You are on page 1of 44

‫مجلة‬

‫جامعة ابن رشد في هولندا‬


‫دوريّة علمية مح َّكمة تصدر فصليّا‬
‫هيأة التحرير‬
‫أ‪.‬د‪ .‬تيسير عبدالجبار اآللوسي‬ ‫رئيس التحرير‬
‫أ‪.‬د‪ .‬عبداإلله الصائغ‬ ‫نائب رئيس التحرير‬
‫أ‪.‬د‪ .‬محمد عبدالرحمن يونس‬ ‫سكرتير التحرير‬

‫أعضاء هيأة التحرير‬


‫الدكتور معتز عناد غزوان‬
‫الدكتورة صفا لطفي‬
‫الدكتور صالح كرميان‬
‫الدكتور جميل حمداوي‬
‫الدكتور إدريس جرادات‬

‫عنوان المراسلة‬
‫‪Brahmalaan 18, 3772 PZ, Barneveld‬‬
‫‪The Netherlands‬‬
‫‪Website www.averroesuniversity.org‬‬
‫‪E-mail ibnrushdmag@averroesuniversity.org‬‬
‫‪Telefax: 0031342846411‬‬
‫السجل الضريبي ‪NL242123028B01‬‬ ‫‪-‬‬ ‫رقم التسجيل في هولندا ‪08189752‬‬
‫البحوث المنشورة يجري تقويمها‬
‫أساتذة متخصصون‪.‬‬
‫الهيأة االستشارية‬
‫المملكة المتحدة‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬جميل نصيف‬
‫أذربيجان‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عايدة قاسيموفا‬
‫الجزائر‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عميراوي احميده‬
‫العراق‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬جالل الزبيدي‬
‫الواليات المتحدة األمريكية‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬محمد عبدالعزيز ربيع‬
‫العراق‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬ضياء غني العبودي‬
‫األردن‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬خليف مصطفى غرايبة‬
‫العراق‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬حسين األنصاري‬
‫الجزائر‬ ‫أ‪.‬م‪.‬د‪ .‬عايدة حوشي مرزق‬
‫األردن‬ ‫أ‪.‬م‪.‬د‪ .‬محارب الصمادي‬
‫المغرب‬ ‫أ‪.‬م‪.‬د‪ .‬مليكة ناعيم‬

‫ثمن العدد ‪ 10‬يورو أو ما يعادلها بالدوالر األمريكي‬


‫المؤسسات‬ ‫األفراد‬ ‫االشتراك السنوي‬
‫‪80‬‬ ‫‪60‬‬ ‫لمدة سنة‬
‫‪150‬‬ ‫‪110‬‬ ‫لمدة سنتين‬
‫‪200‬‬ ‫‪160‬‬ ‫لمدة ثالث سنوات‬

‫حقوق الطبع والنشر محفوظة لجامعة ابن رشد في هولندا‬


‫تموز يوليو ‪2018‬‬ ‫العدد ‪27‬‬
‫الفهرس‬
‫ص‪.‬‬
‫أ‪ ،‬ب‬ ‫مفتتح‬
‫‪1‬‬ ‫األدب وعلوم اللغة و الفلسفة‬
‫‪2‬‬ ‫ّ‬
‫المتنبـي راويـا والروائـي محققـــا ‪ :‬الشكل التراث ّي الفني في‬
‫ي محمد‬ ‫رواية "من أوراق أبي الطيب المتنبي" للروائي المصر ّ‬
‫جبريل الدكتورة سميـة سليمـان الشوابكـة والدكتورة نـوال عبد‬
‫الرحمن الشوابكة‬
‫‪45‬‬ ‫ب \ دراســـَـــــــة‬
‫ق وال َمغ ِر ِ‬
‫فاضل ِة بَينَ ال َمش ِر ِ‬
‫ب الم َ‬ ‫نَما ِذج ِمن أ َد ِ‬
‫تحليليـــَّـــــة نقديـــَّــــة الدكتور ع َّمار عبد القادر مح َّمد ِشبلي‬
‫‪62‬‬ ‫َمنزلة ا ِإلفهام في َمعايير ال ِكفاية التواصليّة لَدى متعلِمي اللّغة‬
‫َير أبنا ِئها الدكتور‪ .‬نزار قبيالت والدكتور غازي‬ ‫العربيّة ِمن غ ِ‬
‫ابو حاكمة‬
‫‪93‬‬ ‫الحضارة والتاريخ‬
‫‪94‬‬ ‫انعكاسات هجرة العمال الجزائريين نحو فرنسا خالل الحرب‬
‫الدكتور بشير فايد أ‬ ‫العالمية األولى‬
‫‪115‬‬ ‫علم الجمال‪ ،‬الفلسفة واللغة‬
‫‪116‬‬ ‫تضايف الفلسفة واألدب "كتابات الجاحظ أنموذجا" الدكتورة‬
‫فريدة أولمو‬
‫‪138‬‬ ‫االقتصاد و إدارة االعمال‬
‫‪139‬‬ ‫أثر تقلبات أسعار البترول على الناتج المحلي اإلجمالي في‬
‫الجزائر \ خالل الفترة ( ‪1970‬ـــــ ‪ )2016‬الدكتور بوالكور نورالدين‬
‫‪175‬‬ ‫الشباب الجزائري و المقاوالتية دراسة حالة اجهزة دعم التشغيل‬
‫و إنشاء المؤسسات‪ -‬الدكتور مطاي عبد القادر‬
‫‪199‬‬ ‫دور العالقات العامة في الترويج السياحي معايير مقترحة‬
‫لتطوير السياحة الصحراوية في الجزائر بين معطيات الواقع‬
‫‪ ...‬وطموحات التطوير الدكتور رضوان بلخيري‬
‫‪218‬‬ ‫العلوم النفسية واالجتماعية‬
‫‪219‬‬ ‫القرابة ومحددات السلوك االجتماعي ‪ -‬المصطلح القرابي أنموذجا‬
‫الدكتور مختار منصوري‬
‫‪232‬‬ ‫العلوم السياسية‬
‫‪233‬‬ ‫تفكيك الخطاب الكولونيالي وإسقاط األقنعة الدكتورة فطيمة ديلمي‬
‫* تصميم الغالف الدكتور معتز عناد غزوان‬
‫* لوحتا الغالف للفنان الدكتور بالسم محمد جسام‬

‫مواليد الكوفة عام ‪1958‬‬ ‫الفنان بالسم محمد جسام‬


‫دكتوراه في الفنون التشكيلية – جامعة بغداد عام ‪1999‬‬
‫ماجستير الفنون التشكيلية – جامعة بغداد‬
‫بكالوريوس الفنون التشكيلية – كلية الفنون الجميلة\ جامعة بغداد‬
‫أستاذ و رئيس فرع الكرافيك ‪ -‬كلية الفنون الجميلة‬
‫له العديد من المعارض الشخصية و المشاركات العالمية‬
‫حصل على عدد من الجوائز العالمية والعربية والمحلية‬
‫مفتتح‬
‫تأقلمنا مع مصاعب وعقبات قاسية‪ ،‬ولكننا نواصل بعزيمة‬
‫وإصرار تحدي الظروف بقصد صنع أمل التغيير حيث النجاح في‬
‫تبني طريق الدقة العلمية وسالمة أسس البحث والوصول إلى ما‬
‫لكن زميالتنا وزمالءنا ليسوا أقل أو‬ ‫سبقتنا فيه جهات بحثية عالمية ّ‬
‫أدنى فجهودهم كبيرة ومميزة وترتقي لتلك المكانة وعالمات‬
‫طريقها إلى إنجاز الخطى وإنتاج خطاب العلوم والمعارف برؤى‬
‫ثقافية تنتمي إلى هويات وطنية مخصوصة وتحمل مسؤولية إيجاد‬
‫الحلول لما يجابه مسيرة التطور والتقدم ببلداننا جميعا‪..‬‬
‫يصدر العدد الحالي (‪ )27‬بأمل في المواصلة واالستمرار‪،‬‬
‫وبمحاوالت دائبة من جميع أطراف هيأتي التحرير واالستشارة‬
‫ومؤازريينا في الجهود بتحكيم البحوث وبتقييمها وبوضع لمسات‬
‫األعداد ودفعها إلى ايدي القراء والمتابعين لتبادل الخبرات‬
‫والتجاريب‪ ..‬وما يسرنا أن اشتغاالتنا تمضي بال ادعاءات أو‬
‫تمظهرات إال ما عبر عن الحقيقة والمرتبة التي نحن فيها‪ ..‬وإنه‬
‫لشرف لنا ذياك التقدير لجهدنا المتواضع من أطراف البحث العلمي‬
‫بمحتلف البلدان وجامعاتها‪...‬‬
‫وفي إصدار عدد آخر من دوريتنا العلمية المحكمة نجدد العرفان‬
‫والتقدير لكل من وضع لمسته هنا رمزيا أو فعليا عمليا‪ .‬ونحن‬
‫وبهن وبهم نواصل المسيرة‬ ‫ّ‬ ‫بمجموع هذه الكوكبة موجودون‬
‫التطوعية التعاونية المثابرة في استحداث جديد المنجز العلمي‬
‫ومنطقه العقلي الموضوعي التنويري بفسفته ‪..‬‬
‫إننا نفخر بثباتنا وبتمسكنا بخطاب التنوير على الرغم من تفاقم‬
‫األوضاع وما ربما يمثل ظاهرة لصعود نجم خطابات أخرى‬
‫تحاول فرض وجودها وسطوتها قسرا‪ ..‬ربما يملك خطاب الخرافة‬
‫ومنطقها المال الفاسد والبلطجة وعنفها وأية أدوات أخرى لكننا‬
‫نملك العقل العلمي ومنجزه حصرا ال غير وبه يمكننا إحداث‬
‫التغيير حيث ننهي زمن الجمود والتكلّس والتراجع المعرفي ونطلق‬
‫مهام البناء والتنمية سواء التنمية البشرية وإعمار الروح اإلنساني‬
‫الذي كاد يخرَّب أم البنى والركائز الحياتية في األوطان باختالفها‪..‬‬
‫البحث العلمي وحده هو طريق الحياة اإلنسانية الحرة الكريمة ومن‬
‫هنا نقارع ونكافح من أجل توحيد تلك البحوث ومنجزاتها في‬
‫واحدوالدوريات العلمية وهي علمية بأصول المنجز المرسل إليها‬
‫ليسطع شموسا بهية على صفحاتها‪ ..‬وفي القريب سنكون بين مآثر‬
‫الدوريات األبرز بفضل المحتوى وفلسفته وتوجهاته‪..‬‬
‫بالمناسبة‪ ،‬نجدد التوكيد على اعتذارنا للبحوث المطولة ولتلك التي‬
‫تفتقر لجانب من اسس البحث ومنهجه أو التي تسير بالتزام شكلي‬
‫ألصول البحث العلمي ولكنها تتخذ فلسفة (قد) تصب بخدمة‬
‫خطاب الخرافة من حيث تقصد أو ال تقصد‪ ..‬كما أننا نتطلع إلى‬
‫مزيد تلك البحوث األدخل في علوم تعاصر منجز زمننا وظروفنا‬
‫وما تطرحه علينا من مسائل تتطلب الحل العلمي‪ ..‬لهذا فاألولوية‬
‫دوما لتلك األعمال التي تنسجم والبحث عن حلول لمشكالت‬
‫عصرنا ومنطق الحداثة بفحوى التجديد فيه‪..‬‬
‫مجددا ودائما ننحني لقامات البحث العلمي األصيل ونجاعة ما‬
‫أنجز وينجز بأمل أن نصل معا وسويا إلى مقاصد البحث تنويرا‬
‫وولوجا لمسار التنمية واالرتقاء والتطور بوساطة اإلرادة‬
‫األكاديمية العلمية بحدود قوانين خطابها واشتغاالته‪ ..‬وإلى لقاء‬
‫بأعداد جديدة‪.‬‬

‫رئيس التحرير‬
‫األدب وعلوم اللغة‬
‫المتنبـي راويـا والروائـي محقّقـــا‬
‫الشكل التراث ّي الفني في رواية "من أوراق أبي الطيب المتنبي"‬
‫ب‬
‫ق وال َمغ ِر ِ‬ ‫ضل ِة بَينَ ال َمش ِر ِ‬ ‫نَما ِذج ِمن أ َد ِ‬
‫ب المفا َ‬
‫دراســـَـــــــة تحليليـــَّـــــة نقديـــَّــــة \‬
‫اإلفهام في َمعايير ال ِكفاية التواصليّة لَدى متعلِمي‬
‫َمنزلة ِ‬
‫اللّغة العربيّة ِمن َغي ِر أبنائِها‬

‫‪1‬‬
‫اإلفهام في َمعايير ال ِكفاية التواصليّة لَدى متعلِمي اللّغة العربيّة‬
‫َمنزلة ِ‬
‫ِمن َغي ِر أبنائِها‬
‫الباحث األول‪ :‬د‪ .‬نزار قبيالت –أستاذ مشارك\الجامعة األردنية –األردن‬
‫الباحث‪ :‬الثاني‪ :‬د‪.‬غازي ابو حاكمة\ كلية تشارلستون – الواليات المتحدة األمريكية‬

‫الملخص‬
‫يتطرق هذا البحث إلى مصطلح اإلفهام باعتباره المستوى األعلى الذي يحقق‬
‫الكفاية التواصلية بقدراتها المختلفة‪ :‬النحويّة والخطابيّة واالستراتيجية واللغويّة‪-‬‬
‫االجتماعية‪ ،‬وذلك بعد عرضه لما يمكن أن يؤدي إلى رفد القدرتين اللّغوية والبالغية‬
‫عند المتعلّم األجنبي نتيجة انغماسه في ثقافة اللغة المستهدفة‪ ،‬ويتجاوز مفهوم الصدمة‬
‫الثقافية واالندماج االجتماعي اللذين يشكالن تح ّديات تعيق الوصول إلى مستوى‬
‫اإلفهام خالل عملية التواصل اللغوي‪ ،‬فاإلفهام هو ذروة التواصل اللغوي والمعيار‬
‫الذي يوصل متعلّم العربية لمستوى المشاركة الوجدانية التي يتغيّاها من تجربة التعلم‬
‫‪.‬تعرف الدراسة اإلفهام ‪-‬في مستوياته العليا‪ -‬بأنه تلقائية المتعلّم األجنبي في إنتاج‬
‫لغته واستجابته وإدارته للحديث مع محاوره وتقديمه لحجج وأدلة مقنعة في كالمه‬
‫أثناء التخاطب مع اآلخر‪ ،‬لذا فإن هذا البحث يناقش أهمية متالزمة الكالم واالستماع‬
‫في الوصول إلى المستوى المرغوب في اإلفهام‪ .‬ويشير إلى أهمية الثقافة العربية‬
‫ودورها في تعزيز منزلة اإلفهام التي تعني تخلّص المتعلّم الناطق بغيرها من كل‬
‫التحديات والشوائب التي تعكر صفو العملية التواصلية وربما تطيح بكفايته اللغوية‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫مهاد‬
‫ظهور معايير تصنيفية مختلفة لكفاية‬ ‫َ‬ ‫األجنبية‬ ‫اللغات‬ ‫تعليم‬ ‫قطاع‬ ‫َهد‬‫ش‬
‫المتعلم اللغوية كانت نتيجة لحاجات ودوافع متعددة‪ ،‬ومن أهم هذه المعايير معايير‬
‫اكتفل (المجلس األمريكي لتعليم اللغات األجنبية) للكفاية اللغوية التي بنيت على‬
‫معايير سلم التقييم الحكومي األمريكي الذي ط ّور في خمسينيات القرن الماضي‪،‬‬
‫ومعايير اإلطار المرجعي األوروبي المشترك‪ .‬تراعي هذه المعايير ‪-‬وفق إطار‬
‫عملها‪ -‬الكفايات التواصليّة الناجحة‪ ،‬أي تلك الكفايات التي يحققها المتعلم تبعا‬
‫ت متدرجة فتراعي كثيرا من مظاهر التعثر اللغوي التي ترافق المتعلم في كل‬ ‫لمستويا ٍ‬
‫ّ‬
‫المستويات‪ .‬كما أن هذه المعايير تراعي في مستويات التقييم ال َملكة اللسانية من حيث‬
‫النّطق والحصيلة اللغوية والقدرة على االستجابة اللغوية وفق سياقات اجتماعية‬
‫متن ّوعة يستتبع استعدادا وأداء لغويين‪.‬‬
‫لقد كانت الغاية المرجوّة وفق تلكم التصنيفات‪-‬فضال عن معرفة مستوى كفاية‬
‫مستخدم اللغة‪-‬إدراك المتعلم مدى الحاجة المتالك الكفاية التواصلية الناجزة لديه‬
‫بمعنى معرفة القَدر الذي حصّله هذا المستخدم خالل عملية التعلّم وأدت إلى امتالك‬
‫مخزو ٍن لغوي و قدرات مختلفة في كل مرحلة يمر بها وتؤدي بالنتيجة إلى تقلص‬
‫األخطاء وتجاوز العثرات اللغوية من خالل االستخدام المالئم والفعال للغة‪ ،‬كما‬
‫برزت غاية تلكم التصنيفات في معرفة مدى إمكانية أن يؤه َل هذا االمتالك مستخدم‬
‫اللغة لتوظيف هذا االمتالك فعليا خارج نطاق الصواب والخطأ وشروط الدرس‬
‫ي‪ ،‬فهل ثمة معيار يحدد مدى نجاعة هذا االمتالك الذي جعل ذلك الناطق قادرا‬ ‫اللغو ّ‬
‫على التأتي مع المحيط اللغوي الجديد حوله‪ ،‬علما بأن المستويات المتقدمة في‬
‫المعايير التصنيفية ال تشير صراحة إلى مستوى لغوي سليم يخلو من سوء الفهم و‬
‫صعوبة اإلفهام‪ ،1‬كما أن الدور االنغماسي الذي يوليه المعلمون اليوم اهتمامهم ال‬
‫يشير إلى هاتيك التصنيفات صراحة؟‬
‫إن الكفاية اللغوية المؤدية إلى المستوى األعلى او األمثل لإلفهام هي حيازة‬
‫المتعلّم المعرفة التي تشمل مكونات اللغة كاألصوات والمفردات والتراكيب‬
‫ومهاراتها من استماع وفهم واستيعاب ومحادثة وكتابة‪ .‬واألهم من ذلك تعني مستوى‬
‫سليما في األداء اللغوي والقدرة على التفاهم من خالل اإللمام بالنّظم السياقية‬
‫والمحاذير الثقافية وتداولية المفردات وانزياحاتها الداللية؛ فامتالك الرصيد اللغوي ال‬
‫يعني إتقانها بشك ٍل صوري‪ ،‬كما ّ‬
‫أن الكفاية ال تعني الك ّم بقدر ما تعني المقدرة على‬
‫االتكاء هذا الك ّم ونجاعته في سياقاته ومؤثراته المتباينة‪ .‬والكفاية هنا تختلف عن‬
‫القدرة اللغوية‪ .‬فالكفاية هي عملية دينامكية متغيرة تتطلب تلك القدرات التواصلية‬
‫المتعددة؛ منها ما هو ديناميكي ومنها ما هو ثابت وهذه القدرات هي‪:‬‬

‫‪ 1‬انظر الخاتمة‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -1‬القدرة النحوية‪ :‬وهي معرفة القواعد النحوية والنطق والمفردات والتهجئة‪.‬‬
‫‪ -2‬القدرة الخطابية‪ :‬التي تعني اختيار وتنظيم الكلمات والتراكيب والجمل‬
‫لتحقيق نص موحد‪ .‬ومن العوامل التي تؤدي إلى تحقيق الكفاية الخطابية‬
‫الترابط والتماسك واالحتباك‪.‬‬
‫‪ -3‬القدرة االستراتيجية والمقصود بها تلك األساليب والوسائل اللفظية وغير‬
‫ا للفظية التي يستعين بها المتحدث في حال تعثره في إيصال الرسالة أو‬
‫صعوبة إفهامها ومنها التكرار والشرح وإعادة صوغ الحديث وحركات‬
‫الوجه والجسم وغير ذلك"‪.2‬‬
‫‪ -4‬القدرة اللغوية االجتماعية ونعني بها إتقان "الكود االجتماعي الثقافي"‬
‫لالستخدام المناسب للغة مثل االستخدام األمثل للمفردات والسجل‬
‫واألسلوب‪.‬‬
‫إذا ثمة طرح أكاديمي يعي أن ال َملكة اللغوية تعني اإلحاطة بملكات أو قدرات‬
‫أخرى وأهمها الملكة اللسانيّة االجتماعية‪ ،‬إذ تستند إلى مدى قدرة المتعلّم األجنبي‬
‫على االنغماس والتعاطي مع السياق االجتماعي و إدراك شيفراته اللغوية والتعامل‬
‫بها‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫هناك من الباحثين من يصنف القدرة التواصلية في باب مستقل ومغاير عن‬
‫القدرة اللغوية‪ 4‬فيعرّ ف القدرة التواصلية على أنّها "قدرة المتكلّم على التصرّف‬
‫تص ّرفـا تواصليا فعاال مع مقام محدد ]موقف[ يضمن السالمة اللغوية‪ ،‬وعلى نحو‬
‫يستلزم مراعاة مجموعة من القواعد تتضمن في اآلن نفسه قواعد اللغة – بما في ذلك‬
‫القواعد التركيبية والصرفيّة والصوتيّة والمعجميّة‪ -‬وقواعد استعمال اللغة المرتبطة‬
‫بالسياق االجتماعي التاريخي والثقافي الذي يتحقق في عملية التواصل"‪ .5‬غير أننا‬
‫نرى بعدم إلزام متعلم اللغة األجنبي التحدث مراعيا التقعيد النحوي التّام في حال‬
‫استخدمه لقدرته االستراتيجية والخطابية كـ"تكتيك" يع ّوض من خالله اللّحن البسيط‬
‫في اللغة ذاك الذي يقع فيه أبناء اللغة ذاتها؛ إذ لهجات العربية على سبيل المثال‬
‫وشكل عام تتعمد في أحايين كثيرة الخروج عن القاعدة النحوية وال تراعيها‪.‬‬

‫‪ 2‬ينظر‪ :‬عبدالعزيز العصيلي‪ :‬النظريات اللغوية والنفسية في تعليم اللغة العربية‪ ،‬مجلة جامعة اإلمام‬
‫محمد بن سعود‪ .‬ع ‪ .22‬ربيع اآلخر ‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬حمادة ابراهيم عبدالتواب‪ :‬االتجاهات المعاصرة في تدريس اللغة العربية و اللغات الحية لغير‬
‫الناطقين بها‪,‬القاهرة‪:‬دار الفكر العربي للنشر و التوزيع‪. 1987 .‬‬
‫‪ 4‬ثمة أزمة مصطلحات أدركها الباحث خالل رحلته البحثية وتكمن في وجود غير مصطلح يشير‬
‫للملكة أو الكفاءة اللغوية عند المتعلّم األجنبي؛ فهناك من أطلق عليها الكفاية النحوية وهناك من أطلق‬
‫عليها الكفاية النحوية أو الملكة اللغوية‪.‬‬
‫‪ 5‬هداية ابراهيم‪ :‬المهام اللغوية التواصلية واكتساب اللغة الثانية‪ .‬أعمال المؤتمر األول لتعليم اللغة‬
‫العربية للناطقين بغيرها‪-‬اسطنبول ‪ .2015‬ص‪. 175-153 :‬‬
‫‪4‬‬
‫إن المهارات اللغوية التي تعلّم في الغرف الصفية بشكل تقليدي عادة ما‬
‫تكون مقتصرة على مواقف لغوية محددة؛ مواقف ال تستدعي الشمولية في‬
‫الموضوعات واالستعماالت الحقيقية خارج الغرفة الصفية‪ ،‬وال تحفّزهم في ذات‬
‫الوقت على المحادثة واالسترسال والمضي مع اللغة‪ ،‬والسبب يرجع إلى طبيعة‬
‫المنهاج المسيطرة‪ ،‬وإلى إلزاميته التي ال تسمح لهم بالتنوع‪ ،‬فضال عن الطريقة‬
‫التوجيهية والمقيدة التي تتّبع في التدريس؛ إذ ال يسمح للطلبة بالخروج عن تلك‬
‫التقاليد التدريسية‪ ،‬وهو ما يقلل من األنشطة والتمارين التي من شأنها تعزيز التعليم‬
‫الالشعو ري‪ ،‬ما يجعلهم في نهاية الفصل الدراسي طلبة يحفظون القواعد والحروف‬
‫ويجيدون بعض جوانب مهارة الكتابة والحوار القصير‪ ،‬غير أنهم ما يزالون غير‬
‫قادرين على التواصل مع بيئة اللغة التي يتعلمونها‪.‬‬
‫لقد اهتمت نظرية "كراشن" ‪6‬بنظرية الجهاز الضابط التي تربط بين التعلّم‬
‫التلقائي والتعلّم المو ّجه؛ فالتعلم التلقائي هو التعلّم الذي يربط المحتوى (المنهج) باألثر‬
‫اإليجابي في مستوى االستعمال الذي يعني تحقيقا للكفاية التواصلية بما هي تفهّم‬
‫المتعلّم األجنبي للمعطيات االجتماعية وسياقاتها اللغوية المختلفة‪ ،‬واالستجابة لها‬
‫والتحدث بمستوى ين ّم عن فهم يتجاوز قاعدة الصواب والخطأ ويصل إلى التلقائية‬
‫والالشعورية في التحدث‪ ،‬فإذا التفتنا مجددا لمثال الطلبة الذين يتعلمون اللغة العربية‬
‫كلغة اجنبية في السياقات التقليدية فإننا نجد أنهم يتع ّرضون لتعليم يفرض مستويات‬
‫معينة من التواصل‪ ،‬وهو ما يعيق الطالب ويجعل عملية وصول المتعلمين لمستوى‬
‫اإلفهام‪ ،‬وحتى مستوى الفهم‪ ،‬صعبة المنال‪.‬‬

‫مسوغات اختيار معايير آكتفل‬


‫إن تركيزنا في هذه الدراسة على معايير آكتفل نابع من أن هذه المعايير كانت قد‬
‫طورت لخدمة الطالب الجامعيين وهذه الفئة هي التي يتعامل معها الباحثان بشكل‬
‫ع ام‪ .‬كما أن امتحانات عملية مثل امتحان الكفاية الشفوية وامتحان الكفاية الكتابية في‬
‫المهارات المختلفة طورا كذلك األمر بناء على هذه المعايير‪.‬‬

‫مفهوم اإلفهام في معايير الكفاية اللغوية حسب تصنيف آكتفل‪:‬‬

‫إن تناول معايير آكتفل لمفهوم اإلفهام قد يتسم بالغموض أحيانا وبالتعميم‬
‫أحيانا أخرى‪ ،‬وهي بشكل أساسي تركز على مستوى التعاطف الذي يبديه المستمع‬
‫ودرجة تعوده على التعامل مع متعلمي اللغة من غير الناطقين بها‪ .‬ركزت معايير‬

‫‪Karashen, S. (1981)second language Acquisition and second language 6‬‬


‫‪learning. Oxford: Pergamom Press.‬‬
‫‪5‬‬
‫آكتفل بشكل واضح على مفهوم الفهم أكثر من اإلفهام وخاصة فيما يتعلق باللفظ‪،‬‬
‫ولكن توصيفات آكتفل لهذا الجانب أيضا عشوائية ‪(Breiner-Sanders, Lowe,‬‬
‫) ‪ Miles, & Swender, 2000‬وربما يلتمس العذر لهذه المؤسسة ألن معاييرها‬
‫أوال انطلقت من كفاية المتعلمين في اللغة اإلنجليزية التي طبقت فيما بعد على كافة‬
‫اللغات بغض النظر عن خصوصية كل لغة‪ ،‬واألهم من هذا أن هذه المعايير موحدة‬
‫بين جميع اللغات‪ ،‬لكن تعديالت خاصة باللغة العربية كانت قد أدخلت منها؛ إعالم‬
‫الممت َحن في بداية االمتحان أن استخدام العامية مقبول بشرط إظهار كفاية لغوية في‬
‫الفصحى في المستويات العليا (في محاولة للتعامل مع االزدواجية اللغوية في اللغة‬
‫العربية)‪ .‬كما أن هذه المعايير تحدثت عن اإلفهام من وجهة نظر المحاور وال تقيس‬
‫بالضرورة قدرة المتعلم نفسه على اإلفهام‪.‬‬
‫تقسم معايير آكتفل مستويات الكفاية اللغوية إلى خمسة متسويات (المبتدئ‬
‫والمتوسط والمتقدم—التي تقسم إلى ثالثة مستويات فرعية—والمتميز والمتفوق‬
‫واألخير ليس معموال به حتى اللحظة)‪ .‬في الجدول التالي نشير إلى سمات مفهوم‬
‫اإلفهام حسب كل مستوى‪:‬‬
‫المتفوق‬ ‫المتميز‬ ‫المتوسط المتقدم‬ ‫المبتدئ‬
‫قد يكون يمكن فهم يمكن فهم ال يظهر قد يوجد‬
‫في كالمه لكنة‬ ‫الناطق‬ ‫الناطق‬ ‫من‬
‫أعجمية‬ ‫المتقدم من أنماط‬ ‫المتوسط‬ ‫الصعب‬
‫ونقص في‬ ‫فهم الناطق من أفراد أبناء اللغة أخطاء‬
‫بما في ذلك نحوية‪ .‬إن اإليجاز‬ ‫معتادين‬ ‫المبتدئ‬
‫الذي‬ ‫ارتكب‬ ‫غير‬ ‫حتى من على‬
‫يتصف به‬ ‫المعتادين اخطاء‬ ‫قبل أكثر التعامل‬
‫كالم‬ ‫على سماع متناثرة‬ ‫المتحاورين مع‬
‫كالم غير خصوصا الناطقين‬ ‫دارسين‬ ‫معه‬
‫باللغة‬ ‫في‬ ‫النناطق‬ ‫من‬ ‫تعاطفا‬
‫وتمكن‬ ‫باللغة ألن التراكيب‬ ‫ناطقين‬ ‫ومن‬
‫محدود‬ ‫لديه تمكن القليلة‬ ‫بلغات‬ ‫المعتادين‬
‫كاف من االستخدام من‬ ‫على كالم أخرى‬
‫والتراكيب اإلشارات‬ ‫التراكيب‬ ‫غير‬
‫الثقافية‬ ‫المعقدة‬ ‫األساسية‬ ‫الناطقين‬
‫ال المتعقة‬ ‫والمفردات فهي‬ ‫باللغة‬
‫وبعض‬ ‫تصرف‬ ‫العامة‬
‫األخطاء‬ ‫انتباه‬
‫المتحاور اللغوية‬
‫‪6‬‬
‫المتفرقة‪.‬‬ ‫معه من‬
‫يتصف‬ ‫أبناء اللغة‬
‫المتكلم‬ ‫وال تؤثر‬
‫بالبالغة‬ ‫في علمية‬
‫اللغوية‪.‬‬ ‫التواصل‬

‫بسبب نطقه إن نطقه ‪...‬سالمة‬ ‫األدنى‬


‫قد ال يفهم ومفرداته لغوية‬
‫كافية‬ ‫وتراكيبه‬ ‫قوله‬
‫ووضوح‬ ‫النحوية‬
‫ودقة في‬ ‫متأثرة‬
‫بشدة بلغته نقل‬
‫الرسالة‬ ‫األولى‪.‬‬
‫المقصودة‬ ‫لكن‬
‫بالرغم من دون‬
‫تحريف أو‬ ‫سوء‬
‫تشويش‪.‬‬ ‫التفاهم‬
‫يمكن‬ ‫المتكرر‬
‫للناطقين‬ ‫الذي‬
‫باللغة غير‬ ‫يقضي‬
‫المعتادين‬ ‫التكرار‬
‫على‬ ‫وإعادة‬
‫التعامل مع‬ ‫الصياغة‬
‫غير‬ ‫فإن‬
‫‪7‬‬
‫الناطقين‬ ‫المتوسط‬
‫أن‬ ‫بها‬ ‫األدنى‬
‫يفهموه وقد‬ ‫يفهمه‬
‫يتم ذلك‬ ‫عموما‬
‫بالتكرار‬ ‫المتحاور‬
‫وإعادة‬ ‫المتعاطف‬
‫الصياغة‬ ‫خصوصا‬
‫المعتاد‬
‫على‬
‫التعامل‬
‫مع غير‬
‫الناطقين‬
‫باللغه‬
‫يفهمه‬ ‫بالرغم من‬ ‫قد ال يفهم‬ ‫األوسط‬
‫بيسر‬ ‫النواقص‬ ‫إال‬
‫الناطقون‬ ‫في‬ ‫بصعوبة‬
‫باللغة ممن‬ ‫المفردات‬ ‫فائقة حتى‬
‫لم يعتادوا‬ ‫والنحو‬ ‫من متحاور‬
‫التعامل مع‬ ‫والنطق‬ ‫متعاطف‬
‫غير‬ ‫فهو يفهم‬ ‫معتاد على‬
‫أبنائها‪.‬‬ ‫من‬ ‫التعامل مع‬
‫المتحاور‬ ‫غير‬
‫المتعاطف‬ ‫الناطقين‬
‫المعتاد‬ ‫باللغة‬
‫على‬
‫التعامل‬
‫مغ غير‬
‫الناطقين‬
‫باللغة‬
‫أنماط‬ ‫يمكن أن‬ ‫نتيجة‬ ‫األعلى‬
‫لغوية تبدأ‬ ‫يفهم‬ ‫لتأثير اللغة‬
‫بالظهور‪.‬‬ ‫المتوسط‬ ‫األولى قد‬
‫‪...‬‬ ‫األعلى‬ ‫ينشأ سوء‬
‫ويستخدم‬ ‫عموما‬ ‫تفاهم‬
‫‪8‬‬
‫الناطقون التنغيم‬ ‫مرارا لكن‬
‫باللغة من إلثراء‬ ‫مع التكرار‬
‫المعنى‬ ‫غير‬ ‫وإعادة‬
‫المعتادين ويبدي‬ ‫صياغة‬
‫عادة‬ ‫على‬ ‫العبارات‬
‫طالقة‬ ‫التعامل‬ ‫يستطيع‬
‫مع غير ويسرا في‬ ‫المحاور‬
‫الكالم‪.‬‬ ‫الناطقين‬ ‫المتعاطف‬
‫بها وإن‬ ‫المعتاد‬
‫كانت‬ ‫على‬
‫مظاهر‬ ‫التعامل مع‬
‫اللغة‬ ‫الناطقين‬
‫األولى ال‬ ‫بغير لغته‬
‫تزال‬ ‫فهم كالمه‬
‫واضحة‬
‫(تطعيم‬
‫الكالم‬
‫باللغة‬
‫األولى‬
‫واستخدام‬
‫كلمات‬
‫مشتركة‬
‫والترجمة‬
‫الحرفية‬

‫هناك اعتراف وإدراك لمفهوم اإلفهام ضمن مستويات الكفاية اللغوية‬


‫المختلفة في هذه المعايير‪ ،‬لكن تبقى عمومية الوصف لهذه السمات غالبة‪ ،‬وتبقى‬
‫خصوصية كل لغة هي الحكم والمرجع‪ .‬وهل هذه السمات صالحة لوصف مفهوم‬
‫اإلفهام في كل اللغاتل يبقى سؤاال مهما؟‬
‫ومن الواضح أن هذه المعايير تدرك أهمية متالزمة الفهم واإلفهام فكالهما‬
‫شرط لحدوث اآلخر‪ ،‬وال يمكن أن يعمل بمعزل عنه‪ ،‬لكن تبقى إشكالية الفصل‬
‫واضحة بينهما‪ ،‬فالتواصل الذي يؤدي إلى اإلفهام أثناء عملية التعلم يرافقه قدرة على‬
‫السمع والفهم‪ ،‬فعند تقييم قدرة متعلم على المحادثة واإلفهام الذي هو جزء ال يتجزأ‬
‫منها بل هو الغاية يتم تقييم االستماع بشكل مباشر أو غير مباشر‪ .‬لذا تقع مسؤولية‬
‫‪9‬‬
‫كبيرة على المتحاور إليصال رسالته باستخدام مستويات متدرجة من المثيرات‬
‫تتناسب وقدرة المتكلم على السمع والفهم‪ .‬ولئن كان هذا مقبوال في المستويات الدنيا‬
‫لإلفهام فهو لن يكون مقبوال في المستويات العليا‪ ،‬وحتى يتحقق اإلفهام بالشكل الذي‬
‫نراه ال بد من توافر عوامل متعددة‪:‬‬

‫أوال‪ :‬المشاركة الوجدانية والمتعلّم‪:‬‬

‫يواجه متعلّم اللغة العربية كغيره من متعلمي اللغات األجنبية تحديات ج ّمة‬
‫ربما تفوق التحديات اللغوية المعهودة كـالقواعد والبنى اللغوية والتركيبية التي ربما‬
‫تكون غريبة عن لغته‪ ،‬واألهم من ذلك وجود ظاهرة االزدواجية اللغوية التي كثيرا‬
‫ما تندر بها متعلمو العربية الذين ينتقلون للعيش في بلد عربية لغته السائدة هي العامية‬
‫أو الدارجة‪ ،‬وتتمثل هذه التحديات في شعور المتعلّم في أحايين كثيرة بالخوف من‬
‫التع ّرض للسخرية من قبل اآلخرين‪" ،‬فهو يعتقد وهو يستخدم هذه اللغة أنه يرتدي‬
‫ثيابا غريبة من شأنها إثارة السخرية واالستهزاء"‪ ،7‬لذا فإن انسجام المتعلّم األجنبي‬
‫واندماجه يتطلّب وصول المتعلّم إلى منزلة اإلفهام التي يقصد بها الباحثان قدرة‬
‫المتعلّم على‪:‬‬
‫َ‬
‫أوال‪ :‬استيعابه لحديث المتكلم وفهم المقصود بدقة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬استجابته وقدرته على الر ّد بشكل سليم ال يحمل الخطأ الفادح المؤدي إلى‬
‫إساءة الفهم أو إلى ما يسبب الحرج له‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬قدرته على التعبير بشكل يفهم المتعاطف وغير المتعاطف والمتعود وغير‬
‫المتعود على التعامل مع متعلمي اللغات األجنبية‪.‬‬
‫إذ اإلفهام‪ -‬وإن كنا نتص ّور أنّه يعنى بمهارة التح ّدث واالستماع‪ -‬يتجاوز‬
‫المهارات السابقة باعتبار التحدث مهارة جامعة تبنى باألصل على المهارات السابقة‪،‬‬
‫وتقوم على كفاية الطالب اللغوية في القراءة والكتابة والتحدث والقواعد اللغوية‪ ،‬كما‬
‫أن اإلفهام يعتمد وبشكل رئيس على أسلوب المعلم وعلى تقنياته وطرقه التدريسية‬
‫المتبعة التي من المفترض أن تشمل زرع التعزيز من خالل أساليب منها اإلثابة‪،‬‬
‫ويعتمد أيضا على كل ما من شأنه التخفيف من َوقع الصّدمة الثقافية التي سيواجهها‬
‫كسر‬
‫َ‬ ‫المتعلم األجنبي خارج الحجرة الصفيّة‪ ،‬وذلك لكي يستطيع المتعلّم االجنبي‬
‫حواجز الخوف من السّخرية أو الخوف من الوقوع في الخطأ و سوء الفهم‪ ،‬ويمضي‬
‫ت لكل ما من شأنه أن يحط من‬ ‫في التواصل معتمدا على ما تعلم أو اكتسب غير ملتف ٍ‬

‫‪ 7‬رشدي طعيمه‪ :‬تعليم العربية لغير الناطقين بها‪ ،‬مناهجه واساليبه‪ ،‬المنظمة اإلسالمية للتربية‬
‫والثقافة‪ ،‬الرباط‪.1989 ،‬ص‪.116-115:‬‬
‫‪10‬‬
‫عزيمته وقدرته‪ ،‬فاإلفهام داخل الغرفة الصفية عملية تعليمية‪ ،‬وفي خارجه تواصل‬
‫براجماتي عملي و الخطأ أو اللحن فيه فقدان للتواصل وليس كما يجري داخل الغرفة‬
‫الصفية‪.‬‬
‫إن تزويد متعلّمي اللغة العربية من غير أبنائها باستجابات فوريّة لكل ما يصدر‬
‫منهم خطوة لتحقيق ذلك القدر من المشاركة الوجدانية"‪ ،8‬وهذه االستجابة العفوية ال‬
‫تعني قدرتهم على التّحدث أو الكتابة أو القراءة وحسب بل مقدرتهم على التواصل‬
‫بلسان المجتمع وشروطه وعواطفه ور ّدات فعله‪ ،‬فالمقدرة على تحقيق اإلفهام من‬
‫خالل السمع واالستجابة بوضوح تتطلب قدرة أو كفاية لسانيّة‪-‬اجتماعية يعي معها‬
‫ق المجتمعي‪ ،‬وتلك العبارات التي تتعلق بمواقف لغوية بعينها‪،‬‬ ‫المتعلّم األجنبي السيا َ‬
‫وكذلك يعرف المقاصد البالغية من األصوات والمفردات ولغة الجسد واإليماءات‬
‫والرموز‪ ،‬وذلك لتقوده بسهولة إلى وجدان آخر مختلف‪ ،‬فيجد نفسه متبنّيا لقضايا أهل‬
‫اللّغة الهدف بدون تكلف‪ ،‬إذ قلما ما تكون الدوافع والحاجات التي تقف خلف المتعلّم‬
‫األجنبي سلبية‪ ،‬فمتعلم العربية كلغة ثانية وإن عَرف األغراض الخاصة‪ ،‬عادة ما‬
‫تتشكل بينه وبين اللغة العربية رغائب و َميل خاص‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫ونلحظ أن القدرة اللسانية االجتماعية تتطلب تاليا قدرة استراتيجية‬
‫تستوعب الوسائل اللغوية وغير اللغوية لتضمن استمرار عملية التواصل‪ ،‬إذ القدرة‬
‫االستراتيجية تتطلب خبرة وتدريب يوصالن المتعلّم إلى مستوى اإلفهام ومنزلته التي‬
‫ضعت‪ ،‬فهذه المنزلة وإن كانت‬ ‫تسمو على كل التصنيفات والمستويات التي و ِ‬
‫متدرجة التحقق تتجاوز ‪-‬في تقديرنا‪ -‬المستويات العليا وتضم قدرات الطالب النحوية‬
‫واالتّصالية المتكاملة في آن‪.‬‬
‫ففي اإلفهام يتطلب األمر إعدادا متزامنا بين المنهج والممارسة الفعلية التي‬
‫تبغيها العملية التعليمية‪ ،‬والواقع هنا هو ذلك المحيط الذي ينغمس فيه المتعلّم األجنبي‬
‫وهو يجرّب مخزونَه من كافة القدرات التواصلية‪ ،‬فاإلفهام مستوى يض ّم الفهم‬
‫واالستيعاب بوصفهما مهارات استقبال‪ ،‬والتحدث بما هو مهارة إنتاجية تعني استجابة‬
‫ور ّد فعل في الزمان والمكان المناسبين‪ ،‬فاإلفهام هنا يجعلنا نلتفت للسلوك اللغوي‬
‫المقصود به معاينة استجابة المتعلّم بوصفها سلوكا اكتسبه من خالل المنهاج والتداول‬
‫اللغوي في بيئاته وضمن شروطه المجتمعية واللسانية‪ ،‬إذ "السلوك يمكن أن يكون‬
‫مكتسبا أو فطريا في الدرجة األولى"‪ ،10‬ما يعني أن المتعلّم األجنبي فاتَه تعلّم اللغة‬
‫العربية بالفطرة‪ ،‬وذلك ألن التعلّم بالفطرة يخصّ مرحلة الطفولة ويصعب معه‬

‫‪ 8‬انظر المرجع نفسه‪ :‬ص‪116-115:‬‬


‫‪ 9‬ينظر‪ :‬وفاء خالد سليم‪ :‬الحاجات اللغوية واألخطاء الشائعة لدى متعلمي اللغة العربية من غير‬
‫الناطقين بها‪ .‬دراسة ميدانية في معهد تعليم اللغة العربية لألجانب في مدينة دمشق‪.1989.‬‬
‫‪ 10‬ناصف‪ ،‬مصطفى‪ :‬نظريات التعلّم‪ ،‬مراجعة محمود عطية هنا‪ ،‬سلسة عالم المعرفة‪ ،‬يصدرها‬
‫المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ -‬الكويت أكتوبر‪ .1983 .‬ص‪.128 :‬‬
‫‪11‬‬
‫التعامل مع المتعلّم األجنبي باعتباره متعلّما راشدا تعلّم لغته األم وفق النظرية‬
‫الفطرية‪ 11‬تلك النظرية التي تصف عقل الطفل بأنه صفحة بيضاء نقية لم تخطها أي‬
‫لغة اتصال سابقة‪ ،‬فنحن إذن أمام تعلم واكتساب يستدعيان تعلّما يريد اختبار األداء‬
‫اللغوي بعد التدرّب عليه واكتسابه‪.‬‬
‫‪12‬‬ ‫ّ‬
‫كما أن الفطرة تلك تعني أن الطفل تعلم لغته بوصفها لغة اللسان األول أو‬
‫بإدراك للبنية‬
‫ٍ‬ ‫لغة األم‪ ،‬وأنّه تعلمها من دون عناء‪ .‬غير أن ثمة ما يشير إلى اكتساب‬
‫والداللة‪ ،‬إذ لم "تتطور مهارته اللغوية بالتقليد على طريقة الببغاء‪ ،‬وال عبر تعلمّ‬
‫متتابع متدرّج‪ ،‬بل هو ملتزم بمبادئ عامة يطبقها على قسم كبير من تنظيمه‬
‫اللغوي"‪ 13‬وهو تنظيم لغوي ناشئ عن استقبال وإنتاج متكررين في صيغة شخصيته‬
‫وهويته التي أخذت تتشاكل مع أصله ومنبته‪ ،‬وهنا تبدر ثنائية تكشف في طرحها عن‬
‫التعلّم العرضي غير النظامي والتعلّم الموجه النظامي؛ فتطرح هذه الثنائية غاية طرق‬
‫التعلّم والتمايز بينهما‪ ،‬أمال في صوغ خطة دراسية تؤدي بالمتعلّم األجنبي إلى‬
‫مراحل مهمة في االستقبال واإلنتاج وتعطّل إلى حين دو َر الوسائل التعليمية‬
‫المعهودة كـ "المنهاج والقواعد ومعايير اللغة وشروطها التعليمية‪ .‬فالتعليم المو ّجه لن‬
‫يوصل المتعلّم األجنبي إلى مستوى إتقان يتجاوز عقبة اإلفهام‪ ،‬وذلك ألن اإلفهام كما‬
‫سره في هذا البحث تلقائية المتعلّم األجنبي في إنتاج لغته واستجابته وإدارته‬ ‫نف ّ‬
‫للحديث مع المتكلم وتقديمه لحجج وأدلة مقنعة في كالمه أثناء التخاطب مع اآلخر‪،‬‬
‫وحينها لن يكون لكل أدوات التوجيه التعليمية ولوسائله كلها أي دور يذكر في ذلك‬
‫االنغماس الجدي مع اللغة الهدف‪.‬‬
‫ومن أجل هذا يلزم البحث في مرحلة ما بعد التعليم الموجه النظامي‪ ،‬و‬
‫التحول إلى تعليم عرضي غير نظامي يساعد على إكساب متعلّم اللغة بمستوياتها‬
‫العليا في التخاطب والحوار المع ّمق‪ ،‬تماما كمرحلة الطفل حين يتعلم اللغة وهو‬
‫يستمع للراشدين‪ ،‬وهو ما يطرح دور المعاهد و المراكز التعليمية في رفع كفاية‬
‫أمضاها‬
‫َ‬ ‫المتعلم الملتحق بها أمال بتحقيق تحس ٍن كبير و حقيقي في مرحلة تعلّمه التي‬
‫كطالب أجنبي في تلك المعاهد‪.‬‬
‫إن اإلشارة إلى القدرة االستراتيجية في تعليمات آكتفل كانت مباشرة في‬
‫المستوى المتقدم حيث "يبدي المتقدم األعلى مقدرة متطورة على تعويض النقص في‬
‫تمكنه من بعض التراكيب أو المفردات باستخدامه أساليب التواصل بثقة كإعادة‬

‫‪ 11‬ينظر ‪:‬جورج إم غازادا و آخرون‪ :‬نظريات التعلم‪ -‬دراسة مقارنة‪ ،‬ت‪:‬علي حسين حجاج‪ .‬سلسة‬
‫عالم المعرفة‪-‬الكويت‪. 1986 .‬‬
‫‪ 12‬للتعرف على هذا المصطلح ينظر‪ :‬مسعودة شكور‪ :‬تعليم اللسان العربي في البيئات متعدد األلسن‪،‬‬
‫المجلة األردنية في اللغة العربية وآدابها‪ ،‬المجلد (‪ ،)9‬العدد (‪،)3‬شعبان ‪ 1434‬هـ ‪ ،‬تموز ‪2013‬م‪.‬‬
‫‪ 13‬زكريا‪ ،‬ميشال‪ :‬مباحث في النظرية األلسنية وتعليم اللغات‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر‬
‫والتوزيع‪ .‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬ط‪ .1984 ،1‬ص‪68-67 :‬‬
‫‪12‬‬
‫صياغة أفكاره أو الدوران حول المعنى أو اإلتيان باألمثلة‪ " .‬أما المتقدم األوسط‬
‫فغالبا "ما يستخدم ‪ ...‬أساليب تواصلية مثل إعادة الصياغة أو الدوران حول‬
‫الموضوع‪ ".‬وهذا ينطبق على المتقدم األدنى أيضا‪ .‬أما المستوى المتوسط فكانت‬
‫إشارة آكتفل واضحة إلى قدرة المتكلم في هذا المستوى على "استخدام األساليب‬
‫التواصلية مثل الدوران حول الموضوع‪ "،‬وقدرته على "إعادة الصياغة والتصحيح‬
‫الذاتي‪".‬‬
‫أما القدرة اللسانية االجتماعية فاإلشارة إليها كانت محدودة جدا وال نراها‬
‫إال في المستوى المتميز؛ حيث إن المتكلم في هذا المستوى "يتقن ‪ ...‬عدة أساليب‬
‫تفاعلية تواصلية كمعرفة من يتكلم ومتى يصغيى" وهذه إشارة إلى القدرة البراغماتية‬
‫التي من الممكن ان تقع ضمن القدرة اللسانية االجتماعية‪ ،‬أما في المستويات األخرى‬
‫فالحديث فيها يقتصر على قدرة المتكلم في المستويات المختلفة على طرق مواضيع‬
‫في مواقف رسمية و‪/‬أو غير رسمية حسب مستوى الكفاية‪ ،‬فالمتميز قادر على‬
‫"طرق مواضيع شتى في مواقف رسمية وغير رسمية‪ "،‬أما المتقدم (وخاصة األعلى‬
‫) فـ"يشارك في معظم الحوارات الرسمية وبعض الرسمية‪ "،‬أما المتوسط فتعامله مع‬
‫"مواقف اجتماعية بسيطة" والمبتدئ سياقه "مواضيع يومية متوقعة جدا"‪ ،‬فمن‬
‫الواضح أن هذه اإلشارات ينقصها التفصيل والتحديد وتحيطها العمومية وربما‬
‫الغموض وخصوصا في استخدام كلمات مثل "معظم‪ ،‬بعض‪ ،‬بسيطة‪ ،‬معقدة‪ ".‬إذ من‬
‫الصعب تحديد ما هو بسيط وما هو معقد‪ ،‬وما هو مألوف وغير مألوف في كل‬
‫المجتمعات والثقافات والبيئات اللغوية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬اإلفهام والمهارات اللغوية‬

‫إن الحاجة لبلوغ منزلة اإلفهام تتطلب مشاركة وجدانية تتجاوز مرحلة‬
‫التعلّم المو ّجه النّظامي‪ ،‬بيد أن إيصال المتعلّم إلى تلك المنزلة ال ينفي دو َر التطور في‬
‫مختلف عن األخرى‬
‫ٍ‬ ‫تصنيف‬
‫ٍ‬ ‫مهارتين تتكامالن رغم أن كل واحدة منهما تصنّف في‬
‫وهما‪ :‬مهارة االستماع ومهارة التحدث؛ فهما مختلفتان من حيث إن االستماع مهارة‬
‫من مهارات االستقبال‪ ،‬في حين تنتمي مهارة التحدث إلى المهارات اإلنتاجية بوصفها‬
‫الجزء الثاني من عملية التواصل اللغوي‪ ،‬ولعل مصطلح اإلفهام هنا يفرض تالزما‬
‫من نوع ما بين هاتين المهارتين المتمايزتين في األصل؛ إذ إن نجاح الطالب في بلوغ‬
‫الصحيح في مرحلتين‪:‬‬
‫َ‬ ‫المرور‬
‫َ‬ ‫مستوى اإلفهام في شموليته التي نتوقعها يتطلّب‬
‫األولى في االستقبال (االستماع) والذي يستوعب منزلة الفهم واألخرى في اإلنتاج‬
‫(التح ّدث) الذي يستوعب منزلتي الفهم واإلفهام معا‪ ،‬ليتحقق بذلك اإلفهام بما هو‬
‫منزلة عليا نستعيض بها الحقا عن إطالق صفة اإلتقان والفصاحة على أي متحدث‬
‫أجنبي اجتاز مستويات التعلم وفق التصنيفات العالمية المعروفة دوليا‪ ،‬إذ ّ‬
‫إن اإلتقان‬
‫‪13‬‬
‫والفصاحة سمتان تلتصقان بأبناء اللغة العربية وليس بمتعلميها‪ ،‬في حين يتوافق‬
‫مصطلح اإلفهام ليكون سمة تسبغ على متعلم أي لغة ثانية‪ .‬والشكل التالي يوضح‬
‫العالقة بين الفهم واإلفهام‪:‬‬

‫فهـم (االستماع)‬

‫إفهام االستماع والتحدث)‬

‫إن الطريقة السمعية الشفوية‪ 14‬التقليدية تراعي المتالزمة السالفة الذكر‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وتهدف إلى تعليم العربية لألجنبي وتمكينه من اللفظ بها ويتصرف بها تنغيما ونبرا‬
‫وكأنه من أهل اللغة‪ ،‬من خالل السمع والتحدث بإتقان للنظام الصوتي و النحوي في‬
‫آن‪ ،‬وكذلك كانت الطريقة التواصلية التي تتخذ ذات المنزع‪ ،‬غير أن هذه الطرق ما‬
‫انفكت ترتبط بالمعلم و المنهاج‪ ،‬وتفتقر إلى الح ّد الذي يوصل المتعلّم األجنبي للكفاية‬
‫التواصلية التّامة‪ ،‬فقد كانت هاته الطرق قليال ما تلتفت لشروط الثقافة والحضارة‬
‫والسّياق االجتماعي‪ ،‬وتقتصر على الحوارات القصيرة واألسئلة االستفهامية المحددة‪.‬‬

‫إفهام منطوق‬ ‫االستماع ‪ +‬التحدث‬

‫فاالستماع و االستغراق فيه يتجاوز غيره من المهارات‪ ،‬وتحقيقه يعني‬


‫استيعاب اللغة‪ ،‬وبه يمكن أن يتجلّى اإلفهام بما هو منزلة تحقق تواصال لغويا مكتمل‬
‫األطراف‪ ،‬إذ يقول ابن خلدون "إن السماع أبو الملكات"‪ 15‬وهي إشارة منه على أن‬
‫اللغات تتكون من َملكات ع ّدة أهمها السّماع‪ ،‬و بها تتحقق منزلة اإلفهام التي يتطلب‬
‫العبور إليها الوقوف عند مرحلة السماع‪ ،‬فيفهم المتعلّم األجنبي ما يسمع ثم يعبّر عن‬
‫هذا الفهم من خالل حديث (كالم) ير ّد فيه على ما سمعه‪ ،‬فيفهم ما يقوله مخاطبه‪،‬‬
‫فهم سليم‪ ،‬لذا نرى أن السماع مهارة كبرى‬ ‫صادر عن ٍ‬
‫ٍ‬ ‫وير ّد عليه بكالم صحيح‬
‫تختزل في باطنها أهلية المتعلّم األجنبي‪ ،‬وتقيس مدى مصداقية فهمه للمهارات‬
‫األخرى‪ ،‬وهو مقياس نموذج ّي لمستوى المتعلّم‪.‬‬
‫لم تتطرق معايير الكفاية الشفوية إلى االستماع والكالم كمتالزمة كما‬
‫ذكرنا‪ ،‬بل كان التركيز على الكالم بمعزل عن االستماع الذي له تقييمه الخاص به‪.‬‬

‫‪ 14‬ينظ ر ‪:‬نايف معروف‪ :‬خصائص اللغة العربية وطرق تدريسها‪ ،‬دار النفائس‪،‬د‪،2‬بيروت‪.1987.‬‬
‫‪ 15‬مقدمة ابن خلدون‪ :‬المكتبة العصرية‪ .‬بيروت‪ -‬لبنان ‪ .‬ص‪554:‬‬
‫‪14‬‬
‫وإن كان هذا النهج مناسبا في مجال التقييم الفردي فإنه ال بد أن يكون عامال مهما في‬
‫أي مرحلة من مراحل التعليم وكذلك في السياق التفاعلي حيث يمكن أن يحدث سوء‬
‫التفاهم‪ ،‬إذ الكفاية اللغوية هي عملية ديناميكية وهي ليست ثابتة‪ ،‬فالكالم يسبقه استماع‬
‫واالستماع يتبعه كالم إن تحقق الفهم‪ ،‬ولكن حتى يكون للكالم قيمة ال بد من أن يكون‬
‫مفهوما‪.‬‬
‫ويرى بعض المختصين أن َملكة الفهم ال سيما فهم المسموع ال تقاس إال‬
‫"من خالل مهارات اإلنتاج كـالتحدث و الكتابة"‪ ،16‬إذ مهارة التحدث كما الكتابة‬
‫ترتبطان بالمسموع أيضا‪ ،‬أما القراءة فهي مناطة بالكتابة‪ ،‬فالباحثان يربطان مهارة‬
‫االستماع والتحدث في عملية اإلفهام ليقيس بدوره أثرا آخر سوى الفهم وهو مدى‬
‫تع ّمق المتعلّم ومدى استيعابه للخلفية الثقافية والسياق االجتماعي للغة العربية محكية‪،‬‬
‫وللغة الجسد والتعبيرات المتالزمة لها‪ ،‬فالقراءة والكتابة يمكن أن تتحققا بشكل‬
‫أساسي و فاعل من خالل ال ّدرس والتمرين اللغوي‪ ،‬لكن السماع والتحدث يرتبطان‬
‫بالثقافة والتواصل الحياتي المباشر واالشتباك اليومي مع اللغة تداوليا‪ ،‬وفهمها يعني‬
‫فهم اللغة والبيئة الحاضنة لها‪ ،‬فمن خالل الممارسة واالنغماس في الوسط اللغوي‬
‫"يزداد فهم المتعلّم للغة وتزيد قدرته على التفاهم مع اآلخرين‪ ،‬وينمو لديه اإلحساس‬
‫باللغة‪ ،‬ويسهل التواصل و التفاهم مع اآلخرين في بيئاتهم"‪17.‬لذا كان السياق من أهم‬
‫الجوانب التي تؤخذ بالحسبان في معايير تقييم الكفاية اللغوية‪ .‬وحسب معايير آكتفل‬
‫فقد تم تصنيف السياق إلى رسمي وغير رسمي‪ .‬ولكن لمراعاة ظاهرة المتواصل‬
‫اللغوي للغة العربية فقد طرح العش (‪ )2018‬مستويات أخرى للسياق يتم فيها قياس‬
‫معرفة مستخدم اللغة باللغة المحكية‪.‬‬
‫الصوت بوصفه المش ّغل و المفعّل لهما؛‬
‫فالسماع والكالم مهارتان يجمعهما ّ‬
‫فهما مهاراتا صوت بامتياز تفرضان تواصال عملياتيا مباشرا‪ ،‬في حين المهارات‬
‫األخرى كـ(مهارتي القراءة والكتابة) تحيطان بالمطبوع بما هو صورة تتغيا التهجئة‬
‫والرسم الكتابي‪ ،‬كما أن السماع والتحدث يشترطان لتحقيق التواصل ر َّد ٍ‬
‫فعل مباشر‬
‫وفوري‪ ،‬فهما ال يحتمالن التّأني أو األناة أو التريث والتدبّر كغيرهما‪ ،‬فمن ناحية‬
‫‪18‬‬
‫الفروق بينهما فإن "مساحةَ الفهم دائما ما تكون أوسع من مساحة منطقة االستخدام"‬
‫الذي قصدنا به هنا مهارات اإلنتاج والتفعيل الصّوري للغة‪ .‬لذلك فإن معايير آكتفل‬
‫تراعي هذه المحاذير بحيث يمكن أن يكون المتكلم متميزا طالما أن أخطاءه ال تشكل‬

‫‪ 16‬ينظر‪ :‬عبده الراجحي‪ :‬علم اللغة التطبيقي وتعليم العربية‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬د ط‪ 2000 ،‬ص‪:‬‬
‫‪. 22‬‬
‫‪ 17‬ينظر‪ :‬أحمد معتوق‪ :‬الحصيلة اللغوية‪ :‬أهميتها‪ ،‬مصادرها‪ ،‬وسائل تنميتها‪ .‬المجلس الوطني للثقافة‬
‫والفنون‪ -‬الكويت‪1996 .‬‬
‫‪ 18‬ينظر‪ :‬رشدي طعيمه‪ :‬تعليم العربية لغير الناطقين بها‪ ،‬مناهجه واساليبه‪ ،‬المنظمة اإلسالمية للتربية‬
‫والثقافة‪ ،‬الرباط‪.1989.‬‬
‫‪15‬‬
‫نمطا وال تعيق الفهم‪ ،‬كما أنها راعت أن المتكلم في المستوى المتقدم يمكن أن‬
‫يصحح ذاته نتيجة وعيه ألخطائه‪.‬‬
‫ولمزيد من التوضيح هنا فإن اإلفهام وحين يجمع المهارات اللغوية‬
‫األربعة فإنه يتجاوز مستوى الفهم األولي الذي يفرض مهارات بعينها كما ذكرنا آنفا‪،‬‬
‫إال أن اإلفهام وحين يضم المسموع والمطبوع فإنه يتوسل كافة أشكال التواصل‪:‬‬
‫المكتوبة والمسموعة والمقروءة والمحكية‪ ،‬إذ ال قيمة تذكر لمهارة دون غيرها‪ ،‬وتاليا‬
‫الرسم التوضيحي الذي ابتكره رشدي طعيمه‪ 19‬يوضح العالقة التكاملية بين‬
‫المهارات اللغوية‪ ،‬كما ويوضح دور كل منها في بناء منهاج تعليم اللغة العربية‬
‫للناطقين بغيرها‪ ،‬وهو ما يساعد المتعلّم على نماء مهارته و تطويرها‪:‬‬
‫منطلقات البرنامج‬
‫المهارات اللغوية‬

‫قراءة – كتابة‬ ‫استماع ‪ -‬كالم‬

‫المواد التعليمية‬

‫ويرى الباحثان أن الموا َد التعليمية يمكن أن يضاف إليها فضال عن النشاطات‬


‫المنهجية نشاطات المنهجية أخرى تعتمد على الواقع التجريبي اللّغوي‪ ،‬بغية إعمال‬
‫الجانب االنغماسي التطبيقي فيه إذ الهدف من ذلك متعلّم اللغة األجنبي؛ فكثيرة هي‬
‫المعاهد و المراكز التعليمية التي تفتقر لهذا الجانب فال تعد خطة انغماسية تقوم على‬
‫زيارات لمناطق ريفية ‪-‬على سبيل المثال‪ -‬أو اإلقامة لمدة أيام لحضور حفل زفاف أو‬
‫مأتم أو ما شابه‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬المتعلّم األجنبي ومنزلة اإلفهام‬


‫تتقاطع المقدرة اللغوية مع المقدرة الخطابية تلك القائمة على مدى نجاح‬
‫المتكلم األجنبي في المضي في تخاطبه مع اآلخر فيكشف عن مقدرة خطابية كامنة‬
‫في االستنتاج و التضمين وفي القدرة على المحاججة‪ .20‬فهما تتقاطعان لدى المتعلم‬
‫حين يكون الفعل التواصلي هو المحك الرئيس للمخزون‪ /‬للحصيلة اللغوية وضمن‬
‫مدارات التواصل مع مجتمع اللغة العربية‪ ،‬فكثيرا ما نجد طلبة طامحين يحققون‬

‫‪ 19‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ 20‬ينظر مدونة تخاطب‪ :‬الكفاية اللغوية و الكفاية التخاطبية ‪ .‬محمد محمد يونس علي‪ .‬االثنين ‪ 8‬يونيو‬
‫‪http://takhatub.blogspot.com/2009/06/blog-post_7063.html.2009‬‬
‫‪16‬‬
‫تطورا ملموسا في تعلّم اللغة ومفرداتها‪ ،‬إال أن االتصال الجماهيري واالستعمال‬
‫نام؛ وقد يعود السبب في ذلك إلى‬ ‫الفعلي لما امتلكه ذلك الطالب غير مستمر أو ٍ‬
‫ّ‬
‫قصور دور المعاهد أو المراكز التعليمية التي التحق بها هؤالء المتعلمون‪ ،‬أو في‬
‫موانع خاصة حجزتهم عن هذا االتصال؛ وقد يكون من بين هذه الموانع‪:‬‬
‫‪-‬المانع الديني كأن يأبَى الطالب استخدام نص ديني أو أن يكون في سياق‬
‫تغلب عليه الصبغة الدينية‬
‫‪-‬المانع الثقافي مثل تضارب العادات والتقاليد التي ربما تحرم المتعلم من‬
‫التقارب والتواصل‬
‫‪21‬‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬محدوديّة المدة التعليمية التي يمضيها المتعلم في البالد العربية‪.‬‬

‫إن عدم الحفاظ على مبدأ التواصلية واالستعمال اللغوي عند الطالب األجنبي يؤدي‬
‫إلى تراجع مستوى الطالب وفقدانه للغة‪ ،‬فثمة أمثلة تدلل على ذلك لوحظت في‬
‫االمتحانات التصنيفية التي تعقد للطلبة قبل بدء برنامج ما‪ ،‬فقد تراجع مستوى‬
‫الطلبة الذين لم يحافظوا على لغتهم َجراء فقدانهم لفرص تداولها واستعمالها أو‬
‫دراستها‪ ،‬في حين استمر تقدم أولئك الطلبة الذين حافظوا على لغتهم والتحقوا‬
‫بدورهم ببرامج الدراسة الخارجية‪ ،‬فج ّل الدراسات التي ركزت على االندماج أولت‬
‫عملية التماس اللغوي مع أبناء اللغة العربية اهتماما كبيرا‪22‬؛ فالمتعلّم المشارك‬
‫غير ذاك المنطوي على نفسه يحقق تطورا ملموسا وبشكل سريع ‪.‬‬
‫كما أن‬
‫فاإلفهام كمنزلة مثاليّة عليا في تعلم اللغة الثانية يفرض نمطا تعليميا‬
‫متكامال يصاحبه مرحلة اكتساب بَعدية تع ّزز قاموس المتعلّم األجنبي‪ ،‬وتوثّق بالدليل‬
‫العملي ما احتاز عليه هذا المتعلم وك ِمن في مخزونه اللغوي‪ ،‬فالطّالب حين يدخل‬
‫مدار االستعمال اللغوي ويحين وقت الحاجة للغة المكتسبة وفي لحظة االستعمال‬
‫الناجحة تتولد لديه ثقة كبيرة تدفعه تاليا للبحث عن مواقف لغوية جديدة تتطلب‬
‫تراكيب ومفردات لغوية جديدة‪ ،‬فالدافع اإليجابي كبير هنا‪ ،‬والمتعلّم وحين يَفهم ويفهم‬
‫في الموقف اللغوي الواحد يكون قد أعجب بنفسه وكأنه أنهى واجتاز عائقا كبيرا في‬
‫التواصل‪ .‬لذا فإن برامج "الفالجشب" المختلفة التي تمولها وزارة الخارجية‬
‫األمريكية‪ -‬على سبيل المثال‪ -‬تشترط أن يقضي الطالب سنة دراسية في بلد اللغة‬

‫‪ 21‬ينظر عبدالعزيز العصيلي‪ :‬علم اللغة النفسي‪.‬ط‪. 1‬الرياض‪ :‬جامعة اإلمام محمد بن سعود‬
‫اإلسالميةعمادة البحث العلمي‪. 2006.‬‬
‫‪ 22‬ينظر‪ :‬بدور بنت عبدالرحمن‪ :‬دور االندماج االجتماعي في تحسين األداء التعليمي للمبتعثين‪،‬‬
‫جريدة العرب االقتصادية الدولية ‪.‬‬
‫‪http://www.aleqt.com/2012/07/08/article_673008.html‬‬
‫وينظر ‪:‬عز الدين البوشيخي‪:‬المقاربة التواصلية في تعليم العربية للناطقين بغيرها‪ .‬ضمن سجل المؤتمر‬
‫العالمي لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها‪ .‬جامعة الملك سعود‪-‬الرياض‪. 2009.‬‬
‫‪17‬‬
‫الهدف للوصول الى المستوى المتميز حسب تصنيف آكتفل‪ .‬ربما يؤدي هؤالء الطلبة‬
‫أداء متميزا في االمتحان الذي ال يزال سياقا رسميا‪ ،‬لكن هل يحافظون على مستوى‬
‫هذه األداء في كافة السياقات االجتماعية الرسمية وغير الرسمية؟‬
‫فقد تع ّرف المتعلّم األجنبي الى اللغة العربية وأدرك عناصرها وبِناها التركيبية‬
‫والداللية في مرحلة التعرّ ف‪ ،‬وفهم هذه األنماط وخبرها حين مرّ في مرحلة‬
‫االستيعاب؛ فتقدم من المستوى الصفري في التعلّم (األلف بائي) إلى مستويات أخرى‬
‫أعلى‪ ،‬لكنه في مرحلة أخرى متقدمة وهي (مرحلة اإلفهام) واالنغماس الطبيعي‬
‫والتخلص من المختبرات واالختبارات والواجبات وصل إلى مستوى االستمتاع‬
‫اللغوي الذي هو نتيجة لإلفهام‪ ،‬واالستمتاع هنا –وفق نظرة الباحثين‪ -‬ال يعني فقط‬
‫التذوق الجمالي بقدر االتساع في التخاطب و التداول مع أبناء اللغة أنفسهم‪ ،‬إذ يدرك‬
‫الطالب الخطاب الضمني واالقتضائي المسكوت عنه فضال عن الخطاب التصريحي‬
‫وبكافة اإلشارات اللغوية التي لم تتضمنه مستويات الكفاية العليا حتى المستوى‬
‫المتفوق‪.‬‬
‫الشكل التالي يبين مراحل تعلم اللغة الثانية مفترضا أن المتعلم يمر بثالث مراحل‬
‫نمو هي تعرف ثم استيعاب ثم استمتاع‪ ،‬فقد حافظت معايير المرجع األروبي على‬
‫هذه الثالثية بينما توسعت معايير آكتفل وركزت على تصنيف الكفاية اللغوية أكثر من‬
‫غيرها من كفايات‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫اكتساب اللغة‬

‫االستمتاع‬ ‫االستيعاب‬ ‫التع ّرف‬


‫=‬

‫منزلة‬ ‫اللغة‬ ‫فهم‬ ‫عناصر‬ ‫إدراك‬


‫اإلفهام‬ ‫ومحاولة‬ ‫اللغة؛‬
‫استعمالها‬ ‫مبناها ومعناها‬

‫‪ 23‬يشير هذا الرسم التوضيحي لما اسلفنا ذكره حيث منزلة اإلفهام تتقدم على مرحلة التعرف و مرحلة‬
‫االستيعاب حيث المرحلة الثانية يتمكن الطالب فيها من التحدث لكن دون امتالء و تحديات تكون قد‬
‫اخذت باالنقشاع في مرحلة اإلفهام‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫ع ّرف "دل هايمز" الكفاية التواصلية في تعليم اللغة الثانية بأنها "قدرة‬
‫المتعلّم على إيصال وتفسير الرسائل االتصالية و تفسيرها و إدراك معانيها لدى‬
‫المتحدثين في مواقف بعينها‪ "،‬وقد أفصح هايمز ذاته أن الكفاية هنا نسبية وليست‬
‫مطلقة‪ ،‬وتعتمد على التعاون بين كل المشاركين في عملية االتصال‪ ،‬واصفا إياها‬
‫بقدرة الفرد على نقل رسالة ما‪ ،‬أو قدرته على إيصال معنى معين‪ ،‬رغم أنه أشار إلى‬
‫وجوب أن يجمع الفرد بين معرفته في القواعد اللغوية وبين تلك القيم و التقاليد‬
‫االجتماعية المرعية في االتصال‪ .‬وتعريف هايمز هذا يتفق و الى ح ٍّد بعيد مع تعريف‬
‫"تشومسكي" في تصوره حول الملكة اللغوية عند المتعلّم‪ ،‬و حول األداء اللغوي أو‬
‫التعبير اللغوي في مواقف مختلفة إذ يقابل ما عرف بالملكة اللغوية‪ ،‬ما يعني أن‬
‫"هايمز" نفسه َمايز بين الملكة و األداء اللغويين‪ ،‬ثم أضاف إليهما ما أطلق عليه‬
‫‪24‬‬
‫بـ"القدرة على التواصل مع لغة المجتمع‪.‬‬
‫على أن ما نقدمه هنا توافق بتصور مغاير نوعا ما عن مفهوم هايمز السابق‪،‬‬
‫والشكل أدناه تجسيم نقدمه لفكرة العالم اللغوي دل هايمز الذي اقترب من مفهوم‬
‫اإلفهام كما نطرحه هنا‪.‬‬

‫القدرة على التواصل‬ ‫األداء اللغوي (المنهجي ‪-‬صفّي)‬ ‫الملكة اللغوية‬

‫رابعا‪ :‬التداولية واإلفهام‬


‫إن بلوغ المتعلّم األجنبي مستوى متقدما كالمستوى المتميّز وفق تصنيف‬
‫آكتفل أو مستوى ‪ C2‬وفق تصنيفات اإلطار المرجعي األوروبي المشترك ليعني‬
‫كفاية المتعلّم وحيازته تراكيب اللّغة وقواعدها‪ ،‬أي امتال َكه الكفاية النحوية والخطابية‬
‫اللتين هما في كثير من األحيان نتاج قاعات ال ّدرس والتعلّم الموجه النّظامي‪.‬‬
‫حال من األحوال قدرة هذا‬ ‫ٍ‬ ‫لكن الباحثين ليؤكدان أن هذا ال يعني وال بأي‬
‫المتعلّم على التعايش والدخول في هذا الوسط اللغوي الجديد باقتدار وثقة؛ فإذا لم يكن‬
‫الطالب متعلما مشاركا يمتلك الدوافع الكافية التي تن ّمي بداخله حبَّ المشاركة وحسّ‬
‫التعامل مع محيطها‪ ،‬فإنه سيصطدم بإطار الثقافة اللغوية وحسابات السلوك اللغوي‬
‫التي ال تراعي في بعض األحايين الكفاية النحوية والخطابية؛ فقد أشرنا فيما سبق إلى‬
‫أن ثمة طلبة غير اجتماعيين بمعنى أنهم ما زالوا يملكون أسبابهم التي تمنعهم من‬
‫التفاعل واالندماج مع هذا اآلخر اللغوي‪ ،‬وهو ما يعني من جهة ما فقدان أولئك‬
‫المنطوين على أنفسهم لما عرفّه تشومسكي في "علم اللغة االجتماعي"؛ فقد فرّق‬

‫‪ 24‬ينظر‪ :‬علي حجاج و نايف خرما ‪ :‬اللغات األجنبية تعلمها وتعليمها ‪.‬عالم الفكر‪ .‬العدد ‪1990 . 126‬‬
‫‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫تشومسكي بين الكفاية واألداء‪25‬؛ فقص َد باألداء استعمال اللغة تبعا للسياق المجتمعي‬
‫مضافا إليها إتقان المتعلّم األجنبي أو إلمامه للكفاية النحوية؛ حيث توصيل الرسائل‬
‫بجمل مقطوعة عن سياقها الحيوي ال يرفع المتعلّم وينزله منزلة اإلفهام‪ ،‬وفي طرحنا‬
‫فإن األداء يعنى التواصل الفعلي وفهم متكلمي اللغة فهما حقيقيا‪ ،‬واللحن الذي يقع فيه‬
‫الطالب في مرحلة اإلفهام هو نوع من الخطأ الذي يقع فيه أبناء اللغة العاديين‪.‬‬
‫كما ويرى الباحثان ضرورة طرح قضية التفريق بين معايير الكفاية‬
‫التواصلية والكفاية النحوية والخطابية‪ ،‬وبيان عالقة كل منهما بمنزلة اإلفهام؛ فهما‬
‫ب مشتبك مع اللغة‪،‬‬ ‫صلة‪ ،‬لكنهما تفترقان حين يلزم األمر التمايز بين طال ٍ‬ ‫شديدتا ال ّ‬
‫إيجاب ّي نحوها‪ ،‬وبين طالب يعني فقدانه لصيغة واحدة من صيغ الفعل في اللغة‬
‫العربية أو نسيانه لها يعني فقدانه للتواصل اللغوي بشكل عام‪ ،‬وربما نزوله‬
‫لمستويات أدنى‪ ،‬وذلك ألن الطالب‪ /‬المتعلّم األجنبي في مفهوم الكفاية النحوية لم‬
‫يدرك عقالنية اللغة وارتباطها بالثقافة كحاضنة للغة وليس كجزء منها؛ فكثيرا ما‬
‫يسهم تداول اللغة في إزاحة الكثير من المعاني عن مدلوالتها المعهودة‪ ،‬وذلك نتيجة‬
‫الصيرورة التاريخية وتداعياتها التي تحتم تغيرا في المجتمع واإلنسان قبل اللغة‪ ،‬إذ‬
‫المتعلّم الذي يحافظ على اللّغة من خالل ممارستها واالتصال ببيئتها وإنسانها سيسهل‬
‫عليه تاليا التقاط المقصود مما يقرأه أو يسمعه نتيجة نماء حسّ توقعي خاص به‪،‬‬
‫وامتالكه لها بالخبرة واالحتكاك‪ ،‬في حين أن المتعلّم غير المشارك ‪-‬أي غير‬
‫روح اللغة‬
‫َ‬ ‫االجتماعي‪ -‬يدرك ويتدارك القوالب اللغوية ونظامها البحت‪ ،‬دون أن يعي‬
‫والمحذوف والمنزاح دالليا والمؤ ّول منها‪ .‬فنرى انطالقته وفصاحته اللغوية ميكانيكية‬
‫غير تلقائية‪ ،‬وال ترتبط بأي شعور داخلي أو مشاعر أو مالمح جسدية ظاهرة أثناء‬
‫تداول اللغة أحيانا‪.‬‬

‫فقد ع ّرف الباحث اللّساني "ايليواز" التداوليّة‪ ،‬بوصفها درسا لغويا‬


‫معاصرا‪ ،‬على أنها‪" :‬إطار معرفي يجمع جملة من المقاربات تشترك عند معالجتها‬
‫للقضايا اللغوية في االهتمام بثالثة معطيات لما لها من دور فعّال في توجيه التبادل‬
‫الكالمي‪ ،‬وتتمثل في‪ :‬المتكلمين والسياق واالستعمال العادي للغة في الواقع"‪ ،26‬إذ‬
‫المتعلّم األجنبي وبكل رصيده اللغوي غير قادر على أن يحقق اإلفهام اللغوي دون‬
‫إدراكه لتباين سلوك المتكلمين‪ ،‬وللسياق على تن ّوعه‪ ،‬واالستعمال العادي للغة على‬
‫تب ّدله وتناوبه أحيانا كما هو موضح في الشكل التالي‪:‬‬

‫‪ 25‬ينظر‪ :‬بريجيتيه بارتشت‪ :‬مناهج علم اللغة من هرمان باول حتى ناعوم تشومسكي‪ ،‬دار المختار‬
‫للنشر و التوزيع‪ .‬ترجمة‪ :‬أ‪.‬د سعيد بحيري‪ ،‬القاهرة‪.‬ط‪ .1،2004‬ص‪. 287:‬‬
‫‪ 26‬اإلبراهيمي‪ ،‬خولة طالب‪ :‬مبادئ في اللسانيات‪ .‬دار القصبة – الجزائر‪ ،‬ط‪ 2000 ،2‬ص‪-176 :‬‬
‫‪. 177‬‬
‫‪20‬‬
‫التداولية‬

‫االستعمال اللغوي‬ ‫السياق‬ ‫المتكلّم‬

‫الدالالت‬ ‫انزياح‬ ‫أنواعه؛سياق ضحك‪،‬‬ ‫سلوكه‬


‫وتغيرها‪...‬‬ ‫إغراء‪...‬‬ ‫اللغوي‬

‫في َمع َمعة التداول اللغوي تطرح قضية السالمة اللّغوية بين جدليتي المعيار‬
‫األكاديمي البحت وفهمنا الخاص بالتداولية تلك التي تشمل االستعمال اللغوي دون أن‬
‫تولي الصواب و اللّحن قدرا واضحا من االهتمام؛ إذ اللغة أداة وصل بين المتحدث‬
‫ومحيطه‪ ،‬فاللحن اللّغوي وحين ال يكون فادحا فإنه ال يعدو أن يكون هفوة كالمية‬
‫وليست تواصليّة‪ ،‬فهي ال تقطع االتصال أو توقعه في خانة سوء الفهم‪ ،‬هذا إن لم‬
‫يؤخذ اللحن في اللغة أحيانا على أنه شكل لغوي شا ّذ وحسب‪ ،‬فبعض المتعلّمين‬
‫األجانب يرنون إلى الفهم واإلفهام عادة وليس إلى ال ّدقة اللغويّة والصّواب‪ ،‬وهو حين‬
‫يدخل حيّز األداء و فإنه وتبعا للسياق يقوم بتفعيل لغته من خالل حصيلته اللغوية‪،‬‬
‫ويختار ما يالئمه ويتساوق معه‪ ،27‬ليس تجنبا للخطأ اللغوي وحسب‪ ،‬بل للوصول‬
‫لمنزلة اإلفهام التي تعني قدرة في النّفاذ من المواقف اللغوية والتعبير عنها بنجاح‪ ،‬فال‬
‫حاجة للذالقة اللغوية والتقعّر القواعدي الذي قد يفسد االتصال في حال ت ّم اإلسراف‬
‫به‪ .‬وهنا يتفق الباحثان مع معايير آكتفل التي تعتبر السالمة اللغوية واحدة من‬
‫مجاالت التقييم للكفاية ولكن تقييمها يتغير بتغير المستوى كما هو موضح في الشكل‬
‫التالي‪:‬‬

‫‪ 27‬يذكر أحد الباحثين أنّه وحينَ كان معلما للغة العربية للناطقين بغيرها و في مساق اللهجة العامية‬
‫األردنية كان قد علّم أحدهم عبارة‪" :‬شلونك" وراح الطالب يفهم هذه العبارة " شلونك" من خالل ما‬
‫قام به المعلم من تفكيك للوحدات اللغوية للكلمة؛ بمعنى أنها تقصد لون الوجه؛ فإذا كان الوجه أحمر‬
‫فإن في هذا داللة على تمام الصحة و العافية‪ ،‬أما إذا كان اللون أصفر فإنه يدل على المرض و‬
‫الشحوب‪ ،‬وفي دعوة تلقاها ذات الطالب‪ ،‬وحين كان يجلس بالقرب من أحد ِكبار السّن من الذين تعرّ ف‬
‫إليهم مؤخرا أجاب الطالب ذاك العجوز حين سأله األخير عن احواله بــ "شلونك" بقوله ‪ :‬لوني‬
‫أبيض‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫المتفوق‬ ‫المتميز‬
‫ال يظهر قد يوجد‬
‫أية أنماط بعض‬
‫األخطاء‬ ‫من‬
‫اللغوية‬ ‫األخطاء‬
‫المتفرقة‬ ‫النحوية‬
‫األساسية‪،‬‬
‫وهذه‬
‫األخطاء إن‬
‫وقعت ال‬
‫تصرف‬
‫انتباه‬
‫المتحاور‬
‫معه وال‬
‫تؤثر في‬
‫علمية‬
‫التواصل‬
‫تدهور‬ ‫تردد‬ ‫بسبب‬ ‫المتقدم‬
‫ملحوظ‬ ‫نطقة قد ال واالحتواء‬
‫في نوعية‬ ‫على‬ ‫يفهم‬
‫اللغة‬ ‫اخطاء‬
‫وكميتها‬ ‫لغوية‪،‬‬
‫تأثر شديد‬
‫باللغة‬
‫األولى‬
‫تراجع في‬ ‫نواقص‬ ‫التكرار‬ ‫األوسط‬
‫كمية اللغة‬ ‫واستخدام في‬
‫الناتجة‬ ‫كلمات من المفردات‬
‫ونوعيتها‬ ‫اللغة األم والنحو‬
‫والنطق‬ ‫أو‬
‫الصمت‬
‫التام‬

‫‪22‬‬
‫ظهور‬ ‫تردد في مظاهر‬ ‫األدنى‬
‫أنماط‬ ‫اللغة‬ ‫اإلنتاج‬
‫أخطاء‬ ‫وعدم دقة االولى‬
‫واضحة‬ ‫لغوية‬
‫(تطعيم‬
‫الكالم‬
‫باللغة‬
‫األولى‬
‫واستخدام‬
‫كلمات‬
‫مشتركة‬
‫والترجمة‬
‫الحرفية)‬

‫إذا األخطاء اللغوية واقعة ال محالة‪ .‬لكن يبقى السؤال هل تؤثر على الرسالة المنوي‬
‫إيصالها إلى السامع وعلى درجة فهمه لها‪.‬‬

‫صلة العملية التعليمية والمنهاج باإلفهام‬ ‫خامسا‪ِ :‬‬


‫إن الكفاية النحوية عند المتعلّم تعتمد على األسس البنائية في المنهاج‬ ‫ّ‬
‫التعليمي‪ ،‬وعلى طرق التدريس واالختبار والتقييم بما هي عملية تعليمية علمية‪،‬‬
‫وكذلك فإن الكفاية التواصلية والمقدرة االستراتيجية تعتمد على ما هو أبعد من‬
‫الفَرض التدريسي‪ ،‬فترتبط وتحا ِكم مدى قدرة المتعلّم على تفعيل رصيده واختباره في‬
‫الواقع العملي التطبيقي‪ ،‬إال أن المنهاج وبعيدا عن التنظير يظ ّل الوسيلة التعليمية‬
‫األبرز التي ال مندوحة بأنها عمود العملية التعليمية وقاعدته األبرز‪ ،‬وذلك ليس للكم‬
‫المعرفي الذي يقوم به وحسب‪ ،‬بل للقدرة المفترضة لدى مؤلفي المناهج التعليمية‬
‫أنفسهم على تسهيل طريق المتعلّم األجنبي الطويلة‪ ،‬فهو سينغمس‪،‬كما ذكرنا‪ ،‬ويشتبك‬
‫إنكار لمنزلته التعليمية األولى التي تع ّرف فيها إلى التراكيب الفونيمية‬
‫ٍ‬ ‫لغويا دون‬
‫(الصوتية) والمورفيمية (الصرفية) والمعجميّة‪ ،‬بيد أن بعض تلك المناهج لم‬
‫وصلة لإلفهام‪ ،‬حيث ترك المتعلّم طور‬‫تستوعب في بنائها القدرة االستراتيجية الم ِ‬
‫التلقي واالختبار والحفظ ‪ ،‬وصا َر متكلما باللغة بغض النظر عن أعجميته‪ ،‬فهو وإن‬
‫دخل َمدارات االستعمال اللغوي فإنه سيحاسب على المقصود اللّفظي الصّ ادر عنه‪،‬‬
‫وليس بالضرورة على السّالمة اللّغوية أو دقتها‪.‬‬
‫ولبيان صلة المنهاج التعليمي بمنزلة اإلفهام سنتساءل عن مدى التزام‬
‫واضعي المناهج وموادها التدريسية وتقديرهم للسياقات والمضامين الوظيفية التي‬
‫‪23‬‬
‫تعين الباحث على الفهم واإلفهام‪ ،‬وليس تلك المضامين التاريخية الجامدة غير‬
‫الحيوية التي تشكل عبئا إضافيا ال طائل منه‪ ،‬إذ يلزم اختيار مضامين للقراءة تراعي‬
‫سياقات لغويّة تعود بالنفع على الطالب‪ ،‬فنحن بحاجة أيضا إلى "تطوير المنهج‬
‫النحوي الذي يعنى بتعليم القواعد؛ فلئن كانت الجمل تدور حول مواقف مصطنعة‬
‫يؤديها المعلم والطالب داخل الصف فإنها ستستهدف تمثيل معاني تلك الجمل فقط‪،‬‬
‫أساس المواقف الحيوية التي ينقلها المعلّم من الحياة العامة‬
‫ِ‬ ‫لذا يلزمنا بناء منهاج على‬
‫إلى غرفة الصف‪،‬منهاج يراعي التداولية التي تعنى باالستعمال اليومي و العصري‬
‫للغة مناطا بحاجات و دوافع أوالئك المتعلمين‪ ،‬فمنهج المواقف التعليمية هذا ينطلق‬
‫من حاجات األفراد لالتصال اللغوي في مواقف الحياة‪ ،‬وهذا أساس لبناء مواد تعليمية‬
‫جديدة تختلف في هدفها و نظامها عن تلك التي تبنى لصالح المنهج النحوي"‪ ،28‬وهنا‬
‫فإن التكاملية والشمولية في عملية بناء المنهج يجب أن تأخذ باالعتبار أن الطالب‬
‫يعتبر االتصال غاية كبرى ال يلهث وراءها كل يوم‪ ،‬ووصوله لإلفهام هو ما يقلقه‪،‬‬
‫وليس معرفة المقصود من الكالم وحسب‪ ،‬كما أن النحو يجب أن يكون وسيلة وليس‬
‫غاية إليصال المتعلم إلى هذه اللغة‪ ،‬وألن تعلم اللغة بطبيعته متدرج فكذا يجب أن تتم‬
‫معالجة القواعد النحوية‪ ،‬فتوقع أن يلم المتعلم بكافة القواعد النحوية ليس واقعيا أو‬
‫متوقعا أو مفترضا‪.‬‬
‫ويرى داوود عبده‪ 29‬أن الهدف من تحقيق تعلّم اللغة العربية على أكمل‬
‫وجه‪ ،‬يظهر حين يدرك المتعلّم من غير أبنائها النّظام اللغوي العربي ويدرك كذلك‬
‫األمر‪:‬‬
‫‪ -1‬أصوات العربية بما يعينه على فهم المقروء والمسموع‪ ،‬و إفهام المكتوب‬
‫والمحكي في سياق العربية‪.‬‬
‫‪ -2‬القواعد الشائعة لتركيب الكلمة "علم الصرف" وهو ما يحتاجه في‬
‫المهارات األربعة‪.‬‬
‫‪ -3‬القواعد الشائعة لتركيب الكلمة " النحو" وهو ما يحتاجه في المهارات‬
‫األربعة‪.‬‬
‫‪ -4‬فهم السياقات الداللية والقدرة على تحليلها وتبيان صبغتها الثقافية العربية‪.‬‬
‫صل القول هنا غير أنه لم يضع ح ّدا لفهم السياقات وشكل‬ ‫ويبدو أن عبده ف ّ‬
‫العملية التواصلية ومعيارها األبرز الذي يعني الفهم (االستقبال) واإلفهام (اإلنتاج)‪،‬‬
‫واألهم من ذلك التركيز على استراتيجيات التعليم التي تراعي اإلفهام في كل مستوى‬
‫من المستويات اللغوية السابقة‪ ،‬غير أنه أصاب المفهوم الذي نقصده هنا من خالل‬

‫‪ 28‬ينظر‪ :‬رشدي طعيمة‪ :‬تعليم العربية للناطقين بغيرها؛ مناهجه وأساليبه‪ .‬منشورات المنظمة‬
‫اإلسالمية للتربية والعلوم والثقافة‪ -‬الرياض‪ ,‬ص‪111-99:‬‬
‫‪ 29‬ينظر‪ :‬داوود عبده‪ :‬مكانة القواعد في تدريس المهارات‪ ،‬أوراق الحلقة النقاشية الثانية‪ ،‬تدريس‬
‫مهارات اللغة العربية – جامعة فيالدلفيا‪.2000.‬‬
‫‪24‬‬
‫االنتقال من الصوت إلى الصرف إلى النحو ودالالته إلى اللغة في سياقها الثقافي‪،‬‬
‫وهو ما يرومه هذا البحث حين يرى أن الفهم معيار تواصلي و دليل قاطع على‬
‫ب لغوي يخص كل متكلم في الرّ د‬ ‫استيعاب اللغة‪ ،‬والتمكن منها يعني اتخاذ أسلو ٍ‬
‫واالستجابة‪ ،‬وإن كان ذلك المتكلم من غير أبنائها‪ ،‬فالثقافة هي السياق وليست ظرفية‬
‫كما يقول )‪ (Lampe, 2017‬ويمكن للمعلمين والطالب أن يقوموا بخلقها في‬
‫حوارات بينهم وبين غيرهم‪ .‬لذا فالثقافة ليس مهارة خامسة تضاف وإنما مكون‬
‫أساسي ألي منهاج لغوي‪.‬‬
‫فاإلف هام في منظورنا للكفاية التواصلية يحتاج إلى إعداد تكاملي في المنهج‬
‫التعليمي و في طرق تعليمه‪ ،‬إذ يقوم على مبدأ التنوع في‪:‬‬
‫‪ -‬التدريبات اللغوية المستخدمة في تنمية المهارات األربعة‪.‬‬
‫‪ -‬األنشطة اللغوية سواء المنهجية أم الالمنهجية‪.‬‬
‫‪ -‬استراتيجيات التدريس المستخدمة‪.‬‬
‫‪ -‬التركيز على العربية في مستوياتها المختلفة؛ الفصحى والفصيحة أثناء‬
‫التعليم‪ ،‬فاللغة العربية لم تحنّط بعد َرغم ما تعانيه من ازدواجية وثنائية‬
‫لغوية ربما تعيق الفهم أو اإلفهام أو كالهما في مراحل التعلم‪.‬‬
‫‪ -‬خلق فرص حقيقية لممارسة اللغة (فرص خارجــ ‪ -‬ـصفيّة) تهتم دائما في‬
‫تفعيل المهارات األربعة وتوظيفها وفق الشرط الثقافي وممارساته‪.‬‬
‫‪ -‬استخدام التقنيات اإللكترونية الحديثة وتطبيقاتها أثناء العملية التعليمية؛ ومن‬
‫أهمها مواقع تعليمية تصدر من وكاالت أنباء عالمية كموقع قناة الجزيرة‬
‫مثال تاذي يقدم مضامين مواكبة و مفردات و تطبيقات مواكبة من شأنها‬
‫رفد عملية اإلفهام‪.‬‬
‫‪ -‬توفير فرص لتقييم الكفاية اللغوية بعيدا عن التقييم البينائي أو التحصيلي‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬الجانب التطبيقي‪:‬‬


‫سنقوم هنا بمحاولة لتبيان تلك الحاالت التي يعني تَحققها بلو َغ منزلة اإلفهام‬
‫لدى المتعلّم األجنبي؛ وذلك من خالل إيجاد مواقف‪ /‬حوارات قصيرة بين طرفين‪:‬‬
‫األول من أبناء اللغة العربية‪ ،‬والثاني متعل ّم أجنبي يفترض أنه من طلبة المستويات‬
‫المتقدمة‪ ،‬يجيب فيها المتعلّم األجنبي عن سؤال أو يعبّر عن موقف لغويّ اجتماع ّي أو‬
‫تحاور يتبعه رد فعل وسلوك لغوي مقابل‪ ،‬إذ سنراعي عند األخذ بإجابات المتعلّمين‬
‫المتوقعة تلك ِذكر اإلجابات األكثر شيوعا‪ ،‬وسنكشف عن منزلة المتعلّمين تبعا‬
‫للكفايتين‪ :‬النحوية والتواصلية‪ ،‬على أننا سنستبق ذلك ال َعرض ونكشف عن أن المتعلّم‬
‫األجنبي غير المنغمس في ثقافة اللغة لن ينز َل منزلة اإلفهام‪ ،‬وأن المتعلّم المشتبك‬
‫مع اللغة والمتجاوز للشرط التحصيلي هو المحقق لإلفهام‪ .‬إذ سنعرض لتلك‬
‫‪25‬‬
‫الحوارات ث ّم نعيّن مواطن التم ّكن ومواطن الضعف‪ ،‬فهي التي ستكشف إما عن‬
‫ي اجتماعي‪ ،‬أو ستكشف عن امتالء نحوي راكد َسبق و أن فسّرنا عدم‬ ‫امتال ٍء لغو ّ‬
‫نجاعته وقصوره العملي‪.‬‬
‫سنسوق هنا بعض األمثلة لنرى هل امتلك المتح ّدث األجنبي المقدرة‬
‫التواصلية واالستراتيجية في الحوار المزمع عرضه‪ ،‬وهل تحقق اإلفهام الكامل أم أن‬
‫ذلك المتحدث المتعلّم يمتلك مقدرة نحوية لم تكن كافية لتحقيق النجاح و التواصل في‬
‫ذات الحوار الذي سيتم بين متعلم أجنبي وناطق أصيل باللغة‪ ،‬وهنا سنورد حوارات‬
‫ونضع عدة إجابات محتملة لمتعلمين أجانب‪ ،‬ونحدد أي تلك اإلجابات يعود لمتعلم‬
‫كلي المعرفة َملكته اللّسانية ِ‬
‫ناضجة بلغت منزلة اإلفهام‪:‬‬
‫حوار‪:‬‬
‫المتحدث األجنبي‪ :‬أهال يا محمد‪ .‬كيفك؟ أين كنت خالل الم ّدة الماضية؟‬
‫العربي‪ :‬وهللا كنت متغيبا لظروف خاصة‪ .‬لقد توفي والدي‪.‬‬
‫األجنبي ( وقد خانه التعبير)‪ :‬أووووه أنا آسف لذلك‪.‬‬
‫العربي غاضبا‪ :‬لماذا أنت آسف؟أنت لم تفعل لي شيء!‬
‫األجنبي ( و قد أدرك خطأه)‪ :‬عظم هللا أجركم يا صديقي‪.‬‬
‫العربي متنهدا ‪ :‬شكر هللا سعيكم‪.‬‬
‫نلحظ هنا أن المتحدث األجنبي في ر ّده األول استجاب لمرجعية لغوية غير‬
‫عربية (لغته األ ّم)‪ ،‬ولسياق لغوي مختلف هو سياق اللغة األم لديه‪ ،‬معتمدا على‬
‫الترجمة الحرفية لما سمعه دون أن يراعي شروط االستجابة لسياق لغوي جديد‪ ،‬في‬
‫حين كان المتحدث األجنبي وفي إجابته الثانية قد استدرك جملة صديقه ففهم وأفهم‬
‫وذلك حين جاء ر ُّده مراعيا لالستعمال التداولي اليومي للغة العربية وللعرف اللّغوي‬
‫االجتماعي لم يكن المعنى المعجمي لكلمة "آسف" ما أدى إلى عدم القدرة على‬
‫التواصل‪ ،‬فالمتعلم يتعلم هذه الكلمة في مرحلة مبكرة جدا‪ ،‬كما أن السياق وحده ليس‬
‫السبب فهذه العبارة مقبولة في سياق مجتمعي خاص بالمتكلم لكن السياق االجتماعي‬
‫حيث تستخدم العبارة هو الذي يحدد مالءمتها أم ال‪.‬‬

‫موقف لغوي‪:‬‬
‫"ذهب ميشيل برفقة بعض األصدقاء لزيارة صديقه أحمد الذي توفي والده‪،‬‬
‫وحين وصل "بيت العزاء" قدمت له القهوة العربية (مرّة الطعم) وحين أخذ الفنجان‬
‫من يَد صديقه الذي وقف أما َمه لسكب القهوة له في فنجان خاص‪ ،‬شرب"ميشيل"‬
‫القهوة وقال لصديقه العربي الذي ظ ّل واقفا ينتظر أن يعاد الفنجان له‪" :‬دايمة"‪..‬‬
‫بمعنى (أنه يتمنى دوام حضور القهوة في بيته)‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫غير أن هذا الر ّد وفي هذا السياق االجتماعي اللغوي بالتحديد يفهم على أن‬
‫الضيف يتمنى دوام حالة العزاء في البيت الذي شرب القهوة فيه‪ ،‬إذ أن هذا الرد‬
‫يصح في حاالت الفرح وال يتناسب البتة مع مناسبات التّرح ‪ ،‬كالعزاء مثال‪.‬‬
‫فعند تدريس الحوار للناطقين بغير العربية‪ ،‬ولتكون منطلقات تدريسه ج ّدية‬
‫وحيوية تراعي التداول اللغوي والسياق الثقافي وضع ك ٌّل من‪" :‬ريشاردز و‬
‫رودجرز" خطوات لتدريس الحوار في ضوء المدخل التواصلي‪ .‬إن الحوار وسيلة‬
‫تعليم فاعلة وتسهم أيما إسهام في إيصال المتعلم إلى منزلة اإلفهام تلك التي نتغياها‪،‬‬
‫إذ أعاد رشدي طعيمه تدوين تلكم الخطوات‪ 30‬ول ّخصها على النحو اآلتي‪:‬‬
‫ت قصيرة أو حوارا مسبوقا بتمهيد يربط المعلم فيه بين‬ ‫‪ -‬يقدم المعلّم حوارا ٍ‬
‫المواقف المتعلقة بتلك الصيغ الحوارية وبين خبرات االتصال التي يتوقع‬
‫مرور المتعلّمين بها‪ ،‬وهو ما قد يستثير دافعيتهم‪ ،‬مع السماح لهم باللجوء‬
‫للّغة األم كلغة وسيطة‪.‬‬
‫‪ -‬يقدم المعلّم نموذجا لنطق الحوارات؛ فينطق كل جملة على حدة‪ ،‬ثم يلقي‬
‫جماعي و فرديّ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ذلك الحوار على مسامعهم ليحاكيه المتعلّمون تاليا بشكل‬
‫‪ -‬تثار جملة من األسئلة واألجوبة التي تستند إلى تلك الحوارات ولمواقفها‬
‫اللغوية المتصلة بها‪.‬‬
‫‪ -‬ثم تثار بعض األسئلة واألجوبة المتصلة بخبرات المتعلّمين في مواقف‬
‫لغوية مشابهة‪ ،‬وبيان أسلوبيتهم وشخصيتهم في تلك المقامات‪.‬‬
‫‪ -‬يستخلص بعد ذلك المعلّم أحد التعبيرات االتصالية الواردة في الحوار التي‬
‫شاع تداولها بين الطلبة‪ ،‬ثم يبينه أمام المتعلّمين‪ ،‬ويوضح الصّلة بينه وبين‬
‫الموقف االجتماعي الذي ورد فيه‪ ،‬وكيف عبّر المتعلّمون عن الوظيفة التي‬
‫تص ّدوا لها‪.‬‬
‫‪ -‬بعد ذاك يكلف الطالب بتعميم هذه التجربة‪ /‬الخبرة تبعا للنماذج التي‬
‫عرضت‪ ،‬وتبعا للقواعد اللغوية أو السياقية التي ستحكم التعبيرات‬
‫االتصالية المتعلقة بالموقف ذاته والتي حلِّلت مسبقا‪.‬‬
‫‪ -‬وهنا تنظّم بعض أوجه النشاط االتّصالي؛ ليفسّر الطالب من خاللها األنماط‬
‫اللغوية المستخدمة وفق مستوياتهم ورصيدهم اللغوي‪.‬‬
‫‪ -‬ويتم المزج بين نوعين من تلك األنشطة؛ كأن تكون إما نشاطات إبداعية‬
‫حرة أو إنتاجية يكلف الطالب بها لينتج جمل وعبارات من خالل أسلوبيته‬
‫اللغوية التي اكتسبها‪ ،‬فتبدأ األنشطة موجهة ثم تنتهي حرة غير مقيّدة‪.‬‬

‫‪ 30‬ينظر‪ :‬رشدي طعيمه‪ ،‬المرجع في تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى‪ ،‬مكة المكرمة‪ -‬معهد‬
‫اللغة العربية‪ .‬جامعة ام القرى‪.1985 .‬‬
‫‪27‬‬
‫‪ -‬ينسخ المعلم تلك الحوارات التي قدمت في الغرفة الصفيّة – إذا لم تكن‬
‫واردة في المنهاج المقرر‬
‫‪ -‬ثم يعطي المعلّم عينة من الواجبات المنزلية الكتابية‪.‬‬
‫‪ -‬يتم أخيرا تقويم األداء اللغوي عند المتعلّمين شفهيا وتحريريا‪.‬‬
‫إذا ثمة تلويح وإشارة إلى أهمية تدريس العبارات التبادلية تبعا لالستعمال‬
‫اليومي للغة العربية الذي يعني إحاطة المتعلم بالسياق الثقافي وبشروطه االجتماعية‬
‫المتب ّدلة‪ ،‬فالعبارات الثقافية التي تعتير جزءا من الكفاية الثقافية للمتعلم التي تعزز عن‬
‫طريق الحوار ال تحاكي فقط ثقافة معينة وإنما تؤثر على الطريقة التي يتعلم بها‬
‫الطالب اللغة ‪.)(Kramsch, 1993‬‬

‫الخاتمة‬
‫ب بعينه بقدر ما يلزم‬ ‫ٍ‬ ‫متطل‬ ‫عند‬ ‫يقف‬ ‫أن‬ ‫يمكن‬ ‫ال‬ ‫العربية‬ ‫اللغة‬ ‫تعليم‬ ‫إن‬
‫االستمرار في التفاعل واالشتباك مع اللغة وسياقاتها المتنوعة‪ ،‬وذلك نظرا لديناميكية‬
‫اللغة وتجدد المصطلحات والعبارات في اللغة وتعرضها في أحايين كثيرة إلى حذف‬
‫و قلب و انزياحات داللية تبعا لصيرورة اللغة ذاتها وسياقاتها اللغوية والسسيو‪-‬‬
‫اجتاعية المختلفة‪ ،‬فكثيرا ما كنّا نجد باعتبارنا مدرسين في حقل تعليم اللغة العربية‬
‫للناطقين بغيرها طلبة أجانب في مستويات متقدمة يخطئون في ناحية تداولهم اللغوي‬
‫من حيث الفهم واإلفهام؛ فهم كثيرا ما يستقبلون اللغة بشكل غير فاعل أو ذي معنى‪،‬‬
‫ما يؤدي تاليا إلى فش ٍل في استثمار المهارات اإلنتاجية وبالتالي في إفهام مخاطَبَهم‪،‬‬
‫وذلك ألسباب غير معهودة في الر ّد سوى سرعة المتكلم أو أثر اللهجات المحلية أو‬
‫قلة الممارسة اللغوية‪ ،‬فهي أسباب تتعلق بالسّياق اللغوي ومدى قدرة المتحدث‬
‫األجنبي االستراتيجية في التعامل مع عواطف مح ّدثه ونوازعه اللغوية‪ ،‬وكذلك نتيجة‬
‫عدم االطالع الكافي على الثقافة وشروطها االجتماعية‪ ،‬وبمدى فهمه لسيمياء اللغة و‬
‫مدلوالتها الخطابية التي تتلون و الموقف اللغوي‪:.‬‬
‫ففي البحث هذا ق ّدرنا أن الكفاية النحوية الدقيقة ليست أهم معايير الكفاية التواصلية‬
‫الذروة واألساس الذي‬ ‫(كما الحال في الكتابة) التي شئنا أن تكون منزلة اإلفهام فيها ّ‬
‫من خالله نعرف مدى قدرة المتعلم على‪:‬‬
‫‪ -‬امتالك ثقافة اللغة ومحمولها الثقافي باعتبار اللغة ملمح إنساني يتحرك مع‬
‫الزمن ويخضع لتبدالت في البنية والداللة والقصد‪.‬‬
‫‪ -‬التنبه لالستعمال اليومي للغة والتنبه للموقف اللغوي وسلوكه وللحوارات‬
‫وأساليب الرد واالستجابة اللغوية‪.‬‬
‫لقد ربط الباحثان بين اإلفهام من جهة وبين المشاركة الوجدانية التي يلزم ان‬
‫يتدرّع بها المتعلّم األجنبي من جهة أخرى والتي هي اليوم متطلب ملحّ للمتعلم‬
‫اإليجابي‪ ،‬إذ لم يعد االعتداد بالتقعيد اللّغوي شرطا صحيا لتحقيق التواصل اللغوي‬
‫‪28‬‬
‫كسب اللغة من خالل التفاعل اإليجابي مع الثقافة‬ ‫َ‬ ‫بقدر ما يروم المتعلم ويهدف إلى‬
‫العربية والعادات واالستعماالت اليومية للغة (التداولية) تلك التي لعبت وفق علم اللغة‬
‫المعاصر دورا كبيرا في تكوين خطاب لغوي تلميحي غير تصريحي يصعب على‬
‫غير أبناء اللغة فهمه و التأتي معه ما لم يكن المتعلم األجنبي مندغما مع كل ما يحيط‬
‫باللغة من إشارات و تبعات تراثية ومعطيات حداثية عصرية أثرت في االستعمال‬
‫التداولي للغة‪.‬‬
‫فحين تكون مشاركته واشتباكه مع أهل اللغة وجدانيا متبادال يكون حينها متحدثا‬
‫مف ِهما واعيا ومتجاوزا حدود التقعيد اللغوي إلى التقعيد االجتماعي‪ ،‬وهو هنا ما يعيد‬
‫طرح سؤال الثقافة باعتبارها مهارة ال تقل عن المهارات األربعة األخرى‪ ،‬فقد غدت‬
‫ي لغة ثانية‪ ،‬ويعيد كذلك طرح دور المراكز والمعلمين‬ ‫الثقافة عصبا مهما في تعليم أ ِّ‬
‫في تعليم العربية بوصف الثقافة جانبا مهما في عملية التعلم وتحتاج إلى استثمار‬
‫واهتمام أكبر‪ ،‬إذ األمر لم يعد مقتصرا على المناهج التعليمية والوسائل الصفية بقدر‬
‫ما يحتاج إلى منظومة تعليمية متكاملة (منهجيا و المنهجيا) تغطي مساحة الثقافة‬
‫باعتبارها الحاضن الرئيس للغة الهدف‪.‬‬
‫و أخيرا‪ ،‬فإن اإلفهام هو تلك المعيارية ‪ /‬المستوى الذي تتكامل فيه صورة‬
‫المتعلم األجنبي للغة العربية الذي يمارس المهارات اللغوية‪ :‬االستقبال و اإلنتاج عبر‬
‫صياغة سليمة مستجيبة للمعطيات الثقافية المتجددة و المختلفة في بيئاتها؛ فثمة ألفاظ‬
‫و عبارات ولدت أو هجرت و تبدلت نتيجة تغير الشروط االجتماعية و التطورات‬
‫التكنولوجية والحداثية‪ ،‬تلك التي تعد اللغة سلوكا ناتجا عنها ولها‪ ،‬وبهذا فإن هذه‬
‫المنزلة تحتم بعدا بيداغوجيا جديدا؛ بعدا سيعيد طرح مشكل المنهاج و طرق‬
‫التدريس‪ ،‬ويفعل األثر اللساني في البحث و التطوير البراجماتي لهذا الحقل‪ ،‬و‬
‫للحاجة التداولية لتعلم اللغة في كل مناحي العملية العلمية التدريسية‪ .‬كما أنه ال بد من‬
‫تالزمية تعليم اللغة جنبا إلى جانب الثقافة لتحقيق مستوى مقبول من الكفاية الثقافية‬
‫في كل مستوى من مستويات الكفاية اللغوية )‪ )Lampe, 2017‬لذا فإن مستويات‬
‫تعليم اللغة العربية المعروفة وكذلك امتحانات التقييم اللغوي باتت تحتاج معايير أبعد‬
‫من التقعيد اللغوي فتكون معايير وصفية تضع اإلفهام باعتباره بوابة االتصال مع‬
‫اللغة العربية‪ ،‬وال يستثني األمر طرائق التدريس التي تحتاج لتجديد يعزز لغة الحوار‬
‫ويسرّع في إنماء حصيلته اللغوية وفاعليتها في التداول الفعلي الحرّ ‪.‬‬
‫على أن معايير المجلس األمريكي (اكتفل) ذاتها لم تتطرق في محدداتها‬
‫لمصطلح (اإلفهام) وكانت تكتفي بذكر عبارة "الحدود القصوى التي يبلغها الطالب‬
‫حين يؤدي مها ّمه اللغوية‪ 31،‬فكانت هذه الحدود القصوى تبعا لمعايير آكتفل وفي كل‬

‫‪31‬‬
‫ينظر اكتفل بنسختها العربية في الرابط اآلتي‪:‬‬
‫‪https://www.actfl.org/publications/guidelines-and-manuals/actfl-proficiency-‬‬
‫‪29‬‬
‫مهارة من المهارات تذكر دونَ تأطي ٍر لها أو تحدي ٍد لسقف نهائي أو معيار حتمي يعني‬
‫لحسن‬
‫ِ‬ ‫متعلم لها من غير أبنائها وبين اب ٍن لها‪ ،‬وذلك نتيجة‬
‫ٍ‬ ‫نجاح عملية التواصل بين‬
‫استقبال و أدا ِء النّاطق لها من غير أبنائها‪ ،‬فحتى المستويات العليا في اكتفل‬
‫والمعروفة بـ"المتميز" كانت تكرّ ر في توصيفاتها للمتعلم المصنّف في ذلك المستوى‬
‫ال سيما في المهارات اإلنتاجية كـالتحدث و الكتابة عبارة استخدام المتعلم للخطاب‬
‫اإلقناعي و اإلفتراضي‪ ،‬لكنها تحتاج لإلسهاب و الشرح لتصل إلى ما يحمله المعنى‬
‫المختزل في مصطلح اإلفهام الذي يعني فضال عن إجادة المتعلم ألساسيات اللغة‬
‫العربية و قواعدها و مهاراتها يعني درجة مقبولة من قدرته على التّبالغ و التحوار و‬
‫االنخراط في مجتمع العربية بثقافته و شروطه و أعرافه المجتمعية و تقاليده‪.‬‬

‫المراجع‬
‫إبراهيم‪ ،‬هداية‪ :‬المهام اللّغوية التواصلية واكتساب اللغة الثانية‪ ،‬أعمال المؤتمر األول لتعليم اللغة‬
‫العربية للناطقين بغيرها‪ ،‬اسطنبول ‪ ،2015‬ص‪.175-153 :‬‬
‫اإلبراهيمي‪ ،‬خولة طالب‪ :‬مبادئ في اللسانيات‪ ،‬دار القصبة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪.2000 ،2‬‬
‫حجاج‪ ،‬علي وخرما‪ ،‬نايف‪ :‬اللغات األجنبية تعلمها وتعليمها‪ ،‬عالم الفكر‪ ،‬العدد ‪.1990 ،126‬‬
‫الراجحي‪ ،‬عبده‪ :‬علم اللغة التطبيقي وتعليم العربية‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬د‪.‬ط‪.2000 ،‬‬
‫زكريا‪ ،‬ميشال‪ :‬مباحث في النظرية األلسنية وتعليم اللغات‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر‬
‫والتوزيع‪ .‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪.1984 ،1‬‬
‫سليم‪ ،‬وفاء خالد‪ :‬الحاجات اللغوية واألخطاء الشائعة لدى متعلمي اللغة العربية من غير الناطقين بها‪،‬‬
‫دراسة ميدانية في معهد تعليم اللغة العربية لألجانب في مدينة دمشق‪.1989 ،‬‬
‫شكور‪ ،‬مسعودة‪ :‬تعليم اللسان العربي في البيئات متعدد األلسن‪ ،‬المجلة األردنية في اللغة العربية‬
‫وآدابها‪ ،‬المجلد (‪ ،)9‬العدد (‪ ،)3‬شعبان ‪1434‬هـ‪ ،‬تموز ‪2013‬م‪.‬‬
‫طعيمة‪ ،‬رشدي‪ :‬تعليم العربية للناطقين بغيرها؛ مناهجه وأساليبه‪ ،‬منشورات المنظمة اإلسالمية للتربية‬
‫والعلوم والثقافة‪ ،‬الرياض‪.1989 ،‬‬
‫طعيمه‪ ،‬رشدي‪ :‬المرجع في تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى‪ ،‬مكة المكرمة‪ ،‬معهد اللغة‬
‫العربية‪ ،‬جامعة ام القرى‪.1985 ،‬‬

‫‪guidelines-‬‬
‫‪2012/arabic/%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%84%D8%A7%D9%85 .‬‬
‫‪30‬‬
‫ تدريس مهارات‬،‫ أوراق الحلقة النقاشية الثانية‬،‫ مكانة القواعد في ت دريس المهارات‬:‫ داوود‬،‫عبده‬
.2000 ،‫ جامعة فيالدلفيا‬،‫اللغة العربية‬
‫ مجلة جامعة اإلمام محمد بن‬،‫ النظريات اللغوية والنفسية في تعليم اللغة العربية‬:‫ عبد العزيز‬،‫العصيلي‬
.‫هـ‬1419 ‫ ربيع اآلخر‬،22 ‫ ع‬،‫مسعود‬
،‫ المجلس الوطني للثقافة والفنون‬،‫ وسائل تنميتها‬،‫ مصادرها‬،‫ أهميتها‬:‫ الحصيلة اللغوية‬:‫ أحمد‬،‫معتوق‬
.1996 ،‫الكويت‬
.1984 .5‫ط‬. ‫ لبنان‬/‫ بيروت‬،‫ دار القلم‬:‫مقدمة ابن خلدون‬
‫ يصدرها المجلس‬،‫ سلسة عالم المعرفة‬،‫ محمود عطية هنا‬:‫ مراجعة‬،‫ نظريات التعلّم‬:‫ مصطفى‬،‫ناصف‬
.1983 ،‫ أكتوبر‬،‫ الكويت‬،‫الوطني للثقافة والفنون واآلداب‬
ACTFL proficiency guidelines (2012). Washington, DC. American Council
on the Teaching of Foreign Languages.
Alosh, M. (2017). Assessment of spoken Arabic proficiency: Issues in rating
and elicitation. In K. M. Wahba, Z. A. Taha, and L. England (Eds.),
Handbook for Arabic language teaching professionals in the 21 st century,
Volume II (pp. 269-277). New York, NY: Routledge.
Breiner-Sanders , K. , Lowe , P. , Miles , J. , & Swender , E. ( 2000 ).
ACTFL proficiency
guidelines—Speaking revised 1999 . Foreign Language Annals , 33 , 13 – 18
.
Kramsch, C. (1993). Context and culture in language teaching. Oxford:
oxford university press.
Lampe, J. (2017). Communication, curriculum and assessment. In K. M.
Wahba, Z. A. Taha, and L. England (Eds.), Handbook for Arabic language
teaching professionals in the 21st century, Volume II (pp. 109-117). New
York, NY: Routledge.

31
32
Journal of
Averroes University
in Holland

A quarterly periodical arbiter scientific journal

Editorial Board
Editor in chief Dr. Tayseer Al-Alousi
Vice of editor in cief Dr. AbdulIllah Assaigh
Editorial secretary Dr. Mohammed A. Younes

Dr. Mutaz I. Ghazwan


Dr. Safa Lutfi
Dr. Selah Germyan
Dr. Jamil Hamdaoui
Dr. Idrees Jaradat

Correspondence
Brahmalaan 18, 3772 PZ, Barneveld
The Netherlands
Website www.averroesuniversity.org
E-mail ibnrushdmag@averroesuniversity.org
NL242123028B01 Tax record - KvK 08189752 Registration number in the Netherlands
All published works are evaluated
by experts of their own field of
science and art.
Board of councelors
Prof.Dr. Jamil Niseyif UK
Prof.Dr. Aida Qasimofa Atherbejan
Prof.Dr. Amiraoui Ahmida Algeria
Prof.Dr. Jallal Al Zubaidy Iraq
Prof.Dr. Muhemmed Rabae USA
Prof.Dr. Thyaa G. AlUboudy Iraq
Prof.Dr. Khlaif M. gharaybeh Jordan
Prof. Dr. Hussein Al Anssary Iraq
Ass.Prof.Dr Aida Haouchi Algeria
Ass.Prof. Mohareb A. Alsmadi Jordan
Ass.Prof. Malikah Naiem Morroco
Account number: Account number 489607721 :ABN AMRO
DE HEER T.A.A. AL ALOUSI H/O
AVERROES UNIVERSITY IN HOLLAND
Brahmalaan 18
3772PZ
BARNEVELD
BIC ABNANL2A
IBAN NL35ABNA0489607721
The price of an issue is €10,00 or its equivalent in US dollar.
Annual contribution Individuals Organizations
Anuual 60 80
Two years 110 150
Three years 160 200

All copyrights are reserved to Averroes university


Issue 27 July 2018

You might also like