يف الربوبية:
ذكرنا فيام سبق أن هؤالء ادعوا أن املرشكني
موحدون هلل يف الربوبية ،وإنام كان رشكهم
يقترص عىل رشك األلوهية ،وقد استدلوا عىل
هذه الدعوى باآليات التي تفيد إقرار املرشكني
بخالقية اهلل وتدبريه ،ومنها اآليات التالية:
ماوات َواأل ْر َض َو َس َّخرَ
َ َّ َ َ َ ْ َ ََْ ُ ْ َ ْ َ َ
ِ ﴿ .1ولئِن سألهم من خلق الس
اهلل يَبْ ُسطُ ون * ُ َّ ْ َ َ ْ َ َ َ َ َ ُ ُ َّ ُ َ َ َّ ُ ْ َ ُ َ
الشمس والقمر لقولن اهلل فأن يؤفك
َ َ ْ ُ َ ُ َّ َ ُ ّ َ الر ْز َق ل َِم ْن ي َ ُ
ش ٍء اهلل بِك ِل ْ شاء م ِْن عِبادِه ِ ويقدِر ل إِن ِ
ّ
ْ ََ
ً َّ َ َ ٌ َ َ ْ َ َ ْ َ ُ ْ َ ْ َ َّ َ
عل ِيم * ولئِن سألهم من نزل مِن السماءِ ماء فأحيا
َْ ُ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ ُ ُ َّ ُ ُ ْ َْ َ
بِهِ األرض مِن بع ِد موت ِها لقولن اهلل ق ِل المد ِلِ بل
َ ْ َُُ ْ َ ْ ُ َ
أكثهم ال يعقِلون ﴾ العنكبوت.63- 61:
ُ َ َ َ ْ َْ ُُ ُ
السماءِ َواأل ْر ِض أ َّم ْن َي ْمل ِك ك ْم م َِن َّ ﴿ .2قل من يرزق
خرجُ َّ ْ َ َ َ ْ َ َ َ ْ ُ ْ ُ ْ َ َّ َ ْ َ ّ َ ُ ْ
ت وي ِ السمع واألبصار ومن ي ِرج الح مِن المي ِ ِ
ْ َ ّ َ َ ْ َ َ َ ْ ُ َ ّ َ ْ َ َ َ ُ ُ َ ُ َ ُ ْ ََ
ح ومن يدب ِ ُر األم َر فسيقولون اهلل فقل أفال الميِت مِن ال ّ
ِ
27
َ َّ ُ َ
ون ﴾ يونس.31: تتق
َ َ َ ُ ُ
ماوات َواأل ْرض لَقول َّنِ ﴿ ولَئ ْن َس َأ ْلَ ُه ْم َم ْن َخلَ َق َّ
الس َ .3
ِ
اهلل ﴾ ...لقامن.25: ُ
ْ ُْ َ َ َ َ ُ ُْ
﴿ .4قل ل َِم ِن األ ْرض َو َم ْن فِيها إِن كن ُت ْم ت ْعل ُمون *
ُ ْ َ َ َ َ َّ ُ َ
ون * قُ ْل َم ْن َر ُّب َّ ُ ُ َ
ماوات
ِ الس َس َيقولون ِلِ قل أفال تذكر
ُْ ََ َ ُ َ ُ ُ َ ْ ْ
السبْعِ َو َر ُّب ال َع ْر ِش ال َع ِظي ِم * َس َيقولون ِلِ قل أفال ت َّتقون َّ
ُْ َ ْ َ َ َ ُ ُ ُّ َ ْ َ ُ َ ُ ُ َ ُ ُ َ ْ
ار َعليْهِ إِن يري وال ي ش ٍء وهو ِك * قل من بِي ِده ِ ملكوت ِ
ُ ْ َ َ َّ ُ ْ َ ُ َ ُ ُْ ْ َ ْ َ ُ َ َ َُ ُ َ
كنتم تعلمون * سيقولون ِل ِ قل فأن تسحرون ﴾ املؤمنون:
.89- 84
قالواإنهذهاآلياترصحيةيفإقراراملرشكنيبأن
اهلل هو اخلالق املدبر وهو يعني نفي هذه الصفات
عن آهلتهم ،وهذا هو حقيقة توحيد الربوبية ،فال
يبقى سبب العتبارهم مرشكني إال رشكهم يف
األلوهية(العبادة).
واحلصيلة إن كل آهلة املرشكني غري اهلل ال حول
هلا وال قوة يف نظر هؤالء املرشكني إال التوسط
والتشفع عند اهلل لقضاء احلوائج فليس هلا تأثري
مبارش يف قضائها.
وكمثال عىل استدالل أصحاب هذه الرؤية عىل
توحيد املرشكني يف الربوبية باآليات ،قال الشيخ
حممد بن عبد الوهاب ...« :أن الكفار الذين
28
قاتلهم رسول اهلل كانوا مقرين هلل بتوحيد
الربوبية يشهدون أن اهلل هو اخلالق الرازق املحي
املميت املدبر جلميع األمور ومل يدخلهم ذلك يف
ُ ُ
اإلسالم والدليل قوله تعاىل ﴿ قل َم ْن يَ ْر ُزقك ْم م َِن
صار َو َم ْن ُيْرجُ الس ْم َع َواألَب ْ َ السماءِ َواألَ ْر ِض أَ َّم ْن َي ْمل ُِك َّ
َّ
ِ
َ ت م َِن الْ َ خر ُج ال ْ َم ّي َ
ْ َ َّ َ ْ َ ّ َ ُ ْ
ح َو َم ْن يُ َدبّ ُر األ ْمرَ
ّ
ِ ِ ِ ت وي ِ الح مِن المي ِ ِ
َ
َ َ َ ُ ُ َ ُ َ ُ ْ َ َ َّ ُ َ
ون ﴾ ...يونس.»31: فسيقولون اهلل فقل أفال تتق
30
ُ ُ ّ َ ض َه ْل ُه َّ ْ َ َ ْ ُ
ضه ِ أ ْو ِفاتشاك ن اهلل ب ُ ّ
ن ُ َ
ِ ِ ٍ ون اهللِ إِن أ ِ
راد مِن د ِ
ُ َ َْ ُْ َ ْ َ ُ َ َ َ َ َ َْ َْ ُ
اهلل عليْهِ ح ٍة هل ه َّن ُم ْمسِاكت رحتِهِ قل حس ِب أراد ِن بِر
َ َ َ َّ ُ ْ ُ َ َ ّ ُ َ
ون ﴾ الزمر 36 :ـ ،38ووجه االستدالل يتوك المتو ِك
باآلية أهنا ترصح بأن املرشكني خيوفون
الرسول بآهلتهم ،قال البغوي يف تفسري
ك ب َّال َ
ِين م ِْن ُدونِهِ ﴾...وذلك أهنم َُ َ ُّ َ َ
اآلية ...﴿ :ويخوِفون ِ
خوفوا النبي معرة معاداة األوثان ،وقالوا:
«لتكفن عن شتم آهلتنا أو ليصيبنك منهم خبل أو
جنون»((( ،فكالمهم رصيح بنسبة اإلرضار إىل
آهلتهم.
ثانيا:األخبار:
.1روى ابن هشام يف سريته قال« :حدثني
بعض أهل العلم أن عمرو بن حلي خرج من
مكة إىل الشام يف بعض أموره ،فلام قدم مآب
من أرض البلقاء وهبا يومئذ العامليق ...رآهم
يعبدون األصنام ،فقال هلم :ما هذه األصنام التي
أراكم تعبدون؟ قالوا له :هذه أصنام نعبدها،
فنستمطرها فتمطرنا ،ونستنرصها فتنرصنا،
فقال هلم :أال تعطوين منها صنام فأسري به إىل
أرض العرب فيعبدونه ،فأعطوه صنام يقال له
((( تفسري البغوي ج 4ص 69
31
هبل ،فقدم به مكة فنصبه ،وأمر الناس بعبادته
وتعظيمه»((( ،فقوهلم« :فتمطرنا ونستنرصها
فتنرصنا «رصيح يف الداللة عىل أهنم ينسبون
تلك األفعال إىل آهلتهم ،وليس ذلك إال ألهنم
اعتقدوا بوجود قدرة ذاتية هلا عىل ذلك.
َ َ ُ َ َ
﴿ و ُيخ ّوِفونك .2روى الطربي يف تفسري قوله تعاىل
ب َّال َ
ِين م ِْن ُدونِهِ ﴾ ...عن قتادة أنه قال« :بعث رسول ِ
اهلل خالد بن الوليد إىل شعب بسقام ليكرس
العزى ،فقال سادهنا وهو قيمها :يا خالد أنا
أحذركها إن هلا شدة ال يقوم إليها يشء ،فمشى
إليها خالد بالفأس فهشم أنفها»((( ،فعبارهتم
رصحية يف أن هلا شدة بنفسها ال من خالل
االستعانةبقوةأخرى.
.3قال السهييل عند احلديث عن مبدأ قصة
األوثان يف قوم نوح ورواية البخاري لذلك:
«وذكر الطربي هذا املعنى وزاد أن سواعا كان
ابن شيث وأن يغوث كان ابن سواع وكذلك
يعوق ونرس كلام هلك األول صورت صورته،
وعظمت ملوضعه من الدين وملا عهدوا يف
دعائه من اإلجابة فلم يزالوا هكذا حتى خلفت
((( سرية ابن هشام ج 1ص 94ـ 95
((( تفسري الطربي مج 12ج 24ص 9
32
اخللوف وقالوا :ما عظم هؤالء آباؤنا إال ألهنا
تزرق وتنفع وترض واختذوها آهلة»(((.
توضيح :إن تنايف هذه النصوص مع توحيد
املرشكني يف الربوبية واضح حيث أهنم لو كانوا
موحدين يف الربوبية ملا اعتقدوا بأن آهلتهم ترض
وتنفع إذ إن وجود آهلة ترض وتنفع ومستقلة يف
قدرهتا عىل ذلك يتناىف مع وحدة املدبر يف العامل.
األمــر الثــاين :االعتقــاد بوجــود أبنــاء وبنــات هلل
مــن مســلامت عقائــد املرشكــن:
إن أعظم آيات التوحيد يف القرآن الكريم هي
سورة التوحيد أي قوله عز وجل ﴿ قُ ْل ُه َو ُ
اهلل
ُ َّ َ ُ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ َ ْ َ َ ْ َ ُ ْ َ ُ ُ ُ ً ٌ َ َ
أحد * اهلل الصمد * لم ي ِل ولم يول * ولم يكن ل كفوا
ٌ َ َ
أحد ﴾ سورة التوحيد وهي تتحدث عن أحد أهم
منافيات التوحيد أي االعتقاد بوجود ولد هلل،
فهل تتحدث هذه اآليات عن أمر نظري مل حيدث
يف الواقع ،فلم يوجد من املرشكني من اعتقد
بوجود أوالد وبنات هلل؟! أليس االعتقاد بوجود
بنات هلل أهم عقائد املرشكني وخاصة مرشكي
اجلزيرةالعربية؟!
وقد حتدث عنها القرآن بنحو جيل وواضح يف
((( الروض االنف ج 1ص.168
33
موارد عدة:
َ ْ َ َ ُ َّ َ َ ُ َ ً
اهلل َولا ُسبْحان ُه بَل ُل ما ِف منها قوله تعاىل ﴿ وقالوا اتذ
َ َْ ْ ُ ٌّ َ ُ ُ َ َّ
ماوات واألر ِض ك ل قان ِتون ﴾ البقرة ، 116 :وقوله عز ِ الس
َ ُ ْ َ َّ َ ُ َّ َ َ ُ َ ً
اهلل َولا ﴾ الكهف.4: وجل ﴿ وينذِر الِين قالوا اتذ
أمل يعترب القرآن ادعاء الولد هلل أقبح مقاالت
َ ُ َّ َ َ َّ ْ
الرح ُن مرشكي العرب فقال عز وجل ﴿ وقالوا اتذ
ُ َ َ ُ َ َ ً َ َ ْ ْ ُ ْ َ ْ ً ًّ َ
ماوات َي َتف َّط ْرن كاد َّ
الس جئتم شيئا إِدا * ت ولا * لقد ِ
ْ َ َ ْ َّ ْ َ ْ ُ َ َ ُّ ْ ُ َ َ ْ ُ َ َ ْ َ ُّ
ِلرح ِن البال ه ًّدا * أن دعوا ل مِنه وتنشق األرض وتِر ِ
َ َّ ْ َ ْ َ َّ َ َ َ ً ْ ُ ُّ ْ َ ً
ْ
خذ ولا * إِن ك من ِف َولا * َوما يَن َب ِغ ل ِلرح ِن أن يت ِ
َْ ً َّ ْ َّ ْ َ َ َّ
ماوات واألر ِض إِال ِآت الرح ِن عبدا ﴾ مريم88 :ـ98؟! ِ الس
أال تعني اآلية األخرية أهنم اعتقدوا بأن هناك يف
الساموات واألرض أبناء هلل ليسوا عبيدا له؟!
وقد حددت آيات سورة النجم أسامء آهلتهم التي
َ َ َ َ ْ ُ ُ َّ
الالتَ اعتقدوا أهنا بنات اهلل فقال تعاىل ﴿ أفرأيتم
َ َ ُ ُ َّ َ ُ َ َ ُ ْ َ َ َ َّ َ َ ُ ْ ْ
الة األخرى * ألكم اذلكر ول األنىث * َوال ُع َّزى * ومناة اثل ِ
ماء َس َّميْ ُت ُموها َأنْ ُتمْ َّ َ
ال أ ْس ٌ ضزيى * إ ِ ْن ِ َ ْ َ ً ْ ٌ
ت ِلك إِذا ق ِس َمة ِ
ه إِ
ْ ُ ْ ُ َ ُ ُ ْ َََْ
طان ﴾ ...النجم.2319: وآباؤكم ما أنزل اهلل بِها مِن سل ٍ
فهل هؤالء األوالد جمرد شفعاء ومل يكن هلم أي
تأثري يف الكون؟! إن كان هذا هو املراد فلامذا إذن
عنونوا بعنوان أبناء اهلل وبناته؟! أال يدل ذلك
عىل اعتقادهم بوجود نوع احتاد وجتانس بني
34
األب اإلله واألبناء اآلهلة؟ ،فاالبن له بعض
قدرات األب ،إن االعتقاد بوجود أبناء هلل يعني
رشك الربوبية ،فاآلهلة األوالد هم أرباب كام أن
اإلله األب رب ،وال معنى للتجانس بني االبن
واألب إال ذلك.
وهذا ما رصح به القرطبي بقوله« :ومن أجاز أن
تكون املالئكة بنات اهلل فقد جعل املالئكة شبها
هلل ألن الولد من جنس الوالد وشبهه»(((.
األمــر الثالــث :اســتدالل القــرآن بدليــل
التامنــع القائــم عــى افــراض وجــود قدرتــن
مســتقلتني :
لقد واجه القرآن عقيدة املرشكني بتعدد اآلهلة
بدليل التامنع يف موارد متعددة (ومفاده :لو
كان يف السموات واألرض آهلة غري اهلل لبطلتا
وفسدتا ،ملا سيقع بينهم من االختالف والتضاد
ال ُ َ ٌ َّ َْ َ
اهلل والتامنع) منها قوله تعاىل ﴿ لو اكن فِي ِهما آل ِهة إ ِ
َ َّ َ ُ َ َ ّ ْ ََ َ َ َ ُ ْ َ
صفون ﴾ األنبياء:
ي ِ ب ال َع ْر ِش عما ِ ر ِ هللا حان لفسدتا فسب
َ َ َّ َ َ ُ ْ َ
ل َوما اكن َم َع ُه م ِْن 22وقوله تعاىل ﴿ ما اتذ اهلل مِن َو ٍ
َ ُ َ َ َ ً َ َ َ َ ُ ُّ
ب ك إ ِ ٍهل بِما خل َق َول َعال َب ْعض ُه ْم ع َب ْع ٍض إ ِ ٍهل إِذا له
َّ َ َ
ب َوالشهادة ِ ف َتعاىل ون * اعلِم الْ َغيَْ َّ َ ُ َ َ
ُسبْحان اهللِ عما ي ِصف
ِ ِ
37
اعتقادهم بوجود ولد هلل عني القول بتعدد اآلهلة
املستقلةيفالتأثري.
وهناك كلمة البن كثري يف هذا املقام تؤكد ما نقوله
ً َ َ َ َ ُ ُّ
ب ك إ ِ ٍهل بِما هنا إذ قال يف تفسري قوله تعاىل ﴿ إِذا له
َ
َخل َق« :﴾ ...ينزه تعاىل نفسه عن أن يكون له ولد
أو رشيك يف امللك والترصف والعبادة ،فقال
ً َ َ َ َ ُ ُّ َ َ َّ َ َ ُ ْ َ
ب ك إ ِ ٍهل ل َوما اكن َم َع ُه م ِْن إ ِ ٍهل إِذا له
﴿ ما اتذ اهلل مِن َو ٍ
َ َ
بِما َخل َق َول َعال َب ْع ُض ُه ْم َع َب ْع ٍض ﴾ أي لو ُق ِّدر تعدد
اآلهلة النفرد كل منهم بام خلق فام كان ينتظم
الوجود ،واملشاهد أن الوجود منتظم متسق كل
من العامل العلوي والسفيل مرتبط بعضه ببعض
حن مِن َت َف ُ
او ٍت ﴾ ﴿ ما تَ َرى ف َخلْق َّ
الر ْ َ يف غاية الكامل َّ
ِ ِ ِ
لكان كل منهم يطلب قهر اآلخر وخالفه،
فيعلو بعضهم عىل بعض واملتكلمون ذكروا
هذا املعنى ،وعربوا عنه بدليل التامنع ،وهو أنه
لو فرض صانعان فصاعدا فأراد واحد حتريك
جسم واآلخر أراد سكونه ،فإن مل حيصل مراد كل
منهام كانا عاجزين ،والواجب ال يكون عاجزا
ويمتنع اجتامع مرادهيام للتضاد ،وما جاء هذا
املحال إال من فرض التعدد ،فيكون حماال ،فأما
إن حصل مراد أحدمها دون اآلخر ،كان الغالب
38
هو الواجب واآلخر املغلوب ممكنا ،ألنه ال يليق
بصفة الواجب أن يكون مقهورا ،وهلذا قال تعاىل
َ َّ َ ُ َ َ ُ َ ََ
ون ﴾أي ﴿ ول َعال َب ْعض ُه ْم ع َب ْع ٍض ُسبْحان اهللِعما ي ِصف
عام يقول الظاملون يف دعواهم الولد أو الرشيك
ْ َ ْ َ َّ َ
هادةِ ﴾ أي يعلم ما ب والش علوا كبريا ﴿ اعل ِ ِم الغي ِ
َ َ
يغيب عن املخلوقات وما يشاهدونه ﴿ ف َتعاىل ع َّما
ُْ ُ َ
ون ﴾ أي تقدس وتنزه وتعاىل وعز وجل عام شك
ي ِ
يقولالظاملونواجلاحدون»(((.
إذن مــا حقيقــة ذلــك اإلقــرار بالربوبيــة يف
جــواب املرشكــن؟
بعدوضوحذلكيبقىعليناأننفرستلكاآليات
التي ظاهرها إقرار املرشكني بربوبية اهلل وهناك
رأيان نجدمها يف كلامت املفرسين ،مقتىض األول
أنه إقرار حقيقي بالتوحيد ،لكنه جواب العقل
الباطن والفطرة السليمة ،ومقتىض الثاين أنه
إقرار بربوبية اهلل وخالقيته دون توحيده يف ذلك
وإنام اقترصوا عىل ذكر اهلل يف اجلواب ألنه األب
واإلله األكرب الذي تنتهي إليه علة املوجودات،
وإليككلامتاملفرسين:
43
بوحدانية اهلل وأنه ال رشيك له يف خلقه يرشك معه
يف عبادته غريه»(((.
وقد بينا بطالن هذا الرأي فيام سبق ،ولكن حتى
لو سلمنا هبذا الرأي وقبلنا به ،فإن اهتام أصحاب
تلك الرؤية املضللة للمسلمني بالرشك ال يبتني
عىل هذه املقدمة ،إذ ال مدخل هلا يف موجب
احلكم برشك املسلم يف معايريهم وإنام يذكرونه
توطئة((( ،فسواء أثبت أن املرشكني يقرون
بوحدانية اهلل يف الربوبية أم مل يثبت فأصحاب
تلك الرؤية يرون أن الرشك هو رشك األلوهية،
وهو يقع من كافر ال يشهد الشهادتني ومن مسلم
يشهد الشهادتني ،وكل هؤالء إنام يرشكون من
حيث األلوهية فقط دون الربوبية ،وعىل هذا
سنبحث يف الفصل التايل حقيقة ما ادعوه من
حتقق رشك األلوهية عند املسلمني.
45
العبادات املدعى وقوعها عند القبور:
غري أن السؤال املهم املوجه إىل تلك الفئة يف هذا
البحث هو التايل :كيف تتهمون املسلمني بأهنم
يعبدون غري اهلل عند قبور األولياء يف حني أهنم
يصلون هلل عندها ويصومون هلل ،وإذا حجوا،
حجوا هلل؟ فأين العبادة التي مارسها املسلمون
عند قبور األولياء لغري اهلل سبحانه حتى يقال:
إهنم أرشكوا باهلل يف العبادة؟
ورد يف تراث هؤالء ذكر ثالثة عبادات ادعوا إن
املسلمنيقصدواهباغرياهلل،وهيالدعاءوالذبح
والنذر ،وسوف نتناول الذبح والنذر يف املبحث
األول من هذا الفصل والدعاء يف املبحث الثاين.
47
أو نحر ذاكرا السم نبي أو ويص أو عبد صالح،
وإنام يقصدون إهداء الثواب إليهم ،فإن كان يف
أطرافكم قبل تسلطكم مثل ذلك فصاحب الدار
أدرى بالذي فيها»(((.
ـأماماخيتصبالنذرفقدأوضحالشيخحممدأمني
زين الدين -أحد كبار علامء النجف املعارصين
-احلقيقة قائال« :ال جيوز النذر لغري اهلل سبحانه
من رسول أو نبي أو ويل أو ملك أو عبد صالح
وال جيوز للكعبة واملشاهد واملساجد واملعابد...
والنذر نحو من أنحاء العبادة ،ومن أجل ذلك
فال بد فيه من القربة ...ولذلك كله فال جيوز
النذر لغري اهلل تعاىل.
واألنبياء واألولياء ...واملساجد ...إنام هي
وجوه من القربات التي يتقرب بتكريمها إىل اهلل
فيصح للعبد أن ينذر شيئا هلل ...عىل أن يرصف
املنذور يف بعض هذه الوجوه املقربة.
والفارق كبري وواضح جدا بني أن ينذر اإلنسان
هلل وحده متقربا إليه ويعني يف نذره رصف ما
نذره هلل يف بعض هذه الوجوه املقربة إىل اهلل- ...
وهذا هو ما يفعله خاصة الشيعة وعامتهم حتى
51
وينسون ما يرشكون»(((.
وحتى تصبح املناقشة علمية وتامة جيب:
أوال :حتديد املقصود بالدعاء املوجب للوقوع يف
رشكالعبادة،فهلللكلمةاستعاملواحديفاللغة
والقرآن أم تتعدد معانيها واستعامالهتا؟ وبعبارة
أخرى هل احلديث القرآين عن رشكية دعاء غري
اهلل تنطبق عىل ما يدعيه هؤالء من وقوع املسلمني
يف دعاء غري اهلل أم احلديث القرآين عن دعاء غري
اهلل يقصد به أمر آخر غري الدعاء والطلب الذي
قد يقع عند أرضحة األولياء.
ثانيا :احلديث عن رشكية دعاء غري اهلل بمعنى
الطلب من غري اهلل نراه مقيدا يف كلامهتم
بخصوص طلب ما ال يقدر عليه إال اهلل ،يف حني
أن كل اآليات التي يستدلون هبا ال تشري إىل هذا
التفصيل والتقييد ،فام هو الوجه يف هذا التقييد
مع إطالق اآليات املستدل هبا؟
وهناك تساؤالت وحقائق عديدة أخرى ستتبني
فيامبعد.
املهم ،بمالحظة النقطتني األخريتني سينقسم
املوضوع إىل بحثني.
((( دعاوى املناوئني ص 348 - 347عن تيسري العزيز احلميد باختصار
يسري.
52
البحــث األول :معنــى الدعــاء يف اآليــات املســتدل
هبــا:
وينبغي أن نبدأ بعرض معاين كلمة الدعاء يف
كتب اللغة واستعامالت القرآن ،وأهم املعاين
التي استعملت فيها كلمة الدعاء وانعكست يف
القرآن هي املعاين التالية:
)1جمرد النداء :بمعنى أن يصيح عليه بام ينبه
لاللتفات أو احلذر أو املجيء كام يف قولنا ادعوا
ْ َ َ ُ َّ َ َ ُ
زيدا ،ومنه قوله تعاىل ﴿ إِنك ل ت ْس ِم ُع ال َم ْوت َول ت ْس ِم ُع
ُ
ين ﴾ النمل ،80:وقوله تعاىل ﴿ ث َّم ادل َعء إ َذا َول َّ ْوا ُم ْدبر َ ُّ
الص َّم ُّ
ِِ ِ
ْ َ َ َ ُ ْ َ ْ ً ّ َ َْ
إِذا دعكم دع َوة مِن الر ِض ﴾ الروم ، 25 :وقوله تعاىل
ُْ ُ ُ َ َ يبوا ْ ِلِ َول َّ
ِلر ُسو ِل إِذا د َعكم ل َِما ييِيك ْم ﴾ ﴿ اس َتج ُ
ْ
ِ
األنفال.24:
)2التسمية واالدعاء :مثل دعوت املولود زيدا
أي سميته زيدا ،وهبذا املعنى استعملت يف قوله
َ َ ُ َّ َ َ ُ َ َ َ َّ ْ َ ْ ُ َ َ َ ُّ ْ َ ْ ُ
تعاىل ﴿ تكاد السماوات يتفطرن مِنه وتنشق الرض
ً َ َ ُّ ْ َ ُ َ ًّ َ َ َ ْ َّ ْ َ َ َ
البال هدا * أن دعوا ل ِلرح ِن ولا ﴾ مريم 90 :ـ ،91أيوتِر ِ
ا ّدعوا زورا أن هلل ولدا ،قال ابن اجلوزي« :قوله
ْ َ َ َ
تعاىل ﴿ أن دعوا ﴾ ...قال أبو عبيدة :معناه :أن
جعلوا ،وليس هو من دعاء الصوت.(((»...
ضكم
ُ ََْ ُ َ ُ َ ْ ﴿ ل َتْ َعلُوا ُد َعء َّ
الر ُسو ِل بينك ْم كدعء َبع ِ
َ
نحو
َب ْع ًضا ﴾(((.
وعليه جيب علينا حينام نستدل بآية من اآليات
التي استعملت فيها كلمة الدعاء أن نحدد
أي املعاين املتعددة التي عرضنا هو املقصود
وامللحوظ يف اآلية.
إقرارهــم بــأن الدعــاء ينقســم إىل دعــاء عبــادة
ودعــاء مســألة:
واحلق إن أصحاب هذه الرؤية يقرون بانقسام
الدعاء إىل نوعني دعاء عبادة ودعاء مسألة ،فهو
أمر واضح يف تراثهم.
قال الشيخ حممد بن صالح العثيمني« :الدعاء
ينقسمإىلقسمني:
األول :دعاء عبادة مثاله الصوم والصالة...
71
ل َرب ﴾ النمل ،40 :فهل أرشك نبي اهلل سليامن
ّ َ ْ
فض ِ ِ
بطلبههذا؟!
بل امليت يمكن أن يمكّن من بعض األمور ،فقد
ُمكِّن رسول اهلل من رد السالم عىل املؤمنني
وهو ميت يف قربه ،فقد روي بسند صحيح
قوله « :ما من أحد يسلم عيل إال رد اهلل عيل
روحي حتى أرد عليه السالم»(((.
ولوضوح األمر أقر الشيخ ابن عبد الوهاب بأن
الطلب ممن مكّنه اهلل عىل اخلوارق ليس رشكا،
فقال« :وهلم شبهة أخرى وهي قصة إبراهيم
75
هــل ســيصبح دعــاء املســألة عبــادة بتقييــده بــا ال
يقــدر عليــه إال اهلل؟
نعم كام قلنا هم وضعوا لدعاء املسألة الرشكي
قيدا وهو أن يتعلق السؤال والطلب بام ال يقدر
عليه إال اهلل ،لكن السؤال املهم هل هذا التقييد
يرجع دعاء املسألة إىل حظرية رشك األلوهية
والعبادة ويعد بمجرد ذلك عبادة؟!
أبدا ،فلن يرجع البحث إىل بحث العبادة
واأللوهية هبذا القيد ما مل يتحقق مع هذا الدعاء
قصد اخلضوع العبادي اخلاص الذي نجده يف
الصالة وغريه من العبادات ،وهذا كام قلنا ال
واقع له يف اخلارج فليس دعاء املسألة عبادة كام
الصالة عبادة عىل نحو يتقرب به إىل اهلل تقربنا
نحن بالصالة والصيام ،نعم يمكن ختيل أن
يقصد أحد بذلك العبادة ولكنها فرضية غري
متحققةيفالواقع.
ومن غري الواضح إدخاهلم إياه يف بحث رشك
الربوبية وإال ألدرجوه هناك ،نعم يمكن أن
يدخل يف رشك الربوبية لو افرتضنا أن من يسأل
دعاء املسألة ينطلق من االعتقاد بالقدرات
الذاتية للمسئول واملدعو عىل نحو مستقل عن
76
قدرة اهلل عز وجل ودون إذنه.
وعىل ذلك سيضيع املعيار الذي حكموا عىل
أساسه برشك من يدعو غري اهلل دعاء املسألة،
فهل أخل الداعي بتوحيد األلوهية أو توحيد
الربوبية؟! هذا ما ال يمكن حتديده يف كومة
كلامهتم.
دعــاء املســألة يمكــن أن يصبــح رشكا يف أحــد
الفرضــن التاليــن:
بناء عىل ما سبق ال ننفي إمكان دخول دعاء
املسألة حتت عنوان الرشك ،ولكن ليس بمجرده
بل إذا صاحب دعاء املسألة أمر آخر يدخله يف
رشك الربوبية أو رشك األلوهية ،والعقل هو
الذي يستقل يف احلكم برشكيته بسبب ما الزمه،
وذلك عند حتقق ضابطة أحد نوعي الرشك إما
رشك الربوبية أو رشك األلوهية.
فهو يدخل يف رشك الربوبية إذا اعتقد الداعي
السائل أن هذا املوجود سواء أكان صنام أم غري
ذلك قادر عىل قضاء حاجاته بشكل مستقل عن
اهلل ويف عرض قدرة اهلل تعاىل ،فهذا رشك بال
شك ،فلو سأل أحدهم غري اهلل أمرا ال يقدر عليه
إال اهلل واعتقد أنه بمقدور ذلك الغري من دون
77
أن يمكنه اهلل بل بقدرته الذاتية املستقلة عن اهلل
أصبح مرشكا رشك ربوبية ،وسبب الرشك هنا
يف احلقيقة ليس دعاء املسألة وإنام اعتقاد السائل
الذي يرجع إىل رشك الربوبية ال األلوهية.
وهذامايدلعليهالقرآنرصحيا،فتقييدنالرشكية
دعاء املسألة باالعتقاد بربوبية املدعو الذاتية
َّ َ ْ
خلُقُ املستقلة عن اهلل مرصح به يف قوله تعاىل ﴿ أ ِن أ
ََ ُ ُ َ ًْ ْ َ ُ ّ َ ّ َ َ ْ َ َّ ْ َ َ ُ ُ
ي فأنفخ فِيهِ فيكون طيا بِإِذ ِن ني كهيئةِ الط ِ الط ِ
لكم مِن ِ
َْ َ َ ْ َْ ْ َ ْ ُ َ َ َ َُْ ُ ْ
ن اهللِ ﴾ آلاهللِ وأب ِرئ األكمه واألبرص وأح ِي الموت بِإِذ ِ
عمران ،49 :فمن الواضح من اآلية الكريمة أن تقييد
القدرات اخلارقة للعادة بإذن اهلل أي بتمكني اهلل
وعدم استقالليته كان السبب األسايس يف عدم
اعتبار ذلك رشكا ،وبالتايل إذا مل يكن االعتقاد
بقدرة ذلك املسئول -عىل فعل اخلوارق -مقيدا
بإذن اهلل ،كام لو اعتقد استقالليته يف ذلك أصبح
رشكا يف الربوبية.
وبناء عىل ما سبق فالصحيح أن يقال :إن من
رشك الربوبية أن يطلب اإلنسان من موجود غري
اهلل قضاء حاجته انطالقا من االعتقاد بأنه قادر
عىل ذلك بذاته وبدون إذن اهلل ،وأما إذا اعتقد أنه
بإذن اهلل كام هو حال املسيح فهذا اإلنسان مل
78
يرشك رشك ربوبية ألنه يعتقد بأن اخلالق املدبر
هو اهلل وما املسيح إال عبد مكنه اهلل من بعض
اخلوارق وهو ليس برشك حتى لو سأله وطلب
منه ذلك األمر اخلارق الذي ال يقدر عليه إال اهلل
أصالة.
نعم قد يكون مبتدعا إذا مل يعتمد عىل دليل
معترب يف ذلك ،وخمطئا إذا اعتمد عىل دليل باطل
ختيل صحته ،وقد يكون مصيبا إذا أفاد الدليل
الصحيح ثبوت ذلك ألحد عباده املكرمني كام
أفادت اآليات ثبوت ذلك للمسيح .
ويمكن أن يدخل دعاء املسألة حتت عنوان رشك
األلوهية إذا رافق الدعاء القصد العبادي اخلاص
يعني اعترب الداعي دعاءه -دعاء املسألة -عبادة
مثل الصالة والصوم يتقرب به إىل اهلل ويعبده
هبذا السؤال والطلب ،وهذا بعيد فال نجد بني
البرش من يعترب دعاء املسألة عبادة فضال عن أن
يتخذ كذلك من قبل بعض املسلمني.
التوحيــد والــرك يعرفــان بالعقــل وال مدخــل
للنصــوص فيهــا:
واحلقيقة تكمن يف أن العقل بنفسه يعرف بطالن
االعتقاد بوجود إله آخر مع اهلل مستقل يف تأثريه
79
عىل الكون وهو ما يعرف برشك الربوبية ،كام أنه
مستقل يف معرفة بطالن أن يقصد اإلنسان غري
اهلل بالعبادات أي ما يعرف برشك األلوهية.
وعليه إذا أدرك العقل حتقق ضابطة رشك أكرب
يف مورد سواء كان رشكا يف الربوبية أو رشكا يف
األلوهية فال يمكن أن يأيت النص كي جييز ذاك
َ َ َُْ ُ ْ َ
الرشك كيف وقد قال عز وجل ﴿ وال يأم َركم أن
َ َّ ُ ْ ْ َ َ َ َ َ ّ ّ ْ َ َ ْ َ ً َ َ ْ ُ ُ ُ ْ ُ
ك ْفر َب ْعدَ
ِ خذوا المالئِكة وانلِبِيِي أربابا أيأمركم بِال
تت ِ
ْ َ ُ ُّ ْ ُ َ
إِذ أنتم مسلِمون ﴾ آل عمران ،80 :كام إنه استقل بعدم
حتقق ضابطة الرشك ال رشك ربوبية وال رشك
ألوهية ال يمكن للنص الرشعي أن جيعله رشكا.
ففي مثل موردنا إذا استقل العقل باحلكم عىل
أن دعاء املسألة ليس من الرشك يف يشء ،فال
يمكن أن يأيت بعد ذلك دليل أو نص يعتربه
رشكا يف خصوص ما ال يقدر عليه املدعو دون
ما يقدر عليه ،وإذا استقل باحلكم عىل أن دعاء
املسألة رشك فال يمكن أن يأيت الدليل وجييزه يف
خصوص ما يقدر عليه املدعو ،كام هو احلال يف
دعاء العبادة الذي ال يمكن أن جييزه الرشع يف أية
حالة ما دام العقل متحققا من رشكيته.
80
تنبيهان ال بد منهام
التنبيه األول :ال ربط للشفاعة بالرشك:
قد يتصور البعض أن اختاذ الشفعاء يعد من
موجبات الرشك كام قد يفهم من قوله تعاىل
ُ ُ َ َ َ َ ُ ُّ ُ َ َ ُ ََُُْ َ
ضه ْم َوال يَنف ُع ُه ْم َو َيقولون ون اهللِ ما ال ي
﴿ ويعبدون مِن د ِ
ُ َ َ ُ
اؤنَا ع َ َُ
ِند اهللِ ﴾ يونس 18 :وقوله تعاىل ﴿ هؤالء شفع
ُ َ ْ َ َ َ ْ ُ ُ ُ ْ َّ ُ َ ّ ُ َ َ َ َّ َ َّ َ ُ
ِين اتذوا مِن دونِهِ أو ِلاء ما نعبدهم إِل ِلق ِربونا إِل وال
ْ
اهللِ ُزل َف﴾ الزمر ،3 :غري أن االعتقاد بالشفاعة يعترب
من مسلامت الدين اإلسالمي احلنيف ،فقد بني
القرآن عقيدة الشفاعة يف العديد من آياته ،قال
َ
حنُ اع ُة إ َّل َم ْن أذ َِن َ ُل َّ
الر ْ َ َ ْ َ َّ َ َ ُ َّ
الش َف َ تعاىل ﴿ يومئ ِ ٍذ ل تنفع
ِ
ََ َ َ ً
ض ُل قَ ْول ﴾ طه ،109 :وقال متحدثا عن شفاعة ور ِ
َ ْ َ ُ َ ََْ َْ ْ َ َ َ َْ ُ ْ ََ َ ْ َ ُ َ
املالئكة ﴿ يعلم ما بي أيدِي ِهم وما خلفهم ول يشفعون
َّ َ ْ َ َ َ ُ ّ ْ َ ْ َ ُ ْ ُ َ
ون ﴾ األنبياء،28 : إِل ل ِم ِن ارتض وهم مِن خشيتِهِ مشفِق
وهبذا ال ربط للرشك باالعتقاد بالشفاعة ال من
قريب وال من بعيد.
ُ ََُُْ َ
ون اهللِ وأما بالنسبة لقوله تعاىل ﴿ ويعبدون مِن د ِ
اؤنَا ع َ ُ َ َ ُ ُ ُ َ َُ َ َ َ َ َ ُ ُّ ُ
ِند ضه ْم َوال يَنف ُع ُه ْم َو َيقولون هؤالء شفع ما ال ي
َ ُ َ َّ َ َّ َ ُ
ِين اتذوا مِن دونِهِ أ ْو ِلَاء َما اهللِ ﴾ وقوله تعاىل ﴿ وال
ْ َ َّ
َن ْع ُب ُد ُه ْم إِل ِلُ َق ّ ِر ُبونَا إِل اهللِ ُزل َف ﴾ فالرشك املتحقق
عند أولئك مل يكن من جهة االعتقاد بالشفاعة
81
وإنام كان من جهة عبادهتم لغري اهلل ،وأما الشفاعة
أمر اعتقدوه يف األوالداملذكورة يف اآليتني فهي ٌ
زائد عىل عبادهتم هلا ،فقد ختيلوا أن
املزعومني ٌ
إكرام أبناء الرب بعبادهتا يقرب من اإلله األكرب
ويرضيه ويوجب قبول شفاعتها فيام خيتص به
اإللهاألكربمنقدرات،واآليتانغريناظرتنيإىل
ممارساهتم األخرى مع تلك اآلهلة من قبيل طلب
قضاء احلوائج منها باعتبار أهنم كانوا يعتقدون
بقدرهتا عىل الرض والنفع بذاهتا وبشكل مستقل
عن اإلله األكرب فيام ال خيتص به من قدرات.
التنبيه الثاين :ال عالقة للتوسل بالرشك أيضا:
حقيقة التوسل أن يتوجه العبد هلل ويدعوه ولكن
يذكر يف دعائه صفاته اجلليلة التي تقتيض قضاء
حاجة العبد كسعة رمحته وغفرانه ،فيتوسل
هبذه الصفات ،وقد يتوسل باملكانة اخلاصة التي
لألنبياء والصاحلني عنده من عباده ،وقد توسل
عمر بعم النبي العباس بن عبد املطلب كام يف
صحيح البخاري فقال« :اللهم إنا كنا نتوسل
إليك بنبينا فتسقينا ،وإنا نتوسل إليك بعم نبينا
فاسقنا»(((.
((( صحيح البخاري ج 1ص .342
82
فاختاذالوسائلاملقربةإىلاهللمنرضوراتالدين
ومسلامته،فقدعلمنااهللعزوجلاملناسكورشع
لنا أعامال نتقرب هبا إليه ،ولقد ذكرها بعبارة عامة
َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ ْ َّ ُ ْ َ َ ْ َ ُ ْ َ
يف قوله تعاىل ﴿ يا أيها الِين آمنوا اتقوا اهلل وابتغوا إِلهِ
َ َ َّ ُ ْ ُ ْ ُ َ ْ ْ ََ
ون ﴾ املائدة.35: ال َوسِيلة َو َجاه ُِدوا ِف َسبِيلِهِ لعلكم تفل ِح
ومن تلك الوسائل الصالة واحلج وتقبيل احلجر
األسود وشد الرحال إىل املساجد الثالثة بل
زيارة قرب النبي ودعاء اهلل عند قربه كام رشع لنا
دعاءه عز وجل يف كل مكان بل رشع لنا السالم
عليه أينام كنا ،فيتقرب املسلم إىل اهلل بالسالم
عىل خاتم الرسل وحتصيل رده ألن روحه ترد
عليه فريد السالم كام يف اخلرب الصحيح الذي
مر ذكره.
وهذه كلها قربات هي من صلب التوحيد وال
متت إىل الرشك بصلة إال إذا قصد املتقرب عبادة
الرسول أو القرب أو صاحب القرب ،وهذا ما مل يقع
فيهمسلمشهدالشهادتني.
نعم يمكن أن يدخل بحث الوسيلة يف بحث
السنة والبدعة فام هو ثابت يف الرشع يدخل يف
السنة وما هو غري ثابت يعترب بدعة ،وال يمكن
اعتبار الثابت وغري الثابت يف الرشع هنا من
83
الرشك والتوحيد بأي وجه.
وهناك عبارة جامعة البن تيمية هي رصحية يف
عدم ارتباط بحثي الشفاعة والتوسل بالرشك
والتوحيد قال يف كتابه (قاعدة جليلة يف التوسل
والوسيلة):
«وقد ذكر علامء اإلسالم وأئمة الدين األدعية
الرشعية وأعرضوا عن األدعية البدعية فينبغي
إتباع ذلك واملراتب يف هذا الباب ثالث:
إحداها :أن يدعو غري اهلل وهو ميت أو غائب
سواء كان من األنبياء والصاحلني أو غريهم
فيقول :يا سيد فالن أغثني ...أو انرصين عىل
عدوي ...فهذا رشك هبم وإن كان يقع كثري من
الناس يف بعضه.
الثانية :أن يقال للميت أو الغائب من األنبياء
والصاحلني :ادع اهلل يل أو ادع لنا ربك أو اسأل
اهلل لنا ،...فهذا أيضا ال يسرتيب عامل أنه غري
جائز وأنه من البدع التي مل يفعلها أحد من سلف
األمة...
الثالثة :أن يقال :أسألك بفالن أو بجاه فالن
عندك ونحو ذلك الذي تقدم عن أيب حنيفة وأيب
يوسف وغريمها أنه منهي عنه ،وتقدم أيضا أنه
84
هذا ليس بمشهور عن الصحابة.(((»...
وكام ترى فإنه اعترب فقط دعاء امليت مبارشة
وكأنه القادر عىل قضاء احلوائج هو املوجب
للرشك ،وأما االحتامالن اآلخران -أي طلب
الشفاعة من غري اهلل يف املرتبة الثانية والتوسل
بمكانة شخص يف املرتبة الثالثة -فقد أدخلهام
يف بحث السنة والبدعة ،واعترب األول منهام من
البدع وتردد يف بدعية اآلخر.
86