You are on page 1of 192

‫• رئيس جملس اإلدارة •‬

‫وزير الثقافة‬
‫د ‪ .‬رياض نعسان آغا‬

‫• مدير عام هيئة الكتاب •‬


‫حممود عبد الواحد‬

‫• رئيس التحرير •‬
‫د‪ .‬طالب عمران‬
‫اهليئة اإلستشارية‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫أ ‪ .‬هن�������اد ش�����ري�����ف (م����ص����ر)‬


‫د ‪ .‬ح��س��ام اخلطيب ( فلسطني)‬
‫أ ‪ .‬عبد السالم البقايل (املغرب)‬
‫د ‪ .‬اهل��������ادي ع����ي����اد (ت����ون����س)‬
‫د ‪ .‬ق����اس����م ق����اس����م (ل���ب���ن���ان)‬
‫أ ‪ .‬ط��ي��ب��ة اإلب��راه��ي��م (الكويت)‬
‫د ‪ .‬حم���م���ود ك������روم (س����وري����ة)‬
‫د ‪ .‬ك����وث����ر ع����ي����اد (ف���رن���س���ا)‬
‫وزارة الثقافة يف اجلمهورية العربية السورية‬

‫• هيئة التحرير •‬
‫د‪ .‬خملص الريس ‪ -‬د‪ .‬هبجت حممد‬
‫جملة علمية ثقافية شهرية تصدر عن‬

‫د‪ .‬حامد ابراهيم ‪ -‬م‪ .‬لينا كيالني‬


‫علي القاسم ‪ -‬صالح معاطي‬
‫• أمني التحرير •‬
‫رائد حامد‬
‫• مكتب تونس ‪ :‬اهلادي ثابت‬
‫• مكتب القاهرة ‪ :‬صالح معاطي‬
‫• التدقيق اللغوي •‬
‫حممد اخلاطر‬
‫• اإلخراج الفين •‬
‫وسيم قدورة‬

‫سعر النسخة ‪ 50‬ل‪.‬س يف سورية أو مايعادهلا يف البلدان العربية‬


‫االشرتاكات عشرة آالف لرية سورية لإلدارات واملؤسسات داخل سورية‬
‫وأربعمائة دوالر أو مايعادهلا خارج سورية‬
‫توجه كافة املراسالت واملواد باسم رئيس التحرير‬
‫‪www.moc.gov.sy‬‬
‫‪E-mail: talebomran@yahoo.com‬‬
‫‪1‬‬
‫‪6‬‬ ‫اخليال العلمي يف األدب العربي (حممد عبد اهلل الياسني)‬
‫‪24‬‬ ‫الرواية العلمية الغربية يف القرن التاسع عشر (د‪ .‬كوثر عياد)‬
‫‪30‬‬ ‫أفالم اخليال العلمي واخلدع السينمائية (د‪ .‬مسري جرب)‬

‫‪52‬‬ ‫زيارات من العامل اخلارجي (م‪ .‬هناء صاحل)‬


‫‪63‬‬ ‫أول مركبة فضائية يف التاريخ (رامز احلوش)‬
‫‪68‬‬ ‫خرافة أمسها دراكوال ( طارق حريب)‬

‫‪76‬‬ ‫قصة نشوء الكون ( د‪ .‬خملص الريس)‬

‫ترجو جملة اخليال العلمي من كافة الكتاب واملبدعني ارسال ابداعاهتم منضدة على‬
‫احلاسوب والتأكد من تدقيقها وذلك لتسهيل عملية النشر السريع‬ ‫‪2‬‬
‫‪90‬‬ ‫صناديق األعضاء البديلة (د‪.‬طالب عمران)‬
‫‪102‬‬ ‫رقم ‪ 4‬أمركم (هناد شريف)‬
‫‪116‬‬ ‫مقاومة رسائل التعارف الفضائية ( د‪.‬فواز السيوف)‬
‫‪126‬‬ ‫للعيون لغة أخرى (د‪.‬حممد حاج صاحل)‬
‫‪132‬‬ ‫ماتلك الضوضاء ( ترمجة توفيق السهلي)‬

‫‪138‬‬ ‫ادمان اإلنرتنت (وسيم قدورة)‬

‫‪146‬‬ ‫ماهية العلم وتصنيفه يف الرتاث العلمي العربي ( د‪ .‬حممد اهلادي عياد)‬
‫‪160‬‬ ‫نشأة التدوين وطرق التأليف عند العرب ( د‪.‬صاحل خضور )‬

‫‪168‬‬ ‫القطب الشمايل ( قمر مناصفي )‬

‫اإلكتئاب ( عرض سالم مراد)‬


‫‪182‬‬
‫‪188‬‬ ‫أبو فروة وأبو ثروة (قصة لينا كيالني )‬ ‫أجيال الغد‬
‫‪3‬‬
‫منذ بداية احلضارة العربية اإلسالمية‪ ،‬انصب إنتاج نوابغ العلماء اإلغريق وعلماء‬
‫احلضارات القدمية يف مجيع العلوم‪ ،‬يف عقول العلماء العرب واملسلمني حتى‬
‫صارت هذه العلوم تأخذ الطابع العربي‪..‬‬
‫ولقد اشتهر علماء العرب يف بداية أمرهم بالبحث عن احلقيقة والتحري وحماولة‬
‫احلفاظ على روح البحث العلمي‪ ،‬فاستندوا يف حبوثهم إىل منهج علمي واضح‬
‫وجلي كان قوامه التجربة العلمية‪..‬‬
‫ويف حقل الكيمياء وهو أحد فروع علمية عديدة برع وأبدع فيها العلماء العرب‪،‬‬
‫جند أن أفذاذاً كجابر بن حيان والرازي وابن سينا واجللدي والطغرائي قد أبدعوا‬
‫يف استخدام طريقة التجريب والبحث‪..‬‬
‫واتفق املؤرخون أن علم الكيمياء هو علم عربي أصيل وضعه علماء العرب واملسلمني‬
‫وثبتّوا أركانه بتجارهبم ونظرياهتم‪..‬‬
‫درس العرب خواص املادة واستعملوا آالت متقدمة إلجياد الوزن النوعي والكثافة النوعية لبعض‬
‫املعادن الثمينة واجلواهر الكرمية‪ ..‬وكانت القيم العددية اليت توصلوا إليها يف معظم احلاالت تتفق‬
‫ونتائج جتارب علماء هذا العصر‪..‬‬
‫اشتغل العرب يف صناعة الورق وتوصلوا إىل طرق رخيصة إلنتاج الورق الذي ظل يستعمله األوروبيون‬
‫لعدة قرون‪..‬‬
‫ورغم أن صناعة الورق عرفت عند الصينيني‪ ،‬إال أن الصينيني كانوا يستخدمون بقايا احلرير – وهو‬
‫غايل الثمن – للحصول على ال��ورق‪ ..‬لكن العرب عندما أدخلوا هذه الصناعة إىل بالدهم أسسوا‬
‫معامل للورق يف مسرقند وخراسان وبغداد والشام ومشلت أيضاً أفريقيا ثم يف األندلس‪..‬‬
‫كان ال��ورق يصنع من شرنق ونفايات احلرير إذن‪ ،‬ولكن العرب ح��وروا هذه الصناعة فصنعوه من‬
‫القطن‪ ،‬ووجدوا أن هذه املواد غالية الثمن لذلك صنعوا الورق من نفايات القطن واخلرق البالية‪..‬‬
‫وهذا االكتشاف اعترب اكتشافاً مذهالً يف ذلك احلني‪ ،‬ألن الورق أصبح متيسراً كمّاً ونوعاً‪ ،‬وألنه العامل‬
‫األساسي لنشر الكتاب بني الناس‪..‬‬
‫وتقدم العرب يف حقل التعدين فأوجدوا امل��واد اليت مكنتهم من صناعة املتفجرات واملفرقعات و‬
‫األصبغة‪ ،‬وصنعوا بإتقان السيوف واخلناجر واملدافع النارية وأنشؤوا يف عصر اخلالفة العباسية‬
‫معمالً كيماوياً لرتكيب البارود يف بغداد واستخدموه عوضاً عن حبل املنجنيق‪..‬‬
‫أما يف صناعة الزجاج فصنع العرب الزجاج امللون والصحون والقوارير حلفظ العطور وزجاج املصابيح‪،‬‬
‫وتفنن الكيميائيون يف صباغة الزجاج بألوان خمتلفة حتى أصبحت قعكه تستخدم كأحجار كرمية‪..‬‬
‫سنتحدث اليوم عن عامل كيميائي موسوعي معروف هو أبو امساعيل مؤيد الدين احلسني بن علي‬
‫األصبهاني املعروف بالطغرائي‪..‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪4‬‬
‫وزير الثقافة‬
‫د ‪ .‬رياض نعسان آغا‬
‫ينحدر الطغرائي من عائلة عربية عريقة وهو من أحفاد أبي األسود الدؤيل وقد ولد عام (‪)453‬‬
‫هجرية املوافق لـ(‪ )1061‬للميالد يف مدينة (جي) يف مقاطعة أصبهان‪ ..‬أال أنه قضى جل حياته يف‬
‫املوصل إبان احلكم السلجوقي‪..‬‬
‫وقد قدم الطغرائي أعماله املوسوعية الكبرية يف الكيمياء والرياضة ويف األدب والشعر أيضاً‪ ،‬وقد‬
‫استفاد من عمله كوزير للسطان مسعود السلجوقي‪ ،‬فقدم العديد من الكتب واألحباث‪ ..‬وأخذ مؤلفات‬
‫جابر بن حيان وابن سينا والرازي وعلّق عليها ونقد بعضها وله كتاب خاص عنوانه (الرد على ابن‬
‫سينا يف الكيمياء) ‪..‬‬
‫يف كتابه (أحباث يف تاريخ العلوم الطبيعية يف احلضارة العربية واإلسالمية) يؤكد الدكتور أمحد‬
‫شوكت الشطي أن الطغرائي قد وضع بضع رسائل يف الكيمياء مسى إحداها حقائق االستشهاد وكانت‬
‫غايته من تأليفها الرد على شك ابن سينا‪..‬‬
‫لقد أثبت البحث التارخيي أن العرب يف القرنني العاشر واحلادي عشر امليالديني مل يكتفوا بإجراء‬
‫التجارب وكتابة الرسائل العلمية فحسب‪ ،‬بل حثوا يف النظريات الكيميائية واملركبات املستعملة يف‬
‫الطب والصيدلة‪ ،‬فقد استحضرت العقاقري املختلفة بتقطري النباتات واألعشاب أو بتفاعلها كيميائياً‬
‫مع مواد أخرى‪..‬‬
‫لقد أسهم أبو امساعيل مؤيد الدين احلسني بن علي األصبهاني املعروف بالطغرائي يف علم الكيمياء‬
‫إسهامات جليلة‪ ،‬لذا فهو يعد من كبار العلماء يف هذا امليدان‪..‬‬
‫ولد الطغرائي يف (جي) التابعة ألصبهان وكان عربياً من أحفاد أبي األسود الدؤيل أما عام والدته فكان‬
‫(‪ )453‬للهجرة املوافق لـ (‪ )1061‬للميالد‪..‬‬
‫وهو يعد من كبار علماء الكيمياء وله اليد الطوىل يف اكتشاف مركبات كيميائية هامة إضافة البن‬
‫حيان والرائي واجللدكي وابن سينا‪ ..‬وقد بقي كتاب (الصمابيح واملفاتيح) للطغرائي مرجعاً يستدل‬
‫به ملا حيتويه من نظريات يف علم الكيمياء‪ ،‬ولقد اهتم أبو امساعيل الطغرائي بالنظريات الكيميائية‬
‫اليت تعترب اآلن جزءاً ال يتجزأ من الكيمياء احلديثة‪..‬‬
‫عاش الطغرائي يف بالط السالجقة‪ ،‬وبعد وفاة السلطان حممد السلجوقي توىل ابنه مسعود احلكم‬
‫من بعده‪ ،‬فعني الطغرائي وزيراً أول عنده‪ ،‬وكان جيله وحيرتمه لسعة علمه ومعرفته‪...‬‬
‫خلف الطغرائي عشرة كتب يف الكيمياء عدا عن شعره الغزير‪ ..‬من كتبه (جامع األسرار وتركيب‬
‫األنوار يف األكسري‪ -‬جامع األسرار يف الكيمياء ‪ -‬سر احلكمة يف شرح كتاب الرمحة ‪ -‬اجلوهر النضري‬
‫يف صناعة االكسري‪ -‬مفتاح الرمحة ومصابيح احلكمة – ذات الفوائد – رسالة مارية بنت سابه امللكي‬
‫القبطي يف الكيمياء ‪ ) ..‬وغري ذلك‪..‬‬
‫كان عاملاً كبرياً موسوعياً‪ ،‬ظل تراثه يدرس يف الغرب حتى عصور متأخرة‪..‬‬

‫‪5‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫حممد عبد اهلل الياسني‬

‫الذي كان يفرض نفسه على اإلنسان العربي‬ ‫أو ًال – اإلره��اص��ات ‪ :‬أطلق األدب‬
‫وحيبسه م��رغ��م�اً خلف ج���دار حقبةٍ زمنيةٍ‬ ‫الشعيبّ العربيّ العنان لتصوّراته‬
‫خ�لاص منها‬
‫ٍ‬ ‫أدرك فيها أ ّن��ه ما من فكاكٍ أو‬ ‫وهتومياته‪ ،‬وس��اج وم��اج بال حدود‬
‫إال بالتخيّالت واألحالم واآلمال البعيدة‪ .‬ومن‬ ‫وال ق��ي��ود‪ ،‬ف��اس��ت��ح��ض��ر اجل����نّ والعفاريت‪،‬‬
‫هنا ظهرت االستطرادات واحلكايات الشعبيّة‬ ‫واقتحم املعجزات واخل��وارق‪ ،‬واستخدم املرآة‬
‫الغرائبيّة املليئة باألحداث الفنتازيّة العجيبة‬ ‫والزّمرد املرصود والسيف املطلسم‪ ،‬وحكى لنا‬
‫والشخصيات اخلارقة اليت تستطيع أن حت ّقق‬ ‫أحالمه وآماله يف جتاوز الواقع إىل أزمنةٍ ختلو‬
‫اآلمال يف غمضة عنيٍ أو أدنى‪.‬‬ ‫من املن ّغصات واملتاعب واآلالم; ذل��ك الواقع‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪6‬‬
‫األدوات ع�لاوةً على أ ّنها حت ّقق اآلم��ال وحت ّل‬ ‫ولعل أكرب التحديات اليت واجهت الناس يف‬
‫املعضالت فإ ّنها تقوم بوظائفها من دون تقصري‬ ‫املاضي هي مشكلة السّفر والرتحال وما يتطلبه‬
‫وتلبّي أح�لام اإلن��س��ان ب��ال�رّاح��ة واالسرتخاء‬ ‫من جهدٍ بال ٍغ وصربٍ وأناةٍ‪ ،‬فاإلنسان الذي خلقه‬
‫والكسل دون أيّ مقاب ٍل من م��ا ٍل أو غ��ذاءٍ أو‬ ‫يضطر لركوب احليوانات يف حلّه‬ ‫اهلل عجوالً ّ‬
‫مش ّقةٍ‪.‬‬ ‫وترحاله‪ ،‬هذه احليوانات اليت ال تلبّي رغبته‬
‫ّ‬
‫ولكن‪ ،‬هل يُعدّ كل هذا الذي ذكرنا من اخليال‬ ‫وال تبلغ طموحاته يف السّرعة واالستعجال‪.‬‬
‫العلمي ؟ وهل ميكن أن تكون اجلنّ والعفاريت‬ ‫لذا فإنّ أكثر ما نصادفه يف احلكايات الشعبية‬
‫واملرايا السّحرية من األفكار العلمية ؟‬ ‫الطريان على ظهور اجلنّ‬ ‫العربية هي حكايات ّ‬
‫لإلجابة عن هذا السؤال‪ ،‬ومن أجله أيضا‪ً،‬‬ ‫والعفاريت أو بوساطة ثياب الرّيش واألجنحة‬
‫وج��ب التّمييز بني الفنتازيا واخليال العلمي‬ ‫اليت مت ّكن اإلنسان من قطع املسافات بسرعةٍ‬
‫عموماً‪ ،‬فمع أنّ النسيج العام هلذه احلكايات‬ ‫كبريةٍ‪.‬‬
‫ال ميتّ للخيال العلمي بصلةٍ فقد عـدّه بعض‬ ‫وت��أت��ي امل���رآة السحريّة يف املرتبة الثانية‬
‫ال �دّارس�ين بدافع التأصيل أو اهل��وى من أدب‬ ‫ضمن مطالب اإلن��س��ان ال��ع��رب��ي أو أحالمه‬
‫اخليال العلمي أو إره��اص�اً أو ج��ذراً له (‪.)1‬‬ ‫الفنتازية‪ ،‬وهذه املرآة كانت ضرورية له‪ .‬إذ مل‬
‫وألننا ال نشكّ يف أنّ هؤالء الدّارسني من العلم‬ ‫يكن حيلم هبا يف معظم احلاالت من باب اللهو‬
‫والدّراية مبكا ٍن حبيث ال خيلطون بني الفنتازيا‬ ‫والتّرف وإمنا لشدة حاجته إليها‪ ،‬فالعربي الذي‬
‫واخليال العلميّ‪ ،‬فإنّ ما أوقعهم يف اللبس هو‬ ‫كان يعاني من ف��راق أهله وأحبائه إما بسبب‬
‫شيءٌ آخر متاماً‪ ،‬إنه الرّمز‪ ،‬وهو تفسري ما جاء يف‬ ‫الفتوحات اإلسالمية أو طلباً للرّزق أو العلم‪،‬‬
‫أساس من‬
‫ٍ‬ ‫احلكايات الفنتازيّة أو اخلرافيّة على‬ ‫وجد يف نفسه شوقاً لرؤية من حيبّ و عانى‬
‫التأويل واإلسقاط على منجزاتٍ إنسانيةٍ حديثةٍ‬ ‫الفرقة والشّتات‪ .‬وملّا كانت الظروف حتول دون‬
‫أو معاصرةٍ‪ ،‬فطائر الرّخ يُستبدل بالطائرة‪ ،‬و‬ ‫اللقاء وبثّ الشّوق واللوعة‪ ،‬وكان السّفر صعباً‬
‫املرآة السّحرية بالتلفاز‪ ،‬كما اُستبدل العفريت‬ ‫واملسافات بعيدة فإن املرآة كانت هي احل ّل األمثل‬
‫بالعلم الذي أصبح قادراً على حتقيق املعجزات‬ ‫ملثل هذه املشكلة; ففي املرآة السحريّة يستطيع‬
‫واخلوارق‪ ،‬يقول حممد التالوي ‪:‬‬ ‫اإلنسان رؤية األقانيم الشاسعة والبلدان اليت‬
‫(( إنّ الرّموز السّحرية املتناثرة بكثرةٍ يف‬ ‫ال يصلها إنس وال جانّ عياناً‪ ،‬ويرى فيها من‬
‫الليايل مثل ( خامت سليمان ‪ /‬البساط السّحري‬ ‫حيبّ مهما كانت الش ّقة بعيدة واملسافة فاصلة‪.‬‬
‫‪ /‬ال��ف��رس األب��ن��وس ‪ /‬ال��ط�يران ع��ل��ى جناح‬ ‫وقد ال تقتصر وظيفة املرآة على الرؤية بالبصر‬
‫طائـر ال���رّخ‪ ) ...‬قد استبدهلا العلـم احلديث‬ ‫فحسب‪ ،‬بل بني الطرفني ونقل الصوت والصورة‬
‫باالخرتاعـات فأصبحت السّيارة والصّاروخ‬ ‫بث مباشرٍ‪ .‬نعم إهنا تستطيع فعل‬ ‫كأنه يراه يف ٍّ‬
‫والتلفزيون ‪ )2( )) ...‬و يقول حممد ع��زام ‪:‬‬ ‫ذلك فعالً‪ ،‬وإال ملاذا مسِّيت باملرآة السحرية «‬
‫((‪ ..‬و يف قدرة ( العفريت ) الذي مي ّثل البديل‬ ‫إذا» ؟‪.‬‬
‫ال�رّم��زي لعلم اليوم‪ ،‬فيغين ويفقر ‪،‬و يضرّ و‬ ‫وقس على ذلك من األدوات اليت ميكن أن‬
‫ينفع‪ ،‬و يطري يف اجل��وّ‪ ،‬وخيتصر املسافات‪،‬‬ ‫خترتق ما يعجز عنه البشر‪ ،‬وحت ّقق األحالم‬
‫وينفذ من اجلدران‪ ،‬وحيقق لإلنسان ما يعجز‬ ‫بالثراء وال�رّف��اه��ي��ة والتخلّص م��ن اللصوص‬
‫ع��ن حتقيقه‪ .‬ومثل ه��ذه ( اخل���وارق )‬ ‫واألعداء‪ ،‬أو حت ّل املشكالت واملعضالت بسرعةٍ‬
‫اليت اعتربها إنسان ذلك العصر أحالماً‪،‬‬ ‫فائقةٍ ومذهلةٍ ومن غري ما جهدٍ يُذكر‪ .‬وهذه‬

‫‪7‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫تقرأ رواي�� ًة أو قصّ ًة من أدب اخليال العلمي‬ ‫ح ّققها اإلنسان احل��ايلّ بالعلم واملعرفة ))‬
‫العربي فسرعان ما يقفز فكرك إىل ارتباطه‬ ‫(‪)3‬‬
‫بأدب اخليال العلمي الغربيّ أو العامليّ ألنه أخذ‬ ‫وقد درج عددٌ كبريٌ من املث ّقفني على اعتبار‬
‫من ذلك األدب معظم خصائصه وتقنياته‪ ،‬ولن‬ ‫ه��ذا التفسري ال �رّم��زي م��ن املس َّلمات يف نقد‬
‫خيطر يف بال أحد أنّ هذا األدب اخليايلّ العلميّ‬ ‫اخليال العلميّ‪ ،‬وأنّ ك ّل ما كان حلماً إنسانياً‬
‫فرعاً أو تطوراً لذلك األدب الشعيب الفنتازي‬ ‫فتح ّقق بفضل العلم والتقنيّة فهو واقعٌ يف خانة‬
‫ألن األمر ال يبدو منطقياً أبداً‪ .‬نقول هذا وحنن‬ ‫اخليال العلميّ‪ .‬غري أ ّننا قد ال نتم ّكن من إطالق‬
‫نكنّ أحرتاماً كبرياً ألدبنا الشعيبّ وما قام به من‬ ‫مصطلح «اخل��ي��ال العلمي» على ذل��ك األدب‬
‫دو ٍر خالل مسرية تطوّر جمتمعنا العربيّ‪ ،‬كما‬ ‫الشعيبّ‪ ،‬وال ميكن كذلك ع�دّه من إرهاصات‬
‫نقدّر عالياً شعبنا العربيّ الذي حباه اهلل خميل ًة‬ ‫أو ب��داي��ات اخليال العلميّ العربيّ‪ ،‬ألنّ تلك‬
‫رحب ًة أدهشت العامل وأ ّثرت يف آدابه املختلفة‪.‬‬ ‫األحالم الالواعية اليت ُفسّرت وفقاً ملنجزاتٍ‬
‫وإذا كان األمر كذلك فمن األج��در أال نزجّ‬ ‫علمي على اإلطالق‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫تقنيّةٍ حديثةٍ ليست خبيا ٍل‬
‫باإلسرائيليات وشطحات أو كرامات الصوفيّة‬ ‫قد تستطيع أن تدعوَها « أحالماً مستقبلي ًَة» أو‬
‫وبعض األقاصيص القدمية يف زم��رة اخليال‬ ‫«استباقاتٍ تقني ًة» أو مسِّها ما شئت ‪ ...‬وذلك‬
‫العلمي‪ ،‬مع ما تتّسم به ه��ذه احلكايات من‬ ‫ألنّ هذا األدب الشعيبّ إمنا هو أدبٌ فنتازيٌّ‬
‫فـذةٍ يف القصّة والسّرد‪.‬‬ ‫خيا ٍل خصبٍ وموهبةٍ ّ‬ ‫يف أكثر حكاياته وأوهامه‪ .‬أمّا إذا أردنا أن نعدّ‬
‫فاإلسرائيليات تر ّكز يف معظمها على عجائب‬ ‫الرّمز مقياساً ألدب اخليال العلميّ فإنّ ذلك‬
‫القرون املاضية كحكاية عوج بن عناق وأخبار‬ ‫سيعيدنا إىل اخللط القديم‪ ،‬أي إ ّننا لن جند‬
‫عبّاد بين إسرائيل و رهباهنم‪ .‬وأخبار األنبياء‬ ‫مندوح ًة من إدخال أساطري الفراعنة واإلغريق‬
‫يف أقوامهم‪ .‬ومع أنّ معظم هذه احلكايات مسلّمٌ‬ ‫والعرب‪ ،‬وفنتازيا اهلند والصني‪ ،‬وأحالم الفرس‬
‫بكذهبا ومفنّدةٌ أخبارها فإنّ القصّاصني وبعض‬ ‫والبابليني ‪ ..‬لن جند مفرّاً من إدخال ك ّل تلك‬
‫املفسّرين قد درجوا على ذكرها يف ك ّل مناسبةٍ‪،‬‬ ‫األنواع يف زمرة اخليال العلميّ مع أ ّنها ختتلف‬
‫فعوج بن عناق مثالً يكون على زمن نو ٍح عليه‬ ‫عنه متام االختالف وتتباين عنه متام التباين;‬
‫الطوفان الذي ال يبلغ ركبته‪،‬‬ ‫السالم خيوض يف ّ‬ ‫فعلى أساس الرّمز سيكون ط��اووس هريا (‪)4‬‬
‫و نراه ينظر إىل سفينة نو ٍح من فوق و يسخر‬ ‫خياالً علميّاً باعتباره يرمز للشابكة (اإلنرتنت)‬
‫منه قائالً ‪« :‬ما هذه القصعة اليت تركب فيها‬ ‫أوامل���صّ���ورات‪ ،‬وي��ك��ون التّنني احل��دي��ديّ رمزاً‬
‫وقومك يا نوح ؟»‪ .‬و حكاية النّمرود الذي صنع‬ ‫للقطار‪ ،‬ويكون سهم أب��ي حيّة النّمريي (‪)5‬‬
‫تابوتاً أقلعت به أربعة نسو ٍر كاسرةٍ تشقّ به‬ ‫استباقاً علمياً للصاروخ املوجّه ‪ ....‬وهلمّ جرّاً‪.‬‬
‫أجواز الفضاء يف حماولة للطريان للوصول إىل‬ ‫وال ميكن كذلك أن نقول إنّ األدب الشعيبّ‬
‫اإلله !! (‪.)6‬‬ ‫العربيّ يش ّكل إرهاصاً أو ج��ذراً ألدب اخليال‬
‫أمّ���ا شطحات ال��ص��وف�يّ��ة وأخ��ب��اره��م فهي‬ ‫العلميّ ال��ع��رب�يّ‪ ،‬إل ّن��ه و ببساطةٍ ش��دي��دةٍ مل‬
‫أيضاً قد اختلطت فيها الكرامات احلقيقيّة‬ ‫تكن قصص اخليال العلمي العربي احلديثة‬
‫باخلرافات و وسوسات الشياطني‪ ،‬فامتألت‬ ‫حقيقي متسلس ٍل من‬
‫ٍّ‬ ‫قد ظهرت نتيج َة تطوّ ٍر‬
‫كتبهم ب��احل��ك��اي��ات ال��ع��ج��ي��ب��ة ال�ت�ي تذ ّكرك‬ ‫األدب الشعيبّ العربيّ وإمنا جاءت بتأثريٍ من‬
‫حبكاياتٍ أو شخصياتٍ فنتازيّة عربيةٍ و عامليّةٍ‬ ‫اطلع عليها املثقفون‬ ‫التّرمجات العديدة اليت ّ‬
‫من ط��راز ح�يّ بن يقظان و روبنسون كروزو‬ ‫العرب يف منتصف القرن التاسع عشر‪ .‬فعندما‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪8‬‬
‫وطرزان وغريها ‪ ..‬فال ميكنك مثالً أن‬
‫تقول إنّ «املذهّب» (‪ )7‬هو حكاية خيا ٍل‬
‫علمي استبقت صناعة الراّبوط مبئات‬ ‫ٍّ‬
‫السنني‪ .‬فهذا املذهب وإن أشرف على‬
‫خدمة البشر ولبىّ متطلباهتم كما يفعل‬
‫الرّابوط يف أيامنا هذه إال أ ّنه ليس من‬
‫صنع البشر وإبداعاهتم و بالتايل ال ميكن‬
‫عدّه خياالً علمياً بناء ًعلى نظريّة الرّمز‬
‫اليت مرّت بنا آنفاً‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬أليس من اإلجحاف إنكار أيّ‬
‫ب��ارق �ةٍ م��ن اخل��ي��ال العلميّ يف مصادر‬
‫ال�تراث العربي أو األدب الشعيب ؟ وهل‬
‫من اإلنصاف أن يزعم الناقد أنّ الرتاث‬
‫ال��ع��رب��ي ق��د خ�لا مت��ام �اً م��ن أخ��ب��ا ٍر أو‬
‫حكاياتٍ ميكن تصنيفها يف زمرة اخليال‬
‫العلميّ ؟‬
‫إنّ ال��ق��ول خب��ل �وّ امل��ص��ادر العربية‬
‫القدمية ممّا ميكن عدّه خياالً علمياً هو‬
‫غلوٌّ يف اإلنكار والتطرّف وقفزٌ من فوق‬
‫سياج احلقيقة‪ ،‬فمع أنّ هذا النّوع األدبيّ‬
‫مل يكن فاشياً يف تارخينا األدبيّ القديم‪،‬‬
‫و مع أنّ البنية القصصية العربية ا ّتخذت‬
‫يف األغلب األعمّ شكل الفنتازيا‪ ،‬فإننا ال‬
‫نعدم وجود ش��ذراتٍ من األدب الشعيبّ‬
‫واألخيوالت الفلسفية واحلكايات الدينيّة‬
‫ما ميكن إدراجه يف ملفّ اخليال العلميّ‬
‫دون ريبٍ أو ترددٍ‪ .‬وسنعرض هنا لثالثة‬
‫أمنوذجاتٍ من هذه املصادر وهي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬ألف ليلةٍ وليلةٍ ‪.‬‬
‫‪ - 2‬حيّ بن يقظان ‪.‬‬
‫‪ - 3‬مصادر الرتاث األخرى‪.‬‬

‫‪ - 1‬أل��ف ليلة وليلة ‪ :‬إنّ كتاب‬


‫ألف ليلةٍ وليلةٍ يعدّ من الكتب اليت تغلب‬
‫عليها الصّبغة الفنتازية‪ ،‬وإن مل‬
‫خي ُل من القصص أو الشخصيات‬

‫‪9‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫وج��دمه��ا ح � ّق �اً كما ق��ال صاحبامها فأنعم‬ ‫التارخييّة من مثل هارون الرشيد وأبي نواس‬
‫عليهما‪ ،‬ولكن صاحب الفرس راح ينتظر حتى‬ ‫والفضل بن الربيع وغريهم‪ .‬أمّا احلكايات اليت‬
‫يتمّ جتريب فرسه لينال جائزته هو أيضاً‪.‬‬ ‫ميكن ربطها بأدب اخليال العلمي فهي ال تعدو‬
‫يتقدّم ابن امللك الذي يشبه القمر يف وسامته‬ ‫أن تكون بضع حكاياتٍ منثورةٍ بني القصص‬
‫ليجرّب الفرس فتطري به‪ ،‬و لكنه ال يعرف كيف‬ ‫املتداخلة واخل��راف��ات املتهافتة‪ ،‬ولع ّل القصة‬
‫يهبط هبا إال بعد أن يقطع مسافاتٍ هائل ًة‪،‬‬ ‫املعنونة بـ «حكاية أصحاب الطاووس والبوق‬
‫حيط على سطح أحد القصور يف بـالدٍ‬ ‫ّ‬ ‫حيث‬ ‫والفرس» هي القصّة اليت يتّصل مضموهنا مع‬
‫بعـيدةٍ‪ ،‬وهناك يكتشف أنّ هذا القصر مللك تلك‬ ‫أدب اخليال العلميّ‪ ،‬وقد ال نغايل إذا قلنا يف‬
‫البالد‪ ،‬ويصادف ابنته اجلميلة فيذوبان عشقاً‬ ‫وصفها إ ّنها قصة خيا ٍل علميّ بدرجة امتياز‪.‬‬
‫ببعضهما إىل أن يهامجهما امللك فيحكي له‬ ‫وتتلخص احلكاية بأنّ ثالثة حكماء ت ّقدموا‬ ‫ّ‬
‫الشّاب قصته‪ ،‬فيطلب منه امللك رؤية الفرس‬ ‫إىل أح��د امل��ل��وك ب��ث�لاث ه��داي��ا غ��ري��ب�ةٍ مهراً‬
‫الطائر و جتريبها أم��ام��ه‪ ،‬عندها يركب ابن‬ ‫ليزوجهم م��ن بناته ال��ث�لاث اجل��م��ي�لات‪ ،‬أمّا‬
‫امللك ويفرّ ناجياً مبهجته من ذلك امللك الذي‬ ‫اهلديّة األوىل فهو طاووس يزعق يف ك ّل ساعةٍ‬
‫أراد قتله‪ .‬ثم يعود بعد أيام ليخطف ابنة امللك‬ ‫بوق حيرس املدينة إذ‬ ‫من هنارٍ‪ ،‬واهلديّة الثانية ٌ‬
‫ويهرب هبا إىل بالدٍ أخرى‪ ،‬و يالحقهما احلكيم‬ ‫يصدر أصواتاً كلّما همّ بدخوهلا لصٌّ أو عدوٌّ‪.‬‬
‫صاحب الفرس ‪ ....‬يف مغامرة طويلة جداّ‪.‬‬ ‫و أمّا اهلديّة الثالثة فكانت فرساً مصنوعاً من‬
‫و العنصر األه �مّ يف هذه احلكاية هو الفرس‬ ‫األبنوس والعاج وهو يطري فيُبلغ راكبه أيّ مكا ٍن‬
‫الطائر‪ ،‬فهذا الفرس صنعيٌّ‪ ،‬مبعنى أنه مصنوعٌ‬ ‫�ط��اووس والبوق‬ ‫يريد‪ .‬وعندما ج�رّب امللك ال� ّ‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪10‬‬
‫اللوالب واألزرار ‪.‬‬ ‫من مادّة األبنوس والعاج‪ ،‬وهو األداة الصّنعية‬
‫أمّا طريقة طرياهنا فهي بامتالء جوفها هواءً‪،‬‬ ‫الوحيدة يف كتاب «ألف ليلة وليلة» اليت تُتّخذ‬
‫حبيث تصبح أخف وزناً وأق ّل اجنذاباً لألرض‪.‬‬ ‫تسخر العفاريت‬ ‫ّ‬ ‫وسيل ًة للطريان‪ ،‬إذ الغالب أن‬
‫كما أ ّنها حتتاج إىل قوة دفع كافيةٍ لتحريكها‬ ‫واجلنّ وأجنحة الرّيش هلذه الغاية‪ .‬أمّا ما يدعو‬
‫وإطالقها يف اجلوّ كحاجة الطائرات للمحركات‬ ‫للدّهشة يف ه��ذه القصّة فهو وص��ف الرّاوي‬
‫النفا ّثة‪ .‬وحيتاج راكبها إىل حزام أم��ا ٍن كي ال‬ ‫للفرس وكأنه يصف طائرةً ن ّفاث ًة حيناً‪ ،‬أو طوّاف ًة‬
‫يهوي عن ظهر تلك الفرس‪ .‬فابن امللك عندما‬ ‫مطلع على القوانني الفيزيائيّة‬ ‫حيناً آخر‪ ،‬و كأنه ّ‬
‫ع��اد ليختطف حبيبته (رك��ب وأرك��ب الصبيّة‬ ‫للطريان‪ ،‬ناهيك أنّ ال��ف��رس جمهزٌ مبقابض‬
‫خلفه وضمّها إليه وشدّ وثاقها ‪ ....‬ثم إ ّنه حرّك‬ ‫ولوالب للصّعود واهلبوط والتّوجيه واملناورة ‪...‬‬
‫لولب الصّعود فامتأل ج��وف ال��ف��رس باهلواء‬ ‫فعندما يقوم ابن امللك ليجرّب الفرس يلكزها‬
‫وحترّكت وماجت‪ ،‬ثم ارتفعت صاعدةً إىل اجلوّ)‬ ‫كما يلكزالفرس احلقيقية ولكنّها ال تتحرّك‬
‫(‪ )9‬ويف مثل ه��ذه الرّحلة اجلويّة الشاعريّة‬ ‫فيسأل قائالً ‪:‬‬
‫حيتاج املرء إىل ختفيف سرعة الطائرة لتزداد‬ ‫(‪ ...‬يا حكيم الزّمان أين الذي ادّعيته من‬
‫الرّحلة هبج ًة و إمتاعاً يف التّحليق مع النّسمات‬ ‫سريها ؟ فعند ذلك جاء احلكيم إىل ابن امللك‬
‫اهلادئة ‪( :‬وجعل يسري الفرس هبما سرياً لطيفاً‬ ‫وأراه لولب الصّعود وقال له ‪ :‬افرك هذا اللّولب‪،‬‬
‫لكيال يزعجها ‪.)10( )...‬‬ ‫ففركه ابن امللك وإذا بالفرس قد حترّك وطار‬
‫أمّا طريقة هبوط الفرس يف مجيع أجزاء القصة‬ ‫بابن امللك إىل عنان السماء‪ .‬ومل يزل طائراً به‬
‫حتط على سطح‬ ‫فهي تتّخذ شكالً دورانياً قبل أن ّ‬ ‫حتى غ��اب عن األع�ين‪ ،‬فعند ذل��ك احتار ابن‬
‫أحد القصور الشّاهقة‪ ،‬ومن يدري فربّما تكون‬ ‫امللك يف أمره وندم على ركوبه الفرس ثم قال ‪:‬‬
‫هذه احلركة الدّائرية لتخفيف السّرعة وحتديد‬ ‫« إنّ احلكيم قد عمل على هالكي فال حول وال‬
‫مكان اهلبوط بد ّقـة متاماً كما يفعل طيارو هذه‬ ‫قوة إال باهلل العليّ العظيم‪ ،‬ثم إ ّنه جعل يتأمّل‬
‫األي��ام ‪( :‬ثم إنه جدّ يف السري حتى أشرف على‬ ‫يف مجيع أعضاء الفرس‪ ،‬فبينما هو يتأمّل فيها‬
‫مدينة أبيه‪ ،‬ودار حول املدينة ثم توجه إىل قصر‬ ‫إذ وقع نظره على شيءٍ مثل رأس الدّيك على‬
‫أبيه ون��زل فوق السطح) (‪ )11‬ومن البديهيات‬ ‫كتف الفرس األمين وكذلك األيسر فقال ابن‬
‫عند العلماء و اخلرباء العسكريون أنّ الطائرات‬ ‫امللك ما أرى غري هذين الزّرين ففرك الزّر الذي‬
‫استُخدمت يف بداية احلرب العامليّة الثانيّة فقط‬ ‫على الكتف األمين فازدادت به الفرس طرياناً‬
‫الكتشاف موقع العدو وحتديد مسته‪ ،‬ومل تزوَّد‬ ‫طالع ًة يف اجلوّ‪ ،‬فرتكه ثم نظر إىل الكتف األيسر‬
‫هذه الطائرات بالقنابل والقاذفات الرّشاشة إال‬ ‫ف���رأى ذل��ك ال���زّر ففركه فتناقصت حركات‬
‫الحقاً‪ .‬ما نريد قوله هنا أنّ راوي « ألف ليلة‬ ‫الفرس من الصّعود إىل اهلبوط وجعل يدير‬
‫وليلة» كان أكثر ذكاء و أبعد نظراً يف اسرتاتيجيتة‬ ‫وجه الفرس كما يريد وهي هابط ٌة به وإذا شاء‬
‫ألغراض‬
‫ٍ‬ ‫احلربية; إذ استخدم فرسه الطائرة‬ ‫نزل هبا وإذا شاء طلع هبا) (‪ )8‬إذاً فنحن أمام‬
‫قتاليّةٍ حبتةٍ‪ ،‬واستطاع أن جيعل من الطائرة‬ ‫طائرةٍ حقيقيّةٍ مزودة بأزرار و لوالب للصّعود‬
‫املقاتلة عامالً حامساً يف االنتصار‪ ،‬بيد أنّ طائرته‬ ‫واهلبوط وال �دّوران‪ .‬فهي طائرة سهلة االنقياد‬
‫املقاتلة حتتاج إىل مدْرَج مبقدار رمية سه ٍم‪ ،‬وهو‬ ‫والتوجيه‪ ،‬وال ميكن هلا أن جتبُن أو حترن كما‬
‫ما حتتاجه مقاتالت اليوم احلديثة من‬ ‫حترن الفرس العاديّة ‪.‬ألنّ هذه الفرس الطائرة‬
‫غري املروحيّات‪ .‬ففي القصّة يتحدّى األمري‬ ‫ال تتل ّقى األوامر باللّكز واهلمز وإ ّنما عن طريق‬

‫‪11‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫الشاب عساكر امللك وال��د حمبوبته فيقول‬


‫‪ ...( :‬ال أركبها إال إذا ابتعد عنها العساكر‪،‬‬
‫فأمر امللك العسكر الذين حوله أن يبتعدوا‬
‫عنها مبقدار رمية السّهم‪ ،‬فقال له ‪ « :‬أيها امللك‬
‫هأنا رائ �حٌ أرك��ب فرسي وأمح��ل على جيشك‬
‫فأفرّقهم مييناً ومشاالً وأصدع قلوهبم ‪ ....‬فلما‬
‫استوى ابن امللك على فرسه فرك لولب الصعود‬
‫فتطاولت إليه األبصار لينظروا ماذا يريد أن‬
‫يفعل‪ ،‬فماجت فرسه واضطربت حتى عملت‬
‫أغ��رب حركاتٍ تعملها اخليل‪ ،‬وامتأل جوفها‬
‫باهلواء‪ ،‬ثم ارتفعت وصعدت إىل اجلو ‪)12( )..‬‬
‫‪.‬‬
‫وجيب تف ّقد هذه الطائرة والتأكد من سالمة‬
‫آالهتا وأجزائها قبل اإلقالع هبا ‪ .،‬متاماً كما يعمل‬
‫املهندسون امليكانيكيون على صيانة ك ّل طائرةٍ‬
‫واالطمئنان إىل سالمة حمرّكاهتا وأجهزهتا قبل‬
‫بالضبط‬‫أن تو َكل لقائدها مَهمّة الطريان‪ ،‬وهذا ّ‬
‫م��ا فعله اب��ن امللك عندما ف �رّ م��ن األس��ر مع‬
‫عروسه ‪( :‬فقال ابن امللك يف نفسه ‪ :‬إنّ من‬
‫الرّأي عندي أن أتفقد الفرس وأنظرها قبل ك ّل‬
‫شيءٍ‪ ،‬فإن كانت سامل ًة مل حيدث فيها أمرٌ فقد‬
‫مت يل ك ّل ما أريد‪ ،‬وإن رأيتُها قد بطلت حركاهتا‬ ‫ّ‬
‫حتيّلت حبيلةٍ يف خ�لاص مهجيت) (‪ )13‬أما‬
‫هناية القصة فكانت طريف ًة حقاً‪ ،‬فلكي يتخلّص‬
‫الراوي من فضول القارئ أو املستمع ومطالبته‬
‫له بسرّ ابتكار هذه الطائرة فقد آثر حتطيمها‪.‬‬
‫فامللك والد الشّاب عندما عاد إليه ولده كسر‬
‫الفرس األنبوس كيال يفارقه ابنه مرةً أخرى‪.‬‬
‫والغريب أنّ أدباءنا العرب الذين يكتبون قصة‬
‫اخليال العلمي غالباً ما يلجؤون إىل الفكرة ذاهتا‬
‫ليبقى سرّ االكتشاف أو االخرتاع مطويّاً‪ ،‬ويظ ّل‬
‫احل��دث غامضاً إىل األب��د ‪ ..‬وق��د تكون هذه‬
‫النهاية أرّقت الكثري الكثري من عشاق احلكايات‬
‫وهم يف ّكرون يف طريقةِ اخرتاع مثل هذه الفرس‬
‫حيطم تلك‬‫ّ‬ ‫اخلياليّة‪ ،‬ويتمنَّون لو أنّ امللك مل‬
‫الفرس‪ ،‬وال شكّ يف أ ّنهم حلموا بركوب مثل تلك‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪12‬‬
‫بشبكته يف البحر ويشدّها ف��إذا هي مشكول ُة‬ ‫الطائرة الفارهة ‪ ...‬ولكن كان على اإلنسانيّ ًة أن‬
‫بشيءٍ ثقي ٍل وم��ازال جيذهبا حتى أدم��ت يده‪،‬‬ ‫تنتظر وجترّب وتفشل ردحاً كبرياً من الزّمن قبل‬
‫وما إن أبصر بصيده حتى متلّكه الفزع‪ ،‬فقد‬ ‫أن يستوي أوّل إنسان على مقعد طائرة وحيلّق‬
‫كان داخل الشبكة آدميّ يف هيئةٍ غريبةٍ‪ ،‬فحاول‬ ‫جبوار الطيور مدهوشاً‪ ،‬الطيور اليت سبقته يف‬
‫اهلرب لكنّ اآلدم �يّ استحلفه باهلل أن خيلّصه‬ ‫هذه التّجربة مباليني السنني‪.‬‬
‫من الشبكة‪ ،‬وعندما يطمئن عبداهلل الربي إىل‬ ‫أمّ��ا احلكاية الثانية يف « ألف ليلة وليلة «‬
‫هذا املخلوق الغريب يسأله عن طبيعته ومن أيّ‬ ‫واليت ميكن عدّها من طوبائيات اخليال العلمي‬
‫شيءٍ هو‪ ،‬فيخربه الرّجل البحري عن مملكةٍ من‬ ‫فهي قصة « عبداهلل البحرتي «‪ .‬وه��ذه قصة‬
‫البشر البحريني الذين يعيشون يف قرارة البحر‬ ‫طريفة عن صيّادٍ فقريٍ له تسعة عيال وأمّهم‪،‬‬
‫بسعادةٍ وهناءٍ‪ ،‬وخيضعون لقواننيَ عادلةٍ تن ّفذ‬ ‫وعندما يرزق بابنه العاشر يقصد البحر ويرمي‬
‫على اجلميع وحتفظ أمن اململكة‪.‬‬ ‫شبكته على خبت ه��ذا الغالم اجلديد‪ ،‬ولكن‬
‫بعد ذلك تنشأ صداق ٌة محيم ٌة بني اإلنسان‬ ‫ك ّل ما علقت به الشبكة فهو احلشيش وأكياس‬
‫البحري املسلم «عبد اهلل البحري» والصياد‬ ‫(اخليش) وجيفة محا ٍر منفو ٍخ ‪ ...‬وقد ظ ّل كذلك‬
‫الذي يدعى « عبداهلل الربي «‪ ،‬ويتبادالن‬ ‫مدّة أربعني يوماً حتى ظنّ أنّ هذا الغالم قد وُلد‬
‫اهل���داي���ا إذ جي��ل��ب ال��ب��ح��ريّ اجلواهر‬ ‫ومل يقسم له اهلل رزق� ً�ا‪ .‬ويف أحد األي��ام يلقي‬

‫‪13‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫ما حيصل عليه االتفاق بينه وبني أبـي الزّوجــة‬ ‫والزّمرد والياقوت من باطن البحر ليعبّئها‬
‫)) (‪)14‬‬ ‫يف مشنّة عبداهلل الربي الذي يُحضِر له الرّمان‬
‫ً‬
‫وامل�����دن ال��ف��اض��ل��ة ع��م��وم �ا ال ت��ع��ت��م��د يف‬ ‫والعنب واللوز والتني وغريها من فواكه الرب ‪.‬‬
‫اقتصاداهتا على النّقود‪ ،‬وكأنّ املال يع ّكر صفوها‬ ‫يبدأ اجل��زء املهم يف القصّة عندما يدهن‬
‫ويفسد عليها هناءهتا‪ ،‬ومن هنا فإنّ الطوبائيني‬ ‫عبداهلل البحري جسم صديقه بدها ٍن ليصبح‬
‫قلّما أشاروا إليه‪ ،‬وهم يهملون ذكره يف معظم‬ ‫قادراً على التّجوال يف باطن البحر أليام وليا ٍل‬
‫أعماهلم حتى إنّ الفرنسي سريانو دي برجراك‬ ‫دون أن يصيبه أيّ مكروه‪ ،‬ثم يصطحبه ليعرّفه‬
‫تصوّر أن س ّكان القمر ينشدون القصائد بدالً‬ ‫إىل تلك املمالك الطوبائية الرائعة‪ ،‬حيث يعيش‬
‫من دفع احلساب !! فالطوبائيات تنظر إىل املال‬ ‫مجيع السكان هناك يف تفاه ٍم على اختالف‬
‫نظرةً سلبي ًة ممّا جيعلها تلجأ إىل استبداله‬ ‫أدياهنم ومذاهبهم‪ .‬وال يأكلون إال من صنف‬
‫بقي ٍم أخ��رى لنشرها يف جمتمعاهتم الفاضلة‬ ‫واحد من الطعام هو السمك‪ ،‬وليس للجواهر‬
‫ليبعدوها عن شرور املال و مفاسده (‪)15‬‬ ‫وال�لآىلء أيّ قيمةٍ هناك‪ ،‬وإمن��ا تتمّ عمليّات‬
‫ثم إنّ عبداهلل البحري عندما يهمّ بتوديع‬ ‫البيع وال �شّ��راء ودف��ع امل��ه��ور بتقديم كميّاتٍ‬
‫صاحبه يعطيه أمان ًة ليوصلها إىل قرب النيب‬ ‫معلومةٍ من أصناف السّمك‪ ،‬فالعملة الوحيدة‬
‫صلى اهلل عليه وس ّ��ل��م‪ ،‬و بينما هو يسري يف‬ ‫اليت ميكن تداوهلا هناك هي السمك‪ ،‬فعندما‬
‫وداعه يرى عبداهلل الربي أناساً يغنّون وميرحون‬ ‫يسأل عبداهلل ال�بري صديقه البحري ‪..(( :‬‬
‫فيسأل صاحبه هل عند هؤالء عرس ؟ فيقول‬ ‫فأيّ شيءٍ يكون مهر نسائكم ؟ هل تعطوهننّ‬
‫البحري إمنا مات عندهم ميْتٌ‪ ،‬فيتعجّب الربي‬ ‫جواهر و معادن ؟ قال له إنّ اجلواهر أحجارٌ‬
‫ويشرح لصاحبه كيف أن النساء يف الربّ يلطمن‬ ‫ليس هلا عندنا قيم ٌة‪ ،‬و إ ّنما ال��ذي يريد أن‬
‫و يولولن على امليت‪ ،‬وحي��زن الناس ويشقون‬ ‫يتزوّج جيعلون عليه شيئاً معلوماً من أصناف‬
‫اجليوب فرقاً على من تُو ّفي منهم ((‪ ...‬فحملق‬ ‫السمك قدر ألف‪ ،‬الفني‪ ،‬أو أكثر أو أق ّل حبسب‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪14‬‬
‫ين ظهرت إىل الوجود يف القرون‬ ‫ذات طاب ٍع دي ٍّ‬ ‫البحري عينيه يف عبداهلل الربي وقال له‪ :‬هاتِ‬
‫الوسطى‪ ،‬وقد كتبها األندلسي الشهري أبو بكر‬ ‫األمانة!‪ ،‬فأعطاها له ثم أخرجه إىل الربّ وقال‬
‫بن طفيل (‪ )17‬ليناقش من خالهلا مسائ َل‬ ‫له‪« :‬قطعتُ صحبتك وودّك فبعد هذا اليوم ال‬
‫دينية وفلسفية‪ ،‬ويربهن على توجّهاته الصوفيّة‬ ‫تراني وال أراك»‪ .‬فقال له‪« :‬ملاذا هذا الكالم ؟»‬
‫أو اإلشراقية‪ ،‬واليت تتلّخص يف إمكان معرفة‬ ‫فقال له ‪ :‬أما أنتم يا أهل الربّ أمانة اهلل ؟ فقال‬
‫اهلل عن طريق العقل والبصرية معاً‪ .‬وقد سرد‬ ‫الربّي ‪ :‬نعم ‪ .‬قال‪ « :‬فكيف ال يهون عليكم أنّ‬
‫ذلك كلّه عرب مثالٍ جاء على شاكلة قصةٍ أخذت‬ ‫اهلل يأخذ أمانته بل تبكون عليها ؟ فكيف أمانة‬
‫بألباب الفقهاء و الفالسفة و الدّارسني‪ ،‬و قد‬ ‫النيب صلى اهلل عليه وسلم ؟ « )) (‪)16‬‬
‫جعل هلا ابن الطفيل عنواناً معبّاً هو «حيّ بن‬ ‫إذاً فهذه مدين ٌة حبري ٌة فاضل ٌة‪ ،‬ذات صبغةٍ‬
‫يقظان» ‪.‬‬ ‫إسالميةٍ‪ ،‬مع أنّ يف البحر يهوداً ونصارى يعيشون‬
‫وح �يّ بن يقظان هو اب��ن الطبيعة البكر‬ ‫يف مد ٍن وممالكَ مستقلّةٍ وتربطهم عالقة مودّة‬
‫ألنه نشأ منها وترعرع فيها وتعلّم على يدها‪،‬‬ ‫مع مدن وممالك املسلمني‪ .‬أمّا ملاذا كانت مدينة‬
‫فهذا الطفل ( حيّ ) خُلق من طينةٍ توافرت‬ ‫الرّاوي حبريّ ٌة وليست بريّ ٌة‪ .‬فالغالب أنّ الرّاوي‬
‫هلا شروط احلياة من حرارةٍ و رطوبةٍ ولزوجةٍ‬ ‫أراد أن يعوّض ما يعانيه املسلمون من قسوة‬
‫واعتدالٍ و غري ذلك ممّا عدّه القدماء جبلّ ًة‬ ‫االستبداد والتسلّط فزعم أنّ تلك املدينة كانت‬
‫م��وج��ودةً يف ك � ّل خملوق ‪ .‬األم��ر ال��ذي جعل‬ ‫يف أعماق البحر‪ ،‬وأنّ سكاهنا كانوا مجيعاً من‬
‫الطينة تتفتّق ع��ن ك��ائ��نٍ إن��س��ان� ٍّ�ي هو‬ ‫ه��ذه ّ‬ ‫املخلوقات اآلدميّة البحريّة‪ .‬فرمبا رأى صاحب‬
‫ح�يّ بن يقظان‪ ،‬وق��د تو ّلت ظبي ُة من ظباء‬ ‫هذه القصة بأنّ ذلك أدنى إىل العقل وأقرب إىل‬
‫حي ومحايته‪،‬‬ ‫اجلزيرة فقدت رشاها إرضاع ٍّ‬ ‫التّصديق بعد أن فقد الناس ك ّل إميا ٍن بالعدل‬
‫فتعلّق هب��ا كما يتعلّق الطفل بأمّه‪.‬‬ ‫على وجه اليابسة !‬
‫ويتابع اب��ن طفي ٍل بطل حكايته منذ‬ ‫‪ - 2‬حيّ بن يقظان ‪ :‬وهذه قص ٌة فلسفيةٌ‬

‫‪15‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫أو تعلّق به نباتٌ آخر يؤذيه‪ ،‬أو عطِش عطشاً‬ ‫نعومة أظفاره وحتى بلوغه سنّ الرّشد شارحاً‬
‫يكاد يفسده‪ ،‬أزال عنه ذلك احلاجب إن كان‬ ‫ما طرأ على عقل الصّيب من تطوّ ٍر أوإدراكٍ ثم‬
‫ممّا يزال‪ ،‬وفصل بينه وبني ذلك املؤذي‪ ،‬وتعهّده‬ ‫حماكمةٍ و استنتا ٍج‪.‬‬
‫بالسّقي ما أمكنه‪ ،‬ومتى وقع بصره على حيوا ٍن‬ ‫غري أنّ احلادثة الفاجعة اليت غيّرت مسرية‬
‫قد أرهقه ضبعٌ‪ ،‬أو نشب به ناشبٌ أو تعلّق به‬ ‫حياة ابن يقظان‪ ،‬وجعلت تفكريه يسمو باجتاه‬
‫شوك‪ ،‬أو سقط يف عينه أو أذنيه شيءٌ يؤذيه‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫الرّوحانيات هو موت أمه الظبية و حبثه عن‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫أو مسّه ظمأ أو جوعٌ‪ ،‬تك ّفل بإزالة ذلك كله عن‬ ‫سبب نفوقها‪ ،‬ممّ��ا فجرّ لديه كمّاً كبرياً من‬
‫جهده وأطعمه وسقاه )) (‪)18‬‬ ‫التساؤالت ح��ول مصريها و مل��اذا ماتت و ما‬
‫وال ب�دّ من اإلش��ارة إىل أنّ ح�يّ بن يقظان‬ ‫هو املوت الذي آلت إليه‪ ،‬وهذا ما يـدفع (حيّاً)‬
‫قد توصّل إىل قناعاته اخليّرة تلك بسلسلةٍ‬ ‫للتف ّكر باخلالق والتعلّق به واحملبة له دون أن‬
‫من املعارف العمليّة اليت اكتسبها باملالحظة و‬ ‫ميارس عباداتٍ خمصوصةٍ‪،‬األمر الذي بثّ يف‬
‫برهن عليها بالتجريب‪ ،‬فهو يالحظ و يستنتج‪،‬‬ ‫نفسه إشراقات املكاشفة وسعادة اإلميان اليت‬
‫و خيطئ ويصيب حتى يتبيّن له احل�قّ‪ ،‬وهذا‬ ‫حيصل عليها العارفون باهلل‪ .‬وهنا يظهر حيّ‬
‫األمر ينطبق على أكثر ما واجهه حيٌّ من أسئلةٍ‬ ‫بن يقظان مثالً لإلنسان اخليّر ال��ذي تدفعه‬
‫وألغا ٍز سواء أكان ذلك يف عامل الطبيعيّات أم‬ ‫فطرته السليمة إىل حبّ اخلري‪ ،‬ال بل إ ّنه هو‬
‫الرّوحانيات‪ .‬وقد دأب ابن يقظان على ذلك حتى‬ ‫اخلري عينه الذي انعكس على كائنات جزيرته‬
‫غدا أمنوذجاً حيّاً لإلنسانية اخليّرة الصّاحلة‬ ‫إذ (( ‪ ..‬ألزم نفسه أن ال يرى ذا حاجةٍ أو عاهةٍ‬
‫املتعلّقة باإلميان احلقيقيّ عرب املكاشفة اإلهليّة‪،‬‬ ‫أو مضرّةٍ‪ ،‬أو عائقٍ من احليوان أو النبات وهو‬
‫فابن طفي ٍل يقدّم لنا من خالل حيّ بن يقظان‬ ‫يقدر على إزالتها عنه إال ويزيلها‪ ،‬فمتى وقع‬
‫قص ًة طوبائي ًة بطلها شخصٌ طوبائيٌّ خيايلٌّ ال‬ ‫بصره على نباتٍ قد حجبه عن الشمس حاجبٌ‪،‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪16‬‬
‫الطريفة يف القصة رؤية حيّ بن‬ ‫فمن اجلوانب ّ‬
‫بشري آخر يشبهه‪ ،‬وهو ( أسال )‬ ‫ٍّ‬ ‫يقظان لكائنٍ‬
‫الصّويف الذي خرج من مدينته لالنعزال والتعبّد‬
‫يقول املؤلف ‪( :‬وأمّا حيّ بن يقظان فلم يد ِر ما‬
‫هو‪ ،‬أل ّنه مل يره على صورة شيءٍ من احليوانات‬
‫اليت كان قد عاينها قبل ذلك‪ ،‬وكان عليه مدرع ٌة‬
‫سوداء من شع ٍر وصوفٍ فظنّ أهنا لباسٌ طبيعيٌّ‪.‬‬
‫فوقف يتعجّب منه مليّاً‪)19( ).‬‬
‫ويظهر احل��سّ األدب���يّ وال � ّذك��اء الفلسفيّ‬
‫واملنطقيّ لدى ابن طفيل عند وصفه مالحقة‬
‫حيّ بن يقظان للمتعبّد أسال ‪( :‬و و ّلى هارباً‬
‫منه خيفة أن يشغله عن حاله‪ ،‬فاقتفى حي ّبن‬
‫يقظان أثره ملا كان يف طباعه من البحث عن‬
‫األشياء‪ ،‬فلمّا رآه يشتدّ يف اهلرب خنس عنه و‬
‫توارى له حتى ظنّ أسال أ ّنه انصرف عنه وتباعد‬
‫من تلك اجلهة فشرع أسال يف الصّالة والقراءة‬
‫والدّعاء والبكاء والتضرّع والتواجد حتى شغله‬ ‫ميكن أن يوجد على وجه احلقيقة‪ .‬وإذا كان‬
‫ذلك عن ك ّل شيءٍ فجعل حيّ يقرتب منه قليالً‬ ‫األدب الفكريّ الطوبائيّ يُعنى باجلمهوريات‬
‫قليالً وأسال ال يشعر به‪ ،‬حتى دنا منه حبيث‬ ‫واملدن الفاضلة من حيث هي جتمعاتٌ بشري ٌة‬
‫يسمع قراءته وتسبيحه‪ ،‬و يشاهد خضوعه‬ ‫ختضع لقوانني فاضلةٍ‪ ،‬وتعيش حياةً منزّهة‬
‫وبكاءه‪ ،‬فسمع صوتاً حسناً‪ ،‬و حروفاً منتظمة‬ ‫عن النقص والعيب‪ ،‬فإنّ قصة حيّ قد عُنيت‬
‫مل يعهد مثلها من شيءٍ من أصناف احليوان‪..‬‬ ‫بالنّموذج اإلنسانيّ الرّفيع من حيث هو فردٌ‬
‫) (‪ )20‬ففي هذا املقطع جييد املؤلف وصف‬ ‫وهو غاي ٌة ‪.‬‬
‫ح �يّ على حنو أدب��يّ رائ��ع من خ�لال تصويره‬ ‫ومع أنّ العالقات اإلنسانية تش ّكل نواةً أليّ‬
‫هلذه الشخصيّة الفطريّة اليت جُبلت على هذا‬ ‫طوبائيةٍ حتلم بالسعادة االجتماعية‪ ،‬فإنّ جمتمع‬
‫الفضول وح �بّ املعرفة‪ ،‬متاماً كالطفل الذي‬ ‫حيّ بن يقظان كان يف جممله من عناصر الطبيعة‬
‫متأل رأسه التّساؤالت عن هذا العامل الذي نزل‬ ‫الفطريّة كاحليوانات والنباتات والصّخور واملياه‬
‫به‪ .‬كما ظهر تأ ّثر ابن يقظان بالبيئة احمليطة به‬ ‫‪ ...‬غري أنّ ابن يقظان ظ ّل حمافظاً على مثاليته‬
‫فهو يتصرّف كالوحوش عندما تالحق طرائدها‬ ‫ونقائه احمل��ض بوصفه الشخص الطوبائي‬
‫فنراه خينس وخيتبئ ويتوارى يف سبيل معرفة‬ ‫اخلالص الذي ميكن أن يكون مواطناً صاحلاً يف‬
‫كنه ه��ذا املخلوق اجلديد ال��ذي يشبهه‪ .‬بعد‬ ‫أيّ مجهوريةٍ فاضلةٍ أخرى‪ ،‬زد على ذلك إميانه‬
‫ذلك يأتي احلدث األكثر درامي ًة يف القصّة وهو‬ ‫املطلق وعالقته الكاملة مع اهلل سبحانه اليت مل‬
‫مطاردة حيّ ألسال ‪ ( :‬فزاد من الدّنو منه حتى‬ ‫عارض أو طارئٍ إنسانيّ آخر‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫يع ّكرها أيّ‬
‫أحس به أسال فاشتدّ يف العدو واشتدّ ح ّيّ بن‬ ‫أمّ��ا م��ن الناحية الفنيّة فالقصة مل خت ُل‬
‫يقظان يف أث��ره حتى التحق به ملا كان‬ ‫من الومضات األدبيّة واألح��داث الشّائقة‪ ،‬مع‬
‫أعطاه اهلل من القوّة والبسطة يف العلم‬ ‫امتيازها بسالسة األسلوب وبساطة ّ‬
‫الطرح‪،‬‬

‫‪17‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫العلميّة البن طفيل الذي مترّس يف العلوم حتى‬


‫برع يف ميدان الطبّ‪ ،‬فغدا بفضل مهارته يف‬
‫هذا العلم من خاصّة الوالة يف األندلس إذ ((‬
‫‪ ....‬زوال ابـن طفيـ ٍل فـي أوّل أمره الطبّ يف‬
‫غرناطة‪ ،‬ثم أصبح كاتب سرِّ وايل هذا اإلقليم‬
‫‪ ....‬وملا طعن فيلسوفنا يف السّن‪ ،‬ح ّل ابن رشدٍ‬
‫الطبابة للخليفة عام ‪ 578‬هـ ‪)23( )).‬‬ ‫حملّه يف ّ‬
‫ه��ذه املعرفة م ّكنته م��ن استخدام خربته يف‬
‫التشريح وعلم الطبّ يف شرح نظريته اليت برّر‬
‫فيها الكيفيّة اليت خُلق هبا حيّ من الرتاب فيقول‪:‬‬
‫(( وأمّا الذين زعموا أ ّنه تو ّلد من األرض فإهنم‬
‫قالوا إنّ بطناً من أرض تلك اجلزيرة ختمّرت‬
‫فيه طين ٌة على مرّ السنني واألعوام حتى امتزج‬
‫فيها احلارّ والبارد والرّطب واليابس‪ ،‬امتزاج‬
‫تكاف ٍؤ وت��ع��اد ٍل يف القوى وكانت ه��ذه الطينة‬
‫املتخمّرة كبريةٌ جداً‪ ،‬وكان بعضها يفضل بعضاً‬
‫يف اعتدال املزاج والتهيّؤ لتكوّن األمشاج‪ ،‬وكان‬
‫مته مشاهب ًة مبزاج‬‫الوسط فيها أعدل ما فيها وأ ّ‬
‫فتمخضت تلك الطينة وحدث فيها‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسان‪،‬‬
‫شبه ن ّفاخات الغليان لشدة لزوجتها وحدث‬
‫يف الوسط منها لزوج ٌة ون ّفاخة صغريةٌ جداً‪،‬‬
‫منقسم ٌة بقسمني بينهما حجابٌ رقيقٌ‪ ،‬ممتلئ ٌة‬
‫جبس ٍم لطيفٍ يف غايةٍ من االعتدال الالئق به‪،‬‬ ‫واجلسم فالتزمه وقبض عليه‪ ،‬ومل مي ّكنه من‬
‫فتعلّق به عند ذلك (ال��روح) الذي هو من أمر‬ ‫مكتس جبلود‬ ‫ٍ‬ ‫الرباح‪ .‬فلما نظر إليه أسال وهو‬
‫اهلل تعاىل‪)24( )) .‬‬ ‫احليوانات ذات األوب��ار وشعره قد طال حتى‬
‫ومن هذا املقطع ميكن أن يظهر للقارئ مدى‬ ‫ضر‬ ‫جلّل كثرياً منه‪ ،‬ورأى ما عنده من سرعة ا ُ‬
‫حل ْ‬
‫ا ّتساع خميلة ابن طفيل وقدرته على التمهيد‬ ‫وقوّة البطش‪ ،‬فرق منه فرقاً شديداً ‪)21( ) ..‬‬
‫للحدث الرئيس يف قصته‪ ،‬مستخدماً يف ذلك‬ ‫كما أنّ هناك حملاتٍ أدبيّ ًة وفنيّ ًة عديدةً جتعل‬
‫معرفته الطبية لإلقناع والتربير حلدثٍ غري‬ ‫من «ح �يّ بن يقظان» قصّ ًة طوبائي ًة وفكري ًة‬
‫قاب ٍل للتصديق‪ .‬غري أنّ ألفاظاً مثل العناصر‬ ‫بامتياز‪ .‬يقول حممد غنيمي هالل ‪ ...(( :‬ويف‬
‫املكوِّنة للجسم وختمّر الطينة واعتدال املزاج‬ ‫قصصي‬
‫ٍّ‬ ‫نضج‬
‫ٍ‬ ‫قصة «حيّ بن يقظان» جوانب‬
‫واللزوجة والنفاخات اليت تتكوّن عرب السنني‪،‬‬ ‫كثريةٌ‪ ،‬يف الشّرح والتّربير واإلقناع باألحداث‪،‬‬
‫ك� ّل ذل��ك ميكن أن يوهم املتل ّقي بصحّة ما‬ ‫على الرّغم من أنّ القالب القصصيّ فيها ليس‬
‫يقول‪ ،‬مع أنّ األم��ر كلّه ره �نٌ خبيال علميّ‬ ‫سوى تعلّةٍ لذكر اآلراء الفلسفيّة الكثرية‪ .‬وهلذا‬
‫قط‪ ،‬اللهمّ إال ما أخربتنا به الكتب‬ ‫مل حيدث ّ‬ ‫عدّها بعض ن ّقاد أوروبا خري قصةٍ يف العصور‬
‫السماويّة عن خلق آدم عليه السالم من مادّة‬ ‫الوسطى مجيعاً‪ )22( )) .‬و قد ظهرت الثقافة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪18‬‬
‫سخر هؤالء ومن أشهرهم وهب بن‬ ‫شيءٍ‪ .‬وقد ّ‬ ‫الطني أو الرتاب‪.‬‬
‫منبّه إنسيّاً هو آصف بن بَرَخْيا وزير سليمان‪،‬‬ ‫كما ميكن للباحث أن يالحظ تسخري ابن‬
‫�خ��روا هاتني‬ ‫وجنيّاً عمالقاً امس��ه صخر‪ ،‬س� ّ‬ ‫طفي ٍل ملثل ه��ذه امل��ع��ل��وم��ات الطبيّة يف دفع‬
‫الشخصيتني ليقومان بصنع اآلالت واملعدّات‬ ‫األح���داث األدب��ي��ة ق��دم�اً‪ ،‬خ��اص� ًة فيما يتعّلق‬
‫العجيبة اليت كان يأمر سليمان بصنعها‪ .‬فقد‬ ‫بتشريح (ح �يّ ب��ن يقظان) ألمّ��ه الظبية بعد‬
‫جاء يف أحد هذه الكتب وقد ذكر النيب سليمان‪:‬‬ ‫نفوقها يف حماولةٍ منه ملعرفة السبب الذي أدّى‬
‫(‪...‬ف��ق��ال آلصف بن برخيا وهو وزي��ره الذي‬ ‫إىل نفوقها و بالتايل اإلجابة على س��ؤال‪( :‬ما‬
‫ذك��ره اهلل تعاىل يف القرآن بقوله‪« :‬ق��ال الذي‬ ‫فلسفي وقالبٍ‬
‫ٍّ‬ ‫هو املوت ؟)‪ ،‬ك ّل ذلك يف غالفٍ‬
‫عنده علم من الكتاب ‪ )25( »..‬ائتين بعل ِم ما يف‬ ‫درامي حمبّبٍ ومبسّطٍ حتى النهاية‪ ،‬تلك النهاية‬ ‫ٍّ‬
‫هذا البحر‪ ،‬فجاء بقبّةٍ من الكافور األبيض هلا‬ ‫ال�تي حي��اول فيها ح�يّ وأس��ال هداية اجملتمع‬
‫أربعة أبوابٍ ‪ :‬بابٌ من ياقوت‪ ،‬وبابٌ من جوهر‪،‬‬ ‫لطريق الشّريعة والسعادة دون أن يالقوا آذاناً‬
‫وبابٌ من زبرجد أخضر‪ ،‬واألبواب كلّها مفتّح ٌة‬ ‫مصغي ًة أو قلوباً واعي ًة ألنّ الناس اعتادوا على‬
‫وال يدخلها قطرةٌ من املاء‪ ،‬وهي يف داخل البحر‬ ‫منطٍ من التديّن ال يهتمّ إال بقشور الدّين‪ ،‬و‬
‫يف مكان عميق ‪ )26( )...‬وهذه الغوّاصة اليت‬ ‫تركوا جوهر اهلداية و كنز املعرفة احلقيقيّة‬
‫صنعها وزير سليمان مصنوع ٌة من موادّ موجودة‬ ‫اليت توصلهم إىل السّعادة‪ ،‬األم��ر ال��ذي يدفع‬
‫يف الطبيعة‪ ،‬وق��د ج�سّ��دت حلم اإلن��س��ان يف‬ ‫حيّاً وأسال اليأس والعودة إىل ما كانوا عليه من‬
‫الغوص يف باطن البحر إىل أعماق بعيدةٍ إلرواء‬ ‫العزلة واالنقطاع طالبني العبادة اليت تقرّهبم‬
‫فضوله ممّا ميكن أن يوجد هناك من خملوقاتٍ‬ ‫من املكاشفة والسعادة النورانيّة ‪.‬‬
‫حبريةٍ غريبةٍ‪ ،‬أو القتناص اجلواهر من باطن‬
‫البحر واألمل بالثراء الفاحش إذا ما مت ّكن أحدٌ‬ ‫‪ -3‬مصادر الرتاث األخرى ‪ :‬وردت يف‬
‫من صنع تلك الغواصة يوماً ما‪.‬‬ ‫كتب ال�تراث أخبارٌ وحكاياتٌ منثورة يف سياق‬
‫وإذا كان وزي��ر سليمان و مستشاره آصف‬ ‫األحاديث واألمس��ار‪ ،‬فرُويت على أس��اس أهنا‬
‫بن برخيا قد مت ّكن‪ -‬يف احلكايات طبعاً‪ -‬من‬ ‫قصصٌ ديينٌّ أو عجائيبٌّ جرت أحداثه يف أزمان‬
‫صنع تلك الغوّاصة البسيطة‪ ،‬فإنّ صخراً اجلينّ‬ ‫األمم السّالفة أو األحقاب القدمية‪ .‬وأكثر ما‬
‫اهلائل قد أبدع ما هو أعجب من ذلك وأغرب‪،‬‬ ‫يتّصل هب��ذا الباب هو العجائب ال�تي ظهرت‬
‫إذ أَوكل إليه سليمان مهمّة صنع كرسيِّ القضاء‪،‬‬ ‫يف زم��ن سليمان احلكيم ب��ن داوود عليهما‬
‫وطلب منه أن يكون هذا الكرسيّ بديعاً مهوالً‬ ‫ال �سّ�لام مل��ا حباه اهلل م��ن س��ط��وةٍ على مجيع‬
‫لكي يَبْهَت املبطل أو شاهد ال���زّور و يصاب‬ ‫إنس وجنٍّ‬
‫املخلوقات يف األرض مبا فيها من ٍ‬
‫الكاذب بالرِّعدة واهللع لدى رؤيته‪ ،‬فكان أن‬ ‫وحيوا ٍن وريا ٍح ‪ ....‬فكان أن أسرف بعض الرّواة‬
‫صنع اجلينّ كرسيّاً ضخماً من العاج ثم فصّصه‬ ‫والقصّاصني وتزيّدوا يف هذه األخبار‪ ،‬وحرّفوا‬
‫بالياقوت والآللئ والزّبرجد واجلواهر‪ ،‬وجعل‬ ‫فيها وأعملوا خياالهتم حتى ظهرت بلبوسها‬
‫على أرب��ع��ة أرك��ان��ه أرب���ع خن�ل�اتٍ سامقةٍ من‬ ‫الغرائيبّ العجيب‪ ،‬ول��ن نُدخِل يف ه��ذا الباب‬
‫ال ّذهب اخلالص‪ ،‬جذوعها وفروعها من الياقوت‬ ‫طبعاً حكاياتٍ فنتازي ًة من تلك اليت ال متتّ إىل‬
‫األمح��ر والزبرجد األخضر‪ ،‬وجعل على رأس‬ ‫موضوعنا بصلةٍ‪ ،‬وإ ّنما سنقتصر على ما أنتجته‬
‫خنلتني منهما طاووسني من ذهب‪ ،‬وعلى‬ ‫خميّلة ال��رّاوي أو القصاص من آالتٍ وأدواتٍ‬
‫رأس النخلتني األخريني نسرين ذهبيّني‪،‬‬ ‫عجيبةٍ أبدعتها عبقريّته الفنية واألدبية قبل ك ّل‬

‫‪19‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫الكتاب الوعظيّ الذكيّ ح ّقاً يستخدم الكاتب يف‬ ‫الذهب يربضان على جانيبّ‬ ‫وصنع أسدين من ّ‬
‫حماَضراته ملكة التصوّر أو التوهّم لدى القارئ‬ ‫الكرسيّ (‪ ...‬وكان سليمان إذا أراد صعوده وضع‬
‫مل‬‫لينقله عن طريق احل�سّ أو التوهّم إىل عا ٍ‬ ‫قدميه على الدّرجة السّفلى فيستدير الكرسيّ‬
‫آخر هو عامل احلساب مستخدماً كلمة (توهَّم)‬ ‫كلّه مبا فيه دوران الرّحا املسرعة‪ ،‬وتنشر تلك‬
‫مبعنى (خت�يَّ��ل) ك��أن يقول ‪ :‬توهم أن��ك كنت‬ ‫النسور والطواويس أجنحتها‪ ،‬ويبسط األسدان‬
‫على الصراط ومن حتتك النريان ‪ ...‬وتوهّم‪،‬‬ ‫أيديهما ويضربان األرض بأذناهبما‪ ،‬وكذلك‬
‫وتوهم ‪ ....‬وبذلك يعيش املتل ّقي هلذه املوعظة‬ ‫كان يفعل يف ك ّل درج�ةٍ يصعد فيها سليمان‪،‬‬
‫ساعاتٍ عصبي ًة وهو يعرب الصراط أو يكون يف‬ ‫ف��إذا اس��ت��وى سليمان ب��أع�لاه أخ��ذ النّسران‬
‫مواجهة مالئكة العذاب‪ ،‬كذلك حييا حلظاتِ‬ ‫اللّذان على النخلتني تاج سليمان فوضعاه على‬
‫السعادة اليت ال تنتهي فوق كثبان الياقوت بني‬ ‫رأس سليمان‪ ،‬ثم يستدير الكرسيّ مبا فيه‬
‫أش��ج��ار اجل�نّ��ة ويف قصور اللؤلؤ ب�ين احلور‬ ‫وي��دور معه النسران والطاووسان‪ ،‬واألسدان‬
‫العني والرّكوب على (خيل الدّر والياقوت) إذا‬ ‫ماثالن برؤوسهما إىل سليمان ينضحن عليه‬
‫كان من املتقني الصاحلني‪ ،‬يقول احملاسيب يف‬ ‫من أجوافها املسك والعنرب‪ ،‬ثم تناوله محام ٌة من‬
‫وصف هؤالء ‪ ...( :‬فلما سرّ أولياء اهلل برؤيته‪،‬‬ ‫ذهبٍ جامث ٌة على عمودٍ من جوه ٍر من أعمدة‬
‫وأكرمهم بقربه‪ ،‬ونعّم قلوهبم مبناجاته‪ ،‬واستماع‬ ‫الكرسيّ التوراة‪ ،‬فيفتحها سليمان ع ويقرؤها‬
‫كالمه‪ ،‬أَذِن هلم باالنصراف إىل ما أعدّ هلم من‬ ‫على الناس ويدعوهم إىل فصل القضاء‪...‬‬
‫ولذاهتم‪ ،‬فانصرفوا على خي ٍل‬ ‫كرامته و نعيمهم ّ‬ ‫قال أبـو إسحاق الثعليبّ قـال معـاوية لوهب‬
‫ال �دّر والياقوت على األس��رة فوقها احلجال‪،‬‬ ‫بن منبه‪ :‬مـا الذي كان يدير الكرسيّ؟ قال ‪:‬‬
‫ت��رفّ وتطري يف ري��اض اجل��ن��ان) (‪ )29‬فنحن‬ ‫بلبلتان من ذهبٍ ‪ .‬قال فإذا دار الكرسيّ بسط‬
‫هنا أمام خيو ٍل عجيبةٍ طائرةٍ‪ ،‬وهي ليست من‬ ‫األسدان أيديهما ويضربان األرض بأذناهبما‪،‬‬
‫حل ٍم ود ٍم وإ ّنما من د ٍّر وياقوتٍ‪ ،‬تطري بأصحاهبا‬ ‫وينشر النسر والطاووسان أجنحتهما فتفـزع‬
‫وتبلغهم ما يريدون بأقصى ما يتمنَّون‪ ،‬كيف ال‬ ‫منها الشّهـود ويداخلـهم الـرّعب الشديــد فال‬
‫ّ‬
‫املسخرة ألولياء اهلل‪ ،‬هؤالء‬ ‫وهي خيول اجلنان‬ ‫يشهـدون إال باحلق) (‪ )27‬فهذا كرسيٌّ مؤمتتٌ‬
‫الذين ينعمون برؤية اهلل عياناً يوم القيامة كما‬ ‫ميزج بني الكرسيّ الكهربائيّ ذات �يّ احلركة‪،‬‬
‫يرون القمر يف ليلة متامه يف الدنيا‪ ،‬فال يعدل‬ ‫وبني الرّابوط أو اإلنسان اآليل املربمج على أداء‬
‫نعيم رؤي��ة اهلل سبحانه بعد ذل��ك نعيمٌ آخر‬ ‫أوامرَ بعينها مشروطةٍ بأداء أفعا ٍل حمدّدة‪ ،‬و‬
‫أب��داً‪ .‬و بإمكانك أن تتوهّم مع احملاسيب تلك‬ ‫ال تدخل يف الطالسم وال األرص��دة يف تقنية‬
‫اخليول املكتملة اخللقة اجملبولة من أحجار‬ ‫الكرسي‪ .‬فك ّل ما يف هذا الكرسيّ ميكانيكيّ‬
‫اجلنة الثمينة وهي تطري يف مساوات الفراديس‬ ‫حبت يعمل مبا يسمّيه القدماء (علم احليلة)‪،‬‬
‫وقد مألت النشوة قلبك مبالمسة مادهتا اليت‬ ‫و ك � ّل م��اج��اء م��ن حركة ال��ك��رس�يّ والنسرين‬
‫تتجاوز ك ّل تصوّ ٍر أو خيالٍ‪.‬‬ ‫والطاووسني واحلمامة إمنا كان حبركةِ بلبلني‬
‫أما إذا تساءلت فيما إذا كان اهلل قد بثّ‬ ‫ذهبيني مثبتني إىل ذلك الكرسي‪.‬‬
‫الرّوح يف هذه اخليول‪ ،‬فإنك سرتجّح قول (نعم)‬ ‫فإذا ما انتقلنا إىل كتاب (التوهّم) للحارث‬
‫ّ‬
‫تستدل على ذلك‬ ‫بالرّغم من كينوهتا املغايرة‪،‬‬ ‫املُحاسيب (‪ )28‬نكون قد انتقلنا يف احلقيقة إىل‬
‫من اإلبل اجملنّحة املذكورة يف الكتاب نفسه‪،‬‬ ‫مل آخر غري عاملنا الذي نعيش فيه‪ ،‬و هو عامل‬ ‫عا ٍ‬
‫فحني يصف املؤ ِّلف أه��ل اجلنّة يف حبورهم‬ ‫ما بعد املوت أو عامل اجلنّة والنار‪ .‬ففي هذا‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪20‬‬
‫للنويري ‪ ...‬وبالنظر إىل كتاب (املستطرف يف‬ ‫وسعادهتم يقول ‪ ...( :‬فبينما هم كذلك‪ ،‬وقد‬
‫ك ّل فنٍّ مستظرف) على سبيل املثال‪ ،‬ستجد‬ ‫ك��ادت قلوهبم أن تطري بأرواحهم يف أبداهنم‬
‫ذك��ر أشياء صنعيّة ك��امل��رآة ال�تي تنقل صورة‬ ‫ف��رح �اً وس����روراً‪ ،‬إذ أقبلت املالئكة يقودون‬
‫البلدان واألقاليم البعيدة إىل الناظر إليها‬ ‫جنائب ب ُْخت (‪ )30‬خُلقت من الياقوت‪ ،‬ثم نُفخ‬
‫دون أن تكون مسحورةً أو مطلسم ًة‪ ،‬وكذلك‬ ‫فيها الرّوح‪ ،‬مزموم ٌة بسالسل من ذهب‪ ،‬كأنّ‬
‫حناس توضع يف مدخل‬ ‫ٍ‬ ‫ستعجب من إو ّزةٍ من‬ ‫وجوههم املصابيح نضارةً وحسناً‪ ،‬ال تروث‬
‫املدينة (فإذا دخل الغريب صوّتت األوزة صوتاً‬ ‫وال تبول‪ ،‬ذوات أجنحةٍ‪ ،‬قد عالها خزٌّ من خزّ‬
‫يسمعه أهل املدينة) (‪ )34‬إوزة النحاس هذه‬ ‫(‪ )31‬اجلنّة أمحر‪.)32( )..‬‬
‫هي األرخص مثناً بني ك ّل ما ذكرنا من اآلالت‬ ‫إنه حلم الطريان مرةً أخرى يراود اإلنسان‬
‫واملعدّات الغريبة‪ ،‬فجميع األدوات الغريبة اليت‬ ‫الذي أدرك منذ رأى الطيور حتلّق يف الفضاء‬
‫ختيّلها الرّواة القدماء كانت تُصنع من اجلواهر‬ ‫سعيدة أن الطريان صنو السعادة‪ ،‬وأنه سيح ّقق‬
‫اجلميلة أو املوادّ ال ّثمينة كخشب األبنوس والعاج‬ ‫للبشرية رفاهية مل تعهدها من قبل‪ .‬حتى إذا‬
‫أو من الياقوت والزمرّد واألحجار الكرمية أو‬ ‫ما ختيّل اإلنسان صورة النّعيم األبديّ تراءت له‬
‫األخالط النفيسة ‪ ...‬وقد تكون املهمة اجلليلة‬ ‫خيول الدّر وجنائب الياقوت اجملنّحة اليت تطري‬
‫والعجيبة اليت ستقوم هبا هذه األدوات واآلالت‬ ‫به سعيداً خالداً إىل األبد (‪ )33‬فإذا ما تابعت‬
‫ه��ي ال�تي أوح��ت إىل ال���رواة مب��ادهت��ا الرّفيعة‬ ‫حبثك يف كتب الرتاث العربيّ فإنك ستحصل‬
‫والنّادرة‪ ،‬وكأنّ القصاص يريد أن يقول ألننا‬ ‫على امل��زي��د وامل��زي��د م��ن تلك احلكايات اليت‬
‫مل منتلك بعد ما يكفي من هذه اجلواهر لصنع‬ ‫جتسّد أمل اإلنسان يف إجياد وسيلةٍ صنعيّةٍ‬
‫مثل تلك اآلالت العجيبة وستظ ّل هذه اآلالت‬ ‫للغوص أو الطريان أو اإلن��ذار أو التّرفيه ‪....‬‬
‫عزيزة وصعبة املنال متاماً كما هو الياقوت‬ ‫جت��د ذل��ك يف (م���روج ال��ذه��ب) للمسعودي و‬
‫والزّمرد واللؤلؤ ‪.‬‬ ‫(عجائب املخلوقات) للقزويين و (هناية األرب)‬

‫‪21‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫‪ -1‬من هؤالء الباحثني ‪ :‬نعيم عطية‪ ،‬وحممد جنيب التالوي‪ ،‬وهناد شريف‪.‬‬
‫‪ -2‬قصص اخليال العلمي يف األدب العربي – ص‪. 52‬‬
‫‪ -3‬اخليال العلمي يف األدب – حممد عزام – دار طالس – الطبعة األوىل – ‪1994‬م ‪ -‬ص‪.17‬‬
‫‪ -4‬حسب األساطري اإلغريقية فإنّ هريا‪ -‬إله اجملد و القوة – هي زوجة ربّ أرباب األوملب زيوس‬
‫الذي كان يهوى املغامرات العاطفية‪ ،‬و كانت هريا متلك طائراً خرافياً يشبه الطاووس له يف كل‬
‫ريشة من ذيله عني تراقب زوجها يف أقطار السموات و األرض‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫‪ -5‬أبو حيّة النمريي ‪ :‬شاعر جميد من خمضرمي الدولتني األموية و العباسية‪ .‬كان كذابا أو به‬
‫لوثة‪ .‬روى عنه الدّينوري يف « الشعر و الشعراء « و» عيون األخبار « أنه قال ‪ « :‬ذات يوم عنّ يل‬
‫ظيب فرميته‪ ،‬فراغ عن سهمي‪ ،‬فعارضه – واهلل – ذلك السهم‪ ،‬ثم راغ‪ ،‬فراوغه السهم حتى صرعه‬
‫بإحدى ا َ‬
‫خلبَارات «‪.‬‬
‫‪ -6‬انظر « بدائع الزهور يف غرائب الدهور « حملمد بن إياس احلنفي‪.‬‬
‫‪ -7‬جاء يف « املستطرف « أنّ املذهّب هو نوع من املتشيطنة خيدم شيخ الطريقة يف ك ّل شيء «‪...‬‬
‫وقال بعض الصوفية ‪ :‬املذهب أصناف منهم من حيمل الفانوس بني يدي الشيخ ومنهم من يأتية‬
‫بالطعام والشراب « ص‪.403‬‬
‫‪ -8‬أل��ف ليلة و ليلة – ج‪ - 2‬مكتبة و مطبعة املشهد احلسيين – القاهرة – ب��دون تاريخ –‬
‫ص‪.248‬‬
‫‪ -9‬نفسه – ص‪.293‬‬
‫‪ -10‬نفسه – ص‪.291‬‬
‫‪ -11‬نفسه – ص‪.290،289‬‬
‫‪ -12‬ألف ليلة و ليلة – ج‪ – 2‬ص‪.289‬‬
‫‪ -13‬نفسه – ص‪.295‬‬
‫‪ -14‬ألف ليلة وليلة – ج‪ – 4‬ص‪.237‬‬
‫‪ -15‬انظر جملة ديوجني – العدد‪ – 71‬ص‪.47‬‬
‫‪ -16‬ألف ليلة و ليلة – ج‪ – 4‬ص‪.239‬‬
‫‪ -17‬ابن طفيل ‪ :‬أبو بكر حممد بن عبد امللك بن حممد بن حممد بن الطفيل‪ ،‬ولد يف « وادي آش‬
‫« مشال شرق غرناطة‪ ،‬كانت والدته بني ‪ 504‬و ‪ 494‬هـ‪ ،‬وصحب أبا يعقوب يوسف بن أبي حممد‬
‫عبد املؤمن علي القيسي صاحب الغرب‪ ،‬برع يف علم الفلك والرياضيات والطب والشعر‪ ،‬شغل‬
‫منصب أمني األسرار احلاكم والية غرناطة‪ ،‬وكان على صلة مع حكيم األندلس أبو الوليد بن رشد‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪22‬‬
‫توفى يف سنة ‪ 581‬هـ‪.‬‬
‫‪ -18‬حيّ بن يقظان – أبو بكر حممد بن طفيل – تح ‪ :‬مكتب النشر العربي ‪ -‬مطبعة ابن زيدون‬
‫– دمشق – الطبعة األوىل ‪1935 -‬م – ص‪.108،107‬‬
‫‪ -19‬نفسه – ص‪.129‬‬
‫‪ -20‬نفسه – ص‪.129‬‬
‫‪ -21‬حيّ بن يقظان – ص‪.130،129‬‬
‫‪ -22‬األدب املقارن – حممد غنيمي هالل – دار العودة – بريوت – الطبعة الثالثة ‪1999-‬م ‪-‬‬
‫ص‪.235‬‬
‫‪ -23‬دائرة املعارف اإلسالمية – اجمللد األول – دار املعرفة – بريوت – ص‪.213‬‬
‫‪ -24‬حيّ بن يقظان – ص‪.30‬‬
‫‪ -25‬النمل –اآلية ‪.40‬‬
‫‪ -26‬روض الرياحني يف حكايات الصّاحلني – عفيف الدين أبو السعادات عبد اهلل بن أسعد‬
‫اليافعي اليمين – تح ‪ :‬د‪ .‬حممد عبد الرمحن ويسي – مكتبة أسامة بن زيد – حلب – الطبعة‬
‫األوىل – ‪1995‬م ‪ -‬ص‪.242،241‬‬
‫‪ -27‬هناية األرب يف فنون األدب – شهاب الدين أمحد بن عبد الوهّاب النويري – ج‪ – 14‬دار‬
‫الكتب املصرية – القاهرة ‪1943 -‬م – ص‪. 110،109‬‬
‫‪ -28‬احلارث بن أسد املُحاسيب البغدادي الصويف الزاهد‪ ،‬تلميذ اجلنيد البغدادي‪ .‬لُ ّقب باحملاسيب‬
‫لشدة حماسبته نفسه حتى زعم بعضهم أنّ يف إصبعه ع ٌ‬
‫ِرق إذا ما مدّ يده إىل طعا ٍم فيه شبهة‬
‫حترّك‪ .‬له تصانيف يف السلوك واملواعظ واألصول أمهها ( كتاب الرعاية ) و ( التوهم )‪.‬‬
‫‪ -29‬التوهّم – أبو احلارث احملاسيب – مكتبة ابن القيّم – الدار الدمشقية – دمشق ‪ -‬الطبعة‬
‫الثالثة – ‪2001‬م‪.‬‬
‫جل‪.‬‬
‫‪ -30‬خبت ‪ :‬مفردها خبيتّ‪ ،‬لفظ معرّب يعين اإلبل اخلراسانية تنتَج من بني عربيّةٍ و فا ٍ‬
‫‪ -31‬اخلزّ ‪ :‬ثياب تُتخذ من الصّوف ‪.‬‬
‫‪ -32‬التوهّم – ص‪.74‬‬
‫ً‬
‫‪ -33‬يعدّ احملاسيب رائدا يف هذا الباب قبل املعرّي يف «رسالة الغفران» و دانيت األليجريي يف»‬
‫الكوميديا اإلهلية» ‪.‬‬
‫‪ - 34‬املستطرف يف ك ّل فنٍّ مستظرف – شهاب الدين حممد بن أمحد أبي الفتح األبشيهي – شرح‬
‫د‪ .‬مفيد قميحة – دار الكتب العلمية – بريوت – الطبعة األوىل – ‪1993‬م ‪ -‬ص‪400‬‬

‫‪23‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫د‪ .‬كوثر عيّاد ‪ -‬تونس‬

‫أ ّدت الثورة الصناعية اليت عرفها الغرب يف القرن التاسع عشر إىل إحداث تغريات‬
‫جذرية يف اجملتمعات الغربية على مستويات عدة‪ :‬اقتصادية وسياسية وفكرية‪.‬‬
‫هذه التغيرّ ات بعثت عند البعض آم��االً كربى يف مستقبل أفضل لإلنسانية‬
‫بفضل التقدم العلمي والتقين‪ ،‬يف حني بعثت عند البعض اآلخر ختوفات من استغالل‬
‫املنجزات العلمية لالحنراف مبسار التقدم‪ ،‬الشيء الذي قد يتسبّب يف ظهور الدمار وانتشار‬
‫اخلراب‪.‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪24‬‬
‫يف خضم هذا اجل��دل ظهرت يف فرنسا و‬
‫بريطانيا خصوصاً الرواية العلمية اليت ستكون‬
‫البواكري األوىل مل��ا سيسمَّي فيما بعد (أدب‬
‫اخليال العلمي) ‪.‬‬
‫تتفرع ال��رواي��ة العلمية إيل قسمني‪ :‬قسم‬
‫يدعو إىل االعتقاد التام‬
‫ّ‬
‫والالحمدود باإلعجاز العلمي الذي سيمكن‬
‫التحضر‪ .‬وقسم آخر‬ ‫ّ‬ ‫البشرية من الرقي و‬
‫يش ّكك يف ما سيقدّمه العلم لإلنسان‪.‬‬
‫يف كلتا احلالتني يُعترب العلم عنصراً حِكائياً‬
‫أساسياً تدور يف فلكه القصة‪ .‬وهذه الروايات‬
‫بقسميها كانت هي أيضاً يف وقت مضى جمال‬
‫صراع أيديولوجي بني الفكر الليربايل والفكر‬
‫االشرتاكي‪.‬‬

‫• ال��رواي��ة العلمية و تكريس العلم‬


‫خلدمة اإلنسان‪:‬‬
‫حت���وّل العلم يف ال��ق��رن ال��ت��اس��ع عشر إىل‬
‫ميثيولوجيا امل��ع��اصَ��رة‪ .‬فقد ب��رع العديد من‬
‫الكتاب يف تصويرها واالحتفاء هبا يف رواياهتم‪.‬‬
‫وكانوا يف ذلك متأثرين بفكر (سان سيمون)‬
‫الوضعي‪ .‬فاالعتقاد بالعلم ك��ان ال ح��دود له‬
‫عند (فادئي بولقارين) الذي اعترب العلم مفتاح‬
‫ذلك أدّى إىل إرس��اء أسس لعالَم يعمّه األمن‬ ‫مدينة السعادة يف روايته (رحلة إيل القرن ‪)21‬‬
‫والسّالم ال يعرف حروباُ وال جماعات‪ .‬تذ ّكر‬ ‫(‪.)1821‬‬
‫هذه الرواية برواية (إيتيان كابي) ذات الصيت‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫إنّ العالم الذي ختيَّـله هذا الكاتب عالمٌ فيه‬
‫العاملي (رحلة إىل إيكاريا) (‪ )1839‬اليت يبسط‬ ‫مصاعد آلية وسيارات خبارية طائرة‪ ،‬وآالت‬
‫فيها الكاتب أفكاراً اشرتاكية عن عامل تقدّميّ‬ ‫ذكية تكتب من ذات نفسها‪.‬‬
‫يعمّ فيه ال��ع��دل وت��س��وده امل��س��اواة‪ .‬إذ يصف‬ ‫هذا التطوّر العلمي و التقين جعل (فالدميري‬
‫(ك��اب��ي) ج�نّ��ة اصطناعية ت��ق��وم فيها اآلالت‬ ‫أودوفيسكي) يتخيّل روسيا كقوّة عظمي يف‬
‫متحي فيها ثنائيّة‬ ‫جبميع األعمال املرهقة و ّ‬ ‫روايته (سنة ‪.)1844( )4338‬‬
‫السيّد واملسود وهكذا تقع احملافظة على كرامة‬ ‫يصوّر الكاتب يف هذه الرواية ازدهار التجارة‬
‫اإلنسان‪.‬‬ ‫العاملية بفضل اخ�تراع ناقالت فضائية جللب‬
‫يقول كابي‪( :‬تضاعفت أع��داد اآلالت بال‬ ‫معادن جديدة وقع استخراجها من القمر‪.‬‬
‫هناية إىل حدّ أ ّنها عوّضت مئيت مليون‬ ‫على أنّ التفوّق التقين مل ينتج عنه تفوّق‬
‫ح��ص��ان أو ث�لاث��ة م��ل��ي��ارات م��ن العمال‬ ‫عسكري وهيمنة سياسية‪ ،‬بل على العكس من‬

‫‪25‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫حيازته لصوجلان العلم‪ ،‬من القوة ما كان متاحاً‬ ‫فالصناعة اليوم ال حت ّقق تفوّقاً ساحقاً على‬
‫لآلهلة اإلغريقية)‪.‬‬ ‫مستوى اإلنتاج فحسب‪ ،‬بل حت ّقق أيضاً املساواة‬
‫ُ‬
‫ه��ذه ال��ق�وّة التّي أتيحت لإلنسان يف هذه‬ ‫و السعادة)‪.‬‬
‫العوامل اخليالية وقع استعماهلا خلري اإلنسان‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يبدو (كابي) مقتنعا متاما بقدرة التقدّم‬
‫يف هذا الكون‪ ،‬فهي ال تُميّز بني الديانات وال‬ ‫التقين على إرس��اء أسس جديدة لعالَم مثايل‬
‫بني األعراق‪.‬‬ ‫ال قمع فيه لإلنسان وال استغالل لطاقاته‪.‬‬
‫ه��ذا املفهوم ك��ان هو اجلامع املشرتك بني‬ ‫كانت الفكرة السائدة يف هذه الفرتة تتم ّثل يف‬
‫العديد من كتّاب ال��رواي��ة العلمية قبل ظهور‬ ‫أنّ املستقبل األفضل للبشرية ال يتأ َّتي إ ّال عرب‬
‫مؤسِّسها احلقيقي (جول فرين)‪.‬‬ ‫قناة العلم‪.‬‬
‫هيمن جول فرين علي الساحة األدبية ملدة‬ ‫خلص (جوزيف دجياك) ذلك االعتقاد الذي‬ ‫ّ‬
‫عشرين سنة ن��ظ��راً ل��غ��زارة أعماله ال�تي بلغ‬ ‫كان سائداً يف روايته (كوكب اإلنسان) (‪)1859‬‬
‫عددها أكثر من مثانني عمالً‪.‬‬ ‫بقوله‪( :‬السكك احلديدية والقناطر واألنفاق‬
‫يُ��ع��ت�بر ج���ول ف�ي�رن أوّل م��ن ج��ع��ل املعارف‬ ‫ال��ب��ح��ري��ة وال��غ��واص��ات ال��ع��م�لاق��ة واحملطات‬
‫العلمية يف صميم اخليال الروائي‪ .‬ألنه خصص‬ ‫الفضائية اليت كانت كلّها تُسيَّرُ بالكهرباء جعلت‬
‫أجزاءً كبريةً يف أعماله لوصف بعض التقنيات‬ ‫من العامل مدينة واحدة ميكن زيارهتا يف ظرف‬
‫أو لتفسري بعض النظريات و الظواهر العلمية‬ ‫ي��وم واح��د‪ .‬أصبحت ال��ق��ارات يف ه��ذه املدينة‬
‫الفيزيائية منها أو الرياضية‪.‬‬ ‫الكونية مبثابة األحياء أصبح لإلنسان‪ ،‬بفضل‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪26‬‬
‫كان الناشر يطلبها من الكاتب و يشرتط وجودها‬ ‫انطلق الكاتب الفرنسي يف رواياته من آخر ما‬
‫يف النصوص اليت يتمّ عرضها للنشر كي تندرج‬ ‫كان يظهر آنذاك على الساحة العلمية ليتخيّل‬
‫ضمن مسار أيديولوجي حمدد‪.‬‬ ‫اخرتاعات جديدة أو ليُطوّر فكرة ما‪ .‬من ذلك‬
‫كانت رواياته مُوجَّهَة إىل الناشئة‪ ،‬كان من‬ ‫مثال ختيّله للغواصة أو للتلفاز أو للكبسوالت‬
‫املعتاد آنذاك مترير أفكار تقدمّية ليربالية من‬ ‫الفضائية‪ .‬و عموماً‪ ،‬يبدو من خ�لال ارتكاز‬
‫خالل الكتابات الروائية‪.‬‬ ‫الكاتب على الوصف الدقيق و الشروح املطولة ّ‪،‬‬
‫يف البداية‪ ،‬مل ينطلق «جول فرين» من هذا‬ ‫أنّ لرواياته أبعاداً بيداغوجية تعليمية هدفها‬
‫اهلدف‪ .‬ولع ّل روايته األوىل «باريس يف القرن‬ ‫تقريب املفاهيم العلمية إىل القارئ‪ .‬فــ»جول‬
‫‪ )1863( »20‬تكشف لنا خفايا ه��ذا األمر‬ ‫فرين» منبهر بالتقدم العلمي ويتملّكه فضول‬
‫وخباياه‪ .‬تصوّر هذه الرواية مالمح باهتة ملدينة‬ ‫شديد لتصوّر املستقبل يف ضوء التقدم العلمي‬
‫حوّهلا التقدّم التقين والعلمي إىل مكان مرعب‬ ‫و التقين الذي شهده عصره‪.‬‬
‫وال إنساني‪ .‬فقد تسبّب التطور يف جتريد‬ ‫يقدّم الن ّقاد هذا الرجل على أ ّنه املدافع عن‬
‫اإلنسان من قيم اجلمال والفن يف جمتمع طغت‬ ‫التطوّر إذ «جيد باستمرار من خالل ما ينتجه‬
‫عليه املادة وحبّ الثروات‪ ،‬جمتمع ال جند فيه‬ ‫التقدم العلمي والتقين من األفكار ما جيعل‬
‫مكاناً للشعر أو لإلبداع‪ ،‬يتعرّض فيه األدباء‬ ‫اخليايل ممكنا» (ميشال بيتور‪Essai sur ,‬‬
‫و املبدعون إىل التشرّد واجل��وع‪ .‬بطل الرواية‬ ‫‪ ) les modernes‬فبطل رواي��ات��ه هو ذلك‬
‫شاعر يعيش أزمة اغرتاب يف ظ ّل سيطرة الفكر‬ ‫املهندس الذي يُعترب حمارب العصور احلديثة‬
‫الوضعي و الرأمسايل على كل شيء‪ .‬لقد وجد‬ ‫يف مواجهة اجلهل و اخلوف من اجملهول‪.‬‬
‫نفسه‪ ،‬وهو يف سعيه احملموم للدفاع عن مبادئه‪،‬‬ ‫أحدثت روايته «من األرض إيل القمر» (‪)1865‬‬
‫مطروداً من أكثر من عمل‪.‬‬ ‫ردّة فعل كبرية‪ ،‬فهي تُعتبَر أوّل رواية علمية حول‬
‫يريد (ميشال) أن يكون فناناً ولكنّ ذلك‬ ‫السفر يف الفضاء‪ .‬وسيلة الدّفع فيها مل تكن‬
‫أصبح مستحيالً‪ .‬يقول الكاتب‪( :‬أتريد أن تكون‬ ‫مقنعة علمياً‪ ،‬ولكنّ تقديره للمسافة و للزمن و‬
‫فناناً يف عصر م��ات فيه ال��ف�نّ؟ م��ات ودُفن‬ ‫للسرعة املرجوة لبلوغ القمر كانت علمية متاماً‪.‬‬
‫و ُكتبت شواهد على ق�بره‪ .‬أعطيك مثالً‪ :‬أنت‬ ‫ولقد ذهب بعض العلماء إىل اعتبار هذه الرواية‬
‫رسّام؟ لألسف الرّسم مل يعد مُمارَساً ومل تعد‬ ‫حبثاً علمياً و ليس عمالً أدبياً‪ ،‬فناقشوا أفكاره‬
‫هنالك لوحات حتى يف متحف اللوفر) يقوم‬ ‫و نقدوا بعض اجلوانب منها‪ .‬ويف هذا اعرتاف‬
‫الكاتب بتصوير حياة شقيّة يعيشها ك ّل فنّان يف‬ ‫ضمين بأمهية هذا العمل‪.‬‬
‫هذا العصر من خالل تصوير احلياة الصعبة لــ‬ ‫َفتَحت رواي��ات»ج��ول فرين» األب��واب لسباق‬
‫(مشال)‪.‬‬ ‫حنو الكواكب األخرى و للتفكري يف آليات دف ٍع‬
‫هناية القصة ه��ي إصبع اهت��ام م��وجَّ �هٍ إىل‬ ‫جديدة للمركبات الفضائية‪.‬‬
‫عامل ذي توجّه أحادي اجلانب ير ّكز فقط على‬ ‫مت ّكن «ف�يرن» بفضل شغفه الشديد بالعلم‬
‫التطوّر املادي احملسوس مهمالً اجلانب الروحي‬ ‫من ترك بصماته على الساحة الفكرية واألدبية‬
‫والفين واألخالقي ‪.‬‬ ‫ومن الظهور كأبٍ فعلي للخيال العلمي‪.‬‬
‫هذه القصة جلول فرين هي قصة مغمورة‬ ‫تُعترب كتابات هذا الرجل نتاجاً لفكر ليربايل‬
‫مل تُنشر إ ّال يف أواخر القرن العشرين إذ‬ ‫ال يسعى إىل إرساء منزع إنساني‪ ،‬بل كان يرمي‬
‫إنّ الناشر الذي تعاقد معه الكاتب ملدة‬ ‫إىل تأسيس توجّه غربي باألساس‪ .‬هذه معطيات‬

‫‪27‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫لتحديد سلوكياهتم وها حنن نطبِّق ذلك على‬ ‫عشرين سنة رف��ض القصة رفضاً قاطعاً‬
‫اجل��ن��س البشري ول��ك��ن بشكل م��ت��ط�وّر‪ .‬فقد‬ ‫معترباً إياها خمِ َّلـة بأفكار العصر و ضدّ التيار‬
‫م ّكنتنا عملية التهجني من إنتاج ساللة من‬ ‫الفكري يف تلك الفرتة‪.‬‬
‫احلدّادين تكمن قوّهتم يف أذرعهم ساللة من‬ ‫تُحيلنا رواية (باريس يف القرن ‪ )20‬إىل توجّه‬
‫متت تنمية سيقاهنم ميكنك يف هذه‬ ‫العدائني ّ‬ ‫آخر للرواية العلمية يتم ّثل يف مسألة الوعي مبا‬
‫املساكن مشاهدة مناذج من سالالت الربوليتاريا‬ ‫للعلم من آثار سلبية‪.‬‬
‫هذه‪ ،‬واليت مسيناها (هُـجْن اصطناعيون)‪.‬‬
‫اختفت من هذا العامل قِيَم عديدة‪ ،‬من ذلك‬ ‫• (علم بال وعي هو فناء للروح)‬
‫الرضع من‬ ‫ّ‬ ‫العائلة مثالً‪ ...‬إذ يتمّ أخذ األطفال‬ ‫تنطبق ه��ذه املقولة لـــ (راب��ل��ي��ه) على ما‬
‫أمّهاهتم لتنشئتهم يف منشآت خاصة حيث تُقدِّم‬ ‫حاول (إمييل سوفيسرت) وكتّاب آخرون إبرازه‬
‫إليهم احلليبَ الصناعي اآلالت اليت عوّضت األمَّ‬ ‫من خالل رواياهتم‪ .‬فاآلمال الكربى اليت علّـقها‬
‫فاختفت املشاعر و الروابط العائلية‪.‬‬ ‫العديدون على العلم لبلوغ عامل مثايل طوباوي‬
‫تَـملّك (موريس) القرف وشعر برعب شديد‬ ‫خا ٍل من اهلموم كانت حمور نقد و مراجعة‪.‬‬
‫حني اكتشف وراء مظاهر التقدّم املبهرة من‬ ‫(العامل كما سيكون) قصة كتبها سوفيسرت‬
‫عربات طائرة وآالت دقيقة مدهشة‪ ،‬حقيقة‬ ‫سنة ‪ 1849‬لريسم مالمح عامل مستقبلي‪ .‬يقوم‬
‫هذا العامل مبا فيه من تشويه لصورة اإلنسان‬ ‫(موريس) بطل هذه الرواية برحلة عرب الزمن‬
‫ومن تنازل عن القيم و األخالقيات‪.‬‬ ‫إىل القرن الثالثني ليجد نفسه يف عامل غيَّـر‬
‫يقول (رميون تروسون) يف روايته (العامل كما‬ ‫معاملَه التقدم العلمي والتقين الذي مشل مجيع‬
‫سيكون)‪ ...( :‬يُجسِّد هذا العالَم لوحة قبيحة‬ ‫مظاهر احلياة‪ ،‬بل مشل احلياة نفسها‪.‬‬
‫ملستقبل ال إنساني يرفض (سوفيسرت) املساواة‬ ‫كانت احلياة اليت صوّرها كئيبة و باهتة‪.‬‬
‫امل ُ� ِذ ّل��ة يف جمتمع التصنيع و العلم الوضعي)‬ ‫ذل��ك ألن ه��ذا التقدم أدّى إىل ارت��ف��اع أعداد‬
‫(رحلة إىل الالَّمَكان ‪.)26‬‬ ‫املصانع ال�تي اكتسحت الكوكب لتتحول إىل‬
‫يعترب الكاتب ال��رواي��ة حت��ذي��راً م��ن معركة‬ ‫أف��واه مفتوحة اللتهام العمّال الذين أصبحوا‬
‫مستقبلية يقودها (ج��ون التطور) ‪ -‬شيطان‬ ‫مستعبدين لآلالت‪.‬‬
‫الغد ‪ -‬ضدّ البشرية‪ .‬فكأ ّنه هاهنا يُنذر بنهاية‬ ‫ً‬
‫تتمّ برجمة العمّال بيولوجيا لتحديد قدُراهتم‬
‫العامل مع حت �رّر الشياطني يف األدب معِدِّين‬ ‫اجلسدية حسب العمل الذي وقعت برجمتهم‬
‫ملسرية حنو جحيم الغد‪ .‬وه��و ينقد بسخرية‬ ‫له‪ .‬فهم مقسّمون إىل عدّة فصائل‪ ،‬ك ّل فصيل‬
‫االعتقاد بأن التطور العلمي والتقين سوف يقود‬ ‫مت إع��ط��اؤه خصائص جسدية تتماشي مع‬ ‫ّ‬
‫إىل اجلنة الضائعة‪.‬‬ ‫مت��ت تنمية‬‫طبيعة عمله‪ .‬ف��احل �دّادون مثالً َّ‬
‫حاول (ألفريد بوناردو) دحض هذا الوهْم‬ ‫أذرعهم بشكل كبري‪...‬‬
‫يف قصته (أركيبوليس) (‪ )1859‬حيث تتحول‬ ‫ي��ق��ول (س��وف��ي��س�تر)‪ :‬ي��ض��ل ال��ع��ام��ل حتت‬
‫(باريس) يف هذه الرواية‪ ،‬بداي ًة من القرن ‪،21‬‬ ‫سيطرتنا‪ ،‬له مسكن الئق ويتمتّع بغذاء جيّـد‬
‫إىل مدينة مهجورة بعد أن سيطرت اآلالت فيها‬ ‫وبثياب الئقة‪ ،‬وهو مُجبَـر على البقاء مطيعاً‬
‫على احلياة‪ .‬يقول الكاتب‪( :‬تكاثرت اآلالت إىل‬ ‫كي ينعم بالسعادة‪.‬‬
‫ما ال هناية يف مجيع اجمل��االت و ألغت فرص‬ ‫ً‬
‫طوَّر الربيطانيون سابقا فكرة التصرّف يف‬
‫عمل اإلنسان قد تعتربون أهنا كانت عودة إىل‬ ‫تشكيل اخلصائص الوراثية للحيوانات األليفة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪28‬‬
‫حتلّق‪)1893‬‬ ‫العصر الذهيب‪ ،‬كالّ‪ :‬هذه احلقبة كانت عصر‬
‫و لكن هل كان من املمكن إيقاف التطور؟‬ ‫احلديد أخالقياً وم��ادي�اً‪ .‬يبدو أنّ اهلل أراد‬
‫يبدو أن ويلز كان مؤمناً بأنّ التطور ال ميكن‬ ‫معاقبة اإلنسان أل ّنه سرق الكثري من مثرات‬
‫إيقافه‪ ،‬وكان يرتكز يف ذلك على نظرية التطور‬ ‫شجرة العلم)‪.‬‬
‫االجتماعي املُؤسَّسة على خلفية متثلها نظرية‬ ‫تطلّع اإلنسان إىل الغد فبدأ يشوبه الكثري‬
‫(داروين)‪.‬‬ ‫من الشك ومن خيبة األمل يف العلم‪ .‬أَسّسَتْ‬
‫نستنتج م��ن خ�ل�ال رواي�����ات (وي���ل���ز) أنّ‬ ‫الثورة الصناعية ملفهوم جديد أال وهو حتسني‬
‫هناك حتمية هل��ذا التطور تتم ّثل يف جلب‬ ‫اإلنتاج بغضّ النظر عن الوسائل‪ .‬أصبح العمّال‬
‫الدّمار لإلنسان‪ ،‬ولكن يبدو أن إيقاف ذلك‬ ‫جزءاً من منظومة اإلنتاج وأُلغيت عنهم صفة‬
‫غري ممكن‪ .‬ففي (آلة الزمن) (‪ )1895‬كانت‬ ‫البشر‪ .‬تشيىء اإلنسان اعتربه البعض بداية‬
‫للمسافر (ال��ب��ط��ل)‪ ،‬حسب تعبري الكاتب‪،‬‬ ‫لعصر مرعب‪.‬‬
‫(أفكار مشجِّعة عن تطوّر البشرية و لكنّه مل‬ ‫تسبّبت الثورة الصناعية يف بريطانيا ويف‬
‫يرَ يف تعاقب احلضارات غري تراكم عبثي مآله‬ ‫فرنسا يف وضعية مأساوية للطبقات الفقرية‬
‫يف النهاية السقوط ودم��ار من قام بتشييد‬ ‫فجعلت من املستقبل شيئاً خميفاً بالنسبة‬
‫هذه احلضارات)‪.‬‬ ‫إليها‪.‬‬
‫إنّ إصرار العديد من الن ّقاد والكتّاب على‬ ‫ه��ل مي��ك��ن للعلم أن حي � ِّق��ق م��ا ح��ل��م به‬
‫الوثوق التاّم بالتطوّر هو الذي سيؤدّي يف النهاية‬ ‫اآلخرون من سعادة و رخاء و مساواة؟ سؤال‬
‫إىل تعاسة البشرية‪ .‬بينما كان من املفروض‪-‬‬ ‫ح��اول البعض اإلج��اب��ة عنه يف ح�ين اكتفى‬
‫حسب فئة أخرى من النقاد والكتّاب‪ -‬أنّ يكون‬ ‫البعض اآلخر بالتفكري النقدي فجاء ما يلي‬
‫التعامل مع العلم والتقنية أكثر حذراً‪ .‬وقد أحل‬ ‫على لسان (إيلمري بورجيس)‪( :‬ك � ّل علومنا‬
‫ه��ؤالء على عدم فصل العلم عن الفنّ وعن‬ ‫تشبه جلد الثور الذي استعمله (بروموثيوس)‬
‫الوعي بالقيم األخالقية لإلنسان‪.‬‬ ‫خلداع (جوبيتري)‪ .‬إ ّنها جتسد جيّداً ظواهر‬
‫(إنّ علماً بال وعي هو فناء للروح) كما قال‬ ‫األش��ي��اء ال�تي تُ��رض��ي بفظاظةٍ ال��ع�ينَ ولكن‬
‫(رابليه) منذ القرن السادس عشر‪.‬‬ ‫تنقصها األحشاء‪ ،‬تنقصها احلياة‪( ).‬الطيور‬

‫‪29‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫د‪ .‬مسري جرب‬

‫إن النظرة التشاؤمية عن املستقبل يف أفالم اخليال العلمي ‪ ,‬مل يهملها‬


‫بعض املخرجني يف أفالمهم الواقعية ‪ .‬حيث إن فيلم فرانسيس كوبوال‬
‫«القيامة اآلن « واملبين على حقائق تارخيية من احلرب األمريكية الفيتنامية‪,‬‬
‫ظهرت األسلحة املعاصرة واملتطورة وكأنها من ابتكار خيال املخرج ‪ .‬حيث‬
‫وحشية أبطال الفيلم مل تكن أقل من وحشية الوحوش األسطورية يف‬
‫أفالم اخليال العلمي ‪ .‬حيث يسيطر الشر العاملي على الشاشة ‪ ,‬رغم أن‬
‫الفيلم يتحدث عن واقعة حمددة يف حرب فيتنام ‪ .‬وهكذا عادت يف أيامنا‬
‫املعاصرة نبوءة عن نهاية العامل ‪ ,‬حيث مصري اإلنسان بيد اإلنسان نفسه‪,‬‬
‫ومصري اإلنسانية بيد اإلنسانية نفسها ‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪30‬‬
‫لقد قدم املخرج رؤيته يف خوض غمار اخليال‬ ‫امل��رح��ل��ة ال��ت��ال��ي��ة يف ت��ط��ور أفالم‬
‫العلمي‪ .‬فهو يؤكد على شرطيّته‪ ،‬ويفسح اجملال‬ ‫اخل��ي��ال العلمي ك��ان��ت يف أواخ���ر‬
‫للمشاهد للتفكري مبا يشاهده على الشاشة من‬ ‫الستينيات وأواس����ط سبعينيات‬
‫خالل السخرية املوجودة يف مثل هذه األفالم‪.‬‬ ‫القرن املاضي‪.‬‬
‫إن أف�لام اخليال العلمي اليت تستنتج مسائل‬ ‫وكانت نتيجة لتطور الفن السينمائي يف‬
‫ذات طابع عاملي والفضاء اخلارجي‪ ،‬تظهر هنا‬ ‫اليابان وأمريكا وإنكلرتا واالحت��اد السوفيييت‬
‫ألواهنا املختلفة‪ ،‬حيث أفالم فيكتوروف دقيقة‬ ‫السابق‪.‬‬
‫وواضحة‪.‬‬ ‫بعد الفيلم السوفيييت (ظلمة أندروميدا) لـ‬
‫كيف توصل فيكتوروف إىل هذا النوع من‬ ‫أي‪ .‬شريستوبيتوف ‪ .1968‬والذي مينّي الناس‬
‫األفالم ؟ يقول فيكتوروف (لقد راقبت األطفال‬ ‫مبستقبل رائ��ع حيث ل��ن ت��واج��ه اإلن��س��ان أي‬
‫والح��ظ��ت ك��ي��ف يلعبون ب��ك��ل ج��دي��ة – إهنم‬ ‫عقبات‪ ،‬أنتجت عدة أف�لام للمخرج ريتشارد‬
‫خيرتعون لعبة خيالية ويوفرون هلا كل األجواء‬ ‫ف��ي��ك��ت��وروف م��وجَ��ه��ة للناشئة ‪( :‬م��وس��ك��و –‬
‫احلقيقية)‬ ‫كاسيوبيا) و (الفتية يف الفضاء) ‪ 1974‬وفيلم‬
‫يف الفيلمني األول�ين‪ ،‬أبطال الفيلم وطاقم‬ ‫(من خالل األهوال إىل الفضاء) ‪.1980‬‬
‫الرحلة ال تتجاوز أعمارهم ‪14‬عاماً‪ .‬إن العالقة‬ ‫إن سر جناح هذه األفالم‪ ،‬هو قدرة املخرج‬
‫بني أفراد هذا الطاقم ليست بسيطة من خالل‬ ‫على لفت انتباه املشاهدين إىل هذه القضية‬
‫األحداث تتكشف حسناهتم وسيئاهتم‪.‬‬ ‫األخالقية امللحّة‪ .‬حيث باإلضافة إىل املوضوع‬
‫من خ�لال تعاون املخرج مع العامل وكاتب‬ ‫اخليايل اجليد‪ ،‬لقد أصبح وبفضل التقنيات‬
‫اخل��ي��ال العلمي ك�ير بوليتشيف‪ ،‬ظهر فيلم‬ ‫السينمائية اجلديدة تنفيذ هذا (السحر) أسهل‬
‫اخليال العلمي الثالث (من خالل األه��وال إىل‬ ‫بكثري‪.‬‬
‫الفضاء) ‪ .1980‬لقد مجع بني هذين الفنانني‬ ‫لقد اعترب املخرج أن اخليال يف الفن هو‬
‫رؤيتهم املشرتكة إلمكانات أفالم اخليال العلمي‬ ‫أسلوب رمزي‪ ،‬يسمح بتقديم املواضيع الرتبوية‬
‫الكبرية‪ .‬إن ال��رح�لات الفضائية إىل العوامل‬ ‫للناشئة يف شروط الثورة التكنولوجية‪.‬‬
‫األخ���رى‪ ،‬ال��رج��ال اآلل��ي�ين املفكرين‪ ،‬حتسني‬ ‫يف حوار (موسكو – كاسيوبيا) و (ومن خالل‬
‫وتطوير القدرات واألعضاء اإلنسانية ليست‬ ‫األهوال يف الفضاء) خيرتع طالب املدارس يف‬
‫هدفا حبد ذاهتا‪ ،‬إن املهم بالنسبة له أن يبقى‬ ‫العام ‪ 2000‬عربة فضائية‪ ،‬ويواجهون من خالل‬
‫اإلنسان يف الظروف غري االعتيادية إنسانا‪.‬‬ ‫رحلتهم مغامرات ومتاعب ك��ث�يرة‪ ،‬ويتصلون‬
‫لقد ع��اجل كتاب كثريون يف سيناريوهاهتم‬ ‫بسكان كوكب كاسيوبيا املتطورين عقليا‪ .‬لقد‬
‫م��س��أل��ة ت���واص���ل س��ك��ان األرض م���ع سكان‬ ‫حتول سكان هذا الكوكب إىل آليني سعداء‪ .‬بينما‬
‫ال���ع���وامل األخ����رى أم���ث���ال‪ ( ،‬آر ب��ري��دب�يري و‬ ‫طاقم العربة الفضائية األرضية تربوا يف أجواء‬
‫إسحاق عظيموف واألخوين سرتوغانسكي و‬ ‫خمتلفة‪ ،‬حيث شخصية اإلن��س��ان ومتطلباته‬
‫وستانيسالف ليم وغ�يره��م)‪ .‬وج��د على منت‬ ‫تفوق كل شيء‪ ،‬حياولون تغيري جمرى األحداث‪.‬‬
‫عربة فضائية غريبة فتاة نصف آلية امسها‬ ‫لقد حاول ريتشارد فيكتوروف من خالل بطل‬
‫نييا‪ .‬لقد اجتمع العلماء على األرض ليدرسوا‬ ‫فيلمه أن يظهر لنا ديناميكية تربية الشباب‪.‬‬
‫كيفية التعاون مع ه��ذا املخلوق نصف‬ ‫ويظهر بشكل جلي احل��س العايل باملسؤولية‬
‫اآليل‪ ،‬هل يتعاملون مع هذا الروبت على‬ ‫جتاه اآلخرين‪.‬‬

‫‪31‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫لقد أظهر املخرج واقعية الشر املتخيل وجعله‬ ‫أنه اخرتاع علمي؟ أم يتعاملون معه ككائن‬
‫مرئياً‪ .‬وهكذا حذر اإلنسان من خماطر تصرفاته‬ ‫حي ؟ هل يعطونه احلرية أم يضعونه يف قفص‬
‫الطائشة بالتعامل مع الطبيعة‪ ،‬واخرتاعاته اليت‬ ‫؟ لقد قرر العلماء يف النهاية أن تعيش الروبوت‬
‫قد تنعكس على اإلنسانية سلباً وتدمره‪ ،‬وحثه‬ ‫نييا يف ش��روط إنسانية أرض��ي��ة‪ .‬ويرسلوها‬
‫على التعقل والتصرف حبس كبري من املسؤولية‬ ‫للعيش يف بيت العامل ليبيديف‪.‬‬
‫جتاه اإلنسانية مجعاء‪.‬‬ ‫م��ن خ�لال إقامتها م��ع عائلة ه��ذا العامل‬
‫(ما يهم املخرج هو‪ :‬كيف جيب أن يتصرف‬ ‫خييفها الكثري‪ ،‬حيث تنتظرها املفاجآت يف‬
‫حبيث ال يسأل اإلنسان يف يوم من األيام ‪ :‬هل‬ ‫كل مكان‪ .‬ولكن اخلصال اإلنسانية املزروعة‬
‫يوجد بشر على كوكب األرض ؟ وهل مازالت‬ ‫يف تصميم نييا جتعلها تتآلف مع طيبة هؤالء‬
‫بقية إنسانية عند اإلنسان)‪.‬‬ ‫الناس‪ .‬وبدأت تتذكر وطنها‪ ،‬وألول مرة تشعر‬
‫لقد كرمت ال��دول��ة فيكتوروف وجمموعته‬ ‫بأحاسيس احلب اليت مل تشعر هبا سابقا‪ .‬لقد‬
‫الفنية على أعماهلم يف عام ‪.1982‬‬ ‫تعلمت لغة أهل األرض‪ ،‬ويف النهاية أدركت أهنا‬
‫نقلت الثورة العلمية والتكنولوجية العامل‬ ‫ميكنها تغيري الكثري على كوكبها الصحراوي‪.‬‬
‫إىل عصر جديد من التطور‪ .‬ولكن‪ ،‬دفع كثري‬ ‫لقد اشتعلت احل��رب للسيطرة على نييا‬
‫من الناس مثن هذا التطور‪ ،‬وخاصة يف جمال‬ ‫اإلنسان على سطح كوكبها (ديسا)‪.‬‬
‫التطور النووي‪ .‬ورغم هذا التطور احلضاري‬ ‫حيث حياول حاكم الكوكب القزم تورانشوكس‬
‫الكبري م��ازال اإلنسان يف كثري من بقاع العامل‬ ‫الذي يبيع اهلواء لسكان الكوكب‪ ،‬السيطرة على‬
‫يعاني من تبعات هذا التطور‪ ،‬وصراع العالقات‬ ‫إمكانية التحكم اآليل بالروبوت نييا واستخدامها‬
‫دخل كل بيت‪ .‬لقد كانت هذه اهلموم موضوعاً‬ ‫ملصلحته الشخصية‪.‬‬
‫لعدد من أف�لام اخليال العلمي للسينمائيني‬ ‫لقد دم��ر أه��ل الكوكب دي��س��ا ك��ل األج���واء‬
‫العامليني أم��ث��ال فيليين وبرغمان وكريوساوا‬ ‫الطبيعية تقريباً‪ ،‬وانتشر الفساد‪ .‬ومل يعد‬
‫وغ�يره��م م��ن املخرجني ال��ذي��ن رأوا يف أفالم‬ ‫باستطاعة س��ك��ان ال��ك��وك��ب إن��ق��اذ أنفسهم‪،‬‬
‫اخليال العلمي السالم واألمن للبشرية مجعاء‪.‬‬ ‫فاستنجدوا بسكان األرض‪.‬‬
‫لقد كانت أف�لام امل��خ��رج ال��روس��ي أندريه‬ ‫إن حماولة تورانشوكس السيطرة على سر‬
‫تركوفسكي من أهم أفالم اخليال العلمي اليت‬ ‫العامل (غ�لان) يف تصنيع الكتلة البيولوجية‬
‫اهتمت بشكل كبري ب��دراس��ة اإلن��س��ان عندما‬ ‫اليت تستطيع القضاء على كل سكان الكوكب‪،‬‬
‫ي��وض��ع ع��ل��ى احمل���ك يف ال���ظ���روف احلرجة‬ ‫واملتاجرة يف اهل��واء‪ ،‬هي عبارة عن داللة على‬
‫من حياته وعالقته مباضيه‪ .‬املهم بالنسبة‬ ‫ما جي��ري بالفعل يف العامل ال��رأمس��ايل حيث‬
‫لرتكوفسكي اإلنسان يف كافة مراحل حياته ‪:‬‬ ‫أصحاب رؤوس األموال يسيطرون على مقدرات‬
‫يف احلاضر واملاضي واملستقبل‪ .‬هناك تركيز‬ ‫دول وخيربّون البيئة‪.‬‬
‫يف أفالمه على الوعي اإلنساني‪ ،‬وعالقة بطل‬ ‫لقد استخدمت املؤثرات اخلاصة واخلدع‬
‫فيلمه بتاريخ شعبه واإلنسانية بشكل عام‪ .‬هلذه‬ ‫السينمائية مبهارة يف إظهار الكوكب املدمر‬
‫العالقة بعد تارخيي‪ ،‬وبعد آخر نفسي‪.‬‬ ‫بيئيا‪ .‬لقد رأينا األراض���ي وال��ت�لال القاحلة‪،‬‬
‫جت��ري أح���داث فيلم تركوفسكي األول يف‬ ‫والشتاء ال��ن��ووي‪ ،‬وسحب الضباب الكثيف‪،‬‬
‫جمال اخليايل العلمي (سولياريس) ‪ 1972‬يف‬ ‫واألقبية الفارغة اليت حتوي الكتلة البيولوجية‬
‫القرن الواحد والعشرين‪ .‬ينطلق طاقم العربة‬ ‫اليت تأكل كل شيء واليت صنعها العامل غالن‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪32‬‬
‫للبشر على هذا األوت��وس�تراد وإمن��ا السيارات‬ ‫الفضائية إىل كائن فضائي الستكشافه بقيادة‬
‫فقط‪( .‬يتألف هذا املشهد من ‪ 12‬لقطة بطول‬ ‫كريس كيلفني‪ .‬قبل انطالق العربة الفضائية‪،‬‬
‫حوايل مخس دقائق‪ ،‬ومت تصوير هذا املشهد‬ ‫يستعرض كريس فيلماً وثائقياً ص��وره رائد‬
‫يف اليابان)‪.‬‬ ‫الفضاء بريتون قبل عشرين سنة‪ ،‬عن اللقاء مع‬
‫بشكل غري متوقع يقابل كيلفن على العربة‬ ‫الكائن سولياريس الذي يثري يف ذاته املخاوف‪.‬‬
‫الفضائية الفتاة هاري‪ .‬إن هاري كانت حبيبة‬ ‫وي��رى على شاشة التلفاز برنامج عن العربة‬
‫كيلفن وق��د انتحرت بعد خ�لاف معه‪ .‬كيف‬ ‫الفضائية اليت سيمخر هبا عباب الفضاء إىل‬
‫ظهرت على العربة ؟‬ ‫سولياريس‪.‬‬
‫إن سولياريس كائن غريب‪ ،‬ميتلك قدرات‬ ‫نستوعب كمشاهدين وثيقة بريتون واملشاهد‬
‫عقلية فائقة‪ ،‬حبيث يستطيع أن خيرتق ال وعي‬ ‫ال�تي تبث م��ن العربة الفضائية على شاشة‬
‫الناس ويوقظ ذكرياهتم‪ .‬فهو يوقظ الذكريات‬ ‫التلفاز‪ ،‬واملشاهد اليت تتكلم عن كيلفن ووالديه‪،‬‬
‫ال�تي حي��اول البطل نسياهنا أو إخفائها‪ .‬إن‬ ‫وع��ن ك��ري��س الصغري على أهن��ا وث��ي��ق��ة‪ .‬هبذه‬
‫(هاري) هي ضمري كيلفن الذي بدأ يعذبه منذ‬ ‫الطريقة استطاع املخرج أن يصل إىل درجة‬
‫زمن بعيد على األرض‪ .‬فهو ال يستطيع اهلروب‬ ‫إقناع كبرية عن واقعية األحداث اليت ستجري‬
‫م��ن ذكرياته إذا ك��ان ميلك ض��م�يراً ح��ي�اً‪ ،‬وال‬ ‫يف القرن الواحد والعشرين‪ .‬لقد بدا مشهد‬
‫يستطيع التغلب على ذنبه‪ .‬أينما يكون اإلنسان‬ ‫املدينة احلضارية رمزياً ومقنعاً‪ ،‬حيث يسري‬
‫وكيفما تتقاذفه املقادير‪ ،‬ال يستطيع اهلروب من‬ ‫ب�يرت��ون بسيارته يف املدينة ل��ي�لاً‪ ،‬ومت��ر على‬
‫ماضيه‪.‬‬ ‫جانبيه مالمح األبنية‪ ،‬ثم ختتفي السيارة يف‬
‫إن سولياريس يوقظ إشارات املاضي‬ ‫نفق‪ ،‬ثم تظهر منه وختتفي مرة أخرى‪ .‬ال وجود‬

‫‪33‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫عند اإلنسان اليت حتمل بداخلها مسؤوليته‬


‫عن حياته وذنوبه‪.‬‬
‫(جي��ب على كيلفن احمل��اف��ظ��ة على قيمه‬
‫اإلنسانية يف شروط غري إنسانية وصعبة‪ .‬هذا‬
‫هو واجبه األخالقي ال��ذي جيب أن يقوم به‪،‬‬
‫حتى لو تطلب ذلك التضحيات)‪.‬‬
‫لقد توصل تركوفسكي إىل واقعية احلدث‬
‫ب��ش��ك��ل م��ب��اش��ر دون اس��ت��خ��دام اخل����دع غري‬
‫الضرورية‪.‬‬
‫إن موضوع الفيلم اخليايل مهم لرتكوفسكي‬
‫ل��ع��رض مشكلة أخالقية متتد ج��ذوره��ا إىل‬
‫األدب الروسي‪«( ،‬قصة ديستويفسكي» «حلم‬
‫الرجل املضحك» حيث جيري جتربة أخالقية ‪:‬‬
‫إذا ارتكب عمالً مشيناً هل سيحاسبه ضمريه أم‬
‫ال ؟ وهل ستختفي اجلرمية عن األرض؟ )‪.‬‬
‫مل نر الكثري من املظاهر الفضائية يف هذا‬
‫الفيلم‪ .‬ن��رى بعض أج���زاء العربة الفضائية‬
‫والنفق الطويل يف املدينة احلضارية‪ ،‬والتغري‬
‫اإلنسانية احلقيقية املعاشة واملتخيلة يف زمن‬ ‫احلياتي العجيب لكتلة سولياريس – هذا كل‬
‫واحد‪ .‬يقول تركوفسكي (أي شيء ثابت (ميّت‬ ‫شيء‪ .‬إن املشاهد اخليالية اليت رأيناها يف هذا‬
‫)‪ ،‬ط��اول��ة‪ ،‬ك��رس��ي‪ ،‬ك��أس أو أي ش��يء مشابه‬ ‫الفيلم‪ ،‬توصل إليها مبدعو الفيلم عن طريق‬
‫مصوّر مبعزل عن كل شيء‪ ،‬ال ميكن أن نتصوره‬ ‫دمج غري املألوف مع الواقع‪ .‬إن مسري كيلفن‬
‫مبعزل عن مرور الزمن)‬ ‫ضمن مم���رات العربة الفضائية ك��ان ثقيالً‬
‫يف فيلم (ستالكر) امل��أخ��وذ ع��ن سيناريو‬ ‫وبطيئاً‪ ،‬ويعطينا اإلح��س��اس مب��دى العذاب‬
‫األخوين آ‪ .‬و ب‪ .‬سرتوغاتسكي‪ ،‬جتري األحداث‬ ‫واألمل ال��ذي يعتصره‪ ،‬ويركز انتباه املشاهد‬
‫على األرض‪ .‬وجيري تطوير األحداث بأسلوب‬ ‫إىل أفكار البطل وحواره‪ .‬إن حالته تتجسد من‬
‫خيايل‪ .‬ستالكر اسم أحد أبطال الفيلم‪ ،‬وامسه‬ ‫خالل هذه الشخصية السينمائية اليت يفهمها‬
‫م��أخ��وذ م��ن طبيعة عمله كدليل يف منطقة‬ ‫تركوفسكي (كالنظر إىل الواقع من خالل مرور‬
‫تشكلت نتيجة سقوط النيازك‪ ،‬أو على أثر‬ ‫الزمن)‪ .‬إن للزمن يف أف�لام تركوفسكي بعداً‬
‫هبوط رج��ال قادمني من الفضاء اخلارجي‪.‬‬ ‫نفسياً‪ .‬وإن حضور الزمن حمسوس يف حوار‬
‫ختفي هذه املنطقة أسراراً وتبلغ مساحتها عدة‬ ‫أبطاله‪ .‬يف هذا السياق على سبيل املثال‪ ،‬إن‬
‫كيلومرتات وتعترب خطرة لكل من يفكر الولوج‬ ‫الكائن الفضائي سولياريس مل يعد بالنسبة‬
‫إليها‪ .‬حتمي الدولة هذه املنطقة‪ .‬ولكن بعض‬ ‫للمشاهد كائناً خيالياً‪ ،‬وك��ان املشاهد حيس‬
‫املغامرين الشجعان حياولون الدخول إىل هذه‬ ‫به من خ�لال وع��ي أبطال الفيلم‪ ،‬حيث يبدو‬
‫املنطقة وكشف أس��راره��ا مقامرين حبياهتم‪.‬‬ ‫الزمن أحد مكونات الشخصية‪ .‬لقد استخدم‬
‫يوجد يف هذه املنطقة غرفة حتقق الرغبات‬ ‫تركوفسكي اخل��دع السينمائية لدمج احلياة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪34‬‬
‫يتحمل خيانته وغدره وأهنى حياته انتحاراً‪ .‬لقد‬ ‫السرّية وغري املعلنة لكل من يدخل إليها‪ .‬يدخل‬
‫كانت أحالمه شريرة للغاية‪.‬‬ ‫ستالكر إىل الغرفة برفقة كاتب وعامل‪ ،‬وصلوا‬
‫مل يدخل ستالكر إىل الغرفة‪ ،‬فهو ليس لديه‬ ‫إىل باب الغرفة‪ ،‬عادة ال يوجد أحد بداخلها‪.‬‬
‫أسرار خمفية‪ .‬هو فقط يتكلم عن هدف هذه‬ ‫هنا تتحقق الرغبات احلقيقية حيث ال يستطيع‬
‫الرحلة اخلطرة إىل هذه املنطقة ‪ :‬إنه جيلب‬ ‫اإلن��س��ان خ��داع نفسه‪ .‬أح��د ال��دالل�ين وامسه‬
‫إىل هنا الناس اليائسني من احلياة‪ .‬وهو‬ ‫ديكوبراز‪ ،‬باع سر أخيه الشاعر وعاد من هذه‬
‫يعرفهم على حقيقتهم هنا فقط‪ .‬إنه‬ ‫الغرفة مببلغ كبري من امل��ال‪ .‬لكن ضمريه مل‬

‫‪35‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫وعيهم‪.‬‬ ‫يدرك قيمة الكاتب والعامل‪ .‬كان العامل حيمل‬


‫كما يف فيلم (سولياريس) مل يكن اخليال‬ ‫يف جعبته قنبلة ذات قوة تدمريية كبرية‪ .‬مل يكن‬
‫يف ه��ذه القصة هو اهل��دف‪ ،‬وإمن��ا هو وسيلة‬ ‫يفعل ستالكر ذلك بدون غاية‪ ،‬فهو يف كل مرة‬
‫إليصال األفكار واألحاسيس اإلنسانية‪ .‬كما يف‬ ‫كان يزور املنطقة يغامر حبياته وصحته‪.‬‬
‫الفيلم السابق‪ ،‬كل ما جيري على الشاشة وكل‬ ‫لقد ع��اد الكاتب والعامل من ه��ذه املنطقة‬
‫ما نراه جيري ضمن زمن الشاشة ولكنه يبدو‬ ‫ظاهرياً بسالم‪ .‬ولكن كما يف أفالم تركوفسكي‬
‫كأنه جيري يف الزمن احلاضر‪.‬‬ ‫السابقة املهم هو حالة األبطال النفسية ودرجة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪36‬‬
‫ناسا‪ ،‬والذين نفذوا هذه احملطة كنموذج مصغر‬ ‫هذا هو ستالكر جيهز نفسه للخروج من بيته‬
‫للمحطة احلقيقية اليت أرادوا بناءها فعالً بعد‬ ‫إىل املنطقة‪ ،‬ميشي بكل حذر يف غرفة النوم‬
‫‪ 25 - 15‬سنة القادمة‪.‬‬ ‫نصف املضاءة (حتى ال يوقظ ابنه وزوجته)‬
‫لقد كان الرتكيز كبرياً على التفاصيل احلياتية‬ ‫ونرى خطواته احلذرة وكأنه يهيئ املشاهد إىل‬
‫ألبطال احملطة‪ .‬مثالً ‪ :‬جي��ري رائ��د الفضاء‬ ‫تقبل ما سيحدث وكأنه حدث عادي‪.‬‬
‫اتصاالً مع ابنته على األرض‪ ،‬وتنتهي املكاملة‬ ‫إن كل ك��ادر وك��ل تفصيل حيمل يف طياته‬
‫وتظهر على شاشة جهاز االتصال (مثن املكاملة‬ ‫املشاعر واألفكار الكبرية‪ .‬والبعض حيمل رمزية‬
‫‪ .)$ 1.80‬لقد ح��اول كوبريك إظهار تقنيات‬ ‫معينة من خالل التلميحات الرمزية للثقافة‬
‫الفضاء يف املستقبل القريب وطريقة تعامل‬ ‫العاملية‪ .‬هكذا نفهم احللم (أو املوت)‪ ،‬اليقظة‬
‫الناس معها‪ .‬إن اخل��دع السينمائية والنماذج‬ ‫(أو البعث)‪ .‬إن ستالكر يف هذه املنطقة ككلب‬
‫املصغرة والكبرية‪ ،‬ومالبس الفضاء تستعرض‬ ‫أسود يف مستنقع ونذير شؤم‪ .‬وعند عودته من‬
‫ال��ق��درة التقنية ل�لإن��س��ان يف ال��ق��رن الواحد‬ ‫املنطقة نرى خ��راب ج��دار الكنيسة والقصر‪.‬‬
‫والعشرين‪ .‬لقد جنح هذا الفيلم جناحاً كبرياً‬ ‫لقد استخدمت امل��ؤث��رات اخل��اص��ة واخلدع‬
‫ملصداقيته وإتقان تنفيذه‪ ،‬واعترب نقطة حتول‬ ‫السينمائية لتأكد بشكل رم��زي على القيم‬
‫يف أفالم اخليال العلمي‪( .‬مازلت أذكر ورشة‬ ‫األخالقية والثقافية للكاتب وال��ع��امل‪ ،‬وكيف‬
‫العمل اليت قمنا هبا يف املعهد العايل للسينما‬ ‫جيب أن يبقى اإلنسان إنساناً بغض النظر عن‬
‫يف موسكو بعد استعراض الفيلم مع أساتذتنا‬ ‫الظروف القاسية احمليطة‪ .‬ويؤكد تركوفسكي‬
‫وال�تي دام��ت أسبوعاً كامالً‪ ،‬لتحليل الطريقة‬ ‫على األمهية الكربى للقيم األخالقية‪ ،‬وغنى‬
‫اليت استخدمها كوبريك يف تنفيذ خدع هذا‬ ‫النفس اإلنسانية اليت ال غنى عنها يف تطور‬
‫الفيلم)‪.‬‬ ‫احلياة يف املستقبل‪.‬‬
‫لقد ك��ان الفيلم مقنعاً يف عرضه للفضاء‬ ‫لقد اتبع املخرج األمريكي ستانلي كوبريك‬
‫البعيد والنجوم املتأللئة على خلفية السماء‬ ‫أسلوباً آخر يف فيلمه (أوديسا الفضاء ‪)2001‬‬
‫املظلمة‪ ،‬وقرص األرض الفضي الذي يبدو من‬ ‫‪ 1968‬وق��ب��ل سولياريس ب��أرب��ع س��ن��وات‪ .‬إن‬
‫بعيد‪ ،‬واحملطة الفضائية املتقنة الصنع‪ ،‬ورجال‬ ‫إحساس املشاهد بواقعية األح��داث اخليالية‬
‫الفضاء يف مالبسهم الفضائية اليت ال ختتلف‬ ‫اليت جتري يف الفضاء البعيد واليت رآها على‬
‫يف شيء عن مالبس رواد الفضاء اليوم‪.‬‬ ‫الشاشة مل تغادره ط��وال الفيلم‪ .‬إن املضيفة‬
‫تدور أحداث الفيلم يف بداية القرن الواحد‬ ‫اليت متشي ضمن احملطة الفضائية حبالة عدم‬
‫والعشرين‪ .‬قبل االنطالق إىل كوكب زحل يعثر‬ ‫جاذبية يف املمرات وعلى جدران وسقف العربة‪،‬‬
‫رواد الفضاء على متثال حجري ضخم له سر‬ ‫ورائد الفضاء الغارق يف كرسيه وسيغاره يسبح‬
‫غامض‪ .‬عندما يسقط عليه أول شعاع مشسي‬ ‫إىل جانب يده‪ ،‬وانفجار جهاز الدفع الذي قذف‬
‫يطلق أشعة قوية جداً جتاه كوكب زحل‪ .‬وتعين‬ ‫أحدهم إىل عشرات األمتار إىل جدار احملطة‪.‬‬
‫هذه اإلشارة ‪( :‬اإلنسانية جاهزة إلرسال بعثة‬ ‫ك��ل ذل��ك أقنع املشاهد حبقيقة وواق��ع��ي��ة ما‬
‫فضائية جديدة)‪.‬‬ ‫جيري‪ .‬اإلتقان الكامل لتفاصيل منوذج احملطة‬
‫أثناء رحلة احملطة الفضائية ح��دث ما مل‬ ‫الفضائية‪ ،‬وكافة املعدات الفضائية بداخلها‬
‫يكن باحلسبان‪ .‬خيرج العقل االلكرتوني‬ ‫وال��ت�ي ص��م��م��ت ون��ف��ذت مب��خ��ط��ط وإش����راف‬
‫(ه���ال‪ ) 9001 -‬ع��ن السيطرة ويقوم‬ ‫األخصائيني يف ال��وك��ال��ة األمريكية للفضاء‬

‫‪37‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫فتحات احملطة الفضائية عن طريق استخدام‬ ‫بأشياء غري مرغوب هبا إىل درجة اجلرمية‪.‬‬
‫األقنعة‪ .‬إن املشكلة يف مثل هذا النوع من اخلدع‬ ‫حيث يقتل رائ��د الفضاء‪ .‬ويبدأ قائد الرحلة‬
‫هي احملافظة على نوعية ال��ص��ورة‪ ،‬حيث إن‬ ‫ب��إب��ط��ال ب��ع��ض مفاتيح التحكم هب���ذا العقل‬
‫تطابق عدة صور فوق بعضها يف كادر واحد‪،‬‬ ‫االلكرتوني‪ .‬يبدأ العقل االلكرتوني بالتوسل بعدم‬
‫يفقد يف كل تطابق بعض الشيء من وضوح‬ ‫فعل ذل��ك‪ ،‬ويف النهاية يفقد السيطرة متاماً‬
‫الصورة‪.‬‬ ‫وجين‪ .‬يستطيع قائد الرحلة إبطال عمل العقل‬
‫وللوصول إىل صورة مركبة جيدة دون ضياع‬ ‫االلكرتوني‪ ،‬ولكنه سرعان ما جيد نفسه بدون‬
‫يف الصورة‪ ،‬مت تطوير خدعة القناع املتحرك‪.‬‬ ‫مساعدة‪ ،‬حيث كانت كافة العمليات مربجمة من‬
‫حيث كانت هذه اخلدعة يف السابق تعتمد على‬ ‫خالل هذا العقل االلكرتوني‪.‬‬
‫شاشة األشعة حتت احلمراء والكامريا ثنائية‬ ‫لقد ح��اول املخرج ستانلي كوبريك وكاتب‬
‫الفيلم‪ .‬لقد استخدمت يف هذا الفيلم الشاشة‬ ‫القصة آرثر كالرك التحذير من مترد اآللة على‬
‫الزرقاء بدالً من األشعة حتت احلمراء وأجريت‬ ‫اإلنسان الذي يصنعها‪.‬‬
‫التطابقات يف املخترب‪.‬‬ ‫يف ه��ذا الفيلم اآلل��ة هي املسيطرة‪ ،‬حيث‬
‫إن واق��ع��ي��ة ط�ي�ران احمل��ط��ة الفضائية مل‬ ‫يهبط رواد احملطة على املريخ ومن ثم ينطلقون‬
‫يعتمد فقط على التصوير وإمنا اعتمد أيضاً‬ ‫إىل اجملهول‪ .‬بينما يف أفالم تركوفسكي الرتكيز‬
‫على ج��ودة من��اذج العربات الفضائية وشكلها‬ ‫على اإلن��س��ان وم��ش��اع��ره وأح��اس��ي��س��ه واملثل‬
‫اخلارجي املقنع‪ ،‬وغنى تفاصيل التقنيات داخل‬ ‫األخالقية‪ ،‬ويف النهاية يعود أبطال الفيلم إىل‬
‫منوذج العربة نفسه‪.‬‬ ‫بيوهتم‪.‬‬
‫لقد كانت العربات الفضائية والصحون‬ ‫ً‬
‫كما أن هناك تفاوتا يف استخدام اخلدع‬
‫الطائرة بأشكال خمتلفة ‪ :‬على شكل كرة وعلى‬ ‫ال��س��ي��ن��م��ائ��ي��ة‪ .‬ح��ي��ث ينفق ك��وب��ري��ك ماليني‬
‫شكل أسطواني ومثانية األضالع‪ .‬إن االهتمام‬ ‫ال���دوالرات إلظهار تقنيات املستقبل‪ .‬حياول‬
‫بالتفاصيل الدقيقة هلذه النماذج‪ ،‬أعطاها شكل‬ ‫تركوفسكي إظ��ه��ار سلوك اإلن��س��ان يف عامل‬
‫العربات الفضائية احلقيقية‪ .‬لقد استطاع‬ ‫الفضاء‪.‬‬
‫مصمموها الوصول إىل ذروة التقنية مستخدمني‬ ‫لقد أهب��ر ك��وب��ري��ك امل��ش��اه��دي��ن باملؤثرات‬
‫املواد املتوفرة لديهم‪ .‬يقول األخصائي الشهري‬ ‫اخلاصة واخلدع املتقنة جداً يف فيلمه‪ ،‬عربات‬
‫يف فن اخل��دع السينمائية دوغ�لاس ترامبوال‬ ‫فضائية متقنة الصنع جت��وب عباب الفضاء‬
‫لقد استخدمنا امل��ادة البالستيكية يف صنع‬ ‫املظلم املرصع بالنجوم الرباقة‪ ،‬رواد الفضاء‬
‫هيكل ال��ن��م��وذج‪ ،‬ال��رق��ائ��ق املعدنية بأشكال‬ ‫الذين يتجولون يف أحناء احملطة الفضائية على‬
‫ومساكات خمتلفة‪ ،‬واألنابيب واألدوات والقطع‬ ‫خلفية التقنيات الفضائية احلديثة واملناظر‬
‫الصغرية من خملفات مناذج الطائرات والعربات‬ ‫الفضائية‪ .‬لقد بدت كافة األف�لام الفضائية‬
‫الفضائية والقطارات القدمية وغريها‪ .‬ولقد‬ ‫السابقة هلذا الفيلم باهتة وقدمية‪ .‬لقد كان‬
‫طلي اهليكل اخلارجي بطالء خاص‪ ،‬وأضيف‬ ‫ألداء املصورين جيفري أن��س��ورت ودوغالس‬
‫إىل العربات اإلضاءة الالزمة‪ .‬لقد كان العمل‬ ‫ترامبل الفضل الكبري يف إجناح هذا الفيلم إىل‬
‫متقناً لدرجة أن املصور كان يستطيع تصوير‬ ‫جانب املخرج ستانلي كوبريك‪.‬‬
‫النموذج من أي زاوية يريد‪ ،‬وأن يصور النموذج‬ ‫لقد مت تصوير منوذج احملطة الفضائية أوال‪ً.‬‬
‫من مسافة قريبة دون خوف من أن تنكشف‬ ‫بعد ذلك مت إدخال اخللفية الفضائية من خالل‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪38‬‬
‫وإن التطوير اجل��دي��د يف ه��ذا الفيلم يف‬ ‫حقيقة النموذج‪.‬‬
‫مشهد احل��ال��ة النفسية غ�ير ال��ع��ادي��ة لرائد‬ ‫يف املشهد الذي تدخل فيه العربات الفضائية‬
‫الفضاء كري دايل يف املشهد الرائع والسريايل‬ ‫جتمع النجوم‪ ،‬مت تصوير العربات بشكل منفصل‬
‫للنفق الالمتناهي املسمى (بوابة الفضاء)‪ .‬لقد‬ ‫عن النجوم‪ .‬ألن تصوير العربات املتحركة يتطلب‬
‫نفذ دوغالس ترامبل هذا املشهد بالتصوير من‬ ‫استخدام خدعة القناع املتحرك‪ .‬ولتطابق‬
‫خالل شق‪ .‬لقد صور بسرعة تصوير منخفضة‬ ‫العربات املتحركة مع خلفية النجوم‪ ،‬جلأ منفذو‬
‫من خالل فتحة على شكل شق أمام الكامريا‪.‬‬ ‫اخلدع إىل خدعة قدمية هي رسم األقنعة باليد‬
‫وعند عرض الشريط بسرعته التقليدية‪ .‬بدا‬ ‫بعد إسقاط الصور عن طريق جهاز‬
‫كأن الكامريا تنزلق بسرعة فائقة داخل النفق‬ ‫الروتوسكوب‪ .‬وذل��ك ب��دالً من االستخدام‬
‫إىل الالهناية يف جو ساحر من األلوان املتسارعة‪.‬‬ ‫احلديث للشاشة ال��زرق��اء والقناع املتحرك‪.‬‬
‫يف احلقيقة إن هذه اخلدعة‪ ،‬تطوير خلدعة‬ ‫هبذه الطريقة املتعبة‪ ،‬واليت تتطلب جهداً ووقتاً‬
‫فوتوغرافية قدمية‪ .‬إن هذه الطريقة تشبه إىل‬ ‫كبرياً‪ ،‬استطاعوا إدخال اخللفيات اليت يريدون‬
‫حد ما الصورة امللتقطة لشارع يف املدينة ليالً‪،‬‬ ‫إدخاهلا داخل العربة الفضائية ومن حوهلا‪ .‬لقد‬
‫والسيارات تسري مسرعة عندما نفتح غالق‬ ‫طور العاملون يف اخل��دع السينمائية يف هذا‬
‫آل��ة التصوير‪ ،‬ونعرض الشريط الفوتوغرايف‬ ‫الفيلم أسلوباً جديداً يف طريقة عرض الصورة‬
‫ملدة زمنية طويلة نسبياً‪ .‬حنصل على صورة‬ ‫األمامي على الشاشة والذي استخدم بنجاح يف‬
‫لشارع أضواء السيارات فيه متداخلة ومشكلة‬ ‫مشهد (فجر اإلنسانية)‪ .‬وتتميز طريقة العرض‬
‫خطاً ضوئياً‪ .‬كما أن هناك اإلنفجارات‬ ‫األمامي عن طريقة العرض اخللفي التقليدية‬
‫الفضائية واللوحات الفضائية السريالية‬ ‫بنصوع صورة الشاشة‪.‬‬

‫‪39‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫النهضة‪.‬‬
‫ال��ك��ث�ير م���ن ال��ش��خ��ص��ي��ات امليثيولوجية‬
‫ال�تي يتضمنها الفيلم استعصت على الفهم‬
‫عند الكثريين‪ .‬مل ينف لوكاس تأثره باألدب‬
‫املثيولوجي ولكنه حاول إظهار هذه الشخصيات‬
‫امليثية بقالب خيايل علمي ‪.‬‬
‫يغادر بطل الفيلم لوك سكاي ووكر كوكبه‬
‫اجل��اف تاتوين يف رحلة بني الكواكب للبحث‬
‫عن الفتاة (ليا) املخطوفة من كوكب ألديران‪.‬‬
‫ينضم إىل لوك بني كينوبي من مملكة اجليدي‪،‬‬
‫الذي حيافظ على السالم والعدل إىل أن يعم‬
‫الظالم على اجمل��رات‪ .‬وينضم إليه أيضاً هان‬
‫سولو البطل والشجاع قبطان العربة الفضائية‬
‫«ميلينيوم فالكون»‪ .‬كذلك تشوباكا أحد سكان‬
‫ع��امل الفضاء املتطورين عقلياً‪ ،‬رأس��ه على‬
‫شكل رأس قرد‪ ،‬باإلضافة إىل الرجال اآلليني‬
‫«‪ »3PO-C‬و «‪ .»R2D2‬حتارب هذه اجملموعة‬
‫اإلمرباطورية الفضائية العظمى‪.‬‬
‫ً‬
‫لقد بدا هذا الفيلم للمشاهد واقعيا ألبعد‬ ‫األخرى‪.‬‬
‫احل��دود‪ ،‬مرتابط األح��داث ومدهش‪ ،‬رغم أنه‬ ‫لقد وضع هذا الفيلم القاعدة الصحيحة‬
‫ليس فيه أي شيء قد اعتادت العني اإلنسانية‬ ‫اليت انطلقت منها أف�لام الفضاء الالحقة يف‬
‫على رؤيته‪.‬‬ ‫سبعينيات القرن املاضي مثل ‪« :‬حرب النجوم‬
‫لقد حاز الفيلم شعبية كبرية‪ ،‬وحقق دخالً‬ ‫« و «ل��ق��اءات م��ن ال��درج��ة ال��ث��ال��ث��ة»‪ .‬إن تسع‬
‫فاق كثرياً املاليني اليت أنفقت على إنتاجه‪ .‬وبعد‬ ‫سنوات بني «أوديسا الفضاء ‪ »2001‬و «حرب‬
‫مخس سنوات تابع ارفني كريشنر سلسلة «حرب‬ ‫النجوم» كانت كافية لوضع أفالم اخليال العلمي‬
‫النجوم» بفيلم «اإلمرباطورية ترد الضربة» من‬ ‫الفضائية على السكة الصحيحة‪.‬‬
‫إنتاج شركة «لوكاس – فيلم»‪ .‬لقد صور هذا‬ ‫لقد ك��ان «ح��رب ال��ن��ج��وم» جل��ورج لوكاس‬
‫الفيلم بنفس روح الفيلم السابق‪.‬‬ ‫رائعاً بكافة املعايري‪ .‬فهو باإلضافة إىل «أوديسا‬
‫لقد حصل فيلم «حرب النجوم» على أوسكار‬ ‫الفضاء ‪ »2001‬ه��و م��ن أكثر أف�لام الفضاء‬
‫عن اخلدع السينمائية عام ‪ .1977‬ولكن فيلم‬ ‫ضخامة وروعة‪ .‬لقد استعرض جورج لوكس يف‬
‫«ل��ق��اءات من الدرجة الثالثة» ‪ 1977‬للمخرج‬ ‫هذا الفيلم اإلمكانيات التعبريية اهلائلة للسينما‬
‫ستيفن سبيلبريغ‪ ،‬مل يكن من حيث التقنيات‬ ‫املعاصرة‪.‬‬
‫واخل����دع املستخدمة أق���ل ج���ودة م��ن «حرب‬ ‫لقد ك��ان ه��دف لوكاس وض��ع املشاهد يف‬
‫النجوم»‪ .‬لقد ساهم هذان الفيلمان يف تطور‬ ‫أج��واء جم��رات تبعد عن األرض آالف السنني‬
‫أف�لام اخليال العلمي والتقنيات املستخدمة‬ ‫الضوئية‪ .‬لقد تضمن الفيلم عناصر من قصص‬
‫يف املؤثرات اخلاصة واخلدع السينمائية‪ .‬لقد‬ ‫فرسان القرون الوسطى ومغامرات أدباء عصر‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪40‬‬
‫يقوم بطل الفيلم كريستوفر ري��ف بتمثيل‬ ‫أهبر «حرب النجوم» مشاهديه بنماذج العربات‬
‫شخصيتني‪ .‬الشخصية األوىل هي شخصية‬ ‫الفضائية‪ ،‬وقد أقنع فيلم «لقاءات من الدرجة‬
‫اإلنسان اخلارق الذي حيرق األبنية بشعاع من‬ ‫الثالثة» املشاهد حبقيقة العربات الفضائية‬
‫عينيه‪ ،‬وبنفسه يثري اهلواء يف الصحراء‪ ،‬و ينفذ‬ ‫الطائرة يف مساء ديكور حقيقي‪ .‬لقد ساهم يف‬
‫من خالل كل األجسام الصلبة عدا الرصاص‪ .‬انه‬ ‫إجناح هذين الفيلمني إىل حد كبري تطور تقنية‬
‫يفعل كل ذلك يف حماربة اجلرمية‪ .‬والشخصية‬ ‫التحكم عن بعد‪ .‬لقد أصبحت أف�لام اخليال‬
‫األخرى ال تشبه يف سلوكها شخصية السوبرمان‪.‬‬ ‫العلمي باهظة التكاليف موضة‪ .‬لقد حاول‬
‫يلبس بشكل أنيق دمث وخلوق وال يوحي بالقوة‪.‬‬ ‫الكثريون استخدام تقنيات التصوير املعقدة‪،‬‬
‫ويف عالقته مع حبيبته قليل الكالم وخجول‪ .‬إن‬ ‫ولكن النتائج مل تكن متكافئة‪.‬‬
‫هذه االزدواجية يف الشخصية أعطت املخرج‬ ‫يف سبعينيات ومثانينيات ال��ق��رن املاضي‬
‫اإلمكانية لدمج الواقع باخليال‪ .‬كان يف ذهن‬ ‫أن��ت��ج��ت جم��م��وع��ة م��ن األف��ل�ام ال�ت�ي تتحدث‬
‫املخرج أن تتصرف هذه الشخصية يف ظروف‬ ‫عن القادمني من الفضاء‪ ،‬وال��ذي��ن مل يتوقع‬
‫املغامرات غري العادية بشكل إنساني وطبيعي‪.‬‬ ‫منهم اإلنسان خرياً‪ .‬نستطيع أن نستثين فيلم‬
‫تعيش مشاكلها احلياتية على الشاشة‪ ،‬بنفس‬ ‫«س��وب��رم��ان» للمخرج ري��ت��ش��ارد دون���ر وفيلم‬
‫ميلودرامي وكوميدي وسط املغامرات‪ .‬وبنفس‬ ‫«‪ »E.T‬للمخرج ستيفن سبيلبريغ‪.‬‬
‫الوقت جبو من الغموض واخليال والسحر‪.‬‬ ‫يف فيلم «سوبرمان» ‪ 1978‬يهبط سوبرمان‬
‫بغض النظر عن الفكر املطروح يف الفيلم‪،‬‬ ‫إىل األرض من كوكب كريبتون اآليل إىل الدمار‪.‬‬
‫لقد أخ���رج ه��ذا الفيلم بتقنية ع��ال��ي��ة‪ .‬لقد‬ ‫وال��ده جور آيل عامل كبري‪ ،‬يعلم أن كوكبه آيل‬
‫استخدمت العديد من امل��ؤث��رات اخلاصة يف‬ ‫إىل الدمار ويرسل ابنه إىل األرض إلنقاذه‪ .‬إن‬
‫تصوير كوكب كريبتون‪ ،‬وخاصة طريقة‬ ‫ديكور الكوكب املستوحى من العصور الوسطى‬
‫العرض األمامي‪ .‬كما استخدم الدخان‬ ‫أعطى اإلحساس باألجواء الكئيبة للكوكب‪.‬‬

‫‪41‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫التفاهم مع القادمني من الفضاء ممكن‪ .‬ولكن‬ ‫بشكل كبري‪ .‬م��ن حيث الشكل كانت هذه‬
‫اخلطورة يف عامل الكبار تأتي من كون شغف‬ ‫اللقطات مميزة ومستقلة عن الفيلم‪ .‬عندما‬
‫املعرفة بالنسبة إليهم مسألة أخالقية‪ .‬يتجمهر‬ ‫يهبط سوبرمان إىل األرض حيصل تغيري جذري‬
‫حشد من الناس حيملون بأيديهم أجهزهتم‬ ‫يف أج��واء الفيلم‪ .‬حيث ح��اول املخرج إضفاء‬
‫االستكشافية حول البيت الذي جلأ إليه هذا‬ ‫األج��واء الكوميدية على الفيلم‪ .‬لقد استخدم‬
‫القادم من الفضاء‪ .‬حياولون حماصرة األطفال‬ ‫املخرج الفلرت الضبابي اخلفيف يف أكثر أجزاء‬
‫وضيفهم الفضائي‪ ،‬ألخذه إىل املخترب إلجراء‬ ‫الفيلم إلضفاء مسحة ناعمة على املشاهد‪.‬‬
‫ال���دراس���ات عليه‪ .‬يف النهاية يستطيع هذا‬ ‫لقد استخدم املخرج يف تصوير هذا الفيلم‬
‫الفضائي التواصل مع عربته الفضائية‪ .‬نرى‬ ‫الطبيعة والنماذج املصغرة‪ ،‬وتطابق الصور فوق‬
‫هذا املخلوق الصغري يف النهاية بكامل عظمته‬ ‫بعض يف ك��ادر واح���د‪ .‬كما استخدم بامتياز‬
‫وعقله الكبري وليس فقط كرمز للطفولة الطيبة‬ ‫الكامريا احملمولة على الكتف‪.‬‬
‫واحلكمة الساذجة‪ ،‬وهو يودع األطفال ويغادر‬ ‫لقد ص��ور ستيفن سبيلبريغ القادمني من‬
‫األرض بعربته‪.‬‬ ‫الفضاء بشكل خمتلف يف فيلم «‪.1982 »E.T‬‬
‫لقد جلأ سبيلبريغ إىل علماء النفس وأساتذة‬ ‫فهو رفض أن خييف الناس من القادمني من‬
‫الرتبية للمساعدة يف جعل شخصية بطله مقنعة‪.‬‬ ‫الفضاء اخلارجي‪ .‬لقد أحب أن يكون القادمون‬
‫لقد اعتمد على رموز جتعل من هذه الشخصية‬ ‫متفامهني م��ع األط��ف��ال‪ .‬إن الشخصية اليت‬
‫البشعة إنسانية املالمح (‪ .)51‬لقد صنع عدة‬ ‫ابتكرها غريبة الشكل وبشعة من وجهة نظر‬
‫مناذج لشخصية (‪ )E.T‬مربجمة عن بعد عن‬ ‫اإلنسان‪ ،‬فهي تشبه الضفدعة وخضراء اللون‪،‬‬
‫طريق أجهزة الكرتونية معقدة‪ .‬ويف أحد هذه‬ ‫والرأس عريض واألذنان كبريتان‪ ،‬وعيون محراء‬
‫النماذج وضع فتاة قزمة‪ ،‬ويف منوذج آخر وضع‬ ‫جاحظة‪ .‬يف هناية أصابعها ضوء خافت يستطيع‬
‫طفل دون أقدام لتحريك النموذج من الداخل‪.‬‬ ‫من خالله التعرف على العامل من حوهلا وعالج‬
‫لقد اسرتد سبيلبريغ الكلفة العالية اليت أنفقها‬ ‫الناس به‪.‬‬
‫على هذا الفيلم باإلضافة إىل املربح الكبري‪ .‬يف‬ ‫هذا املخلوق الفضائي العجيب ككل األطفال‬
‫النهاية رأى الناس على الشاشة خملوق ال يشبه‬ ‫حيب الطعام‪ ،‬فضويل كاألطفال‪ ،‬يراقب سكان‬
‫اإلنسان يف شيء‪ ،‬ويف نفس الوقت على مستوى‬ ‫األرض وال��ع��امل م��ن ح��ول��ه‪ .‬ك��م��ا أن���ه لطيف‬
‫عال من الذكاء والطيبة واللطف‪.‬‬ ‫وأنيس وحيب املالبس اجلميلة‪ .‬إن هذه املالمح‬
‫إن انصهار اخليال غري العادي مع شروط‬ ‫اخلارجية واخلصال احلميدة‪ ،‬جتعل منه بطالً‬
‫احلياة العادية على األرض‪ ،‬كان بفضل جهود‬ ‫أسطورياً يالمس املشاعر اإلنسانية‪ .‬لقد أراد‬
‫مصممي ومنفذي اخلدع السينمائية يف هذا‬ ‫سبيلربغ إعطاء بطله مالمح نفسية إنسانية‪.‬‬
‫الفيلم‪ .‬ي��رى امل��ش��اه��د على ال��ش��اش��ة‪ ،‬كيف‬ ‫إن حكاية الفيلم بسيطة‪ .‬لقد بقي على‬
‫يصنع (‪ )E.T‬مبساعدة األطفال جهاز اتصال‬ ‫األرض أح��د طاقم بعثة فضائية ق��ادم��ة من‬
‫م��ع عربته ك��ي تعود إىل األرض وتصطحبه‪،‬‬ ‫كوكب بعيد‪ .‬خيرج الطفل اليوت هذا الكائن‬
‫مستخدماً قطعاً من لعبة الكرتونية وشوك‬ ‫من خمبئه بإغرائه بتقديم حلويات كروية ملونة‬
‫األكل‪ ،‬وبعض خملفات راديو‪ .‬والعربة الفضائية‬ ‫إليه‪.‬‬
‫اليت على شكل صحن طائر وال�تي تشع منها‬ ‫نشأت صداقة بني هذا الكائن واألطفال‪.‬‬
‫األض����واء املختلفة‪ .‬وم��ش��ه��د حم��اول��ة الكلب‬ ‫وقد أراد املخرج من خالل ذلك‪ ،‬أن يثبت بأن‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪42‬‬
‫اليابان بفيلم «غودزيرا» ‪ 1954‬للمخرج انوسريو‬ ‫الصعود إىل العربة لتوديع صديقه اجلديد‪،‬‬
‫هوندا وإنتاج شركة «توهو»‪ .‬لقد أنتجت هذه‬ ‫وكيف يطل (‪ )E.T‬من أحد نوافذ العربة بكامل‬
‫الشركة جمموعة من أفالم املخلوقات املتوحشة‬ ‫عظمته هذه املرة وليس كرمز لإلنسانية‪.‬‬
‫غريبة الشكل‪ .‬لقد القى فيلم «غرق اليابان»‬ ‫لقد جنح سبيلبريغ يف متييز هذا الفيلم عن‬
‫ال��ذي يصور الكوارث الطبيعية اليت ميكن أن‬ ‫األفالم اليت تصور القادمني إىل األرض كأهنم‬
‫تدمر العامل رواج �اً كبرياً ل��دى املشاهدين يف‬ ‫وحوش قاتلة‪ ،‬بإعطاء شخصيته هذه املالمح‬
‫العامل‪ .‬وكان الفضل الكبري يف جانب من جناح‬ ‫الطيبة ال�ت�ي أح��ب��ه��ا وت��ع��اط��ف معها ماليني‬
‫هذا الفيلم إىل منفذي اخلدع السينمائية يف‬ ‫املشاهدين‪.‬‬
‫شركة توهو‪ .‬ويف جانب آخر على الرواج الكبري‬ ‫إن شعبية أفالم اخليال العلمي مل تقتصر‬
‫والسريع للرواية اليت اعتمدت يف أساس هذا‬ ‫على الواليات املتحدة وروسيا‪ ،‬وإمنا تعداها إىل‬
‫الفيلم قبل إنتاجه‪.‬‬ ‫اليابان‪ .‬حيث ساهم املخرجون اليابانيون يف‬
‫وكانت الوالدة اجلديدة ألفالم اخليال العلمي‬ ‫تطوير هذا النوع من األفالم‪.‬‬
‫يف اليابان مع فيلم «ن��ب��وءات نوسرتاداموس»‬ ‫لقد ب��دأت رحلة أف�لام اخليال العلمي يف‬
‫‪.1977‬‬
‫م��ن��ذ ع���ام ‪ 1954‬ت��ت��ال��ت ع���دة أف�ل�ام على‬
‫الشاشة اليابانية‪ .‬لقد ظهر بعد فيلم «غودزيرا»‬
‫فيلم «الرجل الش ّفاف» ‪ 1954‬و فيلم «اهلجوم‬
‫املعاكس لغودزيرا» ‪ 1955‬من إخراج موتوييسي‬
‫أودو‪ .‬كما تالها جمموعة أفالم للمخرج انوسريو‬
‫هوندا ‪« :‬اإلنسان‪ -‬احليوان» و «والرجل الثلجي»‬
‫‪ 1955‬و «عجيبة مساء رادون» ‪ 1956‬و «جيش‬
‫دفاع األرض» ‪ .1957‬تعترب هذه األفالم بداية‬
‫عصر أفالم اخليال العلمي يف اليابان‪ ،‬علماً بأن‬
‫بعض أفالم الرعب اليت تنتمي بشكل أو بآخر‬
‫إىل أفالم اخليال العلمي سبقت هذه املوجة من‬
‫األفالم مثل ‪:‬‬
‫«الرجل – قوس قزح» ‪ 1949‬و «ظهور الرجل‬
‫الشفاف» ‪.1949‬‬
‫لقد ك��ان ت��أث�ير السينما األم��ري��ك��ي��ة على‬
‫املخرجني اليابانيني كبرياً‪ .‬ويبدو ذلك واضحاً‬
‫إذا ق��ارن��ا فيلم «كينغ ك��ون��غ» ‪ 1933‬م��ع فيلم‬
‫«غودزيرا»‪ .‬ومل مير املخرجون اليابانيون مرور‬
‫الكرام على أفالم أمريكية مثل ‪« :‬طوفان العامل»‬
‫‪ 1933‬و «آخر أيام بوميب» ‪ ،1935‬حيث الكوارث‬
‫والطوفان ال��ذي ظهر يف أف�لام اليابان‬
‫بعد م��رور عشرين سنة تقريباً‪ .‬وقد‬

‫‪43‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫رائعة»‪ .‬لقد أدرك املنتج الياباني الطريق إلمتاع‬ ‫استخدمت يف مثل ه��ذه األف�لام التقنيات‬
‫مج��ه��وره‪ .‬وس��رع��ان ما انتشرت ه��ذه األفالم‬ ‫العالية املتوفرة يف جم��ال اخل��دع السينمائية‬
‫متضمنة كل ما توصل إليه الغرب من وسائل‬ ‫آنذاك‪.‬‬
‫التعبري التقنية والفنية‪ .‬وقد أبدعت شركة توهو‬ ‫بالنسبة إىل العجائب ال��ذري��ة كاملتحول‬
‫يف سلسلة أفالمها عن وحش «رادون»‪.‬‬ ‫غودزيرا‪ ،‬يقول املنتج الياباني تومويوكي تاناكي‬
‫نستطيع أن ننسب األفالم التالية إىل سلسلة‬ ‫«عندما مسعت عن الفيلم األمريكي «ظهور‬
‫األفالم التجريبية ‪« :‬احلسناء والرجل السائل»‬ ‫الوحش الذري» ‪ 1953‬قلت يف نفسي ‪ :‬إهنا فكرة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪44‬‬
‫العلمي وفقداهنا للصفة العلمية يف اليابان‪.‬‬ ‫‪ 1957‬و «عجيبة بارون» ‪1958‬‬
‫لقد خسرت اليابان خسارة كبرية بوفاة فنان‬ ‫و «احلرب الكربى يف الفضاء» ‪ 1962‬و «كوميتا‬
‫اخل��دع السينمائية الكبري اي���دزوري تسوبوراي‬ ‫غاروسو» ‪ .1962‬النوسريو هوندا‪ .‬و «اإلنسان‬
‫الذي نفذ معظم اخلدع السينمائية لألفالم اليت‬ ‫املرسل برقيا»‪ 1960‬للمخرج أتسوسي فوكودا‪.‬‬
‫أنتجت يف شركة توهو‪.‬‬ ‫لقد اخترب ه��ؤالء املخرجون كافة أن��واع اخلدع‬
‫وبالرغم من معاناة أفالم اخليال العلمي من‬ ‫السينمائية على ال��واق��ع‪ .‬كما ك��ان هلم الفضل‬
‫فقداهنا للعلمية فقد أنتجت شركة توهو جمموعة‬ ‫يف تطوير تقنيات الفضاء وألول مرة يف اليابان‬
‫من األفالم جيدة املضمون وبتقنيات سينمائية‬ ‫ويف شركة توهو بالتحديد يتم استخدام هذه‬
‫عالية مثل ‪« :‬الثائر» ‪ 1967‬للمخرج ماساكي‬ ‫التقنيات ويتم أول صعود لعربة فضائية يف فيلم‬
‫كوبوياكي‪ ،‬و «ودع��وة الشيطان» ‪ 1970‬للمخرج‬ ‫«احل��رب الكربى يف الفضاء»‪ ،‬وحي��س املشاهد‬
‫تيكاو ياموموتو‪ ،‬و «غ��رق اليابان» ‪ 1973‬هلريو‬ ‫أجواء الفضاء احلقيقية‪ .‬كما أن مشهد اجنراف‬
‫موريتاني وغريهم‪.‬‬ ‫األرض يف فيلم «كوميتا غارسو» ليس له مثيل يف‬
‫لقد ارتبطت أفالم اخليال العلمي اليابانية‬ ‫األفالم السينمائية العاملية‪.‬‬
‫باسم املنتج تومويوكي تاناكا‪ .‬لقد كان شخصية‬ ‫يف ستينيات القرن املاضي عادت إىل الظهور‬
‫شجاعة فذة‪ ،‬حيث اهتم ودرس كافة خصائص‬ ‫موجة أفالم الكوارث والدمار واملوت‪ .‬لقد سيطر‬
‫فن اخليال العلمي واخل��دع السينمائية‪ ،‬اليت‬ ‫على السينما اليابانية أفالم الوحوش املتحولة‪.‬‬
‫دوهنا‬ ‫بدأت هذه املوجة اجلديدة يف فيلم «وحش هامر»‬
‫ال ميكن أن يتوفر النجاح ألف�لام اخليال‬ ‫إنتاج شركة «دايي» ‪ 1965‬وتنتمي إىل هذه املوجة‬
‫العلمي‪ ،‬حتى لو توفر املوضوع واإلخراج والتمثيل‬ ‫سلسلة أفالم اينوسريو هوندا ‪« :‬كينغ كونغ ضد‬
‫اجل��ي��د‪ .‬لقد توفر يف شركة توهو على مدى‬ ‫غ��ودزي��را» ‪ 1962‬و «م��ات��ان��غ��و»‪ ،1963‬و «وحش‬
‫ع��ش��رات ال��س��ن��وات اخل�ب�رة اجل��ي��دة يف إخراج‬ ‫الفضاء دوغورا» ‪ 1964‬و فيلم «احلرب العاملية‬
‫أفالم املوت والدمار والكوارث‪ .‬وقد كانت اخلدع‬ ‫للوحوش» ‪ .1965‬وكذلك سلسلة أفالم أتسوسي‬
‫السينمائية واملؤثرات اخلاصة األخرى عنصرا‬ ‫فوكودا‪ .‬ولكن سرعان ما م ّل اليابانيون من هذه‬
‫مهما يف جناح هذه األفالم‪.‬‬ ‫األف�لام املتوحشة‪ ،‬وس��رع��ان ما تنبه إىل ذلك‬
‫لقد ج��رى التحول الثاني بعد فيلم «غرق‬ ‫تومويوكي تاناكي وقرر إدهاش مشاهديه بأفالم‬
‫اليابان»‪ ،‬حيث املشهدية الرائعة والتقنية العالية‬ ‫م��ن ن��وع خمتلف‪ .‬وس��رع��ان م��ا ظهرت األفالم‬
‫املنفذ من خالهلا هذا الفيلم‪ ،‬مل تدفع موضوع‬ ‫البوليسية واجلاسوسية وما شابه ذلك‪ .‬لقد بدأت‬
‫الفيلم اهلام إىل الصف الثاني‪ .‬لقد كان هناك‬ ‫أفالم اخليال العلمي يف اليابان ختتفي تدرجيياً‪،‬‬
‫تكامل بني الشكل واملضمون‪( .‬لقد حاز مصمم‬ ‫وبدأ استخدام اخلدع السينمائية يتقلص‪ .‬ولعل‬
‫ومنفذ اخلدع يف هذا الفيلم أكويسي ناكانو على‬ ‫فيلم «احلرب على جزيرة العجائب» وفيلم «ابن‬
‫جائزة خاصة عن عمله يف مهرجان السينما‬ ‫غ��ودزي��را» ‪ 1967‬للمخرج أتسوسي ف��وك��ودا‪ ،‬و‬
‫اآلسيوية عام ‪.)1975‬‬ ‫«هجوم ال��وح��وش» ‪ 1968‬و «مذحبة على خط‬
‫لقد صحت املدينة على ك��ارث��ة كبرية وقف‬ ‫العرض صفر» ‪ 1969‬للمخرج اينوسريو هوندا‪.‬‬
‫السكان عاجزين أمامها وك��ل التقدم العلمي‬ ‫وكذلك األفالم «غودزيرا ضد مريابو» ‪ 1973‬و‬
‫والتقين مل يفد بشيء‪.‬‬ ‫«وغ��ودزي��را ضد ميكارودزيرا» ‪ 1977‬للمخرج‬
‫إذا مل يكن للناس ذنب يف هذا الفيلم‬ ‫أتسوسي فوكودا‪ ،‬دليل على احنسار أفالم اخليال‬

‫‪45‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫يف ال��ك��ارث��ة احل��اص��ل��ة‪ ،‬ف��إن الفيلم القادم‬


‫«نبوءات نوسرتاداموس» للمخرج ماسودا تاسييو‬
‫تتحدث ع��ن م��ا سيحدث يف املستقبل رمبا‬
‫القريب‪ .‬سنتوقف عند هذا الفيلم قليالً‪ ،‬ألنه‬
‫يعترب من األفالم املهمة اليت سامهت يف تطوير‬
‫أفالم اخليال العلمي يف اليابان‪ ،‬سواء من ناحية‬
‫املوضوع أو من حيث غنى الشكل اإلبداعي‪.‬‬
‫جيد مدير معهد احلفاظ على الطبيعة روغني‬
‫نيسيياما من خالل أحباثه إشارات مقلقة على‬
‫تلوث البيئة‪ ،‬ولكن أصحاب املصاحل يرفضون‬
‫نشر هذه األحباث‪.‬‬
‫حت��ب روغ�ين ماريكو ابنة الباحث الشاب‬
‫ناكاغاوا أحد املناهضني للتعديات اإلجرامية‬
‫على الطبيعة‪ .‬يالحظ وال��د ن��اك��اغ��اوا رئيس‬
‫أحد شركات صيد األمساك يف البقع احلمراء‬
‫والبنية اللون يف البحر دليل على التلوث‪.‬‬
‫متوت ليس فقط األمساك يف البحر‪ ،‬وإمنا‬
‫ه��ن��اك يف امل��دي��ن��ة الكثري م��ن األط��ف��ال الذين‬
‫يولدون مشوهني‪ .‬العواصف املدمرة تنتشر يف‬
‫العامل‪ ،‬تتجمد احمليطات‪ ،‬وتقع طوكيو حتت‬
‫وطأة مطر غزير أغرق أجزاء كثرية من املدينة‪.‬‬
‫حرفياً بالتنبؤات الكبرية‪ ،‬ولكننا وضعنا تصورنا‬ ‫دب الذعر يف كافة املدن‪ ،‬وغطت شعاع الشمس‬
‫بناء على املعطيات اليت بني أيدينا عن مستقبل‬ ‫غمامة كثيفة ال تنقشع‪ ،‬كل املؤشرات تدل على‬
‫اليابان‪ :‬كيف ستبدو بعد مخس وعشرين سنة؟‬ ‫موت كل أشكال احلياة‪ .‬يدعو روغن نيسيياما‬
‫طبعاً لقد بالغنا يف األحداث ولكن‪ ،‬كنا نطمح‬ ‫الناس إىل التوقف عن تدمري البيئة احمليطة‪ ،‬و‬
‫إىل صنع فيلم مبين على أسس ومعطيات علمية‬ ‫إال ستصل البشرية إىل املصري املأساوي الذي‬
‫يف درام��ا حتذيرية عن املستقبل»‪ .‬لقد حقق‬ ‫تنبأ به نوسرتاداموس‪.‬‬
‫صانعو الفيلم ما أرادوه حسب رأيي ‪ :‬مسألة‬ ‫لقد طرح هذا الفيلم مشكلة يف غاية األمهية‬
‫موت البشرية يف الفيلم مأساوية ومقنعة‪ ،‬ومل‬ ‫وح��ذر من مت��ادي اإلن��س��ان من العبث بالبيئة‬
‫تطرح بشكل مباشر‪ ،‬وإمنا بشكل غري مباشر‬ ‫مبشهدية وتقنية عالية ج��داً‪ .‬لقد متيز هذا‬
‫من خالل الوسائل الديناميكية وبفضل اخلدع‬ ‫الفيلم يف طرحه املخاوف من تلوث البيئة بشكل‬
‫السينمائية‪ .‬ويعترب هذا الفيلم من أفضل أفالم‬ ‫جديد ومغاير عن األفالم اليابانية اليت سبقته‪.‬‬
‫اخليال العلمي اليابانية‪.‬‬ ‫يقول تومويوكي تاناكا ‪« :‬لقد استشرنا علماء‬
‫يف ستينيات ال��ق��رن امل��اض��ي ب���دأت أفالم‬ ‫البيئة وآخ���رون‪ ،‬لقد ق��ال��وا لنا ‪ :‬مهما كانت‬
‫اخليال العلمي تنتشر يف أوروبا أكثر من السابق‪.‬‬ ‫الضجة اليت سنحدثها من خالل هذا الفيلم‪،‬‬
‫لقد استخدمت امل��ؤث��رات اخل��اص��ة واخلدع‬ ‫ستكون غري كافية‪ .‬ولكننا قررنا أن ال نتقيد‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪46‬‬
‫منط األفالم الكوميدية جلان كلود فوريست‪.‬‬
‫وي��ت��ح��دث ع��ن م��غ��ام��رات امل����رأة اخلارقة‬
‫بارباريال‪ .‬و لقد اعتمد هذا الفيلم بشكل كبري‬
‫على اخلدع السينمائية‪.‬‬
‫م��ن خ�لال حتليلنا ن��رى‪ ،‬أن اخل��ي��ال رافق‬
‫السينما منذ نشأهتا‪ .‬إن طبيعة الفن السينمائي‬
‫يتطلع إىل تقديم احلقيقة بأسلوب ساحر‪ .‬لقد‬
‫أدخ��ل��ت قصص ميلييس املشاهد يف أجواء‬
‫خيالية غري مألوفة‪ .‬لكن السينما مل تتوقف‬
‫عند القصص اخليالية‪ ،‬بل مشلت الحقاً كافة‬
‫املواضيع‪ ،‬وبقيت أفالم التسلية موجودة حتى‬
‫أيامنا‪ ،‬وهناك شركات متخصصة يف هذا النوع‬
‫من األف�لام‪ .‬ولكن بنفس الوقت ظهرت أفالم‬
‫اخليال العلمي اليت عاجلت مشاكل اإلنسان‬
‫واإلنسانية مجعاء‪ .‬حيث إن طبيعة هذه األفالم‬
‫تسمح بطرح القضايا واألفكار اخليالية اجلريئة‬
‫اليت تقنع املشاهد بواقعيتها وقوة تعبريها‪.‬‬
‫إن هذه األفالم اليت حللناها‪ ،‬كانت األساس‬
‫يف تطوير أف�لام اخليال العلمي‪ .‬يف البداية‬
‫اهتم السينمائيون باألفالم اليت صورت واقعية‬
‫األفكار اخليالية العلمية على امتداد تطورها‪.‬‬
‫هي قبل كل ش��يء م��دن املستقبل‪ ،‬والتجارب‬ ‫السينمائية يف استوديوهات إيطاليا وفرنسا‬
‫اليت تغري مالمح اإلنسان وصفاته‪ ،‬خلق كائن‬ ‫وأملانيا بشكل واسع‪ ،‬ما مسح بإنتاج جمموعة‬
‫ص��ن��اع��ي‪ ،‬تقنية ال��ف��ض��اء وك��ل م��ا يتعلق به‪،‬‬ ‫من األفالم متكاملة يف الشكل واملضمون‪ .‬لقد‬
‫وغري ذلك من احلقائق‪ .‬لقد أكدنا يف حتليلنا‬ ‫رأينا يف فيلم املخرج اإليطايل ماريو بافا «الويل‬
‫على شكل وموضوع األف�لام اليت تطرقنا هلا‪،‬‬ ‫يف الفضاء «‪ 1965‬سكان كوكب جمهول‪ ،‬يقتلون‬
‫باإلضافة إىل تقييم الناحية اإلبداعية‪.‬‬ ‫رواد الفضاء ويدخلون يف جثامينهم‪ .‬ويقضي‬
‫نستطيع أن نقسم التطور احلاصل يف أفالم‬ ‫هؤالء املوتى على ما تبقى من األحياء‪ .‬وهكذا‬
‫اخليال العلمي على مخس مراحل‪:‬‬ ‫يقضون على كافة طاقم العربة الفضائية لقد‬
‫امل��رح��ل��ة األوىل ‪ :‬مرتبطة ب��اس��م جورج‬ ‫مسحت اخلدع السينمائية يف هذا الفيلم على‬
‫ميلييس‪ .‬حيث استخدمت اخلدع السينمائية‬ ‫إظهار شخصيات فضائية على شكل يراعات‬
‫ألول م����رة ل��ل��ح��ص��ول ع��ل��ى م��ش��اه��د غري‬ ‫مضيئة‪.‬‬
‫مألوفة وس��اح��رة‪ .‬لقد رأي��ن��ا على الشاشة‬ ‫لقد أحدث فيلم «بارباريال» ‪ 1967‬للمخرج‬
‫السحر والعجائب األخ���رى‪ .‬يف عشرينيات‬ ‫الفرنسي روج��ي��ه ف��ادي��م (فرنسي – إيطايل‬
‫القرن العشرين اعتمد املخرجون يف‬ ‫م��ش�ترك) ضجة ك��ب�يرة يف حينه‪ ،‬مبوضوعه‬
‫م���واض���ي���ع أف�ل�ام���ه���م ع��ل��ى مواضيع‬ ‫اجلنسي الفاضح‪ .‬لقد صنع هذا الفيلم على‬

‫‪47‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫خاص‪ .‬إن التطور الكبري يف أجهزة احلاسوب ويف‬ ‫أدبية وعلى التقاليد األدبية‪.‬‬
‫تقنيات اإلتصال احلديثة‪ ،‬و إمكانيات وخطورة‬ ‫املرحلة الثانية‪ :‬ب��دأت بعد احل��رب العاملية‬
‫التطور التكنولوجي‪ ،‬وصناعة األسلحة النووية‬ ‫األوىل وانتهت يف النصف الثاني لعشرينيات‬
‫املتطورة اليت تستطيع تدمري العامل بأسره‪ ،‬هي‬ ‫ال��ق��رن امل��اض��ي‪ .‬وق��د مت��ي��زت يف ه��ذه الفرتة‬
‫املواضيع األساسية اليت ارتكزت عليها أفالم‬ ‫األف�ل�ام ‪« :‬مكتب الدكتور كاليغاري» ‪1919‬‬
‫اخليال العلمي‪ ،‬باعتبارها قادرة على جتسيد‬ ‫روب��رت واي��ن و «ميرتوبوليس» ‪ 1926‬لفريتز‬
‫كل ه��ذه املواضيع وامل��خ��اوف اإلنسانية على‬ ‫النغ‪ ،‬حيث استعرض الفيلم األول الواقع الذي‬
‫الشاشة‪.‬‬ ‫حيمل يف طياته القلق وعدم الثقة باملستقبل‪.‬‬
‫وقد استعرض الفيلم الثاني «ميرتوبوليس»‬
‫الواقعية اخليالية واخلدع السينمائية‬ ‫مشاكل عشرينيات وثالثينيات القرن العشرين‬
‫إذا حللنا أف�لام اخليال العلمي منذ جورج‬ ‫بأسلوب مشهدي رائع‪.‬‬
‫ميلييس حتى اآلن‪ ،‬نالحظ أن إخراج مثل هذه‬ ‫املرحلة الثالثة ‪ :‬ترتبط هذه املرحلة هبوليود‪،‬‬
‫األف�لام يتطلب شيئاً ما غري ع��ادي‪ .‬لو كانت‬ ‫حيث وضعت األسس الصحيحة ألفالم اخليال‬
‫جتري أح��داث الفيلم يف أيامنا املعاصرة‪ ،‬ملا‬ ‫العلمي‪ .‬وأنتجت أفالم عن املخلوقات العجيبة‪،‬‬
‫احتجنا إىل كثري م��ن التفكري ع��ن التفاصيل‬ ‫وخلق اإلنسان الصناعي‪ ،‬والرجال اخلارقني‬
‫واآلالت وورش العمل‪ .‬أم��ا إذا كانت أحداث‬ ‫أمثال فالش غوردن‪.‬‬
‫ال��ف��ي��ل��م جت���ري يف امل���اض���ي‪ ،‬حن��ت��اج يف هذه‬ ‫املرحلة الرابعة ‪ :‬لقد بدأت بعد احلرب العاملية‬
‫احلالة إىل االستعانة باملؤرخني وخرباء األعراق‬ ‫الثانية يف أمريكا‪ ،‬وأنتجت أفالم الوحوش مثل‬
‫البشرية‪ .‬ولكن إذا كان موضوع الفيلم يتعلق بغزو‬ ‫«أشياء من العامل اخلارجي» ‪ 1951‬للمخرج ك‪.‬‬
‫الفضاء‪ ،‬أو عن مستقبل األرض‪ ،‬فليس أمامنا‬ ‫نييب‪ ،‬و «وحش من عمق ‪ 20000‬فرسخ»‪1953‬‬
‫إال النص‪ .‬يف احلقيقة ليس هناك حتى اآلن‬ ‫للمخرج يوجني لوري‪ ،‬كما أنتجت شركة توهو‬
‫إمكانية السفر بني الكواكب والنجوم والتواصل‬ ‫اليابانية جمموعة من أفالم الوحوش‪.‬‬
‫مع العوامل األخرى عدا الرحالت االستكشافية‪.‬‬ ‫وقد انتهت هذه املرحلة بفيلم ستانلي كوبريك‬
‫لذلك عند التفكري يف إخراج فيلم عن الفضاء‬ ‫«على الشاطيء» ‪ .1959‬لقد حقق هذا الفيلم‬
‫والتواصل والسفر بني الكواكب والنجوم‪ ،‬البد‬ ‫مستوى جديداً يف السينما اخليالية‪.‬‬
‫من التفكري يف أدق التفاصيل يف الفيلم‪ .‬يف هذا‬ ‫املرحلة اخلامسة ‪ :‬تستمر ه��ذه املرحلة‬
‫السياق إن أبعاد فيلم اخليال العلمي تتطلب‬ ‫حتى يومنا ه��ذا‪ .‬لقد حققت سينما اخليال‬
‫ثقافة عالية‪ ،‬ونظرة ثاقبة ق��ادرة على تصور‬ ‫العلمي ت��ط��وراً كبرياً على كافة الصعد‪ .‬وإن‬
‫ك��ل ش��يء‪ ،‬اب��ت��داء م��ن مالبس رج��ال الفضاء‬ ‫أفالماً مثل ‪« :‬سولياريس» ‪ 1972‬لرتكوفسكي‬
‫وأه��ل األرض وحتى منط معيشتهم وأسلوب‬ ‫و «حرب النجوم» ‪ 1978‬جلورج لوكاس‪ ،‬و «من‬
‫حياهتم‪ ،‬وكذلك فنون املستقبل‪ .‬وذل��ك حتى‬ ‫خالل األه��وال إىل الفضاء» ‪ 1980‬لريتشارد‬
‫تبدو العربات الفضائية الطائرة ومدن الفضاء‬ ‫فيكتوروف‪ ،‬و «‪ »E.T‬و «احلديقة اجلورا سية»‬
‫وال��ع��وامل املخفية‪ ،‬والثقوب ال��س��وداء ورجال‬ ‫لستيفن سبيلبريغ وغريهم‪.‬‬
‫الفضاء الصغار واحلشرات العمالقة‪ ،‬وكذلك‬ ‫لقد دلت هذه الدراسة التحليلية على مدى‬
‫حروب الفضاء وكل ما إىل ذلك تبدو طبيعية‬ ‫التأثري الذي أحدثته الثورة التكنولوجية يف الفن‬
‫ومقنعة‪ .‬وعلى جمموعة الفيلم اإلبداعية التفكري‬ ‫بشكل ع��ام ويف أف�لام اخليال العلمي بشكل‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪48‬‬
‫يف كل ما هو ممكن إلظهار ذلك على الشاشة‬
‫بشكل مبهر ومقنع‪.‬‬
‫تستخدم يف أفالم اخليال العلمي احلديثة‬
‫إضافة إىل التقنيات التقليدية أفضل ما توصل‬
‫له العلم من التقنيات احلديثة مستفيدة من‬
‫التطور التكنولوجي اهل��ائ��ل يف ه��ذا اجملال‪،‬‬
‫لتنفيذ ه��ذه األف�ل�ام على مستوى ع��ال من‬
‫التقنية واإلبداع‪.‬‬

‫اخللفيات الفضائية‬
‫جتري األحداث يف أفالم اخليال العلمي يف‬
‫كثري من األحيان على خلفية فضائية غري عادية‬
‫ومدهشة ومجيلة‪ .‬ولكن هذه اخللفية جيب أن‬
‫ال تكون مسطحة‪ ،‬كما جيب أن ال تلفت انتباه‬
‫املشاهد عن األح��داث األساسية ال�تي جتري‬
‫على الشاشة‪ ،‬و جيب أن تكون صورة النجوم‬
‫واألجرام الفضائية األخرى مقنعة‪.‬‬
‫ميكن تصوير السماء املليئة بالنجوم بطرق‬
‫خمتلفة ح��س��ب م��ت��ط��ل��ب��ات ال��ن��ص الدرامي‬
‫واألس��ل��وب اإلب��داع��ي املتبع يف إخ��راج الفيلم‪،‬‬
‫وكذلك حسب توفر اإلمكانات الالزمة للتنفيذ‪.‬‬
‫إن أف�ل�ام ري��ت��ش��ارد ف��ي��ك��ت��وروف «م��وس��ك��و –‬
‫كاسيوبيا» و « أصداء يف الفضاء» ‪ 1974‬موجهة‬
‫بشكل أساسي للشباب‪ .‬لقد عمد املخرج جلعل‬
‫األحداث تدور يف أجواء ساخرة‪ ،‬وبنفس الوقت‬
‫جبدية وأسلوب مقنع‪.‬‬
‫مبا أن اإلمكانات املادية امل��رص��ودة للفيلم‬
‫كانت حمدودة‪ ،‬فقد صورت اخللفية الفضائية‬
‫لقد وضعوا خارج كوة العربة الفضائية جهازاً‬ ‫باألسلوب التقليدي املعروف‪ .‬على خلفية من‬
‫مؤلفاً من عجليت دراجة هوائية‪ ،‬تعمل على مبدأ‬ ‫الكرتون األسود واملرسوم عليها جزء من اجملرة‪،‬‬
‫اإلعالنات املتحركة‪ .‬خلف هذه العجالت وضع‬ ‫وأحدثوا ثقوباً يف هذه اخللفية وسلطوا عليها‬
‫جهاز إضاءة‪ ،‬وقد وضع املصور آ‪ .‬كرييلوف أمام‬ ‫اإلض��اءة من اخللف‪ .‬يف بعض األحيان غريت‬
‫اإلضاءة فلرت زجاجي‪ .‬عندما تدور العجالت‪،‬‬ ‫اخللفية واستخدمت معدات خاصة كما يف‬
‫يرى املشاهد من خالل كوة العربة الفضائية‪،‬‬ ‫تصوير املشاهد داخل العربة الفضائية‪.‬‬
‫الكوكب الذي تشع منه األنوار على شكل‬ ‫لقد كان مشهد مرور رواد الفضاء الشباب‬
‫وميض من خالل حركة العجالت‪.‬‬ ‫جبانب الكوكب املشع باألنوار رائعاً ومجيالً‪.‬‬

‫‪49‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫الكوكب ديسّا حيوية‪ .‬حيث سيصطدم أبطال‬


‫الفيلم بوجود حاكم مستبد‪ ،‬جرد أفراد شعبه‬
‫من شخصياهتم وجعلهم جمرد أشياء‪.‬‬
‫ولتصوير مشهد الوصول إىل الكوكب ديسّا‪،‬‬
‫تطلب بالدرجة األوىل استخدام ماكيت العربة‬
‫الفضائية‪ ،‬باإلضافة إىل اخللفية الفضائية اليت‬
‫ستطري هذه العربة يف أجوائها‪ .‬مل يكن معروفاً يف‬
‫ذلك الوقت كيف سيكون شكل الفضاء اخلارجي‬
‫من وجهة نظر رواد الفضاء‪ ،‬وكيف سيكون‬
‫املشهد الفضائي بسرعة تزيد على ‪300.000‬‬
‫كم يف الثانية‪ .‬لقد قال مدير تصوير الفيلم‬
‫آ‪ .‬رينب إن املستشارين اقرتحوا عليه التصوير‬
‫من خالل زجاج نافذة محام القطار املصنفر‬
‫وهو يسري بسرعة‪ .‬حيث ستبدو األهداف على‬
‫الشاشة غري دقيقة الوضوح وسريعة‪ .‬ولكن‬
‫ذلك مل يكن مؤثراً على الشاشة‪ .‬وقرر العاملون‬
‫على تنفيذ مشهد اخللفية الفضائية كما يراها‬
‫قائد طائرة من قمرة القيادة ‪ :‬مساء مرصعة‬ ‫أما ألسنة النريان فقد كانت مرسومة على‬
‫بالنجوم‪ ،‬على خلفية س���وداء حبركة بطيئة‬ ‫طبق من الكرتون ملفوف على أسطوانة دوارة‬
‫وغامضة‪ .‬وه��ك��ذا نفذت اخللفية بالطريقة‬ ‫ترفع خلف الكوة عند اللزوم‪ .‬يف املرحلة األوىل‬
‫التقليدية‪ ،‬حيث ش��دوا خلفية قماشية كبرية‬ ‫مت تصوير البطل على خلفية الكوكب وكانت‬
‫على ط��ول األس��ت��ودي��و مطلية باللون األسود‬ ‫الشخصيات ت��ت��ح��رك يف ال��ع��رب��ة ع��ل��ى هذه‬
‫ومرسوم عليها اجمل��رات والنجوم‪ ،‬ويف بعض‬ ‫اخللفية اليت بدت يف العمق‪ .‬يف املرحلة الثانية‪،‬‬
‫األماكن أحدثت فيها ثقوب كثرية وأضيئت من‬ ‫أدخلت اخللفية املتحركة للفضاء خارج العربة‪،‬‬
‫اخللف بضوء منتشر‪ .‬وقد وضع املصور أمام‬ ‫من خالل كوات العربة بإدخال صورة اخللفية‬
‫عدسته فلرتاً أزرق اللون إلضفاء هذا اللون على‬ ‫املصورة بشكل مستقل الحقاً عن طريق العرض‬
‫كامل املشاهد‪ .‬بعد التصوير كانت هذه اخللفية‬ ‫والتصوير ( ك��ادر – ك��ادر )‪ .‬ويف النهاية بعد‬
‫مقنعة لدرجة كبرية‪ .‬إن هذه اخللفية مسحت‬ ‫املعاجلة يف املخترب‪ ،‬بدت وكأن العربة تتحرك‬
‫بتحرك املمثلني أمامها من خالل كوة ماكيت‬ ‫ب�ين ال��ك��واك��ب ع��ل��ى خلفية متحركة مجيلة‬
‫العربة الفضائية بكل حرية‪ ،‬دون اللجوء إىل‬ ‫ومقنعة‪.‬‬
‫استخدام اخلدع السينمائية‪.‬‬ ‫يف فيلم «م��ن خ�لال األه���وال إىل الفضاء»‬
‫ولكن يف هذه احلالة كانت اخللفية الفضائية‬ ‫لريتشارد فيكتوروف ‪ 1980‬تطلب السيناريو‬
‫ثابتة‪ .‬لذلك اقتضى األم��ر إىل بناء ج��زء من‬ ‫أن تكون اخللفية الفضائية أكثر تعقيداً وأكثر‬
‫دي��ك��ور العربة الفضائية ال���ذي فيه فتحات‬ ‫تنوعاً وعدداً‪.‬‬
‫مطلة ع��ل��ى ال��ف��ض��اء‪ ،‬وال����ذي جت���ري أمامها‬ ‫ولكي يتهيأ املشاهدون لألحداث الدراماتيكية‪،‬‬
‫األحداث‪ ،‬على قاعدة دائرية متحركة‪ ،‬وهكذا‬ ‫كان جيب أن تكون حلظة اهلبوط على سطح‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪50‬‬
‫يف مشهد آخر استخدمت طريقة التصوير‬ ‫بدت اخللفية متحركة‪ ،‬وكانت هذه املشاهد يف‬
‫كادر – كادر للقاء العربات الفضائية‪ .‬حيث مت‬ ‫النتيجة دينامكية ومقنعة‪.‬‬
‫حتريك املاكيت والتصوير صورة بعد األخرى‪.‬‬ ‫يف مقدمة الكادر تتجه عربة النجوم جتاه‬
‫إن ه��ذه الطريقة تتطلب وقتاً طويالً ولكنها‬ ‫العربة الفضائية‪ ،‬و لتصوير اخللفية الفضائية‬
‫فائقة الدقة‪.‬‬ ‫املليئة بالنجوم‪ ،‬صنعت أسطوانة من كرتون بقطر‬
‫لقد صمم ف��ن��ان اخل���دع السينمائية س‪.‬‬ ‫مرتين وطول ‪ 20‬م�تراً‪ .‬طلي داخل األسطوانة‬
‫ألتياكوف ماكيت بطول مخسة أمتار‪ .‬وحلظة‬ ‫باللون األسود‪ ،‬وأحدث فيها جمموعة كبرية من‬
‫التحام العربتني خرجت من مقدمة املاكيت‬ ‫الثقوب‪ .‬غطي عمق األسطوانة بكرتون أسود‪،‬‬
‫أسطوانة وبرأسها ذراعي االلتحام‪ .‬أما نافذة‬ ‫وأحدث فيه ثقب واحد يبدو أثناء التصوير كأنه‬
‫غرفة التحكم بالعربة حيث يظهر قائد العربة‬ ‫جنمة كبرية‪ ،‬ولكن يف النهاية يتكشف عن عربة‬
‫وم��س��اع��دوه فقد مت تصويرها مسبقاً‪ ،‬ومت‬ ‫فضائية‪.‬‬
‫إدخاهلا يف ماكيت العربة عن طريق العرض‬ ‫وضعت داخل هذه األسطوانة عربة صغرية‬
‫األمامي كادر – كادر‪ .‬وهكذا مت تالقي ماكيت‬ ‫حممولة على سكة وثبتت الكامريا على العربة‬
‫العربة الفضائية األرض��ي��ة مع ماكيت عربة‬ ‫بإحكام‪ .‬يف املرحلة األوىل من التصوير تقدمت‬
‫القادمني من الفضاء‪ .‬علماً أن املاكيتني كانا‬ ‫ال��ك��ام�يرا داخ��ل األس��ط��وان��ة ومل تكن النجمة‬
‫ثابتني واحلركة كانت يف ذراع االلتحام فقط‪.‬‬ ‫ظ��اه��رة‪ ،‬وثبت من��وذج عربة النجوم الصغري‬
‫لقد وضع جهاز العرض كادر –كادر داخل كرة‬ ‫أسفل الكامريا حبيث يتحرك مع حركة الكامريا‪،‬‬
‫مع شاشة العرض داخل هيكل املاكيت‪ ،‬والشاشة‬ ‫وكانت اإلضاءة تنطلق من نوافذ العربة إلعطاء‬
‫كانت مثبتة على نافذة العربة الفضائية يف‬ ‫اإلحساس بأهنا مأهولة‪ .‬ويف هناية اللقطة على‬
‫كال النموذجني يف البداية كانت نافذة العربة‬ ‫طول ‪ 15‬مرتا داخل األسطوانة أجرى املصور‬
‫معتمة‪ ،‬وعند حلظة االلتحام‪ ،‬ظهر قائد العربة‬ ‫إعتاماً للصورة‪ .‬يف املرحلة الثانية أعيدت العربة‬
‫ومساعدوه من خالل قمرة القيادة عن طريق‬ ‫إىل بداية األسطوانة‪ ،‬وبنفس الطريقة والسرعة‬
‫ع��رض امل��ادة ال�تي جهزت مسبقاً على شاشة‬ ‫بدأ التصوير مع تقدم الكامريا داخل األسطوانة‪،‬‬
‫العرض‪.‬‬ ‫يف ه��ذه امل��رة جت��اه النجمة الكبرية يف عمق‬
‫أما خلفية النجوم فقد صممت يف مشهد‬ ‫األسطوانة وملسافة ‪ 15‬مرتاً أيضاً مع اإلعتام‬
‫االلتحام واملغادرة بطريقة خمتلفة‪ .‬لقد كانت‬ ‫يف هناية اللقطة‪ .‬يف املرحلة الثالثة استبدلت‬
‫اخللفية حتتوي عل ‪ 500‬ملبة خمتلفة األحجام‬ ‫النجمة يف عمق األس��ط��وان��ة بنموذج العربة‬
‫وموزعة بشكل عشوائي‪.‬‬ ‫الفضائية وتقدمت الكامريا داخل األسطوانة‬
‫ً‬
‫لقد ك��ان مشهد االل��ت��ح��ام م��ع��ق��دا حيث‬ ‫حتى وقفت أم��ام من��وذج العربة‪ .‬وه��ك��ذا من‬
‫استخدمت فيه طريقة العرض والتصوير كادر‬ ‫خالل اإلعتام التدرجيي الذي أحدثه املصور يف‬
‫‪ -‬كادر مع كال العربتني الفضائيتني‪.‬‬ ‫هناية كل لقطة أثناء التصوير‪ ،‬مت مونتاج هذه‬
‫لقد ابتكر د‪.‬فوكس طريقة جديدة لتصميم‬ ‫اللقطات الثالث على التسلسل وكانت الصورة‬
‫اخللفية الفضائية املرصعة بالنجوم يف فيلم‬ ‫النهائية هي لقاء هاتني العربتني الفضائيتني‪.‬‬
‫«أوميغا»‪ .‬تعتمد هذه الطريقة على عدة مراحل‬ ‫بالطبع كانت األسطوانة من اخل��ارج حماطة‬
‫للتصوير مجعت يف النهاية عن طريقة طابعة‬ ‫ب��إض��اءة منتشرة ب��دت م��ن خ�لال الثقوب يف‬
‫اخلدع ( تريك ماشني )‪.‬‬ ‫األسطوانة كأهنا جنوم حقيقية‪.‬‬

‫‪51‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫م‪ .‬هناء الصاحل‬

‫يف قديم الزمان‪ ،‬كان هناك شاب من أمريكا قرر السفر حول العامل‪ .‬وفيما هو‬
‫مسافر حبراً‪ ،‬توقف يف مدينة إسطنبول الرتكية حيث وقع بغرام أمرية شابة‬
‫ومجيلة‪ .‬أراد هذا الشاب الزواج منها‪ ،‬ولكن لسوء احلظ‪ ،‬قوبل طلبه برفض قاطع‬
‫من والدي األمرية‪ .‬ففي اليوم الذي قرر الشاب مغادرة إسطنبول‪ ،‬قامت األمرية بأخذ حبيبها‬
‫اىل غرفة اجملوهرات الكائنة يف قصر أبيها وطلبت منه أن خيتار هديته بنفسه‪ .‬فنظر الشاب‬
‫اىل كل هذا الذهب وهذه اجملوهرات ولكنه يف النهاية قرر أن خيتار خريطة قدمية كان قد‬
‫وجدها يف إحدى الصناديق املليئة باجملوهرات‪ .‬فاكفهر وجه األمرية الشابة وقالت له‪ ،‬أرجو أن‬
‫ختتار شيئاً آخر‪ ،‬فهذه الوثيقة القدمية قد جتلب لك سوء الطالع‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪52‬‬
‫وفيما كانوا بالقرب من قرية بالينك‪ ،‬مت‬ ‫فأصر الشاب على طلبه هذا فكان‬
‫اكتشاف معبد قديم مغطى باألعشاب‬ ‫له ما أراد‪ .‬ويف عام ‪ 1952‬أعيد العثور‬
‫واألش���ج���ار‪ .‬وب��ع��د أن ق��ام��وا بتنظيف‬ ‫على هذه اخلريطة مع حبار يعمل على‬
‫امل��ك��ان‪ ،‬مت اكتشاف املدخل األساسي‬ ‫ظهر سفينة‪ ،‬فتم إرساهلا اىل فريق من‬
‫حلرم املعبد من خالل صخرة كبرية مت‬ ‫املؤرخني للكشف عن فحواها‪ .‬فبعد أن‬
‫إزاحتها‪ .‬ويف ال��داخ��ل‪ ،‬مت العثور على‬ ‫مت تفحصها تبني إهنا خريطة تعود اىل‬
‫منحوتة م��وض��وع��ة ف��وق ق�بر صخري‬ ‫األم�يرال الرتكي بريي ريس عام ‪1513‬‬
‫جملسم غريب معقد يشبه مركبة ما‪،‬‬ ‫حيث ورد فيها كتابات باللغة الالتنية‬
‫ويف داخلها رج��ل ه��ن��دي‪ ،‬وم��ن حوهلا‬ ‫والرتكية‪ ،‬وأهنا تابعة جملموعة خرائط‬
‫ينبعث الدخان وأشكال تشبه النجوم‬ ‫يعود عهدها اىل ‪ 2000‬سنة عرب التاريخ‪،‬‬
‫بتكاوينها‪ .‬مل يعرف يف حينه م��ا قد‬ ‫تظهر فيها األم�يرك��ي��ت��ان «الشمالية‬
‫رم��ز إليه ه��ذا اجملسم الغريب‪ ،‬ولكن‬ ‫واجلنوبية» – أفريقيا – وأنتاركتيكا‪.‬‬
‫بعد عشرات من السنني ‪ ،‬باشر اإلنسان‬ ‫وم��ا ك��ان��ت ش��دة ذه��وهل��م عندما تبني‬
‫املعاصر ب��إط�لاق مركباته الفضائية‬ ‫أن القطب اجلنوبي مبني بكل خلجانه‬
‫اىل الفضاء‪ ،‬فكانت تلك النظرية اليت‬ ‫وجباله بطريقة دقيقة‪ ،‬علماً أن هذه‬
‫تقول إن اهلنود القدماء كانوا على علم‬ ‫املنطقة من العامل مغطاة بالثلج على‬
‫ومعرفة بوجود هكذا مركبات فضائية‬ ‫م��دار السنة‪ .‬علماً‪ ،‬أنه مل يتم حتديد‬
‫يف تلك األيام العابرة‪.‬‬ ‫وترسيم ك��ل ه��ذه التفاصيل م��ن قبل‬
‫ولقد مت أيضاً العثور على عدة أدلة‬ ‫علماء اخلرائط والطوبوغرافيني إال يف‬
‫مت العثور‬ ‫حول العامل تثبت أن القدماء كانوا قد‬
‫شهدوا عدة مشاهدات ملركبات فضائية‬
‫العصور احلديثة من عاملنا هذا‪.‬‬
‫واألغرب من هذا‪ ،‬أن هذه اخلريطة‬
‫على عدة‬ ‫ع��ل��ى األق���ل م��ن ق��ب��ل خم��ل��وق��ات أكثر‬ ‫ت��ظ��ه��ر ال��ن��ص��ف اجل��ن��وب��ي م��ن الكرة‬
‫أدل��ة حول‬ ‫تطوراً وأكثر تقدماً كانوا قد أتوا على‬ ‫األرضية على أنه أكرب بقليل من النصف‬
‫ال�����ع�����امل‬ ‫دفعات من العامل اخلارجي لزيارة كوكب‬
‫األرض‪.‬‬
‫الشمايل للكرة األرضية‪ ،‬وكأن التحديد‬
‫وامل���س���ح ك���ان وق���د مت ع���ن ب��ع��د ومن‬
‫ت��ث��ب��ت أن‬ ‫مع كل ه��ذه األدل��ة وال��رم��وز املدونة‬ ‫الفضاء على نفس النحو الذي يتم فيه‬
‫ال���ق���دم���اء‬ ‫‪ -‬املرسومة – املنقوشة ‪ -‬أو املنحوتة‪،‬‬
‫هنالك بعض القصص املثرية لإلهتمام يف‬
‫حالياً‪ ،‬أم بواسطة األقمار اإلصطناعية‬
‫أو ال��ط��ائ��رات‪ .‬فكيف استطاع هؤالء‬
‫ك���ان���وا قد‬ ‫بعض الكتب القدمية والوثائق التارخيية‪.‬‬ ‫ال��ق��دم��اء حت��دي��د ك��ل ه��ذه التفاصيل‬
‫ش����ه����دوا‬ ‫ففي وادي هنر دجلة وال��ف��رات والذي‬ ‫بالدقة والتفاصيل ذاهتا لعصرنا هذا‪،‬‬
‫ع�������������دة‬ ‫يسمى حالياً «بالعراق‪ »،‬إنبثقت الثقافة‬
‫السامرية واليت يعتربها املؤرخون مهد‬
‫يبقى سؤاالً غامضاً بالنسبة إلينا وبدون‬
‫جواب‪.‬‬
‫مشاهدات‬ ‫احلضارة أإلنسانية مجعاء‪ .‬فالسامرية‬ ‫قبل احل��رب العاملية الثانية ببضع‬
‫مل��رك��ب��ات‬ ‫أقدم جمتمع حضاري يف النصف الغربي‬ ‫س���ن���وات‪ ،‬ق���ام���ت ب��ع��ث��ة م���ن العلماء‬
‫فضائية‬ ‫من الكرة األرضية‪ .‬إهنا أقدم من‬
‫احل��ض��ارة امل��ص��ري��ة والصينية‬
‫والباحثني بالذهاب اىل منطقة ياكاتان‬
‫يف مهمة استكشافية ألثار قبيلة املايان‪.‬‬

‫‪53‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫هناك بعض‬
‫ال���ن���ق���وش‬
‫واجملسمات‬
‫ال��ط��ي��ن��ي��ة‬
‫و ا لصخر ية‬
‫ل���ل���ت���اري���خ‬
‫ال��ع��امل‪ .‬ك��اهل��ن��ود والصينيني واملايان‬ ‫معاً‪ .‬هناك بعض النقوش واجملسمات‬
‫ال���س���ام���ري‬
‫وامل��ص��ري�ين يتحدثون ع��ن مشاهدات‬ ‫الطينية والصخرية للتاريخ السامري‬ ‫ال����ق����دي����م‬
‫غريبة ملركبات فضائية‪ .‬وكما أن هناك‬ ‫القديم تظهر فيه سيناريوهات لآلهلة‬ ‫ت��ظ��ه��ر فيه‬
‫كتاباً سنسيكريتياً قدمياً معروفاً باسم‬ ‫وهي طائرة يف السماء‪ ،‬كما أيضاً تظهر‬
‫«درون���ا ب��راف��ا» يصف األهل���ة بالطيار‬ ‫عملية هبوطها من السماء لتثقيفهم‬
‫سيناريوهات‬
‫ملركبة جوية تعرف بفيماناس‪ .‬وهناك‬ ‫وتعليمهم ط��رق�اً ج��دي��دة للحياة على‬ ‫لآلهلة وهي‬
‫أيضاً عدد من الفقرات يف كتاب التوراة‪،‬‬ ‫األرض بالوصف احلريف للمعنى‪.‬‬
‫هنالك أي��ض �اً ك��ت��اب��ات ميثولوجية‬
‫ط���ائ���رة يف‬
‫يف الفصل السادس من سفر التكوين‬
‫ميكننا تفسريه على أن هناك مشاهدات‬ ‫آخ���رى ق��دمي��ة تنص على مشاهدات‬
‫السماء‬
‫خارجية حصلت يف وقت من األوقات‪،‬‬ ‫مشاهبة لتلك امل��وج��ودة واملوثقة حول‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪54‬‬
‫احل��ي��ة‪ ،‬م��ش��اه��داً عجل ًة واح����دةً على‬ ‫ووردت كاآلتي‪:‬‬
‫األرض هل��ؤالء املخلوقات احلية ذات‬ ‫«وأت��ت لتمر‪ ،‬عندما ابتدأ الرجال‬
‫األربعة وجوه‪ .‬حيث إن شكل العجالت‬ ‫بالتكاثر على وج��ه األرض‪ ،‬والبنات‬
‫وطريقتها مثل ل��ون األحجار الكرمية‬ ‫ولدوا منهم‪ ،‬حني رأى أبناء اهلل بنات‬
‫اخلضراء‪.‬‬ ‫ال��رج��ال أهن��م مج��ي�لات‪ ،‬اخت���ذوا منهن‬
‫وك���ان���وا األرب���ع���ة ي��ش��ب��ه��ون بعضهم‬ ‫زوجات هلم‪ ...‬كان هنالك عمالقة على‬
‫البعض‪ .‬كما أن ه��ذه العجالت كانت‬ ‫األرض يف تلك األيام‪ ،‬وأيضاً بعد ذلك‪،‬‬
‫واح��دة داخل األخ��رى‪ .‬وعندما رحلوا‪،‬‬ ‫عندما أتى أبناء اهلل عند بنات الرجال‪،‬‬
‫رحلوا بأطرافهم األربعة‪ ،‬ومل يلتفتوا‪.‬‬ ‫ومحلن أطفاهلم‪ ،‬وأصبحوا رجاالً أشداء‬
‫وبالنسبة اىل العجالت‪ ،‬كانت مرتفعة‬ ‫وبارزين‪».‬‬
‫لدرجة مروعة‪ ،‬وكان للعجالت األربعة‬ ‫فمن املمكن أن كائنات غريبة من‬
‫عيون كثرية من حوهلا‪ .‬وعندما ذهبت‬ ‫العامل اآلخ��ر قد قامت بزيارة األرض‬
‫إن بعــــــض‬ ‫هذه املخلوقات ذهبت عجالهتا معها‪.‬‬ ‫واختلطت مع اجلنس البشري‪ ،‬وتركوا‬
‫ال����وث����ائ����ق‬ ‫وعندما ارتفعت ه��ذه املخلوقات عن‬
‫األرض ارتفعت عجالهتا معها من املرجح‬
‫هلم أجياالً موجودين بيننا لليوم هذا‪.‬‬
‫وهناك أيضاً فقرة آخرى يف كتاب التوراة‬
‫ال���ق���دمي���ة‬ ‫أنه مت استخدام هذه املركبات الطائرة‬ ‫مأخوذة من العهد القديم الذي حيمل‬
‫امل����وج����ودة‬ ‫بواسطة الطاقة الكهرومغناطيسية‬ ‫اسم النيب قزحيا‪ ،‬وهو كاهن يهودي كان‬
‫يف اليابان‬ ‫كمصدر أساسي للطاقة‪ .‬لقد وصف‬
‫قزحيا املركبة وكأهنا تتحرك بواسطة‬
‫مأسوراً يف إحدى املستعمرات يف بابل‪،‬‬
‫يصف فيها بدقة مشاهدته ملركبات‬
‫ت����ك����ش����ف‬ ‫قوة خفية أو روحية‪:‬‬ ‫فضائية أتت من العامل اخلارجي‪:‬‬
‫ح����ق����ائ����ق‬ ‫وحيثما كانت تشاء ال��روح الذهاب‪،‬‬ ‫«واآلن أت��ت لتمر‪ ...‬كما أن��ي كنت‬
‫مذهلة عـــن‬ ‫ذهبوا‪ ...‬وعندما كانوا يذهبون‪ ،‬كنت‬
‫أمسع أصوات جواحنهم اليت تشبه هدير‬
‫م��ن أح��د امل��أس��وري��ن على ضفاف هنر‬
‫شيبار‪ ،‬انفتحت يل اجلنة ورأي��ت رؤية‬
‫امل���رك���ب���ات‬ ‫املياه العظيمة‪ ،‬مثل صوت اهلل اجلبار‪،‬‬ ‫هلل‪ ...‬نظرت وشاهدت زوبعة آتية من‬
‫ا لفضا ئية‬ ‫صوت خطاب صاحب العالقة‪ .‬وعندما‬ ‫الشمال‪ ،‬وغيوماً كثيفة‪ ،‬وناراً تلتف على‬
‫ال��ت��ي آت���ت‬ ‫وقفوا‪ ،‬هبطت أجنحتهم اىل األسفل‪.‬‬
‫إن بعض الوثائق القدمية املوجودة‬
‫نفسها‪ ،‬وشعاعاً من حوهلا‪ ،‬ومن وسطها‬
‫كان هناك لون يشبه لون العنرب يظهر‬
‫م��ن العامل‬ ‫يف اليابان تكشف حقائق مذهلة عن‬ ‫من وسط كل هذا النار‪.‬‬
‫اخل����ارج����ي‬ ‫املركبات الفضائية اليت آتت من العامل‬ ‫ومن وسط كل هذا‪ ،‬خرج شيء يشبه‬
‫وعن زيارات‬ ‫اخل��ارج��ي وع��ن زي���ارات اآلهل��ة لنا من‬
‫ال��ف��ض��اء ال��س��م��اوي‪ .‬ه��ن��اك وثيقتان‬
‫أربعة خملوقات حية‪ .‬وهذا ما بدوا عليه‪:‬‬
‫يتشاهبون مع الرجال‪ .‬وكل واحد منهم‬
‫اآلهل������ة لنا‬ ‫تارخييتان معروفتان‪ :‬الكوجيكي‪ ،‬أو‬ ‫له أربعة وجوه وأربعة أجنحة‪ .‬وأقدامهم‬
‫م��ن الفضاء‬ ‫«سجالت الوقائع القدمية‪ ».‬يقال إنه‬ ‫كانت مستقيمة‪ ،‬وكعاب أقدامهم تشبه‬
‫السماوي‬ ‫تأريخ لبدايات العهد الياباني القديم‪،‬‬
‫والوثيقة التارخيية اآلخرى امسها‬
‫حوافر العجول‪ ،‬وإابثق منهم ملعان مثل‬
‫ملعان النحاس املصقول‪...‬‬
‫«ن��ي��ه��ون ش��وك��ي‪« ».‬ن��ي��ه��ون» هو‬ ‫واآلن‪ ،‬كما أن�ني شاهدت الكائنات‬

‫‪55‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫ال��ذي أت��وا منه سابقاً‪ ،‬فأنشؤوا سوياً‬ ‫األس���م ال��ي��اب��ان��ي األص��ل��ي لليابان‪،‬‬
‫بلداً جديداً وهو ما يسمى بنيهون أو‬ ‫وتتألف هذه الكلمة من معنيني «الشمس»‬
‫اليابان‪.‬‬ ‫و «األصل» – بكلمات آخرى‪ ،‬اليابان هي‬
‫وهناك منطقة تقع على حبر اليابان‬ ‫يف األصل «بلد الشمس‪ ».‬بعض الناس‬
‫امسها احلايل إزومو‪ ،‬ويوجد فيها مقام‬ ‫فسروا هذا على أن اليابان كانت وقد‬
‫يعود اىل التاريخ القديم‪ .‬ففي داخل هذا‬ ‫اكتشفت من قبل بشر كانوا قد هبطوا‬
‫املقام هناك مقام آخر ُكرس للكاما وهو‬ ‫من الشمس‪.‬‬
‫وعاء خشيب قديم يستعمل لطبخ األرز‪.‬‬ ‫تتحدث ه��ذان الوثيقتان عن تاريخ‬
‫فحسب األس��ط��ورة‪ ،‬ك��ان هنالك رجل‬ ‫متشابه يصف ال��ي��اب��ان على إن��ه كان‬
‫هبط مبركبة ما من السماء‪ .‬فقاموا‬ ‫البداية لعصر اآلهلة‪ ،‬عندما كان هناك‬
‫ببناء هذا املقام الذي يشبه وعاء األرز‬ ‫رجال ونساء تشبه اهلل نزلوا من مكان‬
‫القديم ختليداً لذكرى تعاليمه ليتشابه‬ ‫يدعى تكاما‪ ،‬أو املكان السماوي األعلى‪.‬‬
‫بالشكل والتصميم م��ع ه��ذه املركبة‬ ‫وبعد أن رأت اآلهلة أن األرض أصبحت‬
‫الطائرة اليت هبط فيها اىل األرض‪.‬‬ ‫مهيأة‪ ،‬نزلوا اىل جبل تكاشيهو‪ ،‬ومن‬
‫ويف جم��م��وع��ة ث��ان��ي��ة م��ن الوثائق‬ ‫ه��ن��اك ان��ت��ش��روا واس��ت��ق��روا يف مجيع‬
‫املعروفة نكوغو ش��وري‪ ،‬أو اجملموعة‬ ‫أصقاع األرض‪.‬‬
‫القدمية للكلمات‪ ،‬هنالك تقدير من‬ ‫إن وص��ف هذين الوثيقتني لعصر‬
‫اآلهلة اآلتية من كواكب آخرى على أهنا‬ ‫اآلهلة على أهنا البداية التارخيية للساللة‬
‫أول من استقدم حبة األرز إىل األرض‪،‬‬ ‫البشرية احلالية‪ .‬إب��ت��دءاً باألمربطور‬
‫حيث إن هذه النبتة كانت تزرع يف كواكب‬ ‫جينمو‪ ،‬حسب كلتا القصتني‪ ،‬عندما‬
‫مس��اوي��ة آخ��رى وج��يء هب��ا اىل األرض‬ ‫مجع جينمو شعبه وق��ال هلم إن سبب‬
‫لضمان الصحة وال��س�لام واالزده����ار‬ ‫نزولنا اىل هذه األرض هو لزرع السالم‬
‫للبشر‪.‬‬ ‫يف هذا العامل‪ .‬لقد آتى أجدادنا اىل هنا‬
‫فعند األمريكيني األصليني األسطورة‬ ‫منذ آالف السنني وحتى اآلن مل نستطع‬
‫ذاهت���ا بالنسبة اىل ح��ب��ة ال����ذرة‪ .‬كما‬ ‫حتقيق ه��ذه املهمة‪ .‬وق��ال أي��ض�اً‪ ،‬لقد‬ ‫ا أل غر يقيني‬
‫أن األغ��ري��ق��ي�ين اع��ت��ق��دوا أي���ض���اً أن‬ ‫مسعت من رجل ذي حكمة واسعة انه يف‬ ‫اعتقدوا أن‬
‫احل��ض��ارات البشرية أب��ت��دأت عندما‬
‫ب��دؤوا استعمال حبة احلنطة‪ .‬حسب‬
‫قديم الزمان كان هنالك آهلة امسه نني‬
‫هاياشي نزل إىل جبل كوشي فوتاكي‪.‬‬
‫احل���ض���ارات‬
‫األسطورة اإلغريقية‪ ،‬أن كان هناك آهلة‬ ‫إن��ه مكان مجيل‪ ،‬فلنذهب اىل هناك‬ ‫ال���ب���ش���ري���ة‬
‫امسها دمييرت‬ ‫لاللتحاق بساللته‪.‬‬ ‫أب������ت������دأت‬
‫(مس��اه��ا ال���روم���ان س��ي�رز) قامت‬
‫مب��ن��ح أول ح��ب��ة ق��م��ح ل��ك��اه��ن عندها‬
‫ح��س��ب األس����ط����ورة‪ ،‬رح���ل جينمو‬
‫وأتباعه لاللتحاق بساللة نني هاياشي‬
‫عندما بدؤوا‬
‫امس��ه تريبوملاس‪ ،‬وأمرته ليطري حول‬ ‫ال���ذي ك��ان يدعى بوقتها كوشي نني‬ ‫استعمــــال‬
‫العامل بعربته اآلسطورية ليوزع هذه‬
‫النعم الطبيعية واحلضارية على البشر‬
‫هاياشي‪ .‬وعندما وصلوا اىل هناك‪،‬‬
‫استطاع هذان الشعبان إدراك حتدرهم‬
‫حبة احلنطة‬
‫أمجع‪.‬‬ ‫وانتمائهم األوحد هلذا املكان السماوي‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪56‬‬
‫يف عــــــــام‬
‫‪ 329‬قبـــــل‬
‫امل�����ي��ل��اد‪،‬‬
‫رصد جيش‬
‫اإلس��ك��ن��در‬
‫ال�����ك�����ب��ي��ر‬
‫وج��ود بضع‬
‫م���رك���ب���ات‬
‫ف���ض���ائ���ي���ة‬ ‫هذا الوجود األكرب‪.‬‬ ‫ك��م��ا وأن ه��ن��اك أس��اط�ير يابانية‬
‫ت��راق��ب��ه��م‬ ‫وهناك وثائق يابانية آخ��رى امسها‬ ‫آخ��رى تعرتف بفضل اآلهل��ة اآلتية من‬
‫و تال حقهم‬ ‫تاكويتشي حتتوي على خرائط تشبه تلك‬
‫اليت وجدت يف قصر توبكابي‪ .‬وإحدى‬
‫ال��ع��امل اخل��ارج��ي مبنحنا امل��زي��د من‬
‫العلوم والتقدم‪ ،‬كالرزنامة الشمسية‬
‫م���ن مكان‬ ‫هذه اخلرائط يعتقد أهنا رمست منذ‬ ‫والقمرية‪ ،‬وعلوم الطب الطيبعي‪ ،‬تقنية‬
‫اىل آخر‪.‬‬ ‫أكثر من ‪ 12،000‬سنة‪ .‬وهذه اخلرائط‬ ‫البناء اهلرمي‪ ،‬والعلوم الكونية القائمة‬
‫القدمية تظهر القارة الشمالية‬ ‫على تفاعل طاقتني كونيتني متجانستني‬
‫واجلنوبية من أمريكا‪ ،‬غرينالند‪،‬‬ ‫ومتكاملتني يف خلق حياة المتناهية يف‬

‫‪57‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫يف ج���زي���رة‬
‫ه��ون��ش��و يف‬
‫ال���ي���اب���ـ���ان‪،‬‬
‫آالف سنة بعد اخلريطة األوىل‪ .‬ويف‬
‫هذه اخلريطة األحدث يتبني منها على‬
‫أف��ري��ق��ي��ا‪ ،‬أوس�ت�رال���ي���ا‪ ،‬وأوراس���ي���ا‪.‬‬
‫ولكل قارة كان هلا اسم مكتوب باللغة‬
‫يوجد هنــــاك‬
‫أن هذه القارات الباسيفيكية مفقودة‪،‬‬ ‫القدمية‪ .‬مثالً أمريكا الشمالية مسيت‬ ‫حجران‪ ،‬واحد‬
‫كما أن اجلزر الكاريبية هذه كانت أيضاً‬ ‫يف ذلك الوقت بإبريسو‪-‬هيناتا‪ ،‬واليت‬ ‫موضوع على‬
‫مفقودة‪ .‬وكتب مكاهنا كلمات باللغة‬ ‫تعين البلد الذي يتلقى الشمس‪ .‬وأمريكا‬
‫القدمية مبا يشري اىل أن هذه األرض قد‬ ‫اجلنوبية كان امسها إبرييسو‪-‬هيوكيو‪،‬‬
‫األرض بشكل‬
‫غرقت‪ .‬ويف الكتابات املرافقة للخرائط‬ ‫أو البلد الذي تشع عليه الشمس جيداً‪.‬‬ ‫م���س���ط���ح‪،‬‬
‫ه��ذه حديث عن حضارة قدمية كانت‬ ‫واملثري للجدل هو وجود قارتني كبريتني‬ ‫وال����ث����ان����ي‬
‫قد انتشرت يف تلك القارة‪ ،‬كاالتصاالت‬ ‫يف منتصف احمليط الباسيفيكي‪ ،‬واحدة‬
‫والتنقالت العاملية كأمور عادية بالنسبة‬ ‫م��وج��ودة يف الشمال وامس��ه��ا مييوي‪،‬‬
‫ب�����ش�����ك�����ل‬
‫ال��ي��ه��م يف ذل���ك ال���زم���ان‪ ،‬م��ث��ل التنقل‬ ‫وأخ���رى يف اجل��ن��وب وامس��ه��ا تاميارا‪،‬‬ ‫ع����ام����ودي‪،‬‬
‫بواسطة املركبات الطائرة‪ ،‬والتواصل‬ ‫ومه��ا ما عرفتا بالقارتني املفقودتني‬ ‫وه��������م��������ا‬
‫مع زائرين من الفضاء اخلارجي‪.‬‬ ‫«املو‪ »،‬حسب الباحث الربيطاني جيمس‬
‫شريشورد‪ ،‬كانت حتتوي على حضارات‬
‫يتناسبـــــــان‬
‫أهرامات وحجارة دائرية‬ ‫م��ت��ق��دم��ة ق��ب��ل أن خت��ت��ف��ي ق��ب��ل فجر‬ ‫ب����دق����ة مع‬
‫عشرة أميال غ��رب مدينة القاهرة‬ ‫التاريخ املؤرخ‪ .‬واملذهل أيضاً أن وجود‬ ‫خ������ط������وط‬
‫ت��ن��ت��ص��ب أه���رام���ات م��ص��ر العظيمة‬ ‫ه��ذه البقع م��ن األراض����ي يف املنطقة‬
‫ع��ل��ى م��س��اح��ة ‪ 13‬أك����ر يف منطقة‬ ‫املمتدة بني مشال وجنوب أمريكا والتى‬ ‫ال�������ط�������ول‬
‫اجل��ي��زة الصخرية وامل��ؤل��ف��ة م��ن ‪2.3‬‬ ‫تدعى اآلن اجلزر الكاريبية توازي القارة‬ ‫والعرض للكرة‬
‫مليون مكعب من احلجارة‪ ،‬ق��درت كل‬
‫واح���دة منها بزنة ‪ 2.5‬ط��ن‪ .‬يف عهد‬
‫املفقودة أتالنتس‪.‬‬
‫وح��س��ب وث��ائ��ق إزوه����ارا‪ ،‬أن هناك‬
‫األرضية‪.‬‬
‫األمرباطورية الرابعة شيد اهلرم الكبري‬ ‫خريطة ثانية رمس��ت بأكثر م��ن ستة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪58‬‬
‫غريبة وجمسمات طائرة شوهدت عل‬ ‫واهلرمان األصغر حجماً اجمل��اورة له‪،‬‬
‫مقربة من هذا اجلبل‪ .‬هلذا مسي هذا‬ ‫أي م��ا ب�ين سنة ‪ 2613 - 2494‬قبل‬
‫اجلبل من قبل احملليني «اجلبل الساحر»‬ ‫امليالد‪ .‬لقرون مضت‪ ،‬واالعتقاد ساري‬
‫أو «جبل اآلهلة‪».‬‬ ‫على أنه هناك معا ٍن أكرب لوجود هكذا‬
‫وعند النظر اىل هذا اجلبل من بعد‪،‬‬ ‫أهرامات‪ ،‬وأهنا ليست جمرد مكان لدفن‬
‫ت��رى أن شكله اهلندسي متوا ٍز ويشبه‬ ‫األباطرة الفراعنة وحسب‪ ،‬بل أنه لغز‬
‫األهرام اىل حدٍ كبري‪ ،‬وتقول األساطري‬ ‫قديم وهو جزء من سلسلة كونية من‬
‫على أنه كان إهراماً يف يوم من األيام‬ ‫األسرار تتشابه وتتطابق معها الكثري من‬
‫ولكن إنفجاراً بركانياً كان قد حصل يف‬ ‫املعطيات‪.‬‬
‫داخله حيث تطايرت منه محم وصخور‬ ‫كما أن يف اليابان هناك بعض الغموض‬
‫بركانية وغطته ليصبح جبالً بركانياً‬ ‫أيضاً حول حجارة وصخور وضعت منذ‬
‫يشبه بركان فوجي اجلبلي‪.‬‬ ‫آالف السنني‪ .‬مثل ح��ج��ارة امليغاليث‬
‫وق���د ع��ث��ر ع��ل��ى م��واق��ع م��ش��اب��ه يف‬ ‫املعلقة‪ ،‬ه��ذه احل��ج��ارة العمالقة اليت‬
‫ه��وك��اي��دو‪ ،‬اجل��زي��رة األك��ث��ر مش���االً يف‬ ‫نقلت عرب مسافات بعيدة اىل هناك‪ .‬وما‬
‫اليابان‪ ،‬ويف اجلزيرة اجلنوبية كيوشو‪.‬‬ ‫زال الغموض يلف سبب نقلها ووضعها‬
‫ف��إذا رمسنا خطاً مستقيماً باالجتاه‬ ‫يف تلك املواقع حتديداً‪ ،‬علماً أن الكثري‬
‫يف عــــــــام‬ ‫الغربي ملوقع كيوشو‪ ،‬فإنه سيمر حتماً‬ ‫منها حتمل نقوشاً ورس��وم��ات قدمية‬
‫‪ 329‬قبـــــل‬ ‫يف صحراء قاحلة يف جنوب الصني حيث‬
‫جند هرماً أكرب وأق��دم من األهرامات‬
‫عليها لنجوم وكواكب وأشكال لولبية‪.‬‬
‫هنالك أيضاً جمموعة غامضة من‬
‫امل���س���ي���ح‪،‬‬ ‫ال��ك��ب�يرة‪ .‬وإذا أستمرينا أي��ض �اً خبط‬ ‫هذه احلجارة موجودة يف اجلزء الشمايل‬
‫رصد جيش‬ ‫مستقيم باالجتاه الغربي نصل مباشرةً‬
‫اىل أهرامات مصر الشهرية‪ .‬فهل من‬
‫م��ن هونشو وه��ي اجل��زي��رة الرئيسية‬
‫يف ال��ي��اب��ان‪ ،‬على سطح جبل بركاني‬
‫اإلس��ك��ن��در‬ ‫املمكن أن كل هذه األهرامات واحلجارة‬ ‫بالقرب من حبرية مجيلة‪ .‬يوجد هناك‬
‫ال�����ك�����ب��ي��ر‬ ‫الدائرية والعالمات األثرية األخرى أن‬ ‫ح��ج��ران‪ ،‬واح���د م��وض��وع على األرض‬
‫تكون جزءاً من ختطيط مساحي للكرة‬
‫وج��ود بضع‬ ‫األرضية؟ وإذا كان هذا صحيحاً‪ ،‬كيف‬
‫بشكل مسطح‪ ،‬والثاني بشكل عامودي‪،‬‬
‫ومها يتناسبان بدقة مع خطوط الطول‬
‫م���رك���ب���ات‬ ‫استطاع هذا اإلنسان القديم من تنفيذ‬ ‫والعرض للكرة األرضية‪.‬‬
‫ف���ض���ائ���ي���ة‬ ‫وتنظيم هكذا خمطط ملسح سطح الكرة‬
‫األرضية هبذه الدقة وهذه الشمولية؟‬
‫يقول السكان احملليون لتلك املنطقة‬
‫أن هذا اجلبل له قوة غامضة ومشاهبة‬
‫ت��راق��ب��ه��م‬ ‫جل��ب��ل ش��اس��ت��ا ال����ذي ي��ق��ع يف والي���ة‬
‫و تال حقهم‬ ‫الصحون الطائرة‬ ‫كاليفورنيا‪ .‬وي��ق��ال أي��ض �اً أن ك��ل من‬
‫م���ن مكان‬ ‫لقد ورد ع��دد من التقارير لوجود‬
‫أج��س��ام ط��ائ��رة غ��ري��ب��ة ع�بر التاريخ‪.‬‬
‫يتسلق ه��ذا اجل��ب��ل‪ ،‬ف��إذا ك��ان م��ن ذي‬
‫العقول الشريرة فسوف يصاب باعتالل‬
‫اىل آخر‪.‬‬ ‫ف��ف��ي ع���ام ‪ 329‬ق��ب��ل امل��س��ي��ح‪ ،‬رصد‬ ‫ما‪ ،‬أما إذا كان من ذي العقول اخلرية‬
‫جيش اإلس��ك��ن��در الكبري وجود‬ ‫ف��س��ي��زداد ط��اق��ة ووع��ي �اً‪ .‬ويف القرون‬
‫بضع مركبات فضائية تراقبهم‬ ‫القليلة املاضية وردت تقارير عن أنوار‬

‫‪59‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫‪ ،1940‬أطلقت حكومة الواليات املتحدة‬ ‫وتالحقهم من مكان اىل آخر‪.‬‬


‫األم�يرك��ي��ة م��ن خ�ل�ال ق��واهت��ا اجلوية‬ ‫ويف القرن اخلامس عشر بعد املسيح‪،‬‬
‫حتقيقاً رمسياً عن كل هذه املشاهدات‬ ‫شوهد ع��دة صحون ط��ائ��رة يف مساء‬
‫ومسته مشروع الكتاب األزرق‪ .‬وقاموا‬ ‫نورمبريغ‪ ،‬املانيا وب��ازل‪ ،‬سويسرا‪ .‬ويف‬
‫باختيار ال�بروف��س��ور ج‪ .‬أالن هينيك‬ ‫عام ‪ 1881‬عندما كان امللك اإلنكليزي‬
‫لتقييم ه��ذه التقارير ال���واردة بطريقة‬ ‫جورج اخلامس شاباً رأى مركبة فضائية‬
‫علمية‪ ،‬وهو بروفسور يف علم الفلك يف‬ ‫فوق منطقة ساحلية أسرتالية‪ .‬كما أن‬
‫جامعة أوهايو األمريكية‪.‬‬ ‫هذه املشاهدات استمرت خالل مطلع‬
‫وك���ان ال�بروف��س��ور هيتيك م��ث��ل كل‬ ‫القرن العشرين‪ ،‬وحتى هناية احلرب‬
‫العلماء آنذاك له شكوكه القوية‪ ،‬ولكن‬ ‫العاملية الثانية‪.‬‬
‫بعد التحقق من هذه التقارير وعلى مدى‬ ‫أما عصر املشاهدات احلديثة فلقد‬
‫عشرين عاماً‪ ،‬أخذ رأيه يتغري شي ًأ فشي ًأ‪.‬‬ ‫ابتدأ مع الطيار اهلاوي كني أرنولد يف‬
‫ففي ع��ام ‪ ،1966‬وأم���ام جلنة خاصة‬ ‫‪ 24‬ح��زي��ران‪ ،1947،‬عندما ك��ان يقود‬
‫من أعضاء الكونغرس األمريكي كانت‬ ‫طائرته اخلاصة فوق سلسلة جبال يف‬
‫عينتهم احلكومة لتتبع هذه املشاهدات‪،‬‬ ‫والي���ة واش��ن��ط��ن‪ ،‬ش��اه��د جمموعة من‬
‫قال الربوفسور هينيك انه بالرغم من‬ ‫املركبات الفضائية اليت تشبه الصحون‬
‫سياستكم املبنية على التعامل مع هذه‬ ‫تطري بسرعة ال تقل عن ‪ 1350‬ميالً‬
‫املواضيع على أهن��ا أخطاء إنسانية أو‬ ‫بالساعة‪ .‬أي أسرع من أي طائرة كانت‬
‫نوعاً من أن��واع اهللوسة العقلية‪ ،‬فإن‬ ‫تصنع يف ذلك الزمان‪.‬‬ ‫ع��������ص��������ر‬
‫هذه األقلية القليلة من الناس تتحدى‬ ‫وم��ن��ذ ذل���ك ال���وق���ت‪ ،‬حصلت عدة‬ ‫ا ملشا هد ا ت‬
‫كل قناعاتنا ومفاهيمنا العلمية هلكذا‬
‫أم��ور غريبة‪ .‬وبعد ع��دة س��ن��وات‪ ،‬قال‬
‫مشاهدات لصحون طائرة كانت تأتي‬
‫على دفعات متفاوتة بني فرتة وأخرى‪.‬‬
‫احل����دي����ث����ة‬
‫هينيك أم��ام جلنة م��ن الكونغرس أن‬ ‫ففي عام ‪ 1952‬متت مشاهدة عدد كبري‬ ‫اب����ت����دأ مع‬
‫سبب تغيري رأي��ه ودع��وت��ه للدخول يف‬ ‫من الصحون الطائرة‪ ،‬وقدرت بأكثر من‬ ‫الطيار اهلاوي‬
‫مزيد من التحقيقات الدقيقة سببه هذا‬
‫االرتفاع املستمر حول العامل يف ورود‬
‫‪ 1500‬بالغ يف أمريكا الشمالية وحدها‪.‬‬
‫أكثر املشاهدات شوهدت من قبل السكان‬
‫ك�ين أرنولد‬
‫تقارير من قبل الكثريين الذين يتمتعون‬ ‫احملليني‪ ،‬أما الباقي فقد شوهد من قبل‬ ‫عام‪،1947‬‬
‫بقدرة عقلية عالية ال ريب وال شك فيها‬ ‫طيارين يف اجلو‪ ،‬حيث متكنوا من رصد‬ ‫ع��ن��دم��ا كان‬
‫عن تدخالت فضائية خارجية غريبة‬
‫وت��أث�يره��ا الفيزيائي على احليوانات‬
‫عدد منهم على أجهزة ال��رادار‪ .‬كما أن‬
‫أخ��ب��ار م��ش��اه��دات الصحون الطائرة‬
‫يقود طائرته‬
‫والسيارات والنبات واألرض‪.‬‬ ‫إستمرت مع حصول عدة بالغات عن‬ ‫اخلاصة فوق‬
‫ويف عام ‪ 1969‬وعقب تقرير مغاير‬ ‫حصول مشاهدات ملخلوقات غريبة‪ ،‬مع‬ ‫سلسلة جبال‬
‫لتقرير هينيك‪ ،‬وض��ع��ت جلنة تابعة‬
‫جلامعة ك��ول��ورادو برئاسة الفيزيائي‬
‫حصول عمليات إحتجاز لبعض البشر‬
‫من قبل هؤالء الزوار الغرباء‪.‬‬
‫يف والي�����ة‬
‫إدورد كوندون تقريراً ينص على أن كل‬ ‫لقد أث���ارت ه��ذه التقارير ال���واردة‬ ‫واشنطن‬
‫ه��ذه األحب���اث ال�تي ج��رت يف اإلحدى‬ ‫شكوكاً وج��دالً علمياً كبرياً‪ .‬ففي عام‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪60‬‬
‫وعندما انتخب الرئيس األمريكي جيمي‬ ‫والعشرين سنة املاضية مل تضف شيئاً‬
‫يف إح��ص��اء‬ ‫كارتر رئيساً للواليات املتحدة‪ ،‬أصدر‬
‫أمراً إلدارة الوكالة الفضائية األمريكية‬
‫على مفاهيمنا العلمية‪ ،‬مشرياً اىل أن أي‬
‫أحباث الحقة هلذه البعثة قد تكون غري‬
‫أج�����ري ع��ام‬ ‫(ناسا) بالقيام بدراسة تفصيلية دقيقة‬ ‫مربرة‪ ،‬ما استدعى النقاد إىل االعرتاض‬
‫‪،1 9 8 7‬‬ ‫عن هذا املوضوع‪.‬‬ ‫على تقرير كوندون املبين على تقييمات‬
‫أظهر أن ‪49‬‬ ‫وبعدها حصل هبوط آخ��ر ملركبة‬
‫فضائية آخ��رى يف منطقة القوقاز يف‬
‫ثالثني باملئة من احلاالت الغامضة‪ ،‬وأن‬
‫ك��ون��دون ك��ان ضد ه��ذه األحب��اث حتى‬
‫ب���امل���ئ���ة من‬ ‫االحتاد السوفييت‪.‬‬ ‫قبل أن يبدأ مراجعة امللفات اليت كانت‬
‫األم�يرك��ي�ين‬ ‫ويف إح���ص���اء أج����ري ع���ام ‪،1987‬‬
‫أظهر أن ‪ 49‬باملئة من األمريكيني باتوا‬
‫بني يديه‪ ،‬ما أدى إىل جعل التحقيقات‬
‫احلكومية تتوقف عند هذا احلد‪ .‬علماً‬
‫ب���������ات���������وا‬ ‫مقتنعني بوجود هذه املركبات الفضائية‬ ‫أن هذا مل يوقف املشاهدات الكثرية اليت‬
‫مقتنعيـــــن‬ ‫اليت تزورنا من العامل اخلارجي‪ .‬بينما‬
‫أظهرت إحصاءات سابقة أن هناك ‪13‬‬
‫استمر حصوهلا حول العامل‪.‬‬
‫ويف خ��ري��ف ع���ام ‪ 1969‬حصلت‬
‫ب�������وج�������ود‬ ‫مليون أمريكي شاهدوا مركبات فضائية‬ ‫مشاهدة من قبل احلاكم آنذاك الرئيس‬
‫امل����رك����ب����ات‬ ‫غريبة يف وقت من األوقات‪.‬‬ ‫األمريكي جيمي كارتر‪ ،‬وكان هناك حوايل‬
‫‪ 12‬شخصاً آخرين كانوا قد شاهدوا‬
‫ال��ف��ض��ائ��ي��ة‬ ‫من أين يأتون؟‬ ‫أيضاً هذا اجلسم املضيء الذي وصف‬
‫التـــي تزورنا‬ ‫هناك عدة نظريات عن مصدر هذه‬ ‫حجمه حبجم مشهد كوكب القمر الذي‬
‫م���ن ال��ع��امل‬ ‫األجسام الطائرة‪ .‬البعض منها يعتقد‬
‫أن م��ص��در ه��ذه ال��ظ��اه��رة ه��و األرض‬
‫يطل ع��ادةً ف��وق مس��اء والي��ة جورجيا‪.‬‬
‫وقام حاكم والية جورجيا جيمي كارتر‬
‫اخلارجي‬ ‫نفسها وليس العامل اخلارجي‪.‬‬ ‫بإبالغ السلطات األمريكية رمسياً عن‬
‫ف��ك��ان ه��ن��اك حتليل ينص على‬ ‫مشاهدته الفعلية ملركبة فضائية غريبة‪.‬‬

‫‪61‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫م��ا ورد ع��ن طائفة ال�لام��ا يف الديانة‬ ‫أنه بعد احلرب العاملية الثانية‪ ،‬هرب‬
‫البوذية‪ .‬وأن هذه احلضارات الباطنية‬ ‫بعض النازيني اىل أنتاركتيكا بواسطة‬
‫م��وص��ول��ة ببعضها البعض م��ن خالل‬ ‫ال��غ��واص��ات ومعهم ص��واري��خ متقدمة‬
‫شبكة أنفاق هلا بعض املخارج املؤدية إىل‬ ‫تقنياً حيث أن��ش��ؤوا ق��اع��دة عسكرية‬
‫سطح األرض‪ ،‬كجبال اهلماليا والروكيز‬ ‫هناك وأطلقوا منها البعض من آالهتم‬
‫واألن���دي���س وج��ب��ال أخ����رى‪ .‬وبعضهم‬ ‫الطائرة‪ .‬لكن هذه النظرية مل تفسر أو‬
‫يستخدم هذه النظرية ليفسر االختفاء‬ ‫تتطابق مع املشاهدات القدمية األخرى‬
‫املفاجىء حلضارة اإلنكا وغريها من‬ ‫اليت وردت عرب التاريخ‪.‬‬
‫احلضارات املختفية‪.‬‬ ‫وه��ن��اك حتليل آخ��ر ينص على أن‬
‫وهناك من القرن التاسع عشر من‬ ‫هناك جتوفات أرضية بشكل أو بأخر‬
‫يعتقد أن ه��ن��اك ف��ج��وات يف القطب‬ ‫موجودة يف باطن األرض منذ بدايات‬
‫الشمايل واجلنوبي تؤدي اىل عامل ثا ٍن‬ ‫العصر العلمي‪ .‬ه��ذا م��ا ق��ال��ه العامل‬
‫داخ��ل األرض‪ ،‬وإهن��ا منحدرة بطريقة‬ ‫الفلكي اإلنكليزي إدمون هيلي‪ ،‬مكتشف‬
‫أن��ك قد تدخل فيها ب��دون مالحظتك‬ ‫النجم ال��ذي مسي على امسه «هيلي»‬
‫ذل���ك‪ ،‬وك��م��ا أن ه��ن��اك مش��س �اً أصغر‬ ‫آنذاك يف القرن السابع عشر‪ .‬فقد قال‬
‫حجماً من مشسنا ه��ذه و أق��ل وهجاً‬ ‫إن هناك عدة كواكب يف باطن األرض‪،‬‬
‫منها‪ ،‬مع حميطات وجبال وحيوانات‬ ‫وإهنم موجودون الواحدة داخل اآلخرى‪.‬‬
‫ونباتات تشبه تلك على وجه األرض‪ .‬و‬ ‫ث��م أت��ى بعض امل��ؤي��دي��ن هل��ذه األفكار‬
‫ليقولوا إن هناك مشساً آخرى موجودة‬
‫من املفرتض أن هذه املركبات الفضائية‬
‫ت���دخ���ل وخت�����رج م���ن ت��ل��ك الفجوات‬ ‫يف ج��وف ال��ك��رة األرض��ي��ة‪ ،‬وإن هناك‬
‫هناك أساطري‬
‫القطبية‪.‬‬ ‫بشراً متطورين جداً يعيشون داخل هذا‬ ‫قدمية تنص‬
‫وهناك أيضاً فرضية واسعة على أن‬
‫هذه املركبات الفضائية أتت من كواكب‬
‫اجلوف‪ .‬ما استدعى البحرية األمريكية‬
‫إىل إرس��ال ع��دد من السفن الكتشاف‬
‫ع����ل����ى أن‬
‫جماورة‪ ،‬كاملريخ والزهرة‪ ،‬أو من كوكب‬ ‫أنرتكيتكا يف غ��ض��ون ال��ق��رن التاسع‬ ‫هناك حضارة‬
‫كان وقد دمر بفعل حرب نووية أو كارثة‬ ‫عشر‪.‬‬ ‫قدمية داخل‬
‫طبيعية‪ ،‬أو من كوكب مل يتم اكتشافه‬
‫بعد‪ .‬ولكننا سنعترب كل هذه النظريات‬
‫وهناك أيضا أساطري قدمية تنص‬ ‫ً‬
‫على أن هناك ح��ض��ارة قدمية داخل‬
‫جوف األرض‬
‫اآلتية كبداية لفكرة جميء هذه املركبات‬ ‫جوف األرض تدعى أغارثا‪ ،‬وهم ساللة‬ ‫تدعى أغارثا‬
‫ال��ف��ض��ائ��ي��ة م��ن ال��ك��واك��ب اخلارجية‬ ‫متقدمة روحياً تتحدر من حضارة قبيليت‬
‫اجملاورة لكوكبنا هذا‪.‬‬ ‫«امل��و» و «أتالنتس» املفقودتني‪ ،‬حسب‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪62‬‬
‫رامز احلوش‬

‫يف ‪ 24‬من ح��زي��ران عام‬


‫‪ ،1709‬نشرت صحيفة‬
‫(ف��ي��ن��ش��ه دب����اري����وم)‬
‫الصادرة يف فيينا خرب ًا‪ ،‬سرعان‬
‫ما زاد يف رواج ذاك العدد‪.‬‬
‫‪63‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫كان جسم املركب على شكل زورق مكشوف‬ ‫يقول اخل�بر – ال��ذي ننقله خم��ت��ص��راً‪ -‬إن‬
‫جمهز من األمام برأس طائر‪ ،‬ومن اخللف بالعلم‬ ‫مشهداً مفاجئاً صعق سكان فيينا وأذهلهم‪.‬‬
‫الربتغايل‪ ،‬وعلى اجلانبني جناحان ويف املؤخرة‬ ‫وذلك عندما ظهرت يف مساء مدينتهم أعداد‬
‫دفة التوجيه‪ ،‬واجلناحان والدفة وكأهنما صنعا‬ ‫مجة من الطيور وهي تنقض على طائر آخر‬
‫من ريش طيور عمالقة‪ .‬ومن اجللي أن املصمم‬ ‫هائل احلجم يطري وسطها‪ .‬واتضح – عندما‬
‫قد اف�ترض أنه بقدر ما تكون املركبة مماثلة‬ ‫دنا الكل من األرض – إن الطائر الضخم ليس‬
‫للطري شكالً‪ ،‬تكون أكثر مالئمة للطريان‪ .‬وتزود‬ ‫غري آلة على شكل مركب ختفق الريح بقلوعها‬
‫املركبة بالطاقة من مصدرين ‪ :‬أوالً‪ ،‬من الريح‬ ‫املنشورة‪ .‬وإذ سعى شخص ما على متنه اهلبوط‬
‫اليت هتب من األسفل حنو األشرعة املصنوعة‬ ‫بساحة املدينة‪ ،‬أخفق مسعاه جراء ريح صرصر‬
‫من أقمشة طويلة شدت على شكل قوس مابني‬ ‫محلت املركب حنو األعلى باجتاه برج املدينة‬
‫مقدمة املركبة ومؤخرهتا‪ .‬وعند سكون الريح‬ ‫حيث اشتبك شراعه بنهاية مسلة الربج‪ .‬وخالل‬
‫تستخدم منافيخ ذات هنايات قمعية الشكل‪.‬‬ ‫ساعتني فقط أفلح الرحالة يف حتطيم طرف‬
‫ثانياً‪ ،‬باستخدام قطع من الكهرمان واملغنطيس‬ ‫املسلة واحلط بسفينته أرضاً‪.‬‬
‫م��وزع��ة يف نظام خ��اص أعلى سطح املركب‪،‬‬ ‫وحتت حراسة اجلند الصارمة ( إذ كاد تطفل‬
‫وم��ن شيئني آخ��ري��ن ( م��ن البديهي أهنما يف‬ ‫العوام أن يدك املركب) نقل الربان إىل الفندق‪،‬‬
‫غاية السرية) يقعان أسفل القطع الكهرمانية‬ ‫حيث سلم – بعد اسرتاحة قصرية – السلطات‬
‫واملغنطيسية املنضدة أعالمها‪ ،‬يؤثران فيها‬ ‫احمللية رسائل إىل السفري الربتغايل وغريه من‬
‫فتدفع باملركبة ع��ال��ي��ا!؟؟؟‪ .‬ومث��ة يف الرسم‬ ‫الشخصيات املرموقة‪.‬‬
‫املرفق شكل ربان برتغايل وهو يرنو من خالل‬ ‫لقد روى الطيار أنه طار من لشبونة على منت‬
‫منظار‪.‬‬ ‫آلته اهلوائية املخرتعة حديثاً يف ‪ 22‬حزيران‪.‬‬
‫أحرز اخلرب الصحفي املثري جناحاً منقطع‬ ‫وقد عانى الكثري من املخاطر واحملن القاسية‬
‫النظري‪ ،‬ونشر بكامله يف كراسات خاصة القت‬ ‫خ�لال حتليقه‪ .‬إذ ك��ان عليه ص��د هجمات‬
‫رواجاً ساحقاً يف املبيعات‪ .‬ولكن ما نأسف له‪،‬‬ ‫الطيور املغرية طوال الرحلة‪ .‬ولوال وجود بلطة‬
‫هو جهلنا اسم مؤلف هذه القصة‪ ،‬وإال الحتل‬ ‫حربية وأربع بنادق يف حوزته ملا بلغ فيينا حياً‪.‬‬
‫امسه مكاناً مرموقاً يف تاريخ اخليال العلمي‬ ‫وأثناء عبوره مبحاذاة القمر – كما روى‬
‫(ال��ذي كثرياً ما ي�تراءى أنه غري علمي إىل حد‬ ‫– حدث هناك اضطراب عظيم لدى مشاهدة‬
‫بعيد) ملا متتع به هذا املبدع من موهبة يف كسب‬ ‫مركبته الطائرة‪ .‬وسكان القمر يشبهون البشر‪،‬‬
‫تصديق اجلماهري‪.‬‬ ‫بيد أهنم بال أط��راف وحمبوسون داخل قشرة‬
‫ويف الواقع أن أي طريان مل يتم بني لشبونة‬ ‫ك��ال��س�لاح��ف مت���ام���اً‪ ،‬وإن ب��اس��ت��ط��اع��ة ملك‬
‫و فيينا عام ‪ ،1709‬ومل يتحاذ مركبة طائرة ما‬ ‫الربتغال‪ -‬إذا ما تكرم‪ -‬االستيالء على مملكة‬
‫القمر آنذاك‪ .‬و أول طريان لإلنسان‪ -‬كما هو‬ ‫ال��ق��م��ر ب��أرب��ع�ين أو مخ��س�ين سفينة طائرة‬
‫معلوم – إمنا حدث بعد ‪ 74‬عاماً من التاريخ‬ ‫ك��اخ�تراع��ه‪ ،‬على م�تن ك��ل منها م��ن ‪ 4‬إىل ‪5‬‬
‫أعاله‪ .‬وإذ كان املوضوع يدور حول فشل حتليق‬ ‫حماربني فقط‪.‬‬
‫وحسب (ألن الطريان بعيد االحتمال) ‪ ،‬فإن‬ ‫وق��ط��ع �اً ل��داب��ر ال��ش��ك يف ص��ح��ة هذه‬
‫املقصود حتماً آلة أخرى صممها الربتغايل فعالً‬ ‫اجملريات أرفقت اجلريدة باخلرب رمساً تربز فيه‬
‫وتدعى ( األوف��وادور) وعناها الطائر‪ .‬وهو ما‬ ‫بدقة كافة تفاصيل املركب الربتغايل‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪64‬‬
‫سلطة قوية من املستعمرات‪ .‬وهاهو يظهر يف‬ ‫سوف نراه الحقاً‪.‬‬
‫مطلع نيسان من عام ‪ 1709‬صانع املعجزات‪.‬‬ ‫ما احلقيقة إذن ؟‪ .‬كانت الربتغال يف تلك الفرتة‬
‫أنه الدون بارتولومي لورنسي دي غومجوان‪.‬‬ ‫ب�لاداً فقرية‪ ،‬متخلفة اقتصادياً‪ ،‬فقدت أغلب‬
‫م��ا حنيط ب��ه ع��ن ح��ي��اة ال���دون باتولومي‬ ‫مستعمراهتا (ماعدا الربازيل أهم مستعمراهتا‬
‫ضئيل للغاية‪ .‬ناهيك عن تناقض املعطيات‬ ‫خلف احمليط)‪ .‬ومل يكن مرد عرقلة تطورها‬
‫وعدم انتظامها‪ .‬ولكن املؤكد أنه قد احندر من‬ ‫االق��ت��ص��ادي تسلط النبالء ورج���ال الكنيسة‬
‫املستعمرات الربازيلية وتلقى علومه يف مدرسة‬ ‫فقط‪ ،‬بل وبسبب تبعيتها املطلقة النكلرتا‪ .‬فقد‬
‫يسوعية‪ .‬وأما انتماؤه إىل األخ��وة اليسوعيني‬ ‫أصابت معاهدة (مثيون) عام ‪ 1703‬من جتارة‬
‫فيما بعد فغري ثابت‪ ،‬بالرغم من عدم دحض‬ ‫وصناعة الربتغال مقتالً لعدم وجود أي محاية‬
‫ه��ذه الفكرة هنائياً‪ .‬على أي��ة ح��ال فقد جاء‬ ‫مجركية إزاء زحف االسترياد االنكليزي‪ .‬ناهيك‬
‫غ��ومج��وان من ال�برازي��ل إىل النمسا مباشرة‪.‬‬ ‫عما استنفدته الربتغال من قوى جيمة‪ -‬من أجل‬
‫وهنا قامت على رعايته‪ -‬كعامل‪ -‬إحدى نبيالت‬ ‫املصاحل االنكليزية‪ -‬يف حرهبا من أجل الرتكة‬
‫اجملتمع وساعدته باالنتقال إىل الربتغال حيث‬ ‫االسبانية‪.‬‬
‫– كما ن��ذك��ر‪ -‬كانت حتكم امللكة م��اري��ا‪ -‬آنا‬ ‫ومنذ عام ‪ 1707‬كان جوان اخلامس – ممثل‬
‫النمساوية األص��ل‪ .‬فاستقبل هناك استقباالً‬ ‫الساللة الرباغانتسية‪ -‬ملكاً على الربتغال‪،‬‬
‫رمسياً لدى امللك جوان اخلامس‪ .‬وهنا قدم‬ ‫وكان وزوجته امللكة ماريا‪ -‬آنا من آل غابسبورغ‬
‫غومجوان إىل امللك التماساً ملنحه امتيازاً‬ ‫حيلمان بطريقة خفية ما السرتجاع قدرة البالد‬
‫حمتكراً من أج��ل اخ�تراع يعيد به جمد‬ ‫احلربية وإنعاش اقتصادها املتدهور وتأمني‬

‫‪65‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫رادع أو قصاص‪ .‬كما طالب حبق احتكار بناء‬ ‫الربتغال التليد‪ .‬وق��د ص��رح أن��ه قد ابتكر‬
‫واستخدام املراكب اهلوائية‪ ،‬وفرض العقوبات‬ ‫مركبة هوائية تقطع مسافة ‪ 600‬ميل يف اليوم‪،‬‬
‫الصارمة حبق املعتدين على امتيازه ‪.‬‬ ‫ول��ك��م مل يتضمن التماسه أي خت��ي�لات عن‬
‫لألسف أننا ال ندري ما إذا كان غومجوان‬ ‫إمكانية احتالل القمر‪.‬‬
‫قد أرفق بالتماسه خمططاً ما عن ابتكاره‪ .‬وما‬ ‫ل��ق��د وص����ف غ���ومج���وان ب��أس��ل��وب جدي‬
‫هو هذا املخطط‪ ،‬ومن املشكوك به أن يكون‬ ‫استخدام مركبته احلربية‪ :‬إذ ميكن منها قيادة‬
‫احل��دي��ث أع�ل�اه ع��ن ذل��ك ال��رس��م املنشور يف‬ ‫اجليوش املتحاربة وإغاثة القالع احملاصرة‪،‬‬
‫الصحيفة الفيينية‪.‬‬ ‫وإيصال الذخائر والتموين والرسائل املستعجلة‪،‬‬
‫يف ع��ام ‪ 1934‬عثر يف إيطاليا على رسم‬ ‫وحتى إرسال احل��واالت ورؤوس األم��وال من و‬
‫مركبة هوائية‪ .‬كان على ما يبدو أنه أقدم من‬ ‫إىل األماكن احملاصرة بيسر وسهولة‪ .‬وكذلك‬
‫كافة رسومات غومجوان املعروفة‪ .‬وأطلق على‬ ‫إلقاء القنابل والقذائف على قالع العدو وسفنه‬
‫الرسم اس��م (ال��ب��اس��اروال)‪ .‬وال��رس��م – إذا ما‬ ‫احلربية‪ .‬وهذا الوصف كما نالحظ يسبق ظهور‬
‫اعتمدنا على لغة النقش املوجودة عليه‪ -‬هو‬ ‫القاذفات مبئيت ع��ام‪ .‬وأخ�يراً ميكن مبركباته‬
‫نسخة إيطالية عن أصل برتغايل‪ .‬ويقول العنوان‬ ‫(اكتشاف أكثر املناطق بعداً وصوالً إىل منطقة‬
‫على الرسم ‪ :‬سفينة تسبح يف اهلواء‪ ،‬سرعتها‬ ‫القطب) ‪ .‬وهبذا ( ستحقق األمة الربتغالية اجملد‬
‫‪ 600‬ميل يف ال��ي��وم‪ ،‬اخرتعت يف الربتغال يف‬ ‫بفضل هذه االكتشافات‪ ،‬وما ستجنيه من فوائد‬
‫العام احل��ايل‪ ،‬لنقل كافة أصناف التجارة‪ .‬و‬ ‫مجة مع مرور الزمن) ‪.‬‬
‫يبدو أن العنوان قد وضع للتمويه ألن احلديث‬ ‫لقد أصر غومجوان على سرية ابتكاره‪ ،‬وقد‬
‫يف االلتماس املقدم إىل امللك يدور حول مركب‬ ‫روع امللك أن شيوع مثل ه��ذه املركبات يغري‬
‫حربي‪ ،‬ليس له صبغة جتارية البتة‪.‬‬ ‫أصحاب النفوس الدنيئة بانتهاك األعراض‬
‫وأم��ا تصميم الباساروال‪ ،‬فبسيط للغاية‪.‬‬ ‫وارت��ك��اب اجل��رائ��م وال��ف��رار خ��ارج البالد دون‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪66‬‬
‫لكل خمالفة‪ ،‬وأغدق على املخرتع اهلبات‪ .‬ونال‬ ‫فهي مركبة دائرية الشكل‪ .‬يوجد يف مركزها‬
‫غومجوان بقاً رفيعاً ومرتباً ضخماً وكلية يف‬ ‫صار طويل‪ ،‬ثبت يف وسطه شراع دائري خميط‬
‫جامعة (ك��ومي�بروس)‪ .‬وك��ان من الطبيعي أن‬ ‫على شكل نصف كرة متجهة حنو األسفل‪ ،‬ومثة‬
‫تثري ه��ذه اإلج�����راءات غضب وح��س��د بطانة‬ ‫دف��ة جمهزة ب��ش��راع إض��ايف صغري‪ .‬أم��ا باقي‬
‫امللك املقربة‪ .‬فتدخلت وحولت كل الوعود إىل‬ ‫التجهيزات فمخصصة لتثبيت أكياس طويلة‬
‫أضغاث أحالم‪ .‬واهتم غومجوان بأنه وراء املقال‬ ‫جيري فيها اهلواء حنو الشراع الكروي الشكل‬
‫املنشور يف الصحيفة الفيينية سعياً وراء الشهرة‬ ‫من خالل أنابيب خاصة وعند سكون الريح أو‬
‫األوروبية‪.‬‬ ‫عدم كفايتها‪ ،‬ففي املركب مثة عنرب يسمح الثين‬
‫وبالرغم من التجارب الثالث العلنية اهلامة‬ ‫عشر خادماً يقومون بضغط اهل��واء بواسطة‬
‫اليت قام هبا يف الثالث من آب واخلامس منه ويف‬ ‫قرب من خالل األنابيب املذكورة‪.‬‬
‫الثالثني من تشرين األول‪ ،‬حيث رفع يف األول‬ ‫من املرجح أن كال االخرتاعني أعاله من ابتكار‬
‫بقوة اهل��واء الساخن ج��ه��ازاًَ صغرياً‪ ،‬وط��ار يف‬ ‫غومجوان‪ ،‬وقد وظف كالمها ملا نسميه اليوم‬
‫الثالث إىل ارتفاع قليل ( من هنا جاءت تسمية‬ ‫بتسرب املعلومات املتعمد‪ .‬فقد موهت وظيفة‬
‫األف��وادور) ‪ ،‬فإن التجارب هذه مل تثر اهتمام‬ ‫االخ�تراع األساسية العسكرية‪ ،‬عدا ما أوردته‬
‫وشغف امللك أو حاشيته‪ .‬فيتلف غومجوان كل‬ ‫اجلريدة من تنويه عابر عن احتالل القمر‪.‬‬
‫ما يتعلق ببناء املراكب اهلوائية من مواد‪ .‬ويروى‬ ‫كما جلأت الرقابة الربتغالية والفيينية –‬
‫بأنه قد زاول السحر يف سين خريفه بباريس‪.‬‬ ‫أثناء الطباعة‪ -‬إىل إغفال إمكانية استخدام‬
‫وهكذا تطوى صفحة من تاريخ مبتكر عبقري‬ ‫املراكب الطائرة العملي يف احلرب الدائرة من‬
‫قد سبق عصره مبئيت ع��ام يف وصفه قاذفات‬ ‫أجل الرتكة اإلسبانية‪.‬‬
‫القنابل‪ ،‬وكان له الفضل األول يف تاريخ التكنولوجيا‬ ‫ويف ‪ 17‬ن��ي��س��ان ع���ام ‪ 1709‬م��ن��ح امللك‬
‫باستخدام طاقة اهلواء الساخن الرافعة‪.‬‬ ‫غومجوان االمتياز امللتمس‪ ،‬وأمر بعقوبة املوت‬

‫‪67‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫طارق حريب‬

‫اجتازت العربة ساحة الدار يف قلعة دراكوالّ‪ ،‬ثم غادرت املكان‬


‫وتركت جوناثان واقفاً أمام باب قديم ضخم ذي دعائم حديدية‪،‬‬
‫ومل يكن بالطابق األرضي أي نافذة‪ ،‬وإمنا كان هناك ضوء ينبعث‬
‫من أعلى املبنى ما يدل على أن القلعة مل تكن خالية من السكان‪ ،‬ومل يكن‬
‫هناك جرس ولذلك مل يكن يف وسعه إال أن ينتظر حتى يأتي أحد ليقوده‬
‫إىل املدخل‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪68‬‬
‫يلفت النظر هو ذلك الشحوب غري العادي‪،‬‬ ‫ظل جوناثان واقفاً بضع دقائق ال تطرق‬
‫وق��د نبت الشعر يف راح�ت�ي ي��دي��ه‪ ،‬وكانت‬ ‫مسعه إال أصوات الذئاب‪ ،‬إىل أن مسع جلبة‬
‫أصابعه طويلة حادة‪ ،‬كما أن الرائحة املنبعثة‬ ‫عند اجل��ان��ب الداخلي م��ن ال��ب��اب‪ ،‬ث��م فتح‬
‫من أنفاسه كانت تثري الغثيان‪ ،‬لقد كان فيها‬ ‫الباب وظهر رجل طويل أسود الشعر يلبس‬
‫رائحة املوت‪ ،‬حتى تساءل ضيفه يف نفسه‪.‬‬ ‫رداءً أسود وميسك يف يده مصباحاً فضياً‪،‬‬
‫(ت���رى أت��ك��ون ه��ي السبب يف أن الناس‬ ‫ابتسم الرجل قائالً‪:‬‬
‫خيافونه؟)‪.‬‬ ‫ـــ إني أقدم لك منزيل‪ ،‬فأهالً بك وسهالً‪.‬‬
‫وأخرياً خيّم السكون على القلعة فيما عدا‬ ‫صمت قليالً‪ ،‬ثم تابع يقول‪:‬‬
‫عواء الذئاب يف اخلارج‪ ،‬وقال الكونت دراكوال‬ ‫ـــ أن��ا دراك���وال‪ ،‬ويسرني أن أستقبلك يف‬
‫وهو ينهض‪:‬‬ ‫منزيل‪.‬‬
‫ـــ أوالدي يف هياج الليلة‪ ...‬إن لدينا بعض‬ ‫وبعد تبادل كلمات اجملاملة‪ ،‬قدّم دراكوال‬
‫الزوار‪.‬‬ ‫الطعام لضيفه‪ ،‬ومل يأكل دراكوال معه‪ ،‬معتذراً‬
‫كثرت الروايات يف وصف الكونت دراكوال‬ ‫بأنه قد تناول طعامه من قبل‪.‬‬
‫حتى رمس��ت لـــه ص��ورة خميفة مرعبة‪...‬‬ ‫وتصف الرواية دراكوال‪.‬‬
‫فهو حني يبتسم تكشف أسنانه عن ابتسامة‬ ‫كان وجهه غري عادي فاألنف قوي‪ ،‬واألذنان‬
‫أشبه بابتسامة الذئب‪ ،‬وكانت نظرته‬ ‫حم��ددت��ان ن��ات��ئ��ت��ان‪ ،‬وال��ش��ف��ت��ان مح����راوان‪،‬‬
‫تبدو غريبة يف عينيه الغريبتني بسبب‬ ‫واألسنان ح��ادة بيضاء‪ ،‬ولكن الشيء الذي‬

‫‪69‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫كنت ال أزال أح���دق يف امل���رآة والحظت‬ ‫محرهتما‪.‬‬


‫أن�ني جرحت ذق�ني وأخ��ذ ال��دم يسيل على‬ ‫وتقول احلكاية‪:‬‬
‫عنقي‪ ...‬فالتفتُّ مرة ثانية ألتأكد ما إذا كان‬ ‫إن دراك���وال ك��ان يدخل على ضيوفه يف‬
‫يف احلجرة حقيقة فأصابين الفزع وجتمدت‬ ‫غرفهم‪ ،‬دون أن يسمعوا لـــه صوتاً‪ ،‬ودون أن‬
‫يف مكاني‪ ،‬كان دراكوال يراقبين‪ ،‬وكأنه حيوان‬ ‫يروه وهو يدخل‪ ،‬وال يروه وهو خيرج وأنه كان‬
‫جائع‪ ،‬وبدا كأنه يتأهب ملهامجيت‪...‬‬ ‫يرتك انطباعاً لديهم بأنه ليس رجالً عادياً‪،‬‬
‫ك���ان ال���دم يف ه���ذه ال��ل��ح��ظ��ة ق��د وصل‬ ‫وأن فيه قوى غري طبيعية‪...‬‬
‫إىل عنقي‪ ،‬وإذا بوجه الكونت يتغيّر ويبدو‬ ‫وقد قال عنه أحد ضحاياه‪:‬‬
‫كاجملنون ووقف يرتعش فرتة من الزمن كأمنا‬ ‫ـــ كنت يف الغرفة أحلق ذقين أمام املرآة‪،‬‬
‫تغالبه الرغبة يف اهلجوم علي‪...‬‬ ‫وفجأة رأيته‪ ،‬عندما التفت إىل اخللف لكن مل‬
‫وفجأة تناول دراكوال املرآة الصغرية اليت‬ ‫أره يف املرآة وهو يدخل احلجرة‪ ،‬ثم إنه اآلن‬
‫كنت قد أحضرهتا معي وألقاها من النافذة‪،‬‬ ‫يقف أمام امل��رآة‪ ،‬ومع أنين أرى نفسي فيها‬
‫ومضت حلظة سكون طويلة قبل أن أمسع‬ ‫فإني ال أراه‪...‬‬
‫صوت حتطم املرآة على الصخور‪ ...‬فاستدار‬
‫دراكوال إيلَّ قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬إن الشيطان أعطى الناس املرايا‪...‬‬
‫إنين ال أمسح هبا يف منزيل ثم خطا خطوات‬
‫باجتاه الباب وتوقف وهو‬
‫ينظر إيلَّ ن��ظ��رة غريبة‬
‫أرعبتين وقال‪:‬‬
‫‪ -‬ح����������������اول أال‬
‫جت�������������رح ن�����ف�����س�����ك‪،‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪70‬‬
‫ف������إن ذل������ك يف ب���ل���دن���ا أك����ث����ر خ���ط���ورة‬
‫مما تتصور‪.‬‬
‫وصوّرت احلكايات والقصص دراكوال‪ ،‬بأنه‬
‫كان يتحول إىل خ ّفاش كبري يف الليايل املظلمة‪،‬‬
‫وخيتار ضحيته‪ ،‬ويدخل إليها جمتازاً مجيع‬
‫األس��وار واجل���دران‪ ،‬وجيثم فوقها‪ ،‬وينشب‬
‫أنيابه يف عنقها‪ ،‬وميتصُّ دمها‪ ...‬ويرتكها‪،‬‬
‫ليعود إليها مرة أخرى فيفعل هبا كما يف املرة‬
‫السابقة حتى تتحول الضحية إىل اإلدمان وال‬
‫تستطيع االستمرار يف احلياة‪ ،‬دون أن يأتيها‪،‬‬
‫ث��م تتحول ب��دوره��ا إىل فصيلة مصاصي‬
‫الدماء‪ ...‬وتبحث عن الضحايا فتوقع هبم‪.‬‬
‫يقول أحدهم عمّا رآه يف قلعة دراكوال‪:‬‬
‫كنت نائماً يف حجرتي‪ ...‬وفجأة استيقظت‪،‬‬
‫ورأي�����ت ث�ل�اث ف��ت��ي��ات مج��ي�لات فاتنات‪،‬‬
‫والحظت انبهاراً يف عيوهنن احلمر‪ ،‬ومسعت‬
‫ضحكاهتن الرهيبة‪ ،‬لقد كن شريرات‪ ،‬تقدمن‬
‫نسجها اخليال‪ ،‬وأحاطتها اخلرافات حتى‬ ‫حن��وي‪ ،‬فاعرتاني الذعر كانت لـــهن أنياب‬
‫أص��ب��ح ال��ن��اس يتناقلوهنا‪ ،‬وك��ت��ب املؤلفون‬ ‫طويلة حادة‪ ،‬احننت عليّ إحداهن‪ ،‬كانت لـــها‬
‫الروايات‪ ،‬وأنتجت شركات السينما أفالماً‬ ‫رائحة كرائحة دراك��وال‪ ...‬أحسست بأنياهبا‬
‫ك��ث�يرة‪ ،‬تفننت يف إظ��ه��ار شخصية دراكوال‬ ‫على عنقي‪ ،‬فدفعتها عين بقوة‪ ،‬وقفزت من‬
‫األسطورية املرعبة‪ ،‬واحمل��وط��ة بالغموض‪،‬‬ ‫النافذة‪ ،‬كنت متأكداً أنين لست يف حلم‪.‬‬
‫واألع��اج��ي��ب اخل��ارق��ة ال�تي ال ميكن للعقل‬ ‫نسج ال��رواة قصصاً عجيبة عن دراكوال‪،‬‬
‫أن يقبلها‪ ...‬ورغ��م ذلك علقت تلك الصور‬ ‫وعن حتوله يف الليل املعتم إىل خفاش كبري‬
‫بأذهان الكثري من ال��ن��اس‪ ...‬لكن احلقيقة‬ ‫جيول من مكان إىل آخر‪ ،‬يبحث عن ضحية‪...‬‬
‫غري ذلك فدراكوال‪ ،‬قد وُجد حقيقة وعاش‬ ‫وجنح اخليال ببعضهم إىل احلد الذي جعله‬
‫ح��ق �اً‪ ...‬ك��ان أم�يراً امس��ه فالدتييتس حكم‬ ‫يؤكد أن مصاصي الدماء ال ميوتون بانقضاء‬
‫والي��ة (فاالكيا) برومانيا ث�لاث م��رات بني‬ ‫العمر‪ ،‬ولكنهم يظلون أحياء يتغذون بالدماء‪،‬‬
‫عامي ‪ 1476 -1448‬وذلك حسب املؤرخني‪.‬‬ ‫وحيولون غريهم إىل مصاصي دماء مثلهم‪،‬‬
‫مل ميتص دم ضحاياه من رقاهبم‪ ،‬بل كان‬ ‫وهكذا تتسع دائرة الالموتى على مر األيام‪،‬‬
‫خيوزقهم‪ .‬ويُنوّع يف أساليب اإلعدام بضحاياه‬ ‫وأن الذين تُشرب دماؤهم مرة بعد مرة فإهنم‬
‫أكثر ض��راوة وبشاعة وقتل أكثر من أربعني‬ ‫يدمنون ذلك‪ ...‬ويتعلمون حب مصاص دمهم‬
‫ألفاً فأخذ شهرة واسعة يف التاريخ وعُرف‬ ‫ومن ثم يصبحون مصاصي دماء بعد موهتم‪،‬‬
‫باسم (ف�لاد امل��خ��وزق) وأط��ل��ق عليه الرواة‬ ‫وأن دراكوال يعترب (ال ميت)‪.‬‬
‫ال��ذي��ن يقصون احل��ك��اي��ات الشعبية‬ ‫القصص كثرية وغريبة وعجيبة‪ ،‬لكن ما‬
‫اليت تتصف بالرعب والوحشية اسم‬ ‫ه��ي حقيقة دراك���وال ال��ذي أصبح أسطورة‬

‫‪71‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫وذكرت الدراسات اليت نشرت عنه‪:‬‬ ‫(مصاص الدماء دراكوال)‪ ،‬وكلمة (دراك)‬
‫أنه توىل احلكم يف عصر توسع اإلمرباطورية‬ ‫تعين الشيطان أي الشيطاني‪.‬‬
‫العثمانية‪ ،‬وعقد صلحاً مع القسطنطينية‬ ‫ومم���ا ي��دع��و إىل اإلث�����ارة أن���ه ص���در يف‬
‫لفرتة وج��ي��زة ث��م ث��ار عليها عندما حاولت‬ ‫بوخارست ـــ عشرات الكتب والدراسات اليت‬
‫عزله‪ ،‬وخ��اض معها ح��روب�اً طويلة ضارية‬ ‫تُثين عليه وتطري سريته‪ ،‬وصُ���وّرت أفالم‬
‫حتى سقط يف ساحة القتال‪...‬‬ ‫عديدة عنه‪ ،‬ومُثلّت مسرحيات كثرية‪ ،‬وأقيمت‬
‫وق��د سجل التاريخ عنه أن��ه أع��دم على‬ ‫لـــه التماثيل واملعارض اليت متجّد أعماله‪،‬‬
‫اخلازوق عشرين ألفاً خالل بضعة أيام‪ ...‬وهم‬ ‫ومتتدح حكمه‪ ،‬وبالتايل اعترب ظاهرة كبرية‬
‫من املنافسني لـــه مع مجيع أفراد عائالهتم‪،‬‬ ‫وهامة‪ ،‬واعترب يف بالده بطالً قومياً‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪72‬‬
‫للتفاوض معه وملا دخلوا عليه‪ ،‬امتنعوا عن‬ ‫وحرسهم وخدمهم بذريعة أنه حيمي بالده‬
‫خلع طرابيشهم أمامه ألن تقاليدهم ال جتيز‬ ‫من تآمرهم ضده‪.‬‬
‫لـــهم ذلك‪ ،‬أمر أن تدق طرابيشهم يف رؤوسهم‬ ‫ويروى عنه‪ :‬أنه مجع أكثر من مخسة آالف‬
‫باملسامري‪.‬‬ ‫إنسان بني مشوّه ومشلول وأعمى وشحاذ يف‬
‫وأرس���ل السلطان حممد الثاني محزان‬ ‫قصر‪ ،‬ومدّ لـــهم مائدة عامرة جبميع لذائذ‬
‫باشا حيمل أم��ر خلع ف�لاد أي دراك��وال عن‬ ‫الطعام وأطايبه‪ ،‬ثم أم��ر‪ ،‬فأحرقوا مجيعاً‬
‫الوالية‪ ،‬فأعدمه‪ ،‬ومن معه باخلازوق فسيّر‬ ‫مربراً فعلته بالقول (حتى ال يبقى فقراء يف‬
‫السلطان محلة كبرية عليه‪ ...‬فاستقبل‬ ‫بالدي)‪.‬‬
‫احلملة بعدد كبري من اجلنود األتراك‬ ‫وذات يوم أرسل الباب العايل رسالً إليه‬

‫‪73‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫صفات نشرها رواة األساطري الشعبية وبالغوا‬ ‫امل���خ���وزق�ي�ن‪ ،‬ح��ت��ى ق��ي��ل ع��ن��ه��م (غابة‬
‫فيها بعد موته‪ ...‬فزعموا أنه يعود إىل احلياة‬ ‫امل���خ���وزق�ي�ن) وذل�����ك ع��ل��ى ح�����دود مدينة‬
‫ليالً يف هيئة خفاش مرعب فيمتص دماء‬ ‫(تارجوفيست) الرومانية‪ .‬وكثرت احلكايات‬
‫الضحايا‪.‬‬ ‫اخلرافية واألسطورية عنه‪ ،‬وألصق به الرواة‬
‫وساعد على تعميم هذه احلكايات الكاتب‬ ‫صفات شيطانية‪ ،‬كتحوله إىل خفاش كبري يف‬
‫اإليرلندي ب��رام ستوكر عندما كتب رواية‬ ‫الليل املعتم وامتصاصه دماء ضحاياه‪ ...‬وهي‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪74‬‬
‫أدرك فالد أن الدولة ال ميكن أن تعرف‬ ‫(دراكوال) العام ‪1897‬م وكان حمورها اخلفاش‬
‫الرفاهية إال عن طريق السلطة املطلقة مما‬ ‫مصاص ال��دم��اء دراك����وال‪ ...‬ف��أخ��ذت عنها‬
‫يضمن لـــها ال��وح��دة السياسية واإلداري���ة‬ ‫السينما‪ ،‬وال��رس��وم املتحركة‪ ،‬واملسلسالت‬
‫والتنسيق يف حركتها ومنوها‪...‬‬ ‫التلفزيونية‪.‬‬
‫ً‬
‫ويستطرد يف شرح ذلك داعيا إىل جتميع‬ ‫ومما يدعو للغرابة أن اهليئات السياحية‬
‫السلطة املطلقة يف ي��د احل��اك��م ال�تي هي‬ ‫يف بالده نظمت رحالت سياحية الستغالل‬
‫الضمان األساسي لالستقالل‪.‬‬ ‫أس��ط��ورة دراك���وال بعنوان (رح�ل�ات دراكوال‬
‫ومجيع الذين تناولوا سرية فالد أي دراكوال‬ ‫السياحية) وكان برنامج الرحالت يضم زيارة‬
‫استخدموا يف معظم كتاباهتم عنه اسم (فالد‬ ‫بقايا قلعته‪ ،‬ومقابر املخوزقني‪ ،‬وقربه حيث‬
‫املخوزق)‪.‬‬ ‫يوجد تابوته الفارغ‪.‬‬
‫بينما يصفه أح��ده��م ب��أن��ه أب��و احلرب‬ ‫ويقول بعض املؤرخني أن العثمانيني قطعوا‬
‫ال��ش��ع��ب��ي��ة ال��ت�ي واج����ه هب���ا اإلم�ب�راط���وري���ة‬ ‫رأسه وأرسلوه إىل القسطنطينية‪ ،‬أما جسده‬
‫العثمانية وأنه استعمل احلرب النفسية أيضاً‬ ‫فدفن يف دير ستاجوف هذا ش��يء‪ ...‬ورفع‬
‫عندما اق�ترب اجليش العثماني من مدينة‬ ‫فالد إىل مرتبة البطل القومي شيء آخر‪.‬‬
‫تارجوفيست ورأى اجلنود غابة من زمالئهم‬ ‫أما الدراسات الرومانية احلديثة تؤكد أن‬
‫املخوزقني‪ ،‬دبّ فيهم الرعب واهللع‪.‬‬ ‫هناك كثرياً من املبالغات يف روايات املؤرخني‪...‬‬
‫ويف رأي للمؤرخ ستيفان ستفانسكو حيث‬ ‫فالوحشية ـــ على حد قوهلا ـــ كانت مسة‬
‫يقول‪:‬‬ ‫عامة من مسات القرون الوسطى وحكامها‬
‫حاول فالدتييتس عقد حتالفات إقليمية‬ ‫يف الغرب وه��ذا يعين أن هذه الدراسات ال‬
‫مع ترانسلفانيا واجمل��ر ومولدافيا ملقاومة‬ ‫تنفي صفة الوحشية عن ف�لاد‪ ،‬بل حتاول‬
‫خطر االخ�تراق اآلسيوي من الشرق‪ ،‬ولكنه‬ ‫التقليل من شأهنا‪ ،‬ويف بعض األحيان تلجأ‬
‫فشل يف ذل��ك واضطر ملواجهة العثمانيني‬ ‫إىل تربيرها‪ .‬ويقول عنه نيقوالي ستويشكو‬
‫وح��ده‪ ...‬فأوقف زحف العثمانيني‪ ،‬ويتابع‬ ‫يف كتابه فالدتييتس‪ ...‬رمب��ا ك��ان صارماً‬
‫قائالً‪ :‬ليس من السهل على دولة صغرية أن‬ ‫حقاً‪.‬‬
‫تتحدى قوة كربى رغم أهنا هزمت يف بلغراد‬ ‫ول��ك��ن ك���ان ل��دي��ه ه���دف س��ي��اس��ي يعلل‬
‫يف العام ‪1459‬م‪.‬‬ ‫تصرفاته‪ ،‬فهي مل تنبع من غرائز الوحشية‬
‫من مجيع اآلراء السابقة يتضح أن هناك‬ ‫لديه‪ ،‬إمنا ختلص من معارضيه ليثبت حكمه‬
‫آراء متفقة على جعل دراك����وال يف مرتبة‬ ‫ويقويه‪ ،‬وليتخلص م��ن العناصر املتطفلة‬
‫األبطال القوميني يف ب�لاده‪ ،‬واملالحظ أهنم‬ ‫واملنحرفة ليدعم جمتمعه‪ ،‬ويتحدى سلطة‬
‫مجيعاً من مواطنيه‪...‬‬ ‫العثمانيني‪ ،‬معلناً متسكه حبرية واستقالل‬
‫وخنلص إىل أن دراك��وال مل يكن مصاص‬ ‫بالده‪.‬‬
‫دم��اء‪ ،‬ومل يكن يتحول إىل خفاش ليالً‪ ،‬ومل‬ ‫هبذه العبارات برّر الكاتب املذكور ارتكابات‬
‫يعد إىل احلياة بعد موته وما هي إال خرافات‪،‬‬ ‫دراكوال الوحشية ومما يدعو إىل االستغراب‬
‫صنعها خيال رواة‪ ...‬وما هي إال أوهام تناقلتها‬ ‫أن كاتباً آخر يدعى (زمغريسكو) يدافع عن‬
‫العامة‪ ،‬ورسختها بعض الروايات‪ ،‬واألعمال‬ ‫فالد فيقول يف مقالة لـــه نشرها يف جملة‬
‫السينمائية واملسرحية أسطورة يف األذهان‪.‬‬ ‫امسها لوشيا فارول ما يلي‪:‬‬

‫‪75‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫د‪ .‬خملص عبد احلليم الريس‬


‫أستاذ فيزياء ـ جامعة دمشق‬

‫الطبيعة ليست محقاء ‪ ،‬وال تصنع شيئاً دون سبب قوي ‪،‬كما أنها ال ترتك ثغرات‬
‫‪ ،‬بل تواجه مجيع الضرورات ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يف البدء كانت كلمة ‪ ..‬كلمة اهلل ‪ ..‬كن فيكون ‪ ..‬فكان وجودا وكونا هائال ‪ ..‬نقطة‬
‫من العدم انبثق منها كل شيء ‪ ..‬هي نقطة مل تك نقطة ‪ ..‬هي شيء سبق النقطة ‪ ..‬مل‬
‫تك ذات أبعاد ‪ ..‬احلقيقة أنها كانت النهائية األبعاد ومع ذلك مل تك بالشيء املذكور ‪ ..‬ألنها‬
‫يف العـدم ‪ ..‬فما هو العدم ؟‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪76‬‬
‫بعضها بعضاً‪ ،‬الطاقات فيه متالشية التقوم‬
‫بأي عمل وال ختضع لقوانني كوننا الفيزيائية‬
‫ال�تي نعرفها يف كوننا امل���ادي‪ ،‬ف�لا ل���زوم هلا‬
‫ه��ن��اك‪ ،‬فهو ال خيضع ألي ق��ان��ون كوني مثل‬
‫قانون املثنوية الشامل ( الكتلة وضدها‪ ،‬الذكر‬
‫واألنثى‪ ،‬اإللكرتون السالب واإللكرتون املوجب‪،‬‬
‫احلرارة والربودة ‪ ..‬وهكذا ) ‪.‬‬
‫العدم هو عامل ساكن سرمدي أبدي ال متبدل‬
‫نسيجه سائل مستمر ال انقطاع فيه‪ ،‬هو عالـم‬
‫متجانس متناظر متماثل املناحي واالجتاهات‪،‬‬
‫ليس ألي عامل آخر مثل خواصه‪ ،‬يتساوى فيه‬
‫الطويل والقصري والصفر والالهناية واألعلى‬
‫واألسفل‪ ،‬وتندمج فيه كل مادة بضدها لتتفانيـا‬
‫معاً وختتفيا عن الوجود بالتعادل واحلياد فال‬
‫تعودا موجودتني‪ ،‬هو كون األض��داد املتزاوجة‬
‫والقوى املتفانية والطاقات اخلامدة‪ ،‬يلغي فيه‬
‫كل شيء طاقة نظريه ويزيل آث��اره متاماً‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فهو ليس عامل الزوال املطلق ألنه أصل كل‬
‫شيء وال حيتوي شيئاً‪ ،‬وهو يذيب كل ما يدخل‬
‫إليه ‪ .‬كما يذيب املاء املواد اليت تدخل فيه‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فإن اهلل جعل منه كل شيء حي لكن كيف‬
‫أمكن للعدم أن يكون له هذه اخلواص املُحيِّرة ؟‬
‫ويأتي اجلواب ‪ :‬العدم هو أمواج ألن مثل تلك‬
‫اخلواص اليت يتمتع هبا العدم ال تتحقق إال إذا‬
‫كان له طبيعة موجية ‪ ..‬لكن أي نوع من األمواج‬
‫تلك ؟ اجل��واب هو أن تلك األم��واج هي أمواج‬ ‫العدم ‪ ...‬أمواج فائقة !!‬
‫فائقة !! وقبل أن نتعرَّف على األمواج الفائقة‬ ‫لو تسنى ألحدنا أن يلج نسيج العدم لوجده‬
‫لنتعرف أوالً على األمواج العادية‪ ،‬أو ما ميكن‬ ‫كوناً فريداً متعدد األبعاد ال يشبه كوننا الـذي‬
‫تسميته بالظاهرة املوجية‪:‬‬ ‫نعيش فيه يف أي م��ن م��ق��وم��ات��ه‪ ،‬وهندسته‬
‫يف أوائل اخلمسينيات من القرن املاضي مل‬ ‫ليست كهندسة كوننا‪ ،‬فهو ع��امل نظيف من‬
‫يكن التلفاز قد غزى بيوتنا بعد حنن تالميذ‬ ‫املادة والزمان واملكان وال يقبل هبما‪ ،‬ومكوناته‬
‫املدرسة االبتدائية‪ ،‬حيث كان معظمنا من آنذاك‬ ‫خلف ما تستطيع حواسنا إدراكه فهو كون بنيتـه‬
‫من ه��واة االستماع للمذياع‪ ،‬وخاصة الربامج‬ ‫رقيقة مرهفة شفافـة ال شيء ظاهرياً فيها ‪ ..‬ال‬
‫الثقافية ذات الطابع العلمي‪ ،‬وك��ان ألحدها‬ ‫كهرباء ال مغناطيسية ال وزن ال حرارة وال برودة‬
‫أس���ل���وب ال���س���ؤال واجل�����واب جملموعة‬ ‫وال أي نوع من أنواع الطاقات أو اإلشعاعات أو‬
‫م��ن املتسابقني وك��ان ال��س��ؤال ال��ت��ايل ‪:‬‬ ‫األضواء أو األنوار ‪ ....‬القوى فيـه متفانية يلغي‬

‫‪77‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫شيء ما بداخلنا يدعونا إىل اللعب واللهو‬ ‫من الذي يسمع صوت دقات ساعة بيغ بن‬
‫ب��امل��اء ح�ين تسنح لنا الفرصة ب��ذل��ك‪ ،‬ويثري‬ ‫قبالً شخص يسري يف شوارع لندن على مقربة‬
‫حفيظتنا حنن البشر رؤية حبرة أو بركة ماؤها‬ ‫من الساعة أم شخص يف طوكيو يسمعه عن‬
‫ساكن‪ ،‬فهدوء املاء يكتنف غموضاً مثرياً للقلق‬ ‫طريق جهاز الراديو ‪ ..‬؟ وبعد أخذ ورد ‪ ..‬أتى‬
‫فـي النفس البشرية‪ ،‬وغالباً ما كنا نتطفل عليه‬ ‫اجلواب الصحيح ‪ :‬وهو أن الشخص يف طوكيو‬
‫بأن نقذف فيه حجراً صغرياً إلثارة اضطراب‬ ‫هو ال��ذي يسمع الصوت أوالً ‪ ..‬هنا شعر كل‬
‫فيه‪ ،‬ويسرح نظرنا مع األمواج الدائرية املتكونة‬ ‫مستمع بوجود خطأ يف اإلج��اب��ة‪ ،‬لكن املذيع‬
‫واملنتشرة على سطحه هب���دوء‪ ،‬ونتأمل قمم‬ ‫أكد صحة اإلجابة‪ ،‬هنا بدأت عقولنا تستغرب‬
‫و قيعان تلك األم���واج وحركتها االهتزازية‪،‬‬ ‫اإلجابة ثم تنكرها وأخرياً ترفضها‪ ،‬وأن املذيع‬
‫فنالحظ أن امل��اء ال ينتقل من مكانه بل يهتز‬ ‫قد وقع يف خطأ واض��ح فاضح الشك فيـه ‪.‬‬
‫لألعلى واألس��ف��ل وال��ط��اق��ة ه��ي ال�تي تنتقل‬ ‫حل َكمُ يف هذه القضية‬ ‫ويف اليوم التايل كان ا َ‬
‫فقط‪.‬‬ ‫املستهجنة أستاذ مدرستنا الذي كان يدرسنـا‬
‫وه��ك��ذا نشعر ب��االرت��ي��اح واالن��ش��راح لرؤية‬ ‫آنذاك كل شيء ومنها مادة األشياء ( الفيزياء يف‬
‫املاء وهو يهتز حبركة هلا مثيلهتا يف أجسامنا‬ ‫مطول‬‫هذه األيام ) ‪ .‬عندها قام أستاذنا بشـرح ّ‬
‫و أرواحنا ‪ ..‬فلألمواج يف أرواحنا ونفوسنا أثر‬ ‫لشيء امسه موجات الصوت وأخ��رى موجات‬
‫وهوى وجذور‪ ..‬فأصواتنا وأغانينا ونبض قلوبنا‬ ‫كهرطيسية‪ ،‬وطبعاً مل نفهم آن��ذاك شيئاً مما‬
‫هي أمواج‪ ،‬وصوت اإلذاعة والتلفاز وضوء النهار‬ ‫قاله األستاذ‪ ،‬واحتاج منا األمر لفهم األمواج‬
‫كلها أمواج ‪ ..‬فما أغنى كوننا هبـا !!‪.‬‬ ‫مدة تزيد على عقد من الزمن‪ ،‬وعقد آخر من‬
‫األذن هي جهاز التقاط األم��واج الصوتية‪،‬‬ ‫الزمن حتى اكتشفنا أن كل مكونات الكون مبا‬
‫وال��ع�ين جهاز استقبال األم���واج الضوئية ‪..‬‬ ‫فيه أجسامنا لسنا سوى أمواج يف أمواج جسماً‬
‫وال��دم��ـ��اغ ه��و ال���ذي ي�ترج��م تلك األحاسيس‬ ‫وذرات‪ ،‬ومع تعمقنا يف دراسة طبيعة املادة أكثر‬
‫فيسمع وي��رى ويعي‪ ،‬وامل��خ ( القشرة املخية )‬ ‫اكتشفنا ماهيتها ‪ ..‬لقد كانت موجية أيضاً‪،‬‬
‫هي اليت متلك صفة اإلدراك اليت متيز اإلنسان‬ ‫ومت ذلك خالل العقد الثالث ‪ ..‬هنا جتاوزت‬
‫عن سائر خملوقات الكون‪ ،‬طبعاً لكل جهاز يف‬ ‫خميلتنا حدود امللموس ووصلت تساؤالتنا ألبعد‬
‫جسم اإلنسـان جمال عمله التواتري‪ ،‬فاألذن‬ ‫من حدود املادة ‪ ..‬ملا هو كامن يف أعماق أعماق‬
‫تلتقط األص����وات ال�تي ت���رددت أم��واج��ه��ا أي‬ ‫املادة وبتحديد أدق ملا يقع خلـف املادة‪ ،‬مثالً هل‬
‫تواتراهتا حمصورة ما بني (‪ 20000 20‬هرتز)‬ ‫توجد عوامل أخرى ‪ ..‬؟ هل ميكن أن تكون الروح‬
‫فقط‪ ،‬وال��ع�ين ت��رى م��ن الطيف الكهرطيسي‬ ‫أمواجاً ‪ ..‬كما هي املادة أم ماذا ‪...‬؟؟؟‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪78‬‬
‫أنتجت جسيماً ‪ ..‬إلكرتوناً مثالً أو بروتوناً أو‬ ‫األل��وان السبعة فقـط وهي أل��وان قوس القزح‬
‫نرتوناً‪ ،‬وهكـذا تتوضح حقيقة اجلسيم وماهيته‬ ‫اليت تنحصر توتراته ما بني (‪15 10– 14 10‬‬
‫‪ ..‬فهو تراكب موجي كالصوف املندوف (كالعهن‬ ‫هرتز ) ‪.‬‬
‫املنفوش) وتركيب موجتني أو أكثر يعطي موجة‬ ‫أمـا األمـواج الفائقـة ‪ :‬فهي أم��واج متعددة‬
‫جديدة هلا صفات مل تكن ألي من األمواج املكونة‬ ‫األبعاد مشبعة بطريقة الرتاكب التعاكسي‪ ،‬أي‬
‫هلا ف��إذا كانت خمتفية مثالً ظهرت بالرتكيب‬ ‫يتحد فيها قاع موجة بقمة موجة أخ��رى‪ ،‬ما‬
‫وهكذا ‪ .‬وهذا ما يفسر تغري أبعاد وجود حينما‬ ‫يعطيها منوذج املوجة املستوية اليت ال قاع فيها‬
‫انبثق يف هذا الوجود ‪...‬‬ ‫وال قمم‪ ،‬وتواتراهتـا عالية ج��داً رمب��ا فاقت‬
‫لذلك كان الرتكيب املوجي هو سر كل وجود‬ ‫(‪33 10‬هرتز ) و رمبا أكثر من ذلك‪ ،‬وسعات‬
‫مادي أوال مادي‪ ،‬وما نراه حنن اليوم من أكوان‬ ‫اهتزازها رمبا هي أدق من سعة اهتزاز الوتر‬
‫(جم��رات وجنوماً وكواكب وغريها كثري ‪) ...‬‬ ‫الكوني احللقي الربين‪ ،‬وطاقاهتا مستمرة دون‬
‫وأحياء ( نبات وحيوان وإنسان ) ما هي إال‬ ‫انقطاع بكثافة متجانسة متساوية ومنتظمة‪،‬‬
‫مظاهر لتلك احلقيقة‪ ،‬وما يثبت صحة تلك‬ ‫وبالتايل ه��ي أم���واج ملساء شفافـة ال تشوه‬
‫احلقيقة علمياً ه��ي م��ع��ادل��ة ال��ع��امل إيرفني‬ ‫فيها‪ ،‬وهذا يفسر الطبيعة التناظرية املطلقة‬
‫شرودنغر اليت وضعها يف عام (‪ )1925‬واليت‬ ‫للعدم وعدم قبوله بأي مادة بداخله‪ .‬وتردداته‬
‫مسيت بامسه‪ ،‬واليت تنص صراحة على اعتبـار‪:‬‬ ‫ال ميكن التقاطها أو التحري عنها بأي وسيلة‬
‫(( كل جسيم يف هذا الكون هو حالة موجية أو‬ ‫أرضية‪ ،‬لعدم توفر أجهزة على درجة عالية من‬
‫تركيب لرزمة من األم��واج ))‪ ،‬وه��ذا ما وضح‬ ‫الدقة تعمل يف ذلك اجمل��ال من ال�ت�رددات‪ ،‬ما‬
‫دور األمواج يف تكوين جوهر املادة‪ ،‬كذلك جيب‬ ‫يدعو إىل القول إن تلك األم��واج الفائقة هي‬
‫أن ال ننسى جهود العامل لويس دوبـروي عندما‬ ‫األحرف اهلجائية األوىل يف بناء نسيج الكون‪،‬‬
‫اعرتف صراحة‪ ،‬فكان اعرتافه قانوناً سيبقى‬ ‫حيث اعتمد تكوينه على خواص تلك األمواج‬
‫راسخاً على مر الدهور‪ ،‬وهو ينـص ‪ (( :‬على‬ ‫مثل الرتكيـب والتداخـل واحليود‪ ،‬وهي مفردات‬
‫أن قلب أي جسيم دقيق ما هو إال موجة حبيث‬ ‫معروفة متاماً يف جمال علوم الفيزياء ‪ .‬ما جعل‬
‫ال يستطيع أحد أن مييّز اجلسيم عن موجته‬ ‫الظاهرة املوجية هي األوىل يف الكون‪ ،‬وحتى‬
‫املادية املواكبة له ))‪.‬‬ ‫ما كان قبل نشوء الكون وكل أشكال املادة اليت‬
‫وما نشاهده اليوم من حتمية كونية مادية‬ ‫تشكلت فيمـا بعد م��ا ه��ي إال ص��ور ومناذج‬
‫م���ا ه���ي يف احل��ق��ي��ق��ة إال ال حتمية‬ ‫لرتاكب موجي متعدد‪ ،‬حبيث إذا تقاطعت رزمة‬
‫موجية عدمية لنشبه الوجود كله وما‬ ‫من تلك األم��واج وتراكبت يف حيز فضائي ما‬

‫‪79‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫حيتويه بآلة موسيقية‪ ،‬ولنراقب ماذا يفعل‬


‫املوسيقي ليثري وتر آلتـه املوسيقية ‪ .‬فهو يقرص‬
‫الوتر الساكن بإصبعه يف نقطة منه‪ ،‬فيتولد‬
‫فيه اضطرابٌ اهتزازيٌ ال يلبث أن ينتشر يف‬
‫ك��ل ال��وت��ر بشكل م��وج��ة متقدمة‪ ،‬ث��م حيدث‬
‫هلا انعكاس على هناية الوتر لتعود من جديد‬
‫لنقطة والدهت��ا ‪ .‬وأثناء ذلك تلتقي مع غريها‬
‫من األمواج الواردة املتولـدة حديثاً وتشكل معها‬
‫موجة مستقرة واضحة للعيان بشكل مغزل أو‬
‫رمبا عدة مغازل حسـب اللحن املراد مساعه‪،‬‬
‫وبطون تلك املغازل متثل مناطق اهتزاز شديد‬
‫( نشوء كون واالهتزاز فيه على توافق أي يلتقي‬
‫القاع بالقاع والقمة بالقمة)‪.‬‬
‫وعلى طريف كل مغزل توجد نقاط ال اهتزاز‬
‫فيها تدعى عقد االهتزاز ( ال تكوين فيها لكنها‬
‫يف حالة اهتزاز شديد بسبـب تالقـي األمواج‬
‫فيها على تعاكس‪ ،‬لكنها مترر االهتزاز بكامله‬
‫الكون بالدقائق األولية مثل الكواركات لتعويض‬ ‫للمغازل ومبنتهى السهولة وتبقى هي ساكنة) ‪.‬‬
‫الفاقد منها بالتوسع الكوني وتشكل النجوم‬ ‫يثري شكل األمواج املستقرة وطريقة تشكلها‬
‫واجملرات ‪.‬‬ ‫يف أفكارنا وعقولنا تساؤالت شتى‪ ،‬مثالً ‪ :‬ملاذا‬
‫تتطابق يف الفوتون الضوئي الصفتان املادية‬ ‫ال يكون كوننا قد تشكل بطريقة مماثلة ؟؟ أي‬
‫والكهرطيسية حبيث ميكن اعتباره جسراً بيـن‬ ‫ملاذا ال يكون كوننا وكذلك مادة أجسادنا هـي‬
‫املادة واإلشعاع ‪ .‬وهو يتمتع بنوع من االنتظام‬ ‫بطن اهتزاز والفضاء هو عقدة اهتزاز ؟‬
‫والتجانس أكثر من الكوارك‪ ،‬والسبب يف ذلك‬ ‫ال��وت��ر الساكن ميثل ال��ع��دم‪ ،‬وبطونه أثناء‬
‫هو لطافـة الضغط ال��ذي خضعت له أمواجه‬ ‫اهتزازه هي أكوان مادية‪ ،‬وعقده هي فضاءات‬
‫إب��ان تشكله‪ ،‬وه��ذا عكس ما ح��دث للكـوارك‬ ‫غري خالية من االهتزاز‪ ،‬الكون هو وجودُ فراغيُ‬
‫ال��ذي عانت أمواجه أشد الضغوط ‪ .‬واملظهر‬ ‫حيتوي كل ش��يء وليس هو بشيء ( ألن اهلل‬
‫الوحيد الذي عانى منه الفوتون هو متدد طوله‬ ‫خلقه من العدم ) يضم يف حناياه كل ما أوجده‬
‫املوجي حبيث صار أكرب منه يف حالة الكوارك‬ ‫اهلل م��ن ع��دم وف��ض��اء وخ�ل�اء وذرات ومادة‬
‫بألوف امل��رات ‪ .‬ورغم أن اإللكرتون مكوّن من‬ ‫وخم��ل��وق��ات وأرواح ب���دءاً م��ن اجلسيمات ما‬
‫عدد من الكواركات لكنه يبقى أصغر من حجم‬ ‫دون الذرية إىل اجملرات واألك��وان ‪..‬كل دقيقة‬
‫الفوتون بعشرات األلوف من املرات ‪.‬‬ ‫مادية هي بطن اهتزاز ينضوي بداخلها فضاء‬
‫توجد هناك ح��االت بينية ضمن كل بطن‬ ‫شاسع ‪ .‬وهذا صحيح حتى على مستوى الكون‬
‫وضمن كل عقدة على انفراد‪ ،‬ويف هذه احلاالت‬ ‫كله‪ ،‬فالعقد متثل فضاءات بني األكوان املادية‬
‫البينية توجد عوامل وأكوان ال حصر هلا ختتلف‬ ‫صغريها وكبريها‪ ،‬وهي يف حقيقة األمر صلة‬
‫عن بعضها البعض بالرتكيب واخلواص‪ ،‬وهذا‬ ‫الوصـل بني العدم وامل��ادة ومنابع دعم وتغذية‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪80‬‬
‫الهنائية‪ ،‬ونتيجة لذلك حتطم تناظر العدم يف‬ ‫يعتمد على موضعها النسيب بني العقدة والبطن‬
‫تلك النقاط وزالت شفافيته فيها ‪.‬‬ ‫حيث تلعب نسبة العدميـة إىل املادية دوراً كبرياً‬
‫مل تلبث نواتج هذا التحطم والتشظي وبسبب‬ ‫يف حتديد خصائص تلك األك��وان‪ ،‬وطبعاً هذا‬
‫متتعها ببعض اخلواص الفائقة أن انغلقت علـى‬ ‫ينسحب أيضاً على الذرات وما دوهنا ‪ .‬فمثالً‬
‫نفسها مكونة حلقات وترية مهتزة ال متناهية‬ ‫قد تكون العناصر السائدة يف مشسنا ليست‬
‫يف الصغر دعاها العلماء ومنهم العامل انشتاين‬ ‫هي ذات العناصر املوجودة يف جنم آخر ‪ .‬قد‬
‫بـ ( الربينات )‪ ،‬والربين هو وتر حلقي مهتز برتدد‬ ‫يكون عنصر الكوارتز هو السائد يف كوكبنا‪،‬‬
‫فائق جداً وبسعة اهتزاز ال متناهية يف الصغر‪،‬‬ ‫لكن يف ك��واك��ب أخ��رى رمب��ا ك��ان عنصر آخر‬
‫انبثقـت الربينات من العدم وانتشـرت بشكل‬ ‫مثل ال��رص��اص أو احل��دي��د ه��و السائد وهذا‬
‫سحب هائلة شفافة غمرت كل الوجود وبدى‬ ‫يتبع إحداثيات موضعه يف املوجة املستقرة ‪.‬‬
‫فيها أوىل مسات التكميم والتموُّد إىل الوجود ‪.‬‬ ‫مما يفسر طبيعة األشياء البنيوية والنوعية‬
‫امتص العدم تلك الربينات يف حملة ال زمنية‪،‬‬ ‫وخواصها وصفاهتا وهكذا ‪.‬‬
‫حت��دث عنها العامل ستيفن هاوكنغ ومساها‬
‫بالزمن اخليايل أو اإلفرتاضي الذي سبق نشوء‬ ‫الصيحة ‪ ...‬الكلمة ‪ ..‬األمـر‬
‫الكون وأعطاها قيمة تعادل (‪43 –10‬جزء من‬ ‫سرى يف العدم أمر اهلل يف النشأة والتكوين‬
‫الثانية الزمنية ال��واح��دة)‪ .‬وهي تعادل الفرتة‬ ‫‪ ..‬كن فيكون ‪ ..‬فكانت صيحة اهتز هلا نقاط‬
‫الزمنية الالزمة ليقطع الضوء فيها جزءاً واحداً‬ ‫يف نسيج العدم ‪ ..‬ك��ان عليها أن تصنع كوناً‬
‫من مئة بليون جزء من قطر نواة الذرة ‪.‬‬ ‫بأمر اهلل‪ ،‬فانشطرت وجتزأت أمواجها الفائقـة‬
‫اعترب هاوكنغ أن اللمحة الزمنية ما‬ ‫فاخنفضت أبعادها إىل عدد حمدد بعد أن كانت‬

‫‪81‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫الزمن بقي خمتفياً يف أعماق امل��ادة وجمهـوالً‬


‫حيتفظ بالكثري من األس��رار ال�تي عجز العلم‬
‫والعلماء عن كشفها إىل اآلن‪ ،‬وسبب عدم متكن‬
‫العلماء من حل لغز طبيعة الزمن والتمكن منه‬
‫والسيطرة عليه هو جتاهلهم أو إنكارهم الدائم‬
‫حلقيقة األم���واج الفائقة العدمية والظواهر‬
‫املوجية الالحتمية املالزمة هلا والسائدة يف‬
‫الكون على مستوى ال��ذرة وحمتوياهتا‪ ،‬والعلم‬
‫ال��ذي دخل أعماق ال��ذرة وك��ان له هذه املأثرة‬
‫علـى غريه من العلوم هو علم امليكانيك الكوانيت‬ ‫هي إال صورة أوىل أو شكل مسبق أو منوذج‬
‫وامليكرواإللكرتوديناميك‪ ،‬والذي بدأ أسس بنائه‬ ‫أولـي للزمن احلر املطلق قبل أن تلتصق أمواجه‬
‫يف القرنني السابقني حبيث مل يعد بإمكان‬ ‫الوحيدة البعد باملادة الثالثية األبعاد‪ ،‬ألن املادة‬
‫أحد اآلن أن يتجاهلها‪ ،‬لقد كشف هذا العلم‬ ‫مل تكن قد خُلقِت بعد‪ ،‬بكلمة أخرى إن للزمن‬
‫وفتـح آفاقاً وعقوالً وأعيناً بقيت مغلقة دهوراً‬ ‫هيكلية موجية وحيدة البعد مل تظهر يف الكون إال‬
‫مديدة‪.‬‬ ‫عندما التصق الزمن باملادة وأخضعها لسطوته‪،‬‬
‫وعلى هذا تكون اللمحة هي الفرتة الزمنيـة‬ ‫وجعلها تعاني ت��غ�يرات وح��رك��ات ديناميكية‬
‫اليت سبقت تشكل الزمن احلقيقي الذي تولد‬ ‫وتتابع أح��داث مقيدة به وباملكان‪ ،‬وبدايته يف‬
‫مع االنفجار األعظم أو ما دُعيَ بالضربة الكربى‬ ‫الكون هي نفس حلظة انبثاق املادة من العدم‬
‫أدى امتصاص العدم للربينات يف الالزمن أي‬ ‫‪ ..‬صحيح أن املادة صارت جهرية جمسدة لكن‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪82‬‬
‫وضدها وبشذرات كهربائية بنوعيها ( املوجبة‬ ‫بسرعات آنية ف��وق ف��وق ضوئية الندماجها‬
‫والسالبة )‪ ،‬وفور التصاق البعد الزمنـي هبا‬ ‫معاً يف جمموعات متمايزة عن بعضها البعض‬
‫بدأت أوىل إرهاصات احلركة واألفعال املتبادلة‬ ‫فظهرت أوىل مسات التكميم والتموُّد يف الوجـود‬
‫بالظهور مثل ال��ص��دم واالرت��ط��ام والتجاذب‬ ‫وكان لكل من هذه الرتكيبات حجم أكرب بباليني‬
‫والتنافر‪ ،‬وصاحب ذلك تزايد يف صفاهتا املادية‬ ‫املرات من حجم الربين الواحد‪ ،‬دعا العلماء تلك‬
‫بسبب ماكانت تعانيه تلك النظم والرتكيبات من‬ ‫الرتكيبات بالكواركات‪ ،‬ومع ضخامة الكواركات‬
‫هرس وضغط‪ ،‬أدى لتنضد أمواجها النصفية‬ ‫بالنسبة للربينات إال أهن��ا أص��غ��ر بكثري من‬
‫الفائقة املنشطرة بأشكاهلا الوترية احللقية‬ ‫اجلسيمات العنصرية املادية املألوفة يف كوننا‬
‫داخ��ل كل ك���وارك‪ ،‬وبرتاتيب مدهشة اختذت‬ ‫اليوم مثل امليزونات والنيوترينوات ‪ ...‬حيث‬
‫أمواجها شكل شيفرات ثابتة حتدّد هوية ومسرية‬ ‫جتلت يف الكواركات صفات شبه مادية مثل‬
‫كل جسيم ظهر الحقاً يف الكون‪ ،‬ما أكسب املادة‬ ‫التقطع والتكميم املادي والكهربي يف أربعة أبعاد‬
‫سلوكاً واعياً متارس من خالله دورها يف هذا‬ ‫ثالث منها مكانية ( الطول والعرض واالرتفاع)‬
‫الوجود‪ ،‬فهي عن طريق هذا الوعي تتفاعل مع‬ ‫والبعد الرابع هو بعد زماني لصيق املادة ‪ .‬كما‬
‫غريها من املواد وتتعامل وتتالءم مع الظروف‬ ‫متتعت الكواركات خبصائص شبه مادية أخرى‬
‫احمليطة هبا حتى على مستوى الربين الواحد‪،‬‬ ‫إضافية مثل مثنوية امل���ادة (امل���ادة وضدها)‬
‫فكانت لغة أم��واج��ه��ا منظومة مشفرة ثابتة‬ ‫والكهربائية بنوعيها (املوجبة والسالبة)‪ ،‬طبعاً‬
‫المتطورة والمتغرية كشريط ( د‪ ،‬ن‪ ،‬أ ) كان‬ ‫أس��اس كل تلك املظاهر هو الظاهرة املوجية‬
‫هو اجلد األقدم للذرات وبقي على حاله القديم‬ ‫اليت استطاعت أن تفسر كل تلك الطبائع بال‬
‫منذ حلظة والدته إىل اآلن‪ ،‬وتعاملنا مع املادة‬ ‫استثناء ‪.‬‬
‫يف أي حلظة كأننا نتعامل معها حلظة انبثاقها‬ ‫اكتشف حديثاً إمكانية االنتقال بني العاملني‬
‫من العدم ‪.‬‬ ‫املادي والعدمي عرب أنفاق ومسالك دقيقة‪ ،‬أي‬
‫كذلك مت األمر بالنسبة للنصف اآلخر من‬ ‫عرب أقنية مسامية دقيقة يف نسيج الزمكان‬
‫املوجة الفائقة املنشطرة‪ ،‬حبيث أتى كل شطر‬ ‫الفضائي ( نسبية اينشتاين العامة ) تصله‬
‫يكمل اآلخر يف الكون ‪ ..‬ثنائيات متناظرة لباً‬ ‫بعالـم العدم‪ ،‬وهي أدق من حجم ال��ذرة بكثري‬
‫ومتكاملة جسداً ( مادة‪ ،‬ضد مادة )‪ ،‬األحيـاء‬ ‫ومن رتب حجم الكوارك وأترابه‪ ،‬ما يثبت أن‬
‫( ذكـر‪ ،‬أنثـى )‪ ،‬ال��روح ( روح جسدية وروح‬ ‫عملية البناء الكوني مستمرة والكون ما زال‬
‫قدسية)‪ ،‬الشحنة الكهربائية ( موجبـة‪ ،‬سالبة)‪،‬‬ ‫يتوسع ‪.‬‬
‫الضدان متناظران روحاً ومتكامالن جسداً ‪..‬‬ ‫« وال��س��م��اء بنيناها ب��أي��د وإن���ا ملوسعون‬
‫تلك هي األزواج والثنائيات اليت نراها اليوم يف‬ ‫«‪............‬‬
‫كل الكون ‪ ..‬ال��ذرة‪ ،‬اخللية احلية‪ .... ،‬إخل ‪.‬‬ ‫( قرآن كريم سورة ق ‪) 6‬‬
‫وهكـذا كان ‪:‬‬
‫« وم���ن ك���ل ش���يء خ��ل��ق��ن��ا زوج��ي�ن لعلكم‬ ‫ما قبـل االنفجـار األعظـم ‪:‬‬
‫تذكرون»‬ ‫عندما سرى أمر اهلل بالنشأة والتكوين انبعثت‬
‫( سورة الذاريات – آية ‪) 49‬‬ ‫الطاقات اهلامده من سباهتا العدمي وانشطرت‬
‫استطاعت الكواركات شبه املادية مبا‬ ‫أمواجها الفائقة لنصفني ثم جت��زأت وشكلت‬
‫لديها من طاقه وإضافة ملا اقرتضته من‬ ‫الربينات ثم مثنويات كواركية ذات صفات مادية‬

‫‪83‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫أبعاد فقط‪ ،‬وتولد من ذلك يف رحم العدم نقطة‬ ‫العدم أن تفتح أنفاقاً وأقني ًة عدمي ًة تسللت‬
‫( بيضة ) شبه عدمية كثافتها ال هنائية ‪.‬‬‫م��ن خ�لاهل��ا خل���ارج ال��ع��دم ف��ى عملية هروب‬
‫مل تدم هذه احلالة أكثر من حملة زمنية‪،‬‬ ‫مجاعية‪ ،‬ومت هلا ذلك فى حملات زمنية قليلة‬
‫رمبا صدف أن اخرتق كوارك سريع تلك البيضة‬ ‫وبسرعات هائلة رمب��ا فاقـت سرعة الضوء‬
‫فقصم ترابطها ال��داخ��ل��ي وح��ط��م متاسكها‬ ‫باليني املرات وصاحب ذلك زيادة فى ماديتها‬
‫محى‬‫وأيقظ طاقاهتا ونشَّط مكوناهتا‪ ،‬وأث��ار َّ‬ ‫فصارت أكثر حبيبية مادية ‪.‬‬
‫التفاعالت املتبادلة من تنافر وصدم وارتطام‬ ‫بعد أن حتقق للكواركات شبه املادية هروباً‬
‫وهرس‪ ،‬فغدت البيضة ملقحة مفعمة باحلركة‬ ‫مجاعياً خلارج العدم‪ ،‬تشكل ما يشبه السحابة‬
‫والنشـاط‪ ،‬ينمو يف ظالم حناياها كوناً جنيناً ‪.‬‬‫و الغمام‪ ،‬ما لبث العدم أن امتصاصها وجذهبا‬
‫عندها حدث االنفجار األعظم وتولد كوننا بكل‬ ‫لداخله بسرعات أكرب مما كانت عليه يف حالـة‬
‫أجرامه ‪.‬‬‫هروهبا اجلماعي‪ ،‬ما سبب هلا أثناء حركتها‬
‫حنو لب العدم سحقاً ضوئياً فائقاً أدى لتكاثفها‬
‫والدة الكـون‬ ‫وانضغاطها بدل أن تتحلل وتتفكك‪ ،‬فالتفاعالت‬
‫ما أشبه ميالدنا حنن البشر مبيالد كوننا‪،‬‬ ‫اليت جرت آنذاك مل تكن عكوسة البتة‪ ،‬ومتت‬
‫باجتاه واحد ال رجعة فيه‪ ،‬ووفق منهـج تركييب فنحن نعيد قصة ن��ش��أة ال��ك��ون بكاملها يف‬
‫موجي م��ادي م�وَجَّ��ه م��ن األع��ق��د لألعقد مع أجسامنا خالل تسعة أشهر فقط ‪ .‬وكذلك تفعل‬
‫التخلي عن كثري من األبعاد واالحتفاظ بأربعة األحياء األخرى تقريباً ‪ ...‬قبل حوايل عشرين‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪84‬‬
‫« والسماء بنيناها بأيد وإنا ملوسعون»‪.‬‬ ‫بليون سنة ك��ان كوننا جنيناً ينمو يف بيضة‬
‫قرآن كريم سورة ق ‪6‬‬ ‫عدمية مستقرة يف رحم العدم‪ ،‬ويف حلظة ما‬
‫بعد أول ميللي ثانية من عمر الكون‪ ،‬كان‬ ‫حدثت الوالدة بشكل انفجار هائل حتولت فيه‬
‫الكون كرة نارية بال معامل درجة حرارهتا أعلى‬ ‫طاقاته الفائقة الكامنة إىل حـرارة تقدّر بباليني‬
‫من درج��ة حـرارة مشسنا حب��وايل (‪ 30‬مليون‬ ‫الدرجات املئوية‪ .‬وانبثق من ثقب عدمي واحد‬
‫مرة )‪ ،‬وكثافتها أعلى من كثافـة معدن الرصاص‬ ‫نقطة مادية مل يكن هلا آن��ذاك أبعاد واضحة‬
‫حبوايل مخسني مليون ضعف‪ ،‬ومع بلوغ عمـر‬ ‫من الزمان واملكان‪ ،‬كثافتهـا رمبا وصلت إىل‬
‫الكون الثانية الواحدة متدد واخنفضت كثافته‬ ‫(غوغول ) (‪ )1‬مرة من كثافـة معدن الرصاص‪.‬‬
‫ب��ش��دة‪ ،‬وع��ن��دم��ا ص��ار ل��ه حجم ك��رة قطرها‬ ‫فجأة وبأمر اهلل بدأ حجم تلك النقطة اجملهرية‬
‫عشرين سنة ضوئية حتررت الدقائق ما دون‬ ‫بالتمدد جبنون حتى صار بقدر رأس الدبوس‪،‬‬
‫الذرية ‪ ..‬الربينات ثم تالها الكواركات‪ ،‬وبعد‬ ‫ثم ص��ار حبجم مث��رة الليمون‪ ،‬ثم حبجم كرة‬
‫أن نضجت الكواركات واختلطت مع الفراغ مل‬ ‫السلة‪ ،‬ثم إىل كرة نصف قطرهـا أكثر من مئة‬
‫تلبـث أن صنعت حساءً كونياً سدميياً قوامه‬ ‫بليون سنة ضوئية‪ ،‬وما زالت تلك النقطة تتوسع‬
‫النرتونات والربوتونات وااللكرتونات وغريها‪،‬‬ ‫وستبقى تتوسع إىل ما شاء اللـه ‪.‬‬
‫إذ مل تبـق تلك اجلسيمات بعيدة عن بعضها‬
‫(‪ – )1‬غوغول هو عدد = ‪ 100 10‬وهو عدد ضخم‬
‫البعض طويالً‪ ،‬وسرعان ما صارت تدور‬
‫جداً وأضخم من عدد مكونات الكون كله من الذرات‬
‫حول نفسها وحول بعضها بشكل دردوري‬
‫البالغ ‪ 80 10‬جسيم ‪8 .‬‬

‫‪85‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫(دوران البلبل) وصارت تتجمع وتتحد مشكلة‬


‫كوناً سحابياَ سدميياً قوامه ذرات أولية أحادية‬
‫الربوتون واإللكرتون هي ذرات اهليدروجني ‪.‬‬
‫كانت سرعة مت��دد الكون واخ��ت�لاط املادة‬
‫بالفراغ تفوق سرعة الضوء مباليني املرات‪ ،‬مل‬
‫تلبث تلك السرعة أن اخنفضت حتى صارت‬
‫اليوم قريبة من سرعة الضوء‪ ،‬وما يثبت صحـة‬
‫ذل��ك االدع���اء ه��و اكتشاف ن��وع م��ن األج���رام‬
‫الكونية الواقعة على حدود الكون تبث إشارات‬
‫موغلـة يف القدم تدعى ال��ك��واس��ارات‪ ،‬وأيضاً‬
‫اك��ت��ش��اف جم���رات هل��ا ح��رك��ات تباعدية عنا‬
‫بسرعات قريبة من سرعة الضوء (‪ %99‬من‬
‫سرعة الضوء)‪ ،‬وأمكن معرفة هذا األمر استناداً‬
‫لظاهرة دوبلر يف احنراف الطيف اللوني بسبب‬
‫احلركة تقتضي هذه الظاهرة على إن الطيف‬
‫الكهرطيسـي الوارد من جسم تنحـرف تردداته‬
‫حن��و ال��ت�رددات املنخفضة واألط����وال املوجية‬
‫الطويلة ( حنـو اللون األمحر)‪ ،‬بينما هي تنحرف‬
‫حنو الرتددات العالية واألطوال املوجية القصرية‬
‫( أي حنو اللون األزرق ) إذا كان اجلسم يقرتب‪،‬‬
‫وهذا صحيح أيضاً من أجل األجرام الكونية‬
‫و اجملرات البعيدة‪ ،‬كما يصح تطبيق هذه‬
‫من قبل اإللكرتون عندما يقرتب من نواة ذرته‪،‬‬ ‫الظاهرة على الصوت أيضاً ‪.‬‬
‫لكن رمبا سادت آنذاك إشعاعات كهرطيسيـة‬ ‫بقي الكون عامتاً حوايل مئة ألف سنة بعد‬
‫أولية كثرية سببها نووي وليس الكرتونياً‪ ،‬نشأت‬ ‫االنفجار األعظم وكان غري شفاف للضوء‪ ،‬إذ لـم‬
‫بسبب ح��دوث ن��وع من تركيب أم��واج مل تعان‬ ‫تكن مادة الكون آنذاك لتسمح بانتشار الضوء‬
‫أي ضغط أو سحق ضوئي شديد‪ ،‬وبالتايل مل‬ ‫عربها‪ .‬هلذا مل تتمكن املراصد الفلكية من رؤية‬
‫يكن تكاثفها غزيراً ما أبقى طبيعة هذا الرتكيب‬ ‫االنفجار األعظم للكون‪ ،‬ألنه مل يصبح شفافاً‬
‫موجياً كهرطيسياً حبتاً ال مادياً‪ ،‬حبيث بقيت‬ ‫النتشار الضوء إال بعد تلك الفرتة الزمنية‪ ،‬لعـل‬
‫تلك األمواج على بدائيتها األولية إىل اآلن‪ ،‬وهي‬ ‫سبب ذلك هو أن التمدد السريع للكون آنذاك‬
‫تنطلق ساحبة يف كل أرج��اء الكون متاماً كما‬ ‫مدّد األطوال املوجية لإلشعاعات الكهرطيسية‬
‫كانت عليه قدمياً دون أن هتدأ أو تسرتيح‪ ،‬لذلك‬ ‫ال�تي ظهرت آن���ذاك وح �وّهل��ا م��ن ض��وء مرئي‬
‫بقيت بشكل أمواج مرتاكبة مل تتصلب أو تتجمد‬ ‫ألطوال موجية ميكروية ثم ميللمرتية ثم راديوية‬
‫بفعل االنفجار األعظم‪ ،‬ومل يغريّ من طبيعتهـا‬ ‫غيـر مرئية أو رمبا حدث العكس ‪ ...‬وهكـذا ‪.‬‬
‫شيء سوى متدد الكون وتربده ‪.‬‬ ‫مل يصاحب االنفجار األعظم حلظة وقوعه أي‬
‫يف ع��ام (‪ )1965‬متكن املهندسان العاملان‬ ‫ضياء‪ ،‬ألن الضوء ال يصدر إال من فقدان طاقة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪86‬‬
‫املظلمة للكون ‪.‬‬
‫يعتقد البعض أن نوعاً من األم��واج الفائقة‬
‫انبثقت من العدم حلظة نشوء الكون باالنفجار‬
‫األعظم‪ ،‬وهي أمواج ذات بعدين ذبذبيني ونصف‬
‫بعد زمين لو أمكن إلنسان مشاهدهتا لبدت له‬
‫س��وداء اللون‪ ،‬رمبا كانت هي م��ارج النار اليت‬
‫خلق اهلل منها اجلان ‪....‬‬
‫رمبا يستغرب املرء وجود أمواج كهرطيسية‬
‫يف اللحظات األوىل لنشوء الكون‪ ،‬لذلك جيب أن‬
‫نوضح شيئاً عن األمواج الكهرطيسية بقولنا‪ ،‬إن‬
‫سبب نشوء أي موجة كهرطيسية بشكل عام هو‬
‫وجود شحنة كهربائية تتحرك حبركة سريعة‬
‫ج��داً وسرعتها متغرية بشدة ‪ .‬وه��ذه احلركـة‬
‫الرتددية للشحنة تولد حقلني أحدمها كهربائي‬
‫واآلخ���ر مغناطيسي وك�لامه��ا م�تردد ذبذبي‪،‬‬
‫ومبا أن الربينات والكواركات حيوي كل منهما‬
‫ق��دراً من الكهربية بنوعيها‪ ،‬لذلك بإمكاهنما‬
‫توليـد أمواج كهرطيسية بسهولة‪ ،‬وهذا يفسر‬
‫ظهور بنى الفوتونات الال مرئية ( ومنها مارج‬
‫النار ) وبنفس الطريقة ظهرت فيما بعد بنى‬
‫الفوتونات الضوئية املرئية بألواهنا املتعددة‪ ،‬لكن‬
‫هنا صارت تنتج من قفز شحنة كهربائية بني‬
‫مدارات الذرة هي اإللكرتون ‪ .‬وساد هذا النوع‬ ‫( بنزياس وويلسون ) يف أمريكا من اكتشاف‬
‫من الفوتونات عقب تشكل ذرات اهليدروجني‬ ‫إشعاع جمهري يرتدد صداه يف كل أرجاء الكون‪،‬‬
‫وعناصر املواد فيما بعد ‪.‬‬ ‫هو صدى صوت االنفجار األعظم الذي حدث‬
‫ُ‬
‫ك��م ك��ان��ت دهشتنا ك��ب�يرة عندما اكتشِفَ‬ ‫م��ع ب��داي��ة ن��ش��أة ال��ك��ون‪ ،‬وه��و انطلق بدرجة‬
‫ببساطة أن بنية كوننا كروية متناظرة أساسها‬ ‫حرارة مقدارها (‪ 3210‬درجة مئوية ) بكثافة‬
‫االنفجار األعظم !!‪ ،‬وأن دقائق تنبثق حالياً من‬ ‫مادية كونية هائلة رمبا بلغت حلظة االنفجار‬
‫كل جزء يف كوننا ومبعدل بروتون واحد ومليار‬ ‫بـ (‪ 8910‬مرة كثافة معدن احلديد) ‪ .‬حلظتها‬
‫فوتون وثالثة مليارات نيوترينو وذل��ك يف كل‬ ‫انتشـرت األم��واج الكهرطيسية على اختالف‬
‫ثالثني مرتاً مكعباً من الفضاء‪ ،‬لقد كان االنفجار‬ ‫أنواعها وبسرعات أكرب من سرعة تناثر شظاياه‬
‫األعظم الفرن الذي شوى القطع البناءة للكون‪،‬‬ ‫املاديـة‪ ،‬وس��رت تلك األم��واج يف فضاء درجة‬
‫فهو عمل على طهي وإنضاج وتقسية اللبنات‬ ‫حرارته آن��ذاك بني ( صفر و‪ 3‬كلفن ) فقط‪.‬‬
‫األولية ملادة الكون وهي ذرات اهليدروجني ‪.‬‬ ‫حبيث شكلت األم���واج امليكروية منها خلفية‬
‫إن أول ش��يء جيب أن نالحظه عن‬ ‫إشعاعية ال مرئية ما زال��ت ترصد إىل اآلن‬
‫الطيف الكهرطيسي هو مدى اتساعه‬ ‫ويرتدد صداها عبـر الكون كله تدعى باخللفية‬

‫‪87‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫وت��ق��ارب ذراهت���ا وارت��ف��اع درج��ة احل���رارة أدى‬ ‫اهلائل‪ ،‬وأطول موجة فيه تبلغ (‪ )2510‬مرة من‬
‫الشتعال انفجـارات نووية فيها وظهرت النجوم‪.‬‬ ‫طول أقصرها‪ .‬وإلدراك معنى هذا الرقم لنقم‬
‫احلقيقة أن النجوم هي أف��ران هائلة تُطهى‬ ‫مبقارنات قليلة‪ ،‬فمثالً عمر األرض االفرتاضي‬
‫فيها العناصر وحتـول من عناصر بسيطة إىل‬ ‫هو (‪ 4‬باليني سنة)‪ ،‬أي ما يعادل (‪ 1710‬ثانية)‪،‬‬
‫عناصر معقدة بالتفاعالت النووية واحلرارات‬ ‫لذلك اتساع الطيف الكهرطيسي وامتداده أمر‬
‫العالية ج��داً ‪ ...‬فكل ذرة يف جسدنا صنعت‬ ‫ال ميكن ختيله ‪ .‬ولو حولنا هذا الرقم (‪)2510‬‬
‫هناك ‪ ..‬يا للهول ‪.‬‬ ‫إىل ثوان لكان أكبـر من عمر األرض مبقدار مئة‬
‫ً‬
‫يف الواقع حنن نرى دوما يف صفحة السماء‬ ‫مليون مرة‪ ،‬وأننا لو مثلناه بأوراق شدة اللعب‬
‫جنوماً ومشوساً تتشكل هبذه اآللية‪ ،‬وكل يـوم‬ ‫وجعلناهـا بشكل كومـة فسوف حنصل على وتـد‬
‫تطالعنا أعمال األرص��اد الفلكية وتغنينا مبثل‬ ‫أو عمـود يصل طوله لنصف الكون‪ ،‬وحنن ال‬
‫تلك املظاهر والظواهر ‪.‬‬ ‫نرى من هذا الطيف الكهرطيسي إال مبا يعادل‬
‫إذن من الشظايا الذرية لغاز اهليدروجني‬ ‫ورقة لعب واحدة فقط‪ ،‬من هذا العمود‪ ،‬وأعيننا‬
‫تشكلت أجرام السماء‪ ،‬جنوم‪ ،‬جمرات‪ ،‬كواكب‪،‬‬ ‫ضبطت على الرؤية ضمن هذا اجملال الضيق‬
‫م���ادة ‪ ..‬امل��رئ��ي منها وال�ل�ا م��رئ��ي‪ ،‬والنجوم‬ ‫جداً ‪ ...‬فكم هي كثرية تلك العوامل اليت ال تراها‬
‫بدورها حتولت ألفران عمالقة عالية الطاقة‬ ‫أعيننـا !؟ ‪.‬‬
‫(طاقات نووية عنيفة) تُطهى فيها العناصر‬ ‫« ثم أرجع البصر كرتني ينقلب إليك البصر‬
‫املادية ألعقد منها ‪ ..‬فأوالً تندمج أربع ذرات‬ ‫خاسئاً وهو حسري « ‪....‬‬
‫هيدروجيـن لتشكل ذرة هيليوم‪ ،‬وه��ذه الذرة‬ ‫( سورة امللك ‪) 4‬‬
‫تندمج ب��دوره��ا م��ع ذرة ه��ي��دروج�ين لتشكل‬ ‫شغل الكون كله آن��ذاك سحابة هائلة من‬
‫عنصر الليثيوم ‪ ..‬و تتابع النجوم عملية الطهي‬ ‫ذرات غاز اهليدروجن‪ ،‬وكانت موزعة بتجانس‬
‫لتلك اجلسيمات يف باطنها لتحوهلا إىل ذرات‬ ‫عرب الفضاء الشاسع ‪ .‬ول��و كانت هناك عني‬
‫عناصر معدنية وغ�ير معدنية‪ ،‬وحتى ذرات‬ ‫ترى لبدا هلا وكأن الكون هو غمامة هائلة من‬
‫أجسادنا حنن تكونت يف تلك النجوم العمالقة‬ ‫دخان‪.‬‬
‫وذل��ك بعمليات ان��دم��اج هائلة أعطت ذرات‬ ‫أخذت ذرات اهليدروجني تؤثر فيما بينها‬
‫اهليليوم‪ ..‬الليثيوم‪ ..‬الربيليوم‪ ..‬احلديد ‪ ..‬إىل‬ ‫بتأثريات متبادلة من صدم وتالطم ومتاسك‬
‫آخره من عناصر اجل��دول ال��دوري الذي تكلم‬ ‫وجتاذب وتنافر‪ ،‬أدى لقيامها حبركات دوامية‬
‫عنه العامل ماندلييف‪ ،‬ويعتقد البعض أن يف‬ ‫دردوري��ة مثل البلبل ال��دوار‪ ،‬صار يتشكل منها‬
‫الكون عناصر مادية أخرى ال نعلمها ‪ .‬أي أن‬ ‫جتمعات سدميية سحابية دوام��ي��ة الشكل‬
‫ذرات أجسامنا مل تصنعها مشسنا‪ ..‬ألهنا مل‬ ‫ومتقاربة حنو الداخل وخضعت لتأثري قوتني‬
‫تصل بعد ملرحلة تصنيع مثل هذه العناصر‪،‬‬ ‫إحداها قوة جاذبة ثقالية تتجه حنو الداخل‪،‬‬
‫فما زالت مشسنا فتية شابة يف أول عمرها‪،‬‬ ‫واألخرى طاردة نابذة تتجه حنو اخلارج‪ ،‬وغالباً‬
‫وبالتايل ف��إن ذرات أجسادنا وصلت األرض‬ ‫ما كان النصر يف كثري من هذه احلاالت لصاحل‬
‫مـن انفجارات السوبر نوفا اليت حدثت قدمياً‬ ‫القوة األوىل‪ ،‬ويف هذه احلالة كان حيدث ضغط‬
‫لتلك النجوم القدمية العمالقة‪ ،‬واألرض تلقفت‬ ‫شديد على ذرات اهليدروجني وزيادة االحتكاك‬
‫نصيبها من شظايا تلك النجوم املنفجرة ‪ .‬ومن‬ ‫فيما بينها مسبباً ارتفاع درجات حرارهتا ملدى‬
‫تلك العناصر امللتقطة املادية وغري املادية ومن‬ ‫كبري جداً‪ ،‬ومـع الدوران السريع للكتلة الغازية‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪88‬‬
‫اهليدروجني‪ ،‬وتعود كما بدأت وبدت أول مرة‪،‬‬ ‫مـاء األرض وهوائها تبلورت بأمر اهلل يف طينها‬
‫رمبا كان ذلك بادياً للعيان بشكل سحب غازية‪،‬‬ ‫شكل‬‫محوض آمينية وجدائل الـ ( د ن أ ) ‪َّ ..‬‬
‫إن بقي أحد حي يف ذلك الزمن ‪.‬‬ ‫اهلل منها خاليا وخلق اإلنسان ونفخ فيه الروح‬
‫« فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبني»‪.‬‬ ‫‪ ..‬فكان آدم وح��واء ‪ ..‬وكنـا ‪ ..‬ما زلنا حنيا‬
‫( قرآن كريم الدخان ـ‪) 10‬‬ ‫االنفجار األعظم فالكون ما زال يتوسع وذرات‬
‫بعدها ت��ذوب مكونات ك��ل ال��ك��ون وتتحول‬ ‫اهليدروجني ما زال��ت تنبثق فـي أرج��اء كوننا‬
‫إىل أم��واج‪ ..‬وال تلبث أن تتجاذب هذه األمواج‬ ‫هبدوء ومبعدل ثابت لتعوّض النجوم املنتحرة‬
‫لتلتحم معاً عائدة إىل العدم ‪.‬‬ ‫ولتشكل جنوماً جديدة ‪ ..‬وهكـذا‪ .‬طبعاً يتم‬
‫« ي��وم نطوي السماء كطي السجل للكتب‬ ‫انبثاق اجلسيمات األولية املشكلة هلا من العدم‬
‫كما بدأنا أول خلق نعيده وع��داً علينا إنا كنا‬ ‫عرب أنفاق ميكروية يف نسيج الزمكان الفضائي‪،‬‬
‫فاعلني«‬ ‫وه��ي جتتازه يف حمل��ات يغدو فيها الكون كله‬
‫( قرآن كريم األنبياء ‪) 104‬‬ ‫بالنسبة هلا وكأنه مسافة تقارب قطر الذرة‬
‫من املمكن دخول عامل العدم على املستوى‬ ‫الواحدة فقط ورمبا أقل من ذلك ‪.‬‬
‫ما دون ال��ذري بالتربيد الشديد‪ ،‬فمن املعلوم‬ ‫يف هن��اي��ة ال��زم��ان كما ب��دأ اخل��ل��ق سيعود‬
‫أن الذرة هي خمزن الطاقة‪ ،‬وكل طاقة تكافىء‬ ‫للزوال ثانية‪ ،‬وهو أمر وارد حدوثه ال مرد لـه‪،‬‬
‫طاقة حرارية‪ ،‬ودرجة احلرارة املطلقة ما هي‬ ‫وكل الدراسات الكونية والفلكية تشري إىل ذلك‬
‫إال تعبري عن كميتة تلك الطاقة‪ ،‬وأبسط تلك‬ ‫بصراحة‪ ،‬لكن األمر هنا سيتم بطريقة معاكسـة‬
‫الطاقات هي طاقة اإللكرتون الذي يدور حول‬ ‫لصورة التكوين األوىل للنجوم‪ ،‬وبدل أن حيدث‬
‫ن��واة ذرت��ه‪ ،‬وعملية التربيد بشكل عام ما هي‬ ‫تكاثف لسدم غاز اهليدروجنب‪ ،‬سيحـدث أوالً‬
‫إال سحب للطاقات احلرارية من الذرة وإبطـاء‬ ‫انفجارات للنجوم وموهتا وتالشيها‪ ،‬يليها تفكك‬
‫سرعة دوران اإللكرتون‪ ،‬وعند وصول التربيد‬ ‫وتفتيت موادها لعناصرها األولية‪ ،‬أخرياً يأتي‬
‫لدرجة الصفر املطلق يتوقف اإلل��ك�ترون عن‬ ‫الزوال النهائي للمادة بطريقة االنتثار والتبعثر‬
‫الدوران ويسقط على النواة ويندمج مع الربوتون‬ ‫واالن��ط��ف��اء وبطريقة معاكسة لعملية تشكل‬
‫متعادالً معه حيث يتحوالن لنرتون معتـدل‪ ،‬ثم‬ ‫النجوم لعل سرعة حركة اجلسيمات حينئذ رمبا‬
‫ال يلبث هذا النرتون أن يتحلل ويتفكك متحوالً‬ ‫ستكون من رتب سرعات الضوء عندها تتحلل‬
‫بدوره ألمواج …‪ ..‬فائقة …‪ ..‬عدميـة ‪.‬‬ ‫الشظايا امليكروية للمادة متحولة إىل سدم غاز‬

‫‪89‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫د‪ .‬طالب عمران‬

‫دومنات ليس فيها سوى الزيتون‪.‬‬ ‫كان هشام يشعر بتوتر بالغ واحلافلة‬
‫ك��ان��ت ال��ع��ج��وز ت��ش��رف ع��ل��ى ح��راث��ت��ه��ا وتقليم‬ ‫تسري ب��ب��طء ش��دي��د وه��و يف طريق‬
‫حط عليها هذا املرض‬ ‫أشجارها بنفسها‪ ،‬حتى ّ‬ ‫العودة إىل دمشق يراقب الوضع‪ ،‬فهو‬
‫اللعني كما كانت تسميه‪..‬‬ ‫ال يريد أن يتأخر عن أمه وقد وعدها أن يعود‬
‫كانت أم هشام تعيش م��ع ابنها يف العاصمة‪،‬‬ ‫مبكراً‪..‬‬
‫وسط عناية زوجته وحبّ أوالده هلا وحلكاياهتا‬ ‫أرسلته أمه إىل القرية ليطمئن على حراثة األرض‬
‫ومعرفتها الواسعة‪..‬‬ ‫الوحيدة اليت متلكها‪ ،‬وهي أرض مبساحة عشرة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪90‬‬
‫صناديق األعضاء البديلة‬
‫‪ -‬يا أب��ا أمح��د‪ ..‬سيستمر ه��ذا االزدح���ام حتى‬ ‫«قلت لقاسم ابن املختار أن حيرثها جيداً وينظفها‬
‫محص‪ ..‬إهنا بضائع منقولة من املرفأ البحري‬ ‫من األعشاب وقد وعدني‪ ،‬اذه��ب إىل هناك يا‬
‫عندنا إىل البالد اجملاورة‪ ..‬هي حالة استثنائية‪..‬‬ ‫ول��دي واق��رأ الفاحتة على قرب أبيك ثم عاينها‪،‬‬
‫‪ -‬ال ب��أس‪ ..‬ماذا نستطيع أن نفعل ؟ شكراًَ لك‬ ‫وعاين العمل الذي قام به قاسم وأنقده أجره»‪.‬‬
‫أستاذ مازن‪..‬‬ ‫واصلت احلافلة سريها البطيء‪ ..‬وتزايد صخب‬
‫شرح املوضوع هلشام وللركاب خلف مقعده ‪..‬‬ ‫الركاب‪..‬‬
‫املشكلة أن الشاحنات تتسابق فيما بينها‪ ،‬وال‬ ‫‪ -‬ملاذا ال تلتزم الشاحنات ميني الطريق ؟‬
‫تكرتث بالسيارات األخ��رى‪ ..‬وكاد عدم االكرتاث‬ ‫‪ -‬إهنا تتسابق مع بعضها دون أن يضبطها أحد‪..‬‬
‫هذا يسبب مشكلة لدى أصحاب هذه السيارات‪..‬‬ ‫‪ -‬أمعقول أن تستمر شرطة املرور بتجاهل هذه‬
‫لذلك ق��رر أن يطلقوا (ال��زم��ور) من كل سيارة‬ ‫الفوضى ؟‬
‫حمتجني ع��ل��ى ت��ص��رف س��ائ��ق��ي الشاحنات‪..‬‬ ‫‪ -‬أمعقول ثالث ساعات وحنن مل نصل محص‬
‫وبالفعل انطلقت أص��وات (ال��زم��ام�ير) املختلفة‬ ‫بعد؟‬
‫بصوت مستمر منطلقة من أبواقها دون توقف‪..‬‬ ‫‪ -‬لو استمر الوضع هكذا قد ال نصل دمشق إالّ‬
‫ويبدو أن ذلك أحدث اهتماماً لدى بعض سائقي‬ ‫يف الواحدة بعد منتصف الليل ورمبا أكثر‪..‬‬
‫الشاحنات فسمحوا للسيارات باملرور‪ ،‬قبل أن‬ ‫‪ -‬مل��اذا ال نتحادث مع السائق‪ ،‬قد يستطيع أن‬
‫تعرتضهم قافلة أخرى سدّت كل جزر الطريق‪..‬‬ ‫يفعل شيئاً؟‬
‫عاد الزمور ينطلق من كل سيارة دون أن يلقى‬ ‫‪ -‬وما الذي سيفعله؟ لو كان مبقدوره فعل شيء‬
‫استجابة ه��ذه امل���رة‪..‬ومس���ع ه��ش��ام ج���زءاً من‬ ‫لفعله‪ ،‬فليس من مصلحته وال من مصلحة شركته‬
‫حوارات الركاب‪:‬‬ ‫أن تتأخر حافالهتم عن مواعيدها‪..‬‬
‫‪ -‬إهنا مشكلة فعالً‪ ..‬سنتأخر بالتأكيد‪..‬‬ ‫معقول أن تستمر احلافلة هبذا البطء‪ ..‬جيب أن‬
‫‪ -‬وماذا نستطيع أن نفعل‪ .‬آه‪ ..‬ينتظرونين‪ ،‬وليس‬ ‫يتكلم مع السائق رمبا كان لديه احلل ‪..‬اجتاز‬
‫لديّ هاتف ألنبههم أنين سأتأخر‪..‬‬ ‫الفسحة بني املقاعد حتّى وصل قرب السائق ‪:‬‬
‫‪ -‬ومن ينتظرك؟ أوالدك؟‬ ‫‪ -‬أتسمح يل يا كابنت ؟‬
‫‪ -‬ال‪ ..‬ابنيت وزوجها ‪ .‬يعرفون أن موعد الوصول‬ ‫‪ -‬خري يا أستاذ ؟‬
‫هو الساعة السابعة‪ ،‬اآلن جتاوزت الساعة السابعة‬ ‫‪ -‬أليس من طريقة للخالص من جتاوز الشاحنات‬
‫ومل نصل مشارف محص بعد‪..‬‬ ‫خلط سريها هبذه الطريقة املزعجة؟‬
‫‪ -‬تريدين هاتفاً نقاالً الستخدامه؟ تفضلي‪..‬‬ ‫‪ -‬مع األسف تكلّمت مع املنسّق العام يف الشركة‬
‫‪ -‬شكراً لك يابين‪ ..‬من فضلك جهّزه يل‪ ،‬ال أعرف‬ ‫قبل قليل حتدثت معه عن هذه املشكلة‪ ..‬فقال إنه‬
‫استخدامه‪..‬‬ ‫سيتصل بي بعد قليل ليطمئنين إن وجد حالً‪..‬‬
‫‪ -‬وماهو الرقم؟‬ ‫أرجو أن يعثر على حل‪ ..‬سنتأخر كثرياً إن ظ ّل‬
‫‪ -‬حلظة‪ ..‬سأفتش عنه‪..‬‬ ‫هذا االزدحام مستمراً‪ ..‬شكراً لك‪..‬‬
‫ومرّ الوقت ثقيالً بطيئاًَ‪ ،‬وغفا هشام لعدة‬ ‫رن اهلاتف النقال قرب السائق ‪:‬‬
‫دق��ائ��ق قبل أن يصحو على ضجيج يف‬ ‫‪ -‬آلو‪ ..‬نعم أستاذ مازن‪..‬‬

‫‪91‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫صناديق األعضاء البديلة‬


‫بنا أن خنرجه‪..‬‬ ‫احلافلة‪..‬‬
‫‪ -‬خت��ي�لات‪ ..‬أن��ت قلق م��ن توقف السري وعدم‬ ‫‪ -‬خري؟ ما الذي جرى؟‬
‫قدرتنا على احلركة‪..‬‬ ‫‪ -‬شاحنة تتوقف مقلوبة يف عرض الطريق‪ ،‬يبدو‬
‫‪ -‬ي��ا إهل���ي‪ ،‬ك��أن�ني أمس��ع صيحاته اآلن‪ ..‬عن‬ ‫أن حادثاً جرى هلا‪..‬‬
‫إذنك‪..‬‬ ‫‪ -‬جيب أن حيضروا رافعة إلبعادها عن الطريق‬
‫‪ -‬إىل أين؟‬ ‫على األقل‪..‬‬
‫‪ -‬سأخرج قليالً‪ ،‬أمتشى تعبت من اجللوس‪..‬‬ ‫‪ -‬يا هلذا النهار الطويل‪ ..‬الطويل‪..‬‬
‫نصف ركاب احلافلة خرجوا يتمشون‪..‬‬ ‫‪ -‬كادت الشمس تغيب‪ ،‬وحنن يف الربع األول من‬
‫دار هشام إىل الطرف اآلخر من الطريق‪ ،‬مل يكن‬ ‫الطريق‪..‬‬
‫هناك أح��د م��ن رك��اب احل��اف�لات أو السيارات‬ ‫قد يستمر التأخر عدة ساعات‪ ،‬وليس من ح ّل‬
‫املتوقفة قرب الشاحنة‪ ..‬خيل هلشام أنه يسمع‬ ‫للمشكلة كما يبدو‪..‬‬
‫صوتاً‪ ،‬فعالً‪..‬‬ ‫ً‬
‫مل يستطع أن يغفو سريعا‪ ،‬وحني غفا شعر أن‬
‫اقرتب من الشاحنة الطويلة يتفحصها‪ ،‬حياول أن‬ ‫أحداً يناديه‪ ..‬وكأنه خرج من مقعده وهبط من‬
‫يتأكد فعالً من مساعه الصوت‪ ،‬وع��اد الصوت‬ ‫احلافلة والشمس خيتفي قرصها احملمر جهة‬
‫الضعيف يرتدد‪ ..‬فاجأه صوت أجش خلفه‪..‬‬ ‫الغرب‪ ..‬مسع أنيناً‪..‬‬
‫‪ -‬ماذا تفعل هنا؟‬ ‫‪ -‬آه‪ ..‬أرجوك أنا أموت‪..‬‬
‫‪ -‬خيّل يل أنين مسعت صوتاً‪..‬‬ ‫‪ -‬أين أنت؟ ال أراك‪..‬‬
‫‪ -‬صوت؟ من ماكينة السيارة؟‬ ‫‪ -‬أنا يف الصندوق‪ ..‬أرجوك‪..‬‬
‫‪ -‬ال‪..‬ال‪ ..‬صوت تأوهات‪..‬‬ ‫‪ -‬أي صندوق ؟ الأرى شيئاً‪..‬‬
‫‪ -‬السيارة تتأمل ألهنا سقطت‪ ،‬التأوهات منها‪..‬‬ ‫‪ -‬صندوق املؤونة‪ ..‬أرجوك عجّل‪..‬‬
‫هل أنت خمبول؟ ابتعد من هنا‪..‬‬ ‫‪ -‬ياإهلي أنا أمسعك وال أعرف مكانك‪..‬‬
‫‪ -‬هل أنت سائقها؟‬ ‫‪ -‬أنا أموت‪ ،‬أرجوك عجّل‪..‬آه‪ ..‬ال أكاد أتنفس‪..‬‬
‫‪ -‬أن��ا م��راف��ق ال��س��ائ��ق‪ ..‬م��ن فضلك اذه��ب من‬ ‫أنا أختنق‪..‬‬
‫هنا‪..‬‬ ‫‪ -‬يا ناس‪ ..‬أرجوكم‪ ،‬هناك من يستنجد بنا‪ ،‬إنه‬
‫‪ -‬ملاذا تصرخ هكذا؟‬ ‫حماصر‪ ..‬حماصر تعالوا ساعدوني إلخراجه‪..‬‬
‫‪ -‬أنا مسؤول عن أمن الشاحنة‪ ،‬رمبا أنت حتاول‬ ‫صحا هشام كأنه يكاد خيتنق‪ .‬وانتبهت إليه‬
‫سرقة البضاعة؟‬ ‫جارته العجوز‪..‬‬
‫‪ -‬سرقة البضاعة؟ أص�لاً ال أع��رف شيئاً عمّا‬ ‫‪ -‬خ�ير؟ كأنك كنت تشهد ك��اب��وس�اً‪ ..‬معك حق‬
‫حتمل‪ ..‬وجئت إىل هنا ألن�ني مسعت تأوهات‬ ‫الوضع الذي حنن فيه جيلب الكوابيس‪.‬‬
‫فعالً‪..‬‬ ‫‪ -‬يا إهلي‪ ،‬معقول أن حيدث ذلك؟‬
‫‪ -‬اب��ت��ع��د ع��ن ه��ن��ا‪ ،‬ال��ش��رط��ة ق��ادم��ة سأهتمك‬ ‫‪ -‬خري؟ عن ماذا تتحدث؟‬
‫بالسرقة‪..‬‬ ‫‪ -‬رأيت كأن شخصاً حبيسا داخل أحد صناديق‬
‫ً‬
‫‪ -‬أمسعت‪ ،‬إهنا تأوهات؟‬ ‫السيارة الشاحنة املقلوبة أمامنا‪ ..‬كان يستغيث‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪92‬‬
‫صناديق األعضاء البديلة‬
‫سيدي‪ ..‬إنه قريب من هنا‪ ،‬سأناديه‪..‬‬ ‫‪ -‬هذه هتيؤات‪ ،‬مل أمسع شيئاً‪ .‬ابتعد من هنا قبل‬
‫ابتعد املعاون قليالً وهو ينادي على معلمه فالتفت‬ ‫أن أنادي الشرطة‪.‬‬
‫الضابط حنو هشام ‪:‬‬ ‫‪ -‬لن أذهب قبل أن أعرف سرّ هذه التأوهات‪..‬‬
‫ال ب��أس‪ ..‬ولكن مل��اذا تقول يا أستاذ أنك تسمع‬ ‫‪ -‬لن أتركك متر‪ ،‬سأضربك‪.‬‬
‫تأوهات؟‬ ‫‪ -‬الشرطة قادمة‪ ،‬ولن أحترك من هنا‪ ..‬يبدو أنك‬
‫ولكنّ املعاون كان حاضرا ‪ً:‬‬ ‫ختفي شيئاً شريراً‪.‬‬
‫‪ -‬إنه خيرف يا سيدي؟ معقول؟‬ ‫بدا على الرجل الغضب الشديد ‪:‬‬
‫‪ -‬بل لست أخ���رّف‪ ..‬سأحبث عن مصدر هذه‬ ‫‪ -‬انتبه إيل ج��ي��داً‪ ،‬ال تتدخل وتثرثر‪ ،‬قتلك ال‬
‫التأوهات‪..‬‬ ‫يشكل عندي مشكلة‪ ،‬أفهمت؟‬
‫‪ -‬قد يسرق البضاعة‪ ..‬لست مطمئناًَ إليه‪..‬‬ ‫‪ -‬بالتأكيد أنتم ختفون شيئاً‪ ،‬لست خائفاً منك‪..‬‬
‫‪ -‬فعالً كأنين مسعت صوت تأوهات بعيدة‪ ..‬ماذا‬ ‫سأتكلم مع آمر الدورية‪..‬‬
‫تعمل أيها الرجل؟‬ ‫إياك أن تفعل‪ ..‬أحذرك‪..‬‬
‫‪ -‬امسي هشام‪ ..‬أنا أعمل يف الصحافة‪..‬‬ ‫وحضر نقيب الشرطة يتف ّقد الوضع ‪:‬‬
‫أهالً وسهالً‪.‬‬ ‫‪ -‬أمل تصل الرافعة بعد‪..‬‬
‫وأعطى الضابط أوامره لرجاله ‪:‬‬ ‫‪ -‬ال ياسيدي‪ ..‬حنن ننتظر‪..‬‬
‫‪ -‬فتشوا الشاحنة جيداً‪ ،‬أنا أمسع أصواتا غريبة‬
‫ً‬ ‫‪ -‬وكيف قلبت وسدّت الطريق هكذا؟‬
‫منها‪..‬‬ ‫انفجر ال��دوالب األمامي‪ ،‬فمالت قليالً قبل أن‬
‫‪ -‬حاضر يا سيدي‪..‬‬ ‫تسقط على جانبها‪.‬‬
‫وانفرد املعاون بضابط الصفّ املسؤول ‪:‬‬ ‫كانت تأوهات خفيفة تنطلق من مكان قريب ‪..‬‬
‫‪ -‬مساعد ناصر‪ ..‬أنت تعرفنا جيداً‪ ..‬التقينا‬ ‫اقرتب هشام من الضابط ‪:‬‬
‫كثرياً‪..‬‬ ‫‪ -‬عفواً أيها الضابط‪ ..‬أال تسمع؟‬
‫‪ -‬أين معلمك؟‬ ‫‪ -‬أمسع ماذا؟ خري؟‬
‫ً‬
‫‪ -‬سيحضر سريعا‪ ..‬أرج��وك‪ ،‬العملية خطرية‪،‬‬ ‫تأوهات‪ ..‬إهنا تصدر عن السيارة‪..‬‬
‫يبدو أن ضابطك كبري ال��رأس‪ ،‬استمع مباشرة‬ ‫وتقدّم معاون سائق السيارة ساخرا‪ً:‬‬
‫هلذا الصحفي املخبول‪ ،‬وصدق ادعاءاته‪..‬‬ ‫‪ -‬هذا الرجل خمبول يا سيدي‪ ،‬يعتقد أن السيارة‬
‫‪ -‬ال تقلق‪ ..‬سأعرف كيف أتصرّف‪..‬‬ ‫تئن‪.‬‬
‫حلظ هشام اهلمس الدائر بني الرجلني‪ ،‬فلفت‬ ‫قال هشام بثقة ‪:‬‬
‫نظر الضابط‪ ..‬الذي رأى رجاله يفتشون الشاحنة‬ ‫‪ -‬ليس األن�ين م��ن ال��س��ي��ارة‪ ،‬ب��ل ه��و م��ن داخل‬
‫من األمام واخللف واجلانبني‪..‬‬ ‫السيارة‪ ،‬قلت إنه أنني بشري‪..‬هذا هو معاون‬
‫وبعد قليل‪ ،‬حضر السائق وكان رجالً مخسينياً‪،‬‬ ‫السائق‪..‬‬
‫أصلع الرأس ‪ ،‬سلّم على الضابط باحرتام‪..‬‬ ‫‪ -‬ها ؟ أين معلمك؟ هل هو مصاب؟‬
‫‪ -‬خري يا سيدي‪ ..‬ملاذا تفتشون؟‬ ‫ال يا سيدي ‪ ،‬خرج يتصل بأصحاب البضاعة ‪،‬‬
‫‪ -‬إجراء روتيين‪..‬‬ ‫يطمئنهم بأن كل شيء خبري‪ ..‬أنت تعرفه جيداً يا‬

‫‪93‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫صناديق األعضاء البديلة‬


‫شخص حبيس داخله‪..‬‬ ‫‪ -‬أميكن أن أشرف على التفتيش‪ ..‬لدي أجهزة‬
‫وصرخ املساعد ناصر زاجرا ‪ً:‬‬ ‫كهربائية دقيقة قد يعبثون هبا‪..‬‬
‫‪ -‬تعال بسرعة أيها الشرطي‪..‬‬ ‫‪ -‬ال بأس‪ ..‬ميكنك مرافقتهم‪..‬‬
‫‪ -‬ولكن يا سيدي‪..‬؟‬ ‫قال هشام راجياً‪:‬‬
‫‪ -‬ابتعد عن الشاحنة‪،‬قد يتهمونك بأنك تريد‬ ‫‪ -‬أتسمح يل بالبقاء معهم‪ ،‬لست مطمئناً هلذا‬
‫االستيالء على بعض بضاعتها‪..‬‬ ‫السائق‪..‬‬
‫وعاد هشام للصراخ متوجّها حنو الضابط ‪:‬‬ ‫امس��ع ي��ا أس��ت��اذ هشام ات��رك ال��رج��ال يقومون‬
‫‪ -‬هناك شخص يف هذا الصندوق‪..‬‬ ‫بواجبهم‪ ..‬وعد إىل حافلتك‪ ،‬إن كان هناك ما يثري‬
‫«أرج���وك أيها املساعد ن��اص��ر‪ ،‬أب��ع��ده م��ن هنا‪،‬‬ ‫الريبة سنكتشفه‪.‬‬
‫سيخرب بيتنا‪ ،‬لك مكافأة كبرية‪ ..‬دب��ر األمر‪،‬‬ ‫وعاد صوت التأوهات من جديد ‪:‬‬
‫أنقذنا من هذا اجملنون‪»..‬‬ ‫‪ -‬أال تسمع‪.‬؟ هناك تأوهات فعالً‪..‬‬
‫وعاد هشام يلحّ‪:‬‬ ‫‪ -‬سيكتشف رج��ايل م��ص��دره��ا‪ ..‬ه��ه‪ ..‬امسع‪،‬‬
‫‪ -‬أرجوك أيها الضابط مرهم بفتح هذا الصندوق‬ ‫أنت صحايف‪ ،‬يعين أنك فضويل‪ ،‬ال بأس ميكنك‬
‫‪ ،‬هناك شخص حبيس فيه‪..‬‬ ‫الذهاب خلف رجايل يف رحلة التفتيش‪ ..‬حاول‬
‫وكأ ّنما حسم الضابط األمر‪:‬‬ ‫أن ال تضايقهم‪..‬‬
‫‪ -‬افتح هذا الصندوق أيها السائق‪..‬‬ ‫‪ -‬شكراً لك‪..‬‬
‫قال بارتباك‪:‬‬ ‫شعر هشام أن شيئاً غري مفهوم يدور بني ناصر‬
‫‪ -‬آسف يا سيدي ليس لدي مفتاح‪..‬‬ ‫مساعد الشرطة وبني معاون سائق الشاحنة‪ ،‬وأن‬
‫ماذا تقول؟ أنت سائق السيارة‪.‬‬ ‫الشرطة يتظاهرون بالتفتيش بشكل غري جدي‪..‬‬
‫بدت التأوهات واضحة‪..‬قال هشام ‪:‬‬ ‫اقرتب حبذر شديد صوب مكان التأوهات وقد‬
‫‪ -‬أمسعتم؟‬ ‫حدّد موقعه بشكل تقرييب‪ ،‬وتذكر حلمه الغريب‪،‬‬
‫‪ -‬مساعد ناصر‪ ،‬أحضر عدّة لكسر القفل وفتح‬ ‫ك��ان ال��ص��وت خي��رج م��ن ص��ن��دوق ال��س��ي��ارة‪ ،‬فلو‬
‫الصندوق‪..‬‬ ‫صدق حلمه إذن لكان أحد الصناديق الكثرية هو‬
‫مهس املعاون‪:‬‬ ‫املكان املتوقع خروج الصوت منه‪..‬‬
‫‪ -‬أرجوك يا ناصر‪ ..‬أرجوك‪..‬‬ ‫تابع اقرتابه احلذر من السيارة‪ ،‬كان ضخامتها‬
‫متلّص ناصر‪:‬‬ ‫كقاطرة ومقطورة جعلتها وق��د س �دّت الطريق‬
‫‪ -‬ل��ي��س يل ع�لاق��ة اآلن‪ ..‬ال أستطيع القيام‬ ‫ال��واس��ع مت��ام �اً حتى وه��ي منحرفة قليالً عن‬
‫بشيء‪.‬‬ ‫ع��رض��ه‪« ..‬أع��ت��ق��د أن ال��ص��وت ي��أت��ي م��ن هذا‬
‫‪ -‬من هناك؟ من ال��ذي يتأوّه؟ مابك يا ناصر؟‬ ‫الصندوق‪ ..‬سأغامر باالقرتاب منه‪»..‬‬
‫عجّل ب��س��رع��ة‪ ..‬وأب��ع��د ه��ؤالء الفضوليني عن‬ ‫أشار ألحد رجال الشرطة ‪:‬‬
‫الشاحنة‪..‬‬ ‫‪ -‬تعال افتح هذا الصندوق‪..‬‬
‫هزّ هشام رأسه ‪:‬‬ ‫‪ -‬ملاذا؟ ماذا يف هذا الصندوق؟‬
‫‪ -‬ي��ع��ل��م اهلل أي ب��ض��اع��ة حت��م��ل��ون يف هذه‬ ‫‪ -‬أتسمع‪ ،‬هناك ت��أوه��ات تصدر عنه‪ ،‬يوجد‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪94‬‬
‫صناديق األعضاء البديلة‬
‫وبدأ يكسر القفل بقوّة ‪:‬‬ ‫الشاحنة‪..‬‬
‫‪ -‬ساعدني ألفتح الباب‪ .‬يا إهلي‪ ،‬ما هذا؟ إهنا‬ ‫‪ -‬م����اذا ت��ق��ص��د ي��ا أس���ت���اذ؟ حن��ن ن��ق��وم بعمل‬
‫امرأة مكوّمة‪ . .‬تعال أيها الضابط‪..‬‬ ‫شرعي‪..‬‬
‫‪ -‬ماذا هناك‪.‬؟ إهنا امرأة‪..‬‬ ‫ً‬
‫‪ -‬عمل شرعي؟ رمبا ختفون أشخاصا خمطوفني‪،‬‬
‫‪ -‬ه��ي��ا حن����اول إس��ع��اف��ه��ا‪ ،‬إهن���ا م��ك��م��م��ة الفم‬ ‫هتربوهنم إىل البالد اجمل���اورة‪ ..‬وه��ذا احلبيس‬
‫ومقيدة‪..‬‬ ‫واحد منهم‪..‬‬
‫‪ -‬فكوا قيدها بسرعة‪ ..‬وأزي��ل��وا الكمامة عن‬ ‫‪ -‬ماهذا التخريف؟ أرجوك اصمت‪ ..‬مل يعرف‬
‫فمها‪..‬‬ ‫معاوني كيف يتعامل م��ع��ك‪ ..‬سنعطيك مبلغاً‬
‫ومههم السائق واملعاون ‪:‬‬ ‫حمرتماً‪ ،‬اصمت وابتعد فقط‪..‬‬
‫‪ -‬خربت بيتنا أيها الصحفي ‪ ،‬لن نرتكك دون‬ ‫أنتم ختفون شيئاً خطرياً بالتأكيد‪.‬‬
‫عقاب‪..‬‬ ‫وجاء الرجال بأدواهتم ‪:‬‬
‫لن أتكلم معكما‪ ،‬القضاء سيعرف كيف حياكم‬ ‫‪ -‬أحضرنا األدوات يا سيدي‪..‬‬
‫اجملرمني‪..‬‬ ‫وأمسك السائق يد الضابط متوسّالً‪:‬‬
‫أخرجوا املرأة ‪..‬كانت تسعل بقوّة ‪:‬‬ ‫‪ -‬أتسمح يل سيدي الضابط‪..‬‬
‫‪ -‬آه‪ ..‬أكاد أموت‪..‬‬ ‫‪ -‬ماذا تريد؟‬
‫‪ -‬أعطوها بعض املاء‪ ..‬رشّوه على وجهها‪..‬‬ ‫‪ -‬دقيقة من فضلك سأحادثك على انفراد‪..‬‬
‫‪ -‬ياإهلي‪ ..‬أين أنا؟ ماالذي جرى يل؟ آه‪ ..‬كأننّي‬ ‫‪ -‬تفضل‪ ..‬هه‪ ..‬قل يل ماذا تريد؟‬
‫كنت ميتة وعدت للحياة‪..‬‬ ‫ش��ع��ر ه��ش��ام ب��ال��غ��ض��ب‪ ،‬مل���اذا ال يعمل ناصر‬
‫‪ -‬ماالذي جرى؟ وكيف وضعوك يف هذا الصندوق‬ ‫بشكل سريع‪ ،‬كسر القفل ال حيتاج هلذا الوقت‪،‬‬
‫؟‬ ‫ثم إن السائق مازال يتبادل احلديث اهلامس مع‬
‫آه‪ ..‬الأعلم شيئاً‪ ،‬كنت يف زيارة أمي يف املستشفى‪،‬‬ ‫الضابط‪ ،‬والضابط يستمع له‪..‬‬
‫خرجت ألدخن سيجارة يف احلديقة‪ ،‬كان الوقت‬ ‫مل يدر كيف اندفع حنو املساعد ناصر‪..‬‬
‫ليالً وكان املكان خالياً‪ ،‬فلم أشعر سوى بكيس‬ ‫‪ -‬اع��ط�ني امل��ط��رق��ة‪ ،‬سأكسر القفل بنفسي ‪،‬‬
‫حي��ي��ط ب��رأس��ي وي��ك��اد خي��ن��ق�ني ث��م غ��ب��ت عن‬ ‫هات‪..‬‬
‫الوعي‪..‬‬ ‫‪ -‬وما دخلك أنت؟ هذه مهمتنا‪..‬‬
‫‪ -‬ناصر قيد هذين الرجلني‪..‬‬ ‫‪ -‬هناك شخص ميوت‪ ،‬رمبا عجّل بطؤك يف خلع‬
‫قال هشام مسايراً ‪:‬‬ ‫القفل مبوته‪ ..‬هات‪..‬‬
‫‪ -‬ستصبح مشهوراً أيها الضابط‪ ،‬وقد اكتشفت‬ ‫‪ -‬ابتعد عين‪..‬‬
‫جرمية اخلطف هذه‪ ،‬سأكتب مقاالً عنك‪ ،‬ولكن‬ ‫‪ -‬لن ابتعد أبداً‪ ..‬وسأصرخ على الضابط ليأتي‬
‫ملاذا اختطفوا هذه املرأة ؟‬ ‫إىل ه��ن��ا‪ ..‬وس��أق��ول ل��ه إن��ك تتآمر م��ع السائق‬
‫‪ -‬سنحقق يف األمر‪..‬‬ ‫ومعاونه لتغطية اجلرمية‪..‬‬
‫‪ -‬إىل أي���ن ؟ ف��ت��ش��وا ص��ن��ادي��ق السيارة‬ ‫‪ -‬أي جرمية‪..‬‬
‫‪،‬الصناديق األخرى‪ ،‬رمبا قد تعثرون على‬ ‫هات‪ ..‬سرتاها بنفسك‪..‬‬

‫‪95‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫صناديق األعضاء البديلة‬


‫‪ -‬كنت على وشك االتفاق مع الضابط لوال هذا‬ ‫خمتطفني أيضاً‪..‬‬
‫الوغد‪ ،‬الصحفي‪..‬‬ ‫مههم السائق ‪:‬‬
‫هيا‪..‬هيا‪..‬‬ ‫‪ -‬سأقتلك بيدي هاتني أيها الصحفي املخبول‪..‬‬
‫أحضرمها أمام الضابط ‪:‬‬ ‫فردّ عليه هشام ‪:‬‬
‫‪ -‬سلط الضوء على وجهيهما‪ ،‬هل تعرفينهما‬ ‫‪ -‬وسأكشف كل ماتقوم به أنت وشركاؤك‪..‬‬
‫أيتها املرأة؟‬ ‫كان الناس قد جتمعوا وهم يراقبون ما تفعله‬
‫‪ -‬ياإهلي‪ ،‬أنت أيها الوغد الكبري‪..‬‬ ‫الشرطة ودنت إحدى الفتيات من هشام‪..‬‬
‫رغم ضعفها حاولت أن تنهض وتنشب أظافرها‬ ‫‪ -‬أس��ت��اذ ه��ش��ام‪ ،‬أن��ا أع��رف��ك‪ ،‬أرى ص��ورت��ك يف‬
‫يف عنق املعاون‪ ..‬وهي تصرخ‪..‬‬ ‫الصحيفة‪ ..‬وأق��رأ مقاالتك وزواي��اك‪ ..‬خري؟ ما‬
‫‪ -‬أيها الوغد الدنيء‪..‬‬ ‫الذي جيري؟‬
‫‪ -‬أبعدوها عين‪ ..‬هذه اجملنونة‪..‬‬ ‫‪ -‬أه�لاً بك يا آنسة‪ ،‬الشرطة حتقق مع سائق‬
‫‪ -‬أنا جمنونة أيها اجملرم السافل‪..‬‬ ‫الشاحنة‪..‬‬
‫‪ -‬ي��ب��دو أن ال��ق��ص��ة أص��ب��ح��ت ك��ب�يرة ي��ا أستاذ‬ ‫‪ -‬خري؟‬
‫هشام‪..‬‬ ‫‪ -‬حيمل ممنوعات كما يظهر ‪..‬‬
‫وشوش السائق‪:‬‬ ‫‪ -‬وهذه املرأة‪ ..‬كانت يف صندوق السيارة‪..‬‬
‫‪ -‬أرجوك يا سيدي‪ ،‬ستحصل على مال مل حتلم‬ ‫‪ -‬مل نعرف قصتها بعد‪ ..‬عن إذنك‪..‬‬
‫به يف حياتك‪..‬‬ ‫‪ -‬ه��ل مي��ك��ن�ني م��راف��ق��ت��ك‪ ،‬أرج�����وك‪ ،‬أري����د أن‬
‫‪ -‬أيها الوغد‪ ،‬ال تعد ملثل هذا الكالم معي‪ ،‬ستكون‬ ‫أتفرج‪..‬‬
‫عقوبتك مضاعفة‪..‬‬ ‫‪ -‬تفضلي‪ ،‬ولكن التكثري من الكالم‪ ..‬قد يتضايق‬
‫قال ناصر‪:‬‬ ‫الضابط‪..‬‬
‫‪ -‬قلت ل��ك‪ ،‬ضابطنا رج��ل صعب وغ�ير قابل‬ ‫‪ -‬امسي نورا‪ ،‬ميكنك تقدميي هلم كقريبة لك‪..‬‬
‫للمساومة‪..‬‬ ‫‪ -‬البأس يا نورا‪..‬‬
‫هه‪ ..‬أكملي حكايتك قلت إنّ امسك رحيانة‪.‬؟‪.‬‬ ‫كان الضابط حياور املرأة املتعبة ‪:‬‬
‫‪ -‬نعم يا سيّدي ‪..‬امس��ي رحيانة وأن��ا أعمل يف‬ ‫‪ -‬وملاذا اختاروك أنت ليخطفوك‪..‬‬
‫مكتب اس��ت��خ��دام‪ ،‬ح��اول ه��ذا ال��وغ��د مساوميت‬ ‫‪ -‬آه‪ ..‬ال أدري‪ ..‬رأسي يؤملين‪..‬‬
‫ألهرّب له خادمات من دول آسيوية‪ ،‬بقصد جتارة‬ ‫‪ -‬احضر الرجلني يا ناصر‪..‬السائق ومعاونه ‪..‬‬
‫األعضاء‪..‬‬ ‫حاضر يا سيدي‪..‬‬
‫‪ -‬أنت تكذبني أيتها اجملنونة‪..‬‬ ‫اقرتب منهما ناصر ‪..‬كانا منزويني يرجتفان من‬
‫‪ -‬أنا أكذب ؟ سأريك كيف سأنزل بك العقاب‬ ‫القلق ‪:‬‬
‫الالزم‪..‬‬ ‫‪ -‬هيا ال تتعباني‪..‬‬
‫‪ -‬اصمت أيها الرجل قبل أن أسجل يف الضبط‬ ‫‪ -‬مساعد ناصر ال تتخ ّل عنّا‪ ،‬سنغمرك باملال‪..‬‬
‫أنك أسأت األدب يف التحقيق‪..‬‬ ‫‪ -‬وم��اذا يف استطاعيت أن أفعل‪ ،‬لقد انكشفتما‬
‫‪ -‬سأصمت يا سيدي‪ ..‬سأصمت‪..‬‬ ‫أمام الضابط وأمام الناس‪..‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪96‬‬
‫صناديق األعضاء البديلة‬
‫أحضرناها إىل هنا من قبل‪..‬‬ ‫‪ -‬أكملي يا رحيانة‪..‬‬
‫أع��رف ذل��ك يا س��ي��دي‪ ..‬ال ب��أس سأكلمك بعد‬ ‫‪ -‬أميكن أن أذه��ب للخالء ي��ا س��ي��دي‪ ..‬أحتاج‬
‫يومني ‪..‬‬ ‫لذلك‪ ..‬أرجوك‪..‬‬
‫وضع السمّاعة ‪:‬‬ ‫‪ -‬اذهب معه يا ناصر وخذ رجلني معك‪ ،‬وإياك‬
‫‪ -‬أمسعت يا سيد عفيف؟‪.‬‬ ‫أن يهرب‪..‬‬
‫ال بأس كل شيء سيكون على ما يرام‪..‬‬ ‫‪ -‬حاضر يا سيدي‪..‬‬
‫ويف امل��رة الثانية‪ ،‬زع��م ه��ذا ال��وغ��د أن سيارة‬ ‫‪ -‬نعم يا رحيانة أكملي‪..‬‬
‫صدمتهما ومها تتعاجلان يف املستشفى‪ ،‬ثم قال‬ ‫عندما تعرفت إليه‪ ،‬كان رجالً أنيقاً‪ ،‬أغدق األموال‬
‫أخرياً إهنما ماتتا من جراء احلادث‪ ..‬وهذا ماكلّف‬ ‫على مكتبنا حبجة املساعدة‪ ،‬وقدم لنا اهلدايا‪..‬‬
‫مديري الكثري من التحقيق واملساءالت من وراء‬ ‫وق��د اطمأن له مديري فجلب له خادمتني من‬
‫البحار‪..‬‬ ‫دولة من جنوب شرق آسيا‪ ..‬واختفت اخلادمتان‬
‫‪ -‬مل تدخال البلد بطريقة شرعية‪.‬؟‬ ‫فجأة‪..‬‬
‫‪ -‬ال‪ ..‬هربتا للسيد عفيف بشكل غري شرعي‪..‬‬ ‫‪ -‬ه���ه ي���ا س��ي��د ع��ف��ي��ف‪ ،‬مل ت��ع��ث��ر ب��ع��د على‬
‫‪ -‬وماذا حدث بعد ذلك؟‬ ‫خادمتيك؟‬
‫‪ -‬جلب خادمتني عن طريقنا بعد أن كتب تعهداً‬ ‫‪ -‬ليس بعد‪..‬‬
‫ملدير املكتب‪ ،‬ثم اختفتا أيضاً‪ ،‬ومل يطالبه أحد‪،‬‬ ‫‪ -‬مندوبنا يف تلك ال��دول��ة‪ ،‬يرسل لنا الرسائل‬
‫لكون مديرنا قد مات مصدوماً حب��ادث سيارة‬ ‫والربقيات ليستفسر عنهما‪ ..‬أقول له دائماً إهنما‬
‫خميف‪ ..‬حيث ضربت سيارته‪ ،‬شاحنة مسرعة‪..‬‬ ‫خبري‪ ..‬ولكنه يصرّ على أن حتاكي كل من الفتاتني‬
‫‪ -‬وماذا حدث بعد ذلك؟‬ ‫أهلها باهلاتف‪ ..‬أنا أماطله‪ ..‬ومازلت أماطله‪..‬‬
‫‪ -‬باع أهل سيدي السابق‪ ،‬املكتب لشخص آخر‪،‬‬ ‫‪ -‬ه��ه‪ ..‬وه��ذا مبلغ آخ��ر‪ ،‬لتماطله أي��ض�اً‪ ،‬رمبا‬
‫وبقيت أعمل فيه‪ .‬وقد ح ّذرت املدير اجلديد من‬ ‫عثرنا عليهما خالل األيام املقبلة‪..‬‬
‫ه��ذا الرجل ال��وغ��د‪ ..‬وت��ك��ررت عمليات اختفاء‬ ‫‪ -‬ال بأس‪ ..‬يا سيد عفيف‪ ..‬ال بأس‪.‬‬
‫اخل���ادم���ات‪ ،‬ح��ت��ى مس��ع��ت ح��دي��ث��ه م��ع مديري‬ ‫ورنّ اهلاتف يف مكتب اإلستخدام ‪:‬‬
‫األستاذ ياسر‪ ،‬كان حديثاً هامساً أرعبين‪..‬‬ ‫‪ -‬مندوبنا يف دولة اجلزر الكثرية معك على اخلط‬
‫‪ -‬ياسيد ياسر‪ ..‬مع األسف لدي زوجة متوحشة‪،‬‬ ‫يا سيدي‪..‬‬
‫تتعامل مع اخل��ادم��ات بصورة قاسية‪ ،‬وأحياناً‬ ‫‪ -‬حسناً‪ ،‬آلو‪..‬آلو‪ ..‬يا نريب‪ ..‬كيف حالك‪.‬‬
‫تضرب اخل��ادم��ة فتبطحها أرض �اً ويستل الدم‬ ‫‪ -‬أليس من أخبار عن (فيلي) و (هيشر) ؟‬
‫من رأسها أو من أطرافها‪ ..‬حاولت عالجها بكل‬ ‫‪ -‬مها يف مكان بعيد‪ ،‬ستعودان قريباً‪..‬‬
‫الوسائل فلم أفلح‪ ..‬قتلت حتى اآلن حنو عشر‬ ‫‪ -‬أم فيلي توفيت‪ ،‬ووالدها قلق عليها‪..‬‬
‫خادمات‪..‬‬ ‫‪ -‬سأجعلها تكلمه بأقرب وقت حني تعود ورفيقتها‬
‫‪ -‬معقول؟ مل��اذا ال تتخلى عنها‪ ،‬أو مل��اذا حتضر‬ ‫من السفر‪..‬‬
‫هلا خادمات أخريات؟ مادامت تقوم هبذا‬ ‫‪ -‬أرجوك يا سيدي‪ ،‬األهل قلقون هنا‪..‬‬
‫العمل اجملرم؟‬ ‫‪ -‬مل���اذا ال��ق��ل��ق؟ مل حي���دث ح���ادث ألي خادمة‬

‫‪97‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫صناديق األعضاء البديلة‬


‫الشركة اليت تستلم مين القطع البشرية البديلة‪..‬‬ ‫‪ -‬هي ابنة عمي ومتلك كل ش��يء‪ ،‬وبامسها كل‬
‫ه��ه‪ ..‬خطرت ببايل فكرة‪ ..‬مل��اذا ال ن��زرع عيوناً‬ ‫شيء‪ ،‬أمالكي وسياراتي وأعمايل واألراضي‪ ،‬كل‬
‫زجاجية مكان العيون األصلية‪ ..‬لدينا عينات يف‬ ‫شيء بامسها‪ ،‬ماذا أفعل؟‬
‫غاية االتقان وهذا يسهل العملية‪..‬‬ ‫ً‬
‫‪ -‬مل يبد مديري ياسر مقتنعا باحلديث‪ ،‬ولكن‬
‫‪ -‬اتركين أفكر‪..‬‬ ‫حبه للمال جعله يتنازل للسيد عفيف عن أمور‬
‫‪ -‬ال بأس‪ ،‬أنا متأكد أنك ستقبل‪ ،‬هه‪ ..‬خذ هذه‬ ‫كثرية‪ ..‬خاصة وقد أغراه اآلخر بأن يشاركه يف‬
‫الدفعة على احلساب‪ ..‬املبالغ األخرى ستصلك‬ ‫بعض أعماله‪ ..‬وبدأت صحة مديري تسوء‪ ..‬وهو‬
‫حاملا تصل القطع اجلديدة‪..‬‬ ‫حتت رمحة أعماله املشرتكة مع عفيف‪ ..‬حتى‬
‫‪ -‬شكراً لك‪..‬‬ ‫مات‪..‬‬
‫«مس��ع��ت ص���وت ع��ف��ي��ف‪ ،‬وم���ا ي��ق��ول��ه الطبيب‪،‬‬ ‫‪ -‬أمر غريب‪ ..‬هه‪ ..‬أيها الشرطي؟ ملاذا مل يعد‬
‫وشعر رأس��ي يكاد يقف م��ن ال��رع��ب‪ ،‬ومسعت‬ ‫ناصر والسجني بعد؟ اذهب واستعجله‪..‬‬
‫وقع خطوات فجريت بسرعة‪ ..‬مع فتح الباب‪،‬‬ ‫‪ -‬حاضر يا سيدي‪..‬‬
‫وال أدري كيف جنوت يف تلك الساعة‪ ..‬فلو رآني‬ ‫‪ -‬حسناً‪ ،‬أكملي‪..‬‬
‫عفيف لقتلين»‪.‬‬ ‫«شاء القدر أن تدخل أمي املستشفى القريب من‬
‫‪ -‬وكيف وصلت إىل هنا؟‬ ‫بيتنا‪ ،‬وهو مستشفى خاص دخلته حبالة إسعاف‪..‬‬
‫‪ -‬ازداد خويف من عفيف‪ ،‬وشعرت أن املستشفى‬ ‫ولكوني أدخّن أحياناً‪ ،‬وأحتاج للتدخني حني أقلق‬
‫اليت ترقد فيها أمي أصبحت خطراً عليّ‪ ،‬فصرت‬ ‫أو أخاف‪ ..‬كنت أخرج كثرياً أمتشى يف املستشفى‬
‫أدخلها حبذر شديد‪ ،‬وأخ��رج منها حبذر شديد‬ ‫ويف ردهاته‪ ،‬حتى عرفين اجلميع‪ ..‬حماولة أن‬
‫حتى ال يراني أحد له صلة بعفيف‪..‬‬ ‫أخفف من الدخان ما أمكن‪ ..‬مسعت حديثاً يدور‬
‫‪ -‬وماذا حدث بعد ذلك؟‬ ‫خلف أحد األب��واب‪ ،‬وكنت أجلس على مقعد يف‬
‫ً‬
‫ازدادت حالة أمي س��وءا‪ ،‬وزاره��ا الطبيب الذي‬ ‫أحد الردهات قريبة من غرفة العمليات»‪.‬‬
‫رأي��ت��ه م��ع عفيف‪ ،‬وش��ع��رت أن أم��ي ق��د تصبح‬ ‫ً‬
‫‪ -‬يا سيد عفيف‪ ،‬العملية ليست سهلة أبدا‪..‬‬
‫ضحية من ضحاياهم‪ ،‬مل استطع إخراجها من‬ ‫قد ي��رى ذوو امليت جثمانه وه��م يغسلونه قبل‬
‫املستشفى نظراً حلالتها اخلطرة‪ ،‬وكنت أدخن‬ ‫الدفن‪..‬‬
‫يف حديقة املستشفى‪ ،‬قلقة مقهورة خائفة حني‬ ‫‪ -‬تستطيع تربير اختفاء عينيه من أن إصابة‬
‫شعرت بكيس حيط على رأس��ي‪ ،‬ليغرق فيه ثم‬ ‫مرضية فقأهتما‪..‬‬
‫غبت عن الوعي‪.‬‬ ‫‪ -‬ه��ذا غ�ير معقول‪ ،‬إال يف ح��ال��ة ك��ان املريض‬
‫واقرتب أحد رجال الشرطة راكضاً‪:‬‬ ‫جمهول األهل واإلقامة‪ ..‬أو مشرداً‪..‬‬
‫‪ -‬حبثت كثرياً مل أجد املساعد ناصر ومن معه‬ ‫‪ -‬أح��ت��اج لعشرين عيناً‪ ،‬هنالك مبالغ طائلة‬
‫وال السجني‪..‬‬ ‫تنتظرنا‪..‬‬
‫‪ -‬هذه قضية خطرية سأتكلم مع القيادة‬ ‫‪ -‬كلى‪ ،‬أكباد‪ ،‬قلوب‪ ،‬بعض الغدد‪ ..‬وغري ذلك من‬
‫ك��ان��ت ن���ورا تلتصق هب��ش��ام وه���ي ت��رجت��ف من‬ ‫أجهزة اجلسم الداخلية‪ ،‬أستطيع أن أؤمنها لك‪..‬‬
‫االنفعال‪..‬‬ ‫‪ -‬أريد عيوناً ملوتى حديثي الوفاة‪ ..‬وعدت هبا‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪98‬‬
‫صناديق األعضاء البديلة‬
‫ورج��ال يعملون معنا يف كل املنافذ‪ ،‬هم الذين‬ ‫‪ -‬أرأيت يا أستاذ هشام‪ ،‬إهنا قضية خطرية فعالً‪..‬‬
‫يساعدوننا يف التفتيش واجتياز الدوريات‪..‬‬ ‫انظر إىل سائق السيارة‪ ،‬يبدو وجهه شاحباً‪..‬‬
‫‪ -‬وم��ا قصة معاونك‪ ،‬عفيف ه��و امس��ه أليس‬ ‫‪ -‬ستكون هتمته يف غاية اخلطورة‪..‬‬
‫كذلك؟‬ ‫وجاءت رافعة ضخمة‪ ،‬لرفع الشاحنة وتعديلها‬
‫‪ -‬هو يتظاهر بأنه معاوني‪ ،‬ولكين أعمل حتت‬ ‫إلبعادها عن الطريق الذي غصّ بالسيارات إىل‬
‫امرته هو عرّاب الشركة اليت أعمل هبا‪ ،‬له قدرة‬ ‫مسافة كبرية‪..‬‬
‫كبرية على ح ّل كل املشاكل‪..‬‬ ‫كان الضابط متوتراً وقد شعر أن القضية أكرب‬
‫‪ -‬حسناً‪ ،‬وما يف هذه الصناديق؟‬ ‫من ق��درات��ه‪ ،‬خاصة أن من أرسلهم للبحث عن‬
‫ال أدري ياسيدي‪.‬‬ ‫ناصر والشرطيني‪ ،‬عثروا عليهم بني األعشاب‪،‬‬
‫وجنحوا يف حتطيم أحد الصناديق ‪:‬‬ ‫والنباتات املتطاولة وهم يتقلبون على بعد كيلو‬
‫‪ -‬سيدي إهنا حلوم جممّدة‪ ..‬ولكنها موضوعة يف‬ ‫مرتات من املنطقة‪..‬‬
‫أوان وحوهلا الثلج‪..‬‬ ‫‪ -‬ال أدري ياسيدي كيف غافلنا وه��رب‪ ،‬وحني‬
‫وجنحوا يف كسر بعض القطع الكبرية من الثلج‪،‬‬ ‫حاولنا اللحاق به وكدنا حناصره أهن��ال علينا‬
‫وظهرت أعضاء بشرية‪ ..‬حمفوظة بسوائل وحييط‬ ‫بالضرب بعصا غليظة أفقدتنا الوعي‪..‬‬
‫هبا الثلج‪..‬‬ ‫‪ -‬أنتم الثالثة ؟ معقول؟‬
‫كانت ألواح الثلج الضخمة موضوعة ضمن مواد‬ ‫‪ -‬نعم يا سيدي‪ ،‬ك��ان سريعاً مبا فيه الكفاية‬
‫حتفظها من الذوبان‪..‬‬ ‫ليتغلب علينا حنن الثالثة‪ ،‬إنه خبري مرعب يف‬
‫‪ -‬أرأيت أيها الضابط؟ يبدو أننا يف سبيل الكشف‬ ‫ميدان املصارعة‪..‬‬
‫عن عملية خطرية جداً‪..‬‬ ‫‪ -‬طيب‪..‬طيب‪ ..‬ال بأس‪.‬‬
‫قالت رحيانة ‪:‬‬ ‫ك��ان��ت ال��راف��ع��ة ال��ض��خ��م��ة ق��د أس��ق��ط��ت بعض‬
‫‪ -‬إهنم جمرمون أنذال‪ ..‬أرجوك يا سيدي صلين‬ ‫الصناديق الضخمة‪.‬‬
‫باملستشفى املركزي سأعطيك رقمه‪ ،‬أري��د أن‬ ‫‪ -‬فتشوا الصناديق بسرعة ‪..‬‬
‫أطمئن على أمي‪..‬‬ ‫كانت صناديق من الفاكهة‪ ،‬ختفي حتتها صناديق‬
‫‪ -‬البأس‪ ..‬صلها باملستشفى‪..‬‬ ‫كبرية‪..‬‬
‫حاضر يا سيدي‪..‬‬ ‫مهست نورا ‪ -:‬انظر يا أستاذ هشام‪ ،‬حياولون‬
‫وبدأت رحيانة تتكلّم ‪:‬‬ ‫فتح صندوق كبري‪ ،‬إنه مليء بالثلج‪..‬‬
‫‪ -‬غصون‪ ..‬كيف حالك ؟‬ ‫‪ -‬رمبا حوى حلوماً‪ ،‬حماطة بالثلج‪ ..‬ولكن حسب‬
‫‪ -‬أين أنت يا رحيانة؟ كيف اختفيت فجأة ؟‬ ‫حديث رحيانة رمبا كانت حتوي قطعاً من أعضاء‬
‫‪ -‬أرجوك يا غصون كيف حال أمي ؟‬ ‫البشرية‪..‬‬
‫‪ -‬أين أنت؟ ملاذا مل تأت إلينا؟‬ ‫‪ -‬ماذا هناك ؟ ماذا يف هذا الصندوق ؟‬
‫‪ -‬كيف حال أمي يا غصون؟ هل هي خبري ؟‬ ‫واهنار السائق يائساً ‪:‬‬
‫‪ -‬آسفة يا رحيانة‪ ..‬البقية يف حياتك‪..‬‬ ‫‪ -‬امسع ياسيدي أنا رجل مأمور‪ ،‬أمحل الشحنات‬
‫صرخت باكية ‪:‬‬ ‫وال أحبث يف تفاصيلها‪ ..‬هناك بوليصات شحن‬

‫‪99‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫صناديق األعضاء البديلة‬


‫مسعت صوتك يف احللم‪ ،‬تكرّر الصوت أكثر‬ ‫‪ -‬ماتت أمي يا غصون؟ يا إهلي‪ ..‬يا إهلي‪..‬‬
‫من مرة‪ ،‬عرفت أن إنساناً يعاني‪ ،‬مل أمتكن من‬ ‫‪ -‬اهدئي‪ ..‬ال أدري ماأقول لك‪ ،‬اهنارت صحتها‬
‫حتديد مكانه يف البداية‪ ..‬ال تستغربي أحالمي‬ ‫ف��ج��أة‪ ..‬ومل نستطع إسعافها‪ ،‬م��ات��ت الليلة‬
‫صادقة دوماً‪.‬‬ ‫املاضية‪ ..‬كانت تتلفظ بامسك‪..‬‬
‫وأتت األوامر العليا ‪:‬‬ ‫‪ -‬هل دفنتموها؟ دفنتم أمي‪.‬؟‪.‬‬
‫‪ -‬جيب إيقاف مجيع الشاحنات املتجهة حنو‬ ‫‪ -‬ال نعرف سواك‪ ،‬مازال جثماهنا يف الربّاد‪..‬‬
‫الشرق‪ ..‬أتتنا أوامر بتفتيشها‪..‬‬ ‫حنن ننتظرك‪..‬‬
‫سأل هشام الضابط ‪:‬‬ ‫‪ -‬أن��ا ق��ادم��ة‪ ..‬ق��ادم��ة‪ ..‬ماتت أم���ي‪ ..‬آه‪ ..‬يا‬
‫‪ -‬ي��ش� ّك��ون أي��ض �اً أن ت��ك��ون م�لأى باألعضاء‬ ‫إهلي‪..‬‬
‫البشرية اجملمّدة؟‬ ‫أص��ب��ح امل��ك��ان يعج ب��ال��ش��رط��ة‪ ،‬ورغ���م إبعاد‬
‫‪ -‬نعم يا أستاذ هشام‪..‬‬ ‫الشاحنة املقلوبة عن الطريق‪ ،‬إال أن السري ظ ّل‬
‫‪ -‬أشك أن يكون هناك شاحنة أخرى غري هذه‬ ‫واقفاً‪ ،‬والناس يتجمعون على طول الطريق يف‬
‫الشاحنة املضبوطة باجلرم املشهود‪ ،‬فالقطع‬ ‫فضول عجيب‪..‬‬
‫البشرية سلعة نادرة ‪..‬‬ ‫وانتشرت اإلشاعة أن الشاحنة مليئة باجلثث‬
‫‪ -‬معك حق‪ ،‬ولكن علينا أن نفتش كل الشاحنات‪..‬‬ ‫املربّدة‪ ..‬وكان هذا كافياً لعدم مباالة الناس بأبواق‬
‫إهنا األوامر‪..‬‬ ‫السيارات اليت كانت تقلّهم إىل العاصمة‪..‬‬
‫وجاء من يبحث عن هشام ‪:‬‬ ‫شعر هشام بالتعاطف مع رحيانة‪ ،‬وقد بدت‬
‫‪ -‬ننتظرك ‪ ،‬احلافلة ستبدأ مسريهتا‪ ،‬تأخرنا‬ ‫الصبية غارقة يف احلزن وهي ترجو الضابط‬
‫كثرياً‪..‬‬ ‫إرساهلا يف سيارة شرطة إىل املستشفى وهو‬
‫‪ -‬ط���ي���ب‪..‬ط���ي���ب‪ ..‬أت���ري���د م�ن�ي ش��ي��ئ �اً أيها‬ ‫يرجو منها أن هتدأ‪..‬‬
‫الضابط؟‬ ‫‪ -‬هوّني عليك يارحيانة‪ ،‬مازالوا حباجة إليك‬
‫‪ -‬اكتب يل رق��م هاتفك وعنوانك ي��ا أستاذ‬ ‫هنا من أجل التحقيق ‪..‬‬
‫هشام‪ ،‬للتعارف فقط‪ ،‬وشكراً لك على معاونتك‬ ‫‪ -‬جيب أن أرى أمي‪ ،‬وأسرّع بإجراءات دفنها‪..‬‬
‫لنا‪..‬‬ ‫‪ -‬أليس لك أخوة أو أخ��وات‪ ،‬ميكنك االتصال‬
‫‪ -‬وسأتصل بك ألستفسر عن نتائج التحقيق‪..‬‬ ‫هبم ملساعدتك؟‬
‫مهست رحيانة شاكرة ‪:‬‬ ‫‪ -‬أنا أصغر يف البيت وكنت لصيقة أمي‪ ،‬أخيت‬
‫‪ -‬أنا ممتنة لك‪ ،‬أنقذتين من املوت‪ ،‬ورمبا من‬ ‫يف اسرتاليا مع زوجها وأوالدها وأخوتي الثالثة‬
‫تقطيع أوصايل وبيعها‪ ،‬حبلمك العجيب‪ ،‬هذا‬ ‫يف كندا‪ ،‬منذ س��ن��وات‪ ..‬قد ال يتصل الواحد‬
‫هو رقم هاتفي‪..‬‬ ‫منهم بنا مرّة يف العام ‪..‬‬
‫ودعهم مرغماً وقد كان يرغب بالبقاء ملتابعة‬ ‫‪ -‬هوّني عليك‪..‬‬
‫نتائج ما جي��ري‪ ..‬وب��دأت احلافلة رحلتها من‬ ‫‪ -‬ولكن كيف ح��دث ومسعت تأوهاتي‪ ،‬كنت‬
‫ج��دي��د‪ ،‬وق��د كثر اللغط ب�ين ال��رك��اب‪ ،‬وتل ّقى‬ ‫حم��ص��ورة أك��اد أختنق داخ��ل ص��ن��دوق العدة‪،‬‬
‫هشام الكثري من األسئلة املستفهمة عن حقيقة‬ ‫وبالكاد أطلق تأوهاتي‪.‬؟‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪100‬‬
‫صناديق األعضاء البديلة‬
‫خمابرتك األخرية هلا وعن مشكلة االزدحام‪..‬‬ ‫ما جيري‪..‬‬
‫ّ‬
‫نعم‪ ..‬نعم‪ ..‬أن��ا قاربت على ال��وص��ول‪ ..‬حلت‬ ‫‪ -‬معقول؟ شاحنة مليئة باجلثث؟‬
‫املشكلة منذ زمن‪..‬‬ ‫‪ -‬بل إهنا منظمة إجرامية تقتل الناس وهترّب‬
‫وما إن وصل العاصمة والتقط حقيبته الصغرية‬ ‫جثثهم لالستفادة منها ‪ .‬رمبا هناك الكثري من‬
‫من رف احلافلة‪ ،‬حتى مسع رنني هاتفه النقال‪..‬‬ ‫الشاحنات‪..‬‬
‫كان الضابط هو صاحب االتصال ‪:‬‬ ‫‪ -‬احك لنا يا أستاذ ما جرى‪..‬‬
‫‪ -‬مازالت التحقيقات جارية يا أستاذ هشام‪..‬‬ ‫‪ -‬لدينا الكثري من األسئلة‪ ،‬رمبا كان باستطاعتك‬
‫هناك من يلتقط هذه األعضاء مببالغ خيالية‬ ‫اإلجابة عنها‪..‬‬
‫يف الدولة اجملاورة اليت جيثم فوقها االحتالل‪..‬‬ ‫‪ -‬قالوا إنك كنت طوال الوقت مع الشرطة‪ ،‬وإن‬
‫‪ -‬تقصد أن احملتلني ه��م م��ن ي��س�وّق��ون هذه‬ ‫صداقة تربطك بالضابط املسؤول عنهم؟‬
‫التجارة إذن؟‬ ‫‪ -‬حتى سائقنا استغرب كثرة حديثك مع الشرطة‬
‫‪ -‬نعم‪ ..‬ويف أغلب البلدان هلم الكثري من شبكات‬ ‫‪ ..‬ال بدّ وأنك ضابط يف اجلنائية‪..‬‬
‫املتعاونني‪ ..‬املسألة خطرية جداً‪..‬‬ ‫‪ -‬يا مجاعة أنا راكب عادي‪ ،‬ورمبا فضويل أكثر‬
‫‪ -‬وماذا ستفعلون أمام هذه احلقائق‪..‬‬ ‫من الالزم‪..‬‬
‫‪ -‬سأحكي لك بالتفصيل القصة‪ ،‬بعد أن جنمع‬ ‫‪ -‬حدثنا عمّا جرى إذن‪ ..‬صحيح أن امرأة كانت‬
‫خيوطها وقد قبض رجالنا على عفيف عرّاب‬ ‫حمبوسة يف الشاحنة؟‬
‫العملية قبل قليل ‪ .‬كان متنكراً يف زي امرأة‬ ‫‪ -‬نعم‪ ..‬صحيح‪ ،‬وقد أنقذناها على آخر رمق‪..‬‬
‫عجوز‪..‬‬ ‫‪ -‬وملاذا حبسوها؟‬
‫‪ -‬عظيم‪ ..‬ب��ارك اهلل ل��ك��م‪ ..‬أرج��و أن تبلغين‬ ‫‪ -‬رمبا أرادوا أال تكشف جرائمهم‪..‬‬
‫عن اجلديد باستمرار‪ ..‬على كل حال لن أترك‬ ‫‪ -‬هل هي صغرية السن؟‬
‫االتصال بك‪..‬‬ ‫‪ -‬إهنا شابة‪ ،‬وقد تبلّغت قبل قليل بوفاة أمها‪..‬‬
‫‪ -‬ل��ك فضل عظيم يف كشف م��ا ج���رى‪ ..‬مع‬ ‫‪ -‬مسكينة؟ مل تقل يل ملاذا حبسوها؟‬
‫السالمة‪ ..‬لن ننساك بالتأكيد‪..‬‬ ‫‪ -‬حسناً سأروي لكم ما رأيته باختصار‪ ..‬ولن‬
‫كانت قصة غريبة عن جتارة األعضاء البشرية‪،‬‬ ‫أريد حرفاً بعد ذلك‪ ..‬أرجوكم أنا متعب‪..‬‬
‫تقف خلفها جمموعة م��ن شبكات اجلرمية‬ ‫حكى هلم قليالً حماوالً إسكات فضوهلم‪ ،‬وشعر‬
‫املنظمة يف العامل‪ ،‬وبدعم من القوة العظمى‬ ‫بالنعاس واحلافلة تزفر ببطء بعد توقف استمر‬
‫يف العامل‪ ..‬وهي اليت كرّست خمابرها وأحباثها‬ ‫حنو أربع ساعات‪..‬‬
‫يف اهلندسة ال��وراث��ي��ة‪ ،‬على تطعيم األعضاء‬ ‫ح�ين استيقظ م��ن غفوته كانت احلافلة قد‬
‫واستنساخها وإخ��راج جيل مأفون أمحق رمبا‬ ‫وصلت مشارف دمشق وقد أيقظه رنني هاتفه‬
‫كان له دور شديد التأثري يف السنوات املقبلة‪..‬‬ ‫النقال‪..‬‬
‫دور خل��دم��ة امل��ص��احل واالس��ت��غ�لال واستعباد‬ ‫‪ -‬آلو‪ ..‬نعم‪ ..‬كيف حالك يا أمي؟‬
‫الشعوب املستضعفة يف كوكب وصلت غالبية‬ ‫‪ -‬تأخرت كثرياً يابين‪ ،‬أرج��و أن تكون مشكلة‬
‫سكانه إىل احلدود الدنيا من حق احلياة‪..‬‬ ‫االزدحام قد حلّت‪ ..‬حكت يل ميساء قليالً عن‬

‫‪101‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫هناد شريف‬

‫بأنفه احلاد وهو يراقب األفق عرب اللثام الذي‬ ‫بدت أشباحها خالل العتمة الضاربة‬
‫حيجب ك��ل وج��ه��ه ف�لا يكشف س��وى عينيه‪..‬‬ ‫وقد قبعت يف استكانة يضمها صف‬
‫وعرب التالل وكثبان الرمال املتالشية شرقاً يف‬ ‫ب��اه��ت ط��وي��ل وك��أهن��ا م��ت��وال��ي��ة من‬
‫فلول الليل الراحل مل يك يرى أي شيء ولكنه‬ ‫مقدمات املصريني القدماء حترس ممراً روحياً‬
‫أيقن بفطرته‪ ..‬وبومضة توقيت مدهشة قلما‬ ‫إىل واحد من معابدهم‪..‬وانتفض الرجل املتسربل‬
‫خدعته أنه مل خيطئ امليعاد‪ ..‬فهب يلكز الرجال‬ ‫يف السواد وهنض ليجلس القرفصاء وقد أيقظته‬
‫النائمني حوله يف شبه دائرة‪ ..‬كل بدوره‪ ..‬لكزة‬ ‫حاسة تكمن يف أعماقه وتشم اهلواء البالغ الربودة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪102‬‬
‫رقـــم ‪ 4‬يأمركـــم‬
‫التنام الليل‪ ..‬عكف مجاعة من العلماء الباريسيني‬ ‫هينة بطرف عصاته اليت كان يقلب هبا مجرات‬
‫الشبان بداخل معمل واطيء السقف يراقبون يف‬ ‫احلطب حتت إناء الشاي قبيل سباهتم دون أن‬
‫إثارة جتربة جيرهبا أستاذ متخصص على شحنة‬ ‫ينفرج لثامه عن مهسة واحدة‪..‬‬
‫مركزة ينفثها جهاز الكرتوني متقد بدار الذرة‪..‬‬ ‫ومل متر برهة من الزمان إال وك��ان الرجال‬
‫ويف حديقة احليوانات الشهرية بلندن وبفارق‬ ‫قد أخ��ذوا أهبتهم وكمل استعدادهم‪ ..‬يف حني‬
‫يف التوقيت احمللي يبلغ عشرين دقيقة وال يزيد‬ ‫انتفضت جمموعة األصنام فإذا هي طابور من‬
‫عن الزمن الذي يضم األح��داث اجلارية انطلق‬ ‫النوق البيضاء القويع يبلغ عددها مخساً وعشرين‬
‫احلارس الليلي وقد لف جسده النحيل باملعطف‬ ‫ناقة وسرعان ما حتركت القافلة والفجر يوشك‬
‫الصويف اخلشن جيوس رمبا للمرة األخرية بني‬ ‫على ال��ب��زوغ لتأخذ اجت���اه ال��غ��رب ع�بر دروب‬
‫أق��ف��اص السباع والنمور والدببة وغ�يره��ا من‬ ‫الصحراء الكربى امللتوية‪ ..‬وقد أصبحت على‬
‫ال��ض��واري‪ ..‬قبل أن ي��أوي إىل كوخه هرباً من‬ ‫مسرية ليلة أخرى من جبال احلجار حيث ترقد‬
‫وطأة الزمهريرة الذي راح يعلن يف إصرار مقدم‬ ‫يف أحضاهنا قلعة الطوارق املسماة متانراست‪..‬‬
‫الشتاء‪..‬‬ ‫وعلى التقريب يف نفس الوقت وإن اختلف‬
‫ولكن أب��دا مل تكن احليوانات هامجة هادئة‬ ‫ً‬ ‫التوقيت احمللي بساعة ونصف الساعة تأخرياً‬
‫كدأهبا يف كل ليلة‪ ..‬وإمنا وجدها متيقظة تدور‬ ‫ك��ان��ت ه��ن��اك ت��ل��ك األس����رة اإلي��ط��ال��ي��ة‪ ..‬األب‬
‫بداخل أقفاصها على الرغم من تأخر الليل وقد‬ ‫املرتهل وال��ذي ال تفصح مالحمه وجهه احملمر‬
‫اعرتاها فزع وقلق غامضان اليدري كنههما فهل‬ ‫وبشرته الشبيهة ببشرة النساء عن أعوام عمره‬
‫تراها حتس قرب وقوع الزلزال‪..‬‬ ‫اخلمسني‪ ..‬وبناته الثالث اخلمريات يف لون‬
‫ول��و نشرنا اخلريطة واجتهنا ببصرنا حنو‬ ‫فتيات مصر وجنتاهن املعمرتان املكتملتان صحة‬
‫أق��ص��ى ال��ط��رف اجل��ن��وب��ي جل��زي��رة جرينلند‬ ‫وحيوية‪ ..‬كان الرجل ونساء أسرته يغوصون إىل‬
‫املتجمدة واجتهنا ببصرنا حنو أقصى الطرف‬ ‫ركبهم بداخل جدول أسن ضيق حيتضن املبنى‬
‫اجلنوبي جلزيرة جرينلند املتجمدة الشمالية‬ ‫القديم ذا الطوابق األربعة حيث يقطنون‪ ..‬بينما‬
‫وحيث فارق التوقيت احمللي يقرب من ساعات‬ ‫يفتح على ج��دول أكثر اتساعاً يقود ب��دوره إىل‬
‫أربع للحظة الزمن السابقة الذكر وحيث أوشك‬ ‫واح��دة من أشهر قنوات مدينتهم ذات الرتاث‬
‫النهار الصيفي الطويل على املغيب‪ ..‬لوجدنا‬ ‫الفين الذائغ على مر العصور‪..‬‬
‫مجاعة ال تقل عن أربعني من رج��ال األسكيمو‬ ‫كان ستتهم منهمكني يف تزيني قارب من قوارب‬
‫املتدثرين يف معاطف من جلود حيوانات الفراء‬ ‫اجل��ن��دول اإلنسابية جبدائل ال��زه��ور واألوراق‬
‫والذين ينحدرون يف األصل من سالالت اهلنود‬ ‫امل��زرك��ش��ة املعطرة اس��ت��ع��داداً حلمل عروسني‬
‫األم��ري��ك��ي�ين وه���م يلتفون ح���ول ف���رس حبر‪..‬‬ ‫يرتقب األهايل حفل زفافهما منذ أسابيع‪..‬‬
‫يسحبون جثته الضخمة على اجلليد عن طريق‬ ‫ويف نفس حلظة ال��زم��ن م��ن مطلع الفجر‬
‫خ��ط��اف��ات ال��ت��ف��ت ح���ول رق��ب��ت��ه أو ح���ول نابيه‬ ‫الرطيب وبفارق ال ميكن للتوقيت احمللي وقد‬
‫العاجيني أو غرست يف جلده السميك‪..‬‬ ‫تلبدت الغيوم بعرض السماء مما ينذر مبطر‬
‫وقد تعالت صيحات سرب من الطيور‬ ‫وشيك يغرق الفرنسيني الالهبة اجلميلة اليت‬

‫‪103‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫رقـــم ‪ 4‬يأمركـــم‬
‫هلا بداية وال يتصور هلا هناية على ظهر كوكب‬ ‫املهاجرة تشق خواء السكون اجلاثم فوقهم‪..‬‬
‫األرض الذاخر باخللق والنماء‪ ..‬وال��ذي متيز‬ ‫وحني مت للجماعة إلقاء احليوان البالغ الثقل‬
‫بغالفه اجلوي من دون توابع الشمس الثمانية‬ ‫بعيداً عن الشاطئ املغطى بشقف الثلج وقطعه‬
‫الباقية‪ ..‬والساحبات يف فلكها ضمن جمرة سكة‬ ‫املتكسرة املتناثرة‪ ..‬تقدم زعيمهم وه��و واحد‬
‫التبانة مع املاليني من النجوم والتوابع وتوابع‬ ‫من أقصرهم قامة لو قيس بقاماهتم الواطئة‬
‫التوابع وغريها من األج��رام الفلكية عرب الكون‬ ‫وأضخمهم ب��دن�اً فأفسحوا ل��ه مكاناً بينهم‪..‬‬
‫الواسع الفسيح‪ ..‬الالهنائي‪ ..‬كان اليوم العاشر‬ ‫وحينئذ ابتسم وج��ه ال��زع��ي��م النحاسي وزاد‬
‫من اكتوبر عام ‪ ..1990‬يوماً ليس له نظري يف‬ ‫ب��روز عظام خديه والتمعت عيناه السوداوان‬
‫التاريخ وما قبل التاريخ‪ ..‬فمع مطلع ذلك اليوم‪..‬‬ ‫املنحرفتان كعيون الصينيني‪ ..‬وبسرعة رفع‬
‫ويف تلك الثانية الشاذة من مسار الزمن األزيل‪..‬‬ ‫نصل بلطته الالمع وهوى به على فرس البحر‬
‫وبطول اخلط البياني البادئ من الصحراء الكربى‬ ‫ليبدأ ذحبه ولتبدأ معه عشرات النصال احلادة‬
‫ليمر بشمال ايطاليا فشمال فرنسا فاجلنوب‬ ‫يف تقطيع الضحية املقيدة يف حني دوى عواء‬
‫الشرقي لكندا جزيرة جرينلند حتى ينتهي لدى‬ ‫عدد من كالب اهلسكي ترتقب عن بعد نصيبها‬
‫الطرف اجلنوبي الشرقي لكندا‪ ..‬يف تلك الثانية‬ ‫يف الوليمة الشهية‪..‬‬
‫الفريدة يف رهبتها بدأ حدوث الشيء الذي مل‬ ‫وب��ف��ارق حم��ل��ي ي��زي��د يف ال��ت��وق��ي��ت خبمس‬
‫يدر خبلد سكان الكرة األرضية على اإلطالق‪..‬‬ ‫ساعات ولكنه يتفق مع زمن حترك القافلة عرب‬
‫ومل تومض إمكانية وقوعه يف خياهلم قط من‬ ‫الصحراء الكربى‪ ..‬ويف إحدى ضواحي العاصمة‬
‫قبل‪..‬‬ ‫الكندية مونرتيال‪ ..‬وقد كست طبقة رقيقة من‬
‫على حني غرة انشقت السماء كما يشق قالب‬ ‫الثلج اهلش هامات عيدان القمح الذهبية اليت‬
‫ال��زب��د بنصل م��ره��ف ع��ن ال��ص��وت الغامض‪..‬‬ ‫التفت بكوخ ريفي ذي طابقني‪ ..‬فإننا نشاهد‬
‫انبثق عمودياً أو رأسياً أو من كافة االجتاهات أو‬ ‫بالطابق األرض���ي منهما ص��اح��ب ال��ك��وخ وهو‬
‫رمبا انسكب بعيداً على صفحة األرض فعكسته‬ ‫مزارع كندى املولد فارع القامة عريض الصدر‪..‬‬
‫يف حلقات موج تتسع وتتسع إىل قريب‪ ..‬وقد‬ ‫وزوجته احلسناء الشقراء وتقوم بتدرس التاريخ‬
‫انسحب ال��ص��وت ه��ام��س�اً‪ ..‬ه��ادئ �اً‪ ..‬يف حنان‬ ‫يف مدرسة جماورة‪ ..‬وابنه الكسيح الذي أقعده‬
‫احللم ولذة املخدر‪ ..‬ثم روي��داً روي��داً راح يقوى‬ ‫ش��ل��ل األط��ف��ال وه���و مل يتعد ع��ام��ه الثامن‪..‬‬
‫ويتعاىل فأصبح رخيماً‪ ..‬عميقاً‪ ..‬نفاذاً‪ ..‬وجاداً‬ ‫يرافقهم جار عجوز يقطن الكوخ التايل لكوخهم‬
‫ألقصى احلدود‪ ..‬ومسعة رجال قافلة الطوارق‬ ‫يف املنطقة نشاهدهم وقد جلس أربعتهم يتابعون‬
‫خالل سريهم احلثيث عرب متاهات الصحراء‪..‬‬ ‫عرضاً تلفزيونياً عن رع��اة البقر يف جهازهم‬
‫كما نفذ إىل أذني اإليطايل ونساء أسرته‪ ..‬وسبب‬ ‫امل��وص��ل هب��وائ��ي م���زدوج وكما ب��دا م��ن صمتهم‬
‫احلرية جلمهرة العلماء الفرنسيني‪ ..‬ومجد حركة‬ ‫ومجود قسماهتم فقد استحوذت أحداث العرض‬
‫حيوانات احلديقة الربيطانية وحارسها الليلي‪..‬‬ ‫على كل حواسهم‪..‬‬
‫وشل تفكري أفراد األسكيمو أثناء تناوهلم وليمتهم‬ ‫هكذا كانت احلياة البشرية تسري يف جمراها‬
‫النيئة‪..‬‬ ‫الطبيعي ذات يوم خالل رحلة الزمن اليت مل يعرف‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪104‬‬
‫رقـــم ‪ 4‬يأمركـــم‬
‫ي��ا سكان األرض‪ ..‬الكوكب امل��ع��روف لدينا‬ ‫أم��ا األس���رة الكندية فقد اخت���ذت ظاهرة‬
‫بالرقم ‪ 0001‬حبسب قربه من النريان املتأججة‬ ‫الصوت حياهلم أسلوباً مغايراًَ‪ ..‬فأظلمت شاشة‬
‫وتسمونه الشمس‪ ..‬ياسكان كوكب األرض‪ ..‬يا‬ ‫تلفزيوهنم دومن��ا سبب م��رة واح���دة‪ ..‬وخرست‬
‫من تطلقون على أنفسكم البشر‪ ..‬يا خملوقات‬ ‫األص��وات بداخل صندوقه األنيق لينساب بدالً‬
‫الطني املشيدة ترى اليابسة على كوكبكم القريب‬ ‫منها الصوت الغامض دون أن تصاحبه صورة‬
‫منا إنا حنن موجهي البيان جريانكم سكان كوكب‬ ‫ما‪..‬‬
‫املريخ أو التايل بعدكم يف أرقام حسابنا‪ ..‬ما كان‬ ‫ودق��ي��ق��ة وراء دق��ي��ق��ة‪ ..‬وس��اع��ة يف أعقاب‬
‫الوقت ليحني بعد لقيام أي ن��وع من االتصال‬ ‫ساعة‪ ..‬راح الصوت ي��زداد انتشاراً بني الناس‬
‫بني كوكبنا – لوجود هوة ضخمة بني حضارتنا‬ ‫بتغطيته املزيد من أحن��اء الكرة األرضية وهو‬
‫املتقدمة وبني ماترسفون فيه من ختلف فكري‬ ‫خياطب كل شعب بلغته القومية اليت يفهمها‪..‬‬
‫وتناحر عقائدي األمر الذي نراقبه بوسائلنا اليت‬ ‫وك��ان أثناء انتشاره وسريانه السريع الشامل‬
‫جتهلوهنا ‪ -‬للتنقل عرب الكون بسرعة تقارب‬ ‫بالوسائل السمعية املعروفة وغري املعروفة يعطل‬
‫سرعة الضوء‪..‬‬ ‫يف طريقه بكهرباء استاتيكية مبهمة عمل كافة‬
‫ومبعايرينا العلمية الدقيقة وكأننا نعيش بني‬ ‫أجهزة التلفون وأجهزة البث الالسلكية من راديو‬
‫ظهرانيكم‪ ..‬منذ ما قبل نشأة تقوميكم امليالدي‬ ‫وتلفزيون وأقمار صناعية وأجهزة البث الكوني‬
‫بزمان ضارب يف القدم‪ ..‬ومل يكن هناك ما يثري‬ ‫البعيد املدى ليربز من خالهلا‪ ..‬حتى دور السينما‬
‫فضولنا يف جم��ال تقدمكم احلضاري البطيء‬ ‫مل تسلم من سطوة القوى اخلفية فتوقفت آالت‬
‫وال��ذي اتسم باألنانية واستغالل حب��وث العلم‬ ‫العرض السينمائي ليمأل الصوت ميكروفونات‬
‫وتطبيقاته على بدائيتها فيما يضر جبنسكم‬ ‫ال��ت��ك��ب�ير ب��داخ��ل��ه��ا‪ ..‬يف ح�ي�ن ب���دأ التشويش‬
‫البشري أكثر مما يفيده حتى كان اكتشافهم لسر‬ ‫واالضطراب على أجهزة الرادار املنتشرة عالياً‪..‬‬
‫حتطيم الذرة ما شكل مفاجأة غري متوقعة لدينا‪،‬‬ ‫ش��يء واح��د مل متسه الكهرباء االستاتيكية‬
‫فقد جاء اكتشافكم مبكراً يسبق نضجكم الفكري‬ ‫هو أجهزة االستخدامات السلمية املتقدمة واليت‬
‫والوجداني والسيما أنتم أصالً كائنات يغلب حب‬ ‫تدار غالبيتها الكرتونياً وبالطاقة الذرية املبسطة‬
‫الذات على تصرفاهتا‪ ..‬ولعل أقرب األمثلة على‬ ‫وخاصة يف املستشفيات‪ ..‬كما مل ينقطع سريان‬
‫ختلف عقولكم هو تناسيكم أنكم مجيعاً وبال‬ ‫التيار الكهربائي باملدن‪..‬‬
‫استثناء‪ ..‬وأنتم تدرجون من املهد إىل اللحد على‬ ‫وكرر الصوت الغامض يف املبدأ قوله‪ ..‬عميقاً‬
‫تنوع ق��ارات��ك��م‪ ..‬إمن��ا تشرتكون يف سكنى جرم‬ ‫إىل اآلذان‪ ..‬بيان إىل خملوقات األرض‪ ..‬كرره‬
‫مساوي واحد هو كوكبكم األرض‪..‬‬ ‫مبدة دقائق عشر ظنها البعض عشرين أو تزيد‪..‬‬
‫وتوقف الصوت الغامض عن السريان فرتة‬ ‫ثم أخذ يف ت�لاوة البيان اآلت��ي من السماء يزج‬
‫زمنية ش��اهب��ا صفري ح���اد‪ ..‬ب��دا وك��أن��ه يتسلل‬ ‫به عرب األثري يف مقاطع جامدة‪ ..‬متتالية‪ ..‬خييل‬
‫ضاغطاً إىل أعماق اخلاليا البشرية‪ ..‬يسري‬ ‫للسامع أهنا تنفذ خالل تروس جهاز حاسب يعمل‬
‫مع سائر الدم داخل الشرايني‪ ..‬فتهتز له‬ ‫آلياً‪ ..‬أو خيرج على شريط من فوهة صندوق‬
‫األبدان‪ ..‬ترتعد وقد أوشكت على التمزق‪..‬‬ ‫للتيكريدور يف رقابه‪..‬‬

‫‪105‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫رقـــم ‪ 4‬يأمركـــم‬
‫اهليدروجني ذات املئة ميجا طن؟ بل هل جترؤون‬ ‫ثم عاد الصوت مرة ثانية جهورياً‪ ..‬مدوياً‪..‬‬
‫على ختيل ما يسببه تفجري أربعة ماليني قنبلة‬ ‫وكانت قمة أفعالكم اإلجرامية حني أجريتم‬
‫هيدروجينية من نفس النوع الشيطاني من آثار‬ ‫أول تفجري ذري فوق مدينة هريوشيما اليابانية‪..‬‬
‫مدمرة فانية ؟‬ ‫ي��وم ‪ 6‬أغسطس م��ن ع��ام ‪ 1945‬األرض وكان‬
‫ومس��ع��ت ف��رق��ع��ة مبهمة أس��ك��ت��ت الصوت‬ ‫تربيركم وقتها هلالك أكثر من ‪ 70‬ألف نسمة يف‬
‫حلظة‪ ..‬جم��رد حلظة‪ ..‬وم��ع ك��ل‪ ،‬س��واء مشلت‬ ‫ثانية واحدة إنه إمنا كان ألجل اإلنسانية املعذبة‬
‫األعاصري والزالزل أركان األرض وغلفت مساءها‬ ‫بوقف احل��رب العاملية الثانية‪ ..‬وعقب جمزرة‬
‫سحب اإلشعاع والرماد ال��ذري الداكنة‪ ..‬سواء‬ ‫هريوشيما فجرمت قنبلة ناغازاكي وكانت الثانية‬
‫هلك ماليني البشر حلظتها أو أصيبوا فيما‬ ‫واألخرية حتى اآلن‪..‬‬
‫بعد احلروق والتشوهات والعقم‪ ،‬بل حتى لو مت‬ ‫ياخملوقات كوكب األرض ودون شك مل يكن‬
‫فناء مظاهر احلياة األرضية هنائياً‪ ..‬فإن ذلك‬ ‫جتنب املزيد من القتل والدمار هو بالفعل ما‬
‫كله م��ا ك��ان يسبب لنا س��وى مزيد م��ن الرثاء‬ ‫هتدفون إىل حتقيقه ويشهد على ذلك أن املخزون‬
‫واألس��ف العميقني من أجلكم‪ ..‬فإننا على بينة‬ ‫يف خبايا أرضكم من قنابل اهليدروجني ذوات‬
‫من قدركم‪..‬‬ ‫املئة ميجا طن يف املتوسط – يبلغ أربعة ماليني‬
‫لقد حتديتم حكمة اهلل يف خلقه لكم وخلقه‬ ‫قنبلة‪ ..‬فهل لديكم على ظهر أرض��ك��م أربعة‬
‫ملا تنعمون به من أمجل وأحسن الصور فحقت‬ ‫ماليني مدينة تزيد يف حجمها عن ثالثة أضعاف‬
‫عليكم لعنته ونقمته‪ ..‬وأن��ه لعقاب أنتم حقاً‬ ‫حجم مدينة نيويورك‪ ..‬تستحق اإلفناء‪..‬؟ ‬
‫تستحقونه‪ ..‬وهو حصار بالفعل أنتم سائرون إىل‬
‫جنبه‪ ..‬هكذا نرى مصري كوكبكم جبالء بصرنا‬ ‫إن تفجري قنبلة هيدروجينية زنة ‪ 20‬ميجا طن‬
‫العلمي الفاحص املدقق والذي ال يقاس ببصركم‬ ‫ال مئة فوق مدينة كنيويورك ينتج كرة نار هائلة‬
‫املفتقر النور‪ ..‬وما كنا لنحرك ساكناً‪ ..‬من أجل‬ ‫احل��رارة قطرها ‪ 25‬كيلو م�تراً‪ ..‬ويعلو التفجري‬
‫محقكم‪..‬‬ ‫سحابة ع��ش غ���راب إىل ارت��ف��اع ‪ 9‬كيلومرتات‬
‫لوال أن هالككم يا خملوقات األرض فيه أكرب‬ ‫وعلى الفور تدمر املدينة بأكملها ويهلك غالبية‬
‫اخلطر على خملوقات كوكبنا حنن‪ ..‬بل رمبا فيه‬ ‫سكاهنا‪ ..‬ثم يندلع حريق مريع متحو نريانه يف‬
‫هالك خملوقاتنا أيضاً‪..‬‬ ‫الدقائق التالية بقية األحياء العالية باملدينة‪..‬‬
‫وقطع تالوة البيان صوت آخر له نغمة رفيعة‬ ‫وخالل ساعات تتسع دائرة اإلشعاعات املباشرة‬
‫صارخة‪ ..‬بتارة الوقع‪..‬‬ ‫للطاقة العالية وهتطل األمطار الذرية فيتساقط‬
‫بال أي مناسبة احتل الصوت اجلديد مكان‬ ‫املزيد من البشر بل إن الناس ميوتون على بعد‬
‫األول وأخذ يبث بدله طبقات من اإليقاع الوتري‬ ‫‪ 300‬كيلومرت من موضع االنفجار‪ ..‬أم��ا بقايا‬
‫تصحبه نبضات من نفخ األب��واق خيل للعلماء‬ ‫اإلشعاعات اليت حتملها الرياح ملسافات شاسعة‬
‫م��ن السامعني… أن���ه… ق��د ي��ك��ون لغة م��ا… غري‬ ‫فال يعلم مدى ما تشيعه من خراب إال اهلل‪..‬‬
‫معروفة ألهل األرض… على أن األمر مل يستمر‬ ‫ه���ذا م��ا يفعله االن��ش��ط��ار ال���ن���ووي لقنبلة‬
‫طويالً فسرعان ما عاد الصوت األول‪ ..‬واختفى‬ ‫اهليدروجني ذات العشرين ميجا طن يا خملوقات‬
‫الثاني‪..‬‬ ‫كوكب األرض‪ ..‬فهل تقدرون عواقب تفجري قنبلة‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪106‬‬
‫رقـــم ‪ 4‬يأمركـــم‬
‫بالغة التقدم واالزدهار‪ ..‬وأن خملوقاته قاموا بعدة‬ ‫ولتوضيح بياننا وتقريبه إىل أذه��ان��ك��م يا‬
‫حماوالت سابقة لالتصال باملريخ بينما كان أهله‬ ‫خملوقات األرض فإننا نسوق الواقعة التالية‬
‫يصعدون أوىل درجاهتم احلضارية‪ ..‬كما قاموا‬ ‫وال�تي بالقطع جتهلون كل شيء عنها لوقوعها‬
‫بتفقد أحناء كوكبكم األرضي عدة مرات واألجدر‬ ‫يف زمن غابر يسبق بدء التدوين التارخيي لديكم‬
‫بكم اآلن‪ ..‬أن تصدقوا القانون ال��ذي ن��ادى به‬ ‫بتسعمئة أل��ف ع���ام‪ ..‬أم��ا حن��ن فإننا نتوارث‬
‫أواخ��ر القرن ‪ 18‬األرض��ي العامل األملاني (بود)‬ ‫روايتها ودراسة ما ترتب عليها‪ ..‬وال تزال نعيا‬
‫ويقول إن التناسق الكوني الكامل يف املسافات‬ ‫إىل يومنا‪ ..‬ففي أعمق أعماق الزمن السحيق‪..‬‬
‫واملتوالية العددية ألبعاد الكواكب عن الشمس‬ ‫ح�ين كانت طفرة احل��ي��اة تأخذ أوىل أشكاهلا‬
‫يشري حبتمية وجود كوكب بني املريخ واملشرتي‬ ‫على حواف قارئكم الوحيدة حينذاك بكوكبكم‬
‫يبعد عن الشمس ‪ 2,8‬وحدة فلكية ولكن كيف‬ ‫األرض��ي ووس��ط دوام��ة فورانه وع��دم استقراره‬
‫اختفى الكوكب رقم ‪ / 5 /‬من الوجود‪..‬؟‬ ‫ومتزق قارته الكبرية إىل ق��ارات ست مل تتضح‬
‫مبنتهى الوضوح والبساطة‪ ..‬فقد قامت حرب‬ ‫معاملها بعد وبينما كوكبكم األرضي يدور حول‬
‫نووية مباغتة بني خملوقات الكوكب اخلامس‬ ‫أمه النريان املتأججة يف فلكه املرسوم كانت هناك‬
‫بعضهم البعض فشملت سطحه بأكمله‪ ..‬ويف‬ ‫بالفعل تسعة كواكب سيارة غريه تلف بدورها يف‬
‫أثناء محى احلرب الصاعقة اليت مل تدم غري أربع‬ ‫مساراهتا حول النجم العظيم النريان املتأججة أو‬
‫وثالثني ساعة فحسب مت تفجري ‪3,700,000‬‬ ‫الشمس كما تسمونه فكأن اجملموعة الشمسية‬
‫قنبلة هيدروجينية من زنة الواحدة ‪ 100‬ميجا‬ ‫كانت تضم حينذاك وحبسب القرب إىل قرصها‬
‫طن فكانت النتيجة الرهيبة انفجار الكوكب رقم‬ ‫املستعر الكواكب‪ ..‬عطارد ورقمه ‪ 1‬لدينا‪ ..‬يليه‬
‫‪ 5‬وتفتته إىل ‪ 55‬ألف كويكب اختفى منها ‪ 5‬آالف‬ ‫الزهرة ‪ 002‬فأرضكم ‪ 003‬فمرخينا ‪ 004‬فرقم‬
‫يف متاهات الكون‪..‬‬ ‫‪ 005‬فاملشرتي ‪ 006‬فزحل ‪ 007‬فأورانوس ‪008‬‬
‫هذا يا خملوقات كوكب األرض ما حدث ذات‬ ‫فنبتون ‪ 009‬فبلوتو ‪0010‬‬
‫يوم منذ مليون وألف عام يف اجلزء من اجملموعة‬ ‫ً‬
‫وقد تتساءلون‪ :‬كيف حددنا وج��ودا لكوكب‬
‫الشمسية بني املريخ وامل��ش�تري‪ ..‬وهو نفس ما‬ ‫أعطيناه رقم ‪ 5‬فيما بني كوكيب املريخ واملشرتي؟‬
‫ينتظر ح��دوث��ه يف اجل��زء ب�ين امل��ري��خ والزهرة‬ ‫بينما الثابت رصده من خرائطكم الفلكية لنفس‬
‫وحيث تسبح أرضكم التعسة‪..‬‬ ‫املنطقة‪ ..‬إمن��ا هو وج��ود جمموعة الكويكبات‬
‫ق��ال واح��د م��ن ال��ن��اس إن ال��ص��وت الغامض‬ ‫وعددها ‪ 50‬ألف كويكب‪.‬؟‬
‫ال يأتيه من السماء‪ ..‬أب��داً‪ ..‬وإمنا هو ينبع من‬ ‫إن حقيقة وجود الكوكب اخلامس هي حقيقة‬
‫أعماق جسده‪ ..‬من حتت حجابه احلاجز‪ ..‬من‬ ‫ثابتة وقاطعة لدينا فقد شاهده وق��ام برصده‬
‫بني أضلعه‪ ..‬وق��ال آخ��رون بل هو يأتيهم من‬ ‫علماؤنا القدامى ‪ ..‬وأمجعوا يف حبوثهم وكتاباهتم‬
‫اخلارج من بعيد‪ ..‬ولكنه يتسلل برغمهم‪ ..‬إىل‬ ‫على أنه كان أمجل من األرض يف تناسق قاراته‬
‫أغوار أرواحهم‪ ..‬وأمجع الكل على أن بشرهتم‪..‬‬ ‫العشر وزرقة حباره وحميطاته‪ ..‬وأن خملوقاته‬
‫مساهم قد حتولت بالفعل إىل أدوات تستقبل‬ ‫كانوا فارعي الطول ومعمرين على املرخييني وأنه‬
‫الصوت حساسية مطلقة‪..‬‬ ‫كان أكثر كواكب اجملموعة الشمسية هباء ووفرة يف‬
‫ول��ن ن�ترك حن��ن امل��أس��اة تتكرر هذه‬ ‫ثرواته وخرياته‪ ،‬ثم األهم أن احلضارة عليه كانت‬

‫‪107‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫رقـــم ‪ 4‬يأمركـــم‬
‫معكم تصرف آخ��ر ال جم��ال لذكره إذا مل تدع‬ ‫املرة‪..‬‬
‫احلاجة الختاذه‪..‬‬ ‫لن نرتككم يا خملوقات األرض تعيدون متثيل‬
‫ً‬
‫وصمت الصوت الغامض أخريا بعد إلقاء بيانه‬ ‫املهزلة على مسرحكم البائس‪..‬‬
‫الطويل الذي مل تسمع مبثله أذن واحد من أهل‬ ‫وإن��ا لقادرون على منعكم وبالكيفية اليت ال‬
‫الدنيا قبالً‪ ..‬والذي مل يدرج فحواه بتصور وخيال‬ ‫يصل إليها إدراككم‪ ..‬يا خملوقات كوكب األرض‪..‬‬
‫وتفكري أي منهم منذ بدء أول دبيبهم يف أرجائها‬ ‫ولكننا أوالً‪ ..‬ومنعاً لوقوع أي خطأ أو لبس فإننا‬
‫وكما برز الصوت الغامض فجأة من أعماق الليل‬ ‫هنيب حبكوماتكم أن تبادروا يف احلال إىل اختاذ‬
‫والنهار‪ ..‬من العدم‪ ..‬لينتشر مع كل ذرة هواء‬ ‫ثالث خطوات عاجلة هي على التوايل‪:‬‬
‫تلف األرض‪ ..‬صمت‪ ..‬وانتهى‪ ..‬وتالشى أيضاً‪..‬‬ ‫أوالً ‪ -‬فك وإبطال مجيع املخزون ل��دى كل‬
‫يف ثنايا العدم‪..‬‬ ‫دولة من قنابل ذرية‪..‬‬
‫ساد سكان األرض وجوم قامت قاتل‪..‬‬ ‫ثانياً ‪ -‬هدم كافة املفاعالت واألفران الذرية‬
‫حط عليهم ذهول موحش شل تفكريهم وخدر‬ ‫وحمطات املياه الثقيلة ومصانع التجميع مع‬
‫أحاسيسهم‪ ..‬ألول م��رة تبينوا املعنى املخيف‬ ‫حتطيم الطائرات حاملة ه��ذه القنابل وسفن‬
‫لكلمات االنفجار ال��ذري‪ ..‬االنشطار النووي‪..‬‬ ‫الفضاء والغواصات والسفن البحرية وك��ل ما‬
‫املفاعالت وحمطات املياه الثقيلة‪ ..‬ألول مرة‬ ‫تسريه الطاقة النووية‪..‬‬
‫عرفوا مبلغ ما تطلقه قنبلة اهليدروجني من قوى‬ ‫ثالثاً‪ -‬إتالف كل كبرية وصغرية فيما خيص‬
‫رهيبة ومش��وا رائحة امل��وت املنبعثة من أحرف‬ ‫بأسرار حتطيم ال��ذرة من بيانات وتصميمات‬
‫امسها املشؤوم‪ ..‬وألول مرة كذلك وعوا إمكانية‬ ‫ورسومات وأفالم ميكرو ومناذج جمسمة حتى ما‬
‫مراقبة كائنات السماء هلم‪ ..‬وإهنم مهددون من‬ ‫يستخدم منها يف األغراض السلمية إىل جانب‬
‫قواها املتفوقة‪..‬‬ ‫تدمري مصادر الوقود الذري أينما كانت‪..‬‬
‫إال أهنم سرعان ما أفاقوا وقد سكت الصوت‬ ‫وخفت الصوت قليالً‪ ..‬واختلطت كلماته‪ ..‬بدا‬
‫ومرت ساعات على تالشيه لينقسموا إىل فرق‬ ‫كما لو كان نوعاً من التشويش يتداخل مع مسار‬
‫وأحزاب وشيع ومجاعات وفئات متفرقة ومتجمعة‬ ‫ذبذباته‪ ..‬ثم دون الفرقعة مرتني متتاليتني‪..‬‬
‫يف شتى أحناء الدنيا‪ ..‬وهم بني مصدق ومكذب‬ ‫استقاك بعدمها ال��ص��وت واس��ت��أن��ف وضوحه‬
‫وساخر ومؤمن وكافر وف��رح وم��ذع��ور وموتور‬ ‫السابق‪..‬‬
‫ومتفائل ومتشائم وقلق ومتوجس ومستغل‪..‬‬ ‫يا خملوقات كوكب األرض املستقرة يف رحاب‬
‫وغريهم و غريهم‪..‬‬ ‫قاراته الست‪ ..‬إننا هنيب حبكوماتكم‪ ..‬وأحزابكم‬
‫تعددت املشاعر‪ ..‬وامتألت الدور والطرقات‬ ‫ومجوعكم‪ ..‬وكل فرد منكم‪ ..‬أن تأخذوا بياننا‬
‫ووس��ائ��ل امل��واص�لات بالشجار احمل��م��وم وكأن‬ ‫مأخذ اجل��د املتنامي وأن تعكفوا على تنفيذ‬
‫الوجوم واخلرس الذي قيد اخللق يف املبدأ قد‬ ‫خطواته الثالث املطلوبة منكم‪ ..‬ففي تنفيذها‬
‫انقلب اآلن إىل ه��وس مفزع ط��اغ من الصحب‬ ‫جن��اة خملوقاتكم وخملوقاتنا وإن��ا منهلكم مدة‬
‫واجلعجعة وطرق النظريات املختلفة عن علمية‬ ‫زمنية م��ق��داره��ا أس��ب��وع��ان م��ن أي���ام حسابكم‬
‫إىل تقليدية إىل خرافية‪ ..‬‬ ‫األرضي الالهنائي من تنفيذها مجيعاً وإال فلنا‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪108‬‬
‫رقـــم ‪ 4‬يأمركـــم‬
‫جدية على الشعوب االشرتاكية والصديقة كشف‬ ‫ثم كان رد الفعل التايل ما تناقلته وكاالت األنباء‬
‫مؤامرة األمريكان السخيفة‪ ..‬وما هتدف إليه من‬ ‫من انطباعات وردود فعل عميقة بني خمتلف‬
‫دفع الروس ودول الكتلة الشرقية إىل التخلص‬ ‫الناس على تباين ثقافاهتم وطبقاهتم االجتماعية‬
‫مما لديهم من خم��زون القنابل النووية واليت‬ ‫من أقصاها علوا إىل أدناها اخنفاضاً‪ ..‬وما نشط‬
‫هي مبثابة صمام األمن ضد أطماع اإلمربيالية‬ ‫حمررو األبواب العلمية بكافة الصحف واجملالت‬
‫األمريكية واالستعمار الغربي‪..‬‬ ‫وحمطات اإلذاع��ة والتلفزيون اليت ع��اودت بثها‬
‫وببساطة أيد املتحدث السوفيييت إحصائيات‬ ‫إىل أجالئه وتفسريه والتعليق عليه‪..‬‬
‫بيان الصوت الغامض‪ ..‬ويف شجاعة ق��رر أن‬ ‫وهل الصوت الغامض قد أتى فعالً من قبل‬
‫رقم املخبأ يف املخازن السرية لديهم من وقنابل‬ ‫كائنات املريخ‪ ..‬وإذا وجدوا فما شكلهم وما مدى‬
‫اهل��ي��دروج�ين ذات املئة ميجا ط��ن يبلع مليوناً‬ ‫حضارهتم ورقيهم وما ميلكون من سبيل ملراقبة‬
‫وربع مليون قنبلة ولكنه نفى نفياً قاطعاً احتمال‬ ‫األرض والتجسس على أهلها‪ ..‬وكيف تراها‬
‫استخدامها ألي غرض عدواني وإمنا حيتفظ هبا‬ ‫كانت وسيلتهم اخلارقة اليت فرضوا هبا صوهتم‬
‫فقط من أجل احلماية وال��ردع أما فكرة وجود‬ ‫على أجواء األرض عنوة واقتدارا‪ ..‬أم أن الصوت‬
‫حياة على ظهر كوكب املريخ واتصال خملوقات‬ ‫ال هو غامض وال هو آت من كائنات مرخيية‬
‫هذا الكوكب بأهل األرض فهي أكذوبة ساذجة‬ ‫وإمنا هو جمرد عبث لدولة من الدول من الناس‬
‫سبق أن نفاها علماء أمريكا أنفسهم منذ أواخر‬ ‫مل يتضح هدفهم بعد‪..‬‬
‫عام ‪..1969‬‬ ‫وبينما انفردت قلة بتأييد البيان وحتمست له‬
‫ولكن اإلذاعات األمريكية سرعان ما قطعت‬ ‫يف حذر وت��ردد وقد رأت فيه منقذاً من حرب‬
‫بدورها براجمها املوجهة لتنفي التهمة اجلريئة‬ ‫نووية مقبلة راح��ت العاملية ترفضه وتناقضه‬
‫وتعلن ب��دوره��ا على امل�لأ ويف أسلوهبا املنمق‬ ‫وتسخر من بنوده الثالثة املستحيلة التنفيذ‪..‬‬
‫أن األم��ر ال يعدو حماولة مكشوفة من الروس‬ ‫بل إهنا هامجت جمرد االنصياع للتفكري فيه يف‬
‫خل��داع��ه��م وب��ال��ت��ايل لبث ال��رع��ب يف أفئدهتم‬ ‫محلة مسعورة شعواء‪ ..‬وقد رجح رأي األغلبية‬
‫ودفعهم إىل جتريد أنفسهم من السالح الوحيد‬ ‫كذلك ما أعلنه مديرو مراصد العامل الفلكية من‬
‫الذي خييف أعداءهم وحيمي قواعدهم وال يقلب‬ ‫استحالة وجود أي نوع من احلياة الراقية على‬
‫ميزان القوى ضدهم‪ ..‬وقد اتفقوا مع الروس يف‬ ‫ظهر املريخ‪..‬‬
‫خلو املريخ من مظاهر احلياة متاماً مؤيدين‬ ‫وال على ظهر أي من كواكب اجملموعة الشمسية‬
‫قوهلم مبا أرسلته آخر سفنهم الفضائية الذرية‬ ‫الثمانية خبالف األرض‪ ..‬والتسع‪ ..‬ولكنهم لزموا‬
‫من طراز مارينر واليت هبطت بقرب قطب املريخ‬ ‫الصمت إزاء مسألة الصوت الغامض فلم يؤيدها‬
‫اجلنوبي منذ ثالثة شهور خلت برائدها األوحد‬ ‫أو ينفها أحد منها‪..‬‬
‫لتثبت خلو أجوائه من أي أثر للنيرتوجني أحد‬ ‫على أنه جد جديد‪ ..‬وقد أوشك على االنتهاء‬
‫العناصر الرئيسية لصور احلياة األرضية‪..‬‬ ‫يومان حافالن مل يطرق فيهما النعاس أجفان‬
‫يف ح�ين س��ح��روا م��ن خدعة الصوت‬ ‫ال��ن��اس ع��ل��ى ت��ب��اي��ن أع��م��اره��م‪ ..‬ف��ق��د قطعت‬
‫ال��غ��ام��ض وأرج��ع��وه��ا دون ش��ك إىل بث‬ ‫اإلذاعات السوفييتية براجمها ليعلن املتحدث يف‬

‫‪109‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫رقـــم ‪ 4‬يأمركـــم‬
‫إذاً حن��ن خم��ل��وق��ات امل��ري��خ امل��ت��ق��دم��ة ذكاء‬ ‫السلكي عكس مب��ه��ارة ع��ن ط��ري��ق األقمار‬
‫وحضارة عليكم مبئات األع��وام وآالف القفزات‬ ‫ال��روس��ي��ة امل��ن��ت��ش��رة ب����اآلالف يف مس���اء الكرة‬
‫واملراحل العلمية‪ ،‬إذاً خملوقات املريخ موجودون‬ ‫األرضية‪..‬‬
‫حقاً على كوكبنا اجملاور لكم‪ ..‬والذي يرتاوح بعده‬ ‫والتهبت االهتامات بني املعسكرين الشرقي‬
‫عن كوكبكم يف أقرب حاالته بنحو ‪ 56‬و ‪ 37‬مليوناً‬ ‫والغربي‪ ..‬وحتولت إىل محالت جمنونة للنيل من‬
‫من الكيلومرتات إ ّنا نؤكد لكم حقيقة وجودنا‪..‬‬ ‫اخلصوم وجترحيهم وسبهم صراحة‪..‬‬
‫وإن عجزت سفن فضائكم مب��ا حتمله من‬ ‫ثم حتركت القاهرة‪..‬راحت تلم شتالت حريهتا‬
‫أجهزة وعقول الكرتونية عن اكتشاف أي أثر لنا‪..‬‬ ‫لتوقظ م��ن ح��وهل��ا أع��ض��اء املعسكر الثالث‪..‬‬
‫حتى تلك السفن اليت هبطت مؤخراً يف قلب‬ ‫احليادي الذي بذل بالفعل عدة حماوالت غاضبة‬
‫صحرائنا املمتدة ل��دى خط االس��ت��واء املرخيي‬ ‫وقام جبهد مضن لتقريب وجهات النظر‪ ..‬ولكن‬
‫فإهنا مل تنقل إليكم تلفزيوننا سوى بعض مظاهر‬ ‫حماوالته وجهوده باءت كلها باإلخفاق‪..‬‬
‫عواصفنا الرتابية الالفحة‪ ..‬بل إن سفينتكم‬ ‫وخ�لال أسبوع طويل‪ ..‬بالغ الطول‪ ..‬أصبح‬
‫الكونية( ليوبارد ‪ )80‬وقد مرت على بعد ‪450‬‬ ‫العامل وقد انقسم إىل ثالثة معسكرات متنافرة‪..‬‬
‫كيلومرتاً من تابعنا الذي تسمونه لديكم بالقمر‬ ‫معسكر يقوده الروس‪ ..‬ومعسكر يقوده األمريكان‪..‬‬
‫فوبوس منذ قرابة شهر مضى فإن آالهتا احلساسة‬ ‫وثالث وس��ط يقوده امل��ص��ري��ون‪ ..‬وحينئذ ومن‬
‫مل تستطع متييز أن هذا القمر أو التابع ملرخينا‬ ‫خ�لال دوام��ة اللغو والتهديدات وم��لء الصدور‬
‫على ضخامته إمنا هو قمر صناعي‪ ..‬عده وأطلقه‬ ‫بالغل وحشد القوات العسكرية املهولة وتوجيه‬
‫علماؤنا منذ ألف ومئيت عام خلت‪..‬‬ ‫الصواريخ عابرة القارات برؤوسها الفتاكة‪ ..‬صدر‬
‫ي��ا خملوقات األرض‪ ..‬إن أف���راد خملوقاتنا‬ ‫البيان التايل‪..‬‬
‫يعمرون حميطهم احليوي األكثر رقياً وازدهاراً‬ ‫ع��اد ال��ص��وت الغامض إىل االن��ت��ش��ار بنفس‬
‫بطريقة ختتلف عنكم متاماً‪ ..‬فهم يستقرون يف‬ ‫طريقته الكاسحة عرب ذرات اهل��واء األرضي‪..‬‬
‫مدن ضخمة‪ ..‬متتد عرب طرق متعددة متتالية‬ ‫وكانت نرباته حانقة غضبى ه��ذه امل���رة‪ ..‬بدت‬
‫وأنفاق طويلة متشابكة‪ ..‬شيدت مجيعها على‬ ‫هلجته جافة‪ ..‬و ب��اردة‪ ..‬و قاطعة و الكلمات ال‬
‫عمق قد يصل تسعة كيلومرتات حتت ثرى كوكبنا‬ ‫ترى من ثناياه‪..‬‬
‫ال فوقه كما هو حادث على سطح أرضكم‪ ..‬وقد‬ ‫بيان ثان إىل خملوقات األرض‪ ..‬يا خملوقات‬
‫دفعنا إليكم ‪/‬السكين‪ /‬باطن كوكبنا‪ ..‬ما يتميز‬ ‫األرض‪ ..‬الكوكب رقم ‪ 003‬يا أيها املخلوقات‬
‫به يف السطح من برودة شديدة حبكم تزايد بعده‬ ‫التعسة‪ ..‬اليت أثارت خيبتنا فيها ألبعد مما كنا‬
‫بالنسبة للشمس عن األرض‪ ..‬كما دفعتنا إليه‬ ‫ننتظر‪ ..‬يا أيها املخلوقات البليدة يف تقبلها لكل‬
‫كارثة انفجار الكوكب رقم ‪ 5‬وتفتته‪ ..‬األمر الذي‬ ‫ما هو جديد على إدراكها‪ ..‬ومعارفها وجماالت‬
‫عرضنا لتساقط آالف قذائف الكويكبات والشهب‬ ‫حبثها‪..‬‬
‫واألحجار‪ ..‬تدك مدننا وقرانا القدمية ومتحوها‬ ‫إذاً حنن سكان الكوكب رقم ‪ 4‬أو ما تسمونه‬
‫من ال��وج��ود‪ ..‬تاركة مكاهنا فجوات خمروطية‬ ‫املريخ‪ ..‬ومن وجهنا بالفعل بياننا األول ونوجه اآلن‬
‫كبرية االت��س��اع هي ماتصوره راص��دوك��م‪ ..‬بعد‬ ‫بياننا الثاني لكم‪ ..‬وليس الروس أو األمريكان أو‬
‫انقضاء آالف السنني على حدوثها بأهنا فوهات‬ ‫غريهم من شعوب كوكبكم‪..‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪110‬‬
‫رقـــم ‪ 4‬يأمركـــم‬
‫إصرارنا على كل كلمة جاءت يف بياننا األول‪..‬‬ ‫بركانية عجيبة‪..‬‬
‫أحس الناس أن األمر جدي حقاً‪..‬‬ ‫يا خملوقات األرض‪ ..‬وكما ت��رون فقد كتب‬
‫وأن الصوت الغامض يستحيل أن يكون مصدره‬ ‫علينا أن نعيش حتت الثرى بعد أن كانت حياتنا‬
‫أي بقعة على ظهر الدنيا‪..‬‬ ‫فوقه‪ ..‬ولكننا عوضنا االنقالب الكبري يف مصرينا‬
‫ومتلكت احلكومات حرية فعلية مشوية بالرهبة‬ ‫بتشييد املدن املتسعة املنسقة‪ ..‬اليت تفوق مدنكم‬
‫واحلرج من إمكانية وجود قوى خفية‪ ..‬جمهولة‪..‬‬ ‫ارتقاء ومدنية وازدهاراً‪ ..‬وهي مدن زودت بكافة‬
‫ت�ترب��ص هب��ا وب��ش��ع��وهب��ا‪ ..‬ول��ف اجلميع تساؤل‬ ‫ما حنتاجه من أحدث وسائل التكييف والتدفئة‪..‬‬
‫مبهم‪ ..‬راح يلطم عقوهلم يف مهس كئيب‪ ..‬وبعد‬ ‫وبقنوات املياه النقية‪ ..‬واإلنارة الفسفورية الذاتية‬
‫تفجري القنابل النووية لو أذعنا لبياهنم‪ ..‬ترى ما‬ ‫بعد أن بطل استخدام الكهرباء ومبوجات األشعة‬
‫هي طلباهتم التالية‪:‬‬ ‫البنفسجية تعويضاً لفقدنا ض��وء جنم النريان‬
‫ويف أعقاب يوم مضطرب آخر‪ ..‬وقد تضاءلت‬ ‫املتأججة املسمى لديكم بالشمس‪ ..‬ثم هي مزودة‬
‫املدة احملددة النتهاء األمر الذي وجهه املرخييون‬ ‫ع�لاوة على ما ذكر باهلواء النقي احملتوى على‬
‫من خالل بياهنم األول ألهل األرض فلم يعد باقياً‬ ‫غاز النوشادن الغ��ازي األوكسجني والنيرتوجني‬
‫غري أيام مخسة‪..‬‬ ‫اللذين ال نتنفسهما مثلكم‪ ..‬كذلك فقد أقمنا‬
‫يف أعقاب يوم سهاد وعجز تأمني‪..‬‬ ‫م��دن�اً حيوانية سفلى تشبه امل��راع��ي م��ن أجل‬
‫يف أعقاب ساعات اليوم الثقيلة اليت ال تتزحزح‬ ‫العديد من أنواع ماشيتنا وحيواناتنا‪ ..‬كما نربي‬
‫كأشعة األنفاس‪..‬‬ ‫أمساكاً يف حب�يرات جوفية‪ ..‬وأم��ا الطيور فقد‬
‫يف أعقاب دقائقه‪ ..‬وثوانيه‪ ..‬املتحركة بطيئاً‬ ‫مضى زمان على انقراض كل ما كان يعلو منها‬
‫ب�لا رمح���ة وال ه���دف حم���دد وإمن���ا ه��ي تقوم‬ ‫يف اجلو املرخيي‪..‬‬
‫من وح��دة إىل فجوة إىل ج��رف إىل ه��وة ال قاع‬ ‫شيء واحد يا خملوقات األرض ال يزال على‬
‫هلا‪ ..‬واخلواطر السود املوحشة تشل األفكار‪..‬‬ ‫حاله باقياً فوق سطح املريخ‪ ..‬إهنا مزارعنا اليت‬
‫تسحقها‪ ..‬ثم تدورها هباء يف هباء‪..‬‬ ‫تضم أعداداً حمددة من النباتات قصرية السيقان‪..‬‬
‫يف أعقاب يوم من أيام عشر مل تؤرخ باملرة يف‬ ‫محراء اللون‪ ..‬وهي اليت يكسب محارها سطح‬
‫السجالت‪ ..‬هبطت تلك األشياء ومألت مساوات‬ ‫كوكبنا يف مواسم إنباهتا وأزهارها لونه األمحر‬
‫األرض‪ ..‬فوق كل مدينة وكل قرية وكل طريق وكل‬ ‫املائل لإلصفرار‪ ..‬يف حني ترجعون اللون األمحر‬
‫حقل وكل جبل وكل قطعة فضاء وكل هنر وكل حبر‬ ‫إىل وج��ود مساحات وف�يرة من أكاسيد احلديد‬
‫أو مساحة ماء‪ ..‬فوق كل جزء يلفه الغالف اجلوي‬ ‫عليه‪ ..‬و تعد مزارعنا النباتية باملياه بواسطة‬
‫حول كرة األرض البالغ قطرها ‪ 13‬ألف كيلو مرت ‪..‬‬ ‫شبكة ري باطنية جتلب املاء من قطيب املريخ بعد‬
‫مئات ‪ ..‬بل آالف األطباق الطائرة‪ ..‬ظهرت فجأة‬ ‫إذابة ثلوجهما صناعياً‪ ..‬هذا هو نوع احلياة الذي‬
‫وقد رؤضت عالياً يف صفحة السماء األرضية‪..‬‬ ‫جتهلون وجوده على الكوكب رقم ‪ 004‬هذه حملة‪..‬‬
‫يف ض���وء ال��ن��ه��ار وحت���ت أش��ع��ة ال��ش��م��س بدت‬ ‫جمرد حملة‪ ..‬عنا‪ ..‬عن وجودنا‪..‬‬
‫واضحة للعيان بألواهنا الفضية املتأللئة‪ ..‬وحني‬ ‫وإنا إذ نكرر لكم يا خملوقات األرض‪ ..‬فإننا‬
‫جن الليل‪ ..‬راحت أضواؤها احلانية تتغري‬ ‫بسبيل مدكم بالدليل املادي احلاسم على صدق‬
‫بسرعة من الفضي إىل األصفر فالربتقايل‬ ‫جهودنا‪ ..‬وال��ذي سيؤكد يف نفس الوقت مدى‬

‫‪111‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫رقـــم ‪ 4‬يأمركـــم‬
‫الطائرة وقد بقيت ‪ 48‬ساعة على انتهاء مدة‬ ‫فاألمحر القاني فالقرمزي فاألزرق واملذبذب‬
‫األم����ر ان��ط��ل��ق��ت يف س��اع��ة ال��ص��ف��ر عشرات‬ ‫بني اللمعان والبهتان‪ ..‬ومل ميكن حتديد قطر‬
‫ال��ص��واري��خ القصرية ال��ن��دى نتيجة حبساسية‬ ‫ال��واح��د منها والحجمه بالضبط‪ ..‬وال أمكن‬
‫عيوهنا املغناطيسية حن��و ع��ش��رات األطباق‬ ‫التأكد من وجود خملوقات بداخلها وال حجمه‬
‫الساكنة يف اجلو‪ ..‬على أن الصواريخ وقد دنا‬ ‫فقد استحالت رؤية مقاصريها العلوية الضيقة‬
‫كل منها من الطبق ال��ذي يسعى إليه سرعان‬ ‫الفتحات عن قرب إلخفاق الطائرات النفاثة يف‬
‫مامشلها االضطراب‪ ..‬والتخبط‪ ..‬ثم احنرفت‬ ‫التحليق حوهلا‪ ..‬حتتها أو فوقها‪ ..‬فكل طبق من‬
‫مجيعها عن مساراهتا لتذهب بعيداً وتنفجر‬ ‫هذه األطباق األسطوانية الشكل وقد ظل معلقاً‬
‫يف أعايل‪ ..‬وأطلقت لدى الظهرية صواريخ أكرب‬ ‫بال أدنى صوت لدقائق معدودات يعرتيه قليل‬
‫حجماً وأبعد مدى‪ ..‬وأخفقت كذلك يف املساس‬ ‫من االهتزاز أو غري موضعة باالندفاع بغتة يف‬
‫بأي طبق طائر‪ ..‬وقبيل املساء التجيء إىل آخر‬ ‫زواي��ا ح��ادة عرب اهل��واء كل طبق منها كان فيما‬
‫ما يف اجلعبة من سهام‪..‬‬ ‫يبدو يفرض حوله جم��االً ق��وي�اً م��ن الكهرباء‬
‫وعلى سبيل التجربة انطلق يف املبدأ عشرون‬ ‫االستاتيكية يفقد أي طائرة نفاثة اتزاهنا متى‬
‫صاروخاً جباراً من ذوات الرؤوس اهليدروجينية‬ ‫ختطته‪..‬‬
‫ليتم تفجريها يف اجل��و وس��ط جمموعات من‬ ‫وزاد فزع الناس‪ ..‬واختناقهم‪..‬‬
‫األطباق احملمومة بقرب مساء إحدى القواعد‬ ‫ويف اخل��ف��اء أوالً ث��م العالنية م��ؤخ��را علت‬
‫ً‬
‫األمريكية بصحراء نيفادا‪ ..‬ومل تنفجر الرؤوس‬ ‫الصلوات واالب��ت��ه��االت يف الكنائس واجلوامع‬
‫النووية إطالقاً‪ ..‬وإمنا اقتيدت الصواريخ احلاملة‬ ‫واملعابد وغريها من دور العبادة‪..‬‬
‫هلا بقوى خفية‪ ..‬لتسقط كلها وتغوص يف مياه‬ ‫غالبية اخللق اجت��ه��وا إىل اهلل ‪ ..‬املعتقد‬
‫احمليط الصاخبة‪..‬‬ ‫الوحيد وقت الشدة ‪ ..‬ورمبا فعلها بعضهم ألول‬
‫أم��ا األط��ب��اق ال��ط��ائ��رة‪ ..‬اآلت��ي��ة م��ن كوكب‬ ‫مرة‪..‬‬
‫املريخ‪ ..‬وقد ظلت ساكنة‪ ..‬معلقة يف اجلو كما‬ ‫على أن احلكومات اجتهت بأفكارها وجهة‬
‫هي دون أقل تغيري طرأ عليها‪..‬‬ ‫خمتلفة‪ ..‬إىل القوة‪ ..‬أن هناك خطراً ماحقاً‬
‫ونادى هندي من فقراء السيخ بفكرة حلول‬ ‫يهدد سكان األرض فالبد من جماهبته بكافة‬
‫هن��ض��ة ال��دن��ي��ا وأن ع�لام��ات ال��س��اع��ة مل تعد‬ ‫الطرق والوسائل القتالية‪..‬‬
‫خافية عليه وال على أتباعه‪ ..‬وهرول كثري من‬ ‫ويف تكتم بالغ وسرية مطلقة جرت اتصاالت‬
‫الواهدين والنساك واملؤمنني يعظون الناس يف‬ ‫وم��ش��اورات ولقاءات عاجلة بني ال��دول الكربى‬
‫محاس دافق‪ ..‬ووجد حمرتفو الشعوذة واملنجمون‬ ‫العشر يف العامل وكان مقرها‪ ..‬وقد ساد تالقيها‬
‫وادعياء العلم بالغيب يف زمحة احلدث الرهيب‬ ‫جو من الرتابط والثقة مل تعرفه أبداً يف مثل هذا‬
‫فرصة ال تعوض لسلب السذج مدخراهتم اليت‬ ‫اإلخ�لاص ويف ختام ثالثة أي��ام من املناقشات‬
‫مل تعد هلا أي فائدة‪ ..‬واحلقيقة أن الفارق يف‬ ‫احملمومة وبعد استعراض أوجه الرأي املتباينة‬
‫ه��ذه اآلون��ة بني الساذج وب�ين احملتفظ ببعض‬ ‫واملتضاربة اليت عرضت أثناءها‪ ..‬أمجعت النية‬
‫من أعصابه وتفكريه هو جمرد خليط رفيع واه‬ ‫على أكثر اخلطط إثارة‪..‬‬
‫وخ��رج إن��س��ان ج��زائ��ري‪ ..‬جم��رد إن��س��ان عربي‬ ‫ففي صبيحة اليوم الرابع على ظهور األطباق‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪112‬‬
‫رقـــم ‪ 4‬يأمركـــم‬
‫وال هفهفة جناحي فراشة شاردة‪..‬‬ ‫عادي حيرر جريدة جزائرية غري معروفة وغري‬
‫وال نسمة ه��واء م��ارة‪ ..‬جمرد حفيف نسمة‬ ‫منتشرة خرج بنظرية سخيفة سرعان ما آمن هبا‬
‫هواء يسرية هينة مل يعد له وجود‪..‬‬ ‫واعتنقها بقية اخللق يف كل مكان‪ ..‬فقد قال ‪:‬‬
‫ثم تسللت رائحة الكافور النفاذة إىل األنوف‪..‬‬ ‫إن انتقام خملوقات املريخ والبد سيكون سريعاً‬
‫ويف أعقاهبا هبطت سحابة الدخن الوردية تغلف‬ ‫بعد حماوالت نسف أطباقهم بالصواريخ األرضية‬
‫األجسام النعسة املستسلمة‪..‬‬ ‫وهبت مجوع الناس املخبولة وقد ركبها هلع طاغ‬
‫متى هبطت السحابة وكيف طوت كل األحياء‬ ‫تنقب يف كل شرب من األرض حبثاً عن خمابئ‬
‫يف أعماق عبريها‪ ..‬ال أحد يدري‪..‬‬ ‫القنابل ال��ذري��ة واهليدروجينية يف حماوالت‬
‫وح�ين اجن��اب��ت سحابة ال��دخ��ن الوردية‪..‬‬ ‫طائشة يائسة وكان يف مقدورها فكها‪ ..‬وإبطال‬
‫واستيقظ الناس من غفوهتم القصرية‪ ..‬وكان‬ ‫خطرها‪ ..‬بأيديها اجملردة‪..‬‬
‫قد مر يوم بساعاته األربع والعشرين‪ ..‬حينئذ‬ ‫أي ش��يء وك��ل ش���يء‪ ..‬كانت اجل��م��وع على‬
‫ف��إن كل ما أحسه اخل��ل��ق‪ ..‬أه��ل الدنيا‪ ..‬كان‬ ‫استعداد لتفعله من أجل إرض��اء هذه األجسام‬
‫حاجة ملحة للطعام والشراب‪ ..‬وشعور متسلط‬ ‫األسطوانية املطلة من عل يف برود أي شيء وكل‬
‫باإلرهاق‪ ..‬مثلهم مثل من أمضى يومه يف تسلق‬ ‫شيء لدرجة التالحم والتشابك والفوضى‪..‬‬
‫جبل ع��ال صعب ال��دروب دون أن يتناول زاداً‬ ‫ول��ك��ن ب���رزت ص��ف��وف م�تراص��ة م��ن اجلند‬
‫باملرة‪..‬‬ ‫املدججني بالسالح واملدرعات والدبابات تسد‬
‫أما خم��زون القنابل النووية ال��ذي اختفى‪..‬‬ ‫ال��ط��ري��ق أم���ام آالف األق����دام ال��زاح��ف��ة‪ ..‬ويف‬
‫وأسرار حتطيم الذرة وتفتيتها وقد امنحى كل‬ ‫تردد‪ ..‬وبطء‪ ..‬سقطت األذرع املتعبة إىل جوار‬
‫دليل عنها‪ ..‬واملعدات واآلالت وأدوات احلرب‬ ‫أجسادها وكفت احلناجر املبحوحة عن الصراخ‬
‫والسلم املتحركة بالطاقة الذرية وقد تالشت‪..‬‬ ‫اهلستريي‪ ..‬وتسمرت األرجل املرجتفة من العدو‬
‫وأما بيان سكان املريخ األول والثاني وأطباقهم‬ ‫عشوائياً‪..‬‬
‫الطائرة اليت عادت إىل كوكبكم‪..‬‬ ‫ومع صبيحة اليوم األخري‪ ..‬كان يسود الفكرة‬
‫كل هذه وتلك‪ ..‬كل أحداث األسبوعني اليت‬ ‫األرضية صمت عميق‪ ..‬مميت‪ ..‬مميت‪ ..‬مميت‪..‬‬
‫امتدت بطول ‪ 15‬عاماً ال ‪ 15‬يوماً ‪ ..‬فقد‬ ‫صمت فيه المباالة احملكوم عليه باإلعدام حني‬
‫نسيها الناس‪ ..‬امنحت من عقول البشر كلهم‬ ‫يسلم عنقه صاغراً ليدي اجلالد‪..‬‬
‫فلم يعودوا يذكرون‪ ..‬وال أقل القليل عنها‪ ..‬فقط‬ ‫ص��م��ت‪ ..‬م��دم��ر‪ ..‬س��اح��ق‪ ..‬ال ي��ع��ك��ره وال‬
‫خالل سويعات ناعسة كانت ترتاءى للبعض من‬ ‫ت��ردد أن��ف��اس‪ ..‬حتى دم��دم��ة ال��رع��د وصرير‬
‫الناس‪ ..‬رؤى عصية التفسري‪ ..‬فيها رقة احللم‬ ‫الريح وخرير املاء وحترك أغصان الشجر ذوت‬
‫ورهبة الكابوس‪ ..‬أو تشملهم أحاسيس مبهمة‬ ‫واستكانت‪..‬‬
‫ختتلط بداخلها هلفة اخلالص خبشية اجملهول‪..‬‬ ‫ماليني اآلالت توقفت‪ ..‬الطبيعة على مشوهلا‬
‫إن هناك‪ ..‬بعيداً‪ ..‬يف ظلمة الكون‪..‬‬ ‫وات��س��اع آف��اق��ه��ا مج���دت‪ ..‬احل��ي��وان��ات والطري‬
‫هناك‪ ..‬من يراقبهم وحيصي كل حركة هلم‬ ‫واألمساك واحلشرات هجعت وقبعت‪ ..‬ومل يعد‬
‫من أعماق جارهم الكوكب القصي‪ ..‬املسمى‬ ‫تعالة بكاء طفل‪..‬وقرض أسنان جرد يف قطعة‬
‫بالكوكب األمحـر‪....‬‬ ‫خشب‪..‬‬

‫‪113‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫رقـــم ‪ 4‬يأمركـــم‬

‫جملة ( اخليال العلمي)‪..‬‬


‫خطوة رائدة حنو ثقافة املستقبل‬
‫د‪ .‬حسام اخلطيب‬
‫لو مل يكن م��ول��وداً شرعياً لربنامج االحتفاالت‬ ‫جتلت دمشق العريقة عاصمة للثقافة العربية‪،‬‬
‫الرمسية ‪ 00‬إال أنه مولود املوسم ويستحق كل‬ ‫وغنت وتألقت أدباً وفناً‪ ،‬وازدانت حواريها القدمية‬
‫تنويه وثناء‪0‬‬ ‫املفعمة بأصالة املاضي التليد وتطلعات املستقبل‬
‫واحلكاية أنه عشية مغادرتي من دمشق إىل‬ ‫املنشود ‪ ،‬ومازالت تأمل بأن تكون فرصة ما تبقى‬
‫الدوحة قبل أسبوعني أو ثالثة ‪ ،‬أتى لوداعي يف‬ ‫من العام ‪ 2008‬منرباً إلعادة إنتاج تارخيها احلافل‬
‫املنزل صديقي احلميم الدكتور طالب عمران ‪0‬‬ ‫باحلفاظ على الثقافة العربية وإبداعاهتا األصيلة‬
‫ال��ذي ال يكل عن العطاء وال ميل ‪ ،‬أتى ويف يده‬ ‫‪ ،‬ويف ال��ص��دارة لغتنا العربية السنية وكنوزها‬
‫جعبة مثينة أبرزها كتاب عجيب غريب ‪ ،‬يرفل‬ ‫الثرية ‪ 0‬ال�تي هب��ا نزلت آي��ات ال��ق��رآن الكريم ‪،‬‬
‫بغالف ج��ذاب وعنوان خالب ‪ ( 0‬جملة اخليال‬ ‫ومن ثنايا جتلياهتا انبثقت على امتداد العصور‬
‫العلمي ‪)science Fiction‬‬ ‫ارتيادات وفلسفات وابداعات أدبية وعلمية وطبية‬
‫جملة علمية ثقافية شهرية تصدر عن وزارة‬ ‫واكتشافات جغرافية وتألقات شعرية ‪ ،‬أغنت‬
‫الثقافة العدد األول ‪ 0‬آب ‪0 2008‬‬ ‫احلضارة اإلنسانية ‪ ،‬وحفظت تراث احلضارات‬
‫ويتصدر قائمة املسؤولني ع��ن اجمللة اسم‬ ‫السابقة واستعانت بأنبل ما فيها وأسست لنهضة‬
‫صديقي األدي���ب ري���اض نعسان آغ��ا – رئيس‬ ‫العصور احلديثة ‪ ،‬واع�ترف بفضلها الفينيقيون‬
‫جملس اإلدارة ويليه السيد حممود عبد الواحد‪،‬‬ ‫من األباعد وما زالوا وتنكر هلا الضالون من بين‬
‫مدير عام هيئة الكتاب‪ ،‬ثم الدكتور طالب عمران‪،‬‬ ‫جلدهتا ‪ 0‬وما زالوا‪000‬‬
‫رئيس التحرير‪ ،‬وهناك هيئة استشارية تضم‬ ‫إال أن املاضي التليد ال يصح إال أن يكون خطوة‬
‫خنبة من نقاد وكتاب اخليال العلمي‪ ،‬تنتمي إىل‬ ‫لبناء احلاضر الوليد وجسراً للمستقبل املتطلع‬
‫مصر وفلسطني واملغرب ولبنان والكويت وسورية‬ ‫أبداً لكل جديد ‪0‬‬
‫وفرنسا‪ ،‬وتليها هيئة التحرير‪ ،‬ثم أمني التحرير‬ ‫وهنا نصل إىل بيت من بيوت القصيد ‪ ،‬يستحق‬
‫السيد رائ��د حامد ويبلغ ع��دد صفحاهتا ‪158‬‬ ‫أن ننوه به اليوم ‪ ،‬وحنن أهل اجلوار ‪0‬وياليت أهل‬
‫صفحة‪ ،‬تتصدرها كلمة السيد ال��وزي��ر رياض‬ ‫الدار تنبهوا إىل أن والدته يف عام عاصمة الثقافة‬
‫نعسان آغا وخيتمها رئيس التحرير بإطاللة على‬ ‫العربية أتت حدثاً مهماً يرمز مواكبة املستقبل‬
‫((التنوع احليوي املدهش))‪.‬‬ ‫وفتح نافذة على مستقبل ثقافة العصر ‪ 00‬وحتى‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪114‬‬
‫ومعظم بلدان العامل الثالث‪ ،‬بينما ظلت اجلامعات‬ ‫وتقسم حمتويات اجمللة حسب الرتتيب التايل‪:‬‬
‫واملعاهد العريقة يف الغرب أميل إىل كسر احلاجز‬ ‫دراس���ات وأحب���اث‪ ،‬إب��داع��ات اخليال العلمي‪،‬‬
‫بني املعرفة العلمية واملعرفة األدبية توصالً إىل‬ ‫علوم املستقبل‪ ،‬كتاب الشهر‪ ،‬م��ق��االت‪ ،‬جتارب‬
‫تنشئة اإلن��س��ان امل��ت��ك��ام��ل‪ .‬وام���ت���داداً لألصول‬ ‫شخصية‪.‬‬
‫املعرفية املتوارثة‪ ،‬وتتصدر اجلامعات األمريكية‬ ‫ويالحظ أننا أطلنا عن عمد تقديم هذه اجمللة‬
‫هذا االجتاه‪ ،‬وجيدر بالذكر أن جامعة قطر بالذات‬ ‫الرائدة رمبا لكي نلفت النظر إىل أهنا تليب تطلعات‬
‫تبنت هذا االجتاه حرفياً منذ بضع سنوات ودجمت‬ ‫اجل��ي��ل اجل��دي��د‪ ،‬وت��س��د ف��راغ �اً ك��ب�يراً يف جمال‬
‫كلييت اآلداب والعلوم حتت تسمية واحدة وبالتايل‬ ‫الثقافة العربية احلديثة‪ ،‬وتتناغم مع إيقاعات‬
‫إدارة واحدة‪ ،‬وبالطبع هناك تضارب آراء متواصل‬ ‫العصر‪ ،‬وتتجاوب مع ارتيادات احلاسوبية وثقافتها‬
‫حول هذا االجتاه وطريقة تطبيقه‪.‬‬ ‫ومغامرهتا‪ ،‬ولكن هناك شيء أهم من ذلك‪ ،‬يتمثل‬
‫نعود إىل جملة ((اخليال العلمي)) لنؤكد أهنا‬ ‫يف العمل على ردم اهلوة اليت تعاني منها الثقافة‬
‫متثل مبادرة ممتازة ومتجاوبة مع روح العصر‪،‬‬ ‫العربية وهي الرتكيز على الثقافة األدبية وامليل‬
‫ومتهد الطريق هلذا النوع من اإلبداع الذي ظل يف‬ ‫إىل ما ميكن أنه يوصف بأنه الفصل بني الثقافتني‬
‫جمتمعنا منزوياً ينتظر االع�تراف به ويبحث عن‬ ‫األدبية والعلمية‪ ،‬ومتييز األوىل عن الثانية وهو‬
‫املنابر املالئمة وعن طبقة القراء الضرورية لتكوين‬ ‫متييز مصطنع ال خي��دم متطلبات العصر‪ ،‬وال‬
‫ثقافة املستقبل العلمية – األدبية – اإلنسانية اليت‬ ‫يتجاوب مع أجيال املستقبل وطبيعة جمتمعهم‪.‬‬
‫دون توفرها ال ميكن أن تنشأ هنضة فاعلة يف هذا‬ ‫وق��د أدى ذل��ك التمييز يف أغلب األح��وال إىل‬
‫العصر‪.‬‬ ‫قطيعة تامة بني الثقافتني‪ ،‬بل أحياناً إىل تنافس‬
‫وعودة إىل جملة ((اخليال العلمي)) ذاهتا تؤكد‬ ‫وجتاهل بني الطرفني‪.‬‬
‫أهن��ا إطاللة عصرية فائقة األمهية وأن تقسيمها‬ ‫وم��ن اإلن��ص��اف التذكري ب��أن أصحاب الثقافة‬
‫إىل أب��واب حيمل مبادرة جناح على األقل يف جمال‬ ‫العلمية ورم��وزه��ا كانوا دائ��م�اً هم املبادرين إىل‬
‫اجتذاب األجيال الناشئة إىل القراءة بعد أن اقتنصت‬ ‫التقرب من الثقافة األدبية وب��رز فيهم مبدعون‬
‫انتباه الصغار‪ -‬والكبار أيضاً – مسلسالت التلفاز‬ ‫كبار على حني أن أهل األدب مل يبدوا يف أغلب‬
‫االستهالكية املفتقرة إىل املضمون واملغزى واملعتمدة‬ ‫األحيان أي رغبة يف التقرب من الثقافة العلمية‬
‫على جمرد التشويق واإلثارة وأحياناً هبرجات اخلالعة‪،‬‬ ‫‪(( .‬رمبا ألهنا مل تكن أصالً موجودة)) بل ظهرت‬
‫وكأمنا هناك دوافع جتهيل متعمدة من خالل صرف‬ ‫عندهم أحياناً مرددات غريبة من أبرزها العزوف‬
‫األنظار إىل مظاهر اإلغواء واإلغراء‪ ..‬واملقصود هنا‬ ‫عن الثقافة العلمية ألهنا ثقافة معادية وخالية من‬
‫ذلك املنحى التجاري يف املسلسالت ولكن من الواجب‬ ‫احلس اإلنساني‪ ،‬وينطبق ذلك بوضوح شديد على‬
‫أن نعرتف للمسلسالت الرفيعة بدورها الكبري يف‬ ‫الثقافة العربية احلديثة اليت ظل جتاهل إنسانية‬
‫تسليط األضواء على املشكالت االجتماعية والوطنية‬ ‫العلم شبه مفخرة هلا‪ ،‬وزيادة على ذلك وباملقابل‬
‫اليت تعرتض حياة العربي املعاصر‪ ،‬وال ننسى أيضاً‬ ‫قامت املؤسسة التعليمية ب��دور خطري يف هذا‬
‫مسلسالت اخليال العلمي اليت ينبغي االهتمام هبا‬ ‫اجملال حني فصلت فصالً كامالً بني املعرفة األدبية‬
‫ألهنا األكثر تأثرياً يف تكوين خيال الناشئة‪ ،‬ومعظمها‬ ‫واملعرفة العلمية بدعوى حاجة كل طرف للتفرغ‬
‫طبعاً بل كلها من صنع بيئة البلدان املصنعة اليت‬ ‫الختصاصه وعدم إضاعة الوقت أو اجلهد باجتاه‬
‫حتتكر هذه األداة الفعالة‪ ،‬مثلما حتتكر اجلانب األكرب‬ ‫الطرف اآلخ��ر‪ ..‬وقد طبق هذا التباعد تطبيقاً‬
‫من مقومات حياتنا ومستقبلنا‪.‬‬ ‫حرفياً يف املدارس واجلامعات يف املنطقة العربية‪..‬‬

‫‪115‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫د‪ .‬فواز سيوف‬

‫العمل لعدّة أسباب‪ ،‬فهو أول راصد موظف هلذا‬ ‫نفض عمر الغبار عن بعض الصناديق‬
‫املرصد اجلديد‪ ،‬الذي مت بناؤه منذ نصف قرن‬ ‫بدافع الفضول ‪ ..‬فقد أُوك��ل��ت إليه‬
‫تقريباً ‪ ..‬ولكن عمل به ها ٍو شاب‪ ،‬واستمر إىل‬ ‫مهمة رصد روتيين‪ ،‬تتطلب االهتمام‬
‫وفاته دون كلل أو ملل ‪ ..‬مع أنه عَمِ َل فنياً يف ورشة‬ ‫بعمل جهازين ‪ ..‬األول تلسكوب عاكس متوسط ‪..‬‬
‫ميكانيك ‪ ..‬ولكنه حصل على عدّة منح بعد أعمال‬ ‫عليه ضبطه على إحداثيات متغرية مع الزمن ‪..‬‬
‫رصد هامةٍ مارسها كهاوٍ‪ ..‬مل يُقدّرها إال علماء‬ ‫وتسجيل ما جيده على شاشة املراقبة ‪ ..‬والثاني‬
‫الفلك يف العامل ‪..‬‬ ‫جهاز رص��د رادي���وي خ��اص ‪ ..‬وق��د أعجبه هذا‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪116‬‬
‫مقاومة رسائل التعارف الفضائية‬
‫املراقبة بتوقيعه ‪ ..‬وتوجه إىل اجلهاز اآلخر ‪ ..‬فهو‬ ‫وعندما آلت إليه مهمة تشغيل املرصد للجامعة‬
‫سيطلب الراصد بعد ث��وان ‪ ..‬راق��ب ودق��ق ووقعّ‬ ‫منذ ستة أشهر ‪ ..‬مت اختياره من ضمن الطاقم‬
‫املشاهدة ‪ ..‬ثم ع��اد إىل زاوي��ة الغبار واألدوات‬ ‫التعليمي ‪ ..‬وألنه من هواة الفلك النشطاء ‪ .‬غري أن‬
‫احملجوبة ‪.‬‬ ‫امللل مل يرتكه يهنأ بعمله‪ ،‬بسهولته وحبه له ‪..‬فمنذ‬
‫مرّت على عمر عدة أيام عصيبة ‪ ..‬أمضى وقت‬ ‫شهر بدأ يشعر أن الزمن الفاصل بني عملية رصد‬
‫فراغه كلّه يف البحث عن آلة التسجيل القدمية يف‬ ‫وأخرى طويل جداً ‪ ..‬وقد نفذت الكتب اليت كان‬
‫أسواق املدينة ‪ ..‬ومل جيد إال عدة مناذج موزعة يف‬ ‫يتمنى قراءهتا هبدوء ‪ ..‬بل وأعاد قراءة بعضها ‪،..‬‬
‫احملالت املتخصصة باألجهزة الصوتية والضوئية‬ ‫ثم صنّف نتائج رصده بطريقة ممتازة للمراجعة‬
‫يف مدينة دمشق ‪ ..‬غ�ير أن أح���داً مل يرغب يف‬ ‫وامل��راق��ب��ة واستخالص النتائج ‪ ..‬وعندما عاد‬
‫تأجريها ‪ ..‬أو بيعها بسعرها العادي ‪ ..‬فاجلميع‬ ‫الضجر ب��دأ يتجول ح��ول املرصد ليالً ‪ ..‬ثم يف‬
‫ب�لا استثناء يتعاملون معها كقطعة أث��ري��ة ‪..‬‬ ‫داخل أرك��ان املرصد ‪ ..‬وقرر ترتيب األشياء‪ ،‬أو‬
‫وبعضهم طلب الدفع بالدوالر ‪ ..‬وعندما التفت إىل‬ ‫تنظيف املكان هبدوء أيضاً ‪.‬‬
‫أصحابه وأقاربه يسأهلم مساعدته يف إجياد قارئة‬ ‫مل جيد كثري من األشياء املهمة بني الصناديق‬
‫التسجيالت‪ ،‬وإعارته إياها أليام‪ ،‬تذكر أحدهم أن‬ ‫املصطفة هنا وهناك ‪ ..‬فحتى األدوات املساعدة‬
‫وال��ده كان يستمع لواحدة منها‪ ،‬واجتمع الثالثة‬ ‫يف ال��رص��د أصبحت قدمية ‪ ..‬وغ�ير مفيدة يف‬
‫للتباحث يف الضمانات والتطمينات ‪.‬‬ ‫املنظومات الرقمية اجل��دي��دة ‪ ..‬وعندما وصل‬
‫لنا أن نفرتض أن حسن استقبال صاحب آلة‬ ‫إىل الصناديق اليت توقفنا عندها اليوم أحس بأن‬
‫التسجيل‪ ،‬وموافقته على إع��ارهت��ا ألي��ام كانت‬ ‫اكتشافاً جديداً على وشك الوصول إليه ‪ ..‬فقد‬
‫بضمانة ابنه طبعاً ‪ ..‬ولكن املهم يف هذه العملية‬ ‫ملح أشرطة تسجيل قدمية ‪ ..‬من تلك األشرطة‬
‫أن أخت صاحبه هي اليت دخلت مع اآللة بعد أن‬ ‫العريضة والطويلة ‪ ..‬اليت حتتاج إىل جهاز خاص‬
‫مسحتها وهيأهتا ‪ ..‬كانت تضع حجاباً شرعياً ‪..‬‬ ‫وقرص فارغ يربط به طرف الشريط أثناء القراءة‬
‫وظهر من حركتها أهنا مهتمة جداً هبذا اللقاء ‪..‬‬ ‫‪ ..‬فبحث يف الصناديق اجمل��اورة بسرعة ‪ ..‬ومل‬
‫وأهنا بذلت جهداً كي يوافق والدها على دخوهلا‬ ‫جيد شيئاً من أجهزة التسجيل أو القراءة ‪ ..‬ووجد‬
‫هي باآللة ‪ ..‬فقد كان عمر جزءاً من الذكريات ‪..‬‬ ‫جهازاً فهم أن��ه جهاز استقبال من صنف جهاز‬
‫وشعرت برغبة خفية بأن تنظر إىل هذا الشقي ‪..‬‬ ‫الرصد الراديوي ال��ذي يعمل على مراقبة عمله‬
‫الذي تتذكره صغرياً بشعره األشعث‪ ،‬ولباسه غري‬ ‫وتدفق املعلومات فيه ‪ ..‬ودقق يف البحث أكثر ‪..‬‬
‫املنتظم‪ ..‬يدخل وراء أخيها من باب الدار بسرعة‪،‬‬ ‫فقد خطر له‪ ،‬أن جيد أوراق �اً ومصنفات توضح‬
‫وجيلس على طرف حوض الورد الهثاً ‪ ..‬ينتظر املاء‬ ‫غرض هذا اجلهاز وجزءاً من نتائج عمله ‪..‬‬
‫من أخيها ‪ ..‬أو احلصول على شيء من احللويات‬ ‫دقت إش��ارة التلسكوب تدعو الراصد للقيام‬
‫أو املعجنات (مع كلمات الرتحيب) من أمها‪ ،‬واليت‬ ‫بواجبه ‪ ..‬ف��أس��رع إىل التلسكوب ‪ ..‬ونظر يف‬
‫كانت حترص على التأ ّكد من سالمة خُلق رفاق‬ ‫الشاشة ‪ ..‬ثم بدأ يضبط اإلحدائيات اليت ميكن‬
‫ابنها‪ ،‬وتتعرف إليهم وتسأهلم عن أمساء‬ ‫قراءهتا على اجلهاز‪ ،‬مع القيم اليت جيب أن يكون‬
‫األم واألب واألخوة ‪ ..‬وكانت سلمى تنظر‬ ‫قد وصل إليها يف هذه الساعة ‪ ..‬ثم وضع إشارة‬

‫‪117‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫مقاومة رسائل التعارف الفضائية‬


‫بالرتمجة ‪ ..‬مع أن ذهنه رجّح أن تكون الرتمجة فد‬ ‫إليهما من الزاوية األخرى لباحة املنزل ‪.‬‬
‫متت على سطح األرض ‪ ..‬ألن صوت هاوي الفلك‬ ‫فاجأها عمر وه��و جيلس ق��رب وال��ده��ا وقد‬
‫السابق كان واضحاً ومع ذلك فقد تسلل شك إىل‬ ‫أصبح رجالً واعياً ‪ ..‬ومل يُعّرف أخوها عنها ‪..‬‬
‫نفسه يشعره بوجود شريك آخر يف هذه العملية ‪.‬‬ ‫ك��أن معلومة استقرت يف ق��رارة نفسه ب��أن عمر‬
‫تبني يف هناية املطاف‪ ،‬أن مسباراً فلكياً جيوب‬ ‫يعرف سلمى ‪ ..‬وعندما نظر إىل وجه حامل اآللة‬
‫مناطق واسعة من الفضاء‪ ..‬باحثاً عن إشارات‬ ‫سأل بلهفة‪ ،‬وجسمه حياول الوقوف ‪:‬‬
‫عاقلة ‪ ..‬وأن سكان ذلك املسبار جمموعة كبرية من‬ ‫‪ -‬سلمى ؟‪..‬‬
‫املخلوقات العاقلة املتخصصة يف عملها ‪ ..‬وأهنم‬ ‫‪ -‬أهالً أستاذ عمر ‪..‬‬
‫علّموا هاوي الفلك ماذا يفعل إلكرتونياً كي يُشكل‬ ‫مل تعتقد أهنا ستناديه أستاذ أبداً ‪ ..‬لكنه فجأة‬
‫دارة قادرة على الرتمجة بصورة سريعة وسليمة ‪..‬‬ ‫أصبح رجالً أمامها ‪ ..‬فاعرتفت به وبأنه جدير‬
‫وبدؤوا يتبادلون احلديث بعد ذلك ‪ ..‬فسألوا عن‬ ‫باحرتامها ‪.‬‬
‫طبيعة حياتنا من الناحية البيولوجية والتواصلية‬ ‫خرجت سلمى هبدوء كما دخلت ‪ ..‬وأصبحت‬
‫‪.‬‬ ‫املفاوضات يف املرتبة الثانية بالنسبة لعمر ‪ ..‬وكاد‬
‫ووع������دوه ب��إي��ض��اح��ات ع���ن ح��ي��اهت��م ‪ ..‬يف‬ ‫يوافق على أن يأتي بالتسجيالت ويسمعها عند‬
‫التسجيالت ف�ترات طويلة متحور احلديث فيها‬ ‫صديقه ‪ ..‬لكن األب هو الذي بادر‪ ،‬وسهّل األمر ‪:‬‬
‫عن اجلغرافيا والتاريخ البشري ‪ ..‬ونقاشات غري‬ ‫‪ -‬على أي ح��ال‪ ،‬ويف سبيل العلم‪ ،‬ميكن أن‬
‫واضحة يف أم��ور سياسية مبهمة ‪ ..‬ومل يتضح‬ ‫أعطيك إياها ملدة أيام ‪ ..‬وإن حدث شيء هلا اتصل‬
‫سبب سوء الفهم إن كان من الراصد أم الغرباء‬ ‫بي ‪.‬‬
‫‪ ..‬وبقيت نقاط كثرية غامضة‪ ،‬دفعت بعمر إىل‬ ‫أص�����اب ع��م��ر ال����ذه����ول ل��ب��ع��ض ال���وق���ت ‪..‬‬
‫اف�تراض وج��ود أشرطة مفقودة ‪ ..‬ووض��ع خطة‬ ‫فالتسجيالت تتحدث بلسان الراصد السابق‪ ،‬عن‬
‫للبحث عنها ‪ ..‬غري أنه اكتشف إرهاقاً مرتاكماً يف‬ ‫مناقشات جرت بصورة دورية مع أحد ما ‪ ..‬من‬
‫عضالته وما بني مفاصله ‪ ..‬فاستسلم للنوم‪.‬‬ ‫مكان ما ‪ ..‬وعندما أفاق من ذهوله‪ ،‬كان قد قرر‬
‫استيقظ عمر وكأنه أسقط كل األمح��ال اليت‬ ‫العمل على مساع كل مهسة ‪ ..‬وبيده القلم يسجّل‬
‫كانت تؤرقه منذ أشهر‪ ،‬وابتسم حامداً اهلل على‬ ‫ملخص ما يفهم ‪ ..‬ويبدو أنه جاد يف قراره وأنه لن‬
‫شعور الراحة والثقة الذي وجده ميأل كيانه ‪ ..‬نظر‬ ‫يتوقف عن السماع حتى تنتهي األشرطة كلها‪..‬‬
‫يف الساعة ‪ ..‬ومل يفهم كم ساعة نام ‪ ..‬ثم نظر إىل‬ ‫اتضحت ال��ص��ورة بعد ع �دّة س��اع��ات ‪ ..‬فقد‬
‫األجهزة من حوله ‪ ..‬وتذكر األشرطة‪ ،‬فلما نظر‬ ‫متكن اهل��اوي أبو فادي من االتصال السلكياً مع‬
‫إىل األجهزة وجد سلمى تقرتب لتضع بني يديه‬ ‫جمموعة من األشخاص ( أو رمبا هلما صفة غري‬
‫قارئ األشرطة النظيف ‪ ..‬وملح نظرهتا اجلذابة‬ ‫الشخص ) ‪..‬كان جزء منها تعارفاً ‪ ..‬وجزء فيه‬
‫‪ ..‬ودهشتها اللطيفة ‪ ..‬متاماً كما يف األمس ‪..‬‬ ‫تدقيق معلومات ‪ ..‬ومل يستطع معرفة القناة اليت‬
‫غري أن أشرطة جديدة محلتها له سلمى مع اآللة‬ ‫تواصلوا عربها أو اللغة اليت حتدثوا هبا ‪ ..‬فقد كان‬
‫ثم غابت ‪..‬‬ ‫صوت الغرباء متقطعاً ‪ ..‬أقرب إىل صوت املرتجم‬
‫يا اهلل ‪ ..‬تلك سلمى اليت كانت تنظر عن بعد؟‬ ‫اآليل ‪ ..‬ومل جيد أثراً يدل على اجلهة اليت قامت‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪118‬‬
‫مقاومة رسائل التعارف الفضائية‬
‫والطاقة السكرية ‪ ..‬ورمبا لسب آخر ‪ ..‬غري أن‬ ‫‪ ..‬وتقف متجمدة قرب باب املطبخ‪ ،‬تنتظر خروج‬
‫أهم ما يف األم��ر أن أم سلمى مل تقدّم هلما مرّة‬ ‫أمها لتحتمي هبا ‪ ( .‬لقد كربت يا سلمى ) ‪ ..‬قال‬
‫ّ‬
‫املفضلني‪.‬‬ ‫شطرية‪ ،‬إال وكان ابنتها أول‬ ‫يف نفسه‪ ،‬وم�لأ قلبه س���رور ط��ف��ويل ‪ ..‬وأحس‬
‫وكانا غالباً ما يأكالن الشطائر ومها يقفزان‬ ‫بتيار يلف القلب مل يعهد مثله من قبل ‪ ..‬ملس آلة‬
‫هنا وهناك ‪ ..‬فإذا ما غابت األم‪ ،‬قفزوا فوق حبرة‬ ‫التسجيل ‪ ..‬فأحس وكأنه ملس يدها اليت محلتها‬
‫املنزل ‪ ..‬وتراشقوا باملاء ‪ ..‬فتبتعد سلمى أكثر ‪..‬‬ ‫باألمس ‪..‬‬
‫غري أهنا ال ترتاجع عن دقة مراقبتها وحرصها على‬ ‫‪ -‬يا للعجب ‪ ..‬هل ق��دري أن أج��د األشرطة‬
‫املتابعة قيد أمنلة ‪.‬‬ ‫ورجال الفضاء‪ ،‬أم أن أجد سلمى ‪ ..‬ال أدري بأيهما‬
‫كسرت إشارات إلكرتونية حاجز املاضي الذي‬ ‫أفرح أكثر ‪..‬‬
‫سيطر على املكان ‪ ..‬ثم تلتها إشارات أخرى تدعو‬ ‫رفض عمر قبل هذا الوقت فرصاً كثرية للتعارف‬
‫الراصد إىل القيام بواجبه ‪ ..‬غري أن عمر بقي‬ ‫مع اجلنس اآلخر بأسلوب احلفالت اجلامعية‪ ،‬أثناء‬
‫جالساً خم��دراً ‪ ..‬ومع غياب ص��ورة سلمى وهي‬ ‫دراسته يف علوم الرياضيات والفلك ‪ ..‬وكان يشعر‬
‫الواقفة يف زاوية بيتها منذ عقدين من الزمان ‪..‬‬ ‫أن زميالته يف الدراسة اخوته ورفاقه ‪ ..‬وعندما‬
‫ثارت يف داخله زوبعة قوية على أساس اإلحساس‬ ‫بدأ ميارس هوايته الفلكية يف الرصد والتصوير‪،‬‬
‫بالواجب‪ ،‬مع دوافع داخلية قوية للبحث عن أشياء‬ ‫مع زمالئه يف مجعية ه��واة الفلك السورية ‪..،‬‬
‫أخ��رى بالقرب من صندوق أشرطة التسجيل ‪..‬‬ ‫تعّرف على بعض الفتيات الالتي شاركنه هواياته‬
‫وك��ان البد من إخ��راج املستقبل وفحصه ‪ ..‬لكن‬ ‫واهتماماته ‪ ..‬ولكن نظرة سلمى‬
‫اخلدر يف أعضائه كان أقوى ‪ ..‬فاستلقى من جديد‬ ‫ال يضاهيها شيء مرّ معه سابقاً ‪ ..‬إهنا حتمل‬
‫على فراشه‪ ،‬يبحث عن دافع جيربه على االختيار‪.‬‬ ‫اطمئنان املاضي‪ ،‬ويفوح من حركتها حنان األم‬
‫انتهى عمر من جتهيز آلة استقبال اإلشارات‬ ‫املتفهمة ‪ ..‬وهي تشجع صغريهتا لتلعب مع أخوها‬
‫اخلارجية بالتعاون مع صديقه أخو سلمى‪ ،‬فقد‬ ‫ورفيقه ‪.‬‬
‫تبني أن��ه ممتاز يف صيانة األج��ه��زة اإللكرتونية‬ ‫قدري إذن أن أجد سلمى‪ ،‬بعد أن غابت عن ذهين‬
‫‪ ..‬وك��ان قد رافقه بعد أن قصّ عمر على أسرة‬ ‫متاماً ‪ ..‬ومل أذكرها كفتاة أحالم بعد أن غادرنا‬
‫سلمى ما حصل معه فشجعوه على املتابعة‪ ،‬وتطوّع‬ ‫حارهتم ‪ ..‬هل خبأك القدر يل يا سلمى؟‪..‬‬
‫صديقه للمساعدة ‪ ..‬وهامها قد أهنيا عمليات‬ ‫حدّث نفسه بصوت خافت مرّة أخرى مسلماً‬
‫الصيانة ‪ ..‬ووصل مداخل اجلهاز وخمارجه مع‬ ‫لرغبته القوية أن تكون سلمى نصيبه ‪ ..‬وكان قد‬
‫أدوات الكمبيوتر ‪ ..‬دون احلاجة آللة التسجيل‬ ‫وقف واجته إىل زاوية حتضري املشروبات الساخنة‪،‬‬
‫القدمية ‪ ..‬وبقي معرفة تردد االتصال ‪ ..‬قال عمر‬ ‫فبدأ بتحضري القهوة ‪ ..‬غري أن��ه تركها بسرعة‬
‫لصديقه ‪:‬‬ ‫‪..‬وم��ال إىل ال�براد الصغري ففتحه‪ ،‬وم��د ي��ده إىل‬
‫‪ -‬أشك يف أن يكون الرتدد القديم الذي رأيناه‬ ‫زاوية بعيدة فيه فالتقط مربى املشمش‪ ،‬ووضعه‬
‫مضبوطاً يف اجلهاز‪ ،‬هو ت��ردد التواصل ‪ ..‬فقد‬ ‫قرب قطعة اجلنب األبيض ‪ ..‬فقد كانت هذه أهم‬
‫حافظ على سريّة عمله ‪ ..‬فلماذا يرتك‬ ‫شطرية تناوهلا يف منزل صديقه يف فرتة الصبا ‪..‬‬
‫الرتدد هكذا ببساطة؟‪.‬‬ ‫رمبا ألن فيها احللو وامل��احل ‪ ..‬أو امل��ذاق اللطيف‬

‫‪119‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫مقاومة رسائل التعارف الفضائية‬


‫ماهو برأيك هدفهم من تواصلهم مع الراصد ؟‪..‬‬ ‫‪ -‬سنجرّب على أي حال ‪ ..‬وأنت تابع البحث‬
‫أسئلتهم كانت تفصيلية ‪..‬‬ ‫عن وثائق أو أشرطة أخرى ‪ ..‬رمبا سجل الرتدد‬
‫‪ -‬ح��اول م��ع أق���ارب مسجل ال��ص��وت ‪ ..‬رمبا‬ ‫يف مكان ما‪.‬‬
‫لديهم أش��ي��اء يف بيته ت��ش��رح بعض األم���ور‪ ،‬ثم‬ ‫ً‬
‫وبالفعل‪ ،‬فقد وج��د عمر رق��م�ا بالقرب من‬
‫وبالنسبة لغرضهم من التواصل فال تشغل بالك ‪..‬‬ ‫املكان املتوقع لعمل اجلهاز قبل ختزينه ‪ ..‬وكان‬
‫أمل خيلقنا اهلل لنتعارف ‪ ..‬األمور ال تقاس باملنافع‬ ‫هذا بعد ذهاب صديقه ‪ ..‬وضمن جولة البحث ما‬
‫املادية ‪..‬‬ ‫بني الصناديق املبعثرة يف الزوايا ‪ ..‬وعلى أحجار‬
‫‪ -‬نعم أفهم ذلك ‪ ..‬الصعب عندي أن أصدق‬ ‫احليطان وضبط على ما ظنه الرتدد املناسب ‪ ..‬ثم‬
‫وجود هدف لتواصلهم معنا‪.‬‬ ‫بدأت أصعب ساعات االنتظار‪ ،‬فتوقف عن زيارة‬
‫وصلت الضيافة‪ ،‬فأسرع صديقه ليأتي هبا ‪..‬‬ ‫اجلامعة ‪ ..‬وتكاد ال متر دقيقة‪ ،‬إال وينظر إىل‬
‫وأحس عمر بسلمى تتمنى أن تراه أثناء حركة الباب‬ ‫اجلهاز يستنطقه‪.‬‬
‫‪ ..‬وكان قد أحس باقرتاهبا‪ ،‬وأهنا تبث الطمأنينة‬ ‫كانت اإلشارات املوسيقية خميبة آلمال عمر ‪..‬‬
‫والسالم ‪ ..‬وكأهنا بقربه تبادله احلديث أو ختفف‬ ‫فقد وصلت أصوات رتيبة ‪ ..‬تكررت عدّة مرات‬
‫عنه مصاعب احلياة ‪..‬‬ ‫كل ساعة ‪ ..‬ومل يفهم منها شيئاً ‪ ..‬غري أنه تذكر‬
‫‪ -‬س��ل��م��ى ‪ ..‬ه����ذه ال��ع��ف��ري��ت��ة ال��ب��ل��ي��دة ‪..‬‬ ‫فيلم اخليال العلمي الذي تواصل فيه العلماء مع‬
‫أتذكرها؟‪..‬‬ ‫الصحون الطائرة بفك شفرة ت���رددات خمتلفة‬
‫‪ -‬وكيف ال ‪ ..‬أما زالت هادئة ومساملة ؟‪..‬‬ ‫إلشارات ضوئية ‪ ..‬فهل هذه النغمات لغز حيتاج‬
‫‪ -‬الطبع ال يتغري ‪ ..‬ولكنها ذكية وحنونة واحلمد‬ ‫إىل حل ؟‪ ..‬سيكون هذا صعباً جداً ‪ ..‬فمن أين له‬
‫هلل ‪ ..‬تساعدني كثرياً ‪..‬‬ ‫بعلم فك الرموز ؟‪ ..‬وأين سيتعلمه ‪ ..‬بل ملاذا ؟‪..‬‬
‫‪ -‬لقد عرفتها مباشرة رغم حجاهبا ‪.‬‬ ‫زار عمر صديقه وهو مرهق وقلق ‪ ..‬وعندما‬
‫‪ -‬أي��ام مضت ‪ ..‬سألتين عن كل خطوة قمت‬ ‫وصل احلديث إىل التسجيالت الم عمر نفسه أمام‬
‫هبا ‪ ..‬إهنا هتتم كثرياً بأخبار رجال الفضاء الذين‬ ‫صديقه قائالً ‪:‬‬
‫يزورون األرض ‪.‬‬ ‫‪ -‬لقد فكرّت أن األشرطة تتحدث عن حماولة‬
‫‪ -‬وهل تؤمن بذلك ؟‪..‬‬ ‫الغرباء تعليم الراصد كيف يصنع دارة إلكرتونية‬
‫‪ -‬أو ال تؤمن أنت ؟‪ ..‬أم هو عمل فقط بالنسبة‬ ‫تقوم برتمجة حديثهم ‪ ..‬كيف سيفهم‬
‫لك ‪..‬‬ ‫ما يطلبونه منه قبل أن يتعلم الرتمجة ؟‪ ..‬كان‬
‫‪ -‬أؤم��ن بأن اهلل خلق خلقاً كثرياً ‪ ..‬ولكين ال‬ ‫ظين سخيفاً ‪ ..‬ثم إني مل أجد يف كل الصناديق‬
‫أميل لتصديق الروايات الغربية ‪..‬‬ ‫شيء يشبه دارة إلكرتونية ‪.‬‬
‫‪ -‬طبعاً‪ ..‬ال أقصد بالتحديد الرؤية الغربية ‪..‬‬ ‫‪ -‬تذكر ؟‪ ..‬كان يف جهاز االستقبال مقابس‬
‫الفكرة من حيث املبدأ‪.‬‬ ‫خاصة للسّماعات‪ ،‬وأخرى للميكرفون ‪ ..‬هذا يعين‬
‫‪ -‬وسلمى تتابع أخبارهم إذن ‪..‬‬ ‫أن الرتمجة تتم يف جزء من اجلهاز يف املرصد ‪ ..‬أو‬
‫‪ -‬نعم ‪ ..‬ولذلك أرادت معرفة كل شيء عن ما‬ ‫يف اجلهاز الذي عند املرسل ‪..‬‬
‫متر به أنت هذه األيام ‪.‬‬ ‫‪ -‬صحيح ‪ ..‬رمبا تتم الرتمجة هناك ‪ ..‬ولكن‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪120‬‬
‫مقاومة رسائل التعارف الفضائية‬
‫يف هذا التواصل ‪ ..‬وطريقة عملك أثناءه‪ ،‬وبعد‬ ‫‪ -‬احلقيقة‪ ،‬أن اتصال أب��و رام��ي مبخلوقات‬
‫حدوثه ‪ ..‬هي اليت جتعل من أجر عملك حسنة‬ ‫خارج أرضنا واضح جداً من التسجيالت ‪ ..‬ولكن‬
‫أو سيئة ‪.‬‬ ‫املعلومات اليت طلبوها ال تبدو منسجمة مع تلك‬
‫‪ -‬نعم ‪ ..‬فهمت ‪..‬‬ ‫االتصاالت ‪..‬‬
‫ت��دخ��ل أخ��وه��ا بعد استسالم عمر املباشرة‬ ‫‪ -‬لديك شكوك ‪..‬‬
‫للفكرة دون مناقشة ‪..‬‬ ‫‪ -‬ال أدري ‪ ..‬أشعر أن��ي فقدت االهتمام ‪..‬‬
‫‪ -‬ك�لام منطقي ‪ ..‬ف��أن��ت ت��رغ��ب يف النزهة‬ ‫التعارف بني اخلالئق رائ��ع‪ ،‬ومجيل ‪ ..‬ولكن ما‬
‫اجلميلة يف املزارع أو على شاطئ البحر ‪ ..‬وهذا‬ ‫فائدته ؟‪ ..‬أال ميكن أن يكون األمر مجع معلومات؟‬
‫ال يزيد احلسنات وال ينقصها ‪ ..‬ولكن ما تقوم‬ ‫‪ ..‬رمبا من جمموعات غريبة‪.‬‬
‫به من حتضري وسفر وممارسة هناك ‪ ..‬هو ما‬ ‫‪ -‬التعارف ‪ ..‬أظ��ن أن كل املخلوقات تسعى‬
‫يستحق األجر‪..‬‬ ‫لصنع عالقة مع احمليط‪ ،‬القريب والبعيد‪ ،‬الواضح‬
‫‪ -‬نعم ‪ ..‬نعم ‪ ..‬فهمت ‪ ..‬مدخل مجيل ودقيق‬ ‫والغامض ‪ ..‬استغالل هذا الطبع وارد طبعاً ‪.‬‬
‫‪..‬‬ ‫‪ -‬وم��اذا إن بقينا دون تعارف ؟‪ ..‬هل تنقص‬
‫‪ -‬وعن التقارير لرؤسائك عليك الرتيث‪ ،‬فأنت‬ ‫حسناتنا أو تزداد ؟‪..‬‬
‫لست خمرباً لتنقل التفاصيل لتستفيد منها جهة‬ ‫‪ -‬رمبا ال تنقص وال تزداد ‪ ..‬األمر خمتلف ‪..‬‬
‫أخرى ‪ ..‬عليك إج��راء جتارب ومتحيص النتائج‬ ‫رمبا ألن اإلنسان حيوان اجتماعي فهو كوني ‪..‬‬
‫قبل اإلبالغ ‪ ..‬ثم توضح التفاصيل العلمية‪.‬‬ ‫‪ -‬ال تفهمين بصورة خاطئة ‪ ..‬أنا موظف ‪..‬‬
‫عاد عمر من لقائه اجلميل بعدد من الفوائد‬ ‫وعليّ تقديم تقرير مبا حيدث يف املرصد ‪ ..‬إذا‬
‫واملشاعر ‪ ..‬واخل��ط��وة العملية الرئيسية كانت‬ ‫قلت هلم إن اتصاالً مت بني رجال فضاء والراصد‬
‫سلسلة من التدابري املفيدة يف جمال كشف مصدر‬ ‫القديم فما ردهم ؟‪ ..‬وإن قلت إني أنا على تواصل‬
‫اإلش��ارات ‪ ..‬وكان متشوقاً أن يكون ال�تردد الذي‬ ‫معهم فاملصيبة أكرب ‪ ..‬املستفيد الوحيد سيكون‬
‫وضعه صحيحاً ‪ ..‬رغ��م أن��ه أع��اد مس��اع بعض‬ ‫اإلعالم ‪..‬‬
‫األشرطة ليتأكد من مساعه لعبارة تؤكد الرقم‬ ‫نقرت سلمى الباب ‪ ..‬وعندما فتح أخوها‬
‫الرتددي الذي وجده مكتوباً على احلائط ‪.‬‬ ‫الباب فهم أهنا تطلب إذناً بالدخول ‪ ..‬ومل ميانع‬
‫كانت بداية االستقبال إشارة دورية إلكرتونية‬ ‫أبداً ‪ ..‬فدخلت تنظر إىل عمر‪.‬‬
‫وهي مرمّزة مل يفهم منها شيئاً ‪ ..‬وكانت تتكرر كل‬ ‫‪ -‬وعليكم السالم سلمى ‪ ..‬كيف احلال ؟‪..‬‬
‫ربع ساعة تقريباً‪ ،‬ففهم أهنا إعالن عن الوجود ‪..‬‬ ‫‪ -‬ال بأس ‪ ..‬آسفة ‪ ..‬أشعر أني قد أفيدكم ‪..‬‬
‫وعليه أن يرسل شيئاً ليصبح التواصل معه مقصوداً‬ ‫‪ -‬تفضلي ‪..‬‬
‫‪ ..‬فحاول إرسال شيئاً ما‪ ..،‬ووجد تفسه يقول‪( :‬هنا‬ ‫سلمى ‪ :‬رغبة اإلنسان يف التواصل مع الغرباء‪،‬‬
‫مرصد مراغة حوّل)‪ ..‬وبعد ساعة ونصف تقريباً‬ ‫حتى على مستوى الكواكب و اجمل���رات‪ ،‬حاجة‬
‫حصل على نداء واضح باللغة العربية ‪ .‬فرتك ما‬ ‫داخلية ‪ ..‬وب��ذل��ك سعى إليها اإلن��س��ان قدمياً‪،‬‬
‫بيده من تسجيل لألرصاد الروتينية اليت‬ ‫وخيطط هلا اليوم ‪ ..‬وبالتايل ال نستطيع السؤال‬
‫كان يقوم هبا‪ ،‬وجلس بسرعة يسجّل بالقلم‬ ‫ببساطة‪ ،‬هل تزيد احلسنات أم تنقصها؟ ‪ ..‬نيتك‬

‫‪121‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫مقاومة رسائل التعارف الفضائية‬


‫البدء بأي شيء ‪ ..‬وإال كان عمالً روتينياً ‪ ..‬أو‬ ‫ما فهم من النداء‪.‬‬
‫تضيع نتائجه دون طائل ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫نادوه على أنه مرصد مراغة كما مساه الراصد‬
‫معك حق ‪ ..‬أحتاج إىل معلومات كثرية حول هذا‬ ‫أبا فادي يف تسجيالته ‪ ..‬ورحّب بعودته لالتصال‬
‫املوضوع ‪ ..‬والثقافة ‪ ..‬ولكين أقصد شيئاً آخر‬ ‫‪ ..‬وعندما ج��اءت بعض االس��ت��ف��س��ارات‪ ،‬سبقه‬
‫أيضاً حتتاجه حياتي قبل الفكرة ‪.‬‬ ‫اخلوف وأرسل عبارة (الراصد القديم توفى ‪ ..‬أنا‬
‫‪..........‬؟‪.‬‬ ‫شاب أعمل مكانه) وأغلق اجلهاز ‪.‬‬
‫‪ -‬لقد رأيت سلمى بعد غياب طويل ‪ ..‬وأشعر‬ ‫لقد غلبه شعور عدم االطمئنان‪ ،‬وقال يف نفسه‬
‫أهنا تفهمين ‪..‬‬ ‫‪:‬‬
‫تلعثم عمر‪ ،‬ومل يتم كالمه ‪ ..‬وامحر وجه سلمى‬ ‫‪ -‬وماذا إذا أعطاني وصفاً لكوكبه ‪ ..‬وأمساء‬
‫وخفضت بصرها ‪ ..‬وابتسم صاحب عمر من‬ ‫شوارعه ‪ ..‬ودعاني إليه ‪ ..‬هل سأذهب؟‪ ..‬وهل‬
‫املوقف ‪ ..‬وبدا أن طلب عمر أصبح معروفاً ‪.‬‬ ‫يصرفون هم كل هذه الكلفة واالهتمام دون أهداف‬
‫تدرج عمر يف تواصله مع رجال الفضاء ببطء‪،‬‬ ‫مادية ؟‪..‬‬
‫ولكن حتسُّنه كان ملحوظاً‪ ،‬وبدأت مشاعر الشك‬ ‫وع��اد بذهنه إىل اجتماع األم��س مع صاحبه‬
‫تزول مع األيام‪ ،‬أو أنه بدأ يتحكم مبشاعره جتاه‬ ‫وسلمى‪ ،‬حيث أقر اجلميع بأن الشك يف النوايا‬
‫التواصل حبيث يبدو أنه عادي‪.‬‬ ‫لن ينتهي ‪ ..‬وأن االتصال قد يكون من دولة أخرى‬
‫وكان الفضل يف هذا يعود إىل خطيبته سلمى‬ ‫على هذه األرض ‪ ..‬أو من ها ٍو يتسلى ‪ ..‬ومع أنه‬
‫بالدرجة األوىل‪ ،‬فقد هوّنت عليه أمر ما يسألون‬ ‫وعدهم جم��اراة االتصال وحماولة معرفة شيء‬
‫عنه‪ ،‬وأوحت له أن ما يقومون به اآلن هو حماولة‬ ‫عن مصدره وغايته‪ ،..‬إال أنه مل يتمكن من متابعة‬
‫بناء ثقة متبادلة‪ ،‬وأن زمام املبادرة يف يده ‪ ..‬ثم‬ ‫اللعبة ‪ ..‬وأحس أن هذا هدر للوقت ‪ ..‬وغياب يف‬
‫إهنا تعاونت مع أخيها للتأثري على عمر حبيث يكون‬ ‫األحالم ‪.‬‬
‫هو من يطلب اإلجابات ‪ ..‬وأن ير ّكز على أسئلة‬ ‫دخ��ل عمر إىل بيت صديقه ويف نيته وضع‬
‫تتعلق بأفكارهم عن الكون واحلياة والنهاية اليت‬ ‫النقاط على احلروف ‪ ..‬وحلسن احلظ حضرت‬
‫يتصوروهنا ‪ ..‬ويف ذلك اللقاء بالتحديد وصل عمر‬ ‫سلمى مباشرة مع أخيها ‪ ..‬وظهر أهنما متشوقان‬
‫إىل رؤية واضحة عن الربنامج الذي ينوي تنفيذه‪،‬‬ ‫لسماع األخبار‪.‬‬
‫خلصه هلم قائالً ‪:‬‬‫و ّ‬ ‫‪ -‬امسعا ‪ ..‬قبل أن أتعامل مع غرباء من رجال‬
‫‪ -‬إذن ترون أنه مهما كانت غايتهم ‪ ..‬أو كان‬ ‫الفضاء ‪ ..‬وأبين معهما عالقة‪ ،‬علي أن أرتب نفسي‬
‫وطنهم‪ ،‬عليَّ أن أح��اوره��م وكأهنم رج��ال فضاء‬ ‫‪ ..‬أليس كذلك ؟‪..‬‬
‫بكل معنى الكلمة ‪ ..‬وأن أحوِّل انتظاري ألسئلتهم‬ ‫‪ ....... -‬؟‪.‬‬
‫وحريتي يف اإلجابة‪ ،‬إىل مبادرة بالسؤال وطلب‬ ‫‪ -‬وعليه‪ ،‬نويت أن أطلب منك طلباً هاماً يل‬
‫اجلواب منهم ‪ ..‬وتكون أسئليت هلم حول فكرهم‬ ‫شخصياً ‪ ..‬ومن بعدها نتباحث يف أمر الغرباء‪.‬‬
‫ورؤيتهم للعامل ‪ .‬فقال أخو سلمى ‪:‬‬ ‫سلمى ‪ :‬معك حق يا عمر ‪ ..‬كثري من األمور‬
‫‪ -‬احلمد هلل ‪ ..‬أخ�ي�راً وضعت النقاط على‬ ‫ال نستطيع التعامل معها قبل أن نؤمن هبا‪ ،‬ونطوّر‬
‫احلروف ‪.‬‬ ‫أفكارنا حوهلا‪ ،‬البد من امتالك الفكر املناسب قبل‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪122‬‬
‫مقاومة رسائل التعارف الفضائية‬
‫‪ -‬نقصد ال وج��ود هلا كما تصفوهنا أنتم ‪..‬‬ ‫فتابعته سلمى ‪:‬‬
‫وال تستغرب ذلك ‪ ..‬منذ متى وأنتم تدركون هذه‬ ‫‪ -‬نعم ‪ ..‬هذا أسلوبه على ما يبدو ‪ ..‬حيب أن‬
‫التسميات ‪ ..‬مئة عام ال أكثر ‪ ..‬أي أهنا مل تكن‬ ‫يفهم كل شيء أوالً ثم يأخذ موقفاً‬
‫موجودة ألبناء القرون السابقة ‪.‬‬ ‫‪ -‬ولكن ليس يف كل ش��يء ‪ ..‬ال ينتظر األمر‬
‫‪ -‬عَر َفَ علماء العرب املسلمون الضوء واجلزء‬ ‫واضح مين أخذ ورد ‪...‬‬
‫الذي ال يتجزأ ‪ ..‬أي الذرة‪.‬‬ ‫ً‬
‫سلمى ‪ -‬من اجلميل أن تكون حذرا ‪ ..‬غري أن‬
‫‪ -‬ولكنها ليست إلكرتوناً وال فوتوناً ‪ ..‬ثم ستجد‬ ‫إصرارك على معرفة هدفهم قبل اآلن غري منطقي‬
‫أن تلك املفاهيم أيضاً ظهرت يف فرتة حمدودة من‬ ‫‪ ..‬فإن كان هدفهم يضرُّنا لن خيربوك به ‪ ..‬وإن‬
‫عمر البشرية ‪ ..‬وأكثر من ذلك ‪ ..‬ما قولك عن‬ ‫كان يفيدنا سيزيد من شكك هبم ‪..‬‬
‫األثري ‪ ..‬أو اهليوىل ‪ ..‬إهنا من املفاهيم اليت اندثرت‬ ‫‪ -‬نعم سيطرت علي هذه الفكرة ‪ ..‬ومازلت‬
‫وثبت بطالهنا ‪ ..‬بل وض َّللَت العلماء مئة عام على‬ ‫أرى قطع االتصال هبم أوىل ‪ ..‬ولكن من أجلكم أوالً‬
‫األقل أيضاً ‪.‬‬ ‫‪ ..‬وكي ال أندم يف املستقبل علىَّ دخول مثل هذه‬
‫‪ -‬صحيح ‪ ..‬فما قولكم إذن ‪.‬‬ ‫املغامرة‪ ،‬سأبدأ معهم بالطريقة اجلديدة‪.‬‬
‫‪ -‬يف بداية القرن العشرين ثبتُ بطالن تلك‬ ‫سلمى ‪ :‬ال تُحمِّل األمر ‪ ..‬اعتربه تسلية ‪..‬‬
‫املصطلحات وأُلغيت من القاموس العملي ‪ ..‬هل‬ ‫‪ -‬ال أستطيع اعتباره تسلية ‪ ..‬فإن كانوا جادين‬
‫خَ�دَعَ�تْ البشرية نفسها ألف ع��ام؟ ‪ ..‬الشك أن‬ ‫آذيتهم باستخفايف باألمر ‪ ..‬وقد نضيِّع معلومات‬
‫العلماء كانوا راضني عن األثري ألنه يكمل النموذج‬ ‫هامة قدَّر اهلل وصوهلا إلينا بإمهالنا ألمهيتها ‪..‬‬
‫يف ذهنهم وليس ألنه م��ادة حقيقية ‪ ..،‬األم��ر ال‬ ‫أخو سلمى ‪ -‬هذا رد من نفس املنطق الذي‬
‫يتعلق حبقيقة امل��ادة ‪ ..‬بل يتعلق باحلسّاسات‬ ‫اعتمدته سلمى يف بادئ األمر ‪ ..‬وأرى أن األمر‬
‫وقواعد اإلدراك ‪..‬‬ ‫حسن ‪ ..،‬وهذه فرصة يتمناها أي إنسان ‪..‬‬
‫‪ -‬فهمت م��ن احلساسات وس��ائ��ل استقبالنا‬ ‫م��رت ع��دة أي��ام وال��ت��واص��ل ب�ين عمر ورجال‬
‫للمؤثرات اخلارجية ‪ ..‬كالبصر والذوق واللمس‪،‬‬ ‫الفضاء يسري بوترية مقبولة ‪ ..‬ثم بدأت خلفية عمر‬
‫وأدوات قياسنا كمقاييس الكهرباء واحلرارة والزمن‬ ‫العلمية تطغى على نوعية األسئلة ‪:‬‬
‫وما شابه ذلك ‪ ..‬ولكن ماهي قواعد اإلدراك ؟‪..‬‬ ‫‪ -‬كيف تنتقلون كل هذه املسافات الكبرية جداً‬
‫‪ -‬صحيح ‪ ..‬ك��ل م��ا تسجلون ب��ه املؤثرات‬ ‫؟‪..‬‬
‫اخلارجية هي حساسات ‪ ..‬تنقل لكم أثراً ما إىل‬ ‫‪ -‬الفوتونات تنتقل أسرع منا ‪..‬‬
‫الدماغ أو األجهزة ليتم معاجلتها والتدقيق فيها‬ ‫‪ -‬األمر خمتلف ‪ ..‬هل أنتم من طبيعة الفوتونات‬
‫وختزينها ‪ ..‬إىل ما هنالك ‪ ..‬لكن كل احلساسات‬ ‫؟‪..‬‬
‫حمدودة من حيث جمال العمل ‪ ,‬ولذلك ليس لديكم‬ ‫‪ -‬قلنا لك فوتونات لتتصور الفكرة ‪ ..‬ولكن‬
‫تصور واحد متكامل عن العامل ‪ ..‬حتتاجون دائماً‬ ‫بالنسبة لنا ال ت��وج��د ف��وت��ون��ات وإل��ك�ترون��ات و‬
‫إىل جتزيئ الظاهرة الواحدة ‪ ..‬الفكرة اهلامة اليت‬ ‫بروتونات وما شابه ذلك ‪...‬‬
‫نودُّ قوهلا لك اآلن أن كل تلك التسميات هي‬ ‫‪ -‬تقصد أن هذه اجلسيمات غري موجودة أصالً‬
‫لشيء واحد ‪ ..‬التجزئة متت يف ذهنكم‬ ‫‪ ..‬أم أن تسمياتكم هلا خمتلفة ؟‪.‬‬

‫‪123‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫مقاومة رسائل التعارف الفضائية‬


‫وهو بتعريفكم هدوء أبدي بانتظار يوم احلساب‬ ‫أنتم‪ ،‬ثم نقلتموه ملن بعدكم دون السماح بالتغيري‬
‫‪ ..‬أي يتوقف الزمان ‪.‬‬ ‫إال للبعض ‪...‬‬
‫‪ -‬امل��وض��وع خمتلف ‪ ..‬يف ال�برزخ انتظار يوم‬ ‫‪ -‬ت���ري���د ال���ق���ول إن ال���ف���وت���ون ك���ال�ب�روت���ون‬
‫القيامة ‪..‬‬ ‫كاحلرارة؟‪..‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫‪ -‬وهل يَعُدّ أو يُدرك زمنا معينا ؟‪ ..‬إنه زمن‬ ‫‪ -‬نريد القول إن كل تسمية هي جزء صغري‬
‫أبدي برأيكم ‪ ..‬أي الزمان بالنسبة له ‪..‬‬ ‫جداً من الواقع ‪ ..‬الكون واحد خلقه إله واحد ‪..‬‬
‫‪ -‬هل أنتم من مرحلة الربزخ ؟‪...‬‬ ‫التجزئة حدثت من قواعد اإلدراك لديكم ‪ ..‬وهي‬
‫‪ -‬ال حنن خملوقات أخ��رى ‪ ..‬ولكن موضوع‬ ‫التسلسل الزمين‪ ،‬والتحديد املكاني‪ ،‬والنماذج اليت‬
‫الزمان غري مطروق عندنا ألن��ه ليس مكوناً يف‬ ‫تقيسون عليها‪ ،‬واللغات اليت تصيغون هبا نتائج‬
‫حياتنا ‪...‬‬ ‫فهمكم للظواهر ‪..‬‬
‫وكأنك أحملت أن البشر فقط يشعرون بالزمان‬ ‫‪ -‬أال تستخدمون التسلسل الزمين والتحديد‬
‫‪ ..‬هل هذا سبب حاجتنا إىل قواعد اإلدراك؟‪..‬‬ ‫املكاني ‪ ..‬كيف تتفامهون ؟‪ ..‬كيف تتصل معي‬
‫وملاذا حنن بالذات ؟‪.‬‬ ‫مبوعد حمدّد ؟‪.‬‬
‫ها قد وصلت إىل نقطة حرجة ‪ ..‬نعم وجود‬ ‫‪ -‬أنت ختتار الوقت ‪ ..‬أما حنن ففي تواصل‬
‫التسلسل الزماني يف حياتكم فرض بقية القواعد‪،‬‬ ‫معك فقط ‪ ..‬الوجود لوقت حمدد‪.‬‬
‫وهذا لكم فقط‪ ،‬ألنكم مكلّفون ‪...‬‬ ‫‪ -‬ال أفهم ‪..‬‬
‫تقصد مكلفون من قبل اهلل ؟‪..‬‬ ‫‪ -‬حنن وأنتم وكل املخلوقات موجودون يف حالة‬
‫نعم ‪ ..‬لقد ق ِبلتُم التكليف ‪ ..‬فانفصلتم عن‬ ‫تواصل ‪ ..‬ال يفرقها الزمان وال يباعد بينها املكان‬
‫انسجامكم وتناغمكم مع خملوقات اهلل األخرى ‪..‬‬ ‫‪.‬‬
‫مادمتم يف احلياة الدنيا كما تسموهنا ‪.‬‬ ‫‪ -‬أقصد كيف يكون زمان غري حمدّد؟‪..‬‬
‫وأنتم عباد هلل ؟‪...‬‬ ‫‪ -‬أنتم تقولون ذلك أيضاً ‪ ..‬فإذا كانت سرعيت‬
‫وم��ن ليس كذلك ؟‪ ..‬كل السماوات واألرض‬ ‫قريبة من سرعة الضوء كيف يكون الزمان ‪ ..‬كما‬
‫وما فيها يطيع أمر اهلل ولذلك حنن موجودون يف‬ ‫عرفتموه بعد النظرية النسبية ‪1910‬م؟‪..‬‬
‫نظام كوني متناغم ‪ ..‬ال حنتاج إىل اإلدراك ‪ ..‬أو‬ ‫‪ -‬طويل جداً ‪ ..‬أبدي ‪..‬‬
‫حساب األمور ‪.‬‬ ‫‪ -‬فماذا لو كنا متحركني بسرعة تقرتب من‬
‫وهل تعبدون اهلل ؟‪...‬‬ ‫سرعة الضوء ؟‪ ..‬سيكون الزمان عندنا غري حمدّد‬
‫اتفقنا أن ال نتحدث بأمور الدين ‪ ..‬الفكرة‬ ‫‪..‬‬
‫األكثر أمهية بيننا أن اختفاء التسلسل الزمين من‬ ‫‪ -‬وهل تنتقلون هبذه السرعة الكبرية ؟‪...‬‬
‫األح��داث جيعلها مرتاكبة‪ ،‬مجيعها حتدث بوقت‬ ‫‪ -‬ال نعرف بدقة ‪ ..‬رمبا أنتم مبطئون جداً‬
‫واحد ( طويل أم قصري )‪ ،‬يف مجلتنا اليت نتحرك‬ ‫بالنسبة لنا ‪ ..‬ولكن يف عاملكم حاالت مشاهبة ‪..‬‬
‫فيها ال ننتظر شيئاً كي حيدث‪ ،‬وال نفقد شيئاً‬ ‫مثالً ال يدرك اجلنني الزمان ‪ ..‬ألنه يعيش مرحلة‬
‫حدث ‪ ..‬كلها حقاً ودائماً ‪..‬‬ ‫ختلّق بعيدة عن إرادته ووعيه ‪ ..‬ومن جهة أخرى‬
‫هذا أمر صعب علي ‪ ..‬لن أدرك ذلك ‪ ..‬هل‬ ‫عند وفاة أحد منكم تقولون انتقل إىل الربزخ ‪..‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪124‬‬
‫مقاومة رسائل التعارف الفضائية‬
‫املصطلحات يف تصورنا وتصوركم ؟‪..‬‬ ‫يوجد على أرضي من يدرك هذا الكالم ؟‪.‬‬
‫رمبا ينقصنا إحساس ما ‪ ..‬أو ينقصكم ‪..‬‬ ‫نعم ‪ ..‬كثريون ‪ ..‬أكثرهم شهرة عندكم بعض‬
‫نرى أنك تعبت ‪ ..‬رمبا مل تنتبه إىل الوقت‪،‬‬ ‫حكماء اهلند‪ ،‬عندما يصلون إىل الفناء والعدم‬
‫فأنت مل تأكل منّذ مدّة طويلة ‪ ..‬ونظن أنك حتتاج‬ ‫‪ ..‬يف حلظة دخوهلم تلك املنطقة اليت يسموهنا‬
‫إىل الراحة ‪..‬‬ ‫(النريفانا) ينضمون إىل التناغم الكوني ‪...‬‬
‫حسناً ‪ ..‬ولكن ملاذا تتكلم بصيغة اجلمع ؟‪.‬‬ ‫وهل املتصوفة عندنا منهم ‪..‬‬
‫حنن جمموعة متعاونة ‪ ..‬الكالم يف مواضيع‬ ‫بعضهم أي��ض�اً ‪ ..‬فمن يصل هل��ذه احل��ال��ة ال‬
‫بشرية بالغ الصعوبة ‪.‬‬ ‫يصدر عنه أمر فيه خمالفة لالنسجام والتفاهم‬
‫دخ��ل عمر إىل بيت خطيبته سلمى وعلى‬ ‫مع النفس أو مع احمليط مبختلف مكوناته ‪..‬‬
‫وجهه عالئم الرضا والسرور وعلى الرغم من كل‬ ‫تقصد أن من قال شيئاً ال ينسجم مع حميطه‪،‬‬
‫التفاصيل اليت قصها قبالً على سلمى وأخوها‬ ‫فهو مل يصل ‪.‬‬
‫حول اتصاالته السابقة‪ ،‬فقد كان آخرها الذي‬ ‫نعم ‪ ..‬الفناء يُبعد احلواس كلها عن التناقضات‬
‫جاء به اآلن يدعو إىل الفخر حقاً ‪ ..‬حتى أنه مل‬ ‫والصراعات وما يتعلق بالزمان واملكان‪ ،‬فال يصح‬
‫ينبس ببنت شفة ‪ ..‬فقط لوّح بشرحية الذاكرة‬ ‫أن يكون متناغماً ويسبب خالفاً مع اآلخرين أو‬
‫املرنة يف ي��ده ‪ ..‬وهزّها كالبندول وه��و يبتسم‬ ‫عنهم‪.‬‬
‫ويوزع نظرات الشعور بالنجاح ‪:‬‬ ‫وإذا مل أستطع الوصول إىل ذلك ‪ ..‬هل أكون‬
‫لن تتوقعوا ما حدث أبداً ‪ ..‬حديث مل أتصور‬ ‫خملوقاً ناقصاً ؟‪.‬‬
‫أني أفهمه أو أستطيع الكالم حوله يوماً ما ‪..‬‬ ‫ال طبعاً ‪ ..‬يف ف�ترة تكليفكم مت��رون مبرحلة‬
‫س��ل��م��ى – ل��ق��د ب����دأت حت���ب االت���ص���ال مع‬ ‫االختبار ‪ ..‬واملطلوب منكم يف حياتكم الدنيا التزام‬
‫رجال الفضاء ‪ ..‬أمتنى أن اليشغلك عن األمور‬ ‫شرع الدين ‪ ..‬وليس الوصول إىل حالة الفناء ‪..‬‬
‫األخرى‪.‬‬ ‫مجيعكم سيصلها تلقائياً عندما ميوت ‪..‬‬
‫قالت سلمى ذلك بعتاب وخجل ‪ ..‬وانتبه عمر‬ ‫ً‬
‫ما فائدة أن نتبادل املعلومات واألفكار إذا‪ ،‬إن‬
‫إىل نفسه ‪ ..‬فقد أصبح اهتمامه الرئيسي يف كل‬ ‫كنا يف عاملني خمتلفني ؟‪..‬‬
‫جلسة معها منصباً حول املخلوقات الفضائية‬ ‫هذا يزيد االنسجام والتناغم يف الكون ‪.‬‬
‫األخرى ‪ ..‬وما عليه قوله ‪ ..‬ويف أي اجتاه يقود‬ ‫إذا كان الزمان عندكم متوقفاً فكيف ستميز إن‬
‫احلديث‪ ،‬حتى لفت سلوكه النظر ‪ ..‬فهل ضاعت‬ ‫كان التناغم زاد أم نقص ؟‪ ..‬هذا تناقض أيضاً ‪.‬‬
‫مشاعره حول سلمى ‪ ..‬ونسي اندفاعه الطفويل‬ ‫مل نستطع حل هذه املعضلة معكم بعد ‪ ..‬املشكلة‬
‫‪ ..‬ونظراته املعجبة؟‪.‬‬ ‫عندنا يف أن عدم اإلحساس بالوقت يعين لديكم‬
‫انسحب أخو سلمى حبجة إحضار شيء ما‬ ‫زمناً معدوماً‪ ،‬كما أنه يعين زماناً أبدياً ‪ ..‬وهذا يف‬
‫‪ ..‬فأمسك عمر بيد سلمى هب��دوء ‪ ..‬ونظر يف‬ ‫الواقع نقطة واحدة ‪ ..‬كما أن الزمن األبدي عندكم‬
‫عينيها ال يعرف ما يقول هل يعتذر ‪ ..‬أم يعدها‬ ‫يعين سكوناً مطبقاً ‪ ..‬أي ارتباطاً كامالً باملكان ‪..‬‬
‫بشيء ما ‪ ..‬وقرَّر أخرياً أن يقول مجلة واحدة‪:‬‬ ‫وبنفس الوقت قد يعين سرعة كبرية جداً ‪ ..‬أي‬
‫‪ -‬عيونك رائعة ‪ ..‬سنحلق قريباً ‪.‬‬ ‫حركة قريبة من سرعة الضوء ‪ ..‬فكيف نو ّفق هذه‬

‫‪125‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫د‪ .‬حممد حاج صاحل‬

‫مل أصدق ذات يوم أنين سأعود إىل احلياة من جديد‪ ،‬كنت ساهماً أفكر بابتكاري‬
‫اجلديد الذي مل يكتمل بعد‪ ،‬عزمت الذهاب إىل اجلبل ألمنح نفسي أياماً من‬
‫التأمل‪ ،‬عسى أن تذلل العقبات الكثرية اليت تعرتضين يف كل خطوة‪ ،‬قالت آية‬
‫إنها ستلحق بي مساء‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪126‬‬
‫للعيون لغة أخرى‬
‫أعهدها من قبل‪.‬‬ ‫مشس أيلول مشرقة‪ ،‬اجلو ال ي��زال دافئاً‪،‬‬
‫بقيت ل��دي حاسة الرؤية والسمع‪ ،‬فقدت‬ ‫أشجار كثيفة وطرقات متعرجة‪ ،‬الطريق ضيقة‬
‫القدرة على النطق واحلركة‪ ،‬لكن ثورة جتيش‬ ‫تلتوي وت���زداد ص��ع��وداً عند املنعطفات‪ .‬قلت‬
‫يف داخ��ل��ي‪ ،‬تشجعين على االس��ت��م��رار‪ ،‬فلقد‬ ‫لنفسي لقد مت تذليل املرحلة األوىل الصعبة‪،‬‬
‫أصبح الزمن أمامي متطاوالً‪ ،‬كنت أحادث نفسي‬ ‫فلقد أمكن حتويل احلركة إىل راسم االهتزاز‬
‫وأق��ول‪ :‬لن يشغلك أمر بعد اليوم‪ ،‬إن وضعك‬ ‫املوجي وحتويل املوجات إىل صوت‪ ،‬على إحدى‬
‫أفضل من الكثريين‪ ،‬فأنت ما زلت على قيد‬ ‫املنعطفات ب��رزت سيارة مسرعة يف منتصف‬
‫احلياة‪ ،‬تذكرت الرجال العاجزين الذين قرأت‬ ‫الطريق‪ ،‬حاولت جتنبها‪ ،‬يف ذات اللحظة عربت‬
‫عنهم وال��ذي��ن تغلبوا على ضعفهم وأصبحوا‬ ‫سيارة حماولة جت��اوزه��ا‪ ،‬الطريق ضيقة‪ ،‬مل‬
‫مبدعني‪ .‬اعتدت طوال حياتي أن أكون متفائالً‬ ‫أستطع تفادي احلادثة‪ ،‬احنرفت بسيارتي خارج‬
‫ل��ذا كنت أق��ول «ال بد من معجزة تنقذني أو‬ ‫الطريق تفادياً لالصطدام‪ ،‬انزلقت السيارة‬
‫جتعلين أتواصل مع العامل‪ ،‬ال لن أستسلم»‪.‬‬ ‫باجتاه وادٍ سحيق‪ ،‬أحسست هبا تتدحرج‪ ،‬رأسي‬
‫بعد مدة من الزمن ال أدري مداها ‪ -‬فلم‬ ‫صعد حنو األعلى مصطدما بسقف السيارة‪،‬‬
‫يعد لتعاقب األيام أمهية تذكر‪ -‬تذكرت االبتكار‬ ‫مل ينفتح البالون‪ .‬أحسست بفرقعة عظامي‪،‬‬
‫األخري الذي كنت أفكر فيه أثناء وقوع احلادثة‪.‬‬ ‫وشاهدت السيارة تتناثر‪ ،‬ثم فقدت الوعي‪.‬‬
‫ابتكار جهاز صغري للعاجزين يساعدهم على‬ ‫استيقظت يف املستشفى‪ ،‬أخربوني فيما بعد‬
‫ختطي عجزهم‪ ،‬اآلن أصبحت أن��ا العاجز‪.‬‬ ‫أن احلادث مريع لكنين جنوت‪ ،‬حاولت حتريك‬
‫فماذا ميكنين أن أفعل؟‬ ‫جسدي فلم أفلح‪ ،‬رأيت جبائر بيضاء تلتف حول‬
‫كتيب دفاتري خمططاتي رسوماتي يف املخترب‪،‬‬ ‫جسدي‪ ،‬ساقي‪ ،‬ذراعي أدركت أن تلك النجاة‬
‫اع��ت��ادت آي��ة مساعدتي يف املخترب‪ ،‬أم��ا اليوم‬ ‫أق��رب إىل امل���وت‪ ،‬وأن�ني رمب��ا أصبحت أشبه‬
‫فهي جتلس أمامي سامهة‪ ،‬تقرأ تعابري وجهي‬ ‫مبصاب بغيبوبة يعيش على احلقن وأكياس‬
‫وحركة عيينَّ‪ .‬أحسست هبا تريد أن تقول هل‬ ‫السريومات السكرية واملختلطة وس��واه��ا‪ ،‬ما‬
‫حانت حلظة التفكري‪ ،‬أحسست هبا تدرك عجزي‬ ‫أك��د يل ه��ذه الفكرة أن�ني بعد أي��ام عرفت أنَّ‬
‫وتتمنى القيام بشيء ما؛ آية كانت ملهميت يف‬ ‫جسدي احملطم ال ميكن أن يعود كما كان يف‬
‫أعمايل منذ تعرفت إليها‪ ،‬أتت يف زيارة مع أختها‬ ‫املاضي‪ ،‬أخربتين دم��وع آية أنين مصاب‪ ،‬قال‬
‫ألمر ما مل أعد أذك��ره‪ ،‬يومها خلفت انطباعاً‬ ‫الطبيب‪ :‬أنت مصاب بشلل نتيجة انقطاع يف‬
‫ترك أثراً يف نفسي‪ ،‬لفت نظري القوة املنبثقة‬ ‫بعض مناطق النخاع الشوكي وأذيات يف العمود‬
‫م��ن عينيها ‪،‬ت��ل��ك ال��ن��ظ��رات الثاقبة‪ ،‬سألتها‬ ‫الفقري الرقيب والظهري‪.‬‬
‫ماذا تعملني‪ ،‬قالت أنا مهتمة باألمتتة اإلدارية‬ ‫قلت لنفسي (مل يتبق من وظائف احلياة‬
‫والربجمة‪ .‬بعد أشهر استجيب طليب الستحداث‬ ‫سوى القلب والتنفس وأضحى جسدي أشبه بآلة‬
‫عمل للربجمة يف مركز البحوث‪ ،‬صورهتا قفزت‬ ‫ساكنة نفدت قدرهتا على احلركة والدوران)‪.‬‬
‫إىل ال��ذاك��رة ‪،‬اتصلت هبا أسأهلا العمل‬ ‫لكن شيئاً ما يف داخلي مل يتبدل‪ ،‬بل ازداد‬
‫ك��م�برجم��ة‪ ،‬ق��ال��ت أمهلين ع��دة أي���ام‪ ،‬يف‬ ‫ق��وة؛ فلقد أحسست بنشاط كبري وطاقة مل‬

‫‪127‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫للعيون لغة أخرى‬

‫تفسري تعابري وجهي وعيينَّ‪ ،‬أعلم أهن��ا خبرية‬ ‫اليوم التايل أتت تعلن موافقتها‪ .‬ومنذ البداية‬
‫مبحادثة الصم البكم فلقد تعلمت تلك اللغة من‬ ‫أحسست بتميزها يف الربجمة‪.‬‬
‫جارهتا اخلرساء‪ ،‬حركة أجفاني تزداد سرعة‪،‬‬ ‫يف زمحة العمل ودوام التواصل نشأت األلفة‬
‫صار بإمكان عيين وأجفاني وحاجيبَّ أن ترتفع‬ ‫واملشاعر اليت توجت برباط أبدي‪.‬‬
‫لتقول‪ :‬ال‪ ،‬أو تنخفض أجفاني لتجيب بنعم‪،‬‬ ‫مرت احلياة متوائمة‪ ،‬وصار عملها تنظيم‬
‫طرحت آية أسئلة عديدة وكانت أجفاني ترتفع‪،‬‬ ‫حياتي يف البيت ومشاريعي يف العمل‪ ،‬صرت‬
‫وعندما نطقت كلمة املخترب اهتزت أجفاني‬ ‫أطرح األفكار نناقشها معاً‪ ،‬آية تدون كل كلمة‬
‫مرات عديدة باإلجياب‪ ،‬تتالت أسئلتها وأخرياً‬ ‫أكتبها واألفكار اليت توصلنا إليها‪ ،‬بعدها تلجأ‬
‫أدركت أنين أريد الدفاتر‪.‬‬ ‫إىل احل��اس��وب كتابة وب��رجم��ة‪ .‬إىل أن بدأنا‬
‫قالت يف حماولة منها للتأكد من رغبيت‪:‬‬ ‫مشروع جهاز احلركة الصوت‪.‬‬
‫‪ -‬أال تظن الوقت مبكراً على ذلك؟‬ ‫أنظر يف عينيها أقرأ القلق فيهما‪ ،‬أعلم أن‬
‫رفعت جفين العلويني نافياً ‪.‬‬ ‫تعلقها بي فاق كل توقع‪.‬‬
‫من املخترب أتت بكل الدفاتر واملخططات‪،‬‬ ‫اليوم أقرأ يف عينيها‪ :‬تساؤالً متى نبدأ ؟‬
‫بدت على وجهها عالمات اإلثارة واالهتمام‪.‬‬ ‫يداي ال تتحركان‪ ،‬لساني صامت‪ ،‬شفتاي‬
‫على كل دفرت وضع عنوان ينم عن حمتواه‪.‬‬ ‫فقدتا احلركة؛ لكنَّ حركة أخرى ولدت بغتة ؛‬
‫عمل علمي أو مثال أو حماضرات أو خمططات‬ ‫فلقد أحسست بأجفاني وحاجيب وعيين ال هتدأ‬
‫الخرتاعات‪ ،‬برجمة اجلهاز مل تكن قد انتهت‪،‬‬ ‫عن احلركة والتعبري ‪.‬‬
‫أحبت معابثيت كما اعتادت‪ ،‬ق��رأت أمس��اء كل‬ ‫آي��ة تراقبين تسألين عن حاجيت؛ حماولة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪128‬‬
‫للعيون لغة أخرى‬

‫فعله‪ ،‬وإذا ما استوقفها أمر تبادرني بالسؤال‬ ‫ال��دراس��ات واألجهزة وأن��ا أرف��ع أجفاني نافياً‬
‫متوجاً بابتسامة مع حركات يد و دلع فتجيبها‬ ‫وأقطب حاجيب‪ ،‬آي��ة تبتسم وه��ي تناكدني ‪.‬‬
‫حركات عيين وأجفاني ‪.‬‬ ‫وأخرياً قالت مل أجد الدفرت الذي تريد‪ .‬نظرت‬
‫توضع إبرة دقيقة أكثر دقة من اإلبر الصينية‬ ‫إليها شراً‪ ،‬تناولت الدفرت عن األرض وقربته‪.‬‬
‫على كل حاجب‪ ،‬وعلى األجفان‪ ،‬اإلبرة رفيعة ال‬ ‫أشرت حباجيب إجياباً على دفرت املخططات‪،‬‬
‫تكاد ترى‪ ،‬تزن أجزاءً من الغرامات‪ ،‬طوهلا ‪5-4‬‬ ‫صارت تقرؤها واحداً واحداً وأنا أجيب بأجفاني‬
‫مم‪ ،‬بداية وصلت خبيوط ذهبية رفيعة جداً نقلت‬ ‫نافياً‪ ،‬إىل أن أوقفت جفين عند دفرت عنوانه ‪:‬‬
‫إىل جهاز صغري مربمج وصل باحلاسوب‪ ،‬مع كل‬ ‫«نقل احلركة االهتزازية إىل صوت»‪ .‬أحسست‬
‫حركة جلفين يصدر احلاسوب صوتاً أشبه بنطق‬ ‫بإشعاع ينبثق من عيين‪.‬‬
‫حرف‪ ،‬متكنت بعد جهد طويل من العمل اجلاد‬ ‫ً‬
‫يف الورقة كنت قد كتبت تصورا كيف ميكن‬
‫البطيء وباملساعدة الربجمية من آية من نطق‬ ‫نقل احل��رك��ة إىل ص��وت عكس م��ا ن��رى على‬
‫حروف اللغة العربية بالكامل‪ .‬ثم اإلنكليزية ‪. .‬‬ ‫شاشة احلاسوب أثناء االستماع إىل املوسيقا؛‬
‫آي���ة ال�ت�ي أت��ق��ن��ت ق����راءة ح��رك��ة أجفاني‬ ‫حيث تتحرك النغمات رامسة اهتزازات موجية‬
‫املهتزة املنقولة إىل احل��اس��وب‪ ،‬ع��م��دت إىل‬ ‫على الشاشة‪.‬‬
‫توليف القطع داخ��ل ج��ه��از‪ ،‬أب��دل��ت صفيحة‬ ‫فيما مضى أجريت مع آية جت��ارب عديدة‬
‫مرنة شفافة بديالً عن اإلب��ر‪ ،‬وعند وضعها‬ ‫على عاجزين‪ ،‬والغريب يف األمر أن املوضوع‬
‫ع��ل��ى احل���اج���ب واألج����ف����ان والعينني‬ ‫صار يهمين أنا‪ ،‬اليوم أصبحت منوذجاً لرجل‬
‫ص���ارت تنقل احل��رك��ة‪ ،‬وأم����ام فتحيت‬ ‫التجربة‪ .‬آية اليت رافقت جتاربي تعرف ماعليها‬

‫‪129‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫للعيون لغة أخرى‬


‫حبركة األجفان والعينني‪ ،‬حركاهتا السريعة اليت‬ ‫العينني طلبت تصميم كامريا مصغرة تنقل‬
‫ميكنها أن تتجاوز سرعة اللسان‪ ،‬وصار بإمكاني‬ ‫حركات العينني إىل احلاسوب لتساعد على‬
‫التحدث بطالقة من خالل أجفاني وعيينَّ‪.‬‬ ‫اكتمال اللغة ‪.‬‬
‫أحسست حني انتهت التجربة أنين ولدت من‬ ‫بدا األمر برجمة‪« ،‬نقل احلركة إىل صوت «‬
‫جديد‪ .‬أضحى هذا العامل الغريب عاملاً جديداً‬ ‫كنت أتساءل هل أوقعين القدر هبذه املصيبة كي‬
‫وقريباً بالنسبة يل ‪.‬‬ ‫أكمل تصميم اجلهاز الغريب ‪.‬‬
‫صمم يل سرير حبيث يصبح كرسياً ميكن‬ ‫يف البداية اعتدت أن أص��در حركة واآلن‬
‫من خالله التحرك ‪ 90‬درجة‪ ،‬اعتدت بعد ذلك‬ ‫حتولت احلركة إىل صوت‪ ،‬وبالعودة إىل الدفاتر‬
‫اجللوس أم��ام البحر ال��ذي أعشق‪ ،‬اسرتجعت‬ ‫وخم��ط��ط��ات ال��ت��ج��رب��ة ال��ق��دمي��ة أض��ح��ى لكل‬
‫الكثري من املعلومات ص��ار بإمكاني ق��راءة ما‬ ‫حركة معينة صوت خمتلف‪ ،‬ول��دت لغة أشبه‬
‫أريد‪ .‬وكتابة ما أريد من خالل جهازي البصري‬ ‫بلغة العزف على البيانو أو بلغة مورس الربقية‪،‬‬
‫احلركي اجلديد‪.‬‬ ‫رفة جفن أمين تعين حرف آ والرفتان تعنيان‬
‫آية وقفت إىل جانيب مل ترتكين حلظة واحدة‬ ‫باء واأليسر حاء‪ ،‬وبعد زمن وصرب متكنت من‬
‫صارت املمرضة واحلبيبة والزوجة ( أحسست‬ ‫إص���دار ح��رك��ات هل��ا س��رع��ات متباينة وإيقاع‬
‫بابتسامتها تضيء صفحات أي��ام��ي املقبلة‪،‬‬ ‫زمين خمتلف‪ ،‬ومتكنت بذلك من متثيل وإصدار‬
‫نظرت يف عينيها وكأنين أرامها ألول مرة وقلت‬ ‫ك��ل ح���روف اللغة واالس��ت��م��اع إليها بوضوح‪،‬‬
‫بصوتي اجلديد‪ :‬ملاذا مل أرَ كل هذا السحر يف‬ ‫وصار بإمكان حركات األجفان والعينني نطق‬
‫عينيك من قبل‪.‬‬ ‫األجبدية بالكامل‪ ،‬ثم بدأت املرحلة األصعب‬
‫امحرت وجنتاها رمتين بتلك النظرة الساحرة‬ ‫وه���ي ن��ط��ق ال��ك��ل��م��ات ب��ع��د وص���ل احل����روف ‪.‬‬
‫ومل جتب‪.‬‬ ‫أمضيت أياماً وأشهراً وآية صابرة معي تعاند‬
‫أخ���ذت أم���ارس ه��واي��ات��ي على احلاسوب‪،‬‬ ‫الزمن‪،‬بعد اكتمال العمل باللغة العربية‪ ،‬طلبت‬
‫دراسيت فيما مضى للربجمة احلاسوبية ‪+ +C‬‬ ‫تغيري اجتاه اللغة على لوحة مفاتيح احلاسوب‬
‫جعلتين أستفيد من منجزات العلم وكيف تعمل‬ ‫كي نبدأ التجربة باللغة اإلنكليزية‪ ،‬ثم مت تبديل‬
‫الربجمة وبالتعاون مع آية ومربجمني أصدقاء‬ ‫االنتقال من لغة إىل أخرى بعملية إغالق العينني‬
‫أخذت أقوم بتصاميم برجمية خمتصراً مراحل‬ ‫مرتني متتاليتني بفاصل زمين حمدد‪ .‬فتنتقل‬
‫كثرية طاحماً ألن يوجد جهاز أشبه مبسبار‬ ‫الكتابة إىل اللغة اإلنكليزية وكذلك النطق‪ .‬كان‬
‫صغري يزرع حتت احلاجب يقابله إبرة صغرية‬ ‫احلاسوب ينطق اللغة ويكتبها وصار باإلمكان‬
‫حتت احلاجب الثاني ‪ . .‬حيتوي على املقدرات‬ ‫إصدار األمر إليه لطباعتها أيضاً‪ .‬ومع تطوير‬
‫اليت وجدت يف املسبار الكبري‪ .‬وبعد حماوالت‬ ‫عمل اجلهاز أمكن إص��دار التحكم بالصوت‬
‫عديدة مت تصغري احلاسوب إىل أن أصبح حبجم‬ ‫وإعطاؤه حلناً مساوياً لنغمة صوتي بعد أن كان‬
‫جهاز خلوي صغري‪.‬‬ ‫بداية أشبه بصوت آيل‪ ،‬ولقد ساعد على ذلك‬
‫وأضحت أوىل أمنياتي كانت أن ينتج اجلهاز‬ ‫وجود تسجيالت صوتية سابقة يل ‪.‬‬
‫بكميات كبرية كي يستفيد منه العاجزون يف كل‬ ‫وما ساعد على إمتام اإلجناز إمكانية التحكم‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪130‬‬
‫للعيون لغة أخرى‬
‫مع العامل من جديد‪.‬‬ ‫مكان ‪.‬‬
‫إحساس بأمل عميق متلكين وأنا أحس بآية‬ ‫عندما ذاع خرب اجلهاز الصغري‪ ،‬جتمع رجال‬
‫ت��زوي صامتة‪ ،‬متفانية بالعمل معي وتقديم‬ ‫الصحافة والناس حول املنزل‪ ،‬أبدى املسؤولون‬
‫اخلدمات يل‪ ،‬مل أجرؤ على مفاحتتها مبشاعري‬ ‫اهتمامهم‪ ،‬كثرت الزيارات بني مهنئ ومعجب‬
‫؛ لكنها اعتادت قراءة لغة عيين منذ زمن طويل‪،‬‬ ‫وحاسد‪ ،‬والتلفاز ووسائل اإلعالم نشطت لكن‬
‫حتى قبل وقوع احلادثة‪ ،‬سألتين ذات يوم مباذا‬ ‫املفاجئة غري املتوقعة أتت من هتديد العصابات‪.‬‬
‫أفكر‪ ،‬توقفت حركة أجفاني وعيين‪ ،‬أدركت آية‬ ‫فلقد ج��رت حم��اول��ة الخ�ت�راق امل��ن��زل وسرقة‬
‫بعضاً مما بي‪ ،‬جترأت القول‪ ،‬يكفيك ما سببته‬ ‫املخططات باءت بالفشل‪ .‬بفضل البيت احملصن‬
‫لك من عذابات‪ ،‬ملاذا ال تدعيين يف املدرسة‪،‬‬ ‫جيداً وبسبب كامريات التصوير اليت تعمل على‬
‫هناك من يعتين بي‪ ،‬اذهيب يا آية‪ ،‬لقد آن األوان‬ ‫مدار اليوم‪ ،‬واليت كانت كفيلة مبعرفة اجلهة‬
‫كي تعيشي حياتك‪ ،‬فتية أنت‪ ،‬مجيلة‪.‬‬ ‫اليت ترغب بسرقة اجلهاز‪.‬‬
‫اهنمرت دم��وع آي��ة بصمت م��ري��رة‪ ،‬مل تثر‬ ‫صباح اليوم التايل أرسلت كافة املخططات‬
‫ومل تنفعل كما اعتادت‪ ،‬بغت ًة رأيت ذات النظرة‬ ‫إىل مركز البحوث للحفاظ عليها‪ .‬وصار لزاماً‬
‫القدمية الثاقبة تتوهج يف عينيها‪ ،‬نظرتْ يف‬ ‫علي أن أرك��ب السيارة املخصصة للعاجزين‬
‫عيين بثبات‪ ،‬أحسستُ بإشعاعاتٍ تنطلق من‬ ‫كل صباح برفقة آية لتقلين إىل املدرسة‪ ،‬بغية‬
‫عينيها حتمل إش���ارات ورس��ائ��ل عصية على‬ ‫إعطاء دروس للمصابني بالشلل وفقدان النطق؛‬
‫التفسري‪.‬‬ ‫كي يتقنوا اللغة االهتزازية ويعودون إىل التواصل‬

‫‪131‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫قصّة‪ :‬جورج ماك برايد الثالث •‬


‫ترمجة‪ :‬توفيق حممد السهلي‬

‫* جورج ماك برايد الثالث‪ :‬نشأ يف دار لتبنيّ األطفال يف بالتيمور يف والية ماري الند‬
‫األمريكية‪ .‬قضى سنوات عدة يكتب من أجل املتعة والتسلية‪ .‬ونزوالً عند إصرار أصدقائه‬
‫واملتخصصني الذين قرؤوا أعماله‪ .‬بدأ منذ فرتة قريبة بأخذ كتاباته على حممل اجلد‪ .‬حيمل‬
‫جورج شهادة ليسانس (إجازة) يف علم النفس من «يونيفري سيداد إنرت أمرييكانا» وشهادة‬
‫دكتوراه من كلية «هارد نوكس»‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪132‬‬
‫«ما تلك الضوضاء؟!»‬
‫يستغرق يف ن��وم عميق ال ق��رار ل��ه‪ .‬شعر‬ ‫(م���ا ت��ل��ك ال���ض���وض���اء؟!) أخذ‬
‫بارتياح لسخافة الصور احللمية اليت كانت‬ ‫روب�����رت ي��ق��ول يف ن��ف��س��ه وهو‬
‫تسطع متألقة على شاشة سينما عقله‬ ‫يستكشف طريقه للخروج من‬
‫املستسلم كلياً دون وجود لكوابت أو منطق‬ ‫نوم عميق‪ .‬كان روبرت يشعر بانزعاج هائل‬
‫قد يُذهب هذا اإلحساس باملتعة‪ .‬وبينما‬ ‫بسبب الصوت اهلادر املزعج الذي بدا كأنه‬
‫كان حيس بالطفو وحالة من التسلية اليت‬ ‫صادر عن حمرك صغري أو شيء ما‪.‬‬
‫أضفتها عليه تلك السينما العقلية كاد‬ ‫ل��دى خفوت ال��ص��وت ك��ان روب���رت يتقهقر‬
‫أ َّال يسمع تلك األص��وات‪ .‬مل تكن مستمرة‬ ‫يف سكينة نوم عميق لكنَّ الصوت امللعون‬
‫وال مرتفعة‪( ،‬ه��ذه األص��وات ليست داخل‬ ‫سرعان ما يبدأ ه��ادراً من جديد إىل حدٍّ‬
‫حلمي‪ ،‬يبدو أهنا ص��ادرة من اخل��ارج‪ ..‬من‬ ‫يوصله إىل ذلك املستوى من الوعي الذي ال‬
‫خارج حلمي)‪ .‬وتساءل روبرت إن كانت تلك‬ ‫يعرف معه املرء إن كان نائماً أم ال‪ .‬مل يكن‬
‫من حلم شخص آخ��ر‪ .‬أال يُعْقل أن يكون‬ ‫مدركاً بالفعل وبشكل كامل ما حييط به ومل‬
‫عامل األحالم أشبه بقاعة ضخمة يزورها‬ ‫يكن يعلم إن كانت عيناه مفتوحتني أم ال‪.‬‬
‫كل من كان حيلم يف تلك اللحظة من كافة‬ ‫رمبا كان هدير احملرك جزءاً من حلم كان‬
‫أرجاء الكون؟ رمبا أنه حيدث أحياناً يف هذا‬ ‫يوشك على اخلروج منه‪ ،‬أو لعله كان بداية‬
‫العامل غري املادي أن تتصادم األحالم بعنف‬ ‫حلم طازج جديد ومثري للضيق‪.‬‬
‫مسبِّب ًة الكوابيس أو رمبا أهنا تتمازج بصورة‬ ‫لقد كان الوضع أقرب إىل الكابوس اجلديد‬
‫متناغمة وتسبِّب هذا اإلحساس الرائع من‬ ‫بينما بدأ الضجيج امللعون ذو اإليقاع املنتظم‬
‫البالهة الطافية‪ .‬رمبا كان ذلك حقيقياً‪،‬‬ ‫يف نظره يهدر من جديد‪ ،‬راوده شك بكونه‬
‫وأخذ روبرت يتساءل‪ ،‬إذا كان حقيقياً فمن‬ ‫نائماً مِ��لء جفنيه إ ْذ ك��ان تفكريه يف غاية‬
‫هو صاحب ذلك احللم ال��ذي كان يشاركه‬ ‫الوضوح وذهنه يف غاية الصفاء ومنطقي‬
‫إياه؟ هل كان حمامياً‪ ،‬طبيباً أو رائد فضاء‬ ‫إىل أقصى حد بصورة أبعد ما تكون عن‬
‫مثله؟ م��اذا لو مل يكن ذلك الشخص مثله‬ ‫حالة احللم الفعلي‪ .‬تصاعدت الدمدمة من‬
‫على اإلطالق؟ كأن يكون شخصاً من عامل‬ ‫جمرد إزعاج حتى جنون مطبق‪ .‬ومرة أخرى‬
‫خمتلف‪ ،‬م��ادي‪ ،‬أو غري م��ادي‪ ،‬شخصاً من‬ ‫أخ��ذ فضوله يصرخ‪( :‬م��ا تلك الضوضاء‬
‫املستحيل االلتقاء به‪ ،‬ورمبا ما ِزجُ األحالم‬ ‫امللعونة؟!)‬
‫على اجلانب اآلخر‪.‬‬ ‫وبالسرعة نفسها اليت كان اهلدير قد بدأ‬
‫أو لعله شخصٌ متشردٌ ال ميلك شروى‬ ‫هبا‪ ،‬توقف فجأة‪.‬‬
‫نقري تأتي سلواه ومتعته الوحيدة يف احلياة‬ ‫الغموض واإلهبام املُسْتحب حلالة احللم‬
‫يف األحالم فقط ‪.‬‬ ‫تلك ييسر أمر عودهتا لتتغلغل من جديد يف‬
‫ومرة أخرى قاطعت األصواتُ القادمة من‬ ‫كيان روبرت حتى شعر بذلك اإلحساس من‬
‫بعيد جداً حب َل أفكار روب��رت‪ ،‬الذي‬ ‫الطفو اهلادي والذي‬
‫أخذ يصغي برتكيز ليفكَّ طالسمَ ما‬ ‫َّ‬
‫ال ميكن للمرء أن حيس به إال عندما‬

‫‪133‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫«ما تلك الضوضاء؟!»‬


‫الساطع البياض‪ .‬مل يكن مبقدوره أن يرى‬ ‫كانت تقوله‪ .‬كان مبقدوره مساع كلمات‬
‫أيَّ شيء لكنه كان ق��ادراً على الشعور بكل‬ ‫أي منها كان‬‫بوضوح‪ ،‬لكنه مل يستطع فهم ٍّ‬
‫شيء‪ .‬وعادت األص��وات وكانت بنربة حادة‬ ‫املتحدثون يتكلمون بلغةٍ مل يتعرَّف عليها‪.‬‬
‫ثائرة وهي تلغو جيئة وذهاباً بني املتحدثني‪.‬‬ ‫مل يكن لديه أدن��ى فكرة عما ك��ان يسمعه‬
‫حاول روبرت أن يفهم هذا اللغو واهلذر لكن‬ ‫من كالم أعجمي غري مفهوم ما جعله يشعر‬
‫دومنا ج��دوى‪ .‬ذكرته هذه الثرثرة احملتدة‬ ‫باالستغراب‪ .‬كان حلن الكالم غريباً جداً‬
‫نوعاً ما بأبنائه‪ .‬كم مضى عليه منذ أن‬ ‫بنربة تعلو وهتبط بصورة منتظمة‪ ،‬وكانت‬
‫شاهدهم آخر مرة؟ لقد كان لرحالته كسفري‬ ‫أق���رب إىل ص��وت امل��ذك��ر‪ ،‬ول��ك��ن ك��ان من‬
‫هذه السلبية الكبرية الواحدة‪ ،‬رغم أن تلك‬ ‫الصعب معرفة ذلك‪ .‬مُ ْذ كان يف األكادميية‬
‫الرحالت كانت تليب حاجاته الشخصية‪.‬‬ ‫وحتى عندما كان صبياً‪ ،‬كانت زوجته الغالية‬
‫كان يذهب يف فرتات طويلة من الزمن دون‬ ‫والصبورة تغيظه ممازحة وحمذرة إياه من‬
‫أن يرى أطفاله الصغار‪.‬‬ ‫طبعه الفضويل‪ ..‬لقد بدا له أن ذلك أبعد‬
‫أطفالُه الصغار! أك�برُ أبنائه ك��ان‪ ..‬كم‬ ‫ما يكون عن شخصية السفري‪ ،‬وهي الوظيفة‬
‫عمره اآلن؟ قريباً سيكون يف سن الذهاب‬ ‫اليت كان يشغلها‪.‬‬
‫لألكادميية بدوره بدا له كأن الطفل كان حيبو‬ ‫وفجأة‪ ،‬ودون سابق إنذار‪ ،‬مرَّ به وميض‬
‫يف أرجاء املنزل قبل أيام قليلة‪ ،‬وها هو ذا‬ ‫أبيض‪ .‬كان ضوءاً من نوع ما‪ .‬لكنه كان أكثر‬
‫اآلن وقد أوشك على االلتحاق باألكادميية‪.‬‬ ‫سطوعاً من أي ضوء سبق أن رآه روبرت‪،‬‬
‫أربعتهم‪ ،‬مبن فيهم التوءم سيكونون قد كربوا‬ ‫أح�سّ بعده بشعور غريب‪ ،‬مل يكن شعوراً‬
‫كثرياً ونضجوا وأصبحوا مثله عند عودته‪.‬‬ ‫ك��ام�لاً ب��اخل��وف‪ ،‬لكنه ك��ان مزعجاً جداً‪.‬‬
‫فجأة أخذ إحساس باالرتباك ينمو قليالً‬ ‫وبدا له أن اإلحساس بالطفو كان يتزايد‪ ،‬لو‬
‫عند روبرت‪ .‬عودته‪ .‬عودته من أين؟ يف هذا‬ ‫كان ذلك ممكناً‪ .‬تعالت األصوات ثم خفتت‬
‫النوم العميق الذي بدا له طويالً طول حياته‬ ‫وتالشت مثل ب��وق أو زم��ور سيارة عندما‬
‫مل يستطع أن يتذكر أين كان! ختيلوا ذلك!‬ ‫متر جبوار شخص بسرعة كبرية‪ .‬وبعدها‬
‫لقد كان يرحتل ويقود سفن الفضاء مذ كان‬ ‫رجع الزعيق‪ ،‬وكان صوت هدير حاد عايل‬
‫صبياً يافعاً وها هو اآلن يعجز عن تذكر أين‬ ‫الطبقة‪.‬‬
‫كان‪ .‬وأخذ يفكر) ال بد وأن حالة احللم هذه‬ ‫ً‬
‫هذه املرة كان مرتفعا بالفعل وكلما ارتفع‬
‫هي السبب وأخذ يردد ما يطمئنه بأن كل‬ ‫صوت اهلدير بدا أنه يرتفع أكثر يف غرفة‬
‫شيء سيعود لطبيعته حاملا يستيقظ‪ .‬حاول‬ ‫احللم ه��ذه‪ ،‬وأح �سَّ بأنه أكثر خفة‪ .‬ومرة‬
‫أن يتذكر البارحة‪ .‬أين حبق اجلحيم كان‬ ‫أخ��رى أوم��ض ال��ض��وء م���اراً ب��ه‪ ،‬ليس مرة‬
‫البارحة؟! كلما حاول أن يتذكر كان عقله‬ ‫واح��دة‪ ،‬لكن ثالث م��رات! لقد كان اهلدير‬
‫يتمخض عن ف��راغ ال غري‪ .‬كم مضى على‬ ‫قريباً منه اآلن‪ ...‬ما ذلك الصوت؟!‪ .‬كان‬
‫م��رور البارحة؟ كم مضى عليه وهو نائم؟‬ ‫عقله الفضويل يطلب إجابة‪ .‬مل يتلق أي‬
‫وبينما كانت املزيد من الفراغات ترتسم يف‬ ‫ج��واب‪ ،‬فقط وميضان آخ��ران من الضوء‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪134‬‬
‫«ما تلك الضوضاء؟!»‬
‫مع درجة الضوء والعتمة لترتكه يف الضباب‬ ‫عقله‪ ،‬بدأ روبرت يشعر بالقلق‪ .‬ومرة أخرى‬
‫البائس‪ ،‬عاجزاً عن الرتكيز بشكل جيد على‬ ‫نظر روبرت حوله يف غرفته اليت كان حيلم‬
‫األشكال البشرية يف األسفل‪.‬‬ ‫فيها‪ .‬أض��واء وامضة بيضاء م��رت ختطو‬
‫وررررررر! ذل��ك ال��ص��وت احل��اد العايل‬ ‫بسرعة خاطفة‪ .‬ومع تعايل األص��وات غدا‬
‫الغريب من جديد‪ .‬لقد كان يأتي أيضاً من‬ ‫أكثر عزماً على التذكر‪ .‬أي شيء‪ ،‬البارحة‪،‬‬
‫الكواكب الصغرية يف العديد من اجملموعات‬ ‫قبل البارحة؟ مل يبارحه الشعور بالطفو‪،‬‬
‫الشمسية من قبل‪.‬‬ ‫وبدأ روبرت ميقت عامل األحالم هذا‪ ،‬فهذا‬
‫عندما حيدث أن يدركوا ما كان لروبرت‬ ‫املكان‪ -‬إذا كان مكاناً يف األصل‪-‬كان قد بدأ‬
‫وكوكب زيبوتا أن يقدما فسوف يثوبون إىل‬ ‫يُشعره أنه أقرب إىل السجن منه إىل حلم أو‬
‫رشدهم‪ .‬لقد استنفد ذلك الكوكب البدائي‬ ‫قيلولة هانئة كان اهلدير قد بدأ جمدداً‪.‬‬
‫ال��ع��دوان��ي امل��س��م��ى األرض ك��ل مصادره‬ ‫ل��و ك��ان مبستطاعه فقط ال��وص��ول إىل‬
‫الطبيعية تقريباً‪ ،‬لقد انقسم الكوكب على‬ ‫مصدر اهلدير‪ ،‬رمبا كان خارج عامل األحالم‬
‫نفسه إىل أجزاء متحاربة تسمى بالداً وأمماً‪،‬‬ ‫مكنه ذلك من أن جيعل منه‬ ‫ه��ذا‪ ،‬ولرمبا َّ‬
‫وحتى تلك األم��م كانت جم��زأة وس��ط لون‬ ‫نقطة ت��رك��ي��ز ي��س�ترش��د هب��ا لالستيقاظ‬
‫اجللد واللغات‪ .‬مل يتعلم سكان األرض بعد‬ ‫واهل���روب من ه��ذا النوم امل��ري��ع‪( .‬جي��ب أن‬
‫استخراج الطاقات الكامنة يف جمموعتهم‬ ‫أستيقظ‪ ،‬ما تلك اجللبة؟ جيب أن أعرف)‬
‫الشمسية ومن ثم وقعوا يف خطيئة استخدام‬ ‫ركز روبرت على اهلدير وفيما أخذ يطفو‬
‫املصادر الطبيعية لكوكبهم نفسه من أجل‬ ‫اجته صوب الضجيج وشعر كما لو أنه التف‬
‫إنتاج الطاقة‪ .‬ونتيجة لذلك كانوا بعيدين‬ ‫جبسمه دورة كاملة‪ .‬كان ممدداً هناك بشكل‬
‫آالف ال��س��ن�ين ع��ن ال��س��ف��ر احلقيقي عرب‬ ‫أفقي ووجهه حنو األسفل‪ .‬مل يدرك أنه كان‬
‫الفضاء‪ .‬ورمب��ا ك��ان ذل��ك األف��ض��ل لبقية‬ ‫مضطجعاً حتته مباشرة‪ .‬بدا كما لو كان كل‬
‫اجملرات واجملموعات الشمسية‪.‬‬ ‫شيء مغلفاً بضباب معتم‪ .‬وكانت األصوات‬
‫لو كانت التقارير االستخباراتية حول‬ ‫تأتي من املنطقة األقل قتامة من الضباب‪.‬‬
‫وضع األرض وسكاهنا صحيحة فمن املؤكد‬ ‫وفكر روب��رت يف أن��ه لو متكن من مد يده‬
‫أهنم مل يكونوا مستعدين الستكشاف الفضاء‬ ‫فلرمبا استطاع أن يلمس مصدر األصوات‪.‬‬
‫وما وراءه‪.‬‬ ‫ك��ان��ت ه��ن��اك ظ�لال أش��خ��اص تتحرك يف‬
‫لكن روبرت كان قد محل (اللجنة) على‬ ‫العتمة‪ .‬ويف كل بضع ثوان كان يرى وميضاً‬
‫االقتناع بعد مداهنة ومتلق بفكرة إرساله‬ ‫من البياض يضيء كل ش��يء بنور ساطع‬
‫إىل ه��ن��اك‪ .‬وك��م��ا ه��و احل���ال دائ��م �اً فقد‬ ‫إىل درج��ة أن��ه ك��ان يستطيع تبيُّن الصور‬
‫جنح روب��رت يف إقناعهم مبا له من سحر‬ ‫الظليّة اليت بدا أهنا منبع األص��وات‪ .‬كان‬ ‫ِّ‬
‫الشخصية وجاذبيتها وم��ا يتمتع ب��ه من‬ ‫الضوء شديد التألق لكنه كان قصري األمد‬
‫مح��اس مشهود وم��ا يعرف عنه من‬ ‫جداًَ إىل حد أن الظلمة ال تلبث أن تتدفق‬
‫خطابات محاسية رائعة حول اخلري‬ ‫لتغمر املكان قبل أن يتسنّى لعينيه التكيف‬

‫‪135‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫«ما تلك الضوضاء؟!»‬


‫ال��غ��اب��ات امل��اط��رة ك��ان��ت س��ت��ج �دِّدُ نفسها‬ ‫املتأصِّل يف كل الكائنات‪ ،‬وما أبداه من‬
‫وطبقة األوزون املتآكلة كانت ستعاجل‪ ،‬أما‬ ‫رمح��ة وحنان ال يُصدَّق جت��اه احلضارات‬
‫الغذاء واخلضار واحليوانات فستكون أكثر‬ ‫البدائية‪ ،‬واآلن‪ ،‬ها هو ذا هنا‪ ،‬حيث سقط‬
‫من وافرة‪ .‬لقد كان للكوكب طاقات ومصادر‬ ‫يف كوكب األرض‪.‬‬
‫كامنة حقيقية‪ .‬كانت قدما روبرت تقفان‬ ‫وأومض اللون األبيض وتدفقت املزيد من‬
‫على سطح كوكب األرض ومل يكن الوقت‬ ‫الذكريات إىل عقله‪.‬‬
‫قد ف��ات بعد‪ .‬فسكان األرض مل يدمروا‬ ‫كان اجلو كما مت التنبؤ به وكما وردت‬
‫أنفسهم بعد فحسب كافة التقديرات اليت‬ ‫املعلومات عنه متاماً‪ .‬كان باإلمكان التنفس‬
‫وضعها علماء كوكب (زيبوتا» كان لألرض‬ ‫من هوائه‪ ،‬لكنه كان ساماً لقد تسمم اهلواء‬
‫حنو قرن أرضي لتصبح غري صاحلة لعيش‬ ‫بصورة سيئة للغاية نتيجة إساءة استعمال‬
‫كائن حي أرضي أو غريه‪.‬‬ ‫املصادر الطبيعية‪ ،‬وبسبب ذلك مرت أكثر‬
‫استمر اللون األبيض بالوميض وكانت‬ ‫م��ن ستة آالف سنة منذ أن استطاع أي‬
‫غرفة احللم تصبح أكثر وضوحاً بالتأكيد‪.‬‬ ‫إنسان أن يعمِّر أكثر من مئة سنة أرضية‬
‫كان بوسعه تبيَّن أربعة أشكال آدمية تتحلق‬ ‫أو حنو ذلك‪ .‬اجلو نفسه كان يسبب موتاً‬
‫حول الطاولة يرتدون معاطف بيضاء‪ .‬كما‬ ‫بطيئاً لكوكب وح��ض��ارة بأكملهما‪ .‬ومن‬
‫ب��دا ل��ه أن شخصاً آخ��ر ك��ان مم���دداً على‬ ‫سخرية األق���دار أن سفينة روب��رت كانت‬
‫الطاولة‪.‬‬ ‫حطت يف واح��دة من الغابات املاطرة‬ ‫قد َّ‬
‫أحس روبرت بوميض أبيض جديد محل‬ ‫القليلة املتبقية على سطح الكوكب‪ .‬تذ َّكر‬
‫معه ذكرى مريرة مقيتة جعلته ينكص على‬ ‫شعوره بالدهشة ملدى ما وصل إليه اهلواء‬
‫عقبيه‪ .‬مل يكن على األرض ملدة ساعة حني‬ ‫من سُمِّية حتى يف تلك الغابات الكثيفة‪،‬‬
‫مسع الطائرات احلوامة حتلق فوقه‪ .‬وخالل‬ ‫وتذكر أيضاً كيف امتأل قلبه عزماً ورأف ًة‪،‬‬
‫دقائق كان مبقدوره أن مييِّز الصوت الواضح‬ ‫فبقدر ما كانت عليه البيئة من سوء على‬
‫للجز ِم اليت كانت تسحق األعشاب االستوائية‬ ‫هذا الكوكب كان جهاز (البوليكوردر) الذي‬
‫وهي تتجه حنوه‪ .‬كان روبرت سيحيِّي هؤالء‬ ‫محله معه حيمل احلل البسيط‪ .‬كان سيقدم‬
‫اآلدميني برفع ذراعيه عالياً يف اهلواء ملَّا كان‬ ‫اجل��ه��از وي��ع��رض وي��وض��ح بساطته وقوته‬
‫ذلك عالمة أكيدة على االستسالم حسب ما‬ ‫لسكان األرض لقد ك��ان��ت ف��ك��رة اجلهاز‬
‫هو حروف يف ثقافتهم‪ .‬وكان أن أدى روبرت‬ ‫ب�ين ظهرانيهم ومل يستطيعوا اكتشافها‬
‫ما يتوجب عليه هبذا الصدد‪ ،‬وكان ذلك يف‬ ‫لفرتة طويلة ج��داً وحسب التوقعات كان‬
‫نفس اللحظة اليت أحسَّ فيها بأمل حاد يف‬ ‫باإلمكان مع استعمال هذا املصدر اجلديد‬
‫وسط ص��دره‪ .‬وبسقوطه على األرض بدا‬ ‫للطاقة تنظيفُ البيئة يف غضون عشرين‬
‫أنَّ األمل واحلماس اجتاه األرض كان خيبو‬ ‫سنة أرضية فقط‪ .‬وبالنتيجة فإن تسعني‬
‫ويضمحل ب��دوره‪ .‬وك��ان أن عجزت أرجله‬ ‫باملئة مما يسميها سكان األرض (أمراضاً‬
‫األربع عن محله‪..‬‬ ‫مستعصية) كان سيختفي بصورة طبيعية‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪136‬‬
‫«ما تلك الضوضاء؟!»‬
‫(ي��ب��دو أننا فقدنا ه��ذا ال��ش��يء)‪« .‬قال‬ ‫لقد بدأ رعب ما حل به يتكشف شيئاً‬
‫الدكتور روبرتسون بنربة ت��دل على عدم‬ ‫فشيئاً‪ .‬لقد مت ختديره بطريقة ما ومحله‬
‫االكرتاث فيما كان حيدِّق يف وجوه زمالئه‬ ‫ك��أس�ير‪ .‬لقد ك��ان البشر أس���وأ مم��ا كان‬
‫العلماء دون أيَّما تأ ّثر أو انفعال‪ .‬وببطء‬ ‫يتخيل‪ .‬ماذا عساه يكون مصري املعلومات‬
‫أل��ق��وا ن��ظ��رات خاطفة على امل��خ��ل��وق ذي‬ ‫املوجودة يف جهاز البوليكوردر اليت ميكن أن‬
‫اخللقة البشعة امل��م��دد جث ًة ه��ام��دة على‬ ‫تنقذ األرض وسكاهنا؟ ماذا لو قامت هذه‬
‫ط��اول��ة العمليات‪ .‬وأخ���ذ ه���ؤالء خيلعون‬ ‫املخلوقات العدوانية بكشف اللثام عن سرّ‬
‫قفازاهتم الواحد بعد اآلخر‪ ،‬ويطبق الواحد‬ ‫سفينته الفضائية وبدؤوا يف القيام بالسفر‬
‫منهم فكيه ب��ص��ورة مسموعة‪ .‬مل يسبق‬ ‫عرب الفضاء؟ هل سيحاولون التواصل معه؟‬
‫للعالِم األصغر سناً املوجود يف اجملموعة‬ ‫ك��ان مب��ق��دوره بالتأكيد أن جي��د طريقة‬
‫أن شاهد أي شيء مثل هذا على اإلطالق‬ ‫للتواصل سلمياً وبشكل فعّال مع البشر‬
‫واكتفى بالوقوف هناك مشدوهاً‪ .‬وأخرياً‬ ‫ال��واق��ف�ين أم��ام��ه‪ .‬وب���دأ ال��ص��وت يتالشى‬
‫هزَّ كتفيه كما يفعل املرء لدى استيقاظه من‬ ‫وخيبو يف عتمة وجهل غرفة احللم‪ .‬وأصبح‬
‫غفوة سريعة‪ ،‬وأعلن لزمالئه بلهجة قاطعة‪.‬‬ ‫الضوء األبيض أكرب وأكثر سطوعاً مكتنفاً‬
‫«ربَّ ضارةٍ نافعة‪ .‬هل لكم أن تتصوروا ما‬ ‫ومداعباً كيانه‪ .‬رحب روبرت بسطوع املوت‬
‫نوع األذى والضرر الذي كان مبقدور خملوق‬ ‫املتغلغل يف روحه وطفا بعيداً حنو جزائِه‬
‫مثل هذا أن يسببه لكوكبنا؟»‪.‬‬ ‫الذي استحقه عن جدارة‪.‬‬

‫‪137‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫وسيم قدورة‬

‫يعرّف اإلدمان بشكل عام بعدم قدرة اإلنسان عن االستغناء عن‬


‫شيء ما ‪ ،‬بصرف النظر عن هذا الشيء طاملا استوفى بقية شروط‬
‫اإلدمان من حاجة إىل املزيد من هذا الشيء بشكل مستمر حتى‬
‫يشبع حاجته حني حيرم منه‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪138‬‬
‫وقد ازداد يف اآلونة األخري أعداد مستخدمي‬ ‫ويف عصرنا هذا مل يعد اإلدم��ان مقتصراً‬
‫هذه الشبكة العنكبوتية بشكل ملحوظ‬ ‫على امل��خ��درات أو امل��واد احلسية فحسب بل‬
‫حيث أشارت إحدى الدراسات إىل أن ‪%6‬‬ ‫ت��ع��دى األم���ر إىل إدم���ان عناصر تكنولوجية‬
‫نستخدمها يومياً كاالنرتنت‪.‬‬
‫فهذه الشبكة العمالقة غريت شكل الكون‬
‫يف م���دة زم��ن��ي��ة م��ت��ن��اه��ي��ة ال��ص��غ��ر‪ ،‬حمقق ًة‬
‫غايات وأهدافاً عظيمة خلدمة املعرفة والعلم‬
‫والتقدم‪.‬‬

‫‪139‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫من‬
‫م����س����ت����خ����دم����ي‬
‫اإلنرتنت يف العامل يف عداد املدمنني‪،‬‬
‫و قد‬ ‫م��ا ج��ع��ل ب��ع��ض ال�ترب��وي�ين واالختصاصيني‬
‫ج����اء يف نتائج‬ ‫النفسيني يعتربون أن هلذا النوع من اإلدمان آثاراً‬
‫ه��ذه ال��دراس��ة أن املشمولني يف‬ ‫سلبية على الصعيد االجتماعي واملهين والعائلي‬
‫الدراسة قضوا على األقل ‪ 38‬ساعة أسبوعياً‬ ‫وآثاراً سلبية أخرى‪.‬‬
‫على اإلنرتنت‪ ،‬مقارنة حبوايل مخس ساعات‬ ‫ويذكر أن أول من وض��ع مصطلح « إدمان‬
‫فقط أس��ب��وع��ي�اً لغري امل��دم��ن�ين‪ .‬كما أشارت‬ ‫اإلنرتنت» ‪ ،Internet Addiction‬هي عاملة‬
‫ال����دراس����ة أن م���ن مي��ك��ن وص��ف��ه��م مبدمين‬ ‫النفس األمريكية كيمربيل يونغ‪ ،‬اليت تعد من‬
‫اإلن��ت�رن����ت‪ ،‬مل ي��ت��ص��ف��ح��وا يف اإلن�ت�رن���ت من‬ ‫أوىل أطباء النفس الذين عكفوا على دراسة هذه‬
‫أج��ل احل��ص��ول على معلومات مفيدة هل��م يف‬ ‫الظاهرة يف الواليات املتحدة منذ عام ‪1994‬‬
‫أعماهلم أو دراساهتم ‪ ،‬وإمنا من أجل االتصال‬ ‫وتعرف (يونغ) «إدمان اإلنرتنت» بأنه استخدام‬
‫م��ع اآلخ��ري��ن وال��دردش��ة معهم ع�بر اإلنرتنت‪.‬‬ ‫اإلنرتنت أكثر من ‪ 38‬ساعة أسبوعياً‪ .‬كما أهنا‬
‫قامت عام ‪ 1999‬بتأسيس وإدارة «مركز اإلدمان‬
‫فما هو إدمان اإلنرتنت ؟‬ ‫على اإلنرتنت لبحث وعالج هذه الظاهرة‪ ،‬وقد‬
‫قد أوردنا فيما سبق التعريف العام ملصطلح‬ ‫أصدرت كتابني حول هذه الظاهرة مها» الوقوع‬
‫اإلدمان بعدم قدرة اإلنسان عن االستغناء عن‬ ‫يف قبضة اإلنرتنت «‪،»Caught in the Net‬‬
‫ش��يء م��ا‪ .‬وي��رى آخ��رون أن��ه متى ب��دأ اإلنسان‬ ‫وال��ت��ورط يف الشبكة «‪Tangled in the‬‬
‫بتجاهل األنشطة واملناسبات ومسؤءوليات‬ ‫‪ .»Web‬وكانت يونغ قد قامت يف التسعينيات‬
‫ال��ع��م��ل وال����دراس����ة ل��ق��ض��ائ��ه أوق���ات���اً طويلة‬ ‫بأول دراسة موثقة عن إدمان اإلنرتنت‪ ،‬مشلت‬
‫مستخدماً اإلنرتنت فيكون مدمناً عليه‪ .‬فيصبح‬ ‫حوايل ‪ 500‬مستخدم لإلنرتنت‪ ،‬تركزت حول‬
‫من املستحيل على مدمن االنرتنت اإلقالل من‬ ‫س��ل��وك��ه��م أث��ن��اء تصفحهم ش��ب��ك��ة اإلنرتنت‪،‬‬
‫ساعات عمله على اإلنرتنت أو حتديد وقت معني‬ ‫حيث أجاب املشاركون يف الدراسة بنعم على‬
‫لدخوله وخروجه‪ ،‬ويصل ملرحلة ترك واجباته‬ ‫ال��س��ؤال ال��ذي وج��ه هل��م وه��و‪ :‬عندما تتوقف‬
‫وأعماله املهمة مفضالً التكلم مع األشخاص‬ ‫عن استخدام اإلنرتنت‪ ،‬هل تعاني من أعراض‬
‫امل��وج��ودي��ن على شبكة اإلن�ترن��ت ع��وض �اً عن‬ ‫االن��ق��ط��اع ك��االك��ت��ئ��اب وال��ق��ل��ق وس���وء امل���زاج؟‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪140‬‬
‫والح��ظ أس��ت��اذ علم النفس ج��ون جرهول‬ ‫العالقات االجتماعية وجهاً لوجه‪.‬‬
‫أن إدمان اإلنرتنت هو عملية مرحلية حيث إن‬
‫املستخدمني اجلدد عادة هم األكثر استخداماً‬ ‫أسباب إدمان اإلنرتنت ؟‬
‫وإس���راف���اً ل�لإن�ترن��ت بسبب ان��ب��ه��اره��م بتلك‬ ‫ميكننا أن نشبه اإلنرتنت مبثابة بوابة لعامل‬
‫الوسيلة‪ .‬ثم يلي ذلك عملية ت��وازن الشخص‬ ‫جديد مثل أليس يف ب�لاد العجائب حيث لن‬
‫الستعماله له‪.‬‬ ‫يستطيع أي شخص أن يعلم أين ستأخذه هذه‬
‫بيد أن بعض الناس تطول معهم هذه املرحلة‬ ‫الرحلة أو أين ستنتهي‪.‬‬
‫فيسرفون يف اس��ت��خ��دام��ه وال يتمكنون من‬ ‫واملشكلة عند البعض أن ع��امل اإلنرتنت‬
‫االستغناء عنه ‪ ..‬ويرى البعض أو حسب بعض‬ ‫يستحوذ عليهم لدرجة أن هذا العامل يطغى‬
‫الدراسات اليت متت يف هذا اجمل��ال أن‬ ‫على عاملهم احلقيقي ‪ .‬وهذا ما يدعى بإدمان‬
‫أكثر الناس قابلية لإلدمان هم أصحاب‬ ‫اإلنرتنت‪.‬‬

‫‪141‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫الدردشة ‪.)Chat Room‬‬ ‫االكتئاب والشخصيات القلقة والذين يعانون‬


‫‪ - 3‬إلزام اإلنرتنت‪ :‬مثل املقامرة أو الشراء عرب‬ ‫م��ن امللل (ك��رب��ات البيوت) وي��رى آخ���رون بأن‬
‫اإلنرتنت‪.‬‬ ‫الناس الذين تكون لديهم ق��درة خاصة على‬
‫‪ - 4‬اإلف����راط أملعلوماتي ‪ :‬مثل البحث عن‬ ‫التفكري اجملرد هم أيضاً عرضه لإلدمان بسبب‬
‫املعلومات الزائدة عن احلد عرب اإلنرتنت؟‬ ‫اجنذاهبم الشديد لإلثارة العقلية اليت يوفرها‬
‫‪ - 5‬إدم����������ان أل�����ع�����اب ال���ك���وم���ب���ي���وت���ر ‪.‬‬ ‫هلم الكم اهلائل من املعلومات امل��وج��ودة على‬
‫أما أعراض حالة إدمان اإلنرتنت فتشمل عناصر‬ ‫اإلنرتنت‪.‬‬
‫نفسية واجتماعية وجسدية‪ ،‬تؤثر على احلياة‬
‫االجتماعية واألسرية للفرد‪.‬‬ ‫أنواع وأعراض اإلدمان‬
‫وقد أظهرت العديد من الدراسات أن تلك‬ ‫تقسم عاملة النفس يونغ إدمان اإلنرتنت إىل‬
‫األعراض النفسية واالجتماعية إلدمان اإلنرتنت‬ ‫مخسة أنواع هي ‪:‬‬
‫تشمل الوحدة‪ ،‬واإلحباط‪ ،‬واالكتئاب‪ ،‬والقلق‪،‬‬ ‫‪ - 1‬إدمان الفضاء اجلنسي‪ :‬أي مواقع اجلنس‬
‫والتأخر عن العمل‪ ،‬وحدوث مشكالت زوجية‬ ‫اإلباحية‪.‬‬
‫وفقدان للعالقات األسرية االجتماعية‪ ،‬مثل‬ ‫‪ - 2‬إدم��ان العالقات السيربية ‪ :‬أي ال�تي تتم‬
‫قضاء وقت كاف مع األسرة واألصدقاء‬ ‫عرب الفضاء املعلوماتي ‪( ،‬مثل عالقات قاعات‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪142‬‬
‫الدوائر االلكرتونية والكهربية‪.‬‬
‫أما عن تأثري استخدام اإلنرتنت الزائد عن‬
‫احل��د على األط��ف��ال‪ ،‬فقد أش���ار ال��ع��دي��د من‬
‫ال��دراس��ات إىل أن��ه ي��ؤدي للعزلة االجتماعية‪،‬‬
‫أو اض��ط��راب��ات يف ال��ن��وم‪ ،‬أو مشاكل دراسية‬
‫واجتماعية‪ ،‬وذلك كنتيجة لدخول األبناء أو البنات‬
‫دون علم الوالدين على املواقع اإلباحية املمنوعة‬
‫أو م��واق��ع ال��دردش��ة‪ ،‬أو توقفهم ع��ن ممارسة‬
‫أنشطة وه��واي��ات أخ���رى ك��ال��ق��راءة وممارسة‬
‫ألعاب رياضية‪ ،‬أو حدوث نوبات غضب وعنف‬
‫عند حماولة الوالدين وضع ضوابط الستخدام‬
‫الشبكة‪ ،‬وهذا قد يؤدي بالبعض منهم للتحايل‬
‫علي اآلباء للدخول على الشبكة وقضاء أوقات‬
‫طويلة ملمارسة ألعاب الكومبيوتر‪.‬‬
‫إشكالية إدمان اإلنرتنت تكمن يف أن معظم‬
‫مستخدمي اإلنرتنت ال يعرفون حدود أو خطورة‬
‫ه��ذه ال��ظ��اه��رة‪ ،‬وب��ال��ت��ايل فهم عُ��رض��ة خلطر‬
‫اإلدم���ان دون أن يشعروا ب��ذل��ك‪ .‬ول���ذا‪ ،‬بدأت‬
‫العديد من اجلامعات ومراكز البحوث األمريكية‬
‫بتعريف وتوعية األفراد والطالب بطبيعة إدمان‬
‫االنرتنت‪ ،‬من خالل عقد الندوات العلمية وتقديم‬
‫املشورة على اعتبار أن إدمان اإلنرتنت ال خيتلف‬
‫عن غريه من أنواع اإلدمان األخرى‬

‫آثار اإلدمان السلبية‬


‫يتحدث العلماء اآلن ع��ن كثري م��ن املضار‬
‫ال�تي يسببها االس��ت��خ��دام اخل��اط��ئ أو املفرط‬
‫ل��ل��ك��م��ب��ي��وت��ر ح��ت��ى ظ��ه��ر ف���رع���اً متخصصاً‬
‫يف ه���ذا اجل��ان��ب ق��د مت ت��ك��ري��س��ه ك��ف��رع من‬ ‫واألعراض اجلسدية تشمل التعب واخلمول‬
‫ف��روع البحوث الصحية وم��ن ه��ذه املخاطر ‪:‬‬ ‫واألرق‪ ،‬واحلرمان من النوم‪ ،‬وآالم الظهر والرقبة‪،‬‬
‫‪ ‬‬ ‫والتهاب العينني‪ .‬وعلى وجه اخلصوص فإن زيارة‬
‫‪ ‬اآلثار الصحية ‪:‬‬ ‫املواقع اإلباحية يؤدي لإلثارة اجلنسية والكبت‬
‫امل��ض��ار اجل��س��م��ان��ي��ة ‪ :‬وم��ن��ه��ا األض���رار‬ ‫اجلنسي وظهور العديد من املشاكل االجتماعية‬
‫ال��ت��ي ت��ص��ي��ب األي�������دي م����ن االس���ت���خ���دام‬ ‫واألسرية‪ .‬هذا باإلضافة ملخاطر اإلشعاعات‬
‫امل���ف���رط ل��ل��ف��أرة ‪ ،‬أض������رار تصيب‬ ‫الصادرة عن شاشات أجهزة االتصال احلديثة‪،‬‬
‫ال��ع�ين ن��ت��ي��ج��ة ل�لإش��ع��اع ال��ت�ي تبثه‬ ‫وأيضاً تأثري اجملاالت املغناطيسية الصادرة عن‬

‫‪143‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫ش���اش���ات ال��ك��م��ب��ي��وت��ر ‪ ،‬أض�����رار تصيب‬


‫العمود الفقري والرجلني نتيجة نوع اجللسة‬
‫وامل����دة ال��زم��ن��ي��ة هل��ا م��ق��اب��ل أج��ه��زة احلاسب‬
‫‪ ،‬وأض��������رار ت��ص��ي��ب األذن���ي���ن ملستخدمي‬
‫مكربات الصوت ‪ ،‬ثم األض���رار املرتافقة مثل‬
‫ال��ب��دان��ة وم���ا تسببه م��ن أم����راض مرافقة‪.‬‬

‫اآلثار النفسية ‪:‬‬


‫يتحدث العلماء النفسيون عن عامل ومهي‬
‫بديل تقدمة شبكة اإلنرتنت وتطبيقات الكمبيوتر‬
‫ما قد يسبب آثاراً نفسية هائلة خصوصاً على‬
‫الفئات العمرية الصغرية حيث خيتلط الواقع‬
‫بالوهم وحيث ختتلق عالقات وارتباطات غري‬
‫موجودة يف العامل الواقعي قد تؤدي إىل تقليل‬
‫مقدرة الفرد على أن خيلق شخصية نفسية‬
‫سوية قادرة على التفاعل مع اجملتمع والواقع‬
‫املعاش‪.‬‬

‫اآلثار االجتماعية ‪:‬‬


‫تصل اآلثار االجتماعية حداً من اخلطوات‬
‫يبحث اليوم مبوجبه كثرية من العلماء يف تغيري‬
‫النظرة املكرسة للمجتمع‪ .‬فهل أصبح صحيحاً‬
‫أن حيد جمتمع ما بالبقعة اجلغرافية اليت يعيش‬
‫عليها ‪ .‬وهل نستطيع أن هنمل تكون جمتمعات‬
‫وروابط تشبه تلك اليت كانت تتكون بني أفراد‬
‫اجملتمع الواحد بني أفراد يعيش منهم على قارة‬
‫خمتلفة من قارات الكرة األرضية ‪.‬يضاف إىل‬
‫كل ذلك انسحاب ملحوظ لإلنسان من التفاعل‬
‫االجتماعي حنو العزلة املدعمة بتطور مائل يف‬
‫وسائط التسلية املتعددة‪.‬‬

‫حلول عالجية حلاالت اإلدمان على‬


‫اإلنرتنت‪:‬‬
‫مل���ع���اجل���ة إدم�������ان اإلن��ت�رن����ت ع�������دداً من‬
‫اإلسرتاتيجيات السلوكية منها‪:‬‬
‫• أوالً‪ :‬ممارسة العكس ‪ :‬ويتطلب حتديد‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪144‬‬
‫هذه املنبهات يف تذكري الفرد مبوعد انتهاء وقت‬ ‫منط استخدام الفرد لإلنرتنت‪ ،‬ثم حماولة كسر‬
‫استخدام اإلنرتنت‪.‬‬ ‫هذا الروتني أو العادة عن طريق تقديم أنشطة‬
‫• خامساً‪ :‬عمل قائمة شخصية ‪ :‬ع��ادةً ما‬ ‫حمايدة ومعتدلة‪ ،‬مبعنى أنه إذا كان روتني الفرد‬
‫يهمل مدمين اإلنرتنت جوانب كثرية من حياهتم‬ ‫يتضمن ق��ض��اء عطلة األس��ب��وع بأكملها على‬
‫نظراً لقضاء أوقات طويلة على اإلنرتنت‪ ،‬فوضع‬ ‫اإلنرتنت‪ ،‬فيمكن اق�تراح أن يقضي الفرد مساء‬
‫قائمة هبذه األنشطة واالهتمامات املهملة يساعد‬ ‫يوم السبت يف القيام بأنشطة خارج املنزل‪.‬‬
‫على إحيائها مرة أخرى‪.‬‬ ‫• ثانياً‪ :‬وضع أه��داف مسبقة ‪ :‬فمن املفيد‬
‫وجدير بالذكر يف هذا اإلطار اإلشارة إىل دور‬ ‫جداً وضع خمطط مسبق جلميع أيام األسبوع‪،‬‬
‫عوامل إجيابية أخرى يف العالج‪ ،‬كعامل الثقافة‬ ‫حبيث حيدد بوضوح كم عدد الساعات املخصصة‬
‫والدين والقيم االجتماعية واألخالقية املتعارف‬ ‫الستخدام اإلنرتنت‪ ،‬فعلى املدى البعيد يولد هذا‬
‫عليها‪ ،‬وال�تي جيب مراعاهتا واالل��ت��زام هبا لكي‬ ‫السلوك لدى الفرد شعوراً بقدرته على التحكم يف‬
‫يتجنب الفرد خماطر إدمان اإلنرتنت االجتماعية‬ ‫استخدام اإلنرتنت‪.‬‬
‫والنفسية واجلسمية‪.‬‬ ‫• ثالثاً‪ :‬بطاقات للتذكرة ‪ :‬ينصح الفرد بكتابة‬
‫وال يعين احلديث عن ظاهرة إدمان اإلنرتنت‬ ‫اآلثار السلبية لالستخدام املفرط لإلنرتنت على‬
‫التوقف ع��ن استخدامه أو جتاهل وج��ود هذه‬ ‫بطاقات كمشاكل يف العمل مثالً‪ ،‬وكذلك كتابة‬
‫الظاهرة‪ ،‬بل يعين العمل على ممارسة االستخدام‬ ‫فوائد احلد من استخدام اإلنرتنت‪ ،‬فحمل هذه‬
‫املعتدل واألمثل ووضع ضوابط وحدود الستخدامه‪،‬‬ ‫البطاقات بشكل مستمر هبدف التذكرة يساعد‬
‫مع ضرورة وجود الرقابة األسرية ومتابعة وتوجيه‬ ‫الفرد على جتنب سوء استخدام اإلنرتنت‪.‬‬
‫اآلباء لألبناء عند استخدام اإلنرتنت‪.‬‬ ‫• رابعاً‪ :‬استخدام ساعات التوقف ‪ :‬إذ تساعد‬

‫‪145‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫د‪ .‬حممد اهلادي عيّـاد‬


‫كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية ‪ /‬ســوســة‬

‫لئن كان تصنيف العلوم عند العلماء العرب نابعاً من التصوّر األرسطي ملفهوم‬
‫خلفوه من آثار ّ‬
‫يدل على أ ّنهم فهموا حقيقة العلم وجتاوزوا املنهج‬ ‫فإن ما ّ‬
‫العلم‪ّ ،‬‬
‫التجرييب اليوناني وأعطوا للعلم نزعة إنسانية تتسامى عن النزعات العرقية‪.‬‬
‫جمد العلم وجعله ألـَ َّ‬
‫ــذ األشياء يف الكون‪،‬‬ ‫تأثرهم بالفكر الديين الذي ّ‬ ‫ّ‬
‫ولعل ذلك ناتج عن ّ‬
‫وحث على نشر العلم‬‫و جعل طلبه فريضة‪ ،‬وأعلى من شأن العلماء وجعلهم ورثة األنبياء‪ّ ،‬‬
‫كاته يلجم يوم القيامة بلجام من نار‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وأكد على ّأن مِ‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪146‬‬
‫فـما ه��و إ ًذا‪ ،‬مفهوم العلم عند العلماء‬
‫العرب؟‬
‫وما كانت مصادره ؟‬
‫ما هي املناهج اليت أسّسوها حبثاً وتبليغاً؟‬
‫ماذا كانت غايتهم من العلم؟‬
‫ما هي املقاييس اليت اعتمدوها لتصنيف‬
‫العلوم؟‬
‫تلك هي احملاور اليت تأسّست عليها نظرة‬
‫العلماء العرب واملسلمني للعلم وهي موضوع‬
‫حبثنا هذا‪.‬‬
‫لقد بدأ احتكاك العرب بالعلوم عندما بدأت‬
‫واطلع الفاحتون على ما‬ ‫الفتوحات اإلسالمية ّ‬
‫لألمم اجمل��اورة من رصيد علمي هامّ أغراهم‬
‫فسَعَـوْا إىل االستفادة منه مستعينني مبرتمجني‬
‫أعاجم من السُريان الذين وجدوا يف حرية الفكر‬
‫يف الدين اإلسالمي جماالً يسمح هلم مبمارسة‬
‫نشاطهم العلمي‪ .‬ك ّل ذلك كان يف ظ ّل رعاية‬
‫فائقة للخلفاء ابتداء من القرن الثاني اهلجري‪.‬‬
‫إطالع العرب على العلوم األعجمية‬ ‫هكذا بدأ ّ‬
‫وخاصة منها اليونانية اليت تأ ّثروا هبا تأ ّثراً‬
‫كبرياً‪.‬‬
‫ويظهر هذا التأ ّثـر جلياً يف مفهومهم للعلم‬
‫ويف حتديدهم ملاهيته‪.‬‬
‫إنّ العلم عند العرب هو البحث عن احلقيقة‬
‫وأدات����ه ال��ل��غ��ة ووس��ي��ل��ت��ه امل��ن��ط��ق وغ��اي��ت��ه نفع‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫مل يكن ال��وازع الذي جعل العرب يؤسّسون‬
‫رؤية معيَّنة للعلم إعجابَـهم بعلوم األمم األخرى‬
‫وتـبعاً لذلك كان مفهوم العلم عندهم مفهوماً‬ ‫فحسب‪ ،‬بل كان الدافع للعلم هو الدين‪ .‬واآليات‬
‫قائماً على رؤية شاملة للكون تنقسم إىل ثالثة‬ ‫وتعظم منزلته عديدة‬ ‫ّ‬ ‫اليت حتثّ على طلب العلم‬
‫حماور هي‪ :‬عنايتهم بالزمن والفضاء و دراستهم‬ ‫جداً وكذلك األحاديث النبوية (‪.)1‬‬
‫للمحيط وتسخريهم العلم خلدمة الفنون‪.‬‬ ‫كانت نظرة العرب للعلم نظرة نفعية‪ ،‬فهـو‬
‫احملـور األوّل‪ :‬ي��دور حول مفهومهم للبيئة‬ ‫عندهم حبث فـى‬
‫ال�تي يعيشون فيها فاعتنَوْا ب��دراس��ة الفضاء‬ ‫ما جيلب السعادة للبشر‪ .‬فبالعلم صالح‬
‫ّ‬
‫وسخروا معارفهم ملساءلة الكون‬ ‫والزمن‬ ‫اإلنسان‪ ،‬به يكون جلب املنافع ودف��ع املضارّ‪.‬‬
‫ّ‬
‫الذي حييون فيه حلل املشكالت الدينية‬ ‫ويف العلم صالح اإلنسان‪ ،‬به يُـتَـقرّب إىل اهلل‪.‬‬

‫‪147‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫من نتائج يف حياهتم اليومية‪ .‬كذلك كان األمر‬


‫بالنسبة إىل تصوير اخلرائط و رسْـ ِم الطرقات‪.‬‬
‫ذلك أنّ اال ّتساع املتنامي لبالد اإلسالم يقتضي‬
‫التواصل بني خمتلف األصقاع فكانت مالحظة‬
‫األرض ضرورة دفعت إىل وضع اخلرائط وبيان‬
‫الطرق لتنشيط التجارة فنشأ علم اجلغرافيا‬
‫الوصفـية‪.‬‬
‫ّ‬
‫احملـور الثاني‪ :‬يتعلق بدراسة احمليط هدفه‬
‫ال��ت��ع �رّفُ ع��ل��ى الطبيعة ال�ت�ي يعيشون فيها‬
‫واستغال ُل املصادر الضرورية لوجود اإلنسان يف‬
‫حياته اليومية‪ ،‬مثل دراسة احليوانات والنباتات‬
‫وتطوير طرق الزراعة وإنتاج األدوية‪ .‬فهو يعتين‬
‫بالوعي مبنافع العلم ال�تي يقدّمها لإلنسان‬
‫يف الكون‪ .‬فـغـاية الطبّ مثالً‪ ،‬مداواة املرضى‬
‫وحفظ الصّحة على األصحّاء‪ ،‬وغاية الصيدلة‬
‫معرفة األعشاب وأماكن وجودها وطرق العالج‬
‫هبا‪ .‬ولقد استعمل العلماء املسلمون الفـيـزياء‬
‫الستغالل الطاقة الطبيعية لتحريك الطواحني‬
‫وتطوير سُـبُل الريّ‪ .‬فالعلم عـندهم هو دعوةٌ‬
‫للمالحظة واالستنتاج‪.‬‬
‫احملـور الثالث‪ :‬يتعلّق بتطبيق املعارف العلمية‬
‫على الفنون‪ :‬فقد وضع العلماء العرب معارفهم‬
‫يف خدمة الفنّ‪ .‬وكان ذلك يف البناء والتـزويـق‪،‬‬
‫واستعملوا اهلندسة يف الرسم والنقش‪ ،‬كما‬
‫وضعوا معارفهم الرياضية يف خدمة املوسيقا‬
‫إلظهار عالقات التناسق املوجود يف الكون‪،‬‬
‫واستعملوا املوسيقا للعالج‪.‬‬
‫نستـنتج من هذا الوعي باملفهوم اجلوهري‬
‫للعلم أنّ العلماء العرب كانوا أناساً عـمليـِّيــن‬
‫سخروا العلم مبختلف فروعه خلدمة اإلنسان‬ ‫ّ‬
‫وكان ذلك بدافع من النـصوص الدينية اليت مل‬
‫تكن منفصلة عن البحث العلمي بل كان هذا‬ ‫احلادثة مثل تعيني أوقات الصالة ومواقيت‬
‫البحث يهتدي بتعاليمها إ ْذ كانت غايتهم من‬ ‫األشهر وحتديد القبلة للصالة ولبناء املساجد‪.‬‬
‫العلم طلبُ احلقيقة‪ ،‬وك� ّل س��ا ٍع يف طلب هذه‬ ‫ومن هنا كانت عنايتهم الفائقة بعلم النجوم‬
‫احلقيقة ه��و س��ا ٍع للقرب م��ن اهلل‪ .‬إنّ مداد‬ ‫وعلم الفلك‪ .‬فـقد طوّروا هذا العلم أل ّنهم كانوا‬
‫طالب العلم ال يق ّل قيمة عن دم الشهيد املهراق‬‫ِ‬ ‫يف أشدّ احلاجة إليه‪ ،‬وطبّقوا ما اهتدوا إليه‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪148‬‬
‫ريبٌ وال يقارنه إمكانُ الغلط والوهم» (‪)2‬‬ ‫يف سبيل اهلل‪.‬‬
‫وطلب احلقّ هو ديدن بن اهليثم (تـ‪429:‬هـ)‬ ‫إىل جانب االهتداء بالنصوص الدينية كان‬
‫فغايته من البحث العلمي «طلب احلقّ ال امليل‬ ‫العلماء العرب يستأنسون بالفلسفة اليونانية‬
‫مع اآلراء (‪ )...‬وبعثت عزمييت إىل الرّأي املقرِّب‬ ‫اليت وجدوا فيها وسيلة ملزيد التعمّق يف املعرفة‬
‫إىل اهلل (‪ )...‬ثمّ إ ّني اشتهيت إيثارَ احلقّ وطلبَ‬ ‫والبحث يف أسرار الكون‪.‬‬
‫العلم‪ ،‬واستقرّ عندي أ ّنه ليس ينال الناسُ شيئا‬ ‫ولع ّل الفارابي (تـ‪339:‬هـ) كان أوّل من حاول‬
‫من الدنيا أجودَ من وال أشدَّ قربة من اهلل من‬ ‫التوفيق بني الدين والعلوم الواردة‪ ،‬فـقـد حاول‬
‫هذين األمرين‪.)3( »...‬‬ ‫أن يثبت أن ال خالف بني الفلسفة اليونانية وبني‬
‫إنّ احل��رص على البحث عن احلقيقة دفع‬ ‫الشريعة اإلسالمية و كان مؤمناً بقيمة الفلسفة‬
‫العلماء إىل تصحيح مسار مفهوم العلم وغاياته‪.‬‬ ‫وجبالل الدين‪ ،‬فالدين والفلسفة عنده متّفقان‬
‫ولع ّل اخلطوة األوىل هلذا التصحيح كانت العمل‬ ‫ألنّ كليهما حقٌّ واحلقّ ال خيالف احلقَّ‪ ،‬فهما‬
‫على تـنـوّع مصادر العلم‪ ،‬فطلبه يكون ولو يف‬ ‫وجهان حلقيقة واحدة هي البحثُ عن احلقيقة‬
‫الصني‪ .‬واخلطوة الثانية كانت التضحية يف‬ ‫والسَّعيُ إىل الوصول إليها‪ .‬وقد جعل طالّب‬
‫احلصول عليه‪ ،‬فطلب العلم جهاد يف سبيل اهلل‬ ‫العلم أمس��ى أغراضهم طلب احل���قّ‪ ،‬وجعلوا‬
‫وم��داد الطالب مسا ِو لدم الشهداء‪ .‬وكـنتيجة‬ ‫طالبَ احلقّ هو املُتَّـ ِبعُ للحجّة و الربهان‪ .‬فالعلم‬
‫لذلك‪ ،‬أصبح طلب العلم ون��ش�رُه بني الناس‬ ‫هو احلقّ واحلقّ هو اهلل‪.‬‬
‫مسعًى للقرب من اهلل‪.‬‬ ‫ّ‬
‫يقول الغزايل (ت��ـ‪505:‬ه��ـ)‪« :‬إنما مطلوبي‬
‫إنّ احلقّ يف نظرية العلم عند العرب ليس‬ ‫العلمُ حبقائق األمور فال بدّ من طلب حقيقةِ‬
‫مطلوباً لِــذاته فحسب‪ ،‬بل إ ّن��ه يـسمُـو‬ ‫العلم ما هي؟ فظهر يل أنّ العلم اليقيينّ هو‬
‫عن النزعات العرقية‪ ،‬فاحلقّ هو احلقّ‬ ‫الذي ينكشف فيه املعلوم انكشافاً ال يبقي معه‬

‫‪149‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫من احلقائق يضيف الباحثون إليها يف ك ّل زمان‬ ‫مهما كان موطنه لذلك وجب أخذه حيثما‬
‫ومكان حلقات تساهم يف تطوّره‪ ،‬لذلك جندهم‬ ‫وُج����د ول���و يف ب�ل�اد ال��ك��ف��ر‪ .‬ي��ق��ول الكندي‬
‫يُـثنون على من سبقهم ولو كانوا من غري ملّتهم‬ ‫(تـ‪252:‬هـ)‪« :‬وينبغي لنا أن ال نستحي يف احلقّ‬
‫وم��ن غري لساهنم أل ّنهم سهّلوا إليهم الطريق‬ ‫اقتناء احلقّ من أين أتي‪ ،‬وإنْ أتي من األجناس‬
‫إلضافة حقائق جديدة للعلم‪ ،‬وه��م بدورهم‬ ‫القاصية عنّا‪ ،‬واألمم املباينة لنا‪ ،‬فإ ّنه ال شيء‬
‫كانوا بصدد تسهيل الطريق ملن سيأتي بعدهم‪،‬‬ ‫أوىل بطالب احلقّ من احلقّ‪.)4( ».‬‬
‫ولع ّل «الكندي» يُعَــدُّ املثل األعلى يف احرتام العلم‬ ‫ويقول ابن رش��د‪( :‬ت��ـ‪595:‬ه��ـ)» جيب علينا‬
‫والعلماء‪ ،‬إذ دعا منذ القرن الثاني للهجرة إىل‬ ‫إذا ألفينا لِمن تقدّمَنا من األمم السالفة نظراً‬
‫إج�لال العلماء الذين ورّثونا علماً واالعرتاف‬ ‫يف املوجودات واعتباراً هلا حبسب ما اقتضته‬
‫هلم مبا قدّموه من جهـود مهما كانت ملّتهم‬ ‫شرائع الربهان‪ ،‬أن ننظر يف العلم الذي قالوه‬
‫فهو يقول‪»:‬ومن أوجب احلقّ أن ال نذمّ من كان‬ ‫من ذلك وما أثبتوه يف كتبهم‪ ،‬فما كان منها‬
‫أحد أسباب منافعنا (‪ )...‬فـإ ّنـهم (أي العلماء‬ ‫موافقاً للحقّ قبلناه منهم وسُررنا به وشكرناهم‬
‫السابقني ويقصد هبم اليونانيني وغريهم ) وإن‬ ‫عليه‪ ،‬وما كان منها غري موافق للحق ّ نبّهنا عليه‬
‫قصُروا عن بعض احلقّ فقد كانوا لنا أنساباً‬ ‫وحذرنا منه وعَــ َذرْناهم»‪.)5( .‬‬
‫ّ‬
‫وش��رك��اء فيما أف��ادون��ا من مث��ار فكرهم اليت‬ ‫وه��ذا م��ن التعاليم اإلسالمية األساسية‪،‬‬
‫ص��ارت سبالً وآالت مؤدّية إىل علم كثري ممّا‬ ‫فاحلكمة ضا ّلة املـؤمـن يطلبها أينما وجدها‪.‬‬
‫قصروا عن نيل حقيقته‪ ،‬والسيّما إذا هو بيِّـــنٌ‬ ‫مـفهـوم العلم عند العلماء العرب هو إ ًذا‪،‬‬
‫عندنا وعند املربّزين من املتفلسفني قبلنا من‬ ‫البحث عن احلقيقة حيثما كانت ومهما كان‬
‫عظم شكرنا‬ ‫غري أهل لساننا (‪ )...‬فينبغي أن نُ ِّ‬ ‫مصدرها‪.‬‬
‫لآلتني بيسري من احلق فضالً عمّن أتى بكثري‬ ‫تفطنوا إىل أنّ العلم سلسلة ال منتهية‬ ‫لقد ّ‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪150‬‬
‫والتحليل والتجريب والربهان واالستنتاج‪.‬‬ ‫منه‪ ،‬إذ أش��رك��ون��ا يف غمار فكرهم وسهّلوا‬
‫ولع ّل منهج اجلاحظ (تـ‪255:‬هـ) يف البحث‬ ‫حل ّقية اخلفية مبا أف��ادون��ا من‬ ‫لنا املطالب ا َ‬
‫هو أحسن مثال‪ ،‬فهو القائل‪« :‬فاعرف مواضع‬ ‫املقدِّمات املسهِّلة لنا سُبل احلقّ‪ ،‬فإ ّنهم لو مل‬
‫الشكّ وحاالهتا املوجبة له لتعرف هبا مواضع‬ ‫يكونوا لَمْ جيتمع لنا من شدّة البحث يف مُدَدِنا‬
‫اليقني واحل��االت املوجبة له‪ ،‬وتعلّم الشكّ يف‬ ‫ك ِّلها هذه األوائ ُل ا َ‬
‫حلــ ِّقية اليت هبا خترّجنا إىل‬
‫املشكوك فيه تع ُّلماً فلو مل يكن يف ذل��ك إ ّال‬ ‫األواخر من مطلوباتنا اخلفية‪ .‬فإنّ ذلك إ ّنما‬
‫تعرّف التو ّقف ثمّ التثبّت لكان ذلك ممّا يُحتاج‬ ‫اجتمع يف األعصار املتقادمـة‪ ،‬عصراً عصراً‪،‬‬
‫إليه‪.)7( ».‬‬ ‫إىل زماننا هذا‪.)6( »...‬‬
‫وي��ق��ول ال����رّازي (ت���ـ‪606:‬ه���ـ)‪ »:‬إنّ البارئَ‬ ‫إنّ اع��ت�راف ال��ك��ن��دي مب��ا ق �دّم��ه العلماء‬
‫أعطانا العقل و حَـبَـانا به لننال ونبلغ من‬ ‫السابقون وثناءه على جهودهم حتّى وإن مل‬
‫املنافع العاجلة واآلجلة غاية ما يف جوهر مثْــلِنا‬ ‫يدل على ما للبحث‬ ‫يتوصّلوا إىل معارف معمّقة ّ‬
‫نيله وبلوغه‪ ،‬وإ ّنه أعظم نِعم اهلل عندنا وأنفع‬ ‫يدل على أنّ البحث عن‬ ‫العلميّ من مش ّقة‪ ،‬كما ّ‬
‫األشياء لنا وأجداها علينا‪ .‬فبالعقل أدركنا‬ ‫احلقيقة يتطلّب منهجاً دقيقاً وصارماً يرتقي‬
‫صناعة السفن (‪ )...‬وبـه نِلنا الطبّ الذي فيه‬ ‫باإلنسان عن األه��واء والنزعات الشخصية‪.‬‬
‫الكثري من مصاحل أجسادنا وسائر الصناعات‬ ‫وهذا أمرٌ كان العلماء العرب على وعي تامّ به‪،‬‬
‫العائدة علينا النافعة لنا‪ ،‬وبه أدركنا األمور‬ ‫ذلك أنّ الدّعوة إىل إعمال العقل وتأمّل الكون‬
‫الغامضة اخلفية املستورة عنّا‪ ،‬وبه عرفنا شكل‬ ‫تكرّرت عديد املرات يف القرآن‪ .‬هذه الدعوة‬
‫األرض وال َفلَك وعِظم الشمس والقمر وسائر‬ ‫اليت كانت من ثوابت اإلميان عند املسلم يستنري‬
‫الكواكب وأبعادها وحركاهتا‪ ،‬وبه وصلنا‬ ‫هب��ا يف خمتلف مظاهر حياته اليومية‬
‫إىل معرفة الباري (‪)...‬‬ ‫وج��دت ه��وى يف نفوس العلماء فاهتدوا‬
‫ف��ح��ق��ي��ق ع��ل��ي��ن��ا أن ال‬ ‫هبا واستأنسوا باملنطق الذي قدّمته هلم‬
‫حنطه ع��ن مرتبته وال‬ ‫ّ‬ ‫الفلسفة ف��أوج��دوا املنهج‬
‫نُـنزله عن درجته‪،‬‬ ‫ال��ع��ق��ل��ي االستقرائي‬
‫وال جن��ع��ل��ه وهو‬ ‫ال��ق��ائ��م ع��ل��ى الشك‬

‫‪151‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫احلاكم حمكوماً عليه (‪ )...‬بل نَـرجَعُ يف‬


‫األم���ور إليه ونعتربُها ب��ه ونعتمدُ فيها عليه‬
‫فنمضيَها بإمضائه وال نسلّط عليه اهلوى الذي‬
‫هو آفته ومكدّره‪)8( »...‬‬
‫كـمـا دعا جابر بن حيّان إىل االعتماد على‬
‫العقل يف خمتلف م��راح��ل البحث وأ ّك���د على‬
‫استعمال التجربة وحثّ على إجرائها إذ قال‪»:‬‬
‫إنّ واج��ب املشتغل يف الطبيعة والكيمياء هو‬
‫العمل وإجراء التجارب‪ ،‬وإنّ املعرفة ال حتصل‬
‫إ ّال هبـما» (‪.)9‬‬
‫وإذا كان الشكّ طريقاً إىل اليقني‪ ،‬وإذا كان‬
‫اإلنسان يهتدي بالعقل إىل العلم واكتشاف ما‬
‫جيلب له النفع وما يُبعد عنه الضرّ‪ ،‬وإذا كانت‬
‫املعرفة يف علم الكيمياء ال حتصل إ ّال بالتجربة‪،‬‬
‫ف��إنّ القياس ك��ان م��ي��زانَ امل��ع��رف��ة‪ ،‬ب��ه يُقاس‬
‫اجملهول على املعـروف ‪ .‬لذلك ك��ان القياسُ‬
‫أحدَ أركان املنهج العلمي يف البحث عند العرب‪.‬‬
‫يقول ابن رش��د‪»:‬وإذ تَ َقرَّرَ أ ّن��ه جيب بالـشّـرع‬
‫النظرُ بالقياس العقلي وأنواعه كما جيب النظرُ‬
‫يف القياس الفقهي‪ ،‬فبيِّنٌ أ ّنه إن كان مل يتقدّم‬
‫بفحص عن القياس العقلي‬ ‫ٍ‬ ‫أح �دٌ ممن قبلنا‬
‫وأنواعه أ ّنه جيب علينا أن نبتـدأ بالفحص عنه‬
‫وأن يستعني يف ذلك املتأخِّر باملتقدِّم حتّى تكمُ َل‬
‫املعرفة‪)10( ».‬‬
‫وق��د استعمل العلماء ال��ع��رب‪ ،‬إىل جانب‬
‫القياس‪ ،‬املنهج االستقرائي يف البحث للوصول‬
‫إىل احلقيقة‪.‬‬
‫هكذا يبدو أنّ طرق البحث اختذت من العقل‬
‫منارة هتتدي هبا وهي‪ ،‬مجيعُها‪ ،‬تـتـكامل وتصبّ‬
‫يف منهج واحد هو املنهج العِـلميّ‪.‬‬
‫ومبا أنّ لك ّل حبث آلة‪ ،‬فإنّ آلة املنهج العلمي‬
‫هي املنطق‪ ،‬ألنّ «صناعة علم املنطق تُعطي مجلة‬
‫القوانني اليت من شأهنا أن تُقوِّم العقل وتسدِّد‬
‫ِ‬
‫الصواب وحنو احلقِّ يف‬ ‫ِ‬
‫الطريق‬ ‫اإلنسان حنو‬
‫ك ّل ما ميكن أن يُغلَط فيه من املعقوالت (…)‬
‫هذه الصناعة تناسب النحو(‪ )...‬وتُـناسب أيضا‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪152‬‬
‫علم العروض(‪ )...‬وأيضا فإنّ القوانني املنطقية‬
‫هي آالت يُمتَحَن هبا يف املعقوالت «(‪.)11‬‬
‫لقد ا ّتبع الفالسفة العرب «املع ِّلم األوّل»‬
‫يف إب���راز مكانة املنطق ال���ذي يعتربه كاآللة‬
‫بالنسبة إىل سائر العلوم‪ ،‬لذلك استه ّل ابن‬
‫سينا (تـ‪428:‬هـ) كتابه «اإلشارات والتنبيهات»‬
‫بقوله‪ »:‬املراد من املنطق أن تكون عند اإلنسان‬
‫آلة قانونية تعصمه مراعاهتا عن أن يض ّل يف‬
‫فكره‪)12( ».‬‬
‫لع ّل هذا املنهج املعتمد على العقل واملهتدي‬
‫ب��االس��ت��ق��راء والتجربة وال��ق��ي��اس واملستأنس‬
‫باملنطق كان أحدَ دعائم النهضة العلمية العربية‬
‫يف ال��ق��رون اإلسالمية األوىل‪ .‬وه��و منهج مل‬
‫يأتِ من عدم‪ ،‬بل أتي من الفكر الديين الذي‬
‫حثّ على تأمّل مظاهر الكون وجعل من العقل‬
‫وسيلة للبحث واالستنتاج واالكتشاف‪ ،‬كما تأ ّثر‬
‫بالفلسفة ال��واف��دة على ه��ذا الفكر فوسّعت‬
‫أفاقه‪.‬‬
‫إنّ هذا التزاوج بني الفكر الديين والفلسفة‬
‫م� ّك��ن العلماء ال��ع��رب م��ن فهم ج��وه��ر العلم‬
‫وهيواله‪.‬‬
‫ويبدو أنّ هذا الفهم لـماهية العلم و حلقيقـتِه‬
‫هو الذي وجّه العلماء العرب إىل تصنيف العلوم‬
‫تصنيفاً قائماً على هذا الفكر الديين‪.‬‬
‫ولئن كان تصني ُفـهم مستنبَطا من مقاصد‬
‫الشريعة واعتماداً على االجتهاد الشخصي‪،‬‬
‫فإهنم جارَوْا العلماء اليونان يف تصنيفهم للعلوم‬
‫السيّما «أرس��ط��و» ال��ذي ك��ان ينظر إىل العلم‬
‫كوحدة ذات أجزاء خمتلفة حبيث بقدر ما تكون‬
‫هناك حاجة إىل التمييز بني العلوم والتأكيد على‬
‫اختالفها تكون هناك حاجة إىل إظهار وحدهتا‪.‬‬
‫ويتجلّى ذلك من طبيعة العالقات اليت تربط‬
‫بني العلوم يف إطار ما مساه بالعلوم الفلسفية‪،‬‬
‫أو بالفلسفة بصفة عامّة‪.‬‬
‫إنّ الغاية من إحصاء العلوم ليست بيان‬
‫املوادِّ العلمية املوجودةِ يف زمن معيّن‪ ،‬بل‬

‫‪153‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫نظام تصنيف العلوم قد اعتُــرب تصوّراً فلسفياً‬


‫للمعارف البشرية لتوضيح عالقات أجزائها‬
‫وبيان التكام ِل املوجودِ بينها‪ .‬هكذا ميكن أن‬
‫يكون (إحصاء العلوم عـنصراً مساعداً للتعريف‬
‫واحلــدّ‪ .‬واحلدّ الذي يستعمله العلم يهمّ دائماً‬
‫املاهيات‪.)14( ).‬‬
‫و لعـ ّل هذا املفهوم إلحصاء العلوم هو الذي‬
‫ك �وّن املنطلق املنهجي لتحديد اتصال العلوم‬
‫بالعملية العقلية وهو الذي جعل الفارابي يقسّم‬
‫العلوم إىل ستّة أقسام يصدّرها بعلم اللسان‬
‫ويثنّيها بعلم املنطق وخيتمها بعلم الكالم‪)15( .‬‬
‫َضع اللغة يف الصدارة‬ ‫نالحظ أنّ الفارابي و َ‬
‫أل ّنها أداةُ املعرفة ب ّثا وتقبالً وكتابة‪ ،‬وهذا قانون‬
‫عامّ ال يعين لغة دون أخرى لذلك وجب تقدميه‪.‬‬
‫و ه��ذا رأي ال خيتصّ به الفارابي بل إنّ ك ّل‬
‫شارحيّ القرآن تقريباً َّ‬
‫وجل املشرِّعني والفقهاء‬
‫خصّصوا األج��زاء األوىل من مؤ َّلفاهتم للبحث‬
‫يف علم اللسان‪ .‬وهذه ركيزة أساسية يف نظرية‬
‫املعرفة العربية‪.‬‬
‫أمّا املنطق فهو السالح الذي جيب أن يتسلّح‬
‫به ك ّل طالب للمعرفة وقد قدّمه الفارابي على‬
‫مجلة العلوم إذ هو « الصناعة اليت نستفيد منها‬
‫ق�وّة نقِـفُ هبا على ما هو حقّ بيقني وما هو‬
‫باطل بيقني(‪ )...‬فهو يُعطي مجلة القوانني اليت‬
‫من شأهنا أن تقوِّم العقل وتسدّد اإلنسان حنو‬
‫طريق الصواب»‪)16( .‬‬
‫خلوارزمي (ت‪387‬هــ) فقد صنّف العلوم‬ ‫أمّا ا ُ‬ ‫«يُ����راد هب��ا أي��ض �اً معنى العملية العقلية‬
‫إىل نوعني‪« :‬ع��ل��ومُ الشريعة» و»ع��ل��ومُ العجم‬ ‫التقوميية اليت تُميِّز ضروب النشاط الفكري‬
‫من اليونانيني وغريهم من األم��م» (‪ )17‬وقد‬ ‫والعلمي اإلنساني م��ن ناحية‪ ،‬وال�تي تُـدرِك‬
‫جارى الفالسفة اليونانيني يف تقسيم الفلسفة‬ ‫ال��ت��ش��اب��ه وال���وح���دة ع��ل��ى ال��ص��ع��ي��د املنهجي‬
‫إىل»اجل��زء النظري» و» اجلزء العملي»‪ ،‬وقسّم‬ ‫للمجاالت العلمية من ناحية أخرى‪.)13( .‬‬
‫العلم املنضوي حتتها إىل‪»:‬علم إلــهي» و «علم‬ ‫إنّ ال��غ��اي��ة م��ن إح��ص��اء ال��ع��ل��وم ه��ي أيضاً‬
‫طبيعي» جيعل من أقسامه علمَ الطبّ وعلم‬ ‫تعري ُفـها وبيانُ حدودها وجَـردُ مصطلحاهتا‬
‫املعادن وعلم احلِيل‪)18( .‬‬ ‫وب��ي��انُ ال��ع�لاق��ات ال��ق��ائ��م��ة بينها‪ ،‬وق���د أقرّ‬
‫إنّ الفلسفة يف مفهوم الفارابي هي «علم‬ ‫(أرسطو) هذا املعنى ال��ذي سَـيْطر فيما بعد‬
‫ُكــ ِّلي» يرسم صورة كاملة للكون بينما العلوم‬ ‫على احل��ق��ل اإلبستيمولوجي ع��ام��ة‪ ،‬إذ إنّ‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪154‬‬
‫حت��ت «ال��ع��ل��م الطبيعي» ال���ذي ه��و قسم من‬ ‫الرياضية والطبيعية «علوم جزئية» تنقـسم‬
‫الفلسفة‪ ،‬و» قسم عمَليّ» منه «صناعة الطبّ‬ ‫بدورها إىل «علم نظري» و «علم عمَلي»‪ .‬و قد‬
‫التجريبيـة» القائمة على التجربة والقياس‬ ‫جاراه «ابن سينا»(تـ ‪428‬ه��ـ) فيما بعد وقسّم‬
‫وهلا فرعان‪ :‬علم أصـول الطبّ واآلخر كيفي ُة‬ ‫العلوم إىل «علوم كلّية» و «علوم جزئية»‪ .‬فالطبّ‪،‬‬
‫مباشرته‪ .‬وهكذا يكون عـلـمُ الطبّ بنوعيه‬ ‫مثالً‪ ،‬ينقسم إىل كليات نظرية» وإىل «جزئيات‬
‫ينتمي إىل «العلم الكلّي» وهو الفلسفة‪ .‬وهذا‬ ‫عمَلية»‪ .‬وجعل عالقة اجلزئي بالكلّي كعالقة‬
‫ما ذهب إليه املع ِّلم األوّل «أرسطوطاليس» ولقد‬ ‫الفرع باألصل (‪ .)19‬وهذا ما قال به الفالسفة‬
‫قال «جالينوس»(تـ‪199 :‬ق‪.‬م‪ »:).‬إنّ الطبيب‬ ‫اليونان من قبل وخاصّة منهم «أرسطو»(تـ‪322:‬‬
‫الفاضل فيلسوف كامل»‪)21( .‬‬ ‫ق‪.‬م‪ )20( ).‬الذي يعت ِبـر العلومَ اجلزئي َة علوماً‬
‫هذا املفهوم ملاهية العلم هو الذي هنل منه‬ ‫تنقسم إىل قسمني‪« :‬علوم نظرية» و»علوم عملية‬
‫العلماء العرب للتأليف يف خمتلف جماالت العلم‪.‬‬ ‫وعلوم إنشائية»‪ .‬وجيعل املنطق علماً آلياً‪ ،‬أي‬
‫وقد كانوا يكثرون من الثناء على «مع ِّلميهم»‬ ‫مي ّثل العلم الضروري لك ّل العلوم األخرى اليت‬
‫الفالسفة اليونان‪.‬‬ ‫تقتضيه بصفته توطئ ًة هلا‪.‬‬
‫فهذا اجلاحظ ينعت «أرسطو» باملع ِّلم األكرب‪،‬‬ ‫هب��ذا املفهوم يصبح علم الطبّ مثالً‪ ،‬من‬
‫وهذا ابن البيطار» ينعت الطبيبني الذيْن‬ ‫العلوم املكوِّنة للفلسفة أو من العلوم الفلسفية‬
‫أخذ عـنهما م��واد ّكتابه « بـــ «الفاضل‬ ‫إذ ينقسم إىل قسمني‪ « :‬قسم نظري» ينضوي‬

‫‪155‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫وأضافوا الكثري إىل هذا العلم وإىل غريه‪.‬‬ ‫جالينوس واألفضل ديسقوريدوس» (‪)22‬‬
‫لقد كان منهجهم إذاً‪ ،‬منهجاً جتريبيا‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫إنّ ه��ذه الثقة هبذين الرجلني ناشئة عن‬
‫ما مس��اه «اب��ن اهليثم» االختبار‪ .‬وك��ان ينجز‬ ‫إعجاب مبا ق�دّم��اه للعلم فحاول حماكاهتما‬
‫االختبار باستخدام املناهج الرياضية يف تفسري‬ ‫من حيث املنهج واحملتوى مع النقد والتحرّي‬
‫الظواهر الطبيعية‪ .‬و قد جسّم هذا املنهج يف‬ ‫وإصالح األخطاء‪)23( .‬‬
‫كتابه «املناظر» الذي صنّفه «الفارابي» يف علم‬ ‫ا ّت���ب���ع ال��ع��ل��م��اء ال���ع���رب امل��ن��ه��ج التجرييب‬
‫التعاليم‪ )24( .‬وانتهى النظر بابن اهليثم إىل‬ ‫لـ»جالينوس» عند تأليفهم لكتب األدوية املفردة‪،‬‬
‫اعتبار علم البصريات حبثاً مر ّكباً من العلوم‬ ‫فاعتمدوا على املعاينة والتجربة واالستخبار‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪156‬‬
‫كتابه «اجلامع ملفردات األدوية واألغذية» أمساء‬ ‫الطبيعية والعلوم التعليمية كما قال بلفظه يف‬
‫النباتات املستعمَلة الستحضار األدوي��ة بلغات‬ ‫صدر كتابه‪ )25( .‬ولعلّه هلذا السبب قسّم املادة‬
‫يدل على سعة ثقافة الرجل‬ ‫عديدة‪ .‬وهذا شيء ّ‬ ‫العلمية هلذا الكتاب إىل قسمني‪ :‬قسم نظري‬
‫من ناحية‪ ،‬وعلى حرصه على تعميم الفائدة‬ ‫وآخ��ر جترييب‪ .‬فجعل املقاالتِ الثالث َة األوىل‬
‫بني بين البشر من ناحية أخرى‪ ،‬وهذا جيعلنا‬ ‫نظري ًة واألربع َة املتبقي َة جتريبية‪.‬‬
‫نعتقد أنّ العلماء العرب وخاصة منهم من أ ّلف‬ ‫كما ا ّتبع «اإلدريسي» املنهج التجرييب املتمثلّ‬
‫يف علم األدوية والطبّ كانوا ذوي نزعة إنسانية‬ ‫يف الرحلة والتجوال يف أقاليم األرض ملعرفة‬
‫وفهموا أنّ املداواة أمر إنساني يسمو عن النزعة‬ ‫خصائص األقاليم‪ )26( .‬وتأ ّثـر بدوره بالفلسفة‬
‫العرقية‪ .‬ولع ّل ذلك صادرٌ عن خلفية عقائدية‬ ‫اليونانية واعتمد على ما وصل إليه «بطليموس»‬
‫جتعل املسلمَ حيبّ لغريه ما حيبّه لنفسه» (‪)29‬‬ ‫يف علم صورة األرض الذي مساه اجلغرافيا‪.‬‬
‫و قد تكون هلذه الطريقة يف التعريف أمهية‬ ‫يقول اإلدريسي‪ « :‬فنقول إنّ الذي حتصّل من‬
‫علمية كبرية «تتم ّثل يف خلق لغة طبية عاملية‬ ‫كالم الفالسفة وجلّة العلماء وأه��ل النظر يف‬
‫تتعايش فيها خمتلف اللغات وتُعـيـن األطباء‬ ‫علم اهليئة أنّ األرض مدوّرة‪)27( »...‬‬
‫على توحيد مفاهيم لألدوية»‪)30( .‬‬ ‫هكذا يبدو لنا أنّ العلماء ال��ع��رب تأ ّثروا‬
‫إنّ فهم العلماء العرب للمعنى احلقيقيّ للعلم‬ ‫بالفلسفة اليونانية‪ ،‬والسيّما باملذهب األرسطي‬
‫فهمٌ قائم على مبدأين أساسيني‪:‬‬ ‫التجرييب ال��ذي م ّكنهم م��ن مواصلة البحث‬
‫* األوّل‪ :‬ضرورةُ طلب العلم ووجوبُ تعليمه‪.‬‬ ‫فبنوْا على»علوم األعاجم» وأصلحوا أخطاءها‬
‫فـليـس العلم ملكاً ألمّ��ة من األم��م‪ ،‬وإ ّنما هو‬ ‫وأضافوا إليها‪.‬‬
‫ملك لإلنسان‪ ،‬ألنّ غاية أيّ علم إ ّنما هي جلبُ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫ل��ق��د ف��ه��م��وا أنّ ال��ع��ل��م دراس����ة تتعلق إمّا‬
‫السعادة لإلنسان حيثما كان‪.‬‬ ‫مبجموعة م��ن ال��وق��ائ��ع امل�برهَ��ـ��ن عليها‪ ،‬أو‬
‫* الثاني‪ :‬أنّ العلم ذو نزعة إنسانيّـة‪ .‬فهو‬ ‫َ‬
‫املالحظة اليت تُر َّتب ثمّ‬ ‫مبجموعة من الوقائع‬
‫وسيلة لنفع اآلخرين وهو مسعى للتقرب من‬ ‫يُجمع بعضها إىل بعض يف نظام خمصوص‬
‫اللـّه ‪.‬‬ ‫لتُستخرجَ منها قوانني عامّة مت ّكن الدارس من‬
‫حَرص العرب على نشر العلم بني الناس ومل‬ ‫اكتشاف حقائق جديدة عن العلم الذي خيتصّ‬
‫جيعلوا له ح��دوداً‪ ،‬بل رأوْا أنّ العلم كونيٌّ‪ .‬أمّا‬ ‫فيه‪ .‬وبذلك قدّموا للعالَم خدمات جليلة كانت‬
‫األمم اليت انتقل إليها العلم العربيّ فقد جعلته‬ ‫أساساً لنهضته‪ ،‬إذ فهموا حقيقة العلم ونزعتَـه‬
‫سرّاً من أسرار األديرة وميزة من ميزات امللوك‬ ‫اإلنسانية (‪ )28‬وأسّسوا خطاباً علمياً له من‬
‫وجعلوه شيئا مُلغِزاً‪ .‬ولع ّل رواسب ذلك مازالت‬ ‫اخلصائص اللغوية والعرفانية ما قد ال جنده‬
‫ظ��اه��رة يف إغ�لاق الكتابة الطبية ووَصفات‬ ‫يف غريه من اخلطابات‪.‬‬
‫األدوية ؟‬ ‫إنّ الفكر الديين هو الذي جعل العرب يُقبلون‬
‫و لـئــن كان العرب مؤمنني بأنّ العلم كونيٌّ‬ ‫على العلم ويب ّثونه بني الناس وحيرصون على‬
‫النّـزعة وحقٌّ مشاعٌ للناس مجيعاً على اختالف‬ ‫كتابة املصطلحات بلغاتٍ متعدّدة حتّى تستفيد‬
‫مللِهم‪ ،‬ف��إنّ الغربيني اليوم حياولون جهدهم‬ ‫ك ّل األم��م ممّا وقع إجن��ازه يف امليدان العلمي‪،‬‬
‫احتكار العلم ومينعوننا من اكتساب املعارف‬ ‫ذل��ك أنّ ذك��ر املصطلح بلغات ع��دي��دة يعطي‬
‫الدقيقة‪ ،‬بل ويتح ّكمون يف برامج تدريسنا‬ ‫العلم بعداً إنسانياً وكونياً‪ .‬نـذكـر‪ ،‬على سبيل‬
‫وحيدّدون مناهجَ تعليمنا‪...‬‬ ‫املثال‪ ،‬ابن البيطار (تـ‪646‬هـ) الذي» يعرِّف يف‬

‫‪157‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫اهلوامش‬
‫‪ -1‬يُراجع يف ذلك‪ :‬الغزايل أبو حامد (تـ ‪505‬هـ) ‪ :‬إحياء علوم الدين ج‪ /1‬كتاب العلم ص ص‪152-8 :‬‬
‫‪ -2‬الغزايل أبو حامد‪ :‬املنقذ من الـضالل‬
‫‪ -3‬ابن أبي أصيبعة‪ :‬عيون األنباء يف طبقات األطبّاء‪ /‬ط‪ /‬بريوت ‪ 1965‬ص‪453 :‬‬
‫‪ -4‬أخذنا الشاهد من‪ :‬السوسي حممد‪:‬مدخل إىل أصول العلم عند العرب‪ /‬تونس ‪ /1997‬وقع ذكر الشاهد بدون‬
‫إحالة دقيقة على املصدر ص‪41:‬‬
‫‪ -5‬أخذنا الشاهد من نفس املصدر السابق‪ /‬نفس الصفحة‪ /‬بدون إحالة دقيقة‬
‫‪ -6‬الكندي‪ :‬أبو يوسف يعقوب بن اسحاق (تـ ‪ 252‬هـ)كتاب الفلسفة األوىل‬
‫‪ -7‬اجلاحظ أبو عثمان (تـ‪255‬هـ)‪ :‬كتاب احليوان ‪/‬ط‪/2‬مصر ‪ 1966‬حتقيق وشرح عبد السالم حممد هارون‪ -‬ج‬
‫‪ 6‬صص‪-33‬‬
‫‪ -8‬الرأزي أبو الفضل حممد فخر الدين‪ :‬كتاب الطبّ الروحاني ‪ ،‬ط‪ /‬بريوت ‪ /1973‬ص ص‪19-16 :‬‬
‫‪ -9‬أخذنا الشاهد من‪ :‬قدري حافظ طوقان‪ :‬العلوم عند العرب‪/‬ط‪ /‬دار إقرأ بريوت ‪ /1983‬املقدّمة‪ ،‬ال حيتوي‬
‫الشاهد على إحالة دقيقة‪.‬‬
‫‪ -10‬ابن رشدأبو الوليد حممد بن أمحد (تـ‪ : )595‬فصل املقالفيما بني احلكمة والشريعة من اتصال ‪ /‬املقدّة‬
‫‪ -11‬الفارابي حممد بن طرخان (تـ ‪339‬هـ)‪ :‬لُ ّقب بــ»املع ِّلم الثاني لسعة ثقافته الفلسفية بعد أرسطو (املعلّم األوّل)‪:‬‬
‫«إحصاء العلوم «حتقيق عثمان أمني ط‪ /2‬األجنلو – يقسّم العلوم إىل علم اللسان‪ ،‬علم املنطق‪ ،‬علم التعاليم‪ ،‬العلم‬
‫اإلهلي‪،‬علم الفقه‪ ،‬علم الكالم‪ / 1968 -‬صص‪ :‬ص ‪67 :‬‬
‫‪ -12‬ابن سينا عليّ احلسني‪ :‬اإلشارات والتنبيهات ‪/‬ط فرجت ‪ /‬بريــل‪ /‬ليدن‪ 1892-‬ص‪2:‬‬
‫‪ -13‬احللواني حممد علي والرتيكي فتحي‪ :‬مقاربات حول تاريخ العلوم العربية‪ :‬منشورات كلية اآلداب بصفاقس‬
‫‪ 1996‬ص‪69 :‬‬
‫‪ -14‬نفسه‪ :‬ص‪70 :‬‬
‫‪ -15‬الفارابي حممد بن طرخان ‪ :‬إحصاء العلوم صص‪13 -1:‬‬
‫‪ 18 -16‬نفس املرجع ‪ :‬ص‪10 :‬‬
‫‪ -17‬اخلوارزمي( حممد بن أمحد بن يوسف)‪« :‬مفاتيح العلوم « حتقيق عبد اللطيف حممد العبد ‪ /‬ط‪ /‬دار النهضة‬
‫‪ /‬القاهرة ‪ /‬د‪.‬ت‪ .‬ص‪9:‬‬
‫‪ -18‬نفسه ص‪110-109 :‬‬
‫‪ -19‬املسعودى (حممد مهدي) ‪ :‬ابن سينا ص‪ 97 :‬وما قبلها (يورد نصوصا مأخوذة من مؤ َّلفات «ابن سينا» يف‬
‫حتديد العلم‪).‬‬
‫‪ -20‬أرسطو‪ :‬هو الفيلسوف اليوناني أرستطاليس املقدوني (تـ‪322 :‬ق‪.‬م‪ARISTOTELES ).‬‬
‫‪ -21‬ابن مراد إبراهيم‪ :‬ابن رشد الطبيب‪ :‬النبات الطيب بني ابن سينا وابن رشد‪ ،‬او علم األدوية املفردة يف كتابيْ‬
‫للمنظمة اإلسالمية للعلوم الطبية‪ -‬الكويت ‪( 1995‬خمطوطة‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫«القانون» و»الكليات»‪.‬مداخلة أُلقيت يف الندوة األوىل‬
‫‪23‬ص)‬
‫‪ -22‬ديسقوريدوس‪ :‬هو بديانوس ديسقوريدوس ‪ PEDIANOS DIOSCORIDES‬العني زربي‪ ،‬عاش يف‬
‫القرن األوّل ميالدي‪ .‬كان جنديا يف اجليش الروماني من حوايل سنة ‪ 45‬إىل حوايل ‪75‬م وتن ّقل مع اجليش يف‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪158‬‬
‫بلدان كثرية كانت خاضعة للسلطة الرومانية‪ ،‬فحصل له يف جتواله الكثري معرفة نباتات كثرية استغلّها يف وضع‬
‫كتابه» املقاالت اخلمس» الذي كان له كبري األثر يف الدراسات الصيدلية عموما والنباتية خصوصا عند العرب وعند‬
‫األوروبيني يف القرون الوسطى)‬
‫جالينوس‪ :‬هو‪ :‬قالديوس جالينوس الربغاميّ ‪ CLAUDIOS GALENOS‬عاش يف القرن الثاني امليالدي‬
‫(تـ‪199:‬م) هو أشهر طبيب يوناني يف تاريخ الطبّ العربي اإلسالمي وخاصة فيما يتّصل باملداواة والعالج وجتاربه‬
‫املو ّفقة يف علم التشريح (دراسات يف املعجم ‪ /‬ابن مراد ص‪)57:‬‬
‫‪ -23‬وكان»ديسقوريدوس» هو األسبق «فهو الذي وضع فيه (علم األدوية) قواعد وحدّد ماهية األدوية اليت عرفها(‪)...‬‬
‫وكان «جالينوس» من املعتمدين عليه‪ ،‬لكنّه أعاد النظر يف عمل»ديسقوريدوس» باعتماد التجربة والقياس واستطاع‬
‫أن يضيف الكثري إىل العلم الذي تركه «ديسقوريدوس»‪.‬‬
‫‪ -24‬الفارابي (أبو نصر) ‪ :‬إحصاء العلوم – املقدّمة‪.‬‬
‫‪ « -25‬وأمّا تعلّقه (علم املناظر) بالعلم الطبيعي فألنّ اإلبصار أحد احلواسّ من األمور الطبيعية‪ .‬وأمّا تعلّقه بالعلوم‬
‫التعليمية فألنّ البصر يدرك الشكل والوضع والعِظم واحلركة والسكون وله مع ذلك يف نفس اإلحساس ختصيص‬
‫بالسموت املستقيمة‪ .‬والبحث عن هذه املعاني إ ّنما يكون بالعلوم التعليمية‪)...(.‬‬
‫ولقد اعتربه أرسطو من العلوم الرياضية األكثر قربا من العلوم الطبيعية‪( .‬املناظر‪ /‬املقدّمة ص‪)8/7:‬‬
‫‪ -26‬أعدّ الفارابي هذا العلم من علوم األفالك وتركيبها وأحوال الكواكب فيها وهيئة األرض وأقاليمها‪ .‬إحصاء‬
‫ص‪.166:‬‬
‫‪ -27‬نزهة املشتاق ص‪7:‬‬
‫‪« -28‬إنّ مفهوم العلم عند العرب قدميا يشبه مفهوم العلم يف العصر احلديث‪.‬فهو اليوم شكل من أشكال الوعي‬
‫االجتماعي وهو نظام من معارف اإلنسان حول الطبيعة واجملتمع والتفكري‪ ،‬ويعكس العلم الواقع يف شكل مفاهيم‬
‫ومقوالت وقوانني وقواعد يتح ّقق صواهبا عن طريق التطبيق التجرييب‪( ».‬أسس املعارف الفلسفية‪ -‬أفانا سييف‪-‬‬
‫دار التقدّم موسكو ‪ 1970‬ص‪499( 414/413:‬ص)‬
‫جيمع مفهوم العلم يف العصر احلديث بني بني معطيني متكاملني مهاك» مفهوم االستنباط الذي اتبعه الفالسفة‬
‫اليونان يف دراساهتم الفلسفية امليتافيزيقية للعلوم الطبيعية واملنهج التجرييب االستقرائي الذي اتّبعه علماء احلضارة‬
‫اإلسالمية (الرتاث العلمي للحضارة افسالمية ومكانته يف تاريخ العلم واحلضارة – أمحد باشا فؤاد – القاهرة‬
‫‪ 1985‬ص‪200( 46:‬ص))‬
‫‪« -29‬إنّ مفهوم العلم عند العرب قدميا يشبه مفهوم العلم يف العصر احلديث‪.‬فهو اليوم شكل من أشكال الوعي‬
‫االجتماعي وهو نظام من معارف اإلنسان حول الطبيعة واجملتمع والتفكري‪ ،‬ويعكس العلم الواقع يف شكل مفاهيم‬
‫ومقوالت وقوانني وقواعد يتح ّقق صواهبا عن طريق التطبيق التجرييب‪( ».‬أسس املعارف الفلسفية‪ -‬أفانا سييف‪-‬‬
‫دار التقدّم موسكو ‪ 1970‬ص‪499( 414/413:‬ص)‬
‫جيمع مفهوم العلم يف العصر احلديث بني بني معطيني متكاملني مهاك» مفهوم االستنباط الذي اتبعه الفالسفة‬
‫اليونان يف دراساهتم الفلسفية امليتافيزيقية للعلوم الطبيعية واملنهج التجرييب االستقرائي الذي اتّبعه علماء احلضارة‬
‫اإلسالمية (الرتاث العلمي للحضارة افسالمية ومكانته يف تاريخ العلم واحلضارة – أمحد باشا فؤاد – القاهرة‬
‫‪ 1985‬ص‪200( 46:‬ص))‬
‫‪ -30‬عيّاد حممد اهلادي‪ :‬اخلطاب العلمي العربي‪ :‬خصائصه األسلوبية ‪ ،‬رسالة دكتورا م‪ 3‬حبث خمطوط ص‪:‬‬
‫‪80‬‬
‫‪ -31‬ابن مراد إبراهيم‪ :‬دراسات يف املعجم العربي‪،‬ط‪ /‬دار الغرب اإلسالمي‪ 1987‬ص‪51 :‬‬

‫‪159‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫د‪ .‬صاحل خضور‬

‫تؤكد معظم الدراسات املتوفرة‪ ،‬فيما عدا نسبة‬


‫قليلة منها أن الرواية اإلسالمية كانت شفوية‪ .‬وال‬
‫يقتصر هذا املفهوم على رواية احلديث النبوي بل‬
‫يشمل األخبار التارخيية واألدبية‪ ،‬وخاصة بالنسبة ملن درس‬
‫(تاريخ الطربي) وكتاب (األغاني) ألبي الفرج األصفهاني‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪160‬‬
‫بكر حممد بن مسلم بن عبيدة اهلل الزهري‬ ‫وقد تنبه مؤرخ بغداد الكبري أبو بكر أمحد‬
‫امل��ت��ويف سنة ‪ 124‬ه��ـ ‪( .‬ك���ان أول م��ن أسند‬ ‫بن علي بن ثابت اخلطيب البغدادي املتويف‬
‫احلديث وأيضاً أول من دوّن احلديث)‪ .‬وواقع‬ ‫سنة ‪ 463‬هـ‪.‬ت ‪ 1071‬م‪ ،‬هلذا املوضوع وألف‬
‫األمر أن تدوين األحاديث يرجع إىل وقت مبكر‬ ‫كتابه اهلام (تقييد العلم) حيث أثبت خطأ هذه‬
‫حيث سجلت يف (ك��راري��س) أطلق عليها اسم‬ ‫الفكرة‪ ،‬وكان املستشرق األملاني شربجنر أول‬
‫(الصحيفة) أو (اجلزء) ‪.‬‬ ‫من اكتشف كتاب اخلطيب البغدادي‪ .‬وكتب‬
‫وتلي مرحله تدوين املريات ومجع النصوص‬ ‫مقاالً موسعاً حوله سنة ‪ ،1855‬تناول التدوين‬
‫املتفرقة مرحله تالية يف أواخر العصر األموي‬ ‫املبكر للرواية العربية اإلسالمية ‪ .‬ونقل منه‬
‫وأوائل العباسي‪ ،‬رتبت فيها هذه املادة ترتيباً‬ ‫نصوصاً وأثبت عدم صحة ال��رأي القائل بأن‬
‫موضوعياً وفق املوضوعات املختلفة يف فصول‬ ‫احلديث كان يتداول أساساً بالرواية الشفوية‪.‬‬
‫وأبواب وهو ما عرف بـ (تصنيف احلديث) جاد‬ ‫ثم ج��اء جولد زيهر‪ ،‬ال��ذي اعتمد على حبث‬
‫ذل��ك يف وق��ت عرفت فيه احلركة العلمية يف‬ ‫شربجنر وأض��اف نصوصاً أخ��رى تثبت أيضاً‬
‫اجملتمع العربي مدوّنات جامعة‪ .‬فألف كل من‬ ‫عدم صحة تناقل احلديث شفوياً‪ .‬أما الباحث‬
‫حممد بن اسحاق وأبي حمنف لوط بن حييى‬ ‫الرتكي فؤاد سزجني‪ ،‬فإنه يؤكد يف كتابه الذي‬
‫وعوانه بن احلكم مدوناهتم يف التاريخ‪ .‬كما‬ ‫حيمل عنوان‪( :‬تاريخ الرتاث العربي)‪ .‬أن املفهوم‬
‫وجد عدد من علماء احلديث وضعوا بأهنم أول‬ ‫اخلاطئ يرجع إىل سوء الرواية اإلسالمية ذات‬
‫من صنّف احلديث منهم ابن جريح املتويف يف‬ ‫الشكل املتميز الفريد‪ .‬فمن احلقائق املعروفة‬
‫سنة ‪ 150‬هـ‪ .‬يف مكة‪ ،‬ومعمر بن راشد املتويف‬ ‫بصفة عامة أن أقدم املصادر اليت وصلت إلينا‬
‫سنة ‪ 153‬هـ يف اليمن‪ .‬وقد لعبت مناهج تلقي‬ ‫وندين هلا مبا نعرفه عن القرون األوىل لإلسالم‬
‫العلم أو آخ��ذه وال�تي كانت سائدة آنئذ أمهية‬ ‫وعن التطور العلمي يف ذلك الوقت‪ ،‬تقدم لنا‬
‫كبرية يف دراسة حركة التأليف باللغة العربية‬ ‫مادهتا يف األغلب األعم مصحوبة بأسانيدها‬
‫يف القرون األوىل ‪.‬‬ ‫واليت نشأ لبحث خصائصها املتميز علم من‬
‫ويرى املستشرق آلوارد أن استخدام الكتابة‬ ‫علوم احلديث هو علم (اجلرح والتعديل)‪.‬‬
‫يف تدوين قصائد الشعر اجلاهلي مل يبدأ قبل‬ ‫وي��ؤك��د ف��ؤاد سزجني أن كتب علم أصول‬
‫هناية القرن األول اهلجري‪ ،‬وأن املدى الزمين بني‬ ‫احلديث وكذلك األخبار والقصص اليت وصلت‬
‫عصر الشعراء وعصر مجع أشعارهم وتدوينها‪،‬‬ ‫إلينا يف املصادر تثبت بوضوح حقيقة أن االستاد‬
‫قد يصل إىل مئة ومخسني عاماً أو أكثر‪ .‬وأن‬ ‫كان يشري منذ البداية إىل نصوص مدونة‪ ،‬ومن‬
‫رواية الشعر كانت على مدى األجيال شفاهاً‪.‬‬ ‫املعروف أن بعض خلفاء األمويني حثوا على‬
‫وقد مر تدوين الشعر العربي القديم يف العصر‬ ‫مجع األح��ادي��ث‪ ،‬وعلى األخ��ص عمر بن عبد‬
‫اإلسالمي يف مراحل ثالث هي ‪:‬‬ ‫العزيز ‪ 101 -97‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬مرحلة التدوين وحترير النسخ‪ .‬مرحلة‬ ‫الذي كلّف أبا بكر حممد بن حزم املتويف‬
‫مجع األشعار املدونة واملروية شفاهاً‪ .‬مرحلة‬ ‫سنة ‪ 120‬هـ‪ .‬هبذه املهمة حيث قال له‪« :‬انظر‬
‫صنعة الدواوين‪ .‬ومن املرجح أن تدوين الشعر‬ ‫م��اك��ان م��ن ح��دي��ث رس���ول اهلل (ص) أو سنة‬
‫القديم بدأ يف العقود األوىل من حكم األمويني‪،‬‬ ‫ماضيه أو حديث فاكتبه فإنين خشيت دروس‬
‫حيث بدأ يف عهد معاوية مجع األخبار‬ ‫العلم وذهاب أهله»‪ .‬هذا ما ذكره ابن سعد يف‬
‫التارخيية ومايتصل هبا من أشعار مثل‬ ‫كتابه (الطبقات الكربى) وتذكر املصادر أن أبو‬

‫‪161‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫ال��رواة‪ .‬ففي احلديث كان دور ال��راوي وواجبه‬ ‫كتاب (أخ��ب��ار اليمن وأشعارها وأنساهبا)‬
‫وامل��خ��ت��ارات على دور ال����رواة‪ .‬ففي احلديث‬ ‫لعبيد ب��ن ش��ريّ��ه ث��م ب��دأ العمل املنظم جلمع‬
‫كان دور الراوي وواجبه يتحددان يف أنه يروي‬ ‫الشعر يف هناية القرن األول وبداية القرن الثاني‬
‫نصوصاً‪ ،‬وصلت إليه مدونة أو دوهنا هو بنفسه‬ ‫اهلجري‪ .‬ومن أهم من قاموا جبمع الشعر يف‬
‫بغض النظر عن حفظه للنص أو عدم حفظه‪،‬‬ ‫ومحاد الراوية‬
‫العصر األموي أبو عمر بن العالء ّ‬
‫ويكوّن ذكر ال��رواة عن راوية النص مرة أخرى‬ ‫الضيب وغريهم‪ .‬وتؤكد كتب مصطلح‬ ‫واملفضل ّ‬
‫ّ‬
‫سلسلة ال���رواة املعروفة باإلسناد‪ .‬كما يؤكد‬ ‫احلديث ودواوين الشعراء واملختارات على دور‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪162‬‬
‫التالية الرواية‪ ،‬الصنعة والعمل‪ ،‬الرتمجة والنقل‪،‬‬ ‫الباحث سيزجني‪ .‬أما رواة الشعر يف العصر‬
‫التجريد‪ ،‬التذييل‪ ،‬التتمة‪ ،‬األمايل واجملالس‪،‬‬ ‫األم��وي فإهنم كانوا يقيّدون الشعر بعد إمالء‬
‫االختيارات‪ ،‬الشرح‪ ،‬اجلمع واالختصار‪ ،‬وكان‬ ‫الشاعر له وأهنم كانوا يصقلونه ‪.‬‬
‫القدماء يقسمّون مؤلفاهتم على أنواع‪ ،‬واألنواع‬ ‫ط��رق التأليف عند ال��ع��رب‪ :‬تنوعت طرق‬
‫على مقاالت‪ ،‬واملقاالت على أبواب‪ .‬ويروي ابن‬ ‫التأليف عند العرب حسب الفنون اليت أ ّلفوا‬
‫�ط�بري جعل كتابه‬ ‫النديم أن علي بن سهل ال� ّ‬ ‫فيها مثل‪ :‬احل��دي��ث‪ ،‬الشعر‪ ،‬اللغة والتاريخ‬
‫(فردوس احلكمة) أنواعاً سبعة‪ ،‬واألنواع حتتوي‬ ‫وعلوم الدين‪ ،‬وت�ترواح هذه الطرق بني األنواع‬
‫ثالثني مقالة واملقالة على ثالمثئة وستني باباً‪.‬‬
‫ولعبت حركة الرتمجة ونقل الكتب القدمية دوراًَ‬
‫أساسياً يف التأليف‪.‬‬
‫وبعد خالد بن يزيد بن معاوية أول من‬
‫اهتم بالصّنعة وفكر يف نقل الكتب القدمية يف‬
‫موضوعات الطب والكيمياء والنجوم‪ ،‬حيث‬
‫طلب م��ن بعض الفالسفة اليونانيني الذين‬
‫كانوا يعيشون يف مصر و اتقنوا العربية‪ ،‬طلب‬
‫منهم نقل الكتب يف الصّنعة من اللسان اليوناني‬
‫والقبطي إىل العربي‪ ،‬وه��ذا أول نقل ك��ان يف‬
‫اإلسالم من لغة إىل لغة‪ ،‬كما يذكر ابن النديم‬
‫يف كتابه الفهرست‪.‬‬
‫وقد لعبت مكتبة بيت احلكمة اليت‬

‫‪163‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫باللسان اليوناني جداً بارعاً يف اللسانني‪ ،‬اختري‬ ‫أنشأها العباسيون يف بغداد دوراً كبرياً يف‬
‫للرتمجة وائتمن عليها‪ .‬وروى ابن أصيبعه أن‬ ‫حركة الرتمجة من خمتلف اللغات إىل اللغة‬
‫حنيناً الزم يوحنا بن ماسويه وتتلمذ له واشتغل‬ ‫العربية‪ .‬وقد كان أبا سهل الفضل بن نوخبت‬
‫بصناعة الطب‪ ،‬ونقل حنني البن ماسويه كتباً‬ ‫يعمل يف خزانة احلكمة هلارون الرشيد وقد نقل‬
‫كثرية‪ ،‬وخصوصاً كتب جالينوس‪ .‬وكان حنني‬ ‫من الفارسية إىل العربية وكذلك عبد اهلل بن‬
‫أعلم أهل زمانه باللغة اليونانية والسريانية‬ ‫املقفع الذي نقل العديد من كتب املنطق والطب‬
‫والفارسية‪ .‬وملا أراد املأمون نقل كتب أرسطو‬ ‫من الفارسية إىل اللغة العربية‪ ،‬كما ذكر ابن‬
‫كاليس‪ ،‬طلب من حنني بن اسحاق فعل ذلك‬ ‫جلجل يف كتابه (طبقات األطباء واحلكمة) بأن‬
‫وكان يعطيه زنة ما ينقله من الكتب ذهباً‪ .‬وكان‬ ‫الرشيد قلّد يوحنا بن ماسويه ترمجة الكتب‬
‫جل اهتمام حنني نقل الكتب الطبية وخاصة‬ ‫الطبية القدمية مما وجد يف أنقرة و عمورية‬
‫كتب جالينوس‪.‬‬ ‫وبالد الروم حيث سباها املسلمون‪ ،‬ووضعه أميناً‬
‫أما ابنه اسحاق بن حنني املتوفى ‪ 298‬هـ‬ ‫حذاقاً يكتبون‪.‬‬
‫على الرتمجة ووضع له كتّاباً ّ‬
‫‪ .‬ت ‪ 911‬م‪ .‬فيقول عنه ابن النديم‪( :‬كان مثل‬ ‫وق��د ازده���رت حركة الرتمجة والنقل يف‬
‫أبيه يف الفضل وصحة النقل من اللغة اليونانية‬ ‫عصر املأمون بعد أن طلب من امرباطور بيزنطة‬
‫والسريانية‪ ،‬وكان فصيحاً بالعربية‪ ،‬يزيد على‬ ‫املوافقة على إرسال جمموعة من العلماء إليهم‬
‫أبيه يف ذلك‪).‬‬ ‫لنقل علومهم‪ ،‬وبناء على موافقة اإلمرباطور‬
‫وذكر أبو معشر يف كتابه (امل��ذاك��رات) أن‬ ‫أرس��ل جمموعة منهم احلجاج بن مطر وابن‬
‫حذاق الرتامجة عند العرب أربعة ‪( :‬حنني بن‬ ‫البطريق‪ .‬وقام بنو شاكر املنجم بإخراج الكتب‬
‫اسحاق ويعقوب بن اسحاق الكندي‪ ،‬وثابت بن‬ ‫من بالد البيزنطيني‪ ،‬وأرسلوا هلذا الغرض حنني‬
‫مرّة احلرّاني وعمر بن الفرخان الطربي)‪.‬‬ ‫بن اسحاق وغ�يره‪ ،‬فجاؤوا إليهم من بيزنطة‬
‫أما طريقة النقل فغالباً كانت تتم بواسطة‬ ‫كما يقول ابن النديم بطرائف الكتب وغرائب‬
‫لغتني م��ن ال��ي��ون��ان��ي��ة إىل ال��س��ري��ان��ي��ة‪ ،‬ومن‬ ‫املصنفات يف الفلسفة واهلندسة واملوسيقا‬
‫السريانية إىل العربية نظراً لوجود أناس ملمني‬ ‫والطب‪.‬‬
‫بكل من اليونانية والسريانية والعربية‪ ،‬لكن‬ ‫وذك��ر اب��ن النديم يف كتابه (الفهرست)‬
‫مبرور الوقت صارت الرتمجة من اليونانية إىل‬ ‫وحاجي خليفة يف كتابه (كشف الظنون) أمساء‬
‫العربية مباشرة‪.‬‬ ‫النّقلة من اللغات القدمية‪ ،‬اليونانية والسريانية‬
‫ً‬
‫وكان يتم أحيانا إصالح النقل‪ ،‬أي مراجعته‪،‬‬ ‫والفارسية إىل اللسان العربي‪ .‬ومن أشهر هؤالء‬
‫فقد نقل أب��و روح ال��ص��اب��ي ك��ت��اب (السماع‬ ‫املرتمجني‪ ،‬يوحنا بن البطريق‪ ،‬الذي قال عنه‬
‫الطبيعي) ألرسطو‪ ،‬وأصلح هذا النقل بن عجي‬ ‫اب��ن جلجل‪ ( :‬ك��ان أميناً على الرتمجة حسن‬
‫ما روى ابن النديم‪.‬‬ ‫الـدية للمعاني بكيء اللسان يف العربية‪ ،‬وترجم‬
‫ك��ذل��ك ن��ق��ل اص��ط��ف��ن ب��ن ب��س��ي��ل كتاب‬ ‫كثرياً من كتب األوائل) كما كان حنني بن اسحاق‬
‫(احل��ش��ائ��ش) لديقوريدس امل��ع��روف أي��ض�اً بـ‬ ‫امل��ت��ويف سنة ‪ 260‬ه���ـ‪.‬ت ‪ 874‬م م��ن أفضل‬
‫(األدوية املفردة) من اللسان اليوناني إىل اللسان‬ ‫امل�ترمج�ين‪ .‬وق��د وصفه اب��ن النديم بأنه كان‬
‫العربي‪ ،‬غري أنه مل يستوف األمساء العربية كلها‪،‬‬ ‫(فصيحاً باللغة اليونانية والسريانية والعربية‪،‬‬
‫لعدم معرفته مبا يقابلها باليونانية‪ ،‬وتص ّفح‬ ‫دار البالد يف مجع الكتب القدمية‪ )..‬ووصفه‬
‫ح��ن�ين ب��ن اس��ح��اق ه���ذه ال�ترمج��ة فصححّها‬ ‫ابن جلجل بأنه كان عاملاً بلسان العرب فصيحاً‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪164‬‬
‫أما النوع الثاني من التأليف الذي ساد عند‬ ‫وأجازها‪ ،‬عما يروي ابن أبي أصيبعه يف كتابه‬
‫العرب املتقدمني هو (األم��ايل) اليت أصبحت‬ ‫عيون األن��ب��اء‪ .‬وي��رى البعض أن أكثر الكتب‬
‫ظاهرة عامة على مشارف القرن الثالث اهلجري‬ ‫اليت نقلها العرب أو غريهم من املرتمجني كانت‬
‫= التاسع امليالدي‪ .‬وكانت متمركزة يف‬ ‫من اللغة اليونانية‪ ،‬والقليل منها عن اللغات‬
‫ب��غ��داد‪ ،‬مركز اخلالفة ومركز احلركة‬ ‫الفارسية‪ ،‬السريانية واهلندية‪.‬‬

‫‪165‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫عبد الوهاب اجلبّائي املتويف سنة ‪ 303‬هـ‪.‬ت‬ ‫العلمية ومقصد العلماء واألدب��اء من شتى‬
‫‪ 915‬م‪ .‬أملى مئة أل��ف ومخسني أل��ف ورقة‪.‬‬ ‫بقاع العامل اإلسالمي‪ ،‬كما يذكر احللوجي يف‬
‫وأحصى حاجي خليفة كتب (األمايل) وعقد هلا‬ ‫كتابه (املخطوط العربي) ووصف حاجي خليفة‬
‫فصالً يف كتابه (كشف الظنون)‪ .‬وأقدم األمايل‬ ‫األمايل‪ ،‬بقول‪ ( :‬األمايل هو مجع اإلماء‪ ،‬وهو أن‬
‫اليت ذكرها (أم��ايل) اإلمام أبي يوسف يعقوب‬ ‫يقعد عامل وحوله تالمذته باحملابر والقراطيس‪،‬‬
‫بن إبراهيم اإلنصاري املتويف سنة ‪ 183‬هـ‪ .‬ت‬ ‫فيتكلم العامل‪ ..‬ويكتب التالمذة فيصري كتاباً‬
‫‪799‬م ‪ .‬وكانت يف الفقه ويقال إهنا أكثر من‬ ‫يسمونه اإلمالء واألمايل‪)..‬‬
‫ثالمثئة جملده‪ .‬ورمب��ا استوعب اإلم�لاء عدّة‬ ‫وكثرت األمايل يف خمتلف العلوم والفنون‪،‬‬
‫جمالس يف ع��دة سنني‪ .‬وي��روى أن أب��ا جعفر‬ ‫ويذكر السيوطي يف كتابه (املزهر) أن اإلمالء‬
‫حممد بن جرير بن يزيد ّ‬
‫الطربي املتوفى سنة‬ ‫أع��ل��ى وظ��ائ��ف احل��اف��ظ يف ال��ل��غ��ة ويضيف‬
‫‪ 310‬هـ‪ .‬أملى على أصحابه تفسري القرآن بني‬ ‫لقد أملى ح ّفاظ اللغة من املتقدمني الكثري‬
‫سنيت ‪283‬ه���ـ‪ 290 – .‬ه��ـ‪ .‬وي��ذك��ر اخلطيب‬ ‫مثل‪ :‬تغلب‪ ،‬وابن دريد وأبو حممد القاسم بن‬
‫البغدادي يف كتابه تاريخ بغداد كثرة ما ألفه‬ ‫األنباري وولده أبو بكر‪ ،‬ماال حيصى وأملى أبو‬
‫الطربي فيقول نقالً‪( :‬مسعت علي بن عبد اهلل‬ ‫علي القايل مخسة جملدات‪ ..‬ويذكر القاضي‬
‫بن عبد الغفار اللغوي املعروف بالسمسمائي‪..‬‬ ‫عبد اجلبار يف كتابه (فضل االعتزال وطبقات‬
‫حيكي أن حممد بن جرير‪ ،‬مكث أربعني سنة‬ ‫املعتزلة) أن املعتزلة املعروف أبو علي حممد بن‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪166‬‬
‫الشيخ فيجيب‪ ،‬فيدوّن كل ذلك فيما يسمى‬ ‫يكتب يف كل يوم منها أربعني سنة يكتب يف كل‬
‫جملساً‪ .‬وكتب (اجملالس) ليست حبجم كتب‬ ‫يوم منها أربعني ورقة)‪.‬‬
‫(األم��ايل) كما ي��ؤوى حاجي خليفة‪ .‬وكثرياً ما‬ ‫كما أملى أب��و بكر حممد بن القاسم بن‬
‫اختلف نص اإلم�لاء باالرجتال إذا تكرر إلقاء‬ ‫األنباري املتويف سنة ‪ 328‬هـ‪.‬ت ‪ 940‬م ‪ .‬كما‬
‫نص الكتاب فتختلف نسخه‪ .‬وقد خيتلف نص‬ ‫يروي ياقوت‪ ،‬كتاب ( املشكل يف معاني القرآن )‬
‫الكتاب زي��ادة ونقصاً بتعدد روات��ه‪ .‬وي��روى لنا‬ ‫يف عدة سنني ومل يتمه‪ .‬وقد أملى ابن األنباري‬
‫اخلطيب ال��ب��غ��دادي يف كتابه (ت��اري��خ بغداد)‬ ‫أغلب مصنفاته‪ ،‬وقيل أنه أملى كتابه (غريب‬
‫بعض األخ��ب��ار عن جمالس اإلم�لاء يف بغداد‬ ‫احل��دي��ث) من حفظه يف مخس وأرب��ع�ين ألف‬
‫نلحظ من خالهلا ما بلغته هذه اجملالس من‬ ‫ورقة‪ .‬ويرى احملقق الراحل عبد السالم هارون‬
‫ضخامة يف عدد حضورها‪ .‬ما استدعى ظهور‬ ‫أن هناك فرقاً دقيقاً بني لفظي (اجملالس) و‬
‫فئة جديدة يف اجملتمع تعرف بـ (املستملني)‬ ‫(األم���ايل) يف أصل استعماهلما‪ .‬فا(األمايل)‬
‫يتولون ترديد كلمات الشيخ أو األستاذ ليتسنى‬ ‫كان ميليها الشيخ أو من ينيب عنه حبضرته‬
‫جلميع احلضور السماع‪ .‬ومما أورده اخلطيب‬ ‫فيتلقفها الطالب بالتقييد يف دفاترهم‪ .‬أما‬
‫البغدادي عن وصفه جمالس اإلمالء‪ ،‬نستنتج‬ ‫(اجملالس) فتختلف عن تلك بأهنا تسجيل كامل‬
‫مدى إمكانية اختالف نسخ املستملني حبسب‬ ‫ملا كان حيدث يف جمالس العلماء‪ ،‬ففيها يلقي‬
‫موقعهم قرباً أو بعداً من اململي‪.‬‬ ‫الشيخ ما يشاء من تلقاء نفسه وفيها يسأل‬

‫‪167‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫حديقة العالم البيضاء‬

‫القطب الشمالي‬
‫قمر املناصفي‬

‫القطب الشمالي منصة اجلليد األبيض املرتامي األطراف الذي يتغري بشكل دائم‬
‫جزء من نظام مناخي عاملي‪ ،‬قاعدة عسكرية حدودية تساعدنا على معرفة مدى‬
‫مبكر‪ ،‬فالغطاء اجلليدي يف القطب الشمالي يتعرض للذوبان‬‫وقت ّ‬
‫ما جيري يف ٍ‬
‫بفعل االحتباس احلراري باإلضافة إىل أسباب أخرى تتعلق باعتداء اإلنسان على الطبيعة‪،‬‬
‫بشكل خميف‪ ،‬وبالتالي فنحن نقرتب من الكارثة‬ ‫وبالتالي فإن كثافة الغطاء اجلليدي ّ‬
‫تقل‬
‫ٍ‬
‫احملققة آنذاك أال وهي تغري املناخ الذي سينعكس سلباً على حياة البشرية‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪168‬‬
‫ال����ق����ط����ب����ي����ت��ي�ن ت�����ظ�����ل حم�������روم�������ة م���ن‬ ‫هناك أمريكيان زعم ك ٌل منهما أنه كان أول‬
‫أش��ع��ة الشمس ط���وال قسم كبري م��ن السنة‪،‬‬ ‫الواصلني إىل هناك ومها فريدريك كوك وزعم‬
‫فتسيطر عليها العتمة دون انقطاع ففي مناطق‬ ‫أنه وصل عام ‪ ،1908‬وروب�يرت بريي وزعم أنه‬
‫القطب الشمايل من ‪ 23‬أيلول « سبتمرب» حتى‬ ‫بلغ القطب الشمايل يف ال��س��ادس من نيسان‬
‫‪ 20‬آذار» مارس» ومن ‪ 21‬آذار حتى ‪ 22‬أيلول‬ ‫عام ‪ 1909‬ومعه مخسة رفاق ومخس زالجات‬
‫« سبتمرب» خييم الليل على مناطق القطب‬ ‫جي�رّه��ا أرب��ع��ون كلباً‪ ،‬ول��ك��ن أول إن��س��ان ثبت‬
‫اجلنوبي‪ ،‬ويدوم النهار طيلة الستة أشهر الباقية‬ ‫بالدليل القاطع أنه وصل للقطب الشمايل هو‬
‫من السنة ويصل ارت��ف��اع الشمس يف السماء‬ ‫املستكشف األمريكي ريتشارد بريد الذي حلّق‬
‫ط��وال ‪ 24‬ساعة‪ ،‬ثم تنحدر حنو األف��ق حيث‬ ‫فوق القطب بسفينة هوائية يف التاسع من أيار‬
‫تبقى عالقة حممرّة اللون طوال ما يُسمى « الليل‬ ‫عام ‪ ،1926‬وأول مستكشف وصل القطب سرياً‬
‫األبيض» القطيب‪.‬‬ ‫على اجلليد هو األمريكي رالف بليستيد وذلك‬
‫امل��ن��اخ ه��ن��اك ب���ارد يتميّز مب��ع �دّل احل���رارة‬ ‫يف التاسع عشر من نيسان عام ‪ ، 1968‬ويف‬
‫السنوي املتدني وتقع املنطقة الباردة بني معدالت‬ ‫سنة ‪ 1958‬ج��رت حماولة استكشاف خارقة‬
‫احلرارة الصيفية وهي أقل من ‪ 10‬درجات مئوية‬ ‫للبحر املتجمد الشمايل استخدمت فيها غواصة‬
‫ومعدالت احلرارة الشتوية اليت هي أقل من ‪3‬‬ ‫نووية مسيت نوتيلوس‪ ،‬وعربت هذه الغواصة قنّة‬
‫درجات حتت الصفر‪ ،‬وتتخطى احلرارة‬ ‫اجلليد القطيب غوصاً عرب األعماق ‪.‬‬
‫ه��ذه احل��دود بعيداً باجتاه اجلنوب يف‬ ‫ت��ل��ك امل��ن��اط��ق ال���واق���ع���ة وراء الدائرتني‬

‫‪169‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫‪ 5 78‬درجة مئوية حتت الصفر‪ ،‬وهتب الرياح‬ ‫سيبرييا وكندا على األخص‪ ،‬ثم إن « القطب‬
‫القطبية من منطقيت الضغط املرتفع القطيب‬ ‫البارد» الشمايل احلقيقي ليس يف موقع القطب‬
‫حنو مناطق الضغط املنخفض عند الدائرتني‬ ‫بالذات بل عند مدينة فركويانسك السيبريية‬
‫القطبيتني الشمالية واجلنوبية‪ ،‬والرياح القطبية‬ ‫الواقعة على دائ��رة القطب‪ ،‬حيث يبلغ معدّل‬
‫تكون مشالية شرقية يف نصف الكرة الشمايل‬ ‫احل��رارة يف شهر كانون الثاني « يناير» ‪5 50‬‬
‫وجنوبية شرقية يف نصف الكرة اجلنوبي وهي‬ ‫مئوية حتت الصفر أم��ا اجلليد ال��ذي يغطي‬
‫رياح ضعيفة عادة ولذلك عندما تلتقي بالرياح‬ ‫األراضي الواقعة مشايل دائرة القطب الشمايل(‬
‫الغربية العكسية قد تطغى عليها األخرية وتسود‬ ‫ماعدا وسط غرينالند) الذي يذوب يف فصل‬
‫يف مناطق نفوذها ويؤدي التقاء الرياح القطبية‬ ‫الصيف حتت احلرارة البالغة أحياناً ‪ 5 30‬درجة‬
‫بالرياح العكسية إىل تكون جبهة هوائية تتولد‬ ‫مئوية( حتت الصفر) وباملقابل يصل الصقيع‬
‫على طوهلا االخنفاضات اجلوية أو األعاصري‬ ‫إىل أرقام قياسية يف أراضي القطب اجلنوبي‬
‫اليت تتحرك من الغرب إىل الشرق‪.‬‬ ‫م��ن كوكبنا حيث تتدنى احل���رارة أحياناً إىل‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪170‬‬
‫خالله فوق الصفر واملطر املتجمّد هو مزيج من‬
‫الثلج واملطر وكمية الثلج اليت يتلقاها مكان ما‬
‫ومدة بقائه على األرض تتوقفان على ارتفاع‬
‫هذا املكان‪.‬‬
‫العواصف الثلجية املنتشرة يف القطبني‬
‫تبهر النظر عندما تذري الرياح القارصة الثلج‬
‫أفقياً تُسمّى دمَقاً وال تكون الرؤية ممكنة إال‬
‫لبضعة أمتار‪ ،‬والعجالت واألق���دام ومركبات‬
‫اجلليد تضغط على الثلج املرتاكم على األرض‬
‫حبيث تذوب طبقته السطحية الرقيقة ولكنه ال‬
‫يلبث أن يتجمد ليعود جليداً واجلليد املرتاصّ‬
‫يقلل من االحتكاك بني الشيء الضاغط وسطح‬
‫اجلليد‪.‬‬ ‫تنتشر األهنار اجلليدية يف القطبني نامجة‬
‫وحياة احليوانات هناك تعتمد على عملية‬ ‫عن الثلج املرتاكم عاماً بعد عام‪ ،‬ويتألف الثلج‬
‫التخليق الضوئي والذي ال ميكن أن حيدث إال‬ ‫من بلورات جليدية دقيقة تتكون عندما يتكاثف‬
‫يف نبتةٍ خضراء‪ ،‬والتكيّف مع البيئة ومع أسلوب‬ ‫امل��اء حب���رارات حتت الصفر‪ ،‬وه��ذه البلورات‬
‫احلياة أم�رٌ جوهري للحيوانات كما للنباتات‬ ‫تسقط على األرض أو تبقى عالياً حيثما هتبط‬
‫ناجم عن التطور‪ ،‬فاحليوانات اليت تعيش يف‬ ‫احل���رارة ك��ث�يراً وتتماسك معاً عندما ترتفع‬
‫املناخات الباردة جيب أن تتكيف تكيّفاً خاصاً‬ ‫احل���رارة مكونة رقعاً رقيقة من الثلج بشكل‬
‫لتستطيع البقاء رغم الربد فاحليوانات القاطنة‬ ‫أزهار بديعة‪ ،‬وقد تنضم الرقع الثلجية الرقيقة‬
‫يف البحار‪ ،‬مثل عجول البحر واحليتان‪ ،‬اليت‬ ‫مش ّكلة نثرات خفيفة عرضها بضعة سنتيمرات‬
‫متتاز بوجود طبقة كثيفة من الدهن تقيها من‬ ‫ما يدل على أن اهلواء قد برد كفاية لكي يسقط‬
‫الربد‪ ،‬يف حني أن األرنب الربي يف القطب‬ ‫الثلج وتذوب الرقع اجلليدية الرقيقة وتصبح‬
‫الشمايل يبقى دافئاً ضمن سرتة الفرو‬ ‫قطرات مطر إذا كان اهل��واء ال��ذي تسقط من‬

‫‪171‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫على الربّ فإهنا تفقد بعض مرونتها اليت متتاز‬ ‫الكثيف‪ ،‬ويوجد ‪ 52‬نوعاً من األرانب األليفة‬
‫هبا وهي يف املاء‪ ،‬وتقوم زعانفها بوظيفة اليدين‬ ‫والربية اعتباراً من الدائرة القطبية املتجمدة إىل‬
‫وتزحف على بطوهنا عند عبور اجلليد وتصطاد‬ ‫الصحاري ذات احلرارة املومضة ‪ ،‬وينمّي هذا‬
‫الفقمة معظم السنة ثم تعود إىل الشاطئ من‬ ‫األرنب خالل ثلوج الشتاء كساءً أبيض تضليالً‬
‫أجل التكاثر خالل فصل الربيع‪ ،‬ويصل وزن‬ ‫للضواري‪ ،‬وكذلك ف��إن اللون األبيض خيرج‬
‫الذكور منها إىل ‪ 300‬كيلوغرام وحيتاج الذكر‬ ‫ح��رارة أقل من األل��وان األخ��رى‪ ،‬كذلك الثعلب‬
‫إىل بدانة إضافية ليزيد من طاقته على القتال‪،‬‬ ‫ف��إن الثعلب القطيب يصبح أبيض ال��ف��راء يف‬
‫وهو لن يذهب إىل البحر لتأمني طعامه يف أثناء‬ ‫الشتاء وهو ال يسبت إال أنه بإمكانه أن يلف‬
‫الستة أسابيع املقبلة إذ يف حال ترك حدوده‬ ‫جسمه بذنبه الكث يف حفرة ثلجية وينام آمناً‪،‬‬
‫ولو لدقائق قليلة‪ ،‬سيأتي منافس آخر للحلول‬ ‫بينما تكون ال�برودة يف اخل��ارج مخسني درجة‬
‫مكانه‪.‬‬ ‫مئوية حتت الصفر‪ ،‬كما أن شكل احليوانات‬
‫إن الوصول املفاجىء أللوف صغار الفقمة‬ ‫اليت تعيش يف املناطق املتجمّدة يلعب دوراً هاماً‬
‫يقلل م��ن تأثري ال��وح��وش الكاسرة على هذه‬ ‫يف محايتها فهي مربوعة‪ ،‬يكسوها الوبر كما‬
‫الصغار‪ ،‬وال يشكل « ابن آوى» الذي يزن مثانية‬ ‫تكسوها طبقة مسيكة من الشحم تش ّكل طبقة‬
‫كيلوغرامات هتديداً لذكر الفقمة ويف أغلب‬ ‫عازلة ومصدر طاقةٍ هلا ما جيعلها تتمتع حبرارة‬
‫األحيان تتحول آكالت اللحوم الصغرية نفسها‬ ‫مرتفعة يف بشرهتا كي ال تتجمّد كاحليوانات‬
‫إىل ضحايا‪ ،‬فأحياناً يتعرض ابن آوى نفسه‬ ‫الربمائية وعلى رأسها الفقمة‪ ،‬وهي سبّاحة‬
‫أحياناً للعض من قبل الفقمة ويلتهب اجلرح‬ ‫ماهرة يف البحر سريعة يف السباحة تضغط‬
‫بسرعة ويستسلم للموت خالل عدة أيام وهو‬ ‫بواسطة عضالهتا القوية على ثقوب أنفها لتمنع‬
‫يف املواسم العادية « غري موسم التكاثر» يبحث‬ ‫دخول اهلواء إىل رئتها‪ ،‬متسك حيوانات الفقمة‬
‫عن حيوانات الفقمة اليت ماتت بشكل طبيعي‬ ‫أنفاسها لست أو سبع دقائق لتتمكن من الغوص‬
‫وطيور النورس أيضاً تقوم بنفس العمل فتجد‬ ‫إىل عمق مخسني مرتاً حتت املاء‪ ،‬وهي تستطيع‬
‫فرصاً ساحنة للطعام يف مستعمرات الفقمة‪،‬‬ ‫البقاء حتت املاء دون احلاجة للتنفس ألكثر من‬
‫كجثة صغري أو بقايا األمساك‪.‬‬ ‫ساعة والسبب يكمن يف أن عدد كريات دمها‬
‫يغادر صغري الفقمة أقرانه ويتحرك ببطء‬ ‫احلمراء الذي يفوق عددها عند حيوا ٍن آخر‪،‬‬
‫حيث ي��رى أم��ه أخ�يراً قبل ذهاهبا إىل البحر‪،‬‬ ‫وه��ذا يزيد من قدرته على االحتفاظ باهلواء‬
‫وتستعمل األم حاسة الشم للتعرف إىل صغريها‪،‬‬ ‫حتى أكثر من قدرة اإلنسان بثالثة أضعاف‪ ،‬أما‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪172‬‬
‫اثنتني متررها للذكر الذي يدسها حتت طية‬ ‫وتصدر أصواتاً‪ ،‬ويتعرف الصغري إىل نداء أمه‬
‫جلد بطنه عند أعلى قدميه وحيفظها دافئة‬ ‫وبشكل ملحوظ يسمع كل منهما اآلخر وسط‬
‫وبعيدة عن اجلليد وتذهب األنثى لتتغذى يف‬ ‫أصوات ألوف حيوانات الفقمة‪،‬ويغادر الصغري‬
‫البحر الذي قد يبعد ‪ 160-80‬كم وتبقى حوايل‬ ‫أقرانه ويتحرك ببطء حيث يرى أمه أخرياً قبل‬
‫شهرين بعيدة هناك وت�ترك ال��ذك��ر ليحضن‬ ‫ذهاهبا إىل البحر مرةً أخرى‪.‬‬
‫البيضة ف��إذا ما تركت البيضة فقد تتعرض‬ ‫ً‬
‫ويف فرتة سبعة أشهر تقريبا سيبدأ الصغري‬
‫للفساد وقد تنتهز طيور النورس وطيور ساحلية‬ ‫ب��إط��ع��ام نفسه ت��درجي��ي �اً‪ ،‬وس��ي��ت��اب��ع الصغري‬
‫أخرى الفرصة الختطاف البيض‪ ،‬وحني تفقس‬ ‫الرضاعة بشكل دوري‪ ،‬ولن يتوقف عنها حتى‬
‫الفراخ يتعاون الوالدان معاً على تربية الفراخ‪،‬‬ ‫بلوغه أحد عشر شهراً من العمر قبل أن تلد‬
‫يف ب��ادىء األم��ر‪ ،‬فيبقى أحدمها معها فيما‬ ‫أم��ه يف املوسم املقبل‪ ،‬ويف الشهرين املقبلني‬
‫يذهب اآلخر للصيد يف البحر‪ ،‬ويرجع ليطعمها‬ ‫سيتعلم الصغري السباحة يف برك على الشاطىء‬
‫مرة واحدة يف اليوم‪ ،‬فإذا ما تُركت الفراخ دون‬ ‫البحري قرب مستعمرة الفقمات‪ ،‬ويف مكان‬
‫مراقبة قد تقع فريسة من قبل طائر الكركر‪،‬‬ ‫بعيد على الشاطىء تعمل الفقمة األم على‬
‫وعندما تبلغ ثالثة أسابيع من العمر تزداد‬ ‫تأمني الطعام‪ ،‬وهي تقوم باحلراسة خوفاً من‬
‫شهيتها لألكل‪ ،‬وهذا يرغم الوالدين معاً على‬ ‫مجاعات الوحوش الكاسرة‪ ،‬ومتوت ألوف منها‬
‫اخلروج للصيد‪ ،‬وتشكل جمموعات مع أقراهنا‬ ‫عند وقوعها ضحية يف شباك الصيد ‪ ،‬فهي يف‬
‫بينما يذهب الوالدان إىل البحر‪،‬‬ ‫أغلب األحيان تصطاد قرب زوارق الصيادين‬
‫وتستعمل طيور البطريق وحيوانات الفقمة‬ ‫وشباكهم‪ ،‬وغالباً ما تقع ضحية لصيدها يف‬
‫على السواء نفس األساليب التقنية للسرعة يف‬ ‫تلك األماكن‪.‬‬
‫املياه وتعترب أجنحة طيور البطريق والزعانف‬ ‫أما طيور البطريق ذات األجنحة القصرية‬
‫األمامية حليوانات الفقمة جماديف تلقائية‬ ‫املنبسطة تستخدم كمجاديف تدفع هذه الطيور‬
‫طويلة إلجناز احلركة إىل األمام‪ ،‬وهناك نوعان‬ ‫حتت امل��اء‪ ،‬وه��ي متتلك ريشاً كثيفاً يتداخل‬
‫من البطريق يف القطب الشمايل والبقية يف‬ ‫فيما بينه وهو يشبه احلراشف عند األمساك‪،‬‬
‫القطب اجلنوبي‪.‬‬ ‫عندما تأتي طيور البطريق إىل الشاطىء للتأنق‬
‫وب��ش��ك� ٍل ع��ام ف��إن احل��ي��اة احل��ي��وان��ي��ة اليت‬ ‫تفرز م��ادة من الشمع م��وج��ودة يف غ��دة فوق‬
‫تستطيع االس��ت��م��رار يف امل��س��اح��ات الشاسعة‬ ‫الذيل وه��ذه امل��ادة حتافظ على ملعان ريشها‬
‫من اجلليد والثلج يف املنطقة القطبية املركزية‬ ‫لتمنع عنها البلل‪ ،‬وتبدل طيور البطريق ريشها‬
‫هي قليلة ج��داً إال أنه توجد بعض احليوانات‬ ‫مرة واحدة كل عام على الشاطىء‪ ،‬ولفرتة ثالثة‬
‫يف املساحات الربية املتجمدة على مدار السنة‪،‬‬ ‫أسابيع ال تستطيع هذه الطيور أن تدخل إىل‬
‫وحتى أثناء أشهر الشتاء البارد املظلم‪.‬‬ ‫املاء لتأكل‪ ،‬ألهنا ما زالت تفتقر إىل املادة اليت‬
‫تسمى األراضي اليت تقع بالقرب من القطب‬ ‫متنع عنها البلل‪ ،‬وكما حيوان الفقمة تفتقر‬
‫الشمايل بالتندرة السهل األج��رد وتكون فيها‬ ‫هذه الطيور ذات القابلية العالية للتكيّف على‬
‫الرياح شديدة وباردة حبيث ال ميكن لألشجار أو‬ ‫الرشاقة على الرب‪.‬‬
‫الشجريات العيش فيها ولذلك فإن النباتات فيها‬ ‫خب�لاف ح��ي��وان الفقمة تبين ه��ذه الطيور‬
‫تكون من األشنات الورقية والطحالب‬ ‫أعشاشها‪ ،‬يبين الزوجان العش معاً يف مكان‬
‫واألعشاب والربدي والصفصاف واخلث‬ ‫آم��ن‪ ،‬تضع األنثى بعد ذل��ك بيضة واح��دة أو‬

‫‪173‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫أزواجاً يف موسم التكاثر‪ ،‬ثم يفرتقان ليعيش ك ٌل‬ ‫أو اخللنج ونباتات ذات أزهار قاسية‪،‬وتتداخل‬
‫منهما حياته اخلاصة مرةً أخرى وخالل الشتاء‬ ‫هذه النباتات مع أشجار الغابات املخروطية‪،‬‬
‫القاسي ينزع الذكر إىل التنقل حنو اجلنوب إىل‬ ‫عند احلدود االنتقالية بني اإلقليمني‪ ،‬ويُطلق‬
‫املناطق األقل عداءً‪ ،‬بينما تبين كل أنثى عريناً‬ ‫على اإلقليم اإلنتقايل‪ ،‬يف روسيا اسم تايبوال‪،‬‬
‫من الثلج وهناك تلد توءم الديسم ككل صغار‬ ‫‪ Tuibola‬ويف أمريكا الشمالية‪،‬تنتشر يف‬
‫الدببة صغري جداً عديم الرؤية وعار وترضعهم‬ ‫النطاق االنتقايل بني الغابات والتندرة‪ ،‬أشجار‬
‫األم وتعتين هبما وتظهر هلما اهتماماً كثرياً وال‬ ‫قزمية‪.‬‬
‫خيرج الصغري من العرين حتى الربيع ويبقيان‬ ‫ومناطق منو احلشائش يف التندرة توجد‬
‫مع أمهما ملدة سنة على األقل ويتعلمان منها‬ ‫على السفوح املواجهة ألشعة الشمس‪،‬وتتميز‬
‫أص��ول الصيد ومها حمبان للعب يف الصيف‬ ‫بقصر جذورها الناجم عن التجمد الدائم للرتبة‬
‫األول ويكونان على اتصال بأمهما يف لعبهما‪،‬‬ ‫التحتية‪.‬‬
‫والدببة يف فصل الشتاء تقضي فرتة الشتاء يف‬ ‫وخ�ل�ال أش��ه��ر ال��ش��ت��اء حيفر ث��ور املسك‬
‫حالة شبيهة بالسبات ‪ ،‬ويرى العديد من العلماء‬ ‫وال���رن���ة( أي���ل مش���ال أم��ري��ك��ا) وغ����زال الرنة‬
‫أن السبات عند الدب حالة منوذجية للبيات‬ ‫والالموس( من القوارض) الثلج للوصول إىل‬
‫الشتوي ‪ ،‬وعلماء آخرون ال يعدون الدببة من‬ ‫األشنات والطحالب الضرورية حلياهتا‪.‬‬
‫احل��ي��وان��ات ال�تي ت��دخ��ل يف السبات الشتوي‬ ‫وتش ّكل حيوانات الرعي القوية هذه غذاءً‬
‫بصورة حقيقية‪ ،‬وذلك بإشارة إىل درجة حرارة‬ ‫للضواري كالثعلب القطيب والبومة الثلجية‬
‫جسم ال��دب‪ -‬خالفاً ملا حي��دث يف الثدييات‬ ‫فكالمها يأكل الالموس والدب القطيب القادر‬
‫األخ��رى ال�تي تدخل يف السبات الشتوي‪ -‬ال‬ ‫على قتل ث��ور املسك املنعزل أو الرنة والدب‬
‫تنخفض اخن��ف��اض �اً ك��ب�يراً خ�لال ف�ترة بياته‬ ‫القطيب هو أكرب اللواحم يف القطب الشمايل‬
‫الشتوي‪ ،‬إضافة إىل أن الدب يصحو بسهولة‬ ‫فهو جوال كبري‪ ،‬وذو خربة يف السباحة والتسلّق‬
‫ورمبا يصبح على قدر كبري من النشاط خالل‬ ‫فوق الثلج واجلليد وتش ّكل األمساك والفقمة‬
‫األي��ام املعتدلة من الشتاء‪ ،‬ويستخدم العلماء‬ ‫اليت تنشط يف احمليط القطيب الشمايل القسم‬
‫مصطلحات مثل الكسل أو البيات الشتوي غري‬ ‫األك�بر من غ��ذاء ال��دب‪ ،‬فهو الالحم احلقيقي‬
‫التام لوصف السبات الشتوي للدب‪.‬‬ ‫الوحيد بني أنواع الدببة كلها‪ ،‬وهو يعيش على‬
‫يقوم الدب باإلعداد لسباته الشتوي بتناول‬ ‫ال��ش��واط��ىء غ�ير املأهولة يف احمليط القطيب‬
‫كميات كبرية من الغذاء خالل اجلزء األخري من‬ ‫الشمايل وليس مستغرباً أن يأكل اللحم بشكل‬
‫الصيف‪ ،‬وختزين الدهون يف جسمه للطاقة‪،‬‬ ‫رئيسي حيث ال يتوفر غ�يره إال القليل‪ ،‬ويف‬
‫وعندما يشح الغذاء‪ ،‬فإن الدب يذهب إىل وكره‪،‬‬ ‫أواخر الصيف يأكل الكرز الناضج من نباتات‬
‫وقد يكون هذا الوكر كهفاً أو حفرة قام حبفره‪.‬‬ ‫التندرة‪ ،‬ولكن الفقمة احللقية تش ّكل معظم‬
‫وال���دب ح��ي��وان ضعيف البصر ل��ه عينان‬ ‫طعام الدب القطيب‪ ،‬وكذلك يتناول األمساك‬
‫صغريتان‪ ،‬وأذنان صغريتان مستديرتان ترتفعان‬ ‫والطيور البحرية وبيضها عند توفرها‪ ،‬وعندما‬
‫إىل أعلى‪ ،‬كما أن مسعه حم��دود‪ ،‬لكنه يتميز‬ ‫يندر الطعام جيوب هذا الدب مسافات كبرية‬
‫حب��اس��ة ش��م ق��وي��ة‪ ،‬ل��ه أرج���ل ق��ص�يرة وقوية‬ ‫باحثاً عن الطعام‪ ،‬ويكنس بقايا حيوان الفظ‬
‫وضخمة‪ ،‬ولكل قدم مخسة أصابع ينتهي كل‬ ‫اليت تتبقى من الصيادين أو يأكل جثث حيتان‬
‫إصبع منها مبخلب طويل وضخم‪ ،‬ومن املمكن‬ ‫الشاطىء‪ ،‬ويعيش ال��دب حياة منعزلة يشكل‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪174‬‬
‫لفريسته‪ ،‬وتستغرق هذه العملية عدة ساعات‬ ‫رؤي��ة املخالب ألهن��ا على العكس م��ن خمالب‬
‫ثم ينقض عليها ويسقطها أرضاً فتندفع أعداد‬ ‫القط ليست مغطاة‪ ،‬ويستخدم الدب خمالبه‬
‫كبرية من الذئاب وتقوم جبرحها وعضها حتى‬ ‫يف احلفر وغريه‪ ،‬أو لتمزيق فريسته‪ ،‬وقد يبلغ‬
‫تقضي عليها‪ ،‬ثم يأكل اجلميع بنهم‪ ،‬ويأكل كل‬ ‫طول القدمني اخللفيتني للدب الكبري ‪40-30‬‬
‫ذئب حوايل سبعة كيلوغرامات من اللحم‪ ،‬وإذا‬ ‫س��م‪ ،‬وم��ن ناحية أخ��رى ف��إن األق���دام الكبرية‬
‫بقي شيء عنه ‪ ،‬فإنه يطمره كمؤنة لوجبة ثانية‪،‬‬ ‫واألرجل القصرية وكذلك وضع عقب القدم أوالً‬
‫وقد عُرف الذئب منذ القدم بسمعته السيئة‪،‬‬ ‫عند املشي جيعل الدب يبدو بطيئاً وغري رشيق‪،‬‬
‫وص�وّر على شكل اللئيم يف قصة النيب أيوب‪،‬‬ ‫إال أن الدببة رشيقة وبإمكاهنا التحرك بسرعة‪،‬‬
‫وقصص األط��ف��ال وقصص اجل��ن وذا القبعة‬ ‫وبإمكان الدب القطيب اجلري بسرعة تصل إىل‬
‫احلمراء اليت طاردها ذئب شرس‪.‬‬ ‫‪ 55‬كم يف الساعة‪.‬‬
‫وم��ع ال��ذئ��ب ي��وج��د الثعلب وه��و مفرتس‬ ‫ومن احليوانات الالمحة أيضاً الذئب القطيب‬
‫كالكلب ‪ ،‬وه��و م��زود بأنف حساس‪ ،‬وأسنان‬ ‫الذي يهاجم ثور املسك‪ ،‬ويقتل ويأكل السالالت‬
‫حادة‪ ،‬ومبيزة االنقضاض خلسة على فريسته‬ ‫الداجنة املرتوكة دون حراسة يف البالد املوحشة‬
‫وهو يصطاد ليالً مفرتساً احليوانات الصغرية‬ ‫ويصيد األران��ب وال��ق��وارض‪ ،‬وعندما ال جيد‬
‫مثل األرانب وصغار الفقمة امليتة وبقايا‬ ‫الذئب أي ن��وع من اللحم فإنه يأكل الفواكه‬
‫األمساك‪.‬‬ ‫كالتوت مثالً‪ ،‬وطريقة صيده تتم مبالحقة الذئب‬

‫‪175‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫الصنوبر اخلفيض وعندما تواجه خطراً من‬ ‫ومن احليوانات العاشبة اليت تستوطن القطب‬
‫الذئاب أو الدببة القطبية أو سكان األسكيمو‬ ‫الشمايل حيوان الرنة‪ ،‬وقد عرفه اإلنسان منذ‬
‫تشكل دائ��رة فارغة وقروهنا الضخمة املمتدة‬ ‫العصور البليوثينية وروض��ه��ا نصف ترويض‬
‫تتجه حنو اخلارج وتلقى صغارها احلماية يف‬ ‫كشعب سبرييا وال بلند لعدة ق��رون‪ ،‬وتسقط‬
‫املركز وبالرغم من أن ه��ذه البقريات تشبه‬ ‫ق��روهن��ا املتشعبة يف ت��ش��ري��ن ال��ث��ان��ي وتولد‬
‫املاشية إال أهنا ذات صلة أقرب إىل األغنام‪.‬‬ ‫الصغار عادة يف هناية مشوار العودة أي هناية‬
‫مع قدوم الربيع والصيف يف مناطق التندرة‬ ‫الربيع التايل وبداية الصيف‪ ،‬ويعترب من آكالت‬
‫ي���ذوب الثلج والطبقة السطحية م��ن الرتبة‬ ‫النباتات الكبرية ملنطقة القطب الشمايل إال أن‬
‫وتش ّكل بركاً ضحلة وج��داول وتتشكل منطقة‬ ‫أع��داءه الرئيسيني هم الذئب والدب الرمادي‬
‫التندرة بأكملها‪ ،‬وعند هذه املياه السطحية تنمو‬ ‫الذين يكثر وجودمها يف املناطق القطبية‪ ،‬ويف‬
‫القشريات والضفادع واحلشرات وتتكاثر بينما‬ ‫فصل الشتاء ينتقل الرنة جنوباً ويتغذى على‬
‫تظهر أوراق وأزهار النباتات القطبية بسرعة‬ ‫طحلب الغزال( نوع من شيبة العجوز) وأغصان‬
‫وقبل عودة الربد ويكون تفجّر احلياة املفاجىء‬ ‫األشجار مثل اجلنجل والسندر‪.‬‬
‫ه��ذا جذباً للطيور وتصبح املناطق القطبية‬ ‫أم��ا ث��ور املسك القطيب فمنظره مؤثر يف‬
‫ملج ًأ صيفياً كبرياً آلالف الطيور مثل البطة‬ ‫القفار اجل���رداء يف القطب ال��ش��م��ايل‪ ،‬وهذا‬
‫الربية والبط النهري والعيدر ( بطناعم الزغب)‬ ‫احل��ي��وان الطويل الشعر الشبيه بالبقر ربي‬
‫والبط وال��ت��م( اإلوز) واإلوزة الثلجية ومئات‬ ‫ليعيش يف مناطق التندرة غري املأهولة يف كندا‬
‫األنواع األخرى وهناك تستطيع الطيور التغذي‬ ‫وأالسكا وغرينلد ويبدو شبيهاً بالياك جبلده‬
‫على ما توفره احلياة يف الربك وتتكاثر بأمان‬ ‫اخلشن الطويل الذي يساعد على عزله ولكن‬
‫نسيب بعيداً عن اإلنسان والضواري باملقارنة‬ ‫رأسه عريض ومتد ٍل لألسفل يوجد على شكل‬
‫مع التندرة القطبية الشمالية هناك نوعان من‬ ‫قطعان تبلغ ‪ 30-10‬حيواناً يف الشتاء وتنشق‬
‫النباتات املزهرة ال�تي توجد يف ق��ارة القطب‬ ‫القطعان يف الصيف إىل جمموعات عندما ال‬
‫اجلنوبي‪ ،‬أما ما تبقى من النباتات فيتألف من‬ ‫توجد صعوبة يف احلصول على الغداء‪ ،‬وتتغدى‬
‫األشنات والطحالب‪.‬‬ ‫بالطحالب واألش��ن��ي��ات واألع��ش��اب امليتة يف‬
‫من الطيور املشهورة هناك البومة الثلجية‬ ‫الشتاء أم��ا يف الصيف فتستمتع باألعشاب‬
‫البيضاء وتعيش يف أقصى الشمال حيث ال‬ ‫الغضة وبراعم شجر الصفصاف القزمي وأكواز‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪176‬‬
‫اللحم ال�نيء أو الناطقني بلغة غربية‪ ،‬ويطلق‬ ‫ي��وج��د شجر وتصنع عشها على هضبة يف‬
‫اإلسكيمو على أنفسهم عدة أمساء مثل‪ :‬إنويت‬ ‫التندرة وبذلك تستطيع مراقبة املنظر ويتعلق‬
‫يف كندا‪ ،‬وإينوبيات ويوبيك يف أالسكا‪ ،‬ويوويت‬ ‫جن���اح ت��ك��اث��ره��ا بشكل ق���وي بفرائسها اليت‬
‫يف ك��ل م��ن سيبرييا وج��زي��رة س��ان��ت لورنس‪،‬‬ ‫تتألف من الالموس بشكل كبري فعندما يعاني‬
‫وهم يفضلون أيّاً منها على كلمة إسكيمو اليت‬ ‫الالموس من تكاثره اهلائل الذي حيدث كل أربع‬
‫يعتربوهنا مهينة‪.‬‬ ‫سنني فإن البومة تولد صغاراً أكثر طاملا هناك‬
‫حياة شعوب اإلسكيمو تقليدية منسجمة مع‬ ‫وفرة يف الغذاء‪ ،‬وعندما يقل تعداد الالموس‬
‫بيئتهم وغالبيتهم تعيش قرب البحر الذي يوّفر‬ ‫فإن البومة تواجه شحاً خطرياً يف الغذاء وقد‬
‫هلم أغلب طعامهم حيث يصطادون الفقمات‪،‬‬ ‫تسافر حنو اجلنوب إىل املناطق املعتدلة‪ ،‬ويف‬
‫وفيلة البحر‪ ،‬وال��دب��ب��ة القطبية‪ ،‬واحليتان‪،‬‬ ‫موسم التكاثر التايل تضع األنثى ‪ 4-3‬بيضات‬
‫وك��ذل��ك األمس���اك‪ ،‬كما ي��ص��ط��ادون ن��وع�اً من‬ ‫فقط‪ ،‬وهكذا فإن عدد البيض يرتاوح من ‪ 3‬يف‬
‫الوعول يسمى الكاريبو‪ ،‬وقد يستخدمون جلود‬ ‫سين الشح إىل ‪ 12‬بيضة يف سين الرخاء‪.‬‬
‫هذه احليوانات يف صنع املالبس‪ ،‬وهم يعيشون‬ ‫وأنثى البومة أكرب بكثري من الذكر ما جيعلها‬
‫يف بيوت من اجلليد يف الشتاء‪ ،‬أو مالجىء‬ ‫حتتضن البيض وتكون صغار البوم أكثر جاذبية‬
‫مصنوعة من الطبقة العليا من الرتبة‪ ،‬وينتقلون‬ ‫حيث يغطيها زغب أبيض كثيف ناعم‪.‬‬
‫على األرض املغطاة بالثلوج بوساطة الزالجات‬
‫اليت جترها الكالب‪ ،‬ويف الصيف يعيشون يف‬ ‫البشر يف املناطق القطبية‪:‬‬
‫خيام مصنوعة من جلود احليوانات‪ ،‬ويبحرون‬ ‫حياة البشر قليلة يف القطبني بسبب الربد‬
‫يف قوارب مصنوعة منه‪.‬‬ ‫ال��ق��ارس تقتصر على جمموعات اإلسكيمو‬
‫يف القرن التاسع عشر امليالدي بدأت حياة‬ ‫وتعيش يف املناطق القطبية الشمالية واملناطق‬
‫اإلسكيمو التقليدية تتغري بعد توافد أعداد كبرية‬ ‫القريبة منها وميتد موطن اإلسكيمو من الطرف‬
‫من صائدي احليتان وجتار الفراء األوروبيني إىل‬ ‫الشمايل الشرقي عرب أالسكا‪ ،‬ومشال كندا إىل‬
‫أقصى الشمال حيث انضموا إىل مهنة الصيد ‪،‬‬ ‫غرينالند‪ ،‬ويعيش بعض اإلسكيمو يف اجلزء‬
‫ما أدى إىل ارتفاع عدد احليوانات املقتولة وهم‬ ‫الشمايل من املناطق القطبية اليت ال يستطيع‬
‫يرتكزون يف كل من روسيا وأالسكا وكندا‬ ‫أن يقطنها أي شعب آخر‪.‬‬
‫وغرينالند ‪.‬‬ ‫وكلمة إسكيمو هندية أمريكية تعين آكلي‬

‫‪177‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫العوائل ‪ 20‬شخصاً‪ ،‬وك��ان��وا مجيعاً يعيشون‬ ‫لإلسكيمو بشرة متيل إىل السمرة‪ ،‬وشعر‬
‫يف منزل واحد أو جمموعة من اخليام وكانت‬ ‫أس��ود مسرتسل‪ ،‬وعيون داكنة ال��ل��ون‪ ،‬ووجوه‬
‫األسر املكونة من الزوج والزوجة واألطفال غري‬ ‫مستديرة‪ ،‬وبروز يف عظام الوجه‪ ،‬ويشبهون يف‬
‫املتزوجني هي األقل شيوعاً‪.‬‬ ‫مالحمهم شعوب منطقة سيربيا بشمايل آسيا‪،‬‬
‫واإلسكيمو يُنزلون أوالده���م منزل ًة عالية‬ ‫يشبهون كذلك اهلنود احلمر ولكن بدرجة أقل‪،‬‬
‫ونادراً ما كانوا يعاقبوهنم‪ ،‬وعادة يقوم الوالدان‬ ‫والعلماء يصنفون اهلنود جنساً منفصالً‪ ،‬بينما‬
‫باختيار زوجات أوالدهم منذ الطفولة املب ّكرة‪،‬‬ ‫يضمون اإلسكيمو إىل اآلسيويني‪.‬‬
‫وك��ان معظم اإلسكيمو يتزوجون يف مرحلة‬ ‫يُطلق على ب�لاد اإلسكيمو‪ ،‬أرض مشس‬
‫املراهقة‪ ،‬ومل تكن هناك حفالت زواج‪ ،‬إمنا كان‬ ‫منتصف الليل ألن الشمس يف ف�ترة حمدودة‬
‫الرجل يأخذ شريكة حياته ويسلك هبا دروب‬ ‫خالل فصل الصيف تشرق طوال النهار‪ ،‬كما‬
‫احلياة القاسية‪.‬‬ ‫يُطلق على ب�لاد اإلسكيمو أي��ض�اً أرض قمر‬
‫عاش اإلسكيمو على حلوم احليتان والفقمات‬ ‫الظهرية‪ ،‬وذل��ك ألن الشمس ال تشرق مطلقاً‬
‫والكاريبو‪ ،‬وكانوا يأكلون أيضاً السمك‪ ،‬وحلوم‬ ‫خالل فرتة حمدودة من فصل الشتاء‪.‬‬
‫الطيور‪ ،‬وثريان املسك والدببة والتوت واجلذور‬ ‫يف داخ���ل ب��ي��ت ال��ث��ل��ج جت��ل��س إح���دى أسر‬
‫والسيقان وأج���زاء أخ��رى من نباتات معينة‪،‬‬ ‫اإلسكيمو وتنام على منصة من الثلج مغطاة‬
‫وكانوا جيدون مثل هذه األطعمة خالل األشهر‬ ‫جبلود احليوانات‪ ،‬وكان اإلسكيمو يبنون فيها‬
‫األكثر دفئاً فقط ‪ ،‬ولكن بكميات قليلة‪ ،‬وهم‬ ‫حواجز أو رفوفاً يعلقون عليها أوان��ي الطهو‬
‫يف معظم األوقات يأكلون اللحم نيئاً وذلك لقلة‬ ‫واملالبس املبللة واجللود‪.‬‬
‫وج��ود األخشاب أو عدمها‪ ،‬أو أي وق��ود آخر‬ ‫وكانوا يتجهون خالل فصل الشتاء لصيد‬
‫إلشعال النار‪ ،‬وكانوا يف بعض األحيان يطبخون‬ ‫ال��ف��ق��م��ات‪ ،‬أم���ا بقية ف��ص��ول ال��س��ن��ة فكانوا‬
‫اللحم على املصابيح اليت تشعل بالزيت الذي‬ ‫ينقسمون إىل مجاعات أصغر حبثاً عن الكاريبو‬
‫يستمدونه من شحوم الفقمات أو ثدييات البحر‬ ‫واألمس��اك والفقمات وأن��واع الصيد األخرى‪،‬‬
‫األخ���رى‪ ،‬وك��ان إع���داد الطعام هب��ذه الطريقة‬ ‫وكانوا يتجهون بأعداد كبرية يف فصلي الصيف‬
‫يستغرق وقتاً طويالً حتى تنضج على احلرارة‬ ‫واخلريف لصيد الكاريبو‪ ،‬والعادات والتقاليد‬
‫الضعيفة املنبعثة من هذه املصابيح‪ ،‬ويأكلون‬ ‫هي اليت كانت حتكم حياة اإلسكيمو ال القوانني‪،‬‬
‫ع��دة وج��ب��ات صغرية يف ال��ي��وم ع��ادة وإضافة‬ ‫وحياول اإلسكيمو جتنب اجملادالت واخلالفات‪،‬‬
‫إىل حل��وم الفقمات وال��ك��اري��ب��و‪ ،‬ف��إن م��ن بني‬ ‫ولكن إذا ما نشب نزاع بني رجلني‪ ،‬على سبيل‬
‫الفظ) الشبيه‬‫ِّ‬ ‫املفضلة كبد الولرس(‬ ‫ّ‬ ‫وجباهتم‬ ‫امل��ث��ال‪ ،‬فقد يتقاتالن لتسوية ه��ذا ال��ن��زاع أو‬
‫بالفقمة وجلود احليتان‪ ،‬ويفضل اإلسكيمو أكل‬ ‫يُسوَّى عن طريق إقامة مباراة بينهما الختبار‬
‫حمتويات معدة الكاريبو اليت هتضم بعد‪ ،‬كما‬ ‫قدرة حتمّل كل منهما‪ ،‬وال��ذي يفقد سيطرته‬
‫كانوا يشربون حساءً مصنوعاً من خليط املاء‬ ‫خيسر املباراة‪ ،‬وقد يأمر كبار السن والعقالء‬
‫احلار ودماء الفقمات‪.‬‬ ‫بإعدام شخص ما إذا ارتكب جرمية قتل أو أي‬
‫وك��ان��وا يصنعون املصابيح وأوان���ي الطهو‬ ‫جرمية أخرى مماثلة‪.‬‬
‫من الصخر الناعم ال��ذي يطلق عليه احلجر‬ ‫ويف معظم املناطق‪ ،‬تتكون أسرة اإلسكيمو‬
‫الصابوني‪ ،‬كما استخدموا أطباقاً خشبية‪،‬‬ ‫م��ن ال���زوج وال��زوج��ة واألوالد غ�ير املتزوجني‬
‫ومغارف مصنوعة من العظام‪ ،‬وأكواباً للشرب‬ ‫وزوجاهتم وأوالدهم‪ ،‬يبلغ عدد أفراد مثل هذه‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪178‬‬
‫املناطق يرتدون نوعني من املالبس أثناء الشتاء‪،‬‬ ‫مصنوعة من ق��رون ث�يران املسك واستخدمت‬
‫فيلبسون نوعاً داخلياً ذا فرو يدفئ اجلسم‪ ،‬أما‬ ‫النسوة يف أعماهلن املنزلية سكاكني هاللية‬
‫فرو النوع اخلارجي فيكون للخارج‪ ،‬ويساعد‬ ‫الشكل تسمى أولو‪ ،‬وكانت هذه السكاكني تصنع‬
‫اهلواء املوجود بني النوعني الداخلي واخلارجي‬ ‫من مواد عدة‪.‬‬
‫على احلفاظ على حرارة اجلسم ويسمح للعرق‬ ‫ص��ن��ع اإلس��ك��ي��م��و م�لاب��س��ه��م م���ن جلود‬
‫بالتبخر‪ ،‬ويف األج��واء األكثر دفئاً‪ ،‬كان‬
‫ّ‬ ‫أيضاً‬ ‫احل��ي��وان��ات‪ ،‬ول���ذا تنوعت أش��ك��ال مالبسهم‬
‫اإلسكيمو يلبسون عادة النوع اخلارجي املصنوع‬ ‫من منطقة إىل أخ��رى‪ ،‬ولكن الرجال والنساء‬
‫من جلد الكاريبو أو من جلد الفقمة‪.‬‬ ‫واألطفال يف كل املناطق يلبسون الزي املوحد‬
‫أما بناء بيت الثلج فيستغرق ما يقرب من‬ ‫وه��و س�ترة هبا غطاء للرأس‪ ،‬وس��روال وكساء‬
‫ساعة فقط‪ ،‬يتعاون اثنان يف بنائه‪،‬ويقومان‬ ‫للساق من اجللد واجلوارب واحلذاء‪ ،‬والقفازات‬
‫بتقطيع الثلج‪ ،‬ثم يرصاهنا يف شكل حلزوني‪-‬‬ ‫اليت تكسو األصابع األربعة معاً‪ ،‬وتكسو اإلهبام‬
‫أي على هيئة دوائر تصغر تدرجيياً كلما ارتفعت‬ ‫مبفرده‪ ،‬وهم يرتدون نظارات واقية مصنوعة‬
‫إىل أعلى ‪ ،‬وهذه البيوت منها ما هو دائم ومنها‬ ‫من اخلشب أو العظم لتقليل أشعة الشمس‬
‫ما هو مؤقت‪ ،‬فإسكيمو وسط كندا وجزر كندا‬ ‫املنعكسة على اجلليد‪ ،‬وهبذه النظارات فتحات‬
‫الشمالية فقط يقطنون ه��ذه البيوت بشكل‬ ‫صغرية يستطيع املرء أن يرى من خالهلا‪.‬‬
‫دائ���م‪ ،‬والبعض اآلخ��ر يستخدمونه كمالجئ‬ ‫وك��ان��وا يصنعون مالبسهم وأحذيتهم يف‬
‫مؤقتة يستخدموهنا يف أثناء ترحاهلم‪ ،‬وهم يف‬ ‫األغلب من جلود الفقمات والدببة القطبية‬
‫الغالب يعيشون يف بيوت مصنوعة من الطمي‪،‬‬ ‫والثعالب لتميزها بالدفء وخفة الوزن‪ ،‬وكان‬
‫أو يف بيوت مصنوعة من جلد الفقمة أو جلد‬ ‫غطاء ال��رأس والرقبة والكتفني‪ ،‬أم��ا منطقة‬
‫الكاريبو‪.‬‬ ‫ال��وس��ط فكانت تغطى م��ن ف��وق ال��وس��ط إىل‬
‫ويتكون مدخل كثري من بيوت الثلج من‬ ‫أس��ف��ل الركبتني‪ ،‬وك���ان اإلسكيمو يف معظم‬

‫‪179‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫ح��ج��رة خت��زي��ن‪ ،‬أو حجرتني تبنيان فوق‬


‫نفق يف الثلج‪ ،‬وكان اإلسكيمو جيعلون أرضية‬
‫املداخل أقل مستوى من أرضية منزل الثلج‪،‬‬
‫ويصبح اهلواء البارد أكثر دفئاً بعد عبوره هذا‬
‫املمر ثم يصعد حينئذ إىل املنزل ليوفر درجة‬
‫حرارة مرحية لساكين املنزل‪ ،‬أما خروج اهلواء‬
‫فيكون من فتحة صغرية توجد يف السقف‪.‬‬
‫أما صناعة القوارب لديهم فقد كان يتطلب‬
‫كثرياً من املهارة والصرب‪ ،‬وبعد أن يقوم اإلسكيمو‬
‫ببناء اهليكل القوي اخلفيف الوزن من اخلشب‪،‬‬
‫يغطونه جبلد عجل البحر أو جلد الكاريبو‪.‬‬
‫وكانوا يستخدمونه للتنقل يف املاء‪ ،‬وأما على‬
‫الثلج فقد استخدموا ال��زالج��ات ال�تي جترها‬
‫يف مثل هذه املناطق‬ ‫الكالب وهي على نوعني‪ ،‬الزالجات املصنوعة‬
‫وك��ان��وا يصطادون الفقمات والكاريبو يف‬ ‫م��ن أل���واح اخل��ش��ب‪ ،‬وال��زالج��ات ذات اهلياكل‬
‫امل��ق��ام األول‪ ،‬وك��ان��وا ي��ص��ط��ادون أي��ض�اً ثريان‬ ‫اخلشبية‪ ،‬وكانت الزالجات املصنوعة من ألواح‬
‫املسك‪ ،‬والدببة القطبية‪ ،‬واحليتان‪ ،‬والطيور‪.‬‬ ‫اخلشب ‪ ،‬وكانوا يستخدموهنا يف كل من كندا‬
‫أما أدواهتم يف الصيد ما يُسمى( احلربون)‬ ‫وغرينالند تشبه السلّم الطويل‪ ،‬وتتكون من‬
‫وهو رمح يستخدم لصيد احليتان‪ ،‬وكانت هذه‬ ‫قطعتني طويلتني تفصل بينهما سلسلة من‬
‫ال��رم��اح ذات رؤوس حجرية أو عظمية‪ ،‬أما‬ ‫القطع اخلشبية العرضية‪ ،‬وأما الزالجات ذات‬
‫قصبة الرمح فكانت تُصنع من اخلشب أو من‬ ‫اهلياكل اخلشبية واملستخدمة يف كل من أالسكا‬
‫قرون الوعل‪ ،‬وكان احلربون يصمم حبيث يُربط‬ ‫وسبرييا فكانت هياكلها تشبه السلة ومتيل إىل‬
‫رأسه إىل القصبة حببل طويل‪ ،‬ثم ينفصل عن‬ ‫أعلى من األمام وتأخذ يف االحندار حتى مؤخرة‬
‫القصبة عندما يصيب احلربون أحد الفقمات‪،‬‬ ‫الزالجة‪.‬‬
‫وكان اإلسكيمو يصطادون برماح ذات رؤوس‬ ‫يقوم اإلسكيمو يف كل من كندا وغرينالند‬
‫متعددة أو بصنارة الصيد املصنوعة من العظم‬ ‫بربط كالهبم يف الزالجة خبيطٍ منفصل حبيث‬
‫أو م��ن ق���رون ال��وع��ل‪ ،‬واس��ت��خ��دم اإلسكيمو‬ ‫تبدو فرقة الكالب وهي تقوم بسحب الزالجة‪،‬‬
‫الشباك يف صيد األمس��اك يف كل من أالسكا‬ ‫أم���ا اإلس��ك��ي��م��و يف ك��ل م��ن أالس��ك��ا وسبرييا‬
‫وسيبرييا‪ ،‬وكانوا يصطادون األمساك طوال أيام‬ ‫فيقومون بربط ال��ك�لاب يف ال��زالج��ة أزواج���اً‬
‫السنة من خالل فتحات يف الثلج‪ ،‬ويف فصل‬ ‫يف ص��وف واح��د ويف خيط واح���د‪ ،‬وحيتفظ‬
‫الصيف يصنعون عوائق أو سدوداً من األحجار‬ ‫اإلسكيمو أيضاً بعدد من الكالب حبيث ميكنهم‬
‫يف جماري األهن��ار واجل��داول حلبس األمساك‬ ‫تغذيتها‪ ،‬ولذلك جند أن املناطق اليت يندر فيه‬
‫وصيدها‪.‬‬ ‫الصيد ال يستطيع اإلسكيمو فيها إطعام أكثر‬
‫ً‬
‫كان لوفاة أحد اإلسكيمو طقوسا خاص ًة‪،‬‬ ‫من كلب أو كلبني بينما جند أن اإلسكيمو الذين‬
‫فكانوا يف معظم املناطق يلفون اجلثمان جبلود‬ ‫يعيشون يف املنطقة الواقعة شرق كندا ميكنهم‬
‫احليوانات‪ ،‬ثم يسحبونه إىل التندرة( السهل‬ ‫إطعام عشرة كالب أو أكثر حيث يتوفر الصيد‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪180‬‬
‫وش��د احلبل واخ��ت��ب��ارات ال��ق��وة األخ���رى‪ ،‬كما‬ ‫األجرد يف املنطقة القطبية) وحييطونه بدائرة‬
‫عشقوا أي��ض �اً ت��أدي��ة ح��رك��ات على حبل من‬ ‫من األحجار‪ ،‬وكانوا يضعون أدواته ومتعلقاته‬
‫اجللد مشدود بني جدران البيت من الداخل‪،‬‬ ‫جب��وار اجلثة لكي تستخدمها ال��روح‪ -‬حبسب‬
‫وكانوا يستمتعون بالغناء وسرد القصص عن‬ ‫معتقداهتم‪ -‬يف العامل اآلخ��ر‪ ،‬وتضم مجاعة‬
‫أبطال أسطوريني ويعشقون الرقص على دقات‬ ‫اإلسكيمو عادة رجالً أو امرأة يعتقد أن لديه‬
‫الطبول‪.‬‬ ‫ال��ق��درة على االت��ص��ال ب�����األرواح‪ ،‬وك���ان هذا‬
‫وكانت لإلسكيمو لغة خاصة هبم ‪ ،‬تنوعت لكن‬ ‫الشخص يدعى أجن��ات��ك��وك عند اإلسكيمو‪،‬‬
‫يف حدود ضيقة حسب املناطق‪ ،‬ولكن اإلسكيمو‬ ‫وشامان عند البيض‪ ،‬وحياول شامان أن جيلب‬
‫يف مشال شرقي سيبرييا وجنوبي أالسكا‪ -‬مبا‬ ‫هل��م الطقس اجل��ي��د‪ ،‬وي��ع��اجل امل��رض��ى ويزيد‬
‫فيها جزر أالسكا‪ -‬كانوا يتحدثون لغات عديدة‬ ‫من حصيلة الصيد‪ ،‬ويأتي باحلظوظ الطيبة‬
‫ختتلف كثرياً فيما بينها كما ختتلف عن لغات‬ ‫األخرى‪.‬‬
‫سائر اإلسكيمو‪.‬‬ ‫ساعدت ممارسة األلعاب اإلسكيمو على‬
‫وحت����اول ب��ع��ض احل��ك��وم��ات م��ث��ل االحت���اد‬ ‫ق��ض��اء س��اع��ات طويلة خ�لال ظلمة الشتاء‬
‫السوفيييت والواليات املتحدة األمريكية بتحسني‬ ‫احلالكة‪ ،‬ويف إحدى هذه األلعاب اليت تسمى‬
‫حياة تلك اجملموعات وتوفري الرعاية الصحية‬ ‫جناجاكتوك ويقوم الالعبون مبحاولة مترير‬
‫واإلس��ك��ان والتعليم‪ ،‬وقامت تلك احلكومات‬ ‫القصبة عرب فتحة يف أحد العظام املعلّقة يف‬
‫بإعداد برامج لتحسني ظروف احلياة لإلسكيمو‬ ‫خيط يتدىل من السقف‪ ،‬وأول شخص يتمكن‬
‫ورغ��م ه��ذا‪ ،‬ال ي��زال الكثري منهم يعيشون يف‬ ‫من ذلك يكسب اللعبة‪.‬‬
‫فقر‪.‬‬ ‫وكان الرجال يستمتعون بألعاب املصارعة‬
‫املراجع واملصادر‬

‫‪ -1‬اجلغرافية احلضارية‪ ،‬د‪ .‬يسرى اجلوهري‪ ،‬مركز اإلسكندرية للكتاب ‪ 46‬شارع د‪ .‬مصطفى‬
‫مشرفة‪.1999 ،‬‬
‫‪ -2‬جغرافية العامل‪ ،‬دراسة إقليمية‪ ،‬د‪ .‬حممد السيّد غالب‪،‬اجلزء الثالث العامل اجلديد ‪،1966‬‬
‫مكتبة االجنلو املصرية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -3‬جغرافية املناخ والنبات‪ ،‬د‪ .‬يوسف عبد احلميد فايد‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫‪ -4‬موسوعة العامل‪ ،‬الطبعة العربية‪ ،‬مكدونلد الشرق األوسط ‪ ،‬ش‪،‬م‪،‬م‪ ،1981،‬مؤسسة نوفل‪ ،‬بريوت‬
‫لبنان‪.‬‬
‫‪ -5‬املوسوعة‪ ،‬عربية عاملية مصوّرة باأللوان اجمللد السابع املشرف العام‪ ،‬أ‪.‬نقوال ناهض باإلضافة‬
‫إىل جلان علمية واستشارية الطبعة األوىل‪.1985 ،‬‬
‫‪ -6‬موسوعة احليوان‪ ،‬دار قتيبة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬جمموعة من املؤلفني‪ ،‬بال تاريخ‪.‬‬
‫‪ -7‬موسوعة الطبيعة‪ ،‬الطبعة العربية‪ ،‬مكدونلد الشرق األوسط‪1983،‬مؤسسة نوفل‪،‬بريوت لبنان‪.‬‬
‫املواقع اإللكرتونية‬
‫‪.www. majddoc.com‬قناة اجملد الوثائقية‬
‫‪ www.abowael.com‬املوسوعة الثقافية‬
‫‪www.alwael.com‬‬
‫‪ www.annabaa.org‬شبكة النبأ املعلوماتية‬

‫‪181‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫االكتئاب‬
‫قصة الصراع بين اليأس واألمل‬
‫د ‪ .‬أكرم أدريس‬
‫عرض سالم مراد‬

‫سرعة الزمن وما يرافقها من تقلبات ضاغطة‬ ‫يُ��ع�دّ االكتئاب م��ن أكثر األمراض‬
‫على الروح واجلسد‪ .‬وتشري الدراسات النفسية‬ ‫العصرية‪ ،‬انتشاراً‪ .‬وأسبابه كثرية‬
‫والطبية‪ ،‬إىل أن عدداً كبرياً من البشر مصابون‬ ‫وخمتلفة‪ ،‬نذكر منها‪ :‬قسوة احلياة‬
‫باالكتئاب‪ .‬وتؤكد إحدى اإلحصائيات‪ ،‬أن هناك‬ ‫واإلرهاق يف العمل ووطأة املتطلبات املعيشية‪.‬‬
‫‪ /250/‬مليون مصابٍ هبذا املرض‪ .‬وهم بالتايل‬ ‫وال��ع�لاق��ات ال��ع��اط��ف��ي��ة‪ ،‬وم���ا ينتج عنها من‬
‫ينقلون كآبتهم إىل أكثر م��ن ‪ /500/‬مليون‬ ‫اضطراب وخيبة أم��ل‪ .‬وهناك سبب آخر هو‬

‫صدر هذا الكتاب عن دار الفكر بدمشق ‪2008‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد الرابع ‪/‬تشرين الثاني ‪ -‬نوفمرب ‪2008 /‬‬ ‫‪182‬‬
‫وم��ع��ان��اة نفسية‪ .‬وخلص الكاتب إىل نتيجة‬ ‫شخص عن طريق االحتكاك هبم أو معايشتهم‪.‬‬
‫مفادها أن النساء أكثر استجابة للعالج‪ ،‬وذلك‬ ‫يف ك��ت��اب ص���ادر ع��ن دار ال��ف��ك��ر بدمشق‬
‫ألهنن يفصحن عن إصابتهن أكثر من الرجال‬ ‫عنوانه (االك��ت��ئ��اب قصة ال��ص��راع ب�ين اليأس‬
‫ويكثرن من الشكوى والتذمر‪ .‬كما يلجأن إىل‬ ‫واألم��ل)‪ ،‬يبني كاتبه الدكتور أكرم إدري��س‪ ،‬أن‬
‫البكاء وسحّ الدموع‪ ،‬اليت تساعد يف طرح املواد‬ ‫النساء املصابات باالكتئاب أكثر عدداً مبرتني‬
‫الكيمائية املولدة لالكتئاب والناجتة عن التوتر‪.‬‬ ‫من الرجال‪ ،‬وغالبيتهن من املتزوجات‪ .‬وتوصل‬
‫وأظهرت الدراسات احلديثة أن املضطربني‬ ‫الباحث أيضاً إىل أن النساء اللواتي ولدن بعيد‬
‫عاطفياً واحلساسني وسريعي االنفعال‪ ،‬هم‬ ‫منتصف ال��ق��رن العشرين‪ ،‬ه��ن أكثر عرضة‬
‫أكثر املصابني مبرض االكتئاب‪ .‬كما يقع فريسة‬ ‫لإلصابة هبذا املرض‪.‬‬
‫لالكتئاب أناس حيبون اخلري والفضيلة ويسعون‬ ‫وق��د ت��ع��ود زي���ادة امل���رض ب�ين ال��ن��س��اء‪ ،‬إىل‬
‫إىل تصحيح أوض��اع قائمة ال تعجبهم‪ ،‬لكنهم‬ ‫االضطرابات اهلرمونية ال��دوري��ة ال�تي ترافق‬
‫غالباً ما يفشلون‪ .‬فينطوون على ذواهتم‬ ‫مرحليت اإلخصاب واليأس‪ .‬وإىل عمل املرأة‬
‫خيبة وحسرة‪ ،‬وكأهنم مسؤولون عن كل‬ ‫خارج املنزل وما يرتتب عليه من إرهاق جسدي‬

‫‪183‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد الرابع ‪/‬تشرين الثاني ‪ -‬نوفمرب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫ما جيري حوهلم من أخطاء‪.‬‬


‫وي��رى الباحثون أن ال��ك��وارث الطبيعية من‬
‫زالزل وفيضانات وما ينتج عنها من خسائر‬
‫مادية وفقد ألهل وأحبة‪ ،‬هي أحد املسببات‬
‫مبرض االكتئاب‪ .‬ففراق األحبة صعب واالبتعاد‬
‫عن البيت والوطن مدمر وصاعق‪ .‬وال ضري يف‬
‫أن نستعيد ع��دداً من األسباب اليت تؤدي إىل‬
‫االكتئاب أو تسهم يف حدوثه‪:‬‬
‫‪ - 1‬االنفعال‪.‬‬
‫‪ - 2‬وفاة شخص عزيز‪.‬‬
‫‪ - 3‬الفصل من العمل‪.‬‬
‫‪ - 4‬اإلص��اب��ة ب��أم��راض خطرية مزمنة‪ ،‬أو‬
‫اخلوف من اإلصابة هبا‪.‬‬
‫‪ - 5‬التقاعد عن العمل‪.‬‬
‫‪ - 6‬امل��ش��اك��ل اجل��ن��س��ي��ة ع��ن��د ال���رج���ال‬
‫وصعوباهتا‪.‬‬
‫‪ - 7‬تغيري مكان العمل‪.‬‬
‫‪ - 8‬امل��ت��ط��ل��ب��ات امل���ادي���ة ل��ش��راء م��ن��زل أو‬
‫تأسيسه‪.‬‬
‫‪ - 9‬مصاريف دراسة األوالد يف اجلامعات‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد الرابع ‪/‬تشرين الثاني ‪ -‬نوفمرب ‪2008 /‬‬ ‫‪184‬‬
‫واملدارس‪.‬‬
‫‪ - 10‬سفر األوالد للعمل خارج القطر‪.‬‬
‫‪ - 11‬االزدحام والضجيج‪.‬‬
‫‪ - 12‬اإلخفاق يف احلب وهجر احلبيب‪.‬‬
‫أما العبقرية‪ ،‬فقد ربط كثري من املفكرين‬
‫والباحثني بينها وبني مرض االكتئاب‪ .‬وعندما‬
‫بالغوا‪ ،‬ربطوا العبقرية باجلنون أيضاً‪ .‬وبُعدّ‬
‫الشاعر الفرنسي المارتني العبقرية وما فيها‬
‫السياسيني هم أكثر قلقاً من غريهم‪ .‬ويف ظن‬ ‫من إب��داع ومج��ال‪ ،‬ضرباً من اجل��ن��ون‪ .‬ورمبا‬
‫الدكتور إدريس أن مصدر هذا النوع من القلق‪،‬‬ ‫تكون هذه الفكرة امتداداً للفكرة اإلغريقية اليت‬
‫يعود إىل الضغوط النفسية اليت تفرضها طبيعة‬ ‫تقول إن الشاعر أو الفنان يكون يف أثناء إنتاج‬
‫العمل‪.‬‬ ‫الشعر أو الفن يف حالة من التلبس الشيطاني‪.‬‬
‫وت��ش�ير اإلح��ص��ائ��ي��ات ال�ت�ي ت��وص��ل إليها‬ ‫أو مل تقل العرب قدمياً‪ ،‬ب��أن اجل��ن يف وادي‬
‫بوست إىل أن االكتئاب يصيب ‪ %70‬من الكتاب‬ ‫عبقر هم الذين يلهمون الشعراء قصائدهم؟‪.‬‬
‫وال��روائ��ي�ين‪ ،‬و‪ %42‬م��ن الفنانني‪ ،‬و ‪ %41‬من‬ ‫وقد خالف املفكر (فرنسيس جالتون) الرأي‬
‫املوسيقيني‪ ،‬و ‪ %36‬من املفكرين‪ ،‬و ‪ %34‬من‬ ‫السابق وأن��ك��ره‪ ،‬وق��ال إن العبقرية هي نتاج‬
‫العلماء‪ .‬وأوضح بوست أن فرتات االكتئاب يف‬ ‫الوراثة‪ .‬وما وجود العبقرية واإلبداع يف بعض‬
‫حياة هؤالء كانت متكررة ومرتددة وقصرية املدة‬ ‫األسر‪ ،‬إال دليل على ذلك‪.‬‬
‫مل تتجاوز من أسبوعني إىل أربعة أسابيع‪.‬‬
‫إن االض��ط��راب ال��وج��دان��ي يشيع‬
‫يف حني كانت حاالت الفصام والذهان‪ ،‬قليلة‬
‫بالفعل بين المبدعين والعباقرة‪،‬‬
‫للغاية‪ .‬واالنتحار مل حيدث إال يف أربع أو مخس‬
‫ولكن االض��ط��راب النفسي أحيان ًا‬
‫حاالت من ‪( 291‬العينة اليت درسها) وهي‪:‬‬ ‫ي��ع��وق اإلب����داع الفني والعلمي‬
‫‪ 1‬ـ فان كوخ‪ ،‬وهو رسام هولندي وعبقري‬
‫مشهور‪ ،‬ع��اش ب�ين األع���وام ‪ 1853‬ـ ‪.1890‬‬ ‫وج���اء ال��ع��امل (س��ل��ف��ات��و آري��ت�ي)‪ ،‬ليدحض‬
‫تأرجحت نفسيته بني االبتهاج واملديح واحلماسة‬ ‫ال��رأي�ين ال��س��اب��ق�ين‪ ،‬وي��ق��ول‪ :‬إن االضطراب‬
‫والبؤس العميق واليأس القاتل‪ .‬أدخل إىل إحدى‬ ‫الوجداني يشيع بالفعل بني املبدعني والعباقرة‪،‬‬
‫املصحات‪ ،‬وعشية عيد امليالد عام ‪ ،1888‬قطع‬ ‫ولكن االضطراب النفسي أحياناً يعوق اإلبداع‬
‫جزءاً من أذنه اليسرى وأرسلها إىل حبيبته‪ .‬ويف‬ ‫الفين والعلمي‪ .‬وعليه فاملبدع يكون يف أحسن‬
‫عام ‪ ،1890‬انتحر بإطالق النار على نفسه‪.‬‬ ‫حاالته وأفضل إنتاجه يف الفرتات اليت ختف‬
‫‪ 2‬ـ تشايكوفسكي‪ ،‬وهو موسيقي روسي ذائع‬ ‫فيها التوترات‪ ،‬وعندها يكون يف أفضل حاالته‬
‫الصيت وصاحب حبرية البجع‪ .‬تبني أنه مات‬ ‫الصحية بدنياً ونفسياً‪.‬‬
‫جبرعة من السم إثر نوبة اكتئاب حادة‪ ،‬وليس‬ ‫ومن الدراسات الشهرية اليت درست العالقة‬
‫مبرض الكولريا كما أشيع‪.‬‬ ‫بني العبقرية واالكتئاب‪ ،‬دراسة أجراها (بوست‬
‫‪ 3‬ـ بولتزمان‪ ،‬وه��و مبدع وع���امل‪ ...‬انتحر‬ ‫على ‪ /219/‬عبقرية من املشاهري يف جماالت‬
‫نتيجة إص��اب��ت��ه ب��امل��ت�لازم��ة اهلوسية‬ ‫السياسة واألدب واإلب����داع ال��ف��ك��ري والفين‬
‫االكتئابية أو م��ا يسمى باالضطراب‬ ‫والعلمي واملسرحي‪ ،‬فجاءت النتيجة أن القادة‬

‫‪185‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد الرابع ‪/‬تشرين الثاني ‪ -‬نوفمرب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫الثنائي القطب‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ آرنست مهنغواي‪ ،‬روائي أمريكي مشهور‬
‫من مؤلفاته الشيخ والبحر والفردوس املفقود‪.‬‬
‫عانى من نوبات اكتئاب متكررة ومن إدمان على‬
‫الكحول‪ .‬انتحر عام ‪ ،1956‬بإطالق النار على‬
‫رأسه‪.‬‬
‫وقد الحظ بوست‪ ،‬أن نسبة االنتحار بني‬
‫العباقرة واملشاهري هي ‪ %1.6‬فقط‪ .‬وهي أقل‬
‫من نسبة املنتحرين من الناس العاديني واليت‬
‫تبلغ ‪ %1.88‬ـ ‪ .%2.7‬ويؤكد أن املبدعني على‬
‫الرغم من حاالت االكتئاب ميتازون عن الناس‬
‫العاديني جبديتهم يف العمل ومثابرهتم عليه‪ .‬وأن‬
‫الح��ظ ب��وس��ت‪ ،‬أن نسبة االنتحار‬
‫بين العباقرة والمشاهير هي‬
‫‪ %1.6‬فقط‪ .‬وهي أقل من نسبة‬
‫المنتحرين م��ن ال��ن��اس العاديين‬
‫وال��ت��ي تبلغ ‪ %1.88‬ـ ‪.%2.7‬‬
‫املكتئبني يف غالبيتهم‪ ،‬هم من أصحاب الضمري‬
‫احل��ي احلساس املفعم إنسانية وغريية على‬
‫اجملتمع؛ وأوضح بوست أن املبدعني استمروا‬
‫يف العمل بالرغم من االكتئاب واحلاالت الصعبة‬
‫اليت عانوها‪ ،‬بينما كبَّل االكتئاب غريهم من‬
‫الناس العاديني‪.‬‬
‫تناول الباحث شخصية أبي العالء املعري‬
‫وتوصل إىل نتيجة أن أب��ا العالء ك��ان مصاباً‬
‫بنمط من أمناط االكتئاب‪ ،‬ومن أسباب اكتئابه‬
‫فقدانه البصر يف الرابعة من عمره‪ ،‬بسبب‬
‫إصابته باجلدري‪ ،‬ما أ َّثر يف حياته تأثرياً بالغاً‪،‬‬
‫فرتاه دائم اللوم لنفسه‪ ،‬ناقماً‪ ،‬شاكياً من احلياة‬
‫وأشكاهلا‪ ،‬فتتساوى عنده األشياء فالفرح يشبه‬
‫احل��زن‪ ،‬وال��ي��أس يشبه األم��ل‪ ،‬وص��وت النعي‬
‫يشبه صوت البشري‪ ،‬واحلياة تعب ال قيمة هلا‪.‬‬
‫يقول أبو العالء‪:‬‬
‫أراني يف الثالثة من سجوني‬
‫فال تسأل عن اخلرب النبيث‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد الرابع ‪/‬تشرين الثاني ‪ -‬نوفمرب ‪2008 /‬‬ ‫‪186‬‬
‫والقيام والقعود واحلركة ويف أثناء العمل‪.‬‬ ‫لفقدي ناظري ولزو ِم بييت‬
‫كما أن قراءة القرآن الكريم أو االستماع إليه‪،‬‬ ‫وكون النفس يف اجلسد اخلبيث‬
‫هلا مفعول السحر يف إشراق الروح‪ ،‬وزوال الغمّ‪،‬‬ ‫وقال أيضاً‪:‬‬
‫وتفريج الكروب‪ ،‬والشعور بالسرور والقرب من‬ ‫غري جمدٍ يف م ِّليت واعتقادي‬
‫نوحُ باكِ وال تر ُّنم شادي اهلل‪.‬‬
‫فاإلنسان املكتئب وبعد العالج الدوائي‪ ،‬عليه‬ ‫وشبيه صوت النّعي إذا قيس‬
‫ِّ‬
‫بصوت البشري يف كل نادي أن يتأمل‪ ،‬ويعلم أن الدنيا ماضية ذاهبة ال بقاء‬
‫تعبٌ كلها احلياة فما أعجب‬
‫إال من راغبٍ يف ازديادِ‬

‫العالج الروحاني لالكتئاب‬


‫إن الدواء هو مفتاح العالج األول لالكتئاب‪،‬‬
‫ول��ك��ن��ه وح���ده غ�ير ك����افٍ‪ ،‬وم���ن ط���رق العالج‬
‫الروحاني‪ ،‬تعلّم االس�ترخ��اء‪ ،‬وتغيري العادات‪،‬‬
‫وتعلّم األمل‪ ،‬ومكافحة اليأس‪ ،‬والصرب حني تأتي‬
‫النوائب والتعامل معها بروح رياضية عالية‪.‬‬
‫املكتئب هو إنسان تزعزعت ثقته‪ ،‬واحتار يف‬
‫أم��ره‪ ،‬وانعدم أمله يف املستقبل‪ ،‬لذلكَ حيتاج‬
‫مريض االكتئاب إىل عالج روحاني يعيد له ثقته‬
‫بنفسه‪ ،‬وجيب أن يعلم املريض أن اهلل مل خيلقه‬
‫عبثاً‪ ،‬وامل��رض هو ابتالء واختبار ملدى صربه‬
‫على الشدائد‪ ،‬ويؤجر على التحمل والصرب؛‬
‫هلا‪ ،‬وأهنا دار بالء وأهنا م ّكارة ال يؤمتن جانبها‪،‬‬ ‫وهذا الصرب ال يقدر بثمن وجزاؤه عظيم تظهره‬
‫وال يطمئن صاحبها‪ ،‬وأن ال���دار اآلخ���رة هي‬ ‫اآلية القرآنية التالية‪:‬‬
‫احلياة فما على اإلنسان إال أن يصرب قليالً ثم‬ ‫َاب]‬ ‫َ‬
‫[إ َّنمَا يُوَ َّفى الصَّابرُونَ أجرَهُم ِب َغيْ ِر حِس ٍ‬
‫يفرح كثرياً ويسعد طويالً‪.‬‬ ‫[الزمر‪.]10 /39 :‬‬
‫ويف حديث الرسول صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫اإلنسان الصابر‪ ،‬ذاق عذاباً عظيماً‪ ،‬ومثل‬
‫الكثري من العزاء ألهل احلزن واالكتئاب‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫صربه يكون أجره عند اهلل بغري حدود‪ ،‬وبشكر‬
‫[ي��ودّ ن��اسٌ ي��وم القيامة لو أجسادهم تقرض‬ ‫اهلل وذكره تطمئن القلوب‪.‬‬
‫باملقاريض أو تنشر باملناشري يف الدنيا ملا يرونه‬ ‫[أَالَ ِبذك ِر ا ِ‬
‫هلل تطمئنُّ ال ُقلُوب]‬
‫من ع َِظ ِم ثواب أهل البالء عند اهلل]‪.‬‬ ‫[الرعد ‪.]28 /13‬‬
‫جي��ب إع��ط��اء ال���روح حقها والتفكري باهلل‬ ‫فعملية الذكر هتدئ النفوس الثائرة‪ ،‬وتشعرها‬
‫وخلقه وذكر اهلل‪ ،‬ونعيد ونقول وخنتم كالمنا‬ ‫بضعفها أمام عظمة اهلل‪ ،‬وتشعر باألمان ورعاية‬
‫بقول اهلل تعاىل‬ ‫اهلل هلا‪ ،‬وبالعناية هبا يف كل طرفة عني‪ ،‬وهو‬
‫[أال بذكر اهلل تطمئن القلوب]‬ ‫دواء نافع ملرضى االكتئاب والناس العاديني‪،‬‬
‫[ الرعد ‪ 13‬ـ ‪.]28‬‬ ‫وه��و يشتمل على الذكر باللسان يف الصالة‬

‫‪187‬‬ ‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد الرابع ‪/‬تشرين الثاني ‪ -‬نوفمرب ‪2008 /‬‬
‫رسوم حسام وهب‬ ‫قصة ‪ :‬لينا كيالني‬

‫يف ذلك احلي الفقري من أحياء العاصمة الكربى تعود األوالد أن جيتمعوا كل مساء ليلعبوا‬
‫بالكرة‪ ،‬فتتعاىل الصيحات‪ ،‬وتتدافع األيدي لتتلقف الكرة‪ ،‬وتتسابق األرجل لتدفع هبا اىل املوقع‬
‫اهلدف‪ .‬وإذا ما فازت جمموعة من األوالد على االخرى وهم ينقسمون اىل فريقني تبدأ اهلتافات‪،‬‬
‫ويعلو الصفري‪ ،‬وقد حتصل بعض اخلالفات‪ ،‬وواحد من أولئك األوالد كان األبرع من بني اجملموعة‬
‫يف لعبة كرة القدم ولكنه يف الوقت نفسه كان األكثر فقراً بينهم‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫أما ذلك الولد الثري السمني فقد تعود‬
‫أن مير من أمام األوالد وهم يلعبون بالكرة‬
‫فيقف متفرجاً دون أن يشاركهم‪ ،‬وإذا ما‬
‫ختلف عن حضور مبارياهتم اليت جيروهنا‬
‫بينهم كانوا يتساءلون‪( :‬أين أبو فروة ملاذا مل‬
‫يأت اليوم؟) وكان هذا هو امسه الذي اشتهر‬
‫به ألنه ال يظهر إال وهو يرتدي سرتة من‬
‫الفرو البين‪ .‬لكن أبو فروة هذا كانت تأخذه‬
‫احلماسة أحياناً فيشارك األوالد لعبهم‪،‬‬
‫وخيتطف النصر لنفسه‪ ،‬ثم يعود أدراجه‬
‫وهو ينظر باستخفاف اىل بطل الفريق‪.‬‬
‫ويف آخر مرة أصبح اجلرح عميقاً لدى‬
‫بطل الفريق عندما هتف األوالد كلهم‪:‬‬
‫(ج���ول‪ ..‬ج��ول أب��و ف���روة)‪ .‬فانسحب بطل‬
‫الفريق وقد علم أن أبو ف��روة هذا يتدرب‬
‫يف ذلك النادي األنيق قريباً من حيث يقطن‬
‫فقرر أن يفعل شيئاً ما‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫وكان أن اختفى بطل الفريق من ساحة احلي وكأنه تركها لغرميه بينما هو التحق بذلك‬
‫النادي‪ ،‬واتفق مع املدرب أن يقدم خدمات للرياضيني مقابل أن يرتكوه يتدرب حسب قوانني‬
‫النادي‪ .‬وكاد أوالد احلارة ينسون بطلهم‪ ،‬وظلوا يلعبون فيما بينهم سواء جاء أبو فروة أم مل‬
‫يأت‪ ،‬حتى كان اإلعالن عن مباراة دخل فيها هذا النادي بأمساء فريقه ومن بينهم بطل احلي‪،‬‬
‫فأثار انتباه األوالد مجيعاً‪ ،‬وقرروا أن يذهبوا حلضور املباراة‬

‫وملا جاء أبو فروة‪ ،‬وكأنه يعلم بكل ذلك‪ ،‬فاحتوه برغبتهم حبضور املباراة‪ ،‬فأسرع ليقول‬
‫هلم إنه هيأ حافلة صغرية هلذا الغرض وكأن األمر مدبر سلفاً‪ .‬ويف الوقت احملدد ذهبوا وهم‬
‫يطلقون األناشيد احلماسية‪ ،‬وأبو فروة اىل جانب السائق املتحمس أيضا للمباراة‪ ،‬والذي‬
‫استغرب أن اجلميع هبطوا بسرعة الربق عندما وصلوا إال أبو فروة الذي أسند رأسه اىل زجاج‬
‫احلافلة بينما صوت املذياع ينقل املباراة دقيقة بدقيقة‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫وملا أوشكت املباراة على االنتهاء تنبه أبو فروة وصاح‪:‬‬
‫ـ جول‪ ..‬جول يا بطل‪.‬‬
‫ومتنى يف نفسه لو أنه رافق األوالد‪ ،‬وشهد هذه حلظات اليت ستمحو من نفسه الندم‬
‫باإلساءة اىل بطل احلي‪ ،‬ولكن الوقت قد فات وما عليه اآلن إال أن ينتظر األوالد حتى‬
‫يعودوا‪ ،‬ورمبا انتهز فرصة اخرى ليسوّي املوضوع بينه وبني بطل احلي‪ .‬لكن املفاجأة كانت‬
‫أكرب عندما رأى األوالد وقد محلوا على أكتافهم بطل احلي وهم يرقصون ويغنون متجهني‬
‫حنو احلافلة‪.‬‬

‫ويف اللحظة احلامسة يف لقاء الطرفني صمتوا مجيعاً منتظرين ماذا سيكون من كل من‬
‫الطرفني‪ .‬فأسرع أبو فروة وعانق بطل احلي مهنئاً‪ ،‬فقال له بطل احلي‪:‬‬
‫ـ أشكرك جداً فأنت طيب القلب ورياضي حقاً ألنك تفعل ذلك‪ ..‬هذا أنت أبو فروة‪.‬‬
‫وضحك اجلميع عندما رد أبو فروة قائالً‪:‬‬
‫ً‬
‫ـ أنا أبو فروة لكنك أنت أصبحت أبو ثروة‪ ..‬أنت ثروة للرياضة وقد علمتين درسا سيفيدني‬
‫يف املستقبل‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫رئيس التحرير‬
‫للقمر مهمات كبرية لصاحل احلياة على األرض ولصاحل العقل البشري‪ ،‬وكذلك فإذا اختفى سيكون‬
‫الوضع غاية يف الصعوبة على األرض‪..‬‬
‫لوال القمر ملا كان هناك كسوف للشمس‪ ،‬فالشمس تنكسف عندما مير القمر بينها وبني األرض‬
‫فيحجب قسماً منها‪ ،‬أو حيجبها كلها عن األرض‪ ،‬يف كسوف جزئي أو كلي‪..‬‬
‫وحني يكون القمر يف أبعد أوضاعه عن األرض ومير قرصه كامالً أمام الشمس يصبح الكسوف حلقياً‬
‫وتظهر من قرص الشمس حلقة مضيئة يف داخلها قرص القمر‪.‬‬
‫أما إذا كان يف أقرب أوضاعه وحجب الشمس كلياً‪ ،‬فإن الكسوف يكون طويالً قد يصل أحياناً إىل‬
‫سبع دقائق‪..‬‬
‫وميكن مالحظة ظل القمر على األرض يف حالة الكسوف التام‪..‬‬
‫كما أن اخلسوف حيدث حني مير القمر يف ظل األرض املخروطي‪ ،‬وهو ظل ميتد وراءها حنو (‪)900‬‬
‫ألف ميل‪..‬‬
‫ً‬
‫لوال القمر أيضا ملا كان هناك خسوف وال كسوف وملا كان هناك شهر قمري‪ ،‬وملا كان تدرج القمر من‬
‫هالل دقيق إىل بدر‪ ،‬ثم من بدر إىل هالل دقيق يعطي هذا املشهد اجلميل املتناغم مع الزمن‪ ،‬للناس‬
‫على األرض ‪..‬‬
‫باستطاعتنا وحنن على األرض أن نرى الفوهات الكبرية على القمر‪ ،‬تلك الفوهات الشبيهة بفوهات‬
‫الرباكني‪..‬‬
‫وختتلف حفر القمر يف حجومها‪ ،‬فكثري منها أصغر من حجم قطعة النقود‪ ،‬يف حني يزيد قطر (ست‬
‫حفر) على األقل عن (‪ )100‬ميل أي يف حجم جزيرة صقلية فعالً‪..‬‬
‫تشكلت هذه الفوهات مع بدايات تشكل القمر‪ ..‬حيث كان يتعرض الرتطامات هائلة من أجسام كونية‬
‫مفتتة‪..‬‬
‫عندما هبط رواد الفضاء بالسفينة أبوللو ( ‪ )11‬ثم (‪ )12‬وقاموا بوضع أجهزة لقياس الزالزل على‬
‫القمر‪ ،‬وبدأت هذه األجهزة بإرسال اإلشارات لألرض دهش العلماء من أصوات النيازك الضخمة اليت‬
‫ترتطم بالقمر ووصل قطر بعضها عشرة أمتار‪..‬‬
‫هذا السقوط النيزكي على القمر يصل ذروته عند هناية شهر حزيران عندما متر األرض والقمر من‬
‫خالل بقايا مذنب‪ ..‬تستقبل األرض العديد منها ولكنها حترق الغالبية العظمى يف غالفها اجلوي‪ .‬أما‬
‫على القمر وهو دون غالف جوي فهي ترتطم بسطحه حبرية‪ ..‬دون عوائق‪..‬‬
‫هناك حفر قليلة بقطر (‪ )100‬مرت وحفر أكثر بقطر عشرة أمتار‪ ،‬وآالف احلفر بقطر مرت واحد‪..‬‬
‫وتستمر احلفر النيزكية بالتكاثر على القمر تاركة هذه الندوب اليت ميكن رؤية بعضها مبنظار فلكي‬
‫عادي‪..‬‬
‫وهي تدل داللة واضحة على نشاط األجسام اجلوالة يف اجملموعة الشمسية اليت تتصادم مع بعضها‬
‫أحياناً وترتطم أحياناً أخرى بالكواكب وتوابعها‪ ،‬تاركة هذه اآلثار الكبرية‪...‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العددان السابع والثامن ‪/‬شباط ‪ -‬آذار ‪2009 /‬‬ ‫‪192‬‬

You might also like