You are on page 1of 240

‫• رئيس جملس اإلدارة •‬

‫وزير الثقافة‬
‫د ‪ .‬رياض نعسان آغا‬

‫• مدير عام هيئة الكتاب •‬


‫حممود عبد الواحد‬

‫• رئيس التحرير •‬
‫د‪ .‬طالب عمران‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫اهليئة اإلستشارية‬
‫أ ‪ .‬هن������اد ش����ري����ف (م���ص���ر)‬
‫د ‪ .‬حسام اخلطيب ( فلسطني)‬
‫أ ‪ .‬عبد السالم البقايل (املغرب)‬
‫د ‪ .‬اهل������ادي ع���ي���اد (ت���ون���س)‬
‫د ‪ .‬ق���اس���م ق���اس���م (ل���ب���ن���ان)‬
‫وزارة الثقافة يف اجلمهورية العربية السورية‬

‫أ ‪ .‬طيبة اإلب��راه��ي��م (الكويت)‬


‫د ‪ .‬حم��م��ود ك����روم (س���وري���ة)‬
‫جملة علمية ثقافية شهرية تصدر عن‬

‫د ‪ .‬ك���وث���ر ع���ي���اد (ف���رن���س���ا)‬

‫• هيئة التحرير •‬
‫د‪ .‬خملص الريس ‪ -‬د‪ .‬هبجت حممد‬
‫د‪ .‬حامد ابراهيم ‪ -‬م‪ .‬لينا كيالني‬
‫علي القاسم ‪ -‬صالح معاطي‬

‫• أمني التحرير •‬
‫رائد حامد‬

‫• اإلخراج الفين •‬
‫وسيم قدورة‬

‫سعر النسخة ‪ 50‬ل‪.‬س يف سورية أو مايعادهلا يف البلدان العربية‬


‫االشرتاكات عشرة آالف لرية سورية لإلدارات واملؤسسات داخل القطر‬
‫وأربعمائة دوالر أو مايعادهلا خارج القطر‬
‫توجه كافة املراسالت واملواد باسم رئيس التحرير‬
‫‪E-mail: talebomran@yahoo.com‬‬
‫‪www.moc.gov.sy‬‬
‫‪6‬‬ ‫اخليال العلمي الغربي يف أزمة (ترمجة اهلادي عياد)‬
‫‪14‬‬ ‫اخليال العلمي وجتربيت مع املصطلح (د‪.‬طالب عمران)‬
‫‪22‬‬ ‫األبعاد الرتبوية للخيال العلمي (د‪.‬عيسى مشاس)‬
‫‪30‬‬ ‫أدب اخليال العلمي بوصفه جنساً أدبياً (عبدو حممد)‬
‫‪38‬‬ ‫اخليال اإلستشرايف السياسي العربي (د‪.‬كوثر عياد)‬
‫‪50‬‬ ‫اخليال العلمي يف األدب األمريكي (حممد ياسني)‬
‫‪62‬‬ ‫أدب اخليال العلمي الضوء الكاشف للعلم (عزيزة السبيين)‬
‫‪68‬‬ ‫بواكري أفالم اخليال العلمي (مسري جرب)‬
‫‪84‬‬ ‫اخليال العلمي بني الوهم واحلقيقة (لؤي عثمان)‬

‫‪90‬‬ ‫العني الثالثة ( د‪ .‬خملص الريس)‬

‫‪102‬‬ ‫الثقوب السوداء يف الكون ( م‪.‬طارق نواف حامد)‬


‫‪112‬‬ ‫لكي خيتفي اجلراد (هناد شريف)‬
‫‪120‬‬ ‫الرأس املفتوح (لينا كيالني)‬
‫‪140‬‬ ‫بئر الوزير (اهلادي ثابت)‬
‫‪156‬‬ ‫سيد ماكسون (ترمجة توفيق السهلي)‬
‫‪165‬‬ ‫إنسان على منت مركبة الفضاء (ترمجة عمر ألتنجي)‬

‫‪170‬‬ ‫مقاربات حول الزمن (د‪ .‬حممد حاج صاحل)‬


‫‪186‬‬ ‫ماذا عن الصحون الطائرة (وهدان وهدان)‬
‫‪198‬‬ ‫األقراص الصلبة يف تطور مستمر (وسيم قدورة)‬

‫‪204‬‬ ‫برتراند رسل والنهج العلمي (سالم مراد)‬

‫‪210‬‬ ‫قصة األطباق الطائرة (نضال غامن)‬

‫‪218‬‬ ‫أهنار الربع اخلايل ( طارق حامد)‬

‫احليوان يف احلضارات السورية القدمية (د‪.‬دارم طباع) ‪222‬‬

‫‪228‬‬ ‫حممد وعنز الفضاء (طيبة االبراهيم)‬


‫‪230‬‬ ‫املخبز األتوماتيكي (د‪.‬قدرية سعيد)‬
‫‪232‬‬ ‫برفقة الكمبيوتر (سامر أنور الشمايل)‬
‫‪234‬‬ ‫الوصية (لينا كيالني)‬

‫ترجو جملة اخليال العلمي من كافة الكتاب واملبدعني ارسال ابداعاهتم منضدة على‬
‫احلاسوب والتأكد من تدقيقها وذلك لتسهيل عملية النشر السريع‬
‫يؤكد (جورج لوكمان) يف كتابه (قصة الكيمياء)‪( :‬إن أول صيدلية حتوز‬
‫على استقالهلا وتفتح أبواهبا كما هو اآلن‪ ،‬ظهرت يف بغداد يف القرن الثامن‬
‫امليالدي ‪ .‬بينما كانت أول صيدلية تفتح أبواهبا يف العامل الغربي قد أقيمت‬
‫يف سالرنو يف القرن احلادي عشر امليالدي‪ ،‬وأول صيدلية يف أملانيا «وكان‬
‫هلا شهرة عظيمة يف هذا املضمار» افتتحت يف القرن الثالث عشر امليالدي)‬
‫‪..‬‬
‫ويؤكد أوتو بامتان وفيليب هنش يف كتاهبما (تاريخ الطب املصور) أن‬
‫العرب كانوا سبّاقني يف فروع علمية خمتلفة – ( مل يكن سبق عباقرة العرب‬
‫يف علم اجلرب ونظام الرتقيم والفلك فقط‪ ،‬ولكنهم استطاعوا بعبقريتهم أن‬
‫يفصلوا علم الصيدلة عن الطب وجيعلوه علماًَ مستقالً‪ ..‬كما كان هلم الباع‬
‫الطويل يف حقل الكيمياء الذي يعترب مصدراً قوياً لصنع األدوية‪)..‬‬
‫ومن العلماء املتميزين يف فروع العلوم‪ ،‬العامل العربي األندلسي ( أبو‬
‫بكر حممد بن حييى بن الصائغ) املشهور بابن باجه‪ ..‬وقد ولد يف مدينة (سرقسطة)‬
‫األندلسية وعاش فرتة من الزمن يف غرناطة‪ ،‬وكانت والدته كما يؤكد بعض املؤرخني عام‬
‫(‪ )475‬هجرية املوافق (‪ )1082‬للميالد‪..‬‬
‫درس ابن باجة فلسفة أرسطو واطلّع على كتب الفارابي وابن سينا والغزايل وكان له باع‬
‫طويل يف علم األدوية‪ ،‬وقد شرح كتاب األدوية املفردة جلالينوس‪..‬‬
‫كان ذا موهبة وبراعة يف كثري من العلوم‪ ،‬وقد متيّز يف الفلسفة والرياضيات والفلك‬
‫والطب والصيدلة‪..‬‬
‫ً‬
‫يقول ابن القفطي عنه يف كتابه (تاريخ احلكماء) ‪( :‬كان عاملا بعلوم األوائل ومل يبلغ‬
‫أحد درجته يف األدب من أهل عصره‪ ..‬له تصانيف يف الرياضيات واملنطق واهلندسة)‬
‫تُرجم إنتاج ابن باجة إىل اللغة الالتينية‪ ،‬ثم إىل كل لغات أوربا األخرى‪..‬‬
‫اهتم بدراسة قوى النفس وقسّمها إىل ست جمموعات ‪ :‬هي الروحانية‪ ،‬احلساسية ‪،‬‬
‫املولدة‪ ،‬والطبيعية‪ ،‬واالضطرارية‪ ،‬والفكرية‪..‬‬
‫يؤكد ابن باجة أن‪ :‬الفرد كي يعيش كما ينبغي جيب أن يهتدي بنور العقل‪..‬‬
‫ويرى أن‪ :‬اإلنسان يتقلّب بني طفولته وشيخوخته يف أدوار كثرية صعوداً وهبوطاً‪ ،‬مع‬
‫تقدمه يف السن‪..‬‬
‫وهو يرى كل دور نتيجة لدور سبقه ثم توطئة ومتهيداً لدور سيأتي بعده‪ ..‬ولكل دور‬
‫وزير الثقافة‬
‫د‪ .‬رياض نعسان آغا‬
‫أعمال خاصة به‪ ..‬أما الذين يفعلون يف دور ماجيب أن يكونوا قد فعلوه يف دور سابق عليه‬
‫فهؤالء يف طبعهم نقص كاملعتوهني‪..‬‬
‫ويعتقد ابن باجة أن الذكاء املفرط هو نقص يف الشخصية‪ ..‬فالذكاء الباكر خيمد باكراً‬
‫كالنار املشتعلة وفجأة أيضاً‪..‬‬
‫كان ابن باجة متميزاً يف اللغة‪ ،‬حافظاً للقرآن‪ ،‬أديباً شاعراً بارعاً يف الغزل والرثاء‬
‫واملديح‪ ..‬متقناً لصناعة املوسيقى‪ ،‬جيد الضرب على العود‪ ،‬وهو من األفاضل يف صناعة‬
‫الطب والصيدلة مع املقدرة يف العلوم الفلسفية والرياضيات والفلك والطبيعيات‪ ..‬وبراعته‬
‫يف الطب كانت الجتارى يف زمنه‪..‬‬
‫وكثرت حماوالت قتله واغتياله‪ ،‬لكثرة حُساده الذين جنحوا بعد حماوالت كثرية يف دس‬
‫السم له وقتله‪ ،‬حيث تويف رمحه اهلل عام (‪ )533‬للهجرة املوافق (‪ )1138‬للميالد عن عمر‬
‫قارب ستة ومخسني عاماً‪..‬‬
‫وعلى أمهية ابن باجه وموقعه العلمي والفلسفي ومتتعه باحرتام وتقدير كبريين يف العامل‬
‫الغربي‪ ،‬مل يلق نفس املقدار من االهتمام بنتاجه وحبوثه يف العاملني العربي واالسالمي‪.‬‬
‫لقد انتقد ابن باجة نظام بطليموس يف الفلك‪ ،‬وأثر ذلك على أعمال من أتى بعده مثل‬
‫جابر بن أفلح اإلشبيلي‪ ،‬الفلكي املعروف‪ ..‬والبطروجي أبو اسحاق نور الدين‪..‬‬
‫وقد قادت مالحظاته حول كتاب (اجملسطي) لبطليموس العامل الفلكي (البطروجي)‬
‫ليكتشف احلركة اللولبية يف حركة الكواكب‪ ..‬واليت اعتربت كشفاً علمياً هاماً والتزال حتى‬
‫يومنا هذا الذي شهد تقدماً كبرياً يف علم الفلك‪.‬‬
‫مل يعش ابن باجه كثرياً‪ ..‬لكنه ترك عدداً كبرياً من املؤلفات من بينها ‪ :‬شرح كتاب‬
‫السمح ألرسطو طاليس‪ ،‬تعليق على كتب أرسطو طاليس‪ ،‬رسالة الوداع‪ ،‬كتاب اتصال‬
‫العقل باإلنسان‪ ،‬كتاب تدبري املتوحد‪ ،‬كتاب النفس‪ ،‬كتاب التجربتني على أدوية ابن وافد‪..‬‬
‫كتاب اختصار احلاوي للرازي‪ ،‬شرح كتاب األدوية جلالينوس‪ ،‬القوة النزوعية‪ ،‬تعليق‬
‫على كتاب أبي النصر يف الصناعة الذهنية‪..‬‬
‫ووضع كثرياً من املؤلفات يف املنطق والطب والصيدلة واهلندسة والنبات والفلك والنفس‬
‫والعقل وغري ذلك‪..‬‬
‫ً‬
‫كان ابن باجه وال يزال عالمة مضيئة من عالمات االبداع العلمي والفلسفي العربي‬
‫وسيبقى ملهماً ألجيال من الباحثني واملفكرين ورمزاً لعظمة احلضارة العربية اليت حتتاج‬
‫إىل كثري من اجلهد لنفض الغبار عن مكنون أسرارها‪.‬‬
‫اخليال كونيّ غري أنّ صيَ َغه تتغيّر واخلياالت اليت‬
‫تبتدعه ختتلف باختالف الثقافات والعصور‪.‬‬
‫يستمدّ اخل��ي��ال العلمي ج���ذوره العميقة‬
‫من رؤية جديدة للعالَم‪ ،‬رؤي� ٌة غيّرت األدوات‬
‫املعرفية الالّزمة حملاولة فهم الكون املادي يف‬
‫الغرب‪ .‬وبالتحديد منذ القرن السادس عشر‬
‫امليالدي‪.‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫ونتيجة لذلك‪ ،‬ظهر حقل جديد يف ميدان‬
‫اخليال ووُل �ـِ��دت أمن��اط جديدة من التخيـُّل‪.‬‬
‫وكان أبرز روّاد التجديد «غاليو غاليلي»‪ .‬فهو‬
‫مل يكن يعرف أنّ األرض تدور فحسب‪ ،‬بل أكـّد‬
‫أنّ الكون وُجـِد لِيـُقرأ بلغة الرياضيات‪ .‬يعين‬
‫أنـّه تُوجد للطبيعة قوانني يـُتَوَصّـ ُل إليها عن‬
‫طريق القياسات واإلج���راءات الرياضية وعن‬
‫طريق ابتكار أدوات أخرى أيضا‪ .‬من ذلك مثال‬
‫أنّ التحسّن املستـمـرّ يف عدسات املنظار مـكـّن‬
‫من حتقيق تواصل بني عالَـــم األرض وعالـَم‬
‫الفضاء فأصبح من املمكن رؤية بـُقع مشسية‬
‫وأجرام للمشرتي عوضاً عن قبّة السّماء‪ .‬ويف‬
‫نفس العصر برهن «كِـبْلر» على أنّ الكواكب‬
‫ت��دور ح��ول الشمس وق��ام حبساب املسارات‬
‫اإلهليليجانية‪.‬‬
‫تزامنت هذه التغيّرات‪ ،‬يف السياق الفكري‬
‫يف ذلك العصر‪ ،‬مع اكتشاف « أمريكا» وهو أمر‬
‫وَلـَّد صدمة من الصَّعب استيعاهبا‪ .‬هذه العوامل‬
‫كلّها غيـّرت م��س��ار اخل��ي��ال الغربي وفتحت‬
‫الطريق لتصـوّرات ستتخيّل «جت��ارب فكرية»‬
‫مؤسَّسة على رؤية جديدة للعرفان‪.‬‬

‫تصوّرات جديدة للخيال‪:‬‬


‫استعمل (كبلر) رحلة خيالية للقمر لعرض‬
‫رؤي����ة ل��ن��ظ��ام مش��س��يّ يف امل���رك���ز يف كتابه‬
‫(الُحـُلْم)‪.‬‬
‫وسيتطلـّع (سريانو دي برجرياك) أيضا‪ ،‬يف‬
‫إطار عملية بَرْهَـنة عِلمية – فيزيائية ‪ -‬إىل‬ ‫‪6‬‬
‫ختـيـُّ ّ ٍل يف شكل «جتربة فكرية» فتحدّث عن‬
‫مِعراج مُكتشِفٍ فوق مدينة باريس وبقائه يف‬ ‫روجيه بوزيتو‬
‫مسائها دون حراكٍ‪ ،‬وبعد ساعات وجد نفسه‬ ‫ترمجة ‪ :‬د‪ .‬حممد اهلــادي عياد‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫العلمي‪ ،‬أي تسمح بإعطاء رؤية نقدية يف إطار‬
‫خيايل‪.‬‬

‫الثورة الصناعية وبداية ظهور ما‬


‫سيُسمَّى خيا ً‬
‫ال علمي ًا‪:‬‬
‫حدثت‪ ،‬انطالقاً من القرن التاسع عشر‪ ،‬ثورة‬
‫جديدة يف الغرب‪ .‬فلم يعد مَوْرد الثراء استغالل‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫األرض فحسب‪ ،‬بل الصناعة أيضاً‪ .‬وما نسمّيه‬


‫الثورة الصناعية األوىل يتمثل بالنسبة إىل الغرب‬
‫يف استعمال الفحم احلجري واستغالل املـَ َ ْكـنـَنـَة‬
‫لتشييد مصانع إلنتاج األشياء واألسلحة من‬

‫إنّ ت��راب��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ط‬
‫العنصرين‪ :‬العلمــــــي‬
‫واالجتماعي خـَلـَـــــق‬
‫فضاءً جديد ًا مُبْدَع ًا‬ ‫فوق مدينة كيباك الكندية‪ .‬النتيجة‪ :‬لقد دارت‬
‫األرض‪ ،‬رغماً عمّـا تف ّكر فيه الكنيسة آنذاك‪.‬‬
‫مل���ا س��ي��ـُ��ع��ـ��ـ��ـ��ـ��رف بــ‬ ‫هذا هو أحد العناصر اليت ست ُكـون رَحِمًا‬
‫(اخليــــال العلمــــي)‪.‬‬ ‫ملا سيـُعتـَبـَر فيما بعد أح��د مكوّنات اخليال‬
‫العلمي‪ .‬وهناك عنصر آخ��ر يرجع إىل نفس‬
‫حلل‪ -‬هو‬‫العصر يتمثـّل يف ابتكار «توماس مور» ٍّ‬
‫ناحية‪ ،‬واالجت��اه إىل احتالل العالَم من ناحية‬ ‫يف نفس الوقت عقالنيّ ومستحيل التطبيق‪-‬‬
‫ثانية‪ ،‬وذلك انطالقا من شعور الغربيني بتفوقهم‬ ‫لألزمة االجتماعية األوروبية اليت ظهرت منذ‬
‫التقين‪ .‬وقد استغل اخليال العلمي األمريكي يف‬ ‫العصر الوسيط اإلقطاعي‪ .‬يتمثـّل هذا احل ّل يف‬
‫الثالثينات من القرن املاضي وهْـمَ القوّة هذا إىل‬ ‫ابتداع دولة خيالية ولكنّها تسري بطريقة عادلة‪:‬‬
‫أبعد احلدود‪.‬‬ ‫الطوباوية‪ .‬املسألة هي «جتربة فكرية» يف إطار‬
‫وشهد القرن التاسع عشر اكتشافات طبيّة‬ ‫أزمة اجتماعية‪.‬‬
‫كبرية ونظريات جديدة تتعلّق بوضع اإلنسان‬ ‫إنّ ترابط العنصرين‪ :‬العلمي واالجتماعي‬
‫ونشاطه يف عصور ما قبل التاريخ‪ ،‬مع داروين‪.‬‬ ‫خـَلـَق فضاءً ج��دي��داً مُ�بْ�دَع�اً ملا سيـُعرف بــ‬
‫ه���ذه ال��ع��وام��ل أوج����دت م��ا س�يُ��ع��رف بـرواية‬ ‫(اخليال العلمي)‪.‬‬
‫عصر ما قبل التاريخ مع ن�صّ «ح��رب النّـار»‬ ‫يف ال��ق��رن ال��ث��ام��ن ع��ش��ر‪ ،‬ا ّت��ـ��خ��ذ «ل‪.‬س‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫لصاحبه»روسين» سنة ‪1911‬م‪.‬‬ ‫حللم وسيلة لإلحبار يف املستقبل‬ ‫مارسييه» ا ُ‬
‫كما كان الكتشاف الكهرباء واستعماالته يف‬ ‫لين ُقد جمتمعه عن بُعد وذلك يف روايته «العام‬
‫جت��ارب طبية نتيجة مذهلة زادت يف توسيع‬ ‫‪ .»2440‬وه��ذا يُعترب عنصرا آخر يُضافُ إىل‬
‫دائرة اخليال «العلمي» لدى اإلنسان‪ .‬مت ّثل ذلك‬ ‫التحوّالت اليت ستكون هي ذاهتا حتوّالت اخليال‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫أوّال يف ظ��ه��ور رواي�����ة «ف��ران��ك��ن��ش��اي��ن أو‬
‫اخليال العلمي املعاصر‬ ‫برومثيوس اجل��دي��د» للكاتبة «م���اري شلّي»‬
‫‪1818‬م ث �مّ رواي���ة «ج��زي��رة الدكتور م���ورو» لـ‬
‫ي���س�ي�ر يف ط���ري���ق‬ ‫َ‬
‫(هـ‪.‬ج‪ .‬وايلز) ‪1896‬م‪.‬‬
‫هذا التغيّر اجلذري أحدثه أيضا‪ ،‬باإلضافة‬
‫م��س��دود‪ .‬ذل��ك أل ّن��ه‬ ‫إيل ما سبق‪ ،‬الولع باألدوات امليكانيكية‪ .‬الشيء‬
‫ال���ذي أدى إيل ظ��ه��ور رواي���ات تنقد «العالَـم‬
‫يعاني مـــن صعوبات يف‬ ‫املمكن» كما يظهر ذلك يف رواي��ة «باريس يف‬
‫القرن العشرين» (‪1863‬؟) لــ «جول فرين»‪ ،‬أو‬
‫ختيّل العوالـم املقبلة‬ ‫«العالَم كما سيكون» لـ «سوفسرت» (‪ .)1856‬هذه‬
‫نصوص يصنّفها النّقاد على أ ّنها «ديستوبية»‬
‫لألرض كما يظهر ذلك يف رواية « حرب العوامل»‬ ‫(كوابيسية)‪.‬‬
‫(‪)1898‬‬ ‫وقد و ّل��د األخ��ذ يف احلسبان لالكتشافات‬
‫كما وقع تصوّر إمكانيات جديدة الستكشاف‬ ‫ال َفـلكية ‪ -‬اليت تدّعي أ ّنه سيكون للكون هناية‬
‫املاضي واملستقبل‪ .‬يظهر ذلك يف رواي��ة «آلة‬ ‫مادية ‪ -‬قصصاً سوداوية مثل «موت األرض»‬
‫اس��ت��ك��ش��اف ال��زم��ن»ل��ـ‪ :‬ه����ـ‪.‬ج‪ .‬واي��ل��ز» ‪1895‬‬ ‫(‪ )1910‬لـ «روسين»‪.‬‬
‫وهو أكثر الكتّاب تطويرا لألسس اجلذرية ملا‬ ‫ُ‬
‫وظ��ه��رت‪ ،‬يف نفس ال��وق��ت‪ ،‬كتابات تبارك‬
‫سيسمّيه «هوغو جارنسباك» يف أمريكا عام‬ ‫ال ُقـدُرات اجلديدة اليت وفرها العلم لإلنسان‬
‫‪« 1929‬اخل��ي��ال العلمي» وك��ان ذل��ك يف جملّة‬ ‫مثل رواية «من األرض إىل القمر» (‪ )1865‬أو‬
‫‪( Amazing stories‬قصص مُسليّة)‪.‬‬
‫ميادين «اخلياالت العلمية»‪:‬‬
‫رواية « رحلة إىل باطن األرض» لـ «جول فرين»‬ ‫‪8‬‬
‫(‪.)1864‬‬
‫إنّ إنشاء الواليات املتحدة األمريكية للعديد‬ ‫وقع يف رواي��ات هذه الفرتة تصويرٌ ملخاطر‬
‫من اجملالّت الشعبية يف الثالثينات من القرن‬ ‫ج��دي��دةٍ مثل اح��ت�لال امل��خ��ل��وق��ات الفضائية‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫إذا م��زج��ن��ا ه���ذه امل��واض��ي��ع اجل���دي���دة مع‬ ‫املاضي زاد من شعبية هذا «اخليال العلمي»‬
‫املواضيع اليت ابتكرها (ويلز) يكون بإمكاننا‬ ‫ال��ذي أصبح اهلواية اجلماعية لذلك العصر‬
‫فهم حقول (اخليال العلمي)و أبعاده‪.‬‬ ‫إذ كان مبثابة التعبري عن ال ُقدُرات اليت بإمكان‬
‫عالوة على هذه النصوص املعامل‪ ،‬جند أنّ‬ ‫العلم والتقنيات إجنازها‪.‬‬
‫خيال ُكـتّاب اخليال العلمي الشعيب استغ ّل فكرة‬ ‫ّ‬
‫نشرت هذه اجملالّت آالف القصص املتأثرة‬
‫السفر ب�ين اجمل���رات بواسطة سفن فضائية‬ ‫باخلياالت اجلاحمة لـ «ج��ول ف�يرن» و«ويلز»‪.‬‬
‫تتجاوز سرعتها سرعة الضوء‪ ،‬مهمّتها نشر‬ ‫وب��ع��د احل���رب العاملية الثانية انتشر «أدب‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫منط احلياة الغربية بني سكان الكواكب األخرى‪:‬‬ ‫اخليال العلمي» عن طريق احملاكاة والرتمجات‬
‫أب��ط��ال خ���وارق حي��ارب��ون خم��ل��وق��ات فضائية‬ ‫يف الغرب ووصل إىل اليابان‪ .‬لكنّ الوعي مبا‬
‫عدمية الشرف ومتوحّشة تسعي الختطاف‬ ‫للعِـلم والتقنية من إمكانات أدّي إىل نشأة فكر‬
‫صبايانا اخل‪...‬‬ ‫اجتماعيّ جديد‪.‬‬
‫حاو َل هذا النّمط من األدب جهده ليبحث‬
‫األش���كال املختلف���ة للخي���ال العلمي‬ ‫ع���ن ج�����ذور امل��س��ت��ق��ب��ل يف احل���اض���ر وذل���ك‬
‫املعاصر‪:‬‬ ‫باستنتاجات وقياسات وقفزات فوق الفضاء‬
‫يبدو أنّ اخليال العلمي املعاصر يسري يف‬ ‫والزمن‪ .‬فمنذ ‪ 1920‬أطلق التشيكي «كاباك»‬
‫طريق مسدود‪ .‬ذلك أل ّنه يعاني من صعوبات يف‬ ‫كلمة «روبوت» (اإلنسان اآليل) ثمّ طوّر الفكرة‬
‫ختيّل العوامل املقبلة‪ .‬وعالوة على ذلك جند أنّ‬ ‫من بعده «إسحاق أزميوف» الذي خصّها بفضاء‬
‫أدب « الفنتازيا» ينافسه منافسة شديدة إذ يقدّم‬ ‫غري قابل للمنافسة مع اإلنسان وذلك بإنشائه‬
‫عوامل ثابتة ومؤسَّسة على أشكال «طـوطمية»‬ ‫للقوانني الثالثة لعلم «الروبوتيك»‪ .‬جتعل هذه‬
‫(امللك‪ ،‬األمري‪ ،‬األبطال) وعوامل فاعلة وأساسية‬ ‫القوانني اإلنسان اآليل يف خدمة البشر نظراً‬
‫مثل السّحر مبختلف أنواعه (تأخذ الساحرات‬ ‫لضعف إرادة املقاومة عنده كما سنراه يف فلم‬
‫دور الكنائس يف العصر الوسيط)‪.‬‬ ‫« ‪Blade Runner 1982‬الذي استوحي من‬
‫وب��اإلض��اف��ة إىل ذل��ك‪ ،‬ت��دور أح���داث رواية‬ ‫رواية «فيليب ديك»‪.‬‬
‫«الفانتازيا» يف الطبيعة يف زمن ما قبل عصور‬ ‫حذرت روايات اخليال العلمي من «تشيئة»‬ ‫ّ‬
‫ال��ث��ورة الصناعية وت��دع��و إىل امل��ص��احل��ة مع‬ ‫اإلن���س���ان ع��ن ط��ري��ق ال��ت�لاع��ب اجل��ي�ني منذ‬
‫البيئة حيث يبدو من خالل اختيارها االبتعاد‬ ‫الثالثينات مثل رواية «أحسن العوامل املمكنة»‬
‫عن الزمن الراهن أ ّنها تستجيب متاما « ملبدأ‬ ‫لـ (هاكسلي)(‪.)1932‬‬
‫االستمتاع « إذ ترى يف هذا االبتعاد مصدراً‬ ‫إنّ تطوّر علم اجلينات فتح آفاقا واسعة‬
‫للنشوة‪ .‬فهي جتنح إىل تصوير ماض خيايل‬ ‫خللقي‬‫للخيال وأوجد إمكانيات كبرية للتغيري ا َ‬
‫َ‬
‫ومطـمْـئِن‪.‬‬ ‫لإلنسان‪ .‬فظهرت رواي��ات تصوّر أناساً جدداً‬
‫كان اخليال العلمي بدوره ‪ -‬ويف جانب كبري‬ ‫مثل «أناس يف املستقبل» لـ «بيار بيلو» (‪،)1998‬‬
‫منه ‪ -‬م َُطـمْئِـنا حتى سنوات ‪ .1980‬كانت رواياته‬ ‫أو «أطفال داروين» لـ «قراق بييار» (‪)2002‬‬
‫تقوم على استنتاجات انطالقا من واقع يفرتض‬ ‫ج���اءت ب��ع��د ه���ذه «ال��ت��ش��ي��ئ��ة» البيولوجية‬
‫أ ّنه معروف‪ ،‬أو ميكن معرفته‪ .‬ظهرت نصوص من‬ ‫لإلنسان‪ ،‬مرحلة تشيئته سياسياً حتت أنظار‬
‫‪9‬‬ ‫اخليال العلمي مثل «كواكب يف متناول اجلميع»‬ ‫الشاشات الدائمة التواجد اليت أوجدها «األخ‬
‫(‪ )1853‬لـ‪« :‬بوهل» و «كورنبلوث» اللذين نقدا‬ ‫األك�بر» (‪ )big brother‬يف ك� ّل مكان واليت‬
‫اإلشهار نقداً الذعاً‪ .‬كما ظهرت قصص غيّرت‬ ‫وصفها (أورويل) يف روايته (‪ )1984‬اليت صدرت‬
‫النظرة ع��ن غ��زو الفضاء مثل «وق��ائ��ع سكان‬ ‫عام ‪.1948‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫يف حركة دائمة‪ .‬ذلك أنّ االخرتاعات التقنية‬ ‫املرّيخ» لـ «راي برادبوري» (‪ )1950‬وظهرت‬
‫وقدرهتا على تغيري أشكال السلوك تسبق ما‬ ‫كذلك روايات ذات بعد ميتافيزيقي مثل كتابات‬
‫ميكن أن يتخيّله ك� ّت��اب اخل��ي��ال العلمي‪ .‬لذا‬ ‫« ك‪ .‬ك�لارك « ال�تي وق��ع تصويرها يف فيلم»‬
‫أصبح من الصعوبة مبكان أن يتخيّل هؤالء‬ ‫‪ 2001‬ملحمة الفضاء « (عام ‪ .)1958‬أو أعمال‬
‫صوراً للمستقبل‪ .‬ولع ّل األعمال « الديستوبية‬ ‫تُساءل الطوباوية مثل رواية « أرسال لو قني « «‬
‫« تقوم خري شاهد على ذل��ك‪ .‬من ذلك مثال‪:‬‬ ‫املسلوبون » (‪.)1974‬‬
‫رواي��ة « غلوباليا « لـ « روف��ان « (‪ )2001‬اليت‬ ‫أصبح بإمكان اخليال العلمي إ ًذا‪ ،‬أن يقدّم‬
‫ال جن��د فيها جت��دي��داً ك��ب�يراً إذا م��ا قار ّناها‬ ‫‪ -‬بسحرية ومحاس ‪ -‬ظواهر من نقد اجملتمع‬ ‫‪10‬‬
‫بـرواية « ‪ « 1984‬أو بـ « أحسن العوامل املمكنة‬ ‫والسياسة والعالقات بني البشر وبني سكان‬
‫«‪ .‬وبالطبع‪ ،‬فإنّ التكرار ليس تاماً‪ .‬إذ ميكن‬ ‫الكواكب األخرى‪ ،‬أو بني النساء والرجال‪.‬‬
‫مالحظة أنّ بعض املواضيع شهدت تطوّرا مثل‬ ‫يبدو احلاضر اليوم عسري الفهم مبا أنهّ‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫ما يف العلم من ظواهر خطرية – من ذلك مثال‪،‬‬
‫اجلدل القائم حول مسائل التعديل اجليين –‬
‫أكثر ممّا يهتمّون مبا له من جوانب إجيابية‪.‬‬
‫يُنظر إىل تطوّر «رقاقات « اهلاتف اجلوّال‬
‫وتصغري أحجامها‪ ،‬وإىل تطبيقات علم األحياء‬
‫على اإلنسان‪ ،‬وإىل سلطة علوم البيئة وقدرهتا‬
‫على التح ّكم يف األجساد على أ ّنها اكتشافات‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫تضع يف تصرّف كتّاب اخليال العلمي أدوات‬


‫جديدة‪ ،‬ولكنّهم يشعرون ‪ -‬يف ذات الوقت‪ -‬أنّ‬
‫هذه األدوات تستغلّها السّلطة كوسائل للرقابة‬
‫االجتماعية عليهم‪.‬‬
‫( ‪)Le Patriot Act Aux USA‬‬

‫حذرت روايات اخليال‬ ‫ّ‬


‫العلمي من «تشيئة»‬
‫اإلن��س��ان ع��ن طريق‬
‫ال���ت�ل�اع���ب اجل��ي�ني‬
‫م���ن���ذ ال��ث�لاث��ي��ن��ات‬
‫م��ث��ل رواي����ة «أحسن‬
‫ال��ع��وامل املمكنة» لـ‬
‫(هاكسلي)( ‪.)1932‬‬ ‫موضوع «اإلنسان اآليل» الذي عرف تطوّرا منذ‬
‫عهد «أزميوف»‪ ،‬حتى زمن «البشر‪-‬اآللة» الذي‬
‫سلّط عليه الضوء فلم «‪.»Blade Runner‬‬
‫ي��ق��ود اخل���ي���ال ال��ع��ل��م��ي امل��ع��اص��ر عالقة‬
‫األش��خ��اص م��ع ال��ع��الَ��م‪ ،‬يف ه���ذا ال��ن��م��ط من‬
‫وكان تطوّر اخليال العلمي يف موضوع علم‬
‫الكتابة‪ ،‬إىل األسوأ‪ :‬يوحي هلم هذا اخليال أنّ‬ ‫اجل��ي��ن��ات أح��س��ن م��ن ال��ت��ج��ارب ال�تي ختيّلها‬
‫هذه التقنيات تسجنهم‪.‬‬ ‫«الدكتور مورو» إذ أصبح يُم ّكن من تو ّقع ظهور‬
‫فعوضاَ عن أن يزفّ هلم‪ -‬كما كان يفعل ذلك‬ ‫سلطة لعلم األح��ي��اء‪ ،‬مبختلف ف��روع��ه‪ ،‬على‬
‫‪11‬‬ ‫من قبل‪ -‬أخباراً تبعث فيهم احلماس مثل غزو‬ ‫الصعيد السياسي‪.‬‬
‫الفضاء‪ ،‬أو تطوّر اجملتمع وتفتّح األفراد وإقباهلم‬
‫على احلياة‪ ،‬يُظهر اخليال العلمي املعاصر أنّ‬ ‫فكرة حول مستقبل اخليال العلمي‪:‬‬
‫يُر ّكز الناس اليوم يف ال َغرْب اهتمامهم حول األفراد مُجبَرون على االنصياع لضوابط هذا‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫تَستعمل أو تُحوّل ك ّل مبتكرات التقنية اليت كان‬ ‫اخليال اليت أصبحت تُـبَرمج حتى حياهتم‬
‫قد حلم هبا اخليال العلمي امل��أل��وف‪ ،‬إمّ��ا إىل‬ ‫اخلاصّة (الفضاء الروحي)‪.‬‬
‫استعباد اإلنسان أو إىل إهانته كما يبيّن ذلك‬
‫االستعمال السياسي هلذه التقنيات‪.‬‬
‫قليال ما يبعث الوضع العام يف الغرب اليوم‬
‫على ال��ت��ف��اؤل‪ .‬إنّ تعاظم الشركات املتعدّدة‬
‫‪12‬‬
‫وحيث كانت «فاعلية اخليال العلمي» تولد‬ ‫اجلنسيات ونزعة احلكومات إىل امل��روق عن‬
‫عندما مت��ت��زج ص���ورة م��ن العلم م��ع افرتاض‬ ‫القانون واإلفالت من العقاب‪ ،‬ك ّل هذه اجلهات‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫احلاضرة وليست مهمّته نفي العالَم املعاصر‬ ‫فلسفي فتنشأ قصة تبعث يف القارئ نوعاً من‬
‫أو تصوير نسخة منه‪ .‬باإلضافة إىل ذلك‪،‬‬ ‫اإلنبهار (مسألة « تفخيم ميتافيزيقي» )‪.‬‬
‫على نصوص اخليال العلمي هذه‪ ،‬مهما كانت‬ ‫مل نعد نرى غري تكرار خميف‪ .‬بل إ ّننا نشعر‬
‫طاقاهتا التخيُّـلية‪ ،‬أن تثري عناصر االنبهار‪.‬‬ ‫أنّ ُكـتّاب اخليال العلمي مثلهم مثل أعضاء‬
‫مضي زمن كانت فيه جم�رّد اإلش��ارة إىل‬ ‫جملس النواب الذين يصنعون القوانني‪ ،‬يف حني‬
‫تنويـ ٍع يف فكرة قدمية (سفر يف الزمن)‪ ،‬أو يف‬ ‫أ ّنهم‪ -‬دوماً‪ -‬متخلّفون عن التقدّم التكنولوجي‬
‫شيء خيايل (مركبات فضائية تعمل بانعدام‬ ‫وعن استعماالته السياسية والتجارية‪.‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫املادة‪ ،‬ال ّثـقب األسود‪ )...‬كافية لتجعل القارئ‬ ‫نشهد ال��ي��وم يف ال��غ��رب أزم���ة ع��امّ��ة يف‬
‫حيلم أحالما طوباوية وشاعرية‪ .‬هذه احلال‬ ‫التم ّثل‪ .‬فاإليديولوجية املُهيمنة ما تفتأ أن‬
‫نادرة يف أدب اخليال العلمي املعاصر‪ .‬إنّ جمرّد‬ ‫تُـنَ ِّغـر عندما تؤكد أ ّنه مل يعد هناك من جمال‬
‫اإلشارة إىل أشياء جديدة أو أفكار جديدة يثري‬ ‫للمبادرات منذ اهنيار جدار برلني (‪.)1989‬‬
‫أحيانا لدى القارئ بعض االهتمام‪ ،‬لكن ذلك‬ ‫ويكرّر النّ ّقاد‪ ،‬دائما‪ ،‬أنّ الواقع هو ذاته وما‬
‫ال يغويه‪.‬‬ ‫يتغيّر إ ّنما هو الشكل فحسب‪.‬‬
‫إنّ اخل��ي��ال ال��ع��ل��م��ي ال����ذي أص��ب��ح منذ‬ ‫تُـقدّم الرأمسالية نفسها ‪ -‬حتت امسها‬
‫«ه�يروش��ي��م��ا» خ��ي��االً ن��ق��دي�اً متشائماً وله‬ ‫احلايل‪« :‬الليربالية» ‪ -‬على أ ّنها الكفيلة بإنتاج‬
‫على الرغم من ذلك‪ ،‬ك ّل أسلحة الشاعرية‬ ‫األشكال الوحيدة املمكنة للمجتمعات التّي‬
‫وال��س��خ��ري��ة ك���ان ق���د اح��ت��ف��ظ ب��ش��يء من‬ ‫تَصف نفسها بأ ّنها جمتمعات دميقراطية‪.‬‬
‫احلماس أيضاً‪ .‬هذا هو‪-‬غالبا‪ -‬عيب هذا‬ ‫هذه «البديهيات» تغلغلت يف نفوس ُكـتّاب‬
‫األدب اليوم‪ .‬هناك‪ ،‬بالتأكيد‪ُ ،‬كـتّابٌ متميِّزون‬ ‫اخليال العلمي إىل درجة أنّ تأثريها أدى إىل‬
‫ول��ك��نّ ع��دده��م ق��ـ��ل��ي��ل‪ .‬واص��ل��ت «أرس�ل�ا‬ ‫إقصاء ك ّل زخم طوباويّ‪.‬‬
‫لوقني» اكتشاف العوامل يف روايتها املناهضة‬ ‫مع أنّ العلوم التقنية والتح ّكم البيولوجي‬
‫لالستعمار‪« :‬اسم العالَم هو الغابة» (‪)1973‬‬ ‫وتكنولوجيا «النانو» واكتشاف الكواكب الشبيهة‬
‫وأنْ��ه��ت «إليزابات ف��ون��ارب��ورق» اجتيازها لـ‬ ‫ب��األرض يف الفضاء اخلارجي والتجاوز إىل‬
‫«ع��الَ��م تري ّنيال » (اس��م رواي��ت��ه��ا) (‪-1994‬‬ ‫النظريات حول الكون مثل نظريات « الفضاء‬
‫‪ )1997‬وأنشأ «داوود برين» بك ّل صرب‪ ،‬ثالثيته‬ ‫‪ -‬الزمن » ال�تي بإمكاهنا أن تو ّفر مصطبة‬
‫املـرّخيية (‪ )1996-1992‬واقرتح علينا «جان‬ ‫عظيمة خل��ي��الٍ أق��� ّل ان��ك��م��اش�اً وذل���ك على‬
‫كلود دانتياش» العالَم الشاعري ألقاصيصه‬ ‫صعيدين‪ :‬صعيد التأويالت اإلبستيمولوجية‬
‫«حمطة الرِّحلَة» (‪ .)1992‬على أنّ‬ ‫ّ‬ ‫مثل قصّته‬ ‫املستقبلية وصعيد ال��ت��أث�يرات االجتماعية‬
‫احلماس الذي كان يدفع اخليال العلمي يف‬ ‫املمكنة املرتبطة بالتغيّرات العظيمة املتتالية‬
‫السنوات املاضية يبدو أنه قد انتكس‪.‬‬ ‫املواكبة لطفرة البلدان الطالع جنمها على‬
‫نأمل أن يكون ذلك أزمة عابرة‪ ،‬وأنّ اخليال‬ ‫الساحة الرأمسالية‪ .‬لكن شيئاً من ذلك مل‬
‫جنـمُه يف الغرْب سيزدهر‬ ‫العلميّ الذي هوى ْ‬ ‫حيصل‪.‬‬
‫يف ث��ق��اف��ات أخ���رى‪ .‬ع��ن��دئ��ذ‪ ،‬ميكنه – مبا‬ ‫قام «فريديريك جامسون» يف «حفريات‬
‫يقرتحه من ابتعاد عن الواقع اليومي ‪ -‬أن‬ ‫املستقبل » (‪ )2007‬ب��إث��ب��ات م��ا ي��ل��ي‪« :‬إنّ‬
‫‪13‬‬ ‫يعمل على تفهّ ٍم أحسن ملعطيات احلاضر‬ ‫تصوّر هنايةٍ للكون أسهل من تصوّر انقراض‬
‫املتجددة تفهماً قد يقوده إىل إجي��اد نظرة‬ ‫الرأمسالية»‪ .‬هذا ليس هدف اخليال العلمي‪،‬‬
‫إجيابية ناقدة يبدو أ ّنها قد أفلتت منه اليوم‬ ‫ولكن بإمكان هذا اخليال أن حيتفظ بأمل‬
‫يف الغرب‪.‬‬ ‫بناء عوامل جديدة‪ ،‬بوصفها بديالً للمجتمعات‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫أعجبتين افتتاحيّة اخليال العلمي واملصطلح‬
‫للسيّد وزي���ر ال��ث��ق��اف��ة ‪..‬وج��ل��ت ب�ين العوامل‬
‫للتعرّف على أمهيّة اخليال والعلم ضمن نفس‬
‫السياق‪..‬‬
‫إن ال��ف��رق ب�ين مصطلحي اخل��ي��ال األدبي‪،‬‬
‫واخليال العلمي‪ ،‬هو الفرق بني العلم واألدب‪..‬‬
‫بني القصيدة اليت تدغدغ املشاعر وبني الواقع‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫ال��ذي يشدك إىل رح��اب املنطق العلمي حيث‬
‫اليعرتف العلم بالشعر كأفكار قابلة للتطبيق‪..‬‬
‫األدب يعطيك احللم واخليال اجملنح‪ ،‬والعلم‬
‫يعطيك املكننة واآللة والدواء الشايف للمرض‪،‬‬
‫وكالمها الميكن االستغناء عنه‪..‬‬
‫رمبا كان لوقيانوس السوري السميسطائي‬
‫(‪ )Lucien de samosate‬هو األب احلقيقي‬
‫للخيال العلمي‪ ،‬كتب حوارياته وقصصه اخليالية‬
‫املقرونة بعلم ختيّل آفاقه يف شخوص وأحداث‪،‬‬
‫ليكون أول رائد هلذا النوع من األدب‪..‬‬
‫وميكننا أن نعرف مصطلح اخليال العلمي‪،‬‬
‫يف رسالة الغفران للمعري‪ ،‬ويف آراء أهل املدينة‬
‫الفاضلة للفارابي‪ ،‬ثم يف (حي بن يقظان) البن‬
‫ط��ف��ي��ل‪ ..‬ون���رى م�لام��ح ه��ذا املصطلح – إن‬
‫اتفقنا عليه‪ -‬يف بعض قصص ألف ليلة وليلة‬
‫كاحلصان الطائر والبساط السحري واملرآة‬
‫السحرية ومصباح عالء الدين وغري ذلك‪ ..‬رغم‬
‫عدم التجانس بني هذا املصطلح وبني تفاصيل‬
‫أحداث بعض هذه القصص‪...‬‬
‫ظهر املصطلح إىل الوجود مع روايات الفرنسي‬
‫(جول فرين) يف مغامرات علمية مدهشة عن‬
‫غواصة أعماق مل تكن قد ظهرت وعن طائرات‬
‫عمالقة وعن أرض نسيها الزمن وعن رحالت‬
‫إىل الفضاء والقمر‪ ..‬إضافة لإلنكيزي املتفوق‬
‫( هـ‪ .‬ج‪ .‬ويلز) الذي أعطى عمقاً هلذه املغامرات‬
‫العلمية‪ ،‬بإضافة بعد فلسفي إنساني كما يف (‬
‫آلة الزمن ) و (حرب العوامل) و (الرجال األوائل‬ ‫‪14‬‬
‫على القمر) وغريها كثري‪..‬‬
‫ومن���ا ه���ذا األدب اخل����اص وك��ث��ر رواده‪،‬‬
‫وانقسموا يف اجتاهني‪..‬‬ ‫د‪.‬طالب عمران‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫بقصد التسلية واإلمتاع‪...‬‬ ‫اجت�����اه ج����اد حي��ك��ي ع���ن مه����وم اإلن���س���ان‬


‫االجتاه اجلاد يف أدب اخليال العلمي هو الذي‬ ‫املستقبلية مع زي��ادة التلوث وتصنيع أسلحة‬
‫يؤرخ للمستقبل بأسلوب املكاشفة املريرة‪ ،‬رمبا‬ ‫الدمار‪ ،‬واحلصار على اإلنسان من قبل أنظمة‬
‫‪15‬‬ ‫بطريقة تبالغ أحياناً يف التحذير من املتاعب‬ ‫متسلطة التلقي ب��االً للمشاعر واألحاسيس‬
‫واملشاكل ورمبا الكوارث اليت قد يواجهها إنسان‬ ‫اإلنسانية‪..‬‬
‫املستقبل‪ ..‬وهو أسلوب مشروع لدى كتاهبا‪،‬‬ ‫واجت��اه (فانتازي) وه��و مصطلح يعبّر عن‬
‫ن��ظ��راً لصعوبة املتاعب ال�تي ق��د نواجهها يف‬ ‫اجت��اه املغامرة واملبالغات وشطحات اخلرافة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫وأصدر مصطفى حممود روايتيه (اخلروج من‬ ‫أحداث كارثية متوقعة‪ ،‬بسبب استهتار صناع‬
‫التابوت) ( رجل حتت الصفر) وعدّمها النقاد‬ ‫القرار بالنفس اإلنسانية‪ ،‬وقد أباحوا سحقها‬
‫من اخليال العلمي وخاصة (رجل حتت الصفر)‬ ‫والعبث جبالهلا‪..‬‬
‫فهي أقرب إىل أدب اخلبال العلمي حيكي فيها‬ ‫يف وطننا العربي‪ ،‬بدأت بواكري هذا النوع من‬
‫مصطفى حممود ع��ن حتويل امل���ادة إىل طاقة‬ ‫األدب مع توفيق احلكيم يف مسرحيته الذهنية‬
‫مطلقة‪ ،‬حيث يتحول بطل القصة إىل كائن غري‬ ‫(رحلة إىل الغد) اليت عدّها النقاد خياالً علمياً‪،‬‬
‫مرئي بعد حتول مادته إىل طاقة‪ ،‬تنطلق حملقة‬ ‫ألهنا حتكي عن حمكومني باإلعدام يُنفيان إىل‬
‫يف الكون تسرب النجوم والفضاء البعيد‪ ..‬بينما‬ ‫القمر فيقضيان فرتة‪ ،‬وحني يعودان إىل األرض‬
‫روايته األخ��رى التندرج حتت مصطلح اخليال‬ ‫جي���دان أن��ه م �رّ عليها (‪ )300‬ع���ام‪ ..‬بالطبع‬ ‫‪16‬‬
‫العلمي‪..‬‬ ‫الفرضيات واألحكام ليست علمية هنا فالزمن‬
‫وأصدر صربي موسى (رجل من حقل السبانخ)‬ ‫القمر يسبق زمننا والزم��ن األرض يسبق زمن‬
‫يف أوائ��ل مثانينيات القرن العشرين وقد عدّت‬ ‫القمر‪..‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫وظهر كتاب آخرون انتشروا يف أصقاع الوطن‬
‫العربي يؤسسون ألدب عربي جديد له نكهته‬
‫وخصوصيته‪..‬‬
‫وماذا عن املصطلح يف أدب اخليال العلمي؟‬
‫سأبدأ من األدب الذي أكتبه منطلقاً بني عوامل‬
‫وأسفار هذا األدب اهلام واجلاد‪ ،‬واملهمل إىل حد‬
‫مايف أدبنا العربي‪..‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫مصطلح اخليال العلمي‪ ،‬يعين اخليال املقرون‬


‫بالعلم‪ ،‬املرتبط باألدب الذي يعاجل يف فروعه هذا‬
‫املصطلح‪ ،‬كالقصة والرواية واملسرحية‪..‬‬
‫فقصة اخل��ي��ال ال��ع��ل��م��ي‪ :‬ه��ي ق��ص��ة تدور‬
‫يف فلك األدب العلمي املتخيل‪ ..‬قصة تلتقط‬
‫حدثاً ما يف زم��ان ومكان حمددين لتقدمه يف‬
‫أح��داث قصرية وشخصيات م��ع��دودة‪ ..‬ورواية‬

‫أدب اخليال العلمــــــي‬


‫ي��ش��م��ل ال��س��ي��اس��ة‬
‫املستقبلية‪ ،‬البيئــــــة‪،‬‬
‫ال���ت���ط���ور ال��ع��ل��م��ي‪،‬‬
‫كشوفـــــــات الفضــاء‪،‬‬
‫ال��ل��ق��اءات م��ع عوامل‬ ‫منوذجاً ألدب اخليال العلمي‪ ،‬أما هناد شريف‬
‫م��ن ك��واك��ب أخ���رى‪،‬‬ ‫الذي بدأ بإصدار أعماله منذ أواخر الستينيات‬
‫املنصرمة فقد شجعه الراحل يوسف السباعي‬
‫السفر إىل املستقبـــل‪،‬‬ ‫على متابعة السري يف هذا اخلط واالجتاه اجلديد‪،‬‬
‫ّ‬
‫ح����ل أل���غ���از امل��اض��ي‬ ‫ودعمه يف منشوراته‪ ،‬اليت تالحقت يف (قاهر‬
‫الزمن) و(رقم ‪ 4‬يأمركم) و(أنا وكائنات الفضاء)‬
‫و(ال��ش��يء) و(ب��اإلمج��اع) و(امل��اس��ات الزيتونية)‬
‫اخليال العلمي‪ :‬تأخذ مصطلح الرواية الواسع‬ ‫و(سكان العامل الثاني) و(ابن النجوم) اخل‪..‬‬
‫‪17‬‬ ‫بشخوصه وت��ؤط��ره��ا ب��إط��ار العلم يف أحداث‬ ‫فقد حقق هن��اد ش��ري��ف امل��ف��ه��وم احلقيقي‬
‫مستقبلية‪ ،‬حتكي عن هواجس عوامل املستقبل‬ ‫ملصطلح اخليال العلمي‪ ،‬مسلحاً مبعارف علمية‬
‫واره���اص���ات���ه‪ ..‬ه��ي رواي����ة حت��ك��ي ع��ن عوامل‬ ‫موسوعية أفادته يف التحليق بني ع��وامل العلم‬
‫متخيلة بتقدمها العلمي أو بأزمنتها املقبلة‬ ‫املختلفة‪..‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫ألغاز املاضي‪ ..‬الصراعات بني العقل واآللة اليت‬
‫ميكن أن تصبح آلة ذكية ختطط لسيادهتا على‬
‫العقل‪..‬‬

‫أفكار عن مصطلحات نتناوهلا يف أدبنا‬


‫وسألقي الضوء اآلن على جتربيت اخلاصة يف‬
‫مصطلح اخليال العلمي مستعرضاً األدب الذي‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫كتبته منذ جمموعيت القصصية األوىل (كوكب‬
‫األحالم) اليت صدرت عام ‪.)1978 ( 1978‬‬
‫يف كوكب األحالم حتدثت عن مصطلح السنة‬
‫الفضائية‪ :‬وفسرته بأنه نتيجة لكثرة السفر بني‬
‫الكواكب بالسرعات الكبرية املقرتبة من سرعة‬
‫الضوء اليت تصل (‪ )300‬ألف كيلومرت يف الثانية‪،‬‬
‫فإن بعض الناس يولدون يف املستقبل على منت‬
‫السفن الفضائية يف رحالهتا بني الكواكب‪،‬‬
‫وه��ذا يستدعي أن نصنف أعمارهم تصنيفاً‬
‫آخر‪ ،‬فماجد بطل كوكب األحالم عمره عشر‬
‫سنوات فضائية‪ ،‬وهي سنوات خاصة تقاس‬
‫بتتايل الساعات املوضوعة يف السفن ودوران‬
‫عقارهبا أليام ولسنوات وهكذا‪..‬‬
‫ويف (العابرون خلف الشمس) ‪ :‬وهي الرواية‬
‫اليت صدرت عام ‪ 1979‬حتدثت عن مصطلح‬
‫(موجة احلس) وهي املوجة اليت ينتقل عربها‬
‫ساكن الكوكب الفوسفوري عرب الفضاء حملقاً‬
‫بسرعات خيالية‪ ،‬ومعه ك��ل أحاسيسه كما‬
‫حتدثت يف هذه الرواية عن الطاقة املتحولة‪،‬‬
‫وهو مصطلح فسرته بتحول امل��ادة إىل طاقة‪،‬‬
‫ولكون الطاقة اليت حولتها بشرية‪ ،‬فإهنا خارقة‬ ‫الغامضة‪ ،‬تستشرف األح��داث وتطل على‬
‫شديدة القوة‪..‬‬ ‫عواملها االفرتاضية‪..‬‬
‫ويف ال��رواي��ة مصطلح الكائن الفوسفوري‪:‬‬ ‫ومسرحية اخليال العلمي‪ :‬مسرحية حتكي‬
‫وفسرته بأنه كائن لديه ق��درة على التحول‬ ‫بفصوهلا ومشاهدها عن املستقبل ومتاعب‬
‫بأشكال خمتلفة‪ ،‬يف كون الكوكب الفوسفوري‪،‬‬ ‫إنسان املستقبل‪ ،‬يف ديكورات وأحداث تستقي‬
‫فإن هؤالء ظهروا بأشكال شبيهة بالبشر‪..‬‬ ‫شخوصها من عوامل املستقبل أيضاً‪..‬‬
‫ويف جمموعة ضوء يف الدائرة املعتمة اليت‬ ‫أدب اخليال العلمي يشمل هذه التفرعات‪،‬‬ ‫‪18‬‬
‫ظهرت عام ‪ 1980‬أدخلت مصطلحات جديدة‬ ‫وهو يشمل السياسة املستقبلية‪ ،‬البيئة‪ ،‬التطور‬
‫يف قصة (ض��وء يف ال��دائ��رة املعتمة) نفسها‪،‬‬ ‫العلمي‪ ،‬كشوفات الفضاء‪ ،‬اللقاءات مع عوامل‬
‫كمصطلح الشغيلة‪ ،‬وهي كائنات تعيش على‬ ‫من كواكب أخ��رى‪ ،‬السفر إىل املستقبل‪- ،‬ح ّل‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫إىل موجة حسّ‪..‬‬ ‫الكوكب امل��ل��يء بالسحب امللبدة والصواعق‪،‬‬


‫وهناك مصطلحات استخدمتها يف رواية‬ ‫وتعنى بالعمل ال��ي��دوي فقط واألع��م��ال اليت‬
‫(خلف جدار الزمن) ويف (كوكب شبيه باألرض)‬ ‫تستخدم القوة العضلية‪ ..‬وهو مصطلح قديم‬
‫مثل (قمر احلب) وهو مصطلح يعرب عن تابع‬ ‫أيضاً يف األيديولوجيا السياسية‪..‬‬
‫لكوكب شبيه باألرض‪ ،‬يذهب إليه العشاق الذين‬ ‫كل املصطلحات اليت ذكرهتا تبدو مألوفة‪،‬‬
‫يشعرون باحلب على الكوكب الذي اليولد احلب‬ ‫وميكن أن تستخدم‪ ،‬فالسنة الفضائية ميكن‬
‫‪19‬‬ ‫فيه سوى مرة واحدة‪ ،‬ومن خيرت شريكه والحيبه‬ ‫أن تصبح مصطلحاً يستخدم يف أدب اخليال‬
‫هذا الشريك يصبح القمر لعنة عليهما‪ ..‬ورمبا‬ ‫العلمي‪ ..‬وموجة احل��س ميكن أن يستخدم‬
‫اليكون هذا املصطلح معمماً ألن له خصوصية‬ ‫يف احلديث عن امل��ادة اإلنسانية العقلية أو‬
‫يف الرواية نفسها‪..‬‬ ‫البشرية املتفوقة عندما تتحول مادته بالكامل‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫فال يفصلنا عن حدوثه س��وى عشر سنوات‬ ‫هناك مصطلح (اآليل) الذي وضعته بدالً‬
‫وهو زمن ليس كبرياً‪ ،‬قد نتحدث عن إجناز‬ ‫عن الروبوت يف قصص كثرية‪ ..‬وهو مصطلح‬
‫علمي ممكن احلدوث أو حدث كارثي له عالقة‬ ‫لغوي‪ ..‬فاللغة يف أدب اخليال العلمي خمتلفة‪،‬‬
‫بالبيئة أو م��رض ينتشر يف مدينة يتسرب‬ ‫فهي حتكي عن عمليات خلق أمكنة وأجهزة‬
‫اإلشعاع من مفاعلها النووي‪ ..‬ولكننا لن نكون‬ ‫وشخوص قصصية وروائية مستقبلية‪ ..‬وهي‬
‫دقيقني يف التنبؤ لوحكينا عن احلياة بعد مائة‬ ‫مصطلحات جديدة دائماً‪..‬‬
‫سنة‪ ..‬فكلما بعد املستقبل أصبح أكثر غموضاً‬ ‫فلو ختيلنا رحلة إىل كوكب بعيد يف اجملرة‪،‬‬
‫وأكثر صعوبة يف التنبؤ‪..‬‬ ‫يبعد مثالً عشر سنوات ضوئية قد نسمي‬
‫ك��ات��ب اخل��ي��ال العلمي كثري األح�ل�ام كثري‬ ‫الكوكب (زيلما) أو نسميه (أوريانا) والتسمية‬
‫اهلواجس واخلوف من املستقبل‪ ،‬فما حيدث‬ ‫هلا عالقة باللغة‪ ،‬وهي مشروعة‪ ..‬وقد نسميه‬
‫اآلن قد يسرع يف الكوارث القاتلة‪ ،‬من جراء‬ ‫الكوكب الساخن إن كان سطحه ساخناً وفيه‬
‫اضطراب الغالف اجل��وي وحنن نقذف هذا‬ ‫نباتات غريبة وأحياء باشكال غري مألوفة تعيش‬
‫الغالف مباليني األطنان من امللوثات اليت أ ّثرت‬ ‫يف أج��واء ح��ارة‪ ،‬ورمب��ا عاشت كائنات عاقلة‬
‫على ت��وازن هذا الغالف الذي انتظم لتأهيل‬ ‫فوق سطح هذا الكوكب من نوع غري مألوف‬
‫وجود احلياة على األرض‪ ..‬وماحيدث اآلن من‬ ‫أيضاً‪ ..‬أنا أختيل عاملاً جديداً جيب أن يكون‬
‫التلوث األخالقي الذي جعل الناس يعيشون‬ ‫موصوفاً بشكل علمي‪ ،‬يف كائناته وتضاريسه‬
‫يف دوائ���ر ضيقة‪ ،‬غ�ير منفتحة على احملبة‬ ‫وتفاصيله‪ ،‬وهي عملية ليست سهلة أبداً‪..‬‬
‫والتعاون‪ ،‬واإلحساس بالغري‪ ..‬عدا عن الفساد‬ ‫ك��ث�يراً مانطلق أمس��اء ج��دي��دة على أمكنة‬
‫الكبري يف الضمائر وانتشار الرشوة واملتعة على‬ ‫وش��خ��ص��ي��ات وك��واك��ب وجن���وم وجم����رات قد‬
‫حساب العقل‪ ..‬عدا عن السباق يف التصنيع‬ ‫التكون موجودة حقيقة‪ ،‬ولكنها عوامل متخيلة‬ ‫‪20‬‬
‫دون ضوابط وبناء املفاعالت النووية وتكديس‬ ‫ممكنة الوجود‪..‬‬
‫األسلحة عند الدول العظمى وانتشار املشاريع‬ ‫عندما أتكلم عن عامل قد نعيشه بعد عشر‬
‫ال�تي جتعل اإلن��س��ان يلغي أخ��اه‪ ،‬أي مشروع‬ ‫سنوات ‪ ،‬ميكن رسم هذا العامل بتقريب كبري‪،‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫وحتى فرق الرياضة العاملية‪ ،‬لدرجة أهنا نست‬ ‫إلغاء اآلخر وهو مشروع أنبتته القوة العظمى‬
‫التاريخ والكتاب واغرتبت عن الثقافة لتصبح‬ ‫يف بيئات التطرف لتسيء إىل اإلسالم مثالً‪،‬‬
‫أجياالً رقمية‪..‬‬ ‫الذي هو املثال النموذجي الستيعاب اآلخر‪..‬‬
‫ومصطلح األج��ي��ال الرقمية‪ ،‬أو ( أجيال‬ ‫أن���ا ش��خ��ص��ي�اً خ��ائ��ف ع��ل��ى اإلن���س���ان من‬
‫الدجييتال) هو مصطلح أوردته يف رواية (نفق‬ ‫املستقبل‪ ،‬وكتبت رواية باسم (األزمان املظلمة)‬
‫األزم���ان املقبلة) حتدثت فيه ع��ن التاثريات‬ ‫تتحدث عن تصور لقرن (هو القرن احلادي‬
‫اليت تؤثر على األجيال اجلديدة من ( ثقافة‬ ‫وال��ع��ش��ري��ن) بعد احل���ادي عشر م��ن الشهر‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫مسطحة استهالكية) وحمطات فضائية تقدم‬ ‫التاسع‪ ،‬وهي مليئة باألحداث اليت هلا عالقة‬
‫أغان ومشاهد رخيصة مبتذلة ورسائل تبثها‬ ‫بامتهان اإلن��س��ان العربي‪ ،‬وح��ص��اره وسلبه‬
‫بكلمات شديدة الدونية‪ ،‬تتكاثر هذه احملطات‬ ‫مقومات اإلبداع‪ ..‬يف حوادث تبدأ باملنظمات‬
‫حتى زاد ع��دده��ا ع��ن (‪ )287‬حمطة فيديو‬ ‫املاسونية (البنائني األحرار) ثم زمن القوارض‪،‬‬
‫كليب عدا عن مواقع الكرتونية مربجمة لتهديم‬ ‫احل��ك��ام ال��ذي��ن وضعتهم ال��ق��وة العظمى من‬
‫أخالقيات اإلنسان يف عاملنا العربي‪ ،‬عدا عن‬ ‫قرضاي (حامد ك��رزاي) إىل مابعده وماقبله‬
‫أن احلاسوب أصبح أداة لأللعاب االلكرتونية‪،‬‬ ‫من القوارض‪ ..‬ثم األوبئة املربجمة يف خمابر‬
‫وغطى كل ذلك على الكتاب والقراءة والثقافة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الشيطان وغوانتانامو وأشكال التنكيل بعينات‬
‫ووص����ل إىل امل��ن��اه��ج ال�ت�ي ت��غ�يرت لتضرب‬ ‫بشرية أصبحت مثل فئران التجارب‪ ،‬حيث‬
‫الذاكرة العربية احلافلة باإلجنازات العلمية‬ ‫جت��رى كل التجارب املرعبة عليها‪ ،‬من زرع‬
‫واحلضارات املتعاقبة وكانت آخرها (احلضارة‬ ‫خاليا واستنساخها‪ ،‬وجتربة أدوية وعقارات‬
‫العربية اإلسالمية) هذه األجيال غري القارئة‬ ‫وأسلحة جرثومية آية يف الرعب‪..‬‬
‫املرتبطة باآللة‪ ،‬ستصبح جزءاً من هذه اآللة‬ ‫ورغم ذلك أحلم بعوامل خارج هذه اخلياالت‬
‫فيما بعد‪ ،‬وتتخلى عن الكتاب واخليال واملدّ‬ ‫امل��رع��ب��ة‪ ،‬ففي (أس���رار م��ن مدينة احلكمة)‬
‫امل��ع��ريف امل��خ��زون‪ ،‬كما خيطط هل��ا‪ ،‬لتنفصل‬ ‫ختيلت وجود مدينة علمية عربية حتت أرض‬
‫عن مشاعرها وأخالقيات آبائها وأجدادها‪..‬‬ ‫ال��ص��ح��راء ال��ع��رب��ي��ة‪ ،‬جتمع فيها علماء من‬
‫ف��ع��ن��دم��ا ي��ن��ع��دم اخل���ي���ال‪ ،‬خت���ف املشاعر‬ ‫كافة أصقاع العرب‪ ،‬ليعيدوا ألمتهم عصرها‬
‫واألح��اس��ي��س حتى تتضاءل لتنعدم أيضاً‪..‬‬ ‫اإلبداعي‪ ،‬متحدّين كل طغاة الشر وجالديه‬
‫وه���ذا ه��و البنيان احلقيقي ل��رواي��ة (أنفاق‬ ‫بقوة العلم وطاقته اهلائلة‪..‬‬
‫األزمنة املقبلة)‪..‬‬ ‫وكررت ذلك احللم يف (فضاء واسع كاحللم)‬
‫املصطلح العلمي استوعبته لغتنا‪ ،‬والكتابة‬ ‫حيث اجل��زي��رة العربية ال�تي مجعت علماء‬
‫العلمية أصبحت منتشرة‪ ،‬مهما كانت اللغة‬ ‫العرب يف جتربة إبداعية متفوقة خارج إطار‬
‫املنقول منها الكتاب العلمي‪ ،‬دقيقة‪ ،‬وصعبة‪..‬‬ ‫حصارات الرعب واجلوع‪..‬‬
‫اخليال العلمي هو ميدان جديد يف األدب‬ ‫حتى يف (م��زون) وهي رواي��ة عن اجلزيرة‬
‫وهو شديد األمهية‪ ،‬وقد أصبح كتاب اخليال‬ ‫العربية‪ ،‬حكيت فيها عن تلك العجوز اخلارقة‬
‫العلمي جزءاً من اخلربات اليت تساهم يف رسم‬ ‫(أم العرب) اليت تنتسب لكل القبائل العربية‪،‬‬
‫‪21‬‬ ‫اسرتاتيجات الدول‪ ..‬ونتمنى أن يصبح اخليال‬ ‫تستقدم حفيدها الشامي‪ ،‬ليحمل رسالة جده‬
‫العلمي العربي ظاهرة إبداعية تؤخذ بشكل‬ ‫املنحدر م��ن ح��امت الطائي‪ ،‬يف سبيل تنبيه‬
‫جادّ من قبل النقاد واحملافل األدبية والعلمية‪..‬‬ ‫األجيال اجلديدة إىل ماينتظرها هذه األجيال‬
‫ألهنا تستحق ذلك‪...‬‬ ‫املضيّعة بالكليبات واملواقع االلكرتونية واأللعاب‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫الأح��د يتجاهل أن الطفولة مرحلة مهمة‬
‫ل��ذاهت��ا‪ ،‬ومهمة وض��روري��ة مل��ا ب��ع��ده��ا‪ ،‬فهي‬
‫مرحلة مهمّة لذاهتا‪ ،‬ألهنا مرحلة متميّزة يف‬
‫حياة الكائن البشري (الفرد) وحجر األساس‬
‫يف بناء شخصية سليمة ومتوازنة‪ .‬وهي مرحلة‬
‫مهمّة وضرورية ملا بعدها‪ ،‬ألنّ األساس املتني‬
‫يؤدي إىل بناء متني‪ .‬ومبا أنّ العملية الرتبوية‪،‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫مبجملها‪ ،‬ه��ي عملية ب��ن��اء اإلن���س���ان‪ ،‬فإنّ‬
‫اخلربات العلمية واملعرفية اليت يتل ّقاها الطفل‪،‬‬
‫واخل�برات واملهارات السلوكية اليت يكتسبها‪،‬‬
‫تعدّ من املكوّنات األساسية هلذا البناء‪ ،‬حيث‬
‫يكون الطفل أكثر استعداداً للتقبّل والتعلّم‬
‫واالكتساب‪.‬‬
‫فالطفل يرى ويف ّكر ويفهم ويتذوّق بطرائقه‬
‫اخل���اص���ة‪ ،‬وم���ن خ�ل�ال امل���ث�ي�رات (احلسية‬
‫واجملرّدة) اليت يتعرّض هلا‪ ،‬وحياول من خالهلا‬
‫اكتشاف العامل من حوله ب��األدوات والوسائل‬
‫اليت تتوافر له‪ ،‬وتكون يف مستوى استعداده‬
‫النفسي ونضجه العقلي‪.‬‬
‫ّ‬
‫وضمن هذه الوسائل الرتبوية‪ ،‬احتل أدب‬
‫األط���ف���ال‪ ،‬ب��وص��ف��ه احمل���ور األس��اس��ي الذي‬
‫تتمركز حوله ثقافة األطفال‪ ،‬مكانة بارزة بني‬
‫الروافد الرتبوية احلديثة‪ ،‬نظراً للدور الفاعل‬
‫الذي يؤديه يف تكوين جوانب شخصية الطفل‪،‬‬
‫حاضراً ومستقبالً‪ ،‬وذلك من خالل املوضوعات‬
‫اليت يعاجلها ويقدّمها لألطفال بوسائط تتّسم‬
‫باجلاذبية واحليوية‪ ،‬وتثري عواطفه وحترّك‬
‫خياالته‪ ،‬وتطلق قدراته الفكرية الكامنة‪ ،‬يف‬
‫االجتاه الصحيح‪.‬‬
‫وهنا تتجلّى أمهية أدب اخل��ي��ال العلمي‬
‫لألطفال يف اجتاهني متوازيني ومتكاملني‪ ،‬فهو‬
‫يسهم يف التكوين النفسي والعقلي والعاطفي‪،‬‬
‫من جهة‪ ،‬وه��و أسلوب فعّال لتأصيل القيم‬
‫االجتماعية واإلنسانية من جهة أخرى‪ .‬وذلك‬ ‫‪22‬‬
‫ألن األدب بوجه عام‪ ،‬يساعد الطفل يف تكوين‬
‫الفهم األفضل‪ ،‬عن ذاته وعن اآلخرين‪ ،‬وعن‬
‫الكون والعامل من حوله‪.‬‬ ‫د‪.‬عيسى ّ‬
‫مشاس‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫واس��ت��ن��اداً إىل ه��ذه ال��رؤي��ة‪ ،‬ف���إنّ األبعاد‬
‫الرتبوية للخيال يف أدب األط��ف��ال‪ ،‬تكمن يف‬
‫اجلوانب اآلتية ‪:‬‬

‫ال‪ - :‬اخليال والطفولة‬ ‫أو ً‬


‫اخليال والتخيّل من الصفات األساسية اليت‬
‫تتسم هبا الطفولة النشطة‪ ،‬والسيما يف املراحل‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫األوىل‪،‬يسبغ الطفل ذاته وخياالته على كثري من‬


‫األمور واألشياء‪ ،‬الواقعية وغري الواقعية‪ ،‬أي أن‬
‫لديه قدرة (قوة ) معرفية ‪ /‬تركيبية‪ ،‬على دمج‬
‫اخليايل بالواقعي‪ ،‬حيقق له التكيف والفاعلية‪.‬‬
‫وهنا ت�برز العالقة بني اخليال العلمي وأدب‬
‫األطفال‪.‬‬
‫فإذا كان أدب األطفال هو‪ :‬كل مايقدم إىل‬
‫األطفال من مواد ‪ /‬نصوص‪ ،‬مكتوبة أو مقروءة‬
‫أو مصورة ‪ /‬مرئية‪ ،‬س��واء كانت قصصاً أو‬
‫شعراً أو متثيليات‪ ،‬أو معارف علمية‪ ،‬أ ّلفت‬
‫ووضعت خصيصاً لألطفال‪ ،‬مبا يتناسب مع‬
‫ميزاهتم (النفسية والعقلية) ‪ ،‬يف مرحلة من‬
‫امل��راح��ل‪ ،‬ف��إنّ أدب اخليال العلمي ه��و‪ :‬ذلك‬
‫النوع من األدب الذي يعاجل موضوعات علمية‬
‫منظمة ومنضبطة‪ ،‬تكشف عن‬ ‫بطريقة ختييلية ّ‬
‫استجابات اإلنسان وتفاعالته مع ماحييط به‬
‫من مظاهر التطور العلمي والتكنولوجي‪ ،‬يف‬
‫حاضره أو مستقبله القريب أو البعيد‪ ،‬بقصد‬
‫إجي���اد صيغة م��ن التكيّف اإلجي��اب��ي م��ع كل‬
‫التوقعات واملستجدات‪.‬‬
‫ول��ذل��ك ميكن ألدب األط��ف��ال ال��ذي يأخذ‬
‫باخليال العلمي مطيّة إلي��ص��ال رسالته إىل‬
‫الطفل املتل ّقي‪ ،‬أن ي��ؤدّي دوراً كبرياً يف ضبط‬
‫ه��ذه القوة اخليالية‪ ،‬وتنظيمها‪ ،‬حيث ينقل‬
‫الطفل من عامل اخليال اجلامح ‪ /‬الالمتناهي‪،‬‬
‫ّ‬
‫املنظم املبدع‪ ،‬أي أ ّن��ه يسهم‬ ‫إىل عامل اخليال‬
‫‪23‬‬ ‫يف عقلنة خيال الطفل وترقيته‪ ،‬م��ن خالل‬
‫تقديم املفاهيم واحلقائق العلمية‪ ،‬أو الظواهر‬
‫الطبيعية واملواقف املرتبطة هبا‪ ،‬مبوضوعية‬
‫وشفافية‪ ،‬جتذب الطفل‪ ،‬وتقنعه مبا تتضمن‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫األدب‪ ،‬والسيما يف قصص اجل�نّ والعمالقة‪،‬‬ ‫بعيداً عن أية تأثريات سلبية‪.‬‬
‫وتقديم بعض الظاهرات الطبيعية واملكتشفات‪،‬‬ ‫وب��ذل��ك يستطيع اخل��ي��ال العلمي يف أدب‬
‫والتفسريات العلمية املرتبطة هبا؟‬ ‫األطفال أن حي ّقق العناصر الرتبوية التالية‪:‬‬
‫اجل����واب ب�لا ش���ك‪ ،‬ه��و ال��ت��أك��ي��د ع��ل��ى أن‬ ‫ضبط خيال الطفل وماينتج عنه من مشاعر‬
‫اخليال العلمي يف أدب األطفال أمر ضروري‪،‬‬ ‫وانفعاالت‪ ،‬حيث يعمل على تنظيمها وتعزيز‬
‫بل وحيوي لتحريك فاعلية الطفل النفسية‬ ‫اجلوانب اإلجيابية فيها‪ ،‬مبا يسهم يف التكيّف‬
‫الذاتي للطفل‪ ،‬وهتذيب تفكريه وسلوكه‪.‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫بعض الكتاب يؤمنون‬ ‫إبعاد الطفل‪ ،‬ماأمكن‪ ،‬عن األجواء املأساوية‬
‫واملواقف املخيفة‪ ،‬واملشاهد املرعبة‪ ،‬وإضفاء‬
‫مببد ًا (النقيض)‪ ،‬أي‬ ‫أج�����واء احل��ي��وي��ة وامل�����رح ع��ل��ى الشخصيات‬
‫واألح��داث‪ ،‬من خالل توفري عناصر التشويق‬
‫ط���رح بع���ض املواقف‬ ‫واالستمتاع واملتابعة النشطة‪.‬‬
‫تلبية حاجات الطفل إىل البحث واملعرفة‬
‫أو الظواه���ر م���ن‬ ‫واالك��ت��ش��اف‪ ،‬وم��ي��ل��ه إىل امل��غ��ام��رة املعقولة‪،‬‬

‫خ�ل�ال األح���داث أو‬ ‫وال��ف��ض��ول ملعرفة ك��ل ماجيهله‪ ،‬وم��ن خالل‬


‫اإلجابة على كثري من التساؤالت اليت تشغله عن‬
‫الشخصيـات السلبية‪،‬‬ ‫العامل الذي حييط به‪.‬‬
‫توسيع آفاق الطفل العلمية ‪ /‬املعرفية‪ ،‬من‬
‫العتقادهم بأنّ الطفل‬ ‫خالل إعطائه املعلومات الصحيحة‪ ،‬والتفسريات‬
‫العلمية املنطقية ملا حيدث وماميكن أن حيدث‬
‫يدرك ذلك‪ ،‬وبالتايل‬ ‫م��ن ظ��واه��ر علمية‪ ،‬ب��ع��ي��داً ع��ن التفسريات‬
‫اخلرافية‪.‬‬
‫يبتع���د عن���ه ويأخذ‬ ‫وه��ذا يعين أن يتّصف أسلوب التخييل يف‬
‫أدب األطفال العلمي‪ ،‬باحلكمة وال��ت��وازن من‬
‫باجلوان���ب اإلجيابية‬ ‫الناحيتني العاطفية والعقلية‪ ،‬فيكون العمل‬
‫األدب��ي الطفلي مثرياً خليال الطفل من جهة‪،‬‬
‫وال��ع��ق��ل��ي��ة‪ ،‬ش��ري��ط��ة االب��ت��ع��اد ع��ن اخلياالت‬ ‫وقادراً على التأثري اإلجيابي به وإقناعه من جهة‬
‫اجلاحمة‪ ،‬وعدم اخللط املضطرب بني احلقيقة‬ ‫أخ��رى‪ ...‬وهنا تظهر براعة الكاتب ومقدرته‬
‫واخليال‪ ،‬الذي يؤدي إىل التشويش أو التشويه‬ ‫اإلبداعية يف تقديم أدب اخليال العلمي اجليد‬
‫يف ذه��ن الطفل‪ ،‬وع��دم ق��درت��ه على التمييز‬ ‫لألطفال الذين يتوجّه إليهم‪.‬‬
‫بني احلقيقة واخليال‪ ،‬فيضيع بالتايل اهلدف‬
‫العلمي‪ /‬الرتبوي من املوضوع املطروح‪ .‬ورمبا‬ ‫ث��ان��ي�� ًا ‪ -‬ت��وظ��ي��ف اخل��ي��ال يف أدب‬
‫يكتسب معارف أو خ�برات يكون هلا تأثريات‬ ‫األطفال‬
‫سلبية على سلوكاته اخلاصة والعامة‪.‬‬ ‫إذا كان اخليال عنصراً أساسياً من العناصر‬ ‫‪24‬‬
‫فمن املعروف تربوياً أن الطفل مقلّد بارع‬ ‫احليوية والتشويقية يف أدب األط��ف��ال‪ ،‬فإنّ‬
‫والقط ممتاز‪ ،‬والسيما مايثري اهتمامه‪ ،‬ويلبّي‬ ‫ال��س��ؤال ال���ذي مي��ك��ن أن ي��ط��رح ه���و‪ :‬إىل أي‬
‫حاجاته لالطالع واالكتشاف‪ ،‬فهو يقرأ أحياناً‬ ‫مدى ميكن استخدام اخليال العلمي يف هذا‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫واآلث��ار النامجة عنها‪ ،‬ودور اإلنسان اإلجيابي‬ ‫تلك القصص املصورة‪ ،‬يف الكتب أو يف اجملالت‪،‬‬
‫يف ذلك‪.‬‬ ‫وتتحدث عن العوامل البعيدة‪ ،‬وتأخذه يف رحالت‬
‫ربط القضايا العلمية املطروحة بشكل نظري‪،‬‬ ‫خيالية يكتشف من خالهلا ماهو جمهول‪ ،‬يسمع‬
‫بإمكانية حتقيقها يف الواقع‪ ،‬أي تقديم العلم‬ ‫عنه أم حيلم به‪ ،‬أو تأخذه إليه خياالته‪ .‬كما‬
‫ضمن إط��ار تطبيقي من املواقف والسلوكات‬ ‫يف (بساط الريح‪ ،‬واألطباق الطائرة‪ ،‬وكائنات‬
‫اإلجيابية‪ ،‬واالبتعاد عن املواقف السلبية‪.‬‬ ‫العامل اآلخر‪ ،‬واكتشاف الفضاء‪ ...‬وغريها)‬
‫والبد من اإلشارة هنا‪ ،‬إىل أن بعض الكتاب‬ ‫وهنا ميكن للخيال العلمي يف أدب األطفال‬
‫يؤمنون مب��ب��داً ((ال��ن��ق��ي��ض))‪ ،‬أي ط��رح بعض‬ ‫أن حي ّقق جمموعة من الوظائف الرتبوية‪ ،‬ميكن‬
‫امل��واق��ف أو ال��ظ��واه��ر م��ن خ�لال األح���داث أو‬ ‫إمجاهلا مبا يأتي‪:‬‬
‫الشخصيات السلبية‪ ،‬العتقادهم بأنّ الطفل‬ ‫تنمية الثقافة العلمية ل��دى األط��ف��ال‪ ،‬من‬
‫يدرك ذلك‪ ،‬وبالتايل يبتعد عنه ويأخذ باجلوانب‬ ‫خ�لال تقديم املوضوعات بأسلوب قصصي‪،‬‬
‫‪25‬‬ ‫اإلجيابية‪ ،‬ولكن املسألة ليست هبذه البساطة‪،‬‬ ‫شيق ّ‬
‫وجذاب‪ ،‬ومقنع‪.‬‬
‫فكثريون هم األطفال الذين يكتسبون السلوكات‬ ‫التأكيد على العالقات املرتابطة بني الكائنات‬
‫السلبية‪ ،‬ويقلّدوهنا‪ ،‬وتسبّب هلم األذى النفسي‬ ‫احل��ي��ة‪ ،‬والس��ي��م��ا البشرية منها‪ ،‬والظواهر‬
‫أو اجلسدي‪.‬‬ ‫الكونية‪ ،‬واملكتشفات وامل��خ�ترع��ات العلمية‪،‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫ف��ق��ص��ة (س���وب���رم���ان) ع��ل��ى س��ب��ي��ل املثال‪ ،‬املوضوعية‪ ،‬هو خيال مقبول يف أدب األطفال‪،‬‬
‫منتشرة وش��ائ��ع��ة‪ ،‬م��ن خ�لال ق��راءهت��ا أو من بل مطلوب أيضاً‪ ،‬إذا ما أحسن توظيفه مبا‬
‫خالل مشاهدهتا يف أفالم التلفزيون والسينما يتناسب مع قدرات الطفل من جهة‪ ،‬واملوضوع‬
‫سوبرمان هذا الذي أرسله وال��ده‪ ،‬وهو طفل‪،‬‬

‫إذا كان الطفل أحيان ًا‪،‬‬


‫يف صندوق من كوكب (كريبتون) قبل أن ينفجر‬
‫هذا الكوكب‪ ،‬امتاز بقوته اليت راحت تنمو إىل‬
‫أن وصلت إىل متكينه من إيقاف الزمن وانفجار‬
‫اليدرك احلدّ الفاصل‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫الرباكني‪ ،‬ومقاومة اإلشعاعات الفتّاكة‪ .‬وهذه‬
‫بني اخليال واحلقيقة‪،‬‬ ‫كلها أعمال مقبولة إىل حدّ ما من شخصية‬
‫خرافية‪ ،‬لكنّ األطفال أحبوها إىل درجة اإلقتداء‬
‫ف���إنّ قص���ص اخليال‬ ‫بأفعاهلا‪ ،‬ما جعل بعض األطفال يلقون أنفسهم‬
‫من األسطح واألماكن العالية‪ ،‬مستخدمني يف‬
‫واملغامرات هي أمجل‬ ‫ذلك خياالهتم اجملنحة‪ ،‬فتسبّب ذلك يف إيذائهم‬
‫إىل حدّ مفارقة احلياة‪.‬‬
‫ماجي���ذب األطف���ال‪،‬‬ ‫واألم��ر ذات��ه ينطبق على الرجل احلديدي‪،‬‬
‫وص��ان��ع امل��ع��ج��زات‪ ،‬ال���ذي ي��ع��زز السلوكات‬
‫وجيعلهم أكث���ر إثارة‬ ‫الفردانية بغية الوصول إىل هدفه اخلاص ولو‬
‫وإعجاب��� ًا مبا يقرؤون‬ ‫على حساب حياة اآلخرين‪.‬‬
‫واس��ت��ن��اداً إىل م��ات��ق��دم‪ ،‬ميكن ال��ق��ول‪ :‬إنّ‬
‫اخليال العلمي الذي يستند إىل العلم وحقائقه‬

‫امل��خ�يّ��ل م��ن ج��ه��ة أخ����رى‪ .‬أمّ���ا اخل��ي��ال الذي‬


‫يستند إىل األوه��ام اخلاطئة والتصوّرات غري‬
‫املعقلنة‪ ،‬فهو يسيء إىل خيال الطفل وتفكريه‬
‫العلمي‪ /‬املنطقي‪ ،‬ألنه خيرج عن نطاق العلمية‬
‫واملوضوعية املقنعة‪.‬‬

‫ثالثا ‪ -‬لزومية اخليال العلمي يف أدب‬


‫األطفال‬
‫إذا ك���ان اخل��ي��ال والتخييل م��ن الصفات‬
‫األس��اس��ي��ة للطفولة‪ ،‬وإذا ك���ان اخل��ي��ال من‬
‫اخلصائص ال��ض��روري��ة ألدب األط��ف��ال‪ ،‬فإنّ‬
‫اخل��ي��ال ع��ن��ص��ر الزم ألدب األط���ف���ال الذي‬
‫ميتلئ بالشاعرية واخليال النشط‪ ،‬أي ميزج‬ ‫‪26‬‬
‫بني الشاعري والدرامي‪ ،‬فيثري مشاعر الطفل‬
‫وخياالته ويوجّهها إىل حيث يريد‪.‬‬
‫وه���ذا م��ا دع��ا ع���دداً ك��ب�يراً م��ن املختصني‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫شخصيات أبطاله يصعدون إىل القمر ويهبطون‬ ‫واملهتمّني بأدب األطفال‪ ،‬منذ عام ‪ ،1971‬إىل‬
‫إىل باطن األرض وأع��م��اق حب��اره��ا بواسطة‬ ‫عقد مؤمتر عاملي يف مدينة (نيس) الفرنسية‪،‬‬
‫غواصات خاصة‪ ،‬ووسائل للنقل ميكن توظيفها‬ ‫للبحث يف قضية ((خيال األطفال ومستقبل‬
‫وال�����ب�����ح�����ر‬ ‫ل��ل��س�ير يف الرب‬ ‫العامل))‪ .‬وكان املنطلق األساسي للمؤمتر هو‬
‫والفضاء‪.‬‬ ‫الشعور السائد بأنّ خيال األطفال قد انتابه‬
‫وك����ذل����ك‬ ‫الوهن وامل���رض‪ ،‬بفعل التأثريات اإلعالمية‪/‬‬
‫ال�����ك�����ات�����ب‬ ‫الرتبوية (املقولبة) ال�تي يتعرّضون هل��ا‪ ،‬واليت‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫ا إل نكليز ي‬ ‫تسيطر على خياالهتم وحتدّ من فاعليتها يف‬


‫‪ /‬هربرت‬ ‫كثري من األحيان‪.‬‬
‫ويلز‪ /‬الذي‬ ‫وإذا ك���ان ال��ط��ف��ل أح��ي��ان �اً‪ ،‬الي����درك احلدّ‬
‫أس��ه��م بدور‬ ‫الفاصل بني اخليال واحلقيقة‪ ،‬ف��إنّ قصص‬
‫كبري يف كتابة‬ ‫اخليال واملغامرات هي أمجل ماجيذب األطفال‪،‬‬
‫اخليال‬ ‫وجيعلهم أكثر إثارة وإعجاباً مبا يقرؤون‪ ،‬وبالتايل‬
‫أكثر تفاعالً مع األح��داث والشخصيات اليت‬
‫يُؤخذون هبا ويندجمون معها‪ .‬فقصة (رجل‬
‫ال��ف��ض��اء) على سبيل امل��ث��ال‪ ،‬ترمجت‬
‫إىل مسلسالت تلفازية لألطفال‪،‬‬
‫وانتشرت على نطاق واسع بني‬
‫األطفال يف العامل‪ ،‬ألهنا تأخذ‬
‫الطفل إىل التحليق يف عوامل‬
‫ب��ع��ي��دة وال��ت��ج��وال يف آفاق‬
‫رحبة‪ ،‬ولكن بطريقة معقلنة‬
‫ومقنعة‪ ،‬يغلّفها بريق غامض‬
‫يستطيع الطفل أن يكتشفه‬
‫وينفذ منها إىل عامل القصة‪،‬‬
‫اليت وضعت على شكل مغامرة‬
‫يقبلها الطفل ويتفاعل معها‬
‫بإجيابية‪.‬‬
‫ومث��ة قصص أخ��رى من‬
‫اخليال العلمي لألطفال‪،‬‬
‫كتبها روّاد ه���ذا األدب‬
‫من أمثال ‪ :‬ج��ول ف�يرن ‪/‬‬
‫الفرنسي‪ ،‬الذي كتب الكثري‬
‫‪27‬‬ ‫يف أدب اخل��ي��ال العلمي‪،‬‬
‫وم��ن��ه��ا (ح�����ول ال���ع���امل يف‬
‫مثانني يوماً) و (من األرض‬
‫إىل ال���ق���م���ر)‪ ،‬وه����و جيعل‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫قصص أل��ف ليلة وليلة وم��ا حتمله م��ن السري‬ ‫العلمي‪ ،‬ومن أبرز أعماله‪( :‬أمري املريخ) و (آلة‬
‫واألساطري اخليالية‪ ،‬اليت ميكن االستفادة منها‬ ‫الزمن)‪ .‬وجعل اإلنسان يصعد إىل القمر‪ ،‬ويقوم‬
‫يف أدب األطفال‪.‬‬ ‫بالتجوال على ترابه‪ ،‬وخيوض معركة مريرة ضد‬
‫فاألطفال هم رجال الغد‪ ،‬وهم أمل البشرية‬ ‫أولئك الغزاة الذين حاولوا االستيالء على كوكب‬
‫يف حياة أفضل‪ ،‬ولذلك فإنّ االستمرار احلقيقي‬ ‫امل��ري��خ‪ ..‬فكان ذل��ك بداية عهد جديد يف علم‬
‫للحضارة البشرية وتطويرها‪ ،‬يعتمد على بناء‬ ‫ّ‬
‫وحمطات‬ ‫الفضاء‪ ،‬وماتاله من أقمار صناعية‬
‫ه���ؤالء األط���ف���ال‪ ،‬مب��ا مي�لأ ق��ل��وهب��م م��ن القيم‬ ‫فضائية‪ ،‬ت��ؤ ّك��د ق���درة اإلن��س��ان على اكتشاف‬
‫االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬ومبا يغ ّذي عقوهلم من‬ ‫ال��ك��واك��ب وال��ن��ج��وم‪ ،‬والتعامل معها مب��ا خيدم‬
‫الثقافة العلمية املوضوعية‪ ،‬اليت كانت ومازالت‪،‬‬ ‫اجلنس البشري‪.‬‬
‫تسهم ب���دور كبري يف إث���ارة اخل��ي��ال اإلنساني‬ ‫ً‬
‫والب��دّ أن نذكر أن مثة قصصا من اخليال‬ ‫‪28‬‬
‫وتدفعه إىل التفكري واالبتكار واإلب���داع‪ ،‬واليت‬ ‫العلمي يف تراثنا األدبي‪ /‬العربي‪ ،‬وإن كانت تبدو‬
‫لوالها ملا استطاع اإلنسان أن يتخلّص من خوفه‬ ‫أهنا موجهة إىل الكبار‪ ،‬كرسالة الغفران للمعرّي‪،‬‬
‫من الطبيعة ومظاهرها‪ ،‬وينطلق إىل املكتشفات‬ ‫وجت��رب��ة ال��ط�يران ل��ع�بّ��اس ب��ن ف��رن��اس‪ ،‬وبعض‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫وكيفية التعامل معها طبيعياً وفلكياًَ‪ ،‬ومن ثمّ كيفية‬ ‫واملخرتعات اليت أوصلت البشرية إىل ماهي عليه‬
‫تقديم ذلك كله يف عمل أدبي (قصة أو حكاية أو‬ ‫من التقدم والتطوّر‪ .‬وهذا ماجيب أن يتّسم به‬
‫رواية) بأسلوب شيّق وشخصيات جذابة‪ ،‬خيرج‬ ‫أدب األطفال يف إطار وظائفه األساسية (النفسية‬
‫فيها عن العرض التعليمي ‪ /‬التقليدي‪.‬‬ ‫والعقلية واالجتماعية)‪.‬‬
‫ومن يريد أن يكتب عن عامل البحار‪ ،‬البدّ أن‬ ‫واخلالصة ‪ :‬إنّ توظيف اخليال العلمي يف‬
‫يعرف أعماقها وكمائنها ومكامنها‪ ،‬والكائنات‬ ‫أدب األطفال‪ ،‬توظيفاً تربوياً‪ ،‬حيتاج إىل تقنيات‬
‫ال�تي تعيش فيها وكيفية التعامل معها‪ .‬وهذا‬ ‫فنية عالية (أدبية وعلمية معاً) ‪ .‬وهبذا املعنى فإنّ‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫يتطلّب مراعاة أسس الكتابة العلمية ومعطياهتا‬ ‫على كاتب أدب األطفال أن يعرف طبيعة الطفل‬
‫وبأسلوب أدبي‪ ،‬يستطيع الكاتب معها أن يستند‬
‫إىل خلفية علمية متكنه م��ن إي��ص��ال العلم‬
‫الصحيح‪ ،‬م��ن خ�لال إع��ط��اء احلقائق العلمية‬ ‫إنّ توظيف اخليال‬
‫دون تشويه أو غموض‪ ،‬أو مبالغة تصل إىل حد‬
‫اخلرافة املرفوضة‪.‬‬ ‫ال��ع��ل��م��ي يف أدب‬
‫األطفال‪ ،‬توظيف ًا‬
‫وهذا اليتطلّب من كاتب أدب األطفال أن يكون‬
‫متخصّصاً علمياً‪ ،‬وإمنا أن يكون على درجة من‬

‫ت���رب���وي��� ًا‪ ،‬حيتاج‬


‫الثقافة العلمية اليت تؤهله هلكذا كتابة‪ ،‬حبيث‬
‫حيرتم خيال الطفل وتفكريه‪ ،‬ويبتعد عن اخلطأ‬
‫العلمي أو التناقض الذي ميكن أن يكتشفه الكثري‬
‫من األطفال‪ ،‬والسيما األذكياء منهم‪ ،‬أو الذين‬
‫على درجة معينة من الثقافة العلمية‪..‬‬
‫إىل تقنيات فنية‬
‫وأخ�ي�راً ‪ ،‬ف��إن خ�ير ماخنتم ب��ه ه��ذه الرؤية‬
‫املختصرة عن األمهية الرتبوية للخيال العلمي‬
‫ع��ال��ي��ة (أدب���ي���ة‬
‫يف أدب األط��ف��ال‪ ،‬ه��و ذل��ك ال��ق��ول ل��ـ ‪/‬اسحق‬
‫عظيموف‪ /‬ونقتبسه من إحدى مقاالت الدكتور‬
‫وع��ل��م��ي��ة م���ع��� ًا)‬
‫طالب عمران‪ ،‬رائد أدب اخليال العلمي لألطفال‬
‫يف سورية‪ ،‬حيث يقول ‪ /‬عظيموف‪ /‬مبيّناً أمهية‬
‫هذا األدب لألطفال‪ (( :‬إنّ من بني مائة قارئ‬
‫للخيال العلمي‪ ،‬مخسني على األق ّل يهتمون بالعلم‬
‫ويتابعونه‪ ،‬ومن بني هؤالء اخلمسني‪ ،‬جند مخسة‬
‫وعشرين طفالً يتابعون فيما بعد‪ ،‬ختصّصهم‬
‫العلمي‪ ،‬وعشرة من ه��ؤالء يتابعون التخصّص‬
‫العايل‪ .‬ومن بني هؤالء العشرة ينبع عامل واحد‬ ‫‪ /‬القارئ الذي يتوجّه إليه باملوضوعات اليت تثري‬
‫على األقل‪ .‬والنتيجة أنه من بني مائة طفل قارئ‬ ‫اهتمامه وتفاعله‪ ،‬وأن يكون على مستوى علمي‬
‫‪29‬‬ ‫للخيال العلمي‪ ،‬سيخرج عامل واحد على األقل‬ ‫كاف لإلملام باملوضوع العلمي الذي يعاجله يف‬
‫يسهم يف تطوّر البشرية‪...‬‬ ‫كتاباته‪ ،‬فمن يكتب عن القمر بطريقة علمية‪/‬‬
‫وهذه نسبة جيّدة تؤ ّكد دور اخليال العلمي يف‬ ‫أدبية‪ ،‬البدّ أن يعرف طبيعة هذا اجلرم السماوي‪،‬‬
‫أدب األطفال‪ ،‬يف تربية اإلنسان‪ ،‬العامل‪ /‬املبدع‪..‬‬ ‫وعالقته باألجرام األخ��رى (الكواكب والنجوم)‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫ال – ماهو اخليال‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫نستطيع أن نعرّف اخليال أو قدرة التخيّل‬
‫عند البشر ببساطة شديدة فنقول‪ :‬إن اخليال‬
‫ع��ن��د ال��ب��ش��ر ه��و جم��م��وع��ة ال����رؤى والصور‬
‫واألش��ك��ال ال�تي يرمسها اإلن��س��ان يف ذهنه أو‬
‫يف (عقله) ألشياء وأمور وأحداث غري موجودة‬
‫يف الواقع‪ ،‬ويهدف من ورائها إشباع رغباته يف‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫حتقيق مايريده يف الواقع واليستطيع حتقيقه‪،‬‬
‫أو هو تفسري ملا ي��راه من ظواهر اليعرف هلا‬
‫تفسرياً‪.‬‬
‫وق��درة التخيّل عند البشر وج��دت معهم‪،‬‬
‫وهي ق��درة خالّقة إبداعية‪ ،‬إذ هي تصوّر له‬
‫مايريد عرب صور وأشكال ورؤى غري معروفة‬
‫يف الواقع‪ ،‬وقد تكون عجيبة غريبة‪ ،‬وقد ينفيها‬
‫العقل املعريف الذي وصل إليه البشر أثناء ذلك‬
‫التخيّل‪ ،‬ولكنه ورغم ذلك قد يتحقق يوماً ما‪.‬‬
‫فاإلنسان ومنذ القدم ختيّل نفسه طائراً‬
‫يف الفضاء‪ ،‬أو غائصاً يف أعماق احمليطات‪،‬‬
‫أو غري ذلك من خياالت تتعلّق باحلياة املادية‬
‫للناس من حب التملك وكنز املال‪ ،‬أو الوصول‬
‫للحبيب‪ ،‬وهذا التخيّل أو هذه األحالم – وهي‬
‫غري األحالم اليت يراها املرء أثناء النوم – كانت‬
‫سبباً رئيساً من أسباب جناح اإلنسان وتقدّمه‬
‫واخرتاعاته الكثرية املتتالية‪ ،‬ومااخرتاع الكتابة‬
‫إال شكل من أشكال التخيّل البشري الذي حوّل‬
‫األقوال واألعداد إىل رسوم وصور تطوّرت فيما‬
‫بعد إىل األجبدية املعروفة‪ ،‬ومااخلياالت اليت‬
‫رمسها البشر يف أذهاهنم للطريان والتن ّقل عرب‬
‫الفضاء‪ ،‬إال خطوة أوىل على طريق الطريان‬
‫الذي حتقق عرب وسائل وآالت اخرتعها البشر‬
‫فيما بعد‪ ،‬مثلها مثل املخرتعات األخ��رى اليت‬
‫حققها البشر واليزالون‪.‬‬

‫ثاني ًا – ماهو اخليال العلمي‪:‬‬ ‫‪30‬‬


‫واخليال العلمي‪ ،‬وهو مصطلح حديث لصور‬
‫شتى‪ ،‬رمسها البشر يف أذهاهنم ألمور وأحداث‬
‫وأشياء متخيّلة وجديدة‪ ،‬ولكنها ختتلف عن‬ ‫عبدو حممــد‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫كبرياً‪ ،‬وله عضالت مفتولة قوية يستطيع أن يرفع‬ ‫اجلوانب األخرى من اخليال عند البشر‪ ،‬بوجود‬
‫هبا سيارة كبرية بيد واحدة‪ ،‬ويستطيع أن جيابه‬ ‫أرضية أو أساس أو فكرة علميّة جمردة‪ ،‬علماً أن‬
‫جيشاً من الرجال العاديني‪ ،‬بينما يتخيّل الثاني‬ ‫الفواصل بني جوانب اخليال رقيقة واهية‪.‬‬
‫‪31‬‬ ‫رجالً ذا ق��درات جسمية عادية ميتلكها الكثري‬ ‫ولتبسيط الفكرة وتوضيحها نضرب املثل‬
‫من البشر‪ ،‬ولكنه خي�ترع آالت وأدوات حيمي‬ ‫التايل‪ ،‬وال��ذي يقول بوجود إنسانني يتخيّالن‬
‫هبا نفسه من أع��دائ��ه‪ ،‬ويستطيع بتلك اآلالت‬ ‫رجالً قوياً قوة كبرية جداً‪ ،‬فيتخيّل أوهلما رجالً‬
‫هزم اجليوش واخرتاق البحار واجلبال‪ ،‬فاألول‬ ‫طويالً عريضاً قد يرتفع يف الفضاء ارتفاعاً‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫أرى أنه ليس للخيال البشري من حدود‪ ،‬بل‬ ‫من الرجلني ختيّل رسوماً استمدّها من الواقع‬
‫وجيب حث البشر على التخيّل غري احملدود‪،‬‬ ‫املعاش املعروف‪ ،‬وبالتايل خياله كان قاصراً أو‬
‫وه��م أي البشر وج��دوا ووج��د اخليال معهم‪،‬‬ ‫عادياً‪ ،‬بينما ابتدع الثاني يف خياله آالت وأدوات‬
‫فقد فسّروا كل مايرونه ومل جيدوا تفسرياً له‪،‬‬ ‫منحت صاحبه قوّته‪ ،‬وهذا التخيّل ومثيله‪ ،‬هو‬
‫تفاسري خيالية‪ ،‬فهم تصوروا أن األرض حممولة‬
‫فوق قوّة ما ( ظهر ثور أو سلحفاة أو فيل أوحتى‬
‫مانطلق عليه مصطلح اخليال العلمي‪.‬‬ ‫‪32‬‬
‫فوق أكتاف اإلله أكطلس) ‪ ،‬كما ختيّلوا آهلة لكل‬ ‫ثالث ًا – هل للخيال واخليال العلمي‬
‫منها عمله اخلاص به‪ ،‬كما أوجدوا يف خياالهتم‬ ‫خباصة حدود‪:‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫تفاحة من على شجرة عالية كانت يف حديقة‬ ‫ناساً يطريون راكبني مكانس أو جرار أو أحصنة‬
‫داره���م‪ ،‬وأن��ه استخدم سلّماً للوصول إليها‬ ‫طائرة‪ ،‬وم��اذا نستطيع القول عن تلك املرايا‬
‫وقطفها‪ ،‬وأنه سأل نفسه يومها سؤاالً يقول‪:‬‬ ‫اليت كانوا يرون هبا مايرغبون برؤيته من أماكن‬
‫إذا كنت استطعت الوصول إىل التفاحة العالية‬ ‫وأن��اس بعيدين عنهم‪ ،‬أما يف جوانب حيواهتم‬
‫بوسيلة‪ ،‬فما املانع أن أصل إىل القمر العايل‬ ‫اليومية‪ ،‬فقد امتلك الفقري األموال بعثوره على‬
‫بوسيلة أيضاً‪ ،‬فالفارق بني اهلدفني هو املسافة‬ ‫الكنوز املخبّأة املتخيّلة‪ ،‬كما وص��ل احلبيب‬
‫ف��ق��ط‪ .‬وه���ذا اخل��ي��ال اجل��ام��ح ق���اده ليصبح‬ ‫إىل حبيبه بصور وطرق الحصر هلا‪ ،‬وانتصر‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫مهندساً خيرتع الصواريخ يف أملانيا‪ ،‬ثم انتقل‬ ‫املظلوم أيضاً على ظامله انتصارات كبرية ختيّلها‬
‫لين ّفس عن كربه‪ ،‬ويتخلّص من هوانه‪.‬‬
‫الحــدود للخيـــــــــال‪،‬‬ ‫إهنا أخيلة وأحالم وصل هبا‪ ،‬أو عن طريقها‬
‫كل صاحب رغبة لتحقيق رغبته‪ ،‬وهبا حقق كل‬
‫واخليـــــال العلمــــــــي‬ ‫إنسان مايريد أو يطمح لتحقيقه يف الواقع‪،‬‬
‫فتحقيق م��ان��ري��د س��ه��ل ن��اع��م إذا ماسلكنا‬
‫خباصة‪ ،‬وما مسعناه‬ ‫درب اخليال‪ ،‬وهو درب سبله كثرية‪ ،‬وأسبابه‬
‫متيّسرة‪.‬‬
‫وم���اق���رأن���اه يف هذا‬ ‫وإذا ماخصصنا اخليال العلمي حبديثنا‪،‬‬
‫فنجد ساحته فسيحة الح���دود هل��ا الطوالً‬
‫اجمل����ال ي��ث��ب��ت ذل��ك‬ ‫والع��رض�اً‪ ،‬ولقد جاء البشر يف هذه الساحة‬
‫وصالوا كما شاؤوا ومنذ أقدم األزمنة‪ ،‬عرب تناول‬
‫جوانب حياة البشر ورغباهتم‪ ،‬فقد جتوّلوا يف‬
‫إىل أمريكا بعد احلرب الكونية الثانية‪ ،‬وهناك‬ ‫أرجاء الكون‪ ،‬وزاروا النجوم واألقمار‪ ،‬كما عادوا‬
‫أصبح رئيساً لفرقة علمية تبحث يف الطريان‬ ‫إىل أدراج املاضي فنبشوه مستحضرين املوتى‬
‫وآالته‪ ،‬وقادته األقدار ليوصل فريقاً من الرجال‬ ‫ومن مروا‪ ،‬وهاحنن نرى اليوناني ( ايكاريوس)‬
‫ليحطوا على سطح القمر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يلصق بالشمع جناحني م��ن ري��ش بذراعيه‪،‬‬
‫وه��ك��ذا ن��رى كما ي��رى غ�يرن��ا‪ ،‬أن��ه الحدود‬ ‫وي��ط�ير هبما يف الفضاء كما ال��ط��ي��ور‪ ،‬ولكنه‬
‫للخيال‪ ،‬واخليال العلمي خباصة‪ ،‬وما مسعناه‬ ‫يرتكب خطيئة قاتلة‪ ،‬إذ يقرتب من الشمس اليت‬
‫وماقرأناه يف هذا اجملال يثبت ذلك‪ ،‬وماحتقق‬ ‫تذيب الشمع فيهوي ساقطاً يف البحر‪ ،‬لتنتهي‬
‫من إجن��ازات علمية هائلة ماكان ليتحقق لوال‬ ‫مغامرته هناية حمزنة‪ ،‬يفسّر هبا اخليال عدم‬
‫أح�لام البشر وخ��ي��االهت��م‪ ،‬وه��ذا م��ا جي��ب أن‬ ‫وصول اإلنسان للطريان ذلك الوقت‪ ،‬وهاحنن‬
‫حنث عليه‪ ،‬فعلى العاملني يف جماالت العلوم‬ ‫ن��رى األن��دل��س��ي (ع��ب��اس ب��ن ف��رن��اس) جيرّب‬
‫ك��اف��ة إط�ل�اق ال��ع��ن��ان خل��ي��االهت��م‪ ،‬وإال فكيف‬ ‫ال��ط�يران جبناحني ألصقهما بذراعيه مقلّداً‬
‫سنحل مايعرتضنا وما سيعرتضنا من مشكالت‬ ‫الطيور أيضاً‪ ،‬ولكنه يسقط وميوت حني يلقي‬
‫وأحداث‪ ،‬وكيف سنطور ما حنن عليه‪ ،‬أو كيف‬ ‫بنفسه م��ن ع��ل ليطري‪ ،‬ويظل اإلن��س��ان حيلم‬
‫‪33‬‬ ‫سنخرتع أدوات وآالت أفضل مما هو عندنا؟‪ ،‬أو‬ ‫بالطريان حتى نصل إىل األملاني (فون براون)‬
‫كيف سنسكن بيوتاً أرفه وأمج��ل؟‪ ،‬وباختصار‬ ‫املهندس الذي صمم مشروع (أبوللو) األمريكي‪،‬‬
‫كيف سنعيش حياة أفضل وأيسر إن مل نرسم‬ ‫والذي وضع أول إنسان على سطح القمر‪ ،‬فما‬
‫صوراً ملا نريد يف خياالتنا أوالً‪.‬؟‬ ‫يرويه عن نفسه إنه حني كان صغرياً‪ ،‬أراد قطف‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫عباءة الواقع‪.‬‬ ‫إننا قد نتخيل صوراً وأشكاالً غريبة ملا نريد‬
‫أم��ا اخل��ي��ال العلمي فهو الي��رس��م الواقع‬ ‫أو ملا نراه يف خيالنا‪ ،‬ولكن ذلك الذي نراه غريباً‬
‫واليتحدث عنه‪ ،‬بل جيعله منطلقاً لينطلق منه‬ ‫اليوم‪ ،‬قد يتحقق يف يوم قادم‪.‬‬
‫إىل عوامل جمهولة متخيّلة‪ ،‬بل قد تكون مفرطة‬
‫يف ختيّلها‪ ،‬إىل عوامل مل يشاهدها بشر‪ ،‬ومل‬ ‫رابع ًا – أدب اخليال العلمي بوصفه‬
‫يعشها أحد‪ ،‬تراها خبيال الكاتب‪ ،‬أو تقدرها‬ ‫جنس ًا أدبي ًا‪:‬‬
‫وفق رؤيته‪ .‬واستناداً ملا سبق‪ ،‬نستطيع القول‪:‬‬ ‫األدب وبتعريف مبسّط وب��ع��ي��داً ع��ن أي‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫إن أدب اخليال العلمي هو جنس أدبي خاص‪،‬‬ ‫تعقيد‪ ،‬هو جمموعة التصورات واملشاهدات‬
‫يتميز أو خيتلف عن األجناس األدبية األخرى‪،‬‬ ‫واملالحظات وال���رؤى ال�تي يراها شخص ما‪،‬‬
‫وإن كان يشاركها يف اجل��ذور‪ ،‬وهلذا علينا أن‬ ‫واألقوال اليت يود قوهلا للناس‪ ،‬وينقل كل ذلك‬
‫نفرد له فرعاً خاصاً به‪.‬‬ ‫للناس ضمن وعاء لغوي مجيل‪ ،‬خيتلف كثرياً أو‬
‫قليالً عن لغة احلياة اليومية‪ ،‬وبأسلوب سلس‬
‫خ��ام��س�� ًا – من���اذج م��ن أدب اخليال‬ ‫جذاب فيه الصور اجلميلة‪ ،‬واألحل��ان العذبة‪،‬‬
‫العلمي‪:‬‬ ‫والكلمات امل��ع �بّ��رة‪ ،‬حبيث ي��أس��ر ال��س��ام��ع أو‬
‫كتاب كثريون كتبوا حتت هذا البند قدمياً‬ ‫القارئ‪ ،‬ويصل إىل أحاسيسه ومشاعره بيسر‬
‫وحديثاً‪ ،‬ولعلنا نتذ ّكر بسهولة أول مانتذكر‬ ‫وسهولة‪.‬‬
‫الكاتب (ج��ول ف�يرن) ودوران��ه حول األرض أو‬ ‫ويقسم األدب إىل أج��ن��اس ع��دة استناداً‬
‫رحلته إىل القمر‪...‬اخل‪ ،‬وهناك الكثريون من‬ ‫للوعاء اللغوي الناقل وشكله‪ ،‬وعموماً جند‬
‫الكتاب الذين كتبوا والزال���وا يكتبون‪ ،‬وقسم‬ ‫لألدب جنسني رئيسني أو فرعني مها‪ :‬الشعر‬
‫منهم حتولت كتاباهتم إىل أف�لام سينمائية‪،‬‬ ‫وال��ن��ث��ر‪ ،‬ول��ك��ل منهما ف���روع وأغ��ص��ان‪ ،‬فإذا‬
‫أو مسلسالت ال��رس��وم املتحركة‪ ،‬وسأكتفي‬ ‫ماأخذنا النثر رأينا من فروعه القصة والرواية‪،‬‬
‫باحلديث عن جمموعة قصصية واحدة وأربع‬ ‫والفرق بينهما هو طول زمن وتعدد شخوص‬
‫روايات من هذا اجلنس األدبي ((أدب اخليال‬ ‫كل منهما‪ ،‬وهذا تعريف ناقص أذكره حلاجيت‬
‫العلمي)) ألربعة كتاب عرب‪ ،‬وأعتذر من الباقني‬ ‫إليه فيما أود توضيحه ‪ ،‬إذ أن معظم ماكتب‬
‫فهم كثر‪ ،‬وهذه األعمال اليت انتقيتها هي من‬ ‫حتت بند اخليال العلمي‪ ،‬كتب ضمن هذين‬
‫مطبوعات احت��اد الكتاب ال��ع��رب – دمشق‪-‬‬ ‫الفرعني أو هذين اجلنسني‪ ،‬ولكن ماكتب يف‬
‫وميتد زمنها على مايقارب العشرين عاماً‬ ‫اخليال العلمي خيتلف كثرياً أو قليالً عن جنس‬
‫األخ�يرة‪ ،‬رواي��ة منها تتناول املاضي حبديثها‪،‬‬ ‫القصة والرواية األدبية املعروفة‪ ،‬ففي القصة‬
‫أما األعمال الباقية فتتناول املستقبل وماميكن‬ ‫والرواية تؤخذ األحداث والشخوص واملقوالت‬
‫أن يأتينا به‪ ،‬ويف الروايات الثالث واجملموعة‬ ‫من الواقع‪ ،‬أو تستمد أحداثها منه‪ ،‬أو يرمز‬
‫القصصية تشابه مامن حيث التصورات اليت‬ ‫إليها بشكل ما‪ ،‬أي أهنا تتناول الواقع املعيش‬
‫قد يؤدي إليها التطور العلمي الالحمدود‪ ،‬أو غري‬ ‫أو املفرتض‪ ،‬وهي تأخذه جبوانبه العديدة‪ ،‬املنري‬
‫املنضبط‪ ،‬والذي قد تنتج عنه أضرار كبرية‪.‬‬ ‫منها واملظلم‪ ،‬املاضي منها واحلاضر‪ ،‬وهي‪ ،‬أي‬
‫وهذه األعمال هي ‪:‬‬ ‫القصة والرواية‪ ،‬وإن كانت تنتقد الواقع املعيش‬ ‫‪34‬‬
‫اجملموعة القصصية ((باإلمجاع)) للكاتب‬ ‫وتظهر عيوبه أو حسناته‪ ،‬فهي يف الوقت نفسه‬
‫((هن���اد ش��ري��ف)) وه��ي م��ن مطبوعات احتاد‬ ‫ترسم ص��وراً أفضل متمنّاة له‪ ،‬أو ملا جيب أن‬
‫الكتاب العرب – دمشق‪ 1990 -‬م ‪ ،‬وهي تضم‬ ‫تكون عليه‪ ،‬وباختصار‪ ،‬هي الخترج من حتت‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫وكوكبنا‪ ،‬وهناك تعثر البعثة العلمية على حياة‬ ‫سبع قصص قصرية‪ ،‬وسأحتدث عن ثالث منها‬
‫عاقلة شبيهة باحلياة على األرض‪ ،‬ولكن سكان‬ ‫هي ‪ :‬البداية اآلن – باإلمجاع‪ -‬واملزرعة الكونية‪،‬‬
‫ذلك الكوكب متطورون علمياً وحضارياً تطوراً‬ ‫فالقصص الثالث تتناول املستقبل وماميكن أن‬
‫يفوق تطور سكان األرض مبا اليقاس‪ ،‬وحتدث‬ ‫تأتينا به األيام من تطور علمي قد يكون ضاراً‬
‫قصة حب بني رجل البعثة العلمية ومرافقته‬ ‫باإلنسان‪ ،‬كما تتوقع القصص الثالث أن يتم‬
‫من سكان ذلك الكوكب‪ ،‬وبعد مغامرات يشاهد‬ ‫التواصل بني خملوقات من الكواكب البعيدة‬
‫فيها ما وصلوا إليه من تطور علمي وحضاري‪،‬‬ ‫وسكان األرض‪ ،‬والذي قد اليكون لصاحل سكان‬
‫وبعد زواج��ه من تلك املرافقة اجلميلة‪ ،‬حينّ‬ ‫األرض‪ ،‬فسكان األرض مشغولون حبروهبم‬
‫للعودة إىل موطنه األرض‪ ،‬وأثناء عودته يلتقي‬ ‫وص��راع��اهت��م‪ ،‬ل��ذا فهم متخلفون ع��ن سكان‬
‫مبجموعة أخ��رى من خملوقات عاقلة ولكنها‬ ‫حتذرنا القصص‬ ‫الكواكب األخرى العاقلة‪ ،‬كما ّ‬
‫شريرة‪ ،‬احتلت تابعاً من توابع الكوكب وراحت‬ ‫املذكورة من حتوّل اإلنسان إىل آلة ميكانيكية‪،‬‬
‫تطغى وتتجرب على سكانه البسطاء املتخلفني‬ ‫وهكذا نرى الكاتب هناد شريف حي ّذر أيضاً مثل‬
‫علمياً‪ ،‬ب��ل راح��ت حت��اول السيطرة على ما‬ ‫الكتاب اآلخرين الذين تناولت أعماهلم‪ ،‬أو قبلهم‬
‫حوهلا من كواكب وتوابع أيضاً‪ ،‬ولكن مغامرنا‬ ‫من خماطر االنفالت العلمي غري املدروس‪.‬‬
‫األرضي يستطيع خداعهم بل ومقاومتهم‪ ،‬ومن‬ ‫أما الروايات اليت تناولتها وحبسب تسلسل‬
‫ثم اهلرب والوصول لسفينته الفضائية والعودة‬ ‫صدورها ‪ ،‬فهي‪:‬‬
‫إىل األرض‪ ،‬ليجلس ساعة غروب على ساحل‬ ‫رواي����ة (( خ��ل��ف ح��اج��ز ال���زم���ن)) للكاتب‬
‫حبر شبيه مبا شاهده مع فتاته يف كوكبها‪،‬‬ ‫((طالب عمران)) – دمشق ‪ 1985‬وقد اخرتهتا‬
‫‪35‬‬ ‫حاملاً بابنة قد تكون ولدت له هناك‪.‬‬ ‫مل��رور أكثر من عشرين سنة على صدورها‪،‬‬
‫رواية ((عيون ترقب األرض)) للكاتب ((عبدو‬ ‫وق��د ختيّل كاتبها رحلة علمية انطلقت من‬
‫حممد )) دمشق – ‪1991‬م وتسرد علينا الرواية‬ ‫كوكب األرض‪ ،‬ووصلت إىل كوكب بعيد شبيه‬
‫مغامرة قام هبا رجل من سكان األرض‪،‬‬ ‫ب��األرض‪ ،‬تابع لشمس بعيدة جداً عن مشسنا‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫الرواية الثالثة هي رواية ((الطوفان األزرق))‬ ‫مهموم مبا جيري ومبا قد تأتي به التطورات‬
‫للكاتب املغربي((أمحد عبد السالم البقايل))‬ ‫م��ن مصائب‪ ،‬يقوم ه��ذا ال��رج��ل وب��دع��وة من‬
‫دمشق – ‪ 1997‬م ‪ ،‬وه��ي تلتقي مع ماقبلها‬ ‫كائنات عاقلة ليست من سكان األرض‪ ،‬ولكنها‬
‫بنتائج أح��داث��ه��ا بشكل م��ا‪ ،‬إذ تتحدث عن‬ ‫حريصة عليه وعلى سالمته‪ ،‬ويعرف منهم أهنم‬
‫جمموعة من العلماء أقاموا مركزاً علمياً سرياً‪،‬‬ ‫مكلفون باحلفاظ على األرض من عبث أبنائها‬
‫أو مدينة علمية سرية‪ ،‬وراحوا جيرون أحباثهم‬ ‫اجلهلة امل��غ��روري��ن‪ ،‬ال��ذي��ن مل يبلغوا مرحلة‬
‫وجتارهبم حلماية اإلنسان من أخطار اإلشعاع‬ ‫النضج العقلي بعد‪ ،‬لذا فهي تدعوه بل تأخذه‬
‫الذري وغري ذلك من أخطار قد تصيبه‪ ،‬ولكنهم‬ ‫لزيارة قاعدهتا البعيدة‪ ،‬لرتيه مافعله سكان‬
‫يقعون حتت سيطرة عقل الكرتوني اخرتعوه‬ ‫كواكب أخرى كانت شبيهة باألرض بكواكبها‪،‬‬
‫– سيطرة اآلل��ة على اإلنسان – إذ خرج عن‬ ‫وما أحلقته هبا وبسكاهنا من دمار‪ ،‬وهكذا تريه‬
‫سيطرهتم‪ ،‬وأصبح طاغية يتصرف على هواه‪،‬‬ ‫عرب تسجيل منقول من كوكب بعيد كيف دمّرت‬
‫وراح يفرض عليهم مايريده هو ال مايريدونه‬ ‫احلياة حبرب ذري��ة‪ ،‬كما تريه مافعله التلوث‬
‫هم‪ ،‬وحني حاولوا مقاومته‪ ،‬سبقهم وزرع يف‬ ‫البيئي بكوكب ثان‪ ،‬وتريه مافعله التطور العلمي‬
‫عقوهلم قبل أن ي��دم��روه م��ق��والت صدقوها‬ ‫الذي انفلت حني حاول علماؤه السيطرة على‬
‫وامتثلوا هلا‪ ،‬وبذلك جعلهم عبيداً لصنم صنعه‬ ‫احلياة‪ ،‬وختليق البشر وفق مواصفات معيّنة‪،‬‬
‫لنفسه قبل زوال��ه‪ .‬وهكذا نرى ثالث روايات‬ ‫ليسيّرها كما تسيّر اآلالت‪ ،‬هذه اآلالت نصف‬ ‫‪36‬‬
‫من روايات اخليال العلمي‪ ،‬وجمموعة قصصية‬ ‫اآلدمية يراها كيف تثور خلطأ ما‪ ،‬وتدمّر كل‬
‫واح��دة‪ ،‬ألربعة كتاب صدرت يف حوايل اثنني‬ ‫شيء بثورهتا‪ ،‬أي أن العبث باحلياة قد يدمّر‬
‫وعشرين عاماً‪ ،‬حتذرنا مما قد يسببه البشر‬ ‫احلياة‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫شاشات الفضائيات العربية وغ�ير العربية‪،‬‬ ‫ألنفسهم من دمار‪.‬‬
‫وكثري منها يتناول قصصاً وروايات من اخليال‬ ‫ومن الواجب وإلعطاء صورة غري ناقصة‪،‬‬
‫العلمي‪ ،‬وجن��د الكثري منها يتناول موضوعة‬ ‫أن نضرب مثالً من اخليال العلمي الذي يتناول‬
‫الكون وماقد يكون فيه من خملوقات عاقلة يف‬ ‫املاضي أيضاً‪ ،‬وسأحتدث باختصار عن رواية‬
‫كواكب بعيدة‪ ،‬بل ترينا أهنا كيف ستغزو األرض‬ ‫تناولت ه��ذا اجل��ان��ب‪ ،‬وه��ي رواي���ة ((الفتية‬
‫الحتالهلا والسيطرة على ما فيها‪ ،‬كما جند‬ ‫األغ���رار وأس��ف��ار الكشف)) للكاتب ((طالب‬
‫أفالماً ممثلة متثيالً تتحدث عن أشياء مشاهبة‪،‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫أو عن قيام جمموعة بشرية بتطوير آالت وعدد‬


‫ومواد تريد السيطرة هبا على األرض وما عليها‬
‫األدب وبتعريــــــــــف‬
‫لتسيّرها وفق رؤيتها وتصورها‪.‬‬ ‫مبسّط وبعيد ًا عن أي‬
‫أف�لام ورس��وم متحركة‪ ،‬تعرض ليل هنار‪،‬‬
‫وأخطر مافيها أو مايف معظمها‪ ،‬أهنا تصوّر‬ ‫تعقيد‪ ،‬هو جمموعة‬
‫اآلخر معتدياً غازياً‪ ،‬وأنه عدو يأتي للسيطرة‬
‫ولتدمري احلياة‪ ،‬لذا جيب حماربته وتدمريه‪.‬‬ ‫التصورات واملشاهدات‬
‫إهنا أفكار خطرية‪ ،‬تعرض يومياً وبأشكال‬
‫خمتلفة‪ ،‬فهل يراد منها زرع العدوان يف النفوس‬
‫وامل�لاح��ظ��ات وال��رؤى‬
‫ضد اآلخ��ر؟ وم��ن هو اآلخ��ر امل��زع��وم؟ سؤال‬
‫جيب البحث عن أجوبته وأسبابه !‬
‫اليت يراها شخص ما‬
‫سابع ًا – استنتاجات ‪:‬‬ ‫عمران)) وقد صدرت عن احتاد الكتاب العرب‬
‫ونصل إىل استخالص االستنتاجات التالية‪،‬‬ ‫دمشق – ‪ 2005‬م ‪ ،‬وتتمحور أحداثها أو تنطلق‬
‫وباختصار شديد‪:‬‬ ‫من حادثة أو واقعة تارخيية حقيقية هي ركوب‬
‫اخل��ي��ال‪ ،‬واخل��ي��ال العلمي خب��اص��ة‪ ،‬قدرة‬ ‫فتية عرب عباب البحر احمليط منطلقني غرباً‬
‫بشرية خالقة كانت والتزال‪.‬‬ ‫ليكتشفوا م����اوراءه‪ ،‬وق��د وصفهم املؤرخون‬
‫أدب اخل���ي���ال ال��ع��ل��م��ي ج��ن��س أدب�����ي له‬ ‫بالفتية األغرار لسعيهم للوصول إىل اجملهول‪،‬‬
‫خصوصيته‪.‬‬ ‫أو للمغامرة الكبرية اليت غامروا بالقيام هبا‪،‬‬
‫احل��ذر والتحذير من اإلف��راط أو التطرف‬ ‫واليت اليقوم هبا إال غرّ‪ ،‬وال يقول لنا التاريخ‬
‫غري احملدود يف موضوعات البحث العلمي‪ ،‬أي‬ ‫عنهم شيئاً بعد مغادرهتم أو بعد انطالقتهم‬
‫دخول ساحات اخللق البشري حتديداً‪.‬‬ ‫غرباً‪ ،‬ولكن الكاتب طالب عمران يقول لنا على‬
‫وجوب احلفاظ على إنسانية اإلنسان وعدم‬ ‫لسان بطل روايته أنه عرف عنهم شيئاً كثرياً‪،‬‬
‫حتويله إىل آلة‪ ،‬ففي ذلك ضرر ودمار مابعده‬ ‫وأنه التقى بأحفادهم على السواحل الشرقية‬
‫دمار‪.‬‬ ‫ألمريكا‪.‬‬
‫جيب التنبيه إىل خطورة األفكار اليت تصوّر‬
‫‪37‬‬ ‫اآلخر عدواً معتدياً غازياً‪ ،‬أو شريراً قادماً من‬ ‫سادسا – أفالم الرسوم املتحركة‪:‬‬
‫الفضاء البعيد للغزو واالح��ت�لال‪ ،‬فما أدرانا‬ ‫وم��ادم��ن��ا يف ساحة أدب اخل��ي��ال العلمي‪،‬‬
‫ماهم عليه من رقي وعقل‪ ،‬هذا إذا وجدوا أو‬ ‫فمن الواجب علينا أن نشري ولو باختصار إىل‬
‫وصلوا يف يوم ما‪.‬‬ ‫أفالم ومسلسالت الرسوم املتحركة‪ ،‬واليت متأل‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫املستقبل هو مسرح العديد من التأمّالت‬
‫كما أ ّك��د ذل��ك (رمي���ون آرون) يف قوله‪(:‬من‬
‫املستحسن أن يف ّكر اإلنسان باملستقبل‪ ،‬ال أن‬
‫يعتقد أ ّنه مرسوم مسبقا) (‪. )1‬‬
‫إنّ الغرض من أدب االستشراف الذي ظهر‬
‫يف أوروبّ��ا يف القرن التاسع عشر هو مساءلة‬
‫املستقبل على ضوء الراهن وختيّل سيناريوهات‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫خمتلفة‪ ».‬فإذا ف ّكر َُت أنّ احلاضر الذي نعيشه‬
‫هو وليد املاضي‪ ،‬فسأكون جمبَرا على القول‬
‫بأنّ املستقبل سيولَد حتما من احلاضر‪ ،‬وأنّ‬
‫حتليالً دقيقاً وجدّياً معمَّقاً للحاضر ميكن أن‬
‫نستنتج منه بعض املعامل اليت سيكون عليها‬
‫املستقبل‪.)2( ».‬‬
‫املستقبل هو مآل احلاضر‪ ،‬وهذا احلاضر‬
‫واق��ع حت��ت وط��أة نظرة مغرقة يف التشاؤم‬
‫وباعثة على القلق أسهم يف ظهورها التوسّع‬
‫االق��ت��ص��ادي احل����رّ ال����ذي ازدوج م��ع نشأة‬
‫إيديولوجية نزعة االستهالك وإرهاق اإلنسان‬
‫ب��ق��وان�ين ال��س��وق وان�����دالع احل����روب بشتّى‬
‫أنواعها‪...‬فكان ردّ فعل أدب االستشراف (أن‬
‫ردّ على اهلموم باهلموم»(‪ )3‬مستشرفاً) أشكاالً‬
‫من احلكم م��وج��ودة يف ال��واق��ع‪ ،‬خاصة منها‬
‫تلك اليت أنتجتها القوّة التقنية وأشكال احلكم‬
‫اجلديدة قصد بيان التطوّرات املقبلة وما قد‬
‫يقع فيها من أحداث‪. )4( ».‬‬
‫كتب يف هذا احلقل األدبي يف الغرب الكثري‬
‫من أمثال أوج��ان زامياتني‪ ،‬وج��ورج أورويل‪،‬‬
‫و راي ب��رادب��وري‪ ،‬و ج��ان كريستوف روفان‪،‬‬
‫وغريهم‪.‬‬
‫وكان البعد السياسي الذي يسيّره اخليال‬
‫االس��ت��ش��رايف عند ه���ؤالء ال��ك��ت��اب موضوعاً‬
‫للجدل ومادة للتفكري‪.‬‬
‫وما جيب مالحظته هو أنّ أدب االستشراف‬
‫السياسي ليس أدب���اً خ��اصّ �اً ب��ال��غ��رب‪ .‬فقد‬ ‫‪38‬‬
‫ب��دأت تباشريه تظهر يف بلدان اجلنوب منذ‬
‫اخلمسينيات من القرن املاضي وخاصّة منها‬
‫البلدان العربية‪.‬‬ ‫د‪ .‬كوثر عياد‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫خبيبة أمل مريرة‪ -‬املواضيع السياسية وخاضوا‬ ‫ورغم أنّ دائرة انتشار هذا النوع من الكتابة‬
‫يف خمتلف أالعيب أنظمة احلكم‪ .‬فقد غامروا‬ ‫مل تتوسّع فيها بعدُ ‪ ،‬فإنّ األمر يستدعي منّا‬
‫‪39‬‬ ‫‪ -‬رغم الرقابة املفروضة عليهم – وكتبوا يف‬ ‫مساءلة اخليال العلمي العربي للوقوف على‬
‫موضوع احلكم االستبدادي وح��اول��وا تعرية‬ ‫كيفية تصوّره للمستقبل‪.‬‬
‫الطغيان وفضح هيمنة النظم السياسية‪.‬‬ ‫حاول العديد من الكتاب العرب اخلوض يف‬
‫يف هذا البحث سنتناول األبعاد السياسية‬ ‫هذا النمط من األدب وتناولوا يف كتاباهتم ‪-‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫يف العام ‪ 2039‬ويُصاب بالرعب عندما يرى‬ ‫هلذا النوع من الكتابة الذي ا ّتخذ الكوابيس‬
‫لتحوّالت ال�تي سيشهدها العامل بعد اندالع‬ ‫مدخال للنقد السياسي والذي ومسناه باسم‬
‫ح��رب مدمِّرة تسمَّى «ح��رب العدالة»‪ .‬يقول‬ ‫«اخل��ي��ال االس��ت��ش��رايف العربي» انطالقا من‬
‫الراوي خماطِبا هانئ‪:‬‬ ‫رواية «األزمان املظلمة» للكاتب السوري طالب‬
‫وتستمرّ األحالم تعاودك يا هانئ وقد بدأ‬ ‫عمران‪ )5(.‬تظهر لنا هذه الرواية عالَماً متغيِّراً‬
‫قرن جديد عشتَ يف بدايته أحداثا أعطتك‬ ‫بعد أح��داث احل��ادي عشر من شهر سبتمرب‪،‬‬
‫عنواناً مؤملاً ل��ه‪ ...‬ربّما لن يكون أفضل من‬ ‫فهي – كما يقول الكاتب‪« -‬تصوّرٌ لقرن بدَت‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫سابقه بالنسبة إىل احلصار و الدمار والقتل‬ ‫مالحمه املرعبة يف احل��ادي عشر من الشهر‬
‫و امتهان كرامة اإلنسان وجتويعه‪ ...‬رأى هانئ‬ ‫التاسع»‪.‬‬
‫أحالما عن هذا املستقبل أرعبته‪)7(.‬‬ ‫تصوّر الكاتب أنّ العالَم سيعرف يف مستقبل‬
‫متقطعة يرتاءى‬‫ّ‬ ‫أح�ل�ام ه��ان��ئ ك��واب��ي��س‬ ‫األيّ��ام حروباً استعمارية نوعية تقوم هبا قوّة‬
‫فيها زم��ن��ان م��ن أزم��ن��ة املستقبل‪ .‬أحدمها‬ ‫عظمى جديدة ضدّ بلدان اجلنوب وخاصّة‬
‫يعكس الواقع الذي يعيشه إذ وُضع يف سياق‬ ‫منها البلدان العربية‪ .‬ستسيطر ه��ذه القوّة‬
‫مستقبليّ غري حمدَّد بزمن‪ .‬واآلخر أكثر إيغاالً‬ ‫بيد من حديد على إمرباطورية عظمى متتدّ‬
‫يف املستقبل‪ ،‬وهو يوافق أحالمه وتدور أحداثه‬ ‫من آسيا الوسطى إىل البحر األبيض املتوسط‬
‫يف العام ‪.2039‬‬ ‫م����روراً ب��ال��ش��رق األوس����ط‪ .‬وه��ك��ذا سيعرف‬
‫ت��ت��داخ��ل األح�����داث يف أح��ل�ام الفرتتني‬ ‫الفضاء اجليوسياسي العربي تغيّرات كبرية‬
‫الزمنيتني طيلة الرواية ومها تقابالن مرحلتني‬ ‫عام ‪.2039-1939‬‬
‫أساسيتني‪ :‬مرحلة احللم ومرحلة اليقظة‪.‬‬ ‫ستستعمل هذه القوّة العظمى أسلحة الدمار‬
‫فالنوم مي ّكن هانيء من القيام برحلة افرتاضية‬ ‫الشامل ض �دّ الشعوب الستعبادهاوستقوم‬
‫إىل عالَم املستقبل‪ ،‬وبالتحديد إىل عالَم ‪2039‬‬ ‫بتجريب تقنيات حربية جديدة مثل القنابل‬
‫بينما تُرجعه اليقظة إىل الواقع الراهن‪ ،‬الواقع‬ ‫اجلرثومية اليت تتساقط على بالد الدكتور‬
‫الذي مي ّثل مقدّمة للكوابيس االفرتاضية اليت‬ ‫هانئ‪ ،‬بطل الرواية‪ ،‬الذي يرسم مالمح عالَم‬
‫يراها يف أحالمه‪ ،‬واليت ينعتها بأ ّنها منذِرة‪.‬‬ ‫جديد يسيطر عليه البؤس وتغمره األحزان‬
‫فهو يقول عنها‪ »:‬إ ّنها داخل الوقائع املقبل ّة‪.‬‬ ‫وتتكاثر فيه الكوارث‪.‬‬
‫أح�لام��ي ه��ي ن��وع م��ن االس��ت��ب��ص��ار الغريب‬ ‫باإلضافة إىل ذلك ستُفرَض على البلدان‬
‫للمستقبل»(‪.)8‬‬ ‫املستعمَرة أنظمة ملكية مستبدّة تتعاون‬
‫ال يري بطل األزمان املظلمة» املستقبل إالّ‬ ‫مع املستعمر لقمع ك� ّل ث��ورة‪ ،‬بل لضرب ك ّل‬
‫يف أحالمه اللّيلية‪ .‬وعندما يستيقظ جيد نفسه‬ ‫معارضة‪.‬‬
‫يف عالَمه الواقعيّ‪ .‬على عكس رواي��ة (ويلز)‬ ‫ً‬
‫ف��ال��رواي��ة إذا‪ ،‬ه��ي ع��ب��ارة ع��ن استبصار‬
‫(عندما يستفيق النائم) (‪ )1899‬حيث تكون‬ ‫للمستقبل عرب كوابيس مُرعبة ترهق البطل‬
‫يقظة البطل بعد‪ 200‬عام وهو ما جيعله يتخيّل‬ ‫وتؤمله أيّما إيالم ‪...‬‬
‫ما سيكون عليه القرن الواحد والعشرون‪.‬‬
‫حنن نصرّ على أنّ اللجوء إىل احللم يف‬
‫رواي���ات االستشراف السياسي ليس خاصاً‬
‫أحالم جهنّمية‬ ‫‪40‬‬
‫يتمّ استبصار املستقبل يف «األزمان املظلمة»‬
‫بالروايات العربية‪ ،‬بل هو منط من الكتابة‬ ‫عن طريق احللم وليس بواسطة آل��ة للسفر‬
‫انتهجه من يكتبون يف املسائل السياسية (‪.)9‬‬ ‫عرب الزمن‪ .‬جيد هانئ نفسه أثناء كوابيسه‪6‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫مطية لتصوِّر مستقبل اإلنسان املرُعِب‪.‬‬


‫إنّ األح��ل�ام ال��ط��وب��اوي��ة ه��ي ال�ت�ي كانت‬
‫هتدهد (فرانسيس امل��راشّ) (‪ )11‬و (سالمة‬
‫موسى) حتوّلت إىل كوابيس عند طالب عمران‬
‫ومصطفى الكيالني (‪)12‬‬
‫إنّ اخت��اذ احللم كتقنية للكتابة ال جنده‪،‬‬
‫تقريباً‪ ،‬يف غري ال��رواي��ات اليت تعاجل املسائل‬
‫السياسية‪ .‬ويبدو أنّ تلك كانت وسيلة للهروب‬ ‫إنّ أُوىل النصوص العربية الطوباوية كانت‬
‫من الرقابة السياسية‪ ،‬فهؤالء الكتاب يعاجلون‬ ‫اس��ت��ش��راف�اً للمستقبل ع��ن ط��ري��ق األح�ل�ام‪،‬‬
‫مواضيع حساّسة تتعلّق بالدكتاتوريات العربية‬ ‫ولكنّها ‪ ،‬مبرور الزمن‪ ،‬ا ّتخذت أبعاداً كابوسية‪.‬‬
‫وتنقد اهليمنة الغربية وخاصّة منها اهليمنة‬ ‫إذ وق��ع االن��ت��ق��ال يف ظ��رف ق��رن م��ن الزمن‬
‫األمريكية‪ )13( .‬و نظرا لذلك رأينا أن نسِم‬ ‫من األح�لام املطمئِنة يف «مقدّمة لطوباوية‬
‫هذه الروايات «بـالروايات الكوابيسية»‪.‬‬ ‫مصرية» لسالمة موسى (عام ‪)10( ) 1924‬‬
‫إىل حلم مرعِب مع طالب عمران يف األزمان‬
‫الدول الدميوقراطية امللكية واهليمنة‬ ‫املظلمة (عام ‪.)2003‬‬
‫السياسية‪.‬‬ ‫مل ي��ك��ن ه���ذا االن��ت��ق��ال ف��ج��ائ��ي�اً‪ ،‬ب��ل وقع‬
‫‪41‬‬ ‫يصوّر بطل «األزم��ان املظلمة» ديكتاتورية‬ ‫التمهيد له عن طريق الروايات السياسية اليت‬
‫كان إطار أحداثها احللم‪ .‬فقد بدأت النزعة هدفها الرئيسي السيطرة على املواطنني‬
‫ال��ط��وب��اوي��ة تنحصر ت��درجي��ي�اً وحت��� ّل حملّها ومراقبتهم مراقبة دائمة ومبالَغ فيها‪.‬‬
‫إنّ ال��ع�لاق��ة ب�ي�ن اخل���ي���ال االستشرايف‬ ‫النزعة التشاؤمية اليت تتّخذ من الكوابيس‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫واالس��ت��ب��داد ليست ج��دي��دة‪ ،‬إ ّنما اجلديد‬
‫هو تسليط طالب عمران الضوء على الشكل‬
‫اجل��دي��د ال����ذي س��ت� ّت��خ��ذه ه���ذه ال��ع�لاق��ة يف‬
‫االستشراف السياسي العربي‪.‬‬
‫لقد ت���واىل ظ��ه��ور ال���رواي���ات الكوابيسية‬
‫الغربية وأصبحت تقنية معروفة الكتابة مثل‪»:‬‬
‫اجل �بّ��ارون يف العصر احل��دي��ث» (‪ )14‬وهي‬
‫رواي��ة أ ُ ِّلفت على أنقاض النماذج الطوباوية‬
‫االشرتاكية والليبريالية و من هذه النماذج على‬
‫ذلك أيضا «األخ األكرب» بنظراته املُراقِبة يف ك ّل‬
‫مكان‪ .‬ولكن ليست لدينا فكرة عن األشكال‬
‫الديكتاتورية الشمولية يف الرواية الكوابيسية‬
‫العربية‪.‬‬
‫ص���وّرت رواي���ة «األزم����ان املظلمة» نظاماً‬
‫سياسياً خاصاً ج �دّاً يسمَّى «ال��دول��ة امللكية‬
‫الدميوقراطية أو الدميوقراطية امللكية؟» وهو‬
‫نظام مفروض على الدّول اليت استعمرهتا القوة‬
‫العاملية اجلديدة‪ .‬إ ّنه نظام ملكيّ مطلق يدّعي‬
‫أ ّنه يعمل حسب مبادئ الدميوقراطية‪.‬‬
‫ي��ق��ول ط��ال��ب ع���م���ران ع��ل��ى ل��س��ان أحد‬
‫شخصيات ال��رواي��ة‪ »:‬كان «مديح» مسرتسالً‬
‫اليت تنمّق اخلطاب السياسي مثل «السيادة‬ ‫يف احل��دي��ث ح���ول ت��رك��ي��ب��ة ال��ع��امل اجلديد‬
‫للشعب» و»حقّ االنتخاب»‪...‬‬ ‫وقلب األنظمة اجلمهورية إىل أنظمة ملكية‬
‫امللك يف هذا النظام منتخب كما هو الشأن‬ ‫دميوقراطية كما تطلق عليها القوّة العظمى‪».‬‬
‫(‪)15‬‬
‫بالنسبة للرئيس يف األنظمة الدميوقراطية‬
‫ال��ك�لاس��ي��ك��ي��ة‪ ،‬ول��ك��ن ل��ه ال��س��ل��ط��ة املطلقة‪.‬‬ ‫ه��ذا النظام ه��و ول��ي��د م��زاوج��ة سياسية‬ ‫‪42‬‬
‫فاالنتخابات يف الواقع ليست حقيقية وإ ّنما‬ ‫غريبة بني امللكية والدميوقراطية وهو حيظى‬
‫تُتَّخذ قناعاً إلخفاء الوجه احلقيقي للنظام‬ ‫برضاء النظام االستعماري‪ .‬وهو نظام ليس له‬
‫الذي ين ّفذ إم�لاءات القوّة العظمى اجلديدة‪،‬‬ ‫من الدميوقراطية غري االسم وبعض املفاهيم‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫خ��ائ��ن وم��غ��ت�صِ��ب‪ .‬فهو يتمتّع ب��دع��م القوّة‬ ‫وه��ذه األخ�يرة هي ال�تي ختتار املَلِك اجلديد‬
‫العظمى العاملية مبا أ ّنه مسيطر على الشعب‪،‬‬ ‫وتعيِّنه وت��وه��م امل��واط��ن�ين ب��أ ّن��ه��م ه��م الذين‬
‫بل مستع ِبد له (م��ع العلم أ ّن��ه ليس من أهل‬ ‫اختاروه‪ ،‬بينما كان الشعب مغيَّباً متاماً على‬
‫البالد وإ ّنما مدسوس عليها)‪ ،‬وبالتايل فهو‬
‫‪43‬‬ ‫يسمح لنفسه مبمارسة ك � ّل ما حيلو له من‬
‫الساحة السياسية‪ ،‬فال يعدو كونه جمموعة‬
‫من املم ِّثلني ليعطي الشرعية الستيالء هذا‬
‫أفعال دون أيّ اعتبار لألخالق والقيم مثل‬ ‫املَلك أو ذاك على السلطة‪.‬‬
‫االغتصاب و استئصال األعضاء واستغالل‬ ‫ر ّكز هانئ كثرياً على وصف ملك بالده (مل‬
‫ذك���اء اآلخ���ري���ن‪ ...‬وبالفعل ينفتح الكابوس‬ ‫يذكر امسها) فصوّره يف ثوب مستبدّ جبّار‪،‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫شعار السلطة ورمز اهليمنة‪.‬‬ ‫على قصة اغتصاب امللك إلبنة زوجته‪ .‬كانت‬
‫إنّ الرتكيز على وصف املعمار (القصر) يزيد‬ ‫مؤامرة موضوعها التظاهر بتبديل أعضاء‬
‫من تعميق اهلوّة بني السلطة والشعب‪ .‬واحلديث‬ ‫«تالفة» من جسم األمرية بأطراف سليمة من‬
‫عن عظمة القصر يناقض املباني الضيّقة‬ ‫أجسام نساء أخريات‪ ،‬ثمّ تُقتل األم�يرة ويقع‬
‫للمواطنني‪ .‬ولع ّل القصر وعظمته»األزمان‬ ‫االدّع��اء بأنّ جسمها مل يقبل العضو املزروع‬
‫املظلمة» حييل على مفهوم األه��رام يف رواية‬ ‫وهكذا يتخلّص امللك من األمرية دون أن تُكشف‬
‫«‪ »1984‬جلورج أوروي��ل‪ ،‬وعلى رمزية القصر‬ ‫جرمية االغتصاب‪.‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫يف رواية «القصر» لغرانز كافكا‪.‬‬ ‫ولالغتصاب هنا أبعاد رمزية مبا أ ّنه حييل‬
‫عندما يتحدّث طالب عمران عن امللوك‬ ‫على مفهوم االستيالء على السلطة بالقوّة‬
‫امل��ف��روض�ين على الشعب ال يذكر أيّ اسم‪،‬‬ ‫وااللتجاء إىل العنف لرتويض الشعب‪ .‬إنّ البلد‬
‫منا يسمّيهم «القوارض»‪ ،‬وهي صورة رمزية‬ ‫وإ ّ‬ ‫كلّه يف الواقع ضحيّة‪ .‬ويبدو يف اللوحة اليت‬
‫ت�برز خ��اص�يّ��ة أس��اس��ي��ة هل���ؤالء امل��ل��وك وهي‬ ‫رمسها الكاتب ملالمح ع��امل املستقبل أن ال‬
‫متزيق البالد وبثّ الفنت فيها وجعلها تتآكل‬ ‫وجود فيها حلدود العنف الذي ميارسه النظام‬
‫من الداخل‪ ،‬بينما تُم ِزّق القوّة العظمى العالَم‬ ‫السياسي املزروع يف غياب مفهوم األخالق يف‬
‫من اخل��ارج ‪ .‬إ ّن��ه رسم كاريكاتوري نستشفّ‬ ‫احلياة وجتريد اإلنسان من حقوقه‪ .‬ولكن عن‬
‫م��ن خالله ص��ورة مُشوَّهة مل��ا ستكون عليه‬ ‫أيّة حقوق لإلنسان ميكننا أن نتكلّم ؟ أين هو‬
‫السياسة يف عالَم الغد‪ .‬يقول البطل‪« :‬القوّة‬ ‫اإلنسان؟‬
‫العظمى مستمرّة يف استهتارها يف سياسة‬ ‫ُفقدت قيمة هذا اإلنسان‪ ،‬ووق��ع اعتباره‬
‫السيطرة ونشر عيّنات من احل ّكام‪ :‬قارض‪،1‬‬ ‫عبداً هلذا النظام املدجَّن الذي ورث مساوئ‬
‫قارض‪ 2‬ق��ارض‪ ...3‬القوارض تتكاثر وتزداد‬ ‫األنظمة السياسية األخ���رى‪ .‬ه��ذه الوضعية‬
‫مقدِّمة ًف��روض الطاعة وال��والء لسادة القوّة‬ ‫خلصها «كارل كراوس» أحسن تلخيص عندما‬ ‫ّ‬
‫العظمى الذين يبالغون يف استعباد الشعوب‬ ‫حت���دّث ع��ن «ك��ائ��ن عظيم خميف ومتخلّف‬
‫املقهورة‪17».‬‬ ‫ذهنياً‪ ،‬ذي قوّة ورعونة‪ ،‬إ ّنه طفل جبّار للقوّة‬
‫ّ‬
‫يبدو أنّ الكاتب يريد أن يؤكد على أنّ هذا‬ ‫والقانون‪16».‬‬
‫الزمن هو زمن القوارض‪ ،‬فهم موجودون يف‬ ‫إنّ وظيفة الكائن البشري وتفاهته يف نظر‬
‫ك ّل مكان ويتكاثرون يف حمراب السلطة إلنشاء‬ ‫هذا النظام مها وضعيتان مرعبتان يربزمها‬
‫ديكاتوريات مقزَّمة متشيِّعة للقوّة العظمى‪.‬‬ ‫الكاتب طالب ع��م��ران على ام��ت��داد أحداث‬
‫وبدالً من أن تـضيِّق القوّة العظمى اخلناق على‬ ‫الرواية‪ ،‬وجيعل الشعور باإلحباط يطفو على‬
‫هذه الدكتاتوريات قامت بتأسيس نُظم أكثر‬ ‫ك ّل مشهد فيها‪.‬‬
‫ديكتاتورية‪ ،‬هي مبثابة انعكاس لصورهتا‪.‬‬ ‫على ك ّل فرد أن يكون يف خدمة هذه الدولة‬
‫على هذا املستوى بالذات جند أنّ «األزمان‬ ‫املَلَكية‪ ،‬وإن كان ال يُحتاج إليه جيب أن يُقتَل‪.‬‬
‫املظلمة» حت ِّقق إضافة بالنسبة إىل الروايات‬ ‫وبالفعل فإنّ هذا كان املصري احملتوم للبطل يف‬
‫الكوابيسية الغربية الكالسيكية اليت حتدّثت‬ ‫خامتة الرواية‪.‬‬
‫ع��ن االس��ت��ش��راف السياسي إذا م��ا قار ّناها‬ ‫لقد اختري الدكتور هانئ إلخصاب امللكة‬ ‫‪44‬‬
‫مع رواي��ة «‪ »1984‬ألورويــل‪ ،‬أو رواي��ة «حنن‬ ‫ال�تي كانت تريد نسالً مم��ت��ازاً‪ ،‬وبعد إمتام‬
‫اآلخ���رون» لــزامياتني‪ .‬فالرهان يأخذ عند‬ ‫العملية يُقتَل يف القصر امللكي وتُقام له جنازة‬
‫طالب عمران أبعاداً أوسع‪ .‬وذلك نظراً للتزايد‬ ‫عظمى‪ .‬والقصر يف «األزم��ان املظلمة» مي ّثل‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫ال فما هو املعنى ال��ذي نفهمه من‬ ‫نفسه‪ ،‬وإ ّ‬ ‫السريع للديكاتوتوريات املقزَّمة م��ن جهة‪،‬‬
‫جلوء هذه القوّة العظمى إىل التدخّل العسكريّ‬ ‫ونظراً لالستعمار العسكري الذي ميسّ سيادة‬
‫يف هذه البلدان اليت أوْجدت فيها نُ ُظماً متعاوِنة‬ ‫الكثري من البلدان من جهة أخرى‪ .‬فاألزمة إ ًذا‪،‬‬
‫معها ؟ وما هو تفسري االستعراضات العسكرية‬ ‫موجودة على مستوييْن‪ :‬فهذه الشعوب هي يف‬
‫اليومية وإلقاء القنابل بصفة منتظمة على‬ ‫نفس الوقت مستعبَدة ومستعمَرة‪ ،‬وهذا أمر‬
‫امل��ن��اط��ق امل��أه��ول��ة ب��ال��س� ّك��ان (املستشفيات‬ ‫يزيد من بؤسها‪.‬‬
‫واملدارس واألحياء السكنية إخل‪)...‬‬ ‫جند يف ه��ذه ال��رواي��ة ص��ورة لعالَم موحَّد‬
‫ي��ب��دو أنّ ت��ع� ّ‬
‫�ط��ش ه���ذه ال���ق���وّة العظمى‬ ‫استعماريا حتت سيطرة ق �وّة عاملية فريدة‬
‫يغذي أيديولوجية االحتالل‬ ‫للهيمنة هو الذي ّ‬ ‫‪ ،‬وجن����ده م��ت��ج��ان��س �اً ب��ف��ع��ل ق����وّة السالح‪.‬‬
‫يف»األزمان املظلمة»‪.‬‬ ‫فاالستعمار حاضر يف ك ّل سياقات الرواية مثل‬
‫ولئن ختيّل الكاتب ال��س��وري «فرانسيس‬ ‫فرض العوملة والتنويه بالقوّة العسكرية‪ .‬فبعد‬
‫املراشّ» عام ‪ 1865‬يف حلمه الطوباوي عالَماً‬ ‫التوسّع االقتصادي والثقايف يأتي دور التوسّع‬
‫أفضل مادياً نظرا النتشار النموذج االقتصادي‬ ‫العسكريّ‪.‬‬
‫‪45‬‬ ‫األمريكي يف ك ّل مكان من العالَم‪ ،‬فإنّ طالب‬ ‫إنّ سيطرة هذه القوّة العظمى على بلدان‬
‫عمران رأى يف كوابيسه يف «األزمان املظلمة»‬ ‫عديدة هلا مربّرات كثرية وخاصّة منها االستغالل‬
‫عكس ذل��ك‪ ،‬إذ ختيّل عالَماً مُخرَّبا نتيجة‬ ‫امل��ك� ّث��ف ل��ث��روات تلك األق��ط��ار‪ .‬ول��ي��س هلذا‬
‫للعوملة املفروضة على الشعوب‪.‬‬ ‫االستغالل من هدف حقيقي غري االستعمار‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫ك ّل البالدان اليت استعمرهتا فروعاً من ّ‬
‫املنظمة‬
‫العاملية ال�تي تسمّيها «ال��ب �نّ��اؤون األح���رار»‪.‬‬ ‫البناؤون األحرار‪:‬‬
‫مهمّتها إعادة بناء العالَم على قواعد جديدة‬ ‫ا ّتخذت القوّة العظمى لنفسها هدفاً مقدّساً‬
‫وتشكيله بطريقة أخرى‪.‬‬ ‫يتم ّثل يف نشر الفوضى يف العامل باسم النظام‪،‬‬
‫ومب��ا أنّ ك � ّل تغيري ال ب �دّ أن يُسبّب آالم‬ ‫وشنّ احلروب باسم السلم‪ ،‬وتكريس العبودية‬
‫لآلخرين‪ ،‬فإنّ القوّة العظمى تلجأ إىل إمطار‬ ‫باسم احلرية‪ .‬وقد يكون هذا االختيار هو الذي‬
‫البلدان املستعمَرة بالقنابل لتجعل النّاس يف‬ ‫تبنّته الدكتاتوريات املعاصرة يف روايات اخليال‬
‫حالة خوف مستمرّ وال يف ّكرون يف املقاومة‪.‬‬ ‫العلمي االستشرايف‪.‬‬
‫يناضل الدكتور هانئ ليجد مضادّات حيوية‬ ‫استعرض طالب ع��م��ران بعض األمناط‬
‫ل�لأم��راض الغريبة ال�تي ب��دأت تنتشر شيئاً‬ ‫م��ن النماذج األوّل��ي��ة للن ُُّظم السياسية اليت‬
‫فشيئاً يف بلده‪ ،‬وقد داخله الذعر وهو يرى‬ ‫جتسّد مفهوم الغرب للحكم االستبدادي واليت‬
‫نسبة األموات ترتفع بشكل مفزع‪ ،‬إ ّنه يواجه‬ ‫تلخصّها الشعارات اليت كان يردّدها احلزب يف‬
‫أنواعا من األورام الغريبة غري املعروفة علميا‪،‬‬ ‫رواية «‪ »1984‬جلورج أورويل واليت كتبها عام‬
‫وف�يروس��ات ذكية هتاجم أشخاصاً حمدَّدين‬ ‫(‪:)1948‬‬
‫ومع ّيَنني مسبقا حسب ما تقتضيه اخلطط‬ ‫احلرب هي الســالم‪...‬‬ ‫‪46‬‬
‫يتغذى من أجسام‬ ‫ّ‬ ‫احلربية‪ ،‬وبعوضاً مفرتساً‬ ‫احلرية هي العبودية‪...‬‬
‫ضحاياه حموّالً إيّاها إىل أوكار للتفريخ‪.‬‬ ‫اجلهل هو القوّة‪...‬‬
‫إنّ امل��س��أل��ة‪ ،‬حسب ال��دك��ت��ور ه��ان��ئ‪ ،‬هي‬ ‫املالح َُظ هو أنّ «القوّة العظمي «غرست يف‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫للناس أبواب جنّات عدْنٍ‪ ،‬بينما بـَـدتْ حارسة‬ ‫ـط هلا‪ ،‬يقودها عمالء‬ ‫ُخط ٌ‬
‫مسألة إجرامية م َّ‬
‫ألبواب جهنّم‪.‬‬ ‫من َّ‬
‫منظمة البنّاءين األح��رار‪ .‬تتم ّثل أعماهلم‬
‫يصاحب وصف املؤ ِّلف هلذه اجلمعية مسحة‬ ‫اإلجرامية يف تسميم مياه الشرب وذلك بوضع‬
‫من السخرية ال�لاّذع��ة ت�برز امل���رارة العميقة‬ ‫جراثيم وبيض حليوانات زاحفة معدَّلَة جينياً‬
‫اليت يشعر هبا الكاتب‪ ،‬فهو يتعجّب من قدرة‬ ‫يف اخلزّانات الرئيسية للماء‪ ،‬أو بإلقاء قنابل‬
‫اإلنسان على القيام بأفعال شرّيرة مقيتة‪».‬‬ ‫بكترييولوجية على جهات معيَّنة من البالد‪.‬‬
‫خرج هانئ من املخترب مُثقال باهلموم‪ ،‬ما الذي‬ ‫كما يتحدّث الكاتب عن «أوبئة مُربمَجة» يف‬
‫حيدث للناس يف هذا العالَم حتى تصبح احلياة‬ ‫عصر املوت اجملانيّ‪(.‬ص‪.)325:‬‬
‫البشرية رخيصة إىل هذا احلدّ ؟ كان وضعاً‬ ‫يقول هانئ‪:‬‬
‫مأساوياً خميفاً بدأت املنطقة حتصد نتائجه‬ ‫«إ ّنه عمل إجراميّ مُبَرمج‪ ...‬أعتقد أنّ ما‬
‫يف سبيل إكمال سيطرة القوّة العظمى على‬ ‫ألقته الطائرات ليست سوى قنبلة جرثومية‬
‫ك� ّل ش��يء يف ه��ذا الكوكب امل��دجّ��ن باألحقاد‬ ‫محلت بيوض البعوض املدجَّن يف املختربات‬
‫والغدر‪18»...‬‬ ‫املتطوِّرة للقوّة العظمى ال�تي تستخدم مثل‬
‫وباملقابل ف��إنّ املقاومة تكاد تكون مغيَّبَة‬ ‫هذه احلشرات اليت دخلت اهلندسة الوراثية‬
‫‪47‬‬ ‫يف ال��رواي��ة‪ ،‬فهي تأخذ فيها شكالً باهتاً‪.‬‬ ‫يف التالعب جبيــناهتا من أجل خدمة هدف‬
‫إنّ بعض املعارضني للنظام يقومون بأعمال‬ ‫معيَّن‪»....‬‬
‫فردية ويفشلون بسرعة‪ .‬مقاومتهم مفتوحة‬ ‫وهكذا ف��إنّ مجعية البنائني األح��رار اليت‬
‫على جبهتني‪ :‬مقاومة دولة مست ِبدّة ومقاومة‬ ‫ادّع��ت بأ ّنها صنعت املعادلة السحرية لتفتح‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫مي ّكن هذا االلتجاء الكاتبَ من خلق منعرج‬ ‫االس��ت��ع��م��ار‪ .‬ه���ذان ال��ك��ي��ان��ان مرتبطان‬
‫يتم ّكن بواسطته م��ن ال��رج��وع إىل الرّاهن‬ ‫ببعضهما البعض مبا أنّ هلما مصاحل مشرتكة‪،‬‬
‫لينقده‪.‬‬ ‫لذلك ترامها حياصران ك ّل عمل من أعمال‬
‫ت��ق �دِّم رواي����ة «األزم�����ان امل��ظ��ل��م��ة» نفسَها‬ ‫املقاومة‪ .‬إنّ ك ّل من حياول املقاومة يف «األزمان‬
‫على أ ّنها استشرافية وأنّ أحداثها ت��دور يف‬ ‫املظلمة» يصطدم بالدولة امللَـكِية الدميوقراطية‬
‫املستقبل‪ ،‬غري أ ّنها ويف نفس الوقت تو ِّلد لدى‬ ‫من جهة‪ ،‬وبالقوّة العظمى من جهة أخرى‪.‬‬
‫القارئ الشعور بالرعب واخلوف الذين يوحي‬ ‫بينما جند «وينسطون» يف رواية ‪ 1984‬يواجه‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫هبما الواقع الراهن‪ .‬وهذا أمر يُضفي عليها‬ ‫كياناً واحداً هو احلزب‪.‬‬
‫نوعني من القراءة‪.‬‬ ‫إنّ ك ّل من يناهض النظام وك ّل من يرفض‬
‫هكذا إذاً‪ ،‬ينْظمّ طالب عمران إىل جمموعة‬ ‫االحتالل يُنعَت بـــ»اإلرهابي»‪ .‬فقد أصبحت‬
‫األدباء الذين جيمعهم التعبري عن خيبة األمل‬ ‫هذه العبارة طاغية على اخلطاب السياسي‬
‫تغذيه اهلموم املتزايدة لإلنسان خوفاً من‬ ‫الذي ّ‬ ‫منذ عدّة سنوات‪.‬‬
‫مواجهة عالَم يسري حنو جحيم متعدّد األبعاد‪،‬‬ ‫ثار قاسم‪ ،‬وهو أحد أبطال الرواية‪ ،‬ضدّ‬
‫غري أ ّنه جحيم على األرض‪.‬‬ ‫منظمة البنّائني األحرار اليت كان أحد‬ ‫مشاريع ّ‬
‫إنّ شأن هذا الكاتب السوري كشأن غريه‬ ‫مسئوليها الكبار ملدّة قصرية فوُسِمت ثورته‬
‫م��ن الكتّاب ال��ع��رب أم��ث��ال «هن��اد ش��ري��ف» يف‬ ‫باخليانة وحُكم عليه مبوت بطيء ومؤلِم إذ‬
‫روايته «سكان العامل اآلخر»(مصر ‪،)1977‬‬ ‫أصبح موضوعاً لتجارب بيولوجية‪.‬‬
‫أو «مصطفى الكيالني» يف رواي��ت��ه «مرايا‬ ‫ال توجَد يف الرواية إذاً‪ ،‬مقاومة غري بعض‬
‫الساعات امليِّتة»(تونس ‪ )2004‬الذين مدّوا‬ ‫األعمال اليت قام هبا بعض املنشقني األجانب‬
‫جسور التواصل مع األدباء الغربيني مثل «جورج‬ ‫املنتمني إىل القوّة العظمى وهي نقطة الضوء‬
‫أورويل» و «جيمس بالّرد» و «جان كريستوف‬ ‫الوحيدة ال�تي مسح هلا الكاتب بالظهور يف‬
‫روفان» إخل‪...‬‬ ‫«األزمان املظلمة» ‪.‬‬
‫َ‬
‫فعال‪ ،‬إ ّننا نتخيّل عالم الغد حبساسيات‬
‫خمتلفة ولكن املظهر الكابوسي وخيبة األمل‬ ‫خامتة‪:‬‬
‫من عامل الغد مها الصفتان اللتان تطبعان هذا‬ ‫إنّ االلتجاء إىل املستقبل يسمح بقراءة‬
‫النوع من األدب يف الشرق أو يف الغرب‪ .‬وهذا‬ ‫أعمق لعالقات القوّة يف هذا الكون ولدواليب‬
‫أم��ر يدفعنا إىل حتليل رواي���ات االستشراف‬ ‫االقتصاد والسياسة فيه‪ ،‬وهي العناصر اليت‬
‫السياسي يف إطار حضاريّ‪.‬‬ ‫يُعوَّل عليها إلعادة تشكيل العالَم املعاصر‪.‬‬
‫يقول «فيليب كورفال»‪:‬‬ ‫ختيّل الكاتب املستقبل من مبدأ «أ ّن��ه مل‬
‫«إنّ إفالس اإليديولوجيات وعدم استقرار‬ ‫يعد من اجملدي تزيني املنزل املشتعل باألوهام‬
‫ال��دول والتهديد التكنولوجي وإخفاق النزعة‬ ‫اخلدّاعة»‪ ،‬يف عالقة وثيقة مع الواقع الرّاهن‬
‫ال��ف��ردي��ة وت��زاي��د الضغط اإلع�لام��ي وإحياء‬ ‫حيث مل تعد أالعيب السلطة ورهاناهتا املبالغ‬
‫املصادمات الدينية‪ ،‬وتطوّر املعارف االفرتاضية‬ ‫فيها ترتك ذوى األلباب يف حالة ال مباالة‪.‬‬
‫ّ‬
‫التجذر يف‬ ‫والغثيان اجليين ظواهر آخذة يف‬
‫جمتمعنا املع ّقد معطية صورة متعدّدة األشكال‬
‫وال ب �دّ أن نشري إىل أنّ معاجلة املسألة‬
‫ال��س��ي��اس��ي��ة ال��ع��رب��ي��ة يف ال���ظ���روف الراهنة‬
‫‪48‬‬
‫لعامل املستقبل‪ .‬فكلّما واىل التسارعُ السرع َة‪،‬‬ ‫مت ّثل مغامرة فكرية‪ .‬وم��ن هنا ج��اءت فكرة‬
‫كلّما اقرتب املستقبل أكثر»‪19‬‬ ‫االستشراف اليت تكتسي بعداً رمزياً‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫اهلوامش‬
‫‪ - 1‬رميون آرون (‪ : )Raymond Aron‬وهم التطوّر‪ ،‬مقدّمة جلدلية احلداثة‪ .‬ط‪Calmann- /‬‬
‫‪ ، 1969– Levy‬ص‪341 :‬‬
‫‪ - 2‬رميون آرون (‪ :)Raymond Aron‬املؤرّخ بني عالِم األجناس البشرية والباحث يف علم املستقبل‬
‫(تأليف مجاعي) ط‪ 1972 Mouton,Paris/Lahay /‬ص‪96:‬‬
‫‪ - 3‬كورفال فيليب (‪ : ) Philippe Curval‬املستقبل غري املرئي‪ .‬اجمللة األدبية رقم ‪/422‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫جويلية‪-‬أوت ‪ – 2003‬ص‪65 :‬‬


‫‪ - 4‬جورج باالندييه (‪ : ) George Balandier‬املنعطف‪ :‬السلطة واملعاصَرة‪ .‬ط‪Paris,Fayard /‬‬
‫‪ 1985‬ص‪16 :‬‬
‫‪ - 5‬عمران طالب‪ :‬دكتور يف علم الفلك‪ ،‬مدرّس جبامعة دمشق‪ ،‬مؤ ّلف للعديد من روايات وأقاصيص‬
‫اخليال العلمي‪ .‬رواية (األزمان املظلمة) هي موضوع حبثنا‪ ،‬نشرت عام ‪ ( 2003‬ط‪ /‬دار الفكر –‬
‫سوريا) ‪ 432‬صفحة‪ .‬مكتوبة بالعربية الفصحى‪.‬‬
‫‪ - 6‬يظهر الراوي أحيانا منذ املشهد األوّل عندما ينام هانئ فيحاول استبصار رحلته االفرتاضية‬
‫يف األزمان القادمة‪ ،‬وهكذا يقوم بتضخيم املشهد‪ .‬فهو يتوجّه باحلديث إىل هانئ مباشرة عن طريق‬
‫صيغة اخلطاب املباشر ثمّ حيتفي‪.‬‬
‫‪ - 7‬األزمان املظلمة‪ :‬ط‪ - 1/‬ص‪131/130 :‬‬
‫‪ - 8‬نفسه ‪ :‬ص‪171 :‬‬
‫‪ - 9‬يف هناية القرن ‪ 19‬وبداية القرن ‪20‬‬
‫‪ - 10‬موضوعها استشراف لطوباوية مصرية‪ .‬يتخيّل فيها سالمة موسى مصر بلداً اشرتاكياً جديداً‬
‫حوّلتها العصا السحرية للتطوّر إىل قمّة التقدّم‬
‫‪ - 11‬كاتب سوري كتب أوىل الروايات الطوباوية العربية بعنوان‪ :‬غابة احلق عام ‪1865‬‬
‫‪ - 12‬كاتب تونسي كتب عام ‪ 2004‬رواية استشرافية (مرايا الساعات امليّتة)‪ .‬حاول فيها تعرية‬
‫تالعب دولة استبدادية جعلت املواطنني عام ‪ 2725‬يعيشون يف عزلة خلف سياج كهربائي‪ .‬تتماشى‬
‫هذه العزلة والتلوّث اخلطري الذي أصاب هذا البلد‪ ،‬كبقية بلدان اجلنوب‪ ،‬نتيجة إلجبار دول الشمال‬
‫دول اجلنوب على ضرورة قبول دفن النفايات النووية فيها‪ ،‬وبالتايل تلوّثت البيئة إىل درجة انعدام‬
‫األوكسجني‪ ،‬الشيء الذي جعل الناس يف هذا البلد يتنفسون عن طريق قوارير األوكسجني املوث َقة‬
‫على أكتافهم‪ .‬والدولة هي اليت توزّع هذه القوارير‪ .‬من ترضى عنه تزوده‪ ،‬ومن ال ترضى عنه ميوت‬
‫اختناقا‪ .‬هكذا يقع استعباد الشعب‪.‬‬
‫‪ - 13‬التوسّل باحللم حييلنا إىل تقليد أدبي يف األدب الغربي الوسيط ‪ .‬كان األدباء يلجأون إليه‬
‫ملراوغة الكنيسة والطبقة األرستقراطية‪ .‬مي ّكن احللم الكتّاب من التعبري حبرية أكرب‪.‬‬
‫‪ - 14‬إيريك فاي ( ‪ : ) Eric Faye‬األوتوبيات املضادّة مقال ورد يف جملة «املاغازين األدبي» عدد‬
‫‪ 387‬ماي ‪ 2000‬ص‪27 :‬‬
‫‪ - 15‬األزمان املظلمة‪ :‬ص‪108 :‬‬
‫‪ - 16‬ورد الشاهد يف (أفكار حول األدب) لتيودور أدرنو‪ ،‬ط‪ /‬فالماريون ‪ /1984‬ص‪119 :‬‬
‫‪49‬‬ ‫‪ - 17‬األزمان املظلمة‪ :‬ص‪343:‬‬
‫‪ - 18‬األزمان املظلمة ص‪183 :‬‬
‫‪ - 19‬فيليب كورفال‪ :‬مقال (املستقبل الغامض) يف جملّة‪ :‬املاقازين األدبي ‪ ،‬العدد‪ 422:‬جويلية‪ -‬أوت‬
‫‪ 2003‬ص‪67 :‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫يكاد يتفق مجيع النّقاد على أنّ قصص الرّعب‬
‫أما يسمى بـ (القصص السّوداء) هي اجلدّ‬
‫األكرب ألدب اخليال العلمي األمريكي ‪ ،‬إذ ال بد‬
‫لك ّل ناقدٍ يريد التأريخ هلذا األدب من العودة‬
‫إىل إبراهام مريت ‪ Abraham Merritt‬و‬
‫هـ‪ .‬ب لوفكرافت ‪ H. P. Lovecraft‬والحقاً‬
‫إدغ��ارآالن پو ‪Edgar Allan Poe‬و فيتز‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫جيمس أوبرين‪Fitz James O΄Brien‬‬
‫و إم�ب�روز ب�يرس ‪)1(Ambrose Bierce‬‬
‫وغريهم من مشاهري القصّة ال��س��وداء‪ ،‬كما‬
‫يشري كثريٌ م��ن ال �دّارس�ين إىل إدغ���ار رايس‬
‫بورغس‪)2( Edgar Rice Burroughs‬‬
‫بوصفه رائداً ألدب اخليال العلمي يف أمريكا‬
‫‪ ،‬حيث كتب مغامراتٍ ع �دّة ج��رت أحداثها‬
‫على كوكب املريخ ‪ ،‬كرواية (حتت قمر املريخ)‬
‫لشخص‬
‫ٍ‬ ‫(‪1912‬م) ال�تي تصف خم��اط��رات‬
‫بشري واحد يدعى جون كارتر يواجه فيها‬ ‫ٍّ‬
‫خملوقات مرخيية ذات أشكالٍ غريبةٍ ‪ ،‬كما‬
‫كتب (العقل امل��وجِّ��ه للمريخ) (‪1928‬م) و‬
‫بعدها بستّ سنوات نشر (قراصنة الزُّهرة)‬
‫(‪1934‬م)‪.‬‬
‫وتتّسم ه��ذه ال��رواي��ات مجيعاً بطابعها‬
‫املغامر و الشّائق باستثناء رواية (العقل املوجّه‬
‫للمريخ) اليت أبدى فيها بورغس بعض ا ِ‬
‫جلدّية‬
‫و الرّزانة العلميّة و إن مل خيرجها متاماً من‬
‫دائرة املغامرة(‪.)3‬‬
‫وق��د قسّم آسيموف تاريخ أدب اخليال‬
‫العلمي إىل أربع فرتاتٍ هي ‪:‬‬
‫أ‪ -‬فرتة سيادة املغامرة من سنة ‪1926‬م‬
‫حتى سنة ‪1938‬م ‪.‬‬
‫ب‪ -‬فرتة طغيان العلم علىأدب النّوع ابتداءً‬
‫من ‪1938‬م و حتى ‪1950‬م ‪.‬‬
‫ج���ـ‪ -‬ف�ت�رة س��ي��ادة ع��ل��م االج��ت��م��اع فيما‬
‫بني‪1950‬م و حتى ‪1965‬م ‪.‬‬
‫د‪ -‬فرتة سيادة األسلوب منذ ذلك احلني و‬ ‫‪50‬‬
‫حتى يومنا احلاضر (‪)4‬‬
‫وقد رأى آسيموف – و من بعده الدّارسني‬
‫حممد ياسني‬
‫‪ -‬أنّ هذه الفرتات ميكن أن تش ّكل عصرين‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫‪ - 1‬ما قبل العصر الذهيب ( أو مرحلة‬ ‫ميثالن تاريخ اخليال العلمي يف الواليات‬
‫‪51‬‬ ‫البدايات ) ‪:‬‬ ‫املتحدة األمريكية مها ‪:‬‬
‫يف هذه الفرتة كان بورغس ينشر قصصه‬ ‫‪ -1‬م��ا قبل العصر ال��ذه�بي (أو مرحلة‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫مسلسلة يف «أس��ب��وع��ي��ة ك���ل ال��ق��ص��ص ‪All‬‬ ‫البدايات) ‪.‬‬
‫‪ -2‬العصر الذهيب ( أو مرحلة االزدهار)‪ »Stories Weekly .‬و كان على أيّ كاتبٍ يف‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫‪1923‬م ‪ ،‬وق��د ظهرت عليها قصص الكاتب‬ ‫اخليال العلمي أن خيضع ألذواق القرّاء آنذاك‬
‫األمريكي الشهري هـ ‪ .‬ب‪ .‬لوفكرافت اليت متيّزت‬ ‫‪ ،‬حيث يتشوّق مجهورهم إىل الغرابة و الغموض‬
‫بالرّعب و التّشويق‪ ،‬واعتمدت يف أحداثها على‬ ‫والتّشويق‪ ،‬ومل تكن (أسبوعية ك ّل القصص)هذه‬
‫األماكن املهجورة و الشّخصيات املختلّة عقلياً‬ ‫ذات تأثريٍ كبريٍ على الكتاب و املبدعني‪ ،‬غري أنّ‬ ‫‪52‬‬
‫و نفسياً‪ ،‬وكان لوفكرافت حيبّ إثارة الفزع يف‬ ‫احل��دث اهل��ام يف مسرية أدب اخليال العلمي‬
‫نفوس قرّائه حبيث يقول عنه ولسون ‪(( :‬كان‬ ‫األمريكي هو ظهور جملتني متخصصتني مها‬
‫يهدف إىل جعل ( حلمك يرتعد فزعاً ) وكذلك‬ ‫‪ « :‬احلكايات الغريبة ‪ »Weird Tales‬يف عام‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫وميكن اختصار أسلوب جرنسباك يف النشر‬ ‫إىل زرع الشّك والفزع يف أذهان قرّائه‪ .‬ولو قيل‬
‫يقول جيمس جُن ‪ ...( :‬لكنّ جرنسباك وضع‬ ‫له إنّ أحد قرائه مات من الرّعب‪ ،‬أو إنه قد‬
‫ال �شّ��روط األس��اس�يّ��ة بنفسه‪ ،‬ورأى أنّ (أدب‬ ‫سيق إىل مستشفىً للمجانني فإنّ ذلك سيسرّه‬
‫خياله العلمي) اجلديد وسيل ٌة لتدعيم فهم‬ ‫بال شك )) (‪ )5‬وكانت رواي��ات اخليال العلمي‬
‫العلم والتكنولوجيا من خالل القصص اخليايلّ‪،‬‬ ‫وجمالته يف تلك الفرتة تُطبع على أوراق خشنة‬
‫وهو نوع من تغليف حبّة الدّواء باحللوى‪ ،‬وكانت‬ ‫‪ Pulp Magazine‬وت��ب��اع بأسعا ٍر زهيدةٍ‪،‬‬
‫معادلته هي (‪ 75‬يف املئة) أدبٌ منسوج يف (‪25‬‬ ‫وكانت تستهوي الفتيان خاص ًة‪ ،‬وتتوجّه إليهم‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫يف املئة) علم) (‪)8‬‬ ‫خبطاهبا املثري غرائبياً وجنسياً أحياناً‪.‬‬


‫أما جملة « حكايات مدهشة ‪Amazing‬‬
‫ال��ذه�بي ( أو مرحلة‬ ‫ّ‬ ‫‪ - 2‬ال��ع��ص��ر‬ ‫‪ »Stories‬فقد أنشأها و أشرف على حتريرها‬
‫االزدهار)‪:‬‬ ‫هوغو جرنسباك ‪)6( Hugo Gernsback‬‬
‫ب��دأ العصر ال� ّ�ذه�بي ألدب اخل��ي��ال العلمي‬ ‫يف ع��ام (‪1926‬م) ‪ ،‬و بسببٍ من قلّة الكتّاب‬
‫يف أمريكا بتحوّل جملة (القصص الصّاعق‬ ‫اجليّدين هلذا النّوع يف تلك الفرتة فقد اضطرّ‬
‫‪ )Astounding Stories‬إىل (اخليال‬ ‫جرنسباك إىل إع���ادة نشر أف��ض��ل األعمال‬
‫العلمي الصّاعق ‪ )Astounding SF‬وتس ُّلم‬ ‫لكتّابٍ مشاهري‪ :‬فرين و ويلز و مريت خباصةٍ‪،‬‬
‫ج��ون كامبل األص��غ��ر ‪Gohn Campbell‬‬ ‫ثم بدأ يشجّع قرّاءه على إرسال قصصهم إىل‬
‫‪، Jr‬إدارة اجمللة‪ ،‬إذ ساعدت شخصية كامبل‬ ‫جملته ‪ ،‬و أطلق جرنسباك على تلك القصص‬
‫على إضفاء اجلدّية والرّزانة على أدب اخليال‬ ‫مصطلح « اخليال العلمي « ألوّل م�رّة ‪ ،‬و مل‬
‫العلمي املنشور يف جملته‪ ،‬وحثّ الكتّاب على‬ ‫يدّخر جهداً يف حثّ الكتّاب على التّقليل من‬
‫ترك العبث الغرائيبّ الذي ال طائل منه‪ ،‬والثبات‬ ‫املبالغات الطفوليّة يف كتاباهتم ‪ ،‬و وقف بوجه‬
‫على احلدود اليت تفصل العلم عن األدب (‪...‬‬ ‫الكتّاب الذين اندفعوا حنو النّوع ال �رّديء من‬
‫كما أصبحت قصص اخليال العلمي رزين ًة يف‬ ‫أدب اخليال العلمي أو ما كان يُعرف بـ « أوبرا‬
‫أسلوهبا‪ ،‬فقد أراد كامبل مج��ه��وراً (حمرتماً)‬ ‫الفضاء ‪ »Space - Opera‬حيث تدور معظم‬
‫لذلك وجب أن يكون املؤلفون كتّاباَ حقيقيني)(‪)9‬‬ ‫األح��داث على شكل معارك ساذجة خيوضها‬
‫ونتيجة جلهود كامبل و صرامته فقد ظهر جي ٌل‬ ‫أبطال ضدّ كائناتٍ فضائيةٍ شريرةٍ على سطح‬
‫جديدٌ من كتّاب النّوع املثمرين أمثال إسحق‬ ‫أحد الكواكب البعيدة ‪.‬‬
‫آسيموف ‪Isaac Asimov‬و روب��رت هينلني‬
‫‪ )10( Robert Heinlein‬وراي ب��راد بوري‬ ‫أدب اخليال العلمي و القصة املرعبة‪:‬‬
‫‪ )11(Ray Brad Bury‬وف��ان فوغت ‪Van‬‬ ‫الظاهرة‬‫و بفضل جرنسباك ب��دأت ه��ذه ّ‬
‫‪ Vogt‬وغريهم ‪ ...‬وقد أص�رّ كامبل على أن‬ ‫بالتّراجع يف فرتةٍ الحقةٍ ‪ ،‬و حلّت حملّها صورٌ‬
‫تكون القصص املرسلة إليه حتتوي على عل ٍم‬ ‫من اغ�تراب البطل و شعوره مبحدوديّة العامل‬
‫حقيقي ‪ ،‬مبعنى أنه أراد تقريب‬ ‫ٍّ‬ ‫وتاريخ‬
‫ٍ‬ ‫حقيقي‬
‫ٍّ‬ ‫من حوله‪.‬‬
‫اخل��ي��ال العلمي م��ن احلقيقة العلمية بقدر‬ ‫و يعزو جان غاتينيون ‪Jean Gatte′gno‬‬
‫املستطاع ‪ ،‬كما طلب من املؤلفني عدم االكتفاء‬ ‫ذلك التغيّر إىل انكشاف البطل أمام القرّاء ‪ ،‬إذ‬
‫‪53‬‬ ‫بوصف خمرتعات جديدة و إمنا إظهار تأثريات‬ ‫مل يعد لديه ما يقدّمه من املفاجآت للمعجبني‬
‫تلك املخرتعات على حياة اإلنسان‪.‬‬ ‫به حيث غدا ( ‪( ...‬السّالح السريّ) املستعمل‬
‫وق��د جن��ح كامبل إىل ح��دٍّ بعيدٍ يف وضع‬ ‫يف اللحظـة األخيـرة متو ّقعـاً بشك ٍل منطقـيّ‬
‫جل���ا ٍم ملخيّلة ال��ك � ّت��اب ال��ذي��ن ك��ان��وا ينفلتون‬ ‫(كصليب أمّي) يف مآسي القرن الثامن عشر(‪)7‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫العامل‪ .‬ومل يرتك جون كامبل مثل هذه الفرصة‬ ‫باجتاه الفنتازيا ‪ ،‬فأصبحت فرتة الثالثينات‬
‫تفوته بل استفاد من احلادثة ليدلل على رصانة‬ ‫الذهبية ألدب اخليال العلمي يف‬ ‫بداية الفرتة ّ‬
‫اخليال العلمي وأمهيته‪ ،‬ومدى ارتباطه بعصره‪،‬‬ ‫أمريكا‪ ،‬إذ كان من نتيجة تقيّد الكتاب بالقواعد‬
‫فازداد إقبال الناس على قراءة هذا النوع األدبي‬ ‫الكامبلية للنشر أن وصفوا آالتٍ و أجهزةً و‬
‫بشكل متزايد جداً ‪.‬‬ ‫اخرتاعاتٍ مل تلبث أن ظهرت إىل الوجود يف أق ّل‬
‫وخالل هذه الفرتة أيضاً ظهرت قصص تعاجل‬ ‫من عقد من الزمن ‪ ،‬ويرى الكثري من النقاد أنّ‬
‫موضوعاتٍ قدمي ًة كالسّفر يف الزمن والتغيّر‬ ‫ما كان على أجندة اخليال العلمي يف الثالثينات‬
‫بالطفرة والقدرات اإلنسانية اخلارقة‪ ،‬وكلها‬ ‫ّ‬ ‫من القرن العشرين قد أصبح واقعاً معاشاً يف‬
‫موضوعات كان قد طرحها ويلز من قبل غري‬ ‫األربعينات منه ‪.‬‬
‫أ ّنها عوجلت يف تلك الفرتة بطريقةٍ فنيةٍ وأدبيةٍ‬ ‫ولع ّل القصة الشهرية لروبرت هينلني تثبت‬
‫جديدةٍ جعلتها تبدو أكثر جديّ ًة ومعقوليّة‪.‬‬ ‫امل��دى ال��ذي وصلت إليها اجلهود ال�تي بذهلا‬
‫ومن أهم الكتّاب األمريكيني الذين تناولوا‬ ‫جون كامبل‪ ،‬إذ نشر هنيلني أواخر العام ‪1944‬م‬
‫ه��ذه املوضوعات باملعاجلة إسحق آسيموف‬ ‫علمي تتحدث عن ق��درة العلماء‬ ‫ٍّ‬ ‫قصة خيا ٍل‬
‫‪ Isaac Asimov‬وت����ي����ودور ستورجن‬ ‫األمريكيني على إنتاج قنبلةٍ من اليورانيوم ‪،235‬‬
‫‪ Theodore Sturgeon‬وكليفورد سيماك‬ ‫و وصف القنبلة الذرية بد ّقةٍ مدهشةٍ‪ ،‬مما دعا‬
‫‪1907 ( Cliffor Simak، Heinlein‬‬ ‫األوساط العسكرية األمريكية إىل إجراء حتقيقٍ‬
‫‪ : )1988‬ك��ات��ب أم��ري��ك��ي يظهر يف كتاباته‬
‫تأثري العلم والتقنية على احلياة اإلنسانية ‪،‬‬
‫ع��ن كيفية ت��س�رّب معلوماتٍ هب��ذه اخلطورة‬
‫ووصوهلا إىل املؤلف‪ ،‬وتوصّل احملققون إىل أنّ‬
‫‪54‬‬
‫والتغيّرات اليت تنشأ نتيجة السّفر يف الفضاء‪،‬‬ ‫ما جاء يف القصة مل يكن سوى خيال مؤ ّلفٍ‬
‫و نتائج الثورة احليوية ( البيولوجية ) على‬ ‫بار ٍع‪ ،‬وال عالقة له مبعلوماتٍ عسكريةٍ مسرَّبة‪،‬‬
‫اإلن��س��ان‪ .‬و يتمتّع هنيلني ب��ق��درة كبرية على‬ ‫وبعد أشه ٍر فجّر األمريكيون أوّل قنبلةٍ ذريّةٍ يف‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫علم النفس ثيماتٍ جديدةً له ‪ ،‬كما استفاد من‬ ‫اإلقناع باستخدامه مصطلحات جديدة تناسب‬
‫الثورة البيولوجية واملعلوماتية فيما بعد ليعود‬ ‫أج���واء اخل��ي��ال العلمي م��ن أعماله ( صنيعة‬
‫إىل تبوّء مكانته من جديد على أيدي خنبةٍ من‬ ‫األسياد ‪1951 )Puppet Masters‬م‪ ( ،‬جنم‬
‫الكتّاب ‪ ،‬لكنه هذه املرة ختلّى عن األعاجيب إىل‬ ‫مزدوج ‪1956 ) Double Star‬م اليت حازت‬
‫حدّ بعيدٍ‪ ،‬وخلع رداء املغامرة بعد أن كان يرتديه‬ ‫على جائزة هوغو ( القمر عشيقة قاسية ‪The‬‬
‫ألزما ٍن طويلة ‪ .‬باختصار فإنّ النوعية اجليّدة‬ ‫‪1966 ) Moon Is a Harsh Mistress‬م ‪،‬‬
‫من اخليال العلمي األمريكي بدت تتمحّل صفة‬ ‫( اجلمعة ‪1982 ) Friday‬م ‪ .‬نال هنيلني أربع‬
‫العقل و احلكمة بعد أن كانت ترتدي لباس‬ ‫جوائز هوغو ويف عام ‪1974‬م حصل على جائزة‬
‫املخاطرة و املغامرة ‪ .‬على أنّ ذلك ال يعين أنّ‬ ‫ينبوال عن جممل أعماله ‪ ،‬و حوِّل العديد من‬
‫رواية املغامرات قد انقطعت عن ّ‬
‫الظهور وإىل‬ ‫رواياته إىل اخليالة كرواية ‪ ( :‬القمر املقصود‬
‫األب��د‪ ،‬فذلك أم �رٌ مستبعدٌ على أيّ ح��ال‪ ،‬إذ‬ ‫‪ )Destinatition Moon‬و ( فرسان سفينة‬
‫إننا ال نزال نشهد صدور رواية املغامرات حتى‬ ‫الفضاء ‪ ) Starship Trooper‬و ( غريب‬
‫اليوم‪ ،‬وهذا يعين أنه ال يزال إىل جانبها أنصارٌ‬ ‫يف أرض غريبة ‪Stranger in a Stranger‬‬
‫ومريدون ‪.‬‬ ‫‪. ) Land‬‬
‫وم��ن األس��ب��اب التارخيية ال�تي جعلت أدب‬ ‫وك��ل ه��ؤالء املبدعني تل ّقوا تأهيالً علمياً‬
‫اخليال العلمي األمريكي يزدهر ورمبا يتفوّق‬ ‫ساعدهم على طرح موضوعاهتم بطريقةٍ غري‬
‫على آداب عامليّة أخ��رى مشاهبة هو االعتناء‬ ‫تقليدية (‪)12‬‬
‫الظاهر بالدوريّات واجملالت املتخصصة اليت‬ ‫ّ‬ ‫وابتداءً من منتصف ستينات القرن املاضي‬
‫ساعدت على انتشار أدب النوع لرخص مثنها‬ ‫مُين اخليال العلمي األمريكي بنكسةٍ عظيمةٍ‬
‫وكثرهتا ‪ .‬فمع ب��داي��ة الثالثينات م��ن القرن‬ ‫ترافق معها احنسار يف عدد الكتب املنشورة‪،‬‬
‫املاضي كانت أكثر من ‪ 40‬جملة متخصصة يف‬ ‫وإعراض عدد ال بأس به من املؤلفني عن الكتابة‬
‫الواليات املتحدة األمريكية تنشر مئات املواضيع‬ ‫يف أدب اخليال العلمي ليتّجهوا إىل التأليف يف‬
‫والقصص يف أحناء البالد(‪ ،)13‬ففي عام ‪1926‬م‬ ‫جماالتٍ أدبيةٍ أخرى ‪ ،‬و يعزو معظم النقاد ‪-‬‬
‫أسّس هوغو جرنسباك جملة «قصص مدهشة‬ ‫ومنهم آسيموف – ه��ذا االحنسار إىل حت ّقق‬
‫‪ »Amazing Stories‬ويف عام ‪1929‬م ظهرت‬ ‫معظم نبوءات اخليال العلمي فضاقت الدائرة‬
‫‪55‬‬ ‫جلرنسباك جمليت « قصص عجائب العلم‬
‫‪ »Science Wonder Stories‬و» قصص‬
‫عليه‪ ،‬إذ مل يعد لديه من سح ٍر أو أعاجيب‬
‫يقدّمها للناس ‪ .‬وقد راهن الكثري من الدّارسني‬
‫عجائب اهل��واء ‪« Air Wonder Stories‬‬ ‫آنذاك على موت اخليال العلمي‪ ،‬ولكن ‪ -‬ومع‬
‫و أدجمهما يف جملةٍ واح��دةٍ أمساها «قصص‬ ‫هناية ستينات القرن املنصرم – راح اخليال‬
‫العجائب ‪ « Wonder Stories‬وكانت قبل‬ ‫العلمي ينهض من جديد متخذاً من فتوحات‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫على الصّدور مثل جملة (اجملرة ‪ )Galaxy‬و‬ ‫ذل���ك ق��د ظ��ه��رت جم��ل��ة (ح��ك��اي��ات غريبة‬
‫(قصص مدهشة ‪ )Amazing Stories‬و‬ ‫‪ ) Weird Tales‬اليت أُسّست يف عام ‪1923‬‬
‫(فنتازيا ‪ )Fantasy‬و ( إذا ‪ ... ) IF‬وغريها‬ ‫م بعد ذل��ك ت��واىل ص��دور كثريٍ من اجمل�لات و‬
‫كما أنّ تأسيس احتاد كتّاب اخليال العلمي‬ ‫كان أشهرها «قصص العلم العظيم ‪Stories‬‬
‫املشار إليه بـ ‪ )16( SFWA‬يف الواليات املتحدة‬ ‫‪ »of Super-Science‬و (ك ّل القصص ‪All‬‬
‫عام ‪1965‬م مببادرة من الكاتب والناشر املعروف‬ ‫‪ )Stories‬و(اجملرّة ‪ )Galaxy‬وغريها ‪ .‬يقول‬
‫دامون نايت ‪ ، Damon Knight‬وختصيص‬ ‫ولسون ‪ (( :‬مل تكن معظم هذه اجملالت سيئ ًة‬
‫جائزتي « هوغو ‪ »Hugo‬و « نيبوال ‪»Nebula‬‬ ‫كما ت��وح��ي عناوينها فقد كتب فيها بعض‬
‫ك ّل ذلك ساعد الكتّاب والناشرين واملهتمّني‬ ‫مشاهري الكتّاب واجمليدين ‪)14( )).‬‬
‫على حتدّي العقبات والعوائق اليت قد تعرتض‬ ‫وب��اإلض��اف��ة إىل ال���دّور ال��ذي اضطلعت به‬
‫طريقهم ‪ .‬ومن أشهر كتّاب النوع يف أمريكا ‪:‬‬ ‫ه��ذه اجمل�لات يف نشر أدب ال��ن��وع واكتشاف‬
‫كتّاب جدد موهوبني فإهنا (( كانت مؤ ّثرةً جداً‪.‬‬
‫‪ -1‬إسحق آسيموف ‪ :‬ينظر كثريٌ من الدّارسني‬ ‫ل��درج��ة أهن��ا خصصت ج��ائ��زة ( أدب اخليال‬
‫إىل األمريكي إسحق آسيموف بوصفه عمالق‬ ‫العلمي ) السّنوية اليت سُميت (هوغو) يف إشارة‬
‫اخليال العلمي يف القرن العشرين بال منازع‬ ‫إىل احرتامه وأصبح أدب اخليال العلمي ناجحاً‬
‫بسبب غزارة إنتاجه يف أدب النّوع واستخدامه‬ ‫بطريقةٍ مذهلةٍ‪.‬‬
‫أسلوباً ج ّذاباً يف الكتابة‪ ،‬يساعده على ذلك‬ ‫ولكن النتيجة مل تكن يف مصلحة العدد الكبري‬
‫ول��ع��ه ال��ك��ب�ير باملطالعة وخت�صّ��ص��ه بدراسة‬ ‫من اجملالت اليت تطبع على ورق خشن‪.‬‬
‫الكيمياء يف جامعة فيالدلفيا ثم حصوله على‬ ‫فاألفالم وماشاهبها من األشياء اليت أعطت‬ ‫‪56‬‬
‫شهادة الدكتوراه‪ ،‬وشغله منصب أستاذ الكيمياء‬ ‫ألدب اخل��ي��ال العلمي امس��ه السيئ م��ا زالت‬
‫احليويّة يف العديد من اجلامعات األمريكية ‪.‬‬ ‫مصرّةً على االستمرار حتى اآلن )) (‪ )15‬ومع ذلك‬
‫وبالرّغم من شهرة آسيموف يف أدب اخليال‬ ‫فما زال عددٌ غري قليل من هذه اجملالت يداوم‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫العلمي فإنه مل يكن خملصاً له متاما ً إذ كتب‬
‫الرّواية البوليسيّة وأهتمّ بالتاريخ والسّرية‪ ،‬وأ ّلف‬
‫موسوعاتٍ ثقافي ًة ودراساتٍ أكادميي ًة و علمية‬
‫متعددة ناهيك عن سريته الذاتية املؤ ّلفة من‬
‫جزأين‪ ،‬كما كتب أكربنقدٍ عن أدب اخليال العلمي‬
‫يف كتابٍ من مثانية جملدات عرض فيها ملسرية‬
‫أدب النوع وتطوّره مع اختيارات ألعمال كتبها‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫مبدعون و مشاهري يف جمال اخليال العلمي من‬


‫الواليات املتحدة والعامل‪ .‬غري أنّ النقاد ينظرون‬
‫إىل إب��داع آسيموف القصصيّ حتديداً نظرة‬
‫اإلعجاب والتقديرالشديدين ‪.‬‬
‫وإلس��ح��ق آسيموف أع��م� ٌ‬
‫�ال إب��داع��ي� ٌة كثريةٌ‬
‫منها ‪ « :‬ت��ي��ارات الفضاء ‪The Currents‬‬
‫‪ « of Space‬و» هناية اخللود ‪The End of‬‬
‫‪ »Eternity‬و» مأساة القمر ‪The Tragedy‬‬
‫‪ « of the Moon‬و» الشمس العارية ‪The‬‬
‫‪ »Naked Sun‬على أنّ أشهر ما كتبه آسيموف‬
‫يف هذا الباب هو رواية « أنا رابوط ‪I Robot‬‬
‫اإلنسان على أن التتعارض هذه مع الشّرط (أ)‬ ‫« (‪1950‬م) و» املؤسّسة ‪The Foundation‬‬
‫ج ‪ -‬على اإلنسان اآليل أن يدافع عن ذاته‬ ‫« (‪1957‬م)‪ ،‬وت��دور أح��داث قصصه غالباً يف‬
‫على أن اليتعارض ذلك مع الشّرطني ( أ ) و‬ ‫الزّمن احلاضر واملستقبل القريب أو البعيد‪،‬‬
‫(ب ) ‪.‬‬ ‫ك��م��ا أنّ رواي����ات آس��ي��م��وف وق��ص��ص��ه متتلئ‬
‫وهذه القوانني قد صيغت بطريقة تشبه طرق‬ ‫باملناظر الفلكيّة من كواكب ومشوس وفضاءات‬
‫الربجمة العتماد الثاني على األول والثالث على‬ ‫مثرية للخيال‪ ،‬وميتاز أدبه بالنهايات املفاجئة‬
‫األول والثاني أي بطريقةٍ تشبه اخلوارزمية اليت‬ ‫اليت ال ختطر للقارئ على بال ((‪ ...‬فهو يعشق‬
‫يستخدمها املربجمون يف أعماهلم االعتيادية‪.‬‬ ‫خداع القارئ ومواجهته مبا اليتوقعه‪ .‬ولذلك‬
‫ولكنّ هذا ال يعين أن آسيموف نفسه قد تقيّد‬ ‫فهو بارعٌ متاماً يف كتابة القصص القصرية جداً‬
‫هبذه القوانني ‪ .‬وأنه مل يُظهر الرابوط بصورته‬ ‫والطويلة ال�تي يتذ ّكرها القارئ كما لو كانت‬
‫الشّريرة ففي قصّة « لنلتقي « تتن ّكر الرابوطات‬ ‫قصريةً ج��داً ألنّ ك� ّل ما يتذكره منها الفكرة‬
‫ب ِزيّ عددٍ من العلماء يف إحدى مراكز األحباث‬ ‫الرئيسيّة القويّة)) (‪ )17‬باإلضافة إىل ذلك فقد‬
‫وتقوم بعملياتٍ فدائيةٍ هتدف إىل تفجري مدينة‬ ‫أول��ع آسيموف باإلنسان اآليلّ أو (ال�رّاب��وط )‬
‫نيويوروك ‪ .‬أما هناية القصة فقد جاءت مفاجئ ًة‬ ‫فجعله بطالً لكثريٍ من أعماله ومل ينظر إليه‬
‫على طريقة آسيموف إذ يكشف الكاتب أنّ رجال‬ ‫دائماً كمصد ٍر للخطر على حياة اإلنسان ألنه‬
‫األم��ن يف هذه القصّة ما هم إال رج� ٌ‬
‫�ال آليّون‬ ‫قيّده بقوانني ثالثةٍ مشهورةٍ هي ‪:‬‬
‫‪57‬‬ ‫أيضاً‪ .‬ويف قصة (املنطق) يصنع رائد الفضاء‬ ‫أ ‪ -‬الينبغي لإلنسان اآليل أن يهدّد باخلطر‬
‫(جرجيوري پاول) و (دونوفان ) رابوطاً يطلقون‬ ‫حياة اإلنسان أو أن يعرّض حياة اإلنسان للخطر‬
‫عليه اسم ( كيوتي ) (‪ QT )18‬وهذا الرّابوط‬ ‫جرّاء نشاطه ‪.‬‬
‫يُعدّ من ّ‬
‫الطراز األوّل يف نوعه‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬على اإلن��س��ان اآليل أن يطيع أوامر‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫الكاتب إىل ال��وراء ليحكي لنا السّرية الذاتية‬ ‫ولكنّ (كيوتي) يتعلّق باملنطق ال��ذي بُرمج‬
‫للرابوط أن��درو وكيف اش�تراه سيده ثم ربطته‬ ‫على أساسه فهو ال يصدّق بأهنم صنعوه أل ّنه‬
‫صداق ٌة رائع ٌة مع بنت سيده الصغرية اليت كان‬ ‫أكثر إتقاناً منهم‪ ،‬فالناقص الينتج الكامل‪ ،‬وهنا‬
‫يناديها بـ (اآلنسة الصّغرية)‪.‬‬ ‫وحسب منطقه فإنّ من خلقه هو (السيّد) فما‬
‫ويف ت���ط���وّر حي��ص��ل يف دوائ������ر دماغه‬ ‫من إلـه إال السيّد‪ ،‬ويتصرّف بوصفـه نبيـاً مرسالً‬
‫البيزوتروني يشعر أندرو باحلرية وحياول أن‬ ‫إىل باقي الرابوطات اليت ختضع ملنطقه اآليل‬
‫يشرتي نفسه من سيده‪ ،‬ويوافق السيّد إال أن‬ ‫فتطيعه وخيرج األمر من أيدي رائدي الفضاء‬
‫القوانني املدنيّة ال تسمح بذلك وهنا تتدخّل‬ ‫رغم غضب دونوفان الذي يعيّر الرابوط بأنه‬
‫اآلنسة الصغرية ال�تي أصبحت فتاةً ناضج ًة‬ ‫خ��ردةٌ مطليّة بالكروم ‪ .‬وعندما تنتهي مهمّة‬
‫وتدافع عن أندرو أمام احملكمة فينال حريته‪،‬‬ ‫الرائدين يأتي طاقمٌ بدي ٌل فيسـأله جرجيوري ‪:‬‬
‫ثم ينجح أندرو يف صنع دوائرَ وأجهزةً مت ّكنه من‬ ‫كيف حال األرض ؟ فيجيب أحدمها ‪ « :‬مازالت‬
‫األكل والشّرب واجلنس بعد أن سكن منعزالً يف‬ ‫تدور !! « ‪.‬‬
‫غرفتني بعيدتني ‪ ،‬وعندما مرّت سنون طويل ٌة‬ ‫أمّ��ا يف قصّته الطويلة « رجل املئيت عام «‬
‫على أندرو مات خالهلا سيّده والكثري من أفراد‬ ‫فإنه خيلع على رابوطه ك ّل الصّفات اإلنسانية‬
‫العائلة ال�تي ع��اش فيها شعر بأنه خالد ألنه‬ ‫اإلجيابية من نب ٍل وهدوءٍ وحمبّةٍ‪ ،‬و تبدأ أحداث‬
‫رابوط والميكنه املوت‪.‬‬ ‫القصة عند أهمّ حلظةٍ يف حياة الرّابوط (أندرو)‬
‫وبدأ الطموح للموت يساوره إىل أن قرّر أخرياً‬ ‫إذ يقف أمام رابوطٍ جرّا ٍح آخر ليخربه بأنه يريد‬
‫جراحي يستنزف دوائره البوزترونية‬‫ٍّ‬ ‫إجراء عم ٍل‬ ‫جراحي‪ ،‬ولكنّ الرابوط اجلرّاح‬
‫ٍّ‬ ‫أن يقوم بعم ٍل‬
‫خالل عام ‪ ،‬وعندما أجرى له الرابوط اجلرّاح‬ ‫يرفض القيام باجلراحة بناءً على القانون األوّل‬
‫العملية عاد إىل البيت وكانت تزوره السيدة ( يل‬ ‫من قوانني آسيموف ألنه يعدّ أندرو إنساناً فهو‬ ‫‪58‬‬
‫سنج ) وهي سيدة من جنوب شرق آسيا‪.‬‬ ‫ال يشبه الرابوطات األخ��رى يف ش��يء‪ ،‬إال أن‬
‫وعندما حانت حلظة وفاته (( مدّ هلا يده يف‬ ‫أندرو يقنعه بأنه ليس بشراً وأن العمل اجلراحي‬
‫وهن‪ .‬كانت صورهتا ختبو بينما أفكاره تتالشى‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أي من القوانني الثالثة‪ .‬ويعود‬ ‫اليتعارض مع ٍّ‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫الطريف أن براد بوري ميزج الرّعب والتّوتر الذي‬ ‫ّ‬ ‫كل شيء‪:‬‬ ‫لكن فكرةً واحدةً جاءته قبل أن يتو ّقف ُّ‬
‫تشيعه كتاباته بالشّاعرية واحليويّة واحلسّ‬ ‫(اآلنسة الصغرية)‪ .‬قاهلا بصوتٍ خافتٍ ال ميكن‬
‫امل��ره��ف‪ ،‬ي��ق��ول حم��م��ود ق��اس��م ‪ ... (( :‬كمـا‬ ‫ألحدٍ أن يسمعه )) (‪)19‬‬
‫يتميّز أسلـوب بـراد بـوري بالشّاعريـة واجلديّة‬ ‫أمّ����ا أس��ل��وب آس��ي��م��وف فيعتمد اجلمل‬
‫وأ ّنه مفعمٌ باخليال‪ .‬فهو حريصٌ على اختيار‬ ‫القصرية ذات املعاني الواضحة ‪ ،‬وتبدأ قصته‬
‫الكلمات املناسبة واجملازية يف كتابتة؛ ومن ثم‬ ‫عادةً بتسليط الضوء على الشخصية احملورية‬
‫خيلق أسلوباً ميتلئ بالبالغة والشّاعرية‪ ،‬وهذا‬ ‫أو احلدث الرئيس يف القصة ليظهر من خالله‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫يضفى على تعامله سحراً أخّاذاً )) (‪.)21‬‬ ‫املشكلة امل��ط��روح��ة وه��ن��ا تتجمع شخصيات‬
‫على أنّ أشهر أعمال براد بوري « فهرهنايت‬ ‫القصة لتناقش احل��ل��ول ال�تي جي��ب ا ّتخاذها‬
‫‪1953 ( »451 Fahrenheit 451‬م ) وتصوّر‬ ‫إلنقاذ املوقف واخلروج من املشكلة اليت تزداد‬
‫هذه الرّواية إحدى املدن بعد أن غيّرت احلرب‬ ‫إث��ارة مع التقدّم يف مسار احل��دث ‪ .‬وال يغفل‬
‫العاملية الثالثة مالمح البشريّة ‪ .‬ففي هذه‬ ‫آسيموف احلوار الدّاخلي أو املناجاة الذي يأتي‬
‫املدينة قوانني حتظر كل ماهو مكتوب‪ ،‬ومتنع‬ ‫مرافقاً للحوار العادي (‪)20‬‬
‫تداول الكتب أو األوراق أو أيّ شيءٍ يؤدّي إىل‬ ‫‪ -2‬راى ب��راد ب��وري‪ :‬الب �دّ ألي ناقد ينظر‬
‫ثقافةٍ حقيقيّةٍ‪ ،‬ألن الكتب والقراءة برأي السلطة‬ ‫يف األدب األمريكي احلديث من التّوقف عند‬
‫مفسدةٌ لعقول الناس وأخالقهم‪ ،‬فما عليهم‬ ‫راي براد بوري ألنه كتب يف أنواع ٍأدبيةٍ متنوّعةٍ‬
‫س��وى اجل��ل��وس لساعات طويلة أم��ام التلفاز‬ ‫كالقصة واملسرحية ورواي���ة اخل��ي��ال العلمي‬
‫ال��ذي يبثّ برامج التسلية والتّرفيه واألغاني‬ ‫باإلضافة إىل ما يسمّى بالرواية الشعبية‪ .‬وقد‬
‫واملسابقات التافهة‪ ،‬أو يشغلون أنفسهم حب ّل‬ ‫دخل ب��راد ب��وري ميدان األدب يف سنّ مبكرة‬
‫الكلمات املتقاطعة‪ ،‬وتطارد السلطات رجال‬ ‫ونشر أوىل جمموعاته القصصية (رحلة املليون‬
‫الفكر والقرّاء‪ ،‬وتسعى لتصفيتهم و النيل منهم‬ ‫عام ‪ ) The Million Year Picnic‬يف عام‬
‫بطرقٍ متنوعةٍ‪.‬‬ ‫(‪1946‬م) ‪ ،‬ومن أعماله أيضاً ( يوميات من‬
‫ويقوم رجال املطافئ بدور السلطة التنفيذية‬ ‫كوكب املريخ ‪1950( )Journals of Mars‬م) و‬
‫يف املطاردة والتع ّقب إذ تناط هبم مهمّة إحراق‬ ‫(تفاحات الشمس الذهبيّة ‪Golden Apples‬‬
‫الكتب عند الدّرجة ‪ 451‬فهرهنايت ‪ .‬وقد قام‬ ‫‪ )of the Sun‬كما نشر مسرحياتٍ من اخليال‬
‫هؤالء حبرق أعدادٍ هائلةٍ من الكتب تش ّكل تراث‬ ‫العلمي منها (عمود من نار ‪)Pillar of Fire‬‬
‫البشريّة يف الدّين والفلسفة والعلوم واآلداب ‪.‬‬ ‫و (كاليدوسكوب ‪ )Kleidoscope‬و (نفري‬
‫ي��ق��وم م��ون��ت��اج وه���و أح���د رج���ال املطافئ‬ ‫الضباب ‪ ،)The Fog Horn‬وقد ترجم رؤوف‬ ‫ّ‬
‫مبطاردة اخلارجني على القانون أمّا كالريس‬ ‫وصفي هذه املسرحيات إىل العربية ونُشرت يف‬
‫فهي ف��ت��اة مولعة ب��ال��ق��راءة‪ ،‬وع��ن��دم��ا تنشأ‬ ‫سلسلة املسرح العاملي عام ‪1985‬م ‪.‬‬
‫ويطلع على‬ ‫ص��داق��ة ب�ين مونتاج وك�لاري��س ّ‬ ‫ويتّسم أسلوب ب��راد ب��وري بالتوجّه حنو‬
‫ما تقوم به يُعجب بثقافتها وا ّت��زاهن��ا وثقتها‬ ‫الدّاخل أي داخل النّفس اإلنسانيّة ليس لبثّ‬
‫بنفسها ‪ ،‬و يدس رواي��ة « دافيد كوبرفيلد «‬ ‫الرّعب واخلوف يف نفس القارئ فقط‪ ،‬وإ ّنما‬
‫يف ثيابه وم��ا إن يقرأها حتى تأخذ الرواية‬ ‫النتقاد أسلوب احلياة اإلنسانية اليت تقف برأيه‬
‫‪59‬‬ ‫بعقله ومتلك عليه لبه‪ .‬وتظهر على مونتاج‬ ‫على شفري اهلاوية‪ ،‬فاملدينة واآلالت واألجهزة‬
‫تصرفاتٌ غريب ٌة إذ مل يعد متحمساً حلرق‬ ‫سامهت يف تشيؤ اإلنسان فأصبح منقاداً بال‬
‫الكتب كما ك��ان يف امل��اض��ي‪ .‬وراح يثور على‬ ‫‪.‬إرادة‪ ،‬مسلوباً بال سعادة‪ ،‬الهثاً وراء أمنه يف‬
‫زوجته ليندا وصديقتيها وه ّّن يشاهدن الربامج‬ ‫حني جيهل أنه يركض با ّتجاه حتفه‪ .‬لكنّ ومن‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫مجيع املدن واجلنس البشريّ من على األرض‪،‬‬ ‫التافهة على التلفاز‪ ،‬وتضعف عالقته بزوجته‬
‫فهذان الزّوجان وطفلهما هم آخر ما تبقى من‬ ‫تتوطد صداقته مع كالريس ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫بينما‬
‫البشريّة ‪.‬‬ ‫يداهم رج��ال املطافئ منزل كالريس بعد‬
‫ويف قصة « املطر سيأتي مب��اء ف��رات «‬ ‫أن علموا بوجود كتبٍ يف منزهلا‪ ،‬فيحرقون‬
‫يصوّر براد بوري حرباً تفين البشريّة مجعاء‪،‬‬ ‫كتبها وبداخلها صديقة كالريس العجوز ‪ .‬أمّا‬
‫أمّا بطل القصّة فهو بيتٌ مربمجٌ ال زال يعمل‬ ‫كالريس نفسها فقد هربت واختفت عن األنظار‬
‫بطريقةٍ آليةٍ كما برجمه أهله قبل احلرب‪،‬‬ ‫بعد أن علمت بأن رجال الشّرطة يالحقوهنا ‪.‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫فهو يوقظ السيد والسيدة يف ساعة حمددة‪،‬‬ ‫تشي ليندا بزوجها فيقتحمون منزله‪ ،‬ويأمره‬
‫ويدعو األط��ف��ال إىل طعام اإلف��ط��ار‪ ،‬وجيهز‬ ‫الرّئيس حبرق كتبه بنفسه لكنّ مونتاج يقذف‬
‫الغداء حسب برنامج مسبق‪ ،‬وعندما تسقط‬ ‫النار باجتاه رئيسه فريديه قتيالً ثم يلوذ بالفرار‪،‬‬
‫ش��ج��رةٌ على ن��اف��ذة امل��ن��زل حي��دث خ��ل� ٌل ما‬ ‫وينضمّ إىل كالريس ورفاقها فيقوم هؤالء مجيعاً‬
‫فيحرتق املنزل وال يبقى منه سوى جدارٌ يصدر‬ ‫حبفظ كثريٍ من الكتب غيباً‪ ،‬فينادون بعضهم‬
‫صوتاً يقول ‪ (( :‬اليوم هو التاسع والعشرون‬ ‫بعضاً بأمساء الكتب أو املؤلفني الذين حيفظون‬
‫من آبريل سنة ‪ )22( ))1985‬وكثرياً ما يستغ ّل‬ ‫هلم ‪ ،‬فهذا أرسطو وذاك ميكافيللي واآلخر «‬
‫بـراد بـوري قـدرته على كشف خبايا النّفس‬ ‫أليس يف بالد العجائب « وهكذا ‪ ...‬ك ّل ذلك‬
‫برباعـةٍ ظاهـرةٍ فيجعل من جوّ القصة بطالً‬ ‫من أجل استمرار الفكر واإلبداع يف اإلنسانية‬
‫حقيقياً حتى وإن كان احلدث بطيئاً وعاديّاً‬ ‫بعد أن ضلل التلفاز برباجمه التافهة اجلماهري‬
‫جداً ‪ ،‬ولكن القارئ الميلك إال أن يتابع القصّة‬ ‫وأبعدهم عن الرّوح اإلنسانية احلقيقية ‪.‬‬
‫مأخوذاً بسحر أسلوبه الغامض ‪.‬‬ ‫وتسيطر على أدب راي ب��راد ب��وري فكرة‬
‫وال ي��زال أدب اخليال العلمي حتى اليوم‬ ‫هناية البشريّة ‪ ،‬وأدب��اء اخليال العلماء عام ًة‬
‫عريض من القرّاء ‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫حيوز على إعجاب مجهو ٍر‬ ‫حسّاسون جداً جتاه هذه املسألة ‪ ،‬وهم غالباً‬
‫ويظهر على السّاحة كتّاب موهوبون من أمثال‬ ‫يطلقون إنذاراهتم هبذا االجت��اه مشفقني من‬
‫صموئيل ‪ .‬ر‪ .‬ديالني ‪Samuel .R. Delany‬‬ ‫هن��اي �ةٍ ت��راج��ي��ديّ�ةٍ حل��ض��ارةٍ ب��ش��ريّ�ةٍ عمّرها‬
‫وروجر زيالزني ‪ Roger Zelazny‬و املؤلف‬ ‫اإلنسان باملخاطرة والكدح والعذاب ‪ .‬أمّا براد‬
‫األكثر مبيعاً يف الفرتة األخرية مايكل كرايتون‬ ‫بوري فيطرح قصته على طريقة آالن پو‪ ،‬حيث‬
‫‪ ، Michael Crichton‬أما وليام جيبسون‬ ‫يطغى الصّمت والرّعب على القصة ‪ ،‬وأحياناً‬
‫‪ William Gibson‬فإنه يعدّ من أكرب كتّاب‬ ‫يشعر القارئ أنّ الكاتب أراد إخافته فقط ‪،‬ألنّ‬
‫اخليال العلمي املعاصرين ملا يتميز به من‬ ‫القصة تنتهي بنهايةٍ مفتوحةٍ وال شيء بعد‬
‫معاجلات جديدةٍ و شائقةٍ تتناسب مع آخر ما‬ ‫ذلك! ففي قصة (عطلة ) يتحدّث الكاتب عن‬
‫توصّل إليه العلم املعاصر ‪.‬‬ ‫رحلةٍ لزوجني برفقة طفلهما بعد أن تالشت‬

‫اهلوامش‬

‫والقسوة وامل��وت ‪ .‬وذلك بتأثري من حياة بريس‬ ‫‪ -1‬أم��ب��روز ج��وي��ن��ت ب�ي�رس ‪Ambrose‬‬
‫الشخصية نفسها ‪ ،‬فقد ول��د يف عائلة فقرية‬ ‫‪1842( Gwinett Bierce‬م ـ ‪1914‬م ) ‪:‬‬ ‫‪60‬‬
‫فعانى وط���أة احل��رم��ان ‪ ،‬وش���ارك يف احلرب‬ ‫كاتب وصحفي أمريكي عثرف بقصصه شبه‬
‫األهلية األمريكية ( ‪1861‬م ـ ‪1865‬م ) جُرح‬ ‫الواقعية وقصص الرّعب ‪ ،‬شخصيات قصصه‬
‫جرحاً بليغاً ع ّكر عليه صفو حياته‪ .‬اختفى‬ ‫تندفع بغريزةٍ نفسيّةٍ عميقةٍ كما تعكس الوحشية‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Anson‬‬ ‫أمربوز يف رحلة إىل املكسيك يف ظروف غامضة‬
‫‪ - 11‬راي راي براد بوري ‪Ray Brad Bury‬‬ ‫مل تعرف مالبساهتا ‪ .‬من أشهر أعماله (حكايا‬
‫( ‪1920‬م ‪ : )...... -‬كتب األمريكي براد بوري‬ ‫اجلنود ‪ )Tales of Soldiers‬و (مدنيّون)‬
‫أكثر من ‪ 600‬قصة قصرية ‪ ،‬و عد داً كبرياً من‬ ‫‪1891 Civilians‬م‪ ،‬و( معجم الشيطان ‪The‬‬
‫ال��رواي��ات و القصائد واملسرحيات ‪ ،‬كما كتب‬ ‫‪1906 )Devil′s Dictionary‬م ‪.‬‬
‫السيناريو السينمائي لعددٍ من األفال م يف جمليت‬ ‫‪ - 2‬إدغار أريس بوروغس ) ‪Edgar Rice‬‬
‫« حكايات غريبة « و» قصص مدهشة « يف حوايل‬ ‫‪1875 Burroughs‬م – ‪1950‬م ) ‪ :‬ولد بورغس‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫‪12‬من عمره ‪ .‬جُمعت قصص براد بوري يف كتابٍ‬ ‫يف شيكاغو و مارس أعماالً عدّة ‪ :‬جندي ‪ ،‬وعامل‬
‫ضخ ٍم من أشهرأعماله ( التواريخ املرخيية ‪The‬‬ ‫منجم ‪ ،‬و را ٍع للبقر‪ ،‬وعامل مكتبة ‪ ،‬ثم شرطي‬
‫‪1950 )Martian Chroniles‬م ‪ ،‬و ( اإلنسان‬ ‫‪ ،‬قبل أن يتّجه للكتابة ‪،‬عُرف على حن ٍو خاص‬
‫الواضح ‪ 1950 ) The Illustrated Man‬م ‪،‬‬ ‫بأنه مبتكر شخصيته طرزان اليت ظهرت يف أكثر‬
‫و ( فهرهنايت‪1953 ) 451 Fahreheit 451‬م‬ ‫من ‪ 20‬رواي��ة له تُرمجت إىل ‪ 50‬لغة أجنبيّة ‪،‬‬
‫– و هي الدّرجة اليت حيرتق عندها الورق ‪ -‬و‬ ‫و بيع منها أكثر من عشرين مليون نسخة عرب‬
‫له جمموعات قصصيّة منها ( مهرجان مظلم‬ ‫العامل ‪ ،‬كما نُقلت إىل اخليالة واإلذاعة والتلفاز‬
‫‪1947 ) Dark Carnival‬م ‪ ،‬و ( تفاحات‬ ‫‪ ،‬ويصنّف النقاد إلدغار رايس بوروغس أكثر من‬
‫الشمس الذهبية ‪The Golden Apples‬‬ ‫‪ 60‬عمالً منشوراً يف أدب اخليال العلمي ‪.‬‬
‫‪1953 ) of the Sun‬م ‪ ،‬و( ع�لاج للكآبة‬ ‫‪ - 3‬انظر « أدب اخليال العلمي (جلاتينيون)‬
‫‪)A Medicine for Mmelancholy‬‬ ‫واخليال العلمي أدب القرن العشرين حملمود‬
‫‪1959‬م ‪ .‬و من رواياته ( مخر اهلندباء الربية‬ ‫قاسم ‪.‬‬
‫‪ 1957 ) Danlion Wine‬م ‪ ،‬و (القتل عمل‬ ‫‪ -4‬انظر ‪Before the Golden Age‬‬
‫موحش ‪Death is a Lonely Busenisss‬‬ ‫– ‪–Isaac Asimov- Fawlette Craest‬‬
‫) ‪1985‬م ‪ ،‬و ( اجلميع يقتلون بثبات ‪All Kill‬‬ ‫‪1973 - New York‬‬
‫‪2003 )Constancy‬م ‪......‬‬ ‫‪ - 5‬املعقول و الالمعقول يف األدب احلديث –‬
‫‪ - 12‬أدب اخليال العلمي – ص‪.44‬‬ ‫كولن ولسون – تر ‪ :‬أنيس زكي حسن – منشورات‬
‫‪ - 13‬انظر كراسات مستقبلية ص ‪.24‬‬ ‫دار اآلداب – بريوت – الطبعة الرابعة ‪1978 -‬م‬
‫‪ - 14‬املعقول والال معقول ص ‪.156‬‬ ‫‪ -‬ص‪. 29‬‬
‫‪Dictionary of Litrary Terms – P‬‬ ‫‪ - 6‬هوغو جرنسباك ‪:Hugo Gernsback‬‬
‫‪4 - 608‬‬ ‫هاجر جرنسباك من لوكسمورج إىل الواليات‬
‫‪ - 15‬رؤوف وصفي هو الكاتب العربي الوحيد‬ ‫املتحدّة ‪ ،‬وأسّس هناك جملة ( قصص مدهشة)‬
‫الذي انتسب إىل ‪.SFWA‬‬ ‫شجّع من خالهلا القراء على الكتابة إىل اجمللة‬
‫‪ - 16‬العربي العدد ‪1993 - 413‬م‬ ‫وإىل بعضهم بعضاً ‪ ،‬واستأجر أح��د الفنانني‬
‫‪ - 17‬قصص من آسيموف تر ‪ :‬د ‪ .‬أمحد‬ ‫املشهورين آنذاك فرانك ‪ .‬ر ‪ .‬پاول لرسم الصّور‬
‫خالد توفيق ‪ -‬املؤسسة العربية احلديثة للطبع‬ ‫الغريبة على غالف اجمللة فبدت مبظه ٍر أنيقٍ‬
‫والتوزيع ‪ -‬القاهرة ‪.‬‬ ‫ج���داً ‪ ،‬وبفضله ب��دا اخل��ي��ال العلمي منافساً‬
‫‪ - 18‬انظر العربي ‪ -‬العدد ‪1993 - 413‬م‪.‬‬ ‫حقيقياً لآلداب التقليدية األخرى ‪.‬‬
‫‪61‬‬ ‫‪ - 19‬اخليال العلمي أدب القرن العشرين‬ ‫‪ - 7‬أدب اخليال العلمي – ص‪.37‬‬
‫ص‪. 85‬‬ ‫‪ - 8‬آفاق أدب اخليال العلمي – ص‪. 66‬‬
‫‪ - 20‬من أدب اخليال العلمي راي براد بوري‬ ‫‪ - 9‬أدب اخليال العلمي – ص‪. 39‬‬
‫‪ -‬تر ‪ :‬حسن شكري ص ‪. 58‬‬ ‫‪ - 10‬روب����رت آن��س��ون هينلني ‪Robert‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫يقال ‪( :‬إن األف��ك��ار ال هتبط من السماء‬
‫بل تصعد إليها‪ ،‬وتتفق يف اجملرات لتعود إىل‬
‫األرض من جديد لترتك بصمة يف كل األشياء‬
‫من حولنا)‪ ،‬واملصطلحات ال�تي تطلق على‬
‫األعمال اليت تبالغ يف تصوير املستقبل وتنقلنا‬
‫إىل عامل امليتافيزيقيا‪ ،‬أو ما يعرف مبا وراء‬
‫الظواهر احملسوسة هي نفسها اليت تعرف‬
‫باخليال العلمي الذي ال ميكن للعقل البشري أن‬
‫يصل إليه إال عن طريق التخمينات والتأمالت‪.‬‬
‫وإن التغريات املتسارعة واملستجدات الطارئة‬
‫اليت يشهدها العامل يف العقود األخ�يرة‪ ،‬تثري‬
‫ك��ث�يراً م��ن ع�لام��ات االستفهام والتساؤالت‬
‫عما سيكون عليه اجملتمع اإلنساني‪ ،‬بل وعن‬
‫مصري اإلنسان نفسه إزاء ارتياد العلم احلديث‬
‫جماالت للبحث كان حمرماً عليه يف السابق‬
‫االق�تراب منها بسبب عوامل خمتلفة‪ ،‬أمهها‬
‫التقاليد املتوارثة‪ ،‬والقيم األخالقية والعقائد‬
‫الدينية‪ .‬إال أنه ومنذ النصف الثاني من القرن‬
‫العشرين استطاع أن حيطم الكثري من هذه‬
‫القيود‪ .‬وقد لعب اخليال العلمي دوراً كبرياً‬
‫يف النفاذ إىل أعماق املستقبل واستشراف‬
‫جزء كبري من معطياته‪ ،‬بل إن بعضه متكن من‬
‫النجاح يف حتقيق نسب دقيقة من املقاربة بني‬
‫اخليال من جهة‪ ،‬والواقع املعيش من جهة ثانية‪،‬‬
‫لدرجة أذهلت يف كثري من األحيان املطلعني‬
‫على بعض احلقائق من دقة هذا اخليال يف‬ ‫‪62‬‬
‫رسم صورة الواقع‪ ،‬خاصة‪ ،‬يف الوصول إىل‬
‫االكتشافات واالخرتاعات العلمية‪.‬‬
‫وم��ن امل��ؤك��د أن أدب اخل��ي��ال العلمي هو‬ ‫عزيزة السبيين‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫الرائد يف بلورة هذا الفن أو هذا العلم ومبعنى مهما تكن ضآلته عن الطريقة اليت من املمكن‬
‫أدق‪ ،‬وضعه على احملك والرهان على حتوله أن يسري هبا العامل يف املستقبل ‪ ،‬ومبا حيمله من‬
‫إىل حقيقة يف يوم ما‪ .‬وبالتايل فإنه ميكننا‬
‫إن األف��ك��ار ال هتبط‬ ‫القول إن اخليال العلمي هو حمصلة‪،‬أوناتج عن‬
‫اخليال البشري يف ضوء ما تتيحه اإلمكانات‬
‫من السماء بل تصعد‬ ‫العلمية‪ ،‬واحتماالت تطورها‪ ،‬فهو يتناول مجيع‬
‫احلقائق اليت يقدمها العلم ثم يضيف إليها‬
‫إل���ي���ه���ا‪ ،‬وت���ت���ف���ق يف‬ ‫اخليال‪ .‬فهو الضوء الكاشف للعلم‪ ،‬يبدأ من‬
‫النقطة اليت يقف عندها العلم‪ ،‬ممهداً الطريق‬
‫اجمل����رات ل��ت��ع��ود إىل‬ ‫للمستقبل‪.‬‬
‫األرض م���ن جديد‬ ‫ومن أهم أدوار أدب اخليال العلمي‪ ،‬عمله‬
‫مرتمجاً للعلوم ل��دى البشرية‪ ،‬وه��ذا بالطبع‬
‫لترتك بصمة يف كل‬ ‫س�ل�اح ذو ح��دي��ن‪ ،‬ف��ال��ع��ل��م ي��ب�ني ول��ك��ن��ه قد‬
‫يدّمر (األسلحة النووية ‪ ،‬القنبلة الذرية)‪،‬‬
‫األش��ي��اء م��ن حولنا‬ ‫والتكنولوجيا رمبا تنهي احلضارة أو ترفعها‬
‫إىل أبعد زوايا خيالنا!!‪.‬‬
‫وحتقيق اخليال العلمي له أمهيته العلمية‬
‫والفكرية للشعوب‪ ،‬فالعلم حقق تقريباً كل ما مفاجآت وثورات علمية‪ ،‬وغزوات فضائية‪.‬‬
‫م��ا نريد التأكيد عليه ه��و كيفية تنمية‬ ‫تنبأ به اخليال العلمي‪ ،‬فما كان خياالً قبل‬
‫نصف قرن من الزمن أصبح حقيقية نلمسها اخل��ي��ال العلمي ب��اع��ت��ب��اره امل��ق��دم��ة األوىل‬
‫‪63‬‬ ‫اليوم ونعيشها‪ .‬واليوم نرى العلم قد كشف ل�لاب��ت��ك��ار واالخ���ت���راع وال����ذك����اء باكتشاف‬
‫آالف احلقائق اجل��دي��دة املذهلة ال�تي ميكن ال��ع�لاق��ات وخت��ي��ل التطوير وال��ت��ق��دم الذي‬
‫اعتبارها أجنحة حيلق هبا عقل كاتب اخليال ي��ف��ك��ر ف��ي��ه اإلن���س���ان ف��اخل��ي��ال ب��ش��ك��ل عام‬
‫العلمي إىل آفاق مستقبلية قد تطلق حتذيراً ليس منفصالً ع��ن ال��واق��ع‪ ،‬ف��ال��ف��رد نفسه‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫وق��د لعب اخل��ي��ال العلمي وال ي��زال دوراً‬
‫كبرياً يف الوصول إىل االكتشافات واالخرتاعات‬
‫العلمية‪ ،‬فلو نظرنا إىل اإلجنازات العلمية اليت‬
‫حتققت خالل النصف الثاني من القرن العشرين‬
‫وبدايات القرن احلايل‪ ،‬بدءاً من الصعود للفضاء‪،‬‬
‫وصوالً إىل العالج اجليين واالستنساخ‪ ،‬لوجدنا‬
‫كل هذه احلقائق واإلجن��ازات وغريها كثري قد‬
‫مت التنبؤ هبا يف كتابات اخليال العلمي منذ‬ ‫َّ‬
‫أواخر القرن التاسع عشر‪ .‬ولقد أدركت الدول‬
‫املتقدمة أمهية اخليال العلمي يف إعداد وتنشئة‬
‫جيل من العلماء واملبدعني‪ ،‬فقامت بإدراجه يف‬
‫مناهج التعليم املختلفة‪ ،‬وافتتاح أقسام دراسية‬
‫باجلامعات يف ختصص أدب اخليال العلمي‪،‬‬ ‫وكل ما يفكر فيه‪ ،‬ما هو إال حصيلة التجارب‬
‫وأكدت أن دراسة اخليال العلمي جزء ال يتجزأ‬ ‫واخلربات اليت اكتسبها نتيجة التفاعل املستمر‬
‫من اسرتاتيجياهتا املستقبلية‪.‬‬ ‫بينه وبني احمليط الذي يعيش فيه‪ ،‬فاخليال‬
‫ومن املعروف أن اخليال العلمي هو الذي‬ ‫هو تلك القدرة على تصوير الواقع يف عالقات‬
‫يقرب مفردات العلم من عقلية الطفل‪ ،‬فربط‬ ‫ج��دي��دة ‪ ،‬وع��ل��ى تقمص األش��ي��اء ومتثيلها‪.‬‬
‫العلوم النظرية بالتطبيق‪ ،‬أي تثقيف الطفل‬ ‫ويعرّف مصطفى فهمي التخيل بأنه‪( :‬القدرة‬
‫علمياً وبشكل صحيح ال يتأتى إال بربط العلوم‬ ‫على تفسري احلقائق بطريقة تدعو إىل حتسني‬ ‫‪64‬‬
‫النظرية بالواقع منذ املراحل األوىل للطفولة‪،‬‬ ‫احلياة‪ ،‬وهو هبذا النوع من التفكري تستعمل‬
‫وتقسم مراحل الطفولة إىل أطوار قد خيتلف‬ ‫فيه احل��ق��ائ��ق حل��ل امل��ش��ك�لات يف املستقبل‬
‫يف تقسيمها علماء النفس‪ ،‬إال أن الغالبية‬ ‫واحلاضر)‪.‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫بني الثالثة والنصف والرابعة‪ .‬أم��ا ( ماركي‬ ‫فيهم تتفق على أن الطفل بني السنة الثالثة‬
‫‪ )Markey‬فرأيها مغاير حيث استنتجت أن‬ ‫واخل��ام��س��ة‪ ،‬يتميز خبياله اجل��ام��ح املرتبط‬
‫السلوك اخليايل عند الطفل يتزايد يف مرحلة‬ ‫بالبيئة ال�تي حييا فيها‪ ،‬ويقلد بأفعاله من‬
‫ما قبل املدرسة‪ ،‬وأشارت إىل السلوك اخليايل‪،‬‬ ‫حوله‪ ،‬ويقتبس عنهم أعماهلم وحتركاهتم‪ ،‬لذا‬
‫وليس التفكري اخليايل‪ ،‬وه��ذا حييلنا إىل أن‬ ‫يتحتم توجيه الطفل للتعلم اجلاد املنتج والعناية‬
‫التفكري اخليايل عند الطفل مرتبط مبا يراه‬ ‫بتثقيفه العلمي‪ .‬وشحن ت��ص��ورات��ه وأفكاره‬
‫من سلوك اآلخرين‪.‬‬ ‫بقصص تتحدث عن إجن��ازات العلم الباهرة‪،‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫وإذا ما تعمقنا يف هذا الفن املتميز بني فنون‬ ‫ومستقبله املضيء‪ ،‬فالتخيل عملية استحضار‬
‫الكتابة األدبية سنجد أن اخليال العلمي يف عاملنا‬ ‫لصور مل يسبق إدراكها من قبل إدراكاً حسياً‬
‫العربي‪ ،‬ال يزال فقرياً بل إن هناك الكثري من‬ ‫كامالً‪ ،‬مثل استحضار الطفل صورته لنفسه‬
‫التساؤالت اليت حتيط به‪ ،‬ولعل أمهها ما يرتبط‬ ‫وه��و يقود مركبة فضاء‪ ،‬أو يلتقي بكائنات‬
‫مبدى الوعي بأمهية هذا األدب واملوضوعات‬ ‫عاقلة من كواكب أخرى أو أن يتغلّب على بطل‬
‫العامل يف املصارعة‪ .‬أو يتخيل نفسه العباً‬
‫اخل��ي��ال ال��ع��ل��م��ي يف‬ ‫يف م��ب��اراة لكرة ال��ق��دم م��ع فريق ع��امل��ي‪ .‬إىل‬
‫ما هنالك من الصور واإلحي��اءات اليت ترتبط‬
‫عاملنا العربي‪ ،‬ال يزال‬ ‫بالعوامل اليت يتابعها‪ ،‬األمر الذي يؤدي إىل رسم‬
‫ص��ورة ذهنية لديه حتاكي ظواهر عديدة يف‬
‫ف��ق�ير ًا ب��ل إن هناك‬ ‫الكون‪ ،‬ونصل من خالهلا إىل حقيقة مفادها‪،‬‬
‫أن اخليال أميز صفات اإلن��س��ان‪ ،‬وكلما برع‬
‫الكثري من التساؤالت‬ ‫يف التخيل‪ ،‬برع يف االبتكار واالخ�تراع‪ .‬وال بد‬
‫ال���ت��ي حت���ي���ط به‬ ‫من اإلش��ارة هنا إىل النتائج اليت توصل إليها‬
‫الباحث يف الرتبية (ماكميالن‪)mcmillan‬‬
‫يف دراس��ة أج��راه��ا لتحديد مراحل االرتقاء‬
‫ال�تي يتصدى هل��ا‪ .‬ولعل أخطر الثغرات اليت‬ ‫خبيال الطفل وقد حددها يف ثالث مراحل‪،‬‬
‫تعاني منها نظم التعليم العربية تكمن يف عدم‬ ‫املرحلة األوىل يكون فيها اإلحساس باجلمال‬
‫إعطاء اخليال واإلب��داع حقهما من االهتمام‪،‬‬ ‫هو الطريق الذهيب للمعرفة‪ .‬واملرحلة الثانية‪،‬‬
‫م��ا ي��ؤدي إىل إغ��ف��ال تنشيط ق���درات النشء‬ ‫يكون االق�تراب املناسب من الواقع عن طريق‬
‫اإلبداعية‪ ،‬فما زلنا ننظر حبساسية واستغراب‬ ‫التساؤل عن السبب يف وج��ود األش��ي��اء‪ .‬أما‬
‫هلذا النوع من األدب‪ ،‬وبالتايل حتجم الكثري من‬ ‫املرحلة الثالثة واألخ�ي�رة‪ ،‬فيبدأ الطفل فيها‬
‫مؤسسات الثقافة ودور النشر عن نشر هذا‬ ‫بالتعبري عن رؤيته األوىل لعامل األشياء كما‬
‫األدب لعدم إدراك��ه��ا ألمهيته يف تطور العلم‬ ‫هو موجود يف ال��واق��ع‪ .‬يف حني رأى (آندروز‬
‫والتكنولوجيا‪ ،‬ويف إع��داد العلماء واملبدعني‪.‬‬ ‫‪ )Andrews‬أن الدرجة الكلية للخيال تكون‬
‫وق��د توصلت نتائج بعض ال��دراس��ات إىل أن‬ ‫فيما بني سن الرابعة‪ ،‬والرابعة والنصف‪ ،‬ثم‬
‫‪65‬‬ ‫اخليال العلمي حيمل أمهية كبرية حني يستخدم‬ ‫حيصل اخن��ف��اض مفاجئ يف درج���ة اخليال‬
‫يف التدريس حيث ينمي اخليال لدى التالميذ‪،‬‬ ‫عند سن اخلامسة‪ ،‬وهي املرحلة اليت يدخل‬
‫وبالتايل يزيد من دافعيتهم للتعليم‪ .‬كما أنه‬ ‫فيها الطفل إىل دور احلضانة‪ ،‬وتصل القدرة‬
‫يساعد يف حتديث طرق التدريس وتطويرها‪.‬‬ ‫اخليالية إىل ذروهت��ا – حسب آن��دروز‪ -‬فيما‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫يريدون نقلها للطفل‪ ،‬وكذلك ما يشتمل عليه‬
‫عاملهم من تكنولوجيا ومعلومات‪ ،‬كل ذلك‬
‫ميكن توصيله إىل الطفل بشكل تدرجيي من‬
‫خالل التعليم املنظم‪ ،‬وأيضاً‪ ،‬من خالل اللعب‬
‫الرمزي الذي يقوم التخيل فيه بدور كبري‪.‬‬
‫إن التخيل يقوم من خالل األلعاب الرمزية‬
‫لألطفال بإتاحة الفرصة خلفض التوترات‬
‫والتعبري عن األفكار واملشاعر واالندفاعات‬
‫حيث إن الطفل ع��ن طريق التخيل خاصة‬
‫يف مرحلة الطفولة املبكرة خيلق عاملاً ومهياً‬
‫حيقق له رغباته اليت ال يستطيع حتقيقها يف‬
‫عامله الواقعي‪ ،‬ومن ثم يصبح التخيل صمام‬
‫أمان حلالة الطفل النفسية‪ ،‬فهو خيفف من‬
‫التوتر النفسي ويقلل م��ن مشاعر النقص‬
‫والعدوان والغرية‪.‬‬
‫إن التخيل يقوم بوظيفة إح��داث التكامل‬
‫يف الشخصية‪ ،‬فاللعب الرمزي اخليايل لدى‬ ‫وحسب الدراسات فإن التخيل يؤدي ثالث‬
‫األط��ف��ال ليس فقط وسيلة خلفض التوتر‬ ‫وظائف أساسية يف حياة الطفل‪:‬‬
‫واحلصول على معلومات جديدة‪ ،‬لكنه أيضاً‪،‬‬ ‫إن ال��ت��خ��ي��ل يعترب أح���د أش��ك��ال التفكري‬ ‫‪66‬‬
‫يقوم بإحداث التكامل بني امل��زاج الشخصي‬ ‫األساسية اليت يتمكن الطفل من خالهلا من‬
‫والدافعية وال��ذك��اء وامل��وه��ب��ة‪ ،‬وم��ن ث��م فهو‬ ‫متثل الواقع داخل نسقه التصوري‪ .‬فالتعقيد‬
‫وسيلة لتحقيق الذات أو للوصول إىل صورة‬ ‫أو الرتكيب املتضمن يف خ�برات الكبار اليت‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫عن الفهم‪ .‬وأن ميتلك ثقافة علمية واسعة‪،‬‬ ‫مناسبة هلذه الذات‪.‬‬
‫فالعلم بالنسبة له‪ ،‬هو ما مي ّكن اإلنسان من‬ ‫انطالقاً من هذه الوظائف احلساسة ال بد‬
‫فهم دقيق لعامل امل��ادة ولتفاعالهتا‪ ،‬للحياة‬ ‫من السعي لتنمية اخليال العلمي عند الطفل‬
‫وتشعباهتا‪ ،‬لإلنسان وتناقضاته‪ .‬ومنطلق‬ ‫ملا له من أمهية تربوية‪ ،‬وغالباً‪ ،‬ما تشرتك‬
‫كاتب اخليال العلمي عندما يستند إىل العلم‬ ‫امل��درس��ة وامل��ن��زل يف ه��ذه العملية الرتبوية‬
‫يف سرده هو احلقيقة العلمية اليت توصل إليها‬ ‫ع��ن طريق وس��ائ��ل متعددة أمهها القصص‬
‫العلماء ب��أدواهت��م وآلياهتم ومعادالهتم‪ .‬تلك‬ ‫والروايات اليت يقرأها الكبار لألطفال بشرط‬
‫احلقيقة اليت تفجر خيال الكاتب فيُنشئ هبا‬ ‫أن تنطوي ه��ذه القصص واحل��ك��اي��ات على‬
‫عاملاً خيالياً لكنه ممكن التحقق مبا أنه يستند‬ ‫معايري أخالقية إجيابية‪ ،‬وأن تكون واضحة‬
‫إىل احلقيقة العلمية‪ .‬ففي هذا اجملال يسمح‬ ‫املعنى‪ ،‬بسيطة الفهم‪ ،‬وتثري اهتمامات الطفل‬
‫لكاتب اخليال العلمي بأن يستبق تطبيقات‬ ‫وت��داع��ب مشاعره‪ .‬وأي��ض�اً‪ ،‬عن طريق كتب‬
‫االكتشافات العلمية‪ ،‬ويصنع واقعاً رمبا يرى‬ ‫اخليال العلمي والكتب املرتمجة‪ ،‬حيث تعترب‬
‫النور يف إحدى حمطات الزمن الراكض أبداً‬ ‫ذا أمهية ك��ب�يرة‪ ،‬كوهنا تساعد الطفل على‬
‫حنو املصري اجمل��ه��ول‪ .‬وخ�ير دليل على ذلك‬ ‫االنفتاح على احل��ض��ارات املختلفة‪ ،‬وتنمي‬
‫ما تنبأ به أحد رواد اخليال العلمي الفرنسي‬ ‫خياله‪ ،‬وتوسع مداركه ومعلوماته‪ .‬وأخرياً‪،‬‬
‫(جول فرين) فقد ظهرت خمرتعاته‪ ،‬وأصبح‬ ‫عن طريق مساعدة الطفل يف اإلط�لاع على‬
‫هلا وج��ودٌ فعليٌ بعد مائة سنة على وفاته‪.‬‬ ‫األدوات واألجهزة التقنية البسيطة‪ ،‬وحماولة‬
‫وهناك اليوم الكثري من العلماء من يرتقبون‬ ‫فكها وإع���ادة تركيبها م��ع توجيهه املستمر‬
‫‪67‬‬ ‫من كتاب اخليال العلمي جتسيداً لتصوراهتم‬ ‫إلتقان عمله‪.‬‬
‫العلمية‪ ،‬ألن صاحب اخليال عندما ميتلك‬ ‫وأخرياً ال بد من اإلشارة إىل اللغة البسيطة‬
‫املعرفة العلمية يصبح أكثر التصاقاً مبستقبل‬ ‫اليت البد وأن ميتلكها كاتب اخليال العلمي‪،‬‬
‫االخرتاعات العلمية‪.‬‬ ‫لتكون مفرداته بعيدة عن التعقيد وعصية‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫مل تكن األفالم السينمائية األوىل خيالية‪.‬‬
‫فأول األفالم السينمائية لألخوة لوميري يف‬
‫عام ‪ 1895‬كانت واقعية‪ ،‬فقد رأى الناس على‬
‫الشاشة أماكن وأح��داث مألوفة لديهم‪ .‬من‬
‫جهة أخرى قابل الناس هذه األفالم بشيء‬
‫من الريبة‪ .‬يف احلقيقة ماهو الواقع الذي‬
‫ميكن عرضه على شاشة مسطحة وباألبيض‬
‫واألسود ؟‬
‫مل يتأخر التحول من األف�لام الوثائقية‬
‫إىل األف�لام اخليالية‪ .‬وأول من جسد ذلك‬
‫على الشاشة املمثل واملخرج الفرنسي جورج‬
‫ميلييس‪ .‬ل��ق��د ك��ان��ت أف�لام��ه األوىل اليت‬
‫أخرجها يف عام ‪( 1896‬برتيّه يف ورق اللعب)‬
‫وغريها مماثلة ألفالم األخوة لوميري‪ ،‬وكانت‬
‫هذه األف�لام وثائقية‪ .‬ولكن عند هناية هذا‬
‫العام وبداية العام ‪ 1897‬أدخل جورج ميلييس‬
‫اخلدع إىل السينما‪ ،‬وقد كان ذلك صدفة‪.‬‬
‫حيث كان ميلييس يصور يف ساحة األوبرا يف‬
‫باريس حشداً من الناس‪ ،‬فتعطلت الكامريا‪،‬‬
‫ويف الوقت الذي مت فيه إصالح الكامريا كان‬
‫‪68‬‬
‫موكب عزاء قد حل حمل احلشد يف الساحة‪،‬‬
‫وعندما أكمل التصوير حتول احلشد على‬ ‫مسري جرب‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫املصغرة (املاكيت) لقوارب حربية يف مشهد‬ ‫الشريط السينمائي إىل جنازة بشكل مفاجيء‪.‬‬
‫املعركة احلربية‪ ،‬وصوّر غرق هذه القوارب يف‬ ‫فقد أوح��ى هذا احل��ادث إىل ميلييس خبدعة‬
‫فيلمه « الغواصون يف العمل « ‪ 1897‬الذي‬ ‫مانسميه يف علم السينما (ستوب كادر ) ‪.‬‬
‫مازال يدهش مشاهديه حتى اآلن بدجمه بني‬ ‫لقد أدخ���ل ميلييس يف أف�لام��ه الساحرة‬
‫اخليال واحلقيقة‪ .‬ومن خدعه املشهورة تغيري‬ ‫الكوميديا واخل��دع السينمائية باإلضافة إىل‬
‫رؤوس األشخاص‪ ،‬حيث يقوم الساحر بنزع‬ ‫الوقائع احلقيقية‪ .‬لقد صور مشاهد متخيلة‬
‫الرأس من بني األكتاف ويضعه على الطاولة‪،‬‬ ‫يف أفالمه ‪( :‬الصعود اخلطر إىل مونبالن) و‬
‫ويف نفس اللحظة ينبت هلذا الشخص رأس‬ ‫(رحلة يف منطاد) و (بني دوفر وكايل) وغريها‪.‬‬
‫جديد‪ .‬ونقف عند فيلمه املشهور « رحلة إىل‬ ‫لقد ك��ان ميلييس قبل السينما ميتهن مهنة‬
‫القمر « ‪ 1902‬املأخوذ عن رواييت « من األرض‬ ‫السحر على املسارح الفرنسية‪ ،‬واستغل قدراته‬
‫إىل القمر « جلول فرين ‪ 1894‬و» أول ناس على‬ ‫يف جتسيد السحر على الشاشة‪ .‬وكانت أفالمه‬
‫القمر « هلربرت ويلز ‪ .1895‬واستمر عرض‬ ‫(هلوسات كيميائي) و (املنوم املغناطيسي) و‬
‫هذا الفيلم ‪ 16‬دقيقة‪ .‬وكان عدد مشاهد هذا‬ ‫(بيت الشيطان) و (مكتب ميفوستوفل) مثاال‬
‫الفيلم ‪ 30‬مشهداً‪ .‬وبدأ الفيلم باجتماع يف‬ ‫على ذلك وأمساء هذه األفالم تدل عليها‪ .‬فقد‬
‫النادي الفضائي ومن ثم مشهد صنع القمرة‬ ‫حققت السينما مليلييس حلمه يف غزو العامل‬
‫الفضائية‪ ،‬وبعد ذلك صنع املدفع العمالق‬ ‫بسحره (‪. )15‬‬
‫الذي سيطلق قمرة العربة الفضائية‪ ،‬وتاله‬ ‫لقد كان ميلييس عاشقاً للخدع‪ ،‬حيث نرى‬
‫مشهد اإلطالق إىل الفضاء و سقوط القمرة‬ ‫يف أفالمه األشياء تتحول إىل شخصيات حية‪،‬‬
‫‪69‬‬ ‫على سطح القمر‪،‬‬ ‫واإلن��س��ان ال��ذي قطع إىل أش�لاء يعيد تركيب‬
‫نفسه ويرجع إىل احلياة‪ ،‬ويتحول الناس بشكل‬
‫رحلة إىل القمر‬ ‫مفاجيء إىل مهرجني‪ ،‬وغري ذلك الكثري‪.‬‬
‫واملشاهد األخرية كانت عبارة عن الصراع‬ ‫لقد استخدم ميلييس يف أفالمه النماذج‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫اهتمام ميلييس كان منصباً على إظهار براعته‬ ‫بني ركاب القمرة الفضائية وسكان القمر‪.‬‬
‫يف خلق السحر على الشاشة‪ ،‬ومل يعر اهتماما‬ ‫وق��د أب��دع ميلييس يف تصوير أج���واء القمر‬
‫إلمكانيات هذا الفن الكبرية‪ .‬فقد بقي طوال‬ ‫واملناظر القمرية‪ ،‬والسماء ال��س��وداء املليئة‬
‫حياته الفنية ساحرا ماهراً (ساحر الشاشة)‪.‬‬ ‫بالنجوم وحمتويات القمر ‪.‬‬
‫حيث كانت الكامريا بالنسبة له وسيلة سحرية‬ ‫لقد أثبت ميلييس بأنه ميكننا تصوير ليس‬
‫نقلته من مسرح (روبري أودين ) يف باريس‪ ،‬حيث‬ ‫فقط احلقيقة الواقعة‪ ،‬وإمنا كل ما خيطر وماال‬
‫كان يقدم عروضه السحرية إىل الشاشة‪ .‬حيث‬ ‫خيطر على بال اإلنسان‪.‬‬
‫كانت عروضه السينمائية عبارة عن عروض‬ ‫لقد اعتمد املخرج على تنفيذ خدعه يف مكان‬
‫مسرحية مصورة على شريط سينمائي‪.‬‬ ‫التصوير‪ .‬فقد استخدم التصوير أكثر من مرة‬
‫إن أهم ماميز ميلييس‪ ،‬قدرته على تسخري‬ ‫على نفس الشريط السينمائي‪ ،‬والتصوير على‬
‫ونقل ك��ل م��امت إجن���ازه يف امل��س��رح والتصوير‬ ‫خلفية سوداء‪ ،‬وخدعة ستوب كادر‪ ،‬والتصوير‬
‫الفوتوغرايف‪ ،‬إىل السينما ووضع األسس للخدع‬ ‫العكسي والتصوير البطيء‪ .‬ونرى يف أفالمه‬
‫السينمائية حتى املعقدة منها‪ ،‬وال�تي مازالت‬ ‫القصرية بعض اخلدع املعقدة والصعبة واملنفذة‬
‫تستخدم يف السينما حتى اآلن ‪.‬‬ ‫مبهنية عالية‪ .‬ففي فيلم (اإلنسان األركسرتا)‬
‫جند على سبيل املثال أن ميلييس استخدم‬ ‫هناك لقطة م��ص��ورة سبع م��رات على نفس‬
‫ألول مرة يف تاريخ السينما نوعني من اخلدع ‪:‬‬ ‫الشريط فوق بعضها البعض (‪. )16‬‬
‫اخلدع امليكانيكية واخلدع البصرية‪ .‬واملقصود‬ ‫وإذا أردن��ا تقييم جتربة ج��ورج ميلييس يف‬ ‫‪70‬‬
‫يف اخل���دع امليكانيكية م��اه��و م��أخ��وذ بشكل‬ ‫السينما‪ ،‬الب��د أن نقر ب��أن��ه م��ؤس��س اخلدع‬
‫ع��ام من املسرح ‪ :‬كالضباب واملطر والرياح‬ ‫السينمائية‪ .‬ولكنه مل يكن رائ��داً يف السينما‬
‫واالن��ف��ج��ارات وغ�ير ذل���ك‪ ،‬وك��ذل��ك الروبتات‬ ‫كما كان املخرج األمريكي غريفت‪ .‬حيث أن كل‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫صور فوق بعضها البعض‪ ،‬أو باستخدام قناع‬ ‫والوحوش األسطورية واحلشرات العمالقة وما‬
‫أسود لتصوير الشخص الذي يقوم بدورين يف‬ ‫شابه ذلك‪.‬‬
‫نفس الكادر ‪.‬‬ ‫من أشهر اخلدع امليكانيكية اليت أبدعها جورج‬
‫من أهم ميزات ميلييس انه استخدم تقنيات‬ ‫ميلييس يف فيلم (أفعال الشيطان املضحكة)‬
‫التصوير الفوتوغرايف يف أفالمه‪ .‬عل سبيل‬ ‫‪ ،1906‬يف أحد مشاهد هذا الفيلم أحد أبطال‬
‫املثال يف عدد من أفالمه القدمية‪ ،‬استخدم‬ ‫الفيلم م��ع خ��ادم��ه حي���اوالن اهل���رب م��ن بيت‬
‫اخلدع السابق ذكرها ليستطيع إدخ��ال نفسه‬ ‫مسكون بالشيطان‪ ،‬يركبون العربة وينطلقون‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫ممثالً يف املشهد‪ .‬لقد ص��ور نفسه يف أحد‬ ‫مسرعني‪ .‬مل يبتعدوا كثرياً‪ ،‬حتى حول الشيطان‬
‫أطراف الكادر واضعا قناعاً من الكرتون أسود‬ ‫حصان العربة إىل هيكل عظمي يسارع السحاب‬
‫اللون على نصف العدسة الثاني‪ ،‬وبعد انتهاء‬ ‫وسط رعب اهلاربني حتى املوت‪ .‬إن حتول هذا‬
‫التصوير أعاد الفيلم إىل بدايته‪ ،‬وأزال القناع من‬ ‫احلصان إىل هيكل عظمي مازال يثري الدهشة‬
‫مكانه ووضعه على القسم الذي صوره لنفسه‪،‬‬ ‫واإلعجاب حتى اليوم‪ .‬لقد استخدم ميلييس‬
‫وأكمل تصوير اجلزء الثاني من الشريط الذي‬ ‫يف هذه اخلدعة حصاناً من الكرتون باحلجم‬
‫مل يتعرض إىل الضوء يف امل��رة األوىل بفضل‬ ‫الكامل على شكل هيكل عظمي وك��ان عماله‬
‫القناع األسود‪ .‬وبعد إظهار الشريط وطباعته‬ ‫حيركونه بأسالك من أعلى الكادر‪ .‬ومن خدعه‬
‫أصبح لدينا صورة مر ّكبة من صورتني ‪.‬‬ ‫امليكانيكية األخرى كان العمالق الثلجي يف فيلم‬
‫لقد استخدم ميلييس األسلوب الفوتوغرايف‬ ‫(غزو القطب) ‪ 1912‬حيث خيرج آكل البشر من‬
‫يف مطابقة عدة صور فوق بعضها يف أفالمه‪،‬‬ ‫وسط جليد القطب املتجمد ويبدأ يف أكل أفراد‬
‫مضيفا خدعة جديدة إىل فن السينما‪ .‬لقد‬ ‫البعثة البحثية‪ .‬لقد كان هذا العمالق مصنوعاً‬
‫استخدم هذه اخلدعة يف أحد أشهر أفالمه‬ ‫على شكل لعبة عمالقة م��ادت��ه البالستيك‬
‫(الرجل ذو الرأس املطاطي) ‪ 1897‬الذي يتحدث‬ ‫والكرتون واخلشب وكان يتم حتريكها عن طريق‬
‫عن كيميائي (يلعب الدور ميلييس نفسه كما يف‬ ‫آلة معقدة مبساعدة البكرات واحلبال ‪.‬‬
‫أكثر أفالمه) صوَّر نسخة طبق األصل عن رأسه‬ ‫وي��ع��ود ال��ف��ض��ل إىل ميلييس يف جتسيد‬
‫ووض��ع هذا ال��رأس على الطاولة يف منتصف‬ ‫األسطورة على الشاشة‪ ،‬عن طريق استخدامه‬
‫املخترب‪ ،‬ونفخه ع��ن طريق املنفاخ إىل حجم‬ ‫املؤثرات البصرية ‪.‬‬
‫ضخم‪ ،‬ومن ثم أعاده إىل حجمه الطبيعي عن‬ ‫إن املؤثرات البصرية تنفذ ليس عن طريق‬
‫طريق فتح صمام اهلواء وتنفيسه‪ .‬ولكن مساعده‬ ‫اخلدع امليكانيكية‪ ،‬وإمنا بتقنية التصوير وآلة‬
‫الذي يعمل على املنفاخ من شدة اندهاشه من‬ ‫الطباعة‪.‬‬
‫ه��ذه التجربة تابع النفخ حتى انفجر الرأس‬ ‫وج����ذور ه���ذه امل���ؤث���رات يف ف��ن التصوير‬
‫كالبالون‪ .‬لقد م��زج ميلييس يف ه��ذا املشهد‬ ‫الفوتوغرايف ال��ذي ك��ان دارج���اً يف مثانينيات‬
‫املدهش بني خدعتني‪ .‬يف البداية أثناء تصوير‬ ‫القرن التاسع عشر ‪.‬‬
‫املخترب (ال��ذي صمم ديكوره ميلييس بنفسه)‬ ‫على سبيل املثال صورة المرأة حتمل بيدها‬
‫تظهر خلفية الطاولة اليت وضع عليها الرأس‪.‬‬ ‫رأس إنسان وتقدمه لضيوفها على الطاولة‪.‬‬
‫‪71‬‬ ‫ل��ق��د ص���ور امل��ش��ه��د احلقيقي للكيميائي‬ ‫واثنان يلعبان لعبة البوكس ومها يف احلقيقة‬
‫ومساعده على خلفية ه��ذا الديكور املعتم‪،‬‬ ‫شخص واحد‪ .‬لقد كانت هذه اخلدع وأمثاهلا‬
‫وبعد ذلك أعاد الشريط السينمائي املصور إىل‬ ‫دارجة يف ذلك الوقت‪ .‬وقد نفذت هذه اخلدع‬
‫بدايته وصور الرأس القابل للنفخ‪ .‬وكان الرأس‬ ‫بتقنيات بسيطة وهي عبارة عن طباعة عدة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫أكثر ه��ذه األف�ل�ام حتمل قيمة فكرية وإمنا‬ ‫يكرب ويصغر بالطريقة التالية ‪ :‬وضع ميلييس‬
‫اعتمدت على تقديم املتعة للمشاهدين ‪.‬‬ ‫نفسه يف صندوق خشيب حبيث ال يظهر منه‬
‫واعتمدت بشكل أساسي كوسيلة للتعبري‪،‬‬ ‫إال رأسه‪ ،‬كان الصندوق مغطى بقماش أسود‬
‫املؤثرات واخل��دع البصرية وامليكانيكية‪ .‬فقد‬ ‫وكذلك خلفيته‪ ،‬وك��ان حمموالً على عجالت‬
‫استخدم املخرجون النماذج املصغرة واألقنعة‬ ‫حبيث يستطع حتريكه بسهولة‪ .‬عند دفع‬
‫السوداء واملخمل األسود ومطابقة الصور فوق‬ ‫هذا الصندوق جتاه الكامريا كان ال��رأس يكرب‬
‫بعضها‪ .‬ويف كثري من األحيان كانوا يستخدمون‬ ‫بالتدريج‪ ،‬وعندما كان يدفع بعيدا عن الكامريا‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫أكثر من خدعة يف املشهد الواحد‪ .‬وان هذه‬ ‫كان يعود الرأس إىل حجمه الطبيعي (‪. )17‬‬
‫الوسائل باإلضافة إىل حتسني تقنيات التصوير‬ ‫ل��ق��د اس��ت��خ��دم ميلييس أس��ل��وب مطابقة‬
‫والطباعة‪ ،‬فتحت اجملال أمام املخرجني إلنتاج‬ ‫الصور فوق بعضها البعض يف فيلمه ( الرجل‬
‫أفالم خيال علمي ذات قيمة فكرية هامة مثل «‬ ‫االوركسرتا) الذي مثل فيه دور كافة العازفني‬
‫فرانكنشتني « ‪ 1910‬الذي أنتج يف استوديوهات‬ ‫السبعة يف االوركسرتا‪ ،‬مرة على الكمان ومرة‬
‫( برونكس ب��ارك ) مستخدماً نفس اخلدع‬ ‫على الكالرينيت وهكذا‪ .‬بعد إحدى وعشرين‬
‫السينمائية ال�تي استخدمها ميلييس سابقاً‬ ‫سنة استخدم املخرج الكوميدي باسرت كيتون‬
‫فقط من أجل املتعة‪ .‬وكان فيلم « فرانكنشتني «‬ ‫هذه اخلدع يف فيلمه (املسرح) ‪. 1903‬‬
‫أول فيلم أسس جليل أفالم الرعب‪ ،‬اليت كانت‬ ‫كما ظ��ه��رت أي��ض��ا مخ��س رؤوس مليلييس‬
‫جت��ول هب��ا اخلفافيش وال��وح��وش ومصاصي‬ ‫معلقة على أشرطة اهلاتف يف فيلمه املوسيقي‬
‫الدماء يف املختربات مدمرة كل شيء‪ .‬ولنأخذ‬ ‫(ميلومان) ‪.‬‬
‫على سبيل املثال للبحث بعض هذه األفالم‪ .‬إن‬ ‫م��ازال��ت اخل��دع ال�تي ق��ام هبا ميلييس تثري‬
‫أحداث فيلم « فرانكنشتني « ‪ 1931‬جليس ويل‬ ‫اإلع��ج��اب وال��ت��ق��دي��ر ح��ت��ى اآلن‪ .‬ل��ق��د أخرج‬
‫جتري يف القرن العشرين‪ .‬يظهر بطل الفيلم‬ ‫ميلييس حوايل ‪ 4000‬فيلم (‪ ،)18‬احتوت يف‬
‫على الشاشة وحيدث اجلمهور عن قصة الفيلم‬ ‫أكثرها على عناصر أسطورية وخيالية غري‬
‫ويقيّم عمل العامل‪ :‬جيب تغيري مخ اجملرم حيث‬ ‫عادية نفذها بواسطة اخلدع السينمائية اليت‬
‫سرق العامل فيكتور فرانكنشتني جثة اجملرم‪.‬‬ ‫ابتكرها ‪.‬‬
‫ولكن خ��ادم فرانكنشتني بدل إن��اء مخ الرجل‬ ‫واليت أثبتت قدرة السينما على عكس ليس‬
‫الطيب بإناء مخ اجملرم وقدمه ملعلمه ‪.‬‬ ‫احلقائق اليومية فقط‪ ،‬وإمن��ا كل ماهو غري‬
‫لقد أجرى فرانكنشتني العملية يف خمتربه‪.‬‬ ‫مألوف ومتخيل ‪.‬‬
‫و رأى املشاهد عملية فك السالسل عن اجلثة‬ ‫تعترب أفالم « رحلة إىل القمر « مليلييس ‪1902‬‬
‫ال�تي ي��ري��د أن حيييها فرانكنشتني حبضور‬ ‫و « سائق الدراجة النارية « والرت بوث ‪ 1906‬و‬
‫زوجته وأصدقائه وهو يقول « انظروا إىل هذه‬ ‫« حلم عن القمر « إ‪ .‬بيل ‪ ،1905‬أوائ��ل أفالم‬
‫اجلثة‪ ،‬لقد صنعتها من األشالء « وفتحت اجلثة‬ ‫اخليال العلمي‪ .‬ويف احلقيقة كان عدد أفالم‬
‫عينيها وبدأ القلب يدق ‪.‬‬ ‫اخليال العلمي يف بداية القرن العشرين أكثر‬
‫إن مصري ه��ذه ال��رج��ل امل��س��خ ال���ذي خلقه‬ ‫من ذلك‪ ،‬ولكن أكثرها اندثر وضاع يف خمازن‬
‫فرانكنشتني‪ ،‬والذي قام بدوره املمثل اإلنكليزي‬ ‫األف�لام‪ .‬وان ماتبقى منها يعطينا داللة قوية‬ ‫‪72‬‬
‫تشارل ادوارد ب��رات وامل��ع��روف باسم بوريس‬ ‫على انطالق عصر أفالم اخليال العلمي ‪.‬‬
‫كارلوف‪ ،‬مأساوي‪ .‬فقد شوه خادمه فريتس‪،‬‬ ‫لقد اعتمدت هذه األفالم كما ذكرنا سابقا‬
‫وخنق الربوفيسور‪ ،‬وقدمت له الفتاة الزهور‬ ‫على األدب وامليثيولوجيا واألساطري‪ .‬ومل تكن‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫الذين كانوا جيولون يف شوارع أمريكا حمرومني‬ ‫حماولة مالطفته‪ ،‬ليظهر بعد ذلك يف املشاهد‬
‫من أراضيهم وأمالكهم (‪. )20‬‬ ‫الالحقة أن باقة الزهور اليت رتبتها الفتاة تسبح‬
‫لقد حظيت شخصية فرانكنشتني بآراء‬ ‫فوق املاء‪ ،‬ويظهر حشد كبري من الناس بيدهم‬
‫م��ت��ف��اوت��ة‪ ،‬ف��ف��ي ف��ي��ل��م ج��ي��س وي���ل « عروس‬ ‫طفل ميت‪ ،‬وينتهي الفيلم مبوت هذا املخلوق‬
‫فرانكنشتني « هناك تعميق للحوادث املأساوية‬ ‫العجيب حرقا على يد حشد من البشر ‪.‬‬
‫يف حياة هذا املخلوق العجيب ‪.‬‬ ‫ك��ان��ت ال��ع��واص��ف وال��رع��د وال��ب�رق واملطر‬
‫هناك حوار يف هذا الفيلم بني بايرون وشيلي‬ ‫الشديد تعصف فوق القلعة القوطية اليت كان‬
‫وزوجته ماري شيلي مؤلفة رواية فرانكنشتني‬ ‫يقيم فيها فرانكنشتني خمتربه‪ ،‬حيث كانت جثة‬
‫( لقد كان عمر ماري شيلي عندما ألفت هذه‬ ‫هذا املخلوق العجيب تصعقها الكهرباء‪ ،‬لقد‬
‫الرواية تسعة عشر عاما )‪ ،‬ينصح بايرون ماري‬ ‫كانت أجواء الفيلم مرعبة حقاً ‪.‬‬
‫شيلي مبتابعة قصة فرانكنشتني‪.‬‬ ‫لقد حظي ه��ذا الفيلم ب��اح�ترام وإعجاب‬
‫إن ه���ذا امل��خ��ل��وق العجيب مل حي�ت�رق يف‬ ‫املشاهدين والنقاد‪ .‬لقد كان للميكياج الذي قام‬
‫النسخة األوىل‪ ،‬ولكنه جنا هارباً إىل الغابة‪.‬‬ ‫به جاك بريس لوجه بوريس كارلف رائعاً‪ ،‬حيث‬
‫لقد عانى كثرياً من شكله البشع حيث مل يتقبله‬ ‫كان وجهه مشوهاً بطريقة مرعبة‪ ،‬وأصبح مثال‬
‫الناس‪ .‬وعندما رأت��ه الفتاة صرخت مرعوبة‬ ‫حيتذى لألجيال السينمائية الالحقة (‪ .)19‬إن‬
‫ومستنجدة‪ .‬ويقبض عليه بعضهم ويزجونه يف‬ ‫مشيته املتعثرة تشبه مشية األملاني (غوليم)‪،‬‬
‫‪73‬‬ ‫السجن‪ ،‬ولكنه يهرب‪ .‬ولكن أحد العميان فقط‬ ‫مشية رجل غري واث��ق من نفسه‪ ،‬وأفعاله غري‬
‫استطاع التواصل معه ألنه مل يرى وجهه ‪.‬‬ ‫امل�بررة من الغضب‪ ،‬تعكس يف طياهتا الرغبة‬
‫لقد حلم هذا املخلوق يف فتاة أحالمه‪ .‬حيث‬ ‫يف مصاحلة الناس حيث شكله مل يكن يسمح‬
‫حقق له فرانكنشتني هذا احللم‪ ،‬وخلق له فتاة‬ ‫بذلك‪ ،‬ال ختتلف كثريا حالته عن آالف املزارعني‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫األف�لام‪ .‬إن املسائل اليت عرضت يف كثري من‬ ‫على شكل زوجته‪ .‬ولكنها نفرت منه‪ .‬يفجر‬
‫األفالم مل تؤثر فقط على تطور اخليال العلمي‪،‬‬ ‫هذا املخلوق الربج وهو يقول مقولته الشهرية‬
‫بل أثرت أيضا على الثقافة األوربية بشكل عام‪،‬‬ ‫(أنتم خملوقني للحياة‪ ،‬وحنن خلقنا للموت)‪.‬‬
‫حيث كانت احلرب العاملية األوىل‪ .‬ولقد ظهر‬ ‫ولكن هذا املخلوق العجيب مل ميت‪ ،‬بل تابع‬
‫هذا التأثري يف فيلم‬ ‫احلياة يف أفالم أخرى كتبت على شاكلة رواية‬
‫(كاليغاري) ‪ .)22( 1919‬إن املسافة القصرية‬ ‫ماري شيلي ‪.‬‬
‫بني الوقائع التارخيية احلقيقية وم��ا جيري‬ ‫يف أك��ث��ر ه���ذه األف��ل�ام ك���ان فرانكنشتني‬
‫على الشاشة يعطينا املربرات لرؤية هذا الفيلم‬ ‫شخصية متوحشة‪ ،‬فهو رم��ز ال��دم��ار واملوت‬
‫كحكاية سياسية‪ ،‬حيث ي���دور الفيلم حول‬ ‫ومل يكن يتعاطف معه الناس كما يف شخصية‬
‫الوحش احملتجز زوميب‪ ،‬الذي يشبه فرنكنشتني‬ ‫بوريس كارلوف‪ .‬ففي فيلم تريينس فشر (عن‬
‫وكينغ كونغ ‪.‬‬ ‫فرانكنشتني) ي��رى املشاهد حب��راً من الدماء‬
‫يف زوميب أيضا بعض من شخصيات غوته‬ ‫والكثري من املشاهد املقززة‪ .‬وقد استخدمت‬
‫وهوفمان وفون شاميسو حيث يدور احلديث‬ ‫اخل���دع السينمائية يف إظ��ه��ار امل���وت والقتل‬
‫عن األنا الثانية عند االنسان امللبوسة بالروح‪،‬‬ ‫وتعذيب الضحايا‪ .‬وينتهي فيلم (فرانكنشتني‬
‫ويف نفس الوقت جمبولة بالروح الشيطانية ‪.‬‬ ‫اللعني) ‪ 1957‬مب��وت ه��ذا املخلوق بتذويبه‬
‫لقد لفت بطل كاليغاري انتباه العديد من‬ ‫يف محض األسيد‪ ،‬حتى ال يبقى منه أي أثر‬
‫املخرجني‪ .‬حيث أخرج بول فاغنر الفيلم األول‬ ‫(‪ .)21‬كما ظهرت مواضيع مشاهبة لفرنكنشتني‬ ‫‪74‬‬
‫لرواية (غوليم) يف عام ‪ 1920‬وهي قصة من‬ ‫الحقا‪ ،‬مثل (غزو الفضاء) و (الشيء) ‪1936‬‬
‫الفولكلور وامليثيولوجيا األورب��ي��ة القدمية‪،‬‬ ‫و (‪ 20‬مليون ميل إىل األرض) و (الشخص‬
‫عن خلق احلياة صناعياً‪ .‬عمالق من الطني‪،‬‬ ‫الذي يصغر بشكل عجيب) ‪ ،1956‬وغريها من‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫متطورة‪ ،‬وعمال كأهنم آليون‪ .‬ولكن يف النهاية‬ ‫يشع من عينيه الشر‪ ،‬شبيه من حيث الفكرة‬
‫ينتفض العمال ويدمرون اآلالت‪ ،‬ويسيطرون‬ ‫بالشخصيات اليت جسدها بوريس كارلوف‪.‬‬
‫على كمية ك��ب�يرة م��ن امل��ي��اه ال�تي ك��ان��ت هتدد‬ ‫وبغض النظر ع��ن الصبغة اخليالية‪ ،‬ف��ان «‬
‫عائالهتم بالغرق حتت األرض مبساعدة ماريا‪،‬‬ ‫غوليم « وأف�لام فريتز النغ وبابست ومورناو‬
‫اليت يتزوجها ابن صاحب املدينة كرمز تصاحل‬ ‫فان هذه األفالم مازالت من روائع أفالم القرن‬
‫العمال مع رأس املال ‪.‬‬ ‫العشرين ‪.‬‬
‫لقد حققت جمموعة تصوير ميرتوبوليس‬ ‫لقد ظ��ه��رت الفاشية يف أملانيا وسرعان‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫مبساعدة النماذج املصغرة (املاكيت) واقعية‬ ‫م��ا انعكس ذل��ك يف أف�لام��ه��م اخليالية ‪ :‬يف‬
‫مدهشة للمكان وللعربات املتحركة بفضل‬ ‫فيلم (نوسفرياتو ) ‪ 1922‬نرى مصاص دماء‬
‫التفاصيل الدقيقة ال�تي اهتموا هب��ا يف هذه‬ ‫ال يرحم‪ ،‬وأحد أبطال فيلم (الدكتور مابوزو)‬
‫النماذج‪ .‬فقد كانت اآلليات تتنقل ليس فقط‬ ‫جم��رم ي��دب ال��رع��ب يف ال��ق��ل��وب‪ ،‬وعبقري ال‬
‫على األرض‪ ،‬وإمنا بني ناطحات السحاب يف‬ ‫إنساني يف فيلم (يدي آرالك) ‪ ،1924‬ويف فيلم‬
‫األعلى ‪.‬‬ ‫(فاوست) يتحدث عن اخلطايا السبع القاتلة‬
‫إن أح��د الطرق املستخدمة وال�تي أظهرت‬ ‫‪ ،1926‬وال��ش��ر املستطري يف فيلم (الراوني)‬
‫ديكور األبنية وكأنه حقيقي‪ ،‬هي طريقة املنظور‬ ‫‪ .1928‬إن أثر األفكار اخليالية يف رؤية العامل‬
‫اخلطي‪ .‬حيث كان ماكيت األبنية كلما ابتعدنا‬ ‫على الشاشة مل يكن مستقراً‪ ،‬وبنفس الوقت‬
‫عن الكامريا أصغر حجماً من املاكيت الذي أمام‬ ‫كان العامل الواقعي يف تغري مستمر ‪.‬‬
‫الكامريا‪ .‬ما أدى إىل عمق منظوري كبري‪ ،‬وبدت‬ ‫ب��ع��د أف�لام��ه (امل����وت امل��ت��ع��ب) و (الدكتور‬
‫العمارات كلما ابتعدنا عن الكامريا أبعد فأبعد‪،‬‬ ‫مابوزو) اليت اعتمدت على األساطري األملانية‬
‫ما أعطى واقعية هلذا املاكيت الضخم ‪.‬‬ ‫وامل�لاح��م االسكندينافية‪ ،‬أخ��رج فريتز النغ‬
‫لقد أدخ���ل املمثلون يف ه��ذا امل��اك��ي��ت عن‬ ‫فيلمه الرائع (ميرتوبوليس)‪ .‬جتري أحداث هذا‬
‫طريق التطابق االنعكاسي‪ .‬وتعترب هذه اخلدعة‬ ‫الفيلم يف عام ‪ 2000‬يف مدينة نيويورك اليت‬
‫مسرحية يف األساس‪ .‬حيث كانت عملية إدخال‬ ‫زارها النغ ‪.‬حيث يعيش عمال ميرتوبوليس يف‬
‫اهليكل العظمي إىل املسرح عن طريق املرايا‬ ‫الطابق العاشر حتت األرض‪ ،‬ويعيش صاحب‬
‫العاكسة من خلف كواليس املسرح ‪.‬‬ ‫املدينة الصناعية العمالقة فوق األرض مع ابنه‬
‫استخدمت يف فيلم (ميرتوبوليس) مرايا‬ ‫يف جنة من احلدائق املعلقة ‪.‬‬
‫نصفية ( نصف شفافة ونصف عاكسة نستطيع‬ ‫تواسي ماريا اجلميلة العمال حتت األرض‬
‫الرؤيا من خالهلا ) حبيث نستطيع الرؤيا من‬ ‫وحتثهم على الصرب‪ .‬يكلف مالك املدينة خمرتع‬
‫خ�لاهل��ا وأن نعكس ص���ورة م��ن اجل��ان��ب إىل‬ ‫جمنون باخرتاع إنسان آيل يشبه ماريا‪ ،‬حبيث‬
‫الكامريا‪ .‬وكان املمثل يقف إىل جانب الكامريا‬ ‫حيل حمل ماريا احلقيقية ويقتل الروح الثورية‬
‫حيث نراه من خالل املرآة النصفية املوضوعة‬ ‫عند العمال ‪.‬‬
‫أم��ام العدسة بزاوية ْ‪ ،45‬بينما ن��رى املاكيت‬ ‫إن ش��خ��ص��ي��ة ال��ع��م��ال امل���ص���ورة بطريقة‬
‫مباشرة من خالل املرآة النصفية أمام الكامريا‪.‬‬ ‫الغرافيك يف الكادر‪ ،‬هي رمز للرجال اآلليني‬
‫‪75‬‬ ‫وعن طريق حتريك زاوية املرآة وإبعاد املمثل يف‬ ‫الذين ينفذون األوام��ر دون تذمر‪ .‬إن مدينة‬
‫األستوديو إىل مسافة معينة‪ ،‬نطابق دخول هذا‬ ‫املستقبل كما صورها فيلم (ميرتوبوليس) عبارة‬
‫املمثل من باب املاكيت رغم الفارق الكبري يف‬ ‫عن ناطحات سحاب وجسور وطرق تغرق يف‬
‫احلجم‪ .‬حيث كان انعكاس املمثل يف املرآة هو‬ ‫سحب الدخان والغاز‪ .‬آالت عمالقة‪ ،‬وأسلحة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫الناس من م��رض جمهول‪ .‬وقدمت جمموعة‬ ‫ال��ذي يدخل من باب املاكيت وليس املمثل‬
‫من العلماء الذين عاشوا على أطراف اخلليج‬ ‫نفسه‪ .‬وهكذا بدا للمشاهد وكأن املمثل يدخل‬
‫ال��ف��ارس��ي‪ ،‬ال���ذي ح��اف��ظ على ح��ض��ارت��ه إىل‬ ‫من باب عمارة ضخمة رغم أن حجم املاكيت‬
‫أوروب��ا على منت طائرة عمالقة‪ ،‬وقامت هذه‬ ‫أصغر من املمثل نفسه ‪.‬‬
‫اجملموعة بعزل الديكتاتور وبناء احلياة من‬ ‫لقد كان (ميرتوبوليس) ‪ 1926‬من أهم أفالم‬
‫جديد مستخدمني األساليب العلمية‪ ،‬وتبدأ‬ ‫فريتز الن��غ الصامتة وفخر األف�لام األملانية‬
‫حضارة جديدة‪ .‬يقف يف طريق هذه احلضارة‬ ‫يف القرن العشرين‪ .‬لقد عكس النغ يف فيلمه‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫فنان تشكيلي وحيرض زمرته على االنتفاضة‪،‬‬ ‫محى التطور السريع‪ ،‬ومدى تأثري أدب اخليال‬
‫وحتاول هذه احلشود تدمري احملطة الفضائية‬ ‫العلمي على السينما‪ .‬حيث أثرت أعمال أدبية‬
‫اليت يسافر منها السواح يف رحلة اىل الفضاء‪،‬‬ ‫على سبيل املثال ‪( :‬عندما ينهض النائم) الذي‬
‫ول��ك��ن ج��ه��وده��م مل تفلح وتنطلق أول عربة‬ ‫يتحدث عن ثورة الرجال اآلليني لكارل تشابيك‪.‬‬
‫فضائية اىل القمر ‪.‬‬ ‫و(مدمرو اآلالت) هلربرت ويلز‪ .‬و (قصة عن‬
‫كما أن فيلم « جرمية بشعة « ‪ 1929‬الذي‬ ‫انتفاضة شعبية يف القرن ‪ )21‬للشاعر والكاتب‬
‫أخرجه اإلجنليزي موريس إلفي عن رواية لنيل‬ ‫الدرامي االملاني أرنست تولر‪ .‬تأثريا كبريا يف‬
‫مبربتون‪ ،‬يتحدث أيضا عن املستقبل القريب‬ ‫مسرية السينما العاملية ‪.‬‬
‫يف عام ‪ .1940‬يبدأ الفيلم مبنظر ملدينة لندن‬ ‫ان جمموعة تصوير فيلم (ميرتوبوليس)‬
‫م��ن األع��ل��ى‪ ،‬وف��وق ناطحات السحاب حتوم‬ ‫كشفت النقاب عن تقنيات التصوير املستقبلية‪،‬‬
‫طائرات اهلليوكابرت‪ .‬ويليه لقطة حلادث على‬ ‫وكذلك تقنيات عامل املستقبل من خالل هذا‬
‫حدود مشال األطلنطي‪ .‬حيث تبدأ احلرب بني‬ ‫الفيلم‪ .‬إن جن��اح استخدام املاكيت يف فيلم‬
‫دولتني‪ .‬ينفجر نفق حتت املاء وميوت اآلالف‪.‬‬ ‫ميرتوبوليس‪ ،‬سرعان ما وجد انعكاسا له يف‬
‫وبعد ذلك يقتل الرئيس ويشرف الفيلم على‬ ‫الفيلم األمريكي « تصوّر فقط «‪ .1930‬يتحدث‬
‫هنايته‪ .‬و يعيش بطل الفيلم وبطلته بسعادة‬ ‫الفيلم ع��ن م��دن ع��ام ‪ .1980‬لقد استخدم‬
‫وهناء‪ .‬إذا كان فيلم « ميرتوبوليس « قد اعتمد‬ ‫املاكيت بنجاح كبري يف ناطحات السحاب اليت‬
‫على املشهدية املبهرة بشكل أساسي‪ ،‬فان هذا‬ ‫بلغت ‪ 250‬طابقاً‪ ،‬وقنوات املياه حتت األرض‬
‫الفيلم اعتمد على احلبكة الدرامية‪ ،‬باإلضافة‬ ‫اليت متخر عباهبا السفن‪ ،‬واملطارات اخلاصة‪.‬‬
‫إىل املشاهد املبهرة‪ ،‬كمشهد الطائرات املقاتلة‬ ‫لقد فاقت ه��ذه املاكيتات حبجمها وجودهتا‬
‫اليت غطت السماء‪ .‬لقد تنبأ هذا الفيلم باحلرب‬ ‫املاكيتات اليت صنعت يف « ميرتوبوليس «‪.‬‬
‫العاملية الثانية اليت بدأت بعد عشر سنوات ‪.‬‬ ‫ول��ك��ن م��ع األس���ف ل��ق��د أس����اءت املوسيقا‬
‫لقد أنتج العديد من أفالم اخليال العلمي‬ ‫السطحية املرافقة هلذا الفيلم ‪.‬‬
‫حول الطريان بني الكواكب قبل احلرب العاملية‬ ‫ويف عام ‪ 1936‬أخرج وليم كامريون مينتز‬
‫الثانية‪ .‬ففي االحتاد السوفيييت السابق القى‬ ‫فيلم « سيحدث شيء ما « عن قصة للكاتب‬
‫فيلم « اليتا « ‪ 1924‬للمخرج ياكوف بروتازانوف‬ ‫هريبرت ويلز‪ .‬ال يقل أمهية من الناحية الدرامية‬
‫وعن قصة الكساندر توليستوي جناحاً كبرياً ‪.‬‬ ‫عن الفيلمني املذكورين أعاله‪ .‬وقد شارك ويلز‬
‫حيث ص��ور الفيلم احل��ي��اة يف روس��ي��ا بني‬ ‫بنفسه يف اإلشراف على إنتاج هذا الفيلم‪.‬‬ ‫‪76‬‬
‫‪ 1910‬و ‪ 1920‬واملريخ ‪.‬حيث األدراج واألعمدة‬ ‫يبدأ الفيلم بعيد ميالد العامل بعد حرب‬
‫الضخمة يف قصر احلاكمة (اليتا) واحلشود‬ ‫مدمرة دامت قرابة عشرين عاماً‪ .‬حيث دمرت‬
‫شكلت وحدة غريبة وساحرة‪ .‬تشبه املرخيية‬ ‫احلضارة‪ ،‬واستوىل على احلكم ديكتاتور‪ ،‬ومات‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫الفضاء) للمخرج ف‪ .‬جورافلوف‪ .‬عن رحلة بني‬ ‫اليتا ملكات العصر القيصري جبماهلن ورقتهن‪.‬‬
‫الكواكب ‪.‬‬ ‫لقد ابتعد خمرج الفيلم عن سرد قصص الفضاء‬
‫وقد أشرف على هذا الفيلم مؤسس علم‬ ‫بشكل واع‪ ،‬الن ذل��ك يفقد امل��وض��وع حيويته‬
‫الفضاء السوفيييت قسطنطني تسيولكوفسكي‪.‬‬ ‫ويلفت االنتباه عن تطور األحداث ‪.‬‬
‫لقد قرأ السيناريو ووضع مالحظاته عليه‪ ،‬وأكد‬ ‫ويف ع��ام ‪ 1928‬أخ���رج فريتز الن��غ فيلمه‬
‫ضرورة وجود فضاء أسود وجنوم ثابتة ال تربق‪،‬‬ ‫الصامت « ام��رأة على القمر «‪ ،‬عن رحلة بني‬
‫وانفجار أثناء هبوط العربة‪ ،‬وض��رورة القفز‬ ‫كوكب األرض والقمر‪.‬‬
‫على سطح القمر كالعصافري‪ .‬هكذا تصور‬ ‫لقد أخرج هذا الفيلم بالتعاون مع مجعية‬
‫تسيولكوفسكي املشي على القمر جباذبية أقل‬ ‫رح�ل�ات ال��ف��ض��اء األمل��ان��ي��ة‪ .‬ح��ي��ث هت��ت��م هذه‬
‫بست مرات من اجلاذبية على سطح األرض ‪.‬‬ ‫اجلمعية بتطوير حم��رك��ات س��ي��ارات السباق‬
‫اعترب هذا الفيلم يف االحتاد السوفيييت‪ ،‬أول‬ ‫والطائرات واحملركات النفاثة‪ .‬نرى يف الفيلم‬
‫فيلم خيايل مبين على أسس علمية‪ .‬لقد أبدع‬ ‫ب��ن��اء سفينة ف��ض��اء‪ ،‬ورح��ل�ات فضائية بني‬
‫م��ص��ور الفيلم أ‪.‬ب‪ .‬غ��ال��ب�يرن ال���ذي يعترب من‬ ‫الكواكب‪ .‬يرى ركاب السفينة واملشاهدون ابتعاد‬
‫مؤسسي السينما السوفييتية ( وه��و أستاذي‬ ‫العربة الفضائية عن األرض‪ ،‬ش��روق وغروب‬
‫يف معهد السينما مبوسكو ) يف تصوير مشاهد‬ ‫الشمس‪ ،‬وي��رون اقرتاهبم من القمر‪ ،‬وم��ن ثم‬
‫‪77‬‬ ‫انعدام اجلاذبية‪ .‬قوبل الفيلم بنجاح كبري‪ .‬ولعل‬ ‫طرياهنم وهبوطهم على سطح القمر‪.‬‬
‫من أمجل املشاهد يف هذا الفيلم مشهد خروج‬ ‫إن هذه املشاهد خري دليل على تطور اخلدع‬
‫الصاروخ من خمزنه‪ ،‬ومشاهد انعدام اجلاذبية‪.‬‬ ‫السينمائية يف ذلك الزمن ‪.‬‬
‫لقد كان إلشراف تسيولكوفسكي على الفيلم أثر‬ ‫يف عام ‪ 1935‬ظهر الفيلم السوفيييت ( رحلة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫كبري يف إجناحه‪ ،‬جيب أن ننوه اىل أن تأثري‬
‫أف��ك��ار تسيولكوفسكي ع��ل��ى ت��ط��ور صناعة‬
‫الفضاء ليس فقط على العلماء وإمن��ا على‬
‫احلركة الفنية بشكل كبري‪ .‬إن صعود اإلنسان‬
‫يف الفضاء‪ ،‬والسيطرة على ق��وى الطبيعة‪،‬‬
‫وال��ت��ع��رف ع��ل��ى اجمل��م��وع��ة ال��ش��م��س��ي��ة‪ .‬وكل‬
‫اإلجن��ازات يف العلم والفنون يف هذه اجملاالت‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫يف روسيا وأمريكا مرتبطة بشكل أو بآخر باسم‬
‫العامل تسيولكوفسكي‪.‬‬
‫يف تلك السنوات كانت رائجة يف السينما‬
‫سيناريوهات و روايات هريبرت ويلز‪ .‬باإلضافة‬
‫إىل األعمال اليت جئنا على ذكرها ظهر فيلم‬
‫(الرجل اخلفي) ‪ 1933‬من إخراج جيمس وال‪.‬‬
‫لقد أده��ش ه��ذا الفيلم املشاهدين‪ ،‬بالتقنية‬
‫العالية للخدع السينمائية املستخدمة ولعلها‬
‫األكثر إدهاشا يف تلك السنوات ‪.‬‬
‫أمام الكامريا ال نرى سوى القميص يتحرك‪.‬‬ ‫يف فيلم (الرجل اخلفي) جيري العامل التجربة‬
‫وأض��اف اخللفية ال�تي يتحرك أمامها املمثل‬ ‫على نفسه‪ .‬عندما يلبس العامل القميص‪ ،‬نرى‬
‫عن طريق خدعة ( القناع املتحرك ) حيث مت‬ ‫على الشاشة القميص ويديه ورجليه ميشيان‬
‫تشكيل هذا القناع عن طريق طباعة الشريط‬ ‫دون رأس‪ .‬وعندما يرتدي كافة مالبسه وحيل‬
‫السينمائي املوجب على شريط موجب عايل‬ ‫العصبة عن رأسه ال نرى حتت العصبة رأسا‬
‫التباين‪ ،‬حيث تزداد نسبة التباين بني األبيض‬ ‫وإمنا فراغ ‪.‬‬
‫واألس���ود وب��ذل��ك حنصل على ق��ن��اع متحرك‬ ‫لقد استخدم جيمس وال يف ه��ذا الفيلم‬
‫للقميص باللون األس���ود وم��ن ح��ول��ه شفاف‬ ‫اخل��دع��ة ال��ق��دمي��ة امل��ع��روف��ة ب��اس��م (السحر‬
‫متاما‪ .‬ونستفيد من تطابق القناع مع الشريط‬ ‫األسود)‪.‬‬
‫األصلي إلضافة اخللفية املطلوبة يف املخترب عن‬ ‫ً‬
‫حيث يرتدي املمثل لباسا أسود يغطي كل‬
‫طريق الطباعة‪ ،‬حيث سيغطي القناع لباس‬ ‫أحناء جسمه من الرأس وحتى القدمني‪ ،‬ويصور‬
‫املمثل ويسمح بإضافة الديكور املطلوب على كل‬ ‫على خلفية سوداء كاملخمل األسود الذي ميتص‬
‫ما حول هذا القناع‪ .‬وقد بدا مشهد حشد من‬ ‫كامل األشعة الضوئية‪ ،‬ويف احلد األدن��ى من‬
‫الناس يركضون يف الغرفة وراء قميص‪ ،‬خيالياً‬ ‫اإلضاءة‪ .‬عندما يرمي صحناً أبيض على سبيل‬
‫ومدهشاً‪ .‬اعتمادا على نفس املبدأ‪ ،‬كان مشهد‬ ‫املثال‪ ،‬ال يظهر على الشاشة إال الصحن يتحرك‬
‫الرجل اخلفي ال��ذي يفك العصبة عن رأسه‬ ‫داخ��ل الكادر‪ .‬لقد كان املمثل يف هذا الفيلم‬
‫حيث حتت العصبة كان يرتدي طاقية سوداء‬ ‫يرتدي زي��ا أس��ود مالصق جلسده متاما من‬
‫على خلفية سوداء‪ ،‬وعندما يبدأ يف فك العصبة‬ ‫الرأس وحتى القدمني‪ ،‬حيث أن جسمه األسود‬ ‫‪78‬‬
‫البيضاء اليت كان يراها اجلمهور على الشاشة‪،‬‬ ‫واخللفية ال��س��وداء ال يعكسان اإلض���اءة‪ .‬وإذا‬
‫يبدأ ال��رأس باالختفاء حتى يظهر يف النهاية‬ ‫ارت��دى قميصاً أبيض ال يسجل على الشريط‬
‫فراغ مكان الرأس ‪.‬‬ ‫السينمائي إال القميص‪ .‬وع��ن��دم��ا يتحرك‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫لقد أصبحت الرحالت الفضائية يف السينما‬ ‫لقد الق��ى تصغري األش��خ��اص إىل أحجام‬
‫األمريكية تقليداً‪ .‬ففي عام ‪ 1950‬أخرج ايرفينغ‬ ‫صغرية جناحاً كبرياً‪ .‬وقد كان تصغري األشخاص‬
‫بيتشل فيلم (هدف الرحلة القمر )‪ .‬وهو سلسلة‬ ‫إىل أحجام الدمى معروفا منذ بداية استخدام‬
‫من أفالمه اليت استخدم هبا اخلدع السينمائية‬ ‫اخلدع ‪.‬حيث ظهر أول فيلم حول ذلك يف عام‬
‫على نطاق واسع ‪.‬‬ ‫‪( 1903‬الع�بي بوكس اجليب) للمخرج آر‪.‬ب‪.‬‬
‫ولكن عندما رأى الناس على شاشة التلفاز‬ ‫ب��ول‪ .‬وق��د ط��ور األم��ري��ك��ان ه��ذا األس��ل��وب يف‬
‫أول رحلة فعلية إىل القمر‪ ،‬فقدت الرحالت‬ ‫فيلم (عروس فرانكنشتني ) ‪ 1935‬حيث يظهر‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫الفضائية السينمائية مصداقيتها‪ .‬لقد كان‬ ‫البطل وهو يلعب مع رجل حبجم اللعبة‪ .‬ويف‬
‫إطالق وط�يران عربة الفضاء يف فيلم ايرفينغ‬ ‫فيلم ال يقل أمهية عن هذا الفيلم يظهر فيلم‬
‫بيتشل مؤثراً‪ ،‬ولكنه مل يكن مقنعاً ‪.‬‬ ‫(لعبة الشيطان) لتود براونينغ ‪ ،1936‬حيث‬
‫و إن ‪ 1500‬ضوء من خالل املخمل األسود مل‬ ‫يدور احلديث عن عامل يص ّغر اثنني من الرجال‬
‫تعط أجواء النجوم يف الفضاء‪ ،‬واخللفية املرسومة‬ ‫الستخدامهم ضد أعدائه‪ .‬وقد حصل يف عام‬
‫لسطح القمر بدا واضحاً أهنا مرسومة‪.‬‬ ‫‪ 1940‬فيلم (الدكتور سيكلوبس) امللون‪ ،‬األوسكار‬
‫ولعل أكثر املشاهد إدهاشا للمشاهدين يف‬ ‫على أحسن خدع‪ .‬حيث بنيت ديكورات عمالقة‬
‫عام ‪ 1950‬مشهد رواد الفضاء يف حالة عدم‬ ‫يظهر فيها األشخاص يف حجم الدمى ‪.‬‬
‫اجلاذبية وهم يعملون ويطريون يف أجواء عربة‬ ‫يف فيلم (الرجل الذي يصغر بشكل عجيب)‬
‫الفضاء وميشون على اجلدران وسقف العربة‪.‬‬ ‫جل��اك آرن��ول��د‪ ،‬القصة مبنية على أس��اس أن‬
‫بعد النجاح الكبري الذي حققه فيلم (هدف‬ ‫اإلشعاعات ميكن أن تغري من حجم اإلنسان‪.‬‬
‫الرحلة القمر) أخ��رج��ت جمموعة م��ن أفالم‬ ‫ففي الوقت الذي يبقى طول سكان (توركل) على‬
‫اخليال العلمي األخرى‪.‬‬ ‫حاهلم هناك رجل يصغر حجمه بشكل عجيب‪.‬‬
‫ومن أشهر هذه األفالم ‪ « :‬عندما تتصارع‬ ‫وللحصول على هذا التأثري كانوا يلجأون إىل‬
‫العوامل « ‪ 1951‬لرودولف ماري و « غزو الفضاء‬ ‫تغيري حجم الديكور باستمرار‪ .‬وق��د ك��ان يف‬
‫« ‪ 1955‬و « آلة الزمن « ‪ 1960‬جلورج بال حيث‬ ‫الفيلم العديد من املشاهد اخليالية ‪.‬‬
‫حصل على س��ت ج��وائ��ز أوس��ك��ار على اخلدع‬ ‫يف أفالم اخليال العلمي ما قبل مخسينيات‬
‫السينمائية اليت استخدمها يف أفالمه ‪.‬‬ ‫القرن املاضي استعرض السينمائيون بشكل‬
‫إن اخلدع السينمائية األكثر أمهية‪ ،‬هي اليت‬ ‫أساسي مدن املستقبل واخلدع اليت تتعلق بعمل‬
‫استخدمها بايرون هاسكني يف فيلم « حرب‬ ‫األطباء اخليايل ‪.‬‬
‫العوامل « عن قصة هلربرت ويلز ‪ .1953‬حيث‬ ‫يف مخسينيات القرن املاضي ركز السينمائيون‬
‫غزى املرخييون األرض ‪.‬‬ ‫اهتمامهم على تطوير تقنيات تصوير الرحالت‬
‫يف هذا الفيلم استغرق تنفيذ اخلدع مدة ‪8‬‬ ‫الفضائية‪ .‬لقد جنح فنانو اخلدع السينمائية يف‬
‫أشهر‪ ،‬وباقي الفيلم أربعون يوما فقط‪ .‬وقد‬ ‫إبداع مناذج العربات الفضائية‪ ،‬وطريان اإلنسان‬
‫قال بول ( إن اخلدع السينمائية هي أحد جنوم‬ ‫بني الكواكب والصحون الطائرة اليت هتبط على‬
‫الفيلم‪ ،‬متاماً كما أبطال الفيلم)‪.‬‬ ‫األرض‪ ،‬واليت استخدمت بشكل دائم يف العديد‬
‫‪79‬‬ ‫يف فيلم (ح��رب ال��ع��وامل) أثبتت مقولة بول‬ ‫م��ن أف�ل�ام اخل��ي��ال العلمي‪ ،‬وخ��اص��ة األفالم‬
‫مصداقيتها‪ .‬كل مناذج العربات الفضائية اليت‬ ‫األمريكية‪ .‬وكذلك استخدموا مهاراهتم يف ابداع‬
‫صنعت يف هوليود يف مخسينيات القرن املاضي‬ ‫مدن الفضاء ومدن املستقبل كل ذلك بفضل بناء‬
‫مل تكن مجيلة ومرعبة وذات شكل فضائي‬ ‫النماذج املصغرة ( املاكيت ) ‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫يف أفالمهم األوىل‪ .‬حيث صممت عدة مناذج‬ ‫كما عربة املرخييني الفضائية يف هذا الفيلم‪.‬‬
‫للصحن الطائر طول أصغرها ‪ 50‬سم وطول‬ ‫عربة رائعة تتحرك حبرية على خمدة هوائية‪،‬‬
‫اآلخر ‪ 110‬سم وكان طول النموذج األكرب ‪220‬‬ ‫ون��ت��وءاهت��ا ال�تي على شكل رقبة تطلق أشعة‬
‫سم ‪.‬‬ ‫حرارية قاتلة‪ .‬وقد بدت هذه العربات كتنني‬
‫لقد علْق املصور أرنولد جيليبسي أصغر‬ ‫عصر الفضاء‪ .‬لقد مجعت بني التقنية العالية‬
‫منوذج على سلك رفيع حبيث ال تراه الكامريا يف‬ ‫وآلة التدمري الرهيبة‪ .‬لقد أخذ بايرون هاسكني‬
‫عمق األستوديو وجعله يتقدم جتاه الكامريا حتى‬ ‫واملصور جوردان جنينكز بعني االعتبار‪ ،‬فكرة‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫جتاوزها‪ ،‬بعد ذلك علق النموذج الثاني بنفس‬ ‫أن املرخييني احندروا من السمك والربمائيات‪.‬‬
‫الطريقة وص��وره‪ ،‬وهكذا مت تصوير النموذج‬ ‫لذلك البد أن توحي تقنيات املرخييني بذلك‪.‬‬
‫األكرب حتى وقف أمام الكامريا‪ .‬مت تصوير هذه‬ ‫وه��ك��ذا ك��ان��ت ال��ع��رب��ة على شكل السمكة ‪-‬‬
‫اللقطات على خلفية واحدة‪ .‬وبعد املونتاج ظهر‬ ‫الديناصور‪ .‬وقد صمم النسخة األخرية من هذه‬
‫الصحن الطائر وهو يتقدم من مسافات بعيدة‬ ‫العربة ألربت نوزاكي ‪.‬‬
‫عرب الفضاء حتى يصل إىل الكامريا‪ ،‬وأعطى‬ ‫يف فيلم فريد ماكليود ويلكوكس (الكوكب‬
‫اإلحساس بضخامة مكان التصوير‪ .‬ومت رفع‬ ‫احملرْم ) ‪ 1956‬جتري األحداث بعد عدة قرون‪.‬‬
‫سرعة التصوير مبا يتناسب مع حجم املاكيت‬ ‫حيث تذهب بعثة فضائية اىل كوكب ( التاير )‬
‫يف كل مرة حتى حيصل على واقعية احلدث‬ ‫ملعرفة ماجرى باجملموعة السابقة اليت أرسلت‬
‫وانسيابية الصحن الطائر عرب الفضاء ‪.‬‬ ‫لغزو هذا الكوكب‪ .‬يقوم خبدمة البعثة رجل من‬
‫لقد أعطت اخللفية الكبرية لديكور الكوكب‬ ‫كوكب التاير الذي اختطف رواد الفضاء ابنته‪،‬‬
‫اليت كانت مصنوعة من الكرتون املثقب آالف‬ ‫وكان من بينهم قائد الرحلة الفضائية آدامز‬
‫الثقوب‪ ،‬واملضاءة من اخللف‪ ،‬اإلحساس بسماء‬ ‫ال��ذي حظي بقلبها‪ .‬يشرح موربيوس لقائد‬
‫الكوكب املليئة بالنجوم‪ .‬ويعترب ذلك تطورا يف‬ ‫السفينة كيف كانت تعيش على هذا الكوكب‬
‫أسلوب صنع اخللفيات الفضائية الذي استخدم‬ ‫خملوقات متطورة جداً على شكل البشر‪ .‬وهلم‬
‫يف فيلم (هدف الرحلة القمر) حيث استخدم‬ ‫إجنازات حضارية كثرية‪ ،‬و ميكن استغالل هذه‬
‫آالف مصابيح اإلضاءة بدل الثقوب املضاءة من‬ ‫اإلجن���ازات بفضل ميكانيكية معينة‪ .‬حياول‬
‫اخللف ‪.‬‬ ‫قائد السفينة احلصول على هذه اآللية اليت‬
‫وم��ن امل��ش��اه��د اهل��ام��ة وال��ن��اج��ح��ة يف هذا‬ ‫يستطيع من خالهلا استغالل اإلجن��ازات اليت‬
‫الفيلم عندما ينزلق البطل موربيوس واثنان من‬ ‫حصل عليها سكان هذا الكوكب‪ .‬لقد فاق فيلم‬
‫رجاله يف نفق التهوية‪ ،‬ويسقطون يف أعماقه‬ ‫(الكوكب احملرم) كل أفالم اخليال العلمي الذي‬
‫الالهنائية‪ .‬حيث استخدمت خدعتان للحصول‬ ‫سبقته بكمية اخلدع املستخدمة‪ .‬منذ الكادر‬
‫على هذا املشهد ‪ :‬الرسوم واملاكيت‪.‬‬ ‫األول يف الفيلم حيث يهبط الصحن الطائر على‬
‫حيث استخدم الفنان املصمم للماكيت جورج‬ ‫سطح الكوكب‪ ،‬يسأل املشاهد نفسه‪ ،‬ما مدى‬
‫غيبسون وامل��ص��ور ارفينغ ري��ز ماكيت للنفق‬ ‫اتساع هذا الفضاء ؟ يتقدم الصحن الطائر من‬
‫مساحته ‪ 2.7‬مرت مربع وطوله تسعة أمتار‬ ‫مسافة بعيدة جداً عرب الفضاء جتاه الكامريا‬
‫كجزء من الديكور قريب جدا من الكامريا‪ .‬وقد‬ ‫ويقرتب من الكامريا ببطء ويهبط على سطح‬ ‫‪80‬‬
‫وضع الرسم الذي يوحي بالهناية النفق يف قعر‬ ‫الكوكب‪ .‬يف احلقيقة مت تصوير هذا املشهد‬
‫هذا النفق‪ .‬ووضع الرسم بطريقة إذا نظرت‬ ‫داخل ديكور صغري باستخدام النماذج املصغرة‪،‬‬
‫إليه من وجهة نظر الكامريا ال تستطيع التمييز‬ ‫نفس الطريقة اليت استخدمها ميلييس وآخرون‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫إىل النفق مبساعدة التصوير ( كادر – كادر )‬ ‫أي��ن ينتهي النفق وأي��ن يبدأ ال��رس��م‪ .‬لقد بدا‬
‫ومع إضافة انفجارات املدفع الاليزري بنفس‬ ‫هذا املاكيت كأنه ديكور باحلجم الكامل بفضل‬
‫الطريقة‪ ،‬أعطى اإلح��س��اس بواقعية احلدث‬ ‫الشخصيات املصورة بطريقة القناع املتحرك‬
‫والهناية النفق الذي سقطوا فيه ‪.‬‬ ‫لألشخاص الثالثة وال�تي مت شرحها سابقا‪.‬‬
‫كما أن الرجل اآليل ( روبي ) الذي استخدم‬ ‫حيث مت تصوير األشخاص الثالثة من سطح‬
‫‪81‬‬ ‫يف هذا الفيلم كان رائعاً يف أدائه‪ .‬حيث أدخل‬ ‫بناء عال‪ .‬وحتى يقوى اإلحساس باملنظور مت‬
‫ممثل داخل لباس الرجل اآليل امليكانيكي‪ ،‬وكان‬ ‫تصوير ثالثة أقزام بدالً من املمثلني‪ .‬ومت بعد‬
‫رأسه وصدره يومضان بإشارات خمتلفة ولوحته‬ ‫ذلك مونتاج األرضية اليت مشى عليها األقزام مع‬
‫االلكرتونية مليئة باملفاتيح ‪.‬‬ ‫بداية فوهة منوذج النفق‪ .‬وقد أدخل األشخاص‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫قام بتحريكه راي هاريكساوزن‪ .‬لقد كان هذا‬ ‫وهكذا نرى رجل آيل مفكر‪ .‬لقد مت حتريكه‬
‫البيدوصور العمالق يف احلقيقة عبارة عن‬ ‫عن بعد بواسطة أس�لاك كانت مربوطة يف‬
‫موديل صغري متحرك‪ ،‬مت حتريكه صورة بعد‬ ‫كعيب قدميه‪ .‬ويف املشاهد اليت نرى هبا رجلي‬
‫صورة بنفس الطريقة اليت استخدمها ميلييس‬ ‫الرجل اآليل على الشاشة استخدمت البطارية‬
‫يف أف�لام��ه‪ .‬وه��ك��ذا مت إخ���راج ه��ذا الفيلم‬ ‫لتحريكه ‪.‬‬
‫مبساعدة هذه اخلدعة البسيطة باإلضافة‬ ‫لقد ك��ان ط��ول الرجل اآليل ‪ 207.5‬سم‬
‫إىل ماكيت األشياء اليت دمرها البيدوصور يف‬ ‫بينما كان طول املمثل الذي بداخله ‪ 165‬سم‪.‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫طريقه‪ ،‬حيث أدهش املشاهدين ملدة طويلة ‪.‬‬ ‫لذلك كان رأس املمثل عند صدر الرجل اآليل‬
‫ويف االحت������اد ال��س��وف��ي��ي�تي ال��س��اب��ق يف‬ ‫وكان يرى أمامه من خالل شبك مكرب الصوت‪،‬‬
‫مخسينيات القرن املاضي ظهر فيلم « سر‬ ‫وحتى ال يكون مرئيا من قبل الكامريا‪ ،‬مت دهن‬
‫احمليطني « يف ه��ذا الفيلم هناك مؤشرات‬ ‫َ‬ ‫وجه املمثل باللون األسود‪.‬‬
‫خ��ي��ال��ي��ة ع��ل��م��ي��ة‪ ،‬ول��ك��ن��ه أق���رب إىل الفيلم‬ ‫بالرغم من أن هذا الفيلم مليء مبشاهد‬
‫البوليسي‪ .‬يتحدث ه��ذا الفيلم ع��ن عامل‬ ‫حركة العربات الفضائية املعقدة‪ ،‬والديكورات‬
‫اجلاسوسية‪ ،‬ولكن مشاهد القطع البحرية‬ ‫الفخمة‪ ،‬وامل��ن��اظ��ر الفضائية اخل�لاب��ة‪ ،‬إال‬
‫العسكرية وأسلحتها يف العرض العسكري‬ ‫أن ه��ذه املشهدية املبهرة والرائعة مل تنقذ‬
‫كانت سابقة لعصرها‪ .‬إن هذا الفيلم سرعان‬ ‫موضوع الفيلم‪ .‬وه��ذا يثبت مرة أخ��رى بأن‬
‫ما اختفى عن الشاشة ومل يلقى شعبية لدى‬ ‫املؤثرات اخلاصة واخلدع السينمائية ال ميكن‬
‫اجلمهور ‪.‬‬ ‫أن تنجح دون توفر القصة احملبوكة درامياً‬
‫يف السنوات العشر الالحقة وعلى أعتاب‬ ‫بشكل جيد‪.‬‬
‫الثورة التكنولوجية‪ ،‬أظهر الروس يف أفالمهم‬ ‫كأحد أشكال أفالم اخليال العلمي‪ ،‬ظهرت‬
‫الكثري من العربات الفضائية وتقنيات الفضاء‬ ‫يف مخسينيات ال��ق��رن امل��اض��ي األف�ل�ام اليت‬
‫املختلفة‪ ،‬مبا فيها الرجال اآلليون والصواريخ‬ ‫تعتمد على خملوقات عمالقة عجيبة كأبطال‬
‫العابرة للقارات وألبسة الفضاء املختلفة‪.‬‬ ‫للفيلم‪ ،‬حيث تنتفض األرض ضد اإلنسان‪،‬‬
‫وكمثال على ذل��ك فيلم (األح�ل�ام تتحقق)‬ ‫وتبعث مبخلوقات عجيبة هت��اج��م البشر‪.‬‬
‫‪ 1963‬ع��ن أمه��ي��ة التقاء ح��ض��ارت�ين‪ .‬حيث‬ ‫من هذه األف�لام ‪( :‬عجيبة من أعماق بالك‬
‫جيمع العامل األكادميي زم�لاءه يف الساحة‪،‬‬ ‫الغون) ‪ ،1954‬و (ترانتول) ‪ 1955‬و (الوحوش‬
‫وخيربهم بأنه تلقى إشارة من حضارة أخرى‪.‬‬ ‫املونوليتية) و (هذه اجلزيرة األرض) ‪1957‬‬
‫ولكن القائمني على هذا الفيلم مل يكن لديهم‬ ‫وغريها‪.‬‬
‫ال اخليال الواسع وال التقنية الالزمة إلظهار‬ ‫لقد افتتحت شركة ( وورنر براذرز ) هذه‬
‫ه��ذا اللقاء ب�ين احلضارتني كما ك��ان يقول‬ ‫األف�لام املونودرامية بفيلم (وح��ش من عمق‬
‫األك��ادمي��ي‪ ،‬وب��ق��ي ه��ذا اللقاء على هامش‬ ‫‪ 20.000‬فرسخ ) ‪ ،1953‬من إخ��راج يوجني‬
‫األح����داث‪ .‬حيث ي��رى امل��ش��اه��د جتمع كبري‬ ‫ل���وري‪ .‬حيث بعد ان��ف��ج��ار ن���ووي يظهر يف‬
‫للعربات الفضائية والصواريخ‪ ،‬املنفذة بشكل‬ ‫أركتيكا بيدوصور من فصيلة الديناصورات‪،‬‬
‫سيء من وجهة النظر الفنية ‪.‬‬ ‫يتجه هذا البيدوصور جتاه مدينة نيويورك‬ ‫‪82‬‬
‫من أشهر األفالم السوفييتية يف ستينيات‬ ‫مدمراً كل شيء يف طريقه‪ .‬لقد استخدمت يف‬
‫ال��ق��رن امل��اض��ي ك��ان فيلم (ال��رج��ل الربمائي‬ ‫هذا الفيلم ألول مرة خدعة التصوير ( كادر‬
‫) ‪ ،1961‬من إخ��راج غ‪ .‬كازانوفسكي و ف‪.‬‬ ‫– كادر ) يف حتريك هذا البيدوصور‪ .‬حيث‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫نصرهم انتشر بينهم وباء إنساني مل يبق منهم‬ ‫تشيبوتاريف‪ .‬ع��ن رج��ل يعيش يف احمليط‪،‬‬
‫أحداً‪ .‬مل يظهر املخرج املرخييني‪ ،‬ولكنه عكس‬ ‫ولكنه يف الشتاء ال يستطيع التنفس يف مياه‬
‫أفعاهلم بواسطة اخلدع السينمائية‪ .‬لقد رأى‬ ‫احمليط فيخرج إىل األرض‪ .‬لقد صنع الفيلم‬
‫املشاهدون املدن تدمر‪ ،‬والناس ميوتون دون أن‬ ‫حبس رومانسي مبرافقة موسيقى اجلاز اليت‬
‫يظهر مصدر دمارهم وموهتم اجملهول‪ .‬لقد زاد‬ ‫ألفها املوسيقار أ‪ .‬بيرتوف‪ .‬وكان موضوع هذا‬
‫ذلك من حدة التوتر واخلوف عند الناس‪ ،‬ما‬ ‫الفيلم جديداً على الساحة السينمائية يف ذلك‬
‫قوى الصراع الدرامي يف هذا الفيلم ‪.‬‬ ‫الزمن ‪.‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫يف عشر السنوات الالحقة ت��وال��ت أفالم‬ ‫بعد احل���رب العاملية الثانية زاد خمزون‬
‫م��رع��ب��ة حت���ذر م��ن امل��س��ت��ق��ب��ل م��ث��ل (دكتور‬ ‫العاملني يف جمال اخليال العلمي‪ ،‬وأصبحت‬
‫س�تري��ن��ج�لاف) لستانلي ك��وب��ري��ك ‪ 1963‬و‬ ‫لديهم التقنيات واالم��ك��ان��ات ال��ق��ادرة على‬
‫(السقوط احلر) لسيدني لوميت ‪ 1964‬و (لعبة‬ ‫إقناع الناس بواقعية ما هو غري مقنع‪ .‬مثالً ‪:‬‬
‫احلرب لإلنكليزي بيرت ووتكنز) ‪.1965‬‬ ‫ظهور امرأة بطول ‪ 50‬قدم‪ ،‬والعقارب املخيفة‬
‫لقد حذر مؤلفو هذه األفالم من حرب نووية‬ ‫والعنكبوت الضخم‪ .‬ويف فيلم (ه��م) ‪1954‬‬
‫مدمرة لإلنسان‪ .‬وتتالت على الشاشات العاملية‬ ‫من��ل عمالق يهاجم ك��ل املخلوقات‪ .‬إن هذه‬
‫أفالم أخرى‪( ،‬على الشاطيء) لألمريكي ستانلي‬ ‫املخلوقات بغض النظر عن مشهديتها املقنعة‬
‫كرامر ‪ 1959‬و (فهرينهيت ‪ ) 451‬للفرنسي‬ ‫على الشاشة‪ ،‬بدت ألعاباً أمام اخلطر النووي‬
‫فرانسوا تروفو ‪ 1966‬وغريها من األفالم‪.‬‬ ‫الفعلي الذي داهم العامل‪.‬‬
‫يف فيلم (ألفافيل) عكس جان لوك غودار‬ ‫لقد أخرج األمريكي رودول��ف ماري الفيلم‬
‫‪ 1965‬أفكار اجتماعية فلسفية بقالب خيال‬ ‫الذي حيمل امسه مغزى كبرياً (عندما تصطدم‬
‫علمي‪ .‬حيث الوقائع الوثائقية مدعمة مبشاهد‬ ‫العوامل) ‪ 1951‬و كذلك يف عام ‪ 1953‬أخرج‬
‫اخل��ي��ال العلمي ال�تي سامهت يف فهم قصة‬ ‫ب��اي��رون هاسكني (ح��رب ال��ع��وامل) ع��ن قصة‬
‫الفيلم ‪.‬‬ ‫هلربرت ويلز كما نوهنا سابقا‪ .‬حيث تقول‬
‫لقد ظهر يف ستينيات القرن املاضي هتديد‬ ‫الرواية ‪ ( :‬لقد ظهر لدى املرخييني عربات‬
‫آخر لإلنسان غري التهديد النووي ‪ ،‬وهو هتديد‬ ‫طائرة‪ ،‬تستطيع محل رؤوس نووية مدمرة ) لقد‬
‫غسل األدمغة ‪ .‬يف الفيلم الكوميدي (املرشح‬ ‫حاول املخرج أن يكون أميناً للرواية‪ .‬وكما يف‬
‫املنشوري) ‪ 1962‬جلون فرانكنهامير ‪ ،‬يتحدث‬ ‫الرواية‪ ،‬يهبط املرخييون إىل األرض‪ ،‬ويدمروا‬
‫الفيلم عن تقنيات غسل األدمغة ‪.‬‬ ‫امل��دن والبشر بشعاع ح��راري‪ ،‬وعندما اقرتب‬

‫‪83‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫َّ‬
‫لعل حم��اك��اة ال��واق��ع ال��ذي حنياه حن��ن بين‬
‫البشر‪ ،‬من خمتلف اجلوانب ومقارباته احلياتية‪،‬‬
‫اجتماعيّة كانت أم سياسيّة‪ ،‬أم أخالقية‪ ،‬هي‬
‫السَّمة األه��م ال�تي يتميز هبا األدب على حدٍّ‬
‫سواء‪.‬‬
‫ف���األدب بوصفه جتسيداً مللكةٍ عقلية ما‬
‫فتئت تُ ْقتَ ُل كتاب ًة‪ ،‬منذ األزل وحتى يومنا هذا ـ‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫وبسعيه الالهث خلف مواجهة حُرَّة بني الكائنات‬
‫والكون‪ ،‬من جهة‪ ،‬وبني الكائنات واملكوِّن‪ ،‬من‬
‫جهة أُخرى‪ ،‬يبدو األدب وسيطاً بني العقل‪...‬‬
‫الفكر‪ ...‬اخليال‪ ،...‬وما حتياه املخلوقات يف‬
‫هذا الكون‪ ،‬لكن ما هو الواقع بغضِّ النظر عن‬
‫الكثري من القوالب اليت صُنعت الحتوائه؟ هل‬
‫هو احلياة اليت نعيشها حنن األحياء األموات‬
‫على وجه األرض؟ أم هو احلياة اليت حتياها كل‬
‫الكائنات يف هذا الكون الواسع ـ غري احملدود‪،‬‬
‫وغري املدرك بعدْ؟‪.‬‬
‫هل واقع حياتنا حمض خيال‪ ،‬أم ما نتخيله‬
‫اآلن‪ ،‬ه��و واق���ع ال��غ��د؟ وع��ل��ى اعتبار (أحالم‬
‫األمس‪ ،‬واقع الغد) كقول مأثور‪ ،‬حقيقة عاشها‬
‫السلف‪ ،‬وسنعيشها حنن أيضاً‪ ،‬فما هو غريب‬
‫ومستهجن اآلن‪ ،‬سيغدو طبيعياً ومقبوالً غداً‪،‬‬
‫وما الذي سيبزغ عندما يتدخل اخليال ليكون‬
‫أحد طريف الوساطة اليت يقوم هبا األدب‪ ،‬ليلعب‬
‫لعبة‪ ،‬نلعبها بشكل متواصل طيلة اليوم ؟ ما‬
‫ال��ذي سينتج حقاً؟ هل سيلفظ ذل��ك الرحم‬
‫الثائر فناً أدبياً جديداً علينا على األقل حنن‬
‫أم��ة ال��ع��رب‪ ،‬أرض الثقافات القدمية ومرتع‬
‫احلضارات اإلنسانية‪ ،‬وقبلة العوامل األخرى‪،‬‬
‫منذ األزل وليس اآلن‪.‬‬
‫امل��ول��ود ه��و ف��ن ج��دي��د ليس جب��دي��د‪ ،‬وهو‬
‫وسيط أيضاً بني العقل والكون ال بل األكوان‪..‬‬
‫أمسوه أدب اخليال العلمي‪.‬‬
‫يف احلقيقة‪ ،‬عندما نلجأ لوضع تعريف معني‬ ‫‪84‬‬
‫للخيال جتاهبنا مشكلة تكمن يف أن الكثري من‬
‫الدارسني قد أحجم عن تعريف اخليال حيث‬
‫أنه من الصعوبة مبكان وضعه يف قالب جامع‬ ‫لؤي عثمان‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫أو لتسميته بغري حقيقته غري املدركة أصالً إما‬ ‫مانع لكل التساؤالت‪ ،‬ملا هلذه امللكة العقلية من‬
‫إلهبامه أو إلنكاره‪.‬‬ ‫غموض يف ماهيتها وكنهها وعلى الرغم من كل‬
‫وكون العلم ـ بكسر العني ـ توأماً للعقل يف‬ ‫ما سبق يبقى اخليال جبمالياته حمكوماً من‬
‫‪85‬‬ ‫كثري من األحيان فهل من السهل واملفيد أن جند‬ ‫قبل العقل ال��ذي يلجأ إىل احلجج والرباهني‬
‫تعريفاً جامعاً للعلم؟‪ .‬فالعلم يف اللغة كما أورده‬ ‫واألدلة إلثبات حدث أو واقعة ما‪ .‬لكنه عندما ال‬
‫صاحب املصباح املنري ( العلم‪ :‬اليقني‪ ،‬يقال علم‬ ‫جيد منها إال القليل ذو التأثري اإلقناعي املقبول‬
‫يعلم إذا تيقن‪ ،‬وجاء مبعنى املعرفة أيضاً كما‬ ‫على األقل فإنه ينحاز إما إىل جتاهل املوضوع‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫واملركبات والكائنات الفضائية إن مل تكن أرضية‬ ‫ج���اءت مب��ع��ن��اه‪ُ ،‬‬
‫ض��م��ن ك��ل واح���د مبعنى‬
‫وحوادث أسبغنا عليها حنن طابعاً علمياً حتى‬ ‫اآلخر الشرتاكهما يف كون كل واحد مسبوقاً‬
‫يتسنى لنا الوقت إلجياد تفسري ممكن ميحو‬ ‫باجلهل)‪.‬‬
‫إهبامها يف حني أن الغرب املتقدم علينا علمياً‬ ‫أما العلم يف االصطالح فقد اختلف فيه هل‬
‫يتحاشى اإلفصاح أو احلديث عن مطار نيفادا‬ ‫حيد أم ال؟‬
‫‪ /501/‬وهو املكان الذي يتم فيه استقبال مثل‬ ‫ً‬
‫فقال البعض اصطالحا‪ :‬إنه ال حيد لعسر‬
‫هذه الظواهر؟‪ .‬وملاذا نستمر حنن القاطنني‬ ‫تصوره أو ألنه ضروري حيصل مبجرد التفات‬
‫يف امل��ن��ط��ق��ة ال��وس��ط��ى م��ن ال��ك��رة األرضية‬ ‫النفس إليه من غري نظر واكتساب‪.‬‬
‫اليت من صفاهتا إجي��اد التوازن بني احلكمة‬ ‫فما هي احملصلة إذاً؟ إذا كان العلم واخليال‬
‫والعلم بإنكار ذلك مع العلم بأن بالد ما بني‬ ‫عند الكثري من الباحثني والدارسني ال ميكن‬
‫النهرين حيث الثقافة السومرية وهي من أقدم‬ ‫حصر كل منهما ضمن تعريف معني‪ ،‬وإذا كان‬
‫اجملتمعات ال بل هي مهد احلضارة اإلنسانية‬ ‫فهمنا لعاملنا ال بل لكوننا حم���دوداً حبدود‬
‫وأقدم أمثلها املعروفة على االطالق فيها من‬ ‫العلم الذي نتعلمه ومرتبطاً بتطوره أو ال ميتد‬
‫النقوش واجمل��س��م��ات الصخرية واحلجرية‬ ‫ألكثر من قشرة األرض أو مسائها مبا فيها من‬
‫والطينية يظهر فيها مشاهد وحوارات لآلٍهلة‬ ‫مشس وجنوم أو حتى جمرتنا درب التبانة‪.‬‬
‫وهي تطري يف السماء ومن ثم مشاهد هلبوطها‬ ‫فهل من الصحيح والعادل أن نسمي بنات‬
‫من السماء إىل األرض لتثقيفهم وتعليمهم فن‬ ‫أفكارنا أو خميلتنا ومهاً؟ وعلى وجه التحديد‬ ‫‪86‬‬
‫احلياة على األرض‪.‬‬ ‫إن ارتبطت تلك املخيلة باملاورائي وغري املمكن‬
‫ناهيك عن أن اإلشارات والدالئل على هذه‬ ‫أو الالمعقول؟ وهل سنستمر باطالق مثل هذه‬
‫احلوادث موجودة منذ القدم فهناك عدد من‬ ‫التسميات على ظواهر مثل الصحون الطائرة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫الفقرات يف التوراة يف الفصل السادس من سفر‬
‫التكوين‪ ( :‬وحدث ملا ابتدأ الناس يتكاثرون على‬
‫سطح األرض‪ ،‬وولد هلم بنات‪ ،‬اجنذبت أنظار‬
‫أبناء اهلل إىل بنات الناس فرأوا أهنن مجيالت‪،‬‬
‫فاختذوا ألنفسهم منهن زوجات حسب ماطال‬
‫هلم ‪ .‬يف تلك احلقب كان يف األرض جبابرة‬
‫وبعد أن دخل أبناء اهلل على بنات الناس ولدن‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫هلم أبناء‪ ،‬صار هؤالء األبناء أنفسهم اجلبابرة‬


‫املشهورين منذ القدم )‪.‬‬
‫وهذا ما ميكن تفسريه أو ما قد فسر على‬
‫أن��ه اختالط مت بني كائنات غريبة أت��ت من‬
‫العامل اآلخر واجلنس البشري وتركت أجياالً‬
‫هم بيننا حتى هذا اليوم‪ ،‬هذا باإلضافة لفقرة‬
‫أخرى من التوراة باسم النيب (قزحيا) الذي كان‬
‫مأسوراً يف إحدى املستعمرات يف بابل تصف‬
‫مشهداً ملركبات فضائية أت��ت من الفضاء‪:‬‬
‫(ن��ظ��رت وش��اه��دت زوب��ع��ة آت��ي��ة م��ن الشمال‬
‫وغيوم كثيفة ون��ار تلتف على نفسها وشعاع‬
‫من حوهلا ومن وسطها كان هناك لون يشبه‬
‫لون العنرب يظهر من وسط كل هذا النار‪ .‬ومن‬
‫وسط كل هذا خرج شيء يشبه أربعة خملوقات‬
‫حية وهذا ما بدوا عليه‪ :‬يتشاهبون مع الرجال‬
‫وكل واحد منهم له أربعة وجوه وأربعة أجنحة‬
‫وأقدامهم كانت مستقيمة وكعاب أقدامهم‬
‫تشبه حوافر العجول وانبثق منهم ملعان مثل‬
‫ملعان النحاس امل��ص��ق��ول‪ ....‬واآلن كما أنين‬
‫شاهدت الكائنات احلية مشاهداً عجلة واحدة‬
‫على األرض هلؤالء املخلوقات احلية ذو األربعة‬
‫وجوه حيث أن شكل العجالت وطريقتها مثل‬
‫لون األحجار الكرمية اخلضراء وكانوا األربعة‬
‫يشبهون بعضهم بعضاً كما أن هذه العجالت‬
‫كانت واح���دة داخ��ل األخ���رى وعندما رحلوا‬
‫رحلوا بأطرافهم األربعة ومل يلتفتوا وبالنسبة‬
‫‪87‬‬ ‫إىل العجالت كانت مرتفعة لدرجة مروعة‬
‫وكان للعجالت األربعة عيون كثرية من حوهلا األرض ارتفعت عجالهتا معها)‪.‬‬
‫يف ه���ذه ال��ف��ق��رة ي��ص��ف ال��ن�بي ق��زح��ي��ا بدقة‬ ‫وعندما ذهبت هذه املخلوقات ذهبت عجالهتا‬
‫معها وعندما ارتفعت ه��ذه املخلوقات عن متناهية تلك املركبات الفضائية الغريبة ذلك كان‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫إليها أية طائرة كانت قد صنعت يف ذلك الزمان‬ ‫جزءاً مما أورده كتاب التوراة يف العهد القديم‪.‬‬
‫ومنذ ذلك الوقت حصلت العديد من املشاهدات‬ ‫ومثة مشاهدات أخرى يف احلقيقة فقد ورد أن‬
‫للمركبات الفضائية املوصوفة على أهنا تشبه‬ ‫جيش اإلسكندر الكبري قد شاهد وج��ود بضع‬
‫الصحون فصارت التسمية (الصحون الطائرة)‬ ‫مركبات فضائية تراقبهم وتالحقهم من مكان‬
‫فقد بلغ عدد التقارير ما يقارب ‪ /1500/‬بالغاً‬ ‫إىل آخر وذلك يف عام ‪ 329/‬قبل ميالد السيد‬
‫يف أمريكا الشمالية وحدها إن كانت من قبل‬ ‫املسيح (عليه السالم)‪.‬‬
‫القاطنني احملليني أم طيارين جويني وبالفعل‬ ‫ويف القرن اخلامس عشر بعد ميالد السيد‬
‫أثارت هذه التقارير حفيظة احلكومة األمريكية‬ ‫امل��س��ي��ح (ع��ل��ي��ه ال��س�لام) مت��ت م��ش��اه��دة عدة‬
‫من حيث الشك واجل��دل العلمي الكبري‪ .‬ففي‬ ‫صحون طائرة يف مساء مدن بازل يف سويسرا‬
‫خريف ع��ام ‪ 1969‬حصلت مشاهدة من قبل‬ ‫نورمبريغ يف أملانيا ويف عام ‪ /1881/‬عندما كان‬
‫الرئيس األمريكي جيمي كارتر‪ ،‬وكان هناك حوايل‬ ‫امللك جورج اخلامس شاباً رأى مركبة فضائية‬
‫‪ 12‬شخصاً آخرين كانوا قد شاهدوا أيضاً هذا‬ ‫فوق منطقة ساحلية أسرتالية‪ .‬وقد استمرت‬
‫اجلسم املضيء الذي وصف حجمه حبجم مشهد‬ ‫مثل هذه املشاهدات حتى هناية احلرب العاملية‬
‫كوكب القمر الذي يطل ع��ادةً فوق مساء والية‬ ‫الثانية ومطلع ال��ق��رن العشرين إىل م��ا ميكن‬
‫جورجيا‪ .‬وقام حاكم والية جورجيا جيمي كارتر‬ ‫تسميته عصر املشاهدات احلديثة اليت أشارت‬
‫بإبالغ السلطات األمريكية رمسياً عن مشاهدته‬ ‫التقارير إىل ب��داي��اهت��ا وحت��دي��داً يف ي��وم ‪/24‬‬
‫الفعلية ملركبة فضائية غريبة‪ .‬وعندما انتخب‬ ‫‪ 1947/6‬مع أحد الطيارين اهلواة الذي كان يقود‬
‫كارتر رئيساً للواليات املتحدة‪ ،‬أصدر أمراً إلدارة‬ ‫طائرته فوق جبال يف والية واشنطن وقد أكد‬
‫هذا الطيار املدعو (كني أرنولد) أنه رأى سرباً‬
‫‪88‬‬
‫وكالة الفضاء األمريكية «ناسا» بالقيام بدراسة‬
‫تفصيلية دقيقة عن هذا املوضوع‪.‬‬ ‫من املركبات الفضائية اليت تطري بسرعة ال تقل‬
‫فقامت احلكومة األمريكيةباختيار الربوفسور‬ ‫عن ‪ /1350/‬ميالً بالساعة وهي سرعة ال تصل‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫احليوانات والسيارات والنباتات واألرض‪.‬‬ ‫ج‪ .‬أالن هينيك لتقييم ه��ذه التقارير الواردة‬
‫ويف عام ‪ 1969‬وعقب تقرير مغاير لتقرير‬ ‫بطريقة علمية‪ ،‬وهو بروفسور يف علم الفلك يف‬
‫هينيك‪ ،‬وضعت جلنة تابعة جلامعة كولورادو‬ ‫جامعة أوهايو األمريكية‪.‬‬
‫برئاسة الفيزيائي إدوارد كوندون تقريراً ينص‬ ‫وكان الربوفسور هيتيك مثل كل العلماء أنذاك‬
‫على أن كل هذه األحباث اليت جرت يف اإلحدى‬ ‫له شكوكه القوية‪ ،‬ولكن بعد التحقق من هذه‬
‫والعشرين سنة املاضية مل تضف شيئاً على‬ ‫التقارير وعلى مدى عشرين عاماً‪ ،‬أخذ رأيه‬
‫مفاهيمنا العلمية‪ ،‬مشرياً اىل أن أي أحباث الحقة‬ ‫يتغري شيئاً فشيئاً‪ .‬ففي عام ‪ ،1966‬وأمام جلنة‬
‫هلده البعثة قد تكون غري م�بررة‪ ،‬مما استدعى‬ ‫خاصة من أعضاء الكونغرس األمريكي كانت‬
‫النقاد اىل اإلعرتاض على تقرير كوندون املبين‬ ‫عينتهم احلكومة لتتبع ه��ذه املشاهدات‪ ،‬قال‬
‫على تقييم ثالثني باملئة من احلاالت الغامضة‪،‬‬ ‫الربوفسور هينيك أن��ه بالرغم من سياستكم‬
‫وأن كوندون كان ضد هذه األحباث حتى قبل أن‬ ‫املبنية على التعامل مع هذه املواضيع على أهنا‬
‫يبدأ مراجعة امللفات اليت كانت بني يديه‪ ،‬ما أدى‬ ‫أخطاء إنسانية أو نوعاً من أنواع اهللوسة العقلية‪،‬‬
‫اىل جعل التحقيقات احلكومية تتوقف عند هذا‬ ‫فإن هذه األقلية القليلة من الناس تتحدى كل‬
‫احلد‪ .‬علماً أن هذا مل يوقف املشاهدات الكثرية‬ ‫قناعاتنا ومفاهيمنا العلمية عن مثل هذه األمور‬
‫اليت استمر حصوهلا حول العامل‪.‬‬ ‫الغريبة‪ .‬وبعد عدة سنوات‪ ،‬قال هينيك أمام‬
‫ومبا أننا لسنا من العلماء يف جمال الفضاء‬ ‫جلنة من الكونغرس أن سبب تغيري رأيه ودعوته‬
‫والفلك فجل ما نصبو إليه يقظة يف الوعي تعبد‬ ‫للدخول يف مزيد من التحقيقات الدقيقة سببه‬
‫‪89‬‬ ‫الطريق حنو حالة من التفكر والعقل والتعقل‬ ‫ه��ذا اإلرت��ف��اع املستمر ح��ول ال��ع��امل يف ورود‬
‫حتى نصل من خالهلا إىل رؤية جديدة للكثري من‬ ‫تقارير من قبل الكثريين الذين يتمتعون بقدرة‬
‫مل ال بل كو ٍن مدرك بكل‬‫األمور الغامضة يف عا ٍ‬ ‫عقلية عالية ال ريب وال شك فيها عن تدخالت‬
‫ما هو غريب ال بل رائع فيه‪.‬‬ ‫فضائية خارجية غريبة وتأثريها الفيزيائي على‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫دهش العامل الفيزيائي حينما دخل قاعة‬ ‫‪Science Fiction‬‬

‫ال��وث��ائ��ق ال��ف��رع��ون��ي��ة ال��ق��دمي��ة أث��ن��اء زيارته‬


‫للمتحـف املصري ملا حي��وي من وثائق تضم‬
‫الكثري من األمور العلمية‪ ،‬وأكثر ما لفت نظره‬
‫برديـة مكتوبة باللغة اهلريوغليفية تعود لأللف‬
‫الرابعة قبل امليالد‪ ،‬كتب جبوارها (هذه الوثيقة‬
‫مت اكتشافها يف مقربة أحد كبار كهنة الفراعنة‬
‫عاش يف تلك احلقبة من الزمن)‪ ،‬وجبوار تلك‬
‫الربدية ترمجة حملتواها وهو ‪:‬‬
‫(لتصبح خالداً أزلياً جتوب السماء‪ ،‬وأبناً‬
‫لإلله رع ختضع لك موجودات الوجود ويفتـح‬ ‫‪90‬‬
‫لك العامل خباياه ‪ ..‬اغمر جسدك بأشعة آمون‬
‫‪ ..‬واستحم برتاب حورس ‪ ..‬وتعطر بعطر إيزيس‬ ‫د‪ .‬خملص عبد احلليم الريس‬
‫كل هنار ‪ ..‬تدخل قدس األق��داس ‪ ...‬يلني لك‬ ‫أستاذ الفيزياء يف جامعة دمشق‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫علـوم املغناطيس سرية‪ ،‬فهم حالوا على الدوام‬ ‫احلديد وختضع لك اهلامات)‪.‬‬
‫دون تسرب أسراره للعوام كي تبقى تلك األسرار‬ ‫وك��ان التساؤل التايل !! ما عالقة خضوع‬
‫حمصورة ال يتداوهلا سواهم من الناس‪ ،‬لتبقى‬ ‫اهلامات باحلديد وقدس األقداس ؟‬
‫السيطرة النفسية والروحية والفكرية بيدهم‪،‬‬ ‫ً‬
‫يفتح هذا التساؤل فصالً جديدا يف علوم‬
‫وجنحوا يف مسعاهم فصنعوا ملوكاً فراعنة‬ ‫ما وراء الطبيعة ‪ ..‬فقد فتح هذا السؤال ملفاً‬
‫جبارين ادعوا األلوهية والربوبية ‪.‬‬ ‫كان قد أمهل أو مت جتاهله متاماً منذ أزمنة‬
‫الشيء املدهش يف هذه الربدية أهنا تربط‬ ‫طويلة جداً‪ ،‬والغريب يف األمر هو أن األطباء‬
‫النفس البشرية (ال��روح) باملغناطيسية (مادة)‬ ‫هم الذين أمهلوه‪ ،‬وهم يف حقيقة األمر من أشد‬
‫والوسيط بينهما هو (معدن احلديد) ‪.‬‬ ‫الناس حاجة إليه ملعاجلة مرضاهم ‪ ..‬ولغاية‬
‫ك��م��ا ب���دأت احل��ض��ارة امل��ع��اص��رة احلديثة‬ ‫اليـوم م��ازال األطباء يتجاهلونه ويستبعدونه‬
‫‪91‬‬ ‫من بالدنا العربية وبالتحديد على يد أفضل‬ ‫من املعاجلات الطبية‪ ،‬مع أن فيه دواء وشفاء‬
‫عامل عاش قبل ميالد السيد املسيح بثالمثائة‬ ‫كثرياً‪.‬‬
‫ع��ام ه��و أيراتوستني ال��ع��امل العربي املصري‬ ‫لعل سبب ذل��ك هو اخل��وف والرعب الذي‬
‫اإلسكندراني‪،‬‬ ‫مارسه كهنة قدماء على مر العصور إلبقاء‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫واحتفظوا بأسرارها ألنفسهم فقط‪ ،‬فتمكنوا‬ ‫كذلك تبدأ قصتنا حنن اليوم يف كشف بعض‬
‫من السيطرة على عقول الناس وإخضاعهم‬ ‫أسرار املغناطيسية ودورها فينا ‪ .‬والبدايتـان‬
‫ألل��وف السنني وجعلوهم سخرة وع��ب��ي��داً ‪..‬‬ ‫م��ت��ش��اهب��ت��ان ‪ ....‬األوىل ب����دأت م���ن مكتبة‬
‫فكيف مت هلم ذلك ؟‬ ‫اإلسكندرية‪ ،‬والثانية بدأت من املتحف املصـري‬
‫السر هنا هو يف املغناطيس وقوته وآثاره‬ ‫بالقاهرة ‪ ..‬ففي أحد أيام ذلك الزمان البعيد‬
‫اليت يؤثر هبا يف األجسام احلديدية عن بعد‪،‬‬ ‫لفت نظر العامل إيرتوستني وكان مدير مكتبة‬
‫وكان السؤال األكثر جرأة يف هذا املقام هو ‪..‬‬ ‫اإلسكندريـة بردية كتب فيها ‪:‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫ماذا عن أثر املغناطيسية يف اإلنسان ؟ وما هو‬ ‫أن ع��م��وداً مغروساً شاقولياً يف أس��وان ال‬
‫العامل امل��ادي ال��ذي يربط بني جسم اإلنسان‬ ‫يلقي ظالً يف يوم ‪ 22‬حزيران من كل عام‪ ،‬يف‬
‫احلي (نفس وروح) باملغناطيسية (مادة) ؟‪.‬‬ ‫حني أن عموداً مماثالً مغروساً يف اإلسكندرية‬
‫ويأتي اجلواب ‪ ...‬الـدم !! ‪.‬‬ ‫يلقي يف نفس اليوم ظالً ملحوظاً‪ ،‬فما كـان من‬
‫الدم هو أول سائل جيري يف جسد الكينونة‬ ‫إيراتوستني إال أن استأجر رجالً قـاس املسافـة‬
‫احلية حتى قبل أن تتشكل فيه أول خلية حيـة‪،‬‬ ‫بني أسوان واإلسكندرية بعصاه و ِبعـدِ اخلطوات‬
‫وخاليا الدماغ العصبية هي أول اخلاليا تشكالً‪،‬‬ ‫بني املدينتني واكتشف من ذلك كروية األرض‬
‫وبالتايل تكون أول خلية تتشكل عقب جناح‬ ‫وحسب حميطها وحجمها ومساحـة سطحها‪.‬‬
‫عملية تلقيح البويضة األنثوية حبيوان منوي‬ ‫فكانت تلك املالحظة بداية احلضارة احلديثة‬
‫وجيري فيها الدم هي خلية عصبية‪ ،‬إذاً الـدم‬ ‫الصحيحة وانطالقتها عربية ‪.‬‬
‫هو نسيج سائل تعوم فيه كل خاليا اجلسد‪ ،‬أو‬ ‫يف حالتنا‪ ..‬أثارت بردية املتحف لدى العامل‬
‫بكلمة أخرى هو نسيج يغمر كل خاليا اجلسد‪،‬‬ ‫الفيزيائي ت��س��اؤالت ع��دة منها‪ ..‬ه��ل توجد‬
‫وبإمكان كرياته احلمراء الوصول جلميع خاليا‬ ‫هناك عالقة بني حمتويات هذه الربدية ومنهج‬
‫اجلسد دومنا استثناء حتى لو اضطرت الكرية‬ ‫الفراعنة يف السيطرة على شعوهبم‪ ،‬وبالتايل مـا‬
‫احلمراء ألن تنطوي على نفسها يف األماكن‬ ‫هي الوسائل املادية (الفيزيائية) اليت استطاع‬
‫الضيقة ه��ذا م��ن ناحية‪ ،‬وم��ن ناحية أخرى‬ ‫هبا الفراعنة امتالك ناصية اإلنسان واحليوان‬
‫حيمل ال��دم كل ما يلزم الكائن احل��ي لبقائه‬ ‫وحتى اجلماد؟ ‪ ..‬وبتحديد أكثر ما هي القوى‬
‫واستمرارية وجوده وحياته ‪ ..‬مثل مواد غذائية‬ ‫اخلفية اليت متتلكها تلك الوسائل اليت استطاعوا‬
‫وعناصر وأم�ل�اح معدنية وت��أث�يرات كهربية‬ ‫هبا إخضاع الناس لسيطرهتم ملدة تزيد عن أربعة‬
‫ومغناطيسية مرئية وأخ��رى تأثريات غيبية ال‬ ‫آالف ع��ام‪ ،‬ومت هلم ذل��ك مبنتهى السهولة!!‪.‬‬
‫مرئية أي ينضوي هذا النسيج السائل احلي‬ ‫فهم مارسوا سحراً و كهان ًة وطقوساً أقل ما‬
‫على كل عناصر نشـأة وحيـاة وحركة وبقـاء‬ ‫يقال عنها أهنا كانت غريبة‪ ،‬كما أتقنوا علـوم‬
‫النفس احلية ‪ ..‬حقاً ال��دم هو العضو األكثر‬ ‫الفراسة والطباع واإلحياء والتنويم املغناطيسي‬
‫أمهية عما سواه يف اجلسم البشري‪ ..‬لكن ما‬ ‫‪ ...‬وجنحوا فعالً يف إيقاظ طاقات خفية لدى‬
‫أمهية هذا األمر ؟ وما معنى ذلك ؟ ‪ ...‬اجلواب‬ ‫البعض منهم‪ ،‬حبيث أجادوا موهبة قراءة األفكار‬
‫يكمن يف التساؤل اآلتي !! ‪.‬‬ ‫والتخاطر واالستبصار عن بعد ‪ ...‬وأغلب الظن‬
‫طاملا أن الدم ينطوي على مقومات طبيعة‬ ‫(وامل��ؤش��رات تدل على ذل��ك) أن هذا األم��ر مت‬ ‫‪92‬‬
‫احلياة وب��ذوره��ا وج��ذور مظاهرها النفسية‬ ‫إجنازه فعالً من قبل الكهنة الفرعونيني عندما‬
‫روحاً ومادة‪ ،‬فلماذا ال نصرح بأن هذا السائل‬ ‫درسوا خصائص الكهرباء الساكنة وخصائص‬
‫ال��ع��ج��ي��ب ي��ف��ص��ح خ�ل�ال ع��م��ل��ه خ�ل�ال جسم‬ ‫احلجارة املغناطيسية‪ ،‬وأتقنوا التعامل معهما‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫العضوية عن أشياء متس جوهر النفس ولبها‪،‬‬
‫لكونه ينم ويبدي أشياء نفسية ال ميكن أن يكون‬
‫مصدرها سوى العقل الباطن !!‬
‫مل��اذا ال نعرتف ب��أن ال��دم ينطوي على قوة‬
‫عقلية حية ؟ وأنه ميتلك وعياً من نوع مـا ؟‬
‫ملاذا ال نقول بأن العقل الباطن لإلنسان يكمن‬
‫يف كريات دم مح��راء ختضع مجيع نشاطاهتا‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫لشوارد حديد مكهربة ؟‪ ..‬بكلمة أخرى إن هذا‬


‫السائل العجيب يتضمن العقل الباطن وحيتويه‬
‫كما يتضمن ال�ت�راب ج���ذور ال��ن��ب��ات‪ ،‬فالعقل‬
‫الباطن هو لب النفس وينبوع تنبثق منه املظاهر‬
‫النفسية !! ‪.‬‬
‫يعترب اهليموغلوبني أس��اس تركيب ال��دم يف‬
‫الكائنات احلية وحامل وظائفها اجلسدية‪.‬‬
‫وبنية جزيئاته يدخل يف تركيبها شوارد‬
‫احلديد ذات الكهربائية املوجبة ( أي��ون��ات )‬
‫بشكلها الثنائي والثالثي ‪ .‬حيتوي اهليموغلوبني‬
‫إذا م��ا ث��بُ��تَ بالدليل‬ ‫على ك��ل حديد ال���دم‪ ،‬أي م��ا ي��ع��ادل (‪)2500‬‬
‫القاطــــــع مستقبــــــالً‬ ‫ميليغرام مـن عنصر حديد‪ ،‬وعملية التنفس‬
‫برمتها عند الكائنات احلية ال تتم إال عن طريق‬
‫وجــود عالقة بني الدم‬ ‫شوارد احلديد يف الدم‪ ،‬وبالتايل حياة الكائنات‬
‫احلية بكاملها قائمة عليه‪ ،‬ولوال وجود احلديد‬
‫والعقل الباطن‪ ،‬فهذا‬ ‫يف الدم ملا كان هناك تنفس وال حياة‪ ،‬وعملية‬
‫ي��ع�ني ال��ت��وص��ل ألداة‬ ‫إدخ��ال األوكسجيـن اجلوي إىل اخلاليا احلية‬
‫من الرئتني وإطراح غاز الكربون منها ‪ ..‬ما هي‬
‫م���ادي���ة ي��س��ت��ط��ي��ع هبا‬ ‫إال عملية مغناطيسية حبتة‪ ،‬لكن األمر حيتاج‬
‫لتجربـة فيزيائية تثبت وجود عالقة بني كريات‬
‫األط��ب��اء يف املستقبل‬ ‫ال��دم احل��م��راء واملغناطيس‪ ،‬هل��ذا ق��ام العامل‬
‫معاجلة وبرجمة اإلنسان‬ ‫الفيزيائـي املهتم هبذا األمر بالتجربة التالية ‪:‬‬
‫وضع يف وعاء زجاجي شفاف ماءاً مقطرا‪ً،‬‬
‫نفسيـــــــــ ًا و سلوكيــــــــ ًا‬ ‫ثم أسقط فيه بضع قطرات من دم ‪ ..‬وقرَّب من‬
‫طرف الوعاء قطب مغناطيس ذي قوة متوسطة‪،‬‬
‫املفاجأة ‪ ...‬فقد أدرك هذا الباحث وتأكـد لديه‬ ‫فالحظ أن قطرات الدم بدأت بالتفكك لدقائق‬
‫‪93‬‬ ‫دور عنصر احلديد واملغناطيسية يف تأسيس‬ ‫(كريات مح��راء) والتحرك هبدوء حنو القطب‬
‫وبناء ورعاية العقل الباطن‪ ،‬ويأتي القول املنزل‬ ‫املغناطيسي‪ ،‬حيث جتمعت عنده‪ ،‬وكأن شوارد‬
‫الذي ال يزول أبد الدهور ‪...‬‬ ‫احلديد ضمن الكريات احلمراء هي اليت قادهتا‬
‫(فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم‬ ‫حن��و القطب املغناطيسي املعترب ‪ ...‬وكانـت‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫حديد)‪ ......‬قرآن كريم ( سورة ق ‪)22‬‬
‫(ي����ا ج��ب��ال أوب����ي م��ع��ه وال���ط�ي�ر وأل���ن���ا له‬
‫احلديد)‪ ....‬قرآن كريم ( سبأ ‪) 10‬‬
‫كلمة حديد هنا توحي بأن للمرء عقل باطن‬
‫كاشف وخ��ارق لكل احلواجز والعوائق املاديـة‬
‫وما هو خلف امل��ادة‪ ،‬أي له بصر فائق (رؤيـة‬
‫عن بعد) ومسع خارق وبصرية حدسيـة (إهلام)‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫وأحاسيس فائقة (غيبية)‪ ،‬هو شيء غريب يف‬
‫ارتباط العقل الباطن بعنصر احلديد ولغة هذا‬
‫االرتباط هو املغناطيسية‪.‬‬
‫احلقيقة أن��ه إذا ما ثبُتَ بالدليل القاطع‬
‫مستقبالً وجود عالقة بني الدم والعقل الباطن‪،‬‬
‫فهذا يعين التوصل ألداة مادية يستطيع هبا‬
‫األطباء يف املستقبل معاجلة وبرجمة اإلنسان‬
‫نفسياً و سلوكياً خبوارزميات حتقق له وجملتمعه‬
‫س��ع��ادات ال ح��دود هل��ا‪ ،‬مثل ه��ذا األم��ر كفيل‬
‫بتفسري كل أسرار الظاهرة البشرية والسلوك‬
‫يضعون قطعاً مغناطيسية عند منطقة السرة‬ ‫البشري اليت بقيت جمهـولة طيلة وجود اإلنسان‬
‫باعتبارها الضفرية الشمسية (أي دوامة اجلنس‬ ‫فـي هذا الكون‪ ،‬أي سيمكن أخرياً تفسري ظواهر‬
‫واملتعة واللذة والسعادة عند اإلنسان) ‪.‬‬ ‫ال حصر هلا‪ ،‬فاملغناطيسية تؤثر يف املادة اليت‬
‫مثل هذا االكتشاف سيكون واعداً يف املستقبل‬ ‫هي مقر وسكن العقل الباطن‪ ،‬واملغناطيسية‬
‫كأن حيقق سيطرة اإلنسان على كثري مما هو‬ ‫ق���ادرة على شحنه وإث��ارت��ه وإي��ق��اظ طاقاته‬
‫كائن يف عوامل ال مرئية مثل اجلان ويسخرها‬ ‫اخلارقة اخلفية‪ ،‬مما ينشط اتصاالته بالعوامل‬
‫ملصلحته‪ ،‬وكذلك التماس خط القدر والتدخل‬ ‫األخرى املرئية منها والال مرئية مما سيمكن‬
‫فيه (حالياً يتم ذلك بالدعاء والرتجي)‪.‬‬ ‫اإلنسـان من االلتقاء مبن يف تلك العوامل ‪ ..‬مثل‬
‫من املعلوم بيولوجياً القدرة الواسعة للقوى‬ ‫اجل��ان‪ ،‬حيث ورد يف حديث شريف عن النيب‬
‫املغناطيسية على تغيري اإلفرازات اهلرمونية يف‬ ‫(ص) أن‪:‬‬
‫الدم‪.‬‬ ‫(الشيطان جي��ري جم��رى ال��دم يف العروق‬
‫وهذا يدعم األمل يف التوصل لوسائط ميكن‬ ‫فضيقوا جمراه بالصوم) ‪.‬‬
‫هبا تنشيط وعي اإلنسان وإدراكه واحلدس لديه‬ ‫هذا بالطبع إشارة روحية مباشرة إىل أن دم‬
‫وأحاسيسه املادية وأحاسيسه الفائقة وإدخال‬ ‫اإلنسان هو مقر العقل الباطن عند اإلنسان‬
‫السعادة لروحه وجسـده ‪.‬‬ ‫ولبه ومتضمناً كل نواصي حياته ‪.‬‬
‫أخ���ذت األف��ك��ار واألم��ان��ي واآلم����ال تراود‬ ‫قدمياَ كانت امللكة املصرية كليوباترا تضع‬
‫أفكار العامل الفيزيائي‪ ،‬وصارت أحالم اليقظة‬ ‫قطعة مغناطيس على جبينها لتبقى مجيلة‬ ‫‪94‬‬
‫لديه غزيرة تغزو تفكريه ليل هنار ‪ ..‬وفتحت‬ ‫يقظة حم��روس��ة بقوى خفية حتميها م��ن كل‬
‫شهيته وشغفه وأثارت طموحاته لتحقيق سبق‬ ‫أذى‪ ،‬وكان معظم ملوك األزمنة الغابرة يفعلون‬
‫علمي إبداعي فريد من نوعه‪ ،‬فقرر ممارسة‬ ‫مثل ذلك األمر‪ ،‬واهلنود احلمر يف أمريكا كانوا‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫حواس حدسية إدراكية إهلامية ‪.‬‬ ‫تدريبات رياضية مغناطيسية ينشِّط هبا املادة‬
‫مع مرور األيام اعتاد هذا العامل الفيزيائي‬ ‫الراعية لعقله الباطن‪ ،‬اهلدف من ذلك حتقيق‬
‫القيام بأنواع خمتلفة من التدريبات املغناطيسية‬ ‫حيوية جسدية وسعادة روحية والتوصل من‬
‫يومياً‪ ،‬فإحداها تقتضي بأن ميسك بيده قضيباً‬ ‫خالل هذه التدريبات إىل كشف أسرار العقل‬
‫مغناطيسياً ويقلبه بني أصابعه حبركات رتيبـة‬ ‫الباطن واقتحام حجبه املادية والنفسية ودخول‬
‫سريعة منتظمة ملدة مخس دقائق أرب��ع مرات‬ ‫عوامل العقل الباطن الشامل الذبذبي واألثريي‬
‫يومياً‪ ،‬وتدريب آخر كان يقتضي منه إمسـاك‬ ‫ال�لام��رئ��ي��ان‪ ،‬ومه��ا ع���وامل ال��ط��اق��ات اخلفية‬
‫القضيب املغناطيسي بكلتا بيديه‪ ،‬القطب‬ ‫الالإنسانية (عوامل اجلن ‪ ) ..‬وعوامل ال متت‬
‫الشمايل بيده اليمنى والقطب اجلنوبي بيده‬ ‫بصلة للحواس اخل��م��س ل��دى اإلن��س��ان‪ ،‬هي‬
‫اليسرى ويبقى ساكناً مع الرتكيز الذهين مدة‬
‫عشر دقائق مخس مرات يومياً ‪.‬‬
‫م��ع م����رور ال��وق��ت ب���دأ ال��ع��امل الفيزيائي‬
‫فسر بعض علماء الفلك‬
‫يلمس بداخله تعاظم قدراته الذهنية والعقلية‬ ‫أن األهرامات ما هي إال‬
‫واجل��س��دي��ة‪ ،‬وص���ار يسمع يف أعماقه صدى‬
‫مهسات أفكار اآلخرين وما جيول يف خاطرهم‪،‬‬ ‫م��ن��ارات إرش���اد هتتدي‬
‫وغ��دا يرتسم يف خميلته ص��ور ما ك��ان جيري‬
‫من أحداث بعيدة ‪ .‬تلك هي قدرات خارقة مل‬
‫هبا املركبات الفضائية‬
‫يكن يألفها مـن قبل‪ ،‬هنا أدرك أن التدريبات‬ ‫اآلتية من ذلك الربج‪،‬‬
‫املغناطيسية أتت أكلها فنمَّت لديه بعض قدراته‬
‫اخلارقة وحققت كثرياً من أحالمه وآماله‪ ،‬كما‬ ‫لكن آخرين اعتربوها‬
‫أشبعت شغفه وحققت طموحه يف إجناز شيء‬
‫مميز يقع خارج مدارك اإلنسان احلسية خارجة‬
‫حم��ط��ات وق���ود طاقة‬
‫عن نطاق احلواس اخلمس املعروفة‪ ،‬وشعر أنه‬ ‫ت��ت��ل��ق��ى م���ن ال��ف��ض��اء‬
‫‪95‬‬ ‫هبذا األمـر حقق ما يشبه معجزة تبهر العيون‬
‫اخل����ارج����ي م��ؤون��ت��ه��ا‬
‫وتفتحها على عوامل غامضة ال مرئية مل تراها‬
‫البشريـة قبالً ‪ ..‬هي معجزة يتم فيها إيقاظ‬
‫طاقات خفية وقدرات خمتزنة يف لب اإلنسان‬
‫م��ن ال��ط��اق��ة الكونية‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫ال��دراس��ات احلاسوبية يف ال��ق��رن العشرين‪،‬‬ ‫ويف عقلـه الباطن ليغدو خارقاً يف كل شيء‬
‫م��ا ح��دا ببعض علماء الفلك إىل تفسري أن‬ ‫ويسيطر على كل شيء ‪.‬‬
‫اإلهرامات ما هي إال منارات إرشاد هتتدي هبا‬ ‫أغلب الظن أن معظم أسرار الفراعنة وكهانتهم‬
‫املركبات الفضائية اآلتية من ذلك الربج‪ ،‬لكن‬ ‫وق��دراهت��م يف السيطرة على شعوهبم كانت‬
‫آخرين اعتربوها حمطات وقود طاقة تتلقى من‬ ‫أسراراً فيزيائية (مغناطيسية) وأخرى نفسية‬
‫الفضاء اخلارجي مؤونتها من الطاقة الكونية‬ ‫إحيائية (تنويم مغناطيسي) كان ميارسها كبـار‬
‫(ط��اق��ة ذات طبيعة موجية ذبذبية) لتزويد‬ ‫الكهنة عندهم‪ ،‬وذلك باستخدام حجارة وأتربة‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫املركبات الفضائية املسافرة ‪ .‬أي هي حمطات‬ ‫ممغنطة ادع��وا أهن��ا ق��دس األق���داس‪ ،‬وكانـوا‬
‫أعدت لرسو واستقبال وسفر املركبات الفضائية‬ ‫يدّعون أن تلك األحجار واألتربة املغناطيسية‬
‫اليت كانت متخر عباب الفضاء بكثرة آنذاك ‪.‬‬ ‫قام بنثرها على أرضنا فضائيون زاروا األرض‬
‫يعتقد البعض أن أولئك الفضائيني كانوا‬
‫ي��زورون األرض باستمرار وكأهنا والي��ة تابعة‬
‫هلم‪ ،‬وهم من ع َّلم اإلنسان يف ذلك األوان بناء‬
‫ي��ع��ت��ق��د ال���ب���ع���ض أن‬
‫األهرامات وأس��رار التحنيط‪ ،‬وساعدوهم يف‬ ‫أولئــــــــــــك الفضائيني‬
‫بنـاء ما يسمى اليوم بعجائب الدنيا السبع ‪.‬‬
‫أشاع الكهنة آنذاك أن احلجارة املغناطيسية‬ ‫ك��ان��وا ي����زورون األرض‬
‫هي هدايا الزوار الفضائيني لألرض ‪ ...‬أي هي‬
‫هدايا أآلهل��ة ل�لأرض وحظروهـا على الناس‬
‫باستمرار وكأهنا والية‬
‫ومنعوهم من التعامل هبا‪ ،‬وتولوا هم أمرها و‬ ‫تابعة هلم‪ ،‬وهم من ع َّلم‬
‫جعلوها مادة أساسية يف طقوسهم وعباداهتم‬
‫وفرضوا قواها وآثارها على الناس‪ ،‬ودعوها‬ ‫اإلنسان يف ذلك األوان‬
‫ق���دس األق�����داس‪ ،‬واس��ت��ط��اع��وا ع��ن طريقها‬
‫تأسيس هنج حياتي صارم ال رمحة فيه اخرتعوا‬
‫بناء األهرامات وأسرار‬
‫من خالله ملوكاً فراعنة جبارين أدع��وا أهنم‬ ‫التحنيط‪ ،‬وساعدوهم‬
‫أبناء آهلة أتوا من فوق (من الفضاء اخلارجي)‪،‬‬
‫ومب��ث��ل تلك اإلدع����اآت تسلطوا على الناس‬ ‫يف بنـاء ما يسمى اليوم‬
‫وأمسكوا برقاهبم‪ ،‬لكن ما يثري اجلدل حقاً يف‬
‫هذا املوضوع هو اكتشاف جثة حمنطة جبوار‬
‫بعجائب الدنيا السبع‬
‫أح��د األه��رام��ات لكائن ال تبدو عليه مالمح‬
‫بشرية‪ ،‬حتى أن مادة جسده ليست من طبيعة‬ ‫قدمياً (حوايل عشرة أالف سنة)‪ ،‬وهؤالء أتوا‬
‫عضوية أجسام البشر األرضيني‪ ،‬وعمر هذه‬ ‫من أح��د األب��راج السماوية‪ ،‬هو ب��رج الشعرى‬
‫اجلثـة احملنطة يزيد عن عشرة آالف سنة!؟‪.‬‬ ‫اليمانية‪ ،‬وبالعودة حاسوبياً لشكل هذا الربج‬
‫أرسلتها مصر إىل اإلحتاد السوفيييت منذ أكثـر‬ ‫كما كان يبدو عليه قبل عشرة آالف سنة ‪.‬‬
‫من عشرين عاماً لدراستها ‪..‬‬ ‫اكتُشِفَ شيء غريب وهو أن لبعض جنوم‬ ‫‪96‬‬
‫درس هذا العامل الفيزيائي اجلسم البشري‬ ‫ذل��ك ال�برج ترتيب هندسي يتطابق متاماً مع‬
‫بكل تفاصيله وخاصة تلك اليت تتعلق بالدم‪..‬‬ ‫هندسـة بناء األهرامات وأبو اهلول املوجودين‬
‫تكوينه ‪ ..‬وظائفه ‪ ..‬فعالياته ودوره يف جسم‬ ‫يف منطقة اجليزة بالقاهرة !!‪ .‬هذا ما بينته‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫عنصر ُطهي مليارات السنني يف بطون النجوم‬ ‫الكائنات احلية وخاصة اإلنسان‪ ،‬فقد كان لديه‬
‫العمالقـة حتى صار لذراته عدد كتلي مقداره‬ ‫حدس وإهلام بوجود عالقة وثيقة بني الكريات‬
‫(‪ )56‬وعدد ذري مقداره (‪ )26‬أي حتتوي نواة‬ ‫احلمراء يف الدم لدى اإلنسان وعقله الباطن‪،‬‬
‫ذرت��ه على ست وعشرين بروتوناً ومثلهم من‬ ‫وكان لفكرة اكتشاف أن الدم هو نسيج سائل‬
‫النرتونات واإللكرتونات‪ ،‬وع��دد ذرات احلديد‬ ‫حي مفعول الشرارة أو الومضة اليت أوضحت‬
‫املوجودة يف (‪ )56‬غرام منه يساوي عدد حبات‬ ‫الرابطة بني كنه العقل الباطن واملادة احلاضنة‬
‫الرمل املوجودة يف كيلو مرت مكعب من األرض‪.‬‬ ‫له ‪ .‬فالدم جيري يف جسم اإلنسان من حلظة‬
‫ويف مرحلة أخ�ي�رة ك��ان ال��ك��وك��ب العمالق‬ ‫تشكل أول خلية حية فيه‪ ،‬أي من حلظة تلقيح‬
‫يعاني ان��ف��ج��اراً ه��ائ�لاً م��ن ن��وع السوبرنوفـا‪،‬‬ ‫البويضة األن��ث��وي��ة م��ن قبل احل��ي��وان املنوي‬
‫وبعض شظاياه املتطايرة كانت تصل األرض‬ ‫الذكري وما يليها من تكاثر اخلاليا ومتايزها‪.‬‬
‫حاملة معها احلديد‪ ،‬حيث اختلط هذا العنصر‬ ‫وال���دم جي��ري يف ك��ل خلية م��ن خ�لاي��ا جسم‬
‫بأدميها و من هذا األديم خلق اهلل طيناً صلصاالً‬ ‫اإلنسان حامالً هلـا الغذاء واملاء واحلياة واهلواء‬
‫طاهراً تبلورت فيه شرائط الـ (د ن أ) الوراثية‬ ‫واألوكسجني‪ ،‬والعامل الوسيط الرئيس يف بناء‬
‫للكائنات احلية‪ ،‬وحينما دبت احلياة يف األرض‬ ‫تلك العالقات هو ‪ ..‬عنصر احلديد ‪ ..‬وصحيح‬
‫وظهرت الكائنات احلية كان جيري يف أجسامها‬ ‫أن هذا العنصر قاس وثقيل وصارم فيه بأس‬
‫نسيج سائل عجيب هو الدم كانت ذرات احلديد‬ ‫شديد ‪..‬‬
‫وأيوناته فيه هي األنشط ‪ ..‬مثل النحل النشط‬ ‫(وأنزلنا احلديد فيه بأس شديد)‪...........‬‬
‫‪97‬‬ ‫والنمل الدؤوب‪ ،‬كانت تقوم بالعمل املناسب يف‬ ‫قرآن كريم ( احلديد ‪) 25‬‬
‫الوقت املناسب واملكان املناسب دون كلل أو ملل‪،‬‬ ‫إال أن يف قسوته حنان وعطف ورق��ة فهو‬
‫وف��ق نظام ال ف��روج فيه‪ ،‬وحبكم غ��زارة الدم‬ ‫حيمل أمانة احلياة بني ذرات��ه ‪ ..‬واهلل اخلالق‬
‫ووظيفته وأدواره الشاملة لكل أحن��اء اجلسم‬ ‫كلفه برعايتها ف��أت��ى طائعاً خاضعاً ‪ ..‬هو‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫دم��ـ��اغ العصفور فيأخذ العصفور بالطريان‬ ‫احل��ي دون استثناء‪ ،‬فيصل بشكل طبيعي‬
‫والدوران حول الثعبان وهو يصرخ ويزعق فزعـاً‬ ‫جلميع خاليا الدماغ العصبية والغدد مثل الغدة‬
‫ويقع على الثعبان فيلتهمه ‪.‬‬ ‫الصنوبرية حيث يتعامل معها متحكماً بالعقل‬
‫تتضمن مترينات ال�بران��ا اهلندية إحياءات‬ ‫الباطن ‪..‬‬
‫ذاتية اهلدف منها إحياء عمل الغدة الصنوبريـة‪،‬‬ ‫الغدة الصنوبرية هي غدة خمروطية الشكل‬
‫وعلى هذا يكون عمل اخليط الرفيع النازل من‬ ‫موجودة يف دماغ اإلنسان ال يزيد حجمها عن‬
‫الدماغ هو حت��اور موجي صامت بني الدمـاغ‬ ‫ثلث بوصة‪ ،‬أي بضع ميلمرتات‪ ،‬وال يزيد وزهنا‬
‫وال��ك��ون‪ ،‬وأم���واج ه��ذا التحاور ال متر بإحدى‬ ‫عن وزن حبة قمح وتتكون من حبات كلسية‬
‫احلواس اخلمس ‪ ..‬ووجد أن الصمت والعزلـة‬ ‫صغرية ومم��ل��وءة بالفوسفور‪ ،‬وه��ي كائنة يف‬
‫ينميان ه��ذه ال��غ��دة‪ ،‬وال��دخ��ول يف خلوة مدة‬ ‫وس��ط امل��خ ويف أعلى اجت��اه العمود الفقري‪،‬‬
‫أربعني يوماً جتعل الشخص ق��ادراً على قراءة‬ ‫والطب ال يعرف عن عملها شيء لغاية اآلن ‪.‬‬
‫أفكار اآلخرين‪ ،‬فالعزلة ختمّد العقل الواعي‬ ‫ت��ع��ت�بر ه���ذه ال��غ��دة ع��ي��ن �اً ث��ال��ث��ة يف بعض‬
‫وتنشـط العقل الباطن (هل��ذا يسميه البعض‬ ‫احليوانات البحرية‪ ،‬ألن هلا تركيباً يشبه العني‪،‬‬
‫الشعـور اإلهل��ي أو صوت الضمري) ‪ .‬واخلاليا‬ ‫ففيها عدسة وشبكية وعليها منطقة شفافة ال‬
‫العصبية الدماغية يف اإلن��س��ان ق���ادرة على‬ ‫حتجب الضوء‪ ،‬ومع ذلك فهي ال ت��ؤدي عمل‬
‫إدراك حمتويـات تلك األم���واج م��ن معلومات‬ ‫العيـن الطبيعية‪ ،‬بل هي متصلة جبزء من املخ‬
‫وأس��رار‪ ،‬حيث تسلك كل خلية عصبية سلوك‬ ‫اختصاصه استالم إحساسات واردة وأمواج‬
‫عقل الكرتوني مص ّغر والعنصر النشط يف تلك‬ ‫أخـرى مازالت جمهولة ‪ ..‬ليست ضوئية وال‬
‫امليادين هو أيونات احلديد يف الدم ‪.‬‬ ‫كهرطيسية وال حرارية وال راديوية ‪...‬‬
‫ك��ان الفيلسوف دي��ك��ارت يعتقد أن الغدة‬ ‫هذه الغدة نامية عند األطفال ومتصلبة عند‬
‫الصنوبرية ما هي إال حلقة متوسطة بني روح‬ ‫كبار السن‪ ،‬ينشط إفرازها هلرمون امليالتونيـن‬
‫اإلن��س��ان وج��س��ده‪ ،‬أي ه��ي حلقة تصل عامل‬ ‫(ه��رم��ون ال��ش��ب��اب) يف ال��ظ�لام ‪ .‬وإذا أتلفت‬
‫الشهادة (املشهود) وعامل الغيب (الالمرئي)‪،‬‬ ‫يف دم��اغ الطيور فإهنا تفقد اجتاهيتها أثنـاء‬
‫والذي هو العامل الذي ختتفي فيه األرواح ‪.‬‬ ‫الطريان‪ ،‬وتفقد رشدها فال تتمكن من اإلياب‬ ‫‪98‬‬
‫تلك الغدة كانت قدمياً نامية فعالة ونشطة‪،‬‬ ‫ألعشاشها‪ ،‬لتلك ال��غ��دة عمالً عند الثعبان‬
‫وه��ي أصيلة يف ال��س�لاالت ال��ف��ق��اري��ة ومنها‬ ‫األعمى فهو يصطاد العصافري هبا‪ ،‬بأن يوجه‬
‫اإلن��س��ان ورغ��م رق��ي ح��واس ه��ذا األخ�ير فما‬ ‫سيال موجي كهرطيسي ذبذباته تطابق ذبذبات‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫ل��وح��ده‪ ،‬واإلحي���اء ض���روري ل��ه وك��أن��ه مبثابة‬ ‫زالت موجودة يف خمه ومتارس مهاماً غامضة‬
‫األمر عندئذ ينفذ ما يوحى إليه فكرياً من قبل‬ ‫ومبهمـة وغ�ير معلومة‪ ،‬وآث��اره��ا غري مقيسة‬
‫شخص آخر ( وسيط ) ‪.‬‬ ‫باألجهزة املخربية املتوفرة حالياً‪ .‬لذا يعتقد أهنا‬
‫إذا كان مثة رجل يف حالة من حاالت العقل‬ ‫مركز تلقي إشارات وأوامر ذات طبيعة موجية‬
‫الباطن فهو آمن من فتك الوحوش ألن احليوان‬ ‫فائقة ص��ادرة عن العدم القديم (كون النشأة‬
‫حييا دوماً بعقله الباطن وعقله الواعي منعدم‬ ‫األوىل)‬
‫أو ضعيف جداً‪ ،‬فال تشعر بوجود اإلنسان وال‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫تراه‪ .‬قدمياً كانت قوة العقل الباطن لإلنسان‬ ‫صفات العقل الباطن‬
‫أطوع وأشد مما هي عليه اليوم‪ ،‬لكن مع منو‬ ‫هو املخ الشفاف للنفس البشرية وجزء من‬
‫العقـل الواعي بسبب التقدم احلضاري املادي‬ ‫قـوة فاعلة قادرة على كل شيء والعارفة لكل‬
‫زادت سيطرته وتقييده للعقل الباطن ما أضعف‬ ‫ش��يء وم��وج��ودة يف كل مكان وزم���ان‪ ،‬فيه كل‬
‫ه��ذا األخ�ير ظاهرياً‪ .‬واجل��ن��ون ال��ذي يصيب‬ ‫احلكمة والقوة ويعترب صلة الوصل بني الروح‬
‫بعض الناس ما هو إال اضطراب التوازن بني‬ ‫وامل���ادة‪ ،‬ويقبل التدريب وق��ادر على الوصول‬
‫هذيـن العقلني‪ ،‬حيث يطغى فيه العقل الباطن‬ ‫لدرجات عليا من مسو ال��روح وحترير قواهـا‬
‫اخلفيـة اخلارقـة‪ .‬هو عقل الغرائز والشهوات‬
‫يولد اإلن��س��ان وعقله‬ ‫وامل��ت��ع وال��ل��ذة عند الكائن احل��ي‪ ،‬فيه غرائز‬
‫إنسان الغابة ونزواته و شهواته وعدوانيته‪ ،‬ال‬
‫ال���ب���اط���ن ت����ام النمو‬ ‫يتقيد حب��دود الزمان أو املكان ويقبل كل ما‬
‫يوحى إليه فال يناقش وال يستنتج وينفذ كل ما‬
‫يساعد الروح اجلسدية‬ ‫يطلب منه حتى ولو كان خطأ أو غري صحيح أي‬
‫يف ب��ن��اء اجل��س��د منذ‬ ‫ال يوازن وال يقدّر وال يفكر وال خيتار بني أمرين‬
‫ألنه يقبل قبوالً تاماً أول شيء يصله و يشرع‬
‫اللحظـة األوىل لتلقيح‬ ‫فوراً بتنفيذه ولو كان مستحيالً أو غري منطقي‪،‬‬
‫لذلك ميكن السيطرة عليه باإلحياء ‪ .‬وهو الذي‬
‫ال��ب��وي��ض��ة األن��ث��وي��ة‬ ‫يعطي املرء شخصيته ‪.‬‬
‫يولد اإلنسان وعقله الباطن تام النمو يساعد‬
‫على العقل الواعي ويسيطر عليه‪ ،‬وهذا يفسر‬ ‫ال��روح اجلسدية يف بناء اجلسد منذ اللحظـة‬
‫ق��درة بعض اجمل��ان�ين والبلهاء العجيبة على‬ ‫األوىل لتلقيح البويضة األنثوية (اخللية املفردة‬
‫إخضاع الضواري والتقحم عليها وزجرها دون‬ ‫ال���واح���دة)‪ ،‬وي��ظ��ل رفيقا ل��ل��روح اجل��س��دي��ة و‬
‫أن خيشوها مهما كانت درجة توحشها ‪.‬‬ ‫متعاوناً معها حتى متام منو جسم اجلنني ناقالً‬
‫وه��ك��ذا نكتشف أمه��ي��ة ع��ن��ص��ر احلديد‬ ‫له غرائز وصفات اآلباء عن طريق شرائط الـ‬
‫املتواضع يف حياتنا‪ ،‬ويف بناء شخصيتنا وعقلنا‬ ‫(د ن ا) الوراثية املوجودة يف كل خلية حية ‪.‬‬
‫الباطن الذي يربطنا شئنا أم أبينا مبا يقع خلف‬ ‫يعترب العقل الباطن احللقـة املفقـودة يف علم‬
‫‪99‬‬ ‫املادة والطبيعة ‪ ..‬فهو يعمل دون كلل أو ملل مع‬ ‫النفس البشري‪ ،‬ودراس��ت��ه تكشف الكثري من‬
‫كل شهيق هواء يستنشقه الكائن احلي أو يزفره‬ ‫احلقائق واألسرار حول طبيعة النفس البشرية‪،‬‬
‫‪ ..‬فيه بأس شديد ‪ ..‬والبصر حديد ‪ ..‬ومكـان‬ ‫وهو ال يعمل مع العقل الواعي‪ ،‬بل يعمل حني‬
‫إقامته هو النسيج السائل ( الدم ) ‪.‬‬ ‫تعطل األخ�ير‪ ،‬كما أنه ال يفعل شيئاً إذا ترك‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫املشحونة بالكهرباء فـي الدم واملكونة للعقل‬ ‫العقل الباطن البشري هو خمزن القدرات‬
‫الباطن عند اإلنسان‪ ،‬لكن يف حالة اإلنسان‬ ‫اخلفية اخلارقة وساحة مفتوحة لتالقيه مع‬
‫يضاف للعقل الباطن الوعي واإلدراك ‪ ..‬وال‬ ‫العقـل الباطن الكوني السرمدي‪ ،‬أي هو عقل‬
‫يتمتع مبثل تلك اخلواص إال اإلنسان ‪.‬‬ ‫االتصال بالعوامل الغيببة وع��وامل الطاقات‬
‫ع��ن ط��ري��ق ال��ع��ق��ل ال��ب��اط��ن اس��ت��ط��اع آدم‬ ‫اخلفيـة الال إنسانية (عامل اجلن)‪ ،‬فهو على‬
‫تعلم األمساء كلها بأمر اهلل وصار له إدراك‬ ‫اتصال دائ��م هبا عن طريق جهاز اتصال ال‬
‫دون سائر املخلوقات‪ ،‬وبواسطته تَ َفتَحَ عقل‬ ‫سلكي موجـود يف ال��غ��دة الصنوبرية ل��ه ما‬
‫اإلنسان على الوجود واكتسب دماغه مواهب‬ ‫يشبه السلك (عصب)‪ ،‬عن طريقه يتحاور‬
‫الذاكـرة و‬ ‫العقل الباطن لإلنسان مع كل الوجود وضمن‬
‫ال��ف��ك��ر واخل���ي���ال واإلهل�����ام واألحاسيس‬ ‫الشبكة الكالنية القدرية يف الكون‪ ،‬ويظن أن‬
‫وامل���ش���اع���ر‪ ..‬اس��ت��ط��اع اإلن���س���ان هب���ا بناء‬ ‫هذا اجلهاز يعمل على ت��رددات عالية جداً‪،‬‬
‫احلضارات والتأقلم والتكيف مع كل ما حييط‬ ‫لكن عناصر هذا اجلهاز قد ضمرت ومل يبقَ‬
‫به من ع��وامل‪ ،‬وأن يبدع وخي�ترع وه��ذه أمور‬ ‫منها سوى آثار تثيـر الكثري من التساؤالت ‪.‬‬
‫مل تستطع الكائنـات احلية األخرى إجنازها‪،‬‬ ‫وتعترب األحالم لعبة هذا العقل وقصصها كلها‬
‫فاإلنسان القديم كان يتبادل األفكار مع أقرانه‬ ‫من اخرتاعه ‪.‬‬ ‫‪100‬‬
‫دون أن يتكلم أو حيرك لسانه بكلمة ‪ ..‬أي من‬ ‫لكل شيء يف هذا الوجود وعي وعقل باطن‪،‬‬
‫دون أن ينبس ببنت شفة‪ ،‬كما كان يرى عن‬ ‫لكن رمبا تركيبه ليس الدم بل اإللكرتونات‪،‬‬
‫بعد بنفس الدرجة التـي يرى هبا ما حوله (‬ ‫وه���ذا ي��ت��واف��ق م��ع طبيعة احل��دي��د األيونية‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫اإلن��س��ان احل��ايل من ال��ع��ودة لتلـك القوى أو‬ ‫وما زرقاء اليمامة إال مثال على ذلك )‪ ،‬وهذا‬
‫استطاع إيقاظها من سباهتا الستطاع أن حيلق‬ ‫يعزى لقوة العقل الباطـن اليت كانت لإلنسان‬
‫يف الفضاء وأن يسافر فيه وحيقق كل ما يريده‬ ‫القديم‪ ،‬لرمبا كان هذا اإلنسان يسافر بقوة‬
‫‪ ..‬فال شيء يعد عصيّاً عليه ‪ ..‬ولكن ما هو‬ ‫هذا العقل دون احلاجة لوسيلة نقل‪ ،‬وأغلب‬
‫السبيل لذلك ‪ ..‬احلقيقة أن السبيل لذلك هو‬ ‫الظن أن ما ورد يف قصص ألف لية وليلة حول‬
‫تنشيط خاليا اجلسم والدماغ وذل��ك جبعل‬ ‫بساط الريح والسفر به ليست جمرد قصص‬
‫الدم يتدفق غزيراً يف خاليا اجلسم البشري‬ ‫عبثية غرضها التسلية وإضاعة الوقت‪ ،‬ولو‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫وأن ينقل هلا األغذية واألوكسجني وبنسبة‬ ‫عدنا هلا وقمنا بتحليلها الكتشفنا فيها من‬
‫عالية وأه��م م��ا يف ه��ذا امل��وض��وع ه��و توفر‬ ‫األس���رار واحلقائق ما يذهل ‪ ..‬واألك��ث��ر من‬
‫عنصر معدن احل��دي��د وأي��ون��ات��ه يف خضاب‬ ‫ذلك هو انه ال ميكن تفسريها ببساطة بل ال‬
‫ال��دم‪ ،‬وم��ن املعلوم فيزيائياً م��دى تأثر تلك‬ ‫بد من وج��ود دور أساسي للعقل الباطن يف‬
‫األيونات بوجود حقل مغناطيسي يؤثر فيها‪،‬‬ ‫أحداثها‪..‬‬
‫يعتقد العلماء أنه إذا أمكن إجياد آلية مالئمة‬ ‫هذا العقل ال مييز بني احلق والباطل واخلري‬
‫تعتمد استخدام األثر املغناطيسي وخواصه‬ ‫والشر‪ ،‬ومثل تلك األمور ال تعين له شيئاً‪ ،‬هو‬
‫وفيزيائياته الستعاد اإلنسان طاقاته اخلفية‬ ‫عقل الزواحف اليت ال رمحة لديها وال عاطفة‬
‫القدمية اهلائلة واستعـاد الكثري من قدسية‬ ‫وال إدراك‪ ،‬وحينما كان ناميـاً جداً يف بداية‬
‫جسده وتفكريه وروحه وعقله وقدراته‪ ،‬وغدا‬ ‫البشر األوائل كان قوياً وأكثر طواعية وأقوى‬
‫اإلن��س��ان حيقـق ك��ل أمانيـه مبجرد التفكري‬ ‫مما هو عليه اليوم حينها كان لإلنسان طاقات‬
‫فقط‪ ،‬ومثل تلك األم��ور أخربنا عنها تراثنا‬ ‫خفية منها اإلهلام واالستلهام والتنبؤ والبصر‬
‫الروحي السامي ‪..‬‬ ‫املغناطيسي والرؤية عن بعد ومساع األصوات‬
‫(وم�������ا رم����ي����ت إذ رم����ي����ت ول����ك����ن اهلل‬ ‫واجلالء البصري وصفاء الذهن وقوة اإلدراك‬
‫رم������ى)‪ ...............‬ق��رآن كريم ( األنفال‬ ‫والوعي الكامل حتى أثناء النوم كان يدرك كل‬
‫‪)17‬‬ ‫ما كان يدور حوله‬
‫(ميددكم ربكم خبمسة آالف من املالئكة‬ ‫يتلقى العقل الباطن يف كل حلظة تعليمات‬
‫مسومني)‪ .....‬قرآن كريم ( آل عمران ـ‪) 125‬‬ ‫وب��رن��ام��ج ح��ي��اة ال��ك��ائ��ن احل���ي وف���ق القـدر‬
‫(هلل عباد إن أرادوا أراد)‪ .......‬حديث‬ ‫املرسوم له عن طريق تلك الغدة الصنوبرية‬
‫نبوي‬ ‫وال��غ��دة النخامية م��ا جعل اإلن��س��ان القديم‬
‫ف��ل��م��اذا ال حن���اول ال��ع��ودة الم��ت�لاك تلك‬ ‫يتمتع مبلذات وحييا نشوة ال حنياها حنن‬
‫القدرات اخلارقة وهي قوى جمانية خمتزنة يف‬ ‫ال��ي��وم ف��أرواح��ه��م كانت على ات��ص��ال بعوامل‬
‫لب كـل واحد منا ‪ ..‬ولكن ما هي تلك الوسيلة‬ ‫اآلخرة وكانـت على متاس مع عوامل الفراديس‬
‫اليت متكننا من امتالك ناصية العقل الباطن‬ ‫واجلنان حتى ولو كان االتصال ذهنياً‪ ،‬رمبا‬
‫واالنتفاع بطاقاته الال حمدودة ‪ ..‬؟‬ ‫كان األقدمـون من خالله يعيشون مع اجلن‬
‫احلقيقة أن��ه ميكن ال��وص��ول هل��ا بطرق‬ ‫والعفاريت ويروهنم ويزجروهنم مثلما يزجر‬
‫‪101‬‬ ‫عملية وبأساليب مادية‪ ..‬واخليط الذي جيب‬ ‫أحدنا احليوانات األليفة‪ ،‬فكانوا آمنني من‬
‫أن منسك به لنغزو العقل الباطن يف عقر داره‬ ‫فتك ال��وح��وش‪ ،‬ولكن م��ا ف��ائ��دة ه��ذا العقل‬
‫‪ ..‬هو املغناطيس ‪ ..‬عندها يفتح لك الكون‬ ‫يف العصور املتقدمـة احلالية بعد كل هذه‬
‫ذراعيـه ‪.‬‬ ‫االكتشافات والعلوم‪ ،‬احلقيقة أن��ه لو متكن‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫كما أن��ه يوجد يف مياه البحار واحمليطات‬
‫دوام��ات رمبا تبتلع السفن‪ .‬وجد أيضا يف كل‬
‫األعاصري مثل هذه الدوامات ويف أقاصي الكون‪. .‬‬
‫وقد مساه العلماء عندما رأوه بأشعة أكس (الثقب‬
‫األسود)‪ ،‬ووجد أن أشعة أكس تنبعث من الغازات‬
‫احلارة اليت تكون خارج هذه الدوامة الكونية أوما‬
‫يسمى بالثقب األسود ‪.‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫توجد ه��ذه الثقوب يف مراكز اجمل��رات مبا‬
‫فيها جمرتنا و قد تصطدم يف جرياهنا السريع‬
‫بدوامة أخرى (ثقب أسود آخر) فيندجما وتصبح‬
‫كتلتهما وكثافتهما أك�بر ع�بر آالف األع���وام‪..‬‬
‫فالثقوب السوداء‪ ،‬جسم فضائي صغري الكتلة‬
‫نسبياً‪ ،‬بالغ الكثافة‪ ،‬افرتض وجوده يف الفضاء‬
‫نظرياً‪ ،‬جاذبيته قوية جداً حتى أن ال شيء مبا‬
‫يف ذلك الضوء يستطيع اإلفالت منه وبذلك هو‬
‫غري مرئي‪ ،‬وحييط بالثقب األسود حقل دائري‬
‫يسمى األفق ما إن يدخل أي كان داخل هذا األفق‬
‫حتى يغدو من املستحيل أن يفلت منه‪.‬‬
‫وهي تسمى بالثقوب السوداء ولكنها ليست‬
‫س��وداء وإمنا غري مرئية‪ ،‬كما أهنا ليست ثقوباً‬
‫فعلية وإمنا تدل على منطقة يستحيل الرجوع‬
‫منها‪.‬‬
‫وميكن لثقب أس��ود شديد الكثافة أن يصل‬
‫وزنه قدر وزن مليارات الشموس‪ ،‬بينما ال يزيد‬
‫حجمه على حجم نظامنا الشمسي‪.‬‬
‫وفكرة الثقوب السوداء تطورت على يد عامل‬
‫الفضاء األملاني (كارل شوارتزلد) يف عام ‪1916‬م‬
‫على أس��س النظرية النسبية ال��ع��ام��ة للعامل‬
‫(ألربت أينشتاين)‪ .‬وأشهر العلماء حاليا يف هذا‬
‫اجملال هو العامل االجنليزي (ستيفن هوكني)‪،‬‬
‫ال��ذي ش��ارك بشكل كبري ج��داً عن طريق كتبه‬
‫وحماضراته ودراساته عن الثقوب السوداء‪ ،‬حيث‬
‫جعل القواعد الفيزيائية املعقدة أسهل للفهم من‬
‫قبل عامة الناس‪ ،‬واكتشافاته عن اجلاذبية وعن‬ ‫‪102‬‬
‫الثقوب السوداء تعترب من أهم املشاركات يف علم‬
‫الفيزياء منذ عهد أينشتاين حتى اآلن‪.‬‬
‫لنلقي نظرة عامة على كيفية تكوّن النجوم‬ ‫م‪ .‬طارق نواف حامد‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫نتيجة للضغط واحلرارة‪ ،‬ومع ازدياد حجم هذه‬ ‫حسب رأي العلماء املختصني حيث يقولون أن‬
‫السحب يزداد الضغط يف وسط الكتلة ما يزيد‬ ‫النجوم تتكون ب��داي��ة م��ن جتمع سحب غازية‬
‫‪103‬‬ ‫من درجة حرارهتا حتى تصل إىل درجة حرارة‬ ‫وغبار وم��واد خمتلفة‪ ،‬حيث تتماسك كل هذه‬
‫عالية وكافية للبدء باالندماج النووي يف وسط‬ ‫امل����واد م��ع بعضها ال��ب��ع��ض م��ك��ون��ة م��ا يعرف‬
‫هذه الكتلة‪ ،‬واليت يتحول فيها اهليدروجني يف‬ ‫ب��ال��س��دي��م ‪ ،Nebula‬وم���ع م���رور م��ئ��ات إىل‬
‫مركز النجوم إىل هيليوم‪ ،‬إذ تندمج كل أربع نوى‬ ‫ماليني السنني تصبح ه��ذه امل��واد كتلة واحدة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫ت���ق�ت�رح ال��ن��ظ��ري��ة‬
‫ال��ن��س��ب��ي��ة ال��ع��ام��ة‬
‫أللبـــرت أينشتايـــــن‬
‫أن أك��ب�ر األج��س��ام‬
‫ك��ت��ل��ة وك���ث���اف���ة من‬
‫امل���م���ك���ن ت���ص���وره���ا‬ ‫ه��ي��دروج�ين متحولة لتصبح ن���واة هليوم‬
‫كثقوب سوداء لديها‬ ‫واحدة أخف وزناً‪ ،‬وتتحول الكتلة املفقودة إىل‬
‫طاقة تتحرر (ه��ذه العملية نفسها هي اليت‬
‫جاذبية قوية جد ًا‬ ‫حترر الطاقة يف القنابل اهليدروجينية)‪ ،‬وتصل‬
‫الطاقة النامجة عن تفاعالت االندماج النووي‬
‫من السنني‪ ،‬إ ّال أن نفاذ اهليدروجني من قلب‬ ‫يف هناية األمر إىل سطح النجم‪ ،‬فيضيء طاقة‬
‫الشمس ووف��رة اهليليوم داخله تؤدي إىل عدم‬ ‫يف الفضاء‪.‬‬
‫جتانس واضح يف توزيع امل��ادة فاهليليوم أثقل‬ ‫ول����ن����أخ����ذ م�����ث�����االً ل���ل���ن���ج���وم مشسنا‬
‫من اهليدروجني بأربع مرات‪ ،‬وهذا يعين اختالل‬ ‫ال��ت�ي يف جم��رت��ن��ا درب ال��ت��ب��ان��ة للتبيان‬
‫كثافة مادة النجم وفقدان التوازن ‪..‬‬ ‫فمن املعروف أن الطاقة اهلائلة الناجتة عن‬
‫لذلك ال بدّ من حركة شاملة إلعادة توازن‬ ‫الشمس هي نتيجة لتفاعالت االندماج النووي‬ ‫‪104‬‬
‫جسم الشمس ‪ ..‬وحيصل هذا إذا ينتفخ اجلزء‬ ‫اليت حتدث داخل الشمس‪ ،‬إن عملية اندماج‬
‫اخلارجيّ من مادة الشمس انتفاخا هائال فيما‬ ‫نوى ذرات اهليدروجني إلنتاج اهليليوم يف باطن‬
‫يتقلص اللبّ ‪ ..‬وعندئذ يتغري ل��ون الشمس‬ ‫الشمس ميكن أن تستمرّ لبضعة آالف املاليني‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫من وسطها إىل اخلارج‪ ،‬واجلاذبية حيث تقوم‬ ‫إىل األمحر ‪ ..‬وبانتفاخها هذا تصبح عمالقاً‬
‫بسحب هذا اهليدروجني إىل الداخل مرة أخرى‪،‬‬ ‫ه��ائ�لاً يبتلع الكواكب الثالثة األوىل عطارد‬
‫وتقوم هاتان العمليتان بعمل توازن بينهما إىل‬ ‫والزهرة واألرض لذلك تسمى الشمس يف هذه‬
‫أن ينتهي اهل��ي��دروج�ين واهليليوم وك��ل املواد‬ ‫املرحلة بــ (العمالق األمحر ) ‪ ...‬وإذ تضعف‬
‫املنتجة للطاقة املوجود داخل النجم‪ ،‬فتتوقف‬ ‫القوى الداخلية يف اللب فإن القشرة اخلارجية‬
‫االنفجارات النووية ما ي��ؤدي إىل طغيان قوة‬ ‫املنتفخة ال تستطيع أن تسند نفسها على شيء‬
‫اجل��اذب��ي��ة ع��ل��ى ال��ن��ج��م‪ ،‬وع��ن��د ه���ذه احلالة‬ ‫فينهار جسم الشمس على بعضه يف عملية‬
‫يصبح النجم غري مستقر ويبدأ باالنكماش إىل‬ ‫تسمى (التكوير) وذلك بسبب جاذبية أجزائه‬
‫الداخل‪ ،‬ويعتمد ما حيدث بعد ذلك على كتلة‬ ‫بعضها للبعض اآلخ���ر‪ ،‬م��ا جيعلها تنكمش‬
‫النجم‪ ،‬والنجوم اليت تنكمش بسبب جاذبيتها ال‬ ‫انكماشاً مفاجئاً وسريعاً ‪ ..‬فتنسحق املواد‬
‫تتحول مجيعها إىل ثقوب سوداء‪ ،‬فنجم كثافته‬ ‫املكونة للشمس‪ ،‬وتتداخل اجلزيئات‪ ،‬وتتقارب‬
‫أصغر من كثافة الشمس بـ ‪ 1،4‬مرة سيتحول‬ ‫الذرات تقاربا شديدا حتى تكاد تتداخل‪ ،‬إال أن‬
‫إىل ما يسمى األقزام البيض ومن ثم إىل األقزام‬ ‫قوة التنافر الكهربائي بني األغلفة األلكرتونية‬
‫السوداء حيث تتوقف عن النمو‪ ،‬أما النجم الذي‬ ‫للذرات تقاوم تداخلها عندما تصبح املسافة‬
‫تكون كثافته أكرب من كثافة الشمس بني ‪3 - 1،4‬‬ ‫بينها قليلة ‪ ..‬وب��ذل��ك ت��ت��ع��ادل ق��وة التنافر‬
‫مرات فسيتحول إىل جنم نيرتوني‪ ،‬والنجوم اليت‬ ‫الكهربائي مع قوى اجلذب اليت تؤدي إىل تكوير‬
‫تكون أكرب من ‪ 3‬قد حيدث أن تنفجر وتسمى‬ ‫الشمس ‪ ..‬وعندما حيصل هذا التوازن تكون‬
‫بالسوبرنوفا ‪ ،Supernova‬أو تنكمش بدون‬ ‫الشمس ق��د وصلت إىل مستقرها‪ .‬وتدعى‬
‫توقف ما جيعلها أصغر حجماً وأكثر كثافة إىل‬ ‫عندئذ (القزم األبيض) إذ ال يتبقى من ضوئها‬
‫‪105‬‬ ‫أن تتحول إىل ثقب أسود‪.‬‬
‫وهناك طريقة أخرى لت ّكون الثقوب السوداء‬
‫إال نور خافت ضئيل ‪.‬‬

‫من دون أن متر باملراحل السابقة وإن كانت‬ ‫كيف تولد الثقوب السوداء؟‬
‫كثافتها أقل من كثافة الشمس ألهنا لن تتكون‬ ‫هناك عمليتان حتدثان يف النجوم باستمرار‪،‬‬
‫م��ن ج���راء انكماش النجم وتسمى بالثقوب‬ ‫انفجارات نووية تطلق فيها النجوم اهليدروجني‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫أسود يشبه تقريباً البحث عن قطة سوداء يف‬ ‫السوداء البدائية‪ ،‬وهناك احتمال واحد فقط‬
‫قبو فحم)‪.‬‬ ‫لوجود مثل هذه الثقوب السوداء وهي أن تكون‬
‫و قد وضع العلماء نظرية جديدة تقول إن‬ ‫قد تكونت يف األيام املبكرة للفضاء حيث كان‬
‫الثقوب السوداء قد تنتج رياحاً شديدة تتيح‬ ‫الضغط واحلرارة مرتفعني جداً‪ ،‬حيث يفرتض‬
‫للمادة النجاة من قوة جذب الثقوب‪ ،‬و ميكن أن‬ ‫العلماء أن املواد املبعثرة املوجودة يف الفضاء‬
‫تساعد هذه النظرية يف دحض النظرية املبنية‬ ‫تتجمع وتنضغط بفعل ق��وة خارجية شديدة‬
‫على االعتقاد السائد ب��أن الثقوب السوداء‬ ‫مكونة ثقباً أسود‪.‬‬
‫تتمتع بكثافة عالية جداً لدرجة أنه حتى الضوء‬ ‫وت��ق�ترح النظرية النسبية العامة أللربت‬
‫ال ميكنه أن يفلت من قوة جاذبيتها‪.‬‬ ‫أينشتاين أن أك�بر األج��س��ام كتلة وكثافة من‬
‫وأعلن مركز ج��ودارد الفضائي ال��ذي قدم‬ ‫املمكن تصورها كثقوب س��وداء لديها جاذبية‬
‫النظرية اجلديدة‪( :‬مل نكن قادرين على تفسري‬ ‫قوية جداً لدرجة أن ال شيء حتى أن الضوء‬
‫ه��ذا التناقض ب�ين تعريفنا للثقب األسود‬ ‫الذي يعتربه العلماء أسرع ما يف الكون ال ميكنه‬
‫ومشاهداتنا الفلكية ما أدى إىل االرتياب يف‬ ‫أن يهرب منها‪ ،‬ومبا أن كل الضوء الذي يدخل‬
‫البيانات احلديثة)‪ ،‬وتقرتح النظرية اجلديدة أن‬ ‫األفق يف الثقوب السوداء يسحب إىل الداخل‪،‬‬
‫املادة املتدفقة مصدرها الرياح فوق الصوتية‬ ‫ومن املعروف أن عملية النظر لدى اإلنسان‬
‫املتولدة من كتلة املادة اليت تدوم حول املنطقة‬ ‫تعتمد على انعكاس الضوء من األجسام إىل‬ ‫‪106‬‬
‫االستوائية يف الثقب األس��ود واملعروفة باسم‬ ‫أعيننا‪ ،‬فإذا كانت الثقوب السوداء متتص كل‬
‫(قرص النمو االلتحامي)‪.‬‬ ‫الضوء من حوهلا فكيف ميكن أن نراها؟ وكما‬
‫وق���د ق���دم امل��س��ب��ار ال��ف��ض��ائ��ي األمريكي‬ ‫ق��ال أينشتاين‪( :‬إن حماولة البحث عن ثقب‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫بشكل أق���وى‪ ،‬ف���إذا ك��ان��ت ال��ك��واك��ب احمليطة‬ ‫هابل أول برهان مباشر على وج��ود الثقوب‬
‫بالثقب األسود بعيدة بعداً كافياً فهذه الزيادة‬ ‫ال��س��وداء م��ن خ�لال رص��د وم��راق��ب��ة اختفاء‬
‫يف القوة لن تؤثر عليها وتسحبها‪ ،‬وإن الكواكب‬ ‫مكونات مادة وهي تقفز جم��رورة إىل جمهول‬
‫أو النجوم تستمر بالسباحة يف نفس املدار‬ ‫يعرف عند العلماء باسم األف��ق اإلحداثي‪.‬‬
‫الذي كانت عليه سابقاً‪ ،‬فيظهر للعلماء أن هذه‬ ‫وت��رج��ع تسمية األف����ق اإلح���داث���ي إىل تلك‬
‫الكواكب والنجوم تدور حول ال شيء‪ ،‬فإما أن‬ ‫امل��ن��ط��ق��ة ال�ت�ي حت��ي��ط ب��ال��ث��ق��ب األس�����ود من‬
‫يكون هناك جنم صغري ال يرى‪ ،‬وإما أن يكون‬ ‫ال��داخ��ل‪ ،‬حيث ال ميكن ألي ض��وء أن يفلت‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫هناك ثقب أسود‪.‬‬ ‫م��ن ق���وة اجل���ذب ال��ك��ون��ي��ة اخل��راف��ي��ة القوة‪.‬‬


‫ويقول علماء الفضاء اخلارجي إهنم شاهدوا‬
‫ق���دم���ت م��ش��اه��دات‬ ‫نبضات م��ن ال��ض��وء ب��درج��ة ف��وق بنفسجية‬
‫ص��ادرة من تكتالت من الغاز الساخن وهي‬
‫اس���ت���خ���دم���ت فيها‬ ‫تتالشى وختتفي وهي تدور حول جسم كوني‬
‫هائل الضخامة وكثيف التكوين يعرف علمياً‬
‫ت��ل��س��ك��وب��ات تعمل‬ ‫باسم سيغنوس أكس أرـ‪.1‬‬
‫وه���ذا ال��ن��وع م��ن ال��ن��ش��اط��ات يف الفضاء‬
‫ب��أش��ع��ة إك���س دالئ��ل‬ ‫اخل���ارج���ي ال��ب��ع��ي��د ج����داً‪ ،‬يف أع��م��اق الكون‬

‫ع��ل��ى ظ��اه��رة األف��ق‬ ‫السحيقة اليت ال هناية معروفة هلا‪ ،‬ميكن أن‬
‫حيدث يف حال سقوط حزمة أو كتلة غازية يف‬
‫اإلحداثي من خالل‬ ‫وكانت مشاهدات سابقة استخدمت فيها‬
‫ثقب أسود‪..‬‬

‫رصد الثقوب السوداء‬ ‫تلسكوبات تعمل بأشعة أكس قدمت دالئل على‬
‫ظاهرة األفق اإلحداثي من خالل رصد الثقوب‬
‫وهي متتص حنو مائة‬ ‫ال��س��وداء وه��ي متتص حنو مائة ضعف كمية‬
‫الطاقة اليت تشع منها‪ ،‬وهذه املشاهدات تفيد‬
‫ضعف كمية الطاقة‬ ‫بأن غازاً تقرتب درجته من تريليون قد سقط‬

‫ال���ت��ي ت���ش���ع منها‬ ‫فعالً عند حافة األفق اإلحداثي إىل اجملهول و‬
‫مل يتمكن أحد حتى مشاهدات املسبار هابل‬
‫من رؤية حدوث هذه الظاهرة فعلياً‪ ،‬أي سقوط‬
‫‪ -2‬الطريقة الثانية ‪ :‬ب��اإلض��اف��ة إىل أن‬ ‫مكونات مادة يف جمهول حلقة األفق اإلحداثي‪.‬‬
‫اجلاذبية القوية تقوم بسحب الغبار والسحب‬ ‫وهذا الثقب هو عبارة عن جسم يقع على بعد‬
‫الغبارية إىل داخلها‪ ،‬ومع اقرتاب هذه السحب‬ ‫ستة آالف سنة ضوئية عن األرض يف جتمع‬
‫م��ن الثقب األس���ود ت���زداد س��رع��ة االجن���ذاب‬ ‫كوني يعرف بتجمع البجعة‪..‬‬
‫وبالتايل ت��زداد حرارهتا ما ي��ؤدي إىل انبعاث‬ ‫وميكن للعلماء معرفة مكان الثقوب السوداء‬
‫‪107‬‬ ‫موجات اكس ‪ X-Rays‬منها الثقب األسود‪،‬‬ ‫من خالل أربع طرق فقط ‪:‬‬
‫واألجسام اليت تبعث هذه املوجات تلتقط من‬ ‫‪ -1‬الطريقة األوىل ‪ :‬عندما ينكمش جنم‬
‫خ�لال تلسكوبات ‪ X-Rays‬امل��وج��ودة خارج‬ ‫ويتحول إىل ثقب أس��ود ف��إن حقل جاذبيته‬
‫الكرة األرضية‪.‬‬ ‫يستمر م��وج��وداً كما ك��ان قبل التحول ولكن‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫قدم‪ ،‬فإذا حاولت رفع هذه الكرة لوجدت أن‬ ‫‪ -3 ‬ال��ط��ري��ق��ة ال��ث��ال��ث��ة ‪ :‬وت��س��م��ى عدسة‬
‫وزهنا يساوي وزن الكرة األرضية‪.‬‬ ‫اجل��اذب��ي��ة‪ ،‬وحت��دث ه��ذه العملية عند مرور‬
‫‪ ‬ويعتقد العلماء أن الثقوب ال��س��وداء تؤثر‬ ‫ثقب أس��ود بني األرض والنجم‪ ،‬فلنفرض أن‬
‫بشكل أساسي يف بناء الكون‪ ،‬فثقب أسود ذو‬ ‫هذا النجم يطلق ضوءاً بعشوائية إىل الفضاء‪،‬‬
‫كتلة صغرية نسبياً يستطيع امتصاص كواكب‬ ‫فيصلنا بعضه ويكون ضعيفاً نوعاً ما‪ ،‬ولكن يف‬
‫وجن���وم بسهولة م��ا إن ت��دخ��ل يف األف����ق‪ ،‬أو‬ ‫حالة وج��ود ثقب أس��ود يف الوسط يعمل هذا‬
‫يدمرها مبجرد امل��رور بالقرب منها‪ ،‬وبالتايل‬ ‫الثقب األسود كعدسة‪ ،‬فيعمل على تغيري مسار‬
‫يتسبب ذلك يف توالد جيل جديد من النجوم‬ ‫الضوء إىل اجتاهه‪ ،‬فإذا كان الضوء يبعد بعداً‬
‫من بقايا غريها‪.‬‬ ‫كافياً عن حقل اجلاذبية فلن يقوم بسحبه وإمنا‬
‫‪ ‬وهناك الثقوب ال��س��وداء العمالقة هائلة‬ ‫ينحين فقط‪ ،‬وبالتايل يرتكز باجتاه األرض‪،‬‬
‫الكتلة‪ ،‬حيث أن كتلتها تساوي كتلة ماليني‬ ‫فيظهر النجم لدينا ساطعاً جداً‪.‬‬
‫الشموس‪ ،‬ويعتقد أن أغلب اجمل��رات حتتوي‬ ‫‪ -4 ‬الطريقة الرابعة ‪ :‬ملعرفة أماكن وجود‬
‫يف م��رك��زه��ا ع��ل��ى ث��ق��ب أس���ود ع��م�لاق‪ ،‬فقد‬ ‫الثقوب السوداء هي يف قياس كتلة امل��واد يف‬
‫أثبت فلكيون بريطانيون بالدليل املباشر أن‬ ‫منطقة معينة من الفضاء‪ ،‬فالثقوب السوداء‬
‫الثقوب السوداء يف مراكز اجملرات يزداد وزهنا‬ ‫لديها كتلة كبرية جداً يف منطقة صغرية جداً‪،‬‬
‫مع تقدمها يف العمر‪ ،‬نتيجة التهامها للنجوم‬ ‫فإذا تواجدت كتلة كبرية غري مرئية يف منطقة‬
‫والغازات الكونية‪..‬‬ ‫ما فهناك احتمال أن تكون هذه كتلة ثقب أسود‪،‬‬ ‫‪108‬‬
‫كما أن ال��ث��ق��وب ال��س��وداء تلتهم النجوم‬ ‫ولتقريب معنى كتلة كبرية جداً يف منطقة صغرية‬
‫والكواكب‪ ،‬فإهنا أيضا تلتهم بعضها البعض‬ ‫ج��داً‪ ،‬عليك أن تتخيل أن كل الكرة األرضية‬
‫إذا حدث وأن اقرتبت من بعضها‪ ،‬ويف حاالت‬ ‫انضغطت وانكمشت إىل أن أصبحت حبجم كرة‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫هي خاصية جذبه لألجسام فاملادة اليت تسقط‬ ‫أخرى عند التقاء ثقبني أسودين فإهنما يتحدان‬
‫عليه ال ميكنها اهلرب منه ثانية فتقوم جاذبية‬ ‫ليشكال ثقباً أسود أكرب وأقوى‪.‬‬
‫الثقب جب��ذب ال��ن��ج��وم وال���غ���ازات م��ن اجملرة‬ ‫‪ ‬وقد قام العلماء بتحديد أعمار ‪ 23‬جمرة‬
‫احمليطة ليزيد وزن���ه م��ع تقدمه يف العمر‪.‬‬ ‫جم����اورة‪ ،‬مب��ا فيها جم���رة ان��دروم��ي��دا أقرب‬
‫و من املعروف أنه حتى اآلن مل يرصد العلماء‬ ‫اجمل��رات الكونية العمالقة جملرة درب التبانة‬
‫س��وى ن��وع�ين م��ن ال��ث��ق��وب ال���س���وداء‪ ،‬الثقوب‬ ‫وامل��ع��روف��ة باحتوائها على ث��ق��وب س���وداء يف‬
‫اليت هلا كتلة النجوم‪ ،‬واألخرى اليت تفوق كتلة‬ ‫مراكزها‪ .‬وكشف التحليل العمري عن تفاوت‬
‫النجم بأكثر من مليون م��رة‪ ،‬وقد ذكر علماء‬ ‫أعمار هذه اجملرات بني أربعة مليارات عام و‬
‫فلك بريطانيون أهنم اكتشفوا نوعاً جديداً من‬ ‫‪ 12‬مليار عام‪ ،‬و قد ثبت أن هناك عالقة وثيقة‬
‫الثقوب السوداء من احلجم املتوسط‪..‬‬ ‫بني عمر كل جمرة وكتل الثقوب السوداء اليت‬
‫و مت اكتشاف ال��ن��وع اجل��دي��د م��ن الثقوب‬ ‫يف مركزها‪ ،‬وتبني أن الثقوب داخ��ل اجملرات‬
‫ال���س���وداء ع��ل��ى ب��ع��د حن��و ‪ 600‬س��ن��ة ضوئية‬ ‫الشابة متيل ألن تكون متواضعة يف حجمها‪،‬‬
‫(السنة الضوئية هي ما يقطعه الضوء يف سنة‬ ‫بينما حتتوي اجملرات املتقدمة يف السن على‬
‫واحدة) ‪.‬‬ ‫ثقوب سوداء أكرب حجماً‪.‬‬
‫من مركز اجملرة ( إم ‪ ) 8z‬باستخدام مرصد‬ ‫ويعتقد العلماء أن ال��ث��ق��وب ال��س��وداء قد‬
‫األشعة السينية والثقب املكتشف يشكل جزءاً‬ ‫زادت كتلتها بسبب اكتساهبا مزيد من الكتلة‬
‫‪109‬‬ ‫من نظام ثنائي يضم الثقب وجسماً آخر اصغر‬ ‫ع��ل��ى م���دى ع��م��ر اجمل����رة ال�ت�ي ت��ع��ي��ش فيها‪،‬‬
‫منه يدوران حول بعضهما‪.‬‬ ‫وم��ن اجل��دي��ر بالذكر أن��ه ال يوجد أي مؤشر‬
‫وقد ارتفع عدد اجمل��رات اليت حتوي ثقوباً‬ ‫ع��ل��ى إن ه���ذا التضخم سيتوقف ع��ن��د حد‬
‫س���وداء يف قلبها إىل ‪ 33‬جم��رة بعد أن عثر‬ ‫ويقول العلماء أن أب��رز خ��واص الثقب األسود‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫وغاما‪ ،‬وعندما ينظر علماء الفضاء إىل هذه‬ ‫الباحثون الفلكيون على مثاني جمرات أخرى‬
‫الكويزارزات اليت تبعد عنا ما بني‪15 - 10  ‬‬ ‫توجد يف مراكزها ثقوب سوداء ذات كتل فائقة‬
‫بليون سنة ضوئية وهذا أقرهبم فإهنم ينظرون‬ ‫الكثافة‪..‬‬
‫إىل ‪ 15 - 10‬بليون سنة يف املاضي‪ ،‬ولذلك‬ ‫واستناداً إىل النتائج اليت مت تسجيلها حديثاً‬
‫فإن دراستها تعطي هؤالء العلماء معلومات عن‬ ‫عرب أجهزة التصوير الطيفية اليت حيملها املرصد‬
‫املراحل األولية لتكوين الكون وفرصة لدراسة‬ ‫الفضائي هابل فإن الثقب األس��ود العمالق ال‬
‫املاضي‪ ،‬وطبقا للدراسات فإن الكويزارز يعيش‬ ‫يولد م��ع��زوالً مبفرده ثم يبدأ بتجميع اجملرة‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫باليني السنني يتغذى يف قلب اجملرات وميتص‬ ‫حوله‪ ،‬بل على العكس فإنه ينمو مع النجوم‬
‫كل ما يقرتب منه حتى يستنفد كل مواده‪ ،‬ومن‬ ‫احمليطة به‪ .‬ويف دراسة أخرى ثبت وجود عالقة‬
‫ثم يقوم باالنتقال إىل جمرة أخرى‪ ،‬وحتى اآلن‬ ‫بني كتلة قلب اجملرة وكتلة الثقب األسود الواقع‬
‫أيضاً مل يتأكد العلماء كيف تتكون هذه األجرام‪،‬‬ ‫يف مركزها‪ ،‬وهذه العالقة ميكن أن تلخص يف‬
‫ولكن غالب الظن أهنا ثقوب سوداء عمالقة‪.‬‬ ‫أن كتلة الثقب األسود تساوي دوماً ‪ % 0.2‬من‬
‫كتلة القلب‪..‬‬
‫أضخم جنم يف الكون مل يتحول بعد‬
‫إىل ثقب أسود‬ ‫كويزارز ‪Quasars‬‬
‫يتساءل العلماء عما إذا كان انفجار النجم‬ ‫ً‬
‫هي عبارة عن أجرام مساوية بعيدة جدا تشبه‬
‫العمالق‪ ،‬وال��ذي خلف بريقاً ووهجاً مل يشهد‬ ‫النجوم ولكنها تطلق ضوءاً وطاقة أكثر‪ ،‬وتعترب‬
‫علماء الفلك مثيالً له من قبل‪ ،‬سيضيء مساء‬ ‫أسطع أج���رام مس��اوي��ة عرفت ل��دى اإلنسان‪،‬‬
‫األرض يف القريب العاجل‪.‬‬ ‫فالكويزارز الواحد يبلغ حجمه حجم جمموعتنا‬
‫وفقاً ملا ذكره قائد فريق االكتشاف‪ ،‬ناثان‬ ‫الشمسية كلها‪ ،‬ويطلق ضوءاً وطاقة أكرب بكثري‬
‫مسيث‪ ،‬األستاذ يف جامعة كاليفورناي ببريكلي‪،‬‬ ‫مما يطلقه عدد من اجملرات جمتمعة‪ ،‬باإلضافة‬
‫فقد استخدم علماء الفلك عدة مراصد فلكية‬ ‫إىل الطاقة والضوء واملوجات الالسلكية اليت‬
‫أرضية يف اكتشاف ما يعتقد أنه أكرب النجوم‬ ‫يطلقها الكويزارز‪ ،‬فإنه يرسل أيضاً أشعة فوق‬
‫العمالقة على اإلط�لاق‪ ،‬إذ تفوق ش��دة بريقه‬ ‫بنفسجية‪ ،‬وأشعة حتت احلمراء‪ ،‬وأشعة اكس‬
‫بريق أضخم جنم عمالق معروف بنحو مخس‬ ‫وأشعة جاما‪.‬‬
‫مرات‪.‬‬
‫وق��ال مسيت‪ :‬هذا االنفجار أضخم من أي‬ ‫والسؤال املهم هو من أين هلذه األجرام هذه‬
‫ش��يء آخ��ر عهدناه‪ ..‬إن��ه ألم��ر مذهل بالفعل‪.‬‬ ‫القوة والضوء؟‬
‫حبسب وكالة األسوشيتد برس‪.‬‬ ‫‪ ‬يعتقد العلماء أهن��ا ثقوب س��وداء عمالقة‬
‫وقد اكتشف هذه النجم العمالق ألول مرة‬ ‫تكونت من زمن بعيد جداً تقع يف وسط أغلب‬
‫أح���د الطلبة يف ت��ك��س��اس يف سبتمرب‪/‬ايلول‬ ‫اجملرات‪ ،‬فتلتهم جنوماً وكواكب بأكملها‪ ،‬وبذلك‬
‫املاضي‪.‬‬ ‫هي تضيء أثناء انصباب كل تلك النجوم املضيئة‬
‫وأوضح مسيث أن هذا النجم العمالق‪ ،‬الذي‬ ‫بداخلها‪.‬‬
‫أطلق عليه اسم ‪ ،SN2006gy‬يعترب نوعاً خاصاً‬ ‫وحتى اآلن ال ميلك العلماء صورة واضحة‬ ‫‪110‬‬
‫من النجوم العمالقة اليت مل تعرف أو تشاهد‬ ‫عن أي كويزارز ألنه بعيد ج��داً‪ ،‬حتى أن أكرب‬
‫سابقاً‏‪.‬‬ ‫تلسكوب ب��ال��ك��اد يلتقطه‪ ،‬ول��ذل��ك يستعمل‬
‫ووص��ف مسيث النجم بأنه (ضخم بصورة‬ ‫العلماء التلسكوبات اليت تلتقط موجات إكس‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫معروفة‪ ،‬انفجر مُطلقاً حزماً من أشعة (غاما)‬ ‫استثنائية) مشرياً إىل أن ضخامته‏تبلغ أكرب بنحو‬
‫على بعد ‪ 7.5‬مليار سنة ضوئية من األرض‪،‬‬ ‫‪ 150‬مرة من كتلة الشمس‪ .‬حبسب (‪.)CNN‬‬
‫ليبلغ سطوع هذا االنفجار كوكب األرض فجراً‪.‬‬ ‫وأوضح املراقبون العاملون يف مرصد شاندرا‪،‬‬
‫فقد استطاع القمر الصناعي (سويفت) التابع‬ ‫الذي يعمل باألشعة السينية‪ ،‬أن النجم املتفجر‬
‫لوكالة علوم الفضاء والطريان األمريكية (ناسا)‬ ‫مل يتحول إىل (ثقب أس��ود) مثل بقية النجوم‬
‫رصد األشعة الناجتة عن االنفجار‪ ،‬بينما قال‬ ‫العمالقة املتفجرة‪ ،‬كما أنه مل مير مبرحلة موت‬
‫أحد مديري الوكالة‪ ،‬نيل غرييلز‪ :‬مل يصدف أن‬ ‫النجوم‪.‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫شاهدنا سابقاً انفجاراً هبذا السطوع ومن هذه‬ ‫‏ووفقاً ملا ذكرته وكالة الفضاء األمريكية‬
‫املسافة‪ .‬حبسب (‪.)CNN‬‬ ‫(ناسا)‪ ،‬فإن النجوم املتفجرة عادة ما يستمر‬
‫وأض��اف أن مشاهدته بالعني اجمل��ردة كانت‬ ‫الوهج الناجم عنها ح��وايل أسبوعني بأقصى‬
‫واضحة بشكل كافٍ‪ ،‬بينما مل يصل (ناسا) أية‬ ‫تقدير‪ ،‬غري أن الوهج الناجم عن انفجار النجم‬
‫تقارير عن احتمال ان يكون هواة الفلك ومراقبة‬ ‫العمالق هذا استمر على مدى‏سبعني يوماً‪.‬‬
‫اجملرات‪ ،‬قد شاهدوا االنفجار الذي دام أقل من‬ ‫وقال مسيث إن هذا النجم العمالق‪ ،‬الذي‬
‫ساعة‪ .‬حبسب وكالة األسوشيتد برس‪.‬‬ ‫يبعد ع��ن األرض ح���وايل ‪ 240‬م��ل��ي��ون سنة‬
‫وقال عامل الفلك يف جامعة بنسلفانيا ديفيد‬ ‫ضوئية والذي ينتمي جملرة أخرى بعيدة‪ ،‬يشري‬
‫بوروز إن الالفت يف احلدث ليس حجم االنفجار‬ ‫‏إىل احتمال انفجار جنم مشابه يبعد حنو ‪44‬‬
‫إمنا املسافة اليت كان يتحرك هبا النجم‪ ،‬مضيفاً‬ ‫كوادريليون ميل يف أي يوم من اآلن ورمبا بعد‬
‫أنه كان يف منتصف الطريق إىل حافة الكون‪.‬‬ ‫‪ 50‬ألف سنة‪.‬‬
‫من جهته أوضح غرييلز أن النجم كان قبل‬
‫انفجاره أكرب من كوكب الشمس بأربعني ضعفاً‪،‬‬ ‫انفجار جنم يف منتصف طريقه إىل‬
‫كما أن شدة االنفجار أدت إىل تبخر أي كوكب‬ ‫حافة الكون‬
‫قريب‪.‬‬ ‫وسجّل انفجار ضخم لنجم كان يف منتصف‬
‫يذكر أن مسافة ‪ 7.5‬مليار سنة ضوئية تفوق‬ ‫طريقه حنو حافة الكون‪ ،‬رقماً قياسيا من حيث‬
‫بكثري أبعد جنم أمكن مشاهدته بالعني اجملردة‪،‬‬ ‫إمكانية مشاهدة جسم بعيد من األرض بالعني‬
‫والبالغ ‪ 2.5‬مليون سنة ضوئية‪ ،‬علماً أن السنة‬ ‫اجملردة‪.‬‬
‫الضوئية تبلغ ‪ 5.9‬تريليون ميل‪.‬‬ ‫النجم اهل���رم‪ ،‬ال��ذي ك��ان ضمن جم��رة غري‬

‫املراجع‬

‫كتاب عن الثقوب السوداء لعامل الفضاء األملاني «كارل شوارتزلد ‪.‬‬


‫مقاالت علمية للعامل االجنليزي «ستيفن هوكني ‪.‬‬
‫مقاالت للعامل ناثان مسيث‪ ،‬األستاذ يف جامعة كاليفورناي ببريكلي ‪.‬‬
‫‪111‬‬ ‫موقع على شبكة االنرتنت ‪WWW.HA3SOQ.COM‬‬
‫مادة علمية لألستاذ ميثم العتابي ‪.‬‬
‫حبث عن الثقوب السوداء لألستاذ أمحد قسيت ‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫انشقت السحب املرتاكمة بعرض السماء عن‬
‫جمموعة من اجل��راد راح��ت تقرتب يف إصرار‬
‫غريب من القرية الرابضة يف أسفل‪ ..‬واليت‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫حي��ده��ا ش��رق �اً جم���رى هن��ر ف��ض��ي‪ ..‬يف حني‬
‫حتيط مشارفها الغربية بضع مداخن عالية‪..‬‬
‫تربز من ثالثة مصانع ضخمة ترتامى وراءها‬
‫صحراء شاسعة اليدرك البصر هناية هلا‪..‬‬
‫زاد اقرتاب جمموعة اجلراد‪ ..‬وبدأ يتضح هلا‬
‫أزيز مكتوم عكر صفو السكون املتسربل بأوىل‬
‫ملسات الفجر ال��رط��ي��ب‪ ..‬وك�بر حجم اجلراد‬
‫أكثر‪ ..‬وسقطت عليه خيوط متسللة من ضوء‬
‫مبهم فإن الشمس مل يظهر قرصها بعد من‬
‫خلف اجلبال يف أقصى الشرق‪..‬‬
‫وبغتة مسع نعيب متقطع‪ ..‬يرن صداه خافتاً‬
‫م�تردداً وسط بيوت القرية‪ ..‬اليت عراها هرج‬
‫كبري ملقدم الطائرات العمودية وقد زاد عددها‬
‫عن الستني من حامالت اجلنود داكنة اللون‪..‬‬
‫وبالفعل انطلقت عدة صواريخ طائشة يف‬
‫اجتاه الطائرات‪ ..‬وقد عال اآلن هدير حمركاهتا‬
‫العنقودية يصم اآلذان ويعتصر تفريغ اهلواء‬
‫املتسبب عنها قمم األشجار‪..‬‬
‫لكن املقاومة األرض��ي��ة مل تعمر طويالً‪..‬‬
‫فسرعان ماغلبت على أم��ره��ا إزاء القصف‬
‫اجلوي املركز‪ ..‬وأمام األعداد الوفرية من اجلند‬
‫الذين تدفقوا هابطني بعدة امليدان الكاملة‪..‬‬
‫ليستولوا على أهم املرافق وال��دور‪ ..‬وحييطوا‬
‫بالقرية من مجيع اجلهات إحاطة حديدية‪..‬‬
‫وكما جرى قبالً مع سكان القرى املنتشرة‬
‫ج��ن��وب�اً‪ ..‬املسافات شاسعة‪ ..‬حيث ق��دم من‬
‫اجتاهها امل��ش��ؤوم‪ ..‬فقد مت ه��ذه امل��رة أيضاً‬
‫حصر من تبقى حياً من األهايل‪ ..‬ومجعهم كلهم‬ ‫‪112‬‬
‫حتت احلراسة القوية ليمألوا – وقوفاً – نصف‬
‫امليدان الرئيسي بالقرية‪ ..‬وهم يشكلون مثلثاً‬
‫هناد شريف‬
‫متساوي األضالع‪ ..‬ترتكز قاعدته يف امليدان‪..‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫السميكة واملدججني باملدافع قاذفة أشعة الليزر‬ ‫وخت��رج قمته يف اجت��اه أحد الشوارع اجلانبية‬
‫الساحقة‪ ..‬وقد مجدت قسماهتم وهم على أهبة‬ ‫العريضة‪ ..‬وفيما وراء قمة املثلث البشري‪..‬‬
‫االستعداد‪..‬‬ ‫قامت ثلة من اجلند تثبت يف أرضية الشارع‬
‫دخلت امليدان سيارة جيب مقفلة‪ ..‬راحت‬ ‫لوحاً عالياً‪ ..‬من رقائق تشبه الصلب‪..‬‬
‫‪113‬‬ ‫تتقدم من طابوري اجلند الذين سارعوا يفسحون‬ ‫طلي مبادة المعة هلا رائحة السكر احملروق‬
‫هلا مكاناً يف منتصف طابورهم األمامي ووقفت‬ ‫النفاذة‪ ..‬بينما اصطف يف مواجهة قاعدة املثلث‬
‫السيارة يف الرقعة املعدة هل��ا‪ ..‬وفتح ظهرها‬ ‫البشري باجلانب اآلخر من امليدان‪ ..‬طابوران‬
‫امل��ق��اب��ل أله��ل ال��ق��ري��ة يف وقفتهم الساخطة‬ ‫ك��ام�لان م��ن اجل��ن��د ذوي األردي����ة الربتقالية‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫أجزاءه ثم مال قليالً حنو أقرب الضباط إليه‬ ‫املتذمرة‪ ..‬وأخرج جهاز صغري يشبه تلفزيوناً‬
‫ومهس له من بني شفتيه املغلقتني‪..‬‬ ‫من حجم ثالث وعشرين بوصة وإن استبدلت‬
‫أكل شيء على مايرام؟‬ ‫شاشته البانورامية بفوهة قمع مستطيلة برزت‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫أجاب الضابط ووجهه يف صالبة الرخام‪:‬‬ ‫متاماً وقد مألهتا عدسة عمالقة اليقل قطرها‬
‫أجل ياسيدي‪..‬‬ ‫عن نصف مرت وه��ي ذات بعد ب��ؤري كبري يف‬
‫وهل اجلهاز معد؟‬ ‫الوقت ال��ذي يرتكز فيه اجلهاز على عجالت‬
‫إننا رهن إشارتك‪..‬‬ ‫مطاطية ثالث ثم تقدم مثانية من كبار الضباط‬
‫اشرأب القائد بقدميه وحافة قبعته تطاول‬ ‫لينتصبوا على يسار اجلهاز يف امتداد وعيوهنم‬
‫السماء ونطق وجفناه مرخيان‪..‬‬ ‫مشرئبة إىل أعلى‪..‬‬
‫إننا الشعب املختار‪ ..‬ال��ذي يؤمن بعقيدة‬ ‫أخرياً‪ ..‬استدارت الطائرة العمودية املتبقية‬
‫واح��دة ومبدأ واح��د وأم��ة واح��دة تسود العامل‬ ‫وح��ده��ا معلقة يف اجل���و‪ ..‬وال�تي ينطبع على‬
‫حتت حكمنا‪ ..‬ومن خرج عن تعاليمنا ليس منا‪..‬‬ ‫جانبيها شعار ميثل أفعى س��وداء تقذف هلما‬
‫وجيب أن يقضى عليه‪ ..‬وأنتم يف هذه اللحظة‬ ‫من جوفها لتأخذ يف اهلبوط وئيداً وكأهنا ندفة‬
‫ه��ؤالء احلمقى امل��ارق��ون‪ ..‬املسلوبة عقوهلم‬ ‫قطن حيتضنها اهل��واء حتى استقرت يف قلب‬
‫خبرافة تارخيكم وأصل وجودكم‪ ..‬هاحنن قد‬ ‫امليدان متاماً‪..‬‬
‫جئنا لنحرركم‪ ..‬ملنحنكم الفرصة الوحيدة‬ ‫وبرز من جوف الطائرة ضابط قصري مكتنز‬
‫الباقية لكم ل��ت��ع��ودوا إىل حظريتنا فتجنبوا‬ ‫البدن يضع على عينيه عوينات قائمة بينما تزين‬
‫ال��ب��ق��اء‪ ..‬وسيتوىل تقوميكم الشعاع املقدس‬ ‫قبعته وكتفيه شرائط ذهبية عريضة‪ ..‬وتوقف‬
‫باعث الوجود اجلديد‪ ..‬وباعث الكيان األمثل‬ ‫الضابط الذي بدا عليه من الوهلة األوىل أنه‬
‫ألبدانكم والفكر األطهر لعقولكم‪ ..‬إننا نستطيع‬ ‫القائد األعلى للغزاة توقف برهة جييل بصره‬
‫اليوم أن نؤكد لكم أننا‪ ..‬الشعب املختار‪ ..‬على‬ ‫يف اجلموع املرتاصة يف أحن��اء امليدان قبل أن‬
‫مدى خطوات قليلة من هدفنا العظيم ومل تبق‬ ‫يتقدم صوب اجلهاز احملاط جبنده وضباطه يف‬
‫إال مسافة قصرية حتى تتم األفعى الرمزية‬ ‫مشية متئدة باردة مليئة بالصلف والكربياء‪..‬‬
‫شعار شعبنا دورهت���ا‪ ..‬وحينما تغلق الدائرة‬ ‫ثم سكنت قدما القائد عند ميني اجلهاز‪..‬‬
‫ستكون كافة بالدكم ومدنكم وقراكم حمصورة‬ ‫بعد ذلك تعالت من بني مجوع األهايل أصوات‬
‫داخلها بأغالل ال تنكسر‪..‬‬ ‫حنق و مشاغبة‪ ..‬وحاول أربعة أو مخسة منهم‬
‫وابتسم القائد األعلى بركن وجنته احملمرة‬ ‫التحرك خارج نطاق املثلث اجملربين على تكوينه‬
‫من اإلف��راط يف تناول اخلمر ابتسامة صفراء‬ ‫بأجسادهم فالقوا حتفهم بطلقات الليزر على‬
‫عربت عن باطنه املهتز‪ ..‬وببطء خلع قفاز ميناه‬ ‫الفور‪..‬‬
‫ليمسكه بيده ويطرقه طرقتني ملولتني على‬ ‫وتفحمت أجسادهم يف حلظات‪ ..‬على أن عني‬
‫راحة يده اليسرى‪ ..‬ثم فجأة رفعه يف إمياءة‬ ‫القائد مل تطرف للشغب ومل تتحرك يف وجهه‬ ‫‪114‬‬
‫حاقدة أعطى هبا إشارة البدء‪ ..‬‬ ‫عضلة واح��دة‪ ..‬وحني مشل الصمت واهلدوء‬
‫فانساب من فوهة العدسة مبقدم اجلهاز‬ ‫امليدان مرة أخرى ركز القائد حدقتيه من خلف‬
‫ضوء باهر غطت أشعته األرجوانية املختلطة‬ ‫العوينات على اجلهاز القابع جب��واره يتفحص‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫املتدفقة صناعياً خالل الرتبة اجلدباء‪ ..‬كانت‬ ‫بألوان قوس قزح على ضياء الصبح الوليد‪..‬‬
‫هناك أحداث أخرى التقل إثارة تدور يف اخلفاء‬ ‫وب���دت م��ن خ�لال األش��ع��ة دخ��ن��ة هل��ا قوام‬
‫وقد دمغها طابع من اجلدية والتصميم‪ ..‬فعرب‬ ‫الضباب زحفت يف مواجهة األهايل احملاصرين‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫واحد من املمرات اجلبلية اليت يتوارث أسرارها‬ ‫وانتشرت بينهم‪ ..‬ثم سرعان مالفتهم بداخلها‬
‫أبناء املنطقة أباً عن جد راح نفر من الرجال‬ ‫حتى غطتهم كلية‪ ..‬على أن األم��ر مل يستمر‬
‫الفارعي القامة واملتدثرين بأردية بنية متيل‬ ‫ألكثر من دقائق أربع أقفل اجلهاز بعدها‪ ..‬ويف‬
‫إىل ال��زرق��ة وحيملون أسلحة قصرية شديدة‬ ‫نعومة مثرية راح��ت سحابة الضباب تنقشع‬
‫الفتك‪ ..‬راحوا يطأون بنعاهلم املطاطية أرضية‬ ‫خملفة وراءها الذين احتوهتم من قبل وقد بدوا‬
‫املمر الضيق املليئة باحلصى املدبب وخيوضون‬ ‫جم��رد هامات جممدة عابسة يلفها الذهول‬
‫يف الربك اآلسنة املنتشرة حتى صدورهم وهم‬ ‫الغامض الذي يثري الشك‪ ..‬وساد السكون برهة‬
‫يتقدمون حثيثاً يف صمت وبال أدنى صوت أو‬ ‫كأهنا الدهر‪..‬‬
‫أقل بارقة من ضوء تنري هلم طريق سريهم‪..‬‬ ‫يف حني أطلق القائد آهة ارتياح عميقة وقد‬
‫كانوا ستة من امل��رده يتسللون عرب الظلمة‬ ‫بان عليه التعب واإلعياء فقد أدى يف التو واحدة‬
‫ال��ض��ارب��ة يف امل��م��ر إىل غايتهم وك��أهن��م قطع‬ ‫من أثقل املهام اليت ألقيت على عاتقه مؤخراً‪..‬‬
‫متحركة م��ن س��واده��ا إىل أن خ��رج��وا لوضح‬ ‫لقد دقت السابعة؟‬
‫النهار حيث أشعة الشمس تغشي األبصار فوق‬ ‫بالضبط ياسيدي‪..‬‬
‫سهول الذرة املرتامية إىل ماال هناية‪..‬‬ ‫وقطب القائد جبينه مفكراً‪ :‬اجلو اليوم حار‪..‬‬
‫على أن الرجال مل يتقدموا خطوة واحدة‬ ‫إذن فدعوهم يف مكاهنم خالل الساعات العشر‬
‫وإمنا انبطحوا على الثرى املعشوشب يفحصون‬ ‫املعهودة دون إقامة األستار الواقية حوهلم‪..‬‬
‫رقعة األرض املمتدة على مرمى بصرهم وهبا‬ ‫حسناً ياسيدي‪..‬‬
‫زراعات الذرة‪ ..‬وخزان املياه‪ ..‬وجمرى القطار‬ ‫أل��ق��ى ال��ق��ائ��د ن��ظ��رة أخ�ي�رة ع��ل��ى األه���ايل‬
‫ال��ن��ف��اث املغلق ب��ع��ي��داً‪ ..‬وفيما وراءه مدينة‬ ‫وق��د ب��دأوا يف اف�تراش األرض مجاعات وكأن‬
‫األحباث الزجاجية وجبوارها مصنع قطع غيار‬ ‫سيقاهنم مل تعد تقوى على محل أجسامهم قبل‬
‫البشر الذي افتتح منذ عامني‪ ..‬وأخرج أحدهم‬ ‫أن يرتك امليدان ويتجه إىل الطائرة يف خطوات‬
‫عداداً مستديراً أدار مفتاحاً يف واجهته فأخذ‬ ‫عجلة هاربة‪ .‬يف حني بدأ اجلنود يف االنصراف‬
‫يئز بشدة وكأنه يوشك على التفتت إىل أشالء‬ ‫تباعاً دون مباالة حتى خالل امليدان منهم ومن‬
‫متناثرة‪..‬‬ ‫سياراهتم وأدواهتم فيما عدا جندياً واحداً ترك‬
‫هتف ال��رج��ل باملقدمة وه��و يقيس بعينيه‬ ‫ملراقبة األهايل عن كثب وهم على حالتهم من‬
‫املسافة بني مكمنهم وبني خزان املياه املهجور‬ ‫التبلد والتوهان‪..‬‬
‫الذي يشمخ وسط عيدان الذرة‪..‬‬ ‫يف نفس ال��ي��وم وب��ع��د م���رور أق��ل م��ن أربع‬
‫‪115‬‬ ‫ليس بعد‪ ..‬إنكم تسمعونه معي يعطي إنذاراً‬ ‫ساعات على غزو الطائرات العمودية للقرية‬
‫بتسليط موجات الرادار على منطقتنا‪ ..‬فلننتظر‬ ‫سالفة ال��ذك��ر‪ ..‬ويف مكان ينأى عنها مشاالً‬
‫حتى جتاب املوجات‪ ..‬وتبتعد‪..‬‬ ‫بثالثني ميالً من اجلبال الوعرة وغابات أشجار‬
‫مل جيبه واحداً منهم وإمنا ظلوا على صمتهم‬ ‫املاجنو والليمون املغذاة باحملاليل الكيميائية‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫أق���ول‪ ..‬إن��ه حيولنا إىل جم��رد أن��اس يسريون‬ ‫ساكتني مرتقبني وحني كف العداد عن األزيز‬
‫يف ركب الغزاة وقد حسبناهم منا ومن أهلنا‬ ‫على حني غرة وضع الرجل باملقدمة يده الثقيلة‬
‫وشعبنا وليسوا غرباء معتدين‪ ..‬آمثني‪..‬‬ ‫على كتف الرجل التايل له ومتتم‪ :‬واآلن أنت‪..‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫واتضحت املرارة يف نربات فدائي ثالث وهو‬ ‫تقدم‪ ..‬فأنسل الرجل بني أعواد الذرة حبمله‬
‫يضيف ‪:‬‬ ‫من األسلحة والذخائر جت��اه خ��زان املياه إىل‬
‫‪ -‬والغريب أن الذي يسيطر عليهم اجلهاز‬ ‫أن شوهد خالل دقائق يتسلق درجاته املتآكلة‬
‫مب��ج��رد أن يفيقوا يتقدمون للسري يف فلك‬ ‫وخيتفي يف جوفه خبفة اهل��ر‪ ..‬وع��اد العداد‬
‫األع���داء تلقائياً وق��د نسوا كلية احل��رب اليت‬ ‫إىل أزي��زه‪ ..‬ثم صمت مرة أخرى لينفلت رجل‬
‫خاضوها معهم منذ ساعات قالئل‪ ..‬فإذا حان‬ ‫ثان‪ ..‬فرجل ثالث‪ ..‬ورابع‪ ..‬حتى اختفى الرجال‬
‫موعد غزو جديد اندفعوا بدورهم خبوضوهنا‬ ‫الستة بداخل اخلزان وخيم السكون املطلق على‬
‫جنباً إىل جنب مع جند األعداء ويسلطون نفس‬ ‫السهول وال��ت�لال وإىل ضفيت النهر الفضي‬
‫اجلهاز على أقارهبم وأبناء وطنهم السابقني‬ ‫املنساب رقيقاً من بعيد‪..‬‬
‫وقد أصبحوا اليعرفوهنم‪..‬‬ ‫يف قلب اجلدران اخلرسانية للخزان الضخم‬
‫وقال فدائي رابع حبدة جرح غائر‪ - :‬أرى‬ ‫ب��دأ عقد االجتماع ال��ش��اذ ب�ين تسعة زعماء‬
‫أن اخلطأ ناتج عن تقاعسنا حنن‪ ..‬فاملعتدون‬ ‫ميثلون قطاعات خمتلفة من فدائي (اجلبهة‬
‫هم املعتدون وإمن��ا اللوم كله يقع على كاهلنا‬ ‫احلرة املكافحة حتى الفناء) يف حني جثم فدائي‬
‫وحدنا‪..‬‬ ‫عاشر يف القمة للمراقبة وعيناه جت��والن يف‬
‫تساءل الفدائي األول يف نغمة غضب‪:‬‬ ‫حدة عيين الصقر‪ ..‬ومل يكونوا رجاالً عاديني‪..‬‬
‫‪ -‬ولكنا بذلنا املستحيل‪..‬‬ ‫والكانوا مبرتزقة قتال أو ذوي طموح سياسي‬
‫احلقيقة أهنم متقدمون عنا علمياً يف نواح‬ ‫وط�ل�اب ش��ه��رة‪ ..‬وإمن���ا ه��م م��ن غ�لاة الثوار‬
‫شتى‪ ..‬متعددة‪ ..‬وم��وارد هم أضعاف مواردنا‬ ‫املفكرين‪ ..‬وكانت غايتهم الوحيدة منذ عقدوا‬
‫احملدودة بأرضنا‪ ..‬فقدرهتم على التسول بني‬ ‫العزم هي قهر الغزاة بأي مثن كان مهما غال‬
‫األمم الغنية معروفة‪ ..‬‬ ‫ومهما بعد مناله‪ ..‬ولكن كيف السبيل؟ انطلق‬
‫بل هي مشكلة أزلية‪ ..‬فمادام يوجد تفاوت‬ ‫صوت الفدائي حامل املشعل الكهربائي جيلجل‬
‫يف الثروات وتفاوت يف القوى احلربية‪ ..‬فإنه لن‬ ‫وهو يلوح بيده املطبقة يف كثري من احلرية وكثري‬
‫يكون هناك عدل دويل‪..‬‬ ‫من الغيظ‪:‬‬
‫وعاد الفدائي األول يعرتض بشدة‪:‬‬ ‫أجل‪ ..‬كيف نوقفهم عن التقدم عرب أراضينا‬
‫‪ -‬كل الذي تذكرون اليربر غزوهم الغامض‬ ‫وق��ران��ا‪ ..‬ثم واأله���م‪ ..‬كيف نوقفهم عن غزو‬
‫ألراض��ي��ن��ا‪ ..‬إن��ن��ا ي��ارف��اق يف ال��ق��رن الواحد‬ ‫عقولنا ‪..‬‬
‫والعشرين ولسنا بعد نعيش مهجية القرون‬ ‫وقال فدائي يعبث يف قاذف اللهب يف حركة‬
‫السالفة‪..‬‬ ‫آلية‪ - :‬ذلك اجلهاز اجلهنمي‪ ..‬ال��ذي يسلب‬ ‫‪116‬‬
‫وه��ب فدائي آخ��ر مل يتكلم قبالً فدنا من‬ ‫العقل واإلرادة والشخصية حتى الذكريات‬
‫فتحة اخلزان العليا املتسعة حيث جيثم احلارس‬ ‫وحي��وهل��ا إىل ش��يء مغاير ب��امل��رة‪ ..‬إن��ه حيول‬
‫ومأل رئتيه عميقاً باهلواء النقي ثم استدار إليهم‬ ‫عداوتنا وبغضنا وتربصنا للعودة إىل‪ ..‬ماذا‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫النهائية بعد‪..‬‬ ‫ليقول يف صوت خافت أقرب إىل اهلمس‪..‬‬
‫وهل بقي ماحناوله؟‬ ‫صرباً يارفاق ‪ ..‬لنفكر هبدوء ودون انفعال‪..‬‬
‫أجل‪ ..‬شيء واحد‪..‬‬ ‫لقد جربنا منذ ب��دأ الغزو منذ أكثر من عام‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫مل يقوَ غالبية الرجال على إخفاء فضوهلم‬ ‫مضى أشياء ع��دة‪ ..‬جربنا قتاهلم بعنف وبال‬
‫فأمطروه بأسئلتهم امللحة ف��إذا به يفاجئهم‬ ‫ه���وادة ولكننا على ال���دوام عانينا م��ن نقص‬
‫بذكر األمر الوحيد الذي غاب بالفعل عن باهلم‬ ‫الرجال من جراء ماحيولونه من شعبنا إىل أناس‬
‫ومل تصل إليه حماوالهتم‪..‬‬ ‫مغايرين ينقلبون لقتالنا حنن‪ ..‬وحاولنا أكثر من‬
‫وتساءل الفدائي األول متحريا‪ً:‬‬ ‫مرة حتطيم جهازهم املشع الذي يطلقون عليه‬
‫‪ -‬ومب��اذا يفيدنا أن حنصل على واحد من‬ ‫باعث الوجود اجلديد ولكنهم كانوا يسارعون‬
‫هذه األجهزة ‪..‬؟‬ ‫دوم�اً جبلب أجهزة غريها مع أن الواحد منها‬
‫أجاب الصامت‪ - :‬منذ مخسة شهور‪ ..‬وعلى‬ ‫صعب اإلع��داد باهظ التكاليف‪ ..‬ثم جربنا‬
‫وج��ه التحديد يف الثاني من ديسمرب املاضي‬ ‫أخرياً إبطال مفعول جهازهم على عقول الذين‬
‫عثرت بداخل حمفظة أحد القتلى من ضباط‬ ‫سحرهم ولكن‪ ..‬لألسف‪ ..‬فقد فشلت كافة‬
‫العدو على أوراق هامة احتوت بينها فيلماً‬ ‫األدوية والعقاقري اليت استعملناها معهم‪..‬‬
‫ميكروسكوبياً فيه رسم دقيق على جانب كبري‬ ‫معنى ذلك أننا نسري يف طريق مسدود‪..‬‬
‫من اخلطورة‪..‬‬ ‫وأن الأمل يف وقفهم على اإلطالق‪..‬‬
‫‪ -‬ماذا كان ؟‬ ‫بل هناك أمل على الدوام‪..‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -‬لقد وجدته رمسا تفصيليا لرتكيب جهاز‬ ‫التفت الكل إىل مصدر الصوت اهلادئ اآلتي‬
‫األشعة الذي يستعملونه ضدنا‪..‬‬ ‫من ركن اخلزان املعتم ومع أهنم مل يتبينوا يف‬
‫تعالت مهسة دهشة بني الرجال إال أن الفدائي‬ ‫العتمة سوى األنف احلاد املنحين ألسفل فقد‬
‫الصامت أبعد رأسه عن العتمة فاتضحت معامل‬ ‫عرفوا صاحبه على ال��ف��ور‪ ..‬إن��ه الفدائي ذو‬
‫وجهه اجلادة وهو يسرتسل يف بساطة ‪:‬‬ ‫القامة الطويلة والنحيلة بعض الشيء والذي‬
‫‪ -‬ومن بني عشرات األلوف من الصمامات‬ ‫حيمل وجهاً أمسر رصيناً ويلقبونه بالصامت‬
‫وال��دوائ��ر الكهربائية املوجودة باجلهاز لعلكم‬ ‫لندرة ماينطق ب��ه‪ ..‬ترى فأي قوى تدفعه يف‬
‫مسعتم بأمهية جزء خاص يقع خلف العدسة‬ ‫هذه اللحظة ليتكلم عن األمل يف الوقت الذي‬
‫مباشرة ويسمى (مشعة النفاذ االلكرتوني)‪ .‬هذه‬ ‫استحال فيه مناله وتشتتت كافة السبل إليه‪.‬؟‬
‫الشمعة هي اجلزء احليوي يف اجلهاز وبالتايل‬ ‫ورد الفدائي امللقب بالصامت‪ - :‬من احلمق‬
‫املعقد غاية التعقيد‪..‬‬ ‫ي��ارج��ال أن يفقد ال��واح��د منا ات��زان��ه يف مثل‬
‫البد أهنا السبب يف كل ماحيدثه هذا اجلهاز‬ ‫ظرفنا العصيب هذا‪..‬‬
‫من آثار خمربة‪..‬‬ ‫فتحداه واح��د منهم‪ - :‬إن احللقة تضيق‬
‫‪117‬‬ ‫متاماً‪ ..‬ففي داخلها تتولد اجلزئيات النشطة‬ ‫حتى أصبحنا نرى اخلامتة بأعيننا وبالرغم من‬
‫اليت تدفع بومضات اإلشعاع إىل ذرى تالفيف‬ ‫ذلك تطلب منا أال نفقد اتزاننا‪...‬‬
‫اخلاليا العصبية باملخ البشري فتمحو ذكرياته‬ ‫قال الفدائي امللقب بالصامت‪ - :‬على عكس‬
‫القدمية ومتزق تسجيالت العقل الباطن شر‬ ‫كل الذي مسعت ففي رأيي أننا مل نقل كلمتنا‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫ومه��س ال��ف��دائ��ي األول يف نغمة متحفزة‬ ‫مم��زق مثلما منحو التسجيالت السابقة‬
‫حتمل رائحة الكفاح املرتقب وتعرب عن عزمية‬ ‫من على شريط التسجيل‪ ..‬وهي التفعل ذلك‬
‫التلني‪..‬‬ ‫فحسب وإمن��ا تسيطر أيضاً على كل ذرة يف‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫البد وأن هنيئ لك كل ماتطلب‪ ..‬أيها الرفاق‬ ‫اجلهاز العصيب امل��رك��زي وك��ل خلية عصبية‬
‫فيم انتظارنا هلم لنتخذ أوىل اخلطوات حنو‬ ‫تأمتر بأمره‪...‬‬
‫الطريق الشاق الطويل‪..‬‬ ‫ياله من تفكري إجرامي ذلك الذي توصل لكل‬
‫ومر عام ونصف عام آخر والغزاة سادرون‬ ‫ماتذكر؟‬
‫يف تقدمهم البطيء املتمهل ففيم االستعجال‬ ‫بل قل إهنا حاجتهم امللحة لتعويض مايعانون‬
‫والغلبة هلم يف النهاية على الدوام‪..‬‬ ‫من قلة يف االفراد ‪..‬‬
‫ع��ل��ى أن���ه يف م��ك��ان ق��ص��ي وس���ط ممرات‬ ‫ومل يتوقف الصامت عن الكالم‪ - :‬ولقد‬
‫اجلبال السرية وخلف أمجة وارفة من أشجار‬ ‫فكرت ذات ليلة يف شيء مثري‪..‬‬
‫اجل��واف��ة ت���وارت خلية للنحل تعمل يف تكتم‬ ‫وماهو؟‬
‫شديد من أج��ل إجن��از ش��يء صغري ودقيق‪..‬‬ ‫لقد سألت نفسي أليس يف اإلمكان صنع‬
‫ولكنه بالغ األمهية‪ ..‬ويف ليلة غاب عنها القمر‬ ‫مشعة الكرتونية مضادة؟‬
‫وأظلمت فيها السماء مبا محلته من سحب‬ ‫ماذا تعين؟‬
‫س��وداء متشابكة انقضت فرقة انتحارية من‬ ‫ويف ك��ل��م��ات خم��ت��ص��رة أوض����ح الفدائي‬
‫الفدائيني على قافلة للعدو أثناء عبورها ممراً‬ ‫ملستمعيه فكرته اجلريئة‪ ..‬فلو أمكن صنع‬
‫وع���راً يلتوي ب�ين جبلني فقتلت مجيع جنود‬ ‫مش��ع��ة ال��ك�ترون��ي��ة ذات م��ف��ع��ول م��ض��اد فإن‬
‫القافلة وأح��رق��ت س��ي��ارات مث��ان م��ن جمموع‬ ‫مبقدورها أن حتول فاعلية اجلهاز إىل عكس‬
‫سيارات القافلة البالغة مثاني عشرة سيارة‪..‬‬ ‫املطلوب منه فبدالً من االستسالم واخلنوع‬
‫وحلسن حظ الغزاة أو لسوئه فقد أمكن للفرقة‬ ‫يقوم اجلهاز ببث الكراهية واحلقد يف عقول‬
‫من جندهم اليت سارعت لنجدة القافلة أن تعثر‬ ‫املسلطة عليهم األشعة جتاه حائزي اجلهاز ويف‬
‫على أهم ماكانت تضعه سياراهتا وهو جمموعة‬ ‫هذا مفاجأة ضخمة للغزاة مل يعدوا عدهتم هلا‬
‫من أجهزة؟ باعثي الوجود اجلديد‪ ،‬أخفيت‬ ‫من قبل وليست هي يف حساباهتم حبال من‬
‫مبهارة أسفل السيارات ال�تي مل حت�ترق فقد‬ ‫األحوال‪..‬‬
‫فات الفدائيون أن يعثروا عليها وبذلك جنت‬ ‫وهل توصلت إىل تصميم هلذه الشمعة اليت‬
‫من تدمريهم هلا‪.‬‬ ‫تقرتحها‪ ..‬إننا نعلم مدى شغفك ومتكنك من‬
‫أخذ رداء الليل احلالك ينساب رويداً رويداً‬ ‫العلوم االلكرتونية‪..‬‬
‫عن أسطح ال��دور املتالصقة يف تزاحم أعلى‬ ‫فابتسم الفدائي الصامت وهو خيفي مسحة‬
‫التل املنبسط‪ ..‬وعلى الرغم من عدم اتضاح‬ ‫خجل اعرتته‪ - :‬بالطبع ليس بعد‪ ..‬فكيف يل‬
‫أي مصدر للضياء فقد أنارت السماء الرائقة‬ ‫باألدوات‪ ..‬واملعدات‪.‬؟‬ ‫‪118‬‬
‫ملسة حانية من ألوان باهتة فيها انتعاشة الفجر‬ ‫سنعمل على توفريها لك‪ ..‬‬
‫وطيب نسائمه الباردة‪..‬‬ ‫وأن��ى يل باملساعدين اجل��ادي��ن‪ ..‬األكفاء‪..‬‬
‫ونفض عصفور قطرات الندى ال�تي تبلل‬ ‫الصابرين؟‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫فيتالشى خطرهم‪..‬‬ ‫جناحيه فوق غصن مائل‪ ..‬وأطل جرذ من شق‬
‫حسناً ياسيدي‪..‬‬ ‫جبدار متداع ليشم رائحة الفجر ثم توارى يف‬
‫وغادر القائد مكانه يف طريقه إىل الطائرة‬ ‫جحره‪ ..‬وصاح ديك مرتني وقد أمضه السبات‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫العمودية املنتظرة يف حني بكر اجلنود ذوو‬ ‫املخيم على الناس داخل يبوهتم‪ ..‬وبالفعل تعالت‬
‫االردي�����ة ال�برت��ق��ال��ي��ة يف االس�ت�رخ���اء توطئ ًة‬ ‫بعض األصوات الناشزة عرب السكون املنتشر يف‬
‫لالنصراف من امليدان مبجرد صعود الطائرة‬ ‫تلك الساعة اليت أعلنت بداية يوم جديد‪..‬‬
‫فقد ك��ان��وا أك��ث��ر اره��اق��اً ال��ي��وم وأش���د ملالً‬ ‫وجاء اجلراد‪..‬‬
‫وضيقاً‪..‬‬ ‫بدا كعادته جمرد نقط قائمة تكاد المتيزها‬
‫لكن القائد مل يبلغ طائرته أبداً‪..‬‬ ‫العني عند األف���ق‪ ..‬ث��م أخ��ذت أحجامه تكرب‬
‫وكذا اجلند مل يغادروا امليدان إطالقاً‪..‬‬ ‫وتزداد وضوحاً كلما زاد اقرتابه‪ ..‬حتى اعتلت‬
‫فمع ان��ق��ش��اع ال��ض��ب��اب ان��دل��ع��ت املفاجأة‬ ‫احملركات اهلدارة مساء القرية وقد حاصرهتا‬
‫كل خلية وكل‬ ‫صاعقة مذهلة لتشل يف التو َّ‬ ‫جواً‪ ..‬ثم هبط اجلند والسالح والعتاد فجرى‬
‫عصب بأجساد الغزاة‪ ..‬انطلقت من أعماق‬ ‫حصار القرية أرضاً كذلك‪..‬‬
‫السحابة على غري توقع وكأهنا آالف الشهب‬ ‫وخالل ساعة حافلة أعد امليدان الرئيسي‬
‫تدمر وجه القمر أو إعصاراً يسحق قارباً يف‬ ‫ل�لاس��ت��ع��راض امل��ع��ه��ود‪ ..‬وحينئذ استدارت‬
‫طياته‪..‬‬ ‫الطائرة العمودية املتبقية وحدها حملقة يف‬
‫لقد انكسر املثلث البشري فتهاوت أستار‬ ‫اجلو فبان على جانبها شعار األفعى السوداء‬
‫ال��ق��م��اش ال��واق��ي��ة وانطلقت مج��وع األهايل‬ ‫قاذفة اللهب وعقب هبوطها برز من جوفها‬
‫كالسيل ق��اص��دة اجل��ن��د وال��ض��ب��اط والقائد‬ ‫القائد األعلى وعلى قبعته وكتفيه الشرائط‬
‫األعلى وحقد األزل يتطاير من عيوهنم ليعتلي‬ ‫الذهبية‪..‬‬
‫دمدمتهم غري اآلدمية‪..‬‬ ‫وتوقف القائد حيث يتحتم توقفه على ميني‬
‫يف حني تسمر أفراد الغزاة وقد عجزوا عن‬ ‫اجلهاز‪ ..‬وعقب إلقائه لكلماته القصار املقيتة‬
‫التحرك فإن آخر ماكانوا يتوقعون هو الذي‬ ‫رفع ذراعه ملقياً شارة البدء‪ ..‬فانساب الضوء‬
‫حيدث أمامهم بالفعل‪..‬‬ ‫الباهر م��ن فوهة عدسة اجل��ه��از اإلشعاعي‬
‫وأبيد املعتدون خالل دقائق‪ ..‬فبدون اجلهاز‬ ‫وغطت دخنة الضباب مثلث األهايل اجملربين‬
‫باعث الوجود اجلديد وبغري السالح املشهر عن‬ ‫على التجمع يف ركن امليدان‪..‬‬
‫بعد اليساوي الواحد من الغزاة نفحة هواء‬ ‫ويف النهاية ساد السكون كما يسود يف كل‬
‫ويصبح ج��راده��م أع��ج��ز م��ن ال��ط�ير املذبوح‬ ‫مرة ثقيالً متوتراً إىل أقصى احلدود‪..‬‬
‫واهنزم اجل��راد‪ ..‬يف قرية جم��اورة‪ ..‬ويف قرى‬ ‫إهنا السادسة والنصف‪..‬‬
‫أخرى عديدة‪ ..‬وظل ينهزم جنوباً باستمرار‪..‬‬ ‫متاماً ياسيدي‪..‬‬
‫‪119‬‬ ‫فمنذ تالشي سحر جهازهم اخلرايف تالشت‬ ‫واجل��و ه��ذا الصباح ب��ارد على الرغم من‬
‫أس��ط��ورهت��م الومهية وان���زاح ال��وب��اء املسمى‬ ‫صفاء السماء‪ ..‬إذن فاقبعوا حوهلم األستار‬
‫بامسهم‪..‬‬ ‫ال��واق��ي��ة وات��رك��وه��م دون ازع���اج حتى تنتهي‬
‫ً‬
‫إىل أن اختفى هنائيا‪ ...‬ودون رجعة‪.‬‬ ‫ال��س��اع��ات ال��ع��ش��ر‪ ..‬وب��ع��دئ��ذ سيكونون منا‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫أنا صاحب الرأس املفتوح‪ ..‬هذا ما يقولونه‬
‫يل وللعامل‪ ..‬ليت انه الرأس املقطوع‪.‬‬
‫قالوا يل إن بوابة واحدة هي اليت ستنفتح‬
‫يف رأس���ي ف��أع��ود أك��ث��ر استمتاعاً باحلياة‬
‫عندما أحتكم تلقائيا وبالتفكري فقط فأنتقل‬
‫للمشاهدة الكاملة وبالصوت واللون اىل أي‬
‫بقعة من العامل‪ ،‬بينما أعيش يف املكان الذي‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫أحدده يف أي بلد من وطين‪ ،‬أو رمبا أكون يف‬
‫فراشي‪.‬‬
‫ولكن مَنْ أنا؟ وكيف رضيت هبذا املصري؟‬
‫وه��ل ك��ان ه��ذا املصري حمتوماً أو على األقل‬
‫متوقعاً لقصيت البطولية أو املأساوية؟‬
‫يف ال��واق��ع الب���د أن ي��ع��رف اجل��م��ي��ع هذه‬
‫االك��ت��ش��اف��ات ال��ع��ل��م��ي��ة‪ ،‬وه����ذه التطورات‬
‫التكنولوجية‪ ..‬وأن���ا ش��اب بسيط جتاوزت‬
‫الثالثني من عمري بقليل‪ ..‬أعين أنين لست‬
‫شاباً طائشاً أو متهوراً‪ ..‬لكنين كنت أعمل‬
‫ولسنوات يف معمل لاللكرتونيات اليت تزداد مع‬
‫تلك األجهزة كل يوم كما تزداد صغراً وإغراء‬
‫ملن يشرتون من وكالء الشركات‪ .‬وعندما كان‬
‫اخلرباء يشرحون هلؤالء الوكالء كنت أمتنى أن‬
‫يكون لدي امل��ال الش�تري واح��دة منها من كل‬
‫شكل أو حجم‪.‬‬
‫وعندما نقلوني اىل قسم املخابر‪ ،‬وأصبحت‬
‫أك��ث��ر ق��رب �اً م��ن العلماء واخل��ب�راء‪ ،‬أصبحت‬
‫بالتايل وكلي آذان صاغية وأفكار صافية أمسع‬
‫وأن��اق��ش ك��ل م��ا يقولونه‪ ،‬ورمب��ا أم��د نظري‬
‫وهلفيت إن مل أقل فضويل ورغبيت اىل التجارب‬
‫نفسها الغامضة يف املعرفة‪ .‬وعندما كان أحد‬
‫اخلرباء يكلفين بإعداد املواد الالزمة لتجربة ما‬
‫كنت أشحذ تفكريي بل أشعر باإلرهاق حتى‬
‫أحضر له كل شيء مطلوب وكأنين خبري مثله‪،‬‬
‫أو أشبهه حتى سألين أحدهم مرة‪:‬‬
‫ـ هل تريد أن تواصل علومك مادمت جتاوزت‬ ‫‪120‬‬
‫الشهادة الثانوية وتعمل معنا؟‬
‫قلت بصدق وبراءة‪:‬‬
‫ـ كيف يل ذل��ك؟ أن��ا أعمل هنا كما ترى‬ ‫لينــا كيــالني‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫قاطعته قائالً‪:‬‬ ‫ومرتيب‪..‬‬


‫‪121‬‬ ‫ـ ولكنين بالفعل أستطيع أن أحت��دث بلغة‬ ‫أجاب ضاحكاً قبل أن أكمل قويل‪:‬‬
‫ـ وه��ل تظن أن��ن��ا سنرسلك اىل معهد أو ثانية‪ ..‬أمل تالحظ ذلك؟‬
‫رد بعصبية وكأنين قطعت عليه ما يريد‬ ‫جامعة خارج هذه اخللية العلمية؟ ال‪ ..‬سنهيئ‬
‫قوله‪:‬‬ ‫لك فرصة الدراسة وتعلّم لغة ثانية ‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫الفسيح فتنطلق يف نشاطاته؟‬ ‫ـ أع��رف‪ ..‬أع��رف‪ ..‬لكنين أقصد إجادتك‬
‫قال‪:‬‬ ‫هلا وإطالعك على املصطلحات العلمية بعد‬
‫ً‬
‫ـ ه��ذا ه��و ال��س��ر‪ ..‬ف��أن��ا أش��ع��ر دائ��م �ا إذ‬ ‫مرحلة التعليم الضرورية‪ ..‬بعد ذلك نستطيع‬
‫أع��م��ل هنا أن�ني اخن��ض يف ق����ارورة‪ ..‬ب��ل يف‬ ‫أن نضمك اىل أي فريق من العلماء املختصني‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫رأسي إبرة‪ ..‬واشعر أنين حباجة ألن أركض‪..‬‬ ‫الشبان الذين يزوروننا أو ينضمون لدورات‬
‫وأرك��ض‪ ..‬وأرك��ل بقدمي شيئاً ما وعند ذلك‬ ‫تدريبية لدينا‪ ،‬وهكذا يصبح وج��ودك بيننا‬
‫أشعر بالراحة‪.‬‬ ‫رمسياً‪.‬‬
‫قلت هازئا مبا يشبه التحدي‪:‬‬ ‫تنهدت وقلت بعفوية‪:‬‬
‫ـ كأنك حتطم ميزاتك الذهنية يف رأسك‬ ‫ـ وهل سيزيد مرتيب؟ أنا أريد أن أتزوج‪..‬‬
‫لتضعها يف قدميك‪.‬‬ ‫وصديقيت تطالبين بذلك‪.‬‬
‫قال وهو يضحك‪:‬‬ ‫وان��ت��ه��ى احل����وار بيننا هب���ذه الدعابة‪..‬‬
‫ـ هذا بالضبط ما أنوي فعله يف النتيجة‪ ..‬أمل‬ ‫وضحك‪ ..‬وضحكت‪ ..‬وانصرف اىل عمله‪..‬‬
‫خيرتعوا شرائح الكرتونية ميكن أن يلصقوها‬ ‫أما أنا فقد انصرفت اىل أحالمي اليت أخذت‬
‫على اجللد فتزيد يف طاقة البشر وحركتهم‪،‬‬ ‫تضغط علي يوماً بعد يوم‪.‬‬
‫ومتنحهم قوة اضافية؟ أنا أفكر عندما انصرف‬ ‫م��اذا لو أصبحت عاملاً؟ أو مسامهاً على‬
‫هنائيا من عملي أن أفعل هذا‪.‬‬ ‫أقل تقدير يف هذه اإلجن��ازات العلمية اهلائلة‬
‫قلت متعجباً‪:‬‬ ‫ويطلقون امسي على الطائرات وأنواع األسلحة‬
‫ـ لكنهم سيكتشفون أن هذه الطاقة ليست‬ ‫بدل أمساء املخرتعات؟ سأظهر على الشاشات‪..‬‬
‫من جسدك بل هي اصطناعية‪.‬‬ ‫وتتناقل أخباري الصحف واإلذاعات‪ ..‬وأغدو‬
‫اق�ترب مين‪ ،‬وق��ال هبمس رغم أن أح��داً ال‬ ‫مشهوراً‪ ..‬وأضاف صوت خافت من أعماقي‪:‬‬
‫يسمعنا‪:‬‬ ‫تصبح مشهوراً‪ ..‬وثرياً أيضاً‪.‬‬
‫ـ سوف أضع الشرحية االلكرتونية يف حذائي‬ ‫أتوقف عند تلك احلادثة اليت قلبت حياتي‬
‫الرياضي‪ ..‬أنا بنفسي سأصمم هذا احلذاء‪..‬‬ ‫كلياً‪ ..‬وجعلتين صاحب ال��رأس املفتوح فيما‬
‫وأجهزه بكفاءة عالية‪.‬‬ ‫بعد‪ ،‬ذلك أن زميالً يل أصغر مين يف السن‪،‬‬
‫وظننت انه حيلم فصارحته بقويل‪:‬‬ ‫وأكثر ق��وة وان��دف��اع�اً أدخلين يف ح��وار كانت‬
‫ـ أنت حامل‪ ..‬بل واهم‪.‬‬ ‫نتيجته مذهلة‪ ..‬ليس عليه فقط ب��ل عليَّ‬
‫قال يل قبل أن يغادرني‪:‬‬ ‫فيما بعد‪ .‬زميلي هذا الذي أصبح صديقي‪..‬‬
‫ـ أم��ا أن��ت ف��إن عليك أن ت��زرع شرائح من‬ ‫امسه (ستار)‪ ..‬أو جنم‪ ..‬وهو مولع بالرياضة‪،‬‬
‫ن��وع آخ��ر يف رأس���ك ه��ذا حتى تتخلص من‬ ‫وال يرتك مباراة لكرة القدم إال ويقطع عمله‬
‫أوهامك‪ ..‬هل تظن أنك مهما قدمت يف هذه‬ ‫ليشاهدها‪ ..‬أس �رّ يل أن��ه يف أوق���ات فراغه‬
‫الشركة سيعطونك فرصة كي تصبح مشهوراً‬ ‫يواصل تدريباته الكروية يف أحد النوادي وأنه‬ ‫‪122‬‬
‫أو جنماً؟‬ ‫حيرز تقدماً‪ .‬سألته‪:‬‬
‫قلت حبدة‪:‬‬ ‫ـ كيف توفق بني عملك الدقيق جداً‪ ،‬وهو‬
‫ـ أال يكفي أنك أنت ستصبح مشهوراً وأن‬ ‫يف الشرائح االلكرتونية‪ ،‬وبني عامل الرياضة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫يف ه��ذه األحب���اث ال�تي دخ��ل فيها العنصر‬ ‫امسك على األقل (ستار) أو جنم؟‬
‫البيولوجي أصبحت أراقب تلك الشرائح اليت‬ ‫وافرتقنا‪ ..‬أن��ا وصديقي‪ ..‬وسافر بشكل‬
‫تلصق بأجسام الفئران أو حبيوانات املخترب‬ ‫غامض اىل بلد جمهول ومل نعد نلتقي‪ ..‬وعندما‬
‫لرصد نتائجها‪ ،‬وانضم إلينا أطباء من كل‬ ‫رويت احلادثة فيما بعد لصديقيت وحنن يف لقاء‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫فروع الطب وخاصة طب الدماغ واألعصاب‪.‬‬ ‫محيمي عبثت بشعري‪ ..‬والمست صدغي‪ ..‬ثم‬
‫عشت يف حالة استالب كامل وأنا أتابع هذه‬ ‫ضغطت فوق رأسي‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫األحباث ونتائجها‪ ،‬وأدور حول طبيب أو عامل‬ ‫ـ أم��ا أن��ا فيعجبين أن رأس���ك ه��ذا مليء‬
‫ألضيف اىل معلوماتي اليت أصبحت تتحكم‬ ‫بالطموح والعزم وليس فقط باحللم‪.‬‬
‫يف قناعاتي ويف أوقات فراغي الضئيلة‪ .‬كنت‬ ‫اختفى جنم‪ ..‬ومل أستطع أن أعرف هل أصبح‬
‫انتقل من حبث علمي اىل آخ��ر‪ ،‬وأهل��ث وراء‬ ‫جنماً حقاً‪ ..‬يف الرياضة‪ ..‬أو يف غريها‪ ..‬فأنا‬
‫اجمل�لات العاملية املختصة ال�تي تنشر للعامل‬ ‫قد غرقت متاماً يف أمواج األحباث االلكرتونية‬
‫خالصات عن تلك األحباث‪ ،‬أو عن نتائجها‪،‬‬ ‫وشرائحها ونتائجها‪ ..‬حتى أنين استأجرت‬
‫أو التوقعات عنها‪.‬‬ ‫مسكناً صغرياً قريباً من عملي يف (العاصمة‬
‫ً‬
‫وهكذا أمضيت شهورا وراء شهور‪ ..‬ومل أعد‬ ‫الدولية) كما يسموهنا‪ ..‬ومل يكن وقيت ضمن‬
‫أرى صديقيت إال ن��ادراً‪ .‬وعادت عواطفي اىل‬ ‫انشغاالتي يسمح يل حتى باإلطالع على نواحي‬
‫مرحلة الربود‪ ،‬ورمبا التجمد بعد أن ضجرت‬ ‫احلياة خارج عاملي اخلاص جداً‪ ..‬واملثري جداً‪..‬‬
‫صديقيت من المباالتي بأحاديثها وأحالمها‬ ‫والذي يسحبين ساعة وراء ساعة ال يوماً بعد‬
‫يف الزواج‪ ..‬وعدم استجابيت لدعواهتا املتكررة‬ ‫يوم‪ ..‬حتى وصلت اىل القاع‪ ..‬ثم إنين مل أكن‬
‫للخروج يف نزهة‪ .‬واملرة األخرية اليت حددت‬ ‫أدري كم من الوقت كنت أقضيه يف املختربات‬
‫القطيعة مل تكن هنايتها فهي ال�تي خرجنا‬ ‫بني اط�لاع‪ ،‬وتعلم‪ ،‬واكتشاف حتى أصبحت‬
‫فيها بنزهة حبرية‪ ..‬وأنا منشغل عنها بتجربة‬ ‫مقرباً من العلماء‪ ،‬وهم يراقبونين باستمرار‪،‬‬
‫ف��ري��دة‪ ..‬وه��ي متابعة االه��ت��زازات لشرحية‬ ‫ويتابعون املراحل اليت وصلت اليها يف املعرفة‬
‫الكرتونية غرستها يف باطن كفي وأن��ا أتابع‬ ‫واالخرى اليت قطعتها جبدارة حتى اآلن‪.‬‬
‫كل إش��ارة تصدر عنها‪ ،‬وملا مسعتُ ما يشبه‬ ‫قالوا إن جنم هذا قد حصل على الشرحية‬
‫الصوت قفزت متنبهاً حتى أوشكت على الغرق‪،‬‬ ‫االلكرتونية اليت كان يتحدث عنها‪ ..‬ولكن أي‬
‫وفاجأتين صديقيت تقول‪:‬‬ ‫نوع من الشرائح هي؟ هذا ما مل أمتكن من‬
‫ـ جنحنا‪ ..‬جنحنا‪..‬‬ ‫معرفته ألن الكتمان كان سيد املوقف بالنسبة‬
‫قلت بيأس‪:‬‬ ‫لفريق ال��ع��م��ل‪ .‬وك���ان اجلميع يتحاشون أن‬
‫ـ ب��ل فشلنا‪ ..‬فشلنا‪ ..‬حتى يف أن نكون‬ ‫يتحدثوا عن (جن��م) كما لو أنه مل يكن يوماً‬
‫صديقني‪.‬‬ ‫ما بيننا‪ ،‬ومل أسأل نفسي بالتايل‪ :‬ماذا لو أن‬
‫‪123‬‬ ‫ثم مجعت أغراضها‪ ،‬وضمت أمتعتها اىل‬ ‫جتربته جنحت؟ أنا ال اعرف معلومات خاصة‬
‫صدرها‪ ،‬وطلبت مين الرجوع‪ .‬متنيت لو ارمتي‬ ‫عن زرع الشرائح االلكرتونية يف أجهزة‪ ..‬لكنين‬
‫بني ذراعيها‪ ..‬وان تداعب رأسي‪ ،‬قلت هلا‪:‬‬ ‫ال أق��در أن أع��رف ما معنى زرع شرحية يف‬
‫ـ ملاذا أصبحتِ حساسة األعصاب اىل هذه‬ ‫ح��ذاء‪ .‬وعندما أصبحت عنصراً فاعالً جداً‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫وه��ك��ذا ب���دأت أف��ك��ر أن أج���ري التجارب‬ ‫الدرجة؟ أما أنا فال أدري كيف حصلت تلك‬
‫العملية بنفسي‪ ..‬ولكن من هو الذي أستطيع‬ ‫االهتزازات واإلشارات؟‪..‬‬
‫أن أشاركه برأيي‪ ..‬ونكون معاً لنقطف روعة‬ ‫النزهة بالطبع انتهت‪ ..‬وبدأت القطيعة‪..‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫التجربة العملية النهائية‪.‬‬ ‫حتى عدت اليها‪ ..‬تلك العودة اليت أحكمتها‬
‫ومل��ا مل أعثر على أح��د‪ ..‬وبالتايل نتيجة‬ ‫املصادفة بعد أن أصبحت حيوان جتربة لذلك‬
‫لتضخم شخصييت‪ ،‬وال أق��ول غ���روري‪ ،‬فقد‬ ‫البحث الرهيب‪ ..‬يف أن تزرع شرحية الكرتونية‬
‫ق��ررت أن أطبق هذه التجارب على نفسي‪..‬‬ ‫ال فوق صدغي‪ ..‬أو قمة رأسي‪ ..‬بل يف أعماق‬
‫بنفسي‪.‬‬ ‫مججميت‪.‬‬
‫أول جتربة كانت أن ألصقتُ إحدى الشرائح‬ ‫مل يعد حويل أحد بعد أن هجرني صديقي‬
‫االلكرتونية احملرضة للحركة املنتظمة والسريعة‬ ‫جنم واختفى‪ ،‬واملسؤولون يف القرية الذكية‬
‫على ذراع���ي‪ ،‬وانتظرت النتيجة بعد ضبط‬ ‫يغريون ويبدلون يف أجهزة العمل‪ ،‬وخيصصون‬
‫الربنامج‪ .‬ومبا أن النتيجة تأتي بعد وقت أحدده‬ ‫لكل قسم من أقسام املختربات فريقاً جديداً من‬
‫أنا فقد ضبطت األمر حبيث تكون النتيجة يف‬ ‫املختصني أو العاملني ضمن ساعات حمدودة‪،‬‬
‫وقت متأخر من الليل‪ ..‬وقررت أن أبقى بدون‬ ‫أو إجن���از ج��زئ��ي وحم���دود يف ض��م الرقائق‬
‫نوم‪ ..‬لكن النعاس غلبين‪ ..‬فما شعرت إال وأنين‬ ‫االلكرتونية‪ ،‬وإعطائها النبضات األخرية لتصبح‬
‫أقوم من الفراش ألحطم كل ما حويل‪ ..‬وأعبث‬ ‫جاهزة لالستخدام‪ .‬ولكن‪ ..‬ومبا أن املؤسسة‬
‫اتوماتيكياً‪ ..‬وبكل شيء يف غرفيت‪ ..‬هكذا ملدة‬ ‫اليت أعمل هبا كانت تغري فريق العمل بني فرتة‬
‫ثوان أحسست أهنا ساعات‪ ..‬وملا حاولت أن‬ ‫واخ��رى مل أعد ق��ادراً على أن أعقد صداقة‬
‫أوقف عمل الشرحية كان الوقت قد هرب مين‬ ‫مع أح��د‪ ..‬وحتى يف جمال التجارب يف صنع‬
‫ألن من خصائصها أن تكمل برناجمها حتت أي‬ ‫الرقائق مل أكن قادراً على مشاركة أحد‪ ،‬فنحن‬
‫ظرف حتى تتوقف‪.‬‬ ‫يف هذا اجمل��ال قد حتولنا اىل أزرار أو آالت‬
‫مشكلة كبرية وقعت فيها يف اليوم التايل ألنه‬ ‫دقيقة كل منها تؤدي وظيفتها وال شيء غري‬
‫كان علي أن انقطع عن عملي‪ ..‬وأعلن أنين يف‬ ‫ذلك‪ ،‬ويأتي غريها ليقوم بدوره وهكذا‪ ..‬ومن‬
‫إجازة ألنين مريض‪ ..‬وبالفعل كنت مريضاً‪ ..‬ال‬ ‫يقرر انتهاء العمل وصالحيته فهو من رأس‬
‫جسدياً بالطبع ولكن نفسياً أو فكرياً إن صح‬ ‫املؤسسة عندما يأخذ ما أجنزناه ليخضعه‬
‫التعبري‪ ..‬فأنا مشوش ومضطرب‪ ..‬وال أستطيع‬ ‫للتجربة النهائية للصالحية‪.‬‬
‫أن أصل اىل نتيجة علمية ملا فعلت‪.‬‬ ‫أما التجارب اجلزئية أو املبدئية فقد كنت‬
‫وانقطعت عن املخترب أليام كنت أفكر فيها‪..‬‬ ‫أقف أمامها مذهوالً وأنا أقوم بتخزين سالسل‬
‫ماذا لو ألصقت الشرحية على ركبيت مثالً أو‬ ‫رقمية على الشرحية االلكرتونية‪ ،‬وهذا كان‬
‫قدمي؟ هل علي أن ارك��ض‪ ..‬وارك��ض اىل أن‬ ‫املقياس األويل واحلقيقي للتجربة‪ ،‬ومن يأتون‬
‫يتوقف الربنامج؟‪ ..‬وماذا لو اصطدمت بأشياء‬ ‫بعدي ال يقدمون إال القليل للتصويب ال أكثر‪.‬‬ ‫‪124‬‬
‫أو ج��دران‪ ..‬أو كان ذلك يف الشارع؟ النتيجة‬ ‫إذاً‪ ..‬فأنا املبدع‪ ..‬وأن��ا املخرتع‪ ..‬وأن��ا من‬
‫ستكون كارثة ال شك‪ ..‬وعليّ أال أفكر بتكرار‬ ‫جيب أن يزهو ويفتخر بالتجربة وكأهنا ملك‬
‫التجربة ال على قدمي‪ ..‬وال على ي��دي‪ ..‬وال‬ ‫يل وحدي‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫ـ طبعاً‪ ..‬ولعلها ستكون أروع م��ع إنسان‬ ‫على أي عضو من جسدي‪.‬‬
‫حقيقي‪.‬‬ ‫وحتى أخفف عن نفسي ضغط هذه الفكرة‬
‫قلت‪:‬‬ ‫فقد تصورت أن الشرحية لو وضعت على جنيب‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫ـ وكيف سنجد اإلن��س��ان احلقيقي الذي‬ ‫األيسر فسوف خيفق قليب بشدة‪ ،‬والضطربت‬
‫سيتربع بالتجربة كمتطوع؟‬ ‫دورتي الدموية كما لو أنين عاشق‪ .‬وضغطت‬
‫قال‪:‬‬ ‫على ذهين أفكار متضاربة فضحكت بصوت‬
‫ـ البد من وجود متطوعني على أي حال‪..‬‬ ‫مرتفع لو مسعين أحد لقال عين إنين جمنون‪.‬‬
‫فنحن هندف اىل زرع الشرحية االلكرتونية يف‬ ‫وهجمت على ذاكرتي صور من طفوليت‪..‬‬
‫جسم اإلنسان داخالً‪.‬‬ ‫ومراهقيت‪ ..‬ومن عالقيت بصديقيت اهلاربة‬
‫وتردد يف القول ثم مهس يل‪:‬‬ ‫مين أيضا‪ .‬لكن علي أن أبعد كل ذلك عن رأسي‬
‫ـ ذلك وصوالً اىل زرع كبسولة صغرية جداً‬ ‫فأنا اآلن عامل يف خمترب‪ ..‬ال بل عامل يريد أن‬
‫يف الدماغ البشري لتسيطر على األفعال اليت‬ ‫يصل اىل اخرتاع خطر‪ ..‬صحيح أنين مل أحصل‬
‫نريدها مبساعدة الدماغ نفسه‪ ..‬بل ميكن‬ ‫على ش��ه��ادات عليا م��ن جامعات عليا لكن‬
‫أن نذهب أبعد من ذل��ك يف رف��ع وت�يرة ذكاء‬ ‫النبوغ ال حيتاج اىل ذلك أحياناً‪ ..‬والعبقرية أو‬
‫الشخص نفسه‪.‬‬ ‫اإلبداع‪ ..‬يظل كل منهما موهبة من السماء‪..‬‬
‫وأوشكت أن أسقط على األرض من هول‬ ‫فمن تتاح هلم هذه الفرصة من السماء؟‪ ..‬إال‬
‫ما مسعت‪ ..‬وشعرت أنين سأصاب بإعياء أو‬ ‫أنين اجتهدت‪ ،‬وبذلت الكثري من الوقت واجلهد‬
‫بإغماء‪ ..‬فانسحبت فوراً اىل خمتربي‪ .‬وكأمنا‬ ‫وأنا أتعلم‪ ،‬واغتنم كل فرصة تتاح يل يف تعزيز‬
‫كل تلك الرقائق الصغرية ال�تي أعمل عليها‬ ‫معلوماتي كما لو أن��ه اختصاص يل يف هذا‬
‫تتسرب اىل كل عضو من أعضائي‪ ..‬وعندما‬ ‫اجمل��ال ال��ذي أعمل ب��ه‪ ..‬ولرمبا كانت خربتي‬
‫فكرت انه ميكن أن تدخل اىل دماغي صرخت‪:‬‬ ‫اليت بت اكتسبها يوماً بعد يوم تفوق ما يقوم به‬
‫(ال‪ ..‬ال‪ ..‬اىل هنا فقط‪ ..‬لن أفعل‪ ..‬لن أفعل)‪..‬‬ ‫اآلخرون بدراسته يف الكليات واملعاهد‪.‬‬
‫لكنين لألسف فعلت‪.‬‬ ‫عندما طبّقوا التجربة على اإلنسان اآليل‬
‫يف ذل��ك ال��ي��وم وك��ان يف هناية األسبوع‪..‬‬ ‫كانت ناجحة ج���داً‪ ..‬وه��ي متاماً كما جرت‬
‫ع��دت اىل بييت حمطم ال��ف��ؤاد وأن���ا أتصور‬ ‫معي‪ ..‬حتى أنين تصورت أنين أنا الذي أقوم‬
‫أناساً يتحركون والشرائح الكرتونية مزروعة‬ ‫مبا قام به هذا اآليل وليس هو ‪ ..‬وخفضت‬
‫يف أدم��غ��ت��ه��م‪ .‬يف ذل���ك ال��ي��وم أق���ول إن�ن�ي مل‬ ‫رأس��ي بعد انتهاء التجربة ورح��ت يف تفكري‬
‫أخرج للرتفيه عن نفسي‪ ،‬وال يف اليوم التايل‪،‬‬ ‫عميق‪ ..‬سألين العامل املسؤول عن التجربة‪ :‬ما‬
‫بل اكتفيت بالبقاء يف املنزل وأنا أجلس وراء‬ ‫رأي��ي؟ وملا كان ال يعرف ما ال��ذي جرى معي‬
‫جهاز الكمبيوتر احبث عرب شبكة املعلومات عن‬ ‫فقد قلت له‪:‬‬
‫‪125‬‬ ‫آخر االكتشافات واألحباث الطبية لعلي أخرج‬ ‫ـ هل حنن متأكدون أن ما ج��رى مع هذا‬
‫بنتيجة ما عن اجلسم البشري تقرب اىل ذهين‬ ‫اجلسم املعدني سيجري مع اإلنسان أو اجلسم‬
‫فكرة ادماجه مستقبالً باآللة‪.‬‬ ‫البشري؟‬
‫أصابتين حالة من التنبه الفكري مل أستطع‬ ‫أجاب بثقة بالغة‪:‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫يف مضامينها ويف تصميماهتا وكأهنا أعدت‬ ‫معها أن أنعم بساعة واحدة من النوم‪ ،‬ومرت‬
‫لعملية غسل الدماغ‪ ،‬وفجأة أخذت تلك الصور‬ ‫عطلة هناية األسبوع ثقيلة مزدمحة باألفكار‬
‫بالتسارع أمامي شيئاً فشيئاً حتى غدت متر‬ ‫واملعلومات اليت مجعتها ورحت أدرسها بدقة‬
‫كالسهم أو كوميض الربق‪ ،‬وشعرت وكأن تياراً‬ ‫وت��أن حتى خطر يل أن أق��وم بتجربة ما يف‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫كهربائياً خيرتق رأسي وينفض جسمي لريميه‬ ‫املخترب لعلها تلتقي مع ما مهس يل به ذلك‬
‫أرض�اً‪ ،‬ويشل حركة أعضائي لدرجة أن يدي‬ ‫العامل‪.‬‬
‫مل تسعفين يف نزع العصابة عن عيين أو فصل‬ ‫وبالفعل ويف اليوم التايل وكانت بداية األسبوع‬
‫وصالهتا فوقعت مغشياً علي ومل أعد أدري‬ ‫انسحبت هبدوء من خمتربي دون أن ألفت إيل‬
‫بشيء‪.‬‬ ‫األنظار‪ ،‬ودخلت اىل غرفة العوامل االفرتاضية‬
‫إغماءتي تلك يف غرفة العوامل االفرتاضية‬ ‫اليت يرتدد عليها علماء املركز بني حني وآخر‬
‫أوشكت أن تفضح سري أم��ام العلماء الذين‬ ‫إلجراء بعض التجارب‪ .‬دخلت اىل تلك الغرفة‬
‫استغربوا أمري‪ ،‬إال أهنا يف الوقت ذاته نبهت‬ ‫السوداء املغلقة كصندوق (باندورا)‪ ..‬أو هكذا‬
‫اىل إمكانية حتويل الدماغ البشري اىل جهاز‬ ‫خيل إيل على األقل يف تلك اللحظة‪ ،‬وكأن هذه‬
‫كومبيوتر حقيقي ميكن له بعد زرع رقاقة‬ ‫الغرفة هي كذلك الصندوق الذي يطبق على‬
‫الكرتونية صغرية فيه أن يتصل بشكل مباشر‬ ‫الشرور وما إن ينفتح حتى ينطلق منه الشر يف‬
‫مع شبكة املعلومات‪ .‬واعترب البعض أن هذا‬ ‫كل مكان‪.‬‬
‫االكتشاف سيحسن من أداء جتربة تطعيم‬ ‫كنت مضطربا ومشوش التفكري ‪ ..‬وكأن‬‫ً‬
‫الدماغ البشري باآللة االلكرتونية عندما يتم‬ ‫أج��راس إن��ذار تنطلق يف رأسي برنني معدني‬
‫حتقيقها‪ ،‬واستنتج آخرون إمكانية حتميل هذا‬ ‫ال ينتهي‪ ..‬ترى هل سينتقل جهاز الكمبيوتر‬
‫الدماغ من خالل تلك الرقاقة مبا ال حيصى‬ ‫من على سطح املكتب لينغرس يف أجسامنا‪..‬‬
‫من املعلومات اليت تتدفق اليه عند ربطه بشبكة‬ ‫هل سيصبح داخلها بعد أن ك��ان خارجها!!‬
‫املعلومات‪ ،‬وكأن الدماغ البشري سيتحول يف‬ ‫وشحنتين تلك األفكار الغريبة بطاقة عجيبة‬
‫حلظة ما اىل هنر جا ٍر من املعلومات املتسربة‬ ‫ومل أر نفسي إال ويدي متتد اىل تلك النظارات‬
‫من واىل الشبكة العنكبوتية‪.‬‬ ‫الثخينة وكأهنا القناع وهي موصولة بشبكة من‬
‫ي���ا ل��ل��ه��ول‪ ..‬ع��ن��دم��ا ي��ص��ب��ح ك���ل الناس‬ ‫الرقائق كل منها لعامل من العوامل االفرتاضية‬
‫أذكياء‪ ..‬ولكن هل سيبلغون عتبة الذكاء ذاهتا‬ ‫املتنوعة اليت ال حتصى‪.‬‬
‫ويتحول بالتايل عاملنا اىل عامل للذكاء املمهور‬ ‫ارتديت النظارة وهي تغطي منطقة العينني‬
‫بالرقاقات املعدنية؟‪ ..‬وماذا لو ظل هناك أناس‬ ‫م��ع األذن��ي��ن‪ ،‬وض��غ��ط��ت ع��ل��ى أح���د األزرار‬
‫على الفطرة وأجسادهم نظيفة وخالية من أي‬ ‫ليدخلين افرتاضياً اىل تالفيف الدماغ البشري‬
‫مدخل غريب عنها؟! احرتت يف هذا األمر‪..‬‬ ‫ودهاليزه‪ ،‬كما قمت بربط نفسي يف الوقت ذاته‬
‫ولكن حريتي مل ت��دم طويالً عندما التقطت‬ ‫بشبكة املعلومات الدولية‪ .‬وإذا بالصور تتدفق‬ ‫‪126‬‬
‫طرفاً من حديث جانيب بني اثنني من العلماء‬ ‫إيل عرب ذلك الدماغ الذي ي�تراءى يل‪ ،‬والذي‬
‫أفادني بأن معدل الذكاء على اختالف درجاته‬ ‫أصبحت أنا هو‪ .‬ب��دأت الصور تتواىل ببطء‬
‫بني إنسان وآخر هو ما سيحكم عملية حتميل‬ ‫لفرتة وجيزة ج��داً‪ ..‬صور متنافرة ومتباعدة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫مل أع����رف ب����ادئ األم����ر اهل����دف م��ن تلك‬ ‫الدماغ البشري بكم متفاوت من املعلومات‪،‬‬
‫العملية‪ ..‬ولكنين أدركت أن البحث عن عالج‬ ‫وك��أن أدمغة البشر ميكن أن تتحول يف يوم‬
‫ملرض مستعص هو الغاية عندما عرفت أن‬ ‫ما اىل ما يشبه كمبيوترات حديثه بسعات‬
‫ذلك اجلهاز الصغري إمنا حيتوي على كامريا‬ ‫متفاوتة ب�ين ف��رد وآخ���ر‪ .‬شعرت بشيء من‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫تلتقط ال��ص��ور وه��ي تتجول داخ���ل اجلسم‬ ‫االرتياح جتاه تلك الفكرة‪ ..‬فالفارق يف الذكاء‬
‫البشري‪ ،‬كما أن فيه جهاز بث تلفزيوني يرسل‬ ‫سيظل إذاً موجوداً يف اجملتمعات‪ ،‬وال ميكن‬
‫مشاهدات عني الكامريا اىل شاشات استقبال‬ ‫حبال من األحوال أن يبلغ البشر مجيعاً عتبة‬
‫بالصوت والصورة‪.‬‬ ‫واحدة‪ ،‬ولن تتحول احلياة اىل جحيم مستعر‬
‫تلك التجربة أذهلتين وأنا أتابع الشاشات‬ ‫تتصارع فيه عقول متساوية يف قدراهتا‪.‬‬
‫بعيون فضولية وتظهر أمامي صور من أعماق‬ ‫كل تلك التجارب الشخصية اليت كنت أمر‬
‫اجلسم البشري ألول مرة‪ .‬ال اعرف يف تلك‬ ‫هبا‪ ..‬وكل تلك األحاديث اليت كنت التقطها‪..‬‬
‫اللحظة هل كنت مع أم ضد تلك التجربة‪..‬‬ ‫وغ�يره��ا م��ن األحب���اث ال�تي كنت اطلع عليها‬
‫املهم أن مشاعر متناقضة كانت تنفجر يف‬ ‫خلسة أو ع�لان��ي��ة‪ ..‬وغ�يره��ا‪ ..‬وغ�يره��ا من‬
‫ص���دري مثل أسئلة ب�لا أج��وب��ة‪ ..‬لكنين يف‬ ‫املشاهدات وجت��ارب املخترب‪ ..‬كل ذل��ك كنت‬
‫النهاية أذعنت وانصرفت هبدوء عندما علمت‬ ‫اختزنه يف عقلي الواعي قبل عقلي الباطن‬
‫أن جتربة زرع أجهزة متناهية الصغر يف جسم‬ ‫دون كلل أو ملل‪ ..‬ومل يكن أي أمر يثنيين عن‬
‫إنسان ألغ��راض عالجية كانت األم��ل األخري‬ ‫املضي يف اكتشاف املزيد من عوامل اجملهول‬
‫يف شفاء ذلك العامل املسكني مما يعانيه من‬ ‫واملتناقضات اليت متوج من حويل‪.‬‬
‫مرض غريب‪.‬‬ ‫وال أن��س��ى ذل��ك ال��ي��وم ال���ذي ش��ه��دت فيه‬
‫قبل أن أصل اىل تلك التجربة الرهيبة اليت‬ ‫إح��دى تطبيقات (التقنية احليوية)‪ ..‬وهذه‬
‫زرعت فيها الكبسولة االلكرتونية يف رأسي‪..‬‬ ‫هي التسمية الدقيقة ملا تقوم به خمترباتنا‬
‫وأصبح هذا ال��رأس مفتوحاً‪ ..‬أقول قبل هذا‬ ‫وت��دور يف فلكه أحباثنا‪ .‬يف ذلك اليوم تطوع‬
‫الب��د أن أحدثكم ع��ن امل��راح��ل ال�تي م��رت بي‬ ‫أح��د علماء امل��رك��ز وك��ان يعاني م��ن مشاكل‬
‫أو قمت هبا‪ .‬كنت قد ألصقت الشرحية على‬ ‫صحية مستعصية ليكون أول من يفتح باب‬
‫ذراعي كما قلت لكم‪ ..‬ولكن ليس حتت جلدي‬ ‫التطبيقات العملية‪ .‬يف ذلك الصباح الشتوي‬
‫أو يف أي عضو من جسمي‪ ..‬هل افعل ذلك‬ ‫رم��ادي اللون وصلت اىل املركز متأخراً على‬
‫دون أن يعرف أح��د؟ وكيف أضمن السالمة‬ ‫غري عادتي ألجد اجلميع يف حركة سريعة وهم‬
‫والنتائج؟‬ ‫يتوجهون اىل غرفة للعمليات‪ .‬مل يتح يل الوقت‬
‫ك���ان الب���د يل أن أج���ري ال��ت��ج��رب��ة وحدي‬ ‫لالستفسار عما جيري بل سحبين الزمالء اىل‬
‫وبنفسي إمنا ليس على جسدي لذلك طلبت‬ ‫تلك الغرفة وكأنين قشة جيرفها تيار هنر يف‬
‫‪127‬‬ ‫إج��ازة أسبوعية ليوم واح��د إض��ايف أو نصف‬ ‫تدفقه‪ .‬ويا لدهشيت وأنا أرى طبيباً جمهوالً‬
‫شهرية ليومني‪ ..‬ومع أن هذا ممنوع أو حمظور‬ ‫حماطاً مبجموعة من كبار الصناعيني‪ ،‬وهو‬
‫فقد جاهدت للوصول اىل ذلك‪ ..‬واستأجرت‬ ‫حيقن يف جسم العامل املتطوع كمبيوتراً صغرياً‬
‫بيتاً صغرياً هادئاً يف إحدى الضواحي واشرتيت‬ ‫حبجم حبة أسربين‪ ..‬ثم يعلو التصفيق‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫ومل اس�ترح حتى زرع ذلك الطبيب الشرحية‬ ‫كلباً اجري عليه جتاربي‪ .‬كان كلباً صغرياً‪..‬‬
‫يف رأس كليب الصغري مقابل مبلغ من املال‪.‬‬ ‫وأبيض مثل كرة الثلج‪ ..‬ومن نوع نادر شديد‬
‫ويا للعجب!!‪ ..‬أصبح كليب أكثر هدوءاً‪ ..‬وألفة‬ ‫الذكاء‪ .‬وعدة مرات ترددت يف أن أجري عليه‬
‫يل‪ ..‬وكأن ذكاءه تفتح بصورة أكيدة‪ ..‬فقد قام‬ ‫جت��ارب��ي‪ ..‬ول��ك��ن م���اذا اف��ع��ل يف ذل���ك؟! إهنا‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫حبركات وأصوات هلا دالالت بل هي إشارات‬ ‫جتارب مأمونة ومضمونة‪ ..‬وهو ليس بالتايل‬
‫ملا يريد حتى يف الطعام وإف��راغ املفرزات من‬ ‫أفضل من ماليني املاليني من الفئران اليت‬
‫جسده مما كان يفعله بصورة آلية وطبيعية‬ ‫جيري عليها العلماء جتارهبم‪ ..‬وال من األرانب‬
‫دون أي إش��ارة خاصة‪ ..‬بل أصبح مثل طفل‬ ‫والسالحف واحليوانات الوديعة االخرى اليت‬
‫مدلل ما جعلين اطمئن اىل أن التغريات هي‬ ‫يستخرجون منها األدوية ورمبا مستحضرات‬
‫لألفضل واألحسن وليس للرديء والسيئ‪.‬‬ ‫التجميل أيضاً‪ .‬وماذا عن األفاعي اليت ختضع‬
‫ازداد ولعي بالكلب‪ ..‬وأصبح مثل ولد يل‪..‬‬ ‫ملراحل صعبة حتى يستخرجوا مسومها وهي‬
‫حتى أنين اصطحبته أكثر من مرة اىل مركز‬ ‫الرتياق لكثري من األمراض؟‬
‫عملي ومل أعد أودعه عند حارس املبنى‪ ..‬ليس‬ ‫لن أطيل عليكم‪ ..‬فقد تغلب علي حيب هلذا‬
‫فقط من أجل ولعي به بل من أجل أال يكتشف‬ ‫الكلب حتى كدت أعدل عن مشروعي كله رغم‬
‫حارس البناء أي تغيري يف سلوكه‪ ..‬وكأنين كنت‬ ‫كل ما تكلفته من مال وعناء‪ ..‬إال أنين وقد كنت‬
‫خائفاً أن يتكلم هذا الكلب‪ ..‬أو يصدر عنه أي‬ ‫مأخوذاً بتلك التجارب بل مفتوناً هبا جترأت‬
‫سلوك يشبه سلوك البشر‪.‬‬ ‫واخت���ذت ق���راري النهائي وبعملية جراحية‬
‫وملا توصلت بقناعة شديدة انه لن ميسين‬ ‫بسيطة زرعت الشرحية يف ساقه اليمنى أول‬
‫الضرر يف أن اغرس الشرحية يف ذراعي بعد أن‬ ‫م��رة‪ ..‬وأخ��ذت أسجل التغريات اليت حصلت‬
‫أحتكم بعملها من خالل جهاز صغري فقد فعلت‬ ‫بناء على سلوكية الكالب عامة‪ ..‬وسلوكيته هو‬
‫ذلك‪ ..‬وقررت أن ازرعها يف املخترب واصطحب‬ ‫خاصة‪ .‬ومل أجد التجربة خمتلفة كثرياً عما‬
‫اجلهاز ثم أتوجه اىل إجازتي نصف الشهرية‪..‬‬ ‫جرى معي‪.‬‬
‫وهذا ما حصل‪ .‬لكنين وقد صادفت معوقات‬ ‫وه��ك��ذا ق����ررت أن أك����رر ال��ت��ج��رب��ة بزرع‬
‫يف طريق رجوعي فقد كنت خائفاً ج��داً من‬ ‫الشرحية يف رأس��ه‪ ..‬ولكن كيف؟ فأمر زرع‬
‫أن يبدأ توقيت عمل الشرحية وأنا بني الناس‬ ‫ال��ش��رحي��ة يف ال���رأس ليس كمثيله يف جلد‬
‫وقبل أن اصل اىل بييت‪ ..‬لكن القدر أسعفين‪..‬‬ ‫الساق؟! البد إذن من أن استعني بأحد األطباء‬
‫فقد نفذ الوقت وأنا أفتح باب بييت ويسبقين‬ ‫بل بأحد البيطريني الذين ي�ترددون بني حني‬
‫(بالنكو) وهذا اسم الكلب‪ .‬وملا حاولت أن آخذه‬ ‫وآخ��ر على مركزنا حتى ولو غامرت بكشف‬
‫بني يدي ب��دأت أق��وم حبركات غريبة وكأمنا‬ ‫السر له‪ .‬وه��ذا بالفعل ما قد حدث بعد أن‬
‫تصدر عن إنسان آيل‪ ..‬وكأمنا أحس (بالنكو)‬ ‫استغرق مين وقتاً ليس بالقصري حتى عثرت‬
‫بغريزته ذلك فابتعد عين وكأنين لست أنا‪.‬‬ ‫على اسم طبيب بيطري مل يعد ي�تردد علينا‬ ‫‪128‬‬
‫استغربت أن احل��ي��وان��ات أك��ث��ر التصاقاً‬ ‫لكي ال ينكشف األمر‪ ،‬فتوجهت اليه وأقنعته‬
‫بغرائزها‪ ..‬وأكثر ق��درة على التعبري عنها‪.‬‬ ‫بأنين مكلف بالقيام ببعض التجارب على‬
‫استنفذت الطاقة املخزونة يف الشرحية ضمن‬ ‫نطاق ضيق وبالتايل رصد نتائجها األولية‪..‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫بل تطول التهيئة له‪.‬‬ ‫ذراعي‪ ..‬و(بالنكو) قد اختفى عن وجهي اىل‬
‫ويف ك���ل م���رة أوش����ك أن أق����ول ل���ه إنين‬ ‫صندوقه اخلشيب األنيق دون أن يصدر أي‬
‫أجريت التجارب األولية على نفسي‪ ..‬وعلى‬ ‫ص��وت‪ .‬ومل��ا ع��دت اىل حاليت الطبيعية سار‬
‫كليب أي��ض��ا‪ ..‬اقصد الشرائح يف جسدي‪..‬‬ ‫حن��وي وب��دأ مي��ر بلسانه على ذراع���ي حيث‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫والكبسولة يف دماغ كليب‪ ..‬لكنين أتراجع خشية‬ ‫الشرحية بالتحديد وك��أن��ه ينبهين أن شيئاً‬
‫أن يعترب جتاربي خروجاً على ميثاق السرية‬ ‫غريباً يف جسمي‪ .‬وم��رت التجربة بسالم‪..‬‬
‫يف االكتشاف والعمل الشريف النزيه ضمن‬ ‫ومن��ت ه��ادئ�اً مطمئناً اىل أن جت��ارب��ي تقفز‬
‫فريق علمي له احرتامه وموقعه بني املؤسسات‬ ‫من جناح اىل آخر وجلست اىل مكتيب أسجل‬
‫العلمية‪ .‬وكنت أقول له بانفعال واختصار‪:‬‬ ‫مالحظاتي‪ .‬أعفيكم منها ألنقل لكم جتاربي‬
‫ـ لن يتقدم بعض املتطوعني‪..‬‬ ‫من الناحية اإلنسانية فقط‪.‬‬
‫فيجيب‪:‬‬ ‫مل يعد أمامي سوى أن أجري جتربة الرأس‬
‫ـ أال تعرف كم يتكاثرون هذه األيام جملرد‬ ‫املفتوح على رأسي أنا‪ ..‬ولكن كيف والسر ال‬
‫املغامرة كما ل��و أهن��م يف م��ب��اراة رياضية أو‬ ‫يعرفه أحد سواي‪ ..‬بل أنا وكليب (بالنكو) وذلك‬
‫للشهرة ضمن األرقام القياسية؟‬ ‫الطبيب البيطري الذي تعاون معي يف مرحلة ما‬
‫وآخر مرة حتدثت فيها مع رئيسي العامل‬ ‫من جتاربي؟ ولو أجريت جتربة الرأس املفتوح‬
‫قال يل‪:‬‬ ‫على رأسي أنا فهل التغريات ستبدو وقتية آنية‬
‫ـ لقد اقرتبنا من إعالن اإلجناز‪ ..‬إذا كانت‬ ‫ثم ت��زول أم أهن��ا ستبقى مل��دة ال أستطيع أن‬
‫لديك آراء فما عليك إال أن تقدمها يف تقرير‬ ‫احددها؟ أنا اعترب نفسي أنين الزلت طبيعياً‬
‫خاص لدراسته ورمبا اعتماده‪.‬‬ ‫متاماً‪ ..‬إمنا من يدري؟ رمبا حصلت تغريات‬
‫شعرت بفرح غامض‪ ..‬وقررت أن أصارحه‬ ‫ال أشعر هبا أنا ويالحظها اآلخ��رون لكنهم ال‬
‫بتجربيت مع كليب (بالنكو)‪ ..‬وعكفت خالل‬ ‫ميلكون التفسري‪ ..‬رمبا الحظت من ابتسامة‬
‫ليال متوالية على كتابة تقرير عن جتربيت‬ ‫غامضة على شفاه بعض زمالئي كلما الحظوا‬
‫مع كليب فقط وليس معي‪ ،‬مع شرح تفصيلي‬ ‫محاسيت الشديدة لزرع الكبسولة االلكرتونية‬
‫لكل التغريات اليت ميكن أن تظهر على كلب‬ ‫يف رأس ب��ش��ري‪ ..‬أم��ا رئيس الفريق العامل‬
‫ما بالذات‪ ..‬أو من هذه العضلة حتديداً‪ .‬ويف‬ ‫الشهري‪ ..‬رئيسي املباشر فكان يقول يل كلما‬
‫ه��ذه األث��ن��اء التحق فريق ط�بي كامل بفريق‬ ‫مت اجتماع حول ذلك أو كلفين بقراءة دراسات‬
‫عملنا ألن األمور أصبحت حتتاج اىل جراحني‪،‬‬ ‫معينة أو تقارير‪ ..‬كان يقول يل‪:‬‬
‫واختصاصني يف ال��دورة الدموية واألعصاب‬ ‫ـ أنت متحمس جداً‪ ..‬واحلماسة ال تكفي‪..‬‬
‫وحتى يف جراحة الدماغ‪ .‬تراجعت عن تقديم‬ ‫هناك االقتناع وقد يأتي االمتناع رغم االقتناع‪.‬‬
‫تقريري ألنين عقدت صداقة مع طبيب نابه‬ ‫أمل أقل لك إننا حباجة اىل اإلعالن عن طموحنا‬
‫‪129‬‬ ‫ومتحمس جداً من الفريق الطيب‪ ..‬وأنا اعتربه‬ ‫العلمي يف إشهار أحباثنا وبثها يف املؤسسات‬
‫عبقرياً ألنه ما إن اطلع على الغاية النهائية من‬ ‫العلمية املتخصصة؟ حنن ال نريد جوائز عاملية‬
‫تلك التجارب حتى أبدى مالحظات متفوقة‬ ‫بل اع�تراف��ا جبهودنا‪ ..‬بعد ذل��ك سنعلن عن‬
‫اعتربهتا أن��ا يف صميم ما أحب��ث عنه عملياً‬ ‫حاجتنا ملتطوعني‪ ..‬وهذا أمر يطول شرحه‪..‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫عامل ما‪ ..‬يف الذرة مثالً‪ ..‬أو يف أي فرع من‬ ‫وعلمياً‪.‬‬
‫ف��روع العلم ثم سألناها م��اذا ك��ان حلمها أو‬ ‫أصبح السر الكبري‪ ..‬سري أنا يف أن أكون‬
‫تصورها لو تابعت أحباثها يف جماهلا ذاك‪..‬‬ ‫املتطوع األول لتجربة ال��رأس املفتوح هو مع‬
‫أما كنا نوفر على أنفسنا البدء من جديد؟‬ ‫الطبيب املختص الذي التحق بفريقنا‪ ..‬كان‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫قلت مستغرباً ومعارضاً‪:‬‬ ‫شاباً ذكياً‪ ..‬وطموحاً يف أن يقوم هبذه العملية‬
‫ـ ليس البدء من جديد‪ ..‬ألن األحباث تظل‬ ‫اجلراحية‪ ..‬وكان اىل جانب اختصاصه الطيب‬
‫بني أيدينا وكذلك النتائج‪.‬‬ ‫حيمل معلومات كثرية عن التكنولوجيا يف هذا‬
‫قال‪:‬‬ ‫اجملال أو ما يسمى بـ(النانوتكنولوجي)‪ ،‬وما‬
‫ـ معك حق‪ ..‬لكن القضية ترتبط باإلميان‬ ‫حيققه الذكاء الصناعي وما ميكن أن حيققه‬
‫بعودة تلك األرواح‪ ..‬وأنا اشك بذلك أو لست‬ ‫أو باألصح اإلفادة من هذه التكنولوجيا لرفع‬
‫مقتنعاً بتلك األحباث الروحية رغم أهنا مقنعة‬ ‫مستوى الذكاء البشري‪ ،‬أو لتطويره واستخدامه‬
‫اىل ح��د كبري‪ .‬وتلك النشرات والكتب اليت‬ ‫ليس يف جم��ال امل��رض والشفاء فقط بل يف‬
‫تصدر يف ه��ذا اجمل��ال تكون مثبتة بأمساء‬ ‫اجمل����االت االخ����رى ك���أن يستخدم يف جمال‬
‫أص��ح��اهب��ا‪ ،‬واخ��ت��ص��اص��ه��م‪ ،‬وت��اري��خ موهتم‪،‬‬ ‫الصناعة‪ .‬وظلت مناقشاتنا تتواىل يف أوقات‬
‫وباألحباث اليت كانوا يقومون هبا‪ ،‬وأحياناً تكون‬ ‫فراغنا من العمل واإلش��راف على التقدم يف‬
‫مزودة بالصور‪ .‬وأنا رأيت صوراً ملا يسمى بـ‬ ‫جمال األحباث‪ .‬ومرة جرى النقاش عميقاً يف‬
‫(األكتوبالزما) وهي املادة اليت يلتقط صورها‬ ‫كيفية استخدام هذا الذكاء الصناعي فكان‬
‫العلماء‪ ..‬علماء الروحانيات ويصفوهنا بأهنا‬ ‫مما قاله يل‪:‬‬
‫تشبه الزبد األبيض‪ ..‬إضافة اىل صور أشباح‬ ‫ـ تصور لو أننا استطعنا أن ننتزع من دماغ‬
‫املتوفني من العلماء يف ح��االت ن��ادرة تسجل‬ ‫عامل ما ذلك اجلزء اهلام واخلطري الذي حيتوي‬
‫أطيافاً من شخصياهتم‪.‬‬ ‫على الذاكرة أما كنا نستفيد من معلوماته اليت‬
‫وف��ج��أة ش��ع��رت ب��ال��رع��ب‪ ..‬فها أن��ا أحول‬ ‫توقفت بتوقف حياته؟ ثم إن الدماغ البشري ال‬
‫دماغي اىل حقل جتارب ليس يف حياتي فقط‬ ‫خيتزن املعلومات فقط بل خيتزن السلسلة اليت‬
‫بل بعد مماتي‪ ..‬أم أن هذا املزج الفريد بني‬ ‫توصل اىل النتائج املبنية على هذه املعلومات‪.‬‬
‫اآلالت والبشر سيجعل مين كائناً جديداً حيمل‬ ‫قلت باستغراب‪:‬‬
‫اىل جانب ذكائه البشري ذكاءً صناعياً يوازي‬ ‫ـ تعين أننا نسطو على ما يتعلق باخليال أو‬
‫سابقه يف مرونته وصوالً اىل الذكاء العاطفي؟!‬ ‫التصورات‪ ..‬أو رمبا الطموح؟‬
‫أم أنين سأحتول إىل كائن من حلم ودم تغزوه‬ ‫قال‪:‬‬
‫اآلالت الذكية ليس أك��ث��ر؟! أي إن��س��ان هذا‬ ‫ـ هذا متاماً ما أعنيه‪ ..‬ولو أنين غري واثق‬
‫سأغدو والنانوبوتات أو الروبوتات متناهية‬ ‫من احتواء الدماغ بشكل عصيب أو مادي على‬
‫الصغر تلتصق بأجزاء من جسدي؟ هل هذه‬ ‫هذا‪ ..‬أو شيء من هذا‪.‬‬ ‫‪130‬‬
‫هي حقاً حضارتنا املعاصرة املمهورة خبتم‬ ‫ثم أضاف ضاحكاً‪:‬‬
‫التكنولوجيا املتفوقة واليت علي أن أكون جزءاً‬ ‫ـ لو أنين أؤمن باستدعاء األرواح كما تؤمن‬
‫منها؟ وهل سأحتول اىل إنسان افرتاضي حيل‬ ‫كثري من اجلمعيات الروحية الستدعينا روح‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫غريباً‪ ..‬أفسره أحياناً بالتشجيع‪ ..‬وأحيانا‬ ‫حمل اإلنسان الطبيعي الذي هو أنا اآلن؟ لكن‬
‫باإلعجاب مبغامرتي‪ ..‬وليس أب��داً اإلشفاق‬ ‫هوس اجتياز التجربة كان أقوى من كل شيء‪..‬‬
‫عليّ‪ ..‬أو اخلوف من املخاطرة‪.‬‬ ‫وكأمنا يساوي حياتي نفسها‪.‬‬
‫حتى كان ذلك اليوم‪...‬‬ ‫قلت للطبيب وامسه (ماكس)‪:‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫يوم عصيب رهيب ال أستطيع أن أنساه وها‬ ‫ـ أما أنا فواثق متاماً أنين سأخوض جتربة‬
‫أنا أحدثكم عنه بعد أن مرت التجربة ونزعوا‬ ‫نادرة‪ ..‬وأنا مستعد هلا‪ ..‬ثم إنين لست مسؤوالً‬
‫الكبسولة من دماغي وع��دت إنساناً طبيعياً‬ ‫عن أح��د يف ه��ذا ال��ع��امل‪ ..‬ال أس��رة يل‪ ..‬وال‬
‫كما كنت‪.‬‬ ‫زوجة‪ ..‬وال أوالد‪ .‬أنا غصن مقطوع من شجرة‬
‫ً‬
‫أما ما جرى معي فأنا ال أتذكره جيدا كما‬ ‫يف هذه الغابة املخيفة‪ ..‬غابة العلم‪.‬‬
‫جرى لكنين كنت وأنا يف حاليت الفريدة تلك‬ ‫قال بروح مرحة‪:‬‬
‫أسجل كل مشاعري وأحاسيسي وأفكاري اليت‬ ‫ـ وكل األماني اليت أمحلها لك أو هلذا الغصن‬
‫مل أكن قادراً على ضبطها‪ ..‬وحتى على معرفة‬ ‫املقطوع أال حيرتق يف صاعقة العلم‪.‬‬
‫مسارها‪ .‬أما أفعايل أو ردود أفعايل فهذا ما‬ ‫رددت بقسوة‪:‬‬
‫سجله فريق العمل نيابة عين‪.‬‬ ‫ـ لو احرتق فلسوف حترتق الغابة كلها‪ ..‬ما‬
‫ج��اء اليوم احملتوم ألك��ون صاحب الرأس‬ ‫رأيك؟‬
‫املفتوح‪ ..‬فقد استدعاني العامل رئيس فريق‬ ‫وعندما وج��دن��ي هب��ذه احل��ال��ة اهلستريية‬
‫العمل‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫قال‪:‬‬
‫ـ حترينا بدقة عن متطوعني‪ ..‬ومل جند‬ ‫ـ اع��ذرن��ي‪ ..‬كنت أم���زح‪ ..‬وأن��ا طبيب وال‬
‫سواك‪ ..‬ما رأيك يف أن حتدد بنفسك توقيت‬ ‫اع���رف مت��ام �اً م���اذا تعين ه��ذه التجربة من‬
‫التجربة؟‬ ‫الناحية العلمية ويف حال استدعائي للقيام‬
‫قلت باندفاع جنوني‪:‬‬ ‫مبهميت ف��إن ه��ذه املهمة ل��ن تتعدى جراحة‬
‫ـ أنا مستعد منذ هذه اللحظة‪.‬‬ ‫عادية يف الرأس وغرس جهاز صغري يف منطقة‬
‫قال بصوت هادئ‪:‬‬ ‫ما من الدماغ‪ ..‬حبجم رأس دبوس مثالً‪ ..‬أو‬
‫ـ ليس األم��ر هب��ذه السرعة‪ ..‬لن يتم قبل‬ ‫شيء من هذا القبيل‪.‬‬
‫أن ت��ع��رف ك��ل م��راح��ل العملية اجلراحية‬ ‫وبعد ه��ذه املناقشة الغريبة مل نعد نأتي‬
‫واحتماالهتا‪ ..‬وان تكون على إطالع كامل مبا‬ ‫على هذه األحاديث أبداً‪ ..‬ومل يعد يسألين عن‬
‫هتدف اليه التجربة‪ ،‬وعليك أن توقع على أوراق‬ ‫إصراري على خوض التجربة ألهنم مل يكونوا‬
‫رمسية كثرية تتحمل فيها املسؤولية كاملة عن‬ ‫قد أعلنوا بعد عن رغبتهم مبتطوعني‪ .‬أقول‬
‫ه��ذه التجربة ليس من الناحية البيولوجية‬ ‫أعلنوا جتاوزاً ألنه ال ميكن أن يكون إعالناً بل‬
‫فقط‪ ..‬بل من الناحية العلمية أيضاً‪.‬‬ ‫س��ؤاالً ملن لديهم االستعداد لذلك‪ ..‬وضمن‬
‫‪131‬‬ ‫وكان جوابي حاداً وسريعاً‪:‬‬ ‫نطاق ضيق ال يتعدى دائرة العلماء واملشاركني‬
‫ـ لكنين لست عاملاً‪ ..‬وأنت تعرف إمكانياتي‬ ‫يف هذه األحباث اخلطرة والسرية بآن معاً‪.‬‬
‫يف هذا اجملال‪ ..‬ليس لدي شهادات عليا‪ ..‬وال‬ ‫وظ��ل األم��ر س��راً خفياً بيين وب�ين ماكس‬
‫أنا عضو يف أي مجعية أحباث من هذا النوع‪.‬‬ ‫الطبيب‪ ..‬لكنين كنت أمل��ح يف عينيه بريقاً‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫خميفة ون��ادرة يف تاريخ البشرية على األقل‬ ‫قال‪:‬‬
‫حتى وقتنا احلايل‪ ..‬وصحيح أن هذه التجربة‬ ‫ـ لكننا حنن فعلنا‪ ..‬فقد أرسلنا اىل اجلهات‬
‫شبيهة حبقل ألغام يسري فيه املرء دون أن يعرف‬ ‫احلكومية جداول بأمساء العلماء واملختصني‪..‬‬
‫أي لغم سينفجر به لو قدر للغم أن ينفجر إال‬ ‫وبإجنازاتنا الباهرة‪ ..‬وامسك يف القائمة‪ ..‬بل‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫أهنا يف الوقت ذاته جتربة استثنائية‪ ..‬وتستحق‬ ‫على رأس القائمة متاماً كما يفعلون يف األحباث‬
‫اجملازفة‪ ..‬ولو لرأس مفتوح‪.‬‬ ‫التطويرية لألسلحة واملخرتعات احلربية‪.‬‬
‫هذا اجملهول الذي انتظره ليس يف الشهرة‪،‬‬ ‫ولشدة محاسيت واندفاعي مل أعلق أمهية‬
‫وال يف املال‪ ،‬وال بالتايل يف أن أنال مركزا مرموقاً‬ ‫على كلمات أسلحة ومعدات حربية‪ ..‬ولو فعلت‬
‫يف مركز األحب���اث ب��ل يف أن�ني أن��ا شخصياً‬ ‫لفهمت إمكانية اإلف��ادة من ذلك يف املعارك‬
‫راغب جداً يف ذلك‪ ..‬هل أهرب من شيء يف‬ ‫احلربية فيما لو أرس��ل��وا ج��ن��وداً غرست يف‬
‫حياتي؟ رمب��ا‪ ..‬أن��ا أجهل مناطق يف دماغي‬ ‫أدمغتهم برامج قتالية عوضاً عن أن يرسلوا‬
‫يسموهنا مظلمة‪ ..‬أو هي يف العقل الباطن‪..‬‬ ‫جنوداً آليني حيملون يف رؤوسهم هذه الربامج‬
‫أو الالشعور‪ .‬هل ألتجئ اىل شيء جديد يفجر‬ ‫بالذات‪.‬‬
‫يف حياتي شيئاً ج��دي��داً وتفكرياً ج��دي��داً؟ ال‬
‫أدري أيضاً إمنا األمر احلساس جداً والذي مل‬ ‫(أوراق مفتوحة للرأس املفتوح)‬
‫أتساءل عنه فهو‪ :‬هل ميكن أن ينتزعوا الدبوس‬
‫الكبسولة من دماغي فأعود كما كنت أو كما أنا‬ ‫• الورقة األوىل‪:‬‬
‫اآلن؟ أقصد بكلمة (اآلن) هذه الليلة اليت هي‬ ‫هذه األوراق ليست كلها يل‪ ..‬أو أنين أنا الذي‬
‫حتضريية للعملية اجلراحية‪ ..‬وقد رفضت أن‬ ‫سجلتها سواء أثناء التجربة املغامرة أو بعدها‪،‬‬
‫أتناول أدوية مهدئة‪ ..‬وقال صديقي الطبيب‬ ‫وإمنا هي أيضاً مما سجله فريق العمل اخلاص‬
‫(ماكس)‪:‬‬ ‫هبذه التجربة بعد إجرائها معي مباشرة‪ ،‬وكذلك‬
‫ـ هذا أفضل فسوف تفاجئ دماغك هبذه‬ ‫املالحظات اليت دونوها يوماً بيوم‪ ..‬بل ساعة‬
‫الشرحية بعد سريان املخدر فوراً ألن هذا ال‬ ‫بساعة‪ ..‬ورمبا دقيقة بدقيقة‪.‬‬
‫يعطل طويالً الشحنات الكهربائية واألوامر‬ ‫وكنت بوصفي متطوعاً هلذه التجربة قد‬
‫العصبية ال�تي تصدر من ال��دم��اغ‪ .‬أن��ت رجل‬ ‫قضيت الليل وأنا وحيد مثل إبريق شاي حمكم‬
‫ش��ج��اع‪ ..‬وت��ك��اد جت��رب��ت��ك أن ت��ك��ون جتربة‬ ‫اإلغ�لاق أح��اول أن افتح قليالً ه��ذا اإلبريق‬
‫واعية‪ ..‬أكثر منها لدماغ خمدر وإلنسان غري‬ ‫ليخرج منه بعض البخار فأسرتيح‪ .‬وبالفعل‬
‫واع ملا يفعلونه به‪ ..‬أنا أهنئك‪ ..‬وأحذرك يف‬ ‫أحسست بالراحة وأنا ارتفع مع خبار أفكاري‬
‫الوقت نفسه‪.‬‬ ‫ألنين سأنال شرف املتطوع األول لتطبيق هذه‬
‫ومل أس��أل��ه م��ن أي ش���يء حي���ذرن���ي‪ ..‬بل‬ ‫األحباث الذكية‪ ،‬بل ألن ما سأقوم به سيصبح‬
‫ارتديت ثوب مريض عملية واجتهت حنو غرفة‬ ‫مهماً بالنسبة جلميع العلماء الذي يعملون يف‬ ‫‪132‬‬
‫العمليات والعيون كلها تنظر إيل بإعجاب‪..‬‬ ‫هذا اجملال‪ ..‬بل مهم جداً أيضاً‪ .‬سأقوم بعمل‬
‫واستغراب‪ ..‬ورمبا بلهفة للوصول اىل النتيجة‪.‬‬ ‫ال مثيل له يف اجلرأة واملغامرة واالندفاع حنو‬
‫أم���ا م��ا س��ج��ل��وه ع�ني يف ال��ل��ح��ظ��ات األخ�ي�رة‬ ‫تطبيقات العلم احلديث‪ .‬صحيح أهنا جتربة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫وق���وي���ة‪ ..‬لعلي أص����درت ص��رخ��ات ل��ك�ني مل‬ ‫اليت سبقت العملية فهو خمتلف متاماً‪ .‬عدة‬
‫أمسعها‪ ..‬وما رأيت من شبابي وحياتي قبل‬ ‫مالحظات مقتضبة‪ ..‬ومرتبكة‪ ..‬يقول العامل‬
‫جتربيت هذه سوى صور خاطفة وسريعة‪.‬‬ ‫رئيس الفريق العلمي‪:‬‬
‫تقدم مين الشخص حامل جهاز التحكم‪،‬‬ ‫ـ جتربة البد منها‪ ..‬ولدينا متطوع شجاع‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫وقدم يل بيده اليسرى مرآة‪ .‬نظرت اىل وجهي‬ ‫ومندفع‪ ..‬وهو من ضمن فريقنا‪ ..‬فلماذا ال‬
‫مل أالحظ أي تغيري‪ ..‬نظرت يف عيين فوجدت‬ ‫جنريها لكسب علمي خطري‪.‬‬
‫كما لو أنين مشحون ببطارية يف عيين‪.‬‬ ‫يقول الطبيب اجلراح‪:‬‬
‫قال يل هبدوء‪:‬‬ ‫ـ كم أمتنى أال أقوم هبذه العملية‪ ..‬وخاصة‬
‫ـ هل تشعر بالطمأنينة اآلن؟ أن��ا معك‪..‬‬ ‫أن املريض أو عفواً املتطوع هو صديق يل‪..‬‬
‫ولن أدع الكبسولة يف رأسك تنفذ األوامر إال‬ ‫لكنين طبيب بارع‪ ..‬وسوف أنسى أسباب هذه‬
‫مبعرفتك‪ ..‬ما رأيك؟‬ ‫العملية‪ ..‬ولن أتابع النتائج‪ ..‬وهذه النتائج على‬
‫وشعرت ب��اهل��دوء‪ ..‬وبرغبة يف االسرتخاء‬ ‫أي حال ليست مهميت‪ .‬مهميت اجلراحة فقط‪..‬‬
‫وليس النوم‪ ..‬وكأمنا كنت أحلم بسهول فسيحة‬ ‫وال شيء غريها‪.‬‬
‫امتدت أمامي حتدها جبال شاهقة وقممها‬ ‫الطبيب النفسي واختصاصي األعصاب‬
‫مكللة بالثلوج‪ .‬ختيلت أنين أركض وأركض يف‬ ‫كل منهما كان يراقب حاليت باهتمام بالغ‪ .‬كانا‬
‫هذه السهول‪ ..‬ثم أصعد اجلبال جبالً وراء‬ ‫مضطربني ومها يسجالن مالحظاهتما‪ ..‬وغري‬
‫جبل‪ ..‬لكين مل أملح أي إنسان‪ ..‬يا إهلي‪ ..‬هل‬ ‫واثقني من سلوكي بعد العملية وال من ردود‬
‫أصبحت األرض ختلو من البشر‪ ،‬وحتى من‬ ‫أفعايل‪ ..‬وأيضا فيما يتعلق بسياق التجربة‬
‫البيوت‪ ،‬ومالمح احلياة البشرية؟‪ ..‬فجأة رأيت‬ ‫نفسها‪.‬‬
‫جيشاً من اجلنود املشاة‪ ..‬ومن أرتال الدبابات‬
‫واملصفحات‪ ..‬ومسعت دوي الطائرات حتوم‬ ‫• الورقة الثانية‪:‬‬
‫ف��وق اجلبال‪ .‬صرخت‪ ..‬ومس��ع حامل جهاز‬ ‫متت العملية اجلراحية بنجاح مذهل كما‬
‫التحكم صراخي فقال يل‪:‬‬ ‫قالوا‪ ..‬وكما فسرت أنا فيما بعد‪ ..‬فقد فتحت‬
‫ـ أن��ت ال دخ��ل ل��ك يف أي ش���يء‪ ..‬عليك‬ ‫عيين بعد أن زُرعت الكبسولة فرأيت الطاقم‬
‫االستمرار يف التجربة فقط‪.‬‬ ‫الطيب بأرديتهم البيضاء واخلضراء كما لو أهنم‬
‫وهكذا كانت الفكرة حول استخدام اإلنسان‬ ‫أناس من الفضاء‪ ..‬شعرت بقوة غريبة تدفعين‬
‫مع التكنولوجيا هبدف احلروب تفرتس دماغي‪.‬‬ ‫ألن أهنض لكنهم أعادوني اىل النقالة‪ ،‬ونظر‬
‫البد أهنم توصلوا اىل كل هذا من أجل هذه‬ ‫بعضهم يف عيون البعض اآلخر بينما وجوههم‬
‫الغاية‪ ..‬ليتين مل أوافق على زرع الكبسولة يف‬ ‫خمتفية وراء الكمامات ماعدا واحداً منهم يقف‬
‫رأسي‪ ..‬ولكن ما الفائدة اآلن؟ أنا بني أيديهم‬ ‫يف زاوية الغرفة‪ ،‬وميسك بيده جهازاً صغرياً‬
‫‪133‬‬ ‫والكبسولة يف دماغي‪ ..‬وما يريدونه سوف‬ ‫فهمت أنه جهاز حتكم‪ ..‬ال بدماغي طبعاً‪ ..‬بل‬
‫يفعلونه‪ ..‬وم��ا علي س��وى أن أق��اوم بدماغي‬ ‫بالكبسولة اليت زرعت يف رأسي‪.‬‬
‫احلقيقي ال باجلهاز امل��زروع فيه‪ .‬وبدأ جدل‬ ‫ه���دأت‪ ..‬وب���دأت أط��ي��اف م��ن املاضي‪..‬‬
‫يف داخلي حول ذلك‪ :‬أيهما أقوى‪ ..‬اإلنسان أم‬ ‫ماضي طفوليت بالتحديد ت�برز أمامي حادة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫يف الشجاعة‪ ..‬ليست الشجاعة العبثية أو‬ ‫اآلل��ة؟ وتوصلت اىل نتيجة لعلها النتيجة‬
‫العشوائية بل الشجاعة املنظمة واهلادفة‪..‬‬ ‫اليت أراحتين وهي أنين أنا األق��وى‪ ..‬أمل أكن‬
‫استعمل كل األسلحة اليت زودناه هبا من جهاز‬ ‫كذلك يف كل املراحل اليت أوصلتين اىل هذا‬
‫ال��رؤي��ة يف ال��ظ�لام اىل األم���ام واىل اخللف‬ ‫املصري؟‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫واىل اليمني واليسار‪ ..‬اىل استعمال الرشاش‬ ‫هدأت‪ ..‬وأمرت أعصابي ودماغي بالنوم‪..‬‬
‫بسرعة‪ ،‬وه���زم األع����داء‪ ،‬وم��ن ث��م استبدال‬ ‫واستسلمت اىل األحالم‪ ..‬ال بل اىل الكوابيس‬
‫الرشاش باملسدس فائق السرعة للدفاع عن‬ ‫املرعبة‪ .‬هذا ما كنت عليه يف اليومني األولني يف‬
‫نفسه أثناء االنسحاب بعد الفوز‪ .‬كم كانت‬ ‫أعقاب العملية‪ ..‬أما هم فال أعلم ماذا سجلوا‬
‫النتيجة رائعة‪ ..‬ومبهرة‪ ..‬أصبحنا قادرين على‬ ‫فأنا مل أعثر بعد سوى على عبارة موجزة جداً‬
‫أن نزود جنودنا بقوى خارقة قبل أن ندفعهم‬ ‫من الطبيب اجلراح‪( :‬لقد جنحت‪ ..‬وجناحي‬
‫للمعارك‪.‬‬ ‫كان باهراً‪ ..‬لست مسؤوالً عن النتيجة فأنا‬
‫وك����ان ت��وق��ي��ع ال���ع���امل يف آخ����ر السطور‬ ‫طبيب ال أك��ث��ر)‪ .‬وسجل العامل رئيس فريق‬
‫االلكرتونية مثل اع�تراف باجلميل للمؤسسة‬ ‫العمل‪( :‬العملية جنحت ولكن علينا حنن أن‬
‫اليت وظفته هلذا الغرض‪.‬‬ ‫ننجح يف األهداف املرتتبة علينا)‪ .‬ويف سطور‬
‫أم��ا تعليقي على ه��ذه ال��ورق��ة فهو يقطر‬ ‫قليلة من صفحة كمبيوتر سجل أحد الشهود‪:‬‬
‫باألسى واحلزن‪ ..‬ليتين كنت أعرف أن الغرض‬ ‫(يا إهلي‪ ..‬ماذا نفعل؟ إنسان يف آلة‪ ..‬أم آلة يف‬
‫حربي‪ ..‬بل تدمريي‪ ..‬ومهلك ملن يُغري ومنهم‬ ‫إنسان؟ انه سبق علمي خطري‪ ..‬خطري)‪.‬‬
‫األعداء‪.‬‬
‫ولكن ألن تتغري طبيعة احلروب بعد مرحلة‬ ‫• الورقة الثالثة ‪:‬‬
‫زرع الرقاقات يف كل األدمغة فال تعود حروب‬ ‫ال أستطيع أن أسجل يف هذه الورقة سوى‬
‫إط�لاق ال��ص��واري��خ ب��ل ح��روب ال��ذك��اء حبيث‬ ‫هنايتها وحملة من بدايتها‪ ..‬بدايتها كانت أهنم‬
‫خيدع األذكياء ذوو كبسوالت األدمغة أقراهنم‬ ‫أدخلوني اىل غرفة فسيحة واسعة فيها أناس‬
‫الطبيعيني فيتفوقون عليهم دون احلاجة اىل‬ ‫آليون مل أتبني عددهم وكأهنم يف استعداد‬
‫احلروب‪ ،‬وكأن إنسانا ما ذكياً يتعامل مع من‬ ‫ملعركة‪ .‬والنهاية كانت أنين صحوت وأنا منهك‬
‫هو أدنى منه مرتبة يف الذكاء وإدراك األشياء‬ ‫ال��ق��وى‪ ..‬يف ي��دي م��س��دس س��ري��ع الطلقات‬
‫فيسخره لغاياته دون دراية من هذا األخري أنه‬ ‫واخلوذة مرمية اىل جانيب‪ ..‬نزعت عين ثيابي‬
‫يتحول اىل أجري لدى األول؟‬ ‫املعدنية ففوجئت أن جسمي كله مليء بالكدمات‬
‫وب��رز س��ؤال كبري أمامي مثل ه��رم يطاول‬ ‫والبقع الدموية الزرقاء!! الشك أنين كنت يف‬
‫السماء‪ ..‬من هم أعداؤهم؟ هل هم بالضرورة‬ ‫معركة فعالً‪ ،‬ودماغي احلقيقي (مغيب)‪ ،‬وما‬
‫أعدائي أنا؟ اهلرم ينقلب علي وأنا حتته مثل‬ ‫حصل إمنا كان بفعل الدماغ اآليل أو الذكي‪..‬‬
‫صفحة معدنية مسطحة ومستهلكة وال تصلح‬ ‫هل أقول يا للفرح أم يا للعار؟‬ ‫‪134‬‬
‫إال للقمامة‪.‬‬ ‫أما هم فقد سجلوا على شاشة الكمبيوتر‬
‫وإذا كان اخلوف البدائي الكامن يف أعماق‬ ‫يف امللف اخلاص بالتجربة أن‪ :‬التجربة كانت‬
‫عقولنا البدائية يرصد يف كل األوق��ات حتى‬ ‫رائعة‪ ..‬وأن اجلندي املتطوع بني أيدينا قمة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫من عيين ومن برنامج حياتي‪ ..‬وق��ام صراع‬ ‫أثناء النوم كل األخطار اليت ميكن أن تفاجئنا‪..‬‬
‫عنيف يف داخ��ل��ي‪ ..‬ليس م��ن أج��ل برنامج‬ ‫فإن خوف العقل الواعي هو الذي حيفز باقي‬
‫الشرحية فهو مدروس علمياً بشكل جيد ولكن‬ ‫احلواس للتصرف بذكاء للحفاظ على البقاء‪..‬‬
‫ماذا لو أن دماغي احلقيقي رفض أن يذعن‬ ‫فأين كان رد فعل عقلي البدائي ومن بعده عقلي‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫هلذه األوامر؟‬ ‫الواعي عندما زرعوا ذلك اجلهاز االلكرتوني‬


‫ماذا لو أن هذا الدماغ انتبه اىل أن القناة‬ ‫الدقيق يف أنسجة دماغي اىل جانب خالياي‬
‫مفتوحة بينه وبني الشرحية فتعطل عن العمل‬ ‫العصبية وهو يتفاعل معها؟‬
‫فأغدو فريسة للشرحية فقط‪ ..‬واألفظع من‬
‫ذلك م��اذا لو تعطل بشكل هنائي؟ هل أصبح‬ ‫• الورقة األخرية‪:‬‬
‫إنساناً آلياً يف جسم بشري؟‬ ‫أنا‪ ..‬صاحب الرأس املفتوح‪ ..‬أسجل هذه‬
‫ق���ررت بشكل واع أال أل��غ��ي عمل دماغي‬ ‫األوراق‪ ..‬هكذا دون ترتيب زمين أو نفسي‪..‬‬
‫الطبيعي مهما اشتدت علي ال��ظ��روف‪ ..‬وان‬ ‫أم��ا ه��م يف امل��رك��ز العلمي وال��ذي��ن جعلوني‬
‫أص��در األوام��ر الصارمة لدماغي أال يتوقف‬ ‫أمح��ل رأس���اً مفتوحاً ف�لا أدري م��اذا سجلوا‬
‫ولو للحظة‪ ..‬وتساءلت‪ :‬ما العمل أثناء النوم؟‬ ‫من مالحظات‪ ..‬وال من احلقائق العلمية اليت‬
‫أال يسرتيح الدماغ عادة يف هذه الفرتة؟ صحيح‬ ‫توصلوا إليها بعد انتهاء التجربة فقد قطعوا‬
‫أن هناك العقل الواعي والعقل الالواعي‪ ..‬أو‬ ‫عين كل سبيل للحصول على أي معلومات‪..‬‬
‫العقل الباطن‪ ..‬وصحيح أن هناك الشعور‬ ‫كأمنا اختفى كل ش��يء‪ ..‬بل كل شخص من‬
‫والالشعور‪ ..‬لكنين جيب أن أتدخل يف هذا‬ ‫أم��ام��ي وتركوني وح��دي أواج���ه ه��ذه املرحلة‬
‫على قدر إمكاني ولو حرمت من النوم قدر‬ ‫الصعبة والفريدة اليت تعرضت هلا وهي زرع‬
‫املستطاع‪.‬‬ ‫الشرحية االلكرتونية يف دم��اغ��ي‪ .‬أم��ا كيف‬
‫وهكذا حددت ردود أفعايل‪ ..‬ومنعكساتي يف‬ ‫سأعود اىل حاليت الطبيعية فهذا معلق يف عنق‬
‫احلياة العادية كما اسرتجعت كل ذكرياتي من‬ ‫القدر‪ ..‬ويف أعناق الذين نفذوا العملية‪ ..‬بل يف‬
‫الطفولة حتى ساعة العملية اجلراحية كي أميز‬ ‫عنقي أنا‪ ..‬ليس يف تصميمي يف أن يعودوا بي‬
‫متاماً بني سلوكي الطبيعي وبني أوامر الشرحية‬ ‫كما كنت بل يف احتمال أن يفعلوا ذل��ك‪ ..‬ولو‬
‫االلكرتونية‪ .‬وإليكم ما الذي جرى معي يف نقاط‬ ‫أهنم فعلوا‪ ..‬هل سأعود حقاً كما كنت؟‬
‫صغرية‪ ..‬لعلها غري منتظمة يف سياقها الزمين‬ ‫املهم أن الرجل الذي كان يالحقين مثل ظلي‬
‫الدقيق ولكنها حقيقية بنسبة كبرية‪.‬‬ ‫ويوجه جهاز التحكم قد اختفى من أمامي‪..‬‬
‫أنا اآلن يف إجازة غري حمددة‪ ..‬وخارج نطاق‬ ‫ومل يعد مضطراً ملراقبة تصرفاتي بعد أن‬
‫املركز العلمي‪ .‬هذا هو املتفق عليه‪ .‬ارتديت‬ ‫انتهت املعركة األوىل وهي التحكم من اخلارج‬
‫ثيابي يف أول الصباح للخروج م��ن املركز‪..‬‬ ‫ألترك مع دماغي الطبيعي والربنامج املخزون‬
‫‪135‬‬ ‫وحملت يف امل��رآة أنين أب��دو مشعاً ج��داً وأنيقاً‬ ‫يف الشرحية االلكرتونية داخل رأس��ي‪ .‬تنبهت‬
‫جداً‪ ..‬ابتسمت‪ ..‬الحظت أن ما أخذته معي من‬ ‫هلذه النقطة‪ ..‬متاماً وأصبح علي أن أتصرف‬
‫حوائجي كان بانتقاء شديد‪ ..‬هذا أيضاً جيد‪..‬‬ ‫كإنسان طبيعي‪ ..‬أما ماذا متليه علي الشرحية‬
‫وهو من تصرفاتي الطبيعية والعادية‪.‬‬ ‫فهذا ما كان حيريني‪ ..‬ويسرق النوم والراحة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫يا دماغي؟ أسعفين‪ ..‬ال ختذلين‪ .‬لكن الربنامج‬ ‫مل أودع أح��داً‪ ..‬وملاذا أفعل؟ كثرياً ما كنت‬
‫استمر‪ ..‬واستمر منتصراً على دماغي‪.‬‬ ‫أخ��رج م��ن عملي دون أن ألقي التحية على‬
‫دخلت اىل متجر عصري كبري (مول) وانتقلت‬ ‫أحد‪ ..‬حتى يف طفوليت ما أكثر ما كنت انطلق‬
‫من دور اىل دور آخر اقفز فوق السالمل وال‬ ‫اىل ألعابي وه��واي��ات��ي دون أن أعلم والدتي‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫استعمل املصعد‪ ..‬هكذا حتى جتاوزت األدوار‬ ‫بذلك‪ ..‬الزلت إذاً يف الدائرة الطبيعية‪ ..‬إمنا‬
‫العشرين بني ذهول عمال املصاعد‪ ..‬ولعلهم‬ ‫بدأت األسئلة يف رأسي مثل خلية حنل عندما‬
‫ش� ّك��وا يف ق��واي العقلية عندما وصلت اىل‬ ‫خ��رج��ت اىل ال��ش��ارع وت��ن��اول��ت دف�ت�راً صغرياً‬
‫السطح وتوقفت أتأمل املدينة وهي تبدو كاملة‬ ‫للعناوين ول�براجم��ي اليومية على أن أختار‬
‫وكأنين يف ب��رج‪ .‬لعلهم ظنوا أنين سأنتحر‪..‬‬ ‫عنواناً لفندق أو مسكن آوي اليه‪.‬‬
‫لكنين أخرجت آل��ة تصوير‪ ..‬وأخ��ذت ألتقط‬ ‫ما أسرع ما اخرتت الفندق‪ ..‬هذا حسن‪..‬‬
‫بعض الصور ال�تي ب��دت يل فيما بعد وكأهنا‬ ‫والربنامج اليومي ال يتعدى تلك التقارير اليت‬
‫من مراسل حربي يصور مواقع معينة‪ ..‬فقد‬ ‫جي��ب أن أق��رأه��ا وأس��ج��ل مالحظاتي حوهلا‬
‫بدت يف الصور املطارات ومؤسسات اجليش‬ ‫قبل موعد الغذاء أوالً‪ ..‬وبعد االسرتاحة اليت‬
‫والثكنات البعيدة والنهر الكبري ال��ذي خيرتق‬ ‫جيب أال تتجاوز ساعة ونصف‪ .‬سار الربنامج‬
‫املدينة بتفرعاته وج��س��وره وال��ط��رق��ات اليت‬ ‫بسالسة وس��ه��ول��ة‪ ..‬وك��أن�ني قمت بتنفيذه‬
‫تنبثق منه‪.‬‬ ‫عشرات املرات‪ ..‬هذا جيد أيضاً‪.‬‬
‫ويف اليوم التايل كان الربنامج خمتلفاً‪ ..‬فقد‬ ‫هل هناك تأثري للشرحية يف رأسي؟ طردت‬
‫كنت أنوي زيارة إحدى اجلامعات أو األكادمييات‬ ‫هذه الفكرة‪ ..‬وعندما جاء وقت النوم الليلي‬
‫ال��ع��ل��م��ي��ة وف��ج��أة وج����دت ن��ف��س��ي يف مدرج‬ ‫استسلمت ألح�لام متنيت أن تكون سعيدة‪..‬‬
‫كبري‪ ..‬وعلى املنصة‪ ..‬وأمامي ميكروفونات‬ ‫وبالفعل كانت كذلك‪ ..‬فقد رأي��ت نفسي يف‬
‫أخ��ذ ع��دده��ا يتزايد كلما قطعت ش��وط�اً يف‬ ‫مكان مجيل‪ ..‬مجيل‪ ..‬وصديقيت اليت رحلت‬
‫حم��اض��رت��ي‪ ..‬وت�لام��ع��ت أض���واء التصوير‪..‬‬ ‫عين اىل جانيب‪ ..‬وهي تالمس وجهي وشعري‪..‬‬
‫وم��ا ه��ي إال دق��ائ��ق حتى هجمت كامريات‬ ‫وعندما وضعت أصابعها على جرحي مكان‬
‫الشاشات‪ ..‬والتف الصحفيون حويل وكذلك‬ ‫زرع ال��ش��رحي��ة‪ ..‬انتفضت وص��ح��وت وقليب‬
‫بعض احلضور‪ ..‬واهنالت علي األسئلة‪ ..‬كان‬ ‫خيفق بعنف‪ .‬إذاً فالالشعور عندي يرفض أن‬
‫ما فعلته يف احملاضرة ليس من صنعي بل من‬ ‫يصل أحد اىل هذا السر وكأن نقطة العملية‬
‫صنع الشرحية االلكرتونية أما األسئلة ورسائل‬ ‫منطقة حمرمة ال جيوز ألحد أن يتعرف إليها‪.‬‬
‫اإلعجاب فأنا من جيب أن أرد عليها‪.‬‬ ‫ويف األيام التالية حصل معي ما مل حيصل‬
‫تصبب العرق من رأسي‪ ..‬وتساقطت حباته‬ ‫مع أي إنسان‪ ..‬أو ما مل يكن يف احلسبان‪..‬‬
‫فوق وجهي‪ ..‬وب��دأت أرجت��ف‪ .‬مل يكن أمامي‬ ‫حسباني أن��ا على األق���ل‪ .‬فقد شعرت بقوة‬
‫سوى أن اعتذر بسبب التعب‪ ..‬وبعد اإلحلاح‬ ‫غريبة تدفعين ألن أسري‪ ..‬وأسري بسرعة غري‬ ‫‪136‬‬
‫الشديد علي نظرت اىل الساعة يف اجلهاز‬ ‫اعتيادية‪ ..‬ودون أن أنظر يف وجه أحد‪ ..‬مما‬
‫احملمول يف يدي وادعيت أنين مرتبط مبواعيد‬ ‫لفت أنظار الناس يف ال��ش��ارع وكأهنم يرون‬
‫هامة وليس لدي وقت‪ .‬وخرجت متعباً جداً كما‬ ‫إنساناً آليا‪ .‬إذاً‪ ..‬هذا عمل الشرحية‪ ..‬أين أنت‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫مل يقرتب مين والكبسولة يف رأسي فقد اقرتب‬ ‫لو أنين كنت يف معركة‪ ..‬بعضهم كان يقول‪:‬‬
‫مين بتوجس وابتعد ينبح وليس من عادته‬ ‫ـ البد أن له لقاء مع كبار املسؤولني‪..‬‬
‫النباح‪ ..‬ماذا أقول؟ دخلت اىل سوق لألغذية‬ ‫ويرد آخرون‪:‬‬
‫ألشرتي ما احتاجه مثل سائر البشر فوضعت‬ ‫ـ بل مع الرئيس نفسه‪ ..‬ألن ما مسعناه كان‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫يف سليت ما ال احتاجه على اإلطالق كأن يدي‬ ‫خطرياً‪.‬‬


‫إذ متتد اىل األشياء تقبض عليها ف��وراً دون‬ ‫ويعقب ثالث‪:‬‬
‫صلة بني تفكريي وبني يدي‪.‬‬ ‫ـ بل خطري جدا‪ً.‬‬
‫تصرفات ك��ث�يرة‪ ..‬ك��ث�يرة‪ ..‬وم��ا ذك��رت هي‬ ‫ترى ما الذي قلته أو قالته الشرحية؟ وكيف‬
‫مناذج منها‪.‬‬ ‫استعيد شريط الشرحية وهل تدخلت معلوماتي‬
‫أع����ود اىل م��ا التقتطه م��ن ذك���ري���ات يف‬ ‫اخلاصة أو عقلي اخلاص فيما قدمت؟!‬
‫املرحلة األخ�يرة من جتربة ال��رأس املفتوح‪..‬‬ ‫ال أدري‪ ..‬ولعلي حتى اآلن ال أدري‪ ..‬وملاذا‬
‫لقد أصبحت كاجملنون ال أستطيع أن أضبط‬ ‫أدري ف��أن��ا ش��ج��اع وأستطيع أن أواج���ه كل‬
‫ت��ص��رف��ات��ي‪ ..‬وش��ع��رت ب��ت��ط��ورات بيولوجية‬ ‫الصعوبات‪ .‬وماذا يهمين مادمت أمحل البطاقة‬
‫كاحلرارة املرتفعة‪ ..‬والكوابيس‪ ..‬واخلروج يف‬ ‫السرية اخلطرية اليت زودني هبا املركز بأنين‬
‫هدأة الليل اىل الشوارع دون هدف‪.‬‬ ‫أقع حتت جتربة علمية هي األوىل من نوعها‪..‬‬
‫ويف حل��ظ��ات م��ا أح��س��س��ت ك��م��ا ل��و كان‬ ‫ولست مسؤوالً عن أقوايل وتصرفاتي بل املركز‬
‫رأس��ي هو املقطوع وليس املفتوح‪ ..‬ول��و كان‬ ‫العلمي هو املسؤول؟‬
‫بني يدي مسدس لكنت قمت حبماقة‪ ..‬ورمبا‬ ‫حسناً‪ ..‬سأحدثكم عما جرى معي بعد ذلك‬
‫انتحرت‪..‬‬ ‫مما استذكره أو أتذكره‪.‬‬
‫ال أعلم كيف توصلوا إيل ألن الرقابة مل تكن‬ ‫ال أدري م��ا ال���ذي س��ج��ل��وه ع�ن�ي‪ ..‬لكنين‬
‫معي فقد تركوني أتصرف حبرية كاملة‪.‬‬ ‫م��ادم��ت ق��د خ��ض��ع��ت ل��ل��ج��راح��ة يف انتزاع‬
‫اآلن فقط عرفت كيف توصلوا إيل رغم‬ ‫الكبسولة من رأسي‪ ..‬وعدت كما يعتقدون اىل‬
‫أن الرقابة مل تكن معي‪ ،‬ورغ��م أهنم تركوني‬ ‫حاليت الطبيعية فإنين أقول لكم إنين مل أعد‬
‫أت��ص��رف ك��ان��س��ان ع���ادي بينما اجل��ه��از يف‬ ‫طبيعياً‪ ..‬فأنا أقوم بتصرفات غريبة حتى عين‬
‫رأسي هو الذي يسجل‪ ،‬وهم سيدرسونه بعد‬ ‫وبإرادتي‪ .‬إال أنين وقد اعتدت لفرتة قد تكون‬
‫االنتهاء من التجربة‪ ..‬اآلن فقط عرفت أن‬ ‫قيد اجلهاز املغروس يف رأسي فإنين أتوهم أهنا‬
‫تلك الرقاقة املغروسة يف أعماق رأسي كانت‬ ‫كذلك‪ ،‬ومن هذه التصرفات الركض سريعاً‬
‫تبث هلم املعلومات اليت تدخل اىل عقلي وكأهنا‬ ‫حتى أع��ود منهكاً‪ ،‬وإذا صادفت أح��داً ممن‬
‫تتجسس عليّ يف كل ما اختزنه يف رأسي أو‬ ‫أعرفهم فأنا ال أرحب هبم بشكل اعتيادي حتى‬
‫أفكر به أو حتى ما مير يف خاطري‪ ..‬إهنا إذاً‬ ‫صديقي الطبيب (ماكس) فقد قابلته جبفاء‬
‫‪137‬‬ ‫جهاز للتعقب كما لو أنين جمرم إال أنين جمرم‬ ‫كما لو أنين (روب��وت) أو إنسان آيل لقد زود‬
‫يفر حنو إنسانيته وفطرته السليمة اليت جاء‬ ‫حياني حبرارة غرب عادبة‪ ،‬وهنأني بعودتي اىل‬
‫هبا اىل احلياة‪ .‬مل��اذا فعلوا بي كل ه��ذا؟ هل‬ ‫حاليت االعتيادية لكن رد فعلي كان آلياً خالياً‬
‫هي مسألة وقت قبل أن تكون هناك تقنيات‬ ‫من كل عاطفة‪ .‬أما كليب (بالنكو) املدلل الذي‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫وح��ت��ى اآلن أت��س��اءل مب���اذا فشلوا؟ يف أن‬ ‫مراقبة حقيقية ينتفي معها اخلط الفاصل‬
‫اختيارهم وقع علي أنا بالذات؟ أم يف تقديرهم‬ ‫بني املراقبة واخلصوصية فيصبح لكل فرد‬
‫يف أن يعمل الطرفان معا ال��دم��اغ احلقيقي‬ ‫رق��اق��ة ه��وي��ة خت��زن امس���ه‪ ،‬وت��اري��خ ميالده‪،‬‬
‫واجلهاز املغروس‪ ،‬أم يف التوقيت‪ ،‬أم يف قدراتي‬ ‫واألم���راض ال�تي يعاني منها‪ ،‬وع��ن��وان منزله‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫أنا كإنسان له ماضيه وعواطفه وأفكاره؟‬ ‫وعمله‪ ،‬وكل ما خيصه من معلومات‪ ،‬ويسهل‬
‫ترى أما كانت منظومة القيم ستتغري تبعاً‬ ‫عندئذ التطفل على خصوصيات الفرد مبا‬
‫لتقديراهتم هذه يف الصح واخلطأ‪ ..‬أو اخلري‬ ‫فيها معلوماته الرقمية عرب جهاز الكمبيوتر‬
‫وال��ش��ر؟ الب��د أن القيم ك��ان��ت ستضطرب‪..‬‬ ‫والربيد االلكرتوني مبا يسمح بطريقة مراقبة‬
‫وستأخذ مسارات خمتلفة عما كانت عليه قبل‬ ‫جديدة؟‬
‫عصر زرع النانوروبوتات يف األدمغة البشرية‪..‬‬ ‫أج��ل ه��ذا م��ا اكتشفته يف مرحلة الحقة‬
‫فلكل عصر تقنياته وبالتايل أخالقياته وقيمه‬ ‫ف��أص��اب�ني اهل��ل��ع حتى رح��ت أحت��س��س رأسي‬
‫اليت تفرضها شروط التعامل مع تلك التقنيات‪.‬‬ ‫وكأنين ال أصدق أهنم نزعوا ذلك الشيء الذي‬
‫وبالتايل كيف سيكون تعامل اإلنسان مع اإلنسان‬ ‫كان فيه‪ ..‬لقد أرعبتين فعالً تلك الفكرة يف‬
‫يف ظل وجود اآللة الصغرية اليت تضغط على‬ ‫أن أكون مراقباً هبذه الدقة اليت تسمح هلم أن‬
‫األدمغة فتوجهها يف مسارات براجمية وال ترتك‬ ‫يتعرفوا إيل أينما كنت ويف أي وقت‪ .‬ولكن‪..‬‬
‫للمشاعر فسحة للعودة للمشاعر الطبيعية؟‪..‬‬ ‫هل كان األمر يقف عند هذا احلد؟‪ ..‬احلقيقة‬
‫وهل بالتايل سينمو الذكاء العاطفي اىل أقصى‬ ‫ال‪ ..‬لقد خ�زّن��وا يف تلك الرقاقة كل ماضيّ‬
‫درجاته فيصبح التعامل العاطفي شاناً أكثر‬ ‫ال��ذي ع��رف��وه‪ ،‬وذه��ب��وا بي اىل أبعد من ذلك‬
‫رقياً مما كان عليه يف احلالة الطبيعية البشرية‬ ‫عندما رمسوا يل مصرياً خمتلفاً عما وصلت‬
‫اخلاضعة للسلب واإلجي��اب صعوداً وهبوطاً‬ ‫اليه باالستناد اىل قاعدة بياناهتم اخلاصة وقد‬
‫حسبما تفرضه علينا طبائعنا البشرية دون أن‬ ‫أخفوها عين متاماً‪.‬‬
‫تتحكم هبا آلة ختزن برامج هي بالتايل من صنع‬ ‫هل حدث خلل ما يف اجلهاز أم يف دماغي؟‬
‫اإلنسان نفسه؟ ولكن ألن نصبح داخل جمتمع‬ ‫هذا ما ال أعرفه حتى اآلن ألهنم اخفوا عين كل‬
‫رقمي إذا كانت الرقاقات الرقمية مزروعة‬ ‫تلك اإلشارات اليت اختزهنا اجلهاز‪.‬‬
‫يف رؤوسنا؟ وهذا اجملتمع الرقمي ألن يكون‬ ‫أما كيف قبضوا علي‪ ،‬وأدخلوني املستشفى‪،‬‬
‫فيه اخلري والشر كما يف احلياة الطبيعية أم‬ ‫وق��ام��وا بنزع اجل��ه��از م��ن رأس��ي فهذا أيضاً‬
‫انه سيكون شراً بالكامل أو خرياً مطلقاَ؟ وهذا‬ ‫مما أجهله‪ .‬كل ما هنالك أنين فتحت عيين‪،‬‬
‫بالتايل ينايف الطبيعة البشرية وطبيعة احلياة‬ ‫وعاد يل وعيي عندما حملت أطباء وممرضات‬
‫على األرض ومنذ فجر اخلليقة ك��ان هناك‬ ‫حويل وأنا مثبت يف جرحي وأسالك يف رأسي‪.‬‬
‫الصراع بني اخلري والشر‪ ..‬بني قابيل وهابيل؟‬ ‫حاولت النهوض فأعادوني بقوة‪ ،‬ثم أعطوني‬
‫نسيت أن أخربكم أن تلك الكبسولة املخادعة‬ ‫حقنة خم��درة تساعدني على النوم‪ .‬التقطت‬ ‫‪138‬‬
‫كانت حتمل أيضاً برنامج تدمري ذاتي ميكنها‬ ‫عبارة واح��دة من رئيس الفريق العلمي الذي‬
‫معه إهن��اء حياة الفرد ال��ذي خيتزهنا‪ ..‬وهي‬ ‫كان حاضراً‪ ،‬قال‪:‬‬
‫يف الوقت ذات��ه وكما أصبحتم تعرفون تتلقى‬ ‫ـ مل تفشل التجربة لكننا حنن فشلنا‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫الزلت حتى كتابة هذه األوراق يف مصحة أو‬ ‫األوامر عرب جهاز حتكم عن بعد حيمله أحدهم‬
‫منتجع تابع للهيئة العلمية‪ ،‬ومعزوالً تقريباً عن‬ ‫يف يده‪.‬‬
‫الناس ما عدا الذين يسمحون هلم بالتواصل‬ ‫أستطيع القول إن اآلل��ة تظل آلة واإلنسان‬
‫يظل إنساناً‪ ..‬أما أن يندمج الطرفان معاً فهذا‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫معي‪ ..‬وأن��ا أب��ذل ج��ه��وداً ج��ادة ألقنعهم أنين‬


‫عدت طبيعياً متاماً‪ ..‬إال أهنم حانقون من نتائج‬ ‫ما اعتقده اآلن‪ ..‬ليس بصفيت عاملاً فأنا لست‬
‫مفاجئة يسموهنا أحياناً طفرة‪ ..‬أو ردة‪ ..‬أو أي‬ ‫ع��امل�اً وإمن��ا بوصفي إنساناً (إن��س��ان جتربة)‬
‫من األمساء اليت حيذرون منها كاحتماالت‪.‬‬ ‫عوضاً عن قويل كفأر جتربة‪ ..‬فأنا كنت مقتنعاً‬
‫ها قد مضت اآلن شهور ثالثة وأنا اكتب‪..‬‬ ‫ومندفعاً اىل خوض التجربة‪ ..‬وكنت واثقاً يف‬
‫على ال���ورق ث��م أم��زق��ه‪ ..‬ألن�ني ل��و كتبت على‬ ‫نفسي كما العب كرة القدم‪ ..‬وهو يقذف بكرته‬
‫الكمبيوتر فلرمبا سحبوا ما اكتب بسرعة الربق‬ ‫كما ي��ش��اء‪ ..‬والتجربة ال�تي قمت هب��ا أعرف‬
‫واطلعوا عليه‪.‬‬ ‫تفاصيلها‪ ..‬ونتائجها‪ ..‬وقد كانت يف اعتقادي‬
‫اكتب وأح��اول أن أعيش كانسان طبيعي‪..‬‬ ‫جتربة أوىل ورائ��دة ومضمونة متاماً فماذا يف‬
‫ولكن أين أخفي أوراقي وأنا أعامل مثل جاسوس‬ ‫وضع شرحية الكرتونية يف عضلة حتت اجللد‬
‫حمبوس؟ مل أجد سوى مهجع كليب (بالنكو)‪..‬‬ ‫أو وراء عظام اجلمجمة؟ إن الدراسات حول‬
‫أخفيت حتت قطعة الفرو اليت ينام عليها كثرياً‬ ‫الدماغ البشري متطورة جداً‪ ،‬وفائقة يف فهمها‬
‫من األوراق‪.‬‬ ‫له‪.‬‬
‫لكنين وأن���ا اآلن خ���ارج امل��ؤس��س��ة العلمية‬ ‫ل��ك��ن اإلن��س��ان ك��م��ا أص��ب��ح��ت أع��ت��ق��د اآلن‬
‫وملحقاهتا مل أعثر على أي ورقة منها‪.‬‬ ‫هو أعقد بكثري مما توصلوا اليه أو ما ميكن‬
‫إذن فأوراقي ناقصة‪ ..‬وما تقرؤونه هو من‬ ‫أن يتوصلوا اليه‪ ..‬فالتغريات اليت حصلت يل‬
‫ذاكرتي فقط‪.‬‬ ‫واليت انعكست على تصرفاتي مل يكن العلماء‬
‫لن أعود اىل أي جتربة حتى ولو كانت جسدية‬ ‫واألطباء يتوقعوهنا‪ .‬املهم أنين عدت كما كنت‬
‫فقط وليس هلا عالقة بالرأس‪ ..‬رأسي اآلن ال‬ ‫بعد التجربة‪ ..‬لكنين يف الواقع لست كذلك‪..‬‬
‫يزال مفتوحاً‪ ..‬مفتوح ليس على اإللكرتون الذي‬ ‫لقد طالبت ب��رف��ع ال��رق��اب��ة ع�ني وخضوعي‬
‫كان مغروساً فيه بل على الفضاء الطبيعي‪..‬‬ ‫للفحوصات الطبية‪ ..‬متهيداً إلعفائي هنائياً‬
‫الذي يعيش يف كل البشر‪ ..‬لعل هذا الفضاء هو‬ ‫من العمل يف هذا اجملال اخلطري‪ ..‬واملثري من‬
‫الذي يوزع بالعدل اإلمكانيات لكل إنسان‪.‬‬ ‫األحباث والتجارب العلمية‪.‬‬
‫أنا طمعت يف إمكانيات خمتلفة‪ ..‬ال أقول‬ ‫مل يعطوني اجلواب النهائي حبرييت وانعتاقي‪..‬‬
‫أق��وى وأكثر ق��درة‪ ..‬بل أكثر تطوراً باملقياس‬ ‫إمنا أنا الذي بدأت أعاجل نفسي بنفسي يف أن‬
‫العلمي‪ ..‬سواء استعمل هذا املقياس يف احلروب‬ ‫أعود اىل سلوكي الطبيعي‪ ،‬واعتمد على كليب‬
‫أو يف مساعدة الناس ممن يفقدون جزءاً من‬ ‫(بالنكو) أحياناً يف أن يقودني اىل ما كنا نفعله‬
‫‪139‬‬ ‫قدراهتم العقلية أو يصابون ببعض األمراض‪.‬‬ ‫معاً ألنين فجأة أشعر بستار أسود ينسدل فوق‬
‫كل من اهلدفني وارد يف األحباث العلمية‪ ..‬هل‬ ‫ذاكرتي فال أقوى على متييز األشياء بعضها‬
‫أنا املخطئ يف أهداف العلم؟‬ ‫عن بعض‪ ..‬فأنقض على حذائي مثالً بدالً من‬
‫أمتنى أال أكون كذلك‪.‬‬ ‫إبريق الشاي‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫جلس حممد اجلالصي يف املقهى العايل‬
‫بالكرم الشرقي‪ .‬مل يكن من روّاده‪ ،‬وخباصّةٍ‬
‫يف الصباح الباكر‪ ،‬فقد قدم إليه من الكرم‬
‫الغربي حيث يقيم م��ع أس��رت��ه منذ نعومة‬
‫أظفاره‪ ،‬أي منذ اقتنى أبوه حم ّل سكنى يف‬
‫حيّ شعيبّ يعجّ بالسكان النازحني إىل املدينة‬
‫من كل أحناء البالد‪.‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫كان جيلس مبفرده يف صدارة املقهى الذي‬
‫يشرف على الطريق الرئيسية امل��ؤدي��ة إىل‬
‫قرطاج وسيدي أبي سعيد واملرسى‪ .‬أماكن‬
‫راقية يعرفها جيداً واعتاد التفاخر هبا على‬
‫أقرانه أيّام اجلامعة‪ ،‬حني كانوا يسألونه أين‬
‫يقطن فيجيب متباهيًا مرةً بقرطاج وأخرى‬
‫بسيدي أبي سعيد أو (سيدي بو) كما حيلو‬
‫له أن يقول‪.‬‬
‫كان شارد الذهن تكسو وجهه غمامة من‬
‫احل��زن واحل�يرة وحتاصره أص��داء الكلمات‬
‫اليت تفوّه هبا أبوه ألوّل مرّة على إثر شجاره‬
‫معه الليل َة املاضية‪:‬‬
‫(امس���ع ي��ا ول����دي‪ .‬أع��ل��ت��ك ع��ل��ى امتداد‬
‫سنوات طفولتك ومراهقتك وشبابك‪ .‬اليوم‬
‫أن��ت يف سن الثالثني ومل تشتغل ول��و يوماً‬
‫واحداً يف حياتك‪ .‬انتظرتك ريثما تنجح يف‬
‫(الكاباس‪ )1‬وطال ترقيب‪ .‬لقد أشرفتُ على‬
‫التقاعد ورات�بي ال يسمح يل بإعالتك مدى‬
‫احلياة‪ .‬لذا عليك أن جتد عمالً‪ ،‬أيّ عمل‪.‬‬
‫حتى لو كان عمل (مرمّاجي‪2).‬‬
‫ف��اج��أه ك�لام أبيه إ ّ‬
‫ال أ ّن��ه مل ي��ردّ عليه‪.‬‬
‫لكنه غادر البيت والتحق بأصدقائه يف أحد‬
‫مقاهي الكرم الغربي حيث يواسي بعضهم‬
‫بعضا إىل ساعة متأخرة من الليل‪ .‬وعندما‬ ‫ً‬
‫عاد إىل البيت وجد أباه يف انتظاره‪ .‬فبادره‬
‫بالقول‪:‬‬
‫‪ -‬ل��ن أك���رر ن��ف��س ال��ك�لام‪ .‬ول���ن يصلك‬ ‫‪140‬‬
‫‪ - 1‬الكاباس ‪ :‬ه��ي مسابقة التعيني ال�تي تسبق‬
‫احلصول على وظيفة‬ ‫اهلادي ثابت ‪ -‬تونس‬
‫‪ - 2‬عامل حضرية بناء‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫‪141‬‬ ‫مين مليم واحد بعد اآلن‪ .‬تدبّر أمرك‪ ،‬لقد البيت دسّت يف يده ديناراً وظلت وامجة تر ّتل‬
‫دعواهتا يف صمت‪.‬‬ ‫أصبحت رجال‪! ‬‬
‫ّ‬
‫كان حممد اجلالصي يفكر يف مستقبله‬ ‫هنض يف الصباح الباكر فنهضت خلفه‬
‫أم��ه تُعدّ له فطور الصباح‪ ،‬وعند مغادرته املسدود عندما دخل املقهى رجل أنيق‪ .‬تقدّم‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪ -‬سأدفع لك عشرة دنانري يف اليوم‪.‬‬ ‫منه وسأله‪:‬‬
‫مل يعلّق بشيء‪ .‬هو يعلم أنّ العامل اليومي‬ ‫‪ -‬هل تبحث عن شغل؟‬
‫يتقاضى مثانية دنانري يف اليوم‪ ،‬وهذا الرجل‬ ‫نظر إل��ي��ه حممد اجل�لاص��ي مرتبكاً ثم‬
‫يعرض عليه عشرة‪ .‬رمبا كان العمل شاقا‬ ‫أسرع باجلواب‪:‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫يستوجب ه��ذا السخاء‪ .‬وقفت املرسيدس‬ ‫‪ -‬نعم‪.‬‬
‫أم���ام فيال فخمة ذات طابقني حت��فّ هبا‬ ‫‪ -‬هل تستطيع أن حتفر بئراً؟‬
‫أشجار الصفصاف العالية‪ .‬أدخله البيت‬ ‫أمهل نفسه برهة للتفكري قبل ال��ردّ‪ .‬مل‬
‫وتقدم به إىل احلديقة‪ .‬أشار إىل املكان الذي‬ ‫يشتغل يوماً يف حياته‪ .‬كان مهّه أن ينجح يف‬
‫سوف حيفر فيه البئر وتركه للحظةٍ ثم عاد‬ ‫دراسته‪ ،‬وقد جنح يف كل مراحلها‪ .‬حتصل‬
‫حيمل فأساً ورفشاً‪ .‬وضعهما حتت شجرة‬ ‫على األستاذية يف اآلداب العربية من كلية‬
‫الصفصاف ثم احننى على األرض وقاس‬ ‫اآلداب مبنوبة‪ .‬ولكنه أخفق يف احملاوالت‬
‫باملرت دائرة قطرها مرتان‪ .‬التفت إىل حممد‬ ‫اخلمس الجتياز مناظرة (ال��ك��اب��اس) وهي‬
‫اجلالصي وهو يلهث‪:‬‬ ‫املناظرة اليت ختوّل له مارسة مهنة التدريس‬
‫‪ -‬هيّا‪ ،‬اشرع يف احلفر‪ .‬األمر سهل جدّاً‬ ‫باملعاهد الثانوية‪ .‬مسع الرجل األنيق الواقف‬
‫والرتبة طرية‪.‬‬ ‫أمامه يقول‪:‬‬
‫أخذ حممد اجلالصي الفأس وانربى يهيئ‬ ‫‪ -‬العمل الذي أطلبه منك بسيط‪ .‬أريدك‬
‫املكان للحفر‪ .‬راقبه الرجل األنيق فرتة من‬ ‫أن حتفر يل بئراً ال تفوق دائرهتا املرتين وال‬
‫الزمن ثم غادره قائال‪:‬‬ ‫يتجاوز عمقها حدّ املاء‪ .‬يقولون إنّ املاء يف‬
‫‪ -‬سأراقبك من الشرفة‪ ،‬وإذا احتجت إىل‬ ‫قرطاج يوجد على مسافة قريبة من سطح‬
‫ال أن تضغط على جرس‬ ‫شيء فما عليك إ ّ‬ ‫األرض‪.‬‬
‫الباب اخلارجي‪.‬‬ ‫قال له مرتدداً‪:‬‬
‫تقدم خطوات ثم التفت إليه وقال بصوت‬ ‫‪ -‬ال فأس لديّ‪.‬‬
‫مرتفع‪:‬‬ ‫‪ -‬الفأس معي‪ .‬هيا‪ ،‬ال فائدة يف إضاعة‬
‫‪ -‬الطعام ليس من مشموالتي‪.‬‬ ‫الوقت‪.‬‬
‫ش���رع حم��م��د اجل�لاص��ي يف احل��ف��ر ومل‬ ‫غادر جملسه وتبع الرجل ونزل يف صحبته‬
‫يتوقف عنه رغم اإلرهاق والعرق الذي غسل‬ ‫درجات املقهى العايل اخلمس‪ .‬وعندما فتح‬
‫كل جسده وثيابه‪ .‬كان يريد االنتقام من هذا‬ ‫الرجل ب��اب املرسيدس ال��س��وداء خفق قلب‬
‫اجلسد‪ ،‬من هذا الدماغ احملشو شعراً ونثراً‬ ‫حممد اجلالصي‪ .‬كان حيلم بامتالك سيارة‬
‫ونظريات أدبية مل تنفعه يف شيء يف حياته‬ ‫فخمة كهذه وبيت على روابي سيدي بوسعيد‬
‫التعسة اليت مل ير فيها أحالمه تتحقق‪ ،‬وال‬ ‫وغ�ير ذل��ك م��ن أح�ل�ام ك��ث�يرة ذه��ب��ت أدراج‬
‫مستقبله املسدود ينفتح‪ ،‬بعد أن وق��ف يف‬ ‫الرياح‪ .‬فتح له الرجل األنيق باب السيارة‬ ‫‪142‬‬
‫وسطه (الكاباس) كالغول يسدّه‪ .‬كانت الرتبة‬ ‫فصعد وان��زوى عنه بعيدا يف طرف املقعد‬
‫طريّة‪ ،‬ساعدته على اقتالع طبقات الرتاب‬ ‫الوثري‪ .‬قال له الرجل بعد أن حتركت السيارة‬
‫وتكديسه على ح��اف��ة ش��ج��رة الصفصاف‬ ‫حنو ربوة سيدي أبي سعيد‪:‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫وضغط على الزر قائالً (آلو)‪ .‬فسمع صوتا‬ ‫الوارفة‪ .‬ظ ّل حيفر ويكدّس ال�تراب متو ّق ًفا‬
‫ينهره مزجمرًا‪:‬‬ ‫بعض األحيان لتدخني سيجارة قبل أن يعود‬
‫‪ -‬أال تتوقف عن احلفر؟ املكان الذي تغرز‬ ‫إىل احلفر‪ .‬مل ينقطع عن التفكري يف مستقبله‬
‫فيه فأسك مقدس‪ .‬كف عن تدنيسه واترك‬ ‫ال عندما أح��س باجلوع فتوجه إىل‬ ‫األغ�بر إ ّ‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫األموات يف راحتهم األبدية‪.‬‬ ‫الباب اخلارجي وضغط على زرّ اجلرس‪.‬‬


‫قطب مدهوشًا وعاد ينظر يف شاشة اآللة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫عندها قدم الرجل األنيق الذي ختلص من‬
‫ليس هناك من رقم‪ .‬سأل بصوت مرجتف‪:‬‬ ‫كسائه الداكن وربطة عنقه احلمراء وقميصه‬
‫‪ -‬من أنت؟‬ ‫ناصع البياض‪ ،‬وارت���دى بيجاما زرق��اء من‬
‫أجابه الصوت يف نفس النربة‪:‬‬ ‫احلرير‪ .‬خاطبه مبتسما‪:‬‬
‫‪ -‬ال يهمّك من أكون‪ .‬قلت لك توقف عن‬ ‫‪ -‬قمت بعمل جيّد حتّى اآلن‪ .‬أنت حقًّا‬
‫رفش األرض املقدسة‪ .‬أال تعلم أن املكان الذي‬ ‫عامل متفان‪ .‬ماذا تريد؟‬
‫متعن يف هتكه كان ي��ؤوي معبد تانيت آهلة‬ ‫‪ -‬أذهب لشراء سندويتش وأعود‪.‬‬
‫اخلصوبة واألنوثة والرقة؟‬ ‫عندما عاد حامالً غداءه رآه يقيس الفتحة‬
‫‪ -‬كالم غريب تقوله‪ ،‬لكن أليس من األحرى‬ ‫اليت حفرها يف األرض‪ .‬رفع الرجل عينيه‬
‫أن تقوله لصاحب الفيال‪ ،‬فأنا لست سوى‬ ‫وقال له‪:‬‬
‫أجري ال ميلك القرار‪.‬‬ ‫‪ -‬لقد حفرتَ نصف مرت حتّى اآلن‪ .‬إذا‬
‫‪ -‬سنتك ّفل بصاحب احملل‪ ،‬أمّا أنت فعليك‬ ‫تابعت على هذا املنوال فسوف نصل املاء يف‬
‫أن تتوقف عن احلفر ح��االً كي ال يصيبك‬ ‫غضون أسبوع‪ .‬عندها سوف أستأجر خمتصا‬
‫مكروه‪.‬‬ ‫يف بناء اآلبار وسأجعلك مساعدًا له‪.‬‬
‫‪ -‬وشغلي الذي يوفر يل عشرة دنانري يف‬ ‫انصرف الرجل إىل شؤونه فجلس حممد‬
‫اليوم؟‬ ‫اجلالصي حتت شجرة الصفصاف مسنداً‬
‫‪ -‬هل لديك عنوان إلكرتوني؟‬ ‫ظ��ه��ره إىل ج��ذع��ه��ا ال��ع��ظ��ي��م وأخ����ذ يلوك‬
‫‪ -‬أجل‪.‬‬ ‫السندويتش‪ .‬ما إن فرغ من األكل حتى عاد‬
‫‪ -‬هاته‪.‬‬ ‫يغرز الفأس يف قاع األرض بكل ما أوتي من‬
‫‪mohamedjlassi@gmail.com -‬‬ ‫ق��وة‪ .‬ك��ان قويا طويل القامة مجيل الطلعة‬
‫‪ -‬ستصلك رساليت‪.‬‬ ‫متناسق القسمات كثيف الشعر أسودَهُ حادّ‬
‫وأُقفل اخلط‪.‬‬ ‫ال أنّ حرية السنني األخ�يرة جعلته‬ ‫النظرة‪ ،‬إ ّ‬
‫ظ ّل حممد اجلالصي ينظر إىل اآللة علّه‬ ‫منهك النفس‪ .‬عاد إىل حركات االنتقام اليت‬
‫يعثر على دليل يوصله إىل معرفة صاحب‬ ‫كان يعبّر هبا عن سخطه على هذه الدنيا‪.‬‬
‫املكاملة‪ ،‬لكن الشاشة ظلّت بيضاء‪ .‬أعادها إىل‬ ‫بدأت الشمس تتهيأ للرحيل فرنّ هاتفه‬
‫‪143‬‬ ‫جيبه وغادر احلفرة‪ .‬وضع الفأس والرفش‬ ‫احملمول الذي كان يف جيب سرواله الدجني‪.‬‬
‫ق��رب ش��ج��رة الصفصاف وت��وج��ه إىل باب‬ ‫توقف عن احلفر وأخ��رج اهل��ات��ف‪ .‬نظر يف‬
‫اخلروج‪ .‬قدم صاحب احملل مسرعا ففتح له‬ ‫شاشة اآللة فلم يظهر له رقم مُخاطبه وال‬
‫الباب قائالً‪:‬‬ ‫امس��ه‪ .‬رفعه إىل أذن��ه وه��و يتصبب عرقا‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫تونسية‪ .‬كان يتكلّم العربية بطالقة‪.‬‬ ‫‪ -‬موعدنا غدا يف الصباح الباكر‪ .‬سأكون‬
‫عربية كاليت كان يلقي هبا بعض أساتذته‬ ‫يف انتظارك‪.‬‬
‫باجلامعة حم��اض��راهت��م‪ .‬ال‪ ،‬ال ي��وج��د بني‬ ‫‪ -‬العفو‪ ،‬ولكنّي ق��د ال أع��ود غ���داً‪ .‬لقد‬
‫أصدقائه من له هذه القدرة على التحدث‬ ‫تلقيت مكاملة هت�دّدن��ي ب���األذى إذا واصلتُ‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫بالعربية الفصحى بتلك الطالقة‪ .‬لقد أُلغيَ‬ ‫احلفر يف هذا املكان‪.‬‬
‫اجلانبُ الشفويُّ من االمتحانات اجلامعية‬ ‫‪ -‬غريب‪ .‬ومن هو صاحب املكاملة؟‬
‫وأص��ب��ح الطلبة ال جي��ي��دون التل ّفظ بلغة‬ ‫‪ -‬مل يعطين امسه‪ .‬قال إ ّنه سوف يتصل‬
‫اجل��اح��ظ‪ .‬أخ��ذ يسرتجع بعض الكلمات‪:‬‬ ‫بك‪.‬‬
‫(املكان مقدّس‪ ...‬معبد تانيت‪ )...‬تانيت‪...‬‬ ‫‪ -‬أنا ال أخشى مثل هذه األم��ور‪ .‬صحيح‬
‫تردّدت أصداء الكلمة يف أعماقه‪ .‬هذه الكلمة‬ ‫أن���ي غ����ادرت ال��وظ��ي��ف��ة‪ ،‬ومل ي��ع��د يل نفوذ‬
‫�دل على اس��م جائزة يف مهرجان قرطاج‬ ‫ت� ّ‬ ‫مباشر‪ ،‬لكن أصدقائي يف احلكم كثريون‪ .‬عد‬
‫الدويل للسينما‪ ،‬يعرف هذا جيدا‪ ،‬لكنه مل‬ ‫غداً وسرتى ما أنا فاعل مبن يريد االعتداء‬
‫يتعلّم أنّ تانيت متثل آهلة اخلصوبة واألنوثة‬ ‫على ممتلكاتي‪ .‬أنا حرّ‪ .‬ويل أن أحفر بئراً يف‬
‫وال��ر ّق��ة عند القرطاجيني‪ .‬مل يكن مغرماً‬ ‫أرضي ما دمتُ ال أخالف القانون‪.‬‬
‫بالتاريخ كك ّل‪.‬‬ ‫‪ -‬املعذرة‪ ،‬ولكنّي لن أعرّض نفسي للخطر‬
‫لقد اقتصر اهتمامه على تاريخ األدب‬ ‫من أجل عشرة دنانري يف اليوم‪.‬‬
‫العربي مبراحله اجلاهليّة واألمويّة والعبّاسيّة‪،‬‬ ‫‪ -‬ال تكن سخيفاً‪...‬‬
‫أمّا قرطاج وروما واليونان فقد بدت له أمماً‬ ‫أمسك بيده وخرج إىل الشارع ومشى به‬
‫غابرة ال ينفعه تارخيها يف ش��يء‪ .‬وه��ا هو‬ ‫خطوات إىل اليمني‪ ،‬ثم أشار إىل فيال فخمة‬
‫اليوم يكاد يقتنع ب��أنّ األدب العربي نفسُه‬ ‫وقال‪:‬‬
‫ال ملا عمل ح ّفاراً وهو الذي‬ ‫مل يعد ينفع‪ ،‬وإ ّ‬ ‫‪ -‬هذا جاري‪ ،‬سي ‪ ...‬وال بد أ ّنك مسعت‬
‫حيمل شهادة األستاذية يف اآلداب العربية‬ ‫عن سي ‪ ...‬ونفوذه‪ .‬لن يقدر أحد أن ميسّك‬
‫بكل أحقاهبا‪.‬‬ ‫ب��س��وء‪ .‬إهن���ا م��داع��ب��ة رخ��ي��ص��ة أراد أحد‬
‫ت��و ّق��ف حل��ظ � ًة أم���ام مقهى إن�ترن��ت‪ ،‬ثم‬ ‫أصدقائك أن يزعجك هبا‪.‬‬
‫دخ���ل‪ .‬دف��ع دي��ن��اراً لصاحب احمل��� ّل وجلس‬ ‫شدّ على يده قائال‪:‬‬
‫أمام حاسوب ودخل الشبكة‪ .‬حبث يف بريده‬ ‫‪ -‬ال بد أن تعود غداً يف الصباح الباكر‪.‬‬
‫اإللكرتوني‪ .‬وخفق قلبه بشدّة عندما الحظ‬ ‫وسنرى إن كان التهديد مداعبة أو حقيقة‪.‬‬
‫وجود رسالة بعنوان‪( :‬تانيت)‪ .‬فتح الرسالة‬ ‫قبل أن يفارقه أدخل يده يف سرتة البيجاما‬
‫ثم طلب من صاحب احمل��ل أن يستخرج له‬ ‫وأخرج من حافظة نقوده مخسة دنانري مؤ ّكدًا‬
‫نسخة منها‪ .‬ظلّت الطابعة ت��ص�وّت بتأنٍّ‬ ‫له أنه سوف ميدّه بباقي أجره غداً‪.‬‬
‫حتى طبعت الرسالة‪ .‬سلّم له األوراق‪ :‬مخس‬ ‫عاد حممد اجلالصي إىل بيته يف حرية‪.‬‬ ‫‪144‬‬
‫ورقات مقابل دينارين ونصف‪ .‬أي ربع جرايته‬ ‫لقد أرّقه السؤال حول هوية الشخص الذي‬
‫يف اليوم‪ .‬أخذ األوراق وانطلق إىل بيته‪.‬‬ ‫خاطبه‪.‬‬
‫استقبلته أمّه مُشفقة‪ .‬كان بائس الوجه‬ ‫مل يكن صوتاً معهوداً لديه ومل تكن هلجة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫هذه املصادر أم ال‪ .‬حنبعل مات منذ آالف‬ ‫مغربّه وكان سرواله قد فقد لونه وأصبح بلون‬
‫السنني فهل يقوم من قربه ليدافع عن آهلته؟‬ ‫ال�تراب بينما ا ّتسخ قميصه وتب ّقع بالعرق‪.‬‬
‫وم��ا معنى مجعية بني الكواكب؟ ه��ذه أمور‬ ‫ضمّته إليها ومهست له‪:‬‬
‫تفوق تصوره‪ .‬ال ميكن حلنبعل أن يعود ومل‬ ‫‪ -‬ال بدّ أنك أهنكت نفسك‪.‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫يسمع أنّ ميتا عاد‪ .‬ظلّت هذه الوساوس تشغل‬ ‫أخذت يديه الداميتني وتفحّصتهما‪ .‬قالت‬
‫باله شطرًا من الليل‪ ،‬وكان بني احلني واآلخر‬ ‫مكتئبة‪:‬‬
‫يعود إىل النصّ فيقرأ ثمّ يتو ّقف ثمّ يضعه غري‬ ‫‪ -‬مل ختلق ي���داك ل�لأش��غ��ال ال��ش��اق��ة يا‬
‫بعيد ليطلق العنان ألفكاره‪ .‬هذه القدسية‬ ‫ولدي‪ .‬يداك خُلِقتا للكتابة‪ .‬ملاذا انقلبت هذه‬
‫اليت يتحدث هبا النص عن تانيت هبرته هو‬ ‫الدنيا؟‬
‫الذي تعلّم مدلوالت مجالية النصوص‪ .‬كانت‬ ‫رسم قبلة على خدّها وتوجه إىل احلمّام‬
‫تانيت ربّة القرطاجيني يزوروهنا يف أفراحهم‬ ‫فأخذ دُشًّا وخرج ملتفًّا بالبشكري‪ .‬أحضرت‬
‫وأتراحهم مقدّمني هلا القرابني واهلدايا وحتى‬ ‫له ثيابًا نظيفة ث �مّ وضعت أمامه املائدة‪.‬‬
‫رف���ات أطفاهلم ال��ص��غ��ار‪ .‬فهي رم��ز احلب‬ ‫جلس يأكل بينما ظلّت هي تنظر إليه‪ .‬سألته‬
‫واألنوثة واألمومة‪ ،‬قرينة الرب بعل حامون‬ ‫أخريًا‪:‬‬
‫أعظم إله عندهم‪( .‬ياتي حممد اجلالصي‪،‬‬ ‫‪ -‬هل تغديت؟‬
‫طالب فاشل يف اجتياز (الكاباس) ابن حي‬ ‫‪ -‬أجل‪.‬‬
‫شعيب يعج بالبؤساء‪ ،‬وينهال على كل تلك‬ ‫‪ -‬ماذا أكلت؟‬
‫املقدسات بفأسه‪ ،‬يثري األموات وربة األموات‪،‬‬ ‫‪ -‬سندويتش‪.‬‬
‫يدنس رمز احلب والرقة‪ ،‬وال يبايل بأمّ أمّة‬ ‫‪ -‬وماذا اشتغلت طيلة اليوم؟‬
‫صنعت أرق��ى حضارة يف املتوسط‪ ! ‬أليس‬ ‫‪ -‬ح ّفاراً‪.‬‬
‫هذا هو اخلور بعينه؟ أليس هذا أبشع عبث‬ ‫‪ -‬أمل جتد سوى هذه املهنة؟‬
‫يسجّل يف تاريخ اإلنسانية اليت فقدت معاني‬ ‫‪ -‬ع��ن��دم��ا جت��دي��ن أف��ض��ل م��ن��ه��ا دليين‬
‫القداسة‪ ،‬ورموز احلب‪ ،‬ومسو الروح؟) أدرك‬ ‫عليها‪! ‬‬
‫ما كانت تعنيه تلك التسمية‪( :‬مجعية الدفاع‬ ‫ان��زوى يف غرفته ما أن فرغ من العشاء‪.‬‬
‫عن احلضارات بني الكواكب)‪.‬‬ ‫استلقى على السرير وأخذ األوراق وشرع يف‬
‫(ال‪ ،‬لن أعود إىل احلفر ونبش القبور حتى‬ ‫قراءهتا بانتباه شديد رغم اإلرهاق الذي كان‬
‫ل��و أعطاني صاحب البيت مائة دي��ن��ار يف‬ ‫يدفعه للنوم‪ .‬مل يعرف مصدر الوثيقة إ ّ‬
‫ال‬
‫اليوم‪ .‬لكن من يكون حنبعل هذا الذي كتب‬ ‫حني قرأ الصفحة األخرية‪ :‬مجعية احملافظة‬
‫هذا النص اجلميل بعربية نقية‪ ،‬وبشاعرية‬ ‫على احل��ض��ارات بني الكواكب‪ .‬أع��اد قراءة‬
‫رقيقة؟ أهو استعارة ترمز إىل أعظم قائد‬ ‫اإلمضاء م �رّات متتالية كي يتأ ّكد من اسم‬
‫‪145‬‬ ‫صنعه التاريخ القديم أم ماذا؟ ومن تكون هذه‬ ‫رئيس اجلمعيّة‪( :‬حنبعل)‪ .‬كان استغرابه على‬
‫اجلمعية بني الكواكب؟ هل يقف وراءها سكان‬ ‫أشدّه‪ .‬ال بدّ أن تكون هذه التسميات تغطية‬
‫كوكب آخر؟ أسئلة مل يظفر هلا بأجوبة‪ ).‬بعد‬ ‫لفاعلني حقيقيني وراءهم مصاحل خفية‪ .‬أخذ‬
‫تفكري مضن‪ ،‬قال يف نفسه‪( :‬فليذهبوا كلهم‬ ‫يتساءل حمتاراً ال يدري إن كان عليه تصديق‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪ -‬لكين لن أع��ود إىل حفر البئر‪ .‬قال يل‬ ‫إىل اجلحيم‪ .‬لن أعود إىل حفر قرب تانيت‬
‫الصوت إنه سيؤذيين إذا فعلت‪.‬‬ ‫أو معبدها كما يدّعي ه��ذا احلنبعل‪ .‬غدا‬
‫ساد الصمت بني الرجلني ثم عاد صاحب‬ ‫أعود لصاحب الفيال وأعلمه بقراري‪ ،‬وأطلب‬
‫الفيال يقرتب من حممد اجلالصي هامسًا‪:‬‬ ‫بقية أجرتي‪ ،‬والسالم عليكم‪ .‬بوزيد مكسي‪،‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫‪ -‬اكتم هذا األمر وأنا أساعدك‪.‬‬ ‫بوزيد عريان‪).‬‬
‫‪ -‬مباذا؟‬ ‫كان ذلك قراره قبل أن يستسلم للنعاس‪.‬‬
‫‪ -‬أطلب وسوف أرى‪.‬‬ ‫أيقظه أب���وه قبل أن خي��رج إىل العمل‪،‬‬
‫‪ -‬هل متكنين من (الكاباس)؟‬ ‫فتكاسل قليال‪ ،‬ثم هنض‪ .‬بعد الفطور توجه‬
‫ظ ّل الرجل يف ّكر بره ًة‪ ،‬ثمّ قال له وهو‬ ‫إىل الفيال الفخمة‪ .‬عندما وصل إليها وجد‬
‫يضع يده على كتفه بامسًاً‪:‬‬ ‫الرجل األنيق ببيجاماه الزرقاء يرتقبه‪ .‬حاملا‬
‫‪ -‬للوصول إىل الكاباس الب �دّ من املرور‬ ‫دخل قال له مرتددا‪:‬‬
‫ببئر الوزير‪.‬‬ ‫‪ -‬لقد اتصل بي شخص وهددني مثل ما‬
‫استغرب حممد اجلالصي االق�تراح‪ ،‬فهو‬ ‫فعل معك‪ .‬ذهبت يف احلال إىل جاري سي‬
‫يعرف ضاحية برج الوزير جيّدًا‪ ،‬وهي من‬ ‫‪ ...‬وحتدثت معه يف املوضوع‪ ،‬فضحك مين‬
‫الضواحي اليت ال وج��ود فيها أليّ��ة مؤسّسة‬ ‫وق��ال يل إنه م��زاح ثقيل ال جيوز أن نعطيه‬
‫إداريّة ذات عالقة بالشهادات اجلامعيّة‪ .‬رمبا‬ ‫أي أمهية‪ ،‬ثم اتصل يف احلني برئيس مركز‬
‫كان يعين تلك الضاحية؟ لذلك مل جيد بدًّا‬ ‫الشرطة وطلب منه أن يشدد احلراسة حول‬
‫من السؤال‪:‬‬ ‫الفيال‪.‬‬
‫‪ -‬م����اذا ت��ق��ص��د؟ ه��ل أص��ب��ح��وا جيرون‬ ‫صمت قليال ثم سأله مرتددا‪ً:‬‬
‫اختبارات الكاباس يف برج الوزير؟‬ ‫‪ -‬ما رأيك؟‬
‫حتوّلت ابتسامة الرجل إىل قهقهة طويلة‪،‬‬ ‫‪ -‬ب��ص��راح��ة‪ ،‬أن��ا ل��ن أع���ود للحفر‪ ،‬فقد‬
‫ثمّ قال وهو يكاد يشرق بالكلمات‪:‬‬ ‫أعلمين الصوت ال��ذي اتصل بي أنّ املكان‬
‫‪ -‬ال أقصد ضاحية برج الوزير‪.‬‬ ‫حيتوي على معبد تانيت اإلهلة القرطاجية‬
‫‪ -‬مل أفهم بعد‪.‬‬ ‫املعروفة‪ .‬ملاذا ال تعلم معهد اآلثار؟‬
‫‪ -‬سي ‪ ...‬هل تعرفه؟‬ ‫انقبضت مالمح الرجل وتقدم من حممد‬
‫‪ -‬رأيته على شاشة التلفزة أكثر من مرّة‪.‬‬ ‫اجلالصي هامسًاً‪:‬‬
‫‪ -‬فهل تعرف أ ّنه يستمتع بـــ (مساعدة)‬ ‫‪ -‬إي��اك أن تعود إىل ه��ذا املوضوع أو أن‬
‫الشبان الفحول مثلك‪.‬‬ ‫خترب به أحدا‪.‬‬
‫‪ -‬مل أفهم‪.‬‬ ‫‪ -‬ملاذا؟‬
‫ستفهم فيما بعد‪ .‬أمّا اآلن فسأحاول أن‬ ‫‪ -‬سوف يستولون على الفيال وحيولوهنا‬
‫أضبط لك موعدًا معه هذا املساء‪ .‬قد تروق‬
‫له فتصل إىل مبتغاك‪.‬‬
‫إىل متحف‪ .‬ال‪ .‬ال‪ .‬ال أريد مغادرة هذا املكان‬
‫ال��ذي حلمت طيلة حياتي بامتالكه‪ ،‬املكان‬
‫‪146‬‬
‫‪ -‬واحلفر؟‬ ‫الذي يتيح يل اإلقامة بني أهل العقد واحلل‪،‬‬
‫‪ -‬نؤجله إىل فرصة أخ��رى‪ .‬عد اآلن إىل‬ ‫أرقى مكان للسكن يف كل البالد‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫حنبعل‪).‬‬ ‫بيتك وعند املساء س��وف أخاطبك بعد أن‬
‫ق���رأ ال��رس��ال��ة م��رت�ين وه���و غ�ير مصدق‬ ‫أكون قد حتدثت إىل سي ‪ . ...‬هل لك رقم‬
‫عينيه‪ .‬لكنه دون ترقب وال تفكري اندفع يكتب‬ ‫هاتف؟‬
‫إىل اجلمعية يقرتح عليها االنضمام إليها‪.‬‬ ‫أعطاه الرقم‪.‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫كانت رسالة قصرية باللغة العربية‪ .‬نقر على‬ ‫عاد حمد اجلالصي إىل الكرم الغربي وهو‬
‫(ابعث) فانطلقت الرسالة عرب متاهات الربيد‬ ‫غري راض عن نفسه‪ .‬هذا العمل تركه‪ ،‬وهذا‬
‫اإلل��ك�ترون��ي ت��ارك��ة حممد اجل�لاص��ي خيمّن‬ ‫صاحب الفيال وعده مبقابلة سي ‪ ...‬ويعرف‬
‫أي��ن يكون ه��ذا احلنبعل ال��ذي يتجرأ على‬ ‫جيداً أن سي ‪ ...‬من ذوي النفوذ الكبري‪ .‬لكنه‬
‫وضع عنوانه اإللكرتوني للعموم‪ ،‬وهو يعلم‬ ‫مل يفهم أشياء أخرى رمبا يطلبها منه سي‬
‫جيداً مدى مراقبة أعوان أمن الدولة للربيد‬ ‫‪ ...‬مقابل مساعدته على نيل (الكاباس)‪.‬‬
‫اإللكرتوني‪.‬‬ ‫ثم إنّ حنبعل أو حنبعل امل��زع��وم ك��ان وراء‬
‫عاد إىل بيته مشوّش الفكر‪ .‬أحداث غريبة‬ ‫كل هذه الزوبعة‪ .‬كيف ميكنه االتصال به‪،‬‬
‫يصعب تصديقها عاشها منذ أن أثار تراب‬ ‫والتعرف عليه؟ وقف أمام شجرة الصنوبر‬
‫حديقة الفيال الفخمة بقرطاج‪ .‬ان��زوى يف‬ ‫السامقة جبانب الطريق الرئيسية قرطاج‬
‫غرفته مستلقياً على سريره يف ّكر يف قرطاج‬ ‫حلق ال���وادي‪ .‬رف��ع رأس��ه لينظر إليها وهي‬
‫وتانيت وحنّبعل حتى أخذه النعاس‪ .‬وما إن‬ ‫ترتفع إىل عنان السماء غري مبالية حبماقات‬
‫غرق فيه حتى استوىل عليه كابوس كاد يكتم‬ ‫ال��ب��ش��ر‪ .‬أس��ن��د ظ��ه��ره إل��ي��ه��ا وأخ���ذ هاتفه‬
‫أنفاسه‪ .‬هنض مذعوراً يرجتف وقد تصبّب‬ ‫احملمول وانربى يبحث عن إحداثيّات مكاملته‬
‫جسده عر ًقا‪ .‬ظل يف مكانه واضعاً يديه على‬ ‫مع حنبعل‪ .‬وجد اليوم والساعة لكنه مل جيد‬
‫ركبتيه تائهاً وقد أخذت صور احللم تتقاطر‬ ‫رقم املخاطب‪ ،‬قرأ املالحظة بني قوسني (غري‬
‫يف ذاكرته كشريط مرعب‪.‬‬ ‫معروف) فابتسم وقال يف نفسه‪( :‬حنبعل غري‬
‫تذكر مشاهد احللم‪ ،‬كانت الصور تتدفق‬ ‫معروف‪ )! ‬عاد ميشي اهلوينا وهو يف ّكر يف‬
‫يف خميلته كالسيل اهلدار‪.‬‬ ‫كل ما حدث له خالل هذين اليومني‪ ،‬حتّى‬
‫رأى نفسه يف احللم حيفر البئر اليت بدأها‬ ‫وقع نظره على واجهة حم ّل عموميّ لإلنرتنت‪.‬‬
‫منذ األمس‪ ،‬لكنّه يصل إىل عمق كبري‪ ،‬حتّى‬ ‫توجه إىل احمل ّل ودخل‪ .‬وبعد أن دفع ديناراً‬
‫أ ّن��ه حني يرفع رأس��ه ال يرى من السماء إ ّ‬
‫ال‬ ‫للفتاة القائمة على الدكان جلس إىل حاسوب‬
‫قرصًا أزرق بعيدًا‪ ،‬بينما هو يف داخل البئر‬ ‫وطلب بريده اإللكرتوني‪ .‬وجد رسالة بعنوان‬
‫حماصر ب��ال�تراب م��ن ك��ل اجل��ه��ات‪ .‬ث �مّ رأى‬ ‫(حنبعل) فخفق قلبه وأسرع يفتحها‪ ،‬والتهم‬
‫قاع البئر ينفرج فجأةً عن شبح أسود يشبه‬ ‫النص‪:‬‬
‫نساء الشرق احملجبات بالسواد‪ .‬ورأى الشبح‬ ‫(مج��ع��ي��ة ب�ي�ن ال��ك��واك��ب ت��ش��ك��رك على‬
‫‪147‬‬ ‫يرتفع إىل بقعة السماء الزرقاء اليت يأتيه‬
‫منها النور‪ .‬أخذ قلبه خيفق بشدّة وهو يتذكر‬
‫االمتثال لطلبها بالتوقف عن تدنيس معبد‬
‫تانيت‪ ،‬وتقرتح عليك االنضمام إليها للدفاع‬
‫ذل��ك املشهد‪ .‬فما إن ارتفع الشبح األسود‬ ‫عن احلضارة القرطاجية‪ .‬ميكنك مراسلتنا‬
‫حتى خرج وراءه سرب من األشباح السوداء‬ ‫عن طريق العنوان التايل‪ :‬ج ب ك د ع ح @‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫وخرج إىل الشارع‪ .‬كان عازماً على ملء الفراغ‬ ‫كالغربان‪ ،‬مروا من أمامه بسرعة وطاروا‬
‫الذي حياصره منذ أن غادر اجلامعة‪ .‬قرر أن‬ ‫إىل أعلى البئر‪ ،‬وجتمعوا حوله يف حلقة‬
‫يعود إىل املكتبة الوطنية‪ .‬ليس من أجل األدب‬ ‫غطت نور السماء‪ .‬شعر باالختناق ومل يعد‬
‫بل رغب ًة يف معرفة حضارة قرطاج القدمية‪.‬‬ ‫يبلغه نور الشمس وأظلم املكان إال من بقع‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫كيف ميكنه االنتماء إىل مجعية تعنى بالدفاع‬ ‫قليلة كانت تتسرب منها بعض أشعة النهار‪.‬‬
‫عن احلضارات القدمية بني الكواكب وهو ال‬ ‫ظلّت الصورة ترتاقص أمام عينيه‪ ،‬صورة‬
‫يعرف حتى أقرب احلضارات اجلامثة حتت‬ ‫النساء ال��ط��ائ��رات يكسوهنّ ال��س��واد وهنّ‬
‫الرتاب غري بعيد عن باب داره؟‬ ‫حيلّقن حول البقعة الزرقاء اليت يأتيه منها‬
‫استقل قطار (ت ج م) حتى شارع احلبيب‬ ‫النور‪ .‬لفت انتباهه أنّ وجوههن مل تكن سافرة‬
‫بورقيبة واندفع يسري يف املمر العريض حتف‬ ‫ب��ل مغطاة بالسواد مثل بقية أجسادهن‪.‬‬
‫به أشجار الدلب الوارفة وهو ال يبايل بازدحام‬ ‫أغمض عينيه ألنّ الصورة كانت حقا مرعبة‪.‬‬
‫السيارات وال بصفارات رجال الشرطة‪ ،‬فهذه‬ ‫فظهرت صورة أخرى أكثر رعباً‪ ،‬إذ ارتفعت‬
‫املدينة أصبحت مزدمحة كامل اليوم‪ .‬منذ أن‬ ‫أصوات نسائية ترتل تعاويذ بلغة مل يسمعها‬
‫دخلتها العوملة وحتول أهلها إىل مستهلكني ال‬ ‫من قبل‪ .‬وكانت ج��دران البئر متعن يف ردّ‬
‫همّ هلم سوى اجلري وراء رفاهية ظاهرة ختفي‬ ‫الصدى فأحس جبسده يرتج وهو حماصر‬
‫كثريا من الكبت والتعاسة‪ .‬مل يعد يبايل بشيء‬ ‫بالظلمة‪ ،‬بينما أخذت األصوات تتعاظم حتّى‬
‫منذ أن تأكد أنّ (الكاباس) أصبح صعب املنال‬ ‫لكأ ّنها تثقب أذنيه‪ .‬كان النشيد حزيناً‪ ،‬شبيهًا‬
‫ما دام ال ميتلك النقود وال ينتمي إىل أسرة‬ ‫بالنواح املؤثر‪ .‬وكلما ازدادت األصوات ارتفاعاً‬
‫من أصحاب النفوذ‪ .‬هكذا اقتنع كما اقتنع‬ ‫ازداد ارجتاف جسده‪ ،‬حتى أطلق صرخة ظ ّل‬
‫جل أصدقائه الذين يشاطرونه نفس الوضع‪.‬‬ ‫صداها يف أذنيه حتى بعد أن أفاق من نومه‪.‬‬
‫اليوم نسي (الكاباس) ونسي كل اإلشاعات‬ ‫وها هو اآلن‪ ،‬وهو جيلس يف سريره‪ ،‬يشعر‬
‫اليت حتوم حوله‪ .‬أصبح مهّه معرفة حضارة‬ ‫بتلك الصرخة تنفجر داخله‪.‬‬
‫قرطاج القدمية‪ .‬رمبا يكون وراءه��ا احلل‪.‬‬ ‫مل يتحرك من مكانه‪ .‬ظ ّل شارد الذهن‪،‬‬
‫فاحلضارة احلديثة أغلقت يف وجهه أبواهبا‪،‬‬ ‫ع��اج �زًا حتى ع��ن التفكري‪ .‬لذعته سياط‬
‫ألهنا ال تقبل سوى املستهلكني‪ ،‬وهو ال ميلك‬ ‫الرطوبة جرّاء ثيابه املبلّلة بالعرق فتوجه إىل‬
‫ما ميكنه أن يستهلك س��وى األدب القديم‬ ‫احلمام وفتح ال��دشّ وأسلم جسده إىل املاء‬
‫واحلديث‪ ،‬بضاعة مل يعد يستهلكها أحد‪.‬‬ ‫البارد‪ .‬كان الطقس أواخر الصيف‪ ،‬فأنعشه‬
‫كان االزدحام على أشدّه يف األسواق العتيقة‬ ‫امل��اء البارد املتصبب على جسده وأع��اد له‬
‫ويف أزقتها الضيقة‪ .‬أزعجته أسراب السياح‬ ‫حيويته‪ ،‬إىل أن تالشت تلك الصور املرعبة‬
‫شبه ال��ع��راة جب��ل��وده��م احمل��م��رة ونظراهتم‬ ‫اليت أفسدت عليه حلمه‪ .‬عاد إىل فراشه لكن‬
‫الشاردة‪ ،‬فلَطاملا اعتربهم سلعة لالستهالك‬ ‫النوم مل يكحّل عينيه حتى الصباح‪ .‬عندما‬ ‫‪148‬‬
‫مثل ج� ّل السلع ال��واف��دة على ال��ب�لاد‪ .‬لكنه‬ ‫طرق أبوه الباب ليوقظه هنض من فراشه ثم‬
‫تسلل بني تلك األجساد الطرية حتى وصل‬ ‫خرج من الغرفة فوجد أمه تعدّ فطور الصباح‪.‬‬
‫أمام باب مكتبة العطارين‪ .‬وجل باهبا العريض‬ ‫مل يكاشف والديه بشيء‪ .‬تناول فطور الصباح‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫العطارين خاطبه صاحب الفيال الفخمة‬ ‫فصدمته رائحة الرطوبة املندفعة من الداخل‪.‬‬
‫وأعلمه أنّ الوزير يف رحلة وأ ّنه سوف يتصل‬ ‫استظهر ببطاقة مشرتك ودخ��ل إىل قاعة‬
‫به حاملا يعود‪ ،‬وطمأنه أنّ قضيته يف الطريق‬ ‫فسيحة ليحجز كرسيًّا قبل أن تفد مجوع‬
‫الصحيح‪ .‬فأعلم أباه بتخليه عن العمل حيث‬ ‫الطلبة‪ ،‬وهم القالئل الذين ما زالوا يعطون‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫كان عليه االستعداد من جديد خلوض امتحان‬ ‫للكتاب قيمة ويعتنون به‪ ،‬ولع ّل هذه العناية‬
‫(الكاباس) هلذه السنة‪ .‬فغضب أبوه وتدخلت‬ ‫ال مبقدار طول سنوات الدراسة‪،‬‬ ‫لن تطول إ ّ‬
‫أمّه تدافع عنه قائلة بصوت أجش‪:‬‬ ‫ثمّ يصبح الكتاب يف نظرهم جزءًا من الرتاث‬
‫‪ -‬أستاذ وبشهادته يشتغل حفاراً‪ .‬هذا ظلم‬ ‫يُنظر إليه من بعيد‪.‬‬
‫يا رب العباد‪! ‬‬ ‫دخل قاعة الفهارس وطفق يتصفح بطاقات‬
‫ثم أجهشت بالبكاء‪.‬‬ ‫الكتب املخصصة للحضارة القرطاجية‪ .‬قليل‬
‫ع��ن��دم��ا أ ّ‬
‫مت م��ط��ال��ع��ة ك��ت��اب ف��ن��ط��ر عن‬ ‫من الكتب باللغة العربية وكثريها بالفرنسية‬
‫احلضارة القرطاجية قرر أن يراسل حنبعل‪.‬‬ ‫أو اللغات األوروبية األخرى‪ .‬وهو يتصفح تلك‬
‫بعث له بالربيد اإللكرتوني رسالة قصرية‪:‬‬ ‫البطاقات الصفر تذكر أن مؤرخاً تونسياً نبغ‬
‫(إن���ي ع��ل��ى اس��ت��ع��داد للنضال م��ن أجل‬ ‫يف تاريخ قرطاج‪ .‬حبث عن البطاقة‪ ،‬كانت‬
‫ال��ت��ع��ري��ف ب��احل��ض��ارة ال��ق��رط��اج��ي��ة‪ .‬لكنين‬ ‫باللغة الفرنسية‪ .‬يظهر أنّ العرب عادوا هذه‬
‫أفتقر إىل ش��يء من املساعدة امل��ادي��ة‪ ،‬هل‬ ‫احلضارة القدمية بعد أن اكتشفوا أ ّنها يف‬
‫لدى اجلمعية أشخاص يُمكنين االتصال هبم‬ ‫حقيقة األمر حضارة شرقية ذات صلة رحم‬
‫للتحاور وتبادل املعلومات؟)‬ ‫باحلضارة العربية‪ .‬لكنه مل يستغرب شيئا‬
‫نقر على (ابعث) وظل يف ّكر‪ .‬ومل متض‬ ‫يف عامل فقد كثريا من معامله‪ .‬قال يف نفسه‬
‫بعض الدقائق حتى جاءه الرد‪:‬‬ ‫فليكن كتاب ه��ذا الرجل املتمرغ يف تراب‬
‫(سنتصل بك عن طريق اهلاتف‪).‬‬ ‫هذه احلضارة القدمية‪ .‬طلب الكتاب‪ ،‬كان‬
‫غ���ادر حم��ل اإلن�ترن��ت وي���ده على هاتفه‬ ‫يف جزأين فيما يقارب ‪ 800‬صفحة‪ ،‬وكان‬
‫احملمول‪ ،‬وما إن وصل بيته حتى رنّ اهلاتف‪.‬‬ ‫مكتوباً بالفرنسية‪ .‬تأسّف أل ّنه مل يكن جييد‬
‫رفعه إىل أذنه‪:‬‬ ‫فضل منذ صغر سنّه لغة‬ ‫هذه اللغة‪ ،‬فقد ّ‬
‫‪ -‬آلو‪.‬‬ ‫اجلاحظ على لغة فولتري‪ ،‬لكنّ عليه اليوم أن‬
‫‪ -‬هنا حنبعل‪ .‬أشكرك على تلبية دعوتنا‪.‬‬ ‫يتجاوز تلك العراقيل من أجل النفاذ إىل كتاب‬
‫ما نوع املساعدة اليت ترغب فيها؟‬ ‫التاريخ حلسني فنطر بأسلوبه األكادميي‬
‫ظ ّل صامتا للحظة‪ ،‬ثم قال مرتددا‪ً:‬‬ ‫امل��ت�ين‪ .‬مل يشعر مب��رور ال��وق��ت‪ ،‬ومل يغادر‬
‫‪ -‬ال أملك حاسوبا ألتصل بكم باستمرار‪.‬‬ ‫ال عند الساعة الثانية حني‬ ‫مكتبة العطارين إ ّ‬
‫‪ -‬س��ن��زودك حب��اس��وب‪ ،‬لكنّه لن مي ّكنك‬ ‫دق اجل��رس معلنًا عن موعد إغالقها‪ .‬ومل‬
‫‪149‬‬ ‫ال بنا فنحن ال نستعمل يف‬ ‫م��ن االت��ص��ال إ ّ‬ ‫يكن كتاب فنطر عن احلضارة القرطاجية‬
‫اتصاالتنا طرق اتصاالت األرضيني‪ .‬لدينا‬ ‫لإلعارة‪ ،‬فاضطر إىل العودة إليه طيلة أسبوع‬
‫شبكتنا اخلاصة بنا وه��ي ال�تي متكنين من‬ ‫كامل‪.‬‬
‫خماطبتك دون أن نتعرض للمراقبة‪.‬‬ ‫يف م��س��اء ال��ي��وم األول ل��زي��ارت��ه ملكتبة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫الصنوبر السامقة حتى أدرك خشبة املسرح‪.‬‬ ‫لزم حنبعل الصمتَ للحظةٍ ثم عاد يقول‪:‬‬
‫كانت تسبح يف ظالم عميق‪ .‬لكنه اهتدى إىل‬ ‫‪ -‬ه��ل ميكنك ال��ذه��اب ه��ذه الليلة إىل‬
‫طريقه بسرعة كالقط ال�بري‪ .‬هذه األماكن‬ ‫املسرح األثري بقرطاج؟‬
‫مل تكن غريبة عنه‪ .‬كان يأتيها يف صباه مع‬ ‫‪ -‬بالطبع‪.‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫أصدقائه ليصطادوا العصافري‪ .‬ثم أتاها يف‬ ‫‪ -‬ادخ��ل إليه خفية‪ ،‬س��وف جت��د هناك‬
‫شبابه ليختلي مع أوىل حبيباته‪ .‬ولكن ما إن‬ ‫حت��ت خشبة امل��س��رح ص��ن��دوق��ا أس����ود‪ ،‬به‬
‫أخذت إخفاقاته يف (الكاباس) تتكرر حتى‬ ‫احلاسوب وبعض النصوص ختصّ احلضارة‬
‫انزوى على نفسه يلوك خيباته‪.‬‬ ‫القرطاجية‪ .‬حاول أال ينتبه إليك أحد‪.‬‬
‫تسرب خبفة حتت خشبة املسرح‪ ،‬وانربى‬ ‫انقطع اخلط‪ ،‬لكن حممد اجلالصي ظ ّل‬
‫يتفحّص األشياء املرتوكة هناك‪ ،‬كانت أنوار‬ ‫يضع آل��ة اهلاتف على أذن��ه ف�ترة من الزمن‬
‫جامع العابدين تتسرب إليه ترشده حتى عثر‬ ‫مف ّكرًا يف مكاملته مع حنبعل‪ .‬وما إن عمّ الليل‬
‫على الصندوق األس��ود‪ .‬أخ��ذه بني أحضانه‬ ‫حتى غادر بيته متجهاً إىل املسرح األثري‪.‬‬
‫وانطلق عائداً إىل بيته‪.‬‬ ‫مل يكن هذا املسرح بعيداً عن بيته‪ ،‬خاصة‬
‫ما إن انزوى يف غرفته حتّى فتح الصندوق‪،‬‬ ‫وهو العارف بكل املسالك يف هذه البقعة من‬
‫فوجد فيه رزمة من األوراق ملفوفة يف جملدات‬ ‫األرض اليت أصبح هلا وضع خاص عنده بعد‬
‫صغرية‪ .‬أخرجها من الصندوق ووضعها على‬ ‫أن ع��رف ج��ذوره��ا وت��أك��د م��ن رسوخها يف‬
‫الطاولة‪ .‬كانت خيبته كبرية عندما مل يعثر‬ ‫عمق التاريخ وحضارة اإلن��س��ان‪ .‬مل يسلك‬
‫على احلاسوب ال��ذي ك��ان يتوقعه كبرياً يف‬ ‫فضل املرور بني أزقة‬ ‫الطريق الرئيسية‪ ،‬بل ّ‬
‫حجم احلواسيب احملمولة اليت تعمّر األسواق‬ ‫ومنعطفات ال��ك��رم الغربي حتى وص��ل إىل‬
‫هذه األيام‪ .‬مل يقدر أبوه على اقتناء حاسوب‬ ‫ربوة بريصا‪ .‬توقف هناك ينظر من بعيد إىل‬
‫ولو بالتقسيط‪ ،‬فأين له بألفي دينار‪ ،‬وراتبه‬ ‫الكاتدرائية وذهنه يستحضر ما ق��رأه عن‬
‫ال يتعدى مخسمائة دينار يف الشهر؟ اكتفى‬ ‫بعل حامون ومعبده الشامخ ال��ذي انتصب‬
‫حم��م��د اجل�لاص��ي هب��ات��ف حم��م��ول اشرتته‬ ‫على هذه الربوة مئات السنني‪( .‬هنا أيضا‬
‫له أمّ��ه‪ .‬لكنه وجد يف قاع الصندوق‪ ،‬علبة‬ ‫لن ي�ترك حنبعل أح��داً يثري ال�تراب املقدس‬
‫صغرية ملفوفة يف ورق قرمزي‪ .‬أسرع يفتحها‬ ‫للقرطاجيني‪ ).‬ومل يكن صعبا أن ينحدر‬
‫وإذا بداخلها آلة عجيبة غريبة مل ير مثلها‬ ‫إىل املسرح األثري‪ ،‬بقايا االحتالل الروماني‬
‫يف حياته حتى على شاشات التلفزة‪ .‬كانت‬ ‫هلذه املدينة بعد أن قضت روما على أهلها‬
‫اآللة ملفوفة يف ورق شفاف يشبه السيلوفان‪.‬‬ ‫وزرعت فيها اخلراب‪ ،‬وتركتها تبكي أمواهتا‬
‫أخرجها من ورقها وإذا هبا حتتوي على حبة‬ ‫أكثر من مائيت سنة‪ .‬كان املسرح خالياً من كل‬
‫صغرية م���دورة وك��رة يف حجم ك��رة التنس‪.‬‬ ‫حركة‪ .‬فقد انتهت حفالت مهرجان قرطاج‬
‫ظل حمتارا يف أمر هاتني القطعتني‪ ،‬كرتني‬ ‫وصخبها الليلي وازدحام متفرجيها‪ .‬أضحت‬ ‫‪150‬‬
‫خمتلفيت احلجم مل يدر ملاذا تصلحان‪ .‬عاد‬ ‫خالية من كل حركة‪ .‬مل تبق سوى احلواجز‬
‫يبحث يف ال��ص��ن��دوق ف��وج��د ورق���ة مكتوبة‬ ‫احل��دي��دي��ة تسد م��دخ��ل امل��س��رح‪ .‬ختطاها‬
‫باللغة العربية‪ .‬فتحها وقرأ‪:‬‬ ‫حممد اجلالصي وانساب بسرعة بني أشجار‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫ومضنٍ أخذ هاتفه احملمول وطلب حنبعل‪،‬‬ ‫(أيّ��ه��ا األرض���يّ حنيّيك‪ ،‬ونشكرك على‬
‫جاءه الصوت املعهود يقول‪:‬‬ ‫االنضمام إىل مجعيتنا ال�تي تضم أعضاء‬
‫‪( -‬آل������و‪ ،‬أه��ل�ا وس���ه�ل�ا ب���ك ي���ا حممد‬ ‫م��ن ب��ق��اع ع��دي��دة م��ن األرض وآخ��ري��ن من‬
‫اجلالصي‪ .‬هل متكنت من الصندوق؟‬ ‫ق��امن��اد‪ ،‬وه��و كوكب بعيد ع��ن األرض لكن‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫‪ -‬إنه جبانيب‪ ،‬وقد فتحته‪...‬‬ ‫سكانه يشبهون سكان أرضك‪ .‬جتد صحبة‬
‫‪ -‬إذن مل ت��ع��د يف ح��اج��ة إىل اهلاتف‪.‬‬ ‫هذه الورقة حاسوبا صنعناه لك خصيصا‪.‬‬
‫خاطبين مباشرة عن طريق احلاسوب‪.‬‬ ‫وهو حيتوي على آلة صغرية توضع يف األذن‬
‫‪ -‬لكن ‪...‬‬ ‫متكنك من التخاطب معنا وإرسال رسائلك‬
‫‪ -‬أفهم أ ّنك ال جترؤ على استعماله‪ .‬ولكن‬ ‫الشفوية‪ .‬ال ميكنك استعمال الرسائل املكتوبة‬
‫تلك هي التكنولوجيا املتطورة‪ .‬ح��اول اآلن‬ ‫ألننا ال نتعامل بالكتابة يف اتصاالتنا‪ .‬أما‬
‫وضع الكرة الصغرية يف أذنك‪.‬‬ ‫اآللة األخرى فهي متكنك من نشر الشاشة‬
‫بعد حلظة من الرتدد رفع احلبّة إىل أذنه‬ ‫االفرتاضية اليت تبث لك الصور والنصوص‬
‫وأدخلها ويده ترجتف‪ .‬قال متلعثما‪:‬‬ ‫واألف�لام‪ ،‬كما ميكنك الكتابة عليها دون أن‬
‫‪ -‬لقد فعلت‪.‬‬ ‫تتمكن من طبع ما تكتب‪.‬‬
‫‪ -‬هذا جيد‪ .‬أمسعك اآلن بشكل أفضل‪.‬‬ ‫أما تشغيلهما فال يتطلب معرفة مسبقة‪،‬‬
‫أقفل هاتفك واطلب الشاشة االفرتاضية‪.‬‬ ‫عليك بوضع الكرة الصغرية يف إحدى أذنيك‪.‬‬
‫مل يعرف كيف يطلب هذه الشاشة‪ .‬تعلم‬ ‫ال أن ختاطبها‬ ‫أمّا الكرة الكبرية فما عليك إ ّ‬
‫الضغط على األزرار يف أقصى احلاالت أمّا أن‬ ‫لتنشر أمامك الشاشة االفرتاضية‪).‬‬
‫خياطب آلة‪ ،‬فلم يستسغ عقله هذه الطريقة‪.‬‬ ‫قرأ النص مرتني‪ ،‬وظل حائراً‪ .‬مل جيرؤ‬
‫مسع حنبعل يقول له‪:‬‬ ‫على ملس الكرتني منذ أن قرأ النص‪ .‬عاد إىل‬
‫‪ -‬قل هلا فقط أريد الشاشة االفرتاضية‪.‬‬ ‫الورقة يقرأها من جديد‪ .‬وطفق يتساءل‪:‬‬
‫أع���اد اجلملة م��ت�ردداً فانتصبت أمامه‬ ‫(م��ن ال��ذي بعث بالصندوق األس���ود؟ ومن‬
‫شاشة بيضاء مألت جدار غرفته‪ .‬ظ ّل ينظر‬ ‫وضعه حت��ت خشبة امل��س��رح؟ وه��ذه اآلالت‬
‫مشدوهاً حتى مسع حنبعل يقول‪:‬‬ ‫مل تصنع يف األرض إذن؟ من يقف يا ترى‬
‫‪ -‬اآلن أت��رك��ك فقد متكنت م��ن تشغيل‬ ‫وراء كل هذه األشياء؟ أال تكون سي آي إي؟‬
‫اآللتني‪ .‬إذا رغبت يف االتصال عليك أن تعيد‬ ‫إ ّنه ال يشكّ مطل ًقا يف وجودها بقرطاج‪ ،‬بل‬
‫ولو يف سرّك‪:‬‬ ‫إنّ أحد أصدقائه أخ��ذه قبل فرتة لريى من‬
‫( حممد اجلالصي يرغب يف التخاطب مع‬ ‫بعيد مقرها يف الطرف املقابل لربوة بريصا‬
‫حنبعل بركا‪).‬‬ ‫واملسرح األثري‪ .‬أال حتمل هذه اآلالت قنبلة‬
‫ظ� ّل لفرتةٍ من الزمن ينظر إىل الشاشة‬ ‫تتفجر عند ملسها؟ أليست وسائل جتسس‬
‫‪151‬‬ ‫البيضاء أمامه‪ ،‬ثم قال يف نفسه‪( :‬كيف يل‬ ‫تلتقط الكالم والصور وتبعث هبا إىل إحدى‬
‫أن أكتب وليس يل لوحة وال مالمس؟)‬ ‫مصاحل االستعالمات؟) أرّقته األسئلة ومل‬
‫مل يتمّ مجلته حتى جاءه صوت غريب ال‬ ‫جي��رؤ على العودة إىل الكرتني اللتني رمى‬
‫هو نسائي وال رجايل‪ ،‬صوت يشبه أصوات‬ ‫هبما يف ق��اع الصندوق‪ .‬وبعد تفكري طويل‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫صاحب الفيال الفخمة يطلب منه أن يأتي يف‬ ‫ال��رب��وت��ات ال�ت�ي رآه���ا يف أف�ل�ام اخليال‬
‫مساء الغد ملقابلة الوزير‪ ،‬ويلحّ عليه أن يكون‬ ‫العلمي‪ .‬قال له الصوت املعدني‪:‬‬
‫هندامه الئقا مبقام وزير دولة‪.‬‬ ‫‪( -‬إذا كنت ترغب يف الكتابة فعليك إمالء‬
‫ّ‬
‫أطفا النور ومتدد يف فراشه وظل مفتوح‬ ‫النص فسرتاه يتسلسل على الشاشة‪ .‬لكن ما‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫العينني يرنو إىل ظلمة الغرفة وفكره يتنقل‬ ‫حاجتك إىل نص مكتوب؟‬
‫بني حنبعل ومجاعته‪ ،‬ومقابلة الوزير الذي‬ ‫أجاب مرتددا‪:‬‬
‫رمب��ا يكون على يديه الفرج‪ ،‬و(الكاباس)‪.‬‬ ‫‪ -‬أريد جتربة هذه اآلالت العجيبة‪.‬‬
‫ن��ام نوماً مضطرباً تقامسته أح�لام وردية‬ ‫‪ -‬إذن عليك بإمالء النص‪.‬‬
‫وكوابيس مرعبة‪ .‬صحا باكراً لكنه مل يغادر‬ ‫تنحنح وقال‪:‬‬
‫الفراش‪ .‬ظ ّل فكره جيرت األحداث اليت دخل يف‬ ‫‪( -‬مل�����اذا ت��ش��ع��ر ب��ال��ت��ع��اس��ة ي���ا حممد‬
‫دوامتها منذ عدّة أيام‪ .‬كانت تسكنه تطلعات‬ ‫اجلالصي؟ هذا عامل آخر ينفتح لك‪...‬‬
‫متناقضة‪ .‬فهذه حضارة قرطاج هبرته مبا‬ ‫توقف لريى تسلسل الكلمات على الشاشة‬
‫كانت ترسخ به من تقدّم ورفاه وقوّة جعلتها‬ ‫االفرتاضية‪ .‬ضحك كما مل يضحك منذ مدّة‬
‫تلقب بإمرباطورية البحر‪ .‬وهذا احلنبعل الذي‬ ‫طويلة‪ ،‬متلكته غبطة األطفال عند اكتشافهم‬
‫مل تتّضح هويّته بعد‪ ،‬فقد يكون أحد س ّكان‬ ‫لعب ًة جديدة‪ .‬ثم واصل ميلي‪:‬‬
‫الفضاء ممّن حيملون هذا االسم وقد يكون‬ ‫‪( -‬إن��ك اآلن تكتشف ع��امل التكنولوجيا‬
‫أرضيًّا متحمّسًا حلضارة قرطاج وعاملًا عبقريًّا‬ ‫املستقبلية‪ .‬أع��رف��ت اآلن كيف أ ّن���ك كنت‬
‫استطاع ابتكار كل هذه األشياء الغريبة ليقنع‬ ‫غبيا عندما طلب منك أبوك أن ختتار شعبة‬
‫الناس بضرورة التنقيب والدراسة حتى تظهر‬ ‫املعلوماتية فرفضت بدعوى أ ّنك هتوى األدب‪.‬‬
‫حقيقة هذه احلضارة املطموسة منذ آالف‬ ‫ماذا فعلت باجلاحظ وابن املقفع واملسعودي؟‬
‫السنني‪ .‬وه��ذا الوزير ال��ذي رآه ع�دّة مرات‬ ‫مل ينفعوك يف شيء سوى بتعاسة اإلخفاق يف‬
‫على الشاشة‪ ،‬رجل يف الستني من عمره أو‬ ‫(الكاباس) مخس مرات‪)...‬‬
‫أكثر‪ ،‬لكنّ صاحب الفيال الفخمة قال له (‬ ‫ضحك من نفسه وظ ّل ينظر إىل الشاشة‬
‫رمبا تروقه)‪ .‬كان يتحاشى فهم معنى هذا‬ ‫ميلؤها النص‪ .‬مل يالحظ غلطة واحدة‪.‬‬
‫الكالم‪ ،‬وأصبح خيشى مقابلته‪ .‬ماذا ميكن‬ ‫(جيد هذا احلاسوب‪ .‬لكن أين سيحفظ‬
‫أن يطلب منه يا ترى؟‬ ‫يل هذا النص؟) تساءل دون أن يرتقب جوابا‪.‬‬
‫غادر الفراش متكاسال وخرج من غرفته‬ ‫لكن اجلواب جاءه على الفور‪:‬‬
‫ف��وج��د أم���ه ت��ع �دّ ف��ط��ور ال��ص��ب��اح‪ .‬عانقها‬ ‫‪ -‬لقد حفظ النص‪ .‬هل ترغب يف شيء‬
‫هامسًا‪:‬‬ ‫آخر؟‬
‫‪ -‬لديّ موعد مع الوزير‪.‬‬ ‫أجاب على الفور‪:‬‬
‫‪ -‬وزير التعليم؟‬
‫‪ -‬ال‪ .‬بل وزير آخر سيقدمه يل أحدهم‪.‬‬ ‫اختفت الشاشة وظ��ل حممد اجلالصي‬
‫‪ -‬هذا يكفي‪.‬‬
‫‪152‬‬
‫‪ -‬أعانك اهلل على ما فيه اخلري يا ولدي‪.‬‬ ‫مبهوراً بكل ما رأى ومسع‪.‬‬
‫‪ -‬ملقابلة ال��وزي��ر ال بد من اال��ذه��اب إىل‬ ‫قبل أن يستسلم للنعاس وصلته مكاملة من‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫رجل عظيم الشأن لكنه متواضع‪ .‬إ ّنه (ابن‬ ‫احلمّام العربيّ‪.‬‬
‫الشعب)‪.‬‬ ‫‪ -‬هل طلبت من أبيك؟‬
‫تركه أم��ام الشرطي م�ترددا ثم انصرف‬ ‫ً‬
‫‪ -‬ال أريد أن أطلب منه شيئا‪.‬‬
‫عائدا إىل بيته‪ .‬مجع حممد اجلالصي ما‬ ‫فتحت حقيبة نقودها الصغرية وناولته‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫تشتّت م��ن شجاعته وت��ق��دم م��ن الشرطي‬ ‫قطعة خبمسة دنانري‪.‬‬


‫وأعلمه مبوعده مع الوزير‪ .‬ابتسم له الشرطي‬ ‫انصرف إىل احلمّام ثم مرّ باحلالق وعاد‬
‫ابتسامة غامضة ثم توجه إىل جهاز اهلاتف‬ ‫إىل البيت فأمضى امل��س��اء ك�لّ��ه يف تصفح‬
‫الداخلي‪ ،‬وبعد حمادثة طويلة‪ ،‬وتصفح دقيق‬ ‫الوثائق ال�تي وج��ده��ا يف ال��ص��ن��دوق‪ .‬كانت‬
‫لبطاقة تعريف حممد اجلالصي‪ ،‬وتفتيش‬ ‫أورا ًقا من مادة ال يعرفها‪ ،‬شفافة حتمل صورا‬
‫جلسده ولباسه‪ ،‬أدخله الفيال الفخمة وأشار‬ ‫وخرائط باأللوان الطبيعية جلّها داكنة‪ ،‬وقد‬
‫عليه بالطريق اليت يسلكها ليصل إىل البناية‬ ‫وجد صعوبة كبرية يف فهم حمتواها‪ ،‬هو الذي‬
‫حيث ينتظره الوزير‪.‬‬ ‫مل يكن يعري اجلغرافيا وال التاريخ االهتمام‬
‫ّ‬
‫ت��ق�دّم ب��ب��طء وك��أن��ه مقبل على امتحان‬ ‫الكثري‪ .‬كان مهّه األدب العربي القديم منه‬
‫(الكاباس) حتى وصل إىل بناية صغرية تتألأل‬ ‫واحلديث‪ ،‬وكأنّ األدب كنز مكنون يف حجاب‬
‫أضواؤها‪ .‬كان الباب مفتوحا‪ .‬تردد قبل أن‬ ‫مصون ال تؤثر فيه السنون‪ .‬كان طالب األدب‬
‫يدلف إىل الداخل لكن صوتا رجاليا قال له‪:‬‬ ‫ال يفقه غري النص األدبي‪ ،‬كما هو حال طالب‬
‫‪ -‬تفضل فنحن يف انتظارك‪.‬‬ ‫اهلندسة والرياضيات وال��ط��ب‪ .‬ك � ّل بشأنه‬
‫دخ����ل‪ ،‬ف��ب��ه��رت��ه األض�����واء‪ ،‬ل��ك��ن��ه فوجئ‬ ‫مفتون‪ ،‬وهلل يف خلقه ش���ؤون‪ ! ‬وملّ��ا أعياه‬
‫باحلفاوة اليت استقبله هبا الوزير وبالثياب‬ ‫وتعذر عليه إدراك كنه هذه الوثائق‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الفهم‬
‫اليت كان يرتديها‪ .‬مل يكن يلبس سوى تُبّان‬ ‫مجّعها من جديد وأودعها الصندوق األسود‪.‬‬
‫قصري‪ .‬أجلسه على أريكة فاخرة وقال له وهو‬ ‫عليه أن يستعدّ ملالقاة الوزير‪ ،‬وهو يتوجّس‬
‫حيملق فيه ماسحًا بعينيه جسده بقعة بقعة‪:‬‬ ‫خشية من هذا اللقاء‪ .‬ما أن ح ّل الظالم حتّى‬
‫‪ -‬لن يطول غيابي‪ ،‬سأستحم وآتيك‪.‬‬ ‫غ��ادر البيت يف أمجل ثياب ميتلكها وتوجه‬
‫ثم نادى بصوت عال‪:‬‬ ‫إىل الفيال الفخمة‪ .‬كان ميشي ببطء حتى ال‬
‫‪ -‬لقد حضر ضيفنا يا زينب‪ ،‬رح�بي به‬ ‫يتعرّق ويلوّث ثيابه األنيقة‪.‬‬
‫حتى أفرغ من احلمّام‪.‬‬ ‫وصل إىل الفيال الفخمة وضغط على زر‬
‫قدمت على التوّ فتاة مجيلة رغ��م قصر‬ ‫اجلرس ومل يرتقب كثرياً فقد جاءه صاحب‬
‫قامتها‪ .‬كانت مثل الوزير ال حتمل سوى تُبّان‬ ‫الفيال وص��اف��ح��ه حب���رارة وخ���رج معه إىل‬
‫قصري وردي من الدنتيالّ يكشف كل أجزاء‬ ‫الشارع ومشى يف صحبته بعض اخلطوات‪،‬‬
‫عورهتا‪ .‬وكان بني يديها طبق عليه مشروبات‬ ‫وعندما وصال إىل فيال فخمة أخ��رى يقف‬
‫‪153‬‬ ‫وح��ل��وي��ات‪ .‬تقدمت م��ن حممد اجلالصي‬
‫ووضعت الطبق على الطاولة الواطئة فتدىل‬
‫أمامها شرطي شاهراً سالحه‪ ،‬مهس له‪:‬‬
‫‪ -‬أع��ل��م ذل��ك ال��ش��رط��ي ب���أنّ ال��وزي��ر يف‬
‫أمام عينيه هنداها السخيّان‪ ،‬ثم جلست إىل‬ ‫ان��ت��ظ��ارك فقد ع�ين ل��ك م��وع��داً‪ .‬لستَ يف‬
‫جانبه وه��ي تنظر إليه تتفحصه كما كان‬ ‫حاجة إىلّ بعد اآلن‪ .‬سيستقبلك حبفاوة فهو‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫ثم جثت على ركبتيها وهو ال يدري إن كان‬ ‫يفعل الوزير الذي غادرمها إىل احلمام‪.‬‬
‫عليه املقاومة أو االستسالم‪ ،‬وجبهد انتزعت‬ ‫كان اضطرابه على أشدّه فهو مل يرتقب هذا‬
‫منه سرواله ثم قالت له وقد نفد صربها‪:‬‬ ‫النوع من االستقبال‪ .‬سألته بعد فرتة من‬
‫‪ -‬ميكنك أن تبقى بسروالك القصري أو أن‬ ‫الصمت‪:‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫تلبس التُبّان‪ ،‬مل يعد يعنيين أمرك‪.‬‬ ‫‪ -‬ملاذا ال تتخفف من مالبسك فسيدي‬
‫وانصرفت غاضبة‪.‬‬ ‫ال أن تكون مثلنا‪.‬‬ ‫لن يقبل إ ّ‬
‫مل جي��د ال��وق��ت ليتأمّل أم���ره‪ ،‬فقد حل‬ ‫مل حي�����رّك س��اك��ن��ا‪ .‬ظ���� ّل يف وجومه‬
‫ال��وزي��ر ملتحفا بشكريا وردي���ا‪ .‬نظر إليه‬ ‫واضطرابه حتى احننت جبسدها نصف‬
‫وقال‪:‬‬ ‫العاري وطفقت تفتح أزرار قميصه‪ ،‬وهو يف‬
‫‪ -‬مجيل أ ّنك ختففت من ثيابك‪ .‬جنلس‬ ‫مجوده‪ .‬انتزعت منه القميص‪ ،‬فظهر شعر‬
‫كما خلقتنا الطبيعة اليت نريد معاكستها بكل‬ ‫صدره الكثيف‪ .‬مرغت يدها عليه وقالت‪:‬‬
‫الوسائل‪.‬‬ ‫‪ -‬كم تروق لسيدي كل هذه الفحولة‪.‬‬
‫التفت إىل الداخل ونادى‪:‬‬ ‫ازداد اضطرابه خاصة بعد أن أثارته الفتاة‬
‫‪ -‬أين أنت يا زينب ؟‬ ‫بلمساهتا الرقيقة‪ ،‬لكنه مل جيرؤ على ملسها‬
‫أقبلت مسرعة‪ .‬سأهلا سيدها‪:‬‬ ‫وال حتى على النظر يف عينيها العسليتني‪.‬‬
‫‪ -‬ملاذا تركت ضيفنا مبفرده؟‬ ‫مل جيئ إىل هذه األشياء ومل خيطر على‬
‫‪ -‬صاحبك الليلة منكمش مثل الع ّكة‪.‬‬ ‫حيضر له هذا االستقبال‬ ‫ّ‬ ‫باله أنّ الوزير كان‬
‫‪ -‬د ّل��ك��ي�ني وس��ن��رى ك��ي��ف خن��رج��ه من‬ ‫الشبقي‪ .‬ما إن انتزعت قميصه حتى قامت‬
‫قوقعته‪.‬‬ ‫وتوجهت إىل داخل البيت قائلة‪:‬‬
‫متدد فوق طاولة خمصّصة للتدليك مل‬ ‫‪ -‬س����وف آت���ي���ك ب���تُ���بّ���ان‪ ،‬جت�����رّد من‬
‫يالحظها حممد اجلالصي عندما دخل‪.‬‬ ‫سروالك‪.‬‬
‫وطفقت الفتاة متسّد عضالت كتفي سيدها‬ ‫نظر إليها وه��ي ت��غ��ادر امل��ك��ان فراعه‬
‫املرتهّلة الشديدة البياض‪ .‬كان يستلقي على‬ ‫اجلسد ال��ب�ضّ‪ .‬لكنّ اضطرابه مل يسمح‬
‫بطنه مولياً وجهه للحائط‪ .‬وك��ان حممد‬ ‫ل��ه بالتخلص م��ن ت���ردده‪ .‬مل ي��در إن كان‬
‫اجلالصي يتبع حتركات الفتاة بافتتان‪ .‬فقد‬ ‫عليه أن يليب رغبات غريزته اليت حتركت‬
‫انكشف له جسدها بكل مفاتنه‪ ،‬ما أشعل‬ ‫تدفع يف جسده هرمونات كانت مستكينة‬
‫داخله رغبة مل يستطع كبتها‪ .‬رمت الفتاة‬ ‫منذ أمد طويل‪ ،‬أو أن حيرتز من مثل هذه‬
‫بالبشكري ال���ذي ك��ان يغطي ج��زء سيدها‬ ‫التصرفات الغريبة من وزير حمرتم‪ .‬عندما‬
‫األسفل ودلكته بإمعان وحممد اجلالصي‬ ‫رجعت حتمل تُبّانا أبيض يف يدها‪ ،‬كان مل‬
‫يتبع العملية مضطرباً‪.‬‬ ‫يربح مكانه حيث ظ ّل منكمشا على نفسه يف‬
‫ما إن فرغت من الدلك حتّى التفتت إىل‬
‫حممد اجل�لاص��ي ون��ظ��رت إليه وابتسامة‬
‫طرف األريكة‪ .‬قالت له معاتبة‪:‬‬
‫‪ -‬أمل أقل لك إنّ عليك أن تكون يف نفس‬
‫‪154‬‬
‫تواطؤ على شفتيها وقالت‪:‬‬ ‫اللباس الذي عليه سيدي‪ ،‬أي أن ال تضع‬
‫‪ -‬حان دورك يا سي العكة‪.‬‬ ‫على جسدك س��وى تُ �بّ��ان‪ .‬ه��ذه تعليمات‬
‫أدرك حممد اجلالصي أخ�يراً ما عليه‬ ‫سيدي‪.‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫فعله‪ ،‬كما أدرك سر الصفقة غري املعلنة اليت‬
‫ربطته بالوزير‪ .‬نظر إىل اجلسد العجوز ويف‬
‫ذهنه ترتاقص ص��ورة (ال��ك��اب��اس)‪ .‬ق��ال يف‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫نفسه وهو يتقدّم حنو الوزير‪:‬‬


‫‪ -‬إذا كان (الكاباس) هبذا الثمن فادفع يا‬
‫أخي‪! ‬‬
‫عاد يف ساعة متأخرة من الليل إىل بيته‬
‫ودخل غرفته وأهله نيام‪ .‬جلس على السرير‬
‫يف ّكر‪ .‬مل��ح ال��ص��ن��دوق األس���ود‪ .‬وبعد فرتة‬
‫طويلة من الرتدّد أخذ الصندوق وتوجه إىل‬
‫املسرح األثري‪ .‬وضع الصندوق حيث وجده‬
‫وعاد متسرتا بالظالم‪ .‬وطيلة الطريق كان‬
‫يردد داخله‪:‬‬
‫(م��ا ل��ك ي��ا حممد اجل�لاص��ي وحضارة‬
‫قرطاج‪ ،‬واألدب العربي‪ ،‬والثقافة‪ ،‬والكتب‪.‬‬
‫الدنيا هي (الفلوس)‪ ،‬واجل��اه‪ ،‬ولذة البطن‬
‫والفرج‪( .‬الكاباس) يف اجليب‪ ،‬وباب احلياة‬
‫اهل��ادئ��ة سيفتح ع��ن ق��ري��ب‪ .‬وس��وف تأتي‬
‫السيارة والشقة وال���زواج واألط��ف��ال‪ ،‬وما‬
‫البقية سوى أوهام‪ ،‬أحالم‪ ،‬ترهات‪).‬‬
‫عند الصباح خرج إىل املدينة ودخل حم ّل‬
‫اإلنرتنت وكتب رسالة إىل حنبعل خيربه فيها‬
‫عن ختليه عن انتمائه إىل مجعية الدفاع عن‬
‫احلضارات بني الكواكب‪ ،‬ويعلمه أ ّنه أرجع‬
‫الصندوق األسود بكل حمتوياته إىل املكان‬
‫الذي وجده فيه‪ .‬ضغط على ابعث‪ .‬وخرج‬
‫وكأنه انتزع من على كتفيه محال ثقيال‪.‬‬
‫ل��ق��ي حم��م��د اجل�لاص��ي أح���د أصدقاء‬
‫دراسته يف قاعة األساتذة وكان قد حتصل‬
‫‪155‬‬ ‫مثله على (الكاباس) فتصافحا حبرارة‪ ،‬ثم‬
‫انزوى به وسأله هامسًا‪:‬‬
‫‪ -‬كم دفعت لنيل (الكاباس؟‬
‫ضحك حممد اجلالصي ملياً ثم أجاب‪:‬‬
‫حفرت بئر الوزير‪.‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪« -‬هل أنت جاد؟ هل تعتقد حقاً أنَّ اآللة‬
‫تفكر؟»‬
‫مل أحصل على أية إجابة فورية‪ ،‬فماكسون‪،‬‬
‫على ما يبدو‪ ،‬كان منهم َكاً يف حتريك قطع‬
‫الفحم يف املوقد‪ ،‬حيث ك��ان حيركها برباعة‬
‫وخفة هنا وهناك بقطعة حديد خاصة إىل‬
‫أن حصل على توهج أشد للنار كما لو كانت‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫دالل��ة على ش��يء م��ن اهتمامه‪ .‬منذ بضعة‬
‫أسابيع وأن��ا «أالح��ظ فيه ع��ادة متزايدة يف‬
‫تأخره باإلجابة حتى على أكثر األسئلة العادية‬
‫تفاهة‪ .‬ومع ذلك فقد كانت تبدو على مُحَيَّاه‬
‫أمارات االنشغال‪ ،‬أكثر من كوهنا مالمح التؤدة‬
‫املدفوعة باالحرتاس‪ ،‬ورمبا جاز للمرء القول‬
‫«إن شيئاً كان يدور يف خلده»‪.‬‬
‫‪« -‬ماهي اآللة؟» أجاب مكسون مردفاً‪« :‬لقد‬
‫مت تعريف هذه الكلمة بالعديد من التعريفات‬
‫املختلفة‪ ..‬هاك أحدها من قاموس شائع [أيُّ‬
‫أداة أو منظومة يتم بواسطتها تطبيق الطاقة‬
‫وجعلها ذات تأثري‪ ،‬أو يتم بواسطتها احلصول‬
‫على التأثري املطلوب]‪ ،‬إذاً‪ ،‬أو ليس اإلنسان‬
‫آلة؟ وأنت ستعرتف بأنه يفكر – أو يعتقد بأنه‬
‫يفكر»‬
‫قلت له بنربة أق��رب إىل االختبار‪« ،‬إذا مل‬
‫ترغب يف اإلج��اب��ة عن س��ؤايل‪ ،‬فلم ال تقول‬
‫ذلك؟ ‪ -‬كل ما تقوله جمرد متلص من اإلجابة‪،‬‬
‫فأنت تعرف متاماً أنه عندما أقول «آلة» فأنا‬
‫ال أع�ني اإلن��س��ان‪ ،‬ب��ل أع�ني شيئاً م��ن صنع‬
‫اإلنسان ويتحكم به»‬
‫وما كان منه إ َّال أن أجابين‪« :‬عندما ال تتحكم‬
‫هي به» وهو ينهض بشكل فجائي وينظر إىل‬
‫اخلارج من النافذة‪ ،‬حيث مل يظهر أي شيء‬
‫يف ليلة ظلماء ب��رداءُ عاصفة‪ .‬وبعد هنيهة‬
‫التفت إيلّ بابتسامة قائالً «أستميحك عذراً‬
‫فأنا مل يكن ببايل أي قصد للتملص‪ ،‬فقد‬ ‫‪156‬‬
‫ظننت القاموسَ باعتباره الشهادة الالواعية‬
‫لإلنسان مثرياً لألفكار‪ ،‬العواطف ويستحق‬ ‫تأليف أمربوز بريس‬
‫قسطاً من النقاش‪ .‬ميكنين أن أعطي سؤالك‬ ‫ترمجة‪ :‬توفيق حممد السهلي‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫أت��راه أ َّث��ر يف عقله؟ لقد ب��دا جوابه على‬ ‫إجابَ ًة مباشرة بسهولة تامة‪ :‬أنا اعتقد فعالً أن‬
‫سؤايل آنئذٍ دليالً على تأثريه فيه‪ ،‬ورمبا عليّ‬ ‫اآللة تفكر بالعمل الذي تؤديه»‪.‬‬
‫أن أفكر بذلك األمر بشكل خمتلف اآلن‪ .‬لقد‬ ‫بالفعل‪ ،‬كانت تلك إجابة مباشرة مبا يكفي‪.‬‬
‫كنت أصغر سناً عندها‪ ،‬واجلهل من بني النِّعم‬ ‫لكنها مل تكن سارّة متاماً ألنين أحسست أهنا‬
‫اليت ال تُنْ َكر على الشباب‪ .‬وبدافع كبري حنو‬ ‫كانت متيل إىل تأكيد شك حزين ل��ديّ بأنَّ‬
‫‪157‬‬ ‫اجل��دال قلت له‪« :‬ومب��اذا‪ ،‬باهلل عليك‪ ،‬تفكر‬
‫اآللة – يف غياب املخ؟»‬
‫انكباب ماكسون على ال��دراس��ة والعمل يف‬
‫ورشة تركيب اآلالت خاصته مل يكن جيداً له‪.‬‬
‫‪-2-‬‬ ‫فأوّالً كنت أعرف أنه كان يعاني من األرق‪ ،‬وهو‬
‫إجابته اليت جاءت على غري تأخره املعهود‬ ‫ليس باملرض اهليّن‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫والرطوبة‪ .‬حيكي أحد البستانني املشهورين‬ ‫اختذت شكل االستجواب املضاد املفضل‬
‫أن إح��دى نبتات األوكاليبتوس دخلت أنبوباً‬ ‫عنده‪:‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫قدمياً للصرف الصحي وتبعت مساره إىل أن‬ ‫«ومباذا تفكر نبتة – يف غياب املخ؟‬
‫وصلت إىل فاصل فيه حيث مت إزال��ة مقطع‬ ‫«آآ‪ ..‬ت��ن��درج ال��ن��ب��ات��ات أي��ض��اً يف رتبة‬
‫منه إلفساح اجملال أمام حائط حجري بين يف‬ ‫الفيلسوف‪ .‬إن��ه لَ�يَ�سُ�رُّن��ي أن أع��رف بعضَ‬
‫مسار االنبوب‪ .‬فقد ترك جذرُ النبتة الزاحف‬ ‫َ‬
‫فروضها‬ ‫َ‬
‫تسقط‬ ‫استنتاجاهتا‪ ،‬وميكنك أن‬
‫االنبوبَ وتبع اجل��دار إىل أن عثر على منفذ‬ ‫املنطقية‪».‬‬
‫حيث سقطت إح��دى لَ ِبنات اجل��دار‪ ،‬وزحف‬ ‫«رمبا» أجابين ماكسون الذي مبا أنه مل يتأثر‬
‫عرب الفتحة تابعاً اجلانب اآلخ��ر من اجلدار‬ ‫بثورييت احلمقاء‪ ،‬وأردف يقول‪« :‬رمبا ميكنك‬
‫شاقاً طريق العودة حنو مصرف املياه القديم‬ ‫أن تستنتج اعتقاداهتا من خالل أفعاهلا‪ ،‬سأوفر‬
‫ودخل اجلزء اجملهول منه وواصل رحلته‪.‬‬ ‫عليك عناء احلديث عن األمثلة املألوفة لنبتة‬
‫‪« -‬واملغزى من كل هذا؟»‬ ‫«الست املستحية» احلساسة‪ ،‬واألزه��ار اليت‬
‫‪« -‬أيغيب عنك املغزى من ه��ذا؟ إن هذا‬ ‫تقتات باحلشرات‪ ،‬وتلك اليت تنحين أسديَتُها‬
‫يظهر وع���يَ ال��ن��ب��ات‪ .‬ه��ذا يثبت أن النبات‬ ‫وحترك غبارَ الطلع فيها ملوث ًة النحل َة الداخلة‬
‫ُ‬
‫يفكر‪».‬‬ ‫إليها حتى يل ِّقح نظرياهتا البعيدة‪ .‬لكن انظر‬
‫‪« -‬حتى لو كان النبات يفكر‪ ،‬وم��اذا يعين‬ ‫إىل هذا املثال‪ :‬يف بقعة مفتوحة يف حديقيت‬
‫ذلك؟‬ ‫قمت بزراعة‪ .‬كرمة عنب معرتشة‪ .‬ويف الوقت‬
‫مل نكن نتحدث عن النبات‪ ،‬بل عن اآلالت‬ ‫الذي كانت فيه ترتفع قليالً فوق سطح األرض‬
‫قد يدخل اخلشب جزئياً يف تركيب اآلالت‪..‬‬ ‫غرزت وت��داً من اخلشب يف ال�تراب على بعد‬
‫خشب مل يعد يتمتع بأي قدر من احليوية‪،‬‬ ‫ياردة منها‪.‬‬
‫وقد تكون مكونة من املعدن بشكل كامل‪ ،‬فهل‬ ‫ويف احلال أخذت تشق طريقها حنو الوتد‬
‫الفكر أيضاً إحدى مسات اململكة املعدنية؟‬ ‫حتى ك��ادت تصله بعد بضعة أي���ام‪ ،‬عندها‬
‫«وب����أي ش���يء آخ���ر ت��ف �سِّ��ر ظ��واه��ر مثل‬ ‫اقتلعت الوتد وغرزته على بعد بضعة أقدام‪.‬‬
‫التبلور‪،‬؟‬ ‫وما كان من الكرمة إ َّال أن حوَّلت مسارها يف‬
‫‪-3-‬‬ ‫زاوية حادة وشقت طريقها جمدداً حنو الوتد‪.‬‬
‫«أنا ال أفسِّرها‪».‬‬ ‫ومت تكرار هذه العملية عدة مرات‪ ،‬لكنْ‪ ،‬وكما‬
‫«هذا ألنك ال تستطيع دون تأكيد ما ترغب‬ ‫لو أنَّ نبتة الكرمة أحست باإلحباط‪ ،‬ختلت‬
‫يف نفيه‪ ،‬وحتديداً‪ ،‬التعاون الذكي بني العناصر‬ ‫يف هناية املطاف عن سعيها متجاهلة املزيد‬
‫املكوِّنة للبلورات‪ .‬عندما يشكل اجلنود صفوفاً‬ ‫من احملاوالت لتحويلها عن مسارها‪ ،‬وأخذت‬
‫أو مربعات مفرغة فإنك تسمي ذاك منطقاً‪.‬‬ ‫طريقها حن��و شجرية أبعد قليالً م��ن الوتد‬ ‫‪158‬‬
‫وعندما يتخذ س��رب م��ن ال��وز ال�بري بشكل‬ ‫وقامت بتسلقها‬
‫حرف (‪ )7‬فإنك تقول عن ذلك بأنه غريزة‪.‬‬ ‫وأردف ماكسون‪« :‬إن جذور نبتة األوكاليبتوس‬
‫وعندما تقوم ذرات متجانسة ألحد املعادن‬ ‫(الطبية) تتطاول بشكل ال يصدق حبثاً عن املاء‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫خطوط متوازية معرتضة وقد بدا حتت اجللد‬ ‫برتتيب نفسها يف أشكال كاملة رياضياً وذلك‬
‫املكشوطة منظر الدم‪ ،‬قلت له‪:‬‬ ‫أثناء حركتها احلرة يف حملول ما‪ ،‬أو عندما‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫«أمل يكن هناك من سبيل لتقليم أظافرها؟»‬ ‫تتخذ جزيئات سائل متجمد أشكال شذرات‬
‫كنت سأوفر علي هذه املالحظة التهكمية إ ْذ‬ ‫الثلج املتناظرة واجلميلة‪ ،‬فإنك ال تقول شيئاً‬
‫إنه مل يعرها أي اهتمام‪ ،‬بل جلس يف الكرسي‬ ‫على اإلط��ل�اق‪ ..‬حتى إن��ك مل خت�ترع امساً‬
‫الذي تركه واستأنف حديثنا بعد املقاطعة كما‬ ‫إلخفاء نزوعك البطويل حنو الالمنطق‪».‬‬
‫لو أنَّ شيئاً مل حيدث‪.‬‬ ‫كان ماكسون يتحدث حبيويَّة وجدية غري‬
‫«مم��ا ال شك فيه أن��ك ال تتفق مع أولئك‬ ‫عاديني‪ .‬وما إن توقف عن الكالم حتى مسعت‬
‫(لست حباجة إىل تسميتهم أمامك وأنت بذاك‬ ‫صوتاً آتياً من الغرفة اجملاورة اليت أعرفها على‬
‫القدر من العلم الذي أعرف) الذين قالوا يف‬ ‫أهنا ورشته اخلاصة برتكيب اآلالت‪ ،‬وهي املكان‬
‫تعاليمهم إنَّ كل مادة واعية وإن كل ذرة كائن‬ ‫الذي مل يكن مسموحاً ألحد دخولهُ سواه‪ ،‬لقد‬
‫واع تنبض باحلياة واألحاسيس أما أنا فأجيب‪:‬‬ ‫كان صوتاً ضخماً واحداً ال غري‪ ،‬كما لو كان‬
‫ال يوجد شيء امسه مادة ميتة أو جامدة‪ ،‬كل‬ ‫أحدهم قد لطم طاولة بيدٍ مفتوحة‪ .‬مسع‬
‫ش��يء ح��يّ‪ ،‬كلها مفطورة بالقسوة الفعلية‬ ‫ماكسون الصوت يف نفس الوقت وهنض وقد‬
‫والكامنة‪ ،‬كلها حساسة لنفس القوى يف بيئتها‬ ‫بدا عليه االنزعاج بشكل واضح‪ ،‬وهرع مسرعاً‬
‫وعرضة لإلصابة بالعدوى من امل��واد األعلى‬ ‫إىل الغرفة اليت جاء منها الصوت‪ .‬واستغربْتُ‬
‫واألرقى اليت تسكن يف متعضيات أرفع مقاماً‬ ‫أن يكون يف تلك الغرفة شخصٌ آخر غريه‬
‫ميكن أن يكون هلا صلة هبا‪ ،‬كمواد اإلنسان‬ ‫ودفعين اهتمامي بصديقي – وم��ن دون‬
‫عندما يقوم بقولبتها وتشكيلها بصورة آلة‬ ‫ش��ك ب��داف��ع م��ن الفضول غ�ير ال�لائ��ق – إىل‬
‫وفق إرادته‪ .‬إهنا متتص شيئاً من ذكائه وغايته‬ ‫اإلصغاء باهتمام رغ��م أن�ني‪ ،‬يسعدني قول‬
‫– وأكثرها يَكون متناسباً مع التعقيد الذي‬ ‫ذل��ك‪ ،‬مل أك��ن أس�ترق السمع من ثقب مفتاح‬
‫تكون عليه اآللة الناجتة ومع عملها‪.‬‬ ‫الباب‪ .‬كانت هناك أص��وات متداخلة كما لو‬
‫ك��ان مث��ة ع��راك أو مصارعة ب��األي��دي‪ ،‬كما‬
‫‪-4-‬‬ ‫اهتزت األرضية‪ .‬ثم مسعتُ بوضوح شخصاً‬
‫أَوَتذكرُ تعريفَ هربرت سبنسر لـ (احلياة)؟‬ ‫يلهث متنفساً بصعوبة وعبارة «اللعنة عليك»‬
‫لقد قرأته قبل ثالثني عاماً‪ .‬رمبا يكون قد‬ ‫بصوت مهموس أجش‪ .‬ثم ساد السكون‪ ،‬وعاد‬
‫غيَّره بعدها‪ ،‬ال أعرف متاماً‪ ،‬لكن طوال هذه‬ ‫ماكسون ليظهر خارجاً من الغرفة ويقول مع‬
‫الفرتة كنت عاجزاً عن التفكري يف كلمة واحدة‬ ‫ابتسامة تنمُّ عن االعتذار‪:‬‬
‫ميكن تغيريها أو إضافتها أو على حنو مفيد‬ ‫«اعذرني لرتكك على هذا النحو املفاجئ‬
‫‪159‬‬ ‫التعريف‪ .‬يبدو يل أنه ليس التعريفَ األفضل‬ ‫جداً‪ .‬لدي آلة هناك فقدت صواهبا وحتالفت‬
‫بل التعريفُ املمكنُ الوحيد‪.‬‬ ‫مع الشيطان يف تصرفها‪».‬‬
‫(احلياة) كما يقول ‪ :‬هي جمموعة حمددة‬ ‫ويف حني كانت عيناي تركزان بثبات على‬
‫من التغيُّرات غريبة املنشأ حت��دث يف وقت‬ ‫خ��ده األي��س��ر‪ ،‬وال��ذي كانت عليه آث��ار أربعة‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫متض خترصاتي أبعد من الظن بأنه مل يكن‬ ‫واح��د ومتتابع بالتجاوب مع التعايشات‬
‫ودياً ورمبا مؤذياً‪ .‬وبينما التفتْتُ حنوه حمدِّقاً‬ ‫والتتابعات اخلارجية‪.‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫بشكل ج��دي يف عينيه‪ ،‬أوم��أت بيدي خالل‬ ‫قلت له‪( :‬ذلك يعرّف الظاهرة‪ ،‬لكنه ال يقدِّم‬
‫باب ورشته وقلت له‪:‬‬ ‫أي إشارة على سببها‪).‬‬
‫«م��اك��س��ون م��ن ال����ذي ف��ع��ل ب��ك ذل���ك يف‬ ‫أجابين‪ :‬ذلك هو كل ما ميكن ألي تعريف‬
‫الداخل؟»‬ ‫أن يقدمه‪ .‬فكما يشري (ميل) حنن ال نعلم شيئاً‬
‫‪-5-‬‬ ‫عن السبب عدا عن أنه يأتي سابقاً – وال عن‬
‫ولدهشيت‪ ،‬نوعاً ما‪ ،‬ضحك قليالً وأجاب‬ ‫التأثري عدا عن كونه يأتي الحقاً‪ .‬يف بعض‬
‫دون تردد‪:‬‬ ‫الظواهر ال يقع أحدمها دون اآلخر وهو أمر‬
‫ال أح��د‪ ،‬احل��ادث��ة ال�تي تتخيلها يف عقلك‬ ‫متباين فاألول من حيث الزمن نسميه السبب‪،‬‬
‫سببها هفوتي يف تركي إح��دى اآلالت تعمل‬ ‫والثاني التأثري‪ .‬إن من شاهد كثرياً أرنباً يركض‬
‫دون أن يكون لديها ما تعمل عليه‪ ،‬وذلك بينما‬ ‫هارباً أمام كلب ومل يسبق له أن رأى األرانب‬
‫انشغلت بقيامي بتلك املهمة املطوَّلة (حتى‬ ‫والكالب خالف ما رأى فسيعتقد أن األرنب‬
‫السأم) يف تنوير فهمك‪ .‬هل ُقدِّرَ لك أن تعرف‬ ‫هو سبب الكلب‪.‬‬
‫بأنَّ الوعي هو خملوق االنتظام؟‬ ‫وأردف م��اك��س��ون وه���و يضحك بصورة‬
‫(أ ُ ٍّف من كليهما!) أحببته ناهضاً ممسكاً‬ ‫طبيعية‪:‬‬
‫مبعطفي‪( .‬سأمتنى لك ليلة طيبة‪ ،‬وأملي أن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫لكين أخشى أن يقودني أرنيب بعيدا جدا عن‬
‫تضع تلك اآلل��ة اليت تركتها تعمل عن غفلة‬ ‫مسار حبثي املشروع‪ :‬فأنا منكبٌّ ومنغمِسٌ يف‬
‫منك قفازيها يف املرة القادمة عندما تفكر أنه‬ ‫متعة املطاردة من أجل متعة املطاردة ذاهتا‪ .‬ما‬
‫من املفيد إيقافها عن العمل‪)..‬‬ ‫أريدك أن تالحظه هو أنه يف تعريف هربرت‬
‫ودون أن أنتظر مالحظة ت��أث�ير عبارتي‬ ‫سبنسر للحياة‪ ،‬نشاط اآللة متضمَّن فيه –‬
‫األخرية‪ ،‬غادرت املنزل‪.‬‬ ‫إ ْذ ال شيء يف التعريف ال ينطبق على اآللة‪.‬‬
‫ً‬
‫كان املطر ينهمر‪ ،‬وكان الظالم حالكا‪ .‬يف‬ ‫وفق ما يعتقده هذا الرجل وهو أدق املالحظني‬
‫السماء وراء قمة إحدى التالل اليت تلمستُ‬ ‫مالحظة‪ ،‬وأعمق املفكرين تفكرياً‪ ،‬إذا كان‬
‫طريقي حنوها مبحاذاة أرصفةٍ غري مستقيمة‪،‬‬ ‫اإلنسان خالل فرتة نشاطه كائناً حياً فكذا‬
‫وعربَ ش��وارعَ موحلة غري معبدة‪ ،‬كان بوسعي‬ ‫احلال خبصوص اآللة أثناء تشغيلها‪.‬‬
‫أن أرى أضواء املدينة اخلافتة‪ ،‬لكنْ خلفي مل‬ ‫وباعتباري خمرتعاً ومر ِّكباً ل�لآالت فأنا‬
‫يظهر شيء فيما خال نافذة واحدة من منزل‬ ‫أعلم أن ذلك حقيقي»‬
‫ماكسون‪ .‬لقد كانت اإلض��اءة تتوهج كما لو‬ ‫لقد كان ماكسون صامتاً لوقت طويل وهو‬
‫غامض ينذر بالسوء‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كانت تنمُ عن معنىً‬ ‫حي�دِّق ش��ارد الذهن يف النار‪ .‬لقد تأخر بنا‬ ‫‪160‬‬
‫كنت أعلم أهن��ا كانت فتحة دون ستائر يف‬ ‫الوقت وخطر يل أنه حان وقت ذهابي‪ ،‬لكنْ‬
‫ورشة صديقي‪ ،‬وكان عندي قليل من الشك‬ ‫نوعاً ما مل أحبِّذ فكرة تركه يف ذلك املنزل‬
‫بأنه عاد الستئناف الدراسات اليت قاطعتْها‬ ‫املنعزل وحيداً‪ ،‬باستثناء وجود شخص ما‪ ،‬مل‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫واجباته كأستاذ يل يف م��ادة (ال��وع��ي اآليل خفية رفعتين ومحلتين يف اهلواء‪.‬‬
‫وأبوة االنتظام)‪ .‬بصورة غريبة‪ ،‬وإىل درجة ما‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫‪-6-‬‬ ‫مرحة‪ ،‬كما بدت يل قناعاته يف ذاك الوقت‪ ،‬مل‬


‫مستسلماً لدافع االستضاءة باملزيد من‬ ‫أستطع أن أجرِّد نفسي متاماً من الشعور بأن‬
‫هلا صلة مأساوية بشكل ما حبياته وشخصيته نور علمه وهو الذي ِبتُّ اعرتف به اآلن معلماً‬
‫وعي‬
‫ٍ‬ ‫– ورمبا مبصريه – رغم أنه مل يُعد يُخاجلين ومرشداً يل‪ ،‬وجدتُ نفسي التفتُ دون‬
‫ذلك التصور بأهنا كانت أوهام عقل مريض‪ .‬منّي‪ ،‬وتقريباً قبل أن أدرك أني فعلت ذلك‪،‬‬
‫ومهما دارت الظنون حول آرائه فقد كان شرحه وج���دت نفسي م��رة أخ���رى عند ب��اب منزل‬
‫هلا منطقياً إىل درجة تفوق احلد الالزم لذلك‪ .‬ماكسون‪ .‬كنت غ��ارق�اً مبياه املطر لكنّي مل‬
‫وتارة تلو أخرى كانت كلماته األخرية ترتدد يف أشعر باالنزعاج وللهفيت للقائه مل أمتكن من‬
‫مسمعي‪( :‬الوعي هو خملوق االنتظام)‪ ،‬ومع العثور على زر جرس الباب‪ ،‬فعمدت غريزياً‬
‫تلك العبارة الصرحية واملوجزة‪ ،‬ها أنذا اآلن للعثور على مقبض ال��ب��اب‪ .‬أدرت املقبض‪،‬‬
‫أجدها مغرية بصورة ليس هلا ح��دود‪ .‬فمع وبينما أنا يف الداخل صعدت الدرج قاصداً‬
‫كل مرة كانت ترتدد يف مسمعي كانت تتوسع الغرفة ال�تي كنت فيها قبل قليل‪ .‬ك��ان كل‬
‫يف املعنى وتتعمق يف الداللة‪( .‬وأخذت أفكر) شيء مظلماً والسكون خميّماً‪ ،‬وكما ظننت‪،‬‬
‫ملاذا؟ يوجد هنا شيء ميكن أن يكون أساساً كان ماكسون يف الغرفة اجملاورة – أي ورشة‬
‫تُبنى عليه إح��دى الفلسفات‪ .‬لو كان الوعي تركيب اآلالت‪ .‬تابعت ملتمساً طريقي على‬
‫نتاج االنتظام‪ ،‬عندها تكون كل األشياء واعية طول اجل��دار حتى وصلت إىل الباب املؤدي‬
‫إ ْذ إنَّ جلميعها حركة‪ ،‬وكل حركة منتظمة‪ .‬إليها‪ ،‬فقرعته بقوة عدة مرات لكن مل أتلقَّ أيّ‬
‫تساءلت إذا م��ا ك��ان ماكسون ي��ع��رف داللة ردّ‪ ،‬وهو ما اعتقدت أنه بسبب هزيم الرعد يف‬
‫واتساع تفكريه – مدى تعميمه اهلام جداً‪ ،‬أو إذ اخلارج حيث كانت صواعقه تتطاحن يف حني‬
‫كان قد توصل إىل اعتقاده الفلسفي عن طريق كانت الريح اهلوجاء ترش املطر املنهمر بغزارة‬
‫على اجل���دران الرقيقة‪ .‬ك��ان املطر يسقط‬ ‫املالحظة املتعرج واملتشكك؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لقد كان ذاك االعتقاد جديدا عليّ آنئذٍ‪ ،‬يف مدرارا وبصوت مرتفع على السقف اخلشيب‬
‫حني أخفقت كافة تفاسري ماكسون وشروحاته ذي القطع املرتاكبة يغطي الغرفة اليت ال سقف‬
‫يف محلي على االقتناع بأفكاره‪ ،‬لكنّي اآلن أرى هلا‪ .‬مل يسبق أن دعاني ماكسون للدخول إىل‬
‫األمر وكأن ضوءاً كبرياً كان يغمرني بأشعته؛ الورشة‪ ،‬والواقع أنين مُنِعْتُ من ذلك كما مُنِع‬
‫وهناك يف العاصفة والظلمة والوحدة مررت كل اآلخرين‪ ،‬عدا شخص واح��د‪ ،‬وهو عامل‬
‫بتلك التجربة اليت أمساها ‪( Lewes‬التنوع ماهر يف جمال املعادن مل يكن أحد يعرف عنه‬
‫‪161‬‬ ‫واملتعة الالمتناهية للتفكري الفلسفي) لقد شيئاً باستثناء أن امسه كان هايل وأن عادته‬
‫استطارني شعور جديد باملعرفة وزهوٌّ جديد الكتمان‪.‬‬
‫لكن ومع جذيل الروحي إىل حدّ االستطارة‪،‬‬ ‫باملنطق‪ .‬أحسست أنَّ قدمي كانتا بالكاد‬
‫تلمسان األرض؛ كان األمر كما لو أن أجنحة ذهب تع ُّقلي وكياسيت كالمها طي النسيان‪،‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫وقمت بفتح الباب‪ .‬وما شاهدتُه اجتثَّ منّي‬
‫‪-7-‬‬ ‫كل حتدُّساتي الفلسفية يف احلال‪.‬‬ ‫َّ‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫ً‬
‫ان��ك��م��ش�تُ ع��ل��ى نفسي م�تراج��ع �ا للوراء‬ ‫كان ماكسون جيلس مبواجهيت يف اجلهة‬
‫وأصبحتُ أقف بوضعية تواجه الباب قليالً‬ ‫األبعد من طاولة صغرية عليها مشعة واحدة‪،‬‬
‫لكن يف الظل‪ .‬لو أنَّ ماكسون ألقى بنظره أبعد‬ ‫كانت تنثر كل ما يف الغرفة من ضياء‪.‬‬
‫من وجه خصمه فرمبا مل يكن ليقع بصره على‬ ‫وقبالة ماكسون ك��ان شخص آخ��ر جيلس‬
‫شيء إ َّال الباب املفتوح‪ .‬شيءٌ ما منعين سواء‬ ‫وظهره مبواجهيت‪ .‬وعلى الطاولة بني االثنني‬
‫من الدخول أو الرتاجع‪ ،‬إحساس – مل أعرف‬ ‫كانت هناك رقعة شطرنج‪ ،‬فقد كان الرجالن‬
‫كيف خامرني – بأنين كنت يف حضور مأساة‬ ‫يلعبان‪ .‬مل أكن أعرف الكثري عن لعبة الشطرنج‪،‬‬
‫على وشك احلدوث‪ ،‬وأنين قد أفيد صديقي‬ ‫لكنْ ملَّا كان عدد القطع املوجودة على الرقعة‬
‫باملكوث‪ .‬ومع شعور واع بالكاد بالتمرد ضد‬ ‫قليالً‪ ،‬فقد كان واضحاً أنَّ اللعبة كانت على‬
‫تصريف هذا الذي يفتقر إىل احتشام السلوك‪..‬‬ ‫وشك االنتهاء‪ .‬مل يكن ماكسون مهتماً بشكل‬
‫بقيت مكاني‪.‬‬ ‫كبري باللعبة كما بدا يل‪ ،‬بقدر ما كان اهتمامه‬
‫ك��ان حتريك القطع على الرقعة سريعا‪ً،‬‬ ‫منصباً على خصمه يف اللعبة‪ ،‬إ ْذ كان حيملق‬
‫ماكسون كان يرمق بالكاد الرقعة قبل أن يقوم‬ ‫فيه بنظرة مر َّكزة جداً‪ ،‬ورغم أني كنت أقف‬
‫حبركاته‪ ،‬وبدا لعيين اليت تفتقر للخربة أنه كان‬ ‫م��ب��اش��رة يف خ��ط ن��ظ��ره إ َّال أن��ه مل يالحظ‬
‫حيرك القطعة األقرب إىل متناول يده حيث‬ ‫وجودي على اإلطالق‪ .‬بالنسبة إىل خصمه مل‬
‫كانت حركاته ‪-‬وهو يفعل ذلك‪ -‬سريعة وتتسَّم‬ ‫يتسنَّ يل إ َّال أن أرى ظهره‪ ،‬لكنَّ ذلك كان كافياً‬
‫بالتوتر وتعوزها الدّقة‪ .‬أمَّا ردة فعل خصمه‪،‬‬ ‫إ ْذ مل يكنْ عليَّ أنْ أهتم برؤية وجهه‪.‬‬
‫رغم أهنا كانت متكافئة يف سرعة االستهالل‬ ‫وعلى ما بدا يل مل يتجاوز ارتفاعه مخسة‬
‫فقد كانت تتم بتحريك بطيء آيل‪ ،‬على وترية‬ ‫أق���دام بينما كانت أب��ع��اد جسمه أق��رب إىل‬
‫واح���دة‪ ،‬ب��ل وكما ب��دا يل حتريكاً مسرحياً‬ ‫الغوريال – فقد كان عريض املنكبني إىل حد‬
‫للذراع‪ ،‬كان امتحاناً عسرياً ومُمِضاً لصربي‪.‬‬ ‫كبري‪ ،‬برقبة مسيكة قصرية‪ ،‬ورأس عريض‬
‫لقد كان هناك شيء غريب يف كل ما جيري‬ ‫قصري وثخني ل��ه شعر أس��ود متشابك على‬
‫وشعرت بالقشعريرة تسري يف أوصايل‪ .‬لكين‬ ‫قمته قلنسوة قرمزية‪ ،‬أما لباسه فكان عبارة‬
‫كنت مبتالً وأشعر بالربد‪ .‬بعد مرتني أو ثالث‬ ‫عن رداء كهنوتي طويل من نفس اللون مشدود‬
‫مرات من حتريكه إلحدى القطع كان الشخص‬ ‫على جسمه حتى اخلصر ويصل حتى املقعد –‬
‫الغريب حيرك رأسه قليالً ويف كل مرة كنت‬ ‫على ما يبدو أنه صندوق – والذي كان جيلس‬
‫أالحظ أن ماكسون كان حيرك مَلِكه‪.‬‬ ‫عليه‪ ،‬يف حني مل تظهر رجاله وال قدماه‪ ،‬وبدا‬
‫وب���دون س��اب��ق إن���ذار خ��اجل�ني ت��ص��ور بأن‬ ‫أن ذراعه اليسرى كانت على حضنه على حني‬ ‫‪162‬‬
‫الرجل كان أبكم أعجم‪ .‬وبعدها خطر يل أن‬ ‫كان حيرك قطعة على الرقعة بيده اليمنى‬
‫يكون الرجل آل��ة – أي الع��ب شطرنج آيلّ!‬ ‫وال�تي ب��دت طويلة بشكل غ�ير متناسب مع‬
‫وعندها تذكرتُ أنه يف إحدى املرات حدَّثين‬ ‫جسمه‪.‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫بصوت يرتفع باستمرار‪ .‬وخالل فرتات السكون‬ ‫ماكسون عن اخرتاعه مثل هذه القطعة اآللية‬
‫املتناوبة أصبحت أشعر بطنني خافت أو بأزيز‬ ‫رغم أنين مل أفهم أنه انتهى من تركيب مثل‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫ك��ان ي���زداد م��ن حلظة ألخ���رى ويصبح أكثر‬ ‫هذه اآللة بالفعل‪ .‬هل كان كل هذا احلديث‬
‫وضوحاً مثل صوت الرعد‪ .‬بدا الصوت آتياً‬ ‫عن وعي وذك��اء اآلالت جمرد متهيد لعرض‬
‫من داخل جسم الرجل اآليل‪ ،‬وكان من املؤكد‬ ‫اجلهاز يف هناية املطاف – جمرد حيلة لتكثيف‬
‫أن��ه ص��وت دوران مسننات‪ .‬لقد جعلين ذلك‬ ‫تأثري أدائها امليكانيكي يفّ‪ ،‬يف جهلي للسرّ‬
‫أحس باالنطباع أن هناك خلالً ما يف آليّة ما‪،‬‬ ‫الكامن فيها؟‬
‫ّ‬
‫واملنظمة‬ ‫خرجت عن نطاق السيطرة الكاحبة‬ ‫لقد كانت هذه أشبه بنهاية منحدرة من‬
‫ال�تي يؤديها أح��د األج��زاء ال�تي تقوم بوظيفة‬ ‫بني كل نشواتي الفكرية كانت‪ ..‬تنوعي ومتعيت‬
‫التحكم – وهو ما يشبه األمل الناتج فيما لو‬ ‫الالمتناهية من التفكري الفلسفي!» كنت على‬
‫مت دفع السّقاطة (الدُّقرة) عنوة‪ ،‬من مسننات‬ ‫وشك االنسحاب يغمرني شعور باالمشئزاز‬
‫دوالب مسنّنٍ بس ّقاطات (د ِّق��رات)‪ .‬لكن وقبل‬ ‫عندما حدث شيء أثار فضويل‪.‬‬
‫أن يكون ل��دي متسعٌ من الوقت للمزيد من‬ ‫لقد الحظت اآليلّ يهز كتفيه هزة استهجان‬
‫التحديس يف طبيعة اخللل اسرتعت انتباهي‬ ‫كما ل��و أن��ه أح��سَّ باالمتعاض‪ :‬وك��ان األمر‬
‫تلك احلركات الغريبة اليت كان يقوم هبا الرجل‬ ‫طبيعياً للغاية – بل إنسانياً بالكامل – حتى‬
‫اآليل‪ .‬لقد بدا أنه بات حتت رمحة اضطراب‬ ‫إنه مع نظرتي اجلديدة للمسألة أجفلين‪ .‬ومل‬
‫تشنجي بسيط‪ ،‬لكنه مستمر يف ذات الوقت‪.‬‬ ‫ينته األمر عند ذلك‪ ،‬إذ بعد هنيهة قام بضرب‬
‫لقد كان جسمه ورأسه يتحركان باهتزاز عنيف‬ ‫الطاولة حبدة بيده املقبوضة‪.‬‬
‫مثل رجل مصاب بشلل ارتعاشي قاهر أو بنوبة‬ ‫وعند هذه احلركة بدا ماكسون أكثر خوفاً‬
‫برد قشعريرية‪ .‬وكانت تلك احلركة االهتزازية‬ ‫مين فقد دفع كرسيّه قليالً إىل الوراء كما لو‬
‫تسري شيئاً فشيئاً يف هيكله حتى بات جسمه‬ ‫كان يف حالة شعور بالفزع‪.‬‬
‫كله يرجتف وخيتلج بشدة‪ .‬وفجأة وثب على‬
‫قدميه‪ ،‬وحبركة تكاد تكون أسرع من ملح البصر‬ ‫‪-8-‬‬
‫مد ذراعيه على امتدادمهاَ لألمام فوق الطاولة‬ ‫وبينما ك��ان دور ماكسون يف اللعب‪ ،‬رفعَ‬
‫والكرسي‪ -‬متاماً كوضعية واندفاع الغوّاص‪.‬‬ ‫يده عالياً فوق رقعة الشطرنج حبركة واثبة‬
‫ح��اول ماكسون أن يقذف بنفسه إىل الوراء‬ ‫من يديه فوق إحدى قطعه مثل حركة الصقر‬
‫بعيداً عن متناول الرجل اآليل‪ ،‬لكنه تأخر كثرياً‬ ‫اخلاطفة وهنض بسرعة على قدميه وهو يقول‬
‫يف ذل��ك‪ :‬فقد رأي��ت يد ذاك الشيء الفظيع‬ ‫«ك��ش م��ات» ثم خطا إىل ال��وراء واقفاً خلف‬
‫تقبض على عنقه يف حني كانت يدا ماكسون‬ ‫كرسيه‪ .‬أما الرجل اآليل فتسمَّر يف مكانه دون‬
‫‪163‬‬ ‫متسكان برسغي اآليلّ‪ .‬وبعدها ُقلبت الطاولة‬ ‫أن حيرك ساكناً‪.‬‬
‫رأساً على عقب وقذفت الشمعة حنو األرض‬ ‫يف تلك اللحظات كانت الريح قد هدأت‪،‬‬
‫فانطفأت وح��ل ظ�لام دام���س‪ .‬غ�ير أن جلبة‬ ‫لكين كنت أمسع خالل فواصل متقطعة آخذة‬
‫ال��ع��راك كانت واضحة بشكل مريع‪ ،‬واألكثر‬ ‫يف التناقص دويّ ال��رع��د ال���ذي ك��ان يهزم‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫سبب اندالع احلريق ومصدره يلفه شيء من‬ ‫إثارة للهلع يف كل ذلك كانت أصوات الصرير‬
‫الغموض كذلك‪ .‬يف تصُّوري اخلاص أن املنزل‬ ‫األجش وحشرجات الرجل املخنوق الذي كان‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫تعرَّضَ لضربة صاعقة‪».‬‬ ‫جياهد من أجل أن يتنفس‪ .‬وما كان منّي إ َّال‬
‫‪« -‬وماذا عن ماكسون»‪.‬‬ ‫أن أسرعت مهتدياً بصوت العراك اجلهنمي‬
‫‪« -‬لقد دُفن البارحة ‪..‬ما بقي منه‪».‬‬ ‫إىل جندة صديقي‪ ،‬لكين ما كدت أخطو خطوة‬
‫بدا يل أن هذا الشخص الكتوم ميكنه أن‬ ‫بصعوبة يف العتمة حتى أخذت الغرفة بكاملها‬
‫يكشف عن مكنون نفسه عندما يكون اخلطب‬ ‫تشتعل بضوء ساطع مبهر‪ ،‬تغلغل يف عقلي‬
‫جَلَالً‪ .‬بعد بعض اللحظات من املعاناة العقلية‬ ‫وذاكرتي حافراً بسطوعه املتّقد صورة حيّ ًة ال‬
‫احلادة غامرت وطرحت سؤاالً آخر‪:‬‬ ‫متحى للمتقاتِلَيْن على األرض‪،‬‬
‫‪« -‬من أنقذني؟»‬ ‫م��اك��س��ون حت��ت اآليلّ‪ ،‬يف ح�ين ال يزال‬
‫‪« -‬حسناً إذا ك��ان ذاك يهمك – أن��ا من‬ ‫حنجوره بقبضة تلك اليدين احلديديتني ورأسه‬
‫أنقذك‪».‬‬ ‫مدفوعاً للخلف بقوة‪ ،‬وعيناه جاحظتني‪ ،‬وفمه‬
‫‪« -‬أشكرك سيد هايل‪ ،‬وعسى أن يباركك‬ ‫مفتوحاً باتساع‪ ،‬ولسانه خارجاً من فيه‪ ،‬ويف‬
‫اهلل ألجل ذلك‪ .‬هل قمت‪ ،‬أيضاً‪ ،‬بإنقاذ ذلك‬ ‫تناقض خميف! رمس��ت على الوجه املطلي‬
‫الشيء األخاذ الذي جاء نتاج مهارتك‪ ،‬العب‬ ‫لقاتله تعابري اهل��دوء والتفكري العميق كما لو‬
‫الشطرنج اآليل الذي قتل خمرتعه؟»‬ ‫كان العباً وجد حالًّ ملشكلة يف لعبة شطرنج!‬
‫صمت الرجل فرتة طويلة من الزمن مشيحاً‬ ‫هذا كل ما الحظته‪ ،‬ثم غرق بعدها كل شيء‬
‫ببصره بعيداً مين‪ .‬ثم التفت إيلَّ وقال بنربه‬ ‫يف ظالم وسكون تام‪.‬‬
‫هادئة وقورة‪:‬‬
‫‪« -‬وهل تعرف ذلك؟»‬ ‫‪-9-‬‬
‫أجبته‪:‬‬ ‫ب��ع��د ث�لاث��ة أي����ام اس��ت��ع��دت وع��ي��ي يف‬
‫‪« -‬أجل‪ ..‬رأيت ذلك منتهياً»‬ ‫املستشفى‪ .‬وبينما كنت اسرتجع شيئاً فشيئاً‬
‫ك��ان ذل��ك قبل س��ن��وات طويلة مضت‪ .‬لو‬ ‫ذكرياتٍ تلك الليلة الفظيعة يف عقلي املشوش‬
‫سألين أحدهم اليوم فعليَّ أن أجيب عن ذلك‬ ‫تعرفت على الشخص املوجود جبوار سريري‬
‫بصورة اقل تأكيداً‪».‬‬ ‫– وكان العام َل املؤمتن على أسرار ماكسون‪،‬‬
‫(ه��ايل)‪ .‬وحاملا رآن��ي أرمية بنظرة أقبل إيلَّ‬
‫مبتسماً‪ .‬استجمعت قواي وجنحت يف آن أقول‬
‫* لويس‪ ،Lewes :‬جورج هنري لويس‬ ‫له خبفوت بضع كلمات‪:‬‬
‫(‪ )1878 - 1817‬ناقد وكاتب إنكليزي‬ ‫«أخربني عن كل املسألة» كل شيء‪»..‬‬
‫كتب يف الفلسفة‬ ‫«بالتأكيد» أجاب هايل‪« :‬لقد حُمِلْتَ إىل هنا‬ ‫‪164‬‬
‫* هربرت سبنسر‪ :‬فيلسوف انكليزي‬ ‫فاقداً وعيك من منزل حمرتق‪ ،‬منزل ماكسون‪.‬‬
‫(‪.)1903 – 1820‬‬ ‫ال أحد يعرف كيف ومل��اذا كنت هناك‪ .‬رمبا‬
‫عليك أن ت��ق��دم بعض ال��ت��ف��س�يرات‪ ،‬كما أن‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫املالم يف كل شيء هو بيزْخفوسيت (ترمجة‬
‫اللقب‪ :‬عديم الذيل‪ .‬ع‪.‬أ)‪ .‬لقد خطرت على باله‬
‫فكرة التمتع بصيد السمك‪ ،‬وقد جنح يف إقناع‬
‫الباقني‪.‬‬
‫كانت مركبتنا الفضائية قد قامت بطلعة‬
‫احل��راس��ة امل��ع��ت��ادة يف قطاعها‪ :‬البلطيق –‬
‫مالخوفكا – أرض الشمال‪ .‬أما املغزى من مثل‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫هذه الطلعات فهذا ما مل نكن نعرفه‪ .‬الشيء‬


‫الوحيد الذي كان يعرفه كل منا بكل تأكيد هو‬
‫أنه مل يكن يتوجب علينا إقامة اتصال مع سكان‬
‫األرض يف أي حال من األحوال‪.‬‬
‫هكذا كانت األوام���ر‪ ،‬ومل يكن أح��د ينوي‬
‫خمالفتها‪ ،‬رغ��م أننا كنا نعرف بامتياز لغة‬
‫وعادات قطاعنا‪.‬‬
‫كان يتوجب على معارفنا أن تكون مفيدة لنا‬
‫حني الدخول يف عصر االتصاالت املفتوحة‪.‬‬
‫ومل يكن يف علم أحد متى سيبدأ هذا العصر‪.‬‬
‫يف اللحظة املناسبة ستعطي اآللة الكبرية األمر‪،‬‬
‫وهي تعرف كل شيء‪...‬‬
‫وهكذا‪ ،‬قال بيزْخفوسيت إنه يعرف مكاناً‬
‫رائعاً حيث يوجد الكثري من السمك وال يوجد‬
‫أن��اس أب���داً‪ .‬وي��ب��دو أن��ه ح��ط هناك يف العام‬
‫املاضي‪ ،‬وكان كل شيء بديعاً‪ .‬الكالم كان يدور‬
‫حول خليج ما ضيّق يف منطقة حبرية سيليغري‪.‬‬
‫حط قرص مركبتنا الفضي على بعد عدة‬
‫أمتار من شاطئ البحرية‪ .‬حول املكان نَمَت غابة‬
‫من الشجريات الطويلة‪ .‬وعلى العشب الرطب‬
‫ك��ان يتألأل ن��دى الصباح‪ .‬ك��ان املكان موحشاً‬
‫بالفعل‪.‬‬
‫طلعت الشمس م��ن وراء الغابة البعيدة‪،‬‬
‫وكانت السماء صافية‪ .‬كان من الغريب أن تفكر‬
‫أنه ما زالت توجد يف مكان ما من هذا العامل‬
‫الرائع معاناة وظلم وشر‪ .‬وحتى صيد السمك‬
‫بدا يف صباح كهذا عمالً جائراً وغري الزم‪ ،‬وأنا‬
‫‪165‬‬ ‫مل أعد أشارك فيه‪.‬‬
‫مشيت على طول الشاطئ وأنا أتطلع إىل املاء‬
‫الصايف وأمتتع برؤية احلشرات الصغرية اليت‬ ‫تأليف‪ :‬أ‪ .‬غربو ْفسكي‬
‫كان بعضها يرتاكض على سطح املاء‪ ،‬وبعضها‬ ‫ترمجة‪ :‬د‪ .‬عمر أل ُتنجي‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫الساكنة يف كوكبنا وامتدادات الفضاء عدمية‬ ‫اآلخر كان يزحف يف القاع ببطء‪.‬‬ ‫‪166‬‬
‫وك��ان��ت أوراق األش��ج��ار واحلشائش مليئة احلياة‪.‬‬
‫كنت قد عزمت على العودة حينما شعرت‬ ‫حبركة خفية‪ .‬وق��د أحسست جبمال املنظر‬
‫الطبيعي األرض��ي إحساساً كبرياً بعد املناظر بوجود شخص ما يف اخللف‪ .‬التفتّ إىل اخللف‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫مضيت بعيداً عن الشاطئ‪ ،‬إىل الغابة‪ ،‬وهنا‪،‬‬ ‫فرأيت مشهداً سأذكره طوال حياتي‪ .‬أناس كانوا‬
‫بني احلشائش اخلضراء‪ ،‬واألشجار العالية‪،‬‬ ‫يسريون مباشرة إىل املكان ال��ذي هبطت فيه‬
‫والطيور والفراشات‪ ،‬أمضيت جل النهار‪ .‬حيث‬ ‫مركبتنا وهم يشقون طريقهم بني الشجريات‪.‬‬
‫تبني وج��ود الكثري من التوت‪ ،‬وقد شبعت من‬ ‫الحظت بسرعة كيف أن بعض األشخاص‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫احلبوب العطرة اليانعة‪ .‬ومبا أنه مل يكن لدي‬ ‫ببزات العمل اندفعوا إىل باب املركبة‪ ،‬وبعد ثانية‬
‫أي طعام فإن التوت كان غدائي وعشائي‪.‬‬ ‫طار القرص‪ .‬كدت أصيح‪( :‬إىل أين؟ قفوا!)‪.‬‬
‫وحينما بدأت الشمس تغرب اضطرتين قوة‬ ‫وهنا بالضبط شعرت أن�ني أتنفس بصعوبة‬
‫غامضة إىل التوجه إىل ذلك املكان الذي أقام‬ ‫بسبب الركض السريع‪ .‬توقفت‪ .‬وعلى مسافة‬
‫الناس فيه‪ .‬كانوا جيلسون حول نار كبرية ويغنون‬ ‫عدة أمتار مين وقف أناس وتكلموا حبيوية وهم‬
‫األغاني‪ .‬وكان أحدهم يعزف على الغيتار‪.‬‬ ‫يتطلعون إىل السماء‪.‬‬
‫وب��ق��در م��ا ك���ان اجل���و معتماً ب���دأ اخلوف‬ ‫مسعت أحدهم يقول‪ - :‬هذا منطاد ألجل‬
‫يتملكين‪ .‬بدا يل أن أحدهم ينظر إيل من العتمة‬ ‫دراسة الطقس‪ .‬كانت هنالك صورة له يف جملة‬
‫نظرة ثابتة‪ ،‬وحيث أنه يراني‪ ،‬وأنا ال أراه‪ ،‬رحت‬ ‫(النور)‪.‬‬
‫أعاني من رعب خفي‪ .‬زحفت شيئاً فشيئاً قريباً‬ ‫‪ -‬غ�ير ص��ح��ي��ح‪ ،‬أي م��ن��ط��اد! ه���ذه طائرة‬
‫جداً من النار واستلقيت على األرض جاهداً أال‬ ‫مروحية‪ .‬وعلى وسادة هوائية‪.‬‬
‫أحترك كي ال أفضح نفسي‪.‬‬ ‫‪ -‬صحن طائر! ‪ -‬ص��اح أحدهم‪ ،‬وضحك‬
‫‪ -‬ال أذكر متى غفوت وكيف‪ ...‬صحوت ألن‬ ‫اجلميع‪.‬‬
‫أحدهم ملسين من كتفي‪.‬‬ ‫فجأة رفع اجلميع رؤوسهم وراحوا ينظرون‬
‫‪ -‬هيه‪ ،‬يا شاب! من أين أنت؟‬ ‫إىل السماء‪ .‬لقد عاد القرص‪ .‬من الواضح أهنم‬
‫وقف الناس حويل‪ .‬فات أوان اجلري‪.‬‬ ‫هناك اكتشفوا غيابي‪ .‬وقفت اآللة يف اجلو فوق‬
‫قال أحدهم‪:‬‬ ‫اخلليج لبعض الوقت‪ ،‬ثم حتركت ببطء على‬
‫‪ -‬رمبا كان تائهاً‪.‬‬ ‫طول الشاطئ‪ .‬أنا كنت غري مرئي من اجلو‪،‬‬
‫سأل واحد ذو حلية ونظارات‪:‬‬ ‫ك��ان��ت ال��ش��ج�يرات حتجبين‪ ،‬واأله���م‪ ،‬أن�ني مل‬
‫‪ -‬سائح ؟‬ ‫أستطع اخلروج إىل املرج وإعطاء إشارة‪.‬‬
‫أجبت حبزم‪:‬‬ ‫ابتعد القرص‪ ،‬لكنين كنت أعرف أنه سيعود‪،‬‬
‫‪ -‬سائح‪.‬‬ ‫وانتظرت إىل أن يذهب الناس‪ .‬لكن الناس مل‬
‫م��اذا كان سيظن لو كنت قلت له إن أمامه‬ ‫يكونوا ينوون املغادرة‪ ،‬بل بدا أهنم قرروا البقاء‬
‫ميكانيكي من الدرجة الثانية من املركبة ‪-UF‬‬ ‫هنا لفرتة طويلة‪ .‬خلعوا حقائب الظهر وبدأوا‬
‫‪ ،14‬اختصاصي خبطوط الطاقة املغناطيسية‪.‬‬ ‫ينصبون اخليام‪ .‬أشعلوا بعد ذلك ناراً‪ ،‬ووصلت‬
‫من السيئ بالطبع أنين اضطررت للكذب‪ ،‬لكن‬ ‫إيل رائحة الدخان احملببة‪ ،‬لكنها مل متنحين‬
‫ماذا بقي يل أن أفعل؟‬ ‫أية متعة‪ .‬بعد هذا مل يعد الناس ينظرون إىل‬
‫‪167‬‬ ‫من منظر بزة عملي اليت كانت تتطاير منها‬ ‫السماء‪ ،‬لكنهم لو رفعوا رؤوسهم ل��رأوا كيف‬
‫حينما هنضت شرارات خمضرة اللون قرروا أنين‬ ‫حترك القرص ببطء ثانية فوق اخلليج على‬
‫من مجاعة الفيزيائيني‪ .‬لقد مر الفيزيائيون من‬ ‫ارتفاع عالٍ‪.‬‬
‫هذه الطريق قبل يومني‪ .‬أنا مل أعرتض‪،‬‬ ‫وح��ت��ى ال ي��ع��ث��ر ع��ل��ي أح����د باملصادفة‪،‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫وقد ضبطت نظرته املتفحصة املهتمة إيلّ عدة‬ ‫وصدق اجلميع هذا‪ .‬وقد أوضحوا بأنفسهم‬
‫مرات‪.‬‬ ‫ملاذا تأخرت أنا عن اجلماعة‪ ،‬ومل��اذا مل ينتبه‬
‫وم��رة ك��ان يلزمنا مجع حطب للنار‪ .‬وكان‬ ‫أصحابي إىل أنين تأخرت‪ .‬كنت أوافق وأنا أومئ‬
‫ي��روق�ني مج��ع احل��ط��ب‪ ،‬فكنت أول م��ن تطوع‬ ‫برأسي وأنطق طوال الوقت بكلمة واحدة‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫للذهاب إىل الغابة‪ .‬مل يعرتض أحد‪ ،‬واحد فقط‬ ‫– (أجل)‪.‬‬
‫هو هذا السَكوت قال إنين حباجة إىل مساعد‪،‬‬ ‫‪ -‬ه��ذا ي��ك��ف��ي‪ -،‬أع��ل��ن ال��ش��اب ذو اللحية‬
‫واقرتح نفسه مساعداً يل‪.‬‬ ‫والنظارات أخرياً‪.‬‬
‫ويف الغابة وجّه كالمه إيل وهو حييد بنظره‬ ‫– ك��ل ش���يء واض����ح‪ .‬م��ن ل��دي��ه م��ك��ان يف‬
‫جانباً‪:‬‬ ‫خيمته؟‬
‫‪ -‬ماذا تعتقد‪ ،‬إذا كانوا قد وصلوا طائرين‬ ‫اقرتح واحد‪:‬‬
‫إىل األرض‪ ،‬فمن أي��ن‪ ،‬من أي كوكب‪ ،‬أو على‬ ‫‪ -‬لدى الفتيات كما يبدو‪.‬‬
‫األقل من أية جمرة ؟‬ ‫‪ -‬هل تذهب إليهم ؟‬
‫انفجرت أنا ضاحكاً‪.‬‬ ‫ً‬
‫سألين الشاب‪ .‬بدا يل أن يف صوته شيئا ما‬
‫قلت‪:‬‬ ‫يثري الشك‪ ،‬لكنين مل أفهم ما هو بالضبط‪ .‬كان‬
‫‪ -‬ال أحد يعلم! وهل هنالك فرق؟‬ ‫بالنسبة يل سيان أين أنام‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫بدا أن هذا اجلواب مل يدهشه إطالقا‪ً.‬‬ ‫‪ -‬أذهب بالطبع‪.‬‬
‫قال‪:‬‬ ‫ّ‬
‫ضحك اجلميع‪ .‬وأنا مخنت أنين قلت غباوة‬
‫‪ -‬أن��ا أفهم‪ .‬ليس لديك احل��ق‪ .‬أن��ا أفهمك‬ ‫ما‪ ،‬ومن باب االحتياط ضحكت معهم‪ .‬وأثناء‬
‫بشكل جيد جداً‪...‬‬ ‫هذا فكرت أنين جيب أن أكون أكثر حذراً‪.‬‬
‫هل حزر من أنا‪ ،‬أم ظنين شخصاً آخر؟ على‬ ‫وهكذا أقمت يف معسكر السياح‪ .‬عشت مثل‬
‫كل حال أصبحتُ أتصرف بعد هذا احلديث‬ ‫اجلميع‪ ،‬وفعلت ما فعله اآلخرون‪ ،‬وجهدت أال‬
‫حبذر أكرب‪...‬‬ ‫أختلف يف شيء عن اآلخرين‪ .‬لكنين مل أفلح يف‬
‫ح��ان اليوم ال��ذي ك��ان فيه على السياح أن‬ ‫هذا دائماً‪ .‬لزمنا مرة إضرام النار‪ ،‬وأنا عرضت‬
‫يتابعوا طريقهم‪ .‬طووا خيامهم ووضعوها يف‬ ‫مساعدتي بال حتفظ‪ .‬مل خيطر ببايل أن سكان‬
‫حقائب الظهر‪.‬‬ ‫األرض ميكن أن ال يعرفوا تأثري خطوط الطاقة‬
‫‪ -‬ماذا‪ ،‬إىل الطريق؟‬ ‫املغناطيسية‪.‬‬
‫سألين بنشاط ذلك الشاب ذو اللحية‪ ،‬والذي‬ ‫انتقيت غصنا طويالً من إحدى األشجار‪،‬‬‫ً‬
‫كان قائداً هلم‪.‬‬ ‫ووجّهته من الشمال إىل اجلنوب‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫‪ -‬على األرجح‪ ،‬سأبقى‪ .‬قلت هذا‪ ،‬وأنا غري‬ ‫دوّرت���ه بقوة ‪45‬درج���ة‪ .‬اشتعل الغصن فوراً‪.‬‬
‫واثق كثرياً من النجاح‪ .‬وبالفعل‪ :‬ما إن مسعوا‬ ‫�ج��ب اجلميع هب��ذا ك��ث�يراً‪ ،‬وراح���وا حياولون‬ ‫أُع� ِ‬
‫جوابي حتى ضج اجلميع من حويل‪.‬‬ ‫تكرار ما قمت به بسهولة‪ ،‬لكنهم مل ينجحوا يف‬
‫صاح أحدهم‪:‬‬ ‫ذلك‪ .‬أصبحوا ينادونين بالساحر‪ ،‬مل يفرحين‬ ‫‪168‬‬
‫‪ -‬يا شباب! لقد فقد عقله!‬ ‫هذا مطلقاً‪.‬‬
‫‪ -‬يريد أن يصبح روبنسون كروزو!‬ ‫بعد حادثة الغصن ب��دأ أح��د السياح يزيد‬
‫‪ِ -‬جدوا له جزيرة !‬ ‫من مراقبيت‪ ،‬وه��و شخص عَبوس وسَكوت‪.‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫املغادرة وصلت جمموعة أخرى‪ .‬تكرر هذا عدة‬ ‫‪ -‬يلزمنا رفقة فوراً !‬
‫مرات‪ ،‬إىل أن فهمت أن من الغباوة البقاء هنا‪.‬‬ ‫‪ -‬ال يلزمنا‪ ،‬بل تلزمنا !‬
‫وأصدقائي هناك‪ ،‬يف األعلى‪ ،‬يبدو أهنم فقدوا‬ ‫صخب‪ ،‬قهقهات‪ ،‬مرح‪ .‬حاولت إقناعهم بأن‬
‫أي أمل يف إجيادي‪ .‬وطوال هذه األيام شاهدت‬ ‫مجاعيت سوف تعود قريباً وسأقابلها هنا‪ .‬لكن‬
‫قرص املركبة مرة واحدة فقط‪ .‬مر على ارتفاع‬ ‫هذا أثار استغراهبم أكثر‪.‬‬
‫عا ٍل واختفى‪.‬‬ ‫‪ -‬ه��ل أن��ت م��ري��ض؟ مجاعتك تتقدم عرب‬
‫حينما ظ��ه��رتُ أخ�ي�راً يف امل��رك��ز السياحي‬ ‫الطريق الرابع!‬
‫كانت اجملموعة األوىل هناك – أولئك الذين‬ ‫هذا يعين أن اجلماعة لن متر من هنا‪.‬‬
‫مل يسمحوا يل بالبقاء على الشاطئ وانتظار‬ ‫مل يسمحوا يل بالطبع أن أبقى‪ .‬سرنا عرب‬
‫أصدقائي‪ .‬كانوا معي باردين‪ .‬وحلسن احلظ‬ ‫ممر الغابة‪ ،‬وأن��ا كنت أحفظ الطريق‪ .‬وأثناء‬
‫أهنم غ��ادروا يف اليوم نفسه‪ ،‬ومل أص��ادف أي‬ ‫توقفنا يف الليل هربت‪ .‬شعرت باخلجل‪ ،‬وأنا‬
‫واحد منهم منذ ذلك احلني‪.‬‬ ‫مل أشعر باخلجل يوماً يف حياتي قبل هذا‪ ،‬لكن‬
‫أنا أعيش اآلن يف موسكو‪ .‬أكسب عيشي من‬ ‫مل يكن باليد حيلة‪ .‬فأنا مل يكن لدي احلق يف‬
‫كتابة قصص ما يسمى أدب اخليال العلمي‪.‬‬ ‫توضيح من أكون‪.‬‬
‫أك��ت��ب عما سنحت يل رؤي��ت��ه ومعايشته يف‬ ‫أمضيت اليوم بطوله على الشاطئ املوحش‪،‬‬
‫الفضاء‪.‬‬ ‫وأنا أتطلع إىل السماء بال توقف‪ .‬ويف املساء‬
‫‪169‬‬ ‫واجملالت تتقبل (ختيالتي) عن طيب خاطر‪،‬‬ ‫ظهر سياح‪ .‬غريهم‪ ،‬غري معروفني يل‪ .‬انتشرت‬
‫وقد بدأت أخشى أن أتعود على احلياة اجلديدة‪،‬‬ ‫اخليام ثانية على الشاطئ‪ ،‬ويف مكان النار‬
‫وأن أصبح كاتباً حمرتفاً‪ ،‬وأن أنسى يوماً أن‬ ‫املنطفئة شبت نار جديدة‪.‬‬
‫مكاني هو بني أعضاء طاقم املركبة ‪.14-UF‬‬ ‫أق��م��ت معهم أرب��ع��ة أي���ام‪ ،‬وحينما قرروا‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫إن م��وض��وع ال��زم��ن م��ن امل��واض��ي��ع املعقدة‬


‫وال��ت��ع��رف إل��ي��ه أم��ر أرّق العلماء والفالسفة‬
‫واألدباء عرب التاريخ‪.‬‬
‫سئل سان أوغستني يوماً عن الزمن وقيل إن‬
‫إجابته تعترب أفضل تعريف للزمن ‪.‬‬
‫قال‪ :‬ميكنين أن أدرك الزمن أما إذا سئلت‬
‫كي أحتدث عنه فال ميكنين ذلك ‪.‬‬ ‫‪170‬‬
‫وهذا ال يعين هروباً بل تشويقاً لطرح بعض‬
‫ما قيل حول الزمن‪.‬‬
‫اآلن نتحدث ع��ن ال��زم��ن الفيزيائي قبل‬ ‫د‪ .‬حممّد حاج صاحل‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫اثين عشر شهراً كل شهر ثالثني يوماً يتبعها‬ ‫النسبية العامة إلينشتاين‪.‬‬
‫وه��و م��ان��دع��وه ب��ال��زم��ن األرض���ي املرتبط فاصل من مخسة أيام وهناك إمجال ‪ 4/1‬يوم‬
‫بالسنة يؤدي إىل انزالق وبعد ألف عام سنرى‬ ‫باألرض والشمس‪ .‬ولقد قسمه العلماء إىل‬
‫‪ -‬اليوم دوران األرض حول نفسها ( شروقني تراكم ( الثلج يف آب )‬
‫متتاليني )‬
‫التقويم احلويل اجلولياني‬ ‫‪ -‬السنة دوران األرض حول الشمس دورة‬
‫‪171‬‬ ‫حل ه��ذا التقويم مشكلة هناك رب��ع اليوم‬ ‫كاملة‬
‫الفائض ب��إدخ��ال السنة الكبيسة لكن بقيت‬
‫هناك مشكلة أن السنة أقصر دقيقة و‪ 14‬ثانية‬ ‫التقويم الفرعوني‬
‫التقويم الفرعوني القديم قسَّم السنة إىل ( ‪ 7‬أيام كل ‪ 1000‬سنة ) وهنا أصاب اخلطأ‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫التاريخ وحقيقة الزمن ‪ :‬الزمن املعيش الزمن‬ ‫عيد الفصح‬
‫احملسوس‪ ،‬املغنى احملكي‪ ،‬التحليل اإليقاعي‪،‬‬ ‫تقويم البابا غريغوري‬
‫يف عام ‪ 1582‬مت حل مشكلة تراكم االنزالق الزمن املادي‪ ،‬الزمن البيولوجي‪ ،‬الزمن النفسي‬
‫يف التقويم اجلولياني بإسقاط السنوات الكبيسة وأقصر احلديث فيما يأتي عن الزمن الفيزيائي‬
‫اليت تصادف أرق��ام املئات إال إذا كانت قابلة أو الزمن الكوني‪:‬‬
‫للقسمة على أربعة‪ ،‬وتكون ‪ 2000‬كبيسة أما‬
‫الزمن النسيب‬ ‫‪ 1700‬و‪ 1800‬و‪ 1900‬فهي غري كبيسة وحنن‬
‫بعد النسبية اخلاصة والعامة إلنشتاين اختذ‬ ‫نستخدم اليوم النظام الغريغوري‬
‫كيف حتدد الثانية؟ حالياً هو الزمن الذي الزمن شكالً آخر وصار بعداً مرتبطا باملكان‪.‬‬
‫يستغرقه دوران االلكرتون حول حموره داخل ذرة وص��ار الكون له أربعة أبعاد الطول والعرض‬
‫سيزيوم‪ ،‬واليوم صار لدينا أجهزة قياس حديثة واالرتفاع والزمن البعد الرابع‪ .‬ثم حدث تطور‬
‫تقيس أجزاء الثانية‪ ،‬ملي ثانية = جزء من ألف على هذا املفهوم خاصة بعد نظرية الكم وصار‬
‫ثانية‪ ،‬ميكروثانية = جزء من مليون من الثانية‪ ،‬للزمكان حسب النظرية املوحدة أو نظرية كل‬
‫النانوثانية = ‪ 1‬من مليار من الثانية‪ ،‬البيكوثانية شيء عشرة أبعاد وهذا ماسنبحثه يف الصفحات‬
‫= جزء من تريليون من الثانية‪ ،‬فمتوثانية = جزء القادمة‪.‬‬
‫اآلن لنفرتض وجود عمالق يراقب البيضة‬ ‫من تريليون تريليون‪.‬‬
‫إذاً الزمن مبعنى الوقت هو الزمن املتسلسل الكونية حلظة انفجارها ‪-‬هذه البيضة حبجم‬
‫الذي ندركه ونتحدث عنه يف املاضي واحلاضر رأس الدبوس ‪ -‬بينما تنفجر تتباعد يف كافة‬
‫االجتاهات ‪ ،‬والعمالق أكرب من كوننا فهو يرى‬ ‫واملستقبل ‪.‬‬
‫وهناك أزمنة أخ��رى غري الزمن الفيزيائي حتركها ومتددها ككرة متباعدة مشكلة كوننا‬
‫كالزمن النفسي والروائي واملوسيقي واإلحساس يف مرحلة التباعد‪ ،‬وكونه عمالقاً كبرياً فزمن‬
‫بالزمن‪ .‬عندما أكون سعيداً مير الزمن بسرعة التباعد بالنسبة إليه أقصر من زمن التباعد‬ ‫‪172‬‬
‫املفرتض لدينا‪ ،‬فإذا كنا ننظر إىل أرنب يتحرك‬ ‫ويف حلظة الكآبة أشعر مبرور الزمن ببطء‬
‫والزمن كعالمة من جم��االت بالغة التنوع‪ :‬ويف ذات الوقت كانت منلة تراقبه‪ ،‬حنن نرى‬
‫احل���ي���اة ‪ ،‬امل��وس��ي��ق��ى ‪ ،‬ال��ف��ك��ر ‪ ،‬امل��ش��اع��ر ‪ ،‬األرنب يتحرك بسرعة رجل عادي‪ ،‬أما النملة‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫وحنن عندما ننظر إىل السماء اآلن لكأننا نرى‬ ‫على فرض أهنا متلك وعياً فهي سرتاه يركض‬
‫املاضي‪ .‬وليس احلاضر‪ ،‬ف��إذا رصدنا جنماً‬ ‫بسرعة سيارة أو صاروخ ‪.‬‬
‫يبتعد عن األرض ‪ 300‬ألف سنة ضوئية كما يف‬ ‫ه��ذا بالنسبة لنا أم��ا بالنسبة للمجرات‬
‫جمموعة املرأة املتسلسلة‪ ،‬هذا النجم اآلن ابتعد‬ ‫واجملموعات الشمسية فلكل جمموعة متباعدة‬
‫أكثر وبدل موقعه ورمبا حتول إىل ثقب أسود أو‬ ‫من االنفجار زمنها اخلاص هبا ‪. .‬‬
‫انفجر ألن ما يصلنا اآلن ضوءه الذي خيربنا عن‬ ‫لقد قسمنا ال��زم��ن األرض���ي وف��ق�اً حلركة‬
‫وضعه قبل ‪ 300‬ألف سنة‪.‬‬ ‫األرض ح��ول الشمس ودوران األرض حول‬
‫أي لو رأينا معركة جتري اآلن على كوكب‬ ‫نفسها‪.‬‬
‫حميط هبذا النجم فهذا يعين أن هذه املعركة‬ ‫أما يف جمموعة مشسية أخرى لساكن كوكب‬
‫كانت جتري قبل ‪ 300‬ألف سنة واآلن وصلتنا‬ ‫آخر يدور حول جنم ما فالزمن سيكون خمتلفاً‬
‫ص��ورة املعركة تلك وه��ذا الكوكب مل يعد يف‬ ‫عما هو يف األرض‪ .‬وسرياه ساكناً خمتلفاً عن‬
‫مكانه ألنه تباعد مع جمموعته النجمية اليت‬ ‫رؤيتنا ومتعلقاً بالنجم الذي يدور حوله؟‬
‫ينتمي إليها‪.‬‬ ‫وحتى يف جمموعتنا فإن دوران كوكب املريخ‬
‫ب��امل��ف��ه��وم العلمي إن س��رع��ة ال��ض��وء تبلغ‬ ‫ح��ول نفسه وح��ول الشمس خيتلف عن زمن‬
‫‪ 300‬ألف كم بالثانية وهو قياس بعد األمكنة‬ ‫دوران األرض ح��ول نفسها وح��ول الشمس‪،‬‬
‫(الزمكان ) أو البعد الرابع ‪.‬‬ ‫وبالتايل فإن طول اليوم والعام والشهر خيتلف‬
‫وحسب النظرية النسبية كلما زادت السرعة‬ ‫عن األرض‪ ،‬وسوف يكون تقسيم العام خمتلفاً‬
‫تبدل الزمن‪ ،‬لنفرض أن ص��اروخ�اً اق�ترب يف‬ ‫وك��ذل��ك ال��ي��وم وال��س��اع��ة ك��م��ا أنَّ اإلحساس‬
‫سرعته من ‪ 200‬ألف كم ثانية أي ثلثي سرعة‬ ‫بالزمن سيكون خمتلفاً لساكن كوكب يبعد عن‬
‫الضوء ‪ ،‬هنا سوف يصغر حجمه كثرياً وتزداد‬ ‫جمموعتنا الشمسية‪.‬‬
‫كتلته كثرياً ويتباطأ الزمن بالنسبة لرواد الفضاء‬ ‫اآلن لنلقي نظرة إىل السماء س��وف نرى‬
‫‪173‬‬ ‫داخله‪.‬‬ ‫ال��ن��ج��وم بالشكل احل����ايل‪ ،‬أرج���و أال نصاب‬
‫وإذا ما كان شق توأمي يف التاسعة عشرة‬ ‫بالدهشة واالستغراب إذا قلت بأن رؤيتنا هلذه‬
‫م��ن عمره حيمل ساعة بيده رك��ب على منت‬ ‫السماء غري حقيقية‪ ،‬حنن نرى مس��اءً ومهاً‪،‬‬
‫هذا الصاروخ فسوف يرى تباطؤ حركة دوران‬ ‫فشكل السماء احلقيقي خمتلف عما نراه‪،‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫حسب قوانني الفيزياء احلديثة والنسبية‬ ‫عقارب ساعته‪ ،‬وبعد أسابيع إذا ما عاد إىل‬
‫والنظرية املوحدة للفيزياء (األوتار الفائقة) أو‬ ‫األرض فسوف يرى شقه التوأم قد شاخ وزاد‬
‫نظرية كل شيء‪ ،‬اليت سنتحدث عنها بعد قليل‪،‬‬ ‫عمره إىل مثانني عاماً بينما بقي هو يف سنه ‪:‬‬
‫ميكننا السري داخل أنفاق الديدان لنعود بالزمن‬ ‫التاسعة عشرة ‪.‬‬ ‫‪174‬‬
‫فيزيائياً ونظرياً إىل الوراء‪ .‬وسوف نبحث هذا‬ ‫إن النتيجة ال�تي أثبتت صحتها فيزيائياً‬
‫املوضوع علمياً فيما بعد‪.‬‬ ‫وعلمياً جتعلنا نفكر مبنطق خمتلف عن السائد‪،‬‬
‫والسؤال هنا ماذا إذا عاد رجل بعد رحلة سري‬ ‫وقد نتساءل هل ميكننا العودة إىل املاضي؟‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫األرضي‪ ،‬بعض العلماء يعتقد بأن عودة الرجل‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫إىل املاضي والتقاءه بنفسه كأمنا يرى شخصاً‬


‫آخ��ر يشاهبك مت��ام�اً لكن منفصل عنك كما‬
‫تشاهد شق التوأم‪ ،‬لكن الميكن للمسافر عرب‬
‫الزمن التغيري يف صريورة األحداث ألهنا وقعت؛‬
‫وه��ذا األم��ر يبقى موضوعاً خالفياً خاضعاً‬
‫للتكهن والتساؤالت العلمية والعقلية‪.‬‬
‫دعونا نتساءل اآلن هل للزمن بداية وهل له‬
‫هناية؟‬
‫لقد حبث هذا األمر العلماء لكن املعادالت‬
‫الرياضية والفيزيائية أثبتت وجود بداية للزمن‬
‫بدءاً من نسبية إنشتاين العامة‪ .‬وقبل احلديث‬
‫عنه سأحتدث قليالً عن الزمكان الذي حتدث‬
‫عنه اينشتاين للتعرف عليه وع��ل��ى عالقته‬
‫بالنسبية العامة ال�تي حتدثت ع��ن اجلاذبية‬
‫وأثرها على احنناء الزمكان‪ ،‬وكيف مت التحقق‬
‫من احنناء الزمكان؟‬
‫عندما يأتي شعاع من جنم باجتاه املراقب‬
‫األرض��ي‪ ،‬إذا مامر هذا الشعاع قرب الشمس‬
‫فإنه ينحرف بالطريقة اليت حتين هبا الشمس‬
‫الزمكان‪ .‬أي حي��رف حزمة الضوء الظاهري‬
‫للنجم‪ ،‬فهو ب��دالً م��ن أن ي��رى يف النقطة (أ)‬
‫موقعه املفرتض؛ فإنه يرى يف موقع آخر نقطة‬
‫( ب ) ‪ .‬إنَّ ال��ك��ون مم��ل��وء ع���ادة مب���ادة حتين‬
‫الزمكان‪ ،‬والكون معتمد على الزمكان وهو إما‬ ‫إىل األم��ام حنو ال��وراء فهل سيجد نفسه‪ .‬هل‬
‫متمدد أو منكمش وليس ساكناً‪ .‬أي أن��ه ولد‬ ‫سيصادف الرجل زمنه وناسه‪ .‬لكن ماذا لو قتل‬
‫وتطور وسوف ينتهي وهذا ما ثبت بعد النسبية‬ ‫جده‪ ،‬كيف كان سيأتي والده ويولد هو ؟ هذا‬
‫‪175‬‬ ‫العامة إلينشتاين نظرياً‪ ،‬ولقد مت التحقق عملياً‬ ‫األمر حري عقول العلماء‪ ،‬هو خمالف للمنطق‬
‫من ذلك عندما كشفت األرصاد يف عشرينات‬ ‫وللتفكري العقلي ‪ .‬وهو يطرح مسألة حساسة‬
‫القرن العشرين مبرصاد ( مونت ويلسون ) أن‬ ‫حول منطق وصحة قوانني الفيزياء‪ ،‬اليت تبدو‬
‫الكون يتمدد ‪ :‬وكلما زاد بعد اجملرات عنا زادت‬ ‫صحيحة رياضياً لكنها خمالفة للمنطق والتفكري‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫نفاذ الطاقة منها ‪ ،‬وهنا نرى أن الزمن يصل‬ ‫سرعة حركتها املتباعدة ‪.‬‬
‫للنهاية داخل الثقب األسود‪.‬‬
‫نعود إىل البدء لنشهد مامر به تطور التفكري‬ ‫ماذا يعين متدد الكون وتوسعه؟‬
‫علمياً حول الزمن‪.‬‬ ‫غ�يرت النسبية العامة النقاش ح��ول أصل‬
‫لقد حتدثنا عن بداية الزمن لكن ما هي‬ ‫ومصري الكون فلو كان الكون ثابتاً لكان موجوداً‬
‫أشكال الزمان ؟‬ ‫منذ األزل‪ ،‬أما وقد مت تكوينه والدة وهو اآلن‬
‫فلسفياً كثر احلديث عن الزمان لكنه حيّر‬ ‫يف شكله احل��ايل ويتباعد فهذا يعين أنه كان‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫الفالسفة‪ :‬قال تشارلزالب يف القرن التاسع‬ ‫فيما مضى متكثفاً كثافة كبرية وقد أمساها‬
‫عشر ( ال شيء حيريني مثل الزمان واملكان )‬ ‫القس الكاثوليكي جورج ليميرت بالذرة البدئية‬
‫ومع ذلك فإن أقل ما يزعجين هو الزمان واملكان‬ ‫وهو الذي كان أول من حبث فيما نسميه اآلن‬
‫ألنين ال أفكر أبداً فيهما ‪.‬‬ ‫باالنفجار الكبري‪.‬‬
‫يعتقد معظم الناس أن الزمان أشيه بتيار‬ ‫هذه الذرة البدئية اليت مل تكن أكرب من رأس‬
‫ينساب حامالً معه أحالمنا وأحداث حياتنا ‪.‬‬ ‫الدبوس مسيت بداية بالبيضة الكونية اليت‬
‫ع��ل��م��ي�اً ت��ن��اول��ه ن��ي��وت��ن يف ك��ت��اب��ة املبادئ‬ ‫انفجرت فيما يسمى االنفجار الكبري لتكون‬
‫الرياضية‪.‬‬ ‫كوننا احلايل‪.‬‬
‫كان الزمان عند نيوتن منفصالً عن املكان‬ ‫اآلن ن��ت��س��اءل م��اه��ي ماهيتها وك��م كانت‬
‫وكأنه مسار لسكة احلديد ميتد إىل ما ال هناية‬ ‫كتلتها؟‬
‫يف االجتاهني ‪.‬‬ ‫يف القياسات الكتلية عادة نقول‪1 :‬كغ على‬
‫لكن ماذا قال إينشتاين يف نظريته النسبية‬ ‫سم‪ 2‬أو على بوصة مربعة أو طن على سم‪، 2‬‬
‫العامة الثورية؟‬ ‫بعد اكتشافنا لألمواج اخللفية امليكروويفية هي‬
‫ذكرنا أنَّ هذه النظرية ضمت مع أبعاد املكان‬ ‫بقايا األمواج اليت نتجت عن االنفجار الكوني‬
‫الثالثة البعد الرابع (الزمان) لتشكل ما يسمى‬ ‫الكبري وال�تي صار باإلمكان رصدها نقول أن‬
‫(الزمكان)‪ ،‬ودجمت تأثري اجلاذبية وتأثري توزيع‬ ‫الكثافة كانت‪ :‬تريليون تريليون تريليون تريليون‬
‫املادة والطاقة يف الكون اليت حتين وتشوه املكان ‪،‬‬ ‫تريليون طن لكل بوصة مربعة ( واح��د يتبعه‬
‫وهذا يقودنا بالتايل إىل االستنتاج بأن األجسام‬ ‫‪ )72‬صفراً‬
‫اليت تسري يف الزمكان بدل أن تسري خبطوط‬ ‫ولقد برهن ستيفن هوكنغ على صحة تنبؤ‬
‫مستقيمة فإهنا تسري خبطوط منحنية بسبب‬ ‫النسبية العامة بأن العامل بدأ باالنفجار الكبري‬
‫احنناء الزمكان وكأهنا تتحرك متأثرة مبجال‬ ‫وبالتايل فإن نظرية إينشتاين تتضمن بالفعل‬
‫جذبوي ‪.‬‬ ‫أن للزمن بداية على الرغم من أن آينشتاين‬
‫هل ميكن أن نقرب ذلك إىل األذهان مبثال‬ ‫مل يسعد هب��ذه ال��ف��ك��رة‪ ،‬كما أهن��ا تنبأت بأن‬
‫عملي؟‬ ‫الزمن سيصل حتماً إىل هناية بالنسبة للنجوم‬
‫بالطبع ميكن ذلك ‪ :‬إذا كان لدينا بساط من‬ ‫الضخمة وال�ت�ي أق��رهت��ا النسبية العامة ومل‬
‫املطاط دحرجنا عليه كرة ثقيلة فإنه ينحين‪،‬‬ ‫حيببها إينشتاين أي��ض�اً‪ ،‬ب��ل ك��ان يعتقد أهنا‬
‫إذا دحرجت اآلن دحل صغرية ‪ ،‬نرى أن تلك‬ ‫ستستقر حبالة هنائية‪ .‬لكن احلقيقة اليوم أن‬ ‫‪176‬‬
‫الدحل ال تتدحرج إىل كل جانب من الكرة خبط‬ ‫النجوم الكبرية أكثر من ضعف حجم الشمس‬
‫مستقيم؛ إمنا تدور حول الكرة الكبرية بالطريقة‬ ‫ستستمر باالنكماش إىل أن تصبح ثقباً أسود‬
‫نفسها اليت تدور فيها الكواكب حول الشمس‪.‬‬ ‫بسبب ارتصاص مادهتا بتأثري اجلاذبية بعد‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫لكن معظم الفيزيائيني يف تلك الفرتة كانوا‬ ‫وهنا يف هذا املثال أمهلنا تأثري الزمان لكنه‬
‫ينفرون من فكرة أن يكون للزمان بداية وهناية‪،‬‬ ‫يعطينا فكرة عن احنناء املكان وإن كان يف الواقع‬
‫ثم أتت نظرية الكم وفيها االرتياب وعدم اليقني‬ ‫النسبوي ال ميكن احنناء املكان دون الزمان‪،‬‬
‫وأظهرت أن قوانني النسبية العامة اليت تتحدث‬ ‫وأط��رح ه��ذا التساؤل على سبيل االسرتاحة‪،‬‬
‫عن احنناء املكان بالنسبية للمقاييس الكبرية‬ ‫سؤاالً أرّق الناس والعلماء ولقد توجه البعض‬
‫التصح على املقاييس الصغرية ال�تي تتحدث‬ ‫به إىل القديس أوغستني‪،‬‬
‫عنها نظرية الكم ‪ ،‬كما سنوضح فيما بعد ‪،‬‬ ‫‪ -‬ماذا كان يفعل اهلل قبل خلق الكون ؟‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫وأصبحنا حباجة إىل نظرية موحدة للكون أي‬ ‫جييب س��ان أوغستني «إن اهلل قبل خلق‬
‫نظرية تربط النسبية العامة املهتمة باألجسام‬ ‫السماء واألرض مل خيلق شيء مطلقاً «‬
‫الفائقة الكرب مع نظرية الكم املهتمة باألجسام‬ ‫مباذا تنبأت النسبية العامة أيضاً‪:‬‬
‫الفائقة الصغر‪.‬‬ ‫إن النموذج الرياضي للنسبية العامة أكدت‬
‫لكن كيف بدأت رحلة نظرية الكم أو عامل‬ ‫أو تنبأت ب��أن الكون وال��زم��ان نفسه جيب أن‬
‫األجسام الفائقة الصغر؟‬ ‫يكون له بداية وهناية‪.‬‬
‫يف عام ‪ 1900‬طرح «ماكس بالنك» أن الضوء‬
‫يأتي حبزم صغرية أمساها الكمات‬ ‫لكن أين هي البداية؟‬
‫يف عشرينيات القرن العشرين «هاينزبرغ»‬ ‫دعونا اآلن نلقي نظرة إىل املاضي!‬
‫صاغ مبدأ االرتياب أو عدم اليقني‪( ،‬إذا حاولنا‬ ‫حنن نعيش هنا يف ك��ون متسع يف قاعدة‬
‫حتديد موضع أحد اجلسيمات بدقة أكثر قلّت‬ ‫خمروط وحنن عندما سنعود إىل املاضي سنعود‬
‫القدرة على قياس اندفاعه وسرعته) ‪.‬‬ ‫من قاعدة املخروط حنو الوراء باجتاه الذروة‬
‫ب��ن��اء ع��ل��ى م��ا س��ب��ق صيغت ن��ظ��ري��ة الكم‬ ‫حيث كانت الذرة البدئية أو البيضة الكونية‪،‬‬
‫يف ال��ع��ش��ري��ن��ي��ات م��ن ال��ق��رن ال��ع��ش��ري��ن من‬ ‫سوف نرى مسارات أشعة منحنية مع احنناء‬
‫قبل (هاينزبرغ وش��رود جنر ودي���راك) وذلك‬ ‫ال��زم��ان حن��ن هنا ننظر ع�بر ال��زم��ن ال��ذي مت‬
‫للمنظومات اليت هلا عدد حمدد من اجلسيمات‬ ‫قياسه بـ ‪ 15‬مليار سنة إىل بعد املكان البدئي‬
‫ك��ال��ذرات م��ث�لاً ‪ ،‬حيث م��ب��دأ االرت��ي��اب (من‬ ‫فالضوء هنا باالجتاه العمودي مير عرب مادة‪،‬‬
‫املستحيل معرفة موقع اإللكرتون واندفاعه )‬ ‫هذه املادة كافية لكي حتين املكان _ الزمان ‪.‬‬
‫(الكتلة*السرعة ) (ك*سر) يف آن معاً‪.‬‬ ‫إن احنناء الزمان واملكان ( الزمكان ) حيدث‬
‫وحسب _ بورن‪ :‬ميكن للميكانيك الكمومي‬ ‫بسبب اجلاذبية للمادة اليت هلا صفة اجلذب‬
‫أن حيسب فقط احتمال وج��ود إل��ك�ترون لكن‬ ‫وال�تي حتدث دائماً احنناء يف الزمكان حبيث‬
‫الميكنه حتديد موقعه بالضبط ‪.‬‬ ‫تنحين أشعة الضوء ألهنا تعرب زمكاناً منحنياً‬
‫أما دوبروي فقال) مبا أن األمواج الضوئية‬ ‫عرب مادة هلا تأثري جاذب‪ .‬متكن «بنزور وستيفن‬
‫تظهر أح��ي��ان �اً خ��ص��ائ��ص جسيمية فكذلك‬ ‫هوكنغ» من إثبات بداية الزمن يف النسبة العامة‬
‫اجلسيمات امل��ادي��ة ك��اإلل��ك�ترون��ات الب��د وأن‬ ‫رياضياً فلقد ب��دأ الزمن يف االنفجار الكبري‬
‫تتصرف أحياناً كاألمواج)‪ .‬امليكانيك املوجي‪.‬‬ ‫وس��وف يكون ل��ه هناية عندما تنغلق النجوم‬
‫‪177‬‬ ‫أم��ا شرودينجر فقال بأهنا (ذرة بأمناط‬ ‫واجمل��رات بتأثري جاذبيتها هي نفسها لتشكل‬
‫موجية من اإللكرتونات حول النواة)‪.‬‬ ‫ثقوباً سوداء‪.‬‬
‫وص��ف هاينزبرغ ال���ذرة بطريقة رياضية‬ ‫لقد أس��ع��دت نظرية خلق ال��ك��ون م��ن ذرة‬
‫حبتة أمساها (ميكانيك املصفوفات)‪ .‬حيث هلا‬ ‫بدئية املتدينني إلمياهنم بوجود فعل من خلق‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫توضعها وشحنتها يف الربوتون عن النيرتون‪.‬‬ ‫طاقات ضمن سلسلة القيم احملدودة‪.‬‬
‫نعود إىل نظرية األوتار الفائقة اليت تتصور‬ ‫اكتشف العلماء اجملتمعون يف بال بسويسرا‬
‫بأن الكواركات هي هنايات قطع صغرية مطاطية‪،‬‬ ‫ب��أن مايتحدثون عنه هو ش��يء واح��د أمسوه‬
‫وهي نظرية حتتوي على التناظر الفائق‪ ،‬هنج‬ ‫امليكانيك الكمومي‪.‬‬
‫مبتكر ملزاوجة الكواركات والليبتونات املعروفة‬ ‫أم��ا ع��ن العنصر االرت��ي��اب��ي العشوائي يف‬
‫مت بذلك‬‫مع جسيمات جديدة مل تكتشف بعد‪ ،‬و َّ‬ ‫نظرية الكم‪ ،‬فهو مل يعجب اينشتاين ‪.‬الذي قال‬
‫م��زاوج��ة ميكانيك الكم مع نظرية اينشتاين‬ ‫( إن اهلل ال يلعب النرد )‪.‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫الثقالية‪.‬‬
‫غدت النظرية املوحدة الكربى حلم اينشتاين‬
‫أوت��ار تتحرك يف الفضاء هتتز وت���دور‪ .‬إن‬ ‫وهوكنج وه��ي النظرية ال�تي م��ن امل��ف�ترض أن‬
‫ال��ك��وارك��ات والليبتونات هي اه��ت��زازات للوتر‬ ‫توحد القوى الكبرية والصغرية يف الكون‪.‬‬
‫وتشبه اهتزازات األوت��ار املوسيقية اليت تولد‬ ‫لكن ماهي تلك القوى الكونية اليت حتتاج إىل‬
‫أنغاماً خمتلفة بتواترات خمتلفة‪.‬‬ ‫التوحيد؟‬
‫اف�ت�رض لومتري أن ال��ك��ون ح��ال��ة م��ن املادة‬ ‫‪ - 1‬القوة الشديدة ( النووية )‬
‫املضغوطة نيرتون عمالق فائق الثقل تفكك‬ ‫‪ - 2‬القوة الضعيفة ( النووية )‬
‫بفضل نشاط إشعاعي ما لكن مايقوله العلماء‬ ‫‪ - 3‬القوة الكهربائية‬
‫اليوم بأن الكون يبين أوالً أبسط نواة ذرية قبل‬ ‫‪ - 4‬القوة املغناطيسية‬
‫أن ميضي بصنع قوى أكرب‪ .‬وسنعود فيما بعد‬ ‫‪ - 5‬الثقالة‬
‫إىل شكل الكون الذي نعيش فيه عندما نتحدث‬ ‫ل��ق��د ج���رى ت��وح��ي��د ال��ق��وة ال��ك��ه��رب��ائ��ي��ة ‪+‬‬
‫عن الربان ‪.‬‬ ‫املغناطيسية = القوة الكهرطيسية‬
‫ً‬
‫لكن السؤال اآلن هل يوجد علميا مايدل‬ ‫ووح����دت الكهرطيسية ‪ +‬ال��ق��وة النووية‬
‫على بقايا اإلنفجار الكبري؟‬ ‫الضعيفة = القوة الكهرضعيفة‬
‫متكن العاملان ب��زي��اس وول��س��ون م��ن مساع‬ ‫واآلن جتري حماولة إدخال الثقالة الفائقة‬
‫هسيس مل��وج��ات أقصر م��ن م��وج��ات الراديو‬ ‫للوصول إىل النظرية املوحدة للكون ( نظرية‬
‫وأط��ول من األشعة حتت احل��م��راء قادمة من‬ ‫كل شيء ) اليت تتعامل مع القوى املوجودة يف‬
‫الفضاء اخلارجي ولقد ثبت بأهنا بقايا صوت‬ ‫الطبيعة ‪.‬‬
‫االنفجار الكبري‪.‬‬‫يطلق البعض على النظرية امل��وح��دة اسم‬
‫إن قوة االنفجار األكرب أحدثت قفزة أكرب من‬ ‫نظرية األوت��ار الفائقة‪ ،‬وهي حتوي ‪ 10‬أبعاد‬
‫اجلاذبية الثقالية لذا فإن الكون أضحى منتفخاً‬ ‫وحت��اول هذه النظرية اختصار علوم الفيزياء‬
‫متوسعاً مع تباعد جمراته إىل اليوم‪ ،‬وما زال‬ ‫ببعض م��ع��ادالت لكي حتتل مكاهنا املناسب‪،‬‬
‫كوننا يتوسع ضمن مايسمى ( بعد األفق) وخلفه‬ ‫وتعترب هذه النظرية احلل الوحيد خللق تالؤم‬
‫فيما يبدو يوجد كون آخر مل تصل أشعته إلينا‬ ‫بني ميكانيك الكم والنسبية العامة‪.‬‬
‫بعد‪.‬‬‫ماذا تقول هذه النظرية باختصار؟ تتحدث‬
‫بداية عن الكواركات لكن ماهي الكواركات؟‬
‫لكن أين يتوسع كوننا ؟‬ ‫تتكون الذرة من نواة من الربوتون والنيرتون‬ ‫‪178‬‬
‫عند حدوث االنفجار الكبري أفلحت فقاعة‬ ‫حوهلا مدارات تتوضع عليه اإللكرتونات‬
‫وكما سنرى فيما بعد فإن الربوتون والنيرتون ك��م��وم��ي��ة ص��غ�يرة بالتسلل إىل ال���ف���راغ هذه‬
‫يتكون ك��ل منهم م��ن ثالثة ك��وارك��ات خيتلف الفقاعة خلقت فضاء جديداً له كثافة طاقية‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫اجمل��رات احللزونية بفعل القوى النابذة‪ .‬هذه‬ ‫خاصة به‪ ،‬توسعت الفقاعة بسرعة أكرب مما‬
‫املادة الباردة تتوسع مع باقي الكون أما احلارة‬ ‫شهده الكون حتى ذل��ك الوقت وبسرعة أكرب‬
‫فتطوف بسرعة الضوء‪.‬‬ ‫من سرعة الضوء تفاقمت بعامل مقداره ‪-10‬‬
‫أما املاهوخات فهي األقزام البنية وهي جزءٌ‬ ‫قوة ناقص‪ - 50‬مضاعفة قطرها يف ‪ 10‬قوة‬
‫من املادة اخلفية وهي سحب صغرية نسبياً من‬ ‫ناقص‪ - 34‬من الثانية‪ ،‬فتحولت إىل أكرب من‬
‫الغاز مل تتحول أبداً إىل جنوم ‪.‬‬ ‫كل ما حييط هبا وأخ�يراً تذكرت منطقة القوة‬
‫ه���ذه امل��اخ��وه��ات م��ك��ون��ة م��ن هيدروجني‬ ‫الشديدة امل�بردة ت�بري��داً فائقاً أهن��ا كانت غري‬
‫وهليوم وهي حترف األشعة الضوئية القادمة‬ ‫مستقرة فتجمدت املنطقة‪ ،‬ثم طرحت الطاقة‬
‫من جنوم بعيدة‪.‬‬ ‫الفائضة اليت تكونت يف غضون ذلك فسخنت‬
‫لكن كيف أثبت األصل الكمومي للكون؟‬ ‫الكون إىل ‪ 10‬قوة ‪ 37+‬درجة ‪ ،‬ثم عاد الكون إىل‬
‫متكن ساتل ( كوب ) القمر الصناعي ‪.‬من‬ ‫توسعه األبطأ الذي حدث إثر االنفجار األعظم‬
‫كشف إشعاعات املوجات املكروية من خلفية‬ ‫حتى أصبح بالشكل الذي نراه عليه اليوم مكوناً‬
‫الكون ودرجة حرارهتا ‪ 2.7‬درجة فوق الصفر‬ ‫من جم��رات متباعدة ‪ 100‬مليار جمرة ودرب‬
‫املطلق ‪.‬‬ ‫التبانة الذي تشكل جمموعتنا الشمسية فيها‬
‫ل��دى ت��س��رب الفقاعة أط��ل��ق ال��ع��ن��ان لقوة‬ ‫نقطة يف صفحة كتاب‪.‬‬
‫االنتفاخ اجلبارة بالكون الوليد‪ ،‬آن��ذاك جرى‬ ‫لكن السؤال اآلن ماهي اجملرات احللزونية‬
‫‪179‬‬ ‫انبعاث الكمومية العشوائية ال�تي حبست يف‬ ‫واملاهوخات؟‬
‫خضم االنتفاخ اجلبار‪ ،‬عندما توقف االنتفاخ‬ ‫إنَّ ‪ %90‬من اجملرات احللزونية حتتوي على‬
‫فجأة يف اللحظة ‪ 10‬قوة ناقص ‪ - 32‬ثانية‬ ‫مادة خفية باردة ومادة خفية حارة تتوزع على‬
‫ك���ان ال��ك��ون حب��ج��م ك���رة ال��ت��ن��س وق���د امتأل‬ ‫هيئة هالة خارجية غامضة حتول دون تشظي‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫الكثري من العلماء ال يقتنع هبذا الزمن والسؤال‬ ‫بنمشات منتفخة وأصبحت عملية منوه اآلن‬
‫األخري الذي ينتظر اإلجابة هل سيستمر الكون‬ ‫مهمة الثقالة والساتل « كوب « رصد متوجات‬
‫يف توسعه أم أن��ه سيتوقف ع��ن ال��ت��وس��ع ثم‬ ‫يف درجات احلرارة ضئيلة ال تتجاوز‪ 30 /‬جزء‬
‫يتقلص وه��ذه ما ت��زال أحجية مل يتفق عليها‬ ‫مليون من الدرجة‪ ،/‬هذا االكتشاف املدهش‬
‫العلماء بعد‪.‬‬ ‫مع قياسات أخ��رى مستقلة لإلشعاع اخللفي‬
‫لألمواج امليكروويفية والتموجات املكتشفة يف‬
‫هل ميكن السفر إىل املاضي؟‬ ‫اإلشعاع اخللفي الكوني والتأرجحات الضعيفة‬
‫هناك ثالث نظريات‬ ‫للحرارة اليت قيست بدقة متناهية أثبتت األصل‬
‫النظرية الكالسيكية‪:‬عندما نقول أن الكون‬ ‫الكمومي للكون‪.‬‬
‫له تاريخ حمدد بدقة ليس فيه أي عدم تعيني‬
‫فهنا الصورة مكتملة حسب النظرة الكالسيكية‪،‬‬ ‫متى حدث االنفجار الكبري‪ ،‬أو متى‬
‫وال ميكننا السفر إىل املاضي وفقاً لذلك‪ .‬لكن‬ ‫بدأ التوسع الزمين للكون وهل مايزال‬
‫النظرة الكالسيكية غري صحيحة متاماً ألن‬ ‫بذات السرعة؟‬
‫املادة تتعرض لعدم التعيني وللرتاوحات الكمومية‬ ‫كلما كان التوسع أسرع كان الزمن املنصرم‬ ‫‪180‬‬
‫حسب نظرية الكم‪.‬‬ ‫منذ ح��دوث االنفجار أق��ل‪ .‬إن قوة الثقالة يف‬
‫أما النظرية نصف الكالسيكية حيث الزمن‬ ‫الكون تؤدي إىل تباطؤ التوسع‪ ،‬متكن العلماء من‬
‫فيها كالسيكي لكن املادة تتصرف بعدم تعيني‬ ‫حتديد عمر الكون بـ ‪ 15‬مليار سنة لكن ما يزال‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫الكثريين من العلماء خاصة إينشتاين‪ ،‬و ما‬ ‫فهنا ميكن أن نبدأ الشروع بالعمل والتفكري‪.‬‬
‫صدم إينشتاين وجود زمان ممتلئ مبادة دوارة‬ ‫أم���ا يف ن��ظ��ري��ة ال��ك��م ال��ك��ام��ل��ة م��ن ناحية‬
‫وبه أنشوطات زم��ان يف كل نقطة‪ ،‬كما يوجد‬ ‫اجلاذبية والزمان واملكان واملادة فالسفر ممكن‬
‫أوتار كونية بدون أنشوطات زمنية ال ميكن فيها‬ ‫نظريا ًورياضياً من خالل الثقوب الدودية‪ ،‬فإن‬
‫السفر إىل املاضي كما أن بعض األوتار الكونية‬ ‫وجدت ميكن السفر منها والعودة إليها‬
‫هلا أنشوطات زمانية يستطيع امل��رء إتباعها‬ ‫أي السفر من جمرة إىل أخرى بوقت قياسي‬
‫للسفر إىل املاضي وذلك يعتمد على الطريقة‬ ‫عدة ساعات أو دقائق‪ ،‬بينما سيستغرق السفر‬
‫اليت ينحين فيها الزمان املكان لتنتج أنشوطات‬ ‫العادي من جمرة إىل أخ��رى عشرة آالف عام‬
‫زمنية يف منطقة حمددة‪.‬‬ ‫بالطريقة املعتادة ولو اقرتبنا من سرعة الضوء‬
‫إذا ختيلنا إمكانية بناء آل��ة زم��ن حمددة‬ ‫يبقى السؤال هل ثقوب ال��دي��دان موجودة‬
‫باستخدام أنشوطات حمددة من األوتار الكونية‪،‬‬ ‫حقاً ؟ وهل ميكن استخدامها للعودة قبل زمن‬
‫أثناء شروعنا بالبناء سنجد استحالة األمر‪،‬‬ ‫الرحلة؟ هل ميكن أن أسافر يف ‪ 7‬كانون الثاني‬
‫ألننا ينبغي أن نبين تلك املركبة بطاقة سلبية‪،‬‬ ‫وأعود قبل يوم من السفر الـ ‪ 6‬كانون الثاني؟‬
‫‪181‬‬ ‫وهذا مستحيل علمياً ألن كثافة املادة بالنظرية‬ ‫يف عام ‪ 1931‬أثبت كريت ج��ودل مربهنته‬
‫الكالسيكية تكون موجبة دائماً‪.‬‬ ‫الشهرية عن عدم االكتمال بالنسبة إىل طبيعة‬
‫وه��ن��ا ن��ت��س��اءل ه��ل ميكننا احل��ص��ول على‬ ‫الرياضيات‪ ،‬وأنه يوجد مسائل ال ميكن حلها‬
‫الطاقة السلبية لبناء آلة الزمن؟‬ ‫بأي جمموعة قواعد‪ ،‬وه��ذه املربهنة صدمت‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫إن احلصول على الطاقة السلبية جيب أن‬
‫يكون من نتاج تبخر ثقب أس��ود حيث كثافة‬
‫الطاقة السلبية حتين الزمكان يف االجتاه الالزم‬
‫لبناء آل��ة الزمان وعند دخ��ول رج��ل أو جمس‬
‫فضائي آلة الزمان هذه فسوف ميسحان من‬
‫الوجود بصاعقة اإلشعاع‪.‬‬
‫إذاً مستقبل السفر يف الزمان يبدو قامتاً‪ ،‬إال‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫أنه من املمكن السفر على الصعيد امليكروسكوبي‪.‬‬
‫عندما جن��د جسيمات ميكروسكوبية تسري‬
‫أس��رع م��ن ال��ض��وء حيث ي��دور اجلسم ويدور‬
‫على أنشوطة مغلقة يف الزمان ومغلقة تعي بأنه‬
‫سيعيش اليوم نفسه املرة تلو املرة إىل ماالهناية‪.‬‬
‫هذا هو العلم لكن يف اخليال ميكن السفر عرب‬
‫الزمان حنو املاضي أو املستقبل كما نشاء ‪،‬‬
‫وذل��ك اليشكل مانعاً من أننا يف املستقبل مع‬
‫تطور العلم سنصل إىل مستوى متقدم ميكننا‬
‫من الذهاب إىل كواكب اجملموعة الشمسية أوال‬
‫ثم إىل النجوم وإىل كواكبها‪.‬‬
‫ذكرنا فيما سبق عامل ال�بران فما هو هذا‬
‫العامل الغريب؟‬
‫حتدثنا فيما سبق ع��ن النظرية املوحدة‬
‫للكون وقلنا هناك ‪ 10‬أبعاد‪ :‬األربعة املعروفة‬
‫وستة أخرى‪ .‬وهناك نظرية تسمى بنظرية ‪/‬‬
‫إم ‪ /‬ختربنا أننا نعيش يف عامل الربان اجلديد ‪،‬‬
‫كما نعلم أننا كنا حنسب أن ال���ذرات هي‬ ‫هل حنن حقاً نعيش يف هذا العامل أم أننا جمرد‬
‫أصغر ج��زء من امل��ادة ثم أدركنا أن ال��ذرة هلا‬ ‫صور هولوغرافية ؟ ‪. .‬‬
‫م���دارات عليها تتوضع االل��ك�ترون��ات وداخلها‬
‫ال��ن��واة املكونة م��ن ال�بروت��ون��ات وال��ن�ترون��ات ثم‬ ‫واآلن ماذا عن نظرية ‪/‬إم‪:/‬؟‬
‫إهن��ا النظرية امل��وح��دة للكون‪ ،‬ولكن ليس اكتشفنا أن الربوتونات والنرتونات مكونة من‬
‫هلذه النظرية صيغة وحيدة بل شبكة نظريات كواركات ثالثة‬
‫الربوتون وله كواركان أعلى‬ ‫ختتلف ظاهرياً لكنها مجيعها تقريبات للنظرية‬
‫و كوارك أسفل‬ ‫األساسية األصلية ‪:‬‬
‫النرتون وله كوارك أعلى‬ ‫وتتشابك‬ ‫جتتمع‬ ‫الصور‬ ‫من‬ ‫إهنا كمجموعة‬
‫و كواركان أسفل‬ ‫معاً داخل إطار لتعطي الصورة الكاملة‪ .‬لكن‬ ‫‪182‬‬
‫واليوم وصلنا إىل جسيمات أصغر ال ميكن‬ ‫يوجد داخل هذه الصورة ثغرة‪ ،‬وحنن حباجة‬
‫مل��لء ه��ذه الثغرة لنقول أننا وصلنا للنظرية أن تفكك أمسيت بالدمى‪ ،‬والدمية هلا طول‬
‫بالنك وقد يكون طول البالنك هلا هو واحد‬ ‫املوحدة أو إىل نظرية كل شيء‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫هذه األبعاد جعلتنا يف متاس مع النموذج‬ ‫مقسوم على ألف بليون بليون بليون‪.‬‬
‫يف نظرية ‪/‬إم ‪ /‬إنَّ الزمان واملكان له عشرة للنظرية النهائية‬
‫أبعاد أو احد عشر بعداً‬
‫نعود لنتساءل ماهو عامل الربان؟‬ ‫مثال للتقريب حنن نرى وكأن للشعرة بعداً‬
‫عامل ال�بران هو سطح يرى يف أربعة أبعاد‬ ‫واحداً؛ لكن باستخدام املكربة نرى أن هلا مسكاً‬
‫يف مكان زم��ان له أبعاد أكثر‪ .‬وعلى مستوى‬ ‫ولعل املكان والزمان يشبهان ذلك‪.‬‬
‫إنَّ الزمكان يبدو لنا بأربعة أبعاد لكن لو قمنا الذرات نرى أن القوة الكهربائية ‪-‬بني نواة الذرة‬
‫باستخدام جسيمات هلا طاقة عالية أقصى العلو وااللكرتونات اليت ت��دور من حوهلا‪ -‬تتناقص‬
‫لتسرب مسافات قصرية جداً لرأينا أن الزمكان باملسافة واملعدل الذي يناسب أن تكون الذرات‬
‫‪183‬‬ ‫مستقرة مبا مينع سقوط االلكرتونات داخل‬ ‫له عشرة أبعاد أو أحد عشر بعداً‪.‬‬
‫هذه األبعاد يصعب مالحظتها لكن أحدها النواة‪.‬‬
‫أما يف األبعاد األكرب فإن اجلاذبية يف شكل‬ ‫قد يكون كبرياً نسبياً أو حتى ال هنائياً وتر واحد‬
‫حييط بالكون‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫الطاقة‪.‬‬ ‫املكان املنحين س��وف تنتشر متخللة كيان‬
‫أما يف احلقيقة فهو ليس انتهاكاً ألنَّ نظرتنا‬ ‫الزمكان ذي األبعاد األكثر‪ ،‬وسيكون مفعوهلا‬
‫تقتصر على ما جيري يف الربان الذي حنن فيه‪.‬‬ ‫بطول الربان‪ ،‬وسوف تنخفض اجلاذبية حسب‬
‫فعندما تتحرك األجسام حتت تأثري اجلاذبية‬ ‫مسافات البعد اخنفاضاً أسرع مما تفعله يف‬
‫تنتج عنها أمواج جذبوية‪ ،‬تنتقل خالل الزمكان‬ ‫األبعاد األربعة‪.‬‬
‫بسرعة الضوء وهذه األمواج مثل أمواج الضوء‬ ‫وقد يؤدي اخنفاضها السريع يف اجملموعات‬
‫الكهراطيسية‪:‬‬ ‫الشمسية إىل تأثر م��دارات الكواكب وبالتايل‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫ينبغي أن حتمل طاقة وه��ذا تنبؤ أثبتته‬ ‫اهن��ي��اره��ا إىل داخ���ل ال��ش��م��س؛ لكن ذل��ك لن‬
‫أرصاد الثنائي النابض‪16+PSR1913‬‬ ‫حيدث إذا كانت األبعاد اإلضافية تنتهي فوق‬
‫لقد حتدثنا عن ال�بران لكن كيف ميكن أن‬ ‫بران آخر غري بعيد‪ ،‬إذاً اجلاذبية ال تفعل فعلها‬
‫نرسم صور تقريبية له؟‬ ‫بسبب الربان‪.‬‬
‫كمثال على شكل الربان نراقب غليان املياه‬ ‫يف هذا العامل من الربانات حنن نعيش فوق‬
‫وكيفية تشكل فقاعة تكرب إىل حد حرج‪ ،‬هذه‬ ‫أحد الربانات لكن هناك « بران شبحي « آخر‬
‫الفقاعة الكبرية نالحظها عندما يغلي املاء‬ ‫على مقربة منا‪.‬‬
‫إن ع��وامل ال�بران تسلك سلوكاً مم��اث�لاً‪ .‬يتيح‬ ‫حن��ن ال ن��رى ال�ب�ران الشبح ألن ال��ض��وء ال‬
‫مبدأ عدم اليقني لعوامل الربان أن تظهر كأهنا‬ ‫ينتشر إل��ي��ه لكننا حن��س بتأثريه اجلذبوي‪.‬‬
‫فقاعات تأتي من ال شيء حيث الربان يشكل‬ ‫إن السرعة اليت تدور هبا النجوم حول مركز‬
‫سطح الفقاعة بينما داخلها هو الفضاء ذي‬ ‫جمرتنا حتتاج إىل م��ادة أك�بر م��ن امل���ادة اليت‬
‫األبعاد األكثر‪.‬‬ ‫نرصدها‪ .‬هذه الكتلة املفتقدة للمادة قد تكون‬
‫إن األش��خ��اص الذين يعيشون على سطح‬ ‫دليالً على وجود عامل شبحي فيه مادة‪ ،‬ولعله‬
‫الربان سيظنون أن الكون كان يتمدد واألمر هنا‬ ‫حيوي كائنات بشرية شبحية تتساءل عن تلك‬
‫يشبه رمساً نقوم به للمجرات على سطح بالونة‬ ‫الكتلة اليت تبدو مفتقدة من عاملهم حتى يتم‬
‫ثم ننفخها‪ ،‬سوف تتحرك اجمل��رات متباعدة‬ ‫لديهم تفسري م��دارات النجوم الشبحية حول‬
‫لكن ال توجد أي جمرة ميكن اختيارها على أهنا‬ ‫مركز اجملرة الشبحية‪.‬‬
‫مركز التمدد‪.‬‬ ‫واآلن بدالً من أن تنتهي األبعاد اإلضافية‬
‫حسب النظرية الالحدية سيكون للتخليق‬ ‫على بران ثاني جند أن هناك إمكانية ألن تكون‬
‫التلقائي ألحد عوامل ال�بران تاريخ يف الزمان‬ ‫هذه األبعاد ال هنائية ولكنها منحنية احنناءاً‬
‫التخيلي بنسبة قشرة اجلوز؛ أي كرة من أربعة‬ ‫كبرياً مثل السرج‪ ،‬وهذا االحنناء مينع اجملال‬
‫أبعاد ك��األرض لكن مع بعدين أكثر وستكون‬ ‫اجل��ذب��وي للمادة ف��وق ال�ب�ران م��ن أن ينتشر‬
‫األبعاد اإلضافية اليت تتنبأ هبا نظرية ‪/‬إم ‪/‬‬ ‫خارجاً إىل ما ال هناية يف األبعاد اإلضافية‪.‬‬
‫كلها ملفوفة إىل ما يكون أصغر حتى من قشرة‬ ‫هذا اجملال اجلذبوي هو الذي يفسر مدارات‬
‫اجل��وزة ‪ ،‬أما عامل ال�بران اجلديد فسنجد يف‬ ‫الكواكب والقياسات املعملية للقوة اجلذبوية يف‬
‫صورته أن قشرة اجلوز ذات أربعة األبعاد مليئة‬ ‫املسافات الطويلة؛ لكن يف املسافات القصرية‬
‫ببعد خامس أو بأبعاد مخسة أو ستة ملفوفة‬ ‫نرى تغري اجلاذبية مبعدل أسرع وحسب منوذج‬ ‫‪184‬‬
‫حبجم صغري‪ ،‬مع مت��دد ال�بران سيزيد حجم‬ ‫راندل – ساندرام ميكن ألمواج جذبوية قصرية‬
‫الفضاء ذي األبعاد األكثر يف الداخل وسنجد‬ ‫أن حتمل الطاقة بعيداً عن مصادرها فوق‬
‫يف النهاية فقاعة هائلة حييط هبا الربان الذي‬ ‫الربان مبا يسبب انتهاكاً ظاهرياً لقانون حفظ‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫نعيش عليها فقد تكون النتيجة كارثية ‪.‬‬ ‫نعيش عليه لكن ه��ل حن��ن نعيش حقاً فوق‬
‫وهذا و َّلد طرحاً جديداً يقول إن االنفجار‬ ‫الربان؟‬
‫الكبري نفسه قد يكون نامجاً عن اصطدام‬ ‫إن املعلومات عما حي��دث يف منطقة من‬
‫الربانات‪.‬‬ ‫الزمكان مشفرة‪ ،‬كما أنَّ الفقاعة والربان مناذج‬
‫إن ال��ت��ج��ارب ال�ت�ي مسعنا عنها مؤخراً‬ ‫رياضية لنا احلرية يف اختيار النموذج األكثر‬
‫يف جنيف وال�ت�ي جت��رى يف معمل التصادم‬ ‫مالءمة‬
‫اهلادروني الكبري‪ .‬هي واألرص��اد األخرى مثل‬ ‫ل��ك��ن ل��و ت��س��اءل��ن��ا م��ا ال���ذي ي��وج��د خارج‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫إشعاع خلفية الكون امليكروويفي ستمكننا من‬ ‫الربان؟ سنعود إىل الرياضيات وسنذكر ثالثة‬
‫أن حن��دد ما إذا كنا نعيش ف��وق ال�بران ولعل‬ ‫احتماالت‪:‬‬
‫النموذج اإلنساني يتخري من بني الغابة الواسعة‬ ‫النموذج الرياضي قد خيربنا بأنه ال يوجد‬
‫من األكوان مناذج من الربانات تتيحه له نظرية‬ ‫ش��يء جم��رد ب��ران داخ��ل��ه فضاء بأبعاد أكثر‬
‫‪ /‬إم ‪ /‬وميكن أن نقول يف النهاية ‪:‬‬ ‫لكن ال يوجد خارجه شيء‪ ،‬إذا عدنا إىل مثال‬
‫ياهلذا الكون الكبري الذي بدأ من ذرة بدئية‪،‬‬ ‫الفقاعة كي نفهم الربان‪ ،‬فقاعة ماء يوجد خارج‬
‫والذي خلقنا فيه لنشهد عليه‪.‬‬ ‫الفقاعة ماء أم َّا خارج الربان فال يوجد شيء‪.‬‬
‫أال ي��ذك��رن��ا ه���ذا ب��ق��ول ال��ش��اع��ر العربي‬ ‫قد يكون هناك منوذج رياضي حيث جدار‬
‫الكبري‪:‬‬ ‫الفقاعة يلتصق جبدار فقاعة أخرى‬
‫أتزعمُ أنكَ جرمٌ صغريٌ‬ ‫ومنوذج ثالث يظهر متدد الفقاعة يف الفضاء‬
‫ُ‬
‫وفيكَ انطوى العامل األكربُ‬ ‫وإذا اصطدمت فقاقيع أخ��رى بالفقاعة اليت‬

‫املراجع‬

‫البحث عن الالهناية‬
‫حل أسرار الكون ‪ :‬فريزر‪ ،‬ليتول ‪ ،‬سيلفياك ‪ /‬دار طالس ‪ /‬دمشق ‪1997‬‬
‫موجز تاريخ الزمن‪ :‬ستيفن هوكينغ ‪ /‬دار طالس ‪ /‬دمشق ‪1990‬‬
‫‪185‬‬ ‫الكون يف قشرة جوز‪ :‬ستيفن هوكنغ ‪ /‬عامل املعرفة ‪ /‬الكويت ‪2003 /‬‬
‫جدلية الزمن‪ :‬غاستون باشالر ‪ /‬املؤسسة العربية للدراسات ببريوت ‪1982 /‬‬
‫العلم يف ‪ 1000‬سؤال جاميس تريفل ‪ /‬دار أكادمييا ‪1994 /‬‬
‫هكذا أرى العامل ‪ :‬ألربت إينشتاين ‪ /‬وزارة الثقافة ‪ /‬دمشق ‪1985 /‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫على الرغم من م��رور أربعة مليارات سنة‪،‬‬


‫وهو التاريخ العلمي التقديري لوجود احلياة‬
‫على األرض‪ ،‬فإن الغموض مازال حييط هبذا‬
‫الكوكب‪ ،‬واألسرار الكثرية اليت يعرفها اإلنسان‬
‫– وهو أرقى خملوقات األرض – واالكتشافات‬
‫اليومية املستمرة اليت يقدمها‪ ،‬ال تعادل مقدار‬
‫ذرة يف حبر هذا الغموض ‪ .‬وإذا كانت األرض‬
‫وما عليها وحوهلا سراً كبرياً غامضاً ‪ ..‬فكيف‬
‫بالكواكب األخرى؟ ‪ ..‬بالنجوم؟ ‪ ..‬باجملرات ؟‪..‬‬
‫وم��اذا عن ال��وج��ود اآلخ��ر يف اجملموعات غري‬ ‫‪186‬‬
‫الشمسية؟ ‪ ..‬وما هي القوانني اليت حتكمها؟ ‪..‬‬
‫وما هي املخلوقات واألشكال املتحركة عليها؟‪..‬‬
‫حضارهتم وموقعهم ؟‪ ..‬زماهنم وعمرهم؟ ‪..‬‬ ‫وهـدان وهـدان‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫تقليب أوج��ه ال��س��ؤال الرئيسي واهل��ام ‪ :‬ماذا‬ ‫وماذا عن العالقة األزلية اجملهولة القائمة بيننا‬
‫ي��ري��دون منا؟ ‪ ..‬استعمار كوكبنا؟ ‪ ..‬عالقة‬ ‫وبينهم – إذا كان هناك مثة عالقة أصالً –‬
‫ح��رب أم س�لام؟ ‪ ..‬كيف سيتم ه��ذا (اللقاء)‬ ‫وما هو مستقبل هذه العالقة؟ ‪ ..‬وتكر سبحة‬
‫بيننا وبينهم؟ ‪( ..‬اللقاء)؟ ‪ ..‬وحناول هنا سرب‬ ‫األسئلة الالمتناهية ‪ ..‬فيما يقف العقل البشري‬
‫أغوار الغموض الذي اكتنف ويكتنف هذا اللقاء‬ ‫مشدوهاً عاجزاً عن اإلجابة عنها ‪.‬‬
‫التارخيي املرتقب يوما ما ‪ .‬ويف هذه الرحلة‬ ‫باختصار أكثر وبعيداً عن إشكالية الدخول‬
‫ال��ش��اق��ة‪ ،‬املوثقة ببعض ال��وق��ائ��ع واألح���داث‪،‬‬ ‫يف جدلية املمكن واملستحيل‪ ،‬ويف العالقة‬
‫نقالً عن شهود عيان‪ ،‬ومعلومات علمية دقيقة‬ ‫العضوية بني اخليال والعلم‪ ،‬فإننا لن نقبض‬
‫ح��ول احمل���اوالت ال�تي ق��ام هبا أغ��راب أو قوى‬ ‫على شبكة هذه األسئلة من أوهلا ونفككها حلقة‬
‫‪187‬‬ ‫العوامل األخرى لالقرتاب من كوكبنا‪ ،‬يف سعي‬ ‫حلقة‪ ،‬ألن ذلك يستدعي الكثري من الفرضيات‬
‫موضوعي مكثف اللتقاط مفردات ومضامني‬ ‫اليت الزال العقل البشري الراهن‪ ،‬وبكل املعطيات‬
‫تلك الظواهر وتوصيف معانيها واالقرتاب املتاح‬ ‫املتاحة املتمثلة يف الثورة املعلوماتية واالتصالية‪،‬‬
‫من جماهيلها ‪.‬‬ ‫يعجز عن فك مغاليقها ورموزها‪ ،‬بل سنحاول‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫اهلبوط ‪ .‬وتكثر املشاهدات واملالحظات لتدخل‬ ‫وقائــع أم خيــاالت؟‬


‫حيزاً أكرب من اجلدية واالهتمام واضعة أصابع‬ ‫بني الفينة واألخ��رى‪ ،‬وعلى هامش احلياة‬
‫املتشككني يف قلب احلقيقة ‪:‬‬ ‫اليومية‪ ،‬تطلع علينا الصحف ووكاالت األنباء‬
‫نشرت الصحيفة األسبوعية الحتاد الكتاب‬ ‫بأخبار مقتضبة تتعلق مب��ش��اه��دات ووقائع‬
‫السوفيات ( السابق ) بتاريخ ‪ 1971/9/16‬رسالة‬ ‫عينية لبعض الظواهر غري املألوفة منها وجود‬
‫تلقتها من امرأة روسية امسها (بوريسوفا) جاء‬ ‫أجسام غريبة يف حميط األرض ‪ :‬شخص يف‬
‫فيها ‪ .. ( :‬أريد أن أنقل لكم نبأ ظاهرة خارقة‬ ‫مكان ما من أرضنا شاهد جسماً غريباً مضيئاً‬ ‫‪188‬‬
‫شاهدهتا بنفسي‪ ،‬وحدث ذلك منتصف ليلة‬ ‫يف السماء يهبط على األرض ثم يقلع بسرعة ‪.‬‬
‫السبت بالضبط‪ ،‬وكان الليل معتم السواد على‬ ‫وشخص آخر ملح مركبة طائرة هلا شكل الصحن‬
‫الرغم من النجوم‪ ،‬وكنت قد تطلعت بالصدفة‬ ‫املستدير حتلق فوق نقطة معينة كأهنا حتاول‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫هذا صحناً طائراً يف مساء موسكو أم شكالً‬ ‫إىل السماء فشاهدت ‪ ..‬جسماً أبيضاً مصفراً‬
‫فضائياً غريباً؟ ‪ ..‬وهل هلذا الصحن الطائر أو‬ ‫كروي الشكل يطري بسرعة الطائر خملفاُ وراءه‬
‫الشكل الفضائي الغريب عالقة بكوكب آخر؟‬ ‫أثرا ُ باللون نفسه فيبدوان كما لو أهنما يضيئان‬
‫‪. ) ..‬‬ ‫بالشمس‪ ،‬ويف اللحظة اليت انتبهت فيها إىل‬
‫ونشرت الصحيفة بتاريخ ‪1972/10/19‬‬ ‫الكرة أخذ األثر الذي ختلفه يتسع مكوناُ سحابة‬
‫التقرير اآلت��ي ‪ :‬ح��دث ذل��ك ح��وايل الساعة‬ ‫بيضاوية كبرية ذات أط��راف حم��ددة بوضوح‪،‬‬
‫‪189‬‬ ‫التاسعة عندما كان فيكتور يتطلع كعادته من‬ ‫وعندما تكامل الشكل البيضاوي حدث انفجار‬
‫النافذة حنو سيارته املتوقفة يف ساحة العمارة‪،‬‬ ‫يف الكرة ثم انطفأت بالتدريج‪ ،‬وواصلت الكرة‬
‫وكانت تلك الليلة من ليايل شهر آذار اليت يصفو‬ ‫الطريان بدون أن يطرأ عليها تغيري‪ ،‬إال أهنا مل‬
‫فيها جو موسكو‪ ،‬وتبدو الطبيعة صافية ونقية‪،‬‬ ‫ختلف أث��راً وراءه��ا ‪ ..‬ما معنى ذلك؟ ‪ ..‬أكان‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫وقد حدث ذلك يف الساعة الرابعة من فجر‬ ‫وي��ك��ون الشتاء ال��روس��ي الطويل ق��د محل‬
‫‪ 22‬أيلول ع��ام ‪ ،1977‬حيث استيقظ الناس‬ ‫متاعه الثلجي الثقيل ورحل ‪ .‬واسرتعت انتباه‬
‫مذعورين عندما انشقت فجأة مس��اء الفجر‬ ‫فيكتور يف احلال بقعة بيضاء منرية يف السماء‬
‫املعتمة عن كوكب هائل‪ ،‬وأخ��ذ ه��ذا الكوكب‬ ‫‪ ..‬كانت البقعة املنرية قد حتولت إىل شكل دائري‬
‫يسقط ببطء حنو مدينة " برتوزا فودسك "‪ ،‬ثم‬ ‫متمحور‪ ،‬وكان احملور مييل قليال حنو األفق‪،‬‬
‫تعلق فوق املدينة كالقنديل وهو ينبض بإشارات‬ ‫ويقطع الدائرة قرص رقيق من الوسط‪ ،‬واجلزء‬
‫ضوئية يرسلها حنو األرض‪ ،‬ممطرا إياها حبزم‬ ‫السفلي من الدائرة مظلل باللون األمحر‪ ،‬وحتى‬
‫دقيقة جداً من أشعة تشبه الرذاذ املطري‪ ،‬وبعد‬ ‫يكون أكثر وثوقية مما رأى نادى زوجته لرتى‬
‫قليل من الوقت توقف تيار األشعة وحتول شكل‬ ‫ما شاهده ‪ ..‬لقد كان شبيهاً بالصحن الطائر‬
‫الكوكب إىل نصف دائ��ري‪ ،‬وب��دأ يتحرك حنو‬ ‫الذي طاملا مسع عنه من قبل « ‪ .‬ويتضح من‬
‫حبرية " أونيجسكي " ليغطيها بسحب رمادية‪،‬‬ ‫هلجة الصحيفة أهنا متيل إىل التشكيك بصحة‬
‫وتكونت فيما بعد داخل الغشاوة بركة نصف‬ ‫ظهور الصحون الطائرة أو األجسام الغريبة يف‬
‫دائرية ذات لون أمحر براق يف الوسط وبيضاء‬ ‫مساء موسكو‪ ،‬ومع ذلك واصلت نشر شهادات‬
‫يف األطراف‪ ،‬واستمرت هذه الظاهرة – بشهادة‬ ‫ألشخاص آخرين حول ظواهر فضائية مماثلة‬
‫شهود العيان – من ‪ 10‬إىل ‪ 12‬دقيقة ‪ .‬وقد‬ ‫يف مساء مدن االحتاد السوفياتي ( السابق ) ‪.‬‬
‫شاهد يف الصباح الباكر املشهد نفسه العديد‬ ‫ومن احلوادث اخلارقة األخرى اليت كشفت‬ ‫‪190‬‬
‫من األهايل من منطقة " لينينغراد " و " كاريلي‬ ‫الصحيفة نفسها النقاب عنها‪ ،‬حادثة مدينة‬
‫" هذه الكرة النارية تشق السماء بسرعة من‬ ‫«برتوزا فودسك « السوفياتية‪ ،‬واليت أصبحت‬
‫اجلنوب إىل الشمال‪ ،‬وكان بني شهود احلادثة‬ ‫تدعى بعد ذلك أعجوبة (‪،)PetrozaWordsk‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫قرب طائرته عام ‪ ،1978‬اختفى فجأة وحتى‬ ‫علماء فلك يف أكادميية العلوم يف موسكو ‪.‬‬
‫كتابة هذا التحقيق ال أثر له ‪.‬‬ ‫وتعليقاً على ه��ذه احل��ادث��ة املتميزة تتساءل‬
‫‪ -‬وي��زداد الوضوح أكثر حني تقوم مطاردة‬ ‫الصحيفة ‪ :‬ما سر أعجوبة " ي�تروزا فودسك‬
‫فعلية بني طائرة ( ميغ – ‪ ) 21‬روسية الصنع‬ ‫"؟ وما لغز األجسام الغريبة فوق موسكو؟ وهل‬
‫وأحد الصحون الطائرة فوق كوبا‪ ،‬وأكثر حني‬ ‫ميكن حتديد نسبة الظواهر غري املشخصة من‬
‫تشتبك طائرة ( فانتوم ) أمريكية الصنع مع‬ ‫الظواهر الغريبة؟ وهل تلك األجسام الغريبة‬
‫أحد الصحون الطائرة فوق اليابان‪ ،‬وأكثر أيضا‬ ‫ه��ي ح��ق�اً م��رك��ب��ات م��ن ك��واك��ب بعيدة حتمل‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫حني يدمر صحن طائر بواسطة شعاع ضوئي‬ ‫خملوقات فضائية؟ أم هي جمرد أوهام أناس‬
‫صاروخ (هوك ) ( أرض – جو ) أطلقته عليه‬ ‫حيلمون كاألطفال بوجود كائنات أخ��رى من‬
‫قوات أمريكية مرابطة على الساحل الكوري ‪.‬‬ ‫عوامل بعيدة؟ ‪.‬‬
‫وقبل حتديد ه��ذه الوقائع باملكان والزمان‬ ‫وق��د اع�ترف ال��ع��امل األك��ادمي��ي " فالدميري‬
‫وإع��ط��اء امل��زي��د م��ن التفاصيل حوهلا ونسبها‬ ‫ميغولني " نائب رئيس جلنة الفيزياء والفلك‬
‫إىل مصادر علمية ال تقبل التشكيك والدحض‪،‬‬ ‫يف أكادميية العلوم يف موسكو بأن األكادميية‬
‫نعرض إىل بعض ما توصل إليه اخلرباء والعلماء‬ ‫قد تلقت مئات الرسائل من خمتلف مناطق‬
‫يف علم الفضاء حول وجود كائنات أخرى خارج‬ ‫االحتاد السوفياتي (السابق) حول تلك الظواهر‬
‫حم��ي��ط األرض هل��ا ح���ض���ارات ‪ ،‬ي��ؤك��د بعض‬ ‫الغريبة‪ ،‬بل إن أغلب أصحاب ه��ذه الرسائل‬
‫العلماء أهنا متطورة على احلضارات اإلنسانية‬ ‫ي��ؤك��دون ب��أهن��م ش��اه��دوا م��رك��ب��ات فضائية‪،‬‬
‫على كوكب األرض ‪ .‬الدكتور « فرانك دراك «‬ ‫وبعضهم يؤكد أن األرض تتلقى زيارات منتظمة‬
‫مدير أكرب حمطة عاملية ألحباث الذرة والفضاء‬ ‫من كائنات فضائية‪ ،‬ولكنه يتساءل ‪ :‬هل ميكن‬
‫وامل���وج���ودة على ش��اط��ئ ب��ورت��وري��ك��و‪ ،‬وجَّ���ه يف‬ ‫دائما أن نطابق ما نالحظه من ظواهر مع أشياء‬
‫شباط العام ‪ 1986‬الرسالة التالية إىل احلكومة‬ ‫معروفة؟ طبعاً ال‪ ،‬وسيكون أمراً مستغرباً متاماً‬
‫األمريكية ننقلها حبرفيتها ‪ ( :‬يف هذه اللحظات‬ ‫لو أمكن تفسري كل ما نشاهده من ظواهر ‪..‬‬
‫بالذات‪ ،‬ويف نسبة من احلقيقة تالمس التأكيد‪،‬‬ ‫أليس تاريخ العلم كله حالة حبث متواصل فيما‬
‫يلتقط راديو احملطة على كوكب األرض إشارات‬ ‫ال ينتهي من الظواهر غري املفهومة؟ ‪.‬‬
‫موجهة من خملوقات خارج كوكبنا ) ‪ .‬وإضافة‬
‫إىل هذه اإلش��ارة العلمية األوىل كان التصريح‬ ‫ظواهر تبحث عن تفسريات علمية‬
‫التايل من الدكتور ( جون بيلنغهام ) مدير قسم‬ ‫ومن أبرز ما احتواه امللف الضخم ملثل هذه‬
‫( البيوتكنيك ) يف مركز أيوا الذي أنشأته اللجنة‬ ‫الظواهر واملشاهدات أيضا ‪:‬‬
‫األمريكية لطاقة ال��ذرة ‪ ( :‬حنن نعتقد بوجود‬ ‫‪ -‬صحون طائرة هبطت يف دول��ة الكويت‬
‫كواكب بعيدة جدا عمرها أكرب مباليني السنني‬ ‫أواس��ط السبعينيات من القرن املاضي‪ ،‬حتت‬
‫من عمر األرض‪ ،‬وبالتايل فإن حضارهتا متقدمة‬ ‫بصر شهود ع��ي��ان‪ ،‬ت��ارك��ة أث���راً ه��ام�اً خلفها‪،‬‬
‫ماليني السنني على حضارتنا ‪ ..‬أنا متأكد أنه‬ ‫فقط تعطلت مرتني حمركات أهم حمطة توليد‬
‫توجد حضارات خارج األرض تسبق حضارتنا‬ ‫كهربائية حلظة هبوط الصحون الطائرة ‪.‬‬
‫‪191‬‬ ‫بنسبة ت��ع��ادل ال��ف��رق ب�ين حضارتنا وحضارة‬ ‫‪ -‬طيارون شاهدوا م��رات عديدة صحوناً‬
‫اإلنسان احلجري على كوكبنا ‪. ) ..‬‬ ‫طائرة إىل جانب طائراهتم أفادوا عنها بتقارير‬
‫هذه التصرحيات املوثقة وسواها مما صدر‬ ‫تفصيلية ‪ .‬واجلدير بالذكر أن أحد الطيارين‬
‫عن العديد من العلماء والباحثني واالختصاصيني‬ ‫إياهم بعد تقدميه إفادته املباشرة عن صحن‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫مشاهدة ميدانية للصحون الطائرة ‪.‬‬ ‫دف��ع��ت ب����اإلدارة األم��ري��ك��ي��ة امل��ش��رف��ة على‬
‫ويذكر أحد الطيارين التابع لفريق العلماء أنه‬ ‫وكالة (ناسا) الفضائية إىل تشكيل جلنة من‬
‫أثناء قيامه برحلة استطالع‪ ،‬وخالل حديثه مع‬ ‫اثين عشر عاملاً برئاسة الدكتور ( شتايكوي‬
‫برج املراقبة شاهد جسماً مضيئاً يالحقه ويعلو‬ ‫راسول) هدفها دراسة الطرق والوسائل الكفيلة‬
‫ف��وق طائرته بسرعة هائلة مطلقاً إضاءات‬ ‫بإنشاء اتصاالت مع منظومات حية يف الكواكب‬
‫متقطعة حبدود مرة يف الثانية خيتفي ويظهر‬ ‫األخرى‪ ،‬وذلك خالل ‪ 15‬سنة ‪ .‬هذا على صعيد‬
‫بسرعة كبرية‪ ،‬وعندما أعلن الطيار بأن الصحن‬ ‫ال��دراس��ة النظرية واالستنتاجات‪ ،‬وأم��ا على‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫وحيد ويريد أن يلعب معنا‪ ،‬أض��اء جسم آخر‬ ‫صعيد الواقع فعودة إىل بعض األحداث والوقائع‬
‫على مي�ين طائرته وآخ��ر على يسارها‪ ،‬وإذا‬ ‫اليت تتسم بالعلمية واملوضوعية ‪،‬ومنها الدكتور‬
‫مبجموعة كاملة من الصحون الطائرة تواكب‬ ‫( هنري روتليدغر )‪ ،‬عميد كلية الفيزياء يف‬
‫صحنه بسرعة متقاربة وعلى مسافة كبرية‬ ‫جامعة ميسوري األمريكية‪ ،‬والذي يرتأس فريقا‬
‫متساوية وبتواتر موحد لإلشارات الضوئية ‪.‬‬ ‫من العلماء والباحثني منذ ‪ 25‬عاما‪ ،‬هدفهم‬
‫وحول هذه احلادثة املوثقة يقول ( روتليدغر )‪:‬‬ ‫مالحقة ظواهر املخلوقات األخرى والصحون‬
‫( إنين أعرف الكثري عن هذه األجسام املضيئة‬ ‫الطائرة‪ ،‬خيشى أن يتهم يوماً باجلنون ألنه‬
‫وأع��ل��م أن التكنولوجيا احلالية على كوكبنا‬ ‫يؤكد وجود الصحون الطائرة‪ ،‬فهو ميتلك يف‬
‫عاجزة عن إنتاج مثل هذه األجسام‪ ،‬ولكين أعلم‬ ‫خمتربه قرينة ثبوتية بني صور وأفالم مصورة‬
‫أيضا من أين تأتي هذه الصحون على الرغم‬ ‫لتلك األجسام الطائرة ‪.‬‬
‫من قناعيت بأهنا ليست بالضرورة من كوكب‬
‫آخر ‪. ) ..‬‬ ‫ما هية الصحون الطائرة‬
‫وحول مواكبة الصحون الطائرة للطائرات‬ ‫لقد ب��دأ الدكتور ( روتليدغر ) اهتمامه‬
‫العادية يذكر العامل األمريكي ( مينزيل ) أنه‬ ‫اجل��دي هبذا املوضوع عندما قامت الصحون‬
‫يف العام ‪ 1976‬واكبت الصحون طائرة الكابنت‬ ‫الطائرة عام ‪ ،1983‬ويف فرتات متقطعة‪ ،‬ببعض‬
‫(مانتيل )‪ ،‬وسار صحن طائر إىل جانب طائرته‬ ‫العروض يف مساء مدينة ( بيدمونت )‪ ،‬وبات‬
‫بشكل كاد يالمسها‪ ،‬قال عنه الطيار ‪ ( :‬أنا‬ ‫ال��ن��اس ال خي��رج��ون إال مسلحني خاصة بعد‬
‫حاليا ال أع��رف مكان الشمس ‪ ..‬أه��ي على‬ ‫انفجار حم��رك إح��دى ال��س��ي��ارات يف املوقف‬
‫مييين أم على يساري !! ) ‪ .‬وبتاريخ ‪ 21‬تشرين‬ ‫العام أثناء م��رور جسم مضيء ف��وق الساحة‬
‫األول ‪ 1978‬كان ( فريدريك فالنيت ) البالغ من‬ ‫القريبة من مساكن الطالبات‪ ،‬وبعد انقطاع‬
‫العمر عشرين عاما يقود طائرة قرب الشاطئ‬ ‫اإلرسال التلفزيوني يف تلك اللحظات ‪ .‬وعلى‬
‫االسرتايل‪ ،‬فجأة وأثناء حديثه مع برج املراقبة‬ ‫أثر هذه احلادثة‪ ،‬وبعد استقصاءات وأسئلة‬
‫يف مطار ( ملبورن ) بدأ بوصف صحن طائر‬ ‫كثرية استطاع فريق العلماء بقيادة الدكتور‬
‫يرافق طائرته من األعلى‪ ،‬وقد كان ذلك آخر‬ ‫(روتليدغر) التوصل إىل احد ه��واة التصوير‬
‫ما مسع عن هذا الشاب‪ ،‬وعندما حاول والده‬ ‫الذي كان قد صور بطريق الصدفة األجسام‬
‫مالحقة قضية اختفاء ابنه امتنعت وزارة النقل‬ ‫الغريبة أثناء زيارهتا للمدينة‪ ،‬وقد ساعد هذا‬
‫االسرتالية عن تقديم التسجيل الكامل للحديث‬ ‫الفلم كثرياً يف كشف طبيعة وشكل هذه األجسام‪،‬‬ ‫‪192‬‬
‫الذي دار بني الطيار الشاب وبرج املراقبة يف‬ ‫وقد ثبت ( د ‪ .‬روتليدغر ) نتائج أحباثه وفريقه‬
‫املطار ‪ .‬ومن حديثه مع برج املراقبة ‪ « :‬يبدو أن‬ ‫العلمي يف كتاب محل عنوان ( الربهان املقنع‬
‫هذا اجلسم يتحرك حنوي ‪ ..‬إنه ليس طائرة‬ ‫لوجود الصحون الطائرة ) وهو يتضمن ‪178‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫عادية ‪ ..‬إنه ذلك الشيء الذي يتحدثون عنه‬
‫‪ ..‬صحن طائر ‪ ..‬يعطي ض��وءا أخضر اللون‬
‫‪ ..‬شكله بيضاوي ويبدو معدنياً ‪ ..‬لقد أصبح‬
‫قريباً جداً من طائرتي ‪ ..‬إنه ليس طائرة « ‪.‬‬
‫أم��ا ض��اب��ط س�لاح اجل��و األم��ري��ك��ي ورائد‬
‫الفضاء السابق « جوردان كوبر «‪ ،‬فإنه ال ينكر‬
‫مقابلته تلك األجسام الطائرة خالل رحالته‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫الفضائية‪ ،‬وي��ق��ول هب��ذا اخل��ص��وص ‪ « :‬إهنا‬


‫خملوقات ذكية‪ ،‬تأتي من كواكب أخرى وحتاول‬
‫بشكل دائ��م وبطرق خمتلفة االتصال واللقاء‬
‫بسكان األرض « ‪ .‬ويؤكد « كوبر « ‪ « :‬أن الكثري‬
‫من العلماء يعرفون هذه احلقيقة وإن احلكومة‬
‫األمريكية لديها الكثري من الوثائق حول هذا‬
‫امل��وض��وع حتفظها بشكل س��ري للغاية‪ ،‬ألن‬
‫إفشائها رمبا يؤدي إىل بلبلة كبرية بني الناس‬
‫« ‪ .‬وقد عملت احلكومة األمريكية على إفشال‬
‫امل��ش��روع ال��ذي تقدم ب��ه جمموعة م��ن علماء‬
‫الفضاء األمريكيني إىل األم�ين ال��ع��ام لألمم‬
‫املتحدة خالل املؤمتر الذي عقد يف نيويورك‬
‫بتاريخ ‪ 1987/7/28‬وطالبوا فيه بتشكيل ما‬
‫يسمى « جلنة متابعة الصحون الطائرة « من‬
‫قبل األمم املتحدة وحتت إشرافها ‪.‬‬

‫هل هتدد سكان األرض؟‬


‫يومها عارضت ال��والي��ات املتحدة املشروع‬
‫ووضعت كل ثقلها الستبعاد البحث يف هذه‬
‫املواضيع‪ ،‬إال أن « كوبر « أص��ر على موقفه‬
‫وقناعاته وقام بتقديم مذكرة خطية أخرى إىل‬
‫األمم املتحدة قال فيها ‪ « :‬ليس هناك مثة شك‬
‫لتحقيق االت��ص��ال معهم « ‪ .‬ويضيف « كوبر‬ ‫ب��ان مركبات فضائية حمملة مبخلوقات من‬
‫يف مذكرته ‪ « :‬جيب أن نثبت هلذه املخلوقات‬ ‫كواكب بعيدة تزور األرض يف حماولة لالتصال‬
‫املتطورة أننا وصلنا إىل مستوى من التفكري‬ ‫بنا‪ ،‬وهي تسبقنا – على ما يبدو – يف اجملال‬
‫الناضج الذي يؤهلنا حلل خالفاتنا ومشاكلنا‬ ‫التكنولوجي‪ ،‬وم��ن هنا يتوجب على سكان‬
‫‪193‬‬ ‫بالطرق السلمية واحل���وار ليس بالنزاعات‬ ‫األرض‪ ،‬وهذا واجب األمم املتحدة‪ ،‬جتميع كافة‬
‫واحل��روب لكي يتم قبولنا كأعضاء صاحلني‬ ‫املعلومات الالزمة من شتى أحناء كوكبنا حول‬
‫يف احت��اد الكواكب‪ ،‬أو جمموعة الكواكب اليت‬ ‫املشاهدات لتلك املخلوقات واملقابالت اليت متت‬
‫ينتمون إليها ‪. « ..‬‬ ‫معهم‪ ،‬كي نتمكن من إجياد الطريقة املوضوعية‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫األشكال الغريبة أو إطالق النار عليها أحيانا‬ ‫وكان عامل الفضاء ورئيس مجعية الصحون‬
‫« ‪ .‬ويضيف يف تلك امل��ذك��رة ‪ « :‬إن القانون‬ ‫الطائرة يف نيويورك « كوملان فانكيفكي « قد‬
‫األم��ري��ك��ي ال���ذي يسمح مب��ط��اردة الصحون‬ ‫ق��دم مذكرة للرئيس األمريكي رونالد ريغان‬
‫الطائرة أو إطالق النار عليها قد يهدد مجيع‬ ‫حيذر فيها من خطر الصحون الطائرة‪ ،‬ويطالب‬
‫سكان األرض‪ ،‬إذ ال نعلم نوعية السالح الذي‬ ‫احلكومة األمريكية بكشف األسرار واحلقائق‬
‫حتمله هذه الصحون‪ ،‬وال نعرف حتى اآلن شيئا‬ ‫اليت تعرفها حول هذا املوضوع أمام الشعب‪،‬‬
‫عن أهدافها وغاياهتا‪ ،‬وأهنم حتى اآلن حيملون‬ ‫وجاء الرد من الرئاسة األمريكية يقول ‪ « :‬إن‬
‫رسالة سالم ومل يقوموا بأي عمل استفزازي‬ ‫الرئيس لديه املعلومات الكافية حول اخلطر‬
‫ضدنا فلماذا نستفزهم؟ « ‪ .‬وحي��ذر « كوملان‬ ‫الذي يهدد سكان األرض وسيعمل ما بوسعه‬
‫« من قيام حرب بني كوكب األرض والكواكب‬ ‫للمحافظة على سالمة الشعب األمريكي بالقدر‬
‫األخرى ويطالب رؤساء الدول املعنية مبعاجلة‬ ‫الكايف من السرية واحلذر ‪ . « ..‬ويف تلك املذكرة‬
‫هذا املوضوع بكثري من الوعي واحلكمة‪ ،‬كما‬ ‫الشهرية أك��د « كوملان « ‪ « :‬إن كوبا واالحتاد‬
‫يطلب من سكان األرض مجيعاً مد يد املساعدة‬ ‫السوفياتي ( السابق ) وإيران والبريو والواليات‬ ‫‪194‬‬
‫والتعاون مع احلضارات األخرى الواردة « ‪.‬‬ ‫املتحدة األمريكية قد تعرضت الستطالعات‬
‫واجلنرال « شوارزير « خبري الفضاء والعلوم‬ ‫متواصلة من قبل الصحون الطائرة‪ ،‬وإن��ه يف‬
‫العسكرية وأحد مساعدي « كوملان « حيذر من‬ ‫الكثري من هذه املشاهدات قد مت مطاردة تلك‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫هنائيا باجتاه اجلنوب الشرقي ‪ .‬وهذه احلادثة‬ ‫خطر االنتقام الذي تنزله الصحون الطائرة يف‬
‫استطاعت قاعدة املراقبة الفضائية األمريكية‬ ‫حال االعتداء عليها‪ ،‬ويكشف عن ثالث حوادث‬
‫يف فلوريدا من التقاطها مع احلديث الذي دار‬ ‫عسكرية حصلت بني سكان األرض والصحون‬
‫بني الطياريني الكوبيني والقاعدة األرضية‪،‬‬ ‫الطائرة ‪:‬‬
‫حيث قامت بعد ذلك برفع تقرير مفصل عنها‬ ‫‪ -‬احلادثة األوىل وقعت يف آذار ‪ ،1976‬حني‬
‫جمللس األمن القومي يف واشنطن ‪.‬‬ ‫التقطت أجهزة الرادار الكوبية شكال غريبا يسري‬
‫‪ -‬احلادثة الثانية كانت أثناء جولة استطالعية‬ ‫بسرعة ‪ 1100‬كلم ‪ /‬ساعة على ارتفاع عشرة‬
‫للطيار الياباني الكولونيل « ناكامورا « يف طائرة‬ ‫آالف مرت متجهاً من مشال اجلزيرة إىل جنوهبا‪،‬‬
‫فانتوم عندما أع��ل��ن الطيار ف��ج��أة للقاعدة‬ ‫وعلى األثر أعطي األمر لطائرتي ( ميغ – ‪) 21‬‬
‫األرضية عن التقاطه جسماً غريباً له شكل‬ ‫مبطاردة اجلسم الطائر الذي وصفه الطيارين‬
‫الصفيحة املعدنية امللتهبة يسري بسرعة كبرية‬ ‫فيما بعد بأنه يشبه صفيحة معدنية فاحتة اللون‬
‫جداً باجتاه الساحل الياباني‪ ،‬فأعطت القاعدة‬ ‫ال حتمل أي إشارة أو عالمة تدل على هويتها‪،‬‬
‫‪195‬‬ ‫أم��راً بتدمريه وما كاد الكولونيل « ناكامورا‬ ‫وفجأة أعطى األمر من القيادة األرضية بتدمري‬
‫« يلتقط آخر كلمة من األم��ر العسكري حتى‬ ‫اجلسم الطائر‪ ،‬ولكن بعد ثواني أعلم الطيار‬
‫اندلعت النار يف طائرته كأمنا أصيب بشعاع‬ ‫احلربي بأن الصحن الطائر أصبح على ارتفاع‬
‫ضوئي معطلة عليه امل��ط��اردة والتدمري‪ ،‬مما‬ ‫ثالثة آالف مرت بسرعة مذهلة ومن ثم اختفى‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫كتلة معدنية ملتهبة ‪.‬‬ ‫اضطره للهبوط يف إح��دى السهول وسط‬
‫مل��اذا التكتم الرمسي على الظواهر‬ ‫احلقول ‪.‬‬
‫الغريبة؟‬ ‫‪ -‬احل��ادث��ة الثالثة يف خريف ‪ 1978‬على‬
‫هذه الوقائع اليت أرفقها « كوملان « يف مذكرته‬ ‫الساحل اجلنوبي لكوريا‪ ،‬حيث شاهد أحد‬
‫اليت رفعها للرئاسة األمريكية‪ ،‬وختمها بالقول‪:‬‬ ‫أفراد املدفعية املكلفة حبماية الشاطئ جسماً‬
‫« إن الصحون الطائرة ليست مشكلة ختص‬ ‫غريباً دائ��ري الشكل يف الفضاء ق��دروا قطره‬
‫دول��ة من ال��دول بل هي مشكلة عاملية لذلك‬ ‫مبئيت م�تر‪ ،‬فأعطى ال��ض��اب��ط امل��ش��رف على‬
‫تتطلب معاجلتها املزيد من التعاون الدويل على‬ ‫القاعدة أمراً بإطالق النار على اجلسم الغريب‬
‫الصعيد العسكري والعلمي وتبادل املعلومات « ‪.‬‬ ‫الطائر‪ ،‬فأطلقوا صاروخ « هواك «( أرض – جو‬
‫كما يطالب أيضا بتشكيل جلنة دولية للصحون‬ ‫)‪ ،‬ولكنه تدمر قبل وصوله إىل اجلسم الغريب‬
‫الطائرة هدفها تعميق البحث يف هذا اجملال‬ ‫ب��واس��ط��ة ش��ع��اع أب��ي��ض انطلق إل��ي��ه م��ن ذلك‬ ‫‪196‬‬
‫للتوصل إىل حلول ناجحة ملشكلتنا مع « الغزاة‬ ‫اجلسم‪ ،‬كما انطلق شعاع مماثل إىل الشاحنة‬
‫« اجلدد الذين يتوافدون من الكواكب األخرى‪،‬‬ ‫اليت حتمل صاروخني آخرين وصهرمها‪ ،‬حتت‬
‫ويؤكد على ضرورة التوصل إىل حل معهم دون‬ ‫بصر رفقة املدفعية‪ ،‬وحوهلا مع الشاحنة إىل‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫املخلوقات اكتسب اإلنسان ذكاءه وليس بفضل‬ ‫اللجوء إىل القوة ‪.‬‬
‫نظرية التطور عند « داروين « ‪ .‬وخيتتم بالقول‬ ‫ويؤكد العاملان « فرانك دراك « و « كارل‬
‫‪ « :‬كي ال نقع يف خطأ العلوم الرمسية نقول ‪:‬‬ ‫س��اغ��ان « أن هناك أكثر م��ن مليون حضارة‬
‫ليس علينا أن نثبت وجود املخلوقات األخرى‬ ‫متفوقة على احلضارة اإلنسانية تتواجد يف‬
‫والزيارات اليت قاموا هبا إىل األرض‪ ،‬بل على‬ ‫جمرتنا ‪ .‬ويقول العامل « فرانسيس كريك «‬
‫الذين يرون عكس رأينا أن يثبتوا عدم وجودها‬ ‫احلائز على جائزة نوبل ‪ « :‬إن اإلنسان حتدر‬
‫وعدم قيامها سابقاً بزيارات إىل كوكبنا « ‪.‬‬ ‫يف مرحلة من مراحل التاريخ من هذه املخلوقات‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫اخل��ارج��ة عن كوكبنا «‪ ،‬م��ؤك��دا « أن تفوقها‬


‫احلضاري قد دفعها إىل إرسال بعض « العينات‬
‫« منها إىل الكواكب األخرى يف مراكب فضائية‬
‫متطورة تقنياً « ‪ .‬وجيزم العامل « جي ‪ .‬دانيال‬
‫« أن بعض احلضارات املتطورة تقنيا رفضت‬
‫تعصبنا الكوكيب ( نسبة إىل كوكب األرض )‪،‬‬
‫وفضلت السكن يف مدن اصطناعية ‪ .‬ويتساءل‬
‫الفيزيائي « إنريكو فريمي « بعد تقدميه أول‬
‫بطارية شعاعية ذرية ‪ « :‬جيب أن يكونوا بيننا‬
‫‪ ..‬ولكن أين خيتبئون؟ « ‪ .‬فيجيب االختصاصي‬
‫يف أدب اخليال العلمي « جريارد كلني « على هذا‬
‫السؤال بالقول ‪ « :‬كما حيلو ألي متنزه يف غابة‬
‫أال يرتك أثراً وراءه أو عالمة تدل على مروره يف‬
‫ذلك املكان‪ ،‬فإن املخلوقات املتطورة تعيش يف‬
‫حضننا وال تكرتث كثريا للماضي‪ ،‬وإن الربهان‬
‫األكيد لوجود املخلوقات املتطورة بيننا هو كوننا‬
‫ال نراهم « ‪.‬‬
‫وبعد ‪ ...‬تلك هي جمموعة قليلة من الكثري‬
‫من الوقائع والنظريات اليت تناولت « الزائرين‬
‫اجلدد « أو « الغزاة «‪ ،‬فالبعض ملس وجودهم‬
‫بالعني اجملردة‪ ،‬وبعضهم ملس آثارهم‪ ،‬وبعضهم‬
‫حلل منطقياً وعلمياً إمكانية « اللقاء « معهم‪،‬‬
‫وبعضهم التقط « رسائل « منهم‪ ،‬فيما يواصل‬
‫البعض إنكار وجودهم ‪ ..‬فأين احلقيقة؟ ‪ ..‬يقول‬
‫العامل والباحث املعروف « إريك فون دانيكن«‪« :‬‬
‫ما هي هذه العلوم الرمسية اليت رفضت نظرية‬
‫‪197‬‬ ‫« برونو « و « غاليلي « و « أدي��س��ون « ؟‪ ،‬ثم‬
‫عادت واكتشفت احلقيقة « ‪ .‬ويضيف ‪ « :‬يف‬
‫أزمنة غابرة‪ ،‬قامت بزيارة األرض خملوقات‬
‫م��ت��ط��ورة ج���اءت م��ن ال��ف��ض��اء‪ ،‬وب��ف��ض��ل هذه‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫مت اخرتاع األقراص الصلبة يف مخسينيات‬
‫القرن العشرين‪ ،‬وكانت عبارة عن أقراص كبرية‬
‫يصل قطرها إىل حوايل الـ ‪ 20‬بوصة (‪50.8‬‬
‫سم)‪ .‬وعلى الرغم من حجمها الكبري إال أهنا‬
‫كانت تتسع للقليل من الـ ‪ Megabytes ‬فقط‬
‫!!‪ .‬ومل تكن تعرف يف ذلك الوقت بالـ ‪Hard‬‬
‫‪ disk‬بل كانت تعرف باسم ‪ Fixed disks‬أو‬
‫بـ‪Winchesters .‬‬
‫وجاءت تسميته بـ ‪ Hard Disk‬بعد ذلك‬
‫لكي يتم التمييز بينها و بني األقراص املرنة‪.‬‬
‫وكما هو واض��ح من امسه حيتوي القرص‬
‫الصلب علي (ق��رص صلب) أو م��ا يعرف بـ‬
‫‪ ، platter‬ه��ذا ال��ق��رص توضع عليه املادة‬
‫‪198‬‬
‫املغناطيسية اليت تستخدم يف حفظ البيانات‪،‬‬
‫وه��ذه امل��ادة هي نفسها امل��ادة املستخدمة يف‬ ‫وسيم قدورة‬
‫األقراص املرنة و شرائط الكاسيت ‪ ،‬ولكن الفرق‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫‪ - 1‬األقراص (‪:)Platters‬‬ ‫هو أن األقراص املرنة والكاسيت يتم فيها وضع‬


‫حيتوي القرص الصلب على عدة أقراص‬ ‫املادة املغناطيسية على ماده بالستيكية مرنة‪.‬‬
‫دائ��ري��ة الشكل تتوضع بشكل متالصق فوق‬ ‫وال خت��ت��ل��ف ط��ري��ق��ة خت���زي���ن البيانات‬
‫بعضها البعض ومثبتة بعمود دوران مشرتك‬ ‫املغناطيسية يف القرص الصلب عن شرائط‬
‫حيث تدور حوله بسرعة متساوية‪.‬‬ ‫الكاسيت أو األقراص املرنة حيث تتميز هذه‬
‫وك��ل��م��ا زاد ع���دد األق����راص امل���وج���ودة يف‬ ‫الطريقة يف سهولة الكتابة وامل��س��ح وإعادة‬
‫القرص الصلب ازدادت السعة التخزينية هلذا‬ ‫الكتابة مرة أخرى وبذلك االحتفاظ باملعلومات‬
‫القرص‪.‬‬ ‫املخزنة عليها لعدة سنوات‪.‬‬
‫وهذه األقراص مغلفة بطبقة من مادة قابلة‬
‫للمغنطة حتى نتمكن من ختزين البيانات على‬ ‫أقسام القرص الصلب‪:‬‬
‫سطحها‪.‬‬ ‫يتكون القرص الصلب من صندوق مصنوع‬
‫‪199‬‬ ‫ويقسم كل قرص إىل مسارات على شكل‬
‫دوائر وبالطبع تكون هذه الدوائر متحدة املركز‪،‬‬
‫من مادة األملنيوم مغلق بإحكام‪ .‬ويتم التحكم‬
‫بعملية الكتابة والقراءة بشكل الكرتوني وآيل ‪.‬‬
‫وكل مسار فيها مقسم إىل قطاعات تستخدم‬ ‫وميكن تقسيم مكونات القرص الصلب إىل‬
‫لتخزين كمية ثابتة من الـ ‪Data‬‬ ‫أجزاء ميكانيكية وأجزاء أخرى الكرتونية وهي‪:‬‬
‫‪ – 2‬رؤوس القراءة والكتابة ‪:‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫اليت ترسلها لوحة التحكم اإللكرتونية‪ ،‬وأثبتت‬ ‫يلزم كل قرص رأسني‪ ،‬واحد للقراءة وآخر‬
‫هذه التكنولوجيا بأهنا غري فعالة ألهنا كثرية‬ ‫للكتابة حيث يتوضع األول يف أسفل القرص‬
‫املشاكل نتيجة تأثرها بدرجة احل��رارة وألهنا‬ ‫واآلخر أعاله‪.‬‬
‫أيضاً سريعة التلف‪.‬‬ ‫فمثالً لو كان لدينا قرص صلب حيتوي على‬
‫الثانية‪ :‬منظومة الـ ‪ : Voice Coil‬يف هذا‬ ‫ثالثة أقراص ختزينية فإننا نكون حباجة إىل‬
‫النوع تقوم لوحة التحكم االلكرتونية بإرسال‬ ‫ستة رؤوس قراءة وكتابة‪.‬‬
‫تيار كهربائي إىل احملرك وهذا التيار يستخدم‬ ‫وال ت��ك��ون ه��ذه ال����رؤوس مالمسة لسطح‬
‫يف توليد جم��ال مغناطيسي لتحريك الذراع‬ ‫أقراص التخزين بل تكون مرتفعة عنها مبقدار‬
‫ما جيعل لوحة التحكم اإللكرتونية قادرة على‬ ‫صغري ج��داً‪ .‬وإذا المست هذه ال��رؤوس سطح‬
‫التحكم مبوقع الرأس ألهنا تتحكم بالذراع عن‬ ‫القرص التخزيين سيؤدي ذلك إىل تلف اجلزء‬
‫طريق التحكم يف شدة التيار الكهربائي‪.‬‬ ‫الذي المسته ويسمى بالـ ‪Bad Sector‬‬

‫ختزين البيانات على القرص الصلب‪:‬‬ ‫‪ – 3‬األذرع ‪:‬‬


‫يتم ختزين اليانات على القرص الصلب يف‬ ‫هي اليت حتمل رؤوس القراءة والكتابة‪ .‬ويتم‬
‫قطاعات تسمى بالـ ‪ Sectors‬ومسارات تدعى‬ ‫حتريك هذه األذرع اخلفية الوزن جداً بواسطة‬
‫بالـ ‪.Tracks‬‬ ‫منظومة ميكانيكية دقيقة وسريعة جداً‪ ،‬وميكن‬
‫امل��س��ارات ع��ب��ارة ع��ن دوائ���ر متحدة املركز‬ ‫هلذه املنظومة أن حترك الذراع من داخل قرص‬
‫كما شرحنا سابقاً والقطاعات هي أجزاء من‬ ‫التخزين إىل حافته اخلارجية وبالعكس مخسني‬
‫املسارات‪.‬‬ ‫مرة يف الثانية الواحدة وميكن أن يتم بناء مثل‬
‫وكلما متكنا من زي��ادة عدد القطاعات يف‬ ‫هذه املنظومة باستخدام حمرك خطي سريع‪.‬‬
‫املسار الواحد زادت السعة التخزينية الكلية‬
‫للقرص الصلب‪.‬‬
‫وهل���ذه امل��ن��ظ��وم��ة امليكانيكية ن��وع��ان من‬
‫التكنولوجيا‪:‬‬
‫‪200‬‬
‫العوامل املؤثرة يف القرص الصلب‪:‬‬ ‫األوىل‪ :‬تعرف مبنظومة الـ ‪Band Stepper‬‬
‫‪ -‬معدل نقل البيانات (‪ )Data rate‬وهو‬ ‫‪ Motor‬وتعتمد يف فكرهتا على كمية الكهرباء‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫‪201‬‬ ‫عدد البايت اليت يتم نقلها من القرص الصلب ووصول أول بايت من امللف إىل الكمبيوتر‪.‬‬
‫‪ -‬نوع الواجهة أو الـ (‪ )Interface‬الذي‬ ‫للكمبيوتر يف الثانية الواحدة‪.‬‬
‫‪ -‬زمن الوصول (‪ )Seek Time‬وهو الزمن يستخدمه القرص الصلب‪.‬‬
‫‪ -‬الكثافة التخزينية وهي عدد البايت اليت‬ ‫املستغرق بني طلب امللف من القرص الصلب‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫الصلب‪ .‬ه��ل تعلم أن أكثر القطع حساسية‬
‫للحرارة يف أجهزة الكمبيوتر هو القرص املرن؟‬
‫حنن نتحدث هنا عن قطع غاية يف الدقة تدور‬
‫بسرعات ‪ 15000 -7200‬دورة يف الدقيقة‬
‫الواحدة‪ ،‬هذه سرعات عالية جداً وأي زيادة‬
‫عن احلد املسموح به ستؤدي بال شك إىل فشل‬
‫مفاجئ بسبب متدد بعض القطع املرنة‪.‬‬
‫درجة احلرارة الطبيعية للقرص الصلب هي‬
‫بني ‪ 45-30‬درجة مئوية‪.‬‬
‫‪ -2‬قلل من عمليات القرص الصلب‬ ‫ميكن ختزينها يف مساحة معينة من القرص‬
‫تعرض القرص الصلب لعمليات كتابة وقراءة‬ ‫الصلب‪.‬‬
‫كثيفة لفرتات طويلة تزيد من احتمالية فشله‬ ‫‪ -‬وأخرياً واألهم السعة (‪ )Capacity‬الكلية‬
‫للقرص الصلب‪.‬‬
‫بشكل كبري‪ ،‬ع��ادة ما حيدث هذا يف األجهزة‬
‫املستضيفة مللفات ذات شعبية واسعة كاملواقع‬ ‫‪202‬‬
‫املزحومة بالزوار أو األجهزة اليت متلك ذاكرة‬ ‫نصائح هامة للحفاظ على القرص‬
‫غ�ير كافية مم��ا جي�بر النظام على استخدام‬ ‫الصلب‪:‬‬
‫القرص الصلب كذاكرة احتياطية ولكنها مكلفة‬ ‫‪ -1‬ح��اف��ظ ع��ل��ى درج����ة ح����رارة القرص‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫فلو‪  ‬تعرض الرأس هلزة قوية سيالمس سطح‬ ‫من حيث األداء ناهيك عن العواقب البعيدة‬
‫القرص وخيدشه‪.‬‬ ‫املدى‪ .‬وأنسب حل هلذه املشكلة هو زيادة حجم‬
‫‪ -5 ‬زود جهازك والقرص الصلب مبصدر‬ ‫ال��ذاك��رة كي تتم العمليات فيها دون احلاجة‬
‫طاقة دائ��م‪ .‬فاملعروف أن الكهرباء ترتدد بني‬ ‫الستخدام القرص الصلب وس�ترى التحسن‬
‫اهلبوط والصعود يف قوهتا ومعظم األجهزة‬ ‫الكبري يف أداء اجلهاز حتى عند نقل امللفات‪.‬‬
‫حتتوي ح��واج��ز حت�ترق عندما تزيد الطاقة‬ ‫‪ - 3‬رت��ب املساحات على القرص الصلب‬
‫ال��واردة عن احلد املسموح به حلماية جهازك‬ ‫(إع���ادة التجزئة) دوري���اً بالتقليل م��ن حركة‬
‫م��ن ال��ص��دم��ة الكهربائية‪ ،‬وب��ال��ت��ايل يتوقف‬ ‫القطعة ال�تي تقرأ البيانات (ال��رأس القارئ)‬
‫جهازك فجأة‪ .‬هذا التوقف املفاجئ له عواقب‬ ‫وذل��ك بتقريب أج��زاء امللف الواحد وترتيبها‬
‫وخيمة عندما يتوقف القرص الصلب عن العمل‬ ‫حبيث يستطيع قراءهتا بأقل جمهود ممكن‪.‬‬
‫والرأس القارئ ال يزال يف وضع غري آمن‪.‬‬ ‫‪ -4‬جتنب تعريض اجلهاز للحركة الكثرية‬
‫‪ -6‬اب��ع��د ك���ل م���ا ه���و م��غ��ن��اط��ي��س��ي عن‬ ‫خالل العمل‪ .‬فرؤية القرص املرن وهو يعمل‪،‬‬
‫‪203‬‬ ‫جهازك‪.‬‬ ‫ومعرفة الدقة العالية ومسافة الشعرة بني‬
‫أخ�يرا ال بد لنا من أن نأخذ احليطة عن‬ ‫ً‬ ‫ال��رأس القارئ والقرص الذي يدور بسرعات‬
‫طريق حفظ نسخة احتياطية من معلوماتنا‬ ‫عالية سيصيبك بالرعب واخلوف من حدوث‬
‫لعدم فقداهنا يف أي حال من األحوال‪.‬‬ ‫اح��ت��ك��اك خي��دش ال��ق��رص ويضيع بياناتك‪.‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫ولد برتراند رسل يف ‪ 18‬مايو سنة ‪1872‬م‪.‬‬
‫وهو من أسرة رسل اإلجنليزية العريقة‪ ،‬مات‬
‫أبوه وهو يف الثالثة من عمره‪ .‬تلقى تعليمه األول‬
‫على يد املربيات واملربني‪ .‬وعلى أيديهم أتقن‬
‫اللغتني الفرنسية واألملانية‪.‬‬
‫ثم التحق بكلية ترنيت جبامعة كامربدج سنة‬
‫‪ 1890‬وكان طالباً يتميز باخلجل واحلياء‪.‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫بعد خترجه بدرجة االمتياز يف الفلسفة‪،‬‬
‫اختري زميالً يف كليته يف خريف عام ‪1895‬م‪.‬‬
‫وكان قد عُيِّن عام ‪ 1894‬ملحقاً بالسفارة‬
‫الربيطانية بباريس‪.‬‬
‫زار املؤمتر الرياضي بباريس مع صديقه‬
‫ألفرد وايتهيد‪.‬‬
‫كتب يف عام ‪ 1903‬أول كتبه اهلامة وعنوانه‬
‫(ق��واع��د ال��ري��اض��ات)‪ ،‬وش���رع ه��و وصديقه‬
‫وايتهيد بالتوسع يف دراس��ة املنطق الرياضي‪،‬‬
‫وصدر هلما اجمللد األول من كتاهبما املشرتك‬
‫عام ‪1910‬م‪ .‬وعُيِّن مدرساً بكليته القدمية يف‬
‫عام ‪1910‬م‪.‬‬
‫ب��ع��د ن��ش��وب احل���رب ال��ع��امل��ي��ة األوىل كان‬
‫ل��ه نشاط ظاهر يف حركة مقاومة التجنيد‬
‫اإلجباري‪ ،‬وحكم عليه بغرامة قدرها (‪)100‬‬
‫جنيه ألنه أصدر نشرة ينتقد فيها احلكم على‬
‫أحد معارضي التجنيد بالسجن سنتني‪.‬‬
‫وق��د بيعت مكتبته للوفاء هب��ذه الغرامة‪،‬‬
‫وفصلته كليته من وظيفة مدرّس‪.‬‬
‫عُرض عليه العمل جبامعة هارفارد‪ ،‬ولكنه‬
‫مل مينح جواز سفر‪.‬‬
‫حكم عليه عام ‪ 1918‬بالسجن ستة أشهر‬
‫لنشره مقاالً حيبذ السلم‪.‬‬
‫س��اف��ر يف خ��ري��ف ع��ام ‪ 1920‬إىل الصني‬
‫ليحاضر يف الفلسفة جبامعة بيينبج‪ .‬وملا عاد‬
‫عام ‪ 1921‬كان يكسب عيشه من احملاضرات‬
‫والكتابة يف الصحف وتأليف الكتب الشعبية‪ .‬أما‬ ‫‪204‬‬
‫الصيف فكان خيصصه للمؤلفات الرئيسية‪.‬‬
‫س��اف��ر إىل ال��والي��ات املتحدة ع��ام ‪.1938‬‬
‫ويف السنوات التالية كان يدرّس يف اجلامعات‬ ‫سالم مراد‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫العقلي والفكري ملء أمساع العامل‪.‬‬ ‫الكربى هناك‪.‬‬


‫بعد احلرب العاملية الثانية اهتم بتبيان أثر‬ ‫عاد رسل إىل إجنلرتا عام ‪ 1944‬واختري للمرة‬
‫التقدم العلمي على مستقبل البشرية واتصل‬ ‫الثانية زميالً بكلية ترنيت‪.‬‬
‫يف ذلك بأئمة الفكر والعلم يف العامل‪ ،‬وشهد‬ ‫مُنحَ جائزة نوبل يف األدب يف نوفمرب سنة‬
‫يف صيف سنة ‪1955‬م مؤمتراً عاملياً يف لندن‬ ‫‪1950‬م‪.‬‬
‫دعا فيه إىل نبذ األسلحة النووية وح��ذر من‬ ‫نشر كتاب النظرة العلمية ألول م��رة عام‬
‫خطرها املادي واملعنوي على اإلنسانية واشرتك‬ ‫‪ 1931‬ثم طبع مرة أخرى عام ‪.1949‬‬
‫‪205‬‬ ‫مع إينشتني وغريه من كبار مفكري العامل يف‬ ‫وال�ترمج��ة ال��ع��رب��ي��ة منقولة ع��ن��د الطبعة‬
‫كتابة ن��داء هب��ذا املعنى بشأن القنابل الذرية‬ ‫الثانية‪.‬‬
‫واهليدروجينية‪.‬‬ ‫أصبح رسل بعد أن جاوز الثمانني من عمره‬
‫تويف رسل يف لندن عام ‪1970‬م‪.‬‬ ‫علماً من أعالم الفكر احلديث وال زال نشاطه‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫رسل والنظرة العلمية‬
‫بني رسل إن الطريقة العلمية يف جوهرها‬
‫بسيطة حتى لو بدت معقدة يف شكلها النهائي‪.‬‬
‫فهي تتلخص يف مالحظته احلقائق اليت مت ِّكن‬
‫من يالحظها من اكتشاف قوانني عامة تسري‬
‫على حقائق من نفس النوع‪.‬‬
‫االكتشاف مير مبرحلتني‪ ،‬املالحظة أوالً‪،‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫واستنتاج قانون ثانياً‪ ،‬وكلتامها ضروريتان‪،‬‬
‫وكلتامها قابلتان للتهذيب إىل غري حدّ تقريباً‪.‬‬
‫فأول رجل قال (النار حترق) كان يستخدم‬
‫الطريقة العلمية يف جوهرها‪ ،‬فقد مسح لنفسه‬
‫بأن حيرق عدة مرات‪ ،‬فهذا الرجل قد مر فعالً‬
‫مبرحليت املالحظة والتعميم‪ .‬ومع ذلك فليس‬
‫لديه ما يتطلبه املنهج العلمي‪.‬‬
‫فالرجل ال��ذي قال أيضاً إن األجسام اليت‬
‫ال ميسكها شيء يف اهلواء تسقط فهو إمنا قد‬
‫يكذبه املنطاد‬‫عمم فحسب‪ ،‬وعرّض قوله ألن ّ‬
‫والفراشة والطائرة‪ ،‬بينما الرجل الذي يفهم‬
‫نظرية سقوط األجسام يعرف كذلك مل��اذا ال‬
‫تسقط بعض األجسام استثناءً من القاعدة‪.‬‬
‫إن الطريقة العلمية على بساطة روحها‬
‫مل تُك ًتسَب إال مبشقة ب��ال��غ��ة‪ ،‬وال ي���زال من‬
‫يستخدمها قلّة يف الناس‪ ،‬وحتى ه��ذه القلّة‬
‫تقصر استخدامها على قلّة من املسائل اليت‬
‫حتكم عليها‪ ،‬ووضح ذلك رسل مبثال فإذا كنت‬
‫تعرف جهبذاً من جهابذة العلم‪ ،‬قد اعتاد الدقة‬
‫طبيعي بالنسبة لإلنسان إىل حد ما‪ .‬فمعظم‬ ‫الكمية التامة يف جتاربه‪ ،‬واملهارة فيما خيلص‬
‫آرائنا هي من قبيل حتقيق الرغبة‪ ،‬شأهنا شأن‬ ‫منها إليه‪ ،‬فإنكَ تستطيع أن جتري عليه جتربة‬
‫األحالم يف نظرية فرويد‪.‬‬ ‫لن تضيع سدى يف غالب الظن‪.‬‬
‫وأن ذهن أشدنا تعقالً لشبيه ببصر عاصف‬ ‫فلتناقشه يف السياسة احلزبية أو الالهوت‬
‫من املعتقدات العاطفية اليت ترتكز على الرغبة‪،‬‬ ‫أو ضريبة ال��دخ��ل أو مس��اس��رة امل��ن��ازل أو ما‬
‫يكاد يطفو فوقها قليل من القوارب الضئيلة‬ ‫شابه ذل��ك من املوضوعات‪ .‬ولتكن على ثقة‬
‫احململة باملعتقدات اليت تثبت علمياً‪.‬‬ ‫تامة تقريباً من أنه لن ميضي وقت قصري حتى‬
‫وليس لنا أن نأسى على ذلك‪ ،‬فإن احلياة‬ ‫ينفجر انفجاراً‪ ،‬وأنكَ ستستمع إليه يديل بآراء‬ ‫‪206‬‬
‫البدّ لنا من أن حنياها‪ ،‬وليس لدينا وقت يتسع‬ ‫مل تُثَبَّت قط‪ ،‬يف تعصّب ال يبديه مطلقاً إزاء‬
‫ألن خنترب بعقولنا ك��ل املعتقدات ال�تي تنظم‬ ‫النتائج املمحصة لتجاربه املعملية‪.‬‬
‫سلوكنا‪.‬‬ ‫يدلنا هذا املثال على أن السلوك العلمي غري‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫إىل آرائهم بالطرق العلمية‪ .‬أما املواطن العادي‬
‫فيستحيل عليه أن يكرر عمل اخلرباء بنفسه‪،‬‬
‫والعامل احلديث به قدر ضخم من املعلومات‬
‫املمحصة يف كل نواحي املعرفة‪ ،‬وهذه يقبلها‬
‫الرجل العادي مطمئناً دون حاجة إىل الرتدد‪،‬‬
‫ولكن العاطفة القوية إذا شابت حكم اخلبري‪،‬‬
‫جعلته رجالً ال يُعتمد عليه مهما يكن حظه من‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫العلم‪.‬‬
‫فالرأي العلمي هو ما يوجد سبب لالعتقاد‬
‫بصحته‪ ،‬والرأي غري العلمي هو ما يقبل لسبب‬
‫غري احتمال صحته‪.‬‬
‫إن اخلاصية األساسية للنهج العلمي هي‬
‫أنه يبدأ من التجربة‪ ،‬وليس من التقاليد‪ ،‬ولكن‬
‫يبقى احلد بني النهج العلمي والنهج التقليدي‬
‫غري حاسم بشكل دقيق‪ ،‬وال يستطيع أحد أن‬
‫يقول على وجه الدقة أين ينتهي أحدمها‪ ،‬وأين‬
‫يبدأ اآلخر‪.‬‬
‫لقد كان امل��زارع��ون البدائيون يستخدمون‬
‫األجسام البشرية مساداً‪ ،‬وكانوا يعتربون أثرها‬
‫الطيب سحراً‪ .‬وكانت هذه املرحلة قطعاً سابقة‬
‫على الطريقة العلمية‪ ،‬وسبق استخدام األمسدة‬
‫الطبيعية الذي تال تلك املرحلة واستمر حتى‬
‫وقتنا هذا الذي استخدمها بشكل علمي‪.‬‬
‫لقد كانت أعظم انتصارات العلم التطبيقي‬
‫يف ميدان الطبيعة والكيمياء‪ .‬وجاء التطور يف‬
‫اآلل��ة بشكل ق��وي وس��ري��ع‪ ،‬فاملنهج الصناعي‬
‫دائماً كان حياول إحالل صور حمل صور أخرى‪،‬‬ ‫ولوال شيء من اخلفة املستحبة‪ ،‬ملا استطاع‬
‫فاإلنسان كان يعتمد على قوة عضالته ثم حتول‬ ‫أحد أن حييا طويالً‪ ،‬لذلك وجب أن تقتصر‬
‫إىل االعتماد على ق��وة عضالت احليوانات‪،‬‬ ‫الطريقة العلمية على آرائنا الرزينة والرمسية‪.‬‬
‫فاإلنسان البدائي شارك احليوان يف االعتماد‬ ‫فالطبيب الذي يصف للمريض الطعام الذي‬
‫على العضالت‪ ،‬فلما زادت املعارف‪ ،‬تزايدت‬ ‫يتناوله ينبغي أن يفعل ذلك بعد تدبّر لكل ما‬
‫املقدرة بالتدريج للسيطرة على منابع القوة اليت‬ ‫يقوله العلم يف املوضوع‪.‬‬
‫أتاحت الراحة للعضالت‪.‬‬ ‫ولكن املريض ال��ذي يتبع نصائح الطبيب‪،‬‬
‫‪207‬‬ ‫فقد اخرتع العجلة عبقري يف جماهل املاضي‪،‬‬ ‫ال يستطيع أن ينتظر حتى يثبت ص��دق ما‬
‫وأغرى آخر الثور واحلصان بإدارة هذه العجلة‪.‬‬ ‫مس��ع‪ .‬فعليه إذن أن يعتمد ال على العلم‪ ،‬بل‬
‫والب��دّ أن مهمة ترويض الثور واحل��ص��ان كانت‬ ‫على إميانه بأن طبيبه علميّ‪ .‬واجملتمع املشبع‬
‫أصعب من مهمة ترويض الكهرباء‪ ،‬ولكن أمرها‬ ‫بالعلم هو ذلك اجملتمع الذي وصل فيه اخلرباء‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫والب �دّ أن وقتاً طويالً قد مضى قبل أن‬ ‫كان يتطلب الصرب ال الذكاء‪ .‬أما الكهرباء‬
‫يصبح ال��ث��ور واحل��ص��ان خاضعني ملشيئة‬ ‫فشأهنا كشأن اجل�ني يف (أل��ف ليلة وليلة)‬
‫املروّض‪ .‬ويقول البعض أهنما قد رُوضا ألهنما‬ ‫خادم صبور ملن عرف الصيغة الصحيحة‪.‬‬
‫كانا يُعبدان‪ ،‬وأن االستخدام العملي هلما قد‬ ‫واكتشاف الصيغة عسري‪ ،‬ولكن ما تبقى‬
‫أت��ى بعد أن أمت رج��ال الدين استئناسهما‪.‬‬ ‫يسري‪ .‬ففي حالة ال��ث��ور واحل��ص��ان مل يكن‬ ‫‪208‬‬
‫وه��ذه النظرية مرجحة بطبيعتها‪ ،‬ألن كل‬ ‫اإلنسان حباجة إىل مهارة كبرية ليدرك أن‬
‫تقدم كبري إمنا نشأ أصالً من دوافع غري ذات‬ ‫عضالهتما أقدر يف إجناز األعمال اليت كانت‬
‫قصد‪.‬‬ ‫تقوم هبا عضالت اإلنسان قبل ذلك‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫اخلطوة كما يعرف خطاها مركوني‪.‬‬ ‫فاالكتشافات العلمية قد أجريت لذاهتا‪ ،‬ال‬
‫ويف ح���دود م��ا ن��ع��ل��م‪ ،‬مل يفكر ف���راداي‬ ‫الستغالهلا‪ .‬فالنظرية املغناطيسية الكهربائية‬
‫وم��ك��س��وي��ل وه���رت���ز حل��ظ��ة م���ا يف إمكان‬ ‫اليت يعتمد عليها استخدام الالسلكي‪ ،‬جتد‬
‫استغالل اكتشافاهتم عملياً‪ ،‬فاحلق أنه حتى‬ ‫أن املعرفة العلمية املتصلة هبذه النظرية بدأت‬
‫أشرفت البحوث على التمام كان من احملال‬ ‫بفراداي‪ ،‬فهو أول من فحص فحصاً جتريبياً‬
‫التكهن باالستعماالت اليت ستستغل فيها هذه‬ ‫العالقة بني الوسط املتداخل وبني الظواهر‬
‫املكتشفات‪ .‬وحتى حني يكون اهلدف عملياً‬ ‫الكهربائية‪ .‬ومل يكن فراداي رياضياً‪ ،‬ولكن‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫حبتاً‪ ،‬فإن حل مشكلة من املشاكل كثرياً ما‬ ‫نتائجه وضعها ك�لارك يف صيغة رياضية‪،‬‬
‫ينتج عنه حل مشكلة أخرى مل تكن تربطها‬ ‫كما اكتشف بأساليب نظرية حبتة أن الضوء‬
‫هبا أية رابطة ظاهرة‪.‬‬ ‫يرتكب من موجات مغناطيسية كهربائية‪.‬‬
‫إن النهج العلمي احلديث قد بث يف اإلنسان‬ ‫ويرجع الفضل يف املرحلة التالية يف هذا‬
‫اإلحساس باملقدرة‪ ،‬وهذا يغري عقليته كلها‬
‫بسرعة‪ ،‬فقد كانت البيئة الطبيعية حتى زمن‬
‫قريب شيئاً ال حميص عن قبوله‪ ،‬وكان أن مت‬ ‫إن ال��ن��ه��ج العلمي‬
‫االنتفاع منها ما أمكن‪.‬‬
‫فإذا مل تف كمية املطر بإقامة احلياة‪ ،‬مل‬ ‫احل��دي��ث ق��د ب��ث يف‬
‫يكن هناك غري املوت أو اهلجرة‪ ،‬فأما األقوياء‬
‫حربياً فكانوا يلوذون باهلجرة‪ ،‬وأما الضعفاء‬
‫اإلن��س��ان اإلحساس‬
‫فكانوا ال جيدون إال املوت‪ .‬أما البيئة الطبيعية‬
‫يف نظر الرجل احلديث فهي جمرد مادة خام‪.‬‬
‫باملقدرة‪ ،‬وهذا يغري‬
‫جمرد فرصة لالستغالل‪.‬‬
‫وبيَّن رسل أن الناس طبقوا النهج العلمي‬
‫عقليته كلها بسرعة‪،‬‬
‫ليشبعوا يف أنفسهم ع���دداً م��ن الرغبات‬ ‫ف��ق��د ك��ان��ت البيئة‬
‫املختلفة‪ ،‬وك��ان أهم ما طبق فيه أول األمر‬
‫إنتاج املالبس ونقل البضائع والناس‪ ،‬وأدت‬ ‫الطبيعية حتى زمن‬
‫قريب شيئ ًا ال حميص‬
‫باستخدام التلغراف وظائف هامة يف النقل‬
‫السريع للرسائل‪ ،‬فأمكن وج��ود اجلريدة‬
‫احلديثة واحلكومة املركزية‪.‬‬
‫وبفضل الرغبات وامليول واالستفادة من‬ ‫عن قبوله‪ ،‬وكان أن مت‬
‫التطور والنهج العلمي‪ ،‬تقدم الطب‪ ،‬وزيادة‬
‫اخلدمات الصحية بدورها أدت إىل تقليل‬ ‫االنتفاع منها ما أمكن‬
‫الشقاء والتعاسة‪.‬‬
‫يتساءل براتراند رسل‬
‫‪209‬‬ ‫هل يستمر رجحان ك ّفة العلم يف امليزان؟‬ ‫السبيل إىل هرتز ‪ .Hertz‬فقد كان أول من‬
‫واجل��واب ‪ :‬ه��ذا ما خيربنا به املستقبل‪،‬‬ ‫أوجد املوجة املغناطيسية الكهربائية صناعياً‪.‬‬
‫ولكن من املؤكد أن كفته ظلت راجحة حتى‬ ‫فلم يبق إال أن خيرتع جهازاً ميكن به توليد‬
‫اآلن لصاحل اإلنسان‪.‬‬ ‫هذه املوجات حبيث حتقق نفعاً جتارياً‪ ،‬وهذه‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫اخل���وض يف م��وض��وع م��ث�ير ل��ل��ج��دل‪ ،‬إث���ارة‬
‫ل��ل��ج��دل‪ ،‬ودخ���ول يف س��رادي��ب اجمل��اه��ي��ل غري‬
‫احملدودة النهاية ‪.‬‬
‫وحن��ن يف ه��ذا الكتاب ( األط��ب��اق الطائرة‬
‫–تأليف جوهانس فون بوتالر ترمجة املهندس‬
‫خالد محشو )‪ ،‬نقف أمام ظاهرة من الظواهر‬
‫اليت مل توضع هلا قواعد أو أسس علمية‪ ،‬كوهنا‬
‫مازالت ظاهرة مثرية للشك حتى يومنا هذا‪،‬‬
‫رغم أهنا لوحظت وشوهدت منذ بدايات القرن‬
‫املاضي‪ ،‬ودار حوهلا نقاش وجدل واسعان‪ ،‬ولكن‬
‫الشك يف كثري من األح��ي��ان‪ ،‬واالستهجان من‬
‫ناحية أخرى كانا مالزمني ألي حوار أو نقاش‬
‫يتناول موضوع األطباق الطائرة‪ .‬غري أن الكاتب‬
‫أقدم على كتابة هذا البحث – رغم املشككني‪،‬‬ ‫أجسام طائرة جمهولة اهلوية‬ ‫‪210‬‬
‫وبعد تفكري طويل – كما يقول‪ .‬ويرى أن هناك‬
‫موقفني من هذه الظاهرة‪ .‬إما التصديق‪ ،‬وإما‬
‫الرفض‪ ،‬وه��و يعترب أن هدفه هو البحث عن‬ ‫عرض‪ :‬نضال غامن‬
‫احلقيقة‪ ،‬ولذلك فإنه لن يرتاجع عما عقد العزم‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫حيث كان اجلو لطيفاً‪ ،‬ما جعل عملية الطريان‬
‫تبدو ممتعة‪ ،‬فاسرتخى على مقعده‪ ،‬وأخذ يتأمل‬
‫السماء‪ .‬وبعد دقيقتني أو ثالث دقائق الحظ‬
‫حزمة من األن��وار املبهرة تتوجه حنو طائرته‪،‬‬
‫تكاد حتجب الرؤية الواضحة لشدهتا‪ ،‬لكنه مل‬
‫يستطع حتديد مصدرها‪.‬‬
‫وعندما التفت إىل يساره شاهد ع��دداً من‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫األشياء الطائرة الغريبة اليت كانت تطري على‬


‫ارتفاع ثالثة آالف مرت‪ ،‬فتابعها ليكتشف أهنا‬
‫تطري بسرعة فائقة فاعتربها طائرات نفاثة‪،‬‬
‫وبعد بضع ث��وان الح��ظ أهن��ا تتجه حنو أشعة‬
‫الشمس بدقة بالغة يف حركتها‪ ،‬لكنه ولبعدها‬
‫الشديد‪ ،‬مل يستطع حتديد أشكاهلا‪ ،‬كما أكد‬

‫خالل احلرب العاملية‬


‫الثانية‪ ،‬صرّح عدد من‬ ‫عليه‪ ،‬متسلحاً ب��اجل��رأة والتصميم الالزمني‬
‫الطيارين أهنم شاهدوا‬ ‫لتحقيق النجاح‪..‬‬
‫ويبدأ الكاتب حبثه من قضية عامل أمريكي‬
‫أجسام ًا غريبة طائرة‪،‬‬ ‫مرموق وجد ميتاً يف سيارته بسبب اختناقه‬
‫بغاز أول أكسيد الكربون الصادر عن أنبوب‬
‫كانت تطاردهم‪ ،‬كما‬ ‫طرد غازات احملرك‪ ،‬وقد مت توصيل أنبوب آخر‬
‫كانت ترتاقص أمامهم‬ ‫به وإدخاله إىل داخل السيارة‪ ،‬وسجلت احلادثة‬
‫على أهن��ا عملية ان��ت��ح��ار‪ ،‬وال��ع��امل األمريكي‬
‫وحبركـــــــات هبلوانية‬ ‫الضحيّة هو ((موريس جيسوب)) والذي كان‬
‫له باع طويل يف احلديث عن األطباق الطائرة‪،‬‬
‫إذ إنه توصل إىل قناعة مفادها أن نسبة كبرية‬
‫استغرابه لعدم مالحظة مايدل على وجود ذيل‬ ‫من حاالت اكتشاف أشياء طائرة جمهولة اهلوية‬
‫أو أجنحة هلذه األجسام الغريبة فاعتربها نوعاً‬ ‫ال يصح اعتبارها نتيجة اضطراب يف الرؤية أو‬
‫متطوراً من النفاثات احلربية وعند وصوله‬ ‫خطأ أو ختيالت بصرية‪ .‬والظاهرة هذه أخذت‬
‫من رحلته استقبله الصحافيون الذين عرفوا‬ ‫تفرض نفسها على احلياة يف العامل كله‪..‬‬
‫بأمر ماشاهده خ�لال رحلته‪ ،‬فاهنالوا عليه‬ ‫ويف إفادات بعض الطيارين عن مشاهداهتم‬
‫‪211‬‬ ‫بوابل من األسئلة املتنوعة واملربكة أيضاً‪ ،‬واتفق‬ ‫خالل رحالهتم اجلوية يربز اسم « كينيث أرنو لد‬
‫الصحفيون يف كتاباهتم على أن ماشاهده «‬ ‫« وهو رئيس مؤسسة لتصنيع أجهزة مكافحة‬
‫أرنولد « يعترب حدثاً جديداً بغاية األمهية‪ ،‬كما‬ ‫احلرائق وهو طيار جيد‪ .‬أقلع بطائرته اخلاصة‬
‫أن هذا الرجل معروف بأنه رجل أعمال متزن‬ ‫من مطار واشنطن متجهاً حنو منطقة أخرى‪،‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫كرة سلة‪ ،‬كانت تظهر يف أغلب األحيان فوق‬
‫مدينيت ميونيخ وفيينا‪ ،‬وكانت تقرتب من أسراب‬
‫طائراتنا لرتافقنا فرتة من الوقت‪ ،‬ثم تنحرف‬
‫عن مسارها وتغيب عن األنظار‪) .‬‬
‫وبالعودة إىل الدكتور ((جيسوب )) فقد‬
‫كان يتعمق يف أحباثه‪ ،‬ويكتشف أشياء متوقعة‬
‫بالنسبة له‪ ،‬فكان جيمع تلك املالحظات مع ما‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫يتحدث عنه الطيارون حول مشاهداهتم‪ ،‬لكن‬
‫مالحظاته تلك مل تلق اهتماماً يذكر عند الناس‬
‫مبختلف ثقافاهتم واهتماماهتم‪.‬‬
‫إال أن كثرة ظهور تلك األج��س��ام الطائرة‬
‫اجملهولة اهلوية‪ ،‬وكثرة التقارير الواردة إىل قيادة‬
‫القوات اجلوية األمريكية‪ ،‬ذلك كله دفع القيادة‬
‫إىل االقتناع بأن طرق البحث والدراسة اهلادفة‬
‫إىل كشف سر هذه األجسام الطائرة اجملهولة‬
‫اهلوية باتت غري كافية‪ ،‬وأن��ه البد من تطوير‬
‫األحباث وتوسيع الدراسات‪.‬‬
‫وت��ت��واىل ح���وادث ظهور األج��س��ام الطائرة‬
‫اجملهولة اهلوية‪ ،‬خالل احلرب العاملية الثانية‬
‫وبعدها أيضاً‪ .‬ففي الرابع والعشرين من متوز‬
‫عام ‪ 1948‬شاهد قائد طائرة تابعة للخطوط‬
‫اجلوية الشرقية ومساعده ض��وءاً من اللون‬
‫األمحر على بعد مائتني ومخسني مرتاً أمامهما‪،‬‬
‫وبدا هلما أنه شيء طائر يقرتب من طائرهتما‬
‫بسرعة وب��اجت��اه مباشر‪ ،‬ويف حلظة ماقبل‬
‫االصطدام احنرف الطائر اجملهول بسرعة هائلة‬ ‫وحم�ترم وط��ي��ار م��اه��ر‪ ،‬وك��ان يشكل آخرياً‬
‫وحبركة جنونية‪ ،‬وم�رّ على ميينهما وبارتفاع‬ ‫عنصراً مثالياً للصحافة‪.‬‬
‫مساو ومواز الرتفاع ومسار طائرهتما‪.‬‬ ‫وخالل احلرب العاملية الثانية‪ ،‬صرّح عدد‬
‫وقد وصفا ذلك الشيء الطائر بأنه يشبه‬ ‫م��ن الطيارين أهن��م ش��اه��دوا أجساماً غريبة‬
‫السيكار‪ ،‬وهو بال أجنحة وليس له شكل طائرة‪،‬‬ ‫ط��ائ��رة‪ ،‬كانت ت��ط��ارده��م‪ ،‬كما كانت ترتاقص‬
‫وك��ان ي�برز أمامه ش��يء يشبه هوائي الرادار‪.‬‬ ‫أمامهم وحبركات هبلوانية‪ ،‬غري أن العلماء يف‬
‫وكل هذه املالحظات والدراسات تظهر أن هذه‬ ‫تلك الفرتة اع��ت�بروا ه��ذه األش��ك��ال عبارة عن‬
‫األجسام الطائرة هلا شكل القرص يف أغلبها‪،‬‬ ‫حرب نفسية ميارسها األعداء للتشويش على‬
‫تعلوها قبة ‪.‬‬ ‫أعصاب املقاتلني وقياداهتم‪.‬‬ ‫‪212‬‬
‫وتطري هذه األجسام ضمن أسراب‪ ،‬وميكن‬ ‫ويف وصفه اللقاء بتلك األج��س��ام الطائرة‬
‫مشاهدهتا بالعني اجمل����ردة‪ ،‬وع��ل��ى شاشات‬ ‫خالل احلرب العاملية الثانية يقول ‪ ( :‬كانت‬
‫الرادار وسرعتها خيالية‪ ،‬وتغيّر اجتاهها بشكل‬ ‫تلك األجسام تبدو كبالونات زجاجية‪ ،‬وحبجم‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫جمال النشر يف الصحف‪..‬‬ ‫فوري وعلى زاوية مئة ومثانني درجة وبنتيجة‬
‫يف عام ‪ 1947‬مت تأسيس وكالة االستخبارات‬ ‫ذل��ك كله متت صياغة تقرير س��ري دف��ع إىل‬
‫املركزية األمريكية (سي‪،‬آي‪،‬إي) واليت حصلت‬ ‫رئيس أرك��ان القوات األمريكية تضمّن بعض‬
‫على امتيازات إبان احلرب الباردة بعد احلرب‬ ‫اآلراء من بينها ‪:‬‬
‫العاملية الثانية مسحت هل��ا بتويل الوظائف‬ ‫مث��ة احتمال ب��وج��ود ح��ض��ارة خ��ارج نطاق‬
‫والواجبات كلها‪ ،‬ومن ثم أصبحت بذلك أكري‬ ‫األرض تنتج مثل تلك األجسام والبد أن تكون‬
‫املنظمات قوة يف العامل الغربي‪.‬‬ ‫متفوّقة عما لدينا‪ .‬كما أهنا ميكن أن متتلك‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫وخ�لال احل��رب الباردة حدث سباق علمي‬ ‫الكفاءة وال��ق��درة على كشف القنابل الذرية‬
‫واستخباراتي بني األمريكان والسوفييت من‬ ‫املوجودة لدى سكان األرض‪ ،‬ومتتلك املقدرة‬
‫أجل احلصول على معلومات وتكنولوجيا جديدة‬ ‫على معرفة أن سكان األرض مي��رون مبرحلة‬
‫ثورية متقدمة حتقق هلم التفوق‪ ،‬خشية أن‬ ‫تطور سريع يف إنتاج األسلحة‪ ،‬وألن تفجريات‬
‫يتمكن أحد الفريقني املتصارعني من احلصول‬ ‫القنابل الذرية يف هريوشيما وناغازاكي تعترب‬
‫من احل��وادث البشرية اليت ترى بسهولة على‬
‫يف ع��ام ‪ 1953‬اتفق‬ ‫أبعد امل��س��اف��ات م��ن الفضاء اخل��ارج��ي‪ .‬فإن‬
‫علينا أن نربط بني التواريخ اليت حصلت فيها‬
‫ال���روس واألمريكان‪.‬‬ ‫التفجريات النووية والفرتة الزمنية اليت شهدت‬
‫ظهور األجسام الطائرة اجملهولة‪ .‬إ ّال أن مشروع‬
‫وال������ك������ن������دي������ون‬ ‫البحث يف ظاهرة األجسام الطائرة اجملهولة‬
‫اهلوية تعرّض لنكسة إذ أن اإلمهال كان السّمة‬
‫والفرنسيون واالنكليز‬ ‫الغالبة عليه‪ ،‬ويف ذلك يقول أحد رجال اخلدمة‬

‫ع��ل��ى إب��ق��اء موضوع‬ ‫السرية (املخابرات) (ادوارد روبيلت) واملكلف‬


‫باألحباث العائدة للقوات اجلوية‪ ،‬كان يعرب عن‬
‫األط���ب���اق ال��ط��ائ��رة‬ ‫رأيه يف مشروع البحث ذاك واملسمى (كروج) أي‬
‫(شكوى) – قائالً‪ (( :‬إن احلماس لكل حبث‬
‫يف س����ري����ة ت���ام���ة‬ ‫جدّي عن األطباق الطائرة قد أصابته الربودة‪،‬‬
‫وهذا التحول يف املوقف الرمسي كان تفسريه‬
‫صعباً للغاية كما أن عدداً كبرياً من األشخاص مل‬
‫على أحد األطباق الطائرة مما سيشكل ضربة‬ ‫يتمكنوا من معرفة ماذا كان جيري وراء كواليس‬
‫قاصمة للفريق اآلخر‪ .‬واعتمدت الوكالة املركزية‬ ‫مشروع سابق آخر كان يدعى (العالمة) ‪)) .‬‬
‫لالستخبارات أسلوب امل��راوغ��ة والتضليل يف‬ ‫وي��ق��ول ال�بروف��س��ور ((ه��ان��ي��ك)) يف كتابه‬
‫تعاطيها مع ال��رأي العام حول قضية األطباق‬ ‫((جتربة األجسام الطائرة اجملهولة اهلوية))‪:‬‬
‫الطائرة‪.‬‬ ‫‪ -‬إن التحول إىل مشروع ((ك��روج)) كان إشارة‬
‫ويف ع��ام ‪ 1953‬اتفق ال��روس واألمريكان‪.‬‬ ‫صرحية بأن موضوع األجسام الطائرة حكم‬
‫‪213‬‬ ‫والكنديون والفرنسيون واالنكليز على إبقاء‬ ‫عليه ب��اإلمه��ال والنسيان وع��دم االهتمام به‬
‫موضوع األطباق الطائرة يف سرية تامة‪.‬‬ ‫على اإلط�لاق‪ ،‬وعندما كانت تظهر حالة من‬
‫ويروي (( دانيال فراي )) املهندس يف نظام‬ ‫املشاهدات من قبل عناصر حمددة وموثوقة‪،‬‬
‫تطوير التحكم بالصاروخ األمريكي ((أطلس))‬ ‫كانت هذه املشاهدات تستبعد – تلقائياً ‪ -‬من‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫جهودي لتعلم لغتك خ�لال العامني املاضيني‬ ‫وقد شغل سابقاً – قبل عام (‪ )1950‬وظيفة‬
‫كانت مثمرة للغاية‪ ..‬إن غاية ه��ذه الرحلة‬ ‫مستشار يف ((معهد كاليفورنيا التكنولوجي))‬
‫دراس���ة ق��درة اإلن��س��ان على التكيف بالبيئة‪.‬‬ ‫وه��و إن��س��ان واق��ع��ي وليس ح��امل�اً ‪ .‬يقول ‪- :‬‬
‫حنن نرغب بالبحث عن مدى إمكانية اإلنسان‬ ‫((بينما كان يتجول يف حقل جتارب الصواريخ‬
‫يف هتيئة طاقته العقلية لتفهم أف��ك��ار بعيدة‬ ‫رأى – صدفة‪ -‬وهو ينظر إىل السماء جسماً‬
‫عن تفكريه التقليدي كل البعد ‪ »..‬وبعد ذلك‬ ‫اهليلجياً كان يهبط ويرسو ببطء على األرض‬
‫عرض الصوت على (فراي) رحلة إىل نيويورك‬ ‫ب��ص��م��ت ع��ل��ى ب��ع��د ع��ش��ري��ن م��ت�راً م��ن مكان‬
‫ذهاباً وإياباً ملدة نصف ساعة‪ ،‬ثم انزلق من‬ ‫وقوفه))‪.‬‬
‫ذلك اجلسم جزء من سطح املركبة دخل منه‬ ‫قام ((فراي )) بالدوران حول اجلسم‪ .‬فقدّر‬
‫(فراي) إىل حجرة طوهلا مرتان وسبعون سنتمرت‬ ‫أبعاده بأنه يرتفع إىل مثانية أمتار‪ ،‬وأن قطره‬
‫وعرضها مرتان وعشرة سنتمرتات وبعد ثوان‬ ‫تسعة أمتار‪ ،‬ومل ير فتحات أو شقوقاً يف اهليكل‬
‫قليلة كانت األرض تبتعد عنه بسرعة الميكن‬ ‫‪ ،‬فدنا م��ن اجلسم وملسه بيده ف��أح�سّ بـأن‬
‫تصورها‪ .‬واستشعر بوصوله إىل ارتفاع ثالثة‬ ‫حرارته تزيد على حرارة اجلو بقليل‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫آالف وثالمثئة مرت‪.‬‬ ‫ضرب بيده على سطح اجلسم األملس فأصابت‬
‫يف برهة ثانيتني أو ثالث من الوقت‪ ،‬وكان‬ ‫أصابعه رعشة ومسع صوتاً كأنه آت من العدم‬
‫االستقرار ف��وق مدينة نيويورك قليالً وعاد‬ ‫يفضل أن التلمس الغالف‪ ..‬مازال‬ ‫ّ‬ ‫يقول‪« - :‬‬
‫(ف��راي) إىل مدينته بسرعة أكرب من السرعة‬ ‫ساخناً ‪« .‬‬
‫اليت غادر هبا‪ .‬وبعد هبوط املركبة خرج منها‬ ‫ف��ده��ش ل��س��م��اع��ه ص���وت ش��خ��ص يتكلم‬
‫(ف��راي)‪ ،‬وكانت قدماه مثقلتني‪ ،‬فمشى بضع‬ ‫االنكليزية ب��ط�لاق��ة‪ ..‬وأض���اف ذل��ك الصوت‬
‫خطوات‪ ،‬وفجأة ارتفعت املركبة كمقذوف يف‬ ‫قائالً‪ - :‬لست أمريكياً مثلك‪ ،‬ولكن املهمة‬ ‫‪214‬‬
‫خط شاقويل إىل الفضاء ‪.‬‬ ‫اليت طلب مين إجنازها جتربني على إبداء هذا‬
‫ويستمر املؤلف يف سرد عديد من القصص‬ ‫التصرف‪ ،‬وظنك أنين أمريكي مثلك بعد مساع‬
‫اليت تروي حكاية هبوط أطباق طائرة يف مناطق‬ ‫دل على شيء فإمنا ي� ّ‬
‫�دل على أن‬ ‫صوتي‪ .‬إن ّ‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫لثالثة هوائيات‪ ،‬وكان فوق ذلك اجلسم جهاز‬ ‫خمتلفة من أمريكا وأوروبا‪ ،‬ومع تزايد مثل هذه‬
‫ي��دور بسرعة ويبث ض���وءاً ع��ك��راً مييل لونه‬ ‫احلكايات يزداد التساؤل حول حقيقتها‪.‬‬
‫إىل اإلمحرار‪ .‬ويبدو شكله كالطبق‪ ،‬وهو دائم‬ ‫هل هي حقيقية؟ وملاذا مل يتم التعاطي معها‬
‫ال��دوران‪ ،‬وعندما بدا أن هذا اجلسم آخذ يف‬ ‫بشكل جدي؟ وملاذا مل تستخدم األدوات املناسبة‬
‫اهلبوط على األرض ‪ ،‬قرر الفرار جبراره‪ ،‬ولكن‬ ‫من كامريات وآالت تسجيل صوتية وغريها‪.‬‬
‫بعد دقيقتني توقف احملرك عن العمل وانطفأت‬ ‫فما يدعم صحّة تلك الروايات ؟ وملاذا مل‬
‫أن���وار اجل���رار رغ��م أن املفاتيح اخل��اص��ة هبا‬ ‫نسمع عن مثل تلك احلكايات أو القصص أو‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫مفتوحة‪ ،‬ورغم حماولته إعادة تشغيل اجلرار‬ ‫األخبار منذ مدة طويلة؟ أليس يف األمر شيء‬
‫إال أن��ه مل يفلح يف ذل��ك‪ ،‬ما دفعه إىل الفرار‬ ‫يدعو إىل الرتبية أو الشك‪.‬؟‬
‫وهاهو أحد الذين مروا بتجربة أخرى‪ ،‬يروي‬
‫هل هي حقيقية؟ وملاذا‬ ‫تفاصيلها اليت ميكن تلخيصها كاآلتي ‪:‬‬
‫أنطونيو فيالس ب���واس‪ .‬م���زارع ‪ ،‬صحته‬
‫مل يتم التعاطي معها‬ ‫جيدة‪ ،‬أع��زب‪ ،‬يتابع دورات تعليمية عن بعد‪،‬‬
‫بدأت األحداث معه يف ليلة اخلامس من تشرين‬
‫بشكل ج��دي؟ ومل��اذا‬ ‫األول عام ‪ 1957‬حيث رحل الضيوف يف وقت‬
‫متأخر‪ ،‬ويف الغرفة كان مع أخيه فقط‪ ،‬وكان‬
‫مل تستخدم األدوات‬ ‫اجلو حاراً‪ ،‬ما دفعه إىل فتح النافذة‪ ،‬فشاهد‬
‫ذلك النور القوي اآلتي من األعلى‪ .‬وتابع سري‬
‫املناسبة من كامريات‬ ‫الضوء وفجأة اختفى الضوء‪ .‬وبعد عشرة ايام‬
‫وآالت تسجيــــــــــــــل‬ ‫ويف العاشرة ليالً‪ ،‬حيث كان يعمل يف احلقل‬
‫كما يقول مع أخيه‪ .،‬فجأة شاهد نوراً شديداً‬
‫ص���وت���ي���ة وغ�ي�ره���ا‬ ‫يبهر العيون‪ ..‬وكان النور مستدير الشكل حبجم‬
‫دوالب سيارة‪ ،‬وداخ��ل الضوء كان يبدو جسم‬
‫ما‪ ،‬ولكن مل يستطع حتديده ووصفه‪ ،‬فطلب‬
‫جرياً‪ ،‬إال أن ذلك مل يتم إال للحظات حيث أقدم‬ ‫من أخيه أن يرافقه لالستطالع لكنه رفض‪،‬‬
‫شخص صغري احلجم يرتدي زياً غريباً‪ ،‬وأمسكه‬ ‫فذهب وح��ده‪ ،‬وعند اقرتابه من اجلسم إياه‪.‬‬
‫من ذراعه‪ ،‬ولكنه دفعه فأسقطه أرضاً‪ ،‬وحاول‬ ‫حت��رك اجلسم الغريب بسرعة كبرية واجته‬
‫الفرار لكن ثالثة آخرين أمسكوا به بإحكام دون‬ ‫إىل منطقة أخ���رى‪ ،‬وكلما اق�ترب م��ن اجلسم‬
‫أن يستطيع شيئاً رغم صغر أحجامهم‪ .‬فحملوه‬ ‫كان يبتعد باحلركة ذاهتا إىل أن تعب وعاد إىل‬
‫إىل داخل جسم املركبة رغم مقاومته الشديدة‪،‬‬ ‫مكان أخيه‪ ،‬ثم مالبث اجلسم الغريب أن اختفى‬
‫حيث وضعوه يف وسط غرفة مقيّداً ثم أخذوا‬ ‫بسرعة كبرية‪.‬‬
‫بتجريده من مالبسه دون أن يلحقوا به أي‬ ‫ويف حادثة أخرى يقرتب منه اجلسم الغريب‬
‫أذى‪ ،‬كما أهنم أبقوا على مالبسه‪ .‬وقام أحدهم‬ ‫وهو يقود جرّاره الزراعي وحيلّق فوق رأسه على‬
‫‪215‬‬ ‫مبسح جسمه بقطعة شبيهة باإلسفنج مبللة‬ ‫ارتفاع مخسني مرتاً تقريباً‪ .‬فتسمّر يف مكانه‬
‫بسائل غري معروف بالنسبة له‪.‬ومل يرتك أي أثر‬ ‫فوق اجلرار‪ ،‬ثم مالبث اجلسم الغريب أن استقر‬
‫على جسمه‪ ،‬وكان حيس بربد شديد‪ .‬وبعد ذلك‬ ‫على بعد مخسة عشر مرتا ُ منه حبيث استطاع‬
‫أدخلوه إىل غرفة مربعة صغرية‪ ،‬مضاءة‪،‬‬ ‫متييز شكله البيضاوي امل��ت��ط��اول‪ ،‬واحلامل‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫وبعد قليل يفتح باب لتدخل منه امرأة شابة‬ ‫مع شخصني آخرين كانا حيمالن أنبوبني‬
‫شقراء رائعة اجلمال‪ ،‬عارية متاماً مثله وبعد‬ ‫من الكاوتشوك غليظني‪ ،‬طول الواحد منهما‬
‫دخ��وهل��ا ارمت��ت عليه مداعبة ل��ه‪ ،‬وي��ب��دو أنه‬ ‫م�تراً‪ ،‬وك��ان أحدمها متصالً بوعاء زجاجي‪،‬‬
‫فهم ماتريد منه‪ ،‬فكان أن استجاب لرغباهتا‪،‬‬ ‫وينتهي األنبوب بقطعة شبيهة ((بفم السيكار‬
‫ومت األم��ر بسالم‪ ،‬وبعد ذلك هنضت واجتهت‬ ‫)) ويف مقدمتها كأس للحجامة‪ ،‬وضعوه على‬
‫إىل الباب الذي كان قد فتحه أحد األشخاص‬ ‫خده األيسر‪ ،‬وضغط أحدهم على األنبوب‪ ،‬فلم‬
‫فخرجت منه‪ .‬وتقدم منه شخص آخ��ر قدم‬ ‫يشعر بأي أمل‪ ،‬بل شعر بانقباض جلدي‪ ،‬ثم‬
‫له ثيابه ال�تي لبسها‪ ،‬وبعد ذل��ك اق��ت��اده ذلك‬ ‫حبرقة بسيطة‪ ،‬أدرك عندها أن هنالك جرحاً‪،‬‬
‫الشخص يف جولة استطالعية داخل املركبة إىل‬ ‫ورأى أن نصف الكأس قد امتأل بالدماء‪ .‬وهكذا‬
‫أن وصل إىل مكان املخرج الذي يتد ّلى منه سلّم‬ ‫فعلوا على اخلدّ األمي��ن‪ ،‬إىل أن امتأل الكأس‬
‫من احلبال‪ ،‬فنزل عليه إىل األرض‪ ،‬وبعد ذلك‬ ‫متاماً ‪ ..‬ويقوم بوصف األشخاص الذين كانوا‬
‫أغلق الباب وبدأت املركبة بالتحليق بعيداً حيث‬
‫اختفت خالل ثوان معدودة‪.‬‬
‫حوله مبالبسهم وأشكاهلم املشاهبة للبشر حتى‬
‫يف أصابع الكف اخلمسة والعيون املائلة إىل‬
‫‪216‬‬
‫وللعلم ف��إن ه��ذه ال��رواي��ة قد أف��اد هبا أمام‬ ‫الزرقة‪ ،‬وقد رآها رغم النظارات السميكة اليت‬
‫طبيب يف عيادته وحبضور أحد الصحفيني‪،‬‬ ‫كانوا يضعوهنا فوق عيوهنم‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫الكائنات تأتي من كواكب أخرى لزيارة األرض‬ ‫ك��م��ا أج���ري���ت دراس�����ة ع���ن م��اض��ي��ه الصحي‬
‫وإجراء اتصال من أي نوع‪ ،‬ويبدو أن درجة تطورنا‬ ‫متت‬‫السريري‪ ،‬وعن أي��ام طفولته‪ .‬وبعد ذلك ّ‬
‫أدنى بكثري من درجة تطورهم‪.‬‬ ‫معاينته بصورة عامة طبياً ونفسياً‪ .‬وقد جاءت‬
‫وإذاً ‪ .‬فإن ظاهرة األجسام الطائرة اجملهولة‬ ‫نتائج الفحوصات سليمة‪ .‬ولكن أال ميكن أن‬
‫أخذت بعداً عاملياً ومن ثم جيب أن يكون االهتمام‬ ‫يكون قد تأ ّثر بكثرة الروايات اليت حتدثت عن‬
‫هبا ذا بعد عاملي كذلك‪..‬‬ ‫األجسام الطائرة اجملهولة اهلوية‪ .‬حبيث أراد أن‬
‫وسواء أوجد ذلك االهتمام بتلك الظاهرة أم‬ ‫يديل بدلوه هو اآلخ��ر؟ أو أن م��ارآه كان حلماً‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫ال‪ ،‬فإهنا ستبقى موجودة مادامت تسبح وتطري‬ ‫مجيالً‪.‬؟‬


‫يف األجواء املرتامية بني النجوم‪.‬‬ ‫وهكذا تتواىل احل��وادث اليت تعرض لظهور‬
‫هو كتاب شيّق دون شك‪ ،‬رغم كثرة املالحظات‬ ‫األج��س��ام ال��ط��ائ��رة اجملهولة اهل��وي��ة يف أماكن‬
‫اليت ميكن أن توجّه إىل أولئك القيّمني على البحوث‬ ‫خمتلفة م��ن ال��ع��امل‪ ،‬وي��ت��ع��رض أول��ئ��ك الذين‬
‫واالستكشافات‪ ،‬وإىل أولئك العاملني يف الشؤون‬ ‫تعرضوا لتجربة لقاء مع طياري تلك األجسام‬
‫العسكرية واالستخباراتية‪ ،‬والذين مل يستطيعوا‬ ‫لعمليات استجواب وفحوصات طبية متعددة‬
‫اصطياد واحد من تلك األجسام الطائرة اجملهولة‬ ‫ومتنوعة‪ ،‬سعياً للتحقق من مدى مصداقيتهم‬
‫اهلوية‪ ،‬نظراً لعجزهم عن مواجهتها أو اللحاق‬ ‫‪.‬وإلثبات شيء مايتعلق هبذه الظاهرة‪.‬‬
‫هبا‪ .‬وهذا ماصبغ تلك األجسام بصبغة الغموض‪،‬‬ ‫وقبل أن خيتم املؤلف كتابه يعرض لنا مجلة‬
‫ودف��ع املسؤولني إىل التكتّم عليها‪ ،‬أو إعطاء‬ ‫من اآلراء اليت أدىل هبا عدد من الساسة والعلماء‬
‫تسويغات غري مقنعة هلذه الظاهرة‪ .‬مما نشر‬ ‫يف العامل حول هذه الظاهرة‪ .‬من ذلك أن نصف‬
‫اخل��وف والقلق بني الناس بصورة عامة‪ .‬ومما‬ ‫سكان الواليات املتحدة األمريكية يؤمنون بوجود‬
‫يلفت النظر يف األشخاص الفضائيني الذين مت‬ ‫األجسام الطائرة اجملهولة اهلوية ‪ .‬أما األملان‬
‫وصفهم من قبل من التقوا هبم‪ ،‬أهنم ميتلكون‬ ‫فريون أهنا خرافة أو ثرثرة محقاء‪ .‬يف حني أن‬
‫أجساماً بشرية مطابقة ألجسامنا ماعدا الرأس‬ ‫وزارة الدفاع األملانية يف ذلك الوقت أبدت مرونة‬
‫الذي يبدو شكله غريباً‪..‬‬ ‫وانفتاحاً جتاه تلك الظاهرة‪.‬‬
‫وال��ك��ت��اب م��ع ذل��ك رغ��م غ��راب��ة موضوعه‪،‬‬ ‫غري أن الرئيس األمريكي األسبق ((جيمي‬
‫وطرافة أحداثه‪ ،‬وتناقضها‪ ،‬إال أن ذلك اليقلل‬ ‫كارتر)) كان مقتنعاً بوجود أجسام طائرة آتية‬
‫من امتالكه عنصر التشويق واملتعة النامجة عن‬ ‫من خارج األرض‪ ،‬إذ أنه كان قد عاش مثل تلك‬
‫مجلة املشاهد املتعددة اليت صورت قدوم تلك‬ ‫األحداث قبل ثالث سنوات من انتخابه رئيساً‬
‫األج��س��ام‪ ،‬ون���زول أش��خ��اص منها‪ .‬إض��اف��ة إىل‬ ‫للواليات املتحدة‪ .‬كما أ ّك��د هذه احلادثة ابنه‬
‫سرعتها وقدرهتا على املناورة‪ ،‬وامتالكها عناصر‬ ‫وزوج��ه وأص��دق��اؤه‪ ،‬ووال��دت��ه‪ ،‬فهو – كارتر –‬
‫الدفاع الذاتية اليت مت ّكنها من اإلفالت من أيّة‬ ‫اختصاصي يف التقنية النووية‪ ،‬وميتلك املقدرة‬
‫حماولة ألسرها أو اصطيادها أو تدمريها‪ ،‬وإذا‬ ‫على متييز األش��ي��اء‪ ..‬وك��ان ق��د ذك��ر بأنه إذا‬
‫ما حدث أن أصيب أحدها فإنه يتحطم دون أن‬ ‫ماانتخب رئيساً فإنه سيقوم مبا يلزم لنشر كل‬
‫يرتك أي أثر له ‪..‬‬ ‫املعلومات عن األجسام الطائرة اجملهولة اهلوية‬
‫‪217‬‬ ‫إنه يستحق القراءة واالهتمام مبا جاء فيه‬ ‫وانتظر الناس عامني‪ ،‬دون أن حيدث شيء مما‬
‫من أحداث‪ .‬فمن يدري؟ رمبا جييء يوم خنوض‬ ‫وعد به‪..‬‬
‫فيه جتريه مماثلة لتلك التجارب اليت عرضها‬ ‫وعلى أية حال فإن هناك اتفاقاً بني الدول‬
‫الكتاب‪ ،‬من يدري‪..‬؟‬ ‫مجيعها على أن هذه الظاهرة موجودة وأن هذه‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫يف منتصف ال��ق��رن العشرين ب��دأ العلماء‬


‫يدرسون ما يسمونه دورة الطقس أو دورة املناخ‪،‬‬
‫ووجدوا أن هنالك دورة للكرة األرضية ليس حول‬ ‫‪218‬‬
‫نفسها أو حول الشمس‪ ،‬بل هناك أيضاً حمور‬
‫األرض ي��دور ح��ول نفسه‪ ،‬ف��اآلن األرض متيل‬
‫يف أثناء دوراهنا على حمورها حبدود ‪ 23‬درجة‬ ‫طارق حامد‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫ألف سنة‪.‬‬
‫بدأ علماء وكالة ناسا يف رحلتهم حول كوكب‬
‫األرض باستكشاف املناطق األثرية‪ ،‬واملناطق‬
‫اليت حتوي الثروات الطبيعية مثل الغاز والبرتول‬
‫وغري ذلك‪،‬ويبحثون عن املعادن‪ ،‬وحبثوا يف كل‬
‫مكان‪ .‬وأخ�يراً قالوا‪ :‬ملاذا ال نبحث يف صحراء‬
‫الربع اخل��ايل‪ ،‬وهي صحراء متتد آالف الكيلو‬
‫م�ترات وه��ي خالية مت��ام�اً‪ ،‬ال تكاد جتد فيها‬
‫إنساناً‪ ،‬ويستحيل على عقل إنسان أن يصدق‬
‫أن هذه املنطقة كانت ذات يوم مغطاة باألهنار‬ ‫ونصف عن هذا احملور‪ ،‬وبسبب هذا امليالن ينشأ‬
‫واملروج‪.‬‬ ‫كما نعلم الصيف والشتاء والربيع واخلريف‪.‬‬
‫بعد استخدام تقنيات املسح عن بعد‪ ،‬وجد‬ ‫ولكن هذا احملور مثالً قبل آالف السنني كانت‬
‫العلماء آث��اراً لغابات كثيفة وم��روج متتد آلالف‬ ‫درجة ميالنه أكرب مما هي عليه اليوم‪ ،‬وقبل ذلك‬
‫األم��ت��ار‪ .‬ويقول العامل ال��ذي أش��رف على هذا‬ ‫كانت أكرب‪ ،‬ولذلك فإن األرض كانت متر بعصور‬
‫االكتشاف ‪« :‬إن ه��ذه املنطقة كانت ذات يوم‬ ‫يسموهنا ال��ع��ص��ور اجل��ل��ي��دي��ة‪ ،‬وم��ن��ذ أك��ث��ر من‬
‫‪219‬‬ ‫مغطاة ب��األهن��ار وال��ب��ح�يرات العذبة والنباتات‬ ‫عشرين ألف سنة كانت (قارة أوربا) مغطاة متاماً‬
‫وامل��روج‪ ،‬وكانت أشبه بأوروبا اليوم» يف أهنارها‬ ‫بطبقات من اجلليد يبلغ مسكها مئات األمتار‪،‬‬
‫ومروجها وأشجارها‪.‬‬ ‫ه��ذه الطبقات ال�تي غطت ق��ارة أورب��ا بالكامل‬
‫يقول الدكتور ‪ McClure‬يف أطروحته‬ ‫حدثت يف العصر اجلليدي منذ أكثر من عشرين‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫لقد ق��ام الدكتور بلوم ‪ Ron Bloom‬من‬ ‫للدكتوراه عام ‪ 1984‬يف لندن‪ :‬إن منطقة الربع‬
‫وك��ال��ة ناسا ببحث على ال��ص��ح��راء يف جزيرة‬ ‫اخلايل تشكلت قبل حوايل مليوني سنة‪ ،‬ولكن‬
‫العرب ووجد أن هذه الصحراء كانت ذات يوم‬ ‫هذه الصحراء ال تبقى على حاهلا بل تتبع نظاماً‬
‫مليئة باألهنار واملروج واحليوانات املختلفة اليت‬ ‫جيولوجياً مدهشاً‪ .‬حيث نالحظ أن األهنار‬
‫كانت ترعى فيها‪ ،‬وهي أشبه بأوربا اليوم! ووجد‬ ‫والغابات تغطي هذه املنطقة كل فرتة من الزمن‪.‬‬
‫أن احلقيقة ذاهتا تنطبق على الصحراء العربية‬ ‫يتابع ال��دك��ت��ور ‪ :McClure‬قبل ‪37000‬‬
‫جنوب ليبيا‪.‬‬ ‫وحتى ‪ 17000‬سنة كانت مغطاة باملروج واألهنار‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫ويقول الدكتور بلوم‪ :‬إن أول مرة يف التاريخ‬ ‫العذبة‪ ،‬ثم بعد ذلك حدث تغري يف املناخ‪ ،‬وتشكلت‬
‫يعلم فيها الناس أن اجلزيرة العربية كانت ذات‬ ‫الصحراء من جديد‪ ،‬وبعد ذلك أي قبل حوايل‬
‫يوم مغطاة باألهنار كانت يف عام ‪ 1972‬من خالل‬ ‫وغطيت باملروج والغابات‬ ‫‪ 10000‬سنة ع��ادت ُ‬
‫الصور امللتقطة باألشعة الكهرطيسية بواسطة‬ ‫والبحريات واألهن��ار‪ .‬وهكذا وفق دورة عجيبة!‬
‫القمر الصناعي ‪ 1-Landsat‬حيث مكنتنا‬ ‫وقد عثرنا يف منطقة الربع اخلايل على أسنان‬
‫هذه التقنية من رؤية ما مل يره أحد من قبل! ثم‬ ‫لفرس النهر‪ ،‬وكانت حبالة جيدة‪ ،‬وعثرنا على‬
‫يف عام ‪ 1981‬التقطت بعض الصور اليت أكدت‬ ‫آثار ملخلوقات هنرية عديدة وحيوانات مثل اجلمال‬
‫وجود آثار جملاري أهنار يف الصحراء‪ ،‬ويف عام‬ ‫واخلراف والغزالن كانت ترعى ذات يوم!‬
‫‪ 1994‬تأكدت هذه احلقيقة أكثر‪.‬‬ ‫وي��ت��س��اءل ال��دك��ت��ور ‪ McClure‬ه��ل ميكن‬
‫بالنهاية ال يسعين إال التعريج على حديث‬ ‫لألمطار املومسية أن تعود بغزارة إىل منطقة‬
‫صحيح للرسول الكريم يقول فيه ‪:‬‬ ‫الربع اخلايل فتعود البحريات واملروج واألهنار من‬
‫‪( ‬ال تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب‬ ‫جديد؟ هناك بعض املؤشرات لذلك‪ ،‬ففي صيف‬
‫مروجاً وأهناراً) [حديث صحيح]‪.‬‬ ‫‪ 1977‬جاءت أمطار مومسية ونزلت يف الشمال‬
‫طبعاً هذا احلديث ال ميكن أن يتصوره إنسان‬ ‫الشرقي للربع اخل��ايل ولكن بنسبة حمدودة‪،‬‬
‫يعيش يف القرن السابع امليالدي‪ ،‬أي يف العصر‬ ‫ويرجح الدكتور ‪ McClure‬أن تعود األمطار‬
‫الذي قيل فيه هذا احلديث‪ ،‬ألنه ال أحد يتخيل‬ ‫وتعود البحريات واملروج إىل هذه املنطقة يف وقت‬
‫أن الصحراء ستنقلب إىل مروج وأهنار‪ ،‬ولو ختيل‬ ‫ما يف املستقبل ‪.‬‬
‫ذلك ال يستطيع أن يتخيل أن هذه الصحراء كانت‬ ‫ولقد وجد الدكتور ف��اروق الباز مدير مركز‬
‫فيما قبل مغطاة باألهنار والبحريات والنباتات‬ ‫االستشعار عن بعد يف جامعة بوسطن األمريكية‪،‬‬
‫واملروج‪.‬‬ ‫أن هنراً ميتد ملسافة طويلة دفنته رمال الصحراء‬
‫وكما أثبت العلم فيما بعد التغريات الكبرية‬ ‫يف الربع اخل��ايل‪ ،‬وهذا النهر كان موجوداً قبل‬
‫واجلذرية اليت حدثت يف املنطقة عندما كان‬ ‫ستة آالف سنة ويبلغ عرضه ‪ 8‬كيلو مرت وطوله‬
‫حب��ر ال��ع��رب يتصل م��ع البحر املتوسط حيث‬ ‫‪ 800‬كيلو مرت‪ ،‬وكان يعرب قلب اجلزيرة العربية‪.‬‬
‫ب��دأت عرب هضبة حلب بالنهوض والتوسع يف‬ ‫لقد الحظ الباحثون أن الغيوم متيل للتشكل‬
‫عملية استمرت آالف السنوات حتى فصلت‬ ‫فوق األراضي املزروعة بنسبة أكرب من األراضي‬
‫ما بني البحرين وتشكلت اليابسة ال�تي تعرف‬ ‫القاحلة‪ ،‬ولذلك يقرتحون (يف دراس��ة جديدة‬
‫اليوم بالعراق وسوريا‪ .‬والرتسبات البحرية عرب‬ ‫‪ )Craig Dremann‬أن يتم تشجري منطقة‬ ‫‪220‬‬
‫الطبقات األرضية تؤكد ذلك من خالل طوفانات‬ ‫الربع اخلايل وهذا سيساهم جبذب الغيوم إىل‬
‫حدثت للمياه ف��وق ه��ذه املنطقة واحنسارات‬ ‫هذه املنطقة ون��زول كميات كبرية من األمطار‪،‬‬
‫عديدة عرب القرون ‪.‬هذا هو حال كوكبنا األرضي‬ ‫وقد تعود كما كانت مروجاً وأهناراً!‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫الذي ال يستقر على حال أو شكل ثابت بل يتغري ال يتوقف على الربع اخل��ايل فقط بل هو جزء‬
‫ويتجدد باستمرار ومثة أيضاً بعض اإليقاعات من التغريات األرضية العديدة اليت حتدث يف كل‬
.‫فاألمر بقعة من هذا الكوكب‬. ‫الدورية اليت حتدث بني حقبة وأخ��رى‬
Science Fiction

‫املراجع‬
1 - Arthur Clark, Lakes of the Rub> al-Khali, www.saudiaramcoworld.
com, June 1989.
2 - Combined climate and carbon-cycle effects of large-scale
deforestation, Department of Global Ecology, Carnegie Institution,
Stanford, February 24, 2007.
3 - Craig Dremann, Reducing Global Warming with Revegetation,
Craig>s Native Grass Juicy Gossip & Research, No. 14- September
2003, with the latest update October 2007.
4 - Iram of the Pillars, www.nationmaster.com
5 - A river in the desert - remote-sensing photos locate ancient river in
Arabian Peninsula, FindArticles.com, July 1993.
221 6 - Philby, H. St. John B. «The Empty Quarter: Being a description of
the Great South Desert of Arabia known as Rub> al Khali»1933 book.
7 - A NASA Landsat composite of Saudi Arabia, www.geology.com.
8 - Climate change

2009 - 2008/ 2 ‫ كانون‬-1 ‫ كانون‬/ ‫ العددان اخلامس والسادس‬/ ‫اخليال العلمي‬


‫‪Science Fiction‬‬
‫عندما قرر اإلنسان أن يتميز عن أقرانه من‬
‫الكائنات احلية‪ ،‬كان يدرك أن هذه الكائنات‬
‫لن تفارقه خالل مسريته الطويلة عرب العصور‪،‬‬
‫فجسد ه��ذه العالقة األصيلة إب��داع��ات فنية‬
‫خمتلفة ب��دءاً من الرسوم اجلدارية اليت زينت‬
‫معابده ومساكنه م��روراً بالتماثيل واملنحوتات‬
‫اليت كانت متثل رموز احلياة املختلفة من القوة‬
‫واحلكمة وغريها من الرموز اليت كان احليوان‬
‫والطري حمورها‪.‬‬
‫وع��ل��ى ال��رغ��م م��ن ه���ذه ال��ع�لاق��ة الرمزية‬
‫الشاعرية بقي احل��ي��وان م�لازم�اً لبين البشر‬
‫يف تطورهم السريع من جمموعات تعيش يف‬
‫الكهوف ممتهنة الصيد مبعونة هذه احليوانات‬
‫إىل فرسان شكلوا امرباطوريات ضخمة غريت‬
‫وجه األرض وكانت تعتمد يف غزوها وترحاهلا‬ ‫‪222‬‬
‫على أصدقائها احليوانات‪.‬‬
‫ولعل ما بقي من تراث إنساني شاهد على‬ ‫د‪ .‬دارم طباع‬
‫عظمة هذه الروابط العميقة بني بين البشر‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫استعملها اإلنسان القديم يف بناء حضارته‪.‬‬ ‫واجملتمع احليواني برمته‪.‬‬


‫فاحلصان الذي خلده التاريخ كأعظم صديق‬ ‫يف بقعة من مشال سورية حيث شهد التاريخ‬
‫لإلنسان يف نشوء حضاراته الالحقة يف العصور‬ ‫بزوغ حضارات قدمية نقب الباحثون عن آثار‬
‫العربية واإلسالمية واألوروبية فيما بعد مل يكن‬ ‫هذه احلضارات اليت انطلقت منها بدايات تكون‬
‫مستأنساً يف زمن احلضارات القدمية‪ ،‬فكيف‬ ‫األمم والشعوب يف أحناء األرض قاطبة‪ ،‬واقرتنت‬
‫استطاع اإلنسان السوري القديم أن ينشىء‬ ‫عظمة اكتشافاهتم بالتصاميم الرائعة للقصور‬
‫حضارته بعيداً عن هذا احليوان اهل��ام الذي‬ ‫واألس��وار املنيعة اليت تعود توارخيها آالف ً��ا من‬
‫اليزال حتى اليوم رمزاً ملعظم شعوب العامل‪.‬‬ ‫األعوام وبدؤوا يبحثون يف تاريخ هذه املمالك‬
‫تعود القصة إىل رقم طينية كانت يف مكتبة‬ ‫القدمية وس��ر نشوئها فتكشفت هلم مكتبات‬
‫إيبال سجل فيها وج��ود ح��ي��وان قديم يدعى‬ ‫ضخمة زاخ��رة باملعلومات عن أمن��اط احلياة‬
‫باللغة السومرية الكونغا استخدم يف احلروب‬ ‫ال�تي عاشتها شعوب ه��ذه األرض يف احلقب‬
‫كوسيلة للقتال واهلجوم والنقل وغريها‪ ،‬وكان‬ ‫التارخيية األوىل‪ ،‬وتتالت االكتشافات وعرف‬
‫املوطن األهم هلذه احليوانات يوجد يف منطقة‬ ‫ال��ع��امل مم��ال��ك م��ت��ع��ددة يف مهد احلضارات‬
‫ما يف مشال سورية‪ ،‬وبدأ البحث والتنقيب إىل‬ ‫كمملكة م��اري على ضفاف ال��ف��رات ومملكة‬
‫‪223‬‬ ‫أن متكنت بعثات أثرية أمريكية هولندية سورية‬ ‫ميحاض ومملكة إيبال مشال سورية ومملكة‬
‫بقيادة الربفسور شوارتز من اكتشاف مقربة‬ ‫قطنة يف الوسط‪ ،‬إال أن عقد التاريخ مل جيتمع‬
‫ملكية ضخمة يف موقع تل أم مرا قرب سبخة‬ ‫إال عند اكتشاف أهم أسرار قيام هذه املمالك‬
‫اجلبول إىل اجلنوب الشرقي من مدينة حلب‬ ‫القدمية عندما وجد الباحثون الوسيلة اليت‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫يف ‪ )2008/6/13‬ففي ه��ذا امل��ؤمت��ر شكلت‬ ‫ح��ي��ث وج���د يف ت��ل��ك امل��ق�برة ه��ي��اك��ل هذه‬
‫أحباث العامل شوارتز حول حيوان الكونغا وسر‬ ‫احل��ي��وان��ات اهل��ام��ة مسجاة إىل جانب امللوك‬
‫اكتشافه حم��ور سلسلة من احمل��اض��رات اليت‬ ‫واألمراء كداللة على قيمتها امللكية ليعلن هذا‬
‫بني فيها الباحث موقع املقربة امللكية وأقسامها‬ ‫االكتشاف بوصفه واح��داً من أهم اكتشافات‬
‫وطريقة الدفن امللكية املتبعة فيها ثم دراسات‬ ‫العام ‪ 2007‬وليكون حيوان الكونغا من احليوانات‬
‫الباحثة جيل ويرب من جامعة بنسلفانيا اليت‬ ‫اخليلية امللكية السورية اليت سامهت يف بناء‬
‫حللت نتائج هذه املكتشفات واستطاعت من‬ ‫احلضارات القدمية‪.‬‬
‫خالل استخدام تقانات الليزر إع��ادة تشكيل‬ ‫ه��ذا االك��ت��ش��اف اهل��ام ك��ان ح��اف��زاً ملشروع‬
‫هذا احليوان على الصورة اليت كان عليها وعزز‬ ‫مح��اي��ة احل���ي���وان ( س��ب��ان��ا) يف ك��ل��ي��ة الطب‬ ‫‪224‬‬
‫هذه الدراسات ترمجات الباحثة ماريا جيوفانا‬ ‫البيطري جبامعة البعث واملديرية العامة لآلثار‬
‫بيغا أستاذة تاريخ الشرق األدنى يف جامعة روما‬ ‫واملتاحف إلقامة مؤمتر علمي حول احليوان يف‬
‫بإيطاليا اليت ترمجت النصوص القدمية اليبال‬ ‫احلضارات السورية القدمية‪ (،‬عقد هذا املؤمتر‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫مشاهبة للدور ال��ذي سيلعبه احلصان الحقاً‪،‬‬ ‫موضحة أمهية الكونغا وغريها من احليوانات‬
‫إضاف ًة إىل أن هذه احليوانات كانت غالية جداً‬ ‫يف تلك اململكة واملمالك اجملاورة‪ ،‬تقول الباحثة‬
‫وتبيّن النصوص وخاصة اإلحصاءات السنوية‬ ‫بيغا» لقد مكننا اكتشاف القصر امللكي الضخم‬
‫الستالم املعادن الثمينة أن مثة كميات كبرية‬ ‫مع أرشيفه‪ ،‬والذي يعود ملنتصف األلفية الثالثة‬
‫من الفضة دفعت وكانت تستخدم كنقود من‬ ‫قبل امليالد يف تل مرديخ من إثبات أن هذه‬
‫قصر إيبال لشراء بعض هذه احليوانات ‪ ،‬ويف‬ ‫املنطقة قد متدنت يف األلفية الثالثة ولعبت‬
‫املقربة امللكية اليت اكتشفت كان هناك ميزة غري‬ ‫دوراً هاماً بني قطيب احلضارة العظيمني مصر‬
‫اعتيادية وهي وجود غرف مستقلة فيها حتتوي‬ ‫وبالد الرافدين‪،‬فسورية مبمالكها ومدهنا اهلامة‬
‫على هياكل كاملة حليوان الكونغا أظهرت عناية‬ ‫استمتعت بعالقات جيدة مع كل قطب من هذه‬
‫فائقة يف طريقة دفنها وترتيب قبورها فكانت‬ ‫األقطاب وخاصة فيما يتعلق مبجال التجارة‪،‬‬
‫هذه احليوانات مدفونة ووجوهها متجهة للغرب‬ ‫وخت�برن��ا األرش��ف��ات امللكية اليبال الكثري عن‬
‫وقد دُفن العديد منها بوضعية الوقوف‪ ،‬ومت‬ ‫السيناريو الزراعي السائد يف األلفية الثالثة‬
‫مجع هياكل العديد منها بعناية وأُعيد دفنهم‬ ‫قبل امل��ي�لاد يف س��وري��ا‪ ،‬وع��ن وج���ود فصائل‬
‫عندما ختربت قبورهم ‪ ،‬وهذا يؤكد بأن هذه‬ ‫عديدة من احليوانات يف هذه املنطقة‪ ،‬وكان‬
‫احليوانات ظلت هامة حتى بعد موهتا ودفنها‬ ‫الكونغا يستخدم جلر عربات األشخاص املهمني‬
‫‪225‬‬ ‫ملدة طويلة‪.‬‬ ‫يف اململكة ‪ ،‬بدءاً بامللك ثم امللكة األم والوزراء‬
‫مل تقتصر عالقة اإلنسان حبيواناته على‬ ‫واألمراء‪ ،‬فكانت هذه احليوانات تستخدم جلر‬
‫الكونغا بل أظهرت الدراسات األخرى املقدمة‬ ‫العربات‪ ،‬عندما يرغب هؤالء األشخاص بالسفر‬
‫للمؤمتر أمهية احل��ي��وان يف ال�ت�راث السوري‬ ‫من مكان آلخر وكانوا يقومون هبذا األمر بطريقة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫عن حماكاة الطبيعة والتجسيم عن طريق إمهال‬ ‫القديم فقد عرض الدكتور بسام جاموس‬
‫ق��واع��د املنظور وإظ��ه��ار البعد الثالث وعدم‬ ‫املدير العام لآلثار واملتاحف دور احليوان يف‬
‫مراعاة النسب التشرحيية يف الرسوم احليوانية‬ ‫عصور ما قبل التاريخ من حيث الرمزية والبعد‬
‫واآلدم��ي��ة أيضاً فجاءت ه��ذه ال��رس��وم حمورة‬ ‫اإلنساني والروحي والدالالت الشعائرية له يف‬
‫لعبَ اخليال هبا دوراً واض��ح�اً‪ ،‬ويغلب عليها‬ ‫مناطق سورية القدمية‪.‬‬
‫الطابع الزخريف ‪ ،‬حيث مل يستخدم التصوير‬ ‫ومل تكن تدمر بعيدة عن هذه العالقة الوطيدة‬
‫اإلس�لام��ي خلدمة ال��دي��ن ومل يتخذ كوسيلة‬ ‫بني اإلنسان واحليوان فقد أظهر الباحث وليد‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫لإلرشاد والتهذيب وتعليم الدين بل جاء مدنياً‬ ‫األسعد رئيس دائ��رة اآلث��ار واملتاحف بتدمر‬
‫يف طابعه ينظر إليه كفن من فنون الدنيا ال‬ ‫أن امل��ن��ح��وت��ات ال�تي ت��ص �وّر احل��ي��وان��ات كثرية‬
‫كعمل من أعمال اآلخرة ومن ثم كان أقرب من‬ ‫ومتنوعة وحي��ت��وي متحف تدمر على مناذج‬
‫غريه إىل الفكرة الفنية الصرفة‪.‬‬ ‫متعددة منها لألسد والنسر واحلمائم واألفعى‬
‫وكانت احلياة الدنيا ميداناً خصباً للتصاوير‬ ‫والفهد املنقط واخليل والثور والبقر والغزال‬
‫بكل مافيها من مناظر طبيعية وكائنات حية‬ ‫واملاعز واجلمل والسمك واألخطبوط وبعض‬
‫حيوانية وإنسانية جاءت منفصلة أو مشرتكة‬ ‫احل��ي��وان��ات األس��ط��وري��ة امل��رك��ب��ة كالغريغون‬
‫مع بعضها لتساهم يف إخراج لوحة حية مليئة‬ ‫وامليدوزا والسنطور‪ ،‬ومن املعروف يف املوروث‬
‫باحلياة‪ ،‬وقد لعبت صور احليوانات دوراً بارزاً‬ ‫الثقايف الديين أن لكل إله حيوانه اخلاص به‬
‫فيها حيث عكست التصاوير أنواعها وأشكاهلا‬ ‫وبشعائره‪ ،‬ول��ذا ف��إن ه��ذه املنحوتات ماهي‬
‫ومميزاهتا وشرحت ما يرتبط هبا من أعمال‬ ‫إال جتليات ل�لأرب��اب ال�تي عبدها التدمريون‬
‫وما يستفاد منها يف احلياة وما يرتبط هبا من‬ ‫متأثرين بعبادات شبه جزيرة العرب‪.‬‬
‫قيم ومفاهيم وفوائد خاصة وعامة تقدمت على‬ ‫ومل ي��ك��ن ن��ص��ي��ب احل���ي���وان يف احلضارة‬
‫كل أنواع الفنون بشكل يؤكد رقي نظرة اإلسالم‬ ‫اإلسالمية أق��ل منه يف احل��ض��ارات القدمية‬
‫للحيوان وتقدير املسلمني لعظمة خلقه‪.‬‬ ‫حيث أظ��ه��ر ال��ب��اح��ث ال��دك��ت��ور غ���زوان ياغي‬
‫وقد أ ّكد الدكتور هيثم حسن معاون مدير‬ ‫مدير دائرة آثار دمشق القدمية أمهية تصاوير‬
‫التنقيب يف املديرية العامة لآلثار واملتاحف‬ ‫احليوان يف احلضارة اإلٍسالمية موضحاً أن‬
‫أمهية استخدام احليوان يف الرنوك والنقوش‬ ‫اإلسالم أباح التصوير ما دام بعيداً عن الوثنية‬
‫اإلسالمية حيث ع��رض جمموعة واسعة من‬ ‫ومنافسة اخلالق وعن تثبيط األمة عن القيام‬
‫النقود والنقوش اإلسالمية اليت استخدم فيها‬ ‫بواجبها وحتمل مسؤولياهتا مبيناً أشكاالً عدة‬
‫احليوان لتأتي أحب��اث الدكتور منذر احلايك‬ ‫للحيوانات استخدمت يف تزيني القصور والقالع‬
‫مؤكدة دور احليوان يف الرتاث الشعيب السوري‬ ‫اإلسالمية عرب األزم��ان املختلفة‪ ،‬حيث يذكر‬
‫ال��ذي يعد ج��زءاً من ال�تراث العربي‪ ،‬واليزال‬ ‫د‪.‬ياغي إن اإلسالم يف أغلب عصوره املمتدة من‬
‫يرتبط به مع بعض اخلصوصية ال�تي أخذت‬ ‫القرن األول حتى القرن الثالث عشر اهلجري‬
‫تظهر بالتدريج‪ ،‬حيث ك��ان ال��ع��رب القدماء‬ ‫ويف البقاع اليت انتشر فيها من الصني شرقاً‬
‫م��درك�ين مت��ام �اً لعضوية ال��ب��ش��ر يف بيئتهم‬ ‫حتى اسبانيا غرباً مل حيرم تصوير احليوانات‬
‫فوضعوا اإلنسان يف مملكة احليوان‪ ،‬وهذا حس‬ ‫كل أنواعها وعلى كل اإلبداعات الفنية سواء‬ ‫‪226‬‬
‫عال بالتحام اإلنسان ببيئته وعدم انفصاله عن‬ ‫املعمارية أو اخلشبية أو اخلزفية أو املعدنية ‪،‬‬
‫حميطه احليوي‪ ،‬فابن خبتيشوع‪ ،‬ال��ذي يعين‬ ‫ويالحظ أن ماشاع من كره اإلسالم للتصوير‬
‫هبة املسيح كاسم خبتنصر البابلي‪ ،‬افتتح كتابه‬ ‫قد أثر على املنتج الفين للتصاوير فجاءت بعيدة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫عن احليوان مبادة‪ :‬اإلنسان‪ ،‬فقال‪ « :‬هو أعدل الدين الدمريي‪ ،‬لكنه وضعه يف ترتيبه األجبدي‬
‫احليوان مزاجاً وأكمله أفعاالً» كذلك فعل كمال ‪ ،‬ووصفه باآلية‪ [ :‬لقد خلقنا اإلنسان يف أحسن‬
‫تقويم] متييزاً له عن بقية فصيلته احليوانية‪،‬‬
‫ولنا يف أمس��اء ع��رب اجل��زي��رة‪ ،‬ال�تي ه��ي من‬
‫صميم بيئتهم‪،‬أوضح مثال على ذلك كصفوان‬
‫وصخر ورياح ومزنة وغيث وبكر وأسد وكلب‬
‫وعكاش ‪ ،‬أي عنكبوت‪ ،‬وظليم وعقاب وصقر‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫وعكرمة أي احلمامة‪ ،‬وعنرتة‪.‬‬


‫إن معظم م��ا يتعلق ب��احل��ي��وان يف الرتاث‬
‫الشعيب مشتق من الرتاث الديين أو متأثر به‪،‬‬
‫وليس غريباً أنه عندما جند أن القرآن الكريم‬
‫قد ذكر كماً كبرياً من احليوانات‪ ،‬حتى أنه توجد‬
‫سبع س��ور يف ال��ق��رآن الكريم مسيت بأمساء‬
‫احليوانات هي البقرة واألنعام والنحل والنمل‬
‫والعنكبوت والصافات والفيل‪ ،‬وإضاف ًة لذكر‬
‫الكثري من احل��ي��وان يف آي��ات ال��ق��رآن املختلفة‬
‫كالذئب والكلب والبعوضة واحل��م��ار والبغل‬
‫واألف��ع��ى واإلب���ل واجل���راد وال��ذب��اب واخلنزير‬
‫والضفدع واهلدهد واحلوت والغراب‪.‬‬
‫من ه��ذا كله يتضح تاريخ اهتمام العرب‬
‫بالرفق باحليوان حيث استعرض الدكتور ماجد‬
‫أب��و ماضي من��اذج خمتارة من األدب العربي‬
‫تعرضت للرفق باحليوان وخصوصاً يف رسالة‬
‫الصاهل والشاحج للمعري‪.‬‬
‫الشك أن احلضارة السورية القدمية شهدت‬
‫عرب تارخيها الطويل مشاهد رائعة جتسدت فيها‬
‫صالت اإلنسان القديم مبحيطه احليوي فبقيت‬
‫تلك املشاهد أوابد أثرية مألت بطون املتاحف‬
‫يف دول العامل لوحات فنية بقيت خالدة عرب‬
‫العصور نقلت عدسة الدكتور دارم طباع العديد‬
‫منها لتش ّكل معرضاً هاماً يظهر عالقة إنسان‬
‫س��وري��ة القديم حبيواناته يف مشاهد العمل‬
‫والزراعة واجل��ر والفروسية والصيد والتنقل‬
‫‪227‬‬ ‫فتكون هذه اللوحات شواهد هامة على رقي‬
‫اإلنسان السوري عرب العصور وعراقة صلته‬
‫بتارخيه الطبيعي الذي بنى من خالله أجماداً‬
‫بقيت آثارها عظيمة حتى هذه األيام‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫خ��رج حممد صبيحة ي��وم م��ن أي��ام الربيع‬
‫البديعة ميشي يف األحراج القريبة من منزله‪،‬‬
‫مبتهجاً ألن ذل��ك اليوم ك��ان أول أي��ام العطلة‬
‫الربيعية‪ ،‬وألن��ه كان ناجحاً يف النصف األول‬
‫من سنته الدراسية‪ ،‬باإلضافة إىل هبجة الفصل‬
‫وعذوبة اهلواء وسنه الغضة إذ مل يتجاوز عمره‬
‫الثانية عشر‪ ،‬كل هذا جعله يشعر بسرور داخلي‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫يغمره‪ ،‬لذا أخذ يتجول هنا وهناك‪ ،‬ناطاً تارة‬
‫وماشياً تارة أخرى‪ ،‬يعب اهلواء النقي ملء رئتيه‬
‫ويصفره من فمه أنغاماً‪.‬‬
‫بينما هو سادر يف هلوه الربيء مسع بالقرب‬
‫منه صوتاً مل يسمع له مثيالً من قبل‪ ،‬فالتفت‬
‫ناحية الصوت‪ ،‬ومل يكد يفعل حتى صدرت منه‬
‫صرخة عظيمه وارتد إىل اخللف مرتعباً‪ ،‬لقد‬
‫رأى شيئاً يشبه البالون كبرياً جداً يطري قريباً‬
‫من سطح األرض ويصدر عنه أزيز يشبه طنني‬
‫الذباب مكرباً آالف املرات‪.‬‬
‫تراجع حممد إىل اخللف مسرعاً وتوارى‬
‫خلف إح��دى األشجار الضخمة وه��و يرجتف‬
‫من االنفعال والدهشة أكثر من ارجتافه من‬
‫اخلوف‪ ،‬أخذ حممد يراقب ذلك البالون‪ ،‬فرأى‬
‫أنه مصنوع من م��ادة تشبه املطاط السميك‪،‬‬
‫ليس له نوافذ والفتحات‪ ،‬ولكنه ما كاد يالمس‬
‫األرض حتى انفتحت فرجة من إحدى جوانبه‬
‫ودف���ع إىل األرض حب��ي��وان غ��ري��ب الشكل ثم‬
‫مضى البالون طائراً بسرعة خاطفة مبتعداً عن‬
‫األرض‪ ،‬ومل يلبث سوى ثوان ثم اختفى‪.‬‬
‫أف��اق حممد من دهشته‪ ،‬ونظر إىل ذلك‬
‫احليوان الذي دُفع به إىل األرض وجعل يتفحصه‬
‫متمعناً‪ ،‬ولكنه ظل مرتدداً يف االقرتاب منه‪ ،‬لقد‬
‫بان ذلك احليوان أق��رب شبهاً إىل العنز منه‬
‫إىل أي حيوان آخ��ر على األرض‪ ،‬ك��ان قصري‬
‫االستطالة له ثالث قوائم دقيقة اثنتان منها‬
‫أماميتان وواحدة خلفية‪ ،‬والعجيب يف األمر أنه‬
‫يف أثناء سريه تتحرك قائمتاه األماميتان معاً‬
‫‪228‬‬
‫وبعدها تتحرك قائمته اخللفية مما يبطيء من‬
‫سريه ويعاق عن الركض أو التجوال السريع‪،‬‬ ‫طيبة أمحد االبراهيم‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫القريب من منزهلم فأخذ األب بعد ذلك يفحص‬ ‫ويكسوه شعر أشبه بشعر املاعز‪.‬‬
‫العنز الغريب الشكل وهو يقول‪:‬‬ ‫نظر حممد إليه باحثاً عن رأس��ه ‪ ،‬فلم‬
‫البد أن كوكباً ماقرر إجراء جتارب مناخية‬ ‫يرى له رأساً وال ذيالً‪ ،‬فمأله العجب‪ ،‬وقرر أن‬
‫على بعض حيواناته‪ ،‬فأفسدت عليهم جتارهبم‬ ‫يتغلب على تردده ويقرتب منه لفحصه‪ ،‬فذهب‬
‫ياحممد بإبعاد هذا العنز عن مالحظتهم‪ ،‬ولكنك‬ ‫إل��ي��ه على مهل خشية أن ي��ه��رب م��ن��ه‪ ،‬ولكن‬
‫بعملك هذا قدمت خدمة جليلة ألهل األرض‪،‬‬ ‫العنز العجيب مل يهرب‪ ،‬ولعله اليعرف الشعور‬
‫والبد أن هذا املخلوق سوف يقدم خدمة عظمى‬ ‫باخلوف كما تعرفه حيواناتنا على األرض‪.‬‬
‫للمعنيني بأحباث الفضاء‪ ،‬فاستعد ياولدي‬ ‫أمسك حممد به وجعل يتفحصه جيداً لكنه‬
‫لنصحب هذا احليوان العجيب إىل من يهمه‬ ‫مل جيد ما هو جدير باالهتمام غري ما رآه أوالً‪.‬‬
‫األمر يف مثل هذه الشؤون ‪.‬‬ ‫فقرر أن يأخذ هذا احليوان الغريب املسامل‬
‫وذهب حممد ووالده مصطحبني معهم العنز‬ ‫إىل امل��ن��زل لرييه أله��ل��ه‪ ،‬وح��امل��ا رآه أب��وه قال‬
‫العجيب إىل مركز أحباث الفضاء‪.‬‬ ‫متسائالً‪:‬‬
‫أصبح بعد ذلك حممد من املشاهري فكتبت‬ ‫من أين اشرتيت هذه اللعبة يابين؟‬
‫عنه الصحف واجملالت وأجريت معه املقابالت‪،‬‬ ‫فقال حممد مبتسماً‪:‬‬
‫ون��ال جوائز ع��دة ملسامهته يف تقديم العون‬ ‫إهنا ليست لعبة ياوالدي‪ ،‬إنه كائن حي نزل‬
‫‪229‬‬ ‫للعلوم الفضائية‪.‬‬ ‫لتوه من الفضاء‪.‬‬
‫ولذا فقد فرح حممد فرحاً كبرياً وقرر أن‬ ‫قفز األب عن كرسيه واقفاً وصاح‪:‬‬
‫خيصص دراسته يف املستقبل يف أحباث الفضاء‬ ‫ماذا تقول؟ ماذا تقول؟‬
‫ليكشف سر هذه العنز العجيب‪.‬‬ ‫فقص عليه حممد م��ا ش��اه��ده يف احلرج‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫توقف عم مرسي أمام جدران عرضها حوايل‬
‫مرتين وحمددة بالطول خبطني عريضني باللون‬
‫األس���ود ‪ ,‬وم��رس��وم علي اجل���دار ص��ورة طفل‬
‫تعرب مالحمه عن سعادة وهو ممسك برغيف‬
‫من اخلبز يلتهمه بتلذذ ‪ .‬حدق عم مرسي يف‬
‫اجلدار والرسم وتذكر ما مسعه منذ عدة أسابيع‬
‫أن هناك خمبزاً جديداً للخبز البلدي سوف‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫يفتح عما قريب ‪ ...‬وقف يهمس لنفسه البد‬
‫أن يكون هذا هو املخبز – لقد مسع ومسع عن‬
‫خمبز آيل تفتح أبوابه أتوماتيكياً مبجرد الوقوف‬
‫امامه ‪ ،‬وتضع النقود اليت تشرتي هبا يف جتويف‬
‫معدني خيرج أمامك كأنه ( درج ) ثم يغلق آلياً‬
‫بعد دخول النقود ‪ ،‬ويف ثوان خيرج اليك عدد‬
‫من األرغفة اليت تريدها وعندما تنصرف يغلق‬
‫املخبز أبوابه ‪ ،‬ثم يعاود الفتح من جديد عند‬
‫وقوف شخص آخر أمامه ‪ ..‬وهكذا‬
‫وقف عم مرسي بضعة دقائق حيت مر عليه‬
‫اثنان ‪ ،‬صيب وفتاة وسأاله ‪:‬‬
‫قال ‪ :‬أمل تسمعا عن املخبز األتوماتيكي ؟‬
‫أجابا حبماس ‪ :‬نعم أهذا هو ؟‬
‫نعم رمبا يفتح بعد قليل ‪.‬‬
‫أدار الصيب رأسه ورفع صوته عالياً ‪ :‬أمحد‬
‫يارضا ‪ ،‬ياباسم تعالوا بسرعه‬
‫هرول اجلميع يف اجتاه اجلدار‪ ،‬مرت سيدة‬
‫حتمل طفلها علي صدرها ويف يدها الطاولة‬
‫املصنوعة من اجلريد – إهنا تستعد للذهاب اىل‬
‫رحلة البحث عن اخلبز ‪ ،‬فقال هلا أحدهم ‪:‬‬
‫أسرعي ياأم صفية حيفتح بعد قليل ‪..‬‬
‫جتمع ع��دد يقارب املائة أم��ام ( املخبز ) ‪،‬‬
‫البعض كان ذاهباً لقضاء أشياء أخرى غري شراء‬
‫اخلبز ولكنه توقف ليشاهد املخبز األوتوماتيكي‬
‫– وكيف سيوفر له اخلدمة بعيداً عن منظر‬
‫اخلباز الذي يتصبب عرقاً ‪ ،‬وبعيداً عن البائع‬
‫الذي خيرج إليهم من الفرن ويرميهم بوابل من‬
‫الشتائم واألهانات ‪ ..‬تنبه أحد الشبان أن املكان‬
‫اصبح مزدمحاً امام اجلدار وأن ذلك قد يعيق‬ ‫‪230‬‬
‫الفتح اآليل للمخبز ‪ ،‬وصاح قائالً‪:‬‬
‫يامجاعة املخبز دا مش حيفتح إال بوقوف‬
‫شخص واحد فقط أمامه أرجوكم أن تبتعدوا‬ ‫د‪ .‬قدرية سعيد‪ -‬القاهرة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫فايدة – أمرنا هلل نقف يف طابور ‪..‬‬ ‫حتى ميكن تشغيله ‪..‬‬
‫قالت أخ��رى ‪ :‬شخص واح��د يقرتب من‬ ‫قالت سيدة ‪ :‬ومن هو هذا الشخص ‪ ،‬أنت‬
‫اجلدار وباقي الطابور يبتعد قليالً‬ ‫مثالً !‬
‫رجل يتساءل ‪ :‬باقي الطابور يبتعد على‬ ‫قال الشاب ‪ :‬أل ياسيت أي واحد ‪..‬‬
‫بعد مرت مثالً – وال مرتين وال أكرت ؟‬ ‫تقدم صيب مندفعاً ‪ ،‬عمره ال يزيد عن‬
‫جييب رجل ‪ :‬ميكن مخسة مرت ‪..‬‬ ‫مثاني سنوات ‪ :‬أنا هنا من بدري ‪ ،‬كيف ال‬
‫شاب يقرتح ‪ :‬شخص واحد أمام اجلدار‬ ‫أقف أمام املخبز – لقد فقدت دوري كثرياً يف‬
‫ونظل نبتعد قليالً قليالً حيت يفتح املخبز‪.‬‬ ‫املخابز األخرى وتعرضت للضرب والطرد –‬
‫القت فكرة الشاب رضا معظم الواقفني‬ ‫أنا هنا يف األمام ‪..‬‬
‫– ولكن تظل املشكلة من الذي سيقف أمام‬ ‫قامت املشاجرات بني الصبية ‪ ،‬يلكزون‬
‫اجلدار منفرداً ؟‬ ‫بعضهم البعض ‪ ،‬والسيدات احلوامل يهتفن‬
‫صاح البعض يف نفس واحد ‪ :‬عم مرسي‬ ‫بأن هلن األولوية – والرجال يتعاركون ‪ ،‬سوف‬
‫ظل الطابور يبتعد ويبتعد ‪ ..‬ويبتعد ‪..‬‬ ‫يتأخرون ع��ن مواعيد العمل – واملسنون‬
‫مخسة أمتار ‪ -‬سبعة أمتار ‪ -‬عشرة أمتار‬ ‫يهتفون أليس هناك رمحة بكبار السن !‬
‫‪ ،‬تاركني عم مرسي أمام اجلدار ‪ ،‬عشرون‬ ‫صرخ الشاب مرة أخري ‪ :‬كفاية ‪ ..‬كفاية ‪،‬‬
‫‪231‬‬ ‫– مخسون – مائة مرت ‪ ...‬حيت أصبح جدار‬
‫املخبز غري حم��دد املعامل – وأخ��ذ الطابور‬
‫لن يفتح املخبز إال بوقوف شخص واحد أمامه‬
‫‪ ..‬قال رجل ‪ :‬أنت تكذب ‪ ،‬إنه أوتوماتيكي‬
‫يلتوي بني األزق��ة واحل���ارات – يرجعون –‬ ‫سوف يستوعب وقوف اجلميع ‪ ،‬ولكن فلنقف‬
‫يتخلفون روي��دا روي��دا ‪ ...‬حيلمون خببز‬ ‫يف طابور‪..‬‬
‫ساخن ‪.‬‬ ‫فتاة معرتضة ‪ :‬طابور ‪ -‬طابور ‪ ..‬مفيش‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫يَقضي ح��ازمٌ يومَهُ يف حُجرتهِ وهو يعم ُل على‬
‫الكمبيوترِ‪ ،‬دونَ أن يهتمَّ لشيءٍ آخرَ‪ ،‬رُغمَ حماوالتِ‬
‫والدتهِ الدائبةِ إلخراجهِ من عُزلتهِ كي يُجالِسَ أفرادَ‬
‫األُسرةِ‪.‬‬
‫‪ -‬تعا َل لنأك َل معاً‪ ..‬الفطورُ جاهزٌ‪.‬‬
‫‪ -‬أعطِين شَطريةً‪ ..‬أنا مشغو ٌل جدّا‪ً.‬‬
‫هكذا كانَ يردُّ حازمٌ على والدتهِ‪ .‬ومعَ ذلكَ مل‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫تفقدِ األمُّ األم َل‪ ،‬وكانتْ تُحاو ُل نَزْعَ وَلَدِها من أما ِم‬
‫الكمبيوت ِر بأيةِ طريقةٍ كانتْ‪.‬‬
‫‪ -‬تعا َل لنشربَ الشايَ‪ ..‬إ ّنها ساخن ٌة‪ ..‬أس ِرعْ قبلَ‬
‫أن تربدَ‪.‬‬
‫الشاي إىل ُغرفيت‪ ..‬فأنا أعم ُل‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫إحضا‬ ‫أرجو‬ ‫‪-‬‬
‫على برنام ِج معاجلةِ الصُّوَرِ‪.‬‬
‫والدُ حاز ٍم مل يكنْ راضياً عن سلوكِ ابنهِ أيضا‪ً،‬‬
‫هلذا حاو َل أن يُقدِّمُ لهُ النصيح َة‪:‬‬
‫‪ -‬إ ّن���كَ تُ���ؤذي نفسَكَ جبلوسِكَ الطوي ِل أمامَ‬
‫الطبيعةِ‬ ‫الكمبيوترِ‪ ،‬جي �بُ عليكَ أن تَ��خ��رجَ إىل َّ‬
‫لتتن ُّفسُ ه��واءً نقياً‪ ،‬وك��ي تريحَ عينيكَ من أشَعةِ‬
‫الشمس لفائدةِ جَسَد َِك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الشاشةِ‪ ،‬وتركضَ حتتَ‬
‫‪ -‬كالمُكَ صحيحٌ يا وال��دي العزيزَ‪ ،‬وجي�بُ أن‬
‫بعض املواق ِع‬ ‫أعم َل بهِ‪ .‬لكنّين مشغو ٌل اآلنَ بتص ُّف ِح ِ‬
‫اهلامّةِ على (االنرتنيت)‪.‬‬
‫حاولَتْ سارةُ بدورهِا أن تغيِّرَ من تصرُّفاتِ أخيها‬
‫بطريقتِها‪:‬‬
‫امللعب‪ ..‬فسوفَ‬ ‫ِ‬ ‫‪ -‬ما رأيُ�كَ أن نذهبَ غداً إىل‬
‫يلعبُ فريقُ الكرةِ الطائرةِ املباراةَ النهائيّ َة‪.‬‬
‫‪ -‬سأتا ِبعُ املباراةَ هنا‪ ،‬وأنا أكتبُ على برنام ِج‬
‫ِ‬
‫النصوص‪.‬‬
‫ه��ذهِ كانتْ طريقة ح��از ٍم يف ال��ردِّ على ك� ِّ�ل مَنْ‬
‫لبعض الوقتِ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫حيا ِو ُل إبعادَهُ عن الكمبيوترِ‪ ،‬ولو‬
‫ذاتَ يو ٍم اجتمعَ أف��رادُ األُس��رةِ وتَشاوروا بشأ ِن‬
‫نقاش طوي ٍل َقرّروا أن يَذهبوا يف نزهةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حاز ٍم‪ ،‬وبعدَ‬
‫إىل البح ِر كي يُجربوا حازماً على اخلرو ِج معَهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -‬اذهبُوا أنتمْ‪ ..‬وسوفَ أبقى يف البيتِ سَأعِدُّ‬
‫بعضَ اجلداو ِل على برنامج احملاسبةِ‪.‬‬
‫ُفاجئهمْ‪ ،‬ولكنّهم رَفضوا السفرَ‬ ‫جوابُ حاز ٍم مل ي ِ‬ ‫‪232‬‬
‫دونه‪ ،‬فهم يُريدونَ الذهابَ يف رحلة إىل البح ِر من‬
‫أجلهِ‪ ،‬هلذا ظلّوا يُلِحُّونَ عليه حتى قا َل بضجرٍ‪.‬‬
‫‪ -‬مُوافق‪ ..‬ولكنْ شريط َة أن نُسافِرَ غداً‪.‬‬ ‫سامر أنور الشمايل‬
‫مل يسأ ْل أحدُهُم حازماً عن سَب َِب تأجي ِل الرّحلةِ‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫جيلسَ مبفردهِ‪.‬‬ ‫كيال يَعد َل عن رأيهِ بالسفرِ‪ ،‬فقد اكت َفوا باحلصو ِل‬
‫ق��ال�تِ األمُّ وه �يَ تنظرُ إىل س���ارةَ ال�تي سألتْ‬ ‫على مُوافقتهِ‪.‬‬
‫أخاها‪:‬‬ ‫صباحَ اليو ِم التايل رأَوا حازماً يَخرجُ من غرفتهِ‬
‫‪ -‬أصحيحٌ يا ح���ازمُ‪ ..‬هل ستنسى الكمبيوترً‬ ‫وهو يَحمِ ُل كمبيوتره‪.‬‬
‫بسرعةٍ؟!‪.‬‬ ‫سألَهُ والدُهُ‪:‬‬
‫َضحِكَ حازمٌ وقا َل وهو يفتحُ احلقيبة‪َ.‬‬ ‫‪ -‬إىل أينَ تذهبُ بالكمبيوترِ؟‪.‬‬
‫‪ -‬لكنّين ِبعْتُ الكمبيوترَ كي أشرتيَ هذا الكمبيوترَ‬ ‫‪ -‬سأبيعُه‪.‬‬
‫احملمو َل‪.‬‬ ‫أجابَ حازمٌ باقتضابٍ ‪ .‬فصاحَتْ سارةُ بدهشةٍ‪:‬‬
‫نظرَ اجلميعُ إىل بعضهم بدهشةٍ‪.‬‬ ‫‪ -‬غريُ مَعقول!‪.‬‬
‫ثم قالتِ األمُّ وقد اخت َفتْ ضحكتُها‪:‬‬ ‫وقالتِ األمُّ وهي تضحكُ‪:‬‬
‫‪ -‬أظنُّ أن الكمبيوترَ احملمو َل أفض ُل‪.‬‬ ‫‪ -‬إذاً سوفَ نستطيعُ اجللوسَ معاً على مائدةِ‬
‫وقا َل األبُ وهو ينظرُ إىل زوجتهِ مُواسياً‪:‬‬ ‫الطعا ِم مرّةً أُخرى‪.‬‬ ‫ّ‬
‫األقل يستطيعُ حازمٌ أن خيرجَ معنا‪ ،‬ومل‬ ‫ِّ‬ ‫‪ -‬على‬ ‫مل يعلقْ حازمٌ على ما سَمِعَهُ‪ ،‬وخرجَ من البيتِ‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫يَعُدْ م َُضطرّا إىل اجللوس يف غرفتهِ‪.‬‬ ‫ْص‪.‬‬‫وهو حيم ُل الكمبيوترَ ِبحِر ٍ‬
‫وقالتْ سارةُ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫عادَ حازمٌ وبيدهِ حقيب ٌة صغريةٌ‪ ،‬فتبادلتِ األسرةُ‬
‫‪ -‬جيبُ أن نعتادَ على أنَّ الكمبيوترَ أصبحَ جُزءاً‬ ‫النظراتِ بسرورٍ‪ ،‬فلم يَعُدْ لدى حاز ٍم كمبيوترٌ يشغلُهُ‬
‫‪233‬‬ ‫من حاز ٍم‪.‬‬ ‫عَنهُم‪.‬‬
‫َضحِكَ اجلميعُ وهم يَتبادلونَ النظراتِ‪ ،‬ولكنَّ‬ ‫قال األبَ وهو يتقدَّمُ اجلميعَ‪:‬‬ ‫َ‬
‫الضحِكَ‪ ،‬فقدْ ك��انَ مشغوالً‬ ‫حازماً مل يشار ْكهُمُ َّ‬ ‫‪ -‬سوفَ نَقضي أياماً طويل ًة معَ حاز ٍم‪.‬‬
‫بالعم ِل على كمبيوترهِ اجلديدِ!‪.‬‬ ‫‪ -‬سنجلِسُ طويالً معاً ول��ن نسمحَ حل��از ٍم أن‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان اخلامس والسادس ‪ /‬كانون ‪ -1‬كانون ‪2009 - 2008/ 2‬‬
‫قصية لينا كيالني‬
‫رسوم حسام وهب‬

‫(س��ام��ي) رج��ل م��ن أص��ل عربي‬


‫يعيش يف الغرب‪ ،‬أولع بالكمبيوتر‬
‫منذ نشأته‪ ،‬وعمل ب��ه وبتهيئة‬
‫براجمه واإلبداع فيها حتى عرف‬
‫بني الناس بأنه (أبو الكمبيوتر)‪،‬‬
‫وحصل من وراء ذلك على ثروة‬
‫طائلة كرّسها لعلمه ال��ذي هو‬
‫هوايته بل حياته كلها‪.‬‬
‫وأصبح يتنقل يف البالد بني املعاهد واجلامعات‬
‫يشجع الدارسني على استعمال الكمبيوترات‪ ،‬ومل‬
‫ي�ترك الصغار أيضاً يف مدارسهم‪ ،‬وع��ن طريق‬
‫ال��دع��اي��ات وخ��اص��ة التلفزيونية منها‪ .‬وأخذ‬
‫الشبان يؤسسون مقاهي االنرتنيت‪ ،‬والصغار‬
‫يضيفون يف مدارسهم بعد انتهاء احلصص لتعلم‬
‫الكمبيوتر‪ ..‬وهكذا حتى أصبح للعامل (سامي)‬
‫طالب كثريون‪ ..‬وحمبون أكثر‪ ..‬وأكثر‪ .‬وكان ال‬
‫يقصّر يف مساعدة احملتاجني منهم لشراء أجهزة‬
‫أو لتسديد اشرتاكات‪.‬‬
‫ويف يوم من أيام اخلريف بعد عام ‪ 2000‬مرض العامل (سامي)‬
‫مرضاً ش��دي��داً استدعي له أشهر األط��ب��اء‪ ،‬وك��ان هو متفائالً‬
‫بالشفاء‪ ..‬بل يف غاية الصرب واالحتمال‪ .‬وأخذ طالبه ومعارفه‬
‫يفدون أفواجاً اىل املستشفى الذي أقام فيه مدة طويلة حتى قال‬
‫هلم يوماً‪:‬‬
‫ـ اذهبوا اىل بيوتكم ومدارسكم ومقاهيكم وأنا سأتصل بكم عرب‬
‫االنرتنيت بالصوت والصورة‪ ..‬وليعمل كل منكم جهده على أن‬
‫يراني ويسمعين‪.‬‬
‫وبالفعل فقد دأب الصغار قبل الكبار على فعل ذلك حتى أعلن‬
‫العامل (سامي) عن وصيته أو هديته الثمينة‪ ..‬وكانت جمموعة من‬
‫األسئلة والفائز باألجوبة هو احلائز على الوصية‪ .‬ومسع بذلك‬
‫أحد املبتدئني بتعلم الكمبيوتر (هاني)‪ ..‬وكان فقرياً‪ ..‬ومثقالً‬
‫بأعباء عمل مرهق من أجل معيشته‪ ..‬وهو فتى حنيل‪ ..‬شاحب‬
‫وضئيل اجلسم‪.‬‬

‫وعندما طلب من زم�لاء البحث عن الربامج أن يساعدوه يف أن‬


‫يرتكوه مع أجهزهتم لوقت طويل يف الليل رفضوا‪ ..‬ولعلهم كانوا خيافون‬
‫أن يكتشف الوصية لذكائه احلاد وقدرته على التعلم‪.‬‬
‫لكن (هاني) مل ييأس‪ ..‬وظل يوفر من ماله‬
‫ووق��ت��ه م��ا جيعله ميضي ال��س��اع��ات يف املقهى‬
‫االل��ك�ترون��ي حتى وص��ل اىل غايته فعثر على‬
‫جم��م��وع��ة األس��ئ��ل��ة ال�ت�ي وض��ع��ه��ا ال��ع��امل وأخذ‬
‫باإلجابة عليها‪.‬‬

‫ويف صباح يوم من أيام العطل دخل (هاني) اىل‬


‫شبكة االنرتنيت أو املعلومات وبالفعل رأى صورة‬
‫العامل (سامي)‪ ،‬وكانت املفاجأة عندما قال له‪:‬‬
‫ـ أنت الفائز‪ ..‬أنت الفائز‪.‬‬

‫وكاد يطري من الفرح‪ ..‬وأخذ يهيئ نفسه ليذهب‬


‫اىل العامل (سامي) ليتسلم جائزته منه‪ ..‬وليشكره‬
‫أيضا‪.‬‬
‫وظهرت أخبار اجلائزة أو الوصية يف‬
‫الصحف وعلى الشاشات‪ ،‬لكن املوت كان‬
‫قد عاجل العامل (سامي) فقضى حنبه قبل‬
‫أن يلتقي هباني‪ .‬ومل جيرؤ (هاني) على‬
‫ذك��ر امل��وض��وع ألن اجلميع كانوا حزينني‬
‫لفراق العامل‪.‬‬

‫وما هي إال أسابيع حتى أعلن يف الصحف‬


‫واجملالت وعلى الشاشات أيضا أن (هاني)‬
‫هو الفائز‪ ..‬وكانت الوصية منحة دراسية‬
‫ملن يفوز هبا حتى يتخرج من أهم جامعات‬
‫العامل وينال الشهادة اليت يريدها‪.‬‬

‫وبالطبع كان هدف (هاني) أن ينال شهادته‬


‫العليا يف الربجميات‪ ..‬بعد أن ترك عمله‬
‫املتعب املرهق‪ ..‬ومل يعد حباجة إليه بل اىل‬
‫االنصراف لعلمه كل األوقات‪.‬‬
‫رئيس التحرير‬

‫األرض هذا الكوكب احلي‪ ،‬الذي تسبح النجوم يف مسائه الصافية‪ ،‬ويزينه‬
‫القمر الفضي الالمع‪ ،‬وتبددّ ظلمته الشمس املتوهجة بالضياء واحلرارة‪..‬‬
‫هذا الكوكب الذي قدر له أن حيتضن بذرة احلياة وبني كائناته احلية يرتبع‬
‫اإلنسان بعقله النري الذي حياول به استيعاب ماحوله من أسرار‪..‬‬
‫لوكانت السحب على األرض كثيفة سوداء لدرجة أهنا حتجب أضواء النجوم‬
‫وضوء القمر‪ ،‬وأشعة الشمس ‪ ،‬حبيث اليصل إىل األرض شيء من الضوء‪..‬‬
‫ستخيم ظلمة فريدة‪ ،‬ظلمة سوداء ال ملعان فيها وال ضياء وال خيوط من‬
‫النور تتسلل من بني تكثفات السحب‪ ،‬ومثل هذه احلالة موجودة تقريباً على‬
‫كوكب الزهرة‪..‬‬
‫لنتصور إذاً كوكبنا بال مشاهد مساوية مجيلة‪ ..‬المساء زرق��اء والجنوم‬
‫والقمر المع والمشس ساطعة فقط الظالم‪ ،‬والظالم الشديد املتكاثف‪..‬‬
‫أية لوحة كئيبة ستكون عليها احلياة على األرض ‪ ..‬إن السماء ذات الآللئ‬
‫الرباقة املتناثرة يف الليل أمام خلفية السواد القامت متثل مشهداً مؤثراً فعالً‪..‬‬
‫لوكان البشر يعيشون يف أرض تلفها الغيوم فإهنم ماعرفوا تلك الظواهر‬
‫املرتبطة بشروق الشمس وغروهبا‪ ..‬لذلك فالكائنات العاقلة اليت تقطن يف‬
‫كوكب حماط بالسحب ستضطر إىل حل مسائل معقدة جداً تتعلق حبساب‬
‫الزمن‪..‬‬
‫لنتصور اآلن أن األرض بدون تابع‪ ،‬أي بدون قمر يدور حوهلا‪ ..‬ما الذي‬
‫ميكن أن حيدث لألرض؟ وما الذي يفعله القمر بالنسبة لألرض؟‬
‫بالطبع ستزول األمسيات املقمرة الصافية‪ ،‬ولن ترى التموجات الفضية‬
‫على سطح املياه الراكدة أو املتموجة قليالً‪ .‬وملا كان هناك مد وجزر‪ ،‬ولتغريت‬
‫الظروف املالحية كثرياً‪..‬‬
‫لقد صيغ قانون اجلاذبية العامة من خالل رصد حركة القمر حول األرض‪،‬‬
‫كما أن رصد هذه احلركة كان أحد الدوافع يف تصميم وإطالق توابع صنعية‬
‫شبيهة تدور حول األرض وحتى يف الفضاء اخلارجي‪..‬‬
‫لقد أصبح القمر اآلن ميدان جتارب تعاجل فيه وتضبط عمليات معقدة كثرية‬
‫ذات عالقة بدراسة وغزو الفضاء لقد كان أول ( مرآة راديوية) فضائية و بعد‬
‫هبوط احملطات الفضائية فوقه‪ ،‬ثم هبوط اإلنسان بعد ذلك‪ ،‬أصبح باألجهزة‬
‫اليت ركبت عليه‪ ،‬يساعد يف عمليات مسح الفضاء ودراسة الشمس وكواكبها‪..‬‬

You might also like