You are on page 1of 53

https://coptic-treasures.

com
‫فكرة عامة عن حياة أغسطينوس‬

‫يعترب الغربيون أن أغسطينوس هو أعظم الهويت يف األلفية األوىل من اتريخ الكنيسة‪..‬‬


‫وهــو شــخصية حمــل جــدل؛ إذ أنــه املفضــل لــدى الربوتســتانت‪ ،‬فكالفــن مل يقتبــس مــن‬
‫آابء الكنيســة بقــدر مــا اقتبــس مــن أغســطينوس‪ ،‬وحتديـ ًـدا بســبب تعاليمــه عــن النعمــة‬
‫أيضــا هــو املفضــل لــدى الكاثوليــك بســبب تعاليمــه عــن دور‬ ‫اإلهليــة يف اخلــاص‪ ،‬يف حــن ً‬
‫الكنيســة‪ .‬كذلــك الكنيســة القبطيــة حتتفــل بنياحتــه يــوم ‪ 22‬مســرى – ‪ 23‬نوفمــر)‪ ..‬هــو‬
‫أيضــا شــخصية مهمــة يف دراســة اتريــخ الفلســفة؛ إذ يعتــر حمطــة يف اتريــخ الفلفســة بســبب‬
‫ً‬
‫تعميــده للفلســفة األفالطونيــة‪ .‬اجلامعــات العامــة مهتمــون بنظريتــه يف فلســفة التاريــخ‪،‬‬
‫وإســهاماته يف هــذا قبــل ابــن خلــدون يف الفلســفة اإلســامية‪ ..‬ســادت أفــكاره طـوال فــرة‬
‫العصــور الوســطى يف الغــرب‪ .‬فيمــا يلــي أهــم احملطــات الرئيســية يف حياتــه‪:‬‬
‫ •‪354‬م ولــد يف اتغســطا‪ ،‬ســوق أخــرس يف اجلزائــر حاليًــا‪ ..‬مــن أم مســيحية‪،‬‬
‫مونيــكا‪ ،‬وأب وثــي ابتريســيوس‪..‬‬
‫ •‪ 371‬انتقــل إىل قرطاجــة ليكمــل تعاليمــه‪ ،‬كان عمــره ‪ 17‬ســنة‪ ،‬وكانــت قرطاجــة‬
‫مدينــة ماجنــة‪.‬‬
‫ •‪ 372‬تزوج بفتاة بشكل غري شرعي‪ ،‬وأجنب منها ابنه أديوداتس‪.‬‬
‫ •‪ 375‬انظم إىل بدعة املانويني ملدة ‪ 9‬سنوات «كمستمع»‬
‫ •‪ 383‬ذهب إىل روما وأصبح استا ًذ يف اخلطابة‪.‬‬
‫ •‪ 386‬انتقــل إىل ميالنــو‪ ..‬تــرك املانويــة‪ ..‬بعــد لقــاء مــع أكــر مفكريــن املانويــة‬
‫(فســتوس)‪ ..‬ومــرض مــرض شــديد‪ ..‬وتــرك الفتــاة‪ ..‬انضــم لفــرة قصــرة‬
‫للشــكوكيني‪ ..‬مث بــدأ حيضــر عظــات أمربوســيوس الــذي اقــرح عليــه ق ـراءة كتــب‬
‫األفالطونيــن (أفلوطــن)‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫دليل قراءة اعرتافات أغسطينوس‬

‫ •‪ 387‬اهتدائــه للمســيحية يف حديقــة ميالنــو‪ ..‬واعتمــد يف نفــس العــام‪ ..‬مث عــاد‬


‫إىل قرطــاج واختلــى مــع بعــض األصدقــاء لدراســة الكتــاب املقــدس والتأمــل‪.‬‬
‫ومساعدا لالسقف مث أسقف على مدينة هيبو‪.‬‬
‫ً‬ ‫ •بعد ‪ 5‬سنني رسم كاهنًا‬
‫ •‪ 430‬تنيــح أغســطينوس‪( .‬أكثــر مــن ‪ 230‬كتــاب‪ ..‬أمههــا االعرتافــات‪ ..‬وكتــاابت‬
‫ضــد املانويــن‪ ،‬والبالجيــن‪ ،‬وتفســر املزامــر والتكويــن‪ ،‬واملؤلــف الضخــم بعن ـوان‬
‫«مدينــة هللا»‪ ..‬وغريهــا)‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫دليل قراءة اعترافات أغسطينوس‬

‫يف حماضــرة للفيلســوف الكاثوليكــي بيــر كريفــت بعن ـوان «كتــب ال متــوت حــى‬
‫تقرأهــا» يقــول إن كتــاب االعرتافــات هــو أهــم كتــاب بعــد الكتــاب املقــدس‪ .‬راعــي‬
‫هــذا التعبــر يف البدايــة‪ ،‬لكــن مبــرور الوقــت قربــت مــن تصديــق هــذا‪ .‬يقــول عنــه أســتاذ‬
‫الفلســفة املصــري د زكـراي إبراهيــم «إن أغســطينوس قــد عــاش فلســفته وفلســف حياتــه»‪،‬‬
‫هــذه الفلســفة الوجوديــة ظهــرت يف س ـرته الذاتيــة «االعرتافــات»‪ ،‬والــي جيمــع كثــر‬
‫مــن مؤرخــي الفســلفة أهنــا «حتفــة اندرة» يف اتريــخ الرتاجــم الذاتيــة‪ .‬كمــا يضيــف أن‬
‫االعرتافــات ليــس جمــرد ســرة ذاتيــة ألغســطينوس بــل هــو «درامــا حيــة تصــف لنــا الســبيل‬
‫الشــاق الــذي تنتهجــه النفــس البش ـرية يف حبثهــا عــن اخلــاص»‪ .‬ويقــول أغســطينوس‬
‫نفســه يف كتــاب «االســتدراكات» أن القصــد مــن كتابــة االعرتافــات هــو «إاثرة النفــس‬
‫والعواطــف حنــو هللا»‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب األول‬
‫البدايات‬

‫أغســطينوس بيبــدأ كتابــه ابحلديــث عــن عظمــة هللا‪ ..‬وعــن اإلنســان اجلــزء احلقــر مــن‬
‫خملوقــات هللا‪ ..‬اإلنســان الــذي تســكنه «جرثومــة املــوت»‪ ،‬لكنــه مشــتاق لتســبيحه‪..‬‬
‫ويقــول أشــهر مجلــة حمفوظــة مــن كتــاب االعرتافــات «نفوســنا ســتظل حائــرة قلقــة إال أن‬
‫جتــد راحتهــا فيــك»‪ .‬هــذا القلــب غــر املســتقر جيعلنــا منجذبــن هلل‪ ..‬مث يقــول إزاي ادعــو‬
‫ربنــا وأان مــش عارفــه؟ ويصــل إىل نتيجــة أنــه الزم يدعــوه علشــان يعرفــه‪ .‬طــب نفــرض انــه‬
‫اســتجاب لدعوتك‪ ..‬كيف نتســع حنن خلالقنا؟ «أين أدعوك وأان فيك؟»‪ .‬هل ميأل هللا‬
‫كل األشــياء جبملته أم بشــكل جمزأ‪ .‬واإلجابة أنه حيوي كل شــيء وال ُيوى من شــيء‪.‬‬

‫والدته وطفولته املبكرة‬


‫ابلطبــع مــش هيتذكــر لــذا ســيعتمد علــى آخريــن‪« :‬مــا الــذي أقولــه ايرب؟ أجهــل‬
‫كيــف أتيــت إىل هــذا العــامل! أقــول إىل هــذه احليــاة امليتــة؟ أو إىل هــذا املــوت احلــي؟» (‪:1‬‬
‫‪ .)7 :6‬بــس اللــي متأكــد منــه أنــه حــى لــو أبــواي وأمــي مهــا اللــي أوجــدوين «فــا أمــي‬
‫مــأت ثدييهــا‪ ،‬وال مرضعــايت‪ ...‬لكــن أنــت كنــت تســتخدمهن‪ ..‬أنــت وحــدك مصــدر‬
‫كل اخل ـرات»‪ .‬أغســطينوس هنــا بيأكــد علــى حمدوديتــه‪ ..‬مــش فاكــر‪ ..‬مــش قــادر‪..‬‬
‫مــش متحكــم يف عاملــه‪ .‬مث بــدأ يشــعر تدرجييًــا ابملــكان‪ ..‬ابلنــاس مــن حولــه‪ ..‬وأنــه عــاوز‬
‫يعــر عــن رغباتــه الداخليــة اللــي حمــدش يعرفهــا‪ ..‬وهنــا يــدرك بوجــود العــامل الداخلــي اللــي‬
‫بيفصلــه عــن اآلخريــن‪ ..‬وبيفصلــه عــن كيانــه اخلارجــي‪ .‬مث جيــي لتعلــم الــكالم‪ ..‬وحفــظ‬
‫أمســاء األشــياء ابإلشــارة إليهــا‪..‬‬

‫‪5‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫دليل قراءة اعرتافات أغسطينوس‬

‫مث أييت لعمليــة الرتبية‪..‬وبيعــرف أنــه كان بيحــب اللعــب بــدل املذاكــرة‪ ..‬والعقــاب‬
‫اللــي اتعرضلــه مــع ان مــن طبق ـوا عليــه العقــاب كان ـوا بيلعب ـوا مهــا كمــان «لقــد مرحنــا‬
‫وهلــوان وعاقبنــا علــى هلــوان مــن كانـوا ح ًقــا يعملــون مثلنــا‪ ،‬غــر أن توافــه الكبــار مهمــة يف‬
‫نظرهــم‪ ،‬وأعمــال الصغــار توافــه تســتوجب العقــاب» (‪ .)15 :9 :1‬بريجــع يقــول إنــه‬
‫غلطــان «مــا أحببــت العلــم‪ ..‬لــو مل يكرهــوين ملــا تعلمــت حرفًــا» (‪ .)19 :12 :1‬مث‬
‫يتكلــم عــن شــغفه ابملســرح‪ ،‬وكراهيتــه لتعلــم اللغــة اليواننيــة‪ .‬يف ذلــك الزمــن كان تعلــم‬
‫الــكالم بغــرض اإلقنــاع (اخلطابــة أو احملامــاة) وليــس لقــول احلــق‪ .‬مث حيكــي عــن فــرة‬
‫مراهقتــه وكيــف أن «طوفــان جهنمــي» تدفــق فيــه‪ ..‬وكان طريــق جهنمــي وطريــق فســق‬
‫بســبب املناظــر اخلليعــة وتعلــم كل القصــص اخلليعــة عــن اآلهلــة‪ .‬يف هنايــة الفصــل بيشــكر‬
‫ربنــا ألنــه وهبــه احليــاة‪ ،‬وذاكــرة قويــة‪ ،‬ونطــق ســليم‪ ،‬وأن كل ده «منــة وهبــة» مــن هللا‬
‫ألنــه هــو خالــق كــرمي ســخي‪« .‬شــكرا لــك علــى مــا أعطيتــي مــن نعــم‪ ..‬فأكــون معــك‬
‫ألنــك أوجدتــي»‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب الثاني‬
‫في املراهقة واجلنس‬

‫ملــا كان عنــده ‪ 16‬ســنة يقــول «كل مــا كان حيلــو يل آنــذاك هــو أن أحــب وأُحــب‬
‫(أعشــق وأُعشــق)» (‪ .)2 :2 :2‬مث تتحــول هــذه الرغبــة يف احلــب إىل شــهوة عنيفــة‬
‫يف مــن أتــون شــهوايت اجلســدية أخبــرة غمــرت قلــي وضغطــت علـ ّـي»‪،‬‬ ‫«تصاعــدت ّ‬
‫فيستســلم للتيــار اجلــارف للشــهوة مبتعـ ًـدا أكثــر عــن هللا‪« .‬ســطت علــي شــهوة جاحمــة‬
‫فســرت يف ركاهبــا عبـ ًـدا مقيـ ًـدا‪ »..‬وبيحكــي أن والديــه مل يعرضــا عليــه الــزواج‪ ..‬كان كل‬
‫مههــم هــو التعليــم‪ .‬أبــوه غالبــا كان عايــزه يتعلــم علشــان ينجــح يف حياتــه ويطلــع حمامــي‪..‬‬
‫لكــن أمــه عاي ـزاه يتعلــم هلــدف اتين‪ ..‬كان عندهــا إميــان أن تعليمــه هيوصلــه لربنــا‪..‬‬
‫لكنــه يقــول عــن أمــه «كــم حرضتــي سـ ًـرا‪ ..‬أال أرتكــب اإلمث وال ســيما ال ـزان مــع‬
‫امـرأة قريــي‪ .‬أمــا نصائحهــا فلــم تكــن يف نظــري ســوى خزعبــات نســاء أخجــل منهــا‪..‬‬
‫ـفها منهــم وقــد‬
‫ـت يف عمــاي خج ـاً مــن أن أظهــر بــن أت ـرايب أقــل سـ ً‬‫واحتقرهتــا‪ ..‬ومهـ ُ‬
‫مسعتهــم يتباهــون أبعماهلــم الدنيئــة‪« ،»..‬توغلــت يف أثــر ألــف شــهوة وشــهوة»‪ .‬أمــي‬
‫كانــت جتــول يف الش ـوارع وتدعــوين إىل حيــاة أعــف وأطهــر‪..‬‬

‫سرقة شجرة الكمثرى‬


‫احلــدث ده مهــم قــوي يف فهــم فكــر أغســطينوس‪ ..‬هــو بيكشــف مــن خــال القصــة‬
‫دي حاجــات كثــرة جـ ًـدا عــن املعضلــة البشـرية وحالــة النفــس البشـرية‪ .‬كمــان هــي قصتنــا‬
‫كلنــا‪ ..‬هــو وأصحابــه بيســرقوا شــجرة كمثــرى ابلرغــم أنــه بيقــول أنــه عنــده مــا يكفــي‬
‫منهــا وأفضــل‪ ..‬ومل يكــن هدفــه هــو التلــذذ مبــا يســرقه ولكــن ليتمتــع بفعــل الســرقة نفســه!‬

‫‪7‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫دليل قراءة اعرتافات أغسطينوس‬

‫البعض بيســخر من القصة دي على أســاس إن أغســطينوس كان بريتكب خطااي أبشــع‬
‫مــن ســرقة شــوية كمثــرى‪ ..‬لكــن ذكاء أغســطينوس خــاه يراقــب توجهــات نفســه‪ ..‬فــا‬
‫شــيء دفعــه إىل هــذا ســوى حمبــة الفعــل الشـرير يف حــد ذاتــه!‬
‫يقــول‪« :‬عزمــت علــى الســرقة وحققــت رغبــي وال حاجــة يل إليهــا! لكــن دفعــي إليهــا‬
‫طمعــا يف املســروق‬
‫فـراغ قلــي مــن العــدل‪ ..‬ســرقت مــا كنــت أملــك أفضــل منــه وأوفــر‪ ،‬ال ً‬
‫عينــه بــل حب ـاً ابلســرقة واإلمث!» شــاف كمــان أنــه مــن الناحيــة األخالقيــة ده انتهــاك‬
‫لش ـريعة مكتوبــة يف القلــب‪ ..‬والدليــل عــل أن الســارق نفســه ال يرضــى إذا ُســرق‪ ..‬وال‬
‫حــى الســارق الغــي يرضــى أن ســرقه ســارق فقــر‪.‬‬
‫تلــذذ أبكل مثــرة حمرمــة‪ ..‬حبــا ابلفعــل نفســه‪ ..‬ألنــه ال فقــر وال جعــان‪ ..‬وبيوصــف‬
‫مشــاعر العــار (اخلــزي) وليــس الذنــب‪ ..‬والداللــة إن الذنــب ده وصــف أخالقــي‪ ..‬لكــن‬
‫اخلــزي وصــف انطولوجــي‪ ..‬فينــا حاجــة وحشــة مــش عملنــا حاجــة وحشــة بــس‪ .‬وســرقة‬
‫الكمثــرى هبــذه الطريقــة تدلــل علــى أنــه ســقط يف هــوة ســحيقة يتجــاوز فيهــا الســلوك غــر‬
‫األخالقي‪.‬‬
‫بيشــرح برضــو أن اجلرميــة برتتكــب ملــا يكــون واحــد بريغــب يف شــيء لــه قيمــة أدىن‪..‬‬
‫لكــن «مــن يصــدق أن اإلنســان يقتــل أخــاه حبًــا يف القتــل؟» هنــا أغســطينوس يف احلادثــة‬
‫دي مــش بيفضــل خــر أدىن عــن خــر امســى‪ ..‬وابلتــايل شــاف ان اخلطيــة أكثــر مــن كوهنــا‬
‫مشــكلة أخالقيــة وأمنــا تتعــدى لكوهنــا مشــكلة أنطولوجيــة‪ ..‬مبعــى أخــر انــه حصــل تشــوه‬
‫رهيــب يف اإلرادة البش ـرية‪ .‬مــرة كمــان بيقــول أنــه كان بيتشــبه ابهلل يف هــذه احلادثــة‪..‬‬
‫أنــه يفعــل الشــر بكامــل حريــة دون حاجــة لشــي‪ ..‬كأهنــا حريــة (زي بتاعــة ربنــا) بشــكل‬
‫مزيــف‪ ..‬وبيوصــف إن الســرقة هــي «عــدم»‪ .‬هكــذا جنلــب العــدم إىل وجــودان اإلنســاين‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب الثالث‬
‫بداية التحول الفلسفي‬

‫بــروح قرطاجــة علشــان يــدرس اخلطابــة (أو احملامــاة)‪ ..‬كان يتــوق إىل النجــاح‬
‫والتفــوق هبــدف أنــه ميجــده النــاس فيقــول‪« :‬تعــود النــاس أن يســموا القضــاء واحملامــاة مهنًــا‬
‫شـريفة‪ ..‬فســعيت بــكل جهــدي أن أتفــوق يف علــوم يُقــاس جنــاح أصحاهبــا بنســبة كذهبــم‬
‫ونفاقهــم»‪ ..‬أمــا عــن حياتــه األخالقيــة هنــاك فيقــول‪« :‬وصلــت إىل قرطاجــة فراحــت‬
‫جائعــا إىل‬
‫مراجــل (أفـران) اهلــوى األثيمــة هتــدر حــويل‪ ..‬كنــت أصبــو إىل احلــب‪ ..‬كنــت ً‬
‫جائعــا إليــك اي إهلــي؟»‬
‫طعــام ابطــي‪ ،‬كنــت ً‬
‫بيقرأ أغســطينوس كتاب لشيشــرون اخلطيب الروماين الشــهري بعنوان «هورتنســيوس»‬
‫بيتكلــم عــن حمبــة احلكمــة‪ ،‬ويقــول أغســطينوس عــن الكتــاب «يتضمــن مقالــة حيــث النــاس‬
‫فيهــا علــى درس الفلســفة‪ ،‬فأثــر يف نفســييت وحـ ّـول إليــك أيهــا الــرب صل ـوايت‪ ،‬وقلــب‬
‫أســا علــى عقــب مجيــع أمنيــايت وأمــاينّ‪ ..‬وبقــوة غريبــة اشــتهيت احلكمــة األزليــة‪ ..‬وبــدأت‬
‫رً‬
‫أهنــض وأعــود إليــك»‪ .‬نالحــظ أن دي أول خطــوة تقريبًــا يف رجــوع أغســطينوس إىل هللا‬
‫وحتولــه الفكــري‪.‬‬
‫مث جــرب يف الوقــت ده يقـرأ الكتــاب املقــدس‪ ،‬لكنهــا كانــت جتربــة ســلبية‪ ..‬وأُســيب‬
‫خبيبــة أمــل‪ ،‬والســبب أن أغســطينوس وجــد الكتــاب املقــدس مكتــوب بلغــة التينيــة ركيكــة‬
‫مقارنــة بكتــب شيشــرون (ده كان قبــل ترمجــة ق جــروم املعروفــة ابلفوجلــاات)‪.‬‬
‫ويف قرطاجــة بينضــم كمــان إىل بدعــة املانويــة‪ ..‬لكــن كمســتمتع‪ ،‬ألن النخبــة أو‬
‫املختاريــن يف الطايفــة دي كان ـوا متنســكني إىل حــد مــا‪ ،‬وأســلوب حيــاة أغســطينوس‬
‫كانــت أقــرب إىل اخلالعــة‪ .‬خلينــا انخــد فكــرة عــن املانويــة األول‪..‬‬

‫‪9‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫دليل قراءة اعرتافات أغسطينوس‬

‫أغسطينوس واملانوية‬
‫املؤســس‪ :‬مــاين (‪ )275 -210‬ظهــر يف منطقــة يــن النهريــن (بــاد فــارس)‪ ..‬أســس‬
‫مذهــب تفصيــل مــن الزرادشــتية‪ ،‬واليهوديــة‪ ،‬واملســيحية‪ ،‬واألفالطونيــة‪ ،‬والغنوســية‪ .‬كان‬
‫أتباعهــا بينقســموا إىل فئتــن‪ :‬املختاريــن (القديســن) بيمارس ـوا نســك شــديد‪ ،‬وبعضهــم‬
‫بيمتنــع عــن الــزواج‪ ،‬واملريديــن‪ ،‬او املســتمعني (وقضــى أغســطينوس ‪ 9‬ســنوات كمســتمع‬
‫ألنــه كان يعيــش مــع معشــوقته)‪.‬‬

‫مشاكل أغسطينوس مع املانوية‬


‫ •مشــكلة الثنائيــة‪ :‬آمنــت املانويــة بوجــود مبدئــن أزليــن للخــر والشــر‪ ،‬النــور‬
‫والظلمــة‪ ،‬املــادة والــروح‪ ،‬اجلســد والنفــس‪ ،‬وص ـراع مســتمر بــن إلــه اخلــر وإلــه‬
‫الشــر‪ ،‬ملكــوت النــور وملكــوت الظلمــة‪ .‬بــن أهورامــاذدا وإهرميــان‪( .‬مشــكلة‬
‫أغســطينوس مــع الثنائيــة أهنــا بتــؤدي إىل أنــه مفيــش أي أمــل يف انتصــار اخلــر‬
‫أو الشــر‪ ..‬ألنــه صـراع أزيل ال يتوقــف والقوتــن متســاويتني‪ .‬مــن انحيــة اتنيــة ده‬
‫بيخلــي البشــر جمــرد قطــع شــطرنج ليــس هلــم أي أتثــر يف هــذا املعركــة الكونيــة‬
‫األزليــة) ومــن انحيــة اتلتــة ممكــن نســأل مــن املعيــار اللــي حــدد أن ده شــر وده‬
‫خــر‪ ..‬يبقــى الزم واحــد فــوق اآلهلــن دول! ابلرغــم أهنــا فكــرة بتحــل إشــكالية‬
‫ـري‪ ..‬لكنهــا بتخــدر ضمــر اإلنســان وبتعفيــه مــن مســؤوليته يف فعــل‬ ‫الشــر ظاهـ ً‬
‫الشــر‪ ..‬اإلنســان جــوه طبيعتــه اخلــر والشــر زي األغنيــة اللــي بتقــول «ســألت‬
‫نفســي كتــر مرســتش يــوم علــى بــر‪ ..‬أان اللــي يف خــر واال اللــي يف شــر‪ ..‬االثنــن‬
‫يف بعــض»‪ .‬مــن هنــا ممكــن نفهــم إزاي املانويــة وجــدت هــوى يف نفــس الشــاب‬
‫أغســطينوس‪ ..‬الغــارق يف امللــذات والشــهوات يف ذلــك الوقــت‪ .‬ليــه النفــس فيهــا‬
‫صـراع؟ ألهنــا ماديــة مكونــة مــن الظــام وجزئيــات للنــور‪ ..‬كأن فيهــا طبيعتــن أو‬

‫‪10‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب الثالث‪ :‬بداية التحول الفلسفي‬

‫كأهنــا نفســن‪ .‬االع ـراف يف حــد ذاتــه عمــل ضــد املانويــة‪ ..‬ألنــه يف اع ـراف‬
‫ابملســؤولية عــن اخلطيــة‪ ..‬وهــذا يتنــاىف مــع املانويــة‪.‬‬
‫ •أســطورة اخللــق‪ :‬اخللــق نتيجــة مهامجــة ق ـوات الظلمــة لق ـوات النــور فابتلعــت‬
‫األخــرة‪ ،‬فخلــق إلــه النــور العــامل وكل املخلوقــات حمبوســة فيهــا أجـزاء مــن النــور‪..‬‬
‫إلــه اخلــر بريســل رســل مــن حــن آلخــر عندهــم قــدر مــن النــور أكثــر مــن غريهــم‬
‫علشــان حيــرروا جزئيــات النــور مــن املخلوقــات دي‪ ..‬زي نــوح‪ ،‬إبراهيــم‪ ،‬زرادشــت‪،‬‬
‫بــوذا‪ ،‬يســوع‪ ،‬مــاين (خــامت األنبيــاء)‪ .‬هللا هــو رئيــس ق ـوات النــور هــو اللــي قــرر‬
‫خيلــق علشــان حيصــل حتــرر تدرجيــي للنــور‪ .‬جزئيــات النــور‪ :‬موجــودة حــى يف‬
‫الثمــار والفاكهــة‪ ..‬كان ـوا بيقول ـوا أن قطــف الثمــار كان جيعلهــا تبكــي (الســائل‬
‫اللبــي)‪ .‬والطعــام لــو أكلــه املختاريــن وصل ـوا هيحــرروا النــور النــور اللــي فيهــا إىل‬
‫آهلــة ومالئكــة‪ .‬يقــول أغســطينوس‪« :‬أخــذت بتلــك اجلهــاالت القائلــة أبن التينــة‬
‫قديســا‪،‬‬
‫دموعــا‪ ،‬حليبًــا! وإذا كان آكل التينــة ً‬ ‫املقطوفــة عــن أمهــا الشــجرة تــذرف ً‬
‫وهــو رأي مــاين‪ ..‬فإهنــا ختتلــط يف معدتــه ابملالئكــة وأبجـزاء مــن اإللــه‪ ،‬صغــرة‪ ،‬مث‬
‫اخــا‪.)18 :10 :3( »..‬‬ ‫يصعدهــا صــاة وصر ً‬
‫ •عقالنيــة املانويــن‪ :‬ســخروا مــن العقيــدة (املســيحية) اللــي بتنــى علــى اإلميــان أو‬
‫املرجعيــة‪ ..‬وزعم ـوا أن عقيدهتــم تعتمــد علــى العقــل واملنطــق واحلقائــق العلميــة‪.‬‬
‫بعضهــم قــدر يتنبــأ عــن مواعيــد ظاهــرة كســوف الشــمس‪ ..‬وكان لديهــم بعــض‬
‫احلســاابت الفلكيــة‪.‬‬
‫ •مادية املانويني‪:‬‬
‫‪ -‬مادية الشر‪ :‬كانوا بيؤمنوا ابن الشر ليه جوهر مادي‪..‬‬
‫‪ -‬ماديــة النفــس (الــروح) وإن النفــس كمــان ماديــة‪ ..‬حــى النفــس (الــروح) هــي‬
‫ماديــة‪ ..‬معتمديــن علــى أن اإلنســان ملــا بيفكــر يف الــروح ذهنــه بيجيــب صــورة‬

‫‪11‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫دليل قراءة اعرتافات أغسطينوس‬

‫نــور (مــادي) أو شــبح‪ ..‬يعــي العقــل بريفــض فكــرة الــروح وبريدهــا لصــورة جمســمة‪.‬‬
‫‪ -‬ماديــة هللا ذاتــه‪ :‬يقــول أغســطينوس «إن تصــوري إهلــي يف شــكل بشــري علــى‬
‫مثــال مجيــع الكائنــات كان الســبب الرئيســي يف ضــايل احملتــوم‪ .‬واعتقــدت بعدئــذ‬
‫روحــا ش ـر ًيرا‬
‫أن للشــر طبيعــة مماثلــة‪ .‬هلــا شــكلها اخلــاص إمــا كثي ًفــا كال ـراب‪ً ..‬‬
‫يزحــف» (‪.)20 ،19 :11 :5‬‬
‫ •اعرتاضهــم علــى العهــد القــدمي‪ :‬اعتــروه مــن أعمــال إلــه الظلمــة‪ ،‬إلــه الشــر‪ ،‬زي‬
‫الغنوصيــن‪ ..‬اعرتض ـوا علــى أفعــال القتــل والــزواج املتعــدد لــآابء البطاركــة وغريهــم‪.‬‬

‫تذرعت املانوية ابلعقالنية‪ ..‬وطرحت أسئلة على املسيحيني مل يستطيعوا أن جياوبوا‬


‫عليهــا‪ -1 :‬مــن أيــن جــاء الشــر؟ ‪ -2‬هــل هللا يف العهــد القــدمي لــه جســم وشــعر واظافــر؟‬
‫‪ -3‬هــل رجــال هللا يف العهــد القــدمي أب ـرار بينمــا كان لديهــم اكثــر مــن زوجــة‪ ،‬ويقتلــون‬
‫النــاس‪ ،‬ويقدمــون ذابئــح حيوانيــة؟‬
‫ردا علــى األســئلة دي‪« :‬مل أعلــم أن الشــر حرمــان مــن اخلــر‬ ‫بيقــول أغســطينوس ً‬
‫عاقبتــه العــدم‪ ...‬ومل أدرك أن هللا روح ال جســم لــه‪ ،‬وليــس لــه أعضــاء تقــاس‪ ...‬ومل‬
‫اعــرف أنــه مــن العــدل يف الش ـريعة أن يعطــي هللا أخــاق الشــعوب مبــا يالئمهــا طب ًقــا‬
‫لألزمنــة دون أن تتبــدل وتتغــر مــع الزمــان واملــكان»‪ .‬العدالــة نفســها‪ ..‬ولكــن العــادة‬
‫تتغــر‪« .‬هــل يتغــر العــدل أم يتطــور؟ كال! لكــن األزمنــة ال تســر علــى وتــرة واحــدة‬
‫ألهنــا أزمنــة» (‪.)13 :7 :3‬‬

‫حلم مونيكا وصالهتا‬


‫حلمــت أهنــا كانــت مهمومــة فظهــر هلــا فــى يطمأهنــا‪ ..‬ويقوهلــا مــش هيتفرقـوا‪ ..‬وحيــال‬
‫أغســطينوس يبوظلهــا احللــم ويعكــس معانيــه‪ ..‬مبعــى هــي اللــي تبقــى مانويــة مــش هــو اللــي‬
‫يبقــى مســيحي‪ ..‬وحــى بعــد أن أعطاهــا احللــم األمــل‪ ..‬مل تكــف عــن الدمــوع‪ ..‬وكانــت‬

‫‪12‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب الثالث‪ :‬بداية التحول الفلسفي‬

‫بــروح ألمربوســيوس ونلــح عليــه أنــه يتحــدث معــاه‪ ..‬لكنــه رفــض‪ ..‬وقاهلــا «دعيــه واكتفــي‬
‫ابلصــاة إىل هللا ألجلــه فيكتشــف بنفســه مــن خــال مطالعتــه فســاد ذلــك املذهــب‬
‫وشــره»‪ .‬وبيحكــي ان امــه كانــت مانويــة وســلمته ليهــم‪ ..‬لكنــه أكتشــف بنفســه‪ ..‬لكــن‬
‫كالم أمربوســيوس مل يقنعهــا‪ ..‬نفــذ صــره «اذهــي عــي اي أمـراة وثقــي أبن هــذه الدمــوع‬
‫لــن يهلــك أبـ ًـدا» (‪ )21 :12 :3‬واعتــرت اجلملــة دي صــوت مــن الســماء‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب الرابع‬
‫الضائع والباقي‬

‫يف الكتاب الرابع يبدأ أغسطينوس بقوله أنه كان يسعى «وراء شعبية رخيصة»‪ ،‬يف‬
‫املبــارايت الشــعرية‪ ..‬ويف نفــس الوقــت بيتبــع خرافــات املانويــن وبيقــدم أطعمــة بيقولـوا أهنــا‬
‫تتحــول إىل آهلــة ومالئكــة! فهــو هــو يتأرجــح بــن النجــاح أمــام النــاس واخلرافــة أمــام ذاتــه‪.‬‬
‫لكنــه يقــول‪« :‬شــاهدت مــن خــال الدخــان الكثيــف شـرارات ‪ flashes‬نيــي املســتقيمة‬
‫الصاحلــة لتعليــم الطــاب»‪ .‬حــى لــو هيعلــم ليهــم األابطيــل يف ش ـرارات نيــة ســليمة‪..‬‬
‫متامــا علــى النفــس‪.‬‬
‫الســقوط مل يقضــي ً‬
‫مث حيكــي عــن عالقتــه مبعشــوقته‪ ،‬وبيقــول إن العالقــة دي علمتــه الفــرق بــن الــزواج‬
‫واحلــب الشــهواين‪ .‬الــزواج وســيلة شــرعية إلجنــاب البنــن‪ ،‬والعالقــة الشــهوانية بيحصــل‬
‫اإلجنــاب رغمــا عــن والديهــم‪ ،‬وابلرغــم مــن كــده بيفرضـوا حمبتهــم علــى والديهــم‪ .‬رمبــا يشــر‬
‫هنــا إىل إبنــه مــن هــذه العالقــة «أديوداتــوس»‪ ،‬اللــي كان بيحبــه فعـاً‪.‬‬
‫يف الفــرة دي اقــرب إىل املنجمــن غالبًــا ألهنــم زي املانويــن قال ـوا «إن للشــر‬
‫وزحــل ومــارس إلــه احلــرب»‪ .‬وهــم‬ ‫احملتــوم أصــا يف الســماء‪ ..‬هــذه مشــيئة فينــوس ُ‬
‫بذلــك يعصمــون اإلنســان مــن الغلــط فيلقونــه علــى خالــق الســماء ومدبرهــا‪ ..‬أمــا‬
‫اخلالــق فمصــدر كل عــدل وهــو جيــازي كل واحــد حبســب عملــه‪ .‬يعــي كلــه مقــدَّر‬
‫ومكتــوب‪ ..‬وأان مــش مســؤول‪ .‬نقــدر نفهــم مــرة اتنيــة ملــاذا وجــدة هــذا التنجيــم هــوى‬
‫يف نفــس الشــاب أغســطينوس‪ ..‬عــاوز يتحــرر مــن ثقــل الذنــب واملســؤولية‪ .‬بيقابــل‬
‫طبيــب بيحــاول يشــككه يف كالم املنجمــن‪ ..‬وبيقولــه هــي «تراهــات ال طائــل‬
‫ـان» قالــه «مصادفــات‬ ‫منهــا»‪ .‬فلمــا قالــه «ملــاذا يتحقــق كالم املنجمــن بدقــة أحيـ ً‬

‫‪14‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب الرابع‪ :‬الضائع والباقي‬

‫طبيعيــة»‪ .‬لكــن أغســطينوس عجــز عــن نبــذ هــذه اخلرافــات برغــم مــن نصيحــة‬
‫صديقــه نربيديــوس‪.‬‬

‫جتربة موت صديقه‬


‫معــا إىل املدرســة ولعبنــا‬
‫معــا وذهبنــا ً‬
‫كان صديــق دراســة‪ ..‬يقــول عنــه «ترعرع ـران ً‬
‫معــا»‪ ..‬أغســطينوس كان مســؤول كمــان أن هــذا الصديــق يبعــد عــن هللا وخــاه ينضــم‬ ‫ً‬
‫للمانويــن‪ ..‬بيمــرض صديقــه‪ ..‬وهــو علــى فـراش املــوت بيعمــدوه‪ ..‬أغســطينوس بيقــول‬
‫ـخا يف قلبــه حــى اآلن هــو مــا تعلمــه‬‫«مل أعــارض ألين كنــت أعتقــد أن مــا ال ي ـزال راسـ ً‬
‫مــي‪ ،‬ال مــا كانـوا جيرونــه علــى جســم فاقــد احلــس»‪ .‬لكــن ملــا بيســتعيد صحتــه بيفاجــئ‬
‫بعكــس كــده‪ ..‬وبيهــزر أغســطينوس معــاه يف األمــر ده فوجــد صديقــه يغضــب‪« ..‬إن‬
‫أردت أن حتافــظ علــى صداقتنــا فــا تتلفــظ بكلمــة عــن املوضــوع»‪.‬‬
‫عاودتــه احلمــى مــرة أخــرى‪ ،‬ومــات‪ .‬فغــرق أغســطينوس يف احلــزن‪ .‬ذاق مـرارة وعذوبــة‬
‫الدمــوع‪ ..‬مث تعلــق ابحلــزن أكثــر مــن تعلقــه بصديقــه‪« ..‬أحسســت بكــره شــديد للحيــاة‬
‫ابق إىل األبد»‪ .‬وبيقول‬ ‫وخبوف أشد من املوت»‪ .‬بيقول إن كان بيحب صديقه «كأنه ٍ‬
‫أزاي أان كمــان ممتــش مــع أنــه كان «نصفــه اآلخــر»‪« ...‬وقلبًــا واحـ ًـدا يف جســمني»‪.‬‬
‫«تعلقــت بشــخص كأنــه لــن ميــوت أبـ ًـدا يف حــن هــو ميشــي إىل املــوت»‪ .‬اجلملــة األخــرة‬
‫فيهــا تلميــح لنفــس فكــرة‪ :‬احليــاة امليتــة‪ ،‬أو املــوت احلــي‪ ..‬اللــي قاهلــا يف الكتــاب األول‪.‬‬
‫مــا املفتــاح هلــذه املعضلــة؟ هــل حنــب أصدقائنــا أم ال‪ .‬اإلجابــة بيقوهلــا أغســطينوس‬
‫«مــا أســعد مــن حيبــك وحيــب صديقــه وعــدوه حبًــا بــك! إنــه لــن خيســر عزيـ ًـزا عليــه ألنــه‬
‫حيــب الــكل يف شــخص مــن ال يســتطيع أن خيســره أبـ ًـدا‪ .‬مــن سـواك حنــب وحنــب اجلميــع‬
‫فيــه؟» (‪ .)14 :9 :4‬هنــا أغســطينوس بيعلمنــا شــعار يف احليــاة ‪(love everything‬‬
‫)‪ in God‬حــى يكــون للحــب ده دميومــة‪ .‬وإال كان كل شــيء إىل زوال‪( .‬فكــرة املثلــث‬

‫‪15‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫دليل قراءة اعرتافات أغسطينوس‬

‫العالقايت‪ :‬هللا‪ ،‬اآلخر‪ ،‬وأان‪ ..‬وكلما اقرتبنا إىل هللا اقرتبنا أكثر من بعض‪ ..‬مأخوذة من‬
‫هــذا املعــى)‪ .‬صديقــك (اآلخــر بشــكل عــام) مــش هــو اخلــر األمســى‪ ..‬لــو بنيــت حياتــك‬
‫عليــه‪ ..‬فأنــت موعــد مــع البــؤس‪ .‬واي شــيء تربطــه بربنــا ميضعــش!‬

‫بيذكر أغســطينوس كتاب من أتليفه امسه «اجلميل واملناســب»‪ ..‬كمان بيذكر أنه‬
‫قـرأ ق كتــاب «املقــوالت» ألرســطو‪ ..‬أغســطينوس يف كتــاب اجلميــل واملناســب بيحــاول‬
‫يضفــي الالحمدوديــة ‪ infinitize‬علــى األشــياء احملــدود ‪ ،finite‬مبعــى أنــه ميجــد يف‬
‫األشــياء اجلميلــة‪ ..‬أمــا يف كتــاب املقــوالت كان بيحــاول إن يضفــي احملدوديــة ‪finitize‬‬
‫علــى غــر احملــدود ‪ infinite‬اللــي هــو هللا؛ ألن أرســطو وضــع شــوية حمــددات نوصــف‬
‫بيهــا أي شــيء موجــود زي املــكان والزمــان والكميــة‪..‬إخل‪ ،‬وهــذا ال ميكــن أنــه ينطبــق‬
‫علــى هللا‪ .‬عــاج األمــر األول إنــه يعــرف إن خالــق كل مــا هــو مجيــل ومناســب هــو هللا‬
‫غــر احملــدود وليســت األشــياء اجلميلــة‪ .‬وأن املقــوالت ال تســتخدم إال بشــكل جمــازي عــن‬
‫هللا ألن هللا غــر حمــدود‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب الرابع‪ :‬الضائع والباقي‬

‫فهم أغســطينوس أن مأســاتنا أننا بنضع بديل عن هللا‪ ..‬ونشــقى عندما يضيع منا‪..‬‬
‫املعــى ده بيعــر عنــه كالتــايل‪:‬‬
‫كنت تفرحني ابألجساد اي نفسي فسبحي هللا من أجلها‪ ،‬واصعدي‬ ‫«إن ِ‬
‫ـت تفرحــن ابألنفــس فليكــن حبــك‬ ‫مبحبتــك منهــا إىل صانعهــا‪ ..‬وإذا كنـ ِ‬
‫هلــا يف هللا‪ ،‬ألهنــا تتغــر وال تثبــت إال يف هللا الــذي بدونــه هتلــك ومتــوت‪.‬‬
‫فليكــن حبــك هلــا يف هللا‪ ..‬حتبــون اخلــر واخلــر فيــه‪ ،‬وال طعــم للخــر وال لــذة‬
‫مبقــدار مــا يكــون فيــه‪ .‬واحلــاوة تنقلــب إىل مـرارة إذا كان طالبهــا يتخلــى‬
‫عــن هللا ويبحــث عنهــا مبعــزل عــن خالقــه!‪ ..‬ال راحــة حيــث تبحثــون! احبثـوا‬
‫عنهــا يف موضــع آخــر! تطلبــون احليــاة الســعيدة يف داير املــوت‪ ،‬وكيــف‬
‫تكــون احليــاة ســعيدة حيــث ال حيــاة؟» (‪.)18 :12 :4‬‬

‫يعــرف أغســطينوس يف النهايــة إنــه مل يســتفد شــيئًا مــن الكتــب اللــي قرأهــا‪ ..‬حــى‬
‫الكتــب والقـراءة ال جتلــب الســعادة يف ذاهتــا‪ .‬يقــول «مــا الفائــدة منهــا وأان الــرق املســتعبد‬
‫لشهوايت الشريرة؟ وجدت لذة فيها ولكن مل أميز بني احلقيقة والصواب‪ ،‬إذ كان ظهري‬
‫للنــور ووجهــي حنــو األشــياء الــي كانــت منــارة بــه‪ ،‬حبيــث أن وجهــي نفســه الــذي كنــت‬
‫أرى بــه األشــياء املنــارة‪ ،‬مل يكــن منـ ًـارا»‪ .‬وبيقــول «كان ذكائــي احلــاد ســببًا هلالكــي»‪.‬‬
‫يف املقابــل بيتأمــل النــاس البســطاء يف الكنيســة «مــا الضــرر الــذي يلحــق بصغــارك ذوي‬
‫دومــا بقربــك‪ ،‬وانتظــروا أبمــان يف عــش كنيســتك إىل أن ينبــت‬ ‫الفهــم البطــيء‪ ،‬وأن ظلـوا ً‬
‫ريشــهم‪ ،‬ويغــذوا إبميانــك األقــدس أجنحــة حمبتهــم؟»‬

‫‪17‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب اخلامس‬
‫ترك املانوية‬

‫الكتــاب ده بيوصــف وصــول اخلــاف بــن املانويــة واملســيحية لــدى أغســطينوس إىل‬
‫ذروتــه‪ ..‬ويف النهايــة بيوصــل إىل تــرك املانويــة ليصبــح موعــوظ يف الكنيســة اجلامعــة‪ .‬كيــف‬
‫حــدث هــذا؟ كالتــايل‪ :‬يف البدايــة أغســطينوس بيقــول إنــه تعمــق يف ق ـراءة بعــذ الكتــب‬
‫الفلســفية وبــدأ يقارهنــا مــع خرافــات املانويــن‪ ..‬وبيحكــي أنــه وجــد يف الكتــب الفســلفية‬
‫دي حاجــة كويســة‪ ..‬زي أهنــم قــدروا يتنبــأوا بكســوف الشــمس مث ـاً‪ ..‬لكنــه بيقــول‬
‫إيــه فايــدة كــده وهــم «متعامــن غــن الكســوف الباطــي الــذي يعرتيهــم»‪ .‬فعـاً «كشــفوا‬
‫النقــاب عــن بعــض املوجــودات‪ ،‬لكنهــم مل يطلبـوا‪ ..‬احلــق الــذي أبدعهــا»‪ .‬مث يؤكــد «مــا‬
‫أشــقى اإلنســان الــذي يعرفهــا كلهــا وجيهلــك! ومــا أســعد مــن يعرفــك وإن كان جيهلهــا!»‬
‫(‪ .)7 :4 :5‬واللــي يعــرف االثنــن «ال يســعد هبــا بــل يســعد بــك»‪ .‬هللا هــو موضــوع‬
‫التمتــع‪ ..‬وأي شــيء آخــر يســتخدم كأداة هلــذه الغايــة األهــم‪ .‬هــذا ال يعــي أن معرفــة‬
‫نظــام الطبيعــة أو العلــم غــر مهــم‪ ..‬لكــن قيمتــه مبقــدار مــا يوصلنــا لربنــا‪ ..‬البحــث العلمــي‬
‫ـان يهاجــم أغســطينوس‬ ‫ليــس غايــة يف حــد ذاتــه‪ ..‬وإال أصبــح فضــوال ال طائــل منــه‪( .‬احيـ ً‬
‫أبنــه ضــد العلــم)‪.‬‬
‫مث يوجــه نقــد ملؤســس املانويــة ذاتــه‪ ،‬مــاين‪ ،‬أبنــه ‪ -1‬لــه معرفــة حمــدودة ابلعلــوم‪ ..‬لكنــه‬
‫بيكتــب عنــه كأنــه مرجعيــة‪ -2 ..‬ليــس لــه معرفــة ابلفلــك والنجــوم‪ ..‬وملــا اتزنــق ادعــى‬
‫األلوهيــة املزهومــة أبنــه الباراقليــط‪ ..‬هــذا كــرايء مــاين‪ .‬يف املقابــل األخ املســيحي حــى لــو‬
‫معنــدوش العلــم ده يكفيــه إميانــه ابهلل‪.‬‬
‫مــن انحيــة اتنيــة بيقــول ط ـوال ‪ 9‬ســنوات يف املانويــة كان عنــده أســئلة‪ ..‬مل يقــدر‬

‫‪18‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب اخلامس‪ :‬ترك املانوية‬

‫ـرا‪..‬‬
‫املانويــون أن جييبــوه عليهــا‪ ..‬وكان ـوا بيحيلــوه إىل فســتوس عنــد عودتــه‪ ..‬فجــاء أخـ ً‬
‫الرجــل اللطيــف الفصيــح‪ ..‬لكــن أغســيطنوس تعلَّــم أن «قــول احلــق ليــس ح ًقــا ألنــه‬
‫جــاء يف أســلوب فصيــح‪ ،‬وليــس ابطـاً ألنــه أســيء اإلفصــاح عنــه»‪« .‬احلكمــة واجلهــل‬
‫كاألطعمــة املفيــدة واملضــرة‪ ،‬واألســلوب الظريــف واخلشــن كآنيــة الطعــام»‪.‬‬
‫بعــد مقابلــة فســتوس يقــول‪« :‬ظهــر يل جهلــه التــام ابلعلــوم احلــرة مــا عــدا قواعــد‬
‫اللغــة‪ »..‬وشــوية حاجــات اتنيــة‪ ..‬أمــا عــن تســاؤالت أغســطينوس فالرجــل نفســه‬
‫اعــرف بعــد كفائتــه‪ ..‬وأغســيطنوس قـ ّدر كــده «تواضــع الــروح أمجــل مــن العلــوم الــي‬
‫ـت أتــوق إىل معرفتهــا»‪ .‬بعــد كــده فــر محاســه متامــا للمانويــة «وانتظــرت بــزوغ‬ ‫كنـ ُ‬
‫فجــر جديــد»‪.‬‬
‫بيســافر إىل رومــا‪ ..‬رغمــا عــن إرادة أمــه‪ ..‬وأصيــب ابحلمــى الشــديدة يف رومــا‪.‬‬
‫ويف رومــا اتصــل ابملانويــن اللــي هنــاك‪ ..‬وحلــد ذلــك احلــن‪ ..‬كان بيعتقــد زي املانويــن‬
‫أن النفــس جمــرد متفــرج‪ ،‬وان الشــخص ال يــام علــى شــره‪ ،‬وان الشــر ده مشــكلة عنــد‬
‫اإلنســان‪ ،‬لكن ليس أن اإلنســان هو نفســه املشــكلة‪ .‬املانوية تقدم أعذار للنفس وتتهم‬
‫«قــوة غريبــة» فينــا هــي اللــي بتغلــط‪ .‬أغســطينوس بيعــرف أنــه هــو اللــي بيغلــط‪ ..‬وده‬
‫بيخليــي منقســم علــى ذايت‪« .‬وبقــدر مــا كنــت أنفــي اخلطيــة عــن نفســي كان يصعــب‬
‫ـرا للثنائيــة املانويــة‪.‬‬
‫علــي الشــفاء والــرء منهــا»‪ .‬وابلتــايل ظــل أسـ ً‬

‫انتقاله إىل الشكوكيني‬


‫«اعتقــدت‪ ..‬إذ يقولــون إن الشــك يف كل شــيء واجــب‪ ،‬واإلنســان عاجــز عــن‬
‫فهــم كل حقيقــة»‪( .‬تبــي الشــك كمنهــج مفيهــوش مشــكلة طاملــا أنــه يكــون وســيلة‬
‫للوصول إىل اليقني‪ .‬لكن الشك املطلق يف الوصول إىل أي يقني هو ده اللي غلط‪..‬‬
‫و ‪.)self refutable‬‬

‫‪19‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫دليل قراءة اعرتافات أغسطينوس‬

‫لقاؤه أبمربوسيوس‬
‫يتكلــم عــن اســتقباله مــن أمربوســيوس «اســتقبلين رجــل هللا الشــهري اســتقبال أب‬
‫البنــه‪ ...‬وأخــذت أحبــه‪ ..‬وواظبــت علــى حضــور مواعظــه»‪ .‬ووجــد أســلوبه أكثــر عذوبــة‬
‫مــن فســتوس‪ ..‬وتعليــم خالصــي خــايل مــن األكاذيــب‪ ..‬وبــدأ يفتــح قلبــه تدرجييــا ليــه‪..‬‬
‫ودخلــت مــع هــذه احملبــة احلقائــق‪ ..‬مث بــدأ يكتشــف قــوة العقيــدة املســيحية‪ ..‬خاصــة‬
‫بعدمــا مســع أســلوب أمربوســيوس الرمــزي‪ /‬الروحــي يف شــرح الكتــاب املقــدس؛ ألن‬
‫أمربوســيوس كان مشــبع أبســلوب أورجيانــوس وفيلــو الســكندري‪ .‬مث يصــل إىل رفــض‬
‫املانويــة ويصبــح موعوظًــا يف الكنيســة اجلامعــة‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب السادس‬
‫أغسطينوس ممزق النفس‬

‫أمــه حلقــت بــه يف رومــا‪ ..‬وفرحهــا برتكــه للمانويــة‪ ..‬وقالتلــه‪« :‬لقــد وعــدين يســوع‬
‫املســيح ابن أراك مســيحيا مؤمنًــا قبــل مــويت»‪.‬‬
‫وبعــد كــده بيعمــل زي ‪ contrast‬بــن فســتوس (اســقف املانويــة) وأمربوســيوس‬
‫(أســقف الكنيســة اجلامعــة)‪ :‬فســتوس لطيــف ودود لكــن ســرعان مــا كشــف عــن جهــل‬
‫ابحلقيقــة‪ .‬أمربوســيوس يظهــر أنــه عــارف احلــق‪ ،‬لكــن كالمــه قليــل‪ ..‬وأغســطينوس مــش‬
‫عــارف يوصلــه‪ .‬فســتوس بيتكلــم كتــر‪ ..‬بــش معنــدوش حاجــة يقوهلــا‪ ..‬أمربوســيوس‬
‫عنــده اللــي يقولــه‪ ..‬لكــن مــش بيتكلــم كتــر بــل كان «يق ـرأ بصــوت منخفــض‪ ..‬لئــا‬
‫يضطــر إىل شــرح نــص غامــض‪ ..‬تلبيــة لطلــب مســتمع معجــب ابلق ـراءة»‪.‬‬

‫ماذا تعلم أغسطينوس من أمربوسيوس‬


‫ •إن اخللــق علــى الصــورة ال يعــي أن هللا لــه صــورة إنســان‪ ..‬ودي نقطــة كان‬
‫أغســطينوس بينتقدهــا لوقــت طويــل‪.‬‬
‫ •الكنيســة بتؤمــن أن هللا «أيهــا املتســامي والقريــب‪ ،‬اخلفــي والظاهــر‪ ،‬أيهــا احلاضــر‬
‫بكليتــك يف كل مــكان مــن دون أن حيــدك مــكان‪ ،‬لقــد صنعــت اإلنســان علــى‬
‫صورتــك ومل تشــاطران صورتنــا اجلســدية»‪.‬‬
‫ •املانويــن قالـوا ان اجلســد شــر‪ ..‬ففــرح أغســطينوس أن هللا ليــس لــه جســد‪( ..‬لكــن‬
‫الكنيســة مــش بتقــول إن هللا ملــوش جســد ألن اجلســد وحــش‪ ،‬لكــن ألن اجلســد‬

‫‪21‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫دليل قراءة اعرتافات أغسطينوس‬

‫طبعــا خبــاف تدبــر التجســد)‪ ..‬فيمــا بعــد هيعــرف أغســطينوس أن‬ ‫حمــدود‪ -‬وده ً‬
‫كل خليقــة هللا صاحلــة مبــا فيهــا اجلســد والنفــس‪.‬‬
‫ •اتعلــم كمــان التفســر الرمــزي للكتــاب املقــدس‪ ،‬وكان داميــا امربوســيوس بــردد يف‬
‫عظاتــه آيــة «احلــرف يقتــل لكــن الــروح حيــي»‪.‬‬
‫ده اللــي خــاه يقــول «منــذ ذلــك الوقــت اخــرت اإلميــان املســيحي اجلامــع»‪ ..‬ومل‬
‫جيــد فيــه رايء املانويــن‪ ..‬اللــي كانـوا بيهـزأوا ابإلميــان ومهــا بيعتمــدوا علــى حقائــق علميــة‬
‫ال يســتطيع إثباهتــا ألهنــا مــن صميــم اخلرافــة‪.‬‬

‫حادثة الشحاث السكران‬


‫مرة كان راجع بعد إلقاء قصيدة يف مدح اإلمرباطور ليصفق هلا اجلمهور‪ ..‬فبيشوف‬
‫شــحات فرحان وســكران يف الشــارع‪ ..‬و«كان قلبه فريســة للهموم»‪ .‬بيقارن حاله حبال‬
‫الشــحات كالتــايل‪ :‬الشــحات أقــل منــه إجتماعيــا وعلميــا ومهنيــا‪ ..‬لكــن الشــحات‬
‫فرحــان وأغســطينوس مهمــوم‪ ..‬مــش قــادر يبقــى ســعيد يف حياتــه‪ .‬جناهــد ونكــد ونــرزح‪..‬‬
‫ورمبــا لــن نصــل إىل ســعادة مثــل ســعادة هــذا الشــحات‪ .‬بقــروش قليلــة جلبــت عليــه‬
‫الســعادة‪ ..‬وهــو ابلــه ســنني بيــدور علــى ســعادة قدهــا ومــش القــي‪ .‬صحيــح بيعــرف أهنــا‬
‫ســعادة مؤقتــة لكــن عــارف كمــان ان الســعادة اللــي بيــدور عليهــا مــش حقيقيــة‪ .‬وحــى‬
‫مــش قــادر يتمــى يكــون مــكان الشــحات‪ .‬لكــن يف نفــس الوقــت بيقــول‪« :‬مــا كان حيــق‬
‫ـدرا بســبب علومــي‪ ..‬إن علمــي مل يــزدين ســعادةً» علشــان‬ ‫يل أن أعتــر نفســي أرفــع قـ ً‬
‫ده علــم إلرضــاء النــاس فقــط‪ .‬وعــارف أن الشــحات هينــام ويصحــى مــن ســكره‪ ،‬لكنــه‬
‫هــو بينــام ويصحــي ســكران‪ .‬الشــحات وجــد ســعادته يف الســكر‪ ،‬وأغســطينوس بيطلبهــا‬
‫يف اجملــد‪ .‬لكــن أي جمــد اي هللا؟ أي جمــد ده اللــي مــش هنالقيــه فيــك؟ دي ســعادة زائفــة‬
‫وجمــد ابطــل‪..‬‬

‫‪22‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب السادس‪ :‬أغسطينوس ممزق النفس‬

‫هــذا الشــحات أســعد مــي! ليــه؟ مــش علشــان كان مغمــور ابلفــرح وأان ابهلمــوم‪..‬‬
‫لكــن ألنــه حصــل علــى مخــره ببعــض الدعــاء للنــاس ابلســعادة‪ ،‬يف حــن كنــت أســعى أان‬
‫إىل اجملــد الباطــل عــن طريــق الكــذب والنفــاق‪.‬‬
‫اتكلــم أغســطينوس عــن صديقــه ألبيــوس وعــن صديقــه نربيديــوس‪ ..‬وقــال إن مهــا‬
‫الثالثــة كانـوا مرتدديــن لســه مل يصلـوا بعــد إىل احلقيقــة الثابتــة اللــي تقــدر ختليهــم يكفــروا‬
‫حبياهتــم املاضيــة ويعيش ـوا حيــاة جديــدة‪.‬‬

‫اقرتاب الذورة‬
‫أغســطينوس يف هــذه احلالــة ممــزق علــى اآلخــر‪ ..‬بيفكــر أنــه دلوقــت عنــده ‪ 30‬ســنة‬
‫وال يـزال يتخبــط يف احلمــأة‪ ..‬وبقالــه ســنني طويلــه بيقــول‪ :‬بكــرة فســتوس جيــي وجياوبــي‬
‫ويفهمــي‪ ..‬بعديــن يــروح للفالســفة الشــكاك‪ ..‬فيقوهلــم يف حقيقــة ينفــع منشــي حياتنــا‬
‫عليهــا‪ ..‬يقولــوه أل‪ ..‬فهــم حاجــات حلــوة يف الكتــاب املقــدس‪ ..‬بــس لســه خمــدش قـرار‪..‬‬
‫أين أجد احلقيقة؟ كيف أحبث عنها؟ الساعة مش بتوقف‪ ..‬والعمر بيمر‪..‬‬
‫بعدهــا بيفكــر يف اجلـواز‪ ..‬بيهجــر حمظيــة علشــان مينفعــش يتجــوز وهــي معــاه‪ ..‬كان‬
‫فراقهــا صعــب عليــه جـ ًـدا «أصيــب قلــي جبــرح بليــغ ألنــه تعلــق هبــا بشــدة»‪ ..‬تقــدم لفتــاة‬
‫صغــرة‪ ..‬أقــل بســنتني مــن الســن القانــوين للــزواج‪ ..‬مل يتحمــل أن يبقــى بــا امـراة فعاشــر‬
‫حمظيــة أخــرى‪« ..‬لتغذيــة مرضــي النفســي»‪.‬‬
‫مث ظــل يتحــدث مــع صديقيــه عــن اخلــر األمســى والشــر األعظــم‪ ..‬وقــال أبيقــور كان‬
‫هيبقــى عنــده حــق يف ان اخلــر األمســى هــو يف «حيــاة اللــذة» لــو لــو ينكــر خلــود النفــس‬
‫واحلســاب‪ ..‬كامن أغســيطنوس ابلرغــم مــن كــده مؤمــن خبلــود النفــس وبقائهــا بعــد املــوت‪..‬‬
‫حــى انــه قــال يف (‪« )19 :11 :6‬لــو انتهــت حيــاة اإلنســان ابملــوت الطبيعــي ملــا فعــل‬
‫لنــا كل هــذه األفعــال العظيمــة»‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب السابع‬
‫الرؤية الداخلية ‪inner vision‬‬

‫يف الفصــل ده بيقـرأ شــوية كتــب فســلفية بتخليــه يتعمــق يف نفســه ويدخــل جواهــا‪..‬‬
‫املشــكلة األساســية يف الفصــل ده هــي «كيــف نــرى هللا؟» طاملــا أن كل شــيء بنشــوفه‬
‫هــو خمتلــف عنــه‪ .‬مــن املشــكالت الفرعيــة للفكــرة دي‪ :‬مشــكلة الشــر يف العــامل‪ ،‬لكنهــا‬
‫هتتحــل بســهولة لــو حلينــا املشــكلة األوىل األساســية‪ .‬لكــن كالعــادة بتظهــر مشــكالت‬
‫أخــرى‪ ،‬مبجــرد مــا يقتنــص حملــة عــن هللا‪ ،‬عايزهــا تــدوم‪ ،‬لكنهــا مــش هتــدوم‪ ،‬لذلــك حيتــاج‬
‫للمســيح‪ ،‬الوســيط‪ ،‬املتجســد‪ ،‬علشــان يكــون هــو طريقنــا لوطننــا الســماوي الــذي رأه‬
‫أغســطينوس مــن بعيــد‪.‬‬
‫الكتــاب الســابع بيقــدم حــل للمشــكالت العقليــة اللــي وردت يف الكتــاب‬
‫الســادس‪ .‬يف البدايــة هيلخــص املشــكالت‪ ،‬وبعــد كــده هيقــدم حلهــا بعــد مــا ق ـرأ‬
‫الكتــب األفالطونيــة‪ ،‬مث بعــد كــده‪ ....‬ولذلــك الكتــاب الســابع هــو مركــز كتــاب‬
‫االعرتافــات‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬املشكالت‬
‫مشــكلة أغســطينوس الشــاب هــو أنــه مــش قــادر يفكــر يف هللا إال أنــه شــيء مــادي‪،‬‬
‫نــور الســماء‪ ،‬اللــي ممكــن يتشــاف ابلعينــن‪ .‬ودي طريقــة املانويــن‪ ،‬ألن النزعــة املاديــة‬
‫كانــت قويــة عندهــم‪ .‬كان ـوا بيعتقــدوا أن الشــر لــه جوهــر‪ ،‬وإن اإللــه الصــاحل ال ميكــن‬
‫خيلق شر‪ ،‬وابلتايل جوهر الشر ده موجود منذ األزل زي هللا‪ ،‬وهي دي الثنائية املانوية‪.‬‬
‫أغســطينوس قبــل كــده (‪ )19 10 :5‬بيقــول «إن تصــوري إهلــي يف شــكل بشــري‬

‫‪24‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب السابع‪ :‬الرؤية الداخلية‬

‫علــى مثــال مجيــع الكائنــات كان الســب الرئيســي والوحيــد لضــايل احملتــوم»‪ .‬مــش قــادر‬
‫أغســطينوس أنــه يتصــور هللا روح حمــض‪.‬‬
‫لكنــه دلوقــت ســاب املانويــن‪ ،‬لكــن الزم يتخلــص مــن الفكــر املــادي‪ .‬التخيــل عنــد‬
‫أغســطينوس جــاي أصــا مــن الصــور اللــي بتلتقتهــا احلـواس اخلمــس‪ .‬وابلتــايل كــده كــده‬
‫هيخــص تصــوره عــن هللا لتصــورات ماديــة‪« .‬الصــور الــي تعــودت عينــاي التنقــل عليهــا»‬
‫هــي أشــكال يطــوف بينهــا عقلــي‪ .‬ده اللــي بيخليــه يتصــور هللا حيتــل مســاحة معينــة‪..‬‬
‫فكره املادي بيخليه يتصور هللا منتشــر يف كل مكان من الكون‪ ،‬زي املية يف الســفنجة‪.‬‬
‫لكــن ده معنــاه جتزئــة‪ ..‬وأنــه يف الفيــل هيكــون أكــر مــا يكــون يف العصفــور‪« .‬وإذ تكــون‬
‫األشــياء مألنــة منــك يســتوعب جســم فيــل منــك أكثــر ممــا يســتوعب جســم عصفــور‪..‬‬
‫ألن الفيــل أضخــم» (‪.)1 :7‬‬
‫يف الفصــل األول أغســطينوس بيقــول أنــه آمــن أن هللا غــر قابــل للتغيــر والتبديــل‬
‫والفســاد‪ ..‬لكــن إميانــه ده كان لســه ملــوش أســاس راســخ‪ .‬مكنتــش كفايــة فكرتــه عــن‬
‫أن هللا غــر قابــل للفســاد أهنــا تطــرد عنــه التصــورات اخلاطئــة املاديــة عــن هللا‪ .‬لكــن عــدم‬
‫قابليــة هللا للفســاد هيســتخدمها يف دحــض املانويــن‪ .‬يف البدايــة املانويــن كانـوا بيعتقــدوا‬
‫أن الشــر املــادي هاجــم اخلــر املــادي‪ ،‬ودخل ـوا يف معركــة ممــا أدى إىل احنبــاس النفــوس‬
‫(خملوقــة مــن النــور) يف األجســاد احلقــرة الشـريرة‪ .‬صديــق أغســطينوس نربيديــوس قاهلــم‪:‬‬
‫مــاذا لــو مل ختتــار اخلــر أنــه يصــد اهلجــوم؟ هــل كان هيحصــل شــيء وحــش لقـوات النــور‬
‫أو للنفــوس؟ وده دليــل علــى ان هللا قابــل للتغــر حنــو األسـوأ‪ .‬ولــو هللا غــر قابــل للفســاد‬
‫فع ـاً تبــوظ كل أســطورة املانويــن‪.‬‬
‫النفــوس هــي جــزء مــن هللا‪ ،‬النــور اإلهلــي‪ ،‬حبســب املانويــن‪ ،‬وتعرضــت للتغيــر لألسـوأ‬
‫أيضــا قابــل‬
‫عندمــا احنبســت يف أجســاد بش ـرية‪ .‬وابلتــايل الزم يســلم املانويــون أن هللا ً‬
‫للتغــر‪ .‬أغســطينوس مؤمــن أن النفــس خملوقــة مــن هللا وهــي قابلــة للفســاد لكــن احتادهــا‬
‫ابهلل مينــع عنهــا الفســاد‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫دليل قراءة اعرتافات أغسطينوس‬

‫أغســطينوس كان قــال إن «نشــاطي العقلــي ايل شــكلت بــه هــذه الصــور هــو‬
‫شــيء خمتلــف مكنــش يقــدر يشــكل الصــور دي إال إذا كان أعظــم منهــا» وهنــا كأنــه‬
‫بيقــول عقلــي اللــي بســتخدمه لتخيــل األشــياء املاديــة هــو غــر مــادي‪ ..‬وغــر منتشــر يف‬
‫الفضــاء‪ ..‬ويف نفــس الوقــت مــش عــدم لكنــه شــيء عظيــم جـ ًـدا لكــن ليــس مــن جهــة‬
‫احلجــم والقيــاس‪.‬‬
‫طــب ليــه النفــس بتجــد صعوبــة يف رؤيــة نفســها؟ ألننــا مركزيــن النظــر علــى األشــياء‬
‫اخلارجيــة‪ ،‬وليــس داخــل نفوســنا‪ .‬لذلــك قــال‪« :‬نــور عيــي مل يبــق معــي‪ ..‬وأان خــارج‬
‫نفســي» (‪ .)11 :7 :7‬ده نــور عيــي العقــل حنصــل عليــه ملــا نصحــي نوعيــة أخــرى مــن‬
‫البصــر‪ .‬وابلتــايل القــي نفســه مســتعبد لألشــياء املاديــة‪ ،‬ونفســه مظلمــة‪ ،‬وأعطــى ظهــره‬
‫لربنــا جــوه نفســه ألنــه خــارج نفســه‪.‬‬

‫اثنيًا‪ :‬احللول‬
‫احلــدث املهــم أنــه هيقـرأ بعــض كتــب األفالطونيــن‪ ..‬وقــال أهنــا كانــت بتعلــم حاجــه‬
‫شــبه الكتــاب املقــدس‪ ..‬بــس خمتلفــة‪ .‬األفالطونيــن قالـوا أنــه فيــه لوغــوس أزيل هــو النــور‬
‫الداخلــي «الــذي يضــيء لــكل أنســان آت إىل العــامل»‪ ،‬وخبــاف املانويــن قال ـوا أن‬
‫النفــس ليســت هــي النــور‪ ،‬مــش مصدرهــا هللا‪ ،‬لكنهــا تشــهد للنــور‪ .‬وان النفــوس هتســعد‬
‫فقــط لــو أخــذت مــن «ملئــه» وجتــددت حبكمتــه‪ .‬لكــن الكتــب دي مل تذكــر التجســد‪..‬‬
‫ممكــن يكــون فيهــا كالم عــن اللوغــوس األزيل لكــن مفيهــاش عــن جتســد هــذا اللوغــوس‪.‬‬
‫(شيشــرون قبــل كــده اتكلــم عــن احلكمــة‪ ..‬واملســيح هــو حكمــة هللا)‬
‫يف خــاف عــن إيــه هــي الكتــب األفالطونيــة دي‪ ،‬لكــن الرتجيــح لكتــب أفلوطــن‪.‬‬
‫افلوطــن أكــد علــى أن هللا غــر قابــل للتغيــر والفســاد‪ ،‬وبعكــس املانويــن أكــد أن‬
‫مشــاركتنا يف النور اإلهلي ال جتعلنا جزءً من جوهر هللا‪ .‬يف نصح بيلمح ليه أغســطينوس‬

‫‪26‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب السابع‪ :‬الرؤية الداخلية‬

‫كتــر يف مقــال أفلوطــن (اتســوعات أفلوطــن ‪ )8 :6 :1‬عــن اجلمــال كالتــايل‪:‬‬


‫«كيــف تكــون هــذه الرؤيــة ومــا الســبيل إليهــا؟ كيــف يُشــاهد هــذا اجلمــال‬
‫العظيــم وهــو كاملمتنــع وراء أعتــاب قــدس األقــداس‪ ..‬لنلحــق هــذا اجلمــال‬
‫‪ ..‬ونــدع املنظــورات وراءان‪ ..‬وال نلتفــت بعــد إىل هبجــة األجســاد‪..‬‬
‫فالواجــب عنــد إدراكنــا للجمــال يف األجســام األ نتهافــت إليــه‪ ،‬بــل نتنبــه‬
‫إىل أنــه ارتســام وأثــر وظــل‪ ،‬فنفــر إىل ذلــك الــذي هــو أصــل االرتســام‪.‬‬
‫ألن مــن أســرع إىل هــذا اجلمــال يف األجســاد قاصـ ًـدا أن ُيســك بــه علــى‬
‫أنــه احلــق‪ ،‬حــدث لــه مــا حــدث لذلــك الرجــل الــذي تســر إليــه القصــة‪..‬‬
‫رأى صــورة مجيلــة تطفــو علــى وجــه املــاء‪ ،‬فــأراد أن يقبــض عليهــا‪ ،‬فرمــى‬
‫نفســه يف عبــاب النهــر فاختفــى (يقصــد األســطورة اليواننيــة عــن نرجــس‬
‫اللــي كان معجــب جبملــه‪ ،‬فأخــذ حيملــق يف صورتــه يف امليــاه حــى مــات)»‬
‫يعــي النفــس عبــارة عــن هيــكل‪ ،‬وهللا موجــود بداخلــه‪ ،‬فالبــد أن نتحــول إىل الداخــل‬
‫لنـراه‪ ،‬ونــرك عنــه األمــور اخلارجيــة‪ .‬ولذلــك يشــر أغســطينوس كتــر إىل أن رجــوع االبــن‬
‫الضــال‪ ،‬هــو رجــوع إىل نفســه‪ ،‬ورحلتــه إىل األب ليســت رحلــة ماديــة عــر الفضــاء‪ ،‬بــل‬
‫كمــا يقــول أغســطينوس «إن مــن يبتعــد عنــك مث يعــود إليــك ال يقطــع أدىن مســافة‪ .‬وهــل‬
‫اختذ االبن الشــاطر يف ســفره خيوالً ومركبات وســفنًا» (‪ ،)28 :18 :1‬وهو أيخذ هذا‬
‫التشــبيه مــن اتســوعات أفلوطــن ‪:‬‬
‫«أرض أبينــا فمــن هنالــك جئنــا‪ ،‬وهنالــك جنــد أابان‪ .‬ومــا هــو ذلــك الســفر‬
‫دائمــا مــن‬
‫ـرأ علــى األقــدام‪ .‬فاألقــدام تنقلــك ً‬ ‫واهلــرب؟ إنــه لــن يتــم لــك سـ ً‬
‫أرض إىل أرض‪ .‬كمــا أنــه ال ينبغــي عليــك أن تســرج خيـاً أو تســر علــى‬
‫مركــب يف البحــر‪ .‬بــل الواجــب أن تتخلــى عــن تلــك األمــور وال تنظــر‬
‫إليهــا‪ ،‬فتنبــه فيــك‪ ،‬بــدال مــن بصــرك احلســي‪ ،‬بصـًـرا آخــر‪ ،‬متوافـًـرا لــكل منــا‬
‫ولكــن قـ َّـل مــن يســتعمله»‪( .‬اتســوعات أفلوطــن‪ ،‬صفحــة ‪)93‬‬
‫‪27‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫دليل قراءة اعرتافات أغسطينوس‬

‫مــن الواضــح إزاي اســتفاد أغســطينوس مــن كتــب أفلوطــن‪ ..‬وهــو نفســه قــال بعــد‬
‫كــده «كتــب األفالطونيــن هبــا ألــف ســبيل إىل هللا»‪ .‬مــن انحيــة اتنيــة يقــول كوبلســتون‬
‫يف موسوعته «اتريخ الفسلفة‪ -‬ج‪« :»2‬املسيحي املقتنع بعقيدته ال ميلك إال أن ينظر‬
‫بتعاطــف وبقــدر مــن االحـرام لشــخصية أفلوطــن»‪.‬‬
‫املهــم هنــا بــدأ يفهــم أغســطينوس صــح حضــور هللا الكلــي‪ ..‬إزاي هنــرب مــن إلــه‬
‫كلــي احلضــور؟ إزاي نبتعــد مــن إلــه موجــود يف كل مــكان؟ أفوطــن قــال إن االبتعــاد‬
‫ليــس مكانيًــا بــن النفــس وهللا‪ ،‬وهــذا مــا يؤكــد عليــه أغســطينوس‪ .‬هــي حركــة النفــس‬
‫وليــس اجلســد‪ ،‬حنــن نبتعــد عــن هللا حــن نتمســك ابألمــور اخلارجيــة‪ .‬بعــد كــده هيقــول‬
‫أغســطينوس‪« :‬لقــد أتخــرت يف حبــك أيهــا اجلمــال القــدمي اجلديــد‪ .‬نعــم أتخــرت يف‬
‫خارجــا عــن نفســي! يف اخلــارج حبثــت عنــك طوي ـاً‪،‬‬
‫حبــك! أنــت كنــت داخلــي وأان ً‬
‫ـت يف قبحــي حنــوس األشــياء اجلميلــة الــي كونتهــا‪ .‬انــت كنــت معــي وأان مل أكــن‬‫ووثبـ ُ‬
‫معــك» (‪.)38 :27 :10‬‬
‫نقدر نقول دي بداية حل ملشــكالت أغســطينوس ملا بدأ يعود إىل نفســه‪ ..‬ويتوجه‬
‫حنــو الداخــل‪ ..‬وكان مصــدر التشــجيع علــى كــده هــو الكتــب األفالطونيــة ‪:‬‬
‫ـت يف صميــم فـؤادي‪..‬‬ ‫ـدت إىل نفســي بعــد هــذا التنبيــه‪ ،‬ودخلـ ُ‬
‫«إذاك عـ ُ‬
‫ـت فيــه فأبصــرت بعــن نفســي‪ ،‬مــع‬ ‫ـتطعت الدخــول يف قلــي‪ ...‬دخلـ ُ‬
‫واسـ ُ‬
‫ـورا اثبتًــا ال يتغــر»‪.‬‬
‫مــا فيهــا مــن غشــاوة‪ ،‬ومــن فــوق عيــي وعقلــي‪ ،‬نـ ً‬
‫(‪)16 :10 :7‬‬

‫توجــه أغســطينوس حنــو الداخــل‪ ،‬نظــر ألعلــى فوجــد نــور احلــق‪ ،‬أي اخلالــق الــذي‬
‫ال يتغــر‪ ..‬هــذه الرؤيــة الداخليــة حلــت لــه مشــكلة أنــه إزاي يفهــم طبيعــة هللا‪ ..‬ألنــه‬
‫شــاف أنــه نــور غــر قابــل للتغــر والفســاد‪ ..‬هللا هــو الوجــود احلقيقــي غــر املتغــر «الوجــود‬
‫ـودا وال يتغــر» (‪ .)17 :11 :7‬أو الباقــي يف ذاتــه‪ ..‬أمــا‬ ‫احلقيقــي الــذي يبقــى موجـ ً‬
‫‪28‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب السابع‪ :‬الرؤية الداخلية‬

‫عدمــا مطل ًقــا» لكنهــا موجــودة‬


‫ـودا مطل ًقــا وال ً‬
‫املخلوقــات األخــرى فهــي «ليســت وجـ ً‬
‫ألهنــا مــن هللا‪ ،‬وغــر موجــودة ألهنــا ليســت هللا‪ .‬وابلتــايل حقيقــة وجــود أي كائــن تقــاس‬
‫مبــدى قربــه مــن هللا‪.‬‬
‫مث ينتقــل إىل إشــكالية الشــر‪ ..‬ألنــه بيقــول «كل موجــود هــو خــر» (‪)18 :12 :7‬‬
‫وابلتــايل الشــر ليــس لــه جوهــر‪ ..‬وابلتــايل كل خليقــة هللا صاحلــة طاملــا كانــت يف ترتيبهــا‬
‫الصحيــح‪ ..‬والشــر األخالقــي هــو اختيــار مغلــوط‪ ..‬اختيــار ألشــياء مــش يف ترتيبهــا‬
‫الصحيــح‪ .‬النــاس اللــي بتقــول طاملــا ربنــا أعطــى حريــة إرادة يبقــى الزم هــو اللــي خلــق‬
‫الشــر (واخلــر) علشــان خيــرين بينهــم‪ ..‬لكــن الــرد علــى كــده هــو إن ربنــا خملقــش الشــر‪..‬‬
‫ألن االختيــارات الشـريرة مــش معناهــا اختيــاران ألشــياء شـريرة‪ ..‬لكــن معناهــا أننــا اخــران‬
‫بشــكل شـرير‪ ..‬فيليب كاري بيقول مجلة حلوة‪(moral evil is best described ..‬‬
‫)‪.with and adverb rather than a noun‬‬
‫ـادا يف اإلرادة عــن اجلوهــر‬
‫بيقــول‪« :‬فتشــت عــن أصــل الشــر فلــم أجــده جوهـًـرا بــل فسـ ً‬
‫األمســى‪ ،‬أي أنــت اي إهلــي‪ ،‬إىل مــا هــو أدىن» (‪ .)22 :16 :7‬واحنـراف اإلرادة بيكــون‬
‫ملــا بنخلــي أي شــيء مــن خملوقــات هللا هــو ســبب راحتنــا وســعادتنا‪ ..‬وابلتــايل اخلطيــة‬
‫معناهــا البحــث عــن الســعادة الدائمــة يف أماكــن ال ميكــن نالقيهــا فيهــا‪ ..‬وعقوبــة اخلطيــة‬
‫هــي أننــا مــش هنالقــي مــا نبحــث عنــه‪ .‬ده بيفكـران ابلفكــرة املتكــررة عنــد أغســطينوس‪:‬‬
‫«ال راحــة حيــث تبحثــون! احبثـوا عنــه يف موضــع آخــر! تطلبــون احليــاة الســعيدة يف داير‬
‫املــوت فــا جتدوهنــا‪ ،‬وكيــف تكــون احليــاة ســعيدة حيــث ال حيــاة؟» (‪.)18 :12 :4‬‬
‫نظــن أن املــال‪ /‬األصدقــاء‪ /‬اجلنــس مهــا دول ســعادتنا‪ ..‬لكنهــا جتلــب لنــا البــؤس‪..‬‬
‫حتمــا ملــا نفقــد شــيء فــاين كنــا بنحبــه‪ ..‬وكنــا نظنــه غــر‬
‫احلــزن علــى اخلســارة هيجــي ً‬
‫فــاين‪ ..‬وعم ـران مــا هنخســره‪.‬‬
‫يف هنايــة الفصــل بيتكلــم اغســطينوس عــن نــوع خــاص مــن احن ـراف اإلرادة وهــو‬

‫‪29‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫دليل قراءة اعرتافات أغسطينوس‬

‫الكربايء‪ ،‬تورم وانتفاخ النفس‪ .‬الكربايء ده هيضرب األفالطونيني وإبليس وأغســطينوس‬


‫نفســه‪ ..‬األفالطونــن فاهتــم التواضــع واحلصــول علــى النعمــة اللــي يشــفوا بيهــا‪ ..‬ومهــا‬
‫عملـوا زي اللــي شــاف وطــن الســام لكنــه مل يســتطع الوصــول إليــه‪ ..‬وأكثــر مجلــة أثــرت‬
‫فيــه هــي كالم بولــس «أان أصغــر مجيــع الرســل» (‪ .)27 :21 :7‬هــو بيشــكر ربنــا أنــه‬
‫اطلــع األول علــى كتــب األفالطونيــن‪ ،‬فقــدر ايخــد حملــة‪ ،‬وبعــد كــده قــدر ابالع ـراف‬
‫املســيحي انــه يوصــل‪ ..‬وده الفــرق بينــه وبــن األفالطونيــن اللــي بســبب انتفاخهــم مل ينزلـوا‬
‫مــن فــوق اجلبــل العــايل ليســروا يف الطريــق املتضــع ‪ ..‬طريــق املســيح‪ ..‬حــى انــه يذكــر‬
‫انــه حصــل علــى نســخة مــن هــذه الكتــب مــن شــخص غــر معــروف لكنــه كان «رجــل‬
‫مصــاب بصلــف عجيــب» (‪.)13 :9 :7‬‬

‫مديون لألفالطونية؟ (وأفلوطني)‬


‫مباذا كان أغسطينوس ً‬
‫األفالطونيــة احملدثــة بــدأت مــع أمونيــوس ســقاص‪ ،‬وســقاس معناهــا محّــال‪ ،‬وقــد ارتــد‬
‫عــن املســيحية‪ ،‬وأســس مدرســة ختــرج منهــا أورجيانــوس وأفلوطــن‪ .‬وأفلوطــن فيلســوف‬
‫مصــري ولــد يف ليكوبوليــس (أســيوط)‪ ،‬كان قــد اشــرك يف محلــة علــى بــاد الفــرس حــى‬
‫يتعلــم فلســفتهم‪ ،‬لكــن احلملــة فشــلت فلــم يرجــع إىل االســكندرية‪ ،‬وأســس مدرســة يف‬
‫بــاد اليــوانن‪ .‬مؤلفــات أفلوطــن كتبهــا فرفريــوس يف ‪ 6‬جملــدات كل جملــد حيتــوي علــى‬
‫تســعة كتــب‪ ،‬ومسيــت بتاســوعات أفلوطــن‪.‬‬
‫يقــول افلوطــن‪˝ :‬هللا هــو املوجــود األول‪ .‬يتأمــل ذاتــه فيعقــل ذاتــه (يعلــم‬
‫أنــه موجــود) فيصــدر عنــه (العقــل األول)‪ ،‬هــذا العقــل هــو صــورة هللا‪،‬‬
‫ولكنــه ليــس هللا نفســه‪ .‬ويعــود هــذا العقــل األول فيتأمــل ذاتــه فيصــدر‬
‫عنــه «النفــس الكليــة» الــي متــأ العــامل‪ .‬فرتجــع النفــس الكليــة ابلتأمــل‬
‫يف العقــل األول فيفيــض منهــا كوائــن متعــددة هــي نفــوس الكواكــب‪..‬‬

‫‪30‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب السابع‪ :‬الرؤية الداخلية‬

‫مث يســتمر األمــر حــى تصــدر عــن كل كائــن كائنــات أخــرى أقــل شــبها‬
‫ابلعقــل األول املطلــق حــى تفيــض اهليــوىل وهــي أدىن درجــات الفيــض‪..‬‬
‫ألهنــا مــادة بــا صــورة‪˝.‬‬

‫يســمي أفلوطــن «املطلــق»‪ ،‬و«العقــل الكلــي»‪ ،‬و«النفــس الكليــة» ابألقانيــم الثالثة‪.‬‬


‫املطلــق هــو هللا (وال يســتخدم كلمــة هللا)‪ ..‬هــو الواحــد الــذي ليــس لــه أي صــورة‪ ،‬ومــن‬
‫فــرط كمالــه يفيــض بوجــوده علــى املوجــودات‪ .‬العقــل الكلــي هــو لوغــوس املطلــق‪ ،‬والنفــس‬
‫الكليــة هــي لوغــوس العقــل الكلــي‪.‬‬
‫ •أول حاجــة مــن النــص‪ ..‬أنــه وجــد تشــابه بــن الثالــوث ورســالة اإلجنيــل‪ ..‬وحبســب‬
‫تعبــره كلــه متشــابه مــا عــدا غيــاب اللوغــوس‪ ،‬املســيح‪ ..‬يعــي عــدم االع ـراف‬
‫ابلتجســد‪.‬‬
‫ •هللا غري مادي‪ ..‬وعلى العكس املادة أبعد ما يكون عن الواحد (هللا)‪.‬‬
‫ •كل املوجــودات بتنبثــق مــن الواحــد وترتــد إليــه‪ ..‬هللا هــو مصــدر كل وجــود‪..‬‬
‫والعــودة إىل هللا هــي اللــي بتعمــل القلــق امليتافيزيقــي‪ ..‬املخلوقــات مــش هتجــد راحــة‬
‫أبـ ًـدا إىل يف الواحــد (هللا)‪.‬‬
‫ •وابلتايل الشر ليس له جوهر‪ ..‬بل هو غياب اخلري‪.‬‬
‫ •النفــس البشـرية غــر ماديــة‪ .‬لكــن أغســطينوس كان متحــر طــول حياتــه يف أصــل‬
‫النفــس‪ ..‬لكنــه رفــض أن النفــس يكــون ليهــا وجــود ســابق‪ ..‬وهــي خملوقــة أو‬
‫مولــودة‪.‬‬
‫ •التأمــل هــو وســيلة العقــل اإلنســاين ابالحتــاد ابهلل‪ .‬وابلتــايل العقــل هنــا هــو اللــي‬
‫دور كبــر أنــه يبعــد النفــس عــن حمبــة املخلوقــات األدىن اللــي بتســتعبد النفــس‬
‫يف اجلســد‪ ..‬وتوجيــه النفــس للواحــد‪( .‬هنــا هيختلــف أغســطينوس ويقــول إن‬

‫‪31‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫دليل قراءة اعرتافات أغسطينوس‬

‫العقــل مــش هــو العــامل احملــدد‪ .‬بــل اإلرادة‪ .‬عنــد أفالطــون اخلــاص ابلتأمــل يف‬
‫اخلــر األمســى‪ .‬لكــن عنــد أغســطينوس ابالختيــار الطوعــي أبن حتــب (احملبــة) اخلــر‬
‫األمســى‪ .‬العقــل مــش كايف أنــه خيلينــا نبطــل خطيــة‪ .‬اإلرادة هــي اللــي فيهــا مشــكلة‪.‬‬
‫العقــل واملعرفــة مــش بتخلينــا نقــدر نتغلــب علــى الشــهوات‪ .‬حمتاجــن نعمــة تعــن‬
‫إرادتنــا علشــان خنتــار حنــب هللا‪ .‬أفالطــون كان قــال إن النفــس كان ليهــا وجــود‬
‫ســابق فســقطت ملــا تركــت عنهــا التأمــل يف هللا‪ ،‬فســقطت يف اجلســد كســجن‬
‫لتقضــي فــرة عقوبــة‪ .‬النفــس كان عندهــا معرفــة بديهيــة لكــن نســيتها ملــا ســقطت‪..‬‬
‫وبتســتعدها ابلتذكــر‪ .‬لكــن أغســطينوس شــاف إن املعرفــة مــش بتخلــص اإلنســان‪.‬‬
‫ســقراط كان قــال املعرفــة تنتــج فضيلــة‪ ..‬مــن عــرف احلــق ال يظلــم‪ ..‬مفيــش حــد‬
‫بيغلــط عــن معرفــة! فقيــل لــه‪ :‬هنــاك متعلمــون خيطئــون! قــال ســقراط‪ :‬علمهــم ظـ ٌـن‬
‫وليــس يقــن‪ .‬يعــي أفالطــون تلميــذ ســقراط كان شــايف أنــك ملــا تعــرف الصــح‬
‫هتعملــه أتوماتيــك‪ ..‬طــب أان بغلــط يبقــى أنــت مــش عــارف الصــح‪ .‬أغســطينوس‬
‫حــل املعضلــة دي‪ ..‬وقــال إن املشــكلة مــش يف العقــل وال املعرفــة‪ ..‬املشــكلة يف‬
‫اإلرادة اللــي حمتاجــة نعمــة إهليــة‪ .‬ملخــص فكــرة أغســطينوس‪ :‬إحنــا حمكومــن ليــس‬
‫مبــا نعرفــه‪ ..‬بــل بــل حمكومــن مبــا حنبــه)‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب الثامن‬
‫عبودية اإلرادة‬

‫يف الفصــل الســابق وصــل أغســطينوس إىل اقتنــاع عقلــي ابملســيحية ابالســتفادة مــن‬
‫كتــاابت األفالطونيــن‪ ..‬لكــن مازالــت اإلرادة مســتعبدة للشــر‪ ..‬ومل يســلم إرادتــه بعــد‪.‬‬
‫ـت عــي كل شــك‪ ..‬توخيــت‬ ‫يف بدايــة الكتــاب بيقــول «رســخت كلمتــم يف قلــي‪ ..‬نفضـ ُ‬
‫ـات فيــك ال ثقــة فيــك‪ ..‬قلــي كان حيتــاج إىل التنقيــة مــن اخلمــر العتيــق» (‪.)1‬‬
‫أن أزداد ثبـ ً‬
‫كمــان حمتــاج يفلــر شــوية حاجــات مــن األفالطونيــة‪ ..‬وإزاي ينتقــل مــن األفالطونيــة إىل‬
‫املســيحية‪ .‬خارجيًــا يف أمــور واضحــة جـ ًـدا هريفــض الطــوح الدنيــوي واجلنــس وهيتحــرر‬
‫مــن الشــهوة‪ ..‬لكــن التغيــر ده عايــز أســاس داخلــي‪ ..‬هــو حمتــاج إعــادة توجيــه اإلرادة‪..‬‬
‫يقــول «طــاب يل أن أســلك الطريــق‪ ..‬لكــن أعوزتــي اجل ـرأة للســر يف مســاراته‬
‫الضيقــة»‪ .‬ربنــا بيحثــه يــروح يقابــل مسبلشــيانوس‪ ،‬األب الروحــي ألمربوســيوس نفســه‪،‬‬
‫فيحكيلــه عــن اهتــداء ماريــوس فيكتورينــوس‪ .‬بيحكــي أغســطينوس أنــه ق ـرأ كتــب‬
‫أفالطونيــة نقلهــا فيكتورينــوس‪ ،‬فهنــأه مسبلشــيانوس علــى ذلــك‪ .‬يؤكــد أغســطينوس أن‬
‫الكتــب األفالطونيــة «ألــف ســبيل إىل هللا وإىل كلمتــه»‪ .‬فيكتورينــوس ده كان أســتاذ‬
‫فلســفة ســابق‪ ..‬ونقــل كتــب لالتينيــة‪ ..‬وأهــم شــيء عملــه أنــه «أحــى عنقــه حتــت نــر‬
‫التواضــع وخفــض رأســه حتــت عــار الصليــب» (‪.)3 :2 :8‬‬
‫كان مــردد يف األول أن يعلــن مســيحيته علــى املــأ‪.‬ز لكــن ملــا ق ـرأ «مــن ينكــرين‬
‫قــدام النــاس‪ »...‬قــال «هيــا بنــا إىل الكنيســة‪ ،‬أريــد أن أصــر مســيحيًا»‪ .‬ابلرغــم أن‬
‫قيــادات الكنيســة قالولــه مفيــش مشــكلة أن يبقــى مســيحيا يف الســر حلساســية منصبــه‬
‫والعــداء الــذي كان ســيتعرض لــه‪ ..‬كان إعــان فيكتورينــوس لكســيحيته ســبب فرحــة‬

‫‪33‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫دليل قراءة اعرتافات أغسطينوس‬

‫يف انر الغــرة‬


‫كبــرة للكنيســة ككل‪ ..‬وملــا أغســطينوس مسكــع هــذه األخبــار قــال «شــبت ّ‬
‫لالقتــداء بــه»‪.‬‬
‫مفرحــا؟ هــل علشــان الكنيســة كســبت واحــد مشــهور‪ ..‬الســبب‬ ‫ملــاذا كان األمــر ً‬
‫خمتلــف‪« .‬إن كان بنــوك يتصــورون فيمــا مضــى قلــب فيكتورينــوس مركـ ًـزا إلبليــس وقلعــة‬
‫نفوســا كثــرة‪ ،‬فــا عجــب إن طــاروا اليــوم‬
‫حمصنــة لــه‪ ،‬ولســانه شــفرة حــادة أهلــك هبــا ً‬
‫فرحــا وحتمسـوا لــدى رؤيتهــم ملكنــا يقيــد اجلبــار ابلسالســل‪ ،‬وأيخــذ آنيتــه غنيمــة‪ ..‬آنيــة‬
‫ً‬
‫كرامــة يســتعملها الســيد لــكل عمــل صــاحل» (‪.)9 :4 :8‬‬

‫عبودية اإلرادة‬
‫يصف أغسطينوس استعباد إرادته كالتايل‪:‬‬
‫«لقــد استأســر العــدو إراديت وجعلهــا سلســلة وقيــدين هبــا؛ ألن اإلرادة‬
‫ـرا‪ ،‬وملــا‬
‫الش ـريرة مصــدر الشــهوة اخلبيثــة‪ ..‬لقــد كنــت عبـ ًـدا ذلي ـاً‪ ،‬أسـ ً‬
‫كانــت إراديت الناشــئة‪ ..‬عاجــزة عــن التغلــب علــى إراديت األوىل‪ ،‬فقــد‬
‫أصبحــت بــن إرادتــن‪ ..‬تتطاحنــان وتتجــاذابن»‪)10 :5 :8( .‬‬

‫هنــا أغســطينوس بيقــول إن أفضــل طريقــة لتفســر الشــر مــش وضــع إهلــن متنافســن‬
‫زي مــا بيقــول املانويــن‪ ،‬وال أن الشــر هــو غيــاب اخلــر زي مــا بيقــول األفالطونيــن‪،‬‬
‫ابلرغــم أن أغســطينوس متفــق مــع ذلــك‪ ..‬لكــن يف اإلرادة احلــرة الــي ختتــار الشــر طواعيــة‪.‬‬
‫إشــكالية الشــر مــش ثنائيــة أنطولوجيــة ‪( ontological‬يف تركيبــة الوجــود‪ -‬ليهــا عالقــة‬
‫ب ‪ )what‬وإمنــا وجوديــة ‪( existential‬يف كيفيــة الوجــود‪ -‬ليهــا عالقــة ب ‪..)how‬‬
‫وتظهــر أبجلــى وضــوح يف عبوديــة اإلرادة‪ .‬إشــكالية الشــر تتلخــص يف وجــود إرادتــن‬
‫وليــس مبدأيــن أزليــن للشــر‪ .‬مث وجــد أغســطينوس أتكيــد لفكــرة اإلرادتــن يف كالم بولــس‬

‫‪34‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب الثامن‪ :‬عبودية اإلرادة‬

‫«الــروح تشــتهي ضــد اجلســد‪ ،»..‬واعــرف أنــه بيميــل إىل إرادة الشــر أكثــر مــن إرادة‬
‫اخلــر‪( ..‬تذكــر أن االع ـراف ضــد املانويــة)‪.‬‬
‫أغســطينوس يف احلالــة دي كان عامــل زي اللــي بيحلــم وهــو انمي‪ ..‬كل مــا حيــاول‬
‫يفكــر يف ربنــا‪ ،‬عامــل زي اللــي عــاوز يقــوم مــن النــوم‪ ،‬وبريجــع يســتغرق يف النــوم مــن‬
‫جديــد‪« ..‬هكــذا كنــت‪ :‬مــع علمــي أن تســليم نفســي إىل رمحتــك‪ ،‬خــر يل مــن الســر‬
‫ـرا وعبـ ًـدا هلــا‪ ،‬ومسعتــك تناديــي‬
‫يف ركاب شــهوايت‪ ،‬فقــد تركتهــا حتــت رمحــة الشــهوات‪ ،‬أسـ ً‬
‫قائـاً‪ :‬قــم ايهــا النائــم مــن بــن األمـوات فيضــيء لــك املســيح» (‪ .)12‬ومل أجــد جـواب‬
‫ســوى رجــل اســتوىل عليــه النــوم ف ـراح يتثــاءب‪ ..‬اآلن‪ ،‬حاضــر‪ ،‬اآلن‪ ..‬اســتىن شــوية‪..‬‬
‫هاقــوم دلوقــت‪ ..‬ودلوقــت مــش عايــز جيــي‪..‬يف شـريعة أخــرى تقيــم يف أعضائــي‪ ..‬هــذه‬
‫الش ـريعة ليســت طبيعــة يف كيــاين بــل «ســطوة العاجــة الش ـريرة الــي تقبــض علــى النفــس‬
‫وأتســرها»‪.‬‬
‫مــن شــوية هنــأه مسبلشــيانوس علــى قـراءة كتــب األفالطونيــن وحكالــه عــن ماريــوس‬
‫فيكتورينــوس‪ ..‬بيجــي دلوقــت صديقــه بونتســيانوس وبيهنــأه ألنــه وجــد جب ـواره رســائل‬
‫بولــس‪ ..‬مث بــدأ حيكيلــه علــى الراهــب املصــري أنطونيــوس‪ ..‬وعــن األديــرة الكثــرة وحيــاة‬
‫الفضيلــة والقداســة يف الصح ـراء‪..‬‬
‫وهــو بيتكلــم كان أغســطينوس بيحــاول يهــرب مــن نفســه‪« ..‬كنــت أشــيح بنظــري‬
‫وجهــا لوجــه‪ ..‬كنــت أنــت تضعــي أمــام نفســي ألرى مــا أان‬
‫إىل الــوراء لئــا أقابــل نفســي ً‬
‫عليــه مــن الشــناعة والقبــح والقــروح واألدانس!»‪« ،‬كنــت أعــرف أمثــي هــذا‪ ،‬وكنــت أطبــق‬
‫جفــي وأتناســاه»‪« ،‬ازدت كراهيــة لنفســي وقــد وجدهتــا حقــرة»‪ .‬طــب ليــه مفســه مــرددة‬
‫«كانــت ختشــى فـراق العــادة الــي منهــا تغــرف الفســاد واملــوت»‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫دليل قراءة اعرتافات أغسطينوس‬

‫حديقة ميالنو‬
‫«ويف أثنــاء املعركــة الضاريــة تلــك‪ ..‬هرعــت إىل ألبيــوس‪ ..‬قائ ـاً‪ :‬مــاذا نعمــل هنــا؟‬
‫ـاب‪ ،‬وحنــن بعملنــا الفــارغ نتمــرغ يف اللحــم والــدم!»‬‫اجلهــال يغتصبــون الســماء اغتصـ ً‬
‫(‪ .)19‬مث انفــرد يف احلديقــة‪ ..‬وجلــس وهــو يرجتــف بشــدة‪ « ..‬وحــى ألــي تلــك الدعــوة‬
‫مــا كنــت حباجــة ال إىل ســفينة وال إىل عربــة وال إىل املســافة القصــرة الــي تفصلنــا عــن‬
‫البيــت (الحــظ لغــة أفلوطــن يف التاســوعات)‪ ..‬وصــويل إليــك رهــن إراديت‪ ..‬رهــن إرادة‬
‫قويــة صلبــة‪ ..‬متغلبــة علــى اإلرادة املتقلبــة هنــا وهنــاك»‪.‬‬
‫ـورا‪ ،‬وأتمــر ذاهتــا فــا تطــاع»‪ .‬طــب ليــه النفــس مــش‬ ‫«النفــس أتمــر اجلســد فيطيعهــا فـ ً‬
‫مطوعــاه؟ «ألهنــا ال تريــد إرادة كاملــة وال أتمــر أمـ ًـرا كامـاً‪ ،‬لكنهــا أتمــر بقــدر مــا تريــد‪،‬‬
‫وبقــدر مــا ال تريــد ينفــذ أمرهــا»‪ .‬لكــن «العــرة كلهــا يف أن النفــس مريضــة تروعهــا احلقيقــة‬
‫متامــا علــى تقــومي إعوجاجهــا حتــت عــبء العــادة» (‪.)21 :9 :8‬‬ ‫مــن دون أن تقــوى ً‬
‫احلقيقــة بتــدوس علينــا ألســفل بينمــا احلــق عــاوز يرفعنــا لفــوق‪.‬‬
‫مــرة اتنيــة هنــا بينــادي بثنائيــة اإلرادة‪ ،‬عملــن‪ ،‬قدرتــن لــإرادة‪ ،‬وليــس طبيعتــن كمــا‬
‫يقــول املانويــون‪ .‬اللــي بيقــول عنهــم هنــا «ليخــز‪ ..‬كل مــن يقولــون بوجــود نفســن خمتلفــن‬
‫جوهـ ًـرا‪ ،‬متذرعــن ابزدواجيــة اإلرادة» (‪ ،)22‬و«لــو تعــددت الطبــاع بتعــدد اإلرادات‬
‫لقلنــا بوجــود طبــاع ال طبيعتــن يف اإلنســان»‪.‬‬
‫يف ظل صراع اإلرادتني ده بيتخيل أغســطنيوس أن «اســتوقفتين األابطيل‪ ..‬خلياليت‬
‫القدميــات‪ ..‬لقــد كانــت تشــدين سـًـرا‪ ..‬وهتمــس يف أذين‪ ..‬هــر تطــردان ح ًقــا؟ أنــركك ح ًقــا‬
‫منــذ اآلن وإىل األبــد»‪ .‬وكانــت عاداتــه القدميــة بتقولــه «أتظــن أنــك قــادر علــى أن تعيــش‬
‫طوي ـاً مبعــزل عنــا»‪ .‬مث «جتلــت أمامــي قيمــة الطهــارة ومثلــت أمــام وجهــي‪ ..‬كلهــا نبــل‬
‫وشــرف‪ ..‬اندتــي لكــي اقــرب منهــا‪ ..‬بســطت يديهــا الورعتــن‪ ..‬مدهتمــا ملعانقــي‪»..‬‬

‫‪36‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب الثامن‪ :‬عبودية اإلرادة‬

‫وكانــت تبتســم يل وتشــجعين «هــل ميكنــك أن تعمــل مــا توصــل إليــه هــؤالء (القديســن)؟‬
‫مل يصلـوا إىل مــا هــم عليــه بقدرهتــم الشــخصية‪ ،‬بــل بقــوة يســوع املســيح؟ وأنــت فمــا ابلــك‬
‫تــردد بــن نعــم وال؟ الــق بنفســك بــن يديــه وال جتــزع فإنــه ال يتخلــى عنــك وال يدعــك‬
‫تســقط» (‪.)27‬‬
‫بعــد اخلواطــر دي‪ ..‬اســتوىل عليــه خجــل‪ ..‬واســتغرق يف التفكــر‪ ..‬وانفــردت‬
‫وبكيــت بشــدة اترًكا العنــان العنــان لدموعــه‪ ..‬خيــل إليــه أن صــي أو صبيــة يناديــه‪ :‬خــذ‬
‫واقـرأ‪ ..‬خــذ واقـرأ! حــس أن الســما بنتاديــه‪ ..‬وافــرك اســتجابة األنبــا انطونيــوس‪ ..‬أول‬
‫ك بِلِيَاقَـ ٍـة َك َمــا ِف النـََّهــا ِر‪ :‬الَ ِبلْبَطَـ ِر َو ُّ‬
‫الس ـ ْك ِر‪،‬‬ ‫مــا فتــح لقــى روميــة ‪ « 13 :13‬لِنَ ْس ـلُ ْ‬
‫الَ َسـ ِـد»‪ ..‬بــس مــش عايــز أكــر مــن كــده‪..‬‬ ‫صـ ِـام َو ْ‬ ‫ِ‬
‫ضاج ـ ِع َوالْ َع َه ـ ِر‪ ،‬الَ ِب ْل َ‬‫الَ ِبلْ َم َ‬
‫بيقــول أشــرق يف قلــي شــعاع طمأنينــة‪ ..‬طويــت الكتــاب‪ ..‬مث أخــذ ألبيــوس الكتــاب‬
‫ـان فَاقـْبـَلُــوهُ»‪.‬‬ ‫ضعِيـ ٌ‬
‫ـف ِف ا ِإلميـَ ِ‬ ‫وق ـرأ الباقــي حلــد مــا وصــل لروميــة ‪َ « 1 :14‬وَمـ ْـن ُهـ َـو َ‬
‫فمــد ألبيــوس يديــه لــه معتـرا الــكالم عليــه‪ .‬مث ذهــب فأخــر مونيــكا الــي فرحــت جـ ًـدا‪..‬‬
‫وجمــدت هللا‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب التاسع‬
‫مونيكا‬

‫بعــد اللحظــة اإلميانيــة الفارقــة يف البســتان (الكتــاب الثامــن‪ ،)12 -‬جــرى إىل أمــه‬
‫مونيــكا وأخربهــا مبــا حــدث‪ ،‬ففرحــت وابركــت هللا اللــي عوضهــا عــن دموعهــا الكثــر‪.‬‬
‫فيخصــص جــزء كبــر مــن الكتــاب التاســع عــن مالبســات وفــاة مونيــكا‪.‬‬
‫بعــد احلادثــة املهمــة بتاعــة حديقــة ميالنــو‪ ،‬يبــدأ الكتــاب التاســع متأم ـاً يف حياتــه‬
‫«مــن أان؟ وأي ســر مل أرتكبــه فع ـاً وقــوالً وإرادة؟ أمــا أنــت أيهــا الــرب الصــاحل‬
‫فيقــول‪َ :‬‬
‫اخرتقــت بنظــرك جلــة مــويت‪ ،‬ومــن عمــق قلــي اســتأصلت الفســاد فكفــرت بــكل مــا كنــت‬
‫أريــد واعتنقــت كل مــا تريــد أنــت» (‪ .)1‬أيــن كانــت حريــي ط ـوال تلــك الســنوات‪...‬؟‬
‫لكنــه بيقــول بعــد اهتدائــه «ســرعان مــا تلــذذت حرمــاين مــن امللــذات األرضيــة‪ ،‬وقــد كنــت‬
‫فيمــا مضــى أخشــى فقداهنــا؛ أمــا اآلن فــإين أفــرح بضياعهــا»‪ .‬ليــه؟ ألنــك تبعدهــا عــي‬
‫«ايهــا العذوبــة احلقــة الســامية وحتــل مكاهنــا اي أحلــى مــن كل لــذة»‪.‬‬

‫أغسطينوس يتخلى عن تدريس اخلطابة‬


‫يقول صممت «أال أبيع نفســي» مرة أخرى‪ ،‬وبيوصف الشــغالنة دي أبهنا «ســوق‬
‫الــكالم»‪« ،‬منــر الكــذب»‪« .‬نبهــت أهــل ميالنــو إىل ضــرورة تدبــر اتجــر كالم غــري‬
‫ألوالدهــم»‪ .‬وملــا أصيــب مبــرض رئــوي يف ذلــك الصيــف ختلــى متامــا عــن التدريــس‪ .‬أرســل‬
‫إىل أمربوســيوس لريشــده ماذا يقرأ فنصحه بقراءة ســفر أشــعياء‪ ..‬وكان جيد لذة يف تالوة‬
‫ســفر املزامــر‪ ..‬حــى أنــه عندمــا قـرأ عبــارة «اغضبـوا وال ختطئـوا» (مــز ‪ )4‬بيقــول أنــه تعلــم‬
‫أنــه يغضــب علــى ذاتــه بســبب ماضيــه لكــي ال خيطــئ فيمــا بعــد‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب التاسع‪ :‬مونيكا‬

‫معمودية أغسطينوس‬
‫ســجل يف طلــب املعموديــة مــع صديقــه ألبيــوس وابنــه أديوداتــوس «االبــن اللحمــي‬
‫خلطيئــي والــذي غمرتــه بنعمتــك»‪ ،‬وبيوصــف ابنــه علــى أنــه كان حــاد الــذكاء‪ -‬وانــه‬
‫أهلمــه ببعــض أفــكار يف كتابــه «املعلــم هــو ابــي»‪ ،‬ويقــول «كان نبوخــه يوحــي إيل شــيئًا‬
‫مــن اخلــوف املقــدس‪ ،‬ومــن س ـواك منحــه هــذا الــذكاء احلــاد»‪ ..‬شــارك أديوداتــس يف‬
‫حـوارات فلســفية ومــات يف عمــر الشــباب‪ .‬مــاذا لــو عــاش هــذا الفــى‪ ،‬هــل كان ســيصري‬
‫أغســطينوس األصغــر أم األعظــم؟ مث يعــود للحديــث عــن مونيــكا‪..‬‬

‫شخصية مونيكا‬
‫يقــول عنهــا «امـرأة يف مظهرهــا ورجــل يف إمياهنــا‪ ،‬عجــوز يف رصانتهــا‪ ،‬وأم يف حناهنــا‪،‬‬
‫ومســيحية يف تقواها!»‪.‬‬
‫ •أهنا قالت أهنا تلقت تربية حسنة ومنضبطة‬
‫ •صارحتــه أنــه تســرب إليهــا حــب شــرب اخلمــر‪ ..‬لكــن ربنــا هــو اللــي عاجلهــا مــن‬
‫هــذا الضعــف؟ (عندهــا إميــان يف نعمــة هللا الشــافية)‬
‫ •ويتحــدث كيــف كســبت مونيــكا ثقــة زوجهــا‪ ،‬برتســيوس‪ ،‬الصعــب والغضــوب‬
‫واحرتامــه‪ ،‬لتكســبه للمســيح يف هنايــة حياتــه‪« ..‬كان ميتــاز بطيبــة قلــب ال نظــر‬
‫هلا‪ ،‬ولكن كان عرضة لنوابت غضب شــديدة‪ ،‬وكانت تتداركه بكالمها وأعماهلا‬
‫أثنــاء غضبهــا» وملــا يهــدا تشــرح لــه‪..‬‬
‫ •كيف كسبت محاهتا اللي حتاملت عليها يف البداية‪..‬‬
‫دائما على السالم بني أي اثنني بينهما خالف‪..‬‬
‫ •كانت تعمل ً‬

‫‪39‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫دليل قراءة اعرتافات أغسطينوس‬

‫معا‬
‫خربة مستيكية ً‬
‫اتكئــا علــى انفــذة تطــل علــى حديقــة البيــت يف أوســتيا‪ ..‬احلديقــة أو البســتان بيفكـران‬
‫أبحــداث ســابقة‪ ..‬بســتان عــدن حيــث ال ـراءة األوىل واخلطيــة األوىل‪ .‬والبســتان اللــي‬
‫ســرقوا منــه شــجرة الكمثــرى حبًــا يف الشــر نفســه‪ ..‬وحديقــة ميالنــو اللــي شــهدت حتولــه‬
‫إىل املســيحية‪ ..‬وهــذا البســتان اللــي بيختــر فيــه خــرة روحيــة مــع أمــه مونيــكا‪.‬‬
‫بــدأوا يتكلمـوا عــن احليــاة األبديــة والقديســن‪ ..‬وأنــه مفيــش وجــه شــبه بــن ملــذات‬
‫حواســنا اللحميــة مهمــا عظمــت وأفـراح احليــاة االبديــة وســعادهتا‪« .‬مث ارتقينــا حنــو» هللا‪،‬‬
‫وختطينــا «درجــة درجــة كل مــا هــو جســدي»‪ ،‬و«ارتفعنــا متأملــن ممجديــن معجبــن‬
‫أبعمالك فينا ووصلنا إىل أنفســنا»‪ .‬ومن النفس إىل احلكمة األزلية‪« ..‬وبينما نتحدث‬
‫عن احلكمة بلغنا يف برهة من الزمن يف قفزة من قلبينا مث تنهدان اتركني ابكورة الروح»‪.‬‬
‫ابلــكاد ملسـوا احلكمــة األزليــة بوثبــة مــن قلبهمــا‪ ..‬مث يقــول «عــدان إىل ضجيــج شــفاهنا‪،‬‬
‫إىل حيــث تبــدأ الكلمــة وتنتهــي» بعكــس الكلمــة األزليــة‪..‬‬
‫يف هــذه الرؤيــة نــرى بعــض عناصــر مــن كالم أفلوطــن‪ -1 :‬العــودة إىل النفــس‪-2 ،‬‬
‫االرتقــاء وجتــاوز اهلرياركيــة األدىن للموجــودات‪ -3 ،‬تنتهــي بلمحــة للواحــد ملــدة برهــة‪..‬‬

‫يعود للحديث عن أمه‬


‫ •كانت تقول له أهنا ال تتعلق ابلدنيا سوى لرتاه مسيحيا قبل موهتا (‪.)25 :10 :9‬‬
‫ •كيــف طلبــت دفنهــا يف أي مــكان‪« ..‬ادفنــا جســدي حيثمــا أردمتــا وال تباليــا‬
‫بذلــك ولكــن يل عندكمــا طلــب واحــد وهــو أن تذكـراين أينمــا وجدمتــا علــى مذبــح‬
‫الــرب» (‪ .)27 :11 :9‬وعندمــا ســئلت ملــاذا ال ختافــن مــن دفنــك بعيـ ًـدا عــن‬
‫وطنهــا‪« :‬ليــس مــن بُعــد علــى هللا وال خــوف عليــه أال يعــرف يف آخــر الزمــان‬

‫‪40‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب التاسع‪ :‬مونيكا‬

‫واملــكان الــذي يبعثــي فيــه»‪ .‬اســتوىل عليــه حــزن شــديد بعــد وفــاة أمــه‪ ..‬كان‬
‫بيتعــزى بتــاوة املزامــر‪ ..‬وابيــات شــعرية ألمربوســيوس «اي هللا‪ ..‬اي مــن ختفــف مــن‬
‫محــل القلــوب املتعبــة وتبــدد عنهــا اهلــم والغــم»‪.‬‬
‫ •كانــت ســيدة عظيمــة (بتفكـران مباكرينــا يف الشــرق)‪ ،‬لكنــه يضــع جانبــا صالحهــا‪،‬‬
‫ويصلــي ألجــل خطاايهــا‪« :‬اتــرك هلــا ديوهنــا إن كان عليهــا مــن ديــون‪ ..‬بعــد‬
‫عمادهــا‪ .‬اتركهــا هلــا ايرب اتركهــا هلــا‪ ..‬ال تدخــل يف احملاكمــة معهــا‪ ..‬ولتنتصــر‬
‫الرمحــة علــى العــدل»‪ ..‬وبيطلــب مــن ق ـراء الكتــاب أن يذكــروا أمــه مونيــكا وابيــه‬
‫ابترســيوس اللذيــن بواســتهما منحتــي هــذه احليــاة‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب العاشر‬
‫الذاكرة البشرية‬

‫طريق الذاكرة حنو هللا‬


‫أغســطينوس هنــا بيحــاول يشــرح الطريــق الداخلــي اللــي وصلــه إىل هللا‪ ..‬فمــا ســأل‬
‫ـت؟» قالتلــه أان أنســان يف خدمــي نفــس وجســد‪ .‬واحــد‬ ‫ـت‪ ،‬مــن أنـ ِ‬
‫نفســه األول «وأنـ ِ‬
‫خارجــي واآلخــر ابطــي‪ .‬طــب لــو ابدور علــى ربنــا أســأل مــن؟ «العنصــر الباطــي هــو‬
‫يف»‪ .‬ليــه؟ ألن اجلســد بيلتقــط صــور ابحلـواس وبعــد كــده بــروح يروصلهــا للنفــس‬‫األمثــن ّ‬
‫اللــي عاملــة زي القاضــي حيكــم ومييــز فيهــا‪ ..‬وبيميــز صحــة الدليــل‪ .‬وابلتــايل بيقــول‬
‫«أود مبســاعدة نفســي أن أرتقــي إىل هللا خالقــي‪ ..‬بعدمــا أختطــى القــوة الــي تشــدين إىل‬
‫جســدي» (‪ )11‬ليدخــل يف «مســاكن الذاكــرة وقصورهــا الواســعة» (‪.)12‬‬
‫الذاكــرة اللــي بيشــبهها ابملخــزن الواســع اللــي بيخــزن كل الصــور واالنطباعــات اللــي‬
‫بســتقبلها احلـواس‪ ،‬وكمــان الذاكــرة بتقــوم برتتيبهــا وتنظيمهــا واســتدعائها عنــد الطلــب‪ .‬مــا‬
‫هــي هــذه الصــور وكيــف يقســمها أغســطينوس‪ :‬وفيمــا يلــي مــا يُســمى ابلذاكــرة احلســية‪:‬‬
‫ •صور (‪ )copy‬عن األلوان بكل أنواعها بتدخل عن طريق العني‪.‬‬
‫ •صور عن الروايح بكل انواعها بتدخل عن طريق األنف‪.‬‬
‫ •صور عن األصوات بتدخل عن طريق األذن‪.‬‬
‫ •صور عن النكهات واألطعمة‪ ،‬حادق‪ ،‬ماسخ‪ ،‬بتدخل عن طريق اللسان‪.‬‬
‫ •صور عن امللمس ‪..‬خشن‪ ،‬انعم‪ ،‬ابرد‪ ،‬ساخن‪ ،‬بتدخل عن طريق اجللد‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب العاشر‪ :‬الذاكرة البشرية‬

‫بعــد مــا خيــزن اإلنســان كل الصــور دي يف الذاكــرة‪ ،‬يقــدر بعــد كــده مييــز بــن األبيــض‬
‫واألســود حــى لــو هــو يف الضلمــة‪ ..‬ويقــدر مييــز بــن األصـوات املختلفــة حــى لــو قاعــد يف‬
‫ـان يســتدعي بعــض الصــور مــن الذاكــرة يالقــي‬ ‫صمــت كامــل‪ .‬أغســطينوس بيقــول أنــه أحيـ ً‬
‫بعــض الصــور بتطلــع بســرعة‪ ،‬والبعــض اآلخــر بيتأخــر كأنــه مــش عــاوز يطلــع‪ ..‬والبعــض‬
‫ـان جتــري بعــض الصــور وتطلــع ومتكنــش‬ ‫اآلخــر بيبقــى عــاوز تنتزعــه ابلعافيــة كــده‪ ..‬واحيـ ً‬
‫عاوزهــا‪ ..‬وكأهنــا بتربقلــك وتقولــك ˝أنــت عــاوزان‪ ..‬صــح؟˝ فيقــوم يطردهــا بيــد عقلــه حلــد‬
‫مــا يطلــع اللــي هــو عــاوزه ˝مــن بــن الغيــوم ويظهــر يل مــن داخــل خبائــه اخلفــي‪ ˝.‬لكــن‬
‫يف حاجــات اتنيــة الذاكــرة بتعملهــا! دي تُســمى ابلذاكــرة العقليــة‪:‬‬
‫املفاهيــم اجملــردة زي احلــب واحلريــة‪ ،‬أو علــوم الرايضيــات واألرقــام‪ ،‬واملعرفــة املســتمدة‬
‫مــن ق ـراءة نصــوص معينــة‪ ..‬احلاجــات دي ملهــاش واقــع خــارج العقــل علشــان الذاكــرة‬
‫تلتقطلــه صــورة‪ ..‬يعــي عمــرك قابلــت رقــم (‪)1‬؟ عمــرك قابلــت الشــعور ابخلــوف واقــف‬
‫كــده جمســم قدامــك؟ كمــان وأنــت بتــدرس نصــف قطــر الدائــرة‪ ،‬تعبــت مــن املذاكــرة‬
‫دخلــت املطبــخ فالقيــت نــص قطــر الدائــرة واقــف جنــب التالجــة؟‬
‫أغســطينوس بيقــول طــب احلاجــات دي دخلــت الذاكــرة إزاي؟ لــو ســألت العــن‬
‫هتقولــك؟ لــو ليهــا لــون يبقــى دخلــت عــن طريقنــا‪ .‬ولــو ســألت األذن هتقــول‪ :‬لــو ليهــا‬
‫صــوت معــن يبقــى إحنــا اللــي نبهنــا لوجودهــا‪ .‬ولــو ســألت األنــف هتقــول‪ :‬لــو ليهــا رحيــة‬
‫معينــة يبقــى إحنــا املســؤولني‪ .‬هنــا اغســطينوس بيقــول إن احلاجــات دي كانــت موجــودة‬
‫يف عقلــه قبــل أن يدركهــا ‪ ..‬هــي بــس مكنتــش يف الذاكــرة! وهنــا بيظهــر أتثــر أغســطينوس‬
‫ابلنظريــة األفالطونيــة عــن املعرفــة اللــي أمسهــا ˝االســتذكار‪ -‬أو األانمنســيس˝ اللــي بتقــول‬
‫أن إحنــا كان عنــدان املعرفــة دي يف وجــود ســابق‪ ،‬ونســيناها‪ ،‬وملــا بنتعلمهــا بنفتكرهــا (مــع‬
‫أن أغســطينوس ال يوافــق علــى حكايــة الوجــود الســابق دي)‪.‬‬
‫هل الذاكرة فيها حاجة اتنية؟ حاجة أمسها ذاكرة االنفعاالت‪:‬‬

‫‪43‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫دليل قراءة اعرتافات أغسطينوس‬

‫بيقــول فيهــا االنطباعــات ‪ impressions‬سـواء فــرح‪ -‬حــزن‪ -‬كآبــة‪ ..‬إخل‪ .‬وبيقــول‬


‫أن االنطباعــات دي مل تدخــل ابحلـواس‪ ،‬وإمنــا النفــس اختربهتــا مث أوكلتهــا إىل الذاكــرة‪..‬‬
‫ورمبــا الذاكــرة ســجلتها بــدون اســتئذان مــن النفــس حــى‪ ..‬ممكــن أتذكــر الفــرح حــى لــو‬
‫أان دلوقــت مــش فرحــان‪ ..‬ألن عنــدي ‪ copy‬منــه يف الذاكــرة‪..‬‬
‫بيســأل أغســطينوس‪ ..‬هــل ينطبــق نفــس الشــيء علــى النســيان؟! هــو بيقــول أنــه‬
‫ملــا بيتذكــر النســيان بيحضــر النســيان مــن الذاكــرة‪ ..‬وبيقــول إن ˝النســيان حاضــر يف‬
‫ذاكرتنــا بصورتــه فقــط‪ ،‬ألنــه لــو كان حاضـًـرا بذاتــه جلعلنــا ننســاه؟!!˝ ويقــول َمــن يقــدر‬
‫أن حيــل هــذه املعضلــة؟ ومــن يســتطيع أن جيلــي غوامضهــا؟ صــورة النســيان هــي املوجــودة‬
‫مــش النســيان نفســه‪ -‬لكنــه بريجــع يقــول إن علشــان الذاكــرة حتتفــظ بصــورة للنســيان‬
‫جواهــا يبقــى الزم ســيبق كــده وجــود النســيان نفســه كحضــور حقيقــي‪ ..‬لكــي تؤخــذ‬
‫صورتــه (‪.)25‬‬
‫لكــن لــو كان النســيان حاضــر بشــكل حقيقــي‪ ..‬إزاي الذاكــرة ممكــن تســجل صورتــه‬
‫عليهــا؟؟؟ ألن النســيان ملــا بيحضــر بيمحــو كل رســم وختطيــط؟؟؟؟ املهــم أنــه بيســتنتج‬
‫مــن كــده أنــه مهمــا بلــغ األمــر مــن الغمــوض والتعقيــد‪ ،‬إال أنــه متأكــد أنــه بيقــدر يتذكــر‬
‫النســيان‪ -‬مــع أن النســيان ده هــو اللــي بيدمــر أي ُّ‬
‫تذكــر! (ارحــم أمــي العيانــة!)‬
‫أغســطينوس عــاوز يقــول إن فكــر التذكــر نفســه أعلــى مــن الذاكــرة نفســها كمحتــوى‬
‫وأعلــى مــن النســيان نفســه كمحتــوى‪..‬‬
‫أنيت إىل نقطــة هامــة جـ ًـدا يف حديــث أغســطينوس عــن الذاكــرة؟ أغســطينوس بيقــول‬
‫كيــف أجــد ربنــا إذا مل أتذكــره؟ وبيقــول املـرأة اللــي أضاعــت الدرهــم وراحــت تــدور عليــه‪،‬‬
‫لــو كانــت القيتــه ومل تتذكــره‪ ،‬مكنتــش هتعرفــه‪ .‬يعــي مثـاً لــو انــت ضايــع منــك قلــم بلــون‬
‫معــن‪ ،‬لكــن أنــت مــش فاكــر لونــه ابلضبــط‪ ،‬فحــى لــو القيتــه مــش هتتعـَّـرف علــى القلــم‪..‬‬
‫ومــش هتكــون م ــتأكد هــل هــو ده القلــم اللــي ضــاع منــك‪ ،‬وال اللــي ضــاع منــك لســه‬

‫‪44‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب العاشر‪ :‬الذاكرة البشرية‬

‫ضايــع وده قلــم اتين خالــص‪ .‬لكــن لــو تذكرتــه كويــس هتقــول بنــرة أكيــدة‪˝ :‬أيــوه‪ ..‬هــو‬
‫ده‪ ..‬هــو ده ابلضبــط˝‬
‫وابلتــايل لــو يف شــيء إحنــا فاكرينــه ولــو جزئيًــا‪ ،‬يصبــح مــن املمكــن ملــا نالقيــه اننــا‬
‫متامــا‪ ..‬فمــش هنــدور عليــه اص ـاً‪˝ ..‬الشــيء‬ ‫نفتكــره‪ ..‬أمــا الشــيء لــو كان منســي ً‬
‫املفقــود ال نبحــث عنــه إال إذا بقينــا نتذكــره جزئيًــا‪˝.‬‬
‫أغســطينوس بيطبــق الــكالم اللــي فــات ده علــى حبثــه عــن ربنــا‪ ..‬وبيقــول أنــه ملــا‬
‫بيبحــث عــن ربنــا ‪ ..‬هــو بيبحــث عــن الســعادة‪ .‬طــب هــل الذاكــرة عندهــا صــورة خمزنــة أو‬
‫انطبــاع عــن الســعادة احلقيقيــة؟ أغســطينوس بيقــول عندهــا ابلتأكيــد‪ ..‬هــذه التأكيــد هــو‬
‫ابنيــه علــى فكــرة أن كل النــاس بــا اســتثناء بتــدور علــى الســعادة بــكل طريقــة ممكنــة‪..‬‬
‫حــى لــو كان بطريقــة غلــط‪ .‬الســعادة شــيء يعرفــه كل النــاس ˝أهنــا لشــيء يعرفــه اجلميــع‬
‫ولــو قُــدر لنــا أن نســأهلم س ـؤاالً واحـ ًـدا‪ :‬أيرغبــون يف الســعادة؟ ألجاب ـوا ابإلمجــاع ودون‬
‫تــردد‪ ،‬نعــم‪ .‬فلــو مل تكــن ذاكراهتــم حمتفظــة ببعــض الشــيء مــن هــذه احلقيقــة الــي يصبــون‬
‫إليهــا لــكان إمجاعهــم هــذا مدعــاة للشــك‪˝.‬‬
‫«أيــن عرفــوه لرييــدوه؟ وايــن رأوه ليحبــوه هبــذا املقــدار؟»‪ .‬أكيــد أمتلكنــاه يف وقــت مــن‬
‫األوقــات‪ .‬حــى اللــي بيأمــل يف الســعادة حصــل علــى ســعادة أقــل ممــا أيمــل فيــه‪ ..‬طــب‬
‫اللــي مشــفش ســعادة خالــص‪ ..‬ال يـزال عــاوز ســعادة‪« ..‬هــؤالء احملرمــون مــن الســعادة‬
‫يعرفــون شــيئًا عنهــا وإال ملــا اشــتاقوا إليهــا‪ ..‬عرفوهــا إزاي؟»‬
‫الســعادة مــش جســم علشــان يدخــل ابلذاكــرة احلســية‪ ،‬ومــش عــدد ألننــا عم ـران مــا‬
‫بنشــتاق حنصــل علــى رقــم‪ ،‬وابلتــايل مل تدخــل ابلذاكــرة العقليــة‪ ،‬يبقــى مفيــش غــر ذاكــرة‬
‫االنفعــاالت‪ ..‬ممكــن تكــون فعـاً‪ ..‬لكــن مــى اختــرت نفســي هــذه الســعادة ألتذكرهــا‪..‬‬
‫والــكالم ده مــش علــي أان لوحــدي لكــن للبشــر كلهــم‪ ..‬دي لــو معرفــة نــص نــص مــش‬
‫هتكون هبذه اإلرادة الثابتة (‪ .)31‬والزم السعادة دي تكون يف احلق‪ ..‬مش ابلكذب‪..‬‬

‫‪45‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫دليل قراءة اعرتافات أغسطينوس‬

‫مث يؤكــد اغســطينوس أن الســعادة احلقيقــة موجــودة يف هللا فقــط‪ .‬والنــاس بســبب‬
‫الســقوط ممكــن يومه ـوا نفســهم بســعادة بديلــة‪ ..‬لكنهــم بيتمن ـوا أهنــم يعيش ـوا الســعادة‬
‫احلقيقيــة‪ ،‬لكــن يبــدو أن األمــر مكلــف شــوية! ألن مفيــش ســعادة مــن غــر حــق‪..‬‬
‫والنــاس بتحــب نــور احلقيقــة‪ ،‬بــس بيكرهـوا أتنيبهــا‪˝ .‬حيبــون احلقيقــة حــن تنكشــف هلــم‪،‬‬
‫ويبغضوهنــا حــن تكشــف عــن خمبآهتــم (مــا خيفونــه)˝ هــذه هــي حالــة القلــب البشــري‬
‫األعمــى والكســول‪..‬‬
‫مث يقــول أغســطينوس أنــه حبــث عــن هللا يف ذاكرتــه ووجــده بداخلهــا‪ ..‬وتعــرف عليــه‪..‬‬
‫ألن هللا يســكن يف ذاكرتــه‪ ..‬فأدركــه عندمــا تعــرف عليــه‪ ..‬لكنــه يســأل مــرة أخــرى‪:‬‬
‫˝يف أي مكان تقيم يف ذاكريت ايرب؟‬
‫أجل‪ ،‬أين تقيم؟ أي مسكن جعلت لك فيها؟‬
‫أي معبد أنشأت لذاتك فيها؟ لقد اوليت ذاكريت شرف اإلقامة فيها‪..‬‬
‫لكين أتساءل عن اجلزء الذي تسكن فيه‪˝..‬‬
‫مث يرجــع ليجيــب علــى نفســه‪˝ :‬ملــاذا أحبــث عــن املوضــع الــذي تقيــم فيــه كأن ذاكــريت‬
‫تتضمــن أمكنــة يتميــز بعضهــا عــن بعــض؟ يكفيــي أنــك تســكن يف ذاكــريت!!‬
‫إذن هللا يف داخلنا‪..‬‬
‫لذلــك يقــول «إن ذهبنــا إليــك أو ابتعــدان عنــك فــا مســافة بيننــا»‬
‫(‪« .)37‬لقــد أحببتــك متأخـ ًـرا‪ ..‬أنــت كنــت يف داخلــي‪ ..‬ويف اخلــارج‬
‫حبثتعنــك طوي ـاً‪ ..‬أنــت كنــت معــي وأان مل أكــن معــك» (‪.)38‬‬

‫مث يطلــب مــن هللا أن يعينــه ومينحــه نعمــة ليقــدر علــى شــهوة اجلســد‪ ،‬وشــهوة األكل‬
‫والشــرب‪ ،‬وشــهوة الشــم‪ ،‬والســمع‪ ،‬والعينــن‪ ،‬ودي ابلــذات علشــان كانــت عينيــه بتهــوى‬

‫‪46‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب العاشر‪ :‬الذاكرة البشرية‬

‫الصــور اجلميلــة‪ ،‬أيقــن «أن كل مجــال‪ ..‬صــادر عــن اجلمــال األوحــد‪ ..‬الــذي تتــوق إليــه‬
‫نفــس ليــا هنـ ًـارا»‪ ،‬املبدعــون للجمــال اخلارجــي يســتقون منــه وحــده‪.‬‬
‫مث شــهوة الفضــول‪ ..‬والكــرايء ونتذكــر أهنــا كانــت العقبــة أمــام الفالســفة‪« ..‬كــن‬
‫جمــدان فيحبنــا النــاس فيــك» (‪ ،)59‬حــى أنــه بيصلــي لربنــا يكشــفله عــن خطيتــه علشــان‬
‫أخوتــه يصل ـوا ألجلــه (‪ .)62‬يف كل ده أغســطينوس بيكــرر عبــارة خطــرة جـ ًـدا «هبــي‬
‫مــا أتمــر بــه‪ ،‬ومــرين مبــا تريــد» ح ـوايل ‪ 5‬م ـرات يف الكتــاب ده فقــط‪ .‬هــذه العبــارة‬
‫سيســتخدمها بيالجيــوس ضــده فيمــا بعــد‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب احلادي عشر‬
‫إشكالية الزمن‬

‫القديــس أغســطينوس يف الفصــل احلــادي عشــر بيناقــش فكــرة طبيعــة الزمــن‪ .‬وخلــق‬
‫العــامل‪ .‬بيبــدأ أبول آيــة يف الكتــاب املقــدس «يف البــدء خلــق هللا الســماوات واألرض»‪.‬‬
‫فــكل خملــوق ليــه بدايــة‪ .‬وابلتــايل الزمــن طاملــا بيتغــر يبقــى خملــوق ليــه بدايــة‪ .‬لكــن كيــف‬
‫يتعامــل هللا األزيل مــع اخلليقــة الــي تعيــش يف الزمــن‪.‬‬
‫يبــدأ الفصــل بعبــارة‪˝ :‬هــل جتهــل ايرب‪ ،‬واألزليــة ملــك لــك‪ ،‬مــا أقولــه لــك‪ ،‬أم أنــك‬
‫يف الزمــن تــرى مــا حيــدث؟ ومــا النفــع إ ًذا مــن ســرد أخبــاري الكثــرة ابلتفصيــل؟˝ ً‬
‫طبعــا‪،‬‬
‫ال لكــي تعلمهــا مــي‪ ،‬بــل لكــي أوقــظ يف قلــي وقلــوب قارئيهــا عاطفــة فنهتــف بصــوت‬
‫واحــد‪« :‬عظيــم هــو الــرب ومحيــد جـ ًـدا‪( ».‬مــز ‪.)4 :96‬‬
‫بــرد أغســطينوس يف الفصــل ده علــى األفالطونيــن اللــي كانـوا بيؤمنـوا أبزليــة الكــون‬
‫وأبزليــة املــادة؛ ألن أفلوطــن قــال إن العــامل منبثــق أزليًــا مــن هللا‪ ..‬األفالطونيــن وجهـوا ‪3‬‬
‫أســئلة كالتــايل‪:‬‬
‫ •لــو ربنــا معملــش حاجــة قبــل اخللــق‪ ،‬ليــه مل يســتمر علــى هــذا املنـوال (عاطــل) إىل‬
‫األبــد؟‬
‫ •إذا طـرأ علــى هللا شــيء (إرادة اخللــق) فكيــف نتحــدث عــن أزليــة هللا‪ ،‬ألنــه هيكــون‬
‫متغــر يف هــذه احلالــة؟‬
‫ •إذا قال هللا يف األزل كن فيكون‪ ،‬فلماذا ال تكون اخلليقة نفسها أزلية؟‬
‫ •ابلنســبة ألزليــة املــادة‪ ،‬أو وجــود مــادة قدميــة أو أوليــة صنــع منهــا هللا الكــون‪ .‬وليــس‬
‫مــن العــدم‪ ..‬كان رد أغســطينوس خماطبًــا هللا‪:‬‬
‫‪48‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب احلادي عشر‪ :‬إشكالية الزمن‬

‫˝أنــت مل تصنــع الكــون يف هــذا الكــون‪ ..‬إذا مل يكــن مــكان‪ ..‬وال‬


‫أمكــن أن يكــون قبــل أن ُيلــق‪ .‬مل تســتعمل يــداك شــيئًا لتكويــن الســماء‬
‫واألرض‪ ،‬فمــن أيــن أتتــك هــذه املــادة‪ ..‬الــي خلقــت منهــا كل شــيء؟‬
‫وأي موجــود ال يديــن لــك ابلوجــود˝ (‪.)7 :5 :11‬‬

‫ابلنسبة لسؤال‪˝ :‬ماذا كان هللا يفعل قبل أن خيلق السماء واألرض؟˝‬
‫بيقــول أغســطينوس‪ :‬أان مــش هــارد ابلطريقــة احملرجــة املعروفــة‪ :‬كان‬
‫هللا بيعمــل إيــه؟ كان بيجهــز جهنــم للــي عندهــم الفضــول ده!! (‪:11‬‬
‫‪.)14 :12‬وبيقــول أان هاقــول مــش عــارف لــو مــش عــارف‪ ،‬لكــن مــش‬
‫هاســخر مــن الشــخص اللــي بيســتوضح عــن مشــكلة معقــدة أو أمــدح‬
‫شــخص بيعطــي جـو ًاب مغلوطًــا‪ .‬ولكــن بيجيــب كالتــايل‪ :‬بيقــول إن الزمــن‬
‫ده مــن صنــع هللا ˝األزمنــة منــك وحــدك تســتمد وجودهــا‪ ˝.‬وال ميكــن أن‬
‫يكــون زمــن ˝قبــل˝ أن تصنــع أنــت الزمــن! ولــو مفيــش وقــت قبــل الســماء‬
‫واألرض‪ ..‬إزاي يســألوا عــن عملــك آنــذاك ˝‪ . ˝Then‬داخــل الزمــن‬
‫فقــط نســتطيع أن نتحــدث عــن ˝بعــد˝‪ ،‬و˝قبــل˝»‬

‫وبيخاطــب ربنــا‪ :‬أنــت‪ ..‬أنــت وســنوك ال تنقضــي‪ .‬ســنوك ال تــروح وال جتــيء‪..‬‬
‫غــر أن ســنينا حنــن هــي اللــي بــروح وجتــيء‪ ..‬ســنينك كلهــا زي يــوم واحــد‪ ..‬ويومــك‬
‫ال يتجــدد كل يــوم‪ ..‬يومــك مــش بيســيب مــكان للغــد‪ ..‬ومــش بيجــي بعــد األمــس‪.‬‬
‫يومك هو األزل‪ ..‬وبناءً على كده بيشــرح معىن آية ˝أان اليوم ولدتك˝ إبن االبن كائن‬
‫مســاوي يف األزليــة مــع هللا‪ .‬وابلتــايل بيأكــد أغســطينوس أنــه ال يوجــد وقــت (أو زمــن) مل‬
‫تصنــع فيــه شــيئًا ألنــك صنعــت الوقــت عينــه‪ ..‬ولــو كان الوقــت دائــم الوجــود لبطــل أن‬
‫يكــون وقتًــا‪( ..‬وكان أزالً)‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫دليل قراءة اعرتافات أغسطينوس‬

‫الزمــن بياخــد مســاره مــن هــذا احلاضــر األزيل‪ ..‬فيمــا معنــاه أن املســار الزمــي حمتــوى‬
‫بشــكل مــا يف األزل‪ ..‬حــى أنــه بيقــول‪« :‬ســنوك هنــار أزيل‪ ..‬أايمنــا واايم ذوينــا انقضــت‬
‫يف هنــارك فاكتملــت فيــه»‪.‬‬
‫هللا ســابق كل األزمنــة «ســنوه الأتيت وال جتــيء» مقارنــة بينــا هللا يعيــش يف الثبــات‬
‫الوجــودي‪ ..‬أمــا حنــن فنعيــش يف التقلــب الوجــودي‪.‬‬
‫ابلنسبة لسؤال هل مشيئة هللا يف األزل تعين أن اخلليقة أزلية؟‬
‫طبعــا االعتــارض فيمــا معنــاه أنــه طاملــا ربنــا تكلــم يف األزل يبقــى املفــروض الكلمــة‬
‫ـتمرا وتصبــح اخلليقــة أزليــة‪ ..‬لكــن يف‬
‫هتتقــال مــرة وإىل األبــد‪ ..‬فيظــل فعــل اخللــق مسـ ً‬
‫نفــس الوقــت هللا مل خيلــق املوجــوةدات كلهــا مــرة واحــدة وال خلقهــم أزليــن‪ .‬إزاي حنــل‬
‫املعضلــة دي؟‬
‫أغســطينوس بيجــاوب أبن أي شــيء يبــدأ وينتهــي‪ ،‬بيبــدأ وينتهــي ملــا يكــون معــروف‬
‫يف عقــل هللا األزيل أنــه هيبــدأ وينتهــي‪ ،‬مــع أن مفيــش شــيء بيبــدأ وينتهــي يف عقــل هللا‬
‫األزيل‪ .‬العــارف احملــدود (‪ )finite knower‬ملــا يعــرف املوجــودات‪ ،‬فــإن الســمات‬
‫الزمنيــة تصــف كل مــن العــارف واملعــروف‪ .‬لكــن برغــم ان هللا يعــرف املوجــودات يف‬
‫الزمــن‪ ..‬لكــن يف هــذا احلالــة الزمــن يصــف املعــروف وليــس العــارف‪ ..‬وابلتــايل ابلنســبة‬
‫ألغســطينوس هللا يعــرف أن األشــياء احملــدودة تبــدأ وتنتهــي ابلرغــم أن هللا نفســه أزيل‬
‫وليــس زمــي‪ ..‬ويف هــذه احلالــة يف تطابــق بــن األفــكار الالزمنيــة يف عقــل هللا ومتثلهــا‬
‫(حتققهــا) ‪ instantiation‬يف العــامل‪ .‬ده بيخلــي ربنــا علــى علــم مبــا جيــري يف الزمــن دون‬
‫خاضعا ملرور الزمن‪ ..‬وده بيخلي املخلوقات اللي اختلقت بفعل اخللق األزيل‬ ‫ً‬ ‫أن يكون‬
‫وبــدون مــا تكــون هــذه املوجــودات نفســها أزليــة‪.‬‬
‫بينتقــل بعــد كــده لشــرح ملاهيــة أو طبيعــة الزمــن‪ ،‬وبيقــول‪ :‬فمــا هــو الوقــت (الزمــن)‬
‫إذن؟ وبيقــول‪ :‬لــو مســألتنيش‪ ..‬أعرفــه كويــس‪ ،‬أمــا إذا ُســئلت وأردت تفســره عنــه‪ ..‬فــا‬
‫‪50‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب احلادي عشر‪ :‬إشكالية الزمن‬

‫أســتطيع‪ .‬وبيقــول‪ :‬إن احلاضــر واملاضــي واملســتقبل‪ ..‬منقــدرش نقــول علــى أي منهــا إنــه‬
‫دوما من غري ما يتالشــى يف‬ ‫ٍ‬
‫موجود‪ ..‬املاضي مضى واملســتقبل آت‪ ..‬واحلاضر لو بقى ً‬
‫ـان بــل أزالً‪ ..‬وابلتــايل إن كان علشــان احلاضــر يبقــى زمــن الزم يفــى‬
‫املاضــي فهــو ليــس زمـ ً‬
‫يف املاضــي‪ ..‬إزاي أنكــد إنــه موجــود طاملــا إن الســبب الوحيــد لوجــوده هــو إنــه ميبقــاش‬
‫موجــود‪ .‬وابلتــايل إن حــق لنــا أن نقــول إن الوقــت موجــود ‪ ..‬ده بــس علشــان إنــه يســر‬
‫حنــو الالوجــود‪.)17 :14 :11( .‬‬
‫أغســطينوس عاوز يقول إن املســتقبل بيســتمد معناه من كونه جماش لســه‪ ..‬واملاضي‬
‫بيســتمد معنــاه مــن كونــه مل يعــد لــه وجــود بعــد‪ ..‬واحلاضــر بيســتمد وجــوده فقــط مــن‬
‫كونــه لســه مراحــش يف املاضــي ومــن حلظــات بــس كان مســتقبل‪ .‬وابلتــايل الزمــن فالــت‬
‫وال ميكــن اإلمســاك بيــه‪ .‬هــذا الفلتــان وعــدم الثبــات معنــاه نــوع مــن العــدم النســي‪ ،‬أو‬
‫عــدم الوجــود النســي ‪ .relative nonbeing‬البعــد عــن هللا هــو عــدم الوجــود املطلــق‬
‫‪.absolute nonbeing‬‬

‫هل احلاضر له مدى؟‬


‫أغســطينوس عــاوز يقــول إن اللحظــة احلاضــرة ملهــاش مــدى ‪ ..duration‬وبيجــاوب‬
‫علــى اعـراض مفــاده ‪ ..‬لــو لوقــت مــش موجــود‪ ..‬إزاي بنقــول «وقــت قصــر وطويــل‪..‬‬
‫وهكــذا» (‪ .)18‬هيشــرح األمــر ده مبثـاً مــدة ال ‪ 100‬ســنة‪ ..‬ال ميكــن تكــون حاضــرة‬
‫مــرة واحــدة‪ ..‬هنقــول مثـاً جــزء منهــم عــدى‪ ،‬ده ماضــي معــدش موجــود‪ ،‬وجــزء لســه‪،‬‬
‫ده مســتقبل مل يوجــد بعــد‪ .‬طــب نقــول الســنة دي مثـاً‪ :‬اللــي عــدى منهــا خــاص بقــى‬
‫ماضــي ‪ ،‬واللــي لســه هيجــي جمــاش لســه‪ ..‬نفــس الشــيء الشــهر مث اليــوم مث الســاعة مث‬
‫الدقيقــة‪ ..‬هنالقــي أن احلاضــر ملــوش أي مــدى حــى لــو قســمنا أصغــر جــزء مــن الثانيــة‪..‬‬
‫«الســاعة عينهــا مؤلفــة منأجـزاء هاربــة‪ ،‬فــكل مــا ينفصــل عنهــا ميضــي ومــا ال يـزال فيهــا‬

‫‪51‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫دليل قراءة اعرتافات أغسطينوس‬

‫مســتقبل‪ .‬لــو تصــوران نقطــة يف الزمــن ال تتجـزأ الســتطعنا أن نســميها حاضـًـرا‪ ،‬ولكانــت‬
‫سـريعة االنتقال من املســتقبل إىل املاضي حىت ال نســتطيع أن نعطيها مدى؛ إذ لو كان‬
‫هلــا بعــض املــدى لتج ـزأ هــذا املــدى إىل ماضــي ومســتقبل‪ ..‬غــر ان احلاضــر ال مــدى‬
‫لــه‪.)20( ».‬‬
‫يعــي املاضــي مكنــش طويــل ملــا كان ماضــي ألنــه مكنــش موجــود‪ ..‬واملســتقبل مــش‬
‫هيكــون طويــل ملــا هيكــون لســه مســتقبل ألنــه مل أيت بعــد‪.‬‬
‫أغســطينوس بيدلــل بكــده إننــا عايشــن يف أرض املــوت‪ ،‬أو مــا وصفــه ســاب ًقا أبهنــا‬
‫املــوت احلــي‪ ،‬أو احليــاة امليتــة‪ .‬األبديــة هــي الوجــود احلقيقــي‪ ..‬وهللا هــو املوجــود املطلــق‪..‬‬
‫وبنســتمد منــه وجــودان‪ ..‬لكننــا يف ذاتنــا بنتأرجــح بــن العــدم واألبديــة‪ .‬وكالمــه عــن الزمــن‬
‫قاصــد يقــول بيــه إن كل حلظــة بتعــدي علينــا بتؤكــد املعــى ده‪ ..‬التأرجــع بــن العــدم اللــي‬
‫فهمنــاه مــن طبيعــة الزمــن نفســه‪ ،‬واألزل اللــي بيتدفــق منــه الزمــن!‬
‫بعــد كــده بيقــول حمــدش بينكــر إنــه يف ‪ 3‬أزمنــة‪ ..‬ماضــي وحاضــر ومســتقبل‪ .‬لكنــه‬
‫بيقــول‪ :‬احلاضــر بــس هــو اللــي موجــود‪ ..‬ال وجــود للمســتقبل وال للماضــي‪ ..‬األصــح أننــا‬
‫نقــول‪ :‬يف الكــون أزمنــة ثالثــة‪ :‬حاضــر املاضــي‪ ،‬وحاضــر احلاضــر‪ ،‬وحاضــر املســتقبل‪..‬‬
‫ـودا إال فيــه‪ ..‬املاضــي حاضــر‬
‫وهــذه الطــرق الثالثــة موجــودة يف عقولنــا‪ ..‬وال أرى هلــا وجـ ً‬
‫يف النفــس علــى صــورة ذاكــرة‪ ،‬واملســتقبل حاضــر يف النفــس علــى صــورة توقــع‪ ،‬واحلاضــر‬
‫حاضــر يف النفــس علــى صــورة عيــان مباشــر‪ .‬ودي تســمى النظريــة النفســية للزمــن عنــد‬
‫أغســطينوس‪.‬‬
‫هــل الزمــن يعتمــد علــى احلركــة؟ هــو متحفــظ‪ ..‬ألنــه بيذكــر قصــة وقــوف الشــمس‬
‫بصــاة يشــوع ومــع ذلــك كان الزمــن بيتحــرك‪( ..‬النظريــة النســبية والزمــكان)‪ .‬مــرة أخــرى‬
‫ـرا أمــام معضلــة الزمــن‪.‬‬
‫أغســطينوس يقــف متحـ ً‬
‫د‪ .‬زينــب اخلضــري (الهــوت التاريــخ عنــد أوغســطني‪ ،‬صفحــة ‪ .)50‬بتقــول إن‬
‫‪52‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬
‫الكتاب احلادي عشر‪ :‬إشكالية الزمن‬

‫أغســطينوس ˝فجــر كل إشــكاليات الزمــن وأبــرز صعوبــة الوقــوف عليــه برباعــة شــديدة‪..‬‬
‫كاش ـ ًفا بذلــك علــى قــدرة فلســفية فائقــة ‪-‬حــى وإن تركهــا معلقــة وبــا حــل‪ ˝.‬كمــان‬
‫د‪ .‬زينــب اخلضــري (نفــس املرجــع الســابق‪ ،‬صفحــة ‪ )54‬بتقــول‪˝ :‬إن الزمــن عنــد‬
‫أغســطينوس هــو احلاضــر الغامــض الــذي يســحقه‪ ،‬مــن جهــة‪ ،‬املاضــي الــذي ابتلــع بــا‬
‫عــودة‪ ،‬ومــن جهــة أخــرى املســتقبل الــذي ال ميكــن احلديــث عنــه بعــد‪ ˝.‬ويرتتــب علــى‬
‫ذلــك أن أغســطينوس رأى أن الوجــود احلقيقــي هــو ذاك الوجــود املتحــرر مــن الزمــن‪،‬‬
‫أو التحــرر مــن الوقــت الــذي تشــعر بــه طبيعتنــا اإلنســانية املاديــة امللوثــة ابخلطيــة والــي‬
‫فرضــت علينــا احليــاة يف الزمــان‪ .‬وبتقتبــس مــن كتــاب «مدينــة هللا» مــا يلــي‪˝ :‬إن زمــن‬
‫كل فيــه‬
‫ـروب حنــو املــوت‪ ،‬ال جمــال فيــه ألن نتوقــف أو نتباطــأ‪ .‬و ٌ‬ ‫هــذه احليــاة ليــس إال هـ ً‬
‫يســر بــذات الســرعة ويندفــع إىل نفــس النهايــة‪( ˝.‬مدينــة هللا‪ ،‬الفصــل ‪ .)10 :13‬وده‬
‫بيتســق مــع اللــي قالــه أغســطينوس يف بدايــة االعرتافــات حــن يقــول‪« :‬ومــا الــذي أقولــه‬
‫ايرب؟ أجهل كيف أتيت إىل هذا العامل! أقول إىل هذه احلياة امليتة؟ او إىل هذا املوت‬
‫احلــي؟» (‪.)7 :6 :1‬‬
‫وابلتــايل جييــب أغســطينوس هبــذه املناقشــة علــى األفالطونيــن القائلــن أبزليــة املــادة‬
‫«ليفهم ـوا جيـ ًـدا أنــك ســابق لألزمنــة‪ ،‬خالقهــا كلهــا‪ ،‬وأن ال زمــان وال خليقــة‪ ..‬إال‬
‫ليأخــذا مــن أزليتــك» (‪.)40‬‬

‫‪For more articles‬‬


‫‪Visit:‬‬
‫‪ChristoPraxy@blogspot.com‬‬

‫‪53‬‬
‫‪https://coptic-treasures.com‬‬

You might also like