You are on page 1of 246

‫طريقة الحكيم‬

‫‪1‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫طشٌقح احلكٍى‬

‫انثــشٔج‬
‫ىل ىي نعمة من الرب‪ ،‬أم شرك من الشيطان؟‬

‫اَتصاس انشٔح عهى انظشٔف انذٌٍَٕح‬

‫إعداد‬
‫عالء احلهثً‬

‫‪2‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫انفٓشس‬

‫‪5‬‬ ‫مقدمة‪ ..‬طواحيف اإللو تجرش ببطء ‪.................................................‬‬

‫األول‬
‫الجزء ّ‬
‫الثروة‪ ،‬ىؿ ىي نعمة مف الرب‪ ،‬أـ شرؾ مف الشيطاف؟‬

‫‪28‬‬ ‫الماؿ‪ ،‬مف وسيط تبادؿ إلى وسيمة سيطرة مطمقة ‪....................................‬‬
‫‪33‬‬ ‫كراتيوس الشيطاف ‪..................................................................‬‬
‫‪39‬‬ ‫الزلنا نعيش في عصر االستعباد ‪...................................................‬‬
‫‪44‬‬ ‫أسمحة خرساء لحروب صامتة ‪.....................................................‬‬
‫‪66‬‬ ‫ىؿ مف عبلج مجدي ليذه الحالة الميؤوسة؟ ‪........................................‬‬
‫‪68‬‬ ‫اليوس بجمع الماؿ ىو تدمير لمذات ‪...............................................‬‬
‫‪91‬‬ ‫يمكف لئلدماف عمى الماؿ أف يكوف خطي اًر كإدماف المخدرات‬

‫الجزء الثاني‬
‫انتصار الروح عمى الظروؼ الدنيوية‬

‫‪123‬‬ ‫اإليماف‪ ،‬اليقيف الداخمي بالخير األبدي ‪.............................................‬‬


‫‪148‬‬ ‫القدر‪ ،‬وفمسفة المصير ‪............................................................‬‬
‫‪173‬‬ ‫سبب المعاناة والطريؽ إلى إزالتو ‪...................................................‬‬
‫‪193‬‬ ‫انتصار الروح عمى الظروؼ الدنيوية ‪................................................‬‬

‫الجزء الثالث‬
‫النياية السعيدة آتية حتماً‬

‫‪3‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫‪238‬‬ ‫مشيد مف المستقبؿ ‪.................................................................‬‬


‫‪213‬‬ ‫الممياردير ‪..........................................................................‬‬

‫‪244‬‬ ‫الخاتمة ‪...........................................................................‬‬


‫‪.....................‬‬

‫‪4‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫طٕاحني اإلنّ جتشش تثطء‬


‫لكف منتوجيا يكوف ناعـ جداً‬

‫ىناؾ مقولة شعبية تعود أصوليا إلى زمف قديـ جداً‪ ،‬تقوؿ‪ .." :‬طواحيف اإللو تجرش ببطء‪ ،‬لكف‬
‫منتوجيا يكوف ناعـ جداً‪ ."..‬يبدو أف ىذه الفكرة تفتح الطريؽ إلى منظور منطقي معيف بخصوص‬
‫نمط الحياة التي نعيشيا‪ .‬أعتقد بأف كؿ فرد سيوافؽ عمى حقيقة أف الظروؼ الحالية في ىذا العالـ‬
‫ليست سعيدة‪ .‬ىي ليست ممتعة أو ىنيئة أو مبيجة‪ ،‬لكنيا تمثؿ دوف شؾ النتيجة الحتمية لعمؿ‬
‫قانوف السببية‪ .‬لقد سببنا بظيور حاالت معينة في المجتمع البشري‪ ،‬وعمينا أف ندفع حتماً ضريبة‬
‫األخطاء التي اقترفناىا‪ .‬الكثير مف األشخاص والذيف ال يتمتعوف بعقوؿ فمسفية يتمسكوف بوجية‬
‫النظر التي تقوؿ بأف كؿ ىذه الحاالت الحاصمة ىي سمسمة مف الصدؼ العشوائية‪ ،‬ىي تتجاوز‬
‫السيطرة البشرية‪ ،‬ىي تنتج مف ظروؼ ال نفيميا وبالتالي نعجز عف تجنبيا أو عبلجيا‪ .‬ىذا النوع‬
‫مف التفكير يجمب معو نوع معيف مف القدرية الجبرية‪ ،‬فيبدأ الصراع األبدي بينيا وبيف المثالية التي‬
‫طالما كانت حاضرة في الطبيعة اإلنسانية‪ .‬نحف نرغب دائماً في اإليماف بالخير‪ ،‬لكف بعد أف ننظر‬

‫‪5‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫حولنا ال نجد أي دالئؿ مباشرة عمى وجود الخير‪ .‬نرى كؿ أنواع االنحرافات وندرؾ األزمة اليائمة‬
‫التي نواجييا اليوـ في العبلقات الدولية‪ ،‬ونرغب في الظف بأننا الضحايا األبرياء لعناية إليية فظيعة‬
‫ووحشية‪ .‬البعض يحاولوف حؿ المسألة بكامميا مف خبلؿ إنكار حقيقة وجود عامؿ العناية اإلليية‬
‫أصبلً‪ ،‬يرغبوف في التفكير بأف اإلنساف يستطيع أف يفعؿ ما يرغبو‪ .‬وما يفعمو ىو صائب‪ ،‬فقط ألنو‬
‫يفعمو‪ .‬وأف األخطاء ليست موجودة فعمياً إذا كاف ىناؾ ما يكفي مف الناس الذيف يعتقدوف بأنيا‬
‫صائبة‪ .‬كؿ ىذه التوجيات الفكرية المختمفة ليا تأثير محزف وكئيب عمى الحياة الخاصة لمناس‪.‬‬
‫جميعنا ميتميف بالظروؼ المحيطة بنا‪ ،‬ويبدو أف ىذه الظروؼ تسوء حالتيا يوماً بعد يوـ‪ ،‬وىذا‬
‫يجعمنا محكوموف بخيبة األمؿ والشعور بالعجز الكامؿ‪ ،‬فنبدأ بفقداف اإليماف باإللو األعمى‪ .‬ونبدأ‬
‫بالتساؤؿ حوؿ شمولية القوانيف اإلليية ومدى قدرتيا‪ .‬نحف نعمـ بأننا متورطوف في مشكمة كبرى‪،‬‬
‫األمر واضح تماماً بالنسبة لنا‪ ،‬لكننا عاجزيف عف التأقمـ مع ىذه الفكرة داخؿ طبيعتنا‪.‬‬

‫الكائنات البشرية ىي كائنات فانية‪ ،‬أي أف اإلنساف ىو عابر مؤقت في ىذا العالـ‪ .‬نحف زوار‬
‫مؤقتيف في ىذا العالـ المادي‪ ،‬نمضي فيو وقت محدود ثـ نغادر‪ ،‬تاركيف وراءنا الفوضى الدنيوية‬
‫التي طالما أرىقتنا خبلؿ وجودنا ىنا‪ .‬كؿ ىذه العوامؿ الكئيبة والمشاىد البائسة‪ ،‬واليموـ المتعمقة‬
‫التسرب النووي مف المحطات الذرية وتمويث اليواء‪ ،‬واألزمة‬
‫ّ‬ ‫بالبيئة والتموث والخوؼ المستمر مف‬
‫المستعصية في الشرؽ األوسط‪ ،‬والنقص في مصادر النفط‪ ..،‬كؿ ىذه تبدو أنيا حوادث تتراكـ‬
‫باستمرار‪ ،‬ويبدو أنيا تمثؿ فوضى أساسية‪ .‬لكف في الواقع‪ ،‬ىذه الفوضى ليست أساسية أبداً‪ .‬ال‬
‫يوجد شيء في قوانيف الطبيعة يشير إلى أف ىذه المشاكؿ مفروض وجودىا‪ .‬ىذه المشاكؿ موجودة‬
‫ليس بسبب قوانيف الطبيعة بؿ بسبب خرؽ تمؾ القوانيف‪ .‬لـ يتعمـ الفرد حتى اآلف كيؼ يتماشى مع‬
‫الخطة الكونية التي يمثؿ جزء منيا‪ .‬ىو الزاؿ يعتبر نفسو شخص يقؼ وحيداً وسط فوضى الحياة‪،‬‬
‫ويعتبر اآلخريف بنفس الطريقة التي يعتبر فييا نفسو‪ .‬يراىـ أشخاص يفعموف أشياء ال نحبيا‪ ،‬يفعموف‬
‫األشياء ألذيتنا‪ ،‬وكنتيجة لذلؾ نعمؽ في نمط تفكير قصير المدى‪ .‬وسوؼ يبدو لنا األمر بأنو لو كنا‬
‫نحف مف يدير مجريات ىذا الكوف فسوؼ نديرىا بشكؿ مختمؼ‪ .‬لطالما خطرت ىذه الفكرة لمناس منذ‬
‫البداية‪ .‬يعتقدوف بأنو لو أدار اإلنساف مجريات الكوف بطريقة مختمفة لما كنا متورطيف بيذه المعضمة‬
‫ونواجو ىذا المأزؽ‪ .‬مف الواضح أف الفرد العادي ال يستطيع‪ ،‬بكؿ تأكيد‪ ،‬إجراء تصحيح عمى‬
‫مستوى كوني لحالة اإلنساف‪ .‬مف ىذه المسألة يبرز استنتاج أف التكامؿ األخبلقي يمثؿ مسألة‬
‫شخصية بدرجة كبيرة‪ ،‬لكف عندما ينتشر عدـ التكامؿ األخبلقي بشكؿ واسع في الحضارة البشرية‬

‫‪6‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫سوؼ يتمكف مف حؿ المشاكؿ التي نواجييا‪ .‬لقد سمحنا عمى مدى القرف الماضي بإفساد معاييرنا‬
‫األخبلقية واألدبية بشكؿ عميؽ‪ .‬واألمر األكثر وقعاً ىو أننا عيدنا مصيرنا إلى عامؿ واحد غير‬
‫معصوـ مف الخطأ‪ ،‬وىو عامؿ الثروة‪.‬‬

‫نحف طموحيف لمكسب والحوزة‪ .‬وخبلؿ عممية الحيازة والكسب سمحنا ألنفسنا أف نفسد كؿ معيار‬
‫أخبلقي كامف في داخمنا‪ .‬لقد أىممنا االستماع لصوت الضمير‪ ،‬وفشمنا في التعمـ مف حكمة‬
‫العصور‪ ،‬كما فشمنا في اإللتزامات الروحية التي يمكف أف تحمينا‪ ،‬فوجدنا أنفسنا في النياية عالقين‬
‫بين الحجر العموي والسفمي لطاحونة اإللو‪ ،‬وىذه في الحقيقة ليست وضعية ممتعة‪.‬‬

‫في الشرؽ‪ ،‬أي في اليند والصيف عموماً‪ ،‬تكوف النظرة تجاه كامؿ ىذه الحالة السابقة مختمفة عف‬
‫النظرة القائمة في الغرب (والشرؽ األوسط)‪ .‬ربما قمنا بتطوير بعض األوضاع بطريقة ما‪ ،‬لكف في‬
‫العموـ‪ ،‬قمنا بتجاىؿ فكرة السبب الجوىري خمؼ حياة اإلنساف‪ .‬نحن ىنا لكي نخدم ونتعمم‪ .‬نحف‬
‫ىنا لكي نساعد بعضنا البعض‪ ،‬وليس لمساعدة أنفسنا عمى حساب بعضنا البعض‪ .‬نحف ىنا لكي‬
‫نعمؿ معاً لتحقيؽ الخير العاـ‪ ،‬وليس لكي نضحي بالخير العاـ مقابؿ الطموحات الشخصية‪ .‬في كؿ‬
‫يوـ نطمع فيو عمى األخبار ونستمع عمى المعمقيف المطمعيف أو غير المطمعيف أو المظمميف‪ ،‬نخرج‬
‫بنفس اإلستنتاج الجوىري‪ ،‬وىو أف الغاية الرئيسية مف الحضارة كما نعرفيا اليوـ ىي المحافظة عمى‬
‫مستوى عالي مف نمط الحياة‪ .‬إف مصطمح "نمط حياة" بالنسبة لنا يعني أف نحوز عمى كؿ ما‬
‫نرغبو‪ ،‬يعني أف نستمر في الصرؼ المتيور والطائش لؤلمواؿ‪ ،‬وأف نجمع ونراكـ أكبر قدر ممكف‬
‫مف األمواؿ وبأي طريقة ممكنة حتى لو كاف ذلؾ عمى حساب اآلخريف‪ .‬وىذا كمو مناقض تماماً‬
‫لقوانيف السماء‪ ،‬كما يوصفيا الصينيوف‪ .‬ىذا يناقض الخطة الكونية التي ليا غاياتيا المختمفة‪ .‬وىذه‬
‫حي‪ .‬مف‬
‫الغايات المختمفة مجموعة في النياية ضمف غاية عظيمة واحدة‪ ،‬وىي خبلص كؿ شيء ّ‬
‫المفروض أف نعمؿ ساعييف إلى تحقيؽ عالـ أفضؿ‪ .‬مف المفروض أف نكوف مكرسيف لتحقيؽ‬
‫الكماؿ التدريجي لمجتمعاتنا‪.‬‬

‫كممة حضارة تعني في الحقيقة‪ :‬العيش في حالة لطيفة وأديبة ولبقة مع بعضنا البعض‪ .‬يمكف اعتبار‬
‫كممة حضارة بأنيا رديفة تقريباً لكممة التعاوف‪ .‬لكننا قمنا بتغيير ىذه الحالة وجعمنا الحضارة رديفة‬
‫لممنافسة والصراع‪ .‬كؿ حركة نقوـ بيا وسط تعامبلتنا السياسية العصرية يتـ حسابيا وفقاً لممصمحة‬

‫‪7‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫الشخصية أو الربح المادي أو التقدـ االقتصادي‪ .‬لقد عززنا مسألة الثروة إلى أبعد الحدود الممكنة‪،‬‬
‫مع أننا ال نفيـ مترتبات ىذا الوضع بشكؿ كامؿ وسميـ‪ ،‬أو لـ ندرؾ أف الثروة تمثؿ عامؿ خاطئ‬
‫وحتى خطير‪ .‬الثروة تمثؿ مسؤولية ثقيمة عمى اإلنسانية‪ .‬كامؿ حضارتنا الحالية‪ ،‬والتي ىي صناعية‬
‫بطبيعتيا‪ ،‬تعتمد عمى عامؿ الثروة‪ .‬إف استخداميا بطريقة حكيمة‪ ،‬وتوزيعيا بطريقة سميمة‪ ،‬والتحكـ‬
‫بيا بطريقة أخبلقية‪ ،‬تجعميا خادـ مفيد لئلنسانية‪ .‬لكف عندما ال نولي أي اعتبار ليذه العوامؿ‬
‫السابقة ونجعؿ جمع الثروة ممثبلً لمغاية النيائية لموجود‪ ،‬سوؼ نبقى كما نحف اآلف‪ ،‬في حالة‬
‫فوضى وكارثة داخمية وخارجية‪.‬‬

‫عمينا في البداية النظر إلى الفرد‪ .‬ألف الفرد يحوز عمى حؽ إليي ألف يعيش بطريقة جيدة‪ .‬قد ال‬
‫يبرءه مف التقصير‪ .‬وفي الكثير‬ ‫يعيش دائماً وسط بيئة اجتماعية تسعى إلى األفضؿ‪ ،‬لكف ىذا ال ّ‬
‫مف شؤوف العيش نكوف دائماً في حالة السعي لتقدـ المكمبلت األساسية لمحياة‪ .‬ناد اًر ما يمر يوـ‬
‫دوف أف نسمع قصة حزينة تروي كيؼ تعرض أحدىـ لمغش أو الخداع أو االستغبلؿ أو سوء‬
‫المعاممة أو الفضح أو االبتزاز أو غيرىا مف تعديات‪ ،‬وذلؾ مف قبؿ أقرب الناس‪ .‬كما أننا نسمع عف‬
‫مشاكؿ دائمة تحصؿ في المنازؿ بيف األىؿ واألوالد أو األىؿ فيما بينيـ‪ ،‬وغيرىا مف مشاكؿ‪ ،‬بحيث‬
‫نبلحظ اليبوط التدريجي لتحكمنا األخبلقي بأنفسنا‪ .‬نحف نعمـ بأف حياتنا قابمة ألف تكوف أفضؿ‪ .‬وأف‬
‫الشخص الذي يعيش بشكؿ جيد وسط بيئة صعبة بشكؿ مأساوي سوؼ يكافأ عمى ىذا المسعى‪.‬‬
‫ألنو في النياية موجود ىنا لفترة مؤقتة‪ ،‬وعندما يغادر ىذا العالـ سوؼ يترؾ وراءه ما يممكو‪ ،‬لكنو‬
‫سوؼ يأخذ معو ما ىو عميو‪ .‬المشكمة الكبرى اليوـ ىي أف الفرد غير واثؽ مما سيأخذه معو‪ .‬ىو ال‬
‫يشعر بارتياح بخصوص سموكو‪ .‬ىو يكره أف يتـ استجوابو عند بوابة العالـ اآلخر‪ ،‬وتُعرض أمامو‬
‫القصة الكاممة عف سموكو‪ .‬ىو يأمؿ دائماً بأف ىذا الموقؼ لف يمر عميو أبداً‪ ،‬ألنو عندما يموت‬
‫فسوؼ يموت إلى األبد وىذه نياية القصة‪ .‬لكف في الحقيقة‪ ،‬ىذا الغموض المتعمؽ بالعالـ اآلخر‬
‫يعتبر عزاء وجبر خاطر لمفاسديف فقط‪ .‬ىذا الغموض بات يمثؿ وسيمة لؤلفراد الذيف يعتقدوف فعمياً‬
‫بأنيـ يستطيعوف اليروب أبداً مف المحاسبة عمى نتائج أفعاليـ‪ .‬لكنيـ في النياية سوؼ يغادروف ىذا‬
‫العالـ كما فعؿ أجدادىـ وكما سوؼ يفعؿ أحفادىـ‪ .‬وفي كؿ مف حاالت المغادرة ىذه‪ ،‬سوؼ يترؾ‬
‫وتتعزز بحيث‬
‫ّ‬ ‫الفرد وراءه المشاكؿ التي سببيا‪ ،‬سوؼ يترؾ وراءه األخطاء التي سمح ليا أف تبقى‬
‫أصبحت تمثؿ جزء مف ميراث أوالده وأحفاده‪ .‬بالتالي يكوف الفرد في معظـ الحاالت مقتنعاً بفكرة أنو‬
‫إذا لـ يكف ىناؾ حياة بعد الموت فيذا أفضؿ بالنسبة لو‪ .‬سوؼ يأمؿ دائماً أف العدـ المطمؽ بعد‬

‫‪8‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫الموت سوؼ ينيي كافة المسائؿ‪ .‬والذيف يأتوف بعده سوؼ ينتقموف أيضاً إلى ىذا العدـ كما فعؿ‬
‫أولئؾ الذيف جاؤوا قبمو وانتقموا إلى العدـ بعد مغادرة الحياة‪ .‬في الحقيقة‪ ،‬ليس ىناؾ أي إثبات عممي‬
‫ليذه الفكرة‪ .‬ليس ىناؾ أي دليؿ واضح وجمي يقوؿ بأف الفرد الذي يغادر ىذه الحياة لف يواجو بأي‬
‫طريقة مف الطرؽ عواقب أفعالو‪.‬‬

‫لـ نعد متحمسيف لتمؾ الفكرة التي تقوؿ بأف بعض األشخاص الفاضميف‪ ،‬والذيف يمكف الشؾ‬
‫بفضيمتيـ أصبلً‪ ،‬سوؼ يذىبوف إلى الجنة‪ ،‬بينما العقاب والعذاب ينتظراف األشخاص الباقيف‪ .‬ىذه‬
‫الطريقة في التفكير كانت دارجة في أحد العصور بحيث كانت تشدد عمييا السمطات السياسية‬
‫والدينية ألنيا كانت تمثؿ وسيمة مجدية لمحد مف انتشار الفساد والجرائـ عمى أنواعيا بيف‬
‫المجتمعات‪ .‬لكف في الحقيقة‪ ،‬لـ يتمكف الفرد منذ ذلؾ الزمف مف استيعاب فكرة العذاب األبدي‬
‫كعقوبة عمى خطيئة قد يقترفيا مرة واحدة في حياتو‪ .‬راحت الفمسفة منذ زمف بعيد تدرس ىذه الحالة‬
‫وخرجت باستنتاج نيائي بسيط يقوؿ بأف القوة الكونية التي صممت وخمقت كؿ شيء في الوجود ال‬
‫يمكنيا أف تنوي بأف تجعؿ جزء كبير مف مخموقاتيا يذىب إلى الجحيـ األبدي‪ .‬ال يمكف ليذا أف‬
‫يمثؿ جزء مف الغاية الكونية‪ ،‬ال يمكف أف يكوف ىناؾ أرواح ضائعة تمضي وقتيا في عقاب أبدي‪.‬‬
‫لـ يكف ىناؾ سبب لبلفتراض بأف الفرد الذي يمثؿ جزء مف حياة متكشفة دائماً وفي حالة نمو أبدي‪،‬‬
‫سوؼ يحمؿ لعنة أبدية ويعاقب إلى األبد نتيجة الجيؿ الذي يعاني منو جيؿ كامؿ‪.‬‬

‫أما الحكماء الشرقييف‪ ،‬والذيف تناولوا ىذه المسألة‪ ،‬فقد توصموا إلى استنتاج نيائي بسيط يقوؿ بأنو‬
‫أينما كنا‪ ،‬في ىذا العالـ أو عالـ آخر‪ ،‬فالغاية مف وجودنا ىي النمو والتك ّشؼ‪ ،‬وليس مف أجؿ‬
‫المعاناة والعذاب‪ .‬غالباً ما نربط المعاناة بالنمو الروحي‪ .‬نحف معتادوف في ببلدنا عمى فكرة شائعة‬
‫تقوؿ بأنو عمى الفرد الذي يسعى إلى االرتقاء الروحي أف يعيش بحالة بائسة‪ .‬عميو أف يحرـ نفسو‬
‫مف كؿ شيء يتمتع بو الدنيويوف والخطاؤوف‪ .‬عميو أف يعيش وفقاً لقوانيف وأحكاـ صارمة جداً‬
‫ومتشددة جداً بحيث تعتبر كافة وسائؿ المتعة التي نعرفيا اليوـ محرمات ونواقص‪ .‬عميو أف يعيش‬
‫وحيداً في حياة فاضمة وسط عالـ فاسد يتمتع بالسعادة والبيجة‪ .‬ىذه الحالة طبعاً ليست وصؼ‬
‫مغري لمحياة التي وجب عمى الفرد عيشيا‪ .‬وحتى أنيا ال تشمؿ أي حقيقة فعمية‪ .‬لكننا نحاوؿ أف‬
‫نؤمف بوجود ىكذا حياة فعبلً‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫تكيؼ الكائف البشري مع الزمف الذي يعيش فيو‪ ،‬سوؼ يحوز عمى الكثير مف المكافئات‬
‫مف خبلؿ ّ‬
‫رغـ تقصيره في جوانب عدة‪ .‬إف الحياة المعاشة بشكؿ سميـ وصائب‪ ،‬الحياة المكرسة بصدؽ‪ ،‬ليا‬
‫الكثير مف الفضائؿ وتستحؽ العديد مف المكافئات‪ .‬أىـ الجوانب ليذه الحالة تتعمؽ بجسده المادي‪.‬‬
‫العالـ الذي نعيشو اليوـ ىو قاسي جداً عمى جسـ اإلنساف‪ .‬لـ تكف الغاية أبداً سوء معاممة الجسـ‪.‬‬
‫لقد ُمنح لنا كوسيمة رائعة ليساعدنا في سعينا إلى تحسيف ذاتنا والتواصؿ مع اآلخريف وتكويف‬
‫صداقات متبادلة وانشاء حالة مف التعاوف المتبادؿ‪ .‬الجسـ ىو تركيبة محكومة بقوانيف‪ .‬تـ توليده‬
‫وفقاً لمقانوف‪ ،‬وىو موجود في ىذا العالـ بتعاوف وظيفي مع القانوف‪ ،‬وعندما ينتيي الجسد مف غايتو‬
‫سوؼ يتبلشى ويعود إلى المصادر الطبيعية التي جاءت منيا كافة األجساـ‪ .‬لكف ىذا الجسـ ال‬
‫يستطيع تحمؿ سوء المعاممة المستمرة‪ .‬ىو ال يستطيع المحافظة عمى نفسو في حياة مكرسة لخرؽ‬
‫القوانيف‪ .‬ىذه ىي إحدى الحاالت التي نواجييا اليوـ‪ ،‬ونتيجة لذلؾ نجد‪ ،‬أكثر مف أي وقت في‬
‫التاريخ‪ ،‬ظيور األمراض المزمنة والنقص التدريجي في الكفاءة والكيولة المبكرة والعدد اليائؿ مف‬
‫األزمات القمبية واالنييارات العصبية واألمراض العقمية عمى أنواعيا‪ .‬إذاً‪ ،‬الجسـ ىو الذي يدفع ثمف‬
‫التمرد عمينا مف خبلؿ األمراض‪ ،‬أي كأنو يقوؿ لنا بكؿ بساطة‬
‫عواقب أخطاءنا‪ .‬وىذا ما يدفعو إلى ّ‬
‫بأنو ال يمكننا االستمرار بيذه الطريقة في الحياة‪ .‬لكف مف أجؿ االستمرار في فعؿ ما نرغبو‪ ،‬نحاوؿ‬
‫بطريقة أو بأخرى معالجة الجسـ المتمرد مف خبلؿ المرض‪ .‬إذا كاف يعاني مف األلـ‪ ،‬كؿ ما عمينا‬
‫فعمو ىو إعطاءه حبة مسكف إلزالة األلـ‪ .‬إذا كاف خامبلً ومنيؾ‪ ،‬نعطيو حبة أو أبرة من ّشطة‪ .‬إذا‬
‫كاف العقؿ ىو السبب الرئيسي وراء مرض الجسـ‪ ،‬نتيجة التفكير والحصر النفسي واإلحباط وغيرىا‬
‫مف حاالت‪ ،‬كؿ ما عمينا فعمو ىو إلغاء العقؿ مف الساحة وذلؾ عبر تناوؿ المخدرات أو المسكرات‪.‬‬
‫الكثير مف الشباب الصغار اليوـ يمجؤوف إلى تناوؿ المواد المخدرة لكي يزيموا الحياة بكامميا عف‬
‫التكيؼ معيا‪ ،‬ومسؤوليات أثقمت‬
‫تفكيرىـ! ىذه الحياة ال يوافقوف عمييا‪ ،‬وطريقة عيش عجزوا عف ّ‬
‫كاىميـ عبر فرضيا عمييـ عنوة وبطريقة خاطئة‪ ،‬وظروؼ محيطة ليس لدييـ أي سيطرة عمييا‪.‬‬

‫إذاً‪ ،‬الجسـ يتمقى العقوبة األولى‪ .‬ليس ىناؾ فرؽ إف كاف الجسـ عائد لمفرد أو جسـ شركة أو جمعية‬
‫أو منظمة أو حتى أمة بكامميا‪ .‬كؿ ىذه األشياء ىي أجساـ قائمة بذاتيا‪ ،‬مف المفروض أف تُستخدـ‬
‫في سبيؿ التقدـ نحو خير اإلنسانية‪ .‬لكف عندما لـ تعد تخدـ ىذه الغاية تبدأ بالتبلشي واالنحبلؿ‪.‬‬
‫الذي لـ يعد مفيداً سوؼ لف يبقى ويستمر‪ .‬والقصد مف الفائدة ىنا ليس لو عبلقة بإشباع الغرائز‬
‫والرغبات الشخصية‪ ،‬بؿ االرتقاء بالشخصية‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫لدينا إذاً ىذه المقولة المأثورة عف طواحين اإللو‪ ،‬والتي أضافت إلى ىذه المسألة بعد جديد وواسع مف‬
‫التكامؿ األخبلقي‪ .‬وفي الحقيقة ال شيء ييمنا في ىذه األياـ أكثر مف مسألة التكامؿ األخبلقي‪ .‬إذا‬
‫لـ نستطيع إيجاده في أنفسنا فسوؼ لف نجده أبداً في عالمنا كما نعرفو‪ .‬وىذا بالتالي يجعمنا‬
‫محروميف مف تفاؤلنا الطبيعي ورغبتنا الطبيعية لتطوير الذات‪ .‬لكف عمى الجانب اآلخر‪ ،‬إذا بدأنا‬
‫مجرد دروس عمينا اختبارىا واستخبلص‬‫نعتبر ىذه الصعوبات التي نواجييا ليس كأنيا عقوبات بؿ ّ‬
‫الحكمة منيا‪ ،‬يمكننا حينيا تعمـ شيئاً لو قيمة دائمة خبلؿ خوضنا الحياة‪ .‬إف كؿ حالة أليمة نعاني‬
‫من يا تمثؿ درس قائـ بذاتو‪ .‬األلـ بذاتو ىو ميـ‪ .‬ىناؾ قصة عف رجؿ‪ ،‬بعد سمسمة طويمة مف‬
‫التجارب المخبرية‪ ،‬تمكف مف إزالة الشعور باأللـ بداخمو‪ .‬لـ يعد يشعر باأللـ‪ .‬لكف في يوـ مف‬
‫األياـ‪ ،‬بعد أف بالغ في ثقتو بنفسو‪ ،‬جمس عمى موقد النار فاحترؽ حتى الموت‪ .‬وىذه كانت نيايتو‪.‬‬
‫في الحقيقة‪ ،‬إف الشعور باأللـ ينقذ الفرد‪ .‬األلـ يحمي‪ .‬األلـ يحرسنا ويرشدنا ويحذرنا‪ ،‬لكف رغـ ذلؾ‬
‫كمو لـ ُيعتبر أبداً بأنو صديؽ جيد‪ .‬لطالما اعتبره الناس عدواً لدوداً يقمؽ راحتنا ويتدخؿ ليعيقنا عف‬
‫فعؿ ما نرغب فعمو‪.‬‬

‫في العالـ المحيط بنا‪ ،‬نأتي أيضاً وجياً لوجو مع حالة طالما كانت تتنامى وتكبر عبر آالؼ السنيف‪.‬‬
‫لقد ورثنا كارثة العصور‪ .‬لقد ورثنا األخطاء التي اقترفتيا البشرية منذ البداية‪ .‬لقد ورثنا حروب‬
‫اإلسكندر وقيصر‪ .‬ورثنا غزوات المغوؿ‪ .‬ورثنا حروب واعتداءات نابميوف وىتمر وباقي القادة‬
‫الطموحيف الذي سعوا إلى تحقيؽ أقدارىـ مف خبلؿ تدمير أخييـ اإلنساف‪ .‬ىذا الميراث البشع فرض‬
‫عمينا‪ ،‬كما يسميو الحكماء الشرقيوف‪ ،‬كارما عالمية ثقيمة‪ .‬أثبت ىذا الميراث التاريخي البشع بأف‬
‫طور اإلنساف في داخمو ممكة ليست موجودة‬ ‫يغير توجيو وفؽ الظروؼ العادية‪ .‬لقد ّ‬
‫الفرد العادي ال ّ‬
‫في أي مخموؽ آخر نعرفو‪ .‬يمكف تعريؼ ىذه الممكة بمصطمح "القدرية المحدودة"‪ .‬يستطيع الفرد أف‬
‫يصنع خيارات معينة بنفسو‪ .‬صحيح أنو يعيش في عالـ مف القوانيف‪ ،‬لكنو يترجـ ىذه القوانيف‬
‫بالتوا فؽ مع حاجاتو ومصالحو‪ .‬صحيح أنو يعيش في رحاب كوف مف الحقائؽ‪ ،‬لكنو ال يفيـ سوى‬
‫درجات معينة مف ىذه الحقائؽ وذلؾ توافقاً مع عواطفو ونواياه‪ .‬لدى اإلنساف الحؽ في القوؿ نعـ أـ‬
‫ال‪ .‬لديو الحؽ في أف يقبؿ الشيء أو يرفضو‪ .‬لديو الحؽ في أف يبحث ويدرس ومف ثـ يقرر‪ ،‬بناء‬
‫خير‪ .‬لكف الفرد اليوـ يستخدـ ىذه القدرة عمى االختيار ليقرر فعؿ ما يرغبو‪.‬‬
‫عمى خبرتو‪ ،‬ما ىو ّ‬
‫التيرب مف عواقب‬
‫ّ‬ ‫ضد القوانيف التي عميو أف يطيعيا‪ .‬يحاوؿ‬
‫يستخدـ ىذه القدرة كوسيمة لمقرار ّ‬
‫سموكو وتصرفاتو‪ ،‬لكنو لـ يفكر أبدأً في محاولة تصحيح مسببات ىذه العواقب التي يتيرب منيا‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫بالتالي كؿ جيؿ مف األجياؿ يواجو ىذا العبئ الثقيؿ المتمثؿ بالواجبات غير المكتممة‪ .‬ىذا العبئ‬
‫يمثؿ تحدي كبير‪ .‬ىذا العبئ موجود ألننا خمقناه أصبلً‪ .‬ىذا ألننا فعمنا الكثير مف األشياء عبر‬
‫التاريخ والتي جمبت ىذه العواقب التي نعاني منيا ونمقتيا‪ .‬الحقائؽ المتعمقة بيذا األمر ىي واضحة‬
‫ويسيؿ استكشافيا‪ .‬أولئؾ الميتميف مثبلً بجوانب محددة مف الثقافة اإلنسانية يمكنيـ قراءة كتب‬
‫ب خصوص انحدار وسقوط اإلمبراطورية الرومانية‪ .‬إذا قرأت ىكذا كتب سوؼ تشعر بأنؾ تق أر وثائؽ‬
‫عصرية تتعمؽ بالوضع الحالي‪ .‬ىي تظير ما حصؿ لروما بالضبط‪ .‬ىي تستعرض ما الذي خمؽ‬
‫المسببات التي أدت إلى ذلؾ اإلنييار‪ .‬بعد الفساد التدريجي لمنزاىة واالستقامة األخبلقية‪ ،‬واالنتشار‬
‫المستمر لمطموح الفردي‪ ،‬أدى ذلؾ إلى انييار حضارة إنسانية عظيمة‪ .‬حضارة تحوز عمى إمكانيات‬
‫الصمود لعصور مديدة أخرى‪ ،‬لكنيا لـ تصمد أبداً‪ .‬نجد األمر ذاتو في تواريخ كؿ الحضارات واألمـ‬
‫القديمة األخرى‪ .‬األخطاء التي نقترفيا اليوـ ىي األخطاء ذاتيا التي دمرت الماضي‪.‬‬

‫اإلنجازات ذات الطبيعة البناءة التي نحققيا اليوـ ىي حاضرة أيضاً كومضات ساطعة أو أضواء‬
‫جيد قد لعب دوره‪ .‬كؿ تكريس جديد نتج عنو تقدـ‬
‫المعة في مسيرة التاريخ الطويمة‪ .‬كؿ شيء ّ‬
‫أساسي في الطبيعة البشرية والغاية البشرية‪ .‬لكف منذ البداية‪ ،‬أكثر ما قمنا بمبلحقتو وقمعو ىو‬
‫أولئؾ الذيف قالوا لنا الحقيقة‪ .‬نحف ال نريد لمحكمة أف تتدخؿ في متعتنا‪ .‬نحف نكافح دائماً وبيأس‬
‫ألف نكوف سعداء‪ ،‬وذلؾ عبر وسائؿ تؤدي في النياية إلى عدـ السعادة‪ .‬ىذه حالة طبيعية كما قانوف‬
‫السببية‪ ،‬والتي ىي أحد تجمياتو‪ .‬نحف أكثر حظاً مف الذيف سبقونا في الماضي‪ ،‬ألننا نستطيع‬
‫مراجعة ما كاف يحصؿ في الماضي‪ .‬نحف ربما نقؼ عند نقطة اإلمكانية األكبر نحو التنور‪ ،‬لكننا‬
‫لسنا مستعديف لتعمـ الدرس‪ .‬نحف نعتبر أف التاريخ بكاممو بدأ في القرف الماضي‪ .‬وكؿ ما حصؿ‬
‫قبؿ ذلؾ ىو مجموعة مف الخرافات واألساطير والكثير مف األخطاء‪ .‬لكف في الحقيقة‪ ،‬إف الخرافات‬
‫واألساطير واألخطاء ىي التي تسيطر عمينا اليوـ‪ .‬نحف لـ نتعمـ الدرس بعد‪ .‬العائبلت ال تتعمـ‬
‫الدرس‪ .‬تمر العائمة في فترة طويمة مف السنوات المضطربة وغير المستقرة والتي قد تنتيي بالطبلؽ‬
‫أو االنفصاؿ‪ .‬لكنيـ لـ يتعمموا ما الذي يحافظ عمى تماسؾ األسرة‪ .‬لـ يتعمـ األىؿ كيؼ يسيطروا‬
‫عمى أطفاليـ ويرشدوىـ بطريقة صحيحة‪.‬‬

‫نمط الحياة اليوـ ىو مزدىر أكثر مف أي وقت مضى‪ .‬مستوى العيش في البمداف األكثر تطور ىو‬
‫مرتفع جداً‪ ،‬لكف مستوى الحياة ذاتيا ىو منخفض جداً‪ .‬نحف نسعى باستمرار إلى بناء أشياء‬

‫‪12‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫خارجية‪ ،‬والتي ىي بذاتيا فانية وزائمة وقابمة لئلفساد وسوؼ تنيار حتماً في النياية‪ .‬ربما اآلف‬
‫نستطيع استيعاب الفكرة وراء القوؿ المأثور الذي ذكرتو في بداية ىذا الموضوع‪ .‬أي نحف دائماً وأبداً‬
‫في حضور حقيقة ثابتة وراسخة‪ ،‬وعممية حتمية تجري إلى األبد‪ ،‬وأف العمؿ األكثر سعادة وانتاجاً‬
‫وربحاً الذي يمكننا القياـ بو ىو التماشي واإلندماج مع ىذه الحقيقة‪ .‬الطاحونة المذكورة في المقولة‬
‫السابقة إذاً تمثّؿ المجريات القدرية التي تسحؽ وتجرش كؿ ما ال يتوافؽ مع الحقيقة األصيمة‪.‬‬
‫صحيح أن الطاحونة القدرية بطيئة في عمميا لكنيا تعمل دائماً دون توقف‪ .‬تستمر في عممية‬
‫الطحف واليرس حتى يستوي المنتوج بكاممو في نعومتو‪ .‬والنعومة ىنا تعني قابمية االندماج مع‬
‫الحقيقة الكونية‪ .‬الحقيقة ىي كممة تمثؿ أمر عظيـ جداً‪ ،‬وفي جوىرىا الحقيقي تتجاوز التعريؼ‬
‫المغوي‪ .‬لكف ىناؾ دالئؿ معينة‪ ،‬أو حقائؽ ثانوية معينة‪ ،‬ىي ميمة جداً في عممية إرشادنا‪ ،‬رغـ أف‬
‫الحقيقة األساسية تكوف غامضة بالنسبة لنا‪ .‬حقيقة األمر تمثؿ واقعو‪ ،‬حقيقة الموقؼ تمثؿ إحداثياتو‪،‬‬
‫لكف أكثر مف أي شيء آخر ىي تمثؿ تكاممو الفعمي‪ .‬الحقيقة غير قابمة لئلفساد‪ .‬يستطيع اإلنساف‬
‫أف ينكرىا‪ ،‬لكنو ال يستطيع أف يدحضيا‪ .‬الحقيقة تقوؿ بأنو عمينا أف نتعاوف أو سوؼ نفنى ونندثر‪.‬‬
‫ليس ىناؾ أي حؿ آخر ممكف‪ .‬ألننا ُخمقنا لكي نتعاوف‪ .‬ومتما امتنعنا عف التعاوف نضع طبيعتنا‬
‫النفسية تحت ضغط اإلجياد‪ .‬بشكؿ تدريجي‪ ،‬كما في حالة اإلدماف عمى المخدرات‪ ،‬نجد أف القيـ‬
‫المزيفة التي اتبعناىا أصبح تكرارىا المستمر يحوليا إلى عادات دائمة‪ ،‬وىذا في النياية يؤدي إلى‬
‫تدمير قوة التمييز داخؿ أنفسنا والتي تمنحنا القوة التي تمكنا مف كسر ىذه العادات‪ .‬نحف بالتالي‬
‫نخسر تدريجياً عبلقتنا مع العالـ الذي نمثؿ جزء منو‪ .‬نحف نخسر إدراكنا لحقيقة أننا ىنا لكي ننمو‬
‫ونصحح أخطائنا ونتقدـ تدريجياً نحو تقدير أكبر لمحقيقة‪ .‬عمينا أف نكوف أكثر إدراكاً لحقيقة المسألة‪،‬‬
‫ميما كانت تمؾ الحقيقة‪.‬‬

‫ىذه مشكمة تواجينا اليوـ أكثر مف أي وقت مضى‪ .‬في القرنيف الماضييف‪ ،‬أصبح المجاؿ الصناعي‬
‫والنمو اإلقتصادي يمثبلف أساس السياسات الكبرى في الحياة‪ .‬نحف نكافح دائماً وباستمرار مع كافة‬
‫أنواع المواقؼ والظروؼ المعقدة والصعبة‪ .‬ذلؾ بسبب تفاعؿ تمؾ العوامؿ التي سمحنا ليا أف تفمت‬
‫مف نطاؽ سيطرتنا‪ .‬لذلؾ‪ ،‬بدالً مف الشعور بحقيقة أف العالـ واقع في مشكمة كبيرة‪ ،‬أو أف مكانة‬
‫اإلنساف في خطة القدر معرضة لمخطر الكبير‪ ،‬أعتقد أنو عمينا اإلدراؾ بأننا وسط فترة تصحيحية‬
‫في تاريخ الحضارة‪ .‬أصبح واضحاً بأنو إذا استمرت األمور كما ىي اآلف‪ ،‬سوؼ نواجو ال شيء‬
‫سوى األزمات والكوارث عمى أنواعيا‪ ،‬وسيستمر ذلؾ إلى مستقبؿ غير منظور‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫كؿ شيء نعتبره اليوـ بأنو صعب يسير إلى األماـ حتى يصبح مضاعؼ‪ .‬سوؼ نواجو مشكمة‬
‫وتطور األسمحة النووية التي ىي بكؿ‬
‫ّ‬ ‫شح الموارد الطبيعية‪،‬‬
‫االنفجار السكاني‪ ،‬تموث اليواء والماء‪ّ ،‬‬
‫تأكيد غير متوافقة مع واقعنا البائس‪ .‬وجب حؿ ىذه المشاكؿ بطريقة أو بأخرى‪ .‬لكف قبؿ أف‬
‫نستطيع حمّيا فعمياً‪ ،‬عمينا أف نؤمف بوجود ح ّؿ‪ .‬الكثير مف الناس اليوـ يش ّكوف بإمكانية وجود حموؿ‬
‫ليذه المسائؿ‪ .‬يش ّكوف في قدرة العالـ عمى صنع تعديبلت مناسبة في فترة وجيزة تسبؽ االنييار‬
‫الحتمي‪ .‬قد يكوف ىذا صحيحاَ‪ ،‬لكف عمينا أف نتذكر دائماً أمر واحد‪ ،‬وىو أننا موجودوف في ىذا‬
‫العالـ الدنيوي لكننا لسنا مخموقوف منو‪ .‬مصدرنا ىو مف مكاف آخر‪ .‬ىذا العالـ الدنيوي ال يستطيع‬
‫التحكـ فعمياً باألمور الموجودة بداخمنا‪ .‬ليس ىناؾ أي قوة أو قدرة مادية تستطيع إفساد اإلرث‬
‫الروحي لئلنساف‪ .‬ليس ىناؾ أي طريقة ممكنة إلفساد أو الضرر بالروح البشرية بواسطة أدوات‬
‫دنيوية خارجية‪ .‬فقط الروح البشرية تستطيع الضرر بنفسيا وليس أي شيء آخر‪ ،‬وذلؾ مف خبلؿ‬
‫القبوؿ أو االعتراؼ باألشياء الزائفة غير الحقيقية‪ .‬لذلؾ فإف طواحين اإللو تجرش تدريجياً المشاكل‬
‫الكبرى لإلنسانية‪.‬‬

‫ربما أكبر مشكمة التي نواجييا ىي الطموح‪ .‬وليس ىناؾ أحد يستطيع أف يبرره أو يدافع عنو‬
‫بالمنطؽ والذريعة‪ .‬الطموح يمثؿ ضغط بداخمنا لكي نتفوؽ في مجاؿ معيف‪ ،‬أو لكي نصبح خبراء‬
‫أكثر في مجاؿ عيشنا وتفكيرنا‪ .‬يمكننا تعريؼ الطموح وفؽ مصطمحات أكبر بأنو اندفاع أكبر لنكوف‬
‫سباقيف في فعؿ األشياء أو في التقدـ بحالتنا المادية‪ .‬الطموح في الحقيقة ىو سبب كؿ المآسي التي‬
‫ع رفيا عالمنا‪ .‬ألنو في عالـ يحوز عمى مصادر محدودة ليس ىناؾ مكاف لتضخيـ الفرد لنفسو‪.‬‬
‫الحالة العكسية لمطموح ىي ليست العطالة‪ .‬الكثير مف الناس يظنوف بأنو عندما يضعؼ طموحيـ‬
‫فيذا دليؿ عمى موتيـ رغـ بقاءىـ أحياء‪ .‬ىذا في الحقيقة ليس صحيحاً‪ .‬الطموح موجود فعمياً‬
‫وبالتالي يمكف استخدامو‪ ،‬لكف وجب تكريس ىذا الطموح لغاية تحسيف األشياء‪ .‬وجب أف يمثؿ‬
‫الطموح األمؿ الداخمي لمفرد بأف الجمع العالمي سوؼ يينأ بالسبلـ واألماف‪ .‬عمينا أف نكوف طموحيف‬
‫لممبادئ والمثؿ العميا‪ ،‬وليس طموحيف لتحقيؽ الربح المادي‪ .‬إذا كنا نفعؿ كؿ ما بوسعنا لتحقيؽ‬
‫الدافع بداخمنا الذي ييدؼ إلى جعؿ الحياة أفضؿ لكؿ مف يحيطنا‪ ،‬فيكوف ىذا أرقى أنواع الطموح‬
‫الذي نعرفو‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ىناؾ ضغط ىائؿ آخر بداخمنا والذي يوقعنا باستمرار في صعوبات مختمفة وىو األنانية‪ .‬األنانية‬
‫ىي التوجو الغامض بداخمنا والذي يقوؿ لنا بأنو عمينا أف نكوف المستفيديف األكثر مف أي شيء‬
‫يحصؿ حولنا‪ .‬تعتبر األنانية بأنيا تمثؿ مركزية الذات‪ ،‬لكنيا في الحقيقة ال تمثؿ مركزية الذات‪ ،‬ألف‬
‫الذات الحقيقية ليس متمركزة بيذه الطريقة إطبلقاً‪ .‬الذات الحقيقية ىي كونية بطبيعتيا‪ .‬يوجد في‬
‫الحقيقة ذات واحدة في الوجود‪ ،‬وتكوف باقي الذوات أجزاء متفرقة داخؿ لوحة عظيمة مف مبدأ أبدي‬
‫واحد لمحياة والتكامؿ األخبلقي‪ .‬لذؾ فإف األنانية ىي‪ ،‬كما يعرفونيا في الفمسفات القديمة‪ ،‬األمؿ‬
‫األناني لئلنساف بأف الكؿ سوؼ يتوافؽ مع الكؿ‪ .‬األنانية ىي القدرة داخؿ الفرد التي تجعمو مراعياً‬
‫ومحترماً لآلخريف بنفس القدر الذي يتوقع األمر ذاتو منيـ‪ .‬يمكف تحقيؽ األنانية مف خبلؿ العيش‬
‫بطريقة أفضؿ مف أي فترة سابقة‪ .‬ومف خبلؿ العيش بشكؿ أفضؿ‪ ،‬قد يبدو األمر بأننا نركز‬
‫اىتمامنا عمى أنفسنا فحسب‪ .‬لكف ىذا ال يعتبر أمر خاطئ إذا أحرزنا األفضؿ واستخدمناه لفائدة‬
‫لمتحسف لكي نكوف أكثر فائدة‪ .‬لكف األنانية التي تسعى‬
‫ّ‬ ‫الخير العاـ‪ .‬وجب أف تكوف األنانية دافع‬
‫تفوؽ الفرد عمى المحيطيف بو ىي معاكسة لقانوف الطبيعة‪.‬‬
‫إلى تحقيؽ ّ‬

‫ىناؾ عامؿ سمبي آخر وىو الخوؼ‪ .‬الفرد العصري ىو دائماً في حالة قمؽ‪ .‬ىو يخاؼ مف العالـ‬
‫الذي يعيش فيو‪ .‬وأكبر مخاوفو تأتي مف أخيو اإلنساف‪ ،‬ألنو ال يستطيع قراءة أفكار الذيف يحيطوف‬
‫بو‪ .‬ىو مقتنع دائماً بأنو ضحية مؤامرة تحاؾ ضده‪ .‬لقد تـ المبالغة بالخوؼ بشكؿ ىائؿ في السنوات‬
‫األخيرة‪ ،‬وذلؾ مف قبؿ منتجات ثقافية متنوعة وخصوصاً عبر اإلعبلـ‪ .‬يخبرنا اإلعبلـ دائماً عف‬
‫األمور المريعة التي تحصؿ في العالـ‪ .‬صحيح أف تمؾ األمور المريعة تحصؿ فعمياً‪ ،‬حيث ال يمكننا‬
‫نكرانيا‪ ،‬لكف تأثير ىذه األخبار عمينا ينتج الخوؼ‪ .‬نق أر أنواع مختمفة مف الكتب حوؿ منظمات‬
‫ومحافؿ سرية تسعى إلى تقويض عالمنا‪ ،‬فنصاب بالرعب‪ .‬الخوؼ ىو بكؿ تأكيد قمؽ اإلنساف‬
‫بخصوص المجيوؿ‪ .‬أي ذاؾ الذي يصعب تفسيره‪ .‬ذاؾ الذي ىو محجوب أو يختبئ وراء شيء ما‪.‬‬
‫ىو الشي الذي نعجز عف التحقؽ منو أو كشفو لكننا رغـ ذلؾ نكف لو كافة أنواع المخاوؼ باختبلؼ‬
‫أبعادىا‪ .‬ىذا ىو الخوؼ‪ .‬والكثير مف الناس ياعنوف منو اليوـ‪.‬‬

‫لكف الحكماء لـ يخافوا أبداً‪ .‬وىذا أمر ميـ جداً ومف الضروري أف نفكر بو اآلف‪ .‬لكف في الحقيقة‪،‬‬
‫ليس ىناؾ أي حاجة ألف يخاؼ الفرد مف أي شيء سوى أخطاءه‪ .‬يستطيع الفرد أف يعقمف ىذه‬
‫األفكار ويستوعبيا جيداً إذا أراد ذلؾ‪ .‬إف الخوؼ مف المجيوؿ يعمؿ عمى تنمية تمؾ األنواع المختمفة‬

‫‪15‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫مف القمؽ السمبي‪ ،‬ألف الفرد ينظر إلى المجيوؿ كما يراه ويستشعره اليوـ بصفتو عدـ يقيف ىائؿ أو‬
‫فوضى عشوائية أو مجموعة مف المؤامرات المتداخمة‪ ،‬وىو يجيؿ إلى أيف يمتجئ‪ .‬القدماء لـ يخافوا‬
‫مف الحياة وال مف الموت‪ .‬لـ يخافوا مف العدو أو مف الصديؽ المزّيؼ‪ .‬مف خبلؿ التوصؿ إلى‬
‫معرفة كاممة بالقانوف‪ ،‬أدركوا أنو ما مف مكاف في الكوف لمخوؼ‪ .‬ليس ىناؾ مكاف في الكوف بحالتو‬
‫الطبيعية يوجد فيو أي شيء يسبب لئلنساف القمؽ غير العقبلني‪ .‬المصدر الممكف الوحيد والشرعي‬
‫لمقمؽ ىو الكوارث الطبيعية التي ليس لئلنساف أي سمطة عمييا‪ .‬لكف حتى الكوارث ليا موقعيا في‬
‫المسألة‪ ،‬حيث الكوارث تتبع دائماً وحتماً فساد المجتمعات‪.‬‬

‫الخوؼ بالتالي ىو قوة سمبية مثبطة ومشوشة ومضعفة لممعنويات‪ .‬ليس ىناؾ فرؽ حوؿ كيفية قياسو‬
‫أو تقيمو‪ .‬الفرد‪ ،‬بصفتو مخموؽ أبدي‪ ،‬يعيش وسط خطة أبدية‪ ،‬ترشده حكمة أبدية‪ ،‬وتحميو محبة‬
‫أبدية‪ ،‬ليس عميو أف يخاؼ مف أي شيء‪ .‬ليس عميو أف يخاؼ سوى مف أخطاءه‪ .‬ربما عميو الخوؼ‬
‫مف سيطرة الجانب السمبي مف طبيعتو عميو‪ .‬واذا سيطرت عميو فعمياً فيذا يعني أف الجانب اإليجابي‬
‫منو لـ يناؿ فرصتو بعد‪ .‬لكف في جميع األحواؿ‪ ،‬إذا أراد أف يتغمب عمى الخوؼ فيو قادر أف يفعؿ‬
‫ذلؾ‪ .‬ألف كافة أشكاؿ الخوؼ تنبع مف عدـ اليقيف‪ ،‬ىي تعتمد عمى سوء التفسير وسوء الفيـ وخمؽ‬
‫تصورات وىمية تتصؼ بكافة أنواع الشرور‪ .‬في الماضي القديـ‪ ،‬كاف اإلنساف يعاني مف كافة أنواع‬
‫النزاعات والشجارات والخصاـ وسوء الصحة والعشوائية وعدـ االستقرار في المجتمع‪ ،‬فقرر أخي اًر بأنو‬
‫ال بد مف وجود شيطاف في مكاف ما يسبب ىذه الشرور‪ .‬ال بد مف وجود روح شريرة تفعؿ كؿ ىذه‬
‫األشياء المزعجة‪ .‬فيقوؿ مجادالً‪ ،‬بكؿ تأكيد ال يمكف هلل أف يقؼ وراء كؿ ىذه المآسي واألوبئة التي‬
‫تصيبنا‪ ،‬بالتالي ال بد مف وجود شيء مضاد هلل يفعؿ ىذه الشرور‪ .‬ال بد مف وجود عدو هلل‪ .‬وىذا‬
‫العدو يستمر في التآمر مف أجؿ تثبيط الغاية اإلليية‪.‬‬

‫ربما كانت الفمسفة البوذية أفضؿ مف قدـ جواباً مناسباً ليذه المسألة أكثر مف أي جية أخرى‪ .‬تذكر‬
‫الرواية البوذية بأنو تـ مواجية "بوذا" في يوـ مف األياـ مف قبؿ فقياء زمانو بمسألة صعبة الحؿ‪،‬‬
‫وىي مشابية لمسألة "ماؿ قيصر" المذكورة في اإلنجيؿ‪ .‬عندما سألوا "بوذا" عف موقع الشر في‬
‫مخطط األشياء‪ ،‬قاؿ ببساطة‪ .." :‬إذا سمح اهلل بحصوؿ الشر فيو ليس اهلل‪ ..‬واذا عجز عف منع‬
‫الشر فيو ليس اهلل‪ ."..‬فسكت الفقياء عاجزيف عف االستمرار بالنقاش‪ .‬ىذه الفكرة استمرت عبر‬
‫العصور وحفزت المفكريف عمى التفكير بعمؽ في مجرى األمور‪ .‬المشكمة ىي أننا قمنا‪ ،‬منذ البداية‪،‬‬

‫‪16‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫بممئ العالـ بشياطيف وىمييف وحممناىـ مسؤولية كافة األخطاء التي اقترفناىا‪ .‬في العصور الوسطى‬
‫كاف ُيعتقد بوجود شياطيف حتى في مداخؿ البيوت‪ ،‬وحتى أف ىذه الشياطيف كانت تجمس بجانب‬
‫الفرد خبلؿ الصبلة في بيت العبادة‪ ،‬وغيرىا مف تصورات وسيناريوىات‪ .‬إذا كانت ىذه األمور واقعية‬
‫فعمياً‪ ،‬فيذا يعني أف الجميع يمكنيـ االتكاء بارتياح وىناء واالدعاء بأف عيوبيـ الفردية ال تعتبر‬
‫ذنوباً منيـ بؿ مف الشيطاف‪ .‬األخطاء إذاً لـ تعتبر ذنوباً اقترفيا األفراد بؿ مف عمؿ الشيطاف‪،‬‬
‫استمر ىذا االعتقاد راسخاً لفترة طويمة مف الزمف‪ .‬أما اليوـ‪ ،‬في الوقت الحالي‪ ،‬لـ يعد ىناؾ‬
‫و ّ‬
‫شيطاف نمقي عميو الموـ‪ ،‬لكف أصبح لدينا مجاؿ السياسة واالقتصاد والصناعة والعبلقات الدولية‬
‫والسياسة الداخمية لمحكومة‪ ...‬وغيرىا مف عوامؿ‪ ،‬وكؿ ىذه المجاالت أخذت مكاف الشيطاف بطريقة‬
‫أو بأخرى‪ ،‬وجعمناه ممكناً لنا أف نشعر بأنو ليس عمينا تحمؿ أي مسؤولية بخصوص أي خطأ أو‬
‫ىفوة أو عيب يحصؿ في حياتنا‪ ،‬حيث كميا تحصؿ بسبب أحد العوامؿ المذكورة سابقاً‪ .‬إف فمسفة‬
‫مف ىذا النوع لف تنشمنا أبداً مف وضعنا المزري‪ ،‬بؿ تعمؿ عمى إغراقنا أكثر في ىذا المستنقع‬
‫المأساوي الذي نحف غارقيف فيو‪.‬‬

‫دعونا نمقى نظرة عمى المسألة مف وجية نظر إغريقية‪ .‬كاف اإلغريؽ مقتنعوف بطريقتيـ الخاصة‬
‫بوجود مبدأ مطمؽ واحد‪ .‬وىذا المبدأ المطمؽ يمكف اإلشارة إليو باسـ اهلل أو حياة أو عقؿ كمّي أو أي‬
‫اسـ أو مفيوـ آخر يمكف استخدامو‪ .‬رغـ ذلؾ كمو سوؼ يبقى مبدأ مطمؽ واحد أحد كما يشير إليو‬
‫الفيمسوؼ فيثاغورث‪ .‬كافة التقسيمات المؤدية إلى التعددية تحصؿ ضمف نطاؽ ىذه الوحدة الكمية‪.‬‬
‫ليس ىناؾ شيء خارج نطاؽ ىذه الكمية‪ .‬بالتالي‪ ،‬كؿ ما ىو موجود يقبع داخؿ نطاؽ ىذه الوحدة‬
‫تنوع المحدود مف التجميات والتجسيدات‪.‬‬
‫الكمية‪ .‬إنيا عممية تخميؽ انطبلقاً مف مبدأ واحد أحد إلى ّ‬
‫خير‪ ،‬فيذا يجعؿ كؿ تمؾ التجميات‬
‫لكف بما أنيا جميعاً تصدر مف الواحد األحد‪ ،‬وىذا الواحد ىو ّ‬
‫خيرة بطبيعتيا ومحتواىا‪.‬‬
‫المتنوعة ّ‬

‫العالـ الذي نعيش فيو يمثؿ لغز غامض بالنسبة لبعض الناس‪ ،‬ولجميعنا بدرجة كبيرة‪ .‬يوجد سبب‬
‫و ارء عدـ والدتا في حالة كماؿ‪ .‬يوجد سبب وراء وجوب تحقيؽ الفضيمة باالجتياد‪ ،‬حيث لـ تمنح لنا‬
‫ىكذا ‪ .‬الفضيمة تأتي لمفرد مف خبلؿ خيار شخصي يتخذه‪ .‬القوة التي خمقت اإلنساف منحتو القوة ألف‬
‫يكوف عمى صواب‪ ،‬ألنيا منحتو القدرة عمى االختيار واالستكشاؼ والتف ّكر حوؿ ظاىرة الحياة‪ .‬كما‬
‫منحتو الكتب العظيمة التي ىي ضرورية لخبلصو‪ّ .‬أوؿ ىذه الكتب ممثؿ بالكوف ذاتو‪ ،‬والذي يمكف‬

‫‪17‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫لئلنساف سبره واستكشافو‪ .‬الكتاب الثاني ممثؿ بالنصوص المقدسة التي نزلت عمى كافة الشعوب‬
‫عبر توالي العصور‪ .‬غالباً ما تكوف ىذه النصوص عبارة عف خبلصات لمبادئ أخبلقية وأدبية‪،‬‬
‫وقوانيف العيش بطريقة سميمة وكيفية السعي لنيؿ الخبلص في النياية‪ .‬الكتاب الثالث ممثؿ بجسـ‬
‫مصغر لكافة المجريات الحاصمة في الطبيعة مف حولو‪ .‬كؿ ما ىو‬
‫ّ‬ ‫اإلنساف‪ ،‬الذي يمثؿ نموذج‬
‫مسيء لجسـ الفرد يكوف مسيء لعالمو بالكامؿ‪.‬‬

‫لقد وجد اإلنساف في ىذا العالـ مف أجؿ أف يعمؿ تدريجياً عمى تك ّشؼ الوعي لديو‪ .‬أف يفتح نفسو‬
‫تدريجياً إلى التزايد المستمر والتنامي الدائـ لمستويات الوعي حتى يصبح في النياية مدركاً ومندمجاً‬
‫مع المبدأ الواحد األحد القابع عند منبع الحياة‪ .‬ىذا يمثؿ بالتالي مدرسة بذاتيا‪ .‬ىي مدرسة بحيث‬
‫مبلييف ومبلي يف مف الذرات الدقيقة في جسد اإللو تنمو‪ .‬ىذه المدرسة لدييا قوانينيا وأحكاميا‬
‫ومبادئيا‪ .‬ىذه المدرسة تعمـ مواضيع معينة ضرورية‪ .‬ومدرسة الحياة ىذه ىي ربما األكثر نبذاً مف‬
‫الناس لكنيا في الحقيقة األكثر ضرورة مف أي مؤسسة تعميمية نعرفيا‪ .‬الفرد لـ يحبط أبداً في قدرتو‬
‫عمى التعمـ‪ ،‬لكف نزعتو لمتعمـ ىي التي أصيبت بالصدع‪ .‬بعد أف نبدأ بالتفكير حوؿ ىذا الموضوع‬
‫نكتشؼ بأف كامؿ النموذج أو كامؿ البرنامج بصيغتو الصحيحة ىو الذي سوؼ ينتج في النياية‬
‫التنور‪ ،‬وذلؾ مف خبلؿ‬
‫المتنور‪ .‬سوؼ نتوصؿ إلى ىذه النتيجة ألف الفرد قد استحؽ ىذا ّ‬
‫ّ‬ ‫الشخص‬
‫ويحرر مف خبلؿ‬
‫تنور ال ُيمنح ىكذا‪ ،‬بؿ ُيكشؼ ّ‬
‫سموكو ومف خبلؿ بصيرتو ومف خبلؿ مجيوده‪ .‬ال ّ‬
‫الشخص وعبر مجيوده الخاص‪ .‬عبر إص ارره الثابت عمى إيجاد الجواب الشافي عف نفسو‪.‬‬

‫التأمؿ‪ ،‬وأدركوا بأنو بطريقة‬


‫الكثير مف الشعوب القديمة منحت ىذا الموضوع قدر وافي مف التفكير و ّ‬
‫معينة ال بد مف وجود طريقة أو وسيمة بحيث يستطيع الفرد أف يتعمـ دروس الحياة بشكؿ أسرع‪.‬‬
‫ّ‬
‫فتوفر مجموعة مف األنظمة والمناىج المتنوعة لئلنساف في األزمنة القديمة‪ّ .‬أوؿ ىذه األنظمة ىو‬
‫منيج التطيير ‪ .‬ىو أعظـ المناىج لدى اإلغريؽ القدامى‪ .‬قالوا أنو عمى الفرد قبؿ أف يصبح حكيماً‬
‫أف يطيّر حياتو مف الفساد الذي يجعؿ الحكمة مستحيمة التجمّي لديو‪ .‬أي بمعنى آخر‪ ،‬التطيير ىنا‬
‫ال يعني أنو عميؾ غسؿ يديؾ أو االستحماـ في حوض مقدس‪ .‬التطيير يعني تنظيؼ الحياة‬
‫بالكامؿ‪ ،‬أي االرتقاء بالتكامؿ األخبلقي‪ ،‬أي االستخداـ السميـ لئلمكانيات العاطفية والعقمية‬
‫والجسدية‪ .‬الطيارة ىي الحؽ ألف تكوف عمى حؽ‪ .‬ىي الحؽ باستخداـ كؿ موىبة منحت لنا بطريقة‬
‫بناءة واألكثر مثالية‪ .‬كاف تطيير الجسد يمارس في الزمف القديـ مف خبلؿ الصياـ لفترات معينة أو‬

‫‪18‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫التخمّي عف أكؿ بعض األطعمة غير المفيدة وكذلؾ التخمّي عف كؿ ما يمكنو إفساد الجسـ‪ .‬الغاية‬
‫تذمر مف‬
‫كانت إرجاع الجسـ تدريجياً إلى حالتو الطبيعية بأكبر قدر ممكف‪ .‬وجب أف ال يحصؿ أي ّ‬
‫قبؿ الجسد‪ ،‬فيتحرر الفرد مف الضغوطات التي تبرز دائماً مف الجسـ‪.‬‬

‫ىذه ىي بداية حياة الحكمة‪ .‬عمى الفرد أف يبنى منزالً لنفسو وفقاً لمقانوف‪ .‬عندما يبني ىذا المنزؿ في‬
‫جسمو وفقاً لمقانوف سوؼ يأتي اإللو األعمى ويسكف معو فيو‪ .‬بعد االنتياء مف مرحمة التطيير‪،‬‬
‫األخبلقي واألدبي والجسدي‪ ،‬يستقر أولئؾ الساعوف إلى الحكمة عمى طريؽ الحكمة‪ .‬ما عميؾ فعمو‬
‫مف أجؿ التعمـ؟ كيؼ سوؼ تساىـ في تحسيف المعرفة؟ اتبع اإلغريؽ القدامى نفس الطريقة التي‬
‫اتبعيا الينود والصينيوف وكافة الحضارات القديمة األخرى‪ .‬قاموا بوضع المريد الساعي إلى المعرفة‬
‫تحت وصاية وارشاد أولئؾ العارفيف والمطمعيف أكثر منو‪ .‬لذلؾ كاف ىناؾ مدارس لمتعميـ‪ .‬كاف ىناؾ‬
‫فقياء عظماء‪ ،‬وكذلؾ فبلسفة وصوفييف‪ ،‬وكاف ىناؾ مدارس التعاليـ السرية ومجموعة أخرى مف‬
‫المؤسسات التي وجدت بيدؼ تعمـ المريد المزيد والمزيد عف الخطة اإلليية‪ .‬بالتالي‪ ،‬بعد مرحمة‬
‫التطيير يأتي دور االنخراط في منيج محدد‪ .‬ىذا المنيج لـ يعد يتعمؽ بالجسد‪ ،‬بؿ ييتـ في انضباط‬
‫العواطؼ والعقؿ‪ .‬الفرد الذي ال يستطيع السيطرة عمى مزاجو لف يتمكف مف اختبار حضور اإللو‬
‫ؾ والتساؤؿ‪ ،‬حيث قد‬
‫بداخمو‪ .‬قد يظف بأنو يختبر ىذا الحضور الجميؿ لكف ىذه الحالة تكوف قيد الش ّ‬
‫تكوف عمى األغمب عبارة عف وىـ ناتج مف ىموسة‪ .‬الفرد الذي ال يستطيع ضبط أفكاره ال يمكنو أف‬
‫يصبح حكيماً بالفعؿ‪ .‬وعندما تقوـ اإلرادة لدى الفرد باستخداـ كؿ مف العواطؼ والعقؿ مف أجؿ‬
‫إشباع الشيوات والسعي لتحقيؽ الطموحات الدنيوي‪ ،‬حينيا يكوف لدينا شمشوف المربوط بحجر‬
‫الطاحونة كما ورد في العيد القديـ‪ .‬نحف نحوز في داخمنا عمى شيء عظيـ ورائع وىائؿ وخالد‬
‫(النفحة الشمسية)‪ ،‬وما نفعمو ىو تقييده واشغالو بأتفو النشاطات وأحقرىا في حياتنا اليومية‪ .‬لذلؾ‬
‫عمى العقؿ أف يكوف تحت السيطرة لكي يتمكف مف التفكير بشكؿ سميـ‪ .‬وكذلؾ العواطؼ وجب‬
‫ضبطيا لكي تكوف المشاعر نبيمة ولطيفة وكريمة ورحيمة‪.‬‬

‫مف أجؿ إحراز االنضباط العقمي المطموب‪ ،‬مف الضروري توجيو العقؿ أو تعميمو كيؼ يف ّكر‪ .‬وجب‬
‫تعميمو كيؼ يتجنب التعصب أو التشبث باآلراء بشكؿ أعمى‪ .‬إنيا عممية إنماء تدريجي لمحصافة‬
‫وحسف التقييـ لؤلمور‪ .‬االنضباط العقمي يستند عمى أساس الحصافة وحسف التقييـ‪ .‬إنيا قدرة الفرد‬
‫عمى التفكير السميـ والطاىر كما نجده لدى الشعوب البسيطة التي نعتبرىا بدائية مثؿ سكاف الجزر‬

‫‪19‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫مموث بعد بتعاليـ‬


‫النائية أو سكاف األدغاؿ العميقة‪ .‬ىذا التفكير السميـ والطاىر يكوف غير ّ‬
‫موجية بأغمبيا‪ .‬لكف بكؿ‬
‫أيديولوجية أو سياسية أو مذىبية أو أدبية أو عممية أو غيرىا مف معمومات ّ‬
‫تأكيد‪ ،‬ىذا التفكير الطاىر يمثؿ قاعدة مثمى لمتقدـ السميـ نحو االرتقاء باتجاه الحكمة‪ .‬ىذا النوع مف‬
‫التفكير ىو األصمح لينيؿ مف حكمة العصور‪ .‬ىو يمنح الفرد المفاتيح الصحيحة لكي يتمكف مف‬
‫ضبط وتنظيـ النشاطات العقمية المختمفة‪.‬‬

‫كاف يوجد في اليوناف القديمة معمموف بارعوف يسمونيـ السفسطائييف‪ ،‬وكانت العامة تنظر إلييـ‬
‫باستحقار‪ ،‬والسبب ىو أنيـ كانوا يعمموف تبلميذىـ مقابؿ أجر مالي‪ .‬لذلؾ كاف الناس يستحقرونيـ‪.‬‬
‫ألف طمب األجر مقابؿ التعميـ ىو دليؿ عمى عدـ التكريس مف أجؿ الحقيقة األصيمة‪ .‬قد يقوؿ‬
‫البعض أنو إذا طبقنا ىذا المبدأ اليوـ فسوؼ ينتيي أمر معظـ المعمميف الحالييف في مآوي الفقراء‪.‬‬
‫قد يكوف األمر صحيح لكنو لـ يكف ىكذا في الماضي‪ .‬ألف الذيف أصبحوا القادة العظماء لمفكر‬
‫اإلغريقي ولمدة ثبلثة قروف‪ ،‬مقدميف لمعالـ مئتيف مف أبرز المفكريف المتنوريف‪ ،‬لـ يطمبوا أجر مقابؿ‬
‫تعميميـ‪ .‬كانوا مدعوميف وتـ مساعدتيـ وكاف تبلميذىـ يحبونيـ ألنيـ رؤوا بأنيـ لـ يطمبوا شيء ولـ‬
‫يحتاجوا إلى شيء‪ .‬كانت حاجاتيـ ومتطمباتيـ قميمة‪ .‬وكانت العبلقة القائمة بيف التمميذ والمعمـ‬
‫متحررة تماماً مف العوامؿ المالية‪ .‬لذلؾ وجب أف تكوف مينة المعمّـ بشكؿ رئيسي عبارة عف تكريس‬
‫موجو حص اًر نحو زيادة المدخوؿ المالي بأي‬
‫إلرشاد أولئؾ الذيف بحاجة إلى إرشاد‪ ،‬وال يكوف األمر ّ‬
‫شكؿ مف األشكاؿ‪.‬‬

‫وجب أف نعرؼ حقيقة ميمة‪ ،‬كؿ مجاؿ مف مجاالت المعرفة إذا تـ إفساده سوؼ يصبح خطي اًر‪ ،‬وما‬
‫مف شيء أقوى مف الماؿ في القدرة عمى اإلفساد‪ .‬كؿ مجاؿ بحث إذا أسيء استخدامو سوؼ يتحوؿ‬
‫إلى تيديد خطير‪ .‬عمينا أف نع رؼ ىذه األمور‪ .‬عمينا أف نتمتع بالشجاعة لفعؿ شيء حياليا‪ .‬لكف‬
‫يبدو أف المشكمة ستبقى قائمة كما بقيت دائماً‪ .‬مشكمة أف الميارات بكؿ أنواعيا ليست متصمة‬
‫ِ‬
‫العالـ اليوـ يشعر بأنو ليس ممتزماً بالديف بأي طريقة‪ .‬ىو ال يؤمف بأنو مف الضروري‬ ‫بالديف‪.‬‬
‫التحكـ بالعمـ والسيطرة عميو مف قبؿ شيء أقوى مف العقؿ البشري‪ .‬العموـ ىي ليست ظواىر عقمية‬
‫معزولة‪ِ .‬‬
‫العالـ غير التقي أو الغير ممتزـ دينياً يمثؿ خطر دائـ إلفساد المعرفة وكذلؾ إفساد الميارة‪.‬‬
‫لقد شيد القرنيف الماضييف تقدماً كبي اًر في مجاؿ العمـ والمعرفة‪ .‬لكف معظميا ىو خطير‪ .‬أينما يوجد‬
‫المتميز‬
‫ّ‬ ‫عمـ بنفسو ولنفسو سوؼ يكوف خطي اًر‪ .‬أينما يوجد فرع مف المعرفة ويكوف قد عزؿ محتواه‬

‫‪23‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ودخؿ ربما في صراع مع عموـ أخرى‪ ،‬أو عمى األقؿ كاف عمى عبلقة غير متناغمة أو منضبطة‬
‫معيا‪ ،‬متما حصؿ ىذا فسوؼ تتناقص فوائد ىذا الفرع المعرفي وتتزايد مخاطره‪ .‬ربما أصبحت‬
‫أخطار العمـ أكبر وأكثر فتكاً‪ ،‬وىي اآلف أكثر تيديداً‪ .‬نكتشؼ اليوـ بأف قسـ كبير مف العمـ ليس‬
‫محكوماً بالسعي لخدمة الشعوب‪ .‬إنو سعي حثيث لمتقدـ بنوع آخر مف المعرفة‪ .‬سعي حثيث إلثبات‬
‫شيء ما‪ ،‬بدالً مف اكتشاؼ القيمة وفؽ ما تقتضيو المصمحة العامة‪.‬‬

‫إذاً‪ ،‬العمـ اليوـ انحرؼ عف الغاية مف وجوده‪ .‬لـ يعد صادقاً مع غايتو الحقيقية‪ .‬في كتابو الذي‬
‫بعنواف "العضو الجديد في العمـ" يقوؿ "روجر بيكوف"‪ .." :‬الغاية مف العمـ ىي أف اإلنساف سوؼ‬
‫يتعمـ عمى المستوى العممي كؿ ما يمكف لو معرفتو‪ ،‬وكؿ ما يتعممو سوؼ يتـ تكريسو دوف أنانية‬
‫حي‪ ."..‬بخصوص حالة العمـ اليوـ فإف القسـ األخير مف المقولة السابقة مفقود‪.‬‬
‫لمصمحة كؿ شيء ّ‬
‫وألف ىذا القسـ األخير غير موجود اآلف‪ ،‬عمينا أف نفترض بأف مستوى المثالية ليس راقياً بما يكفي‬
‫ليصنع تكريس حقيقي في العمـ الحديث‪ .‬إنو ليس قوي بما يكفي ليرفع الفرد فوؽ أنانيتو نحو التكامؿ‬
‫مع المصمحة العامة‪ .‬األمر ذاتو ينطبؽ عمى الحكومات‪ .‬لقد عمؿ الناس مع الحكومات لزمف طويؿ‬
‫جداً عمى مر التاريخ‪ .‬قاؿ أحد الفبلسفة اإلغريؽ في إحدى المناسبات‪ .." :‬محظوظاً ىو ذلؾ الحاكـ‬
‫الذي يتمنى لو الجميور خي اًر‪ ..‬حيث يخافوف عميو وال يخافوف منو‪ ..‬ىو الحاكـ الذي أنجز قيادة‬
‫فعمية‪ ."..‬ىذا النوع مف التفكير ىو قديـ جداً لكنو تفكير أساسي جداً‪ .‬ىناؾ شيء داخمنا جميعاً‬
‫ؾ بأننا في موقع‬
‫يميز األمور األساسية إذا منحناىا االنتباه الوافي‪ .‬ليس ىناؾ أي ش ّ‬
‫يستطيع أف ّ‬
‫يقدر القيمة‪ ،‬لكف في معظـ األحياف نفتقر لمفرصة أو اإلرادة لكي نستثمر ىذه القيمة‪ .‬وىذه محدودية‬
‫خطيرة في طريقة تفكيرنا‪ .‬بعد كؿ ما قيؿ سابقاً نكتشؼ بأننا نعيش في كون صادق تماماً‪ ،‬لكن‬
‫المشكمة ىي أننا لسنا صادقين بما يكفي‪ .‬نحف نعيش في عالـ يكافئ الفضيمة ويعاقب الرذيمة‪ .‬ليذا‬
‫السبب لدينا عدد كبير مف السجوف المميئة بالسجناء الذيف لـ يتعمموا ىذه الحقيقة‪ .‬نحف نعيش في‬
‫عالـ يريدنا جميعاً أف نكوف سعداء‪ ،‬لكف ال نستطيع أف نكوف سعداء في الوقت الذي ثمثيف مف‬
‫سكاف العالـ ال يحصموف عمى ما يكفييـ مف طعاـ‪ .‬مف المفروض عمينا أف نبتيج بمستوى تقدـ‬
‫عمومنا‪ ،‬لكف كنتيجة ليذا التقدـ العممي المنحرؼ نرى الدوؿ المتقدمة تبيع األسمحة المتطورة لمدوؿ‬
‫المتحاربة وتشجعيـ عمى االستمرار في النزاع‪ .‬نحف لـ نتعمـ بعد تمؾ الحقائؽ األساسية لمحياة‪ .‬أىـ‬
‫تمؾ الحقائؽ تقوؿ بأنو إما أف نتعاوف معاً أو ما نسمييا الحضارة البشرية سوؼ تندثر وتزوؿ حتماً‪.‬‬
‫إذا اندثرت ىذه الحضارة الحالية فسوؼ يتطمب األمر وقتاً طويبلً قبؿ أف تعود وترتقي الحضارة‬

‫‪21‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫البشرية إلى مستوى متقدـ مرة أخرى‪ .‬نحف بكؿ تأكيد ال نرغب في العودة إلى إختبار العصور‬
‫المظممة مرة أخرى‪ .‬عمينا أف نصحو تدريجياً إلى حقيقة أف كافة أشكاؿ اإلستغبلؿ ىي مناقضة‬
‫لقانوف الطبيعة‪ .‬وال شيء يكوف مناقض لمقانوف يمكنو االستمرار في البقاء‪ .‬قد يبدو لبعض الوقت‬
‫جيد‪ ،‬لكف مع مرور الوقت سوؼ يتـ ضبطو وفرمو‬‫أف الشخص المخادع يزدىر وأموره تسير بشكؿ ّ‬
‫وجرشو في طاحونة اإللو‪ .‬ألن طواحين اإللو تجرش ببطء لكن منتوجيا يكون ناعم دائماً‪ .‬ميما‬
‫فعمناه فبل بد مف أف لو عواقب‪ .‬واألشياء التي نريد فعميا اآلف ىي تمؾ األنواع مف األشياء التي ليا‬
‫عواقب سميمة‪ .‬ويمكننا البدء مف أنفسنا ونحاوؿ اكتساب نظرة عميقة في األمور‪ .‬ألنو عندما نغادر‬
‫ىذا العالـ الدنيوي سوؼ نذىب إلى حالة أو بعد آخر مف الوجود بحيث ما نحف عميو ىو األمر‬
‫الميـ‪ .‬ما نممكو مف ممتمكات وأمواؿ ومدى نجاحنا في العمؿ والتجارة وغيرىا‪ ،‬حتى لو كنا قادة‬
‫أوطاف وأمـ أو كنا مشاىير في السينما وتمقينا كافة أنواع الجوائز‪ ..‬كؿ ىذه األشياء ال تمثؿ أي‬
‫عواقب مف أي نوع‪ .‬ىي تمثؿ جزء مف وىـ كبير صنعو اإلنساف لنفسو‪ .‬األمور التي تعتبر ميمة‬
‫في ذلؾ العالـ اآلخر‪ ،‬الذي ىو األىـ‪ ،‬ىي اإلحساف والتفيـ والشفقة والتكريس‪ .‬واذا كنا نؤمف بقانوف‬
‫التقمص‪ ،‬عمينا أف نؤمف بأننا عائديف إلى ىذا العالـ لكي نكوف مفيديف وليس لكي نصبح أثرياء‪.‬‬
‫ّ‬
‫عمينا أف نعود لكي نخدـ المحتاجيف وليس االنخراط في طريقة عيش أنانية وتنافسية مع اآلخريف‪.‬‬

‫في الحقيقة‪ ،‬إف الدورة العظيمة إلعادة تجسيد اإلنساف في حيوات دنيوية متعددة ىي عظيمة جداً‬
‫لدرجة أنيا قادرة في النياية عمى إيصالنا جميعاً إلى حالة الكماؿ‪ .‬لو لـ يكف األمر كذلؾ فسوؼ‬
‫يفشؿ كؿ شيء‪ .‬لكف تمؾ القوة العظيمة والشمولية التي تيتـ حتى بموازنة العصفور خبلؿ طيرانو‬
‫ىي ليست غافمة عف الكفاح المرير الذي تمر فيو الحياة فتدرؾ بأف ىذا الكفاح المرير غير‬
‫ضروري‪ .‬لقد انحرؼ اإلنساف كثي اًر عف مساره األصيؿ في ىذه الحياة‪ .‬مف ىنا نشأت الم اررة التي‬
‫يختبرىا اإلنساف خبلؿ خوضو معترؾ الحياة‪ .‬بدأ األنبياء والمتنبئيف يتمقوف الرسائؿ اإلليية التي‬
‫تخبرنا عف حقيقة األمور‪ .‬الحكماء والقديسيف والمتنبئيف‪ ،‬جميعيـ كشفوا لنا آلية عمؿ القانوف‬
‫اإلليي‪ .‬ىـ يعتبروف أعمى سمطة نعرفيا‪ .‬يعتبروف األعمى منزلة ألنو في قموبنا ندرؾ بأف ما قالوه‬
‫ىو الشيء األقرب إلى الحقيقة مف بيف كؿ ما سمعناه في حياتنا‪ .‬ىذه النصوص المقدسة والحكـ‬
‫والتنبؤات وغيرىا مف صيغ أخرى تجمت فييا ىي متوفرة اليوـ لدى الجميع‪ .‬وبالتالي يمكنيا البدء‬
‫بمساعدتنا عمى توجيو أنفسنا بشكؿ سميـ في حياتنا الخاصة‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫تمر في الميؿ‪ .‬نحف نحوز عمى‬ ‫نحف نطوؼ عبر الزمف في رحاب األبدية‪ .‬نحف كما السفف التي ّ‬
‫كافة االتصاالت والعبلقات الضرورية في الوجود‪ ،‬لكننا ننبذىا عمى األغمب‪ .‬لكف إذا لـ ننبذىا وبدالً‬
‫مف ذلؾ حاولنا فيميا فسوؼ نكتشؼ بأف ىذا النموذج العظيـ لمحياة ىو أكثر جماالً وأكثر روعة‬
‫مما توقعنا منو أف يكوف‪ .‬إذا ذىبنا في نزىة بالبرية ومررنا عبر التبلؿ والودياف ونرى الزىور تنمو‬
‫عند جذور األشجار العريقة‪ ،‬نحف نرى الجماؿ في كؿ مكاف‪ .‬نرى األشياء في كؿ مكاف تحقؽ‬
‫نفسيا‪ .‬نرى النمو المذىؿ لمحياة‪ .‬نرى أف كؿ شيء مف األشياء تطمؽ الحياة مف نفسيا باستمرار‪.‬‬
‫اإلنساف الذي لديو منظومة عضوية أكثر تقدماً مف تمؾ األشياء يجيؿ تماماً حقيقة أف االنطبلؽ‬
‫المستمر لمحياة مف داخؿ نفسو ينتج في مساىمتو بتكويف الجماؿ الكمّي والتعاوف الكمّي واعادة‬
‫التماثؿ الكمّي لمكائنات الحية مع الحياة بداخميا‪ .‬الطبيعة بروعتيا منحتنا المئات مف األلواف المختمفة‬
‫لمزىور والطيور واألسماؾ‪ ..‬لقد خمقت كائنات حية دقيقة جداً بحيث حتى الميكروسكوب يكاد يراىا‪.‬‬
‫وىا نحف نعيش وسط مساحة شاسعة عظيمة جداً لدرجة أف أقوى التمسكوبات تعجز عف سبر‬
‫جوانبيا‪ .‬كامؿ ىذا التناسؽ الشاسع واليائؿ ليس في حالة نزاع مستمر‪ .‬الكواكب مثبلً ال تصطدـ‬
‫ببعضيا‪ ،‬وأشكاؿ الحياة المتنوعة ىي مضبوطة مف قبؿ إجراءات ثابتة‪ ،‬وكؿ ىذه األشياء تتكشؼ‬
‫مف داخؿ نفسيا وفقاً لمقانوف‪ .‬وعندما يسيء اإلنساف التعامؿ مع ىذا القانوف سوؼ يتوقؼ عف‬
‫التك ّشؼ ولـ يعد جزءاً مف الخطة الكونية‪ .‬إنو مف الميـ جداً بالنسبة لو أف يعيد اعتبار ىذه الخطة‬
‫بعمؽ ويحاوؿ التناغـ معيا ليحافظ عمى صالحو وأمانو‪.‬‬

‫لدينا أيضاً نقطة ميمة وجب معرفتيا وليا عبلقة أيضاً بالمقولة المتعمقة بطاحونة اإللو‪ ،‬وىي أنيا‬
‫أكثر مف أي شيء آخر تشجعنا عمى الطاعة‪ .‬لكف السؤاؿ ىو‪ :‬مف ىي الجية التي عمينا إطاعتيا؟‬
‫ىؿ عمينا إطاعة أولئؾ الغشاشيف المحنكيف الذيف قادونا إلى المشاكؿ منذ بداية الزمف؟ ىؿ نطيع‬
‫أولئؾ الذيف يسعوف إلى استغبللنا؟ ىؿ نطيع أولئؾ الذيف يطيعيـ الناس خوفاً عمى حياتيـ منيـ؟‬
‫ىؿ نطيع أولئؾ الذيف أوقعونا تحت تأثير مغناطيسي غامض بحيث استحوذوا عمى إرادتنا في الوقت‬
‫الذي نعجز فيو عف المقاومة بأي شكؿ مف األشكاؿ‪ ،‬وذلؾ ألننا ال نفيـ ماىية ىذا التأثير؟ في‬
‫الحقيقة‪ ،‬الطاعة النيائية التي عمينا ممارستيا ىي طاعة الخطة الكونية‪ .‬أي أف نبقى في انسجاـ‬
‫وتناغـ مع إرادة السماء‪ .‬أف نحافظ عمى القوانيف التي ُمنحت لنا عبر الشرائع التي نزلت عمى العالـ‬
‫بشكؿ متكرر عبر العصور‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫منذ أ قدـ األزماف كاف ىناؾ شرائع قانونية قامت بتوجيو سموكنا‪ .‬منذ أياـ حامورابي في بابؿ‪ ،‬كاف‬
‫ىناؾ أحد الشرائع العديدة التي ظيرت حينيا وتتعمؽ بالرجؿ الذي يبني المنازؿ‪ .‬الشريعة التي تتعمؽ‬
‫بيذا الموضوع ليا الكثير مف التفرعات والتطبيقات المثيرة لبلىتماـ لكف جوىرىا كاف عمى الشكؿ‬
‫التالي‪ :‬إذا قاـ الرجؿ ببناء المنزؿ بشكؿ خاطئ وغير سميـ‪ ،‬وذلؾ المنزؿ سقط وانيار أو لـ يخدـ‬
‫الغاية مف بناءه بشكؿ سميـ‪ ،‬لدى المالؾ‪ ،‬الذي ىو المتضرر الرئيسي‪ ،‬الحؽ في اختيار العقوبة‬
‫التي تقع عمى البناء‪ .‬إذا قاؿ المالؾ أنو عمى البناء أف ُيشنؽ فسوؼ يتـ ذلؾ‪ .‬لكف عمى األغمب‬
‫سوؼ يختار المالؾ إعادة بناء المنزؿ مرة أخرى لكف بشكؿ سميـ‪ .‬واذا رفض البناء فعؿ ىذا فسوؼ‬
‫يتـ سجنو‪ .‬حتى في تمؾ الفترة القديمة‪ ،‬وجب أف يكوف كؿ تعامؿ شريفاً‪ .‬ىكذا كاف حكـ األمور قبؿ‬
‫أكثر مف ثبلث آالؼ سنة‪ .‬إذا تـ اإلمساؾ بأحدىـ يزّيؼ أو يزّور أو يفسد عمؿ أو منتوج معيف‪ ،‬أو‬
‫الكسر بوعد قطعو‪ ،‬أو تزوير شيادة أو تحريؼ مقولة أحد آخر‪ ،‬كؿ ىذه األشياء كانت تواجو‬
‫العقاب بسرعة وفو اًر‪ .‬لـ يكف ىناؾ أي حاجة لمرافعة محامي محنؾ‪ .‬إما أف العمؿ يتـ بشكؿ سميـ‬
‫أو يتـ إنزاؿ العقوبة مباشرة‪ .‬ربما ليذا السبب الزالت األبنية التي أنشئت في تمؾ الفترة قائمة حتى‬
‫اليوـ‪ .‬شريعة حامورابي تشمؿ أيضاً كافة أنواع التعاليـ والقوانيف األخبلقية‪ .‬تمؾ الشريعة التي كتبت‬
‫قبؿ أكثر مف ثبلثة آالؼ سنة كانت أكثر شرفاً وأكثر حتمية وأكثر اختصار ووضوح مف أي شريعة‬
‫أنشأناىا في الوقت الحالي‪ .‬كانت تمؾ الشريعة تيدؼ إلى غاية واحدة وىي مكافئة الصالح ومعاقبة‬
‫الطالح‪ .‬ىذا النوع مف التفكير كاف أساسي جداً‪ ،‬وتأسس عمى مبدأ بسيط‪ .‬ىذه الشريعة التي نسمييا‬
‫اليوـ شريعة حامورابي لـ يتـ وضعيا مف قبؿ حامورابي بؿ وضعيا اهلل وتـ كشفيا لمممؾ العظيـ‬
‫ربما عبر مستشاريو أو أحد أولئؾ الذيف يحيطونو‪ .‬لكف السمطة النيائية والقوة النيائية تكمف في‬
‫السماء‪.‬‬

‫كؿ مف يخرؽ قوانيف البشر قابؿ أف يخرؽ قوانيف اهلل‪ .‬مف الواضح اليوـ وجود قوانيف تحمي‬
‫المذنبيف‪ ،‬لكف ىكذا قوانيف لـ تكف في شريعة حامورابي‪ .‬لكف في جوىرىا‪ ،‬فإف القوانيف التي تكوف‬
‫صالح ة وسميمة تأصمت في حاالت الوحي كتمؾ التي نسمييا الوصايا العشر‪ .‬وصايا القديسيف‬
‫واألنبياء كانت تمثؿ أساس الحضارة‪ .‬كاف عمى كافة البشرية أف تعيش في حضورىا بحالة تواضع‬
‫وسبلـ‪ .‬فقط األزلي ىو ذاتي الحكـ‪ ،‬أما ما تبقى فعميو أف ُيحكـ‪ .‬فقط ذاؾ الذي ىو الصانع األبدي‬
‫خير بشكؿ المحدود وحكيـ بشكؿ ال محدود‪،‬‬ ‫سيد الكوف‪ .‬وصانع القوانيف ىذا‪ ،‬ىو ّ‬ ‫لمقوانيف يمثؿ ّ‬
‫وىو القوة الوحيدة التي نعرفيا بأنيا عمى إدراؾ كامؿ بغاياتيا‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫وفؽ ىكذا ظروؼ‪ ،‬يمكننا تذكر مقولة أفبلطوف الذي قاؿ‪ .." :‬إف كانت جميورية أو ديمقراطية فعمى‬
‫الجية األفضؿ أف تحكـ الباقيف‪ ."..‬وفي الخطة الكونية العظيمة لؤلشياء‪ ،‬عمى األفضؿ أف يحكـ‬
‫الباقيف‪ .‬واألفضؿ ىنا ىو المبدأ األبدي لمحياة ذاتيا والذي يتجمى بييئة تشكيمة متنوعة مف القوانيف‬
‫الخيرة‬
‫[عز وج ّؿ]‪ .‬ىذه القوانيف ىي المحتوى الفعمي لمحياة ّ‬
‫الثابتة‪ .‬ىذه القوانيف تمثؿ إرادة الخالؽ ّ‬
‫وكيؼ يعيشيا اإلنساف حتى يتوصؿ مع الوقت إلى إحراز غايتو النيائية‪ .‬لكف في حضور ىذه القوة‪،‬‬
‫التي وحدىا تعمـ‪ ،‬كمنا نكوف خدـ وعبيد‪ .‬كمنا في حالة عبودية لمحقيقة‪ ،‬وىذه حالة سعيدة وبييجة‪.‬‬
‫بينما العبودية لمخطأ واالنحراؼ ىي أكثر الحاالت بؤساً يمكف تصورىا‪ .‬لكف خبلؿ العبودية لمحقيقة‬
‫يكوف العبئ خفيؼ والعمؿ سيؿ‪ .‬خبلؿ خدمتنا لمحقيقة لف نجدىا سيداً قاسياً‪ ،‬بؿ شيء يصبح‬
‫ظريؼ وجدير بالعبادة أكثر وأكثر بالنسبة لنا‪ .‬مف خبلؿ خدمة الحقيقة وخدمة بعضنا البعض‬
‫وخدمة الخطة اإلليية نتوصؿ إلى السبلـ والسعادة واألماف‪ .‬كؿ ىذه المبادئ تدخؿ في عممية إدراؾ‬
‫حقيقة أف قوانيف الطبيعة تنجح في عمميا‪ .‬كؿ مكاف في الطبيعة يوجد فيو عدالة إليية‪ .‬ومع مرور‬
‫أجياؿ بعد أجياؿ عمى مسرح الوجود دوف أف تعمـ بيذه العدالة اإلليية‪ ،‬وايمانيـ بأنيـ يستطيعوا‬
‫العيش بطريقة مناقضة ليا سوؼ يعزز استمرار سياساتيـ األنانية‪ .‬لكف الحقيقة النيائية تبقى قائمة‪،‬‬
‫وىي أنو ما مف خطيئة نقترفيا إال وعمينا تصحيحيا‪ ،‬وأنو ليس ىناؾ أي حالة مف الجيؿ إال عمينا‬
‫تحويميا إلى حكمة‪ ،‬وليس ىناؾ حالة كره إال عمينا تحويميا إلى محبة‪ .‬كؿ شيء سمبي وخطير‬
‫بالنسبة لنا يبرز أصبلً مف جيمنا‪ ،‬وننشره خارجاً حولنا عبر وسائؿ االتصاؿ المختمفة المتوفرة اليوـ‪.‬‬
‫كؿ ما ىو غير حقيقي سوؼ يتـ جرشو وطحنو‪ .‬كؿ ما ىو حقيقي سوؼ يتـ رفعو لؤلعمى‪ .‬كؿ ما‬
‫يتعمؽ بمستقبؿ العالـ سوؼ يتـ التعامؿ معو وسوؼ تتدخؿ الطبيعة وسوؼ يتـ غسؿ ومسح كؿ تمؾ‬
‫األشياء المتعمقة بالمؤامرات والجرائـ وغيرىا‪ ،‬سوؼ يتـ إجبلءىا في النياية مف قبؿ الخطة اإلليية‬
‫ذاتيا‪ .‬لكف ىذا يبدو مسار طويؿ‪ .‬ىذا أمر لف يحصؿ في لحظة‪ .‬لكف مدى تحقيؽ األمر يعتمد‬
‫بمعظمو عمى اإلنساف‪ .‬ألنو عمى ىذا الكوكب فإف المشاكؿ التي يعاني منيا اإلنساف ىي مف صنع‬
‫اإلنساف‪ .‬بالتالي فالتصحيح ىو مف واجب اإلنساف أف يفعمو‪ .‬عميو أف يتوقؼ عف فعؿ ما يفعمو‪،‬‬
‫عميو أف يميز أخطاءه ويصحح توجياتو ومواقفو‪ .‬السياسات التي ال تصمح لمجميع ال تصمح بالتالي‬
‫مجرد وىـ‪ .‬لطالما دخمنا في الصراعات‪ ،‬حرب‬
‫ألحد‪ .‬وكؿ ذلؾ الكفاح مف أجؿ السمطة والنفوذ ىو ّ‬
‫بعد حرب‪ ،‬فقط مف أجؿ السيطرة عمى ىذه الحبة الصغيرة التي نسمييا كوكب األرض‪ .‬لكف لنفترض‬
‫أننا اكتسبنا المعركة فماذا تكوف النتيجة؟ النتيجة المضمونة الوحيدة لكؿ إنساف ىي المقبرة‪ .‬آجبلً أـ‬
‫عاجبلً‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫تحاوؿ الطبيعة دائماً قوؿ ىذه األشياء لنا‪ .‬تحاوؿ دائماً جعؿ األمر أكثر وضوحاً لنا‪ ،‬وىو أف‬
‫الطبيعة سوؼ تكسب في النياية‪ .‬ما مف قوة يستخدميا اإلنساف تستطيع أف تفسد القانوف الذي يعتمد‬
‫عميو أصبلً في وجوده‪ .‬الفرد الذي يتباىى بأنو يستطيع خرؽ القانوف الطبيعي ىو في الحقيقة يقوؿ‬
‫بأف القانوف يخرقو ويكسره ويحطمو‪ .‬اإلنساف ال يستطيع خرؽ أي قانوف سوى تمؾ التي يصنعيا‬
‫بنفسو‪ .‬فيذه األخيرة ربما وجب خرؽ بعضيا لكف البعض اآلخر وجب احترامو‪ .‬لكف في النياية ما‬
‫مف إنساف يستطيع خرؽ القانوف اإلليي‪ .‬ال أحد يستطيع التدخؿ بالغايات الثابتة لمخطة األبدية‪ .‬ىذه‬
‫الغايات سوؼ يتـ تحقيقيا في النياية‪ .‬وخبلؿ تحقيقيا سوؼ نتوصؿ جميعاً مع الوقت إلى حالة مف‬
‫األماف الفعمي‪ ،‬والذي ال يمكف تدميره بواسطة اإلجراءات السياسية‪ .‬العالـ المثالي الذي نأممو ال‬
‫يمكف السيطرة عميو وحكمو مف قبؿ أي طغياف طموح‪ .‬ما نبحث عنو ىو عالـ يتوقؼ عف اإلعتقاد‬
‫بأنو في السيطرة عمى الشعوب األخرى يكمف العظمة والمجد‪ .‬العظمة تكمف في السيطرة عمى‬
‫النفس‪ .‬وىذا ما وجب عمينا جميعاً تعممو‪ .‬وعندما نتعممو سوؼ نكتشؼ ماذا تفعؿ طواحين اإللو‪.‬‬
‫ىذه الطواحيف تحقؽ ىذا اإلنجاز األخير المتمثؿ بجعؿ التكامؿ األخبلقي أمر حتمي‪ .‬ىذه‬
‫الطواحين سوف تجرش بعيداً القيم المزيفة‪ .‬سوف تجرش بعيداً كل ما ىو مدمّر وىدام‪ .‬وربما في‬
‫أحد األياـ سوؼ تجرش السيوؼ لتحوليا إلى شفرات لفبلحة األرض‪ .‬لكف في النياية‪ ،‬الخطة اإلليية‬
‫تنجح دائماً في عمميا‪ .‬واإليماف الكبير بيذه الحقيقة يمثؿ قوة عظيمة لئلنساف اليوـ والذي يصارع‬
‫الضغوط اليائمة التي يواجييا في حياتو العصرية‪ .‬إذا كنا مميميف وصادقيف مع أنفسنا فسوؼ ندرؾ‬
‫بوضوح بأننا مندمجوف مع الواقع بحيث نمثؿ شيء واحد معو‪ .‬وانو أفضؿ لؾ أف تكوف مندمجاً مع‬
‫الواقع بطريقة بسيطة وسميمة‪ ،‬بدالً أف تكوف حاكماً لكافة أمـ األرض‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫األوؿ‬
‫الجزء ّ‬

‫انثــشٔج‬

‫ىل ىي نعمة من الرب‪ ،‬أم شرك من الشيطان؟‬

‫‪27‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ادلال‬
‫من وسيط تبادل إلى وسيمة سيطرة مطمقة‬

‫بما أف مجاؿ العمؿ بالكامؿ بما فيو مف ِميف ِ‬


‫وحرؼ مختمفة يمثّؿ المفتاح لكافة اإلنجازات البشرية‬
‫وتمبية حاجاتيا المختمفة‪ ،‬فمف الضروري وجود وسيط لتبادؿ المنتجات والخدمات المختمفة‪ ،‬خاصة‬
‫المعقد عدـ جدواه‪ ،‬كما أف اقتصاداً حاكماً حيث كؿ فرد يعمؿ‬
‫ّ‬ ‫بعد أف أثبت نظاـ مقايضة ِ‬
‫السمع‬
‫عبر الطاعة العمياء لؤلوامر أثبت عدـ واقعيتو إطبلقاً ألنو فشؿ في االستفادة مف المبادرات‬
‫والمواىب الفردية المميزة‪ .‬وقد تـ فعبلً إبتكار الوسيط الذي يمثؿ البديؿ المناسب لنظاـ المقايضة‪،‬‬
‫وىو الماؿ‪ ،‬وجاء كحؿ مناسب جداً لممشكمة التي يعاني منيا نظاـ المقايضة بالسمع‪ .‬حتى في‬
‫تستقر‬
‫ّ‬ ‫الحالة الطبيعية ال بد مف أف يتـ التوصؿ إلى ابتكار وسيط تبادؿ نسميو ماؿ‪ ،‬إذ عندما‬
‫معينة سوؼ يتفؽ أفرادىا بشكؿ تمقائي عمى سمعة ثمينة ثابتة‪،‬‬
‫مجموعة بشرية في مساحة جغرافية ّ‬
‫غالباً ما تمثّؿ الذىب أو الفضة‪ ،‬الستخداميا كوسيط لمقايضة السمع فيما بينيـ‪ .‬ومف ىنا جاء مفيوـ‬
‫الماؿ‪ ،‬والذي أصبح اليوـ يمثؿ وسيط التبادؿ الرئيسي والوحيد في العالـ أجمع‪.‬‬

‫لكف مف خبلؿ االطبلع عمى كامؿ فصوؿ التطور التاريخي ليذا الوسيط لمتبادؿ نجد أنو مثؿ السبب‬
‫الرئيسي وراء الكثير مف الكوارث واألزمات البشرية المأساوية‪ ،‬إف كانت اجتماعية أو سياسية أو‬
‫حتى بيئية‪ .‬لكف في النياية‪ ،‬ال يمكننا اعتبار الماؿ بأنو وسيط شرير بذاتو‪ ،‬بؿ طريقة التعامؿ بو‬
‫واستخدامو ىو الذي انحرؼ وصار سيئاً وخطي اًر‪ .‬ال بد مف أف القارئ الكريـ قد تعرؼ عمى تاريخ‬
‫نشوء الماؿ والسيطرة المالية في مصدر آخر‪ ،‬وىو بكؿ تأكيد تعرؼ عمى القصة التقميدية التي يألفيا‬
‫الناس‪ .‬لكف مف المؤكد أنو لـ يستوعب بعد كامؿ المسألة المتعمقة بمدى خطورتو ومدى تغمغمو إلى‬
‫حياتنا وطريقة عيشنا‪.‬‬

‫القصة التالية سوؼ توضح الكثير مف األمور التي الزالت غامضة‪ .‬أساس المشكمة ال يعود إلى‬
‫بداية نشوء مفيوـ الماؿ كوسيط تبادؿ‪ ،‬بؿ المشكمة بدأت بعد ىذا التاريخ بفترة طويمة‪ .‬المشكمة لـ‬
‫تكف أبداً متعمقة بالماؿ ذاتو بؿ بالفكرة الشيطانية التي أوجدىا أحدىـ في إحدى فترات التاريخ بيدؼ‬

‫‪28‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫السيطرة واالستعباد الخفي‪ ،‬وقد نجحت ىذه الفكرة بشكؿ مذىؿ واستمرت عبر التاريخ والزالت قائمة‬
‫حتى يومنا ىذا‪ .‬دعونا نتعرؼ عمى القصة أوالً ومف ثـ نكمؿ ىذا الموضوع‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫كشاتٍٕس انطٍطاٌ‬

‫مشى العبيد ببطئ ضمف صفوؼ منفردة‪ ،‬كؿ واحد منيـ حمؿ عمى كتفو حجر مصقوؿ‪ .‬يوجد أربعة‬
‫طوابير منفردة وكؿ مف ىذه الطوابير الطويمة يمتد عمى طوؿ كيمومتر ونصؼ تقريباً‪ ،‬يبدأ عند مقمع‬
‫الحجارة وينتيي عند موقع البناء‪ ،‬وىو تحت مراقبة مشددة ودائمة مف قبؿ الحراس المسمحيف‪ .‬يوجد‬
‫حارس عسكري واحد عمى كؿ عشرة عبيد‪.‬‬

‫عمى أحد جانبي درب المسيرة الطويمة‪ ،‬عمى قمة تمة اصطناعية ارتفاعيا ثبلثة عشرة مت اًر مصنوعة‬
‫مف الحجارة المصقولة جمس "كراتيوس"‪ ،‬وىو أحد الكينة الكبار‪ .‬طواؿ الشيور األربعة الماضية كاف‬
‫يراقب نشاط ورشة البناء بصمت‪ .‬لـ يصرؼ انتباىو أحد‪ ،‬وال أي شخص يجرؤ عمى تعطيمو عف‬
‫تفكره العميؽ‪ ،‬حتى لو بمفتة نظر جانبية‪.‬‬

‫كؿ مف العبيد والحراس اعتبر وجود ىذه التمة االصطناعية مع العرش الذي عمى قمتيا كجزء مف‬
‫المشيد المحيط ولـ يمتفت أحد إلى تمؾ الناحية ليرى الرجؿ عمى قمة التمة والذي إما يكوف جالساً‬
‫عمى العرش أو يمشي ذىاباً واياباً ضمف مساحة المصطبة عمى قمة التمة‪ .‬لقد تعيد "كراتيوس" عمى‬

‫‪33‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫عاتقو ميمة إعادة تنظيـ الدولة‪ ،‬معز اًز سمطة الكينة لمدة ألؼ سنة قادمة‪ ،‬ومخضعاً ليـ كافة سكاف‬
‫األرض‪ ،‬ومحوالً الجميع دوف استثناء (بما في ذلؾ حكاـ الدوؿ) إلى عبيد تحت أقداـ الكينة‪.‬‬

‫في يوـ مف األياـ نزؿ "كراتيوس" مف عرشو العالي فوؽ التمة‪ ،‬تاركاً بديؿ مكانو‪ .‬قاـ الكاىف األعمى‬
‫بتبديؿ ثيابو وخمع لباس الرأس‪ ،‬ثـ أمر رئيس الحرس بأف يقيده بالسبلسؿ كما يفعموف مع العبد‬
‫البسيط ثـ أدخموه إلى طابور العبيد وتحديداً وراء عبد شاب قوي البنية اسمو "نارد"‪ .‬مف خبلؿ النظر‬
‫إلى وجوه العبيد المختمفة‪ ،‬الحظ "كراتيوس" بأف ىذا الشاب تحديداً يممؾ نظرة ىادفة ونافذة‪ ،‬وليس‬
‫التأمؿ‬
‫نظرة شاردة ومفككة كما العبيد الباقيف‪ .‬مبلمح "نارد" كانت تتبدؿ بيف الحماس الشديد وبيف ّ‬
‫العميؽ‪ .‬وىذا يعني‪ ،‬كما أدرؾ الكاىف‪ ،‬أنو يدبر خطة مف نوع ما‪ ،‬لكف أراد الكاىف أف يؤكد صحة‬
‫ما الحظو‪.‬‬

‫طواؿ يوميف كامميف‪ ،‬راقب الكاىف كؿ حركة يقوـ بيا "نارد"‪ .‬كاف يسحب معو الحجارة‪ ،‬ويجمس‬
‫بجانبو خبلؿ تناوؿ الطعاـ‪ ،‬ويناـ بقربو ليبلً في الثكنة‪ .‬في الميمة الثالثة‪ ،‬مباشرة بعد إطبلؽ األمر‬
‫بالنوـ‪ ،‬أدار "كراتيوس" وجيو نحو العبد الشاب وبصوت فيو نغمة الم اررة واإلحباط‪ ،‬ىمس إليو قائبلً‪:‬‬
‫"‪ ..‬ىؿ سيستمر الوضع كما ىو عميو حتى باقي حياتنا؟‪"..‬‬

‫راقب الكاىف كيؼ تمممؿ العبد الشاب ثـ استدار نحوه ليواجيو‪ .‬كانت عيناه تممع ويمكف مبلحظتيا‬
‫حتى مع النور المنخفض لمثكنة الكيفية التي ىي عبارة عف تجويؼ صخري‪ .‬ىمس العبد الشاب‬
‫قائبلً‪ .." :‬ىذا لف يدوـ طويبلً‪ ،"..‬ثـ أكمؿ كبلمو قائبلً‪ .." :‬كنت أعمؿ عمى خطة‪ ..‬ويمكف لؾ أييا‬
‫العجوز أف تكوف جزء منيا‪."..‬‬

‫سألو الكاىف بتنييدة غير مبالية‪ .." :‬ما نوع ىذه الخطة؟‪."..‬‬

‫راح "نارد" يشرح بثقة وحماسة‪ .." :‬كما سترى يا أييا العجوز‪ ،‬قريباً سوؼ تكوف أنت وأنا وجميعنا‬
‫رجاؿ أحرار بدالً مف كوننا عبيد‪ ..‬فكر باألمر بنفسؾ‪ ،‬يوجد حارس واحد فقط لكؿ عشرة منا‪.‬‬
‫وحارس واحد أيضاً لخمسة عشر امرأة عبدة مف الذيف يقوموف بالطبخ والخياطة‪ .‬عندما يحيف‬
‫الوقت‪ ،‬إذا أطبقنا جميعاً عمى الحراس مرة واحدة‪ ،‬سوؼ نتغمب عمييـ‪ .‬لـ يعد ميماً إف كاف الحراس‬

‫‪31‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫مسمحيف ونحف مقيدي ف بالسبلسؿ‪ .‬نحف نفوقيـ بالعدد‪ ،‬عشرة مقابؿ واحد‪ ،‬ويمكننا استخداـ السبلسؿ‬
‫نجرد كؿ الحراس مف السبلح‪ ،‬ثـ نقيدىـ‬
‫التي تقيدنا كسبلح‪ ،‬ولتحمينا مف ضربات سيوفيـ‪ .‬سوؼ ّ‬
‫ونحتجز أسمحتيـ‪."..‬‬

‫تنيد "كراتيوس" مرة أخرى قائبلً‪ .." :‬تميّؿ قميبلً أييا الشاب‪ ،"..‬ثـ أضاؼ بنبرة غير مبالية مزيفة‬
‫قائبلً‪ .." :‬خطتؾ ليست موضوعة بشكؿ مكتمؿ‪ ..‬صحيح أنؾ تستطيع تجريد الحراس مف السبلح‪،‬‬
‫لكف سوؼ لف يمضي وقت طويؿ قبؿ أف يرسؿ الحاكـ مف يحؿ مكانيـ‪ ،‬وربما يرسؿ جيش بكاممو‪،‬‬
‫وسوؼ يأمر في النياية بقتؿ المتمرديف‪."..‬‬

‫قاؿ العبد الشاب‪ .." :‬لقد فكرت بذلؾ أيضاً أييا العجوز‪ ..‬وجب أف نختار توقيت بحيث لف يكوف‬
‫الجيش موجوداً في الببلد‪ ..‬وذلؾ الوقت قادـ قريباً‪ ..‬جميعنا الحظنا بأف الجيش يحضر نفسو لحممة‬
‫عسكرية خارج الببلد‪ ..‬ىـ يجيزوف المؤف التي تكفي لمسيرة مدتيا ثبلثة شيور‪ .‬ىذا يعني أف‬
‫الحممة العسكرية سوؼ تصؿ إلى الموقع المستيدؼ خبلؿ ثبلثة شيور ومف ثـ يشتبؾ مع العدو في‬
‫المعركة‪ .‬سوؼ يضعؼ الجيش بعد المعركة‪ ،‬رغـ أنو سينتصر في النياية‪ ،‬ويجمب معو الكثير مف‬
‫العبيد الجدد‪ ..‬حتى أنيـ يبنوف اآلف ثكنات جديدة لتستوعبيـ‪ ..‬عمينا أف نبدأ بتجريد الحراس مف‬
‫السبلح في المحظة التي يشتبؾ فييا الجيش بالمعركة‪ ..‬الرسؿ سيحتاجوف لمدة شير مف السفر‬
‫لمذىاب واببلغيـ‪ ،‬وسوؼ يستغرؽ الجيش‪ ،‬الضعيؼ مف المعركة‪ ،‬مدة ثبلثة شيور في رحمة‬
‫عودتو‪ ..‬بعد مرور ىذه الشيور األربعة سوؼ نكوف قد جيزنا أنفسنا لمبلقاتيـ ومواجيتيـ‪ ..‬سوؼ‬
‫يكوف لدينا عدد مكافئ ليـ مف المقاتميف‪ ..‬العبيد الجدد الذيف أسروىـ سوؼ يصطفوف معنا بعد أف‬
‫يروا ما يحصؿ‪ ..‬لقد فكرت بكامؿ تفاصيؿ العممية مسبقاً أييا العجوز‪"..‬‬

‫قاؿ الكاىف بنبرة أكثر ابتياجاً‪ .." :‬ىكذا إذاً أييا الرفيؽ الشاب‪ ،‬بواسطة ىذه الخطة التي وضعتيا‬
‫سوؼ تتمكف مف تجريد الحراس مف السبلح ومف ثـ تتغمب عمى الجيش‪ ..‬لكف ماذا سيحصؿ مع‬
‫العبيد بعدىا‪ ،‬وماذا سيحصؿ مع الحكاـ والحراس والجنود؟‪"..‬‬

‫‪32‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫أجابو العبد الشاب متردداً وكأنو يفكر بصوت عالي‪ .." :‬لـ أفكر بيذا الموضوع بشكؿ وافي‪ ..‬شيء‬
‫وحيد فقط يخطر في الباؿ وىو أف كؿ مف كاف عبد في الماضي سوؼ يصبح ح ارً‪ ..‬مف ليس عبد‬
‫اليوـ سوؼ يصبح عبد غداً‪"..‬‬

‫سألو "كراتيوس" قائبلً‪ .." :‬لكف ماذا عف الكينة؟‪ ..‬قؿ لي أييا الشاب‪ ،‬بعد انتصارؾ‪ ،‬ىؿ ستجعميـ‬
‫عبيد أيضاً أـ ال؟‪"..‬‬

‫أجابو "نارد" متسائبلً‪ .." :‬الكينة؟‪ ..‬لـ أفكر بذلؾ أيضاً‪ ..‬لكف اآلف أنا أفكر بيـ‪ ..‬يمكف لمكينة أف‬
‫يبقوا حيث ىـ‪ ..‬كؿ مف العبيد والحكاـ يسمعوف لكبلميـ‪ ..‬يصعب عمينا أف نفيميـ أحياناً‪ ،‬لكف لدي‬
‫شعور بأنيـ غير مؤذييف‪ ..‬فميستمروا برواية قصصيـ حوؿ اآللية‪ ،‬لكننا نعرؼ ما ىو أفضؿ لنا في‬
‫عيش حياتنا وكيؼ نمضي وقتاً ممتعاً‪"..‬‬

‫قاؿ الكاىف متسائبلً ببيجة‪ .." :‬نمضي وقتاً ممتعاً؟‪ ..‬ىذا عظيـ‪ ."..‬ثـ استدار متظاى اًر بأنو‬
‫متحمس لمنوـ وفي قمبو أمؿ كبير‪ .‬لكف في الحقيقة‪ ،‬لـ يناـ "كراتيوس" أبداً في تمؾ الميمة‪ ،‬بؿ أمضى‬
‫الميؿ متفك اًر ومتأمبلً‪.‬‬

‫ف ّكر "كراتيوس" بأف اإلجراء األبسط لحؿ ىذه المسألة ىو تقديـ تقرير لمحاكـ ومف ثـ القبض عمى‬
‫ىذا العبد الشاب‪ ،‬ألنو مف الواضح أنو المحرض الرئيسي‪ .‬لكف ىذا لف يحؿ المشكمة‪ .‬سوؼ يبقى‬
‫لدى العبيد دائماً الرغبة في التحرر مف االستعباد‪ .‬سوؼ يبرز دائماً محرضيف جدد‪ ،‬وخطط جديدة‬
‫لمتحرر واالنعتاؽ‪ ،‬وطالما بقي األمر مستم اًر كذلؾ‪ ،‬سوؼ يبقى التيديد الرئيسي لمدولة آتياً مف‬
‫داخميا‪.‬‬

‫ىا ىو "كراتيوس" يواجو تحدي كبير يتمثؿ في وضع مخطط بيدؼ اسعباد العالـ أجمع‪ .‬أدرؾ بأنو‬
‫ما مف طريقة لتحقيؽ ىذا اليدؼ عبر اإلخضاع الجسدي وحده‪ .‬ما يحتاجو ىو ممارسة تأثير نفسي‬
‫عمى كؿ فرد‪ ،‬عمى أمـ وشعوب بكامميا‪ .‬عميو أف يجعؿ كؿ كائف بشري يرى العبودية بأنيا النعيـ‬
‫ذاتو‪ ،‬ممؤه السعادة واليناء‪ .‬كاف عمى "كراتيوس" أف يطمؽ برنامج ذاتي التطور‪ ،‬ييدؼ إلى تضميؿ‬

‫‪33‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫أمـ بكامميا‪ ،‬ويعمؿ عمى تشويش الذىف مف حيث المكاف والزماف واألفكار‪ ،‬وخصوصاً التشويش في‬
‫إدراكيـ المباشر لمواقع‪.‬‬

‫راحت فكرة "كراتيوس" تعمؿ بتسارع‪ ،‬لـ يعد واعياً بجسمو وال بالقيود الثقيمة التي تكبؿ يديو ورجميو‪.‬‬
‫وفجأة‪ ،‬مثؿ لمعة البرؽ‪ ،‬خطر في ذىنو برنامج‪ .‬رغـ أف بعض تفاصيمو تتطمب العمؿ عمييا‪،‬‬
‫وبالتالي ال يستطيع شرح البرنامج ألحد‪ ،‬لكنو مع ذلؾ يستطيع الشعور بو بداخمو‪ ،‬يتجاوز مستوى‬
‫النجاح بأشواط عديدة‪ .‬بدأ يشعر "كراتيوس" مسبقاً بأنو أصبح الحاكـ الكمي المقدرة وكمي السمطة في‬
‫العالـ أجمع‪.‬‬

‫مستمقياً عمى فراشو العشوائي‪ ،‬مقيداً بالسبلسؿ الثقيمة‪ ،‬كاف مميئاً بالبيجة والتيميؿ لمذات‪ .‬راح يفكر‪:‬‬

‫"‪ ..‬غداً صباحاً عندما يسوقونا جميعاً إلى العمؿ‪ ،‬سوؼ أعطي اإلشارة السرية لكي يخرجني رئيس‬
‫الحرس مف صفوؼ العبيد ويحرروني مف السبلسؿ والقيود‪ .‬سوؼ أكمّؿ صياغة الممسات األخيرة‬
‫مف البرنامج‪ ،‬ثـ أطمؽ األوامر‪ ،‬ثـ يبدأ العالـ بأسره في التغيير‪ .‬ىذا مذىؿ! كممات قميمة فقط‪،‬‬
‫وسوؼ يصبح العالـ بأسره ممكاً لي‪ ،‬وألفكاري‪ .‬لقد منح اهلل اإلنساف فعمياً قوة غير مسبوقة في‬
‫الكوف‪ ،‬قوة التفكير البشري‪ .‬تستطيع أف تخمؽ كممات يمكنيا تغيير مجرى التاريخ‪"..‬‬

‫"‪ ..‬لقد انقمب الوضع لصالحي فعبلً‪ .‬لقد قاـ العبيد بتحضير خطتيـ لمتمرد‪ .‬ىذه الخطة منطقية‬
‫فعبلً‪ ،‬ويمكنيا بوضوح أف تقود إلى نتيجة مؤقتة لصالحيـ‪ .‬لكف مف خبلؿ بعض األوامر التي‬
‫أطمقيا الحقاً‪ ،‬سوؼ أضمف بأنو ليس ىـ فحسب‪ ،‬بؿ حتى أحفادىـ المستقبمييف‪ ،‬وكذلؾ حكاـ‬
‫األرض أيضاً‪ ،‬سوؼ يبقوا عبيد آلالؼ السنيف القادمة‪."..‬‬

‫في الصباح التالي‪ ،‬بعد أف أعطى "كراتيوس" اإلشارة‪ ،‬حرره رئيس الحراس مف قيوده‪ .‬وفي اليوـ‬
‫التالي تـ دعوة الكينة الكبار الخمسة اآلخريف‪ ،‬مع الفرعوف‪ ،‬إلى مصطبة المراقبة التي داوـ عمييا‬
‫"كراتيوس"‪ .‬بدأ "كراتيوس" بإلقاء خطابو أماـ الحضور‪ ،‬وكاف عمى الشكؿ التالي‪:‬‬

‫‪34‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫"‪ ..‬ما سوؼ تسمعونو اآلف وجب عدـ تسيجمو بالكتابة أو نقمو ألحد خارج ىذه الدائرة‪ .‬ليس ىناؾ‬
‫جدراف حولنا‪ ،‬وبالتالي كمماتي سوؼ لف يسمعيا أحد سواكـ‪ .‬لقد فكرت بطريقة تحوؿ كؿ مف يعيش‬
‫في ىذا العالـ إلى عبيد لمفرعوف‪ .‬وىذا أمر ال يمكف تحقيقو حتى بمساعدة عدد ىائؿ مف الجيوش‬
‫والحروب المرىقة‪ .‬لكنني سوؼ أحقؽ ىذا األمر عبر استخداـ مجموعة قميمة مف العبارات البسيطة‪.‬‬
‫كؿ ما عمي فعمو ىو إصدار مجموعة أوامر وخبلؿ يوميف فقط سوؼ تروف بأنفسكـ كيؼ يبدأ العالـ‬
‫في التغيير‪"..‬‬

‫"‪ ..‬القوا نظرة إلى األسفؿ ىناؾ وسوؼ تروف طوابير طويمة مف العبيد المقيديف بالسبلسؿ‪ ،‬كؿ مف‬
‫ىذه العبيد يحمؿ حجر‪ .‬يحرسيـ مجموعة مف الجنود‪ .‬كمما زاد عدد العبيد فيذا يكوف أفضؿ لصالح‬
‫الدولة‪ ،‬أو ىكذا كنا نظف دائماً‪ .‬لكف في الحقيقة‪ ،‬كمما زاد عدد العبيد كمما كنا مضطريف ألف نخاؼ‬
‫مف تمردىـ‪ .‬لذلؾ قمنا بزيادة عدد الحراس‪"..‬‬

‫"‪ ..‬نحف نطعـ العبيد بشكؿ جيد‪ ،‬وذلؾ لكي يتمكنوا مف ممارسة أعماليـ الشاقة بشكؿ سميـ‪ .‬لكف‬
‫رغـ ذلؾ نراىـ كسالى ويميموف دائماً إلى التمرد والعصياف‪ .‬أنظروا كيؼ يسيروف ببطء‪ ،‬وكذلؾ‬
‫الحراس أصبحوا أيضاً كسالى وحتى أنيـ ال يكمفوف أنفسيـ باستخداـ السياط لضرب حتى أقوى‬
‫العبيد وأكثرىـ صحة‪ .‬لكنيـ قريباً سوؼ يسيروف بسرعة أكثر‪ .‬سوؼ لف يعد ىناؾ حاجة لحراس‪.‬‬
‫حتى الحراس نفسيـ سوؼ يتحولوف إلى عبيد‪ .‬كؿ ىذا سوؼ يتـ عممياً عمى الشكؿ التالي‪:‬‬

‫"‪ ..‬قبؿ الغروب اليوـ سوؼ يتـ إرساؿ الرسؿ إلى كؿ مكاف في الببلد إلعبلف المرسوـ الذي أصدره‬
‫الفرعوف‪ .‬وفقاً ليذا المرسوـ‪ ،‬مع فجر اليوـ التالي سوؼ يُمنح جميع العبيد حريتيـ الكاممة‪ .‬ومقابؿ‬
‫كؿ حجر يُجمب إلى موقع البناء يقبض العامؿ الحر (العبد المحرر) دينار واحد‪ .‬يمكف ليذا الدينار‬
‫أف يُدفع مقابؿ الطعاـ والكساء وأجرة السكف في مكاف بالمدينة‪ ،‬أو ربما في مدينا بكامميا‪ .‬مف اآلف‬
‫وصاعداً أصبحتـ أناس أحرار‪"..‬‬

‫بعد أف تفكر الكينة والفرعوف بخطة "كراتيوس" واستوعبوىا جيداً‪ ،‬قاؿ الكاىف األكبر‪ .." :‬أنت‬
‫شيطاف يا كراتيوس‪ ..‬الفكرة الشيطانية التي خمقيا مخططؾ سوؼ تنتشر وتسود في معظـ أمـ‬
‫األرض‪"..‬‬

‫‪35‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫أجاب "كراتيوس" قائبلً‪ .." :‬إذاً‪ ،‬قد أكوف شيطاف فعبلً‪ ،‬وما ابتكرتو مف مخطط سوؼ يشير إليو‬
‫الناس في المستقبؿ باسـ الديموقراطية‪"..‬‬

‫عند غروب الشمس تـ إعبلف المرسوـ الفرعوني لمعبيد‪ .‬أصيبوا بدىشة كبيرة‪ .‬الكثير منيـ عجز عف‬
‫النوـ ليبلً‪ ،‬راحوا يفكروف في الحياة السعيدة الجديدة التي تنتظرىـ‪ .‬في الصباح التالي صعد الكينة‬
‫والفرعوف إلى مصطبة المراقبة مرة أخرى‪ .‬لـ يصدقوا المشيد الذي يتجمى أماـ عيونيـ‪ .‬اآلالؼ مف‬
‫العبيد السابقيف يتسابقوف فيما بينيـ‪ ،‬يحمموف الحجارة كما في السابؽ‪ .‬يتصببوف عرقاً‪ ،‬وبعضيـ‬
‫يحمؿ حجريف بدالً مف حجر واحد‪ ،‬بينما الذيف حمموا حجر واحد فقط كانوا يركضوف بدالً مف‬
‫المشي البطيء‪ ،‬كاف الغبار يتطاير خمفيـ‪ .‬حتى بعض الحراس الجنود أعجبوا بيذه الوسيمة التي‬
‫تدر عمييـ ماالً إضافياً فراحوا ينقموف الحجارة مع العبيد السابقيف‪ .‬أما ىؤالء األفراد‪ ،‬الذيف أصبحوا‬
‫يعتبروف أنفسيـ أح ار اًر‪ ،‬صحيح أنو لـ تعد تكبميـ السبلسؿ‪ ،‬لكف رغـ ذلؾ راحوا يجتيدوا بكؿ ما‬
‫عندىـ لكسب المزيد مف الماؿ‪ ،‬وذلؾ لكي يتمكنوا مف إنشاء حياة سعيدة ورغيدة ألنفسيـ‪.‬‬

‫استمر "كراتيوس" في البقاء بموقعو في مصطبة المراقبة عمى ظير التمة االصطناعية‪ ،‬وذلؾ لعدة‬
‫التحوؿ ىائؿ ومذىؿ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫شيور الحقة‪ ،‬راح يراقب ما يجري ىناؾ في األسفؿ برضى واكتفاء‪ .‬كاف‬
‫بعض العبيد (السابقيف) نظموا أنفسيـ ضمف مجموعات وقاموا ببناء عربات لنقؿ الحجارة‪ .‬ارحوا‬
‫يراكموف الحجارة بكميات عمى العربات ثـ دفعوىا أو جروىا نحو موقع البناء‪ ،‬كانت أجسادىـ‬
‫تتصبب عرقاً لكنيـ كانوا سعيديف‪.‬‬

‫فكر "كراتيوس" داخؿ نفسو ببيجة ورضى‪ .." :‬سوؼ يبتكروف الكثير مف األجيزة واألدوات‬
‫األخرى‪ ."..‬لقد بدأت تظير خدمات متعددة لمبيع في ساحة العمؿ‪ ،‬مثؿ بيع الطعاـ والشراب‪ .‬بعض‬
‫العبيد (السابقيف) كانوا يأكموف خبلؿ عمميـ ولـ يرغبوا في تضييع الوقت في العودة إلى الثكنات‬
‫والجموس مف أجؿ الطعاـ‪ ،‬فراحوا يدفعوف ثمف طعاميـ في موقع العمؿ مف الماؿ الذي كسبوه‪ .‬يا‬
‫لمعجب! أصبح لدييـ أيضاً خدمة طبية في موقع العمؿ‪ ،‬حيث راح األطباء يجولوف بيف العماؿ‬
‫عارضيف خدمتيـ مقابؿ الماؿ‪ .‬حتى أف العماؿ عينوا منظميف لمسير لمنع االزدحاـ‪ .‬ومع مرور‬
‫الوقت سوؼ يعينوا حكاميـ وقضاتيـ‪ .‬فميختاروا ويعينوا مف يشاؤا‪ ،‬في النياية ىـ يعتبروف أنفسيـ‬

‫‪36‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫أحرار اآلف‪ ،‬رغـ أنو لـ يتغير شيء في الحقيقة‪ .‬ىا ىـ يعمموف بنفس الموقع ويتعامموف مع نفس‬
‫الحجارة كما كانوا يفعموا في السابؽ‪ ،‬عندما كانوا عبيد‪.‬‬

‫الماؿ الذي كانت الدولة تصرفو إلطعاـ العبيد ورعايتيـ‪ ،‬وكذلؾ دفع إيجار الحرس ومستمزماتيـ‪،‬‬
‫تحوؿ إلى أجرة مف حؽ العماؿ الجدد‪ .‬أي أنو لـ يتغير شيء إطبلقاً‪ .‬ليس ىناؾ أي خسائر مف أي‬
‫نوع‪ .‬بؿ بالعكس‪ ،‬حيث زادت وتيرة العمؿ وزاد النشاط واالجتياد وارتفعت المعنويات‪ ،‬فزادت سرعة‬
‫اإلنجاز في العمؿ‪.‬‬

‫واستمرت ىذه الحالة عمى مر العصور البلحقة حتى يومنا ىذا‪ .‬الزاؿ أحفاد أولئؾ العبيد يركضوف‬
‫اليوـ مف ىنا إلى ىناؾ‪ ،‬وسط الغبار المتطاير‪ ،‬يحمموف الحجارة ويتصببوف عرقاً‪ .‬لكنيـ يفعموف ذلؾ‬
‫بسعادة وىناء‪ ،‬ألنيـ يكسبوف الماؿ‪ ،‬لقمة العيش‪ ،‬والزالت تتممكيـ قناعة تامة بأنيـ أحرار‪ .‬يا‬
‫سبلاااااـ‪ ...‬ما أجمؿ الحياة‪.‬‬

‫قد يظف القارئ الكريـ بأف ىذا ال يتجاوز شريحة العماؿ العادييف اليوـ‪ ،‬وال يمكف إسقاط ىذا المفيوـ‬
‫عمى رؤساء الشركات والموظفيف الحكومييف والمستثمريف وغيرىـ مف شرائح رفيعة في المجتمع‪ .‬ىؿ‬
‫ترى أي فرؽ بيف ىذه الشرائح العميا وشريحة العماؿ؟ لديؾ مف جانب أناس يعمموف وينقموف الحجارة‬
‫كما العبيد‪ ،‬بينما اآلخريف يديروف عممية النقؿ‪ .‬قد نعتقد بأف إدارة العمؿ ىي أمر مختمؼ‪ ،‬لكنو في‬
‫الحقيقة يعتبر مف األعماؿ التي ىي أكثر تعقيداً وارىاقاً مف نقؿ الحجارة‪ .‬التفكير وارىاؽ العقؿ ال‬
‫يقؿ إجياداً مف العمؿ الجسدي‪ .‬وفقاً ليذا المفيوـ يمكننا اعتبار الرؤساء والمموؾ والوزراء وحتى‬
‫األثرياء بأنيـ عبيد! كؿ مف ىو عالؽ في شبكة المنظومة المالية‪ ،‬التي ىي وىمية أصبلً‪ ،‬ويتعامؿ‬
‫معيا وكأنيا تمثؿ الواقع الحقيقي ويبني عمييا حياتو وآمالو ىو عبد مكبؿ بقيودىا‪ .‬يكوف عالؽ في‬
‫شباؾ المعبة التي ابتكرىا "كراتيوس" منذ آالؼ السنيف‪ ،‬والزالت قائمة حتى اليوـ‪ ،‬لكنيا صارت أكثر‬
‫تعقيداً وأكثر نفاذاً إلى حياتنا الداخمية‪.‬‬

‫لكف طالما أف ىناؾ عبيد‪ ،‬ال بد مف وجود أصحاب ليؤالء العبيد‪ ،‬مف ىـ ىؤالء األسياد؟ الجواب‬
‫بسيط‪ :‬إنيـ أحفاد "كراتيوس" ورفاقو‪ .‬جميع الدالئؿ البحثية اليوـ تشير إلى أف أصوؿ النخبة العالمية‬
‫المسيطرة‪ ،‬مف بينيـ أصحاب البنوؾ والمصارؼ والمؤسسات المالية الكبرى‪ ،‬تنتمي إلى سبللة‬

‫‪37‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫مصرية قديمة تعود إلى الفرعوف رعمسيس الثاني‪ .‬ذكرت بعض الدالئؿ عمى ىذه الحقيقة في كتاب‬
‫سابؽ (عنوانو‪ :‬المسيطروف)‪ .‬لكف مع مرور الوقت لـ يعد ىؤالء مضطريف إلدارة العممية بشكؿ‬
‫مباشر‪ ،‬أي ال حاجة لحضورىـ عمى الميداف وتسيير األمور‪ ،‬ألنو مع مرور الوقت‪ ،‬ساىـ اإلنساف‬
‫المسكيف في بناء عالـ وىمي اصطناعي يزيد مف القبض عميو وخنقو تمقائياً‪ .‬لـ يعد ىناؾ حاجة‬
‫لوجود حراس في الميداف إلدارة العممية‪ .‬صارت العممية تمقائية تماماً‪ .‬الحراس يقبعوف اليوـ داخؿ‬
‫اإلنساف‪ ،‬في عقمو وجسمو‪ ،‬يضربونو بالسياط ويحفزونو عمى كسب المزيد مف الماؿ إلرضاء شيواتو‬
‫ورغباتو الدنيوية المختمفة‪ .‬لـ يعد لئلنساف أي غاية أخرى في الوجود سوى ىذه الغاية‪.‬‬

‫إنو مشيد محزف فعبلً‪ .‬ويبدو أنو ما مف مخرج مف ىذه الورطة الكبيرة التي أوجد نفسو اإلنساف فييا‪.‬‬
‫عبر آالؼ السنوات السابقة‪ ،‬جاءت امبراطوريات وذىبت‪ ،‬ظيرت أدياف وتغيرت القوانيف أكثر مف‬
‫مرة عبر التاريخ‪ ،‬لكف في النياية ال شيء تغير‪ .‬كما كاف اإلنساف عبد في السابؽ الزاؿ عبد اليوـ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫الصنُا َعٍص يف عصش االستعثاد‬


‫لكننا نعجز عن إدراك ذلك بسبب الطبيعة المظممة لحياتنا العصرية‬

‫قد يشعر الفرد في ىذا العصر‪ ،‬حيث بدأنا ندخؿ إلػى القػرف الواحػد والعشػريف‪ ،‬بأنػو أصػبح متحضػ اًر‪،‬‬
‫وآزرتو العموـ والتقنيات المتقدمة التي حاز عمييا في التحرر مف جميع مظاىر االستعباد التػي عانػت‬
‫منيا البشرية في العصور السابقة‪ .‬لقد زادت نسبة التعميـ بشكؿ كبير‪ ،‬وأصبحنا مجتمعات مثقفة تعمـ‬
‫بكػؿ مػػا يػػدور مػف حوليػػا‪ ،‬إف كانػػت أمػػور سياسػية‪ ،‬عمميػػة‪ ،‬صػػحية‪ ...‬وغيرىػػا‪ .‬لكػف ىػػذا فػػي الحقيقػػة‬

‫‪39‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ليس سوى خداع بصري‪ .‬ونحف ال زلنػا نػرزح تحػت أبشػع أنػواع السػيطرة والػتحكـ واالسػتبداد‪ ،‬رغػـ أف‬
‫األمر ال يبدو كػذلؾ‪ .‬جميعنػا نػزالء فػي سػجف غيػر مرئػي ُيسػمى بػػ"السوؽ االسػتيبلكية العالميػة" التػي‬
‫صػػممتيا الشػػركات متعػػددة الجنسػػيات ط ػواؿ فت ػرة القػػرف الماضػػي‪ ،‬وعممػػت عمػػى بسػػط شػػباكيا عبػػر‬
‫ػدا‪ ،‬تحػػت عن ػواف نشػػر الحضػػارة والتقػػدـ‪ ،‬مػػع أنػػو كػػاف ليػػا أثػػر بػػالغ فػػي االنحطػػاط‬
‫العػػالـ رويػػداً رويػ ً‬
‫الروحي واألخبلقي لشعوب العالـ أجمع‪.‬‬

‫وتعمقنا قميبلً في تفكيرنا‪ ،‬سوؼ نكتشؼ بوضوح أننا لسنا أحرار‬


‫إذا تخمّينا عف سطحيتنا المعيودة‪ّ ،‬‬
‫ويشتروف في القروف السابقة‪ .‬ومف أجؿ مف ال يعمـ بيذا األمر‪،‬‬
‫أكثر مف العبيد الذيف كانوا ُيباعوف ُ‬
‫أوضح ىذه الفكرة أكثر‪ .‬ىناؾ نوعاف مف السجف‪ ،‬السجن المرئي والممموس الذي قد يعاني‬
‫سوؼ ّ‬
‫منو الفرد بشكؿ مباشر ويدرؾ انو موجود‪ .‬وىناؾ السجن غير المرئي وغير الممموس ولو تأثير أكبر‬
‫وأخطر عمى الفرد ألنو ال يراه أو يشعر بو أبداً رغـ تأثيراتو السمبية الكبيرة التي يعاني منيا يومياً‪.‬‬

‫السجف غير المرئي والممموس‪ .‬جدرانو وقضبانو مصنوعة مف عنصر الماؿ‪ ،‬لكنو خفي وغير مرئي‬
‫وغير ممموس‪ .‬ال نستطيع إدراكو أو تحديد معالمو سوى مف خبلؿ التفكير العميؽ والتقييـ الصحيح‬
‫لحقائؽ األمور‬

‫‪43‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫المسيطروف عمى مجريات األمور ال يستطيعوف اإلبقاء عمى السيطرة إذا لـ يتحكموا بعالـ المعرفة‬
‫اإلنسانية مف خبلؿ قولبة العالـ األكاديمي حسب الرغبة‪ ،‬وكذلؾ وسائؿ اإلعبلـ‪ ،‬وتحديد ما ىو‬
‫الرسمي وغير الرسمي مف خبلؿ التشريعات والمراسيـ القانونية المحمية والدولية‪ .‬حيث يتـ إنشاء‬
‫منيج عاـ يمتزـ بو الجميع (ىذا المنيج الذي تـ رسمو ووضعو وترسيخو تدريجياً وببطئ خبلؿ فترة‬
‫يترسخ‬
‫ّ‬ ‫طويمة ومؤامرات كثيرة واغتياالت ومجازر وحروب وتحريؼ لمحقائؽ وغيرىا مف إجراءات)‬
‫ويصبح واقعاً مفروضاً‪ ،‬وحينيا سيتابع ىذا المنيج أو ىذا النظاـ مسيرتو مف تمقاء نفسو‪ ،‬ذلؾ مف‬
‫خبلؿ ظيور مسمّمات ثابتة يستحيؿ عمى الرعايا الخروج عنيا واال أصبح الشخص غير سوياً‪.‬‬

‫المسػػألة ليسػػت بالبسػػاطة التػػي نظنيػػا‪ .‬ىػػذه المجموعػػة المتربعػػة عمػػى قمػػة اليػػرـ العػػالمي‪ ،‬ىػػدفيا ىػػو‬
‫لػػيس فقػػط سياسػػي أو اقتصػػادي أو غي ػره مػػف ذ ارئػػع أخػػرى يػػتـ تسػػويقيا بػػيف المثقفػػيف الرسػػمييف ومػػف‬
‫خبلليـ‪ ،‬بؿ ىدفيـ األساسػي ىػو قتػؿ اإلنسػاف فػي داخمنػا‪ ...‬قتػؿ كػؿ مػا ىػو مق ّػدس‪ ...‬إنيػـ يقضػوف‬
‫عػؿ كػؿ مػا ىػو أصػيؿ فػي جوىرنػا‪ ...‬فقػط مػف اجػؿ خمػؽ الظػروؼ المناسػبة التػي تمكػف األقميػة مػف‬
‫السيطرة عمى األكثرية‪ .‬ويبدو أنيـ نجحوا في فعؿ ذلػؾ دوف عمػـ أو إدراؾ منػا‪ .‬والسػبب الرئيسػي فػي‬
‫اسػػتم اررية نجػػاحيـ ىػػو عػػدـ معرفتنػػا بالضػػبط مػػا ىػػي أىػػدافيـ الحقيقيػػة‪ .‬فػػنحف مشػػغولوف فػػي قتػػاؿ‬
‫بعضػػنا الػػبعض‪ ،‬وك ػره بعضػػنا الػػبعض‪ ،‬والتػػآمر عمػػى بعضػػنا الػػبعض‪ ،‬والسػػعي إلػػى إرضػػاء غرائزنػػا‬
‫واشػػباع شػػيواتنا الدنيويػػة وتمبيػػة حاجاتنػػا األنانيػػة وتعزيػػز الطمػػوح المنحػػرؼ والمبػػالغ بػػو لدرجػػة أصػػبح‬
‫خطي اًر‪ ،‬وال أحد مف بيننا لديو الوقت الكافي لمنظر إلى األعمػى ويشػاىد كػؿ تمػؾ الخيػوط المتدلّيػة مػف‬
‫مكاف عالي جداً والمربوطة بجميع األطراؼ المتصارعة‪ ،‬ويتساءؿ‪ ..‬مف؟ كيؼ؟ ولماذا؟‬

‫المسػؤوؿ الرئيسػي والوحيػد عػف االنتشػار الواسػع لئلحبػاط والمعانػاة فػي العػالـ ىػو مجموعػة قميمػة جػداً‬
‫مػػف العػػائبلت النخبويػػة‪ .‬إنػػو عبػػارة عػػف نظػػاـ مػػاكر ويضػػعنا جميع ػاً تحػػت رحمتػػو‪ .‬إف اإللػػو األكبػػر‬
‫مقدس ػػة متعمقػػة بػ ػػ"النمو اإلقتصػػادي" و"الن ػػاتج‬
‫المسػػمى بػ ػ "النظػ ػاـ المصػػرفي" وم ػػا يوحيػػو م ػػف تعػػاليـ ّ‬
‫القومي"‪ ،‬قد عمؿ عمى جعؿ الغالبيػة العظمػى مػف أمػـ العػالـ تغػرؽ فػي بحػر مػف الػديوف‪ ،‬بينمػا تعػوـ‬
‫نخبة قميمة مف الناس عمى كميات ىائمة جداً مف الثروة‪.‬‬

‫كؿ عصر مف العصور التاريخية كاف لو نموذجو وصػيغتو الخاصػة التػي تسػمح لسػيطرة النخبػة‪ .‬أمػا‬
‫في ىذا العصر الحالي فإف النموذج الذي رسخوه ىو أكثر تقييداً وتدمي اًر لئلنساف مف أي وقت سػابؽ‬

‫‪41‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫في التاريخ‪ .‬في ىذا السجف الكبير غيػر المرئػي الػذي نعػيش فيػو اليػوـ فػي ىػذا العصػر‪ ،‬ىنػاؾ أربعػة‬
‫نتخبط بيا وتمنعنا مف التعبير عف حقيقتنا‪ .‬ىذه الشػباؾ غيػر المرئيػة تطوقنػا بحيػث‬
‫شباؾ غير مرئية ّ‬
‫ال نستطيع الحراؾ مع أننا لـ نفطف بوجودىا أبداً‪ .‬ىذه الشباؾ تػـ تصػميميا وحياكتيػا بعنايػة مػف قبػؿ‬
‫المسػػيطريف‪ ،‬واعتقػػد بػػأنيـ سػػيفعموف أي شػػيء مػػف اجػػؿ اإلبقػػاء عمػػى اسػػتم اررية السػػيطرة ميمػػا كمّػػؼ‬
‫مجرد ما نجحت الشعوب في اإلفبلت مف ىذه الشباؾ‪ ،‬ىػذا يعنػي نيايػة السػيطرة وانعػداـ‬ ‫األمر‪ ،‬ألنو ّ‬
‫القػػدرة عمػػى الضػػبط والػػتحكـ‪ .‬يمكننػػا تمخػػيص ىػػذه الشػػباؾ األربعػػة التػػي نتخػػبط فييػػا وفػػؽ المجػػاالت‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪1‬ـ المجال الروحي‪ :‬التربية المدرسية واالجتماعية المضادة لتنمية الكوامف الروحية األصيمة‪ .‬نشأنا‬
‫منذ طفولتنا عمى معتقدات خاطئة وطريقة تفكير منحرفة نتيجة سعييـ الحثيث عبر العصور لنشر‬
‫وترسيخ أيديولوجات دينية وسياسية واقتصادية واجتماعية مزورة وليس ليا أي عبلقة بالواقع‪ ،‬لكنيا‬
‫بكؿ تأكيد تخدـ مصالح المسيطريف بأفضؿ طريقة‪ .‬والضربة األخيرة التي وجيوىا إلينا ىي إعادتنا‬
‫إلى أصؿ قرود‪.‬‬

‫‪2‬ـ المجال الصحي‪ :‬ترسيخ األدوية الكيماوية بصفتيا أدوات العبلج الوحيدة وذلؾ وفؽ المنطؽ‬
‫الطبي المنحرؼ الذي يتمحور حوؿ الماؿ والربح المادي‪ .‬ترسيخ طريقة الحياة الخاطئة والمؤذية‬
‫لنظامنا البيولوجي‪ .‬قمع أي منيج طبي أو عبلجي آخر يختمؼ عف المنيج القائـ‪.‬‬

‫‪3‬ـ مجال الغذاء‪ :‬الزراعة المموثة بالكيماويات‪ ،‬والتبلعب الجيني بالمحصوؿ الزراعي‪ ،‬والصناعات‬
‫الغذائية الضارة‪ ..‬وقمع المعمومات الحقيقية بخصوص فوائد وأضرار األغذية‪.‬‬

‫‪4‬ـ مجال الطاقة‪ :‬الكيرباء‪ ،‬والوقود عمى أنواعيا والتي أصبحت تمثؿ عصب الحياة العصرية‪ .‬أي‬
‫انقطاع في مصدر ىذه الطاقة يسبب الشمؿ الكامؿ في حياتنا اليومية‪.‬‬

‫ىذه المجاالت األربعة‪ ،‬تتمحور حوؿ عامؿ واحد ىو الماؿ‪ .‬ىذه المجاالت تمثؿ األساس الذي‬
‫ينطمؽ منو المجتمع االستيبلكي المجنوف الذي نألفو اليوـ‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫إننا ننشئ أطفالنا عمى حقيقة أف الماؿ ىو الطريؽ الوحيد لمخبلص مف البؤس‪..‬‬
‫فنمضي باقي حياتنا نيروؿ في ىذا الطريؽ‪ ...‬المؤدي إلى جحيـ األسر واالستبداد‬

‫بعد أف نجحت مخططاتيـ في تحويمنا بيذا العصر الحديث إلى مجتمعات استيبلكية‪ ،‬غبية وتافية‪،‬‬
‫بحيث لـ نعد نتصور حياتنا دوف وجود عنصر الماؿ‪ ،‬بدأت الفصوؿ التالية مف المعبة في التكشؼ‬
‫والتجمّي تدريجياً‪ .‬اليدؼ طبعاً ىو تمكيف السيطرة عمينا أكثر وضماف ديمومة ىذه السيطرة المطمقة‬
‫لمدة آالؼ السنيف إذا أمكف‪ .‬الموضوع التالي يكشؼ مدى األعماؽ التي توصموا ليا لتكريس‬
‫سيطرتيـ المطمقة‪ .‬كؿ ىذا ونحف الزلنا نجيؿ ما يجيري وكيؼ يجري ولماذا يجيري‪ .‬نكتفي‬
‫الموجية ونتفاعؿ معيا بصفتيا تمثؿ الواقع بعينو‪ ،‬أما‬
‫ّ‬ ‫بالمعمومات التي تقدميا لنا وسائؿ اإلعبلـ‬
‫الحرب الشرسة التي تشنيا عمينا النخبة وتعمؿ عمى تدمير حيويتنا وجوىرنا األصيؿ فبل نفطف‬
‫بوجودىا أصبلً‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫أسهحح خشساء حلشٔبٍ صايتح‬


‫‪Silent Weapons for Quiet Wars‬‬

‫كؿ شيء تتوقعو مف السبلح العادي يمكف لمسبلح األخرس إنجازه لصانعيو‪ ،‬لكف فقط وفؽ اآللية‬
‫التي يعمؿ بيا‪ .‬ىذا السبلح يطمق أوضاع معيّنة بدالً من طمقات نارية‪ ،‬طمقاتو مدفوعة بمعالجة‬
‫معمومات بدالً مف التفاعؿ الكيماوي (انفجار البارود)‪ ،‬تنشأ مف معطيات جزيئية بدالً مف البارود‪،‬‬
‫تنطمؽ مف جياز كمبيوتر بدالً مف مدفع‪ ،‬يديرىا مبرمج كمبيوتر بدالً مف رامي قناص‪ ،‬وبأوامر مف‬
‫مصرفييف نافذيف بدالً مف جنراالت عسكرييف‪.‬‬

‫يتدخؿ في الحياة االجتماعية‬


‫ال ُيحدث أي صوت انفجار‪ ،‬ال يسبب أي جروح جسدية أو عقمية‪ ،‬وال ّ‬
‫ضجة واضحة وجمية‪ ،‬ويسبب أضرار جسدية وعقمية‬ ‫ّ‬ ‫اليومية ألحد‪ .‬لكنو بنفس الوقت‪ُ ،‬يحدث‬
‫ويتدخؿ في الحياة االجتماعية اليومية لمجميع بشكؿ واضح وجمي‪ .‬التأثيرات التي‬
‫ّ‬ ‫واضحة وجمية‪،‬‬
‫المتمرس الذي يعمـ أيف يبحث وعف‬
‫يحدثيا طبعاً ىي واضحة وجمية فقط بالنسبة لممراقب الخبير و ّ‬
‫معرضوف ليجومو‬
‫ماذا يبحث‪ .‬ال يستطيع الناس استيعاب ىذا السبلح‪ ،‬وبالتالي ال يصدقوف بأنيـ ّ‬
‫ويخضعوف لتأثيراتو لدرجة القير واالستعباد‪.‬‬

‫قد يشعر الناس غريزياً بأف ىناؾ خطأ في مكاف ما‪ ،‬لكف بسبب الطبيعة التقنية لمسبلح األخرس‪ ،‬ال‬
‫يستطيعوف التعبير عف مشاعرىـ بطريقة عقبلنية وواضحة‪ ،‬أو التعامؿ مع المسألة باالعتماد عمى‬
‫الذكاء الفطري وحده‪ .‬وبالتالي‪ ،‬ال يعرفوف كيؼ يصرخوف طمباً لمنجدة‪ ،‬وال يعرفوف كيؼ يتشاركوف‬
‫مع اآلخريف لحماية أنفسيـ ضد ىذا السبلح‪.‬‬

‫يتكيؼ الناس مع حضوره ويتعمموف كيؼ يتحمموف ويتعايشوف مع‬


‫عندما ينطمؽ ىذا السبلح تدريجياً‪ّ ،‬‬
‫انتياكو التدريجي لحياتيـ حتى يصؿ الضغط (النفسي نتيجة الوضع االقتصادي) إلى مستوى‬
‫متجاوز لمحدود فينياروف تماماً‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ليذا السبب‪ ،‬يمكف اعتبار ىذا السبلح األخرس سبلحاً بيولوجياً‪ .‬إنو يياجـ الحيوية‪ ،‬الخيارات‪ ،‬وقدرة‬
‫التحرؾ لدى أفراد المجتمع مف خبلؿ معرفة وفُيـ والتح ّكـ بػمصادر الطاقة الطبيعية واالجتماعية‬
‫ّ‬
‫لدييـ‪ ،‬وكذلؾ قوتيـ وضعفيـ العاطفي والعقمي والجسدي‪ .‬ثـ يتـ مياجمتيا وانتياكيا واضعافيا‬
‫والسيطرة عمييا بالكامؿ‪.‬‬

‫يذخــم‬
‫من الناشر‬

‫أُرسؿ ىذا المخطوط إلى مكاتبنا مف قبؿ شخص مجيوؿ‪ .‬نحف لـ نسرؽ الوثيقة‪ ،‬ولسنا متورطيف فػي‬
‫أي عممية سرقة مف حكومة الواليات المتحدة‪ ،‬كما أننا لـ نحصؿ عمى الوثيقة بأي وسيمة غيػر نزييػة‬
‫أو غيػػر قانونيػػة‪ .‬نشػػعر بأننػػا ال نعػ ّػرض "األمػػف القػػومي" ألي خطػػر مػػف خػػبلؿ نشػػر ىػػذه الوثيقػػة‪ ،‬بػػؿ‬
‫صحتيا وأصالتيا‪ ،‬وبالتالي نشعر بأنو لػيس فقػط مػف حقنػا نشػرىا‪،‬‬ ‫بالعكس تماماً‪ ،‬حيث تـ التأ ّكد مف ّ‬
‫بؿ واجبنا األخبلقي يفرض عمينا فعؿ ذلؾ أيضاً‪.‬‬

‫وبخصوص كتاب التدريب ىذا‪ ،‬فربما الحظتـ بأننا مسحنا العنػاويف اليامشػية التػي تكشػؼ عػف ىويػة‬
‫العػامميف فػي مركػز التػدريب التػابع لوكالػة المخػابرات المركزيػة ‪ ،C.I.A. Training Center‬لكننػي أأ ّكػد‬
‫ػدربيف الجػػدد إلػػى جػػوىر‬ ‫الكتيػػب أصػػمي وصػػحيح‪ ،‬حيػػث تػػـ طباعتػػو بيػػدؼ تقػػديـ المتػ ّ‬ ‫لكػػـ بػػأف ىػػذا ّ‬
‫المػؤامرة القائمػػة‪ .‬لقػػد تػػـ التأكيػػد عمػػى صػػحتو مػػف قبػػؿ أربعػػة أشػػخاص مختمفػػيف مػػف ال ُكتػػاب التقنيػػيف‬
‫الكتيػػب‬
‫لممخػابرات العسػػكرية‪ ،‬وأحػػدىـ خػػرج عمػػى التقاعػػد منػػذ فتػرة وجيػزة ويرغػػب بشػ ّػدة أف ُينشػػر ىػػذا ّ‬
‫حػػوؿ العػػالـ‪ ،‬وال زاؿ يعمػػؿ كمينػػدس إلكترونػػي مػػع الحكومػػة الفدراليػػة‪ ،‬ولديػػو منفػػذ إلػػى سمسػػمة طويمػػة‬
‫الكتيب‪ .‬وآخر معيناً فػي "ىػاواي"‪ ،‬ويحػوز عمػى أعمػى تػرخيص أمنػي‬
‫مف كتيبات تدريبية مشابية ليذا ّ‬
‫يدرس في إحدى الجامعات‪ ،‬ويعمػؿ مػع وكالػة المخػابرات المركزيػة منػذ‬
‫في المخابرات البحرية‪ ،‬وآخر ّ‬
‫سنوات طويمة‪ ،‬ويريد الخروج مف ىذه الحمقة المظممة قبؿ أف يقع الفأس عمى رؤوس المتآمريف‪.‬‬

‫نعتقد بأنو وجب عمى العالـ أجمع أف يعمـ بيذه الخطػة‪ ،‬لػذلؾ قمنػا بنشػر مئػة نسػخة مػف ىػذه الوثيقػة‬
‫لشخصػ ػػيات سياسػ ػػية مسػ ػػؤولة حػ ػػوؿ العػ ػػالـ‪ ،‬لنسػ ػػأؿ ى ػ ػؤالء المحتمػ ػػيف لمناصػ ػػب عميػ ػػا عػ ػػف آراءىػ ػػـ‬

‫‪45‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫بخصوصيا‪ .‬كافة اآلراء نصحتنا بنشر ىذه الوثيقة ألكبر عدد ممكف مػف النػاس عمػى أمػؿ أف يعرفػوا‬

‫ويفيموا ويتنبيوا بأف الحــرب قد أعمنت عمييـ‪ ،‬وليس ىذا فحسب‪ ،‬بؿ أف ّ‬
‫يتعرفوا عمػى العػدو الحقيقػي‬
‫لئلنسانية‪.‬‬

‫يقذيــح‬
‫من الناشر‬

‫نظريات المؤامرة ليست جديدة في التاريخ‪ .‬فطالما زخر التاريخ بمخططات اغتيػاؿ القيصػر واالنقػبلب‬
‫عمى روما‪ .‬لكف مع ذلؾ‪ ،‬ناد اًر ما ظير إلى العمف دالئؿ ممموسػة تشػير إلػى ىػذه المػؤامرات باإلثبػات‬
‫المادي بحيث يألفيا الناس‪.‬‬

‫أسمحة خرساء لحروب صـامتة ىػو مػدخؿ لكتػاب إرشػاد برمجػة إلكترونيػة‪ ،‬تػـ الكشػؼ عنػو بالصػدفة‬
‫في ‪ 7‬يوليو ‪1986‬ـ‪ ،‬عندما اشترى موظّؼ في شػركة طػائرات "بوينػغ" ‪ Boeing Aircraft Co.‬ناسػخة‬
‫‪ IBM‬مػػف بػػيف مجموعػػة قطػػع ُمسػػتعممة معروضػػة لمبيػػع‪ ،‬واكتشػػؼ بػػداخميا تفاصػػيؿ مخطػػط‪ ،‬تعػػود‬
‫أصػػولو لؤليػػاـ األولػػى مػػف الحػػرب البػػاردة‪ ،‬ييػػدؼ إلػػى السػػيطرة عمػػى الجمػػاىير مػػف خػػبلؿ الػػتح ّكـ‬
‫باالقتصاد‪ ،‬مجاالت التسػمية والترفيػو‪ ،‬وكػذلؾ التعمػيـ والميػوؿ السياسػية‪ .‬مخطػط ينػادي لثػورة صػامتة‪،‬‬
‫ضد أخيو‪ ،‬وتحريؼ انتباه العامة عف ما يجري بالضبط مف حوليـ‪.‬‬
‫تضع األخ ّ‬

‫مصورة مف‬
‫ّ‬ ‫الوثيقة التي ستقرئيا اآلف ىي صحيحة‪ .‬وقد تـ طباعتيا بصيغتيا األساسية‪ ،‬واألشكاؿ‬
‫النسخة األصمية‪.‬‬
‫‪...................‬‬

‫مؤرخة في شير أيار مف العاـ ‪1979‬ـ‪ ،‬واكتُشفت في ‪ 7‬تموز ‪1986‬ـ‬


‫الوثيقة التالية ّ‬
‫في ناسخة ‪ُ IBM‬مستعممة تـ شراءىا مف بيف خرداوات ُمستعممة‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ّ‬
‫ســشي نهغاٌــح‬

‫أسهحح خشساء حلشٔب صايتح‬


‫‪Silent Weapons for Quiet Wars‬‬

‫كتاب إسضاد تقًُ نهثحث انعًهٍاتً‬


‫‪Operations Research Technical Manual TM-SW1.5097‬‬

‫ىذا المنشور يتزامف مع الذكرى السنوية الخامسة والعشريف إلطبلؽ الحرب العالمية الثالثـة‪ُ ،‬‬
‫المشػار‬
‫إلييػػا ب ػػ"الحرب الصػػامتة"‪ ،‬والتػػي تجػػري عمػػى شػػكؿ حػػرب بيولوجيػػة فاعمػػة‪ ،‬وتُشػ ّػف بواسػػطة "أسػػمحة‬
‫خرساء"‪.‬‬

‫المستخدمة‪.‬‬
‫ىذا الكتاب يحتوي عمى المقدمة التوصيفية ليذه الحرب واستراتيجيتيا وأسمحتيا ُ‬
‫أيار ‪41#-7715 1979‬‬
‫‪...................‬‬

‫ّ‬
‫ضشٔسج انسشٌح‬
‫م ػػف المس ػػتحيؿ منطقيػ ػاً مناقش ػػة اليندس ػػة االجتماعي ػػة أو أتمت ػػة المجتم ػػع‪ ،‬أي ىندس ػػة أنظم ػػة األتمت ػػة‬
‫االجتماعيػة (بواسػػطة أسػػمحة خرسػاء) عمػػى المسػػتوى الػػوطني أو العػالمي دوف ضػػماف مفاعيػػؿ شػػاممة‬
‫ونافػػذة تمكنػػا مػػف السػػيطرة عمػػى المجتمعػػات أو القػػدرة عمػػى تػػدمير الحيػػاة اإلنسػػانية‪ ،‬أمثمػػة واضػػحة‪:‬‬
‫االستعباد أو المجازر الجماعية‪.‬‬

‫الكتيب ىو نظير مماثؿ لممخطط الموصوؼ في الفقرة السابقة‪ .‬وبالتالي وجب إخفاء ىػذه الوثيقػة‬
‫ىذا ّ‬
‫مف اإلدراؾ العاـ‪ ،‬واال فسوؼ ُيعتبر تقنياً بأنو إعبلف ُمسبؽ وصريح لحرب داخمية‪ .‬وباإلضافة‪ ،‬متما‬
‫وصؿ شخص أو مجموعة أشػخاص إلػى منصػب يمنحػو قػوة ونفػوذ مطمقػيف ودوف أي انتبػاه أو إدراؾ‬
‫م ػػف قب ػػؿ العام ػػة‪ ،‬ف ػػبل ب ػػد أوالً م ػػف المج ػػوء إل ػػى وس ػػائؿ وتكتيك ػػات تم ّكن ػػو م ػػف الس ػػيطرة االقتص ػػادية‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫وبالتالي‪ ،‬يمكننا االستنتاج مباشرة بأف ىناؾ حرب داخمية خفية تجري بػيف ىكػذا شػخص أو أشػخاص‬
‫نافذيف وبيف الجماىير منذ البداية‪.‬‬

‫ػس القػيـ الدينيػة‬


‫الح ّؿ المناسػب لمشػاكؿ اليػوـ يتطمّػب إجػراء صػريح وقاسػي ال يػرحـ‪ ،‬لكػف دوف أف يم ّ‬
‫واألخبلقية أو الثقافية‪.‬‬

‫أنػػتـ مػػؤىميف ليػػذا المشػػروع بسػػبب قػػدرتكـ عمػػى النظػػر إلػػى المجتمعػػات اإلنسػػانية بموضػػوعية وعقميػػة‬
‫حس ػػابية ب ػػاردة‪ ،‬وباإلض ػػافة إل ػػى ق ػػدرتكـ عم ػػى تحمي ػػؿ ومناقش ػػة مبلحظ ػػاتكـ ومراقب ػػاتكـ م ػػع اآلخػ ػريف‬
‫الم ػوازيف لكػػـ بالمسػػتوى الفكػػري دوف فقػػداف الميػػؿ لمكتمػػاف والتع ّقػػؿ والتواضػػع‪ .‬ىػػذه الفضػػائؿ الػػثبلث‬
‫ستستثمرونيا لصالحكـ الشخصي أوالً‪ .‬فبل تنحرفوا عنيا‪.‬‬

‫يقذيح تاسخيٍح‬
‫لقػد تطػورت تكنولوجيػة السـح األخـرس مػف "البحػث العمميػاتي" ‪ ،Operations Research‬وىػو مػنيج‬
‫تكتيكي استراتيجي تـ تطويره تحػت اإلدارة العسػكرية فػي إنكمتػ ار خػبلؿ الحػرب العالميػة الثانيػة‪ .‬الغايػة‬
‫األص مية لمبحث العممياتي ىي دراسة المشاكؿ االستراتيجية والتكتيكية لمدفاع الجوي واألرضي لغرض‬
‫االس ػػتخداـ الم ػػؤثّر لمص ػػادر عس ػػكرية مح ػػدودة ض ػ ّػد األع ػػداء (أي يمك ػػف تص ػػنيفو كمج ػػاؿ لوجس ػػتي‬
‫‪.)logistic‬‬

‫ِ‬
‫يمض وقت طويؿ قبؿ أف يكتشؼ النافذوف في مراكز القوة بأف المنيج ذاتو يمكػف أف يمثّػؿ وسػيمة‬ ‫لـ‬
‫مفيدة وفعالة لمسيطرة المطمقة عمى المجتمع‪ .‬لكف مف الضروري توفّر أدوات أفضؿ لتحقيؽ ذلؾ‪.‬‬

‫يتطمّب مجاؿ اليندسة االجتماعية (تحميؿ وأتمتة المجتمػع) وجػود ارتبػاط وثيػؽ بػيف كميػات ُكبػرى مػف‬
‫المتغيرة عمى الدواـ‪ ،‬وبالتالي مف الضروري توفّر أنظمة كمبيػوتر‬
‫ّ‬ ‫المعمومات (المعطيات) االقتصادية‬
‫تعالج المعطيات بسرعات ىائمة بحيث تستطيع أف تسبؽ وتيرة نشػطات المجتمػع وتتنبػأ بموعػد انييػاره‬
‫واستسبلمو‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫كان ػػت أجيػ ػزة الكمبي ػػوتر المرحمي ػػة ‪ Relay computers‬قديم ػػة الطػ ػراز‪ ،‬بطيئ ػػة ج ػػداً‪ .‬لك ػػف الكمبي ػػوتر‬
‫اإللكترونػػي‪ ،‬الػػذي ابتُكػػر عػػاـ ‪ 1946‬مػػف قبػػؿ "ج‪.‬برسػػبر أكػػارت" ‪ J. Presper Eckert‬و"جػػوف‪.‬و‪.‬‬
‫ماوكمي" ‪ ،John W. Mauchly‬جاءت كحؿ مناسب لمميمة‪.‬‬

‫‪linear‬‬ ‫القفػزة الثوريػػة التاليػػة تمثّمػػت بتطػػوير "الطريقػػة البسػػيطة" ‪ simplex method‬لمبرمجػػة الخطّيػػة‬
‫‪ programming‬عاـ ‪1947‬ـ عمى يد الرياضياتي "جورج‪.‬ب‪ .‬دانتزيغ" ‪.George B. Dantzig‬‬

‫وبعػدىا فػي العػاـ ‪1948‬ـ‪ ،‬تػـ اختػراع الترانزيسػتور مػف قبػؿ "ج‪ .‬بػارديف" ‪" ،J. Bardeen‬و‪.‬ىػػ‪ .‬بػراتف"‬
‫‪ ،W.H. Brattain‬و"و‪.‬شوكمي" ‪ ،W. Shockley‬مما فتح المجاؿ النتشػار واسػع لمجػاؿ الكمبيػوتر عبػر‬
‫تقميص مساحة جياز الكمبيوتر والمتطمبات الطاقة التي يحتاجيا‪.‬‬

‫الموجيػة نحػو ىػدؼ واحػد‪ ،‬راح يتوقّػع النافػذوف فػي مناصػب القػوة بأنػو‬
‫مع ىػذه االخت ارعػات الثبلثػة‪ ،‬و ّ‬
‫زر‪.‬‬
‫أصبح ممكناً بالنسبة ليـ أف يتحكموا بالعالـ أجمع بكبسة ّ‬

‫فو اًر ومباشرةً‪ ،‬بدأت مؤسسة روكفيممر ‪ Rockefeller Foundation‬بالعمؿ‪ ،‬وأعطت منحة أربعة سػنوات‬
‫لجامعػػة "ىارفػػارد"‪ ،‬ممولػػة مػػا ُيعػػرؼ ب ػػ"مشروع ىارفػػارد لمبحػػث االقتصػػادي" ‪Harvard Economic‬‬
‫‪ Research Project‬ال ػػذي يي ػػدؼ لد ارس ػػة بني ػػة وتركيب ػػة االقتص ػػاد األمريك ػػي‪ .‬بع ػػدىا بس ػػنة‪ ،‬أي ف ػػي‬
‫‪1949‬ـ‪ ،‬دخمت القوى الجوية األمريكية في المشروع‪.‬‬

‫وعقػػد اجتمػػاع رفيػػع المسػػتوى لمنخبػػة العالميػػة لتحديػػد المرحمػػة‬


‫فػػي العػػاـ ‪1952‬ـ انتيػػت مػػدة المنحػػة‪ُ ،‬‬
‫التاليػػة لمػػا ُيسػػمى "البحػػث العمميػػاتي االجتمػػاعي" ‪ .social operations research‬لقػػد كػػاف مشػػروع‬
‫ىارفػػارد مثم ػ اًر جػػداً‪ ،‬حسػػبما أشػػارت المعمومػػات المنشػػورة لػػبعض نتػػائج االجتمػػاع فػػي العػػاـ ‪1953‬ـ‬
‫أقر بمبلئمة وامكانية اليندسة االقتصادية (كما أثبتت جدوى اليندسة االجتماعية مف قبؿ)‪.‬‬
‫الذي ّ‬

‫المرجع‪(Studies in the Structure of the American Economy - copyright 7.01 by Wassily :‬‬
‫‪Leontief, International Science Press Inc., White Plains, New York).‬‬

‫‪49‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫بعػػد تصػػميميا وىندسػػتيا فػػي النصػػؼ األخيػػر مػػف األربعينػػات‪ ،‬وقفػػت آلــة الحــرب الصــامتة الجديػػدة‪،‬‬
‫وىي عبارة عف جياز كمبيوتر‪ ،‬بقطعيا المطمية بالذىب في أرضػية إحػدى صػاالت االسػتعراض عػاـ‬
‫‪1954‬ـ‪.‬‬

‫بعػػد ابتكػػار ال ػػ"ماسر" ‪( maser‬مكبػػر النبضػػات الكيربائيػػة) فػػي العػػاـ ‪1954‬ـ‪ ،‬أصػػبحت قػػدرة إطػػبلؽ‬
‫مصػػادر غيػػر محػػدودة مػػف الطاقػػة الذريػػة مػػف الييػػدروجيف الثقيػػؿ فػػي مػػاء البحػػر‪ ،‬وبالتػػالي تػػوفّرت‬
‫إمكانيػػة نفػػوذ اجتمػػاعي غيػػر محػػدودة‪ ،‬إمكانيػػة قابمػػة لمتحقيػػؽ فػػي غضػػوف عقػػود قميمػػة فقػػط‪ .‬كانػػت‬
‫التركيبة بيف االثنيف عامؿ إغراء ال يقاوـ‪.‬‬

‫تـ إعبلف الحرب الصامتة بشكؿ ّ‬


‫سري مف قبؿ النخبة العالمية في اجتماع أقيـ عاـ ‪1954‬ـ‪.‬‬

‫رغػػـ أف منظومػػة األسػػمحة الخرسػػاء كػػاد أمرىػػا أف ُيكشػػؼ بعػػدىا ب ػ ‪ 13‬سػػنة‪ ،‬لكػػف مسػػيرة تطػػور ىػػذه‬
‫المنظومة الحربية الجديدة لـ تواجو أبداً أي فشؿ أو تراجع أو عطؿ مف أي نوع‪.‬‬

‫تػػاريخ ىػػذه الوثيقػػة يتػػزامف مػػع ال ػػذكرى السػػنوية الخامسػػة والعش ػريف إلطػػبلؽ الحػػرب الصػػامتة‪ .‬وقػػد‬
‫السرية انتصارات كثيرة وعمى جبيات عديدة حوؿ العالـ‪.‬‬
‫أحرزت ىذه الحرب ّ‬

‫يقذيح سٍاسٍح‬
‫ػح بالنسػػبة لمػػذيف فػػي مواقػػع السػػمطة بأنيػػا مسػػألة وقػػت فقػػط‪ ،‬عػػدة عقػػود‬
‫فػي العػػاـ ‪ 1954‬أصػػبح واضػ ً‬
‫فقػػط‪ ،‬قبػػؿ أف تػػتمكف الجمػػاىير العامػػة مػػف إدراؾ وفيػػـ مصػػدر القػػوة والنفػػوذ‪ ،‬حيػػث تصػػبح عناصػػر‬
‫تكنولوجيا السبلح األخرس قابمة لموصوؿ بالنسبة لمطوباوية العامة كما كانت كذلؾ بالنسبة لمطوباوية‬
‫الخاصة‪.‬‬

‫األوؿ‪ ،‬والمتعمقػة بجػوىر الييمنػة‪ ،‬تمحػورت حػوؿ موضػػوع‬


‫وبالتػالي‪ ،‬فػإف المسػألة التػي نالػت االىتمػػاـ ّ‬
‫عموـ الطاقة ‪.energy sciences‬‬

‫‪53‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫انطاقــح‬
‫‪Natural science‬‬ ‫تُعتبػػر الطاقػػة مفتػػاح لكػػؿ النشػػاطات الجاريػة فػػي كوكػػب األرض‪ .‬العمػػوـ الطبيعيػػة‬
‫ىػػي د ارسػػة مصػػادر الطاقػػة الطبيعيػػة والػػتحكـ بيػػا‪ ،‬وبالت ػػالي فػػالعموـ االجتماعيػػة ‪،social science‬‬
‫المعبر عنيػا نظريػاً بأنيػا عمػـ اقتصػاد ‪ ،economics‬ىػي د ارسػة مصػادر الطاقػة االجتماعيػة والػتحكـ‬
‫وُ‬
‫بيػ ػػا‪ .‬وكبلىمػ ػػا يمػ ػػثبلف أنظمػ ػػة محاسػ ػػبة ‪ ،bookkeeping systems‬أي رياضـــــيات ‪.mathematics‬‬
‫وبالتػالي‪ ،‬فالرياضػيات ىػي عمػـ الطاقػة األساسػية‪ .‬ويمكػف لممحاسػب (المسػؤوؿ عػف دفتػر الحسػػابات)‬
‫‪ bookkeeper‬أف يكوف ممؾ إذا بقي الناس في جيؿ تاـ عف منيجية المحاسبة وحفظ الحسابات‪.‬‬

‫العمـ يمثّؿ وسيمة لموصوؿ إلى غاية معينة‪ .‬الوسيمة ىي المعرفة‪ .‬الغاية ىي السيطرة‪ .‬وبعػدىا تبقػى‬
‫األوؿ؟‬
‫مسألة واحدة ميمة فقط‪ :‬مف سوؼ يكوف المستفيد ّ‬

‫األوؿ‪ .‬رغػػـ أف مػػا تُسػػمى المسػػائؿ األخبلقيػػة‬


‫فػػي عػػاـ ‪ 1954‬كانػػت ىػػذه المسػػألة محػػور االىتمػػاـ ّ‬
‫طُرحػت أيضػاً‪ ،‬لكػف الكفّػة الغالبػة رجحػت لصػالح قػانوف االنتقػاء الطبيعػي ‪( natural selection‬متعمقػة‬
‫معينػػة‪ ،‬أو شػػعوب العػػالـ أجمػػع‪ ،‬والػػذي ال‬
‫بصػراع البقػػاء) حيػػث اتُفػػؽ عمػػى أف الشػػعب المنتمػػي ألمػػة ّ‬
‫يسػػتخدـ ذكػػاءه ىػػو لػػيس أفضػػؿ مػػف الحيوانػػات المجػ ّػردة مػػف الػػذكاء‪ .‬ويمكػػف اعتبػػار ىكػػذا شػػعب بأنػػو‬
‫مج ّػرد مجموعػػة مػػف الوحػػوش عديمػػة الجػػدوى وبالتػػالي تقػػع بػػيف خيػػاريف أحبلىمػػا مػ ّػر‪ ،‬إمػػا تمثّػػؿ عبػػئ‬
‫ثقيؿ وجب التخمّص منو أو تُذبح وتًقدـ لحوميا عمى مائػدة الطعػاـ وىػذا المصػير البػائس ىػو بإرادتيػا‬
‫األوؿ‪.‬‬
‫ورضاىا في المقاـ ّ‬

‫وكنتيجػػة لػػذلؾ‪ ،‬وبػػالتوافؽ مػػع مصػػمحة النظػػاـ والسػػبلـ واالسػػتقرار العػػالمي المسػػتقبمي‪ ،‬قُػ ّػرر بػػأف تُشػ ّػف‬
‫حربػاً صػػامتة ضػ ّػد الشػػعب األمريكػػي تحقيقػاً لميػػدؼ النيػػائي المتمثّػػؿ بالتحويػػؿ الػػدائـ لمطاقػػة الطبيعيػػة‬
‫واالجتماعيػػة (الثػػروة) التابعػػة لؤلغمبيػػة غيػػر المسػػؤولة وعديمػػة االنضػػباط إلػػى أيػػدي األقميػػة الجػػديرة‪،‬‬
‫المنضبطة ذاتياً واألكثر مسؤولية‪.‬‬

‫مف أجؿ تحقيؽ ىذا اليدؼ‪ ،‬كػاف مػف الضػروري خمػؽ‪ ،‬وانشػاء‪ ،‬واسػتخداـ أسػمحة جديػدة‪ ،‬والتػي تب ّػيف‬
‫الحقاً أنيا تنتمي لنوعية مف األسمحة الخفية جداً والمعقّدة جداً مػف ناحيػة آليػة عمميػا وكػذلؾ مظيرىػا‬

‫‪51‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫الخػارجي المتجػاوز لمجػاؿ إدراؾ واسػتيعاب العامػة‪ ،‬وبالتػالي تسػتحؽ االسػـ "أسػمحة خرسػاء" ‪silent‬‬
‫‪.weapons‬‬

‫وكنتيج ػػة نيائي ػػة‪ ،‬اليػ ػدؼ الرئيس ػػي م ػػف الد ارس ػػات االقتص ػػادية الت ػػي أجري ػػت ب ػػأمر وبرعاي ػػة م ػػف قب ػػؿ‬
‫األبػػاطرة ال أرسػػمالييف (المص ػرفييف) وكػػذلؾ الصػػناعييف (منتجػػي السػػمع والخػػدمات) ىػػو إنشػػاء اقتصػػاد‬
‫قابؿ لمتنبؤ بتوجياتو والتح ّكـ بو حسب الرغبة‪.‬‬

‫مػػف أجػػؿ تحقيػػؽ اقتصػػاد قابػػؿ لمتنبػػؤ بشػػكؿ كامػػؿ‪ ،‬وجػػب إخضػػاع عناصػػر الطبقػػة االجتماعيػػة الػػدنيا‬
‫لمس ػػيطرة الكاممػػػة‪ ،‬أي وجػػػب أف يكونػ ػوا دائمػ ػاً مفمس ػػيف ماديػ ػاً‪ُ ،‬مػػػدربيف ومػػػوكميف بميم ػػات ووظػػػائؼ‬
‫ػداء مػف سػف مبكػرة جػداً فػي حيػاتيـ‪ ،‬ذلػػؾ قبػؿ أف تسػنح ليػػـ أي‬ ‫وواجبػات اجتماعيػة طويمػة المػػدى ابت ً‬
‫فرصػة لمتسػػاؤؿ حػػوؿ صػػبلحية الوضػع الػراىف ومكػػامف الخطػػأ المسػببة لمبػؤس فػػي حيػػاتيـ‪ .‬مػػف أجػػؿ‬
‫تحقيؽ ىكذا نػوع مػف االمتثػاؿ القسػري‪ ،‬وجػب تفكيػؾ األسػرة المنتميػة لمطبقػة الػدنيا‪ ،‬ويتحقػؽ ذلػؾ مػف‬
‫خػبلؿ زيػػادة انشػػغاؿ األىػؿ بالمزيػػد مػػف الميمػػات الموكمػة إلػػييـ ومػػف ثػػـ إقامػة م اركػػز رعايػػة وحضػػانة‬
‫األطفاؿ خبلؿ فترة الدواـ‪.‬‬

‫أما جودة التعميـ الممنػوح لمطبقػات الػدنيا‪ ،‬فوجػب أف تكػوف مػف المسػتوى األدنػى‪ .‬ذلػؾ لكػي تبقػى ىػوة‬
‫الجيػػؿ التػػي تعػػزؿ الطبقػػة الػػدنيا عػػف الطبقػػة الراقيػػة متجػػاوزة لمسػػتوى اسػػتيعاب وادراؾ أف ػراد الطبقػػة‬
‫الدنيا‪ .‬عبر ىكذا عقبات ّأولية‪ ،‬حتى ألمع األفراد المنتمػيف لمطبقػة الػدنيا يعجػزوف عػف تحريػر أنفسػيـ‬
‫مػػف الميمػػات اليائمػػة التػػي فػػي انتظػػارىـ بالحيػػاة‪ .‬ىػػذا النػػوع مػػف االسػػتعباد ُيعتبػػر جوىري ػاً مػػف أجػػؿ‬
‫معينة مف النظاـ واالستقرار والسبلـ االجتماعي ألفراد الطبقة العميا‪.‬‬
‫المحافظة عمى حالة ّ‬

‫يقذيح ٔصفٍح نهسالح األخشس‬


‫كػؿ شػػيء تتوقعػػو مػف السػػبلح العػػادي يمكػػف لمسػبلح األخػػرس إنجػػازه لصػػانعيو‪ ،‬لكػف فقػػط وفػػؽ اآلليػػة‬
‫معينػػة بػػدالً مػػف طمقػػات ناريػػة‪ ،‬طمقاتػػو مدفوعػػة بمعالجػػة‬
‫التػػي يعمػػؿ بيػػا‪ .‬ىػػذا السػػبلح يطمػػؽ أوضػػاع ّ‬
‫معمومػػات بػػدالً مػػف التفاعػػؿ الكيمػػاوي (انفجػػار البػػارود)‪ ،‬تنشػػأ مػػف معطيػػات جزيئيػػة بػػدالً مػػف البػػارود‪،‬‬
‫تنطمؽ مف جياز كمبيوتر بدالً مف مدفع‪ ،‬يديرىا مبػرمج كمبيػوتر بػدالً مػف ارمػي قنػاص‪ ،‬وبػأوامر مػف‬
‫مصرفييف نافذيف بدالً مف جنراالت عسكرييف‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ػدخؿ فػي الحيػاة االجتماعيػة‬‫ال ُيحدث أي صوت انفجار‪ ،‬ال يسبب أي جروح جسدية أو عقمية‪ ،‬وال يت ّ‬
‫ػجة واض ػػحة وجمي ػػة‪ ،‬ويس ػػبب أضػ ػرار جس ػػدية وعقمي ػػة‬
‫اليومي ػػة ألح ػػد‪ .‬لكن ػػو ب ػػنفس الوق ػػت‪ُ ،‬يح ػػدث ض ػ ّ‬
‫ػدخؿ فػػي الحيػػاة االجتماعيػػة اليوميػػة لمجميػػع بشػػكؿ واضػػح وجمػػي‪ .‬التػػأثيرات التػػي‬
‫واضػحة وجميػػة‪ ،‬ويتػ ّ‬
‫يحدثيا طبعػاً ىػي واضػحة وجميػة فقػط بالنسػبة لمم ارقػب الخبيػر والمتم ّػرس الػذي يعمػـ أيػف يبحػث وعػف‬
‫ماذا يبحث‪.‬‬

‫معرضػػوف ليجومػػو ويخضػػعوف‬


‫ال يسػػتطيع النػػاس اسػػتيعاب ىػػذا السػػبلح‪ ،‬وبالتػػالي ال يصػػدقوف بػػأنيـ ّ‬
‫لتأثيراتو لدرجة القير واالستعباد‪.‬‬

‫قد يشعر الناس غريزياً بأف ىناؾ خطأ في مكاف ما‪ ،‬لكف بسبب الطبيعة التقنيػة لمسػبلح األخػرس‪ ،‬ال‬
‫يسػتطيعوف التعبيػر عػػف مشػاعرىـ بطريقػػة عقبلنيػة وواضػحة‪ ،‬أو التعامػػؿ مػع المسػػألة باالعتمػاد عمػػى‬
‫الذكاء الفطػري وحػده‪ .‬وبالتػالي‪ ،‬ال يعرفػوف كيػؼ يصػرخوف طمبػاً لمنجػدة‪ ،‬وال يعرفػوف كيػؼ يتشػاركوف‬
‫مع اآلخريف لحماية أنفسيـ ضد ىذا السبلح‪.‬‬

‫يتكيؼ الناس مع حضوره ويتعمموف كيؼ يتحمموف ويتعايشوف مػع‬ ‫عندما ينطمؽ ىذا السبلح تدريجياً‪ّ ،‬‬
‫انتياك ػػو الت ػػدريجي لحي ػػاتيـ حت ػػى يص ػػؿ الض ػػغط (النفس ػػي نتيج ػػة الوض ػػع االقتصػ ػادي) إل ػػى مس ػػتوى‬
‫متجاوز لمحدود فينياروف تماماً‪.‬‬

‫ليذا السبب‪ ،‬يمكف اعتبار ىذا السبلح األخرس سبلحاً بيولوجياً‪ .‬إنو يياجـ الحيوية‪ ،‬الخيارات‪ ،‬وقػدرة‬
‫التحػ ّػرؾ لػػدى أف ػراد المجتمػػع مػػف خػػبلؿ معرفػػة وفُيػػـ والػػتح ّكـ ب ػػ‪ ،‬ومياجمػػة مصػػادر الطاقػػة الطبيعيػػة‬
‫واالجتماعية لدييـ‪ ،‬وكذلؾ قوتيـ وضعفيـ العاطفي والعقمي والجسدي‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫يقذيح َظشٌح‬
‫‪Theoretical Introduction‬‬

‫"‪ ..‬امنحني السيطرة عمى العممة المتداولة في أمة معيّنة‪ ،‬وال ييمني بعدىا مف يصنع القوانيف‪"..‬‬
‫ماير أمستل روثتشايمد ‪Mayer Amschel Rothschild 1743- 1812‬‬

‫إف تكنولوجية األسمحة الخرساء القائمة اليوـ ىي ثمرة فكرة بسيطة تـ اكتشافيا والتعبير عنيا بب ارعػة‬
‫وكػػذلؾ تطبيقيػػا بفعاليػػة وكفػػاءة مػػف قبػػؿ الشخصػػية المػػذكورة سػػابقاً‪ :‬السػػيد مــاير أمســتل روثتشــايمد‬
‫‪ .Mayer Amschel Rothschild‬لقػػد اكتشػػؼ السػػيد روثتشـــايمد العنصػػر المفقػػود الكػػامف فػػي‬
‫النظريػػة االقتصػػادية والػػذي أصػػبح معػػروؼ ب ػػ"التحريض االقتصػػادي" ‪ .economic inductance‬ىػػو‬
‫المسػػتخدمة فػػي القػػرف العش ػريف‪ ،‬وفػػي‬
‫طبع ػاً لػػـ يف ّكػػر بيػػذا االكتشػػاؼ وفػػؽ المصػػطمحات والمفػػاىيـ ُ‬
‫الحقيقػػة‪ ،‬كػػاف عمػػى التحميػػؿ الرياضػػياتي أف ينتظػػر حصػػوؿ الثػػورة الصػػناعية الثانيػػة‪ ،‬وكػػذلؾ ظيػػور‬
‫فعاؿ فػي‬
‫طبؽ بشكؿ ّ‬
‫النظرية الميكانيكية واإللكترونية‪ ،‬وأخي اًر‪ ،‬اختراع الكمبيوتر اإللكتروني‪ ،‬قبؿ أف ُي ّ‬
‫عممية التح ّكـ باالقتصاد العالمي‪.‬‬

‫ّ‬
‫يفاٍْى عايح تتعهق تانطاقح‬
‫‪General Energy Concepts‬‬

‫خػػبلؿ د ارسػػة منظومػػات الطاقػػة المختمفػػة‪ ،‬يظيػػر دائم ػاً ثبلثػػة مفػػاىيـ أساسػػية‪ .‬وىػػي‪ :‬الطاقػػة الكامنػػة‬
‫‪ ،potential energy‬الطاقة الحركيػة ‪ ،kinetic energy‬تبلشػي الطاقػة ‪ .energy dissipation‬وكمتممػات‬
‫مشابية ليذه المفاىيـ‪ ،‬ىناؾ ثبلثة نظائر فيزيائية نقية ومثالية‪ ،‬وتُسمى عناصر كامنة (ىامدة)‪.‬‬

‫ػ في المجاؿ العممي المتعمّؽ بالفيزياء الميكانيكية ‪ ،physical mechanics‬ترتبط ظاىرة الطاقة الكامنـة‬
‫مع خاصية فيزيائية تُسمى مرونة أو صبلبة‪ ،‬ويمكف استعراضيا بواسطة نابض متمدد‪.‬‬

‫ػ في المجاؿ المتعمّؽ بالعموـ اإللكترونية ‪ ،electronic science‬تُخ ّػزف الطاقـة الكامنـة فػي مكثفػة بػدالً‬
‫ممتد‪ .‬ىذه الخاصية تُسمى "السعة" ‪ capacitance‬بدالً مف المرونة أو الصبلبة‪.‬‬
‫مف نابض ّ‬

‫‪54‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ػػ فػػي المجػػاؿ العممػػي المتعمّػػؽ بالفيزيػػاء الميكانيكيػػة‪ ،‬تػرتبط ظػػاىرة الطاقــة الحركيــة بخاصػػية فيزيائيػػة‬
‫معينػػة أو‬
‫تُسػػمى "قصػػور ذاتػػي" ‪ inertia‬أو "الكتمػػة" ‪ ،mass‬ويمكػػف استع ارضػػيا مػػف خػػبلؿ دوراف كتمػػة ّ‬
‫عجمة موازنة ‪.flywheel‬‬

‫محرض (مجاؿ مغناطيسي مثبلً)‬ ‫خزف الطاقة الحركية في ّ‬‫ػ في المجاؿ المتعمّؽ بالعموـ اإللكترونية‪ ،‬تُ ّ‬
‫ب ػػدالً م ػػف كتم ػػة دوراني ػػة‪ .‬وى ػػذه الخاص ػػية تُس ػػمى "تحػ ػريض" ‪ inductance‬ب ػػدالً م ػػف "القص ػػور ال ػػذاتي"‬
‫‪.inertia‬‬

‫ػ ػ فػػي المجػػاؿ العممػػي المتعمّػػؽ بالفيزيػػاء الميكانيكيػػة‪ ،‬ت ػرتبط ظػػاىرة تحشــي الطاقــة بخاصػػية فيزيائيػػة‬
‫كةتحوؿ الطاقة إلى ح اررة‪.‬‬
‫متحر ّ‬‫ّ‬ ‫تُسمى "احتكاؾ" أو "مقاومة"‪ ،‬ويمكف استعراضيا مف خبلؿ آلة‬

‫يتجسد تحشي الطاقة بواسطة عنصر ُيسمى إما "مقػاوـ" أو‬ ‫ّ‬ ‫ػ في المجاؿ المتعمّؽ بالعموـ اإللكترونية‪،‬‬
‫"ناقػػؿ"‪ ،‬والمصػػطمح "مقػػاوـ" ُيسػػتخدـ عامػةً لوصػػؼ عنصػػر نمػػوذجي (مثػػؿ سػػمؾ ناقػػؿ) ُيسػػتثمر لنقػػؿ‬
‫الطاقػػة اإللكترونيػػة بشػػكؿ كفػػؤ مػػف موقػػع إلػػى آخػػر‪ .‬وخاصػػية المقاومػػة أو الناقميػػة تُقػػاس عمػػى أنيػػا‬
‫تبادلية مقاومات أو نواقؿ‪.‬‬

‫أما في مجاؿ االقتصاد‪ ،‬فيذه المفاىيـ الثبلثة مرتبطة بػ‪:‬‬

‫االقتصادية‪Economic Capacitance‬‬ ‫ػ السعة‬


‫رأس الماؿ (أمواؿ‪ ،‬مدخرات‪/‬مخزونات‪ ،‬استثمارات في عمارات ومجاالت ثابتة أخرى‪ ..‬إلى آخره)‬

‫االقتصادية‪Economic Conductance‬‬ ‫ػ الناقمية‬


‫سمع اإلنتاج (حركة معامؿ اإلنتاج)‬

‫اقتصادية‪Economic Inductance‬‬ ‫محرضات‬


‫ػ ّ‬
‫الخدمات (تأثير قطاعات االقتصاد عمى الخرج االقتصادي)‬

‫‪55‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫معينػػة (كمػػا ىػػو‬


‫وبالتػالي نسػػتنتج أف كػػؿ النظريػػات الرياضػية التػػي تػػـ تطويرىػػا لد ارسػػة منظومػة طاقػػة ّ‬
‫الحاؿ مع الميكانيكواإللكترونيات) يمكف استخداميا أيضاً لدراسة أي نػوع آخػر مػف منظومػات الطاقػة‬
‫(كما ىو الحاؿ مع االقتصاد)‪.‬‬

‫ّ‬
‫انطاقح انتً اكتطفٓا انسٍذ سٔثتطاٌهذ‬
‫ما اكتشفو السيد روثتشػايمد ىػو المبػدأ األساسػي لمقـوة‪ ،‬التـيثير‪ ،‬والسـيطرة عمـى الجمـوع البشـرية مػف‬
‫خػػبلؿ المجػػاؿ االقتص ػػادي‪ .‬ى ػػذا المب ػػدأ يق ػػوؿ "‪ ..‬عن ػػدما ت ػػوحي بمظي ػػر القػػوة‪ ،‬س ػػوؼ يمنحػػؾ إياى ػػا‬
‫الناس‪"..‬‬

‫لق ػػد اكتش ػػؼ الس ػػيد روثتش ػػايمد ب ػػأف العمم ػػة المتداول ػػة أو حس ػػابات الوديع ػػة المصػ ػرفية ل ػػدييا المظي ػػر‬
‫المطمػػوب لمقــوة والتػػي يمكػػف اسػػتخداميا لتح ػريض النػػاس (كمػػا يحصػػؿ التح ػريض فػػي حالػػة المجػػاؿ‬
‫المغناطيسي) إلى تسميـ ثروتيـ الحقيقية مقابػؿ وعد بثػروة أكبػر (بػدالً مػف تعػويض حقيقػي)‪ .‬يضػعوف‬
‫ب ػػيف يدي ػػو م ػػادة ثمين ػػة ممموس ػػة (ذى ػػب) مقاب ػػؿ ق ػػرض م ػػف األوراؽ التعيّدي ػػة (س ػػندات)‪ .‬وج ػػد الس ػ ّػيد‬
‫روثتشػايمد بأنػػو يسػػتطيع إصػػدار كميػػة ازئػػدة مػػف السػػندات بحيػػث تفػػوؽ قيمػػة الوديعػػة الماليػػة الحقيقيػػة‪،‬‬
‫معينة مف الذىب إلغراء زبائنو‪.‬‬
‫كؿ ذلؾ ممكف طالما أف لديو كمية ّ‬

‫لقػػد أقػػرض السػ ّػيد روثتشػػايمد أو ارقػػو التعيّديػػة (سػػندات ائتمػػاف) ألف ػراد وكػػذلؾ لحكومػػات‪ .‬وىػػذا سػػوؼ‬
‫يخمػػؽ حالػػة إف ػراط فػػي الثقػػة‪ .‬ثػػـ يقػػوـ بعػػدىا بجعػػؿ األم ػواؿ نػػادرة فػػي السػػوؽ‪ ،‬يضػ ّػيؽ قبضػػتو عمػػى‬
‫منظومة التداوؿ في السوؽ‪ ،‬ثـ يجمع المزيد مف المواد الثمينة اإلضافية مقابؿ تعيّدات تمثميا سندات‬
‫ورقية ال قيمة ليا‪ .‬ثـ بعد فترة يتـ تكرار العمميػة م ّػرة أخػرى‪ ،‬وىكػذا‪ .‬تب ّػيف أف ىكػذا نػوع مػف الضػغوط‬
‫يمكف استخداميا إلشعاؿ الحروب أيضاً‪ .‬فيستطيع بعدىا التحكـ بتػوافر العممػة المتداولػة بحيػث يحػدد‬
‫الجيػػة التػػي تكسػػب الحػػرب‪ .‬والحكومػػة التػػي قبمػػت أف تمنحػػو السػػيطرة عمػػى نظاميػػا االقتصػػادي ىػػي‬
‫التي تحوز عمى دعمو المالي فتنتصر في الحرب‪.‬‬

‫أمػػا اسػػترداد الػػديوف فكػػاف مضػػموناً بحيػػث إذا نقػػض الحػػاكـ أو األميػػر الػػدائف بوعػػده فػػي سػػداد الػػديف‬
‫فسػػوؼ يػػتـ دع ػػـ عػػدوه اقتصػػادياً‪ .‬األرب ػػاح المجموعػػة م ػػف ىػػذه المنيجيػػة االقتص ػػادية جعمػػت الس ػ ّػيد‬
‫روثتشػػايمد أكثػػر قابميػػة واسػػتعداداً لتوسػػيع ثروتػػو‪ .‬لقػػد وجػػد أف الطمػػع البشػػري سػػيدفع الحكومػػات إلػػى‬

‫‪56‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫طباعػة المزيػد مػف أوراؽ العممػة المتداولػة بحيػث تتجػاوز الحػدود التػي يػدعميا رصػيد المعػادف الثمينػػة‬
‫ػخـ مػالي ‪ inflation‬وىػذا مػا كػاف‬
‫(الػذىب) أو إنتػاج السػمع أو الخػدمات‪ ،‬ممػا يػؤدي إلػى حصػوؿ تض ّ‬
‫يسعى إليو بالضبط‪.‬‬

‫ّ‬
‫انشأمسال انظاْشي عهى ضكم زلشض ٔسقً‬
‫‪Apparent Capital as "Paper" Inductor‬‬

‫فػػي ىػػذه التركيبػػة‪ ،‬يتخػػذ الػػديف ‪ ،credit‬والممنػػوح عمػػى شػػكؿ عنصػػر صػػافي نسػػميو "عممػػة متداولػػة"‬
‫‪ ،currency‬مظير رأسماؿ قػائـ بذاتػو‪ ،‬لكنػو فػي الحقيقػة أرسػماؿ سػمبي ‪ .negative capital‬صػحيح أف‬
‫لدي ػػو مظي ػػر خدم ػػة مالي ػػة‪ ،‬لكن ػػو ف ػػي الحقيق ػػة عب ػػارة ع ػػف دي ػػف أو س ػػمفة‪ُ .‬فيعتب ػػر بالت ػػالي "مح ػ ّػرض‬
‫اقتصادي" بدالً مف كونو "سعة اقتصادية"‪ ،‬وبالتالي إذا أردنا موازنتػو (تسػكير الحسػابات) فمػيس ىنػاؾ‬
‫أي طريقػػة سػػوى إشػػعاؿ حرب ػاً أو مجػػزرة أو كارثػػة أو غيرىػػا إل ازلػػة المػػودعيف مػػف المعادلػػة‪ .‬السػػمع‬
‫‪gross national‬‬ ‫والخػػدمات تمثّػػؿ أرسػػماؿ حقيقػػي ومممػػوس بحيػػث ُيسػػمى "مجمػػوع النػػاتج الػػوطني"‬
‫‪ ،product‬ويمكف طباعة العممة الورقية بكميات تػوازي قيمػة ىػذا النػاتج‪ ،‬ومػع ذلػؾ سػوؼ يبقػى ممػثبلً‬
‫لس ػػعة اقتص ػػادية ‪ .economic capacitance‬لك ػػف العمم ػػة الورقي ػػة المطبوع ػػة بكمي ػػات تتج ػػاوز القيم ػػة‬
‫الحقيقية لمناتج الوطني تخفض مف ىذه القيمة‪ ،‬وتمثّؿ العممة بعدىا عمميػة تحػريض اقتصػادي‪ ،‬حيػث‬
‫تتحوؿ األو ارؽ النقدية إلى أوراؽ مديونية‪.‬‬
‫ّ‬

‫وبالتػػالي فػػالحرب تمثّػػؿ عامػػؿ ضػػروري لموازنػػة ىػػذه المنظومػػة الماليػػة‪ ،‬حيػػث ُيقتػػؿ الػػدائنيف الحقيقيػػيف‬
‫(المواطنيف العادييف الذيف تـ تعمػيميـ كيػؼ يسػتبدلوف مػا لػدييـ مػف سػمع وخػدمات ثمينػة مقابػؿ عممػة‬
‫متداولة عديمة القيمة) والعودة إلى ما تبقى مف مصادر طبيعية واعادة إحياء إنتاجية ىذه المصادر‪.‬‬

‫لقد اكتشؼ السيد روثتشايمد بأف "العممة المتداولة" منحتو القوة والقدرة الكافية عمى إعادة ترتيػب البنيػة‬
‫االقتصػ ػػادية بػ ػػالتوافؽ مػ ػػع مصػ ػػالحو الخاصػ ػػة‪ ،‬وكػ ػػذلؾ نقػ ػػؿ السػ ػػعة االقتصػ ػػادية إلػ ػػى تمػ ػػؾ المواقػ ػػع‬
‫تشجع عمى حصوؿ تذبذب وعدـ استقرار اقتصادي كبير‪.‬‬
‫االقتصادية التي ّ‬

‫‪57‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫كػػاف عمػػى المفتػػاح األخيػػر واألكثػػر أىميػػة إلحكػػاـ السػػيطرة عمػػى االقتصػػاد‪ ،‬أف ينتظػػر حتػػى تػػوفّرت‬
‫وس ػػائؿ متط ػػورة لمعالج ػػة المعطي ػػات المعموماتي ػػة بحي ػػث تواك ػػب االىتػ ػ اززات االقتص ػػادية الت ػػي تخمقي ػػا‬
‫عمميػػات مثػػؿ "صػػدمة األسػػعار" ‪ price shocking‬والتبػػايف فػػي كميػػات األوراؽ النقديػػة المتػػوفرة فػػي‬
‫"التضخـ‪/‬التحريض الورقية" ‪.paper inductance/inflation‬‬
‫ّ‬ ‫السوؽ وتُسمى عممية‬

‫ّ‬
‫تطٕس ثٕسي‬
‫‪Breakthrough‬‬

‫تطور في اليندسة االقتصادية عبر اكتشاؼ النظرية الرياضية‬


‫ساىـ مجاؿ الطيراف في حصوؿ أكبر ّ‬
‫المتعمقة بػ"اختبار الصدمة" ‪ .shock testing‬تجري ىذه العممية في مجاؿ الطيراف عمى الشكؿ التػالي‪:‬‬
‫يتـ إطبلؽ عيار ناري مف سبلح ُمثبت عمى ىيكؿ طائرة في الجو‪ ،‬ويتـ مراقبة الصدمة التػي تحػدثيا‬
‫بمجس ػػات اىتػ ػزاز تب ػ ّػيف قيم ػػة‬
‫ّ‬ ‫عممي ػػة إع ػػادة التمق ػػيـ األوتوم ػػاتيكي لمس ػػبلح عب ػػر وص ػػؿ ىيك ػػؿ الط ػػائرة‬
‫الذبذبات عمى لوحة تسجيؿ‪.‬‬

‫المثبػػت عمػػى ىيكػػؿ‬


‫مػػف خػػبلؿ د ارسػػة صػػدى أو انعكػػاس الصػػدمة التػػي تحػػدثيا إعػػادة تمقػػيـ السػػبلح ُ‬
‫المتجسػدة فػي ىيكػؿ الطػائرة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الطػائرة‪ ،‬أصػبح ممكنػاً اكتشػاؼ "الذبػذبات الحرجػة" ‪critical vibrations‬‬
‫متجسػدة فػي ىيكػؿ الطػائرة والقادمػة‬
‫ّ‬ ‫والتي تمثّؿ مجموع صدمة التمقيـ األوتوماتيكي مع ذبذبات أخػرى‬
‫المحرؾ أو األجنحة (أو مجموع االثنيف معاً) فتتعػاظـ شػدتيا ممػا يػؤدي إلػى تجسػيد وتيػرة اىتػزاز‬
‫ّ‬ ‫مف‬
‫معينة تساىـ في التدمير الذاتي لييكػؿ الطػائرة خػبلؿ تحميقيػا فػي الجػو‪ .‬مػف المنظػور اليندسػي‪ ،‬ىػذا‬ ‫ّ‬
‫يعنػػي أنػػو يمكػػف اكتشػػاؼ مكػػامف القػػوة والضػػعؼ فػػي بنيػػة ىيكػػؿ الطػػائرة مػػف ناحيػػة طاقػػة التذبػػذب‬
‫وبالتالي يمكف التح ّكـ بيا‪.‬‬

‫تطثٍق ادلفٕٓو انساتق يف رلال االقتصاد‬


‫مف أجؿ اسػتخداـ ىػذه الوسػيمة فػي اختبػار الصػدمة بمجػاؿ اليندسػة االقتصػادية‪ ،‬يـتم إحـداث صـدمة‬
‫في أسعار السمع‪ ،‬ومف ثـ تُراقب ردود أفعاؿ المستيمكيف‪ .‬ثـ تترجـ االنعكاسات الناتجػة مػف الصػدمة‬
‫االقتصػػادية نظري ػاً مػػف خػػبلؿ كمبيػػوترات‪ ،‬حينيػػا يػػتـ اكتشػػاؼ "البنيػػة النفسية‪/‬االقتصػػادية" ‪psycho-‬‬

‫‪ economic structure‬لبلقتصاد القائـ‪ .‬وبيذه الطريقة بالذات يتـ اكتشاؼ وتحديد االختبلفػات الجزئيػة‬

‫‪58‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫والميػػوؿ المختمفػػة التػػي تعػ ّػرؼ أف ػراد األس ػرة وتجعػػؿ تقييميػػا ممكن ػاً كوحػػدة اقتصادية‪/‬صػػناعية قائمػػة‬
‫ِ‬
‫مستنزفة)‪.‬‬ ‫بذاتيا (بنية استيبلكية‬

‫يمكػػف بعػػدىا التنبػػؤ بػػردة فعػػؿ الوحػػدة األس ػرية تجػػاه صػػدمات مسػػتقبمية‪ ،‬وبالتػػالي يمكػػف الػػتحكـ بيػػا‪.‬‬
‫فيتح ّػوؿ المجتمػػع بالكامػػؿ إلػى حيـوان قابػػؿ لمضػػبط والتنظػيـ حسػػب الرغبػػة‪ ،‬حيػث يقػػع تحػػت السػػيطرة‬
‫المباشرة لنظاـ محاسبة معقّد جداً يديره كمبيوتر مركزي‪.‬‬

‫فػػي النيايػػة‪ ،‬سػػوؼ يقػػع كػػؿ عنصػػر فػػردي فػػي البنيػػة االقتصػػادية تحػػت سػػيطرة الكمبيػػوتر‪ ،‬ذلػػؾ مػػف‬
‫خػػبلؿ جمػػع معمومػػات كافيػػة عػػف أىػواءه وميولػػو‪ ،‬وىػػذه المعمومػػات توفرىػػا منظومػػة خاصػػة تػربط بػػيف‬
‫الكمبيػػوتر وخيػػارات الفػػرد‪( ،‬أي يمكػػف معرفػػة مػػا يختػػاره مػػف سػػمع وخػػدمات عبػػر مػػا يشػػتريو بواسػػطة‬
‫بطاقة االئتماف ‪ ،credit card‬وليذا السبب ترى الرمػوز واألرقػاـ التسمسػمية وغيرىػا مػف أشػياء مطبوعػة‬
‫عمى السمع‪ ،‬وبعد فترة مف ترسيخ استخداـ بطاقة االئتماف حوؿ العالـ سوؼ يستبدلونيا بػ"وشـ رقمػي"‬
‫تحسس خاصة)‪.‬‬
‫ُيطبع عمى الجسـ بحيث يكوف خفياً تمتماً في غياب أجيزة ّ‬

‫انًُٕرج االقتصادي ادلثايل‬


‫كػاف "مشػروع ىارفػارد لمبحػث االقتصػادي" ‪ ،)7.#1( Harvard Economic Research Project‬والػذي‬
‫‪Operations‬‬ ‫مجرد امتداد لمشروع "البحث العممياتي"‬‫ييدؼ لدراسة بنية وتركيبة االقتصاد األمريكي‪ّ ،‬‬
‫‪ Research‬العائد إلى فترة الحرب العالمية الثانية‪ .‬الغاية النيائية ليػذا المشػروع ىػي إيجػاد عمػـ جديػد‬
‫طبؽ أوالً عمى االقتصاد األمريكي ومف ثـ توسػيع تطبيقػو حتػى يشػمؿ‬
‫وي ّ‬
‫معيف‪ُ ،‬‬
‫لمسيطرة عمى اقتصاد ّ‬
‫اقتصاد العالـ أجمع‪ .‬أدركوا أنو مف خبلؿ أسس رياضية ومعموماتية (معطيات) كافيػة‪ ،‬سػوؼ يصػبح‬
‫بتوجػو اقتصػاد مع ّػيف بػنفس سػيولة التنبػؤ والػتحكـ بالمسػار المنحنػي لمقذيفػة‬
‫مف السيؿ التنبؤ والػتحكـ ّ‬
‫موجػو‬
‫تحوؿ االقتصاد بالكامؿ إلػى صػاروخ ّ‬ ‫النارية‪ .‬وىذا ما حصؿ بالفعؿ‪ .‬وباإلضافة إلى ذلؾ‪ ،‬فقد ّ‬
‫نحو اليدؼ المرغوب‪.‬‬

‫معينػة‪ ،‬ومعرفػة مػا ىػي القػوى التػي‬


‫أما اليدؼ المباشر لمشروع ىارفارد‪ ،‬فتمثّؿ بإيجاد بنية اقتصػادية ّ‬
‫تغيػػر ىػػذه البنيػػة‪ ،‬وكيػػؼ يمكػػف التنبػػؤ بسػػموؾ ىػػذه البنيػػة‪ ،‬وأخيػ اًر كيػػؼ يمكػػف الػػتحكـ بيػػذه البنيػػة‪ .‬مػػا‬
‫ّ‬

‫‪59‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫كػػانوا يحتاجونػػو ىػػو معرفػػة منظمػػة جيػػداً لمبنػػى الرياضػػياتية والعبلقػػة التبادليػػة لكػػؿ مػػف االسػػتثمارات‪،‬‬
‫اإلنتاج‪ ،‬التوزيع‪ ،‬وأخي اًر االستيبلؾ‪.‬‬

‫يمكف اختصار القصة عمى الشكؿ التالي‪ ،‬اكتُشؼ بأف االقتصاد (أي اقتصاد) يخضع لنفس القػوانيف‬
‫التػػي تحكػػـ مجػػاؿ الكيربػػاء‪ ،‬وكػػذلؾ النظريػػات الرياضػػية وتطبيقاتيػػا العمميػػة‪ ،‬ومجػػاؿ الكمبيػػوتر الػػذي‬
‫تط ػ ّػور م ػػف مج ػػاؿ اإللكتروني ػػات‪ ،‬جميعي ػػا يمك ػػف تطبيقي ػػا مباشػ ػرة ف ػػي مج ػػاؿ د ارس ػػة االقتص ػػاد‪ .‬ى ػػذا‬
‫االكتشاؼ الكبير لـ ُيعمػف عنػو بشػكؿ مفتػوح‪ ،‬وتطبيقاتػو الخفيػة كانػت وال ازلػت محروسػة بعنايػة فائقػة‪.‬‬
‫فمػػثبلً‪ ،‬كمػػا ُيقػػاس الجيػػد الكيربػػائي‪ ،‬كػػذلؾ الحػػاؿ مػػع حيػػاة اإلنسػػاف التػػي وفػػؽ النمػػوذج االقتصػػادي‬
‫الجديد تُقاس بالدوالر‪ .‬وكذلؾ الحاؿ مع الش اررة الكيربائية المنطمقة بعد فتح فاصؿ كيربائي موصػوؿ‬
‫بمح ػ ّػرض نش ػػط‪ ،‬حي ػػث ى ػػذه الحال ػػة تمثّ ػػؿ مػػػف الناحي ػػة الرياضػػػياتية البــــدء بحالــــة حــــرب ب ػػالمفيوـ‬
‫االقتصادي‪.‬‬

‫العقبػػة الكبي ػرة التػػي واجييػػا االقتصػػاديوف النظريػػوف تتمثّػػؿ بالتوصػػيؼ الػػدقيؽ لحالػػة الوحػػدة األس ػرية‬
‫(الػػزوج والزوجػػة واألوالد) إذا اعتُبػػرت وحػػدة اقتصػػادية قائمػػة بػػذاتيا تػػدخؿ فػػي المنظومػػة االقتصػػادية‬
‫الكبػػرى‪ .‬لقػػد مثّػػؿ ىػػذا تحػػدي كبيػػر بالنسػػبة لمبػػاحثيف االقتصػػادييف‪ ،‬ألف عمميػػات الشػراء التػػي يجرييػػا‬
‫المستيمؾ تعتمد عمى عامؿ االختيار حسب المزاج‪ ،‬والذي بدوره يتأثّر بعامؿ الدخؿ‪ ،‬السعر‪ ،‬وعوامؿ‬
‫اقتصادية أخرى‪.‬‬

‫لكف ىذه العقبة أزيمت فيمػا بعػد‪ ،‬وبطريقػة غيػر مباشػرة لكنيػا دقيقػة استاتسػتيكياً (إحصػائياً)‪ ،‬ذلػؾ مػف‬
‫خبلؿ تطبيؽ وسيمة "اختبػار الصػدمة" ‪( shock testing‬الموصػوفة سػابقاً) مػف أجػؿ تحديػد الخاصػيات‬
‫المسماة بالمعامؿ التقني الراىف القتصاد الوحدة األسرية ‪.household industry‬‬
‫الراىنة‪ ،‬و ُ‬

‫وأخي ػ اًر‪ ،‬ألف المسػػائؿ الموجػػودة فػػي مجػػاؿ اإللكترونيػػات النظريػػة يمكػػف ترجمتيػػا بسػػيولة ُكبػػرى إلػػى‬
‫مسائؿ في مجاؿ االقتصاد النظري‪ ،‬ويمكف إعادة ترجمة الح ّؿ إلى المجاؿ اآلخر‪ ،‬فبالتالي ال نحتػاج‬
‫سػػوى كتػػاب واحػػد فقػػط يعمػػؿ عمػػى ترجمػػة المغػػة والمفػػاىيـ ومع ػاني المصػػطمحات‪ ،‬ومػػف خػػبلؿ ذلػػؾ‪،‬‬
‫يمكننػػا اسػػتخداـ أي كتػػاب عػػف االلكترونيػػات كمرشػػد عممػػي لمخبيػػر االقتصػػادي الجديػػد‪ .‬وىػػذا يجعػػؿ‬

‫‪63‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫طباع ػػة كت ػػب تتن ػػاوؿ ى ػػذا النم ػػوذج االقتص ػػادي المتق ػػدـ غي ػػر ض ػػرورية إطبلقػ ػاً‪ ،‬وى ػػذه نقط ػػة أخ ػػرى‬
‫السر‪.‬‬
‫لصالحنا بحيث تساىـ في حفظ ّ‬

‫سلططاخ ُْذسٍح اقتصادٌح‬


‫‪Industrial Diagrams‬‬

‫ُيعػ ّػرؼ االقتصػػاد النمػػوذجي بأنػػو جيػػاز يسػػتقبؿ قيمػػة مػػف اقتصػػاديات أخػػرى وبأشػػكاؿ عػػدة ثػػـ يحوليػػا‬
‫ػوزع القتصػاديات أخػرى‪ .‬لديػو عػدة منافػذ دخػؿ ومخػرج واحػد‪ .‬مػا يظنػو‬ ‫وي ّ‬‫إلى ُمنتج واحػد محػدد ُيبػاع ُ‬
‫الناس عمى أنو اقتصاد قائـ بذاتو ىو فػي الحقيقػة مجمػع اقتصػادي ‪ ،industrial complex‬حيػث تقػوـ‬
‫عدة اقتصاديات يجمعيا سقؼ واحد بإنتاج ُمنتج واحد أو أكثر‪.‬‬

‫يمكف استعراض اقتصاد بسيط (بمخرج واحد) عمى شكؿ عنصر دارة (مشابو لمدارة اإللكترونية) عمى‬
‫الشكؿ التالي‪:‬‬

‫جريػػاف المنػػتج مػػف االقتصػػاد‪(1#‬إمػػداد) إلػػى االقتصػػاد ‪(2#‬طمػػب) يشػػار إليػػو بػ ػ‪ .112‬مجمػػوع مخػػرج‬
‫جرياف االقتصاد ‪ُ K‬يشار إليو بػ‪(Ik‬مبيعات‪ ..،‬إلى آخره)‪.‬‬

‫يمكف استعراض شبكة مؤلفة مف ثبلثة اقتصاديات عمى الشكؿ التالي‪:‬‬

‫‪61‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ترمػػز "العقػػدة" ‪( node‬نقطػػة التقػػاء) إلػػى جمػػع وتوزيػػع الجريػػاف‪ .‬العقػػدة‪ 3#‬تتمقػػى مػػف االقتصػػاد ‪3#‬‬
‫يصنع الكراسي مػثبلً‪ ،‬فبالتػالي يشػير الجريػاف‬‫وتوزعو إلى االقتصاد ‪ 1#‬و‪ .3#‬إذا كاف االقتصاد ‪ّ 3#‬‬
‫مػػف االقتصػػاد ‪ 3#‬رجوعػاً إلػػى االقتصػػاد ‪ 3#‬إلػػى أف االقتصػػاد ‪ 3#‬يسػػتيمؾ جػػزء مػػف مػػا يخرجػػو مػػف‬
‫منتجات (مفروشات لممكاتػب مػثبلً)‪ .‬وبالتػالي يمكػف اسػتخبلص الجريػاف فػي المخطػط البيػاني السػابؽ‬
‫في المعادالت التالية‪:‬‬

‫‪62‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ىذه األشكال التالية ليست مخططات دارات إلكترونية‪ ......‬بل مخططات دارات اقتصادية!‬

‫‪63‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ىذه ىي بنية االقتصاد العالمي في القرف المقبؿ‪ ،‬أو في العقد المقبؿ‪ ...‬إذا نجح مخططيـ المرسوـ‬
‫في الموعد المحدد‪.‬‬

‫مححظة‪ :‬ىذا عبارة عف مقتطؼ قصير لكامؿ الدراسة‪ ،‬حيث ما بقي ىو دراسة تفنية متخصصة‪،‬‬
‫كوف فكرة عامة عف كامؿ‬
‫وبالتالي ال جدوى مف ذكرىا ىنا بالكامؿ‪ .‬لكف أعتقد بأف القارئ الكريـ ّ‬
‫الموضوع‪.‬‬

‫إذا لـ تستوعب األمر بعد‪ ،‬أحب أف أذكرؾ بأف ىذه الدراسة وضعت منذ عقود عديدة‪ .‬أما اآلف فقد‬
‫أصبحت قيد التطبيؽ بالكامؿ‪ .‬يوجد دالئؿ كثيرة تجعؿ ىذه الفرضية حقيقة واقعية‪ .‬المجريات الدولية‬

‫‪64‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫التي لـ يعد فييا أي منطؽ أو عقبلنية‪ ،‬الحروب التي تحصؿ بيف الحيف واآلخر‪ ،‬الشبكة اإللكترونية‬
‫أو االنترنت‪ ،‬واليواتؼ النقالة‪ ،‬ىؿ تظف بأنيا صنعت لخدمة الناس؟ إذا كاف األمر كذلؾ لماذا ىي‬
‫مشاريع تقنية عسكرية تأسست منذ البداية والزالت خاضعة تحت رعاية البنتاغوف؟ النقد اإللكتروني‬
‫الذي يرسخوف استخدامو تدريجياً بيف الشعوب‪ ،‬وسوؼ يستبدؿ الماؿ الورقي في مستقبؿ قريب‪ .‬كؿ‬
‫ىذه‪ ،‬وأكثر بكثير‪ ،‬ىي عناصر مكممة لمدارة االقتصادية الخبيثة التي ينشؤونيا في كامؿ أنحاء‬
‫العال ـ‪ .‬كؿ ىذا والزلنا نظف بأف األحداث تجري بشكؿ عفوي وطبيعي في حياتنا‪ .‬الزلنا نعتقد أف‬
‫األحداث تحصؿ بشكؿ منفصؿ عف بعضيا‪ ،‬ولـ نفطف أبداً أنيا تشكؿ جميعيا مخطط شيطاني‬
‫يترسخ تدريجياً في حياتنا‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ْم يٍ عالج رلذي ذلزِ احلانح ادلٍؤسح؟‬

‫ىكذا ىي الحال ة عمى حقيقتيا في العالـ اليوـ‪ .‬نخبة خفية تسيطر عمى العالـ‪ ،‬وتقبع في مكاف ما‬
‫في ىذا العالـ‪ ،‬وتضع المخططات وتحيؾ المؤامرات وتحوؿ حياتنا إلى جحيـ‪ .‬وماذا نفعؿ نحف‬
‫حياؿ ذلؾ؟ ما ىي اإلجراءات التي نتخذىا لحماية أنفسنا أو السعي إلى تجنب تأثيرىـ المدمر؟‬
‫الجواب‪ :‬ال شيء عمى اإلطبلؽ‪ .‬حتى أف النسبة األكبر مف سكاف األرض ال يؤمنوف أصبلً بوجود‬
‫ىكذا أجندات ومؤامررات! لكف لنفترض بأف الجميع عرؼ ىذه الحقيقة‪ ،‬ماذا برأيكـ سيفعموف؟‬
‫الجواب‪ :‬ال شيء عمى اإلطبلؽ‪ .‬ألف المقاومة الحقيقية ليكذا مخططات ومؤامرات ال تكمف في‬
‫االنتفاضات الشعبية والثورات والتظاىرات‪ ..‬إلى آخره‪ .‬وقد أثبتنا براعة فائقة في ىذه األعماؿ العنفية‬
‫لكنيا لـ تجمب لنا سوى الدمار والفوضى واألسى والمزيد مف البؤس‪ .‬المقاومة الحقيقية تكمف في‬
‫مكاف بعيد كؿ البعد عف العنؼ والمواجية المباشرة والتي ىي مستحيمة أماـ النخبة وأدواتيا النافذة‬
‫والقوية جداً‪ .‬كؿ ما نراه مف أعماؿ عنؼ أو ثورات أو حروب ىي مسرحيات مف صنعيـ‪ .‬كمو‬
‫اصطناعي‪ .‬أما كؿ ما ىو طبيعي وعفوي فيستحيؿ أف يسمحوا لو أف يكوف‪ .‬إنيـ يسيطروف عمينا‬
‫سيطرة مطمقة‪ .‬وبالتالي ميما اتخذناه مف إجراءات عنفية فسوؼ لف يؤدي إلى مكاف بؿ إلى زيادة‬
‫بؤسنا وقيرنا والغرؽ أكثر في شباكيـ الخبيثة‪.‬‬

‫قد يقترح البعض تأسيس منظمات وأحزاب وغيرىا مف جيود جماعية لمواجية ما يجري‪ ،‬لكف كيؼ‬
‫يمكنيـ إقامة ىذه األمور دوف تمويؿ في عالـ يتمحور حوؿ الماؿ‪ ،‬مع العمـ أف الخصوـ الذيف‬
‫يستيدفونيـ ىـ الذيف يصنعوف الماؿ ويديرونو ويوجيونو‪ ،‬وىو أصبلً سبلىـ الفتاؾ الذي يحاربونا‬
‫بو‪ .‬ال يمكننا تصور حياتنا اليوـ دوف عامؿ الماؿ‪ ،‬فكيؼ سننجح في مساعينا ونشاطاتنا الموجية‬
‫إلى مقاومة الجيات التي تستعممو في حربيا ضدنا؟ ىذا مستحيؿ‪ .‬قبؿ أف يصاب القارئ باإلحباط‪،‬‬
‫أحب أف أطمئنو بأنو يوجد حؿ ليذه المسألة‪ .‬إنو الحؿ الوحيد‪ .‬أي حموؿ غيره ىي مستحيمة‪.‬‬

‫المقاومة الحقيقية تكمف في العمؿ مف داخمنا‪ .‬رغـ سيطرتيـ المطمقة‪ ،‬إال أف ىذه السيطرة تكمف في‬
‫الجانب الخارجي منا فقط‪ ،‬إنيـ يسيطروف بالكامؿ عمى الجانب الدنيوي مف اإلنساف‪ ،‬وىو منزؿ‬
‫الغرائز والشيوات والرغبات والخوؼ واألنانية والتعصب وغيرىا مف أدوات يتقنوف استخداميا ضدنا‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫أما الجانب الداخمي‪ ،‬أو المستوى العموي مف كياننا‪ ،‬فميس ليـ أي وسيمة لموصوؿ إليو والتحكـ بو‬
‫واخضاعو‪.‬‬

‫ّأوؿ ما وجب معرفتو ىو أنيـ يسيطروف عمينا بمساعدة شريؾ ميـ وأساسي ووجوده ضروري إلنجاح‬
‫العممية‪ .‬ىذا الشريؾ ىو نحف‪ .‬العيب ىو فينا‪ .‬بالتالي بدالً مف التفكير كيؼ يمكننا االنقبلب عمييـ‬
‫وتقويض مخططيـ بالثورة والعنؼ‪ ،‬وىذا مستحيؿ بالمطمؽ‪ ،‬عمينا أف ننظر إلى أنفسنا والبحث أيف‬
‫يكمف العيب فينا ونسعى إلى تصحيحو‪ .‬بعدىا سوؼ ينيار كؿ نظاميـ بشكؿ تمقائي‪ .‬لكف السؤاؿ‬
‫ىو‪ :‬ىؿ نحف مستعدوف ليذه الميمة؟ ىؿ نحف مؤىميف فعبلً لمتعامؿ مع ىذا الجانب الباطني مف‬
‫كياننا؟ ومف الجانب اآلخر‪ ،‬ىؿ نحف نرغب فعبلً في التخمي عف ىذه المنظومة التي توفر لنا كافة‬
‫وسائؿ الميو والترفيو والمتعة؟ وجب عميؾ أف تقرر وتختار‪.‬‬

‫الصفحات التالية تشمؿ مواضيع مختمفة تذكرنا ببعض الحقائؽ والحاالت التي ربما نسيناىا أو‬
‫نجيميا أصبلً‪ ،‬ربما تفيدنا في معرفة المشكمة بشموليتيا ومعرفة مف نحف عمى حقيقتنا وكيؼ يمكننا‬
‫اإلفبلت مف سطوة الضغوط اليائمة التي يفرضيا عمينا ىذا النظاـ المالي الخبيث الذي يسود العالـ‬
‫اليوـ ويحوؿ حياتنا إلى جحيـ‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫اذلٕس جبًع ادلال ْٕ تذيري نهزاخ‬

‫في فترتنا الحالية حيث يبدو أف الكثير مف األمور تعتمد عمى التداوؿ المالي والنظاـ االقتصادي‪ ،‬قد‬
‫يكوف مفيداً أف نمقي نظرة سريعة عمى تاريخ الماؿ‪ .‬كاف التداوؿ المالي موجوداً منذ زمف بعيد‪ ،‬لكف‬
‫ليس بالقدر الكبير الذي يظنو الناس‪ .‬ألنو في أبكر الفترات التي يمكف لئلنساف تذكرىا كاف التبادؿ‬
‫وتقايض البضاعة يمثبلف وسيمة توزيع السمع والخدمات بأنواعيا‪ .‬في معظـ البمداف كانت الماشية‬
‫(مثؿ البقر والخرفاف والماعز‪ )..‬تمثؿ أساس الثروة‪ .‬لكف في الحقيقة كانت البمداف المختمفة تحوز‬
‫عممياً عمى كافة أنواع وسائؿ التبادؿ يمكف تخيميا‪ .‬كاف الصينيوف خبلؿ الفترة االمبراطورية المزدىرة‬
‫يصدروف عممة ورقية‪ .‬لـ يكف األمر ناجحاً عمى نطاؽ واسع وال كانت العممية تحظى بالتقدير‬
‫الكافي‪ ،‬لكف تـ القبوؿ بيا ألنيا مثمت الخيار الوحيد في أياميا كحؿ مجدي لممسائؿ القائمة في‬
‫حينيا‪ .‬كاف التقييـ الفعمي لمتداوؿ المالي في الصيف يعتمد عمى عدد الغزالف في الحظيرة‬
‫االمبراطورية وكذلؾ في األحراش المحيطة بالبناء الممكي‪ .‬كانوا يقوموف بتعداد الغزالف وبناء عميو‬
‫يصدروف العممة المتداولة‪ .‬طالما كانوا يممكوف الغزالف فيذا يعني أنيـ يممكوف الماؿ‪ .‬ربما كاف‬
‫السبب وراء االعتماد عمى الغزالف ىو الجمد الذي كانوا يستخدمونو لصنع الوثائؽ النقدية‪ .‬كانت ىذه‬
‫األوراؽ النقدية تصدر مف حجرات الحكمة اإلمبراطورية‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫كاف يوجد في الحقيقة تشكيمة واسعة مف وسائؿ التداوؿ المالي حوؿ العالـ‪ ،‬مثؿ صدؼ البحر‬
‫والتنباؾ وحتى الريش الذي كاف ُيستخدـ في الجزر البولينيزية‪ .‬في الحقيقة‪ ،‬كؿ ما يمكنؾ تصوره‬
‫كاف ُيستخدـ كوسيط لتبادؿ البضاعة‪ ،‬وذلؾ يعتمد عمى البمد والمنطقة والجزيرة وغيرىا‪ .‬النظرية‬
‫المتعمقة بيذه الطريقة في التبادؿ كانت منطقية نسبياً‪ .‬تبادؿ البضاعة بشكؿ مباشرة دوف وسيط‬
‫نقدي لـ يكف عمؿ سيؿ ومبلئـ في معظـ األحياف‪ .‬لـ يكف سيؿ مثبلً تبادؿ الخراؼ مع الماعز‬
‫ومف ثـ عميؾ رعاية الحيوانات التي حصمت عمييا بشكؿ مباشر قبؿ إعادة استبداليا بشيء آخر‪.‬‬
‫معيف الستخداميا ليذا الغرض‪ .‬ىذا‬
‫كاف أسيؿ وأنسب إذا حممت ورقة أو قطعة نقدية مف نوع ّ‬
‫بالضبط ما حصؿ في مصر القديمة‪ ،‬حيث كانت العممة النقدية المصرية تصدر بمعظميا بشكؿ‬
‫خاص‪ ،‬وذلؾ مف قبؿ عائبلت ثرية أو أعضاء جمعيات أو تجمعات مختمفة‪ .‬كانت العممة بمعظميا‬
‫مصنوعة مف الفخار وتحمؿ شعار المالؾ الذي صنعيا عمى عاتقو لكي يتداوؿ بيا‪ .‬كانت ىذه‬
‫القطع الفخارية تستخدـ لمبيع والشراء‪ ،‬واذا أراد أحدىـ صرفيا في نياية المطاؼ كاف يتوجو إلى‬
‫خادـ المنزؿ الذي أصدرىا في البداية‪ ،‬فيحصؿ في المقابؿ عمى بضاعة متساوية قيمتيا مع قيمة‬
‫القطع النقدية التي بحوزتو‪.‬‬

‫تطور منذ البداية بصفتو حؿ مبلئـ لمسائؿ مستعصية كانت تشوب التداوؿ التجاري الذي‬
‫الماؿ إذاً ّ‬
‫كاف قائماً‪ ،‬لكنو مع الوقت‪ ،‬حتى وصولو العصر الحالي‪ ،‬أصبح مزعج وحتى خطير عمى المستوى‬
‫العالمي‪ .‬عندما كاف مبلئماً‪ ،‬كاف ممكناً تبادؿ كافة أنواع السمع والبضائع والخدمات حتى أصبح‬
‫يمثؿ قاعدة لمنظومة تبادؿ بحيث كاف الفرد يقبض مادة قابمة لمصرؼ ويمكنو استخداميا كما يراه‬
‫مناسباً أو ضرورياً‪ .‬في تمؾ األياـ لـ تكف الرواتب تمثؿ مشكمة كما ىي اليوـ‪ .‬ففي الفترات القديمة‬
‫جداً كاف الماؿ يعتبر شيء مزعج ومربؾ‪ ،‬ألنو لـ يعرؼ الفرد ماذا يفعؿ بو أو ماذا يشتري بواسطتو‬
‫ألف كافة األشياء التي يمكنو احتياجيا ىي موجودة في منزلو أصبلً‪ ،‬ولـ يكف يوجد أسواؽ أو محاؿ‬
‫تجارية أو خدمات أو وسائؿ ترفيو كما نألفيا اليوـ‪ .‬استمرت ىذه الحالة لفترة طويمة‪ ،‬دوف أف تبلقي‬
‫أي نجاح يذكر بيف الناس‪ ،‬إلى أف استطاع أحدىـ أخي اًر في الخروج بفكرة عظيمة وىي أنو بدالً مف‬
‫كسب الماؿ عف طريؽ التبادؿ بالسمع والبضائع يستطيع أف يجعؿ الماؿ يكسب الماؿ‪ .‬كانت ىذه‬
‫فكرة عظيمة‪ .‬ومنذ حينيا انطمقت دورة ىائمة مف المشاكؿ واألزمات والمحف التي ربما ال نستطيع‬
‫الخبلص منيا إلى األبد‪ .‬بدأت ىذه األفكار الشاذة منذ اكتشاؼ "كراتيوس" الشيطاف المذكور سابقاً‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫الماؿ ىو شيء أصبح مبالغ بأىميتو بعد أف اتخذنا توجو الفكر المادي لمحياة‪ .‬مف بيف كؿ األشياء‬
‫مجرد‬
‫التي نتعامؿ بيا‪ ،‬فإف الماؿ ىو األكثر قابمية لمفناء‪ .‬يمكف أف يتـ تدمير القيمة المالية مف ّ‬
‫تغيير الحكومة‪ .‬يمكف لمماؿ أف ُيسرؽ أو يضيع أو ُيفسد نتيجة كوارث طبيعية‪ .‬يمكف تجميع الماؿ‬
‫عبر الغش والخداع‪ ،‬وعندما يأتي موعد مفارقة الشخص لمحياة‪ ،‬ميما كاف يممؾ مف أمواؿ‪ ،‬ال‬
‫يستطيع أف يأخذ معو قرش واحد‪ .‬أف تولد إلى ىذا العالـ دوف وجود أي إمكانية لجمب أموالؾ معؾ‪،‬‬
‫ثـ تغادر ىذا العالـ دوف أف تستطيع أخذه معؾ إلى العالـ اآلخر‪ ،‬فيذا يعني أنو لديؾ فترة محدودة‬
‫ىنا في ىذا العالـ المادي بحيث أصبح خبلليا الماؿ موضوعاً مذىبلً وساح اًر‪ .‬إنو فقط في فترة‬
‫وجودنا ىنا يكوف لمماؿ معنى وقيمة معينة‪ .‬نفكر بموضوع الزمف عمى انو الطريقة التي تنمو وفقيا‬
‫الحضارة‪ .‬نفكر بموضوع الزمف عمى أنو متحرؾ نحو المستقبؿ وأف أوالدنا وأحفادنا يحوزوف عمى‬
‫الماؿ‪ .‬نفكر في الماضي حيث المشاىير الذيف برزوا عبر التاريخ‪ .‬لكف في الحقيقة فإف كامؿ مسألة‬
‫الماؿ محصورة ضمف نطاؽ حقيقة الفناء‪ .‬الفناء ال يعني أنؾ تعجز عف أخذ الماؿ معؾ فحسب‪ ،‬بؿ‬
‫بطريقة غامضة‪ ،‬ىناؾ شيء يتعمؽ بما يبقى قائماً بعد الموت‪ .‬ىناؾ شيء يتعمؽ بجودة الشخصية‪،‬‬
‫شيء يتعمؽ بما فعمتو في الحياة‪ ،‬كـ كنت صادقاً‪ ،‬كـ كنت حذ اًر وكريماً وحكيماً خبلؿ تعاممؾ مع‬
‫الماؿ‪ .‬نجد بالتالي بأف الماؿ قد يمثؿ أحد االمتحانات الكبرى لمروح‪ ،‬أو لتمؾ القوة التي تبقى قائمة‬
‫حتى بعد الموت‪ .‬إذا خدعنا بما يكفي أو غدرنا بما يكفي ربما يكوف ىناؾ عقوبة معينة بعد الموت‬
‫والتي عمينا مواجيتيا‪ .‬ال نستطيع أخذ الماؿ معنا لكننا بكؿ تأكيد سنأخذ الندـ والحسرة عمى كيفية‬
‫حصولنا عميو وكيفية صرفنا لو‪.‬‬

‫الكثير مف الناس طبعاً‪ ،‬خصوصاً ألوئؾ المتأثريف جداً بالماؿ‪ ،‬ربما ال يفكروف أبداً بما سيحصؿ ليـ‬
‫بعد مغادرة ىذا العالـ‪ .‬سوؼ يفترضوف بأنو إذا كاف ىناؾ حياة أخرى بعد الموت سوؼ يتمكنوف مف‬
‫معالجة األمر أو التحكـ بالمسألة عندما يحيف الوقت‪ .‬لكف ىناؾ عدد كبير مف الناس ال يؤمنوف‬
‫أصبلً بوجود شيء بعد الموت وىذا يجعؿ مشكمة الماؿ أكثر صعوبة‪ .‬الفرد ال يستطيع أخذ الماؿ‬
‫معو‪ ،‬وحتى أنو ينقطع عف التذكر بأنو كاف يحوزه أصبلً‪ .‬وىذا أمر مثبط بالنسبة لؤلشخاص الذيف‬
‫بنوا حياتيـ عمى مبدأ الثروة وحدىا‪ .‬لدينا إذاً ىذه المسألة المتعمقة بالماؿ وكيؼ نحصؿ عميو وماذا‬
‫نفعؿ بو بعد حوزتو‪ .‬وأعتقد بأنو عمينا إدراؾ حقيقة أف الماؿ يمثؿ أحد تمؾ االمتحانات الكبرى‬
‫لمعيش‪ .‬المسألة تشبو إلى حد كبير طقوس االنتساب أو االنخراط في درب االرتقاء الروحي‪ ،‬بحيث‬
‫يواجو المريد مجموعة متنوعة مف اإلغواءات واالمتحانات‪ ،‬واذا كاف يتوقع االرتقاء بوعيو ومستوى‬

‫‪73‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫فيمو فوؽ المستوى المادي والفاني‪ ،‬عميو أوالً التعرؼ عمى لغز ىذا الوسيط الذي يسمى الماؿ‪ ،‬عميو‬
‫أف يكتشؼ كيؼ يستخدـ الماؿ أو الثروة بصفتو أساس لقوة الروح‪ .‬كؿ شيء طبعاً يمكف استخدامو‬
‫بطريقة سميمة وايجابية بحيث يصبح مصدر لمخير‪ ،‬لكف بنفس الوقت يمكف استخدامو بطريقة سيئة‬
‫لمشر‪ .‬لكف في مكاف ما عمى طوؿ الطريؽ‪ ،‬كؿ حياة وشخصية والنمو الروحي‬ ‫ويصبح مصدر ّ‬
‫لمكائف بشري متعمقة بطريقة أو بأخرى بموضوع الماؿ‪ .‬ىي متعمقة بالطريقة الموصوفة في اإلنجيؿ‪،‬‬
‫حيث تعرض سيدنا يسوع لمغدر مقابؿ الماؿ‪ .‬ومنذ ذلؾ الحيف تعرضت الحقيقة لمغدر مقابؿ الماؿ‪.‬‬
‫لقد ضحى األفراد بحياتيـ الباطنية مقابؿ مراكمة الماؿ والثروة‪.‬‬

‫إذا حصؿ الفرد عمى مبمغ كبير مف الماؿ‪ ،‬ثـ قاـ بفعؿ خير بواسطتو‪ ،‬فيذا يعني أنو يمكف وجود‬
‫مبرر لمنظاـ المالي القائ ـ اليوـ‪ .‬لكف في أغمب األحياف‪ ،‬ال يفعؿ الفرد أي خير بما لديو مف أمواؿ‪.‬‬
‫البعض لدييـ طبعاً دوافع داخمية لئلحساف والمساعدة ويدعموف المشاريع الخيرية‪ .‬لكف بالنسبة‬
‫لؤلكثرية الثرية‪ ،‬فيـ يجدوف الثراء مبر اًر لمتراخي والكسؿ‪ .‬يكتشفوف بأنيـ غير مضظريف لمعمؿ‪،‬‬
‫حيث الماؿ سوؼ يعمؿ بالنيابة عنيـ‪ .‬ليس لدييـ أي اىتماـ أو قيمة فعمية لؤلشياء‪ .‬إنيـ بعيشوف‬
‫ببذخ وتيور‪ ،‬يممكوف منازؿ ضخمة وفاخرة والتي ال يستخدموف سوى أقساـ صغيرة منيا‪ ،‬يشتروف‬
‫عقارات كبيرة‪ ،‬يقامروف‪ ،‬يمضوف معضـ أوقاتيـ في مونتيكارلو‪ ...،‬ىؤالء الناس يعيشوف بكؿ‬

‫‪71‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫بساطة حياة تافية عديمة الفائدة‪ .‬نجد أف معظميـ ضحايا اإلدماف عمى المخدرات‪ ،‬غالباً لعبلج‬
‫الممؿ الشديد الذي يعانوه في حياتيـ‪ .‬ىـ ال يعرفوف ماذا يفعمونو بالماؿ سوى صرفو ببذخ‪ .‬حتى أنيـ‬
‫ال يعرفوف كيؼ يصرفوف الماؿ‪ ،‬ولو باتجاه تطوير جودة شخصيتيـ‪ .‬لـ يستخدموا الماؿ لمتعمـ أو‬
‫النمو أو حتى التفكير بشكؿ سميـ‪ .‬استخدموا الماؿ ببساطة ألنيـ بممكونو وبحبوف التنافس مع‬
‫اآلخريف الذيف مف نفس مستواىـ‪ .‬بالتالي فقد أصبح األثرياء مشاىير‪ ،‬وأصبحوا محسوديف مف قبؿ‬
‫الفقراء‪ ،‬واستمروا في عيش حياتيـ بنفس البؤس الذي عانى منو الذيف أفقر منيـ‪.‬‬

‫بالتالي يمكف استخبلص مسألة الثروة بفكرة أف الفرد الذي ليس عميو إجياد نفسو بالتفكير سوؼ لف‬
‫يفعؿ‪ ،‬واذا ليس عميو إجياد نفسو بالعمؿ فسوؼ يبحث عف طرؽ ليتجنب ذلؾ‪ ،‬واذا لـ يرغب في‬
‫تطوير نفسو فسوؼ يبقى كما ىو‪ ،‬وكمما كاف لديو المزيد مف الماؿ كمما قمّت نزعتو إلى تطوير‬
‫شخصيتو وزيادة مياراتو وتعمـ أي مف الميف والفنوف والحرؼ المختمفة التي ييتـ بيا األقؿ ثراءاً‪ .‬ىو‬
‫بكؿ بساطة يفتقر لمدافع‪ ،‬وذلؾ ألنو غير مضطر إلى الكفاح مف أجؿ وسيمة عيش‪ .‬بما أنو غير‬
‫قادر عمى صياغة وسيمة عيش‪ ،‬فيذا يجعمو عاج اًز عف صياغة حياة‪ .‬ثراءه يكوف محسود مف قبؿ‬
‫اآلخريف‪ ،‬يتـ استغبللو وخداعو وغشو مف قبؿ الجميع‪ ،‬وعمى مر الزمف سوؼ يشعر بأف ثراءه يمثؿ‬
‫عبئ ثقيؿ عمى روحو‪ .‬إذا أردنا مقاربة الموضوع مف الناحية الفمسفية‪ ،‬سوؼ نقوؿ بأف كؿ دوالر لو‬
‫معيف‪ُ .‬يعطى الدوالر لشخص إما ألنو يستحقو أو ىو مف نصيبو بطريقة أو بأخرى‪ .‬الدوالر‬
‫معنى ّ‬
‫تحدي كبير يواجو االستقامة األخبلقية‪ .‬الماؿ الذي نممكو‬
‫ىو ليس شيء ُيستخدـ لمصرؼ‪ ،‬بؿ ىو ّ‬
‫تحدي أماـ االستخداـ السميـ‪ .‬وانو أكثر حكمة في مجرى النمو أف نستخدـ قدر قميؿ وبشكؿ‬ ‫يمثؿ ّ‬
‫سميـ بدالً مف استنزاؼ قدر كبير ىباء‪ .‬بالتالي لدينا إدراؾ فعمي لحقيقة أنو كمما زاد ما نممكو كمما‬
‫وجب أف نكوف أكثر رشداً الستخدامو بطريقة سميمة‪ .‬كمما زاد ممكنا لمماؿ والعقارات ووسائؿ الراحة‬
‫والترفيو كمما زادت مسؤوليتنا لعيش حياة وجدانية وخبلقة وصالحة‪ .‬ىذا ال يعني أنو عمينا التخمي‬
‫عف ثروتنا عبر منحيا آلخريف‪ .‬ألف الشخص الذي ال يفيـ حقيقة الماؿ سوؼ يمنحيا لؤلشخاص‬
‫الخطأ في جميع األحواؿ‪ .‬سوؼ يستقطب حولو مجموعة مف الرفاؽ عديمي القيمة أو المعنى أو‬
‫الفائدة بالنسبة لو‪ .‬عممية منح الماؿ ىي بنفس صعوبة الحصوؿ عميو‪ ،‬وأحياناً يكوف األمر أكثر‬
‫صعوبة‪ .‬ألنو دائماً الفرد الذي يصبح فاحش الثراء يدفع ثمف ىذا الثراء عف طريؽ فقداف إخبلص‬
‫الذيف حولو لو‪ ،‬حتى أنو يعاني مف خداع عائمتو‪ ،‬ويشعر بضغط شديد ومستمر عمى طريقة تفكيره‬
‫وحممو وأممو ومخاوفو‪ .‬ىذه األمور تتأثر كثي اًر بفعؿ الثروة التي يممكيا‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫يمكننا القوؿ بأننا نعيش اآلف في عالـ يعتبر فيو الماؿ والثروة الحكاـ األعظـ‪ .‬نحف نعيش في عالـ‬
‫بحيث أف تممؾ وتحافظ عمى ما تممكو يعتبراف مف اإلنجازات األعمى‪ .‬كؿ مف الفرد والمجتمع معاً‬
‫يكافحوف جاىديف لمسيطرة المالية عمى الحياة‪ .‬حوؿ العالـ يوجد أثرياء يممكوف المبلييف ومنيـ‬
‫المميارات والبعض القبلئؿ الذيف يممكوف الترليونات‪ .‬لكف ال يوجد واحد مف أولئؾ األثرياء يبدو أنو‬
‫يفعؿ األشياء التي وجب فعميا‪ .‬يحاولوف شراء الحماية ألنفسيـ‪ ،‬لكنيـ ال يعرفوف ماذا يفعمونو‬
‫باألمواؿ التي يممكونيا‪ .‬لكف ىناؾ البعض القميؿ الذيف ىـ أكثر حكمة‪ .‬لكف األكثرية‪ ،‬خصوصاً‬
‫الذيف يقبعوف تحت مستوى القمة بقميؿ‪ ،‬يبدو أنيـ يواجيوف الصعوبة األكبر‪ .‬الذيف يقبعوف عمى قمة‬
‫الثراء يجدونو أمر مربح أف يمنحو شيئاً مما يممكونو‪.‬‬

‫كيؼ يمكننا معالجة الموضوع في ىذا الوقت بالتحديد؟ ىؿ مف الممكف لنا التخمص مف ىذه الوسيمة‬
‫لمتبادؿ والتي نسمييا الماؿ؟ ىؿ سيكوف العالـ أفضؿ إذا عدنا إلى نظاـ التبادؿ بالسمع؟ الجواب‬
‫بسيط جداً‪ ،‬ال نستطيع العودة إلى تمؾ المرحمة في أي حاؿ مف األحواؿ‪ .‬طريقة الحياة التي نألفيا‬
‫تتغير دوف‬
‫في الوقت الحالي ىي مرتبطة جداً بنظاـ الربح المالي بحيث ال يوجد أي طريقة ألف ّ‬

‫‪73‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫حصوؿ تغيير كبير وجذري في أمزجة وتوجيات وقناعات الناس‪ .‬العبلج الوحيد لممسألة المالية‬
‫تتمثؿ بالذكاء‪ .‬ال أقصد بالذكاء ىنا بأنو الميارة والحنكة في التبادؿ التجاري والتعامبلت المالية‪ ،‬بؿ‬
‫الذكاء المتعمؽ بالبصيرة والتفيـ وادراؾ االستخداـ السميـ لما نممكو مف أمواؿ وممتمكات‪ ،‬أي‬
‫استخداميا لمخير األكبر ولمعدد األكثر‪ .‬ىذه الفرضية ليست ظاىرة في الخاطر حالياً‪ ،‬رغـ أننا بدأنا‬
‫نشعر بجدية بمدى بؤس النظاـ االقتصادي الحالي الذي انفمت مف السيطرة واالنضباط‪ .‬ىذا النفبلت‬
‫مف السيطرة الذي حصؿ لعدد مف األسباب‪.‬‬

‫إف أساس االستخداـ وسوء االستخداـ يعود إلى وعي الشخص‪ ،‬والذي لسبب أو آلخر يحوز عمى‬
‫ممتمكات وأرزاؽ في ىذه الدنيا‪ .‬وجب عمى حياتو الداخمية أف تدير عممية استخداـ ما لديو مف‬
‫ألوؿ‪ ،‬أصبحت الفمسفة تمثؿ وسيمة لمتعمـ تتعامؿ بشكؿ رئيسي مع‬ ‫أمبلؾ‪ .‬بالتالي‪ ،‬منذ الزمف ا ّ‬
‫عممية االستخداـ لؤلشياء‪ ،‬أي االستخداـ السميـ لما تممكو‪ .‬ىي تتكمـ عف الطريقة التي تحصؿ مف‬
‫خبلليا عمى ما تممكو وكيفية صرؼ ما تممكو لمنفعتؾ ومنفعة اآلخريف‪ .‬لذلؾ بدأت الفمسفة تخمؽ‬
‫في العقؿ نظاـ منضبط حوؿ طريقة مراكمة الممتمكات واألرزاؽ الدنيوية‪ .‬الشخص الذي يتمتع‬
‫ببصيرة فمسفية سميمة يستطيع تنمية طرؽ مختمفة الستخداـ ما يممكو مف أجؿ تقدمو وكذلؾ مف أجؿ‬
‫متعتو بنفس الوقت‪ ،‬وكذلؾ لخدمة اآلخريف‪ .‬لذلؾ فإف الفمسفة تتعمؽ بعممية التحكـ بكامؿ نظرية‬
‫الماؿ‪ .‬ىذا أحد األسباب التي وجدت الفمسفة مف أجميا‪ .‬الفمسفة في األساس تمثؿ صمة وصؿ بيف‬
‫الديف والعمـ‪ .‬الفمسفة تربط بيف مثاليات الديف مع المبادئ العممية لمعمـ‪ .‬لذلؾ‪ ،‬فإنو عبر الفمسفة‬
‫يمكف رفع العمـ مف مستوى جانبو االستغبللي ويمكف تطبيؽ الديف بشكؿ أسيؿ وأكثر مباشرة عمى‬
‫المسائؿ العامة لمحياة اليومية‪ .‬يمكف اعتبار الفيمسوؼ بأنو الوسيط بيف األطراؼ المتناقضة القصوى‬
‫لمحياة‪ .‬مكانتو في مسألة الماؿ ىي واضحة جداً‪ ،‬أي عميو أف يكوف مدي اًر جيداً لوسائمو المالية‬
‫الخاصة‪ .‬عميو أف يتعمـ كيؼ يستخدـ ما يممكو‪ .‬إذا لـ يستخدمو جيداً فسوؼ يسيء استخدامو‪ .‬إذا‬
‫لـ يجد الطريقة السميمة لصرؼ ما يممكو فسوؼ يقترؼ األخطاء وبالتالي يساىـ في المزيد مف بؤس‬
‫البشرية‪.‬‬

‫نبدأ مف حقيقة بسيطة جداً‪ ،‬وىي أف الثروة تمثؿ حالة دنيوية مادية‪ .‬ليس لدينا أي داللئؿ تشير إلى‬
‫أنو خارج الوجود المادي يوجد أي اعتبار واستيعاب لمفيوـ الثروة‪ .‬ال وجود لمثروة خارج نطاؽ أشياء‬
‫تعتبر بأنيا ذات قيمة مالية‪ .‬في العالـ القديـ كاف الشيء األكثر قيمة مادية ىو الذىب‪ .‬لذلؾ أصبح‬

‫‪74‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫أعمى وسيمة لمتبادؿ التجاري‪ .‬كافة وسائؿ التبادؿ األخرى مثمتيا المعادف المختمفة‪ ،‬لكنيا لـ تضاىي‬
‫الذىب بقيمتيا‪ .‬في كافة أمـ األرض المختمفة تـ استخداـ ىذه المعادف المختمفة وتصنيفيا وأصبحت‬
‫تمثؿ أساس األنظمة المالية الكبرى‪.‬‬

‫لدينا اليوـ مشكمة كبيرة‪ .‬وىذه المشكمة ال تتعمؽ بمسألة العممة النقدية أو أي وسيمة تبادؿ‪ ،‬بؿ تتعمؽ‬
‫بحالة يمكنيا أف تبقى قائمة طالما كاف اإلنساف مستعداً لممخاطرة بكؿ شيء يممكو في لحظة مف‬
‫المحظات ومف ثـ يتعرض لئلفبلس خبلؿ شير‪ .‬إنيا حالة المقامرة المبالغ بيا في الحياة والتي‬
‫سببت المشاكؿ والصعوبات الكبرى التي نعانييا اليوـ‪ .‬أصبح الماؿ اليوـ يمثؿ عبئ ثقيؿ عمينا‪.‬‬
‫بالتالي وجب إخضاع الموضوع إلى البحث الفمسفي أو دراستو وفؽ األدياف الحكيمة لنستكشؼ لماذا‬
‫نحوز عمى الماؿ أصبلً‪ .‬لمذا الفرد‪ ،‬الذي مف الواضح أنو سيؿ اإلغواء‪ُ ،‬منح ىكذا إغواءات أصبلً؟‬
‫لماذا تـ تقديـ لنا الخطأ األكبر؟ ىذا الخطأ الذي مف المتوقع منا أف نفيمو ونقوـ بتصحيحو‪ .‬كيؼ‬
‫يحصؿ أف الكائف البشري الذي حياتو الداخمية ىي غير آمنة عمى األغمب‪ ،‬والذي تكاممو األخبلقي‬
‫جيد‪ ،‬لماذا يتـ تقديـ لو أخطر الظروؼ أو أخطر العوامؿ الموجودة في العالـ‪ ،‬أي‬
‫غير نامي بشكؿ ّ‬
‫الثروة؟‬

‫الثروة في الحقيقة ليست سيئة‪ ،‬لكنيا تمثؿ أساس إطبلؽ العناف لمجشع والطمع في الناس‪ .‬الثروة‬
‫ىي شيء يوقض اإلغواء حتى في الوقت الذي يفشؿ أي عامؿ آخر يثير اإلغواء‪ .‬الثراء يمثؿ شيء‬
‫يجعؿ الفرد مستعداً لبيع روحو مقابؿ الحصوؿ عميو‪ .‬لذلؾ فإف الثراء ىو شيء يصعب جداً مواجيتو‬
‫والتعامؿ معو‪ .‬مرتبط بالثراء أيضاً نجد كافة أنواع التحسينات التي نحتاجيا لتنشيط تكامؿ المجتمع‬
‫وسبلمتو‪ .‬إذا استطعنا عبلج مرض الثراء وحده فنجد أف كافة العمؿ االجتماعية التي نعانييا سوؼ‬
‫تختفي بسرعة‪ .‬قسـ كبير جداً مف الجرائـ يستند عمى الثروة‪ .‬يستند عمى الرغبة في تأميف وسائؿ‬
‫العيش‪ ،‬إف كاف عف طريؽ الخداع أو السرقة أو أي طريقة ممكنة‪ ،‬الميـ ىو تأميف تمؾ الوسائؿ‬
‫المعيشية بأي طريقة ممكنة‪.‬‬

‫لدينا إذاً عامؿ مشترؾ جداً‪ .‬سبب الجريمة والخداع والفقر وكافة أنواع االستغبلؿ واإلساءة لمحياة‬
‫البشرية‪ .‬يمكف لمثراء أف يسيء لمصحة وتدمير اإلجراءات القانونية وافساد كافة المؤسسات التعميمية‬
‫والسياسية والصناعية وغيرىا‪ .‬الثروة ىي سوء االستخداـ األكبر ورغـ ذلؾ فيو يحمؿ في طياتو‬

‫‪75‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫المحير بيف طرفيف‬


‫ّ‬ ‫إمكانية أف يكوف أحد أنشط القوى البناءة‪ .‬لذلؾ نحف موجوديف في ىذا الموقع‬
‫نقيضيف‪ .‬نحاوؿ أف نفيـ كيؼ يمكف في ىذا الزمف وسط العبلقات الدولية‪ ،‬حيث الديوف تتراكـ في‬
‫كؿ مكاف بشكؿ عشوائي غير محسوب‪ ،‬كيؼ يمكننا الخروج مف ىذه الورطة‪ ،‬كيؼ نستطيع إيجاد‬
‫الجواب الشافي ليذه المسألة‪ .‬لكي نجد الجواب عمينا أف نذىب إلى حيث وجب الذىاب وىو الجانب‬
‫الداخمي مف أنفسنا‪ .‬سوؼ لف نجد الجواب عند الخبراء االقتصادييف ألنيـ ال يعرفوف‪ .‬سوؼ لف نجد‬
‫اإلجابة الشافية عبر االنقبلب عمى الحكومات أو تغييرىا‪ .‬سوؼ لف نجدىا مف خبلؿ عقد اتفاقات‬
‫تتغير أو تُمغى باستمرار‪ .‬الطريقة الوحيدة التي‬
‫أو إقامة معاىدات أو أحبلؼ‪ .‬ألف ىذه األمور ّ‬
‫نستطيع مف خبلليا تصحيح الوضع ىي السعي إلى عبلج األنانية المتجذرة عند األفراد‪ .‬وىذه‬
‫األنانية المتجذرة ىي أحد أخطر العمؿ التي عرفيا العالـ أجمع‪ .‬ىذه األنانية ىي المسؤولة عف مئات‬
‫الحروب ومميارات مف حياة البشر‪ .‬األنانية ىي شيء وجب أف يتـ كشؼ عيوبيا منذ زمف بعيد‪ .‬لكف‬
‫مجرد أف عمؽ بيا الفرد سوؼ‬ ‫ألنيا تتش ّكؿ بييئة عادة متكررة‪ ،‬كما الكوكائيف أو الحشيشة‪ ،‬إذ ّ‬
‫يصعب عميو كثي اًر التخمص منيا ويتحرر‪ .‬األنانية ىي شيء يقوـ الفرد تدريجياً ببناء كامؿ حياتو‬
‫حوليا‪ ،‬ويعتمد عمييا كمياً‪ .‬رغـ أنو مف خبلؿ ذلؾ يدرؾ بأنو يتنافس مع المبلييف اآلخريف الذيف ىـ‬
‫أنانييف مثمو‪ .‬وعمى المدى البعيد رأينا أف الفقر ازداد بشكؿ كبير في العالـ بدالً مف انتشار الثروة‪.‬‬
‫والسبب ىو أف الفرد يعجز عف تغيير فكره أو العدوؿ عف رأيو بسيولة‪.‬‬

‫التأمؿ في سبيؿ تحسيف‬


‫لذلؾ نتكمـ عف اإلصبلحات مف نوع أو آخر‪ .‬نتكمـ عف أشخاص يمارسوف ّ‬
‫صحتيـ‪ .‬نتكمـ عف أشخاص يصمّوف لمحيازة عمى فضائؿ الحياة‪ .‬نتكمـ عف أشخاص يجتيدوف‬
‫ويكافحوف إلحراز نوع مف االستقبلؿ عف عشوائية وجودنا اليومي‪ .‬لكف ال نستطيع إيجاد الكثير مف‬
‫الناس الذيف يصمّوف بإصرار بيدؼ التحرر مف عبئ الثروة‪ .‬إنو يمثؿ فعبلً العبئ األثقؿ والذي وجب‬
‫مرة‪:‬‬
‫عمينا تحممو‪ .‬مف أجؿ التخمّص مف عبئ الثروة‪ ،‬عمينا تذ ّكر حكمة الفيمسوؼ سقراط الذي قاؿ ّ‬
‫"‪ ..‬القميؿ مف كؿ شيء‪ ."..‬المشكمة الكبرى في التوزيع االقتصادي ىي تحقيؽ االعتداؿ في التوزيع‪.‬‬
‫إذا لـ يكف ىناؾ سوء استخداـ أو تراكمات ىائمة لمماؿ‪ ،‬وكؿ شيء تـ إدارتو باعتداؿ وعقبلنية‬
‫فسوؼ تصبح الثروة ما ىو مفروض منيا أف تكوف‪ ،‬أي وسيمة مجدية لمتبادؿ التجاري‪ .‬ألصبحت‬
‫وسيمة بحيث كؿ فرد يبادؿ ميارتو مقابؿ ميارات أخرى ال يحوزىا‪ .‬يخمؽ بيديو األشياء التي يريدىا‬
‫والتي قد يرغبيا اآلخروف وكانوا بادلوىا مقابؿ شيء آخر بحوزتيـ‪ .‬كاف عمى كامؿ النظاـ المالي أف‬
‫يتحوؿ أساساً إلى نظاـ تبادؿ‪ .‬بعض األشياء طبعاً ال يمكف تبادليا بسيولة وال بشكؿ مباشر‪ ،‬بالتالي‬
‫ّ‬

‫‪76‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫وجب االحتفاظ بمبالغ معينة مف الماؿ الستخداميا ليذه الحاالت‪ .‬لكف في الوقت النفسو‪ ،‬إذا كاف‬
‫النظاـ بالكامؿ يعتمد عمى التبادؿ بدالً مف الربح المالي سوؼ يكوف لدينا نوع مختمؼ تماماً مف‬
‫العالـ‪ .‬اصبح بالتالي ميـ جداً أف نكتشؼ كيؼ نستخدـ‪ ،‬وليس اساءة استخداـ‪ ،‬المصادر التي‬
‫ُمنحتيا لنا الخبرة‪ .‬يمكننا أيضاً معرفة أنو إذا أزيؿ الضغط عف ىذه األمور التجارية الحالية فسوؼ‬
‫ننجز الكثير لكي نجعؿ األمور أقؿ تعقيداً‪.‬‬

‫ىا نحف اآلف نعمؿ في مجاؿ التسميح‪ .‬مميارات الدوالرات تدخؿ شيرياً إلى صناعات األسمحة‪ .‬لكف‬
‫السؤاؿ ىو‪ :‬ماذا تفعؿ ىذه األسمحة الفتاكة؟ ما الغاية منيا أصبلً؟ األمر بأغمبو عبارة عف طمع‬
‫طاغية في أحد البمداف في الحوزة عمى ثروة بمد آخر‪ .‬كامؿ الحروب تدور حوؿ موضوع الربح‬
‫المالي‪ ،‬أو أي شكؿ آخر مف الكسب‪ ،‬مثؿ المزيد مف األرض الخصبة أو المحاصيؿ الزراعية أو‬
‫الصناعية‪ .‬كؿ مف ىؤالء الطغاة يطمع في السيطرة عمى ثروة البمد األخرى‪ .‬ومف خبلؿ السيطرة‬
‫عمى ىذه الثروة يكوف قد أخضع البمد اآلخر واستعبده‪ .‬ىذا الصراع المستمر عمى الثروة سوؼ‬
‫يستمر دائماً طالما بقيت الثروة تعتبر آلية مجدية الستعباد فريؽ لفريؽ آخر‪ .‬طالما بقي باإلمكاف‬
‫تقييد الفرد وجعمو فقي اًر ومف ثـ استغبللو‪ ،‬سوؼ يكوف األمر صعباً لمتخمص مف ىذه المشاكؿ‪.‬‬

‫عمى الجانب اآلخر‪ ،‬لدينا فكرة المادة المشتركة لمثروة بحيث عمى الجميع أف يحوز عمى نفس‬
‫الكمية‪ .‬لقد تـ تجربة ىذه الفكرة عممياً (في الدوؿ االشتراكية) لكنيا فشمت‪ ،‬وذلؾ لسبب آخر‬
‫مختمؼ‪ .‬السبب ى و أف ىذه الطريقة أدت إلى تدمير كافة الدوافع والمبادرات الفردية‪ .‬الفرد في الحالة‬
‫العادية ال يرغب أبداً في أف يكوف مساوياً لغيره‪ .‬يرغب دائماً أف يكوف أكثر مف غيره ولو بقميؿ‪ .‬أو‬
‫التفوؽ كاف في األساس يعتمد عمى مقياس‬
‫يرغب في أف يكوف متفوقاً عمى المحيطيف بو‪ .‬ىذا ّ‬
‫الميارة والحكمة والبصيرة الروحية والشجاعة وغيرىا مف مواصفات نبيمة‪ .‬لكف في الوقت الحالي‬
‫التفوؽ ُيقاس بالثروة فقط‪ .‬الذي يممؾ أكثر يشعر بأف لديو تفوؽ غريب وخفي عمى اآلخريف‪،‬‬
‫أصبح ّ‬
‫وحتى إف عمـ بذلؾ أـ ال‪ ،‬فيو يتمقى تممؽ واحتراـ الذيف يممكوف القميؿ مف حولو‪ .‬ىذه النظرية‬
‫بكامميا ىي خاطئة‪ .‬لكف لسبب الزاؿ مجيوالً مف قبؿ األغمبية‪ ،‬جئنا إلى ىذا العالـ‪ ،‬وكاف في‬
‫البداية مكاف ممتع وجميؿ‪ ،‬لكف لسبب ما‪ ،‬يبدو أننا جئنا إلى ىذا العالـ ولدينا إمكانيات ضمنية‬
‫لتدميره‪ .‬وىذا أمر يبدو غريباً‪ .‬كيؼ يمكف أف تقوـ األبدية بتجييز المخموؽ بكافة وسائؿ تدميره‬
‫جدي لمفرص‬
‫الكامؿ؟ أو إذا ال نريد استخداـ مصطمح "التدمير الكامؿ" يمكننا القوؿ إضعاؼ ّ‬

‫‪77‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫تقبؿ حقيقة أف مراكمة الممتمكات ىي فكرة خاطئة‬‫واالمتيازات‪ .‬لماذا نأتي إلى ىنا مف دوف إدراؾ أو ّ‬
‫أو حتى وىـ فاسد؟ ما الذي سنراكمو خبلؿ وجودنا ىنا؟ إذا راكمنا الكثير مف الممتمكات المادية‬
‫فسوؼ نصبح ضحايا لمجريمة مثبلً‪.‬‬

‫أشارت الفمسفة البوذية إلى ىذه المسألة بشكؿ واضح جداً‪ .‬وال أعتقد بأف أحد منح ىذه الفكرة التالية‬
‫أي اىتماـ أو تفكير عميؽ‪ .‬كاف بوذا مقتنع جداً بحقيقة أنو طالما كاف الفرد يعتقد بأف الثروة تمثؿ‬
‫القوة واألماف في كافة المجاالت‪ ،‬فيذا يجعمو في مشكمة كبيرة‪ .‬أشار بوذا بوضوح إلى أنو ليس ىناؾ‬
‫مخوؿ فقط لذلؾ الذي ىو ضروري‬ ‫سبلـ وال اكتفاء مف خبلؿ مراكمة الممتمكات الدنيوية‪ .‬الفرد ىو ّ‬
‫مخوؿ تمؾ النعـ ووسائؿ الترؼ البسيطة والتي تجعؿ حياتو أكثر أماناً‪ .‬لديو طباع معتدلة‬
‫لو‪ .‬ىو ّ‬
‫مخوؿ بيا‪ .‬لكف ماوراء ذلؾ نجده طموحاً‪ ،‬وكمما زاد طموحو نجد أف شخص آخر ُحرـ‬
‫متنوعة ىو ّ‬
‫مف سبيؿ لمعيش أو سبب لمرزؽ‪ .‬ىذه المعادلة ثابتة وال يمكف أف تتجمى بأي طريقة أخرى‪ .‬كؿ‬
‫اختراع جديد سوؼ يؤدي حتماً إلى حصوؿ بطالة في مكاف ما‪ .‬بينما ىذه الفرضية الزالت تخضع‬
‫لجداؿ كبير إال أف الحقيقة تبقى قائمة‪ ،‬االختراعات وبعض الميارات األخرى سوؼ تأخذ الكثير مف‬
‫حساب التوظيؼ والعمالة في كافة أنحاء العالـ‪ .‬الزلنا في مرحمة انتقالية حيث سوؼ يبقى لمعمالة‬
‫بعض مف الوقت لتبقى قائمة‪ .‬لكف في النياية سوؼ نصاب جميعاً بالعطالة عف العمؿ بسبب‬
‫تعوض عف العمالة البشرية‪ ،‬وبيذه الطريقة سوؼ نواجو مستقبؿ غامض ومجيوؿ‪.‬‬ ‫االختراعات التي ّ‬
‫جيد إذا حضينا بعطالة عف العمؿ‪ .." ،‬ربما نكوف أكثر سعادة إذا لـ يكف‬
‫قد يقوؿ البعض أنو ألمر ّ‬
‫ىناؾ عمؿ أصبلً‪ .‬ربما عمينا العودة إلى تمؾ األياـ األولى حيث كاف اإلنساف البدائي يقطؼ طعامو‬
‫مف الشجرة مباشرة‪ ."..‬ربما ىكذا وجب أف تكوف األمور‪ .‬لكف إذا راقبنا الموضوع بحذر سوؼ‬
‫نكتشؼ بأف الذي ال يعمموف ليسو سعداء كما الذيف يعمموف‪ .‬نكتشؼ بأف الفرد الذي غير ممتزـ بأي‬
‫معيف يكوف غالباً في حالة بائسة ُيرثى ليا‪.‬‬
‫مسؤولية أو وظيفة أو عمؿ ّ‬

‫الطريقة الوحيدة التي تتمكف مف خبلليا مف التوقؼ عف العمؿ وتستمر في العيش محافظاً عمى‬
‫توجو الطاقة لديؾ‪ .‬بدالً مف الخروج إلى العمؿ يومياً سوؼ يتوفر لديؾ الكثير مف‬
‫بقائؾ ىي تغيير ّ‬
‫الوقت الفراغ‪ ،‬ووجب استخداـ ىذا الوقت الفراغ لمغاية التي ُمنحنا مف أجميا الوقت أصبلً‪ ،‬وىو‬
‫السعي إلى النمو‪ .‬الوقت ىو ليس شيء وجب استنزافو ىباء‪ .‬الوقت ىو ليس شيء يمكف تجاىمو‬
‫واىمالو في أوقات البلمباالة‪ .‬إف ترؾ العمؿ ومف ثـ قضاء كامؿ الوقت في مشاىدة برامج التمفزيوف‬

‫‪78‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ىو عمؿ غير مجدي‪ .‬في الحقيقة‪ ،‬كمما قمّت فترة التزامنا بالعمؿ وجب أف نعوضو مف خبلؿ البحث‬
‫في مصادرنا الباطنية‪.‬‬

‫السبب الذي يجعؿ الطبيعة تنتج تدريجياً وببطء حالة مف الوفرة المعينة ىو أف المخموقات لدييا شيئاً‬
‫لتفعمو بحيث وجب أف يفوؽ مستوى صراعيا لمبقاء أو المحافظة عمى الذات‪ .‬ىذا األمر ينطبؽ‬
‫أيضاً عمى الثروة المعتدلة‪ .‬ألف الثروة توفر لمفرد فرصة لمدراسة واتقاف الفنوف وفعؿ كافة أنواع‬
‫النشاطات المفيدة‪ .‬لكف كمما زاد ثراء الفرد يق ّؿ نشاطو في ىذا التوجو‪ ،‬ألنو لـ يعد مضط اًر إلى القياـ‬
‫بذلؾ‪ .‬لذلؾ فإنو ضرورياً أف ينتج مف استبداؿ العمؿ شيئاً ذو قيمة أو لو أىمية بالنسبة لنمونا‬
‫وتقدمنا الباطني‪ .‬عمى كؿ شخص عاطؿ أو غير مشغوؿ أف يجد شيئاً يعممو بحيث يساىـ في‬
‫تطوير حياتو الداخمية‪ .‬عميو أف ينمو ككائف بشري حقيقي‪ .‬عندما كاف اإلنساف مستعبداً في إحدى‬
‫العصور المظممة وكاف عميو العمؿ سبعة أياـ في األسبوع وأربعة عشر ساعة في اليوـ لكي يتمكف‬
‫مف أكؿ طعامو‪ ،‬كاف لديو في حينيا فرصة قميمة جداً لمتفكير‪ .‬لكف رغـ ذلؾ فإف بعض أجمؿ‬
‫األفكار في العالـ جاءت مف تمؾ الفترة المظممة مف تاريخ اإلنساف‪ .‬لكف متما كاف ىناؾ فرصة‬
‫لرخاءه بحيث أصبح العمؿ أقؿ ضغطاً حيث توفر الكثير مف وقت الفراغ بالمقارنة مع الفترات‬
‫السابقة‪ ،‬حيث صا ر لئلنساف الكثير مف وقت الفراغ ليفعؿ أي شيء يريده‪ ،‬يكوف الوقت قد حاف ألف‬
‫يفعؿ الفرد ما ىو مفروض عميو فعمو‪ .‬ومف خبلؿ فعمو األمر بيذه الطريقة سوؼ يتمكف تدريجياً مف‬
‫التحكـ بالشطط والفساد الذي أثقؿ حياتو‪.‬‬

‫إذا اعتدؿ الشخص في اىتماماتو وأدرؾ حقيقة أف تنمية حياتو الداخمية ىي أكثر أىمية مف تجميع‬
‫ومراكمة كمية ىائمة مف األشياء المادية عديمة النفع‪ ،‬إذا أدرؾ ىذه الحقيقة فسوؼ يخؼ جزء كبير‬
‫مف الضغط عمى االقتصاد العالمي‪ .‬إنو ىذا التيور والمغاالة المستمرة والسباؽ المحموـ لمنيؿ والربح‬
‫ىي التي تبقينا دائماً عمى نار حامية‪ .‬ىذا ىو السبب الذي يجعؿ التاجر غير شريؼ‪ .‬كؿ ىذه‬
‫العوامؿ تقوؿ لنا ببساطة بأف العبلج الشافي لبلعتقاد الخاطئ الذي يزعـ بأف الثراء ىو األماف‬
‫بعينو‪ ،‬ىو أف نكتشؼ تدريجياً بأف األثرياء ىـ مف بيف الكائنات البشرية األقؿ أماناً‪ .‬األماف الحقيقي‬
‫يكمف في انتصار الذات عمى الظروؼ الدنيوية‪ .‬ىذا االنتصار يبرز مف كوف الفرد أصبح راضي ًا‬
‫ومكتفياً بحاجاتو الشخصية فقط‪ ،‬والتي تشمؿ كؿ مجاؿ مف مجاالت وجوده‪ .‬ىذا ال يعني أف عميو‬
‫االستقرار والسكوف ويصبح محاضر مم ّؿ عف موضوع العفة والزىد أو غيرىا مف مواضيع ليا صمة‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫الحقيقة ىي أف أغمب المشاكؿ أو المواضيع التي تولّد فينا السعادة ىي تمؾ التي ليست ذات قيمة‬
‫مادياً‪ ،‬بؿ تـ استغبلليا بطريقة أو بأخرى‪ .‬فمثبلً‪ ،‬إذا رغبنا اليوـ أف نذىب في رحمة إلى موقع بحري‬
‫أو صحراوي قاحؿ أو غابة‪ ،‬عمينا أف ندفع ألحدىـ الماؿ مقابؿ سماحو لنا بالدخوؿ إلى ذلؾ الموقع‬
‫وقضاء بعض الوقت‪ .‬ىذا ال يعني أف البحر أو الصحراء أو الغابة ىي التي تطالب بثمف الدخوؿ‬
‫بؿ ألف أحد األشخاص وجد طريقة لكسب الماؿ بيذه الطريقة‪ .‬ىذا يجعؿ الوضع سيء لدرجة كبيرة‪،‬‬
‫ألنو يساىـ في تدمير القيـ الحقيقية لمحياة‪ .‬في القرف الماضي وحده‪ ،‬تـ استغبلؿ كؿ مجاؿ ثقافي أو‬
‫ترفييي بيذه الطريقة‪ ،‬فقط مف أجؿ الكسب المالي‪ .‬كؿ نشاط يمكف لمفرد القياـ بو مف أجؿ جعمو‬
‫شخص أفضؿ‪ ،‬شخص واعي ومتف ّكر‪ ،‬إما تـ إلغائو كمياً مف الوجود أو تـ إخضاعو لمنظومة ربح‬
‫مالي‪ ،‬فتحولت كؿ مف ىذه الفرص المجانية إلى عبئ مالي ثقيؿ‪.‬‬

‫سقطت المسارح في شباؾ المنظومة االقتصادية التي تستيدؼ الربح فقط وليس التثقيؼ والتنمية‬
‫الفكرية‪ .‬المكتبات أنحت جانباً الكتب الثقافية العظيمة‪ ،‬ألنيا غير مربحة مادياً وليس عمييا طمب‪،‬‬
‫وراحت تعرض الكتب التي ليس ليا أي عبلقة بتطوير الشخصية اإلنسانية المثالية‪ .‬حتى المدارس‬
‫لـ تعد تعمـ الحقائؽ الصحيحة‪ .‬المؤسسات الدينية (في كافة األدياف) أصبحت تيتـ في بناء أماكف‬
‫عبادة ضخمة وعديدة ولـ يعد لدييا الوقت الكافي لتصحيح اإلنساف وارشاده بشكؿ صحيح أو‬
‫الكشؼ لو عف مكامف الخطأ في حياتو الشخصية‪ .‬إذا كشؼ الموظؼ لسيد العمؿ عف رأيو الحقيقي‬
‫بو فسوؼ يفقد عممو‪ .‬عمى الجميع أف يمعبوا لعبة الخداع ىذه لكي تسير االمور بشكؿ جيد ورتيب‪.‬‬
‫إنيا نوع مف النفاؽ الذي يستيدؼ المحافظة عمى الوضع الراىف ميما كاف لئيـ وبشع‪ .‬وجب عمى‬
‫كؿ ىذا أف يتوقؼ ويزوؿ‪ .‬ىو يزوؿ في بعض األماكف مف ىذه المنظومة العصرية‪ .‬بعض البمداف‬
‫لـ تدخؿ بعد في ىذه الدوامة العصرية المنافقة‪ .‬رغـ أنيا قميمة جداً لكنيا محظوظة بالفعؿ‪ .‬نأمؿ أف‬
‫ال تنجرؼ مع التيار وتدخؿ في ىذه الدوامة التي ابتمعت كافة األمـ عمى وجو األرض‪.‬‬

‫القوى العالمية تواجو اليوـ مسؤوليات وأعباء تعتبر األثقؿ عبر التاريخ البشري‪ .‬ىذه المسؤوليات‬
‫مكرسة لتحقيؽ غايات‬
‫الكبيرة ىي نتيجة قروف طويمة مف التفكير الخاطء‪ .‬قروف طويمة كانت ّ‬
‫خاطئة‪ .‬آالؼ مف السنيف الماضية تـ فييا السماح بسيادة الطغياف والتسمّط‪ ،‬والسيطرة عمى عبلقة‬
‫البشرية فيما بينيا‪ .‬وجب فعؿ شيء حياؿ ىذه األمور‪ .‬وبالنسبة لمشخص العادي ال يوجد سوى‬
‫طريقة واحدة فقط‪ ،‬وىو أف يقوـ بيذه الميمة بنفسو‪ .‬لتفترض أنؾ حاولت أف تصيغ لنفسؾ نمط جيد‬

‫‪83‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫لمحياة‪ ،‬ىؿ سوؼ تدخؿ في ىذا النمط الجديد كامؿ أصدقائؾ؟ ىؿ ستكوف أنت مف لف يدعمونو؟‬
‫ىؿ ستكوف الشخص الذي عميو أف يتنازؿ مف موقع مزدىر إلى موقع أدنى مستوى وربما ينتيي بؾ‬
‫األمر في القاع؟ ال طبعاً‪ ،‬ألنو ليس ىكذا ىي النية مف البداية‪ .‬الحياة الداخمية لمفرد ىي ممكاً‬
‫حصرياً لو‪ .‬يستطيع فعؿ ما يشاء بيا‪ .‬إذا أراد أف يكوف شريفاً فيستطيع ذلؾ‪ .‬ولحسف الحظ‪ ،‬في‬
‫معظـ الحاالت‪ ،‬فإف قدر معقوؿ مف التكامؿ األخبلقي محبب ومقبوؿ مف قبؿ الجميع‪ .‬الفرد الذي ال‬
‫يكوف مربوطاً ببرنامج مالي متقف ومدروس سيكوف لديو فرصة أكبر ألف يكوف صادقاً‪ ،‬ألنو لف‬
‫يخاؼ مف فقداف شيء لـ يممكو أبداً‪ .‬لكف إذا بنى لنفسو منظومة مالية كبيرة ثـ يحاوؿ أف يكوف‬
‫مصمحاً فسوؼ يواجو فقداف كؿ ما بناه‪.‬‬

‫سأؿ أحدىـ يوماً‪ ،‬ما ىي قيمة اإلنساف إذا خسر كؿ شيء يممكو؟ الجواب ىو بسيط‪ :‬ربما أكثر مما‬
‫كاف عميو سابقاً‪ .‬ألنو بعد فقدانو األمواؿ تعمـ درساً كبي اًر‪ ،‬ومف ىنا جاءت المكافأة‪ .‬اإلنساف يكوف‬
‫أفضؿ بكثير إذا فقد ما يممكو‪ ،‬بدالً مف إفساد وتشويو ما ىو عميو خبلؿ حوزتو عمى ما يممكو‪ .‬نحف‬
‫نعيش في عالـ مف المساومة واإلفساد وما يجمب ذلؾ معو مف جرائـ وكافة أنواع اإلرىاب وغيرىا‬
‫مف شرور تخطر في الباؿ‪ .‬وجميعيا تمثؿ صرح كبير يمثؿ دليؿ عمى توجو خاطئ في الحياة‪ .‬حتى‬
‫اليوـ‪ ،‬إذا بدأت تتكمـ بجدية عف الديف فسوؼ تواجو آراء منقسمة جداً حوؿ ىذا الموضوع‪ .‬معظـ‬
‫الناس ال يميموف أبداً إلى منح الديف ما يستحقو مف قيمة واىتماـ‪ .‬ذلؾ ألف معظـ‪ ،‬أو كؿ‪،‬‬
‫المؤسسات الدينية لـ تستعرض بعد أي أمثمة مناسبة لبث الثقة واالطمئناف في قموب أتباعيا‪ .‬في‬
‫الحقيقة‪ ،‬فإف المشكمة الحقيقية تكمف في أنو عمينا االجتياد إلدراؾ واقعية عمؿ القانوف الكوني‪ .‬عمينا‬
‫أف ندرؾ بأنو با لرغـ مما نفكر بو أو نعتقده أو نريد معرفتو‪ ،‬فإننا وسط كوف تكوف القيـ فيو غير‬
‫موضوعة مف قبؿ اإلنساف‪ .‬والنجاح ليس مقاساً وفؽ صيغة األمبلؾ المادية‪ .‬ليس ىناؾ أي قيمة‬
‫لكـ مف األمواؿ يممكيا الفرد‪ ،‬حيث إذا مرض الرجؿ الثري فسوؼ تكوف حالتو مزرية كما حالة‬
‫الفقير المريض‪ .‬واذا ترؾ الغني ثروتو خمفو عند موتو فإنو بذلؾ يجمب المشاكؿ والمسؤوليات‬
‫والفقداف لورثتو مف بعده‪.‬‬

‫بالتالي فعمى بداية عممية التصحيح أف تكوف السعي إلى إدراؾ القيمة داخؿ أنفسنا وليس في الخارج‪.‬‬
‫عمينا أف نكوف مكتفيف وراضيف بوضع اقتصادي معقوؿ‪ .‬إذا كاف لدينا عمؿ أو وظيفة جيدة‪ ،‬تنتج‬
‫لنا دخؿ كافي بحيث نعيش باكتفاء وىناء‪ ،‬ويمكف لممدخوؿ أف يسمح لنا التمتع بالرخاء المقبوؿ‬

‫‪81‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫تصور‬
‫ّ‬ ‫والمنطقي‪ ،‬حينيا سوؼ نعتبر أنفسنا أكثر الناس نجاحاً في العالـ‪ .‬لكف عندما ال نطيؽ‬
‫أنفسنا محروميف مف يخت أو سيارة فاخرة فيمكف حينيا اعتبار أنفسنا فاشميف منذ البداية‪ .‬ألنو ميما‬
‫حصؿ‪ ،‬فإف الشيوات الداخمية لدينا قد أفسدت‪ .‬الفرد الذي ينظر إلى األمور مف الزاوية الصحيحة‬
‫سوؼ يعجز عف االكتفاء والرضى إال إذا بدأ بالنمو الداخمي‪ .‬يعرؼ بأف عميو إيجاد تقدمو مف خبلؿ‬
‫إنجاز القيـ األكبر في حياتو‪ .‬الشخص الذي يريد فعبلً أف ينمو يبحث عف عمؽ نظر أفضؿ‪ ،‬بينما‬
‫الشخص الذي ال يأبو بالنمو سوؼ يبحث عف المزيد مف الكسب المادي واالرتقاء الدنيوي‪.‬‬

‫األمبلؾ الدنيوية لدييا مشكمة أخرى مربوطة بيا‪ .‬الشخص العادي ليس مجيّز جيداً الستبصار‬
‫مستقبمو المتجاوز لحياتو الحالية‪ .‬نحف لسنا واثقيف جداً باألمر‪ ،‬وكؿ منا لديو قناعاتو المختمفة‬
‫بخصوص الموضوع‪ .‬بعضيا قد يكوف صحيحاً لكف أي منيا ىو كذلؾ؟ ليس مف الضروري أف‬
‫الجميع لدييـ المعتقدات الصحيحة‪ .‬عندما يموت الرجؿ الثري سوؼ يواجو مشكمة ما‪ .‬قيؿ في أحد‬
‫الكتب المقدسة بأف دخوؿ الرجؿ الثري إلى الجنة يكوف أكثر صعوبة مف إمكانية مروره عبر ثقب‬
‫اإلبرة‪ .‬ىذه إحدى األفكار التي تجعمنا نستنتج بأف الثراء قد يمثؿ أكبر ضرر خبلؿ الحياة بعد‬
‫الموت‪ .‬األمر ذاتو نجده في األساطير القديمة‪ ،‬حيث في الحياة ما بعد الموت كانت المكافئة تُمنح‬
‫لمذيف عاشوا حياة صالحة وليس لمذيف كاف لدييـ ممتمكات أكثر‪ .‬ليس ىناؾ أي مرجع يشير إلى‬
‫وجود شخص اشترى خبلصو بمالو في الحياة األخرى‪ .‬قد يكوف الرجؿ الثري تبرع ببناء كاتدرائية أو‬
‫جامع عمى حسابو الخاص‪ ،‬في الوقت الذي تكوف فيو حياتو اليومية منحرفة وفاسدة‪ ،‬فيو بذلؾ لـ‬
‫يشتري الخبلص بمالو الخاص‪ ،‬بؿ كؿ ما فعمو ىو شراء رضى المحيطيف بو‪.‬‬

‫المشكمة الفعمية بالتالي ىي‪ :‬ما ىو المدى الفعمي لموجود البشري؟ لنفترض بأننا كائنات أبدية‪،‬‬
‫ول نفترض بأنو في إحدى الحيوات السابقة اقترفنا الكثير مف األخطاء‪ ،‬حيث قمنا بخداع الناس‬
‫وأذيناىـ بأكثر مف طريقة‪ ،‬كما قمنا بالكثير مف األمور الفاسدة األخرى‪ ،‬ثـ اكتسبنا بعدىا ثروة كبيرة‬
‫وتركناىا في النياية كميراث ألوالدنا‪ ،‬ما ىو تقييـ ىذا األمر وفؽ منظور التكامؿ الروحي لئلنساف؟‬
‫أيف ىو ذاىب بعد موتو؟ الجواب ىو بسيط‪ :‬ىو ذاىب إلى مكاف ليس فيو أي قيمة لممتمكات التي‬
‫اقترؼ الكثير مف الخطايا في سبيؿ كسبيا وجمعيا‪ .‬ىو ذاىب إلى مكاف ال وجود فيو لمثراء والماؿ‪.‬‬
‫ىو ذاىب إلى مكاف محكوـ حص اًر بالتكامؿ األخبلقي‪ .‬لكف سوؼ يبدو بأف ىذا ليس المكاف‬
‫المناسب لشخص مغضوب عميو ويناؿ العقاب عمى افعالو بعد الموت‪ .‬لكف ميما كاف األمر‪ ،‬فبل‬

‫‪82‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫بد مف أف يكوف مكاف مخصص إلكماؿ األعماؿ غير المنتيية أو غير المكممة بعد‪ ،‬حيث الفرد‬
‫الذي لـ يواجو سابقاً تحدي كمالو األخبلقي سوؼ ُيمنح بالتالي اختبار إضافي بخصوص ىذا‬
‫الموضوع‪ .‬ومف الممكف األخذ بوجية النظر البوذية والتي تتحدث عف الكثير مف أولئؾ الذيف يأتوف‬
‫إلى العالـ ويواجيوف كافة أنواع المآسي االقتصادية والمالية ىـ ببساطة يدفعوف ديوف متراكمة عمييـ‬
‫وتعود لحياة سابقة قاموا خبلليا بأفعاؿ تستحؽ ىذا المصير‪.‬‬

‫بالتالي إذا أردنا أف نكوف مواطنيف منتميف لمعالـ األكبر‪ ،‬إذا أردنا أف نكوف جزءاً مف برنامج كوني‬
‫عظيـ مف التكامؿ األخبلقي‪ ،‬أفضؿ طريقة لفعؿ ذلؾ ىي البدء مف اآلف‪ .‬إذا كؿ فرد حصؿ عمى‬
‫ما يكفيو لكي يكوف ىادئ وبسيط وصالح‪ ،‬بينما الذيف لدييـ أكثر يسعوف بمشاركة المزيد الذي لدييـ‬
‫مع اآلخريف لكف وفؽ طريقة معقولة وممكنة‪ ،‬والجميع يوجو اىتمامو إلى تنمية النفس واالرتقاء‬
‫الروحي‪ ،‬ربما نحظى في النياية بعالـ بحيث يعود فيو الرمز المالي إلى مكانتو الصحيحة والسميمة‪.‬‬
‫ال يبدو أنو ضروري لكي نصنع مف المنظومة المالية وحش خطير كما ىي عميو اليوـ‪ .‬ال يبدو أنو‬
‫ضروري أف نأتي بأشخاص عديمي القيمة والنفع ثـ نعطييـ ثروات مالية ىائمة‪ .‬ليس منطقياً أف‬
‫يعمؿ الفرد في ىذا العالـ فقط مف أجؿ الماؿ‪ .‬ليس منطقياً أف نرى شخص يقبض راتب سنوي يبمغ‬
‫مميوف دوالر ثـ نراه مستاء ألف مشغميو لـ يعطوه مميوف آخر كترقية عمى جيوده‪ ،‬مع أنو ال ينتج‬
‫شيء وال يفيد عممو بشيء‪ .‬دائماً نرى أف الثروة المالية الكبرى تذىب إلى أيادي أشخاص غير‬
‫موىوبيف بقدرات مميزة وال معمؽ عمييـ آماؿ كبيرة‪ .‬كؿ ىذا يمثؿ جزء مف منظومة خيالية‪ ،‬جزء مف‬
‫وىـ كبير فحواه االستغبلؿ المادي‪ .‬لذلؾ نحف نتقدـ تدريجي ًا في ىذا السبيؿ حتى نصؿ إلى وقت لـ‬
‫يعد ىناؾ أمواؿ لدفع رواتب ألي أحد‪ .‬ىذا كمو خاطئ وال يبدو ضرورياً‪ .‬مف المفروض أف‬
‫حضارتنا العصرية نشأت لتصحيح أخطاء وانحرافات وخطايا الماضي‪ .‬لكف تبيف أننا بالرغـ مف‬
‫عيشنا اليوـ بطريقة أكثر رخاء مف الماضي لكف اإلنساف في الماضي رغـ حياتو البائسة كاف أكثر‬
‫شرفاً ونببلً وصدؽ‪.‬‬

‫ىا نحف اآلف نسيء معاممة العالـ بأسره‪ ،‬بما فيو مف طبيعة وبيئة ومخموقات‪ .‬لكف ىناؾ جانب آخر‬
‫ليذه المسألة والتي لـ ننتبو لو‪ .‬بدأنا ندرؾ تدريجياً بأنو في ىذا العالـ تكوف األخطاء مستحيمة البقاء‬
‫واالستمرار‪ .‬بدأنا يوـ بعد يوـ وفي كافة المجاالت نكتشؼ أكثر عواقب األخطاء التي نقترفيا‪ .‬بدأنا‬
‫ندرؾ تدريجياً بأننا ندمر األماف الذي نكافح أصبلً إلى صيانتو‪ .‬وأنو خبلؿ عممية االستغبلؿ المطمؽ‬

‫‪83‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫لبعضنا البعض فإننا نفقد الحؽ اإلليي باألماف واالرتقاء‪ ،‬وأنو ىناؾ في مكاف ما يوجد قوة قادرة‬
‫عمى معاقبة ىذا الوضع عند الضرورة‪ ،‬وسوؼ تفعؿ ذلؾ حتماً‪ .‬تمؾ القوة قامت بتدمير الحضارات‬
‫السابقة‪ ،‬الواحدة تمو األخرى‪ ،‬كعقوبة عمى انحرافيا وفسادىا‪ .‬إذا لـ ني ّذب سموكنا بشكؿ أفضؿ‪ ،‬أق ّؿ‬
‫ما سنواجيو ىو انييار نظامنا االقتصادي‪ .‬لكف ليس ضرورياً أف ينيار‪ ،‬بؿ ما ىو ضروري ىو‬
‫إعادة تشكيمو وصياغتو بطريقة أكثر عقبلنية‪ ،‬بحيث تعود الغاية منو إلى ما كاف متوقعاً منيا في‬
‫البداية‪ .‬أي تعود لتكوف الوسيمة التي تمكف الكائف البشري عبرىا مف التمتع بالنمو والتقدـ وحسف‬
‫التعميـ وحسف الصحة وكؿ شيء آخر نحتاجو في عيشنا وىذا بالضبط ما توفره الطبيعة بوفرة‪.‬‬

‫مف الصعب جداً احتراـ الكبلـ السابؽ باالعتماد عمى طريقة تفكيرنا الحالية‪ .‬نحف حالياً مشغوليف‬
‫بالتفكير بكؿ ىذا االستغبلؿ الحاصؿ اليوـ‪ .‬ىو يأتينا بييئة الجريمة األخبلقية أو الجريمة الدموية أو‬
‫اإلرىاب عمى أنواعو أو المخدرات وكافة تمؾ األشياء الشريرة‪ .‬اإلرىابي يكوف دائماً مأجور أو مرتزؽ‬
‫يمثؿ وسيمة لتحقيؽ غايات سياسية‪ ،‬بينما تجارة المخدرات تمثؿ مجاؿ تجاري مربح جداً‪ .‬العصابات‬
‫والمافيات في كؿ مكاف ويعشعشوف في كؿ مجاؿ‪ ،‬يسرقوف الثروة ويستنزفونيا‪ .‬كؿ شيء يسعى وراء‬
‫الثروة‪ .‬وخبلؿ السعي إلى حيازتيا تنشب الحروب تمو الحروب بحيث يموت األبرياء أو يعانوف‬
‫بالمبلييف‪ .‬عمينا بالتالي السيطرة عمى ىذا الوضع المزري‪ .‬وذلؾ مف خبلؿ اإلدراؾ الكامؿ بأف نظاـ‬
‫ضيؽ مف الربح‪ .‬لف يسمح لنا بفعؿ‬‫الربح كما نعرفو اآلف ال يمكنو العمؿ بشكؿ بناء إال وفؽ ىامش ّ‬
‫تمؾ األشياء الغير عقبلنية والغير قابمة لبلستيعاب‪ .‬لف تجعمو عممياً بالنسبة لنا اإلستمرار في‬
‫تضخيـ القيمة المالية وتقزيـ التكامؿ األخبلقي‪ .‬لدينا إذاً ىذه المسألة لمعمؿ عمييا‪ .‬عمينا التسميـ بأف‬
‫الثروة المالية تمثؿ المصدر الرئيسي لمعظـ الشرور‪ .‬لكف إذا تـ استخدامو بشكؿ سميـ يمكنو أف‬
‫يكوف وسيمة تبادؿ بحيث يمكننا مف خبللو ربط العالـ بأسره مع بعضو البعض وتشكيؿ مجموعة‬
‫موحدة‪ .‬نستطيع مشاركة كافة بضاعتنا عف طريؽ الرموز‪ ،‬أي الماؿ‪ .‬يمكننا الربح مف أحدىـ‬
‫دولية ّ‬
‫ونعطي اآلخر‪ ،‬مف دوف حمؿ كامؿ الشحنة معنا‪ .‬نستطيع إيجاد طرؽ مختمفة لتحسيف الحياة‪،‬‬
‫يمكننا تعزيز المجاؿ التعميمي‪ ،‬يمكننا تعميؽ الديف أكثر‪ ،‬كؿ ذلؾ ممكف مف خبلؿ االستخداـ السميـ‬
‫لممصادر التي نحوزىا‪ .‬لكف طالما بقيت ىذه المصادر مكرسة بشكؿ كبير الستدامة اإلفراط‬
‫والمبالغة وعدـ االعتداؿ وكذلؾ الغباء الفعمي‪ ،‬سوؼ لف يكوف حينيا سيبلً إنشاء عالـ سعيد‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫أعتقد بأنو لو بدأنا التفكير بيذه األمور قميبلً‪ .‬أي عندما نخرج لنشتري‪ ،‬عمينا التوقؼ ونفكر لمحظة‬
‫بالقيـ المتعمقة في الموضوع‪ .‬أي وجب أف ال نخرج مف أجؿ صرؼ الماؿ ىكذا ببساطة‪ .‬أي إذا‬
‫مسعرة بشكؿ مرتفع كؿ ما عمينا فعمو ىو عدـ شراءىا‪ .‬إذا دعينا لشراء شيء ضار‬
‫رأينا أف األشياء ّ‬
‫أو مسيء لمخير العاـ‪ ،‬عمينا ببساطة أف ال نشتريو‪ .‬عندما يتـ رفع األسعار بشكؿ خاطئ‪ ،‬كؿ ما‬
‫عمينا فعمو ىو عدـ الشراء بيذه األسعار المرتفعة‪ .‬خبلؿ وقت قصير سوؼ ينجح ىذا التعامؿ الذكي‬
‫مع األسواؽ بالخروج بنتائج مذىمة‪ .‬ليس ىناؾ أي شؾ في أنو حتى الوسط الترفييي في ىذا العالـ‬
‫سوؼ يخضع لمتغيير الكامؿ‪ ،‬ىذا إذا طمب الفرد ذلؾ‪ .‬يمكننا الحصوؿ عمى أي ترفيو نريده‪ ،‬وذلؾ‬
‫مف خبلؿ رفض النوع الخاطئ مف الترفيو‪ .‬يمكننا الحصوؿ عمى المنيج التعميمي الذي نريده‪ ،‬إذا‬
‫قررنا عدـ إرساؿ أطفالنا إلى المدارس غير المجدية‪ .‬يمكننا الحصوؿ عمى نوعية الوظائؼ التي‬
‫نريدىا‪ ،‬ىذا إذا آمنا بتوظيؼ الناس عمى أسس منطقية والمرابح يتـ توزيعيا بالتساوي بيف األشخاص‬
‫الذيف يستحقونيا‪ .‬كؿ ىذه األمور يمكف فعميا‪ ،‬لكف وجب أوالً أف يتـ المطالبة بيا‪.‬‬

‫القرار الكبير يتـ أحياناً عمى الشكؿ التالي‪ :‬ىؿ أريد فعبلً مف العالـ أف يكبر وينمو؟ أو عمي شراء‬
‫ىذه الفيبل الجميمة في األسبوع القادـ والتي ثمنيا ثبلث مئة وخمسيف ألؼ دوالر؟ مع أنؾ لو وقفت‬
‫عمى نفس قطعة األرض التي بنيت عمييا الفيبل قبؿ ثبلثيف سنة لكنت اشتريتيا بمبمغ ال يزيد عف‬
‫التضخـ اليائؿ في األسعار يمثؿ مشكمة حقيقية‪ .‬السيارات الفخمة التي ثمنيا‬
‫ّ‬ ‫خمسيف دوالر‪ .‬كؿ ىذا‬
‫خمسيف أو مئة ألؼ دوالر ىي نادرة اليوـ لدرحة أنو عميؾ طمبيا قبؿ شير لكي تحجز واحدة لؾ‪.‬‬
‫كؿ ىذه األعماؿ ىي غبية وتنتمي لنوع مف الثراء المغ ّفؿ الذي يتجو حتماً إلى اإلفبلس‪ .‬وىو‬
‫يستحؽ ىذا المصير بالفعؿ‪ .‬لكف عمى الجانب اآلخر‪ ،‬إذا حصمنا عمى ما نريده وما نحتاجو وكنا‬
‫مبتيجيف بذلؾ‪ ،‬ونستخدـ ضبط النفس بشكؿ منطقي وعقبلني‪ ،‬سوؼ نكتشؼ خبلؿ وقت قصير بأف‬
‫أموالنا سوؼ تزيد بشكؿ معتدؿ‪ ،‬وسوؼ نتمكف مف التمتع بالرخاء المعقوؿ الذي يستحقو األنساف‬
‫العادي‪ .‬ليس ىناؾ سبب يجعؿ السعادة تعتمد كمياً عمى تناوؿ المشروبات الكحولية‪ .‬ليس ىناؾ‬
‫سبب يجعمنا عاجزيف عف العيش دوف القياـ برحمة مبذرة تستنزؼ أموالنا بشكؿ كبير‪ .‬ىذه األمور‬
‫ىي سخيفة بكؿ بساطة‪ .‬لكف الناس ال يصدقوف مدى سخافة األمر‪.‬‬

‫نحف نعيش في رحاب كوف فحواه األخبلؽ‪ .‬نحف نعيش في نوع مف العالـ الذي يستحيؿ أف يدوـ فيو‬
‫الغباء‪ .‬وجب أف نعتمد عمى التكامؿ األخبلقي‪ .‬ال يوجد أحد ىناؾ في مكاف ما يحمؿ عصى‬

‫‪85‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ويأمرنا بأف ال نفعؿ الخطايا‪ .‬زوايا عالمنا ليست محتمة مف قبؿ حراس مدججيف بالسبلح‪ ،‬وال أف‬
‫شوارع المدف يجوبيا المبلئكة والشياطيف‪ ،‬لكف الحقيقة ىي أف القوانيف الفعمية التي تحمي مجرى‬
‫األمور ىي راسخة وصمبة وثابتة‪ .‬يكوف األمر دائما وفؽ المعادلة المشيورة‪ .." :‬سوؼ تحصد ما‬
‫زرعتو‪ ."..‬وكذلؾ المعادلة التالية‪ .." :‬كؿ فعؿ لو رد فعؿ‪ ..‬وكؿ سبب لو نتيجة متساوية معو‪."..‬‬
‫اإلسراؼ والتبذير يجمباف معيما دائماً الفقر والعوز‪ .‬الحرب تجمب معيا دائماً البؤس والمأساة‪ .‬كؿ‬
‫ىذه المسببات ونتائجيا ثابتة‪ .‬لـ يستثنى أحد مف ىذه المعادالت بعد‪ .‬ومف المؤ ّكد أنو لف يحصؿ‬
‫أي استثناء أبداً‪ .‬الطريقة الوحيد التي يمكنؾ تجنب ىذه الدورات الثابتة ىي النمو فوقيا‪ .‬والطريقة‬
‫الوحيدة لمنمو فوقيا ىي العيش أعمى منيا‪ .‬الفرد الذي يرتقي فوؽ سموؾ معيف يذكرنا بالتعريؼ الذي‬
‫وضعو الفيمسوؼ الصيني "كونفوشيوس" عف الرجؿ السامي‪ .‬قاؿ بأف الرجؿ السامي ىو الذي يرتقي‬
‫فوؽ الفعؿ الوضيع‪ .‬الرجؿ السامي لف يساوـ عمى ىذا العمؿ ميما كانت الظروؼ‪ .‬ىو قد يعاني إذا‬
‫متحضر وأكثر تنظيماً‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اضطر األمر‪ ،‬وذلؾ في سبيؿ دفاعو عف حقوؽ اآلخريف والعيش في وجود‬
‫ّ‬

‫عمينا إذاً التفكير بمسألة الماؿ ىذه ألنيا تمثؿ أمر غاوي‪ .‬الماؿ يمثؿ الرمز الرائع‪ ،‬النزوة األعظـ‪،‬‬
‫الوىـ المذىؿ الذي نحف جميعاً مسحوريف بو وتـ إغوائنا بحيث نكوف مستعديف لتدمير كؿ شيء ميـ‬
‫مف أجمو‪ .‬إنو ىذا الوىـ الذي يفسد أوالدنا‪ .‬إنو ىذا الوىـ الذي يجذب االنتقاد إلى األنظمة في كافة‬
‫أنحاء العالـ‪ .‬يمكف اختصار كامؿ المشكمة في فكرة واحدة‪ ،‬وىي أنو لسبب ما مجيوؿ‪ ،‬اجتمع سبعة‬
‫مميارات مف البشر لكي يقترفوا نفس األخطاء ويقعوا بنفس اليفوات ويعانوا مف نفس المآسي‬
‫واألحزاف‪ .‬كؿ ىذا دوف أي سبب مجدي يستحؽ العناء‪ .‬الوحيدوف الذيف ىـ متحرروف مف ىذا كمو‬
‫ويمكننا إيجاد بعض مف السعادة متبقية لدييـ ىـ السكاف البدائييف القابعوف في المناطؽ النائية مثؿ‬
‫الجزر والغابات‪ .‬ىـ لـ يعمقوا في ىذا النظاـ المالي المتوحش بعد‪ ،‬لكنيـ في النياية ال بد مف أف‬
‫يعمقوا بعد أف تجذبيـ إغراءاتو واغواءاتو الساحرة‪ .‬حينيا سوؼ يحتفؿ أفراد المنظمات اإلنسانية‬
‫المختمفة بأننا قضينا عمى األمية والتخمؼ في كافة أنحاء العالـ! ىذا التحرر مف األمية الذي لـ‬
‫المزور‪ .‬كؿ الناس‬
‫ّ‬ ‫يساىـ أبداً في زيادة الوعي والذكاء الحقيقي‪ .‬قريباً سوؼ نجد انتشار واسع لمتقدـ‬
‫سوؼ يتكمموف عف أحواض االستحماـ (البانيو) في منازليـ‪ .‬سوؼ يتكمموف عف وسائؿ التدفئة‬
‫الحديثة التي تعمؿ عمى الوقود‪ .‬يا لو مف عالـ سطحي وسخيؼ‪ .‬رغـ كؿ ىذه البيرجة المبالغة حوؿ‬
‫التطور المزور لئلنساف‪ ،‬المشكمة الكبرى سوؼ تبقى قائمة‪ ،‬عمى ىذا العالـ أف يتعمـ كيؼ يعيش‬
‫ّ‬
‫بشكؿ صائب وسميـ‪ .‬عميو أف يتعمـ كيؼ يحافظ عمى السبلـ‪ .‬عميو أف يتعمـ كيؼ يتجنب كؿ تمؾ‬

‫‪86‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫اإلغراءات واإلغواءات التي تقود في النياية إلى الطغياف واإلرىاب‪ .‬كؿ مف ىذه اإلغراءات مدعوـ‬
‫مف قبؿ المفيوـ المالي‪ .‬مدعوـ بمفيوـ الثروة‪ .‬كيؼ تحصؿ عمييا وتحتفظ بيا أو تيبشيا مف‬
‫شخص آخر‪ .‬ىذا النوع مف األمور لف ينتج منو أي سبلـ وال أماف لمناس وال يساعد أطفالنا عمى‬
‫النمو ليصبحوا أشخاص شرفاء‪ ،‬لف يخمصنا مف اإلدماف أو الجريمة‪ .‬كؿ ىذه األمور السابقة ىي‬
‫مرتبطة اليوـ وبشكؿ مباشر بسعي أحدىـ إلحراز الربح المالي‪ .‬وذلؾ الشخص يمجأ إلى وسائؿ‬
‫فاسدة خبلؿ سعيو لكسب الماؿ‪ ،‬وذلؾ لزيادة ثروتو أو ثروة مجموعتو‪.‬‬

‫ليس ىناؾ فائدة مف الخروج والصراع حوؿ األمر‪ ،‬ألنؾ ال تستطيع محاربة األغمبية بنجاح‪ .‬لكف‬
‫أنت لست مضطر إلى االلتحاؽ بيـ‪ .‬تستطيع أف تفعؿ ما تؤمف بأنو األفضؿ لؾ‪ ،‬وتكتفي بما ىو‬
‫متوفر لؾ إذا كنت شخص شريؼ ونواياؾ حسنة‪ .‬إذا كنا نؤمف باإللو األعمى يمكننا أف نسأؿ منو‬
‫التأمؿ لنيؿ الشجاعة والقوة لكي نستطيع العيش بطريقة صائبة وسميمة‪ .‬يمكننا‬ ‫عبر الصبلة أو ّ‬
‫االستجداء لمقوة األبدية أف تمنحنا القوة لكي نحافظ عمى بقاءنا ونحف ممثميف لذاتنا الحقيقية‪ .‬واذا‬
‫فعمنا ذلؾ‪ ،‬ىذه القوة األبدية سوؼ تتجمى بداخؿ أنفسنا‪ ،‬وعندما ننادي أفضؿ جانب مف أنفسنا‬
‫فسوؼ يمبي النداء‪ .‬لكف عندما ننادي ما بداخمنا فقط لكي يرشدنا كيؼ نكسب الماؿ بسرعة ويسر‪،‬‬
‫فسوؼ تأتي االستجابة بشكؿ أخطر بكثير مف الطمب‪.‬‬

‫كامؿ العممية تبدأ مف خبلؿ محاولة توجيو مفاىيمنا حوؿ ما يمكف أف يشممو الكوف‪ .‬ماذا يعني أف‬
‫تكوف منظومة شمسية‪ .‬أو ماذا يعني أف تكوف كوكب مع كافة الكائنات الحية عميو‪ .‬ىذه الكائنات‬
‫الحية ىي ذات قيمة وأىمية كبرى‪ .‬عمينا حمايتيا ونمنحيا قيمة‪ .‬عمينا أيضاً منح البشر قيمة‪ .‬عمينا‬
‫فعؿ كؿ ما بوسعنا لمنع الكائف البشري عف أف يصبح فصيمة معرضة لبلنقراض‪ .‬وىو اليوـ يحاوؿ‬
‫بكؿ ما لديو لتحقيؽ ىذه النياية البائسة‪ .‬قد تمثؿ عممية إصبلح األدياف وتجديدىا مساعدة كبرى‪ .‬قد‬
‫تمثؿ األدياف وسيمة عظيمة إذا أعدنا إحياء الفمسفات المثالية مف جديد‪ .‬ربما ما نحتاجو فعمياً ىو‬
‫المنطؽ العقبلني‪ .‬في ىذا الوضع المتأزـ‪ ،‬نرى أنفسنا نفعؿ أشياء يومياً ال نرغب ألوالدنا فعميا أبداً‪.‬‬
‫المدمر األكبر‪ .‬إذا وجد رمز أو‬
‫ّ‬ ‫لذلؾ عمينا العمؿ باجتياد عمى ىذه المسألة‪ .‬لكف الماؿ ىو اآلف‬
‫شعار مناسب لمشياطيف فبل بد مف أف يكوف الدوالر‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫الماؿ ىو الشيء الذي يسبب لنا الصداع األكبر‪ .‬كمنا بحاجة إليو‪ ،‬لكف عمينا أف نتخذ موقؼ جديد‬
‫تجاىو‪ .‬عمينا أف نجد طرؽ جديدة تضبط طريقة استخدامو‪ ،‬وكيؼ نجعؿ الماؿ يساعد اإلنسانية‬
‫عمى أف تصبح أكثر رقياً عمى مستوى السموؾ والتفكير‪ .‬إذا كاف ىناؾ ما يكفي مف الناس‪ ،‬لنقؿ‬
‫واحد مف بيف مئة عمى ىذا الكوكب‪ ،‬وحدوا جيودىـ وفؽ نموذج مستمر يرفض أف يتـ إفساد الفرد‬
‫مف قبؿ اإلعبلنات الكاذبة والبروبوغاندا الكاذبة والترفيو والتعميـ الكاذب‪ ،‬سوؼ يحصؿ تغيير جذري‬
‫وكبير وفوري ‪ .‬وسائؿ اإلعبلـ اليوـ تشعر بوجود ىذه المشكمة‪ .‬بدأ الناس يعبروف عف امتعاضيـ‬
‫وصاروا انتقائييف أكثر مف السابؽ‪ .‬وىناؾ جانب آخر وجب أف نتذكره‪ :‬ميما حصؿ مف أمور‪ ،‬الشر‬
‫يسعى دائماً إلى تدمير ذاتو‪ .‬الشر يبالغ دائماً في تدمير ىيكمو وكيانو‪ .‬كؿ شيء فاضؿ يجتمع مع‬
‫شيء آخر فاضؿ لغاية تحسيف الكؿ‪ .‬الشرور بمفردىا ال تجتمع مع بعضيا‪ .‬ىي ال تعمؿ معاً حتى‬
‫لو كانت الغاية شريرة‪ .‬الشرور تتصارع دائماً مع بعضيا‪ .‬ىي في حالة تنافس دائـ مع بعضيا‬
‫البعض‪ .‬ليذا السبب تموت‪ .‬فقط التعاوف والتكاتؼ يمنحاف الحياة األبدية وامكانية تحقيؽ الغاية‬
‫النيائية مف وجودنا‪.‬‬

‫التأمؿ‬
‫بالتأمؿ عمييا‪ .‬لذلؾ ربما عمينا ّ‬
‫ّ‬ ‫المشكمة إذاً تتعمؽ بالرمزية‪ .‬جميعنا ميتموف بالرموز‪ .‬نيتـ‬
‫عمى شعار الدوالر ونحاوؿ أف نكتشؼ ما المشكمة فيو‪ .‬نسأؿ أنفسنا كيؼ سمحنا ألنفسنا اتخاذ تو ّجو‬
‫التأمؿ عمى الدورالر (أو‬
‫مجرد عممية تبادؿ تجاري‪ّ .‬‬
‫تبجيمي تجاه رمز بسيط مف المفروض أف يمثؿ ّ‬
‫الع ممة المحمية) قد يكشؼ لنا ماذا نفعؿ بو أو كيؼ نستخدمو‪ .‬قد نتمقى بصيرة أو نظرة عميقة عف‬
‫كيفية استخدامو بطريقة صحيحة‪ .‬يمكننا سؤاؿ أنفسنا‪ :‬ىذا الدوالر‪ ،‬إلى أيف يمكنو الذىاب لكي يفعؿ‬
‫الخير األكبر لمعدد األكبر؟ قد تكوف ىذه تجربة مثيرة‪ .‬أنت لست مضط اًر ألف تقوـ باألمر بشكؿ‬
‫عممي‪ ،‬بؿ حاوؿ التفكير بالموضوع بعمؽ‪ ،‬وأنظر ماذا يمكنؾ فعمو بذلؾ الدوالر إذا كنت ميتم ًا‬
‫بصنع الخير األكبر في العالـ الذي تعيش فيو‪ .‬ماذا سيفعؿ ذلؾ الدوالر الواحد؟‪ .‬بعدىا يمكف أف‬
‫التأمؿ عمى ما نممكو يمكننا الكشؼ عف ما‬
‫يراودؾ شعور بتنفيذ األمر عممياً‪ .‬لكف دائماً مف خبلؿ ّ‬
‫نحف عميو‪.‬‬

‫في المحظة التي نستقر فييا لمتمتع باألنانية‪ ،‬فإننا خبلليا نستشعر الضعؼ في طبيعتنا‪ .‬أعظـ‬
‫مصدر لمتكامؿ األخبلقي موجود في داخؿ أنفسنا‪ .‬أعظـ مصدر لتقدـ البشرية موجود فعمياً داخؿ‬
‫أنفسنا‪ .‬ألنو في داخؿ أنفسنا يقبع اإللو األعمى‪ .‬اإللو يعمؿ مف خبللنا وعبرنا‪ .‬ىو يأتي متجمياً‬

‫‪88‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫بداخمنا ويخرج مف خبللنا إلى العالـ الخارجي‪ .‬كؿ كائف بشري يستطيع أف يكوف أداة مجدية لتطور‬
‫خير‪ .‬بدالً مف القناعة التي تحكمنا والتي تقوؿ بأننا أفراد وحيديف ليس‬
‫اإلنسانية‪ .‬لتحقيؽ كؿ ما ىو ّ‬
‫نتمسؾ بتمؾ الفكرة التي تقوؿ بأننا أدوات لقدر رفيع‬
‫ّ‬ ‫لنا مآزر ونعيش حياتنا بكفاح مرير‪ ،‬عمينا أف‬
‫مجرد موقؼ ال‬
‫المستوى‪ ،‬نحف أدوات لقوة أزلية‪ .‬إذا اخترنا أف نترؾ األداة وال نحاوؿ استخداميا فيذا ّ‬
‫يقدـ وال يؤخر في العممية‪ .‬لكف في الحقيقة يوجد داخؿ كؿ فرد قوة تمنحو القدرة عمى فعؿ ما ىو‬
‫أفضؿ مما يفعمو اآلف‪ .‬ليس ىناؾ إنساف واحد ال يستطيع تحقيؽ اليسير عمى األقؿ‪ ،‬ىذا إذا حاوؿ‬
‫جاىداً‪ .‬الكثيروف يستطيعوف إثبات قدرتيـ عمى فعؿ الكثير حتى بعد محاوالت بسيطة‪.‬‬

‫لكف ميما كاف األمر‪ ،‬فالحقيقة تبقى الحقيقة‪ .‬عمينا أف نكتشؼ في الكائنات الحية كيؼ يمكننا كسر‬
‫الدوامة الشريرة لمحروب والفقر والجريمة‪ .‬رجاؿ الشرطة وحدىـ ال يستطيعوف فعؿ ذلؾ‪ .‬كافة‬
‫منظمات السبلـ في العالـ ال تستطيع فعؿ ذلؾ‪ .‬كافة المناقشات والمباحثات في المواقع الساسية‬
‫العميا لف تفعؿ ذلؾ أبداً‪ .‬الشيء الوحيد الذي يستطيع تأميف العبلج الشافي لكؿ ىذه المشاكؿ ىو أف‬
‫يقوـ األفراد بذاتيـ بخطوات منفردة باالتجاه الذي يعرفوف أنو يمكف معالجة ىذه المشاكؿ‪ .‬نحف‬
‫نعرؼ مثبلً أف الفرد الذي ال يشتري المخدرات ال يساىـ بأي طريقة لكارتيبلت ترويج المخدرات‪.‬‬
‫لكف إذا اشترى المخدرات بنفسو فأصبح بذلؾ يمثؿ جزء مف مجموعة ىائمة تنتج المزيد والمزيد مف‬
‫المميارديرات بينما أنت تشاىدىـ يقووف ويكبروف‪ .‬لكف أنت لست مضط اًر ألف تكوف جزء مف ىذا‬
‫كمو‪ .‬لست مضط اًر لفعؿ شيء خاطئ والذي ال يتدخؿ بالمشاكؿ اليومية لمحياة‪ .‬قد ال تكوف مرتاحاً‬
‫في وظيفتؾ‪ ،‬لكف إذا كانت وظيفة صالحة وأنت تفعؿ ما بوسعؾ فييا‪ ،‬أو أنؾ متقاعد وتعيش بكؿ‬
‫ما تستطيع مف ىناء واستقرار ومحبة‪ ،‬فيذه الحالة ىي جيدة ومقبولة‪ .‬لكف إذا حصمت عمى بعض‬
‫أصريت بعدىا عمى استثماره في الجريمة المنظمة‪ ،‬سوؼ تكتشؼ مباشرة بأف‬ ‫الماؿ اإلضافي و ّ‬
‫الصعوبات بدأت تتضاعؼ وتتزايد‪ .‬السماء ال ترغب أف يكوف األمر بيذه الطريقة‪ .‬جميعنا ىنا لغاية‬
‫النمو‪ .‬وحتى ىذه المحظة فإف الماؿ يعتبر أكبر عقبة لدينا أماـ النمو‪ .‬إذا استطعنا عبلج ىذه‬
‫المشكمة فقط‪ ،‬أي مشكمة الماؿ‪ ،‬فإف كافة المشاكؿ األخرى سوؼ تزوؿ أو تعالج نفسيا‪ .‬ألف كافة‬
‫المشاكؿ األخرى محفّزة مف قبؿ الطمع والغيرة والطموح المبالغ بو‪ ،‬عندما تُعالج ىذه األمور داخؿ‬
‫الشخص فسوؼ تتحسف صحتو‪ .‬الفرد الذي يعيش وفؽ ىذا المبدأ المتحرر مف الضغوط السابقة‬
‫سوؼ يساىـ ذلؾ في طوؿ عمره‪ ،‬وسوؼ يتحرر مف كمبياالت األطباء‪ ،‬كما سوؼ يزداد عدد‬
‫أصدقائو وعبلقتو مع العائمة سوؼ تقوى‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫نحف نضحي بالقيـ التي نعرفيا فعمياً‪ ،‬وذلؾ مقابؿ األشياء التي ال تعني شيئاً في أي حاؿ مف‬
‫األحواؿ‪ .‬لذلؾ أعتقد بأنو عمينا بكؿ تأكيد محاولة تقديـ مساىمات شخصية‪ .‬إذا كاف ىناؾ شيئاً‬
‫تعرفو داخؿ نفسؾ والذي بحاجة إلى تصحيح أو تصويب‪ ،‬قد يكوف شيئاً خفياً لكنو جدياً مثؿ المزاج‬
‫الحاد أو التصمب في الفكر أو التعصب أو الكره بأحد جوانبو أو الغيرة‪ ...‬إذا استطعت تدريجياً‬
‫إلغاء ردود األفعاؿ السمبية التي لديؾ باتجاه األشياء التي تحصؿ معؾ كؿ يوـ‪ ،‬سوؼ تبدأ بعدىا‬
‫بتنمية قوة جديدة‪ ،‬سوؼ تتمكف مف مقاومة اإلغراءات التي كنت تقع ليا في السابؽ‪ ،‬وكذلؾ تقاوـ‬
‫اإلغراءات التي يحاوؿ اآلخروف إيقاعؾ بيا‪ .‬يمكنؾ أف تصبح تدريجياً مركز لبلستقامة والتكامؿ‬
‫األخبلقي وسط ىذا العالـ الفوضوي‪ .‬عبر كونؾ أصبحت مرك اًز لبلستقامة والتكامؿ األخبلقي سوؼ‬
‫تستطيع بعدىا إنجاز تدريجياً ذلؾ الذي ىو ضروري‪.‬‬

‫إذا تمكنت الشعوب أف تكوف صادقة مع ميراثيا العظيـ‪ .‬إذا كانوا صادقيف مع األشياء التي يعرفوف‬
‫ضمنياً بأنيا تمثؿ جزء مف مصيرىـ‪ ،‬إذا أدركنا حقيقة أننا ىنا مف أجؿ مساعدة العالـ بأسره عمى‬
‫النمو‪ ،‬وأف كافة الفنوف والعموـ التي لدينا‪ ،‬كؿ تمؾ المختبرات البحثية‪ ،‬ىي ليست موجودة لكي تربح‬
‫األمواؿ‪ ،‬بؿ ىي ىنا لخدمتنا وتمبية حاجاتنا‪ .‬كؿ النمو وكؿ التقدـ وكؿ النجاح يتـ مكافئتو وفؽ‬
‫جانب التكامؿ األحبلقي وليس جانب الماؿ‪ .‬لذلؾ مف المفروض عمينا أف نبني عالـ أفضؿ‪ .‬نحف‬
‫ىنا لكي نعمؿ عمى ىذا العالـ الجميؿ ونحولو إلى مجد العصور‪ .‬عمينا أف نجعمو ليس ميجع‬
‫األغنياء بؿ ميجع الصالحيف‪ .‬مف المفروض أف يمثؿ عالمنا تحقيؽ فعمي لحمـ العصور‪ .‬يمكنو أف‬
‫تشتد أكثر‪ .‬ربما ىذه المشكمة االقتصادية الكبرى‬
‫يكوف كذلؾ بالفعؿ‪ .‬ربما ليذا السبب بدأت المشكمة ّ‬
‫تمثؿ العقبة األخيرة التي عمينا تجاوزىا قبؿ أف نحقؽ مصيرنا المعيود‪ .‬ألف التصحيح الكوني‬
‫ألنانيتنا قادر عمى جعمنا أمؿ العصور‪ .‬ليس ىناؾ فائدة مف المبالغة في تثميف العالـ وال المبالغة‬
‫في إنتاجيتو‪ ،‬لكف ما عمينا فعمو ىو الوقوؼ شامخيف كرمز يمثؿ شيء أسمى وأرقى وأفضؿ مما‬
‫يمكف إيجاده في مكاف آخر‪ .‬وبيذه الطريقة سوؼ نميـ العالـ عبر إرشاده إلى تحقيؽ مصيره‬
‫الصحيح‪ .‬حينيا سوؼ يكوف بحؽ شعب واحد والو واحد وطبيعة واحدة‪ .‬كؿ ىذه األمور يمكنيا‬
‫الحصوؿ فعمياً‪ ،‬وىي تبدأ مف إجراء بسيط يتمثؿ بتكريس حياتنا الشخصية لمقيـ التي ىي حقيقية‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ً‬
‫ميكٍ نإلدياٌ عهى ادلال أٌ ٌكٌٕ خطريا كئدياٌ ادلخذساخ‬

‫في الفترة الذىبية لميوناف القديمة‪ ،‬كاف ىناؾ فيمسوؼ اسمو "أروستيبوس"‪ ،‬والذي قرر أف يقوـ برحمة‬
‫إلى إحدى الجزر اليونانية‪ ،‬فركب في أحد القوارب ولـ يعرؼ بأف اليذا القارب كاف يديره قراصنة‪.‬‬
‫وطبعاً في تمؾ األياـ عندما يسافر الناس كانوا بأخذوف كامؿ أمواليـ معيـ‪ .‬لـ يكف موجود حينيا‬
‫الترافمشيؾ أو بطاقة ائتماف أو غيرىا مف الوسائؿ التي نألفيا اليوـ‪ ،‬لذلؾ كانت األمواؿ ثقيمة تُحمؿ‬
‫في صندوؽ صغير نسبياً‪ .‬بعد فترة مف اإلبحار في القارب‪ ،‬كاف "أروستيبوس" يجمس بيدوء في‬
‫مقصورتو حتى سمع الكبلـ الذي يجري عمى ظير القارب في الخارج‪ .‬خبلصة الكبلـ الذي كاف‬
‫يجري بيف قبطاف السفينة والمبلحيف ىي أنيـ كانوا يخططوف لرمي الفيمسوؼ في البحر وأخذ أموالو‬
‫التي كاف يصطحبيا معو في القارب‪ .‬أزعجو ىذا الموضوع لمحظات لكنو أدرؾ بأنو ال بد مف وجود‬
‫منفذ مف ىذه الورطة‪ .‬في اليوـ التالي عند طموع الشمس كاف "أروستيبوس" يجمس عمى حافة القارب‬
‫وأرجمو متدلية مف الجانب الخارجي ويحضف صندوؽ الماؿ وكاف يرمي القطع النقدية واحدة تمو‬
‫األخرى في البحر‪ .‬فاقترب منو قبطاف القارب وسألو متعجباً‪ .." :‬لماذا تفعؿ ىذا؟‪ ،"..‬أجابو‬
‫"أروستيبوس" بيدوء‪ .." :‬إنو أفضؿ أف يندثر الذىب مف أجؿ أروستيبوس بدالً مف أف يندثر‬

‫‪91‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫أروستيبوس مف أجؿ الذىب‪ ."..‬وكنتيجة ليذا العمؿ الذكي‪ ،‬تابع الفيمسوؼ رحمتو ووصؿ إلى‬
‫الجزيرة التي كاف يقصدىا بسبلـ‪ .‬لكف يبدو أف رحمتو كانت أغمى ثمناً مما كاف يتوقع‪.‬‬

‫سوؼ نتحدث في ىذا الموضوع عف مشكمة الماؿ‪ .‬في البداية‪ ،‬ال أعتقد بأنو عمينا إدانة الثروة عمى‬
‫أنيا المسؤولة عف مصاعبنا المالية‪ .‬المشكمة ليست في الثروة بؿ في عبلقة اإلنساف معيا‪ .‬إنو ما‬
‫يفعؿ اإلنساف بيا وكيؼ يحصؿ عمييا‪ .‬الدوافع وراء جمعيا والسموؾ أثناء حيازتيا‪ .‬مادة الماؿ بذاتو‬
‫ىي إما مصنوعة مف ورؽ أو ذىب أو فضة أو نحاس‪ .‬ليس لمماؿ بذاتو أي مشكمة أخبلقية مف أي‬
‫نوع‪ .‬مادتو جاءت مف األرض وسوؼ تكوف نيايتو إلى المكاف ذاتو‪ .‬المشكمة بكامميا تكمف في‬
‫مسألة االستخداـ وسوء اإلستخداـ‪ .‬ويبدو في الوقت الحالي بأننا نواجو ما يمكف تسميتو مشكمة‬
‫مخدر‪ .‬يبدو أف الماؿ ىو شيء أصبح يمثؿ أحد أخطر المواد المخدرة التي وجب عمى‬
‫إدماف عمى ّ‬
‫الكائف البشري التعايش معو‪ .‬الوضع ىو قريب أو مشابو جداً مع مادة المخدرات‪ .‬الفرد يتناوؿ‬
‫المخدر لكي يشعر بالنشوة‪ .‬عمى الجانب اآلخر‪ ،‬الفرد يجمع الماؿ لكي يشعر بنشوة‪ ،‬ليشعر‬
‫بالتفوؽ‪ ،‬ليحقؽ الطموح‪ ،‬وليكسب نوع مف األفضمية االقتصادية عمى اآلخريف‪ .‬ىذه الدوافع طبعاً‬
‫ّ‬
‫ىي ليست األرقى وال األنقى‪ .‬ليذا السبب أدت ىذه الدوافع إلى مآسي وأحزاف طواؿ آالؼ السنيف‪.‬‬
‫معروؼ منذ زمف بعيد‪ ،‬وحتى أنو الزاؿ ُيعتقد اليوـ‪ ،‬بأنؾ لـ تعد تستطيع التجارة وفؽ وسيمة التبادؿ‬
‫بالبض اعة‪ .‬ال تستطيع استبداؿ بقرة برأسيف مف الغنـ‪ ،‬أو شيء مف ىذا القبيؿ‪ .‬ال تستطيع‬
‫اصطحاب البضاعة المختمفة معؾ إلى السوؽ بحثاً عف بضاعة أخرى توازييا في القيمة‪ .‬ال بد مف‬
‫وجود وسيمة تبادؿ أيسر وأسيؿ في التعامؿ‪ .‬وسيمة التبادؿ ىي شيء يخضع لضبط وتنظيـ خبلؿ‬
‫استبدالو‪ ،‬وذلؾ بحيث يمثؿ وسيط رمزي لمتبادؿ مقابؿ بضاعة مادية ذات قيمة فعمية‪ .‬واألسعار‬
‫والمرابح يحددىا الحائزوف عمى ىذا الوسيط لمتبادؿ‪.‬‬

‫نحف نعمـ بأنو في الزمف القديـ كانت الثروة ميمة جداً‪ ،‬لكف ليس بالقدر الذي تتخذه اليوـ‪ .‬في‬
‫الحقيقة‪ ،‬كؿ مف المفكريف القدماء أدرؾ بأف الثروة كانت بديؿ لمرشد الداخمي‪ .‬يسعى الفرد إلى‬
‫اكتساب الثروة مف أجؿ اكتساب السمطة والقوة‪ .‬في الوقت الذي كاف عميو الحصوؿ عمى ما يستحقو‬
‫وتطور شخصيتو وخبلصو النيائي مف ميولو وتوجياتو‬ ‫ّ‬ ‫مف تفوؽ لكي يكرسو في سبيؿ تقدمو الفكري‬
‫الدنيوية‪ .‬بالتالي‪ ،‬بدالً مف النمو‪ ،‬راح الفرد يسعى إلى حيازة القوة والممؾ‪ .‬إذا حاز عمى ما يكفي مف‬
‫الوسيط المالي يصبح بعدىا حاض اًر لجميع أنواع الفرص لمتقدـ في الدنيا‪ .‬يصبح لديو االمتياز الذي‬

‫‪92‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫يخولو استعباد اآلخريف‪ ،‬أو االمتياز الذي يخولو السيطرة والتحكـ بالمصير المالي لؤلمـ‪ ،‬لكف في‬
‫الحقيقة فإف كامؿ المسألة ال تتعدى دوامة في فنجاف‪ .‬ليس ىناؾ أي رجؿ غني اليوـ إال ويعرؼ بأف‬
‫أيامو معدودة في ىذا العالـ‪ .‬ىو عمى يقيف بحقيقة أنو ال يستطيع أخذ أي مف ىذه الثروة معو‪.‬‬
‫يمكنو أف يدرؾ أيضاً خبلؿ مراكمة ثروتو بأف الجزء المادي منيا الذي يبقى بعد موتو ىو سمعتو‬
‫التي تموثت وتشوىت‪ .‬ال أحد يحترمو فعمياً‪ ،‬وال يوجد أحد معجب بو‪ ،‬بؿ الناس يخافونو‪ ،‬وغالباً‬
‫يكونوا في حالة غيرة وحسد عمى ممتمكاتو وفي محاولة دائمة لسرقتيا منو‪.‬‬

‫الفمسفة البوذية كانت واضحة جداً عندما ناقشت ىذا الموضوع بالتحديد‪ .‬تقوؿ بأف المشكمة في الفقر‬
‫تكمف في تنيد الفرد ألنو ليس غنياً‪ ،‬بينما المشكمة في الثروة تكمف في تنيد الفرد خوفاً مف أخذ‬
‫ثروتو منو‪ .‬وىذا بالضبط ما يحصؿ في واقع الحياة اليومية‪ .‬بالتالي فالمشكمة المتعمقة بالماؿ تصبح‬
‫مثيرة جداً‪ .‬وفي معظـ الحاالت تصبح المشكمة معقدة جداً‪.‬‬

‫نحف نعمـ أف استخداـ العممة النقدية ىو عمؿ قريب نسبياً في التاريخ البشري‪ .‬أي منذ حوالي ثبلثة‬
‫آالؼ عاـ‪ .‬لكف مسألة تبادؿ البضاعة تعود إلى أزمنة قديمة جداً‪ .‬ومعظـ بنيتنا المالية تستند عمى‬
‫إجراءات تبادلية‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬نحف نستخدـ الماؿ اآلف لكي ننجز ما كنا ننجزه في السابؽ دوف‬

‫‪93‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫حاجة لوجود الماؿ‪ .‬لكف ىذا الوسيط المالي أصبح اليوـ ميـ جداً بذاتو‪ .‬وليذا السبب أصبح يمثؿ‬
‫فشؿ كئيب في وجو الطبيعة‪.‬‬

‫مجرد صائد لمماؿ عند‬


‫يأتي الفرد إلى ىذا العالـ حائ اًز عمى إمكانيات معينة‪ .‬ىو بكؿ تأكيد أكثر مف ّ‬
‫والدتو‪ .‬ىو ال يأبو إطبلقاً بالماؿ عند طفولتو‪ .‬يكوف ميتـ فقط بحاجاتو المباشرة وكذلؾ الحاجة‬
‫المستمرة لمحب والحناف واالىتماـ‪ .‬لكف مع بموغ الفرد في الحياة ُيفرض عميو قس اًر تقبؿ والتماشي مع‬
‫الحالة االقتصادية لمعالـ الذي يعيش فيو‪ .‬الشخص بذاتو لديو إمكانيات‪ .‬وغاية الطبيعة ىي أف‬
‫يعيش اإلنساف مف أجؿ النمو‪ .‬عميو أف يصبح أكثر‪ .‬عميو أف يفيـ بشكؿ أفضؿ‪ .‬عميو أف يغني‬
‫الحياة‪ .‬وعميو التعاوف ما باقي الكائنات الحية في استدامة منظومة اقتصادية عادلة‪ .‬ىذه كانت‬
‫مشكمة كبرى بالنسبة لؤلجياؿ التي سبقتنا أيضاً‪ ،‬حيث بعض مف الشباب والشابات مف الجيؿ الذي‬
‫سبقنا حاولوا إيجاد حؿ ليا مف خبلؿ إنشاء أنواع وأشكاؿ مختمفة مف المجموعات االشتراكية‪ .‬كما‬
‫جربوا سياسات فردية‪ .‬لكف مف ىذا كمو لـ يبرز أي شيء مرضي‪ .‬منذ عقود قميمة حاولت بمديف‬ ‫ّ‬
‫كبيرتيف حؿ المشكمة االقتصادية‪ ،‬ىما الصيف واالتحاد السوفيتي‪ ،‬وذلؾ مف خبلؿ إلغاء الدافع أو‬
‫المحفّز الذي يؤدي إلى الثراء‪ .‬لكف ىذه المحاوالت لـ تكف ناجحة وذلؾ لسبب بسيط وىو أنو في‬
‫غياب الدافع أو المحفّز لـ يعد أحد يريد فعؿ شيء‪ .‬فاضطرت حكومات البمديف إلى إجبار‬
‫المواطنيف عمى العمؿ لكي يدفعوا فواتير حياتيـ اليومية‪ ،‬فنشأ نوع جديد مف االستعباد‪ .‬أما في الدوؿ‬
‫الغربية‪ ،‬خصوصاً الواليات المتحدة‪ ،‬فقد تجمّت مشكمة الماؿ بأبشع وجوىيا خبلؿ فترات الكساد‬
‫المالي والتي تخمقيا البنوؾ بيف الحيف واآلخر‪ ،‬حيث ينيار سعر العممة بشكؿ كبير ويحصؿ فوضى‬
‫عارمة في األسواؽ مقابؿ ضعؼ القوة الشرائية لممواطنيف فتنتشر البطالة والعوز وينتج منيا مآسي‬
‫اجتماعية كبيرة‪.‬‬

‫الحؿ الفعمي يبدأ مف معرفة أف المشكمة ال تكمف في وسيط التبادؿ‪ ،‬أي الماؿ‪ ،‬وال حتى في نظرية‬
‫التبادؿ‪ ،‬بؿ تكمف في سوء استخداـ وسيط التبادؿ‪ .‬وسوء االستخداـ تزايد باستمرار حتى أصبح الثراء‬
‫يمثؿ الدافع النيائي والوحيد بالنسبة ألغمبية الكائنات البشرية‪ .‬قد تتمثؿ الثروة بالماؿ أو الماشية أو‬
‫العقارات أو أي شيء آخر لو قيمة‪ .‬ىذه الثروة أصبحت تمثؿ الغاية األساسية لتفكيرنا العصري‪.‬‬
‫صحيح أنو لدينا مثالييف ومتصوفيف وفبلسفة‪ ،‬لكف في القسـ األكبر فإف الناس ميتموف بشكؿ‬
‫رئيسي بمراكمة الممتمكات المادية‪ ،‬وىذه المراكمة تجعمو ضرورياً وجود منظومة اقتصادية توفر ليـ‬

‫‪94‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫السبيؿ لمبيع والشراء‪ .‬لكف ىذه المنظومة االقتصادية طبعاً أصبحت أسوأ وأشد خطورة مع مرور‬
‫الوقت‪ .‬رويداً رويداً أصبح لدينا عصر مف الرفاىية والترؼ والتبذير المتزايد‪ .‬أصبحت الفكرة بعدىا‬
‫تقوؿ بأف النجاح يمثؿ الرفاىية والترؼ والتبذير‪ .‬الفكرة تقوؿ بأف النجاح ىو أف تصؿ إلى تمؾ‬
‫المرحمة في الحياة بحيث لـ تعد تحتاج إلى العمؿ‪ .‬لذلؾ نجد أف األشخاص الناجحيف يصموف إلى‬
‫مرحمة سيئة فيما بعد‪ ،‬ألنو دوف أف يكوف لدييـ حاجة لفعؿ شيء يفشموف في تنمية أي إمكانية‬
‫داخؿ أنفسيـ‪ .‬كؿ ما يحوزونو ىو امتياز اإلسراؼ والتبذير والذي يمثؿ عبئ ثقيؿ عمى الروح‪.‬‬

‫كاف لدى القدماء ما نسمييا اليوـ مدارس االنتساب إلى المبادئ والتعاليـ السرية‪ .‬كاف لدييـ طقوس‬
‫تشدد عمى أعماؿ اإلرادة اإلليية‪ .‬كؿ تمؾ التعاليـ‬
‫وشعائر‪ .‬وكاف لدييـ ميرجانات فخمة ورائعة ّ‬
‫السرية والطقوس والميرجانات تشمؿ أشكاؿ مختمفة مف اإلغراءات واإلغواءات التي وجب مقاومتيا‬

‫‪95‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫والتغمب عمييا‪ .‬كاف يتـ إغواء الفرد لكي يساوـ عمى استقامتو وتكاممو في سبيؿ الفوز بمكافئة‪ ،‬واذا‬
‫مخوالً لمتقدـ عمى مستوى‬
‫استسمـ أماـ ىذا اإلغواء سوؼ يفشؿ في االختبار وبالتالي لـ يعد ّ‬
‫الحضارة والرفعة البشرية‪ .‬كاف يسود دائماً نوع مف االستيبللية أو شعائر االنتساب في الماضي‪.‬‬
‫وكانت ىذه الشعائر في الماضي القديـ مؤلمة جسدياً بحيث غالباً ما كاف الفرد يتعذب ويعاني مف‬
‫الجروح ومف عمؿ جسدية متنوعة تحصؿ نتيجة شعائر اختبار الشخصية‪ .‬الحقاً في التاريخ لـ تعد‬
‫اختبارت مف نوع آخر تتعمؽ بالمواقؼ والنزعات‬
‫ا‬ ‫ىذه الشعائر المؤلمة تستخدـ بؿ سادت بعدىا‬
‫لمتنور‪ .‬كاف عميو إثبات‬
‫التنور أف يثبت بأف األولوية ىي دائماً ّ‬‫الفكرية‪ .‬كاف عمى الساعي وراء ّ‬
‫استعداده لمتضحية بكافة امتيازات الثروة والرخاء والرفاىية في سبيؿ تحسيف حياتو الداخمية‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫‪97‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫اليوـ لدينا منظومة عظيمة لمثروة والتي ال تبالي بالتحسف‪ .‬نجد اليوـ بأف الفرد أو المجتمع أو حتى‬
‫العالـ بأسره‪ ،‬بعد الخضوع إلختبار الثروة‪ ،‬عمى طريقة الطقوس القديمة‪ ،‬يفشموف في االمتحاف‪ .‬بدالً‬
‫مف التمتع بالشجاعة لبلرتقاء فوؽ إغراءات الكسب السريع‪ ،‬نجد الفرد يتخذ غالباً ذلؾ الموقؼ القائؿ‬
‫بأنو يريد ما يريده وبأسرع ما يمكف ألنو ال يعرؼ كـ مف الوقت سيعيش في الحياة‪ .‬بعد إلقاء نظرة‬
‫عمى الوضع كما ىو‪ ،‬نتسائؿ إذا كاف الناس مستعدوف التخاذ المواقؼ السائدة اآلف‪ .‬نجد أف الفرد‪،‬‬
‫ميما كاف راتبو عالي أو ميما كاف يممؾ مف قصور وأراضي ومعامؿ‪ ،‬يبقى بالنياية مخموؽ معرض‬
‫معرض لعدد غير محدود مف العمؿ واألمراض‪ ،‬ونيايتو حتمية‬
‫لمخطأ‪ ،‬ىو كائف لو وجود مؤقت جداً‪ّ ،‬‬
‫مف الوجود المادي‪ .‬بالتالي نجد أف كامؿ ىذه العممية التي تطغي عمى حياة تسعيف في المئة مف‬
‫البشرية ىي عبارة عف عممية تافية ال تتعدى الزوبعة في فنجاف‪ .‬ال يستطيع الفرد أخذ ثروتو معو‬
‫بعد موتو‪ ،‬لكف رغـ ذلؾ نجده مستعداً الرتكاب الجرائـ مف أجؿ الحصوؿ عمييا‪ .‬ىو يكافح دائماً‬
‫بطريقة أو بأخرى لحمايتيا والحفاظ عمييا‪ ،‬ولكف مع ذلؾ نجد مجرـ آخر يتربص بو لتجريده منيا‪.‬‬
‫كافة ىذه اإلجراءات محاطة بحقيقة حتمية واحدة‪ ،‬وىي أف الطبيعة والكوف والمخطط الكمّي لؤلشياء‪،‬‬
‫جميعيا غير متأثرة أو غير ميتمة أصبلً بكامؿ الموضوع‪ .‬ىذا الموضوع بكاممو عديـ المعنى عمى‬
‫مستوى جوىر األمور أو نياية األشياء‪ .‬الموضوع عديـ المعنى عمى كؿ المستويات‪ ،‬باستثناء حياة‬
‫حيز صغير نسميو الوجود الفاني‪.‬‬
‫صغيرة وسط ّ‬

‫التوجو المادي‪ ،‬ىي ربما المسؤوؿ األكبر عف انتشار ىذا اليوس بالثروة‪ .‬مف خبلؿ‬
‫ّ‬ ‫المادية‪ ،‬أو‬
‫إنكار أي امتداد روحي لمفرد‪ ،‬وانكار وجود أي أمؿ بوجود حياة خالدة‪ ،‬وانكار وجود أي دوافع‬
‫أخبلقية لمضبط الذاتي أو التحكـ بالنفس‪ ،‬تقوـ المادية بتوجيو الشخص العادي إلى مسألة اإلرضاء‬
‫أو المتعة المباشرة‪ .‬أي تجعمو يريد أف يحوز عمى ما يحوزه طالما يمكنو استخدامو‪ ،‬لكف جميع الذيف‬
‫يفعموف ىذا ال يعيشوف الستخدامو‪ .‬يصرفوف بعضو ويفقدوف بعضو ويمنحوف بعضو وقسـ كبير‬
‫يؤخذ منيـ‪ ،‬لكف في النياية فإف التقييـ النيائي لموضع ليس سعيداً‪ .‬ورغـ عدـ سعادة ىذا الوضع أو‬
‫ىذا التوجو‪ ،‬نجده بنمو ويتزايد وينتشر في العالـ ناتجاً الحروب والجرائـ والخراب واإلفقار والكآبة‬
‫والمجاعة ومجموعة واسعة مف األمراض‪ .‬جميعيا مرتبطة بطريقة أو بأخرى بالرغبة في الكسب‬
‫والربح بغض النظر عف العواقب‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫لدينا إذاً حالة سائدة عمى مستوى العالـ وتتأصؿ مف نقطة واحدة جوىرية‪ ،‬وىي نزعة الفرد إلى‬
‫التفوؽ عمى اآلخريف‪ .‬ىو يتوؽ إلى أف يكوف متفوقاً‪ ،‬ويشعر بأف الطريقة الوحيدة التي تجعمو متفوقاً‬
‫ّ‬
‫ىي الحوزة عمى الثروة‪ .‬كامؿ تعميمو المدرسي يتمحور حوؿ الثراء‪ .‬كامؿ توجياتو في الحياة ىي‬
‫نحو تمؾ الخدمات العامة المدعومة مالياً‪ .‬كؿ ما يفعمو تقريباً يسير وفؽ إمكانياتو اإلقتصادية‪ .‬كمما‬
‫زادت قدرتو عمى صرؼ األمواؿ تزيد رفاىيتو وقدرتو عمى تحقيؽ رغباتو الدنيوية‪ .‬لكف ىذه الرغبات‬
‫ىي عديمة المعنى عمى المستوى الشمولي لؤلمور‪ .‬يممؾ الفرد كؿ ىذه االمتيازات الدنيوية لكف مع‬
‫ذلؾ عندما يأتي الموعد نجده يفارؽ ىذه الحياة بحالة بائسة تماماً‪ .‬لقد اطمعت عمى الكثير مف‬
‫القصص والحكايا التي يروييا الذيف يحضروف المحظات األخيرة مف حياة أشخاص أثرياء‪ ،‬جميعيـ‬
‫في المحظات األخيرة قبؿ الموت يتوقوف إلى المواساة‪ ،‬وكؿ واحد منيـ عمى فراش الموت كاف مستعد‬
‫أف يستغني عف كؿ ثروتو مقابؿ يوـ واحد إضافي فقط‪ ،‬لكنو لف يحصؿ عمى ذلؾ أبداً‪ .‬بعضيـ كاف‬
‫توجيو عمماني مادي‪ ،‬وفي المحظات األخيرة كانوا يبكوف ويتوسموف مف يؤكد ليـ حقيقة وجود شيء‬
‫ما بعد الموت‪ .‬كانوا يتمنوف وجود شيء لكي يستمر بقاءىـ ولو في عالـ آخر‪ .‬لقد تـ تعميميـ منذ‬
‫بداية حياتيـ أف يتخموا عف اإليماف باستم اررية الحياة‪ .‬لكف لماذا وجد ىذا النوع مف التعميـ العمماني‬

‫‪99‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫المادي الذي منع اإليماف بوجود حياة أخرى بعد الموت؟ لماذا ُسمح بنشوء الفرد عمى عقيدة مادية؟‬
‫الجواب ىو بسيط‪ ،‬سمحوا بأف ينشأ الفرد عمى عقيدة مادية ألف ىذا سوؼ يديـ استم اررية الوىـ‬
‫بخصوص الثروة‪ .‬إذا كاف لدى الفرد أفكار مثالية أقوى مف نزعة امتبلؾ الثروة سوؼ ُيعتبر مثالي‬
‫متوىـ‪ ،‬وبصفتو مثالي فيذا يجعمو غير واقعي وغير عممي كمياً‪ ،‬ومصيره ىو العيش في الفقر‬ ‫ّ‬
‫والعوز لباقي حياتو‪ .‬لكف رغـ ذلؾ نجد في النياية وجود مدفنيف في المقبرة المحمية‪ ،‬واحد لممثالي‬
‫واآلخر لممادي‪ .‬مف يستطيع التمييز بينيما؟ مف ىو المثالي ومف ىو المادي؟ وفي ىكذا حاالت‪،‬‬
‫األمر األىـ ىو مف منيما مات وفي قمبو أمؿ‪ .‬ألنو دوف األمؿ فإف كامؿ المسألة فاشمة بشكؿ‬
‫مميت‪.‬‬

‫لقد صنعت الطبيعة ىذا النموذج الحياتي بالتحديد لسبب ميـ جداً‪ .‬عمى الفرد أف يثبت قدرتو‬
‫الداخمية عمى التحكـ بنفسو والسيطرة عمى نفسو‪ .‬عميو أف يثبت بأف الخطة التطورية الكبرى التي‬
‫يمثؿ جزءاً منيا‪ ،‬والتي تحاوؿ أف تصنع منو شيئاً مجدياً‪ ،‬ىي في حالة نجاح‪ .‬الفرد الذي ينجح في‬
‫العيش عمى مر حياتو لكنو لـ يحسف شخصيتو ولـ يجد أي حؿ إلىمالو وتقصيره وآثامو‪ ،‬ولـ ينمي‬
‫أي حكمة أو عقبلنية لديو‪ ،‬مع القميؿ مف كرـ األخبلؽ وليس الكثير مف الشفقة والعاطفة الحقيقية‪،‬‬
‫في ىذه الحالة فإف الفرد لف ينمو‪ ،‬وبالتالي يغادر ىذه الحياة بنفس الحالة التي دخؿ بيا‪ .‬ىذا يعني‬
‫أنو فاشؿ منذ والدتو‪ .‬لـ يستخدـ أي مف األشياء التي منحت لو في سبيؿ جعؿ الحياة أفضؿ أو‬
‫أكثر قوة‪ .‬في أجزاء مختمفة حوؿ العالـ راحت الثقافات االشتراكية المادية تنظر إلى ىذه المسألة‬
‫بطريقة مختمفة‪ .‬راحوا يدركوف تدريجياً بأف التوجو المادي يمثؿ طريؽ مسدود‪ .‬لـ يعد لدييـ أي‬
‫إمكانية لبلستمرار في إثبات صحة النظرية المادية أكثر مف النظرية المثالية‪ .‬لدى المثالييف الحالميف‬
‫نفس الدالئؿ مقابؿ المادييف الذي يعانوف مف وىـ الثراء‪.‬‬

‫ليس ىناؾ أي طريقة إلثبات حقيقة أف الحياة الداخمية لمفرد يمكف جعميا آمنة بأي وسيمة غير تنمية‬
‫الشخصية‪ .‬وجب أف يكوف أكثر في داخمو‪ .‬ولكي يكوف أكثر يعني أف ينمو‪ .‬بينما أف يسعى إلى‬
‫جمع المزيد مف الممتمكات فيذا عمؿ مشكوؾ بو إف كاف يساعد الفرد عمى النمو أـ ال‪ .‬إذا كاف‬
‫الفرد يممؾ ثروة‪ ،‬إما عبر اجتياده الشخصي أو عبر التوريث‪ ،‬أو تكوف الظروؼ ابتسمت لو وربح‬
‫جائزة يانصيب‪ ،‬إذا كاف يممؾ ثروة تأتي مباشرة المشكمة بخصوص كيفية استخداميا‪ .‬ىو يعيش في‬
‫عالـ مف الناس معظميـ في حالة معاناة‪ .‬ىو يعيش اليوـ في عالـ يخضع تحت مجموعة مف‬

‫‪133‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫حاالت الطغياف التي جمبت األسى والبؤس لممبلييف‪ .‬اآلف أصبح الفرد يحوز عمى قوة مالية‪ ،‬فماذا‬
‫سيفعؿ بيا؟ ىؿ سوؼ يخرج إلى محؿ مقامرة ليقامر بيا؟ ىؿ سيشتري يخت أو سيارة فاخرة؟ ىؿ‬
‫سيقوـ بأفعاؿ البذخ والتبذير غير العقبلني وكؿ ذلؾ أماـ البؤساء الذيف ال يممكوف شيء؟ ىذه‬
‫الوضعية األخيرة كانت السبب وراء الثورة الفرنسية‪ .‬ىذا ىو السبب الذي أدى إلى االنقبلب عمى‬
‫األنظمة‪ .‬كؿ ثورة في التاريخ تقريباً انطمقت بسبب نوع مف أنواع االستغبلؿ االقتصادي‪ .‬معظـ‬
‫الفورات الشعبية عبر التاريخ حصمت نتيجة فشؿ الذيف يممكوف في مساعدة الذيف ال يممكوف‪ .‬السبب‬
‫إذاً يكمف في مشكمة التوزيع الصحيح لمثروة‪.‬‬

‫قاؿ الممياردير الشيير "أندرو كارنيغي" يوماً‪ .." :‬إنو مف حؽ الفرد أف يعيش ثرياً‪ ،‬لكف ليس عمى‬
‫أحد أف يموت فقي ارً‪ ."..‬قبؿ أف تأتي نيايتو‪ ،‬جعؿ كؿ ما يممكو متوف اًر لكؿ مف بحاجة وعوز‪ .‬أي قاـ‬
‫يتوزيع كامؿ أموالو قبؿ موتو‪ .‬لكف ىناؾ مشكمة أخرى أيضاً في ىكذا مبادرة‪ ،‬وىي منح كميات‬
‫كبيرة مف الماؿ ألشخاص لـ يستحقونيا بالمجيود الفردي‪ .‬إذا كاف المتمقي لؤلمواؿ التي لـ يستحقيا‬
‫يريد أف يكوف متنو اًر وكرس حياتو لفائدة اآلخريف‪ ،‬يمكنو حينيا أف يأخذ الماؿ الممنوح لو ويستخدمو‬
‫لخدمة وفائدة البشرية جمعاء‪ .‬لكف إذا لـ ينشأ أو يتربى بحيث يكوف لديو أي دوافع أو محفزات لفعؿ‬
‫ذلؾ‪ ،‬حيث المنيج التعميمي ال يفعؿ شيء إلغناء شخصيتو‪ ،‬واذا استمر في جعؿ إشباع رغباتو‬
‫وشيواتو الغاية النيائية لكؿ متطمباتو فسوؼ تستمر مشكمة الثروة كما ىي في دوامات متتالية مف‬
‫البؤس حتى ينيار أخي اًر ىذا النظاـ المالي بالكامؿ‪ .‬ننظر لمحظة إلى حقيقة المسألة‪ ،‬ونجد أنو لدينا‬
‫مف الوقت في ىذا العالـ سبعيف أو ثمانيني أو تسعيف سنة مف الحياة‪ .‬خبلؿ ىذه الفترة الزمنية‬
‫القصيرة مف وجودنا في ىذا العالـ‪ ،‬جئنا لنقوـ بعمؿ جاد وذو قيمة‪ .‬ليس مف الضروري أف يكوف‬
‫العمؿ الجاد مأساة‪ .‬العمؿ الجاد ال يعني أنو عمينا التن ّقؿ مف بؤس إلى آخر‪ .‬بؿ يعني أننا جئنا إلى‬
‫ىنا ألننا نتعامؿ مع مسألة عظيمة غير مكتممة بعد‪.‬‬

‫نحف نأتي إلى ىذا العالـ والذي ىو بنفسو الزاؿ في وسط المسألة‪ ،‬أي ىو في مكاف ما بالوسط بيف‬
‫التحرؾ مف التغيير االجتماعي‪ .‬نحف ىنا لكي‬
‫ّ‬ ‫بدايتو ونيايتو‪ .‬نحف ىنا بالتالي كجزء مف مشيد دائـ‬
‫نصبح جزء مف شيء يحاوؿ أف يرتقي فوؽ أخطاءه‪ .‬لـ يطوؿ وجودنا ىنا قبؿ أف نتعرؼ عمى‬
‫بعض تمؾ األخطاء‪ .‬ثـ بدأنا ندرؾ بأنو مف الضروري‪ ،‬إما تجاىؿ معاناة اآلخريف أو نقوـ بإجراء‬
‫تغييرات في نزعتنا وتصرفاتنا‪ .‬أسيؿ خيار طبعاً ىو تجاىؿ معاناة اآلخريف‪ .‬لكف الطبيعة مرة أخرى‬

‫‪131‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ىي صارمة في ىذه المسألة‪ ،‬حيث إذا قمنا بالتجاىؿ لفترة طويمة فسوؼ ينتج مف ذلؾ ثورة‬
‫اجتماعية‪ .‬ألنو عمى المحروميف أف ينالوا فرصتيـ في الحياة الكريمة‪.‬‬

‫منذ عقود في الصيف‪ ،‬راحت الحكومة ترفع الحظر عف األعماؿ الخاصة‪ ،‬بدالً مف احتكارىا جميعاً‬
‫مف قبؿ الحكومة‪ .‬الغاية ىي السماح لمناس بأف يستحقوا شيئاً مف مجيودىـ الخاص‪ .‬ىذا اإلجراء‬
‫يعتبر عمؿ طبيعي وسميـ‪ .‬عمى كؿ فرد منا أف يستحؽ ما يممكو وما يحتاجو‪ .‬وجب أف ال نكوف‬
‫جزء مف تركيبة اشتراكية تقدـ لنا كؿ حاجاتنا لكف لـ تترؾ فينا أي حافز أو دافع لكي نجتيد في‬
‫تطوير مصادرنا الب اطنية‪ .‬ال يمكف جعمنا آمنيف مف خبلؿ دعمنا مف قبؿ الحكومة‪ .‬الدعـ الذي‬
‫نحصؿ عميو ىو لكي نستخدمو لمقياـ بشيء آخر‪ .‬متما تُدعـ حياة‪ُ ،‬يفترض بأف تمؾ الحياة سوؼ‬
‫تكافئ ىذا الدعـ مف خبلؿ النمو والتقدـ والفائدة‪ .‬إذا لـ تحقؽ ىذه األشياء فيذا سيؤدي حتماً إلى‬
‫انييار اقتصادي‪.‬‬

‫نحف إذاً نواجو مسألة شخصية بحيث نقوؿ مثبلً دعونا نقبؿ بحقيقة أننا نعمؿ وفؽ منظومة اقتصادية‬
‫جيد فسوؼ تعود بالفائدة لنا جميعاً‪،‬‬
‫معينة‪ .‬إذا تـ استخداـ وادارة ىذه المنظومة االقتصادية بشكؿ ّ‬
‫لكف إذا أسيء استخداميا وادارتيا فيذا يعني حصوؿ انييار لؤلمة بكامميا‪ .‬سوء االستخداـ واإلدارة‬
‫يعني أف األنانية سيطرت عمى زماـ األمور‪ ،‬وسيطرت عمى نماذج اإلدارة‪ .‬الفرد الذي يكوف أناني‬
‫ىو دائماً في مشكمة‪ .‬أنانيتو لـ تجمب لو أبداً مواساة أو الكسب الذيف يرغبيما‪ .‬إذا كسب ذالؾ الذي‬
‫لـ يستحقو فسوؼ ينزلؽ بيف أصابعو ويختفي‪ .‬نحف نرى ذلؾ اليوـ في التفاقمات اليائمة في المستوى‬
‫المالي مف الحياة‪ .‬نرى أشخاص يكاد يكوف لدييـ أي قدرات مميزة‪ ،‬لكف مف خبلؿ البروبوغاندا‬
‫والتسويؽ اإلعبلمي يكسبوف مبالغ طائمة سنوياً‪ .‬ماذا يفعموف بكؿ تمؾ المبلييف؟ القميموف معروفوف‬
‫بأنيـ يفعموف أمور جيدة ببعض ما يكسبوه‪ .‬لكف عند القسـ األكبر نرى األمواؿ تتبلشي عبر التبذير‬
‫غير العقبلني‪ .‬واليوـ نجد قسـ كبير مف الثروة مجموعاً بواسطة انعداـ التكامؿ األخبلقي أو التفيـ‬
‫ويصرؼ لشراء المخدرات‪ .‬الدائرة الشريرة تستمر بالدوراف‪ ،‬وداخؿ ىذه الدائرة الشريرة يكمف الجداريف‬‫ُ‬
‫األوؿ لموالدة والثاني لمموت‪ ،‬يحداف كامؿ العممية‪ .‬ىذه الحالة تترؾ لنا القميؿ جداً مع سيرنا قدماً‬
‫ّ‬
‫عمى طوؿ الرحمة‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ليس بالضرورة أف نحاوؿ عيش حياة اآلخريف‪ .‬ال نستطيع صنع مظاىرة لفعؿ شيء معيف‪ .‬وفؽ‬
‫بعض الظروؼ يمكف تحقيؽ اإلصبلحات‪ .‬وعندما يتـ تحقيقيا سوؼ يكوف أم اًر رائعاً‪ .‬لكف عدد‬
‫كبير مف أولئؾ الذي بحاجة إلى اإلصبلحات يرفضونيا بإصرار‪ .‬لذلؾ عمينا المجوء إلى طريقة‬
‫أخرى لمقاربة ىذه المسألة‪ .‬وىي أنو عمينا البدء بكؿ ىذه اإلجراءات اإلصبلحية مف خبلؿ توسيع‬
‫وتعميؽ فيمنا الخاص‪ .‬الشخص الوحيد الذي يمكننا قيادتو بنجاح عبر ىذه المتاىة ىو نحف‪ .‬قد‬
‫نتمكف مف التأثير عمى اآلخريف والياميـ‪ ،‬لكف كامؿ تجربة الحضارة المادية راسخة داخؿ كؿ‬
‫شخص في ىذا العالـ‪ .‬كؿ فرد عمى كؿ مستوى مف الحياة يواجو اليوـ ضرورة اتخاذ ق اررات‪ .‬ىناؾ‬
‫أمور وجب أف يقررىا داخؿ نفسو‪ .‬ىناؾ توجيات ومواقؼ وجب اتخاذىا‪ .‬ىناؾ حموؿ وجب‬
‫إيجادىا‪ ،‬وعندما يجدىا عميو تطبيقيا عممياً‪ .‬وكنتيجة لذلؾ‪ ،‬ميما كاف موقع الفرد‪ ،‬إف كاف يعيش‬
‫في مجتمع متسمّط بحيث ليس لديو شيء يقولو أو يعبر عنو‪ ،‬أو إف كانت روحو حرة بحيث يستطيع‬
‫قوؿ ما يريد قولو‪ ،‬كؿ ىذا ال ييـ‪ .‬األمر الميـ ىو أف عمى كؿ شخص بطريقتو الخاصة أف يكتشؼ‬
‫السبب لوجوده في الحياة‪ .‬عميو اكتشاؼ المعنى الحقيقي لمثروة‪ ،‬عميو معرفة الغاية الفعمية التي وجد‬
‫مف أجميا الماؿ‪ ،‬وكيؼ وجب استخداـ الماؿ بطريقة سميمة‪ .‬وعميو أف يدرؾ بأف االستخداـ غير‬
‫السميـ لمماؿ سوؼ يؤدي إلى مأساة فردية وجماعية معاً‪.‬‬

‫عمى الفرد أف يأخذ طموحاتو المتنوعة المتعمقة بمستقبمو االقتصادي الخاص‪ ،‬ويخضع ىذه‬
‫الطموحات الختبار النزاىة واالستقامة‪ .‬إذا كاف يرغب في أف يكوف أكثر مما ىو عميو‪ ،‬فيؿ ىو‬
‫مستعد الستحقاؽ ىذا التقدـ؟ إذا كاف يرغب في أف يكوف أقوى مف ناحية ثباتو عمى رعاية قوانيف‬
‫الحياة‪ ،‬عميو بالتالي تعزيز ذلؾ الثبات ومساندتو‪ .‬في كؿ طريقة مف الطرؽ‪ ،‬فإف الجواب الشافي‬
‫لمشكمة الفرد ليس اإلنطبلؽ لوحده قمقاً بخصوص الخير العاـ‪ ،‬بؿ األمر الذي عميو فعمو ىو أف‬
‫يمحظ بحذر عبلقاتو الخاصة مع الحياة‪ ،‬ويكوف واثقاً بأنو خبلؿ انجرافو مع نير الحياة الذي يجري‬
‫حالياً‪ ،‬بأ نو اآلف يتعمـ ما كاف مفروض عميو تعممو خبلؿ رحمة الحياة ىذه‪ .‬نحف ىنا مف أجؿ معرفة‬
‫معينة‪ .‬عمينا أف نحقؽ ما يريده منا القانوف الطبيعي ثـ نغادر ىذه الحياة في نياية تجمينا المادي‬
‫بحيث نكوف أشخاص أفضؿ مما كنا عميو عندما جئنا إلى الحياة‪ .‬إذا كنا غير واثقيف خبلؿ طفولتنا‬
‫فوجب أف نكوف أكثر ثقة خبلؿ بموغنا‪ .‬ونكوف واثقيف أكثر وأكثر في شيخوختنا‪ .‬إذا كنا مثالييف‬
‫فوجب أف نؤمف بالمثالية عند صغرنا ومف ثـ نطبقيا عممياً عند كبرنا‪ .‬المثالية ىي طريقة حياة‬

‫‪133‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫صدوقة‪ .‬ىي طريقة حياة بحيث نعيش معاً بصيغة أخوية‪ .‬ىذه األخوية اآلف قد دمرىا الطموح وتـ‬
‫إحباطيا بشكؿ كبير مف قبؿ الثروة‪ .‬لذلؾ عمينا تناوؿ ىذه المسائؿ بطريقة جديدة وعقبلنية وذكية‪.‬‬

‫كؿ شيء يحصؿ معنا يمثؿ فرصة وكذلؾ مسؤولية‪ .‬كؿ شخص نعرفو يجمب لنا شيئاً ويطمب شيئاً‪.‬‬
‫ىذا أمر حتمي‪ .‬لكف غالباً ما نفرح لؤلشخاص الذيف يجمبوف بينما نتعالى عمى األشخاص الذيف‬
‫يطمبوف‪ .‬العبلقات القائمة اليوـ ليست تبادلية بطبيعتيا‪ ،‬بؿ تفرض عمينا أف نحصؿ عمى ما نستيطع‬
‫وعمى اآلخر أف يفعؿ بقدر ما يستطيع‪ .‬كؿ ىذه التوجيات تؤدي إلى تدمير النظاـ العالمي‪ .‬في‬
‫األزمنة القديمة حيث الحضارة المصرية واليندية والصينية وغيرىا‪ ،‬كاف النظاـ العالمي غامض‬
‫وغير واضح‪ ،‬حيث القميؿ مف العالـ كاف معروفاً والفرص كانت محدودة نسبياً‪ ،‬والضغوط السياسية‬
‫القوية المختمفة تجاه المادية لـ تبلقي الدعـ أو التعزيز‪ .‬كانت الثروة موجودة في الزمف القديـ لكنيا‬
‫لـ تكف تعتبر مفخرة يتزيف بيا الفرد‪ .‬ذلؾ ألف حالة الثراء كانت خاضعة لضبلؿ المؤسسات العظيمة‬
‫لممدارس السرية‪ .‬كؿ حضارة عظيمة في الماضي كانت تخضع إلى ديف سائد في الببلد وكاف لو‬
‫تأثير فعمي عمى األتباع‪ .‬كاف الديف يناؿ المواالة مف كؿ شخص ميذب ومحتشـ وجدير باالحتراـ‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ىذا الديف الذي منح حؽ اإللو األعمى في حكـ البشرية دوف مسائمة‪ .‬كاف ىناؾ أيضاً نظاـ بحيث‬
‫كؿ عمؿ خير كاف يتـ باسـ الخير المطمؽ‪ .‬وكؿ ما زاد فعمنا لمخير كمما كاف تحسف البيئة فوري‬
‫ومباشر‪ .‬كؿ ىذه األنظمة كانت تمثؿ جزء مف الحياة في كؿ مف اليوناف ومصر وفارس واليندوس‬
‫والبوذييف وغيرىـ‪ .‬كافة ىذه األمـ المختمفة كاف لدييا أخبلؽ‪ .‬كاف يسود فييا أنظمة كبرى مف‬
‫االستقامة التقميدية والتي مف المفروض أف تسيطر عمى السموؾ اإلنساني‪.‬‬

‫كؿ ديف في العالـ والذي يسوده المشاكؿ‪ ،‬يكوف ىذا بسبب ابتعاده عف منيج التعاليـ األساسية‪ .‬لقد‬
‫سيطر تدريجياً كؿ مف الثروة والسمطة والطموح‪ ،‬وكنتيجة لذلؾ تـ تدمير المكانة العميا لممبادئ‬
‫الروحية التي تأسست عمييا الحضارة أصبلً‪ .‬بالتالي بدالً مف استدامة الخير قمنا باستخداـ الخير‬
‫كوسيمة لبلستعباد والسيطرة والتحكـ والييمنة ولفرض آرائنا وتعاليمنا عمى اآلخريف رغـ أننا نعجز‬
‫عف االلتزاـ بيا بنفسنا‪.‬‬

‫لذلؾ فإ ف الطبيعة‪ ،‬بصفتيا ما ىي عميو‪ ،‬لدييا أنظمة انضباط مختمفة لمخموقات متنوعة ومتفاوتة‬
‫في درجات التطور‪ .‬يوجد نوع معيف مف نظاـ انضباط لؤلرنب‪ ،‬ونوع آخر مف نظاـ االنضباط‬

‫‪135‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫حي يعيش في عشوائية ومعرض لؤلخطار وبحاجة إلى االنضباط لكي‬


‫لمكائف البشري‪ .‬كؿ كائف ّ‬
‫يحافظ عمى بقائ و‪ .‬يوجد قوانيف لكؿ نوع مف المخموقات‪ .‬وكؿ مخموؽ يخرؽ القوانيف ىو معرض‬
‫لمتدمير الذاتي‪ .‬حتى في مممكة الحيواف نجد أف المخموقات المختمفة تحوز في تركيبتيا الباطنية عمى‬
‫نوع مف الحدس الغامض الذي يحدد حاجات كؿ نوع عمى حداه‪ .‬ومف خبلؿ مراقبة بعضيا البعض‪،‬‬
‫تناؿ المخموقات تعميميا العظيـ‪ .‬في عالـ الحيواف‪ ،‬كؿ نوع يصبح متعمماً مف خبلؿ مراقبة أعماؿ‬
‫ذلؾ الذي ينتمي لفصيمتو خبلؿ وجوده اليومي‪ .‬ما يفعمو ذلؾ النوع والذي يعرضو لمخطر وجب‬
‫تجنبو مف قبؿ العضو المنتمي إلى نفس النوع‪ .‬أـ الفعؿ الذي يساىـ في بقاءه فوجب االلتزاـ بو مف‬
‫قبؿ ا لعضو‪ .‬كؿ ىذه األمور تمثؿ جزء مف قانوف الطبيعة في عمميا‪ .‬في المحظة التي يخرؽ فييا‬
‫الحيواف قانوف الطبيعة سوؼ يندثر فو اًر‪ .‬ليذا السبب نجد أنو ال يوجد أي حيواف يموت مف كبر‬
‫السف‪ .‬ىو يموت بسبب فشؿ في أدائو الطبيعي أو في حيويتو‪ ،‬لكنو ال يموت أبداً موت طبيعي‪ .‬ىذا‬
‫يكوف بسبب طريقة سير األشياء في الحياة‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ربما عمى الكائنات البشرية أف ال تموت موت طبيعي أيضاً‪ .‬ربما الكثير مف اإلرىاب واأللـ والبؤس‬
‫نتطور إلى‬
‫ّ‬ ‫والمعاناة التي يختبرىا اإلنساف تعود إلى سبب أننا لـ ندرؾ حالة الكماؿ بعد‪ .‬نحف لـ‬
‫المرحمة النيائية الكاممة لئلنسانية بعد‪ .‬ربما يكوف ذلؾ الحؿ الذي ينتج في النياية أخوية البشرية‬
‫سوؼ ينتج أيضاً عممية انتقاؿ غير أليمة مف حياة إلى أخرى‪ .‬لكننا ىنا اآلف كما نحف‪ ،‬مع‬
‫محدودياتنا وآمالنا ومخاوفنا‪ ،‬وفي ىذه المستويات مف التبصر عمينا أف نسعى إلى حؿ المسائؿ‬
‫اليومية لوجودنا‪ .‬لذلؾ ع مينا تحضير نوع مف القانوف أو المبدئ الذي نستطيع العيش وفقو بحيث ال‬
‫يكوف مؤذي ألحد لكف يمثؿ فائدة لمجميع‪ .‬ميما كاف ما نممكو‪ ،‬عمينا أف نستخدمو بأكبر حكمة‬
‫ممكنة‪ .‬االستخداـ الحكيـ يضمف إمداد جديد وأكثر وفرة‪ .‬ميما كاف ما نممكو‪ ،‬عمينا عدـ استنزافو‬
‫ىباء أو تحويمو إلى شيء عديـ القيمة بالنسبة لنا أو أي أحد آخر‪ .‬نجد مثاؿ عمى ذلؾ في اإلدماف‬
‫وتعرض‬
‫ّ‬ ‫عمى الكحوؿ والمخدرات والسجائر‪ ..‬كؿ ىذه األشياء تستنزؼ الماؿ وتدمر الصحة‬
‫الشخصية لمخطر في الحياة اليومية‪ .‬مف بيف ىذه االستخدامات السيئة تبرز نسبة كبيرة مف‬
‫الجريمة‪ .‬ومف الطموح لمثراء تبرز نسبة أكبر مف الجريمة‪ .‬وصوالً إلى عصابات الجريمة المنظمة‬
‫التي تمثؿ أكبر مراكمات غير نزيية لممرابح‪.‬‬

‫كؿ ىذه األمور ليا أثر كبير عمينا وبالتالي عمينا التفكير بيا بشكؿ عميؽ‪ ،‬واال سوؼ لف تكوف‬
‫النياية كما نأمميا‪ .‬لذلؾ عمينا البدء عمى طريقتنا الخاصة‪ .‬عمى الفرد أف يكافح بقدر ما يستطيع‬
‫إلقامة تواصؿ دائـ مع حياتو الداخمية‪ .‬عميو أف يستمع إلى أسمى اإلليامات التي تأتيو بشكؿ‬
‫طبيعي‪ .‬إذا أتاه شعور أو إلياـ فعميو أف ال يمغيو ويتجاىمو فقط ألنو غير عممي‪ .‬عميو أف ال يسند‬
‫كؿ شيء عمى قوانيف منظومة أثبتت فشميا‪ .‬عميو بدالً مف ذلؾ إسناد قناعاتو بأكبر قدر ممكف عمى‬
‫منظومة لـ ولف تفشؿ أبداً‪ .‬الفشؿ ىو دليؿ عمى نقص مف نوع ما‪ .‬الفشؿ يكوف حتمي بالنسبة لنا‬
‫ألننا ال نعرؼ أفضؿ مما نعرفو‪ .‬لكف ال بد مف الفشؿ أف يتقمّص أماـ تمدد التكامؿ‪ .‬ال بد لنا في‬
‫يوـ مف األياـ أف ننمو فوؽ فشمنا‪ .‬إنيا مسألة وقت‪ .‬نحف ىنا مف أجؿ النمو فوؽ الضعؼ‪ ،‬النمو‬
‫فوؽ األنانية‪ ،‬النمو فوؽ الطموح‪ ،‬والنمو فوؽ السيطرة الكاممة لحياتنا مف قبؿ االعتبارات الجسدية‬
‫المادية‪.‬‬

‫إذا كنا سنبقى ىنا لوقت طويؿ‪ ،‬ربما لمدة ألؼ سنة أو أكثر‪ ،‬قد يبدو منطقياً أف نمنح الكثير مف‬
‫االىتماـ لوجودنا المادي‪ .‬لكننا في الحقيقة ال نممؾ سوى وقت قصير جداً لمعيش ىنا في ىذا العالـ‪،‬‬

‫‪137‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫وبالتالي عمينا بطريقة معينة أف نكتشؼ كيؼ يمكننا استخداـ ما لدينا حالياً في سبيؿ التقدـ في‬
‫الحياة التي ستأتي بعد تجسيدنا الحالي في ىذا العالـ‪ .‬الكثير مف الناس ال يؤمنوف بخمود الروح أو‬
‫انتقاليا مف حياة إلى أخرى بأي شكؿ مف األشكاؿ‪ .‬وعدـ االعتقاد ىذا تـ تضخيمو وتعزيزه بواسطة‬
‫قدر كبير مف البروبوغاندا عبر عصور طويمة‪ .‬أما في ىذا العصر الحالي فيناؾ سبب كبير لتعزيز‬
‫فكرة الحياة المؤقتة والمحدودة‪ ،‬وىو أنو لو تـ ترسيخ فكرة خمود الروح والقبوؿ بيا كحقيقة ثابتة فيذا‬
‫سوؼ يؤثر سمباً عمى عممية مراكمة المرابح غير العقبلنية في الكثير مف المجاالت‪ ،‬وىذا ال يناسب‬
‫أسياد النظاـ المالي القائـ كما ىو اآلف في العالـ‪ .‬إذا كاف الفرد ال يممؾ سوى اآلف ليقوـ بعممية‬
‫المراكمة‪ ،‬فعميو فعؿ ذلؾ اآلف‪ .‬إذا كاف لديو القميؿ مف سنوات العمؿ باقية قبؿ خروجو عمى التقاعد‬
‫فعممية المراكمة والتجميع سوؼ تزيد أىميتيا بشكؿ كبير‪.‬‬

‫لكف في مكاف ما خمؼ كؿ ىذا‪ ،‬كما يشدد عميو الحكماء دائماً‪ ،‬كؿ منا لديو حياة خالدة‪ ،‬حياة تسير‬
‫قدماً باستمرار‪ ،‬متجاوزة حدود كؿ التجسيدات المتعددة‪ .‬ىناؾ ذات باطنية تستمر في العيش رغـ‬
‫تعدد الحيوات المتتالية في ىذا العالـ المادي‪ .‬ىذه الذات تحتفظ بسجبلت كافة األشياء التي تـ فعميا‬
‫بشكؿ صائب وسميـ‪ ،‬ىذا باإلضافة إلى أف لدييا التصميـ عمى تصحيح كافة األخطاء واليفوات‪.‬‬
‫بالتالي كؿ شخص يمكنو أف يبدأ النمو مباشرة إذا أ ارد أف ينظر إلى حياتو‪ ،‬ليس بالضرورة بطريقة‬
‫فمسفية‪ ،‬بؿ وفؽ التفكير العقبلني الطبيعي‪ .‬إذا لـ يكف ىناؾ مستقبؿ لشيء ما‪ ،‬لماذا نكرس حياتنا‬
‫مف أجمو؟ إذا لـ يكف ىناؾ أي مبرر منطقي لتوجو معيف‪ ،‬لماذا نتشبث بو بإصرار آلخر الزمف؟ إذا‬
‫كانت األشياء التي نحوزىا ال يمكننا أف نمتمكيا وفؽ مفيوـ األبدية‪ ،‬لماذا إذاً نجعؿ الممكية عامبلً‬
‫ذو قيمة كبيرة؟ لماذا ال نعترؼ ونسمّـ بحقيقة أننا جميعاً ىنا ليس لنمتمؾ بؿ لكي نتقاسـ ونتشارؾ‪،‬‬
‫وأف كؿ ما نحوزه ىو ليس سوى استعارة أو إيجار؟ حتى جسدنا المادي ال نممكو بؿ نستعيره أو‬
‫نستأجره‪ .‬نحف بكؿ تأكيد ال نممؾ أي حؽ المتبلؾ أي شيء‪ ،‬إف كاف في بيئتنا المحيطة أو في‬
‫إنجازاتنا المختمفة‪ .‬الشيء الوحيد الذي ىو خالد وأبدي يقبع في أعماؽ أنفسنا‪ ،‬والذي ىو مانح الحياة‬
‫لكافة األشياء األخرى‪ .‬تمؾ األشياء االخرى سوؼ تندثر وتتبلشى في النياية لكف ىذه الحياة سوؼ‬
‫تستمر في البقاء‪ ،‬كما النور األبدي لمشمس‪.‬‬

‫عمينا بالتالي أف نف ّكر كيؼ يمكننا اليروب مف بعض حاالت البؤس التي نعاني منيا‪ .‬في المحظة‬
‫التي تخفض فييا طموحؾ إلى مستويات معقولة سوؼ تتخمص مف الكثير مف القمؽ واإلرىاؽ‪ .‬ليس‬

‫‪138‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ىناؾ شيء في الوقت الحالي يساىـ أكثر مف ضغوطنا النفسية في خمؽ حاالت اليوس‪ .‬الفرد الذي‬
‫يكافح مع أشياء ليس لو أي سيطرة عمييا سوؼ يصاب حتماً بالمرض النفسي والعاطفي‪ .‬وبالرغـ‬
‫مف مرضو النفسي نجده مستم اًر في الصراع الميؤوس مع األشياء التي جعمتو مريض أصبلً‪.‬‬
‫خبلصو الوحيد مف ىذه الحالة ىو التوقؼ عف فعؿ ما يفعمو‪ ،‬رغـ أف كؿ شيء سوؼ ينيار مف‬
‫حولو‪ .‬إذاً‪ ،‬ميما فعمو وكيفما حاوؿ لكي يتخمص مف ىذه الحالة سوؼ يبقى في مشكمة‪ .‬ىناؾ‬
‫الكثير مما يمكف قولو عف العقؿ السميـ بالمقارنة مع المعمومات التي تبقيؾ خارج مشفى األمراض‬
‫العقمية‪ .‬التكامؿ النفسي يعني وضع الفرد لعقمو في نظاـ‪ .‬مع اعتمادنا اليوـ عمى العمـ في معرفة‬
‫التوجو السميـ‪ ،‬عمينا إدراؾ حقيقة أف كامؿ ىذه المفاتيح العممية تأصمت مف الديف‪ .‬قوة الشفاء‬
‫ّ‬ ‫مفاتيح‬
‫العظيمة في الحياة ىي االستقامة وسبلمة الخمؽ‪ .‬وأف ىذه االستقامة تعني فعؿ ذلؾ الذي ىو األكثر‬
‫فائدة لكؿ ما ىو معني‪ .‬ذاؾ الذي ىو مفيد فقط ألنفسنا وعمى حساب اآلخريف ىو خطير ومؤذي‬
‫ومضر‪.‬‬
‫ّ‬

‫بالتالي إذا أردنا البدء بعيش نوع جديد مف الحياة‪ ،‬أو إذا أردنا أف نتحرر مف اليوس والحاالت‬
‫النفسية األخرى التي ترىقنا اآلف‪ ،‬عمينا البدء بفعؿ أشياء كثيرة‪ ،‬والعديد مف ىذه األشياء مرتبطة‬
‫بالماؿ‪ .‬عمينا مثبلً معرفة كيؼ نتعامؿ مع المشاكؿ المختمفة لبلرتباط البشري‪ .‬االرتباط باألىؿ‪،‬‬
‫االرتباط بيف الزوج والزوجة‪ ،‬ارتباط الوالد بابنو أو بنتو‪ ،‬واالرتباط مع الجيراف‪ ..‬وغيرىا‪ ،‬كؿ ىذه‬
‫األشياء وجب حميا‪ .‬وأي حؿ مف الحموؿ ال ينتيي بسبلـ فسوؼ لف يكوف ىناؾ حؿ فعمي‪ .‬فكرة أننا‬
‫نستطيع حؿ مسألة قائمة مف خبلؿ تجنبيا أو تجاىميا‪ ،‬أو يمكننا التخبلص مف بعض األشخاص‬
‫عبر عدـ التكمـ معيـ‪ ،‬كؿ ىذه األفعاؿ ىي غبية وال تمثؿ حموؿ لشيء‪ .‬أينما وجدت عداوة أو‬
‫بغضاء وجب تصحيحيا‪ .‬حتى لو لـ يصححيا الشخص عمى الجانب اآلخر فعمينا نحف القياـ بذلؾ‪.‬‬
‫عمينا أف نتوصؿ إلى نقطة بحيث ال يوجد أي عداوة أو أي مشاحنات‪ .‬ال ُيسمح بوجود أي حاالت‬
‫تعصب أو إدانة لآلخر في حياتنا الداخمية‪ ،‬ألف كؿ ىذه المشاكؿ ىي نتيجة أمراض عقمية أو‬
‫عاطفية‪ .‬الشخص الذي نكرىو قد ال يعرؼ بأننا نفعؿ ذلؾ‪ ،‬لكف الكره المتولد في داخمنا سوؼ يؤذينا‬
‫نحف‪ .‬ال نستطيع تحمؿ ىذه األشياء‪ ،‬خصوصاً بعد أف تصبح الحياة عموماً اليوـ أكثر تعقيداً‬
‫وحسماً‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ميما كاف مزاجنا سيئاً‪ ،‬عندما نذىب إلى النوـ وجب أف نجعمو في حالة سبلـ مع الحياة‪ .‬عمينا أف‬
‫ال نصحب إلى فراشنا قبؿ النوـ أي عداوة أو بغضاء مف أي نوع‪ .‬إذا فعمنا ذلؾ فسوؼ يتـ‬
‫مضاعفتو وتنشيطو مف قبؿ عممية النوـ‪ ،‬واذا كررنا العممية لفترة طويمة سوؼ يؤدي ذلؾ إلى مرض‬
‫العقؿ وجعمنا عاجزيف عف التفكير المنطقي والسميـ‪ .‬أينما انطمقنا فنحف نبحث عف سبلـ‪ .‬السبلـ‬
‫معيف ىو ليس الذي نبحث عنو‪ .‬بؿ نحف نبحث عف حقيقة أف السبلـ يجب أف ُيستحؽ‪.‬‬ ‫مقابؿ سعر ّ‬
‫السبلـ ىو نياية‪ ،‬النياية الوحيدة لمنزاع‪ .‬فقط الفرد الذي وجد السبلـ داخؿ نفسو يستطيع الصمود‬
‫أماـ ضغوط حضارة ضالة وغير صالحة‪ .‬فقط الشخص الذي يستطيع تقدير القيـ‪ ،‬والذي ىو شفوؽ‬
‫أبداً رغـ عدـ الشفقة السائد حولو‪ ،‬ولطيؼ أبداً في وجو المؤـ‪ ،‬وكريـ أبداً في وجو األنانية‪ ،‬فقط ىذا‬
‫النوع مف األشخاص بدأ بجمع تمؾ الكنوز التي يعجز المصوص عف سرقتيا‪.‬‬

‫نحف ننمو قدماً إلى ما وراء ذلؾ الذي حياتو تتجاوز الحياة الحاضرة‪ ،‬وذلؾ وفقاً لمطريقة التي‬
‫عشناىا ىنا‪ .‬وسوؼ لف نجد بأف الموت يغير أي مف ميزات شخصيتنا األساسية‪ .‬إذا كنا حمقى في‬
‫حياتنا فسوؼ لف يجعمنا الموت حكماء‪ .‬إذا كنا أنانييف في الحياة فسوؼ لف يجعمنا الموت كرماء‪.‬‬
‫إذا كنا مجرمي ف في الحياة فسوؼ لف يجعمنا الموت فاضميف‪ .‬الموت سوؼ يواجينا بمشاكؿ معينة‬
‫لمساعدتنا مرة أخرى عمى إكماؿ عممية إصبلح أنفسنا‪ .‬لكف الموت ال يمثؿ أبداً إمكانية التيرب مف‬
‫الميمات غير المكتممة‪ .‬ىذه الميمات غير المكتممة سوؼ نأخذىا معنا إلى ما بعد الموت‪ .‬وبعدىا‬
‫بفترة قصيرة نعود بيذه الميمات غير المكتممة إلى العالـ الذي يعاني مف ميمات غير مكتممة‪.‬‬
‫سوؼ يستمر ىذا األمر حتى تُحؿ األمور بالكامؿ‪ .‬والحموؿ تبدأ دائماً مف أنفسنا‪ .‬ألنو في الطبيعة‬
‫الشمولية لكؿ شيء نحف نذىب ونأتي‪ ،‬والذيف ىـ األقرب إلينا لف يرونا مجدداً‪ ،‬والذيف لـ نعرفيـ أبداً‬
‫سوؼ يكونوا المقربيف‪ .‬لكف في كافة الظروؼ وكافة الحاالت‪ ،‬سبلمة الخمؽ ىي التي ستصبح قاعدة‬
‫كؿ العبلقات الدائمة‪ .‬أولئؾ الذيف ىـ أصدقاء حقيقيوف ىـ شرفاء‪ ،‬الذيف لدييـ دوافع ونوايا مستترة‬
‫يكنوا أبداً صداقة حقيقية‪.‬‬
‫لـ ّ‬

‫لقد حصؿ حديث عف تقييد مدخوؿ الناس بحيث ال أحد يستطيع أف يكسب أكثر مف مبمغ معيف‪.‬‬
‫ىذا لو فائدة مف جوانب معينة إذا يمكف فرضو بالقوة‪ .‬لكف أينما تـ فرضو سوؼ يكوف ىناؾ تسمؿ‬
‫لمجريمة‪ .‬سوؼ يجدوف طرؽ معينة لخرؽ القانوف‪ .‬إذا قيؿ لشخص بأنو ال يمكنو الكسب أكثر مف‬
‫خمسة وعشريف ألؼ في السنة‪ ،‬سوؼ يوظؼ متخصص واثنيف مف المحاميف ويرشي أحد القضاة‬

‫‪113‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫الفاسديف لكي يضمف كسبو أكثر مف المبمغ المرصود لو‪ .‬ال نستطيع منعو عبر الوسائؿ القانونية‪.‬‬
‫يمكننا منعو فقط مف خبلؿ االستقامة األخبلقية‪ .‬ال نستطيع منع الفرد مف أف يكوف أناني فقط عبر‬
‫وضعو في السجف‪ .‬حتى أننا ال نستطيع منعو أف يكوف مجرماً مف خبلؿ وضعو في السجف أو‬
‫إدانتو قانونياً‪ .‬قد نستطيع بذلؾ أف نبعده عف المجتمع‪ ،‬لكف مف خبلؿ فعؿ ذلؾ فإف المجتمع لف‬
‫يحؿ مشاكمو‪ .‬السجف إذاً ىو مف أجؿ معاقبة الشخص‪ .‬لكف المشكمة الكبرى ال تكمف في كيفية‬
‫معاقبة المجرـ‪ ،‬بؿ تكمف في لماذا وجدت أصبلً مشكمة اإلجراـ في حياتنا االجتماعية‪.‬‬

‫مف المثير معرفة حقيقة أنو يوجد حضارتيف مف التي نعرفيا في التاريخ والتي لـ تستخدـ أي وسيمة‬
‫لمتبادؿ التجاري‪ ،‬أي ىي لـ تعرؼ أبداً التعامؿ بالماؿ‪ .‬أوليا ىي حضارة المايا في أمريكا الوسطى‪،‬‬
‫والثانية ىي حضارة اإلنكا في البيرو‪ .‬كانتا حضارتيف متقدمتيف بشكؿ كبير‪ ،‬كما أنيا كانتا راقيتيف‬
‫مف ناحية الفنوف والعموـ‪ ،‬خصوصاً ميارتييما الطبية الكبيرة ومعرفة رفيعة في عمـ الفمؾ‬
‫والرياضي ات والموسيقى وغيرىا‪ ،‬لكف باستثناء أي معرفة باألمور المالية أو أي وسيط تبادؿ مف أي‬
‫نوع‪ .‬وكنتيجة لعدـ وجود أي وسيط مالي‪ ،‬عندما قاـ الفاتح األسباني "فرانشيسكو بيزارو" بسؤاؿ‬
‫اإلنكا في البيرو عف ماذا يفعموف بالمجرميف لدييـ‪ ،‬نظر إليو رجؿ اإلنكا مستعجباً وقاؿ أنا ال‬
‫أعرؼ‪ ،‬فنحف ليس لدينا مجرميف! الخبلصة ىي‪ :‬إف غياب الوسيط المالي ساىـ في خفض معدؿ‬
‫كبير مف الضغط‪ ،‬ساىـ في خفض منسوب الغيرة والمؤامرة والمحتكريف والكارتيبلت والنخبة المالية‬
‫وغيرىا مف عوامؿ ليا عبلقة بالربح أو الخسارة‪ .‬وبعد أف تـ إلغاء فكرة الربح والخسارة بسبب عدـ‬
‫عمميتيا أو عدـ الحاجة ليا‪ ،‬حصؿ تنضيؼ لمجاؿ كامؿ مف الخطيئة والجريمة في المجتمع‪ .‬ىذا‬
‫المجاؿ بمفيومو المتمحور حوؿ موضوع الماؿ‪ ،‬الربح والخسارة‪ ،‬ىو الذي يجمب الجريمة إلى‬
‫الحضارة‪ ،‬إف كاف بالتدريج أو بشكؿ فوري‪.‬‬

‫الذي عمينا تعممو أكثر مف أي شيء آخر ىو كيؼ نحوؿ عدـ الفائدة إلى فائدة‪ .‬العالـ مميء‬
‫باألشياء التي وجب فعميا‪ .‬العالـ ىو بحاجة ماسة ألف نعمؿ معاً ككياف جمعي واحد لكي نصمف‬
‫توفر الطعاـ لؤلجياؿ المستقبمية‪ ،‬ولكي يتـ إلغاء كافة اإلمكانيات التي تؤدي إلى حصوؿ الحروب‪.‬‬
‫ألف الحرب ىي دائماً نوع مف المعبة‪ ،‬ىي نوع مف ممعب لمطموحات بحيث يموت المبلييف مف‬
‫البائسيف الضعفاء لكي يتـ اإلبقاء عمى عجرفة األقمية النخبوية‪ .‬في المحظة التي تبدأ فييا بالتفكير‬
‫بخصوص اإلنسانية فسوؼ يوجد الكثير مف األمور التي يمكننا فعميا بواسطة الماؿ‪ .‬يمكننا مساعدة‬

‫‪111‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫كؿ شيء بحاجة إلى مساعدة‪ .‬يمكننا إصبلح وتصحيح المناىج التعميمية‪ .‬يمكننا تطوير طريقة حياة‬
‫جديدة بحيث التكريـ يكوف موجو إلى الذيف قدموا األكثر لمخير العاـ‪ .‬عالـ حيث كؿ فرد فيو فخور‬
‫بما يفعمو‪ .‬إذا قمنا بإنجاز شيئاً‪ ،‬ليس ضرورياً أف نعتمد عمى الماؿ لنيؿ المكافئة والتقدير‪ .‬الكثير‬
‫مف اإلنجازات العظيمة في التاريخ تمت في سبيؿ الفقراء‪ .‬بعض الفق ارء الذيف كاف لدييـ القميؿ مادياً‬
‫قد منحونا أحياناً قيمة خالدة سوؼ تستمر إلى األبد عبر األجياؿ المستقبمية‪.‬‬

‫كؿ مف حضارة المايا في أمريكا الوسطى وحضارة اإلنكا في البيرو لـ تستخدما أي وسيمة لمتبادؿ‬
‫التجاري‪ ،‬أي شعوبيا لـ يعرفوا أبداً التعامؿ بالماؿ‪ .‬ورغـ ذلؾ كانتا حضارتيف متقدمتيف بشكؿ كبير‬
‫في كؿ النواحي‪ ،‬الفنية والعممية والطبية واليندسية والفمؾ‪ ،...‬لكف باستثناء أي معرفة باألمور المالية‬
‫أو أي وسيط تبادؿ مف أي نوع‪ .‬ربما ليذا السبب لـ يوجد لدييـ سجوف أو مجرميف‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ىا نحف اآلف أماـ عدد كبير مف األمييف الذيف ال يقرأوف أو يكتبوف‪ ،‬والكثير مف المشاكؿ الصحية‬
‫التي ليس ليا حؿ‪ ،‬وازدحاـ السير عمى الطرؽ والشوارع‪ ،‬وازدحاـ السجوف بعدد يفوؽ استيعابيا‪،‬‬
‫واستغبلؿ كؿ مصدر مف المصادر العامة‪ ،‬وغيرىا وغيرىا‪ ..‬لدينا الكثير مف األمور التي عمينا‬
‫االنشغاؿ بيا‪ .‬نحف نسمع أخبار مف ىنا وىناؾ تتحدث عف إنجازات منفردة بسيطة‪ ،‬مثؿ بمدة معينة‬
‫تعبت مف تعرضيا لبلستغبلؿ انتفضت ضد المشكمة وقامت بحميا بنفسيا ولـ تنتظر الحكومة‪.‬‬
‫حصؿ الحؿ بفعؿ العقبلنية والتوقؼ عف الثرثرة االنتقادية التي لـ تؤدي إلى مكاف ومف ثـ القياـ‬
‫فعمياً بعمؿ خبلؽ‪ .‬رويداً رويداً فإف التحكـ بأنفسنا سوؼ يجعمنا أناس قادروف عمى المساىمة في‬
‫تقدـ معيف‪ ،‬واذا كاف لدينا القميؿ فعمينا استخدامو بحكمة‪ .‬الرجؿ الفقير الذي يساىـ بدوالر واحد‬
‫يكوف عممو محموداً ومساوي تماماً لمرجؿ الثري الذي ساىـ بمميوف دوالر‪ .‬عمينا أف نكوف فخوريف‬
‫حي‪.‬‬
‫فقط بما نقدمو وما نفعمو‪ ،‬وما نساىـ بو لتقدـ وفائدة كؿ ما ىو ّ‬

‫لـ يعد ىناؾ أي وقت لمطائفية والمذىبية وكؿ تمؾ المنافسات والنزاعات بيف العقائد المختمفة‪ ،‬وكؿ‬
‫ذلؾ السعي السخيؼ لمحاولة إقناع اآلخريف إلى االنتماء إلى العقيدة أو المذىب أو الحزب أو‬
‫غيرىا‪ .‬ىذه األمور لـ تعد ضرورية‪ ،‬ولـ تكف كذلؾ سابقاً‪ .‬وفي الحقيقة فإف معظـ ىذه المسائؿ ليا‬
‫جذورىا في الوضع االقتصادي‪ .‬يقبع الماؿ عند جذور الفساد المستشري في المجاؿ التعميمي والديني‬
‫بنفس المستوى الذي يكوف فيو بمجاؿ األعماؿ والتجارة‪ .‬لذلؾ لدينا مشكمة كبيرة‪ .‬مشكمة المبمغ‬
‫المالي الكبير الذي يخدر العقوؿ والذمـ والنفوس‪ .‬نحف نخدر أنفسنا حتى الموت بواسطة الماؿ‪ .‬نجد‬
‫أننا مستعدوف لدفع مبمغ ىائؿ مف الماؿ لتناوؿ المخدرات‪ ،‬وقد نرتكب جريمة في سبيؿ الحصوؿ‬
‫عمى الماؿ لشراء المخدرات‪ .‬لكننا في الحقيقة نفعؿ األمر ذاتو في المجاؿ االقتصادي‪ ،‬حيث نخرؽ‬
‫كؿ قوانيف المجتمع اإلنساني في سبيؿ كسب المرابح‪ .‬والمربح يجعمنا نشعر بأننا ارتفعنا فوؽ‬
‫اآلخريف عشرة أمتار ونظف بأننا عمالقة‪ .‬نكتشؼ في النياية أف ىذا العمؿ يعيقنا مف فعؿ أي شيء‬
‫آخر أفضؿ‪ .‬رويداً رويداً أصبحنا نعيش فقط مف أجؿ تمؾ المحظات التي نشعر فييا بأننا نرتفع‬
‫عشرة أمتار‪ .‬يبدو فعبلً أف الثروة تسبب لنا نفس الشعور ونفس المشاكؿ التي تجمبيا المخدرات‬
‫لممدمنيف‪ .‬كؿ شيء حولنا مضطرب ومتخبط‪ .‬قد يظف الفرد بأنني مصاب بدرجة مبالغ بيا مف‬
‫التشاؤـ لكف ىذه ليست الحقيقة‪ .‬أعتقد بأف الجواب عمى كؿ ىذا الوضع البائس ىو مجيد وال يمكف‬
‫تصور إمكانياتو الرائعة‪ .‬أوالً عمينا إدراؾ حقيقة أف ىذه األخطاء ال يمكنيا البقاء قائمة إلى األبد‪.‬‬
‫مف بيف كؿ ىذه األخطاء والمعاناة المصاحبة ليا سوؼ يبرز الحؿ العظيـ الذي كمنا نسعى إليو‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫سوؼ لف يتحسف وضعنا قبؿ أف نشعر بأننا غير مرتاحيف في ىذا الوضع الذي يسوء مع الوقت‪.‬‬
‫سوؼ لف نسعى إلى حؿ المشاكؿ قبؿ أف تزعجنا ىذه المشاكؿ إلى درجة تفوؽ التحمؿ‪.‬‬

‫ىا نحف أماـ مشكمة الثروة‪ .‬إنيا مشكمة فصيمتنا البشرية والتي جمبناىا معنا كامنة في البلوعي لدينا‪.‬‬
‫اإللو لـ يمنحيا لنا‪ ،‬بؿ منحنا فقط الطبيعة مف حولنا‪ ،‬لكننا حولناىا إلى ممتمكات خاصة وعامة‬
‫وربطناىا بالمنظومة االقتصادية القائمة‪ .‬لكف الحقيقة تبقى ذاتيا‪ ،‬نحف نقترب إلى نقطة بحيث كافة‬
‫أوراؽ التوت التي تستر عوراتنا تبدأ بالتساقط‪ .‬نحف نقترب مف النقطة بحيث لـ نعد نصدؽ بعضنا‬
‫البعض أو نثؽ ببيعضنا البعض‪ .‬نحف موىوموف بوسائؿ الترفيو الفاسدة‪ ،‬وضائعوف في متاىات‬
‫اآلداب‪ ،‬ونخاؼ كثي اًر مف العمـ وما ينتجو مف أخطار‪ ،‬ونعرؼ بأننا مفمسوف تماماً بخصوص المجاؿ‬
‫الفمسفي‪ .‬الجيؿ العصري ال يممؾ سوى القميؿ جداً لتقديمو‪ .‬كؿ ىذه األمور أصبحت مزعجة ومقمقة‬
‫بدرجة كبيرة‪ ،‬لدرجة أننا لـ نعد نستطيع تحمميا‪ .‬ال نريد أف نجمس في نياية النيار أماـ برنامج‬
‫تمفزيوني بائس والذي يؤذينا ويييننا‪ .‬ال نريد أف نتعرض لبلستغبلؿ كمما دخمنا إلى متجر أو دكاف‪.‬‬
‫ال نريد أف ندفع مرتيف لكؿ شيء نشتريو‪ .‬ال نرغب في أف نكوف ضحايا لكافة أنواع االستغبلؿ‪ .‬ال‬
‫نرغب في رؤية التضخـ المالي يرتفع بيف الحيف واآلخر‪ .‬كؿ ىذه األمور ليا عبلقة مباشرة بالماؿ‪.‬‬
‫وكميا ليا عبلقة بما قالو الرجؿ الثري‪ ،‬حيث قاؿ أنو ميما طمب مف أسعار فبل بد مف أف يجد أحد‬
‫ليشتري السمعة‪ .‬وىذا بكؿ تأكيد صحيح‪ .‬نحف مستعدوف لشراء أي شيء حتى لو كمؼ ذلؾ آخر‬
‫قرش في جيبنا‪ .‬لكف األشياء التي ال يمكننا شراءىا ىي األشياء التي نحتاجيا أكثر مف أي شيء‬
‫آخر‪ .‬نحف مثبلً بحاجة لبلستقامة األخبلقية التي تمنعنا مف شراء أشياء ال نحتاجيا‪.‬‬

‫نحف في حقيقتنا كائنات بسيطة‪ .‬نحف نرغب في األماف‪ ،‬نرغب في تعميـ سميـ ألوالدنا‪ ،‬نرغب في‬
‫العمؿ بمينة بناءة والقياـ بعممنا بشكؿ جيد‪ .‬ىذه األمور سوؼ تكوف متوفرة لمجميع‪ ،‬لكف إذا توقفنا‬
‫المجردة مف التناغـ السميـ‪ .‬عمينا أف نتخمى‬
‫ّ‬ ‫عف كؿ أنواع الخداع والتشويو لمحقيقة وغناء األناشيد‬
‫عف فكرة أف ىذه الحالة يمكنيا البقاء إلى األبد‪ ،‬وأف ال شيء يكمف في المستقبؿ سوى المزيد مف‬
‫ىذه الحالة ذاتيا‪.‬‬

‫بدأنا اآلف ندرؾ شيء آخر مثير‪ .‬ىناؾ ظيور تدريجي لممقاومة المنظمة ضد الفساد‪ .‬ىناؾ بروز‬
‫تدريجي لئلصرار المنظـ‪ ،‬ليس لدعـ ذاؾ الذي نعتقده‪ ،‬بدأت ىذه األفكار تظير في الكتب ىنا‬

‫‪114‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫وىناؾ وبدأت الناس تتكمـ عنيا‪ ،‬والمجموعات الدينية تشجع عمييا‪ ،‬حتى السياسييف يشيروف إلييا‬
‫بصيغة مترددة‪ ،‬لكف في النياية وبشكؿ عاـ‪ ،‬يوجد شعور بانطبلؽ عممية إصبلح عالمية‪ .‬إذا كاف‬
‫ىذا صحيحاً وبدأنا أف نشعر فعبلً بأف الوقت قد حاف لحصوؿ تغيير شامؿ فما ىو سبب ىذا‬
‫الشعور الجديد؟ الجواب ىو‪ :‬الماؿ‪ .‬ال أقصد بالماؿ األرباح التي سوؼ نكسبيا مف ىذه العممية‪ ،‬بؿ‬
‫بالوضع المالي الذي ال نستطيع تحممو كما ىو عميو اآلف‪ .‬بدأنا ندرؾ تدريجياً بأننا نتعرض‬
‫لبلستغبلؿ باستمرار مف قبؿ بعضنا البعض وذلؾ في سبيؿ الربح وحده‪ .‬وبدأنا ننتبو إلى حقيقة أننا‬
‫بدأنا نشعر بالتعب والممؿ مف كامؿ العممية‪ .‬لـ نعد نريد ببساطة أف نكوف مبذريف ألموالنا لمصمحة‬
‫شخص آخر‪ .‬نحف نراقب األسواؽ المالية ترتفع وتنخفض‪ ،‬ونراقب المضاربة والتداوؿ المالي الذي‬
‫يحصؿ في تمؾ األسواؽ المالية كما لعبة القمار‪ .‬بدأ األمر يصبح أكثر سخافة مع مرور كؿ يوـ‪.‬‬
‫بدأنا نصحو تدريجياً إلى حقيقة أننا عبيد لمنظومة مالية‪ .‬نحف عبيد لؤلشخاص الذيف يفسدوف تمؾ‬
‫مجرد وسيط لمتبادؿ‪.‬‬
‫المنظومة لمصمحتيـ الخاصة‪ .‬حتى أف الماؿ بذاتو لـ يعد يسمح لو أف يكوف ّ‬
‫بدأ التعامؿ بو يعتمد عمى دوافع مبيتة‪ .‬كؿ تداوؿ مالي لـ يعد ييدؼ لبلستخداـ بؿ مف أجؿ الربح‪.‬‬
‫كؿ عممية تجميع ومراكمة لمماؿ أصبحت دائماً عمى حساب اآلخريف‪ .‬أنا ال اعني أف األمر سيء‬
‫أو وجب إدانة اآلخريف‪ .‬األمر ال يتعمؽ بيذا الجانب‪ .‬لكف بدأنا نصؿ إلى النقطة التي مفروض‬
‫عمينا االرتقاء فوؽ ىذه المسألة‪ .‬قد نرغب في االعتقاد بأف أسبلفنا عجزوا عف فعؿ شيء أفضؿ‬
‫بخصوص الموضوع‪ ،‬لكف ىذا ليس سبباً يجعمنا نعتقد بأننا ال نستطيع فعؿ شيء أفضؿ بخصوصو‪.‬‬
‫أصبح لدينا فرص أكثر وفيـ أكبر ومعرفة أوسع بالمقارنة مع أي جيؿ آخر سبقنا‪ ،‬ورغـ ذلؾ نحف‬
‫في الحالة األسواء بالمقارنة معيـ‪.‬‬

‫ال يمكف ليذا الوضع أف يستمر‪ ،‬وىو ليس بحاجة ألف بستمر أصبلً‪ .‬والجواب الشافي لكامؿ ىذا‬
‫الوضع ىو إدراؾ حقيقة أف الثروة لـ يعد بإمكانيا أف تمثؿ القوة الدافعة والموجية لمحضارة‪ .‬الثروة‬
‫تبقى موجودة ونحف بحاجة ليا‪ .‬فنحف ال نرغب اليوـ أف نحمؿ معزاة إلى السوؽ لمبادلتيا كما كانوا‬
‫يفعموف في الماضي قبؿ استخداـ الماؿ‪ .‬وجب أف تكوف الثروة وسيط لبلستخداـ‪ .‬الثروة ىي خادـ‬
‫سيد رىيب‪ .‬الثروة موجودة لكي يتـ استخداميا وجعؿ الحياة أكثر سيولة ويسر‪ ،‬وليس مف‬
‫جيد لكنيا ّ‬
‫أجؿ إفسادىا‪ .‬يقوؿ البعض بأف المجموعات المالية الصغيرة التي تقطف في لندف ونيويورؾ ىي التي‬
‫تحوؿ الحياة إلى جحيـ بالنسبة لئلنسانية جمعاء‪ .‬لكف ىذا ليس صحيحاً‪ .‬الحقيقة ىي أننا سمحنا‬
‫لمماؿ بأف يكوف شيئاً قائماً بذاتو‪ ،‬يكوف قيمة ممثمة بالماؿ وحده‪ ،‬وأف الرجؿ يعتبر ثري إذا كاف لديو‬

‫‪115‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫مجرد دغدغات عاطفية‬


‫عدد كبير مف األوراؽ المالية‪ .‬لكف ىذا غير صحيح‪ .‬كؿ ىذه األفكار ىي ّ‬
‫في عقمنا الباطف‪ .‬إف حقيقة حوزتنا عمى ىذه األوراؽ قد تكوف مؤمنة لحاجاتنا‪ ،‬لكف في المحظة التي‬
‫نبدأ فييا تجاىؿ وتجاوز كؿ شيء آخر بسببيا نكوف قد وقعنا في مشكمة كبيرة‪ .‬ليس لمماؿ أي فائدة‬
‫إال إذا عرفنا ماذا نفعؿ بو‪ ،‬وكيؼ نستخدمو بأكبر فائدة ممكنة لمصمحة الجميع‪ .‬األوضاع المالية‬
‫العامة في العالـ تتجاوز استيعاب المواطف العادي حالياً‪ ،‬لكف الحقيقة تبقى أف عالمنا ىو عبارة عف‬
‫محموعة مف الخرائب‪ ،‬وكؿ شيء يحاوؿ أف يكسب المزيد مف شيء آخر‪ ،‬وكافة السمطات تعمؿ‬
‫ذىاباً واياباً عائشة عمى حساب جيؿ األكثرية‪ .‬ال يمكننا أف نقبؿ بذلؾ‪ .‬ووجب عمى الثروة أف‬
‫تساعد نا عمى إلغاء ىذه الحالة‪ .‬عمينا أف نستخدـ الماؿ لتحرير الناس مف وىـ الماؿ‪ .‬عمينا استخداـ‬
‫الماؿ لتعميميـ عف القيـ التي عمييـ حمميا معيـ‪ ،‬ليس فقط عبر ىذه الحياة الحالية بؿ إلى ما‬
‫ورائيا‪.‬‬

‫عندما نرسؿ ابننا إلى الجامعة عمينا أف ال نفكر إذا عمينا أف نجعمو طبيب أو محامي أو بعض مف‬
‫تمؾ الميف التي تدر أمواؿ أكثر‪ .‬عمينا أف نمنحو التعميـ الذي يمكنو مف تحسيف نفسو وآمالو‬
‫الداخمية واليامو وقناعاتو‪ .‬وجب أف ُيمنح فرصة إلطبلؽ شيئاً مف داخمو‪ ،‬ألف نمو الناس يأتي مف‬
‫إطبلؽ اإلمكانيات الداخمية لممواطنيف‪ .‬كؿ عضو في المجتمع البشري لديو شيئاً ليقدمو‪ .‬لكف القسـ‬
‫األكبر مف المجتمع ال يريد ما ُيقدـ إليو بيذه الطريقة‪ .‬بؿ يريد فقط ذلؾ الذي يمكنو مف استغبلؿ‬
‫بعضو البعض إلى آخر الزماف‪.‬‬

‫وجب أف ُيستخدـ الماؿ لضماف أف أفضؿ األشياء في الحياة تكوف متوفرة لمذيف يريدوف أف يجنوىا‪.‬‬
‫وعمى كؿ االفراد أف يتمقوا تعميـ كافي ليساعدىـ عمى التمييز بيف الخطأ والصح‪ .‬ليس ىناؾ سبب‬
‫نخرج اليوـ مف الجامعات العظيمة أشخاص ال يعرفوف إف كانوا خيريف أو سيئيف ومعظميـ‬ ‫يجعمنا ّ‬
‫ال يأبيوف بذلؾ‪ .‬عمينا إذاً أف ننتقؿ بالموضوع مف قاعدة اقتصادية إلى قاعدة أخبلقية‪ .‬واالستخداـ‬
‫األخبل قي لمماؿ سوؼ يكوف مساعد ىائؿ‪ .‬قد يشابو األمر عممية االستخداـ األخبلقي لمدواء‪ .‬العموـ‬
‫والفنوف الطبية تمثؿ مساعدة عظيمة إذا لـ يتـ استغبلليا‪ .‬يمكننا إيجاد أشياء عظيمة ورائعة في‬
‫كافة االستكشافات التي حققناىا‪ .‬لكف عمينا مف داخؿ أنفسنا تنمية تمؾ القوة التي يمكنيا التنسيؽ بيف‬
‫تمؾ االكتشافات المختمفة وتكريسيا لخدمة الحاجة اإلنسانية‪ .‬عمينا أف نفعؿ ما ىو ضروري لحماية‬
‫وتقدـ أسباب وجودنا‪ .‬العالـ يتزايد دائماً في عدد سكانو‪ .‬كما أف التيديدات المؤدية لتدميره تتزايد‬

‫‪116‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫يومياً‪ .‬ىذه األشياء وجب مواجيتيا‪ .‬الماؿ لف يستطيع استرجاع ما تدمر عبر دفع ثمنو‪ .‬الماؿ لف‬
‫يدفع ثمف السبلـ‪ ،‬بؿ سوؼ يدفع ثمف التسميح لضماف وجود الحروب‪ .‬الماؿ لف يدفع ثمف‬
‫المساعدة‪ ،‬لكنو وفؽ استخداـ سميـ ومناسب أف يساىـ في تطوير المعرفة التي تستطيع المساعدة‪.‬‬
‫يستطيع الماؿ المستخدـ بشكؿ سميـ وصائب أف يساىـ في تقدـ أي شكؿ مف أشكاؿ المعرفة التي‬
‫تفيد اإلنساف‪ ،‬وحؿ معظـ المشاكؿ االجتماعية في المجتمع‪ .‬يمكنيا أف تعالج مشاكؿ كثيرة تتعمؽ‬
‫بالنزاع وعدـ التفاىـ العائمي‪ .‬يمكنيا أف تؤثر عمى العبلقة بف الوالديف والولد‪ .‬يمكنيا أف تؤثر عمى‬
‫كؿ شيء بشكؿ بناء‪ .‬لكف وجب أف تمثؿ عمـ يرشدنا كيؼ نستخدـ‪ ،‬وبشكؿ بناء‪ ،‬األدوات العائدة‬
‫لمعرؽ البشري‪ .‬وجب أف نجد طرؽ لفعؿ األشياء التي وجب فعميا‪ .‬واف جمبت لنا المرابح أـ لـ‬
‫تجمبيا فيذا ال ييـ‪ .‬ذلؾ الذي يربح اإلنسانية ىو أكثر أىمية مف المربح الذي يذىب إلى المصرؼ‪.‬‬

‫لدينا إذاً ىذه المشكمة المتعمقة بالثروة‪ ،‬والتي ال تجعميا ممثمة لخطر ميدد‪ ،‬بؿ بصفتيا تحدي‪ .‬الفرد‬
‫الذي يستطيع النمو فوؽ سيطرة ما يممكو عميو‪ ،‬ويصبح مكرساً لما ىو عميو‪ ،‬سوؼ يحقؽ الكثير‬
‫لنفسو ولآلخريف‪ .‬يمكننا أف نكوف أناس أكثر سعادة‪ ،‬إذا خضعت إدماناتنا الخارجية لسيطرة قناعاتنا‬
‫الداخمية‪ .‬واذا لـ يكف لدينا ما يكفي مف قناعات إلثبات ىذه الحقيقة فيذا يعني أننا لـ نتمقى ما يكفي‬
‫مف معرفة وعمـ‪ ،‬وىذا يتطمب اإلجراءات البلزمة لنضمف أننا تمقينا التعميـ المناسب والصحيح‪ .‬وجب‬
‫أف ال يتخرج أحد مف المدرسة إذا ال يعمـ الفرؽ بيف االستقامة األخبلقية والربح المادي‪ .‬والذي ال‬
‫يعمـ الفرؽ بيف التعاوف والمنافسة‪ .‬وأيضاً‪ ،‬وجب أف ال يتخرج أحد ال يدرؾ حقيقة أف التنافس ىو‬
‫الموت الحتمي لمتجارة السميمة‪ .‬كؿ ىذه األمور وجب أف يتـ التعامؿ معيا بطريقة سميمة‪.‬‬

‫نحف نعيش عمى كوكب صغير يطوؼ في مساره في مكاف ما في الفضاء‪ .‬وجدنا ىنا لبعض الوقت‬
‫ون رغب في أف نستمر ببقائنا لفترة أطوؿ‪ .‬لكف لتحقيؽ ذلؾ عمينا أف ندرؾ حقيقة أننا كائنات منفية‬
‫بعيداً في الفضاء‪ .‬وفي يوـ مف األياـ قد نقوـ برحمة استكشافية إلى كوكب أورانوس ولف نجده قابؿ‬
‫لمعيش‪ .‬نحف ىنا لكي نتعمـ كيؼ نتعايش مع بعضنا البعض ونصبح ما لـ نتمكف أف نكونو بعد‪،‬‬
‫وىي عائمة واحدة سعيدة‪ .‬عائمة يكوف كافة أعضائيا ميتميف بفائدة ومصمحة اآلخريف‪ .‬كؿ فرد يأمؿ‬
‫األفضؿ لمجميع‪ .‬نكوف سعيديف ومبتيجيف لنجاح اآلخريف إذا كاف ىذا النجاح صالحاً‪ .‬إذا وجدنا‬
‫أحدىـ لديو فكرة جيدة وبنائة نقؼ وراءه وندعمو‪ .‬ليس ىناؾ سبب وراء استعدادنا لتمويؿ كؿ خطة‬
‫تآمرية ممكنة بينما نتردد ألقصى درجة في تمويؿ أي شيء يساىـ في الخير العاـ‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫داخؿ الطبيعة البشرية يوجد شيء خفي جداً‪ .‬في مكاف ما يكمف بداخمنا يوجد آلية أكثر تطو اًر مف‬
‫أي شيء يمكف لئلنساف اختراعو‪ .‬بعض الناس يعتقدوف بأننا نحوز عمى الكمبيوتر الحيوي الوحيد‪،‬‬
‫لكف الحقيقة ىي أف الكمبيوتر الذي نعرفو اليوـ يساوي جانب واحد صغير في العقؿ البشري‪.‬‬
‫والكمبيوتر الصناعي الذي نعرفو اليوـ ال بد مف أف يتعطؿ وتسوء حالو في النياية ألنو تـ اختراعو‬
‫لغاية الكسب بدالً مف االستخداـ السميـ‪ .‬أينما يقوـ الفرد باالختراع فقط لغاية التقدـ في تجميع‬
‫الثروة‪ ،‬سوؼ لف نجد الجواب الذي نبحث عنو ىناؾ‪ .‬لكف يوجد في كؿ شخص مركز لموعي‪ ،‬وىو‬
‫مشابو أكثر أو أقؿ لكمبيوتر كوني‪ ،‬إذا صح التشبيو‪ ،‬يوجد شيء فيو يعرؼ أكثر مما يمكف لئلنساف‬
‫معرفتو عمى مدى زمني طويؿ‪ .‬يوجد ىناؾ ش اررة مف األلوىية األبدية‪ ،‬تمؾ الحياة والنور عديـ‬
‫التسمية‪ ،‬والذي يتجمى في كؿ مخموؽ أو كائف في ىذا العالـ‪ .‬ىذا الشيء الذي يمثؿ األخبلؽ‬
‫األعظـ والنزاىة األعظـ‪ .‬ىو قوة ىائمة‪ .‬ىو قانوف مجرد مف الكممات‪ .‬قانوف مدعوـ فقط مف قبؿ‬
‫صبلحو وعفتو‪ .‬داخؿ كؿ إنساف يوجد إمكانية‪ .‬يوجد فف وموسيقى وأدب‪ ..‬جميعنا موىوبيف‬
‫بمصادر داخمية أكثر قيمة مف أي شيء يمكننا تعممو عبر الدراسة في المدرسة‪.‬‬

‫الغاية مف التعميـ كما فيميا القدماء ىي تعزيز واطبلؽ العزيمة الداخمية‪ .‬التعميـ ىو في األصؿ‬
‫عممية تحفيز الداخؿ ليخرج ويتجمى خارجاً ويصبح معروفاً‪ .‬أما اليوـ فإف التعميـ ييدؼ إلى حبس‬
‫الذي في الداخؿ ومنعو مف الخروج‪ .‬وذلؾ عبر منع الفرد مف القياـ بأي تفكير بنفسو‪ .‬نحف نرغب‬
‫في الفرض عمى كؿ طفؿ المظير المخادع الذي نعاني منو نحف‪ .‬نريدىـ أف يقترفوا نفس األخطاء‬
‫التي نقترفيا‪ .‬ونعتقد مرتاحيف الباؿ بأنو بعد أف نرحؿ مف ىذا العالـ‪ ،‬وليس قبؿ‪ ،‬سوؼ يكتشؼ‬
‫أوالدنا كـ كنا مخطئيف‪ .‬ىذا ال يعود سببو إلى أف الجميع ينوي أف يكوف مخادعاً‪ .‬إنو فقط قصر‬
‫نظر‪ ،‬مع فقداف كمية كبيرة مف القيـ‪ .‬عندما كاف الديف ميماً في العالـ كاف لدينا الكثير مف‬
‫االستبداد والطغياف‪ .‬لكف كاف لدينا في الوقت نفسو مخزف كبير مف االستقامة والنزاىة والتي‬
‫أصبحت اليوـ مفقودة لدينا‪ .‬الديف كاف شيئاً وضع قوة إليية فوؽ غاياتنا البشرية الدنيوية‪ .‬الديف‬
‫تحدث وفؽ مفيوـ الغاية اإلليية‪ ،‬سبب إليي لئلشياء ويتجاوز أخطائنا وسوء توجيينا‪ ،‬وأنو بطريقة‬
‫ما عبر الكشوفات واألنبياء والحكماء والصوفية وغيرىا‪ ،‬يمكف إيصاؿ ىذه الخطة اإلليية لمبشرية‪.‬‬
‫جميع اآللية عبر العصور التاريخية تحدثوا مع رسميـ ومتنبئييـ في سبيؿ إرشاد وتحسيف البشرية‪.‬‬
‫لقد استممنا منيـ جميعاً شرائع وقوانيف ذىبية ووصايا وكؿ أنواع النصح والتوجييات‪ ،‬حوؿ كيفية‬

‫‪118‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫العيش كأشخاص‪ ،‬وكيؼ يمكف لمفرد أف يصقؿ وييذب قناعة معينة بداخمو والتي تجعمو مستحقاً‬
‫متديف بالفعؿ‪ ،‬أو يكرس نفسو لمغاية الكونية لؤلشياء‪.‬‬
‫العتباره شخص ّ‬

‫كؿ ىذه الدوافع والمحفزات الداخمية تـ قمعيا وقمعيا بالكامؿ اليوـ‪ .‬نحف لـ نعد نمنح أي فرصة لمفرد‬
‫أف يمثؿ نفسو‪ .‬نفرض عميو‪ ،‬بنية حسنة طبعاً‪ ،‬فقط ذلؾ الذي يمنحو األماف الجسدي‪ .‬ورغـ ذلؾ‬
‫نجد أف ذلؾ األماف الجسدي يتبلشى مع مرور كؿ يوـ‪ .‬ىو يتبلشى أمامنا بسبب سوء تصرفات‬
‫طبيعتنا‪ .‬بالتالي ال بد مف وجود شيء أفضؿ‪ .‬كؿ األشياء المادية والممموسة ىي أدوات لما ىو غير‬
‫مرئي وغير ممموس‪ .‬كؿ شيء يستخدـ عموماً ىو أداة لغاية سرية‪ .‬عيوننا ليست فقط لكي نرى فييا‬
‫األشياء أو نشاىد بيا التمفزيوف‪ ،‬بؿ عيوننا موجودة مف أجؿ مساعدتنا عمى فيـ الحياة وفيـ‬
‫الطبيعة‪ .‬ىي تمنحنا الممكة أو القدرة عمى تغذية كافة أنواع النبضات والرغبات والشيوات السرية‬
‫الداخمية والتي ىي نبيمة بذاتيا‪ .‬آذاننا موجودة لسماع األشياء الجيدة وليس ضجيج موسيقى الروؾ‬
‫أند روؿ‪ .‬ممكاتنا المختمفة وادراكاتنا الحسية المتنوعة تفتح لنا عوالـ تتجاوز حدود استيعابنا‪ .‬نستطيع‬
‫مشاركة حكمة كؿ األزماف‪ .‬نستطيع تقبؿ فضائؿ الماضي‪ .‬نستطيع النمو مع كؿ شيء ينمو‪ .‬إال‬
‫إذا كبمنا أنفسنا بنوعية محددة مف العيش والتي ترفض أي شيء غير قابؿ لبلستثمار المالي‪ .‬عمينا‬
‫أف نتخمص مف تمؾ الفكرة القائمة بأف كؿ أنواع النجاح تقاس وفؽ مفيوـ الربح المالي‪ .‬لكف ماذا‬
‫سيربح اإلنساف إذا كسب الكوكب بكاممو لكنو فقد روحو؟ الناس لـ تعد تتذكر ىكذا حكـ وأقواؿ ألنيا‬
‫تزعجيـ وتشعرىـ بالحرج‪ .‬لكف في ىذه المقولة حقيقة ىائمة‪ ،‬والناس بحاجة أحياناً لمشعور بالحرج‪.‬‬
‫لكنيـ مع ذلؾ لف يتقبموا الفكرة مف المقولة السابقة‪ .‬سوؼ لف يتبعوا أبداً الطريقة األخرى المخالفة‬
‫لطريقتيـ المنحرفة الحالية‪ .‬لكف بطريقة معينة وتحت ضغط الظروؼ‪ ،‬وعبر تحطيـ منظومة مسخة‬
‫أثبتت فشميا حتماً‪ ،‬ربما يمكننا أف نقترب أكثر إلى إدراؾ تمؾ المنظومة التي مقدر ليا أف تنجح‪.‬‬

‫مف بيف كامؿ ىذه المسألة نجد أف موضوع اإلنسانية يواجو الخطر الحقيقي‪ .‬نحف كائنات بشرية‪.‬‬
‫البشرية تعني المعاممة اإلنسانية‪ ،‬تعني الرفقة‪ ،‬الرأفة‪ ،‬التعاوف‪ ،‬كرـ األخبلؽ‪ ،‬الحياة المطيفة‪ .‬بصفتنا‬
‫كائنات بشرية‪ ،‬ليس مفروض عمينا أف نعاني مف صراعات الغابة والتي مف المفروض أننا تركناىا‬
‫ويدمر مف أجؿ‬ ‫ورائنا منذ زمف بعيد‪ .‬لـ نعد نمثؿ جزء مف ذلؾ الذي يقتؿ لكي يعيش‪ .‬أو يقاتؿ ّ‬
‫تثبيت منطقة السيطرة‪ .‬كؿ ىذه األشياء تنتمي لشكؿ حياة مف المفروض نظرياً أننا ارتقينا فوقيا‪.‬‬
‫بالتالي بصفتنا كائنات بشرية‪ ،‬إنو مف حالتنا الطبيعية أف نجتمع معاً بسبلـ وبطريقة صدوقة‪ .‬نحف‬

‫‪119‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫بشر بكؿ بساطة‪ ،‬وأساس إنسانيتنا ىو التعاوف‪ .‬نحف أوؿ مخموقات نعرفيا حتى اآلف والتي أصبحت‬
‫عمى إدراؾ بحقيقة أننا نستطيع العيش سوياً بسبلـ‪ .‬نحف المخموقات الوحيدة التي وضعت أىداؼ‬
‫كثيرة فوؽ أولوية الطعاـ والتوالد‪ .‬نحف المخموقات الوحيدة التي رفعت نظرىا باتجاه شيء سامي‪،‬‬
‫وأدركنا بأننا بطريقة ما نمثؿ أقارب المبلئكة‪ .‬نحف نعرؼ أفضؿ‪ .‬نحف نشعر ونحس بأننا ُمنحنا شيئاً‬
‫مف المفروض أف نستخدمو بحكمة وبمحبة وببراعة‪ .‬واذا استطعنا فيـ ىذه الحقيقة‪ ،‬سنكتشؼ بأف‬
‫كؿ ما نتوصؿ إليو‪ ،‬كافة المعادف في باطف األرض‪ ،‬كافة النباتات في األرض‪ ،‬كافة القوى الطبيعية‬
‫المتنوعة مف حولنا‪ ،‬كميا موجودة ىنا لكي تساعدنا‪ .‬ىي تمثؿ أجزاء مف البيئة‪ .‬لكف ليست قوى‬
‫البيئة ىي التي تقولبنا‪ ،‬بؿ نحف الذيف نقولبيا جميعاً‪ .‬إذا الغابة لـ تغيرنا مف األساس‪ ،‬بينما نحف‬
‫لدينا القدرة عمى تدمير الغابة إلى األبد‪ ،‬مف األفضؿ اف ننضبط ونعيش بطريقة صائبة لكي تبقى‬
‫الغابة وتستمر في الحياة‪ .‬باإلضافة إلى كونيا ترعانا وتيتـ بحاجاتنا‪ ،‬ىذه الغابة تفعؿ الشيء نفسو‬
‫مع آالؼ الكائنات األخرى‪.‬‬

‫بالتالي فإف الحماية والحب والتفيـ‪ ،‬جميع ىذه العوامؿ تساىـ في تقدـ الغاية‪ .‬بينما الطمع يدمر‪.‬‬
‫ذلؾ الذي ىو أناني يعمؿ عمى تدمير نفسو حتى آخر الزماف‪ .‬بالتالي فقد حاف الوقت لؤلشخاص‬
‫المتعقميف أف يولو ىذا الموضوع المزيد مف االىتماـ‪ .‬نحف ىنا ألننا نؤمف بأننا نحاوؿ إيجاد طريقة‬
‫حياة أفضؿ‪ .‬نحف نبحث عف تمؾ الحقائؽ التي تحافظ عمى بقائيا بعد تبلشي األمـ والحضارات‪.‬‬
‫نحف نبحث عف طريقة غير مؤذية‪ ،‬حيث الرحمة لمجميع واإلحساف لمجميع‪ .‬ىذا النوع مف التفكير‬
‫يعتبر جوىري جداً بالنسبة لؤلئؾ الذيف يحاولوف أف يكونوا أناس أفضؿ‪ .‬ألنو مع كؿ جيودنا ألف‬
‫نكوف روحييف فعمياً وحكماء فعمياً وانسانييف عممييف فعمياً‪ ،‬يبقى ذلؾ النؽ بداخمنا والذي يعود سببو‬
‫إلى العطؿ والضرر الذي سببو التدريب الخاطئ‪ .‬أينما يوجد ضرر عمينا تحديده وتمييزه ومف ثـ‬
‫تصحيحو‪ .‬إذا تـ إنشائنا وتربيتنا بطريقة خاطئة فعمينا إذاً أف نرتقي فوؽ أخطاء الماضي ونعيش‬
‫عبر فضائؿ المستفبؿ‪ .‬ىذه ىي األشياء التي عمينا فعميا‪ ،‬واذا فعمناىا سوؼ نجد بأنو كؿ وسيط‬
‫مالي نحوزه لـ يعد يمثؿ شي شرير وجب مقاتمتو‪ ،‬بؿ شيء جميؿ وجب استخدامو‪ ،‬والذي قمنا سابقاً‬
‫بتشوييو بسبب أنانيتنا‪ .‬كافة المصادر الطبيعية ىي خيرة‪ ،‬لكف تشويييا حصؿ بفعؿ األفكار السمبية‬
‫لمكائنات البشرية‪ .‬لذلؾ لـ نعد بحاجة إلى تمؾ اإلفكار إذا استطعنا ذلؾ‪ .‬نحف نريد مف كافة‬
‫مصادرنا أف يتـ استخداميا لفائدتنا جميعاً‪ .‬ومف خبلؿ فعؿ ذلؾ بيدؼ إحراز النياية التي تستيدفيا‬
‫الخميقة والتي ىي قوية بما يكفي لتحرزىا بنجاح‪ ،‬بغض النظر عف آرائنا المختمفة حوؿ ىذا‬

‫‪123‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫الخصوص‪ .‬بالتالي فإف الثروة ىي أوالً ثروة التفيّـ الداخمية‪ ،‬والتي تمنحنا الحكمة والبراعة الستخداـ‬
‫ممتمكاتنا الخارجية وفقاً لقوانيف الخمؽ والتوزيع واالفتداء‪ .‬إذا كانت ىذه األمور سميمة فسوؼ تكوف‬
‫حالتنا أفضؿ‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫الجزء الثاني‬

‫اَتصاس انشٔح عهى انظشٔف انذٌٍَٕح‬

‫‪122‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫اإلمياٌ‬
‫اليقين الداخمي بالخير األبدي‬

‫يمكف تمخيص ىذا الموضوع مف خبلؿ ما قالو أفبلطوف عف غاية الفمسفة‪ ،‬حيث ىدفيا ىو بناء‬
‫أساس متيف لئليماف‪ .‬ليس ىناؾ أي قيمة لمفمسفة سوى أف تمثؿ خادـ يعمؿ عمى ترسيخ قناعاتنا‬
‫مجرد اعتقاد بشيء ما‪ ،‬حيث ىناؾ الكثير مف‬
‫بأشياء متجاوزة لممرئي والممموس‪ .‬اإليماف ليس ّ‬
‫الشعوب التي لدييا معتقدات رائعة‪ ،‬وفي بعض الحاالت نجد أف تمؾ المعتقدات تحتوي عمى‬
‫اإليماف‪ ،‬لكف ليس دائماً‪ .‬ألنو عمى اإليماف أف يحوز عمى محتوى‪ .‬عمى اإليماف أف يكوف محاطاً‬
‫بشيء لو تبريره‪ .‬الفرد في ىذه األياـ ليس سيؿ اإليماف‪ .‬ال يستطيع ببساطة افتراض عقيدة معينة‪،‬‬
‫رغـ أنو قد يتقبؿ ىذه العقيدة ويذىب إلى الكنيسة أو الجامع ويمارس كافة الفرائض الدينية‪ ،‬أو‬
‫ينتسب إلى مذىب فكري معيف‪ ،‬لكف ىذا العمؿ ال يشمؿ اإليماف‪ .‬اإليماف ىو االختبار الداخمي‬
‫لمقيمة األبدية‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫قسـ القدماء عممية البحث عف الحقيقة إلى ثبلثة توجيات‪ ،‬ىي الديف والفمسفة والعمـ‪ .‬في العصر‬
‫ّ‬
‫الحديث تـ إلغاء العامؿ الفمسفي‪ ،‬وبرز مصطمحاف رئيسياف ىما العمـ والديف‪ ،‬حيث يمثبلف القسميف‬
‫الرئيسي يف لممعرفة اإلنسانية‪ .‬كاف ىذا خطأ كبير‪ .‬حتى عممية التقسيـ والفصؿ كانت خاطئة‪ .‬ليس‬
‫ىناؾ أي انقساـ في الحقيقة‪ .‬طالما بقي كؿ مف ىذه المناىج المعرفية مفصولة عف بعضيا سوؼ‬
‫يستمر التعارض والنزاع‪ .‬وطالما كاف ىناؾ تعارض ونزاع سوؼ لف يكوف ىناؾ إيماف صافي‪.‬‬
‫وجب أف ال يكوف اإليماف منقسماً‪ .‬ال يمكف أي يكوف لدينا مؤمنيف وغير مؤمنيف‪ .‬وغاية الفمسفة ىي‬
‫إزالة المسافات بيف المناىج المعرفية لكي تجتمع في تعزيز شيء واحد وحيد وىو اإليماف الكمي‪ .‬في‬
‫تعبيره الكامؿ والفضيؿ‪ ،‬اإليماف ىو االختبار الكامؿ إلدراؾ أبدية الخطة اإلليية‪ .‬اإليماف ىو ذلؾ‬
‫الذي يجعمو واضحاً لنا جميعاً سيادة تمؾ القوة التي تحكـ كؿ األشياء‪ .‬ىذه القوة العميا كانت والزالت‬
‫موجودة دائماً وأبداً‪ .‬وكاف ليا اعتبار ومكانة عند المفكريف عبر العصور‪ ،‬لكننا انجرفنا عنيا اليوـ‪.‬‬
‫قد نتقبميا كواقع فعمي‪ ،‬لكف ناد اًر ما نولييا أي اعتبار خبلؿ تفكيرنا اليومي أو خبلؿ عيش حياتنا‬
‫اليومية‪ .‬ليس بشكؿ دائـ ندرؾ في عالمنا الظواىري دالئؿ عمى الخطة الشمولية لؤلشياء‪ .‬لكف في‬
‫الحقيقة فإف كافة أشكاؿ المعرفة موجودة لغاية واحدة فقط وىي الكشؼ عف الطبيعة الجوىرية‬
‫لؤلشياء‪ .‬وعندما يحققوف ذلؾ يكتشفوف بأف الطبيعة الجوىرية لتمؾ األشياء ىي واحدة مع الكائف‬
‫اإلليي‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬نحف ال نتوقؼ عف دراسة عمـ التشريح مجرد إنجازنا تشريح الجسـ‪ ،‬وكذلؾ ال‬
‫مجرد أف رسمنا لوحة جميمة‪ ،‬بؿ نفعؿ ما ربما فعمو أسياد "الزف" في الياباف‪ ،‬حيث‬
‫ننيي مجاؿ الفف ّ‬
‫كانو يبقوف في حالة سكوف ثـ يسمحوف لمواقع أف يرسـ الموحات بدالً منيـ لكف مف خبلليـ‪ .‬ىـ لـ‬
‫يكونوا فنانيف بطبيعتيـ‪ ،‬بؿ يعتبروف أنفسيـ وكبلء لفطرة فنية أبدية تسكف في الكوف‪.‬‬

‫اإليماف إذاً يمكف اعتباره فطرة غريزية مبطنة في الكوف‪ .‬لكننا ناد اًر ما نولي ىذه األمور أي اعتبار‬
‫أو اىتماـ‪ .‬نتمقى تقرير مف مؤسسة عممية يعمف اكتشافو عبلج جديد لمرض الربو‪ ،‬يمكننا اعتبار‬
‫ىذا أمر ميـ فعبلً وما مجاؿ لمشؾ بخصوصو‪ ،‬لكف ناد اًر ما يعني ىذا اإلعبلف وجود أي فيـ‬
‫حقيقي لممرض‪ ،‬أو أننا أنجزنا المعرفة النيائية بأف كؿ جزء مف التحميؿ الطبي ىو في الحقيقة جزء‬
‫مف تحميؿ الحقيقة‪ .‬كؿ عارض مرضي يمثؿ جزء مف معرفة الخطة اإلليية والغاية اإلليية‪ .‬كؿ‬
‫شيء سيء وجيد تمثؿ شواىد عمى واقع واحد‪ .‬ما نسميو سيء ىو ذاؾ الذي ال ننوي دعمو وتعزيزه‪.‬‬
‫نحف نعتقد بأف السيء ىو الذي ال نريده‪ ،‬لكننا في الحقيقة قد نكوف بأمس الحاجة إليو‪ .‬لذلؾ عمينا‬
‫أف ننظر إلى اإليماف وفؽ مفاىيـ البحث في كؿ مجاؿ معرفي لموصوؿ إلى جذوره‪ .‬وأينما وجدنا‬

‫‪124‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫الجذر نجد أنفسنا في حضور حكمة أبدية وتجمّي أبدي‪ .‬نكتشؼ فجأة بأف العامؿ العادي يعمؿ تحت‬
‫قانوف أبدي‪ .‬الحرفي والفناف والمختص‪ ..‬جميعيـ خداـ لجانب معيف مف الواقع‪ .‬والجوانب المتعددة‬
‫لمواقع ىي متجذرة جميعاً في مبدأ أبدي واحد‪.‬‬

‫بالتالي فإف التقدـ في أي شكؿ مف المعرفة ىو في الحقيقة تقدـ نحو واقع واحد وحيد‪ .‬ىذا الواقع‬
‫الواحد قد يتـ تقبمو‪ ،‬الكثير مف الناس يتقبمونو‪ ،‬الكثير مف الناس يؤمنوف بو‪ ،‬لكف القميؿ جداً مف‬
‫الناس اختبروه عممياً‪ .‬القميؿ جداً مف األفراد أصبحوا عمى معرفة متزايدة بالغاية اإلليية‪ .‬انيـ أكثر‬
‫ميبلً لمعرفة الحاجات البشرية المباشرة‪ ،‬لكف الحاجات البشرية تمثؿ جانب واحد فقط مف الغاية‬
‫اإلليية‪ .‬بالتالي كاف أفبلطوف عمى حؽ عندما أشار إلى كافة أشكاؿ التعميـ بأنيا جميعاً خادمة‬
‫مطبؽ عمى اإليماف‪ .‬كؿ تعميمنا ىو نوع مف التعميـ المقدس‪.‬‬
‫لمحقيقة‪ .‬والحقيقة بذاتيا تمثؿ مصطمح ّ‬
‫حتى أكثر مؤسساتنا عممانية ىي أجزاء مف الخطة اإلليية‪ .‬كؿ مبنى أو منزؿ أو مكتب أو محطة‬
‫معيف‪ .‬ىي‬
‫أو مطار‪ ..‬كؿ واحد مف ىؤالء ىو منزؿ الحقيقة‪ .‬إنيا بطريقة غامضة تحقؽ قانوف ّ‬
‫تكشؼ عبر ىيكمي ا البنيوي وميارة عقوؿ مف يسكنيا أو يعمؿ فييا مف بشر‪ .‬وىذه العقوؿ بدورىا‬
‫متج ّذرة في العقؿ اإلليي‪ .‬لذلؾ كؿ ما يحصؿ في العالـ ىو مقدس بطريقة ما‪ .‬كؿ شيء نحاوؿ‬
‫فعمو ىو مميـ بدرجة معينة مف بصيرة في شيء أعظـ منا‪.‬‬

‫رغـ ذلؾ كمو فإف معظـ الناس ال يستكشفوف ىذه األمور‪ .‬إنيـ ال يعتبرونيا أصبلً‪ .‬يعيشوف فقط‬
‫عمى السطح حيث تسيطر مواضيع النجاح والفشؿ في ىذه الدنيا‪ .‬يعيشوف حياتيـ‪ ،‬خصوصاً في‬
‫ىذه الفترة بالذات مف الحضارة‪ ،‬مع غياب تاـ لؤلسس والقواعد‪ ،‬وىذا بدأ يتوضح أكثر وأكثر‪ .‬نحف‬
‫نفقد واقع االختبار العممي‪ .‬االختبار العممي ال يمثؿ شيء إذا لـ يعممنا شيئاً‪ .‬إذا كاف االختبار‬
‫يكتفي بجعمنا غاضبيف عمى بعضنا البعض‪ ،‬أو يجعمنا نمعف العالـ الذي نعيش فيو‪ ،‬أو يمنحنا‬
‫الشعور بوجوب استغبلؿ بعضنا البعض‪ ،‬إذا كانت ىذه ىي األشياء التي نختبرىا نكوف قد فشمنا‬
‫بالكامؿ في التقدـ بغايات البرنامج الكوني األبدي‪ .‬عمينا أف نفعؿ األشياء التي ىي صائبة‪ .‬حتى‬
‫األشياء األصغر‪ ،‬أصغر الفضائؿ‪ ،‬تمثؿ تعبير عف اإليماف األبدي‪ .‬نحف ال نعمـ بأنو إيماف‪ .‬ربما‬
‫نظف بأنيا إرضاء لعواطفنا التي تحفزنا عمى فعؿ شيء فاضؿ أو قوؿ شيء فاضؿ‪ .‬لكف ىذه‬
‫األشياء الفاضمة ىي في الحقيقة تعابير عف إيماف عميؽ متجذر‪ .‬ىي كما عروؽ الذىب في‬
‫الصخور تحت األرض‪ .‬ىي عروؽ الواقع الحقيقي وسط عالـ مف األوىاـ‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫بالتالي عندما نقارب مسألة اإليماف‪ ،‬نيتـ أكثر في محاولة فيـ كيؼ يمكننا زيادة اإليماف‪ .‬كافة‬
‫أشكاؿ المعرفة تستند عمى شيء ما‪ .‬الرياضيات تمثؿ عمـ دقيؽ‪ .‬عمـ الفمؾ ىو عمـ دقيؽ‪ .‬عمـ‬
‫الدواء ىو عمـ دقيؽ‪ .‬بالتالي عمى كؿ ىذه المعارؼ‪ ،‬وفؽ درجة صحتيا‪ ،‬أف تساىـ في اختبارنا‬
‫يطوروف شكؿ مف‬
‫لئليماف‪ .‬لكنيا في الحقيقة ال تفعؿ ذلؾ في معظـ الحاالت‪ .‬بعض الجيات اليوـ ّ‬
‫أشكاؿ العبلج وىو بقسمو األكبر متعمؽ باالعتقاد أو باإليماف‪ .‬لكف مف أجؿ أف تحصؿ عمى إيماف‬
‫أكثر قوة بحيث يمكنو التغمب عمى محدوديات الجسـ والزمف والظروؼ‪ ،‬عمينا أف نستخدـ وسيمة‬
‫ثبلثية الجوانب‪ .‬الثبلثية مؤلفة مف‪ :‬التوقع‪ ،‬االختبار‪ ،‬والتجربة‪ .‬ىذه ىي األدوات التي تتعرؼ عمى‬
‫ومجرد أف تـ التعرؼ عمى الحقيقة بيذه الوسيمة الثبلثية‪ ،‬حينيا يمكننا اإلجابة عمى‬
‫ّ‬ ‫ما ىو حقيقي‪.‬‬
‫ما ىو اإليماف‪ .‬بالتالي فإف اإليماف يستند عمى االختبار الحقيقي لكؿ شيء يحصؿ‪ .‬يستند عمى‬
‫ابتداء مف الكمبيوترات وانتياء بكيفية صنع‬
‫ً‬ ‫التنوع االنيائي لفرص التعمـ‪ .‬ويمكننا تعمـ أي شيء‬
‫فنجاف قيوة‪ .‬لكف الغاية النيائية ليا جميعاً تجتمع في شيء واحد وحيد‪ :‬أف نبني أساس متيف يعزز‬
‫اإليماف لدينا‪.‬‬

‫اإليماف ىو الجزء الوحيد مف حياتنا والذي يمكنو أف يدعمنا في كافة الحاالت الطارئة في الوجود‪.‬‬
‫اإليماف ىو شيء حاضر بشكؿ أبدي والنيائي خبلؿ تقديرنا لئلمور‪ .‬لذلؾ عمينا فيمو جيداً‪ .‬اإليماف‬
‫مجرد إعتقاد بؿ ىو قوة بذاتيا‪ .‬ىو تمؾ القوة بداخمنا والتي عندما يتـ تعزيزىا تجعمنا أكثر‬
‫ليس ّ‬
‫عظمة مف أي ظرؼ نواجيو‪ .‬يستمر اإليماف في دعـ الفضيمة رغـ حضور المسائؿ المحبطة‬
‫والقاسية‪ .‬بالتالي فإف اإليماف ىو قوة اإلنساف الداخمية‪ .‬ىو يمثؿ بالنسبة لحياتو الداخمية نفس ما‬
‫يمثمو النجاح أو الثروة بالنسبة لحياتو الخارجية‪ .‬قد يكوف الفرد قوياً مف ناحية الثروة لكنو ضعيؼ‬
‫مف ناحية اإليماف فتكوف حياتو بالتالي بائسة‪ .‬نحف نسيء استخداـ األشياء التي ال نفيميا‪ .‬سوء‬
‫االستخداـ يبرز مف الجيؿ‪ .‬ليس ضرورياً أف يعني الجيؿ بأننا ال نستطيع القراءة والكتابة‪ .‬الجيؿ‬
‫ىو حالة أننا لـ نكتشؼ الحقيقة الكامنة عند جذر الحياة‪ .‬وتمؾ الحقيقة تمثؿ االستقامة المطمقة‪ .‬واذا‬
‫الشر‪.‬‬
‫لـ نستوعب ذلؾ فربما نشكؾ بوجود اهلل‪ ،‬أو نفعؿ كما يفعؿ الكثيروف حيث يؤمنوف بوجود ّ‬
‫مجرد حالة نقص‪ .‬ىو يمثؿ فراغ بدالً مف وجود امتبلء‪.‬‬
‫الشر ىو ليس شيء قائـ بذاتو‪ .‬ىو ّ‬
‫لكف ّ‬
‫الشر ىو حالة مساومة عمى المبادئ ألف المبادئ قد ال تكوف قوية بما يكفي لتطغي عمى حياة‬
‫الشخص‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫بالتالي في اإليماف نكوف في حالة عمؿ دائـ مف أجؿ االختبار الداخمي‪ .‬لكف االختبار الداخمي وحده‬
‫التطرؼ والتعصب‪ .‬قد يقود إلى كافة أنواع المعتقدات واألفكار‬‫ّ‬ ‫قد يقود ليس إلى اإليماف بؿ إلى‬
‫والعقائد المتطرفة والتي ليس لدييا أي محتوى مف النزاىة واألخبلؽ‪ .‬لذلؾ عمينا أوالً أف نثبت واقعية‬
‫اإليماف‪ .‬عمينا استخداـ األدوات التي تساعدنا عمى اكتشاؼ االستقامة المطمقة لمفضاء واإليماف‪.‬‬
‫نفعؿ ذلؾ مف خبلؿ دراسة التاريخ وكذلؾ كؿ العموـ‪ ،‬فنكتشؼ دقة الرياضيات‪ ،‬ونستنتج بأف‬
‫الرياضيات موجودة لغاية أكثر أىمية مف مجرد عد األمواؿ وحساب المرابح‪ .‬نحف نعرؼ حقائؽ‬
‫فمكية أيضاً‪ ،‬لكف ىناؾ الكثير مما وجب معرفتو عف الكوف‪ ،‬بدالً مف االكتفاء بمعرفة عدد الكواكب‬
‫مجرتنا‪ .‬نحف نعرؼ حتمياً بأف فف العبلج يمثؿ‬
‫في مجموعتنا الشمسية وعدد الثقوب السوداء في ّ‬
‫جزء مف ىذا المبدأ العظيـ‪ ،‬لكننا ال زلنا نكافح مع ىذه الوسائؿ الحالية والتي ىي غير كاممة‪،‬‬
‫وعندما نحقؽ اكتشاؼ صغير نشعر بفرحة كبيرة‪ .‬لكف كؿ ىذه األشياء ىي فعمياً طرؽ يمكننا مف‬
‫خبلليا استكشاؼ التجمي اإلليي لموجود‪ ،‬والذي ىو حاضر في كؿ شيء‪ .‬بمكننا التكمـ عف كؿ ما‬
‫نريده ونخترع كؿ ما نريده‪ ،‬لكننا ال نستطيع خمؽ ذلؾ الذي يتجمى في الطبيعة أو ذاؾ الذي يتجمى‬
‫في الحياة الداخمية لؤلشياء‪ .‬نستطيع زراعة البذرة وننمي النبتة‪ ،‬لكننا ال نستطيع خمؽ تمؾ الحياة‬
‫المت جمية في البذرة‪ .‬لدينا كافة أنواع السعادة وكافة أنواع البؤس‪ ،‬لكف خمؼ كؿ ىذه األمزجة يوجد‬
‫إما عممية تعزيز لئليماف أو عممية إضعاؼ لو‪.‬‬

‫كاف فيثاغورث‪ ،‬ومعظـ الفبلسفة اإلغريؽ‪ ،‬يود أف يتناوؿ عممية البحث عف اإليماف تحت عناويف‬
‫مثؿ الفمؾ والرياضيات والموسيقى‪ .‬اختاروا ىذه المجاالت بسبب الدقة التي تتصؼ بيا‪ .‬لكنيـ ذىبوا‬
‫أبعد مف ذلؾ بفكرة الدقة التي يتصؼ بيا الوجود عموماً‪ .‬في الواقع فإف الوجود ىو قانوني بالكامؿ‪،‬‬
‫خير بالكامؿ‪ ،‬وىو مصمـ لتحقيؽ كماؿ كؿ ما ىو موجود‪ .‬لكف ىذه الفضائؿ العظيمة ليست‬
‫ىو ّ‬

‫‪127‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫واضحة بشكؿ مباشر لنا‪ .‬عمينا أحياناً أف نتعمـ كيؼ نعيش مف خبلؿ اختبار الموت‪ .‬وليذا السبب‬
‫نجد أف فكرة التقمص تمعب دور ميـ جداً في فمسفتنا في الحياة‪ .‬ىذه الفكرة تزيؿ بعض التساؤالت‬
‫التي يعجز اإلجابة عمييا والتي حيرت أسبلفنا‪ .‬ىذه الفكرة تتقدـ بنا خطوة إضافية نحو كوف صادؽ‬
‫وكامؿ تماماً‪ .‬تذكرنا‪ ،‬كما تفعؿ كؿ األشياء األخرى‪ ،‬بأف اليوـ نحف نواجو المشاكؿ في كؿ مكاف‬
‫ألننا تجاىمنا القوانيف وفشمنا في المحافظة عمى اإليماف‪.‬‬

‫ىذا الكوكب الصغير الذي نعيش فيو ىو شيء جميؿ جداً‪ .‬ىو شيء رائع‪ .‬وىو يحافظ عمى اإليماف‬
‫بالحقيقة ألنو ال يستطيع فعؿ أي شيء آخر‪ .‬ىو يمثؿ التجسيد البلنيائي لمخير البلنيائي‪ .‬لكف نحف‬
‫العائشيف عمى ىذا الكوكب ندخؿ في كافة أنواع المشاكؿ‪ ،‬غالباً ألننا نتقدـ بالعمـ لكننا لـ نتقدـ‬
‫بالتفيّـ‪ .‬نحف نزداد براعة كؿ الوقت لكف مع أقؿ فضيمة‪ .‬نحف نزداد ثراء لكف مع أقؿ سعادة‪ .‬ومع‬
‫سيرنا قدماً تدريجياً نجد سوء أفعالنا بأنيا المسؤولة عف البؤس الذي نود أف ننسبو إلى جية أخرى‪.‬‬
‫ىا نحف ىنا موجوديف عمى ىذا الكوكب الصغير حيث يمكننا جميعاً تعمـ الكثير‪ .‬لكننا مشغوليف‬
‫جداً في محاولة التعامؿ مع الصعوبات التي سببناىا نحف بأنفسنا‪ ،‬وليس لدينا الوقت لندرؾ بأف ىذه‬
‫الصعوبات ىي دالئؿ واضخة عمى العدالة األبدية لمحياة‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬ىذه الصعوبات موجودة ليس‬
‫ألف القوانيف ىي سيئة‪ ،‬بؿ ألف خرؽ القوانيف ىو سيء‪ .‬الخطة اإلليية ليست مميئة بالشر والمعاناة‪،‬‬
‫بؿ خرقيا يسبب الشر والمعاناة‪.‬‬

‫لقد فقدنا إذاً اليوـ جماؿ اإليماف‪ .‬فقدنا السكوف وروعة إدراؾ حقيقة أننا نعيش في كوف فحواه السبلـ‬
‫لكننا عكرنا صفوتو‪ .‬المشاكؿ التي نعاني منيا اآلف لـ تتساقط عمينا مف السماء‪ ،‬بؿ ىي تتولد مف‬
‫أخطائنا‪ .‬ىي العواقب العادلة لسوء أفعالنا‪ .‬بالتالي ليس ىناؾ أي عبلج ليا سوى مف خبلؿ تصحيح‬

‫‪128‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫األخطاء‪ .‬لكف المشكمة ىي أف ىذا التصحيح لؤلخطاء ىو السبب وراء وجود األخطاء لدينا‪ .‬عممية‬
‫التصحيح تمثؿ جزء مف عممية نمو أبدي تجاه التفيّـ األبدي لمقيمة‪ .‬نحف نمثؿ جزء مف كوف يتأسس‬
‫عمى الواقع‪ .‬نحف نمثؿ جزء مف خطة عظيمة وىي راسخة وثابتة بحيث ال يمكننا فعؿ شيء تجاه‬
‫األمر‪ .‬يمكننا أف نتمرد وننحرؼ لفترة قصيرة لكف الخطة سوؼ تعيدنا في النياية إلى المسار‬
‫الصحيح‪ .‬ال نستطيع انتياؾ الغاية الكونية ونبقى سعداء وآمنيف ومستقريف في أي مجاؿ أو نشاط‪.‬‬

‫نحف إذاً نبحث اآلف عف دليؿ عمى اإليماف‪ .‬نقوؿ بأف اإللو متجمي في كؿ شيء‪ .‬أحد ميمات‬
‫اإليماف ىو إيجاد ىذه الحقيقة‪ .‬لمتوصؿ إلى الفيـ الداخمي لحقيقة أنو مف خبلؿ النظر إلى األشياء‬
‫العادية نرى بذلؾ وجو اهلل‪ ،‬وأف السماء واألرض والطيور والزىور والشجر‪ ،..‬ىي جميعاً دالئؿ عمى‬
‫الواقع األبدي‪ .‬نحف ندرس األشجار لكننا ندرس أكثر تمؾ األسماء التي وضعناىا بأنفسنا‪ .‬نقرر كـ‬
‫مف الوقت يمكننا أف نترؾ الشجرة قبؿ أف نقطعيا ونصنع منيا شيء آخر‪ .‬نستمر في دراسة أسماء‬
‫سر الشجرة يبقى‬
‫خمس مئة شجرة وأيف تكبر وما ىي فصيمتيا وخامتيا‪ ،‬لكف رغـ ذلؾ كمو فإف ّ‬
‫مجرد‬
‫غامضاً غير مكشوؼ‪ ،‬أي لغز حقيقتيا بنفسيا ومكانتيا كتجسيد لمخطة األبدية‪ .‬الشجرة ىي ّ‬
‫حرؼ واحد مف أبجدية النيائية تتيجى خارجاً كؿ الحقائؽ التي نسعى إلى معرفتيا‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫خبلؿ كؿ ما نفعمو وكؿ ما نمر بو في حياتنا اليومية‪ ،‬عمينا أف نبدأ دراسة الحقيقة وراءىا‪ .‬ومف‬
‫خبلؿ دراسة الحقيقة وراءىا قاـ القدماء‪ ،‬والذيف لـ يكونوا مجيزيف بأدوات عممية كما نفعؿ اليوـ‪،‬‬
‫باستخداـ الفمسفة‪ .‬الفمسفة ىي مجيود رئيسي ييدؼ إلى إيجاد العدالة في كؿ األشياء الحاصمة‪ .‬ىذا‬
‫يعني إيجاد الواقع مف خبلؿ تمؾ االشياء الحاصمة‪ .‬واذا وجدنا ىذا الواقع نقوـ بتقوية اإليماف‪ .‬ألننا‬
‫نصبح أقرب وأقرب إلى كوف ليس ضعيؼ أو ناقص‪ .‬في كؿ مرة نرى فييا عدالة وجماؿ الشيء‬
‫نتيقف مف وجود اهلل‪ .‬في كؿ مرة نجد فييا عدـ العدالة والقبح في الشيء نقوـ بإدانة أنفسنا‪ .‬لذلؾ كؿ‬
‫شكؿ مف أشكاؿ المعرفة نقترب بواسطتو أكثر إلى إدراؾ عظمة الحياة‪ ،‬يعمؿ ىذا الشكؿ مف المعرفة‬
‫عمى تقوية اإليماف لدينا‪ .‬استخدـ القدماء الفمسفة كوسيمة‪ ،‬وجعموىا خادمة لئليماف‪ .‬لطالما أقر‬
‫أفبلطوف بأف كؿ المعارؼ ال بد مف أف تقود إلى اإليماف واال فيذه المعارؼ مزورة وغير مجدية‪.‬‬
‫الفمسفة ليست نياية بذاتيا بؿ ىي وسيمة‪ .‬ىي طريؽ يقود إلى نياية‪ .‬حتى العمـ ال يمثؿ نياية‬
‫بذاتيا‪ ،‬بؿ ىو وسيمة لبلستكشاؼ عميقاً في غموض الغاية اإلليية‪ .‬رغـ ذلؾ نجد بأنو في كافة ىذه‬
‫المجاالت نجد أف ىذه النقطة تحديداً منسية أو تـ تجاىميا‪ .‬أحد األسباب وراء تجاىميا ىو ألنيا‬
‫تتدخؿ في حؽ اإلنساف العادي ألف يرتكب األخطاء‪ .‬تجعمو صعباً عمينا إيجاد العدالة في ارتكاب‬
‫األخطاء‪ .‬وعندما نشعر بأننا عمى خطأ ال نريد أف يتـ انتقادنا عمى ذلؾ‪ .‬لذلؾ بدالً مف محاولة‬
‫تصحيح المشكمة مف خبلؿ تحسيف الذات‪ ،‬نحاوؿ تصحيح المشكمة مف خبلؿ فرض قوانيف والتي‬
‫ىي بذاتيا مجرد وسائؿ نسعى مف خبلليا إلى توجيو أخطائنا وليس إلغائيا‪.‬‬

‫لكف الواقع‪ ،‬كما أدركو فيثاغورث وأفبلطوف وأرسطو وباقي الفبلسفة العظماء اآلخريف‪ ،‬الواقع يمثؿ‬
‫الشيء الذي نسعى إليو‪ .‬والواقع يتجمى بشكؿ أفضؿ مف خبلؿ إدراؾ حقيقة أف كؿ شيء ىو كما‬
‫وجب أف يكوف بالضبط‪ ،‬ما عدى في توجياتنا ومواقفنا والتي نحاوؿ مف خبلليا محاكاة الرمز‬
‫الباطني لممبلئكة الساقطة‪ .‬الشخص الذي يسعى إلى العيش بطريقة مناقضة لمغاية اإلليية يمثؿ‬
‫بنفسو أحد المبلئكة الساقطة‪ .‬ىو أحد تمؾ المبلئكة والتي فصمت نفسيا عف وقائع الوجود الحقيقي‪.‬‬
‫خير بشكؿ أبدي‪ ،‬أو‬
‫الخير‪ .‬إما أننا نفعؿ ذلؾ الذي ىو ّ‬
‫نحرؼ ّ‬‫الخير‪ ،‬أو نحف ّ‬
‫إما أننا ننتمي إلى ّ‬
‫نحاوؿ التماشي مف خبلؿ فعؿ األشياء التي ىي صائبة جزئياً ومؤقتاً‪ .‬ال نجرء عمى مواجية‬
‫المشاكؿ الفعمية التي تقود إلى اإليماف‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ميدئ‪ .‬اإليماف ال يخرج ويفرض عمى الناس االنتساب إليو أو التحوؿ‬‫اإليماف ىو شيء مس ّكف أو ّ‬
‫نحوه بالغصب‪ .‬اإليماف ىو في الحقيقة اختبار داخمي‪ ،‬ويأتي فقط إلى الفرد الذي يستطيع السيطرة‬
‫عمى ميولو وطبائعو بشكؿ كامؿ لكي يتمكف مف فحص نفسو بيدوء وبسبلـ وبتعقؿ وعمى الدواـ‪.‬‬
‫بالتالي فالمشكمة الفعمية بخصوص اإليماف تتعمؽ بالعقبلنية‪ ،‬حيث اإلنساف غير المتعمـ لديو مشكمة‬
‫مع اإليماف‪ ،‬ألنو في الوقت الذي يؤمف فيو أو يزعـ بأنو يؤمف‪ ،‬ال يكوف لديو أي دليؿ ممموس عمى‬
‫ما يؤمف بو‪ .‬ليس لديو دليؿ ألف إيمانو يكمف في عقمو أو في عاطفتو‪ .‬بالتالي عميو أف يحقؽ‬
‫تدريجياً ما نسميو التجربة واالختبار‪ .‬عميو أف يضع قناعاتو الخاصة تحت االختبار‪ .‬عميو أف يجد‬
‫طرؽ مختمفة لممصادقة مف خبلؿ األشياء مف حولو عمى الحقائؽ المتعمقة باألشياء بداخمو‪ .‬عميو‬
‫تدريجياً‪ ،‬يوـ بعد يوـ‪ ،‬أو سنة بعد سنة‪ ،‬وأحياناً حياة بعد حياة‪ ،‬أف يفيـ التجارب التي يخوضيا‪.‬‬
‫عميو أف يكوف متنبياً دائماً إليجاد شيء يعزز معرفتو بأف الكوف ىو عمى حؽ دائماً‪ .‬وكذلؾ أف‬
‫الكوف سوؼ يستمر في كونو عمى حؽ ولف يتـ مساومتو مف خبلؿ أي فعؿ يقوـ بو أي كائف حي‪.‬‬
‫عندما يرفع الفرد يديو ضد السماء فإف يديو ىي التي سوؼ تفشؿ وليس السماء‪ .‬وجب أف يكوف‬
‫ىناؾ دائماً الواقع الثابت والراسخ‪ .‬وىذا ما يسعى اإليماف إلى إيجاده‪.‬‬

‫اإليماف ىو الخبرة الفعمية أو التجربة العممية مع المعرفة ومع الواقع‪ .‬تاريخ الفمسفة يمثؿ تاريخ‬
‫تك ّشؼ اإليماف‪ .‬طالما نعتبرىا قصة مدارس فكرية مختمفة وتتطمب اإلصبلح وأنو يستحيؿ توحيدىا‬
‫في مدرسة واحدة‪ ،‬أي بمعنى آخر‪ ،‬إذا لـ تكف الفمسفة كياف واحد غير منقسـ فسوؼ تفشؿ الفمسفة‬
‫في تحقيؽ غيتيا‪ .‬لقد قمنا بتقسيميا إلى مدارس مختمفة‪ .‬محاوليف االفتراض بوجود منافسة في‬
‫المجاالت المختمفة لمواقع‪ .‬فصار لدينا العديد مف األدياف‪ .‬لكف ىذا األمر غير صائب وغير‬
‫صحيح‪ .‬كؿ مف أتباع الديانات المختمفة يزعـ بأف دينو ىو الوحيد الذي يحوز عمى الحقيقة‪ .‬فتبدأ‬
‫التناقضات والخصومات التي ليس ليا أي مبرر‪ .‬لو أف كؿ األطراؼ حازت عمى الحقيقة لكانوا‬
‫تقاربوا إلى بعضيـ البعض بدالً االبتعاد عف بعضيـ البعض وحتى قتؿ بعضيـ البعض‪ .‬ىذا ما‬
‫يسود األدياف اليوـ‪ .‬الكفاح مف أجؿ البقاء والتفوؽ عمى مستوى الجيؿ الروحي‪ .‬ىذا شيء لـ نحاوؿ‬
‫فيمو بكميتو‪ .‬في كؿ مرة نقطع فييا شجرة أو نستنزؼ مصدر طبيعي مثؿ البتروؿ‪ ،‬نكوف بذلؾ في‬
‫حضور خطر كبير‪ .‬نحف نسير بعكس مبدأ الطبيعة والذي يقوؿ بأننا ال نممؾ شيء وال حتى‬
‫أرواحنا‪ .‬كافة األشياء تنتمي إلى الواحد األحد‪ ،‬القوة العميا التي ليا الحؽ في التجمي في كؿ مخموؽ‪،‬‬
‫لكف ال يمكف إيقافيا مف قبؿ أي مجيود بشري لمنع الجرياف الحر لمتنور‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫لذلؾ فإنو مف الضروري اكتشاؼ حقيقة أف االشياء تمثؿ أقساـ مختمفة لمشيء ذاتو‪ .‬أي مثبلً‪،‬‬
‫الرياضيات والرسـ والموسيقى تمثؿ جميعاً تجميات مختمفة لمشيء نفسو‪ .‬ىي تمثؿ نفس الحقيقة لكنيا‬
‫تعبر عف نفسيا بطرؽ مختمفة‪ .‬واذا لـ تكف الحقيقة فسوؼ لف يتـ أي تقدـ فييا‪ .‬في المحظة التي‬
‫ّ‬
‫يعتقد الفناف بأنو عبقري عظيـ فسوؼ يفشؿ فنو‪ .‬لكف إذا سعى الفناف إلى خمؽ مف داخمو شيئاً مف‬
‫جماؿ وروعة الحياة حينيا يكوف فناف أصيؿ‪ .‬فناف عظيـ‪ .‬واذا كاف فناف عظيـ فسوؼ لف يكوف أي‬
‫نزاع بينو وبيف أي فناف آخر‪ .‬حتى أنو ليس ىناؾ نزاع في مجاؿ المغة‪ ،‬حيث الكممات قد تعرضنا‬
‫أحياناً لمشاكؿ كبيرة‪ ،‬ألننا غالباً ما نخظئ في معاني الكممات‪ .‬ألنو عندما يقوؿ أحدىـ "أهلل" ال‬
‫يعتقد األجنبي بأف القصد مف ىذه الكممة ىو رب السماوات‪ .‬قد يعتقد بأنو إلو وثني معيف‪ .‬لكف في‬
‫الحقيقة ليس ىناؾ وثني في العالـ سوى الفرد الذي يزعـ بأنو يعرؼ لكنو غير ذلؾ‪ .‬الفرد الذي لـ‬
‫يعرؼ وحدة اإللو األعمى ىو الوثني‪ .‬ليس كما الفرد الذي نجح في اكتشاؼ وتوحيد كافة المذاىب‬
‫في الحياة‪ .‬الطبيعة تسمح بالمذىبية‪ ،‬لكف لبعض الوقت فقط‪ .‬لكنيا تستعرض لنا خطوة خطوة كيؼ‬
‫تفشؿ المذىبية في النياية‪ .‬واحدة تمو األخرى‪ ،‬كافة االنفصاالت تقود في النياية إلى الدمار والفناء‪.‬‬
‫عندما ندرؾ ىذه الحقيقة عمينا أف ال نحزف بؿ عمينا الفرح‪ .‬وعندما نتوصؿ إلى ىذا النوع مف الفرح‬
‫نبدأ حينيا بفيـ اهلل عمى حقيقتو‪ .‬وعندما نفيـ اهلل سوؼ يصبح لدينا إيماف‪ .‬لكف طالما بقينا نؤمف‬
‫باألشياء التي تسبب البؤس سوؼ يبقى أي مصطمح لئليماف لدينا مجرد اجتياد فكري أو نزعة‬
‫عاطفية‪ ،‬ويكوف اإليماف حينيا ليس مستنداً عمى أرضية االختبار الشخصي لمحقيقة‪ .‬وىذا االختبار‬
‫الشخصي ىو الشيء الذي لو أىمية‪.‬‬

‫لدينا إذاً مشكمة محاولة إيجاد كيفية لتعزيز اإليماف لدينا‪ .‬يمكننا البدء في الحضانة أو الصؼ األوؿ‬
‫في المدرسة‪ .‬اإليماف يتعمؽ بشكؿ وثيؽ بالقراءة والكتابة والرياضيات‪ ،‬مع العمـ أف ىذه المواد الثبلثة‬
‫تمقى تجاىؿ كبير‪ .‬لـ نعد نؤمف بالتعمـ كيؼ نق أر ونكتب ألننا نتوقع أف نكمؼ ىذه الميمة لمكمبيوتر‪.‬‬
‫نتوقع أف نأخذ معموماتنا بالكامؿ مف التمفزيوف‪ .‬وىا أنتـ تروف الحالة التي يعانييا التمفزيوف‪ .‬إنو‬
‫مثاؿ واضح عمى فشؿ الكائف البشري في إدراؾ الغاية الحقيقية مف أداة تعميمية ممكنة وىو‬
‫التمفزيوف‪ .‬سوء اإلستخداـ الذي مف قبمنا ىو الذي يسبب المشكمة‪ .‬وىو سبب المشكمة أيضاً في كافة‬
‫االبتكارات األخرى التي ظيرت في قرف الماضي‪ .‬كؿ مف تمؾ االبتكارات تـ إساءة استخداميا‪ .‬كؿ‬
‫ابتكار يستند عمى قانوف طبيعي‪ ،‬حيث حصؿ بفضؿ اكتشاؼ قوى وطاقات ومواد خفية تكمف في‬
‫الطبيعة‪ .‬وىذه األخيرة موجودة لكي يتـ استخداميا‪ .‬لكننا استخدمناىا بيدؼ سوء االستخداـ‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫وكنتيجة لذلؾ تضاعفت مآسينا‪ .‬ىذا الكوكب الصغير ىو كتمة كبيرة مف المجموعات البشرية‬
‫الفردية‪ ،‬قد يختمؼ إيمانيـ عف إيماننا‪ ،‬لكنو في معظـ الحاالت ليس أسوأ مف إيماننا‪ .‬والسبب ىو‬
‫أف إيماننا وايمانيـ لـ يرشدانا إلى أخوية األنساف‪ .‬الزلنا نحارب ضد غير المؤمنيف أو الكافريف‪ ،‬ولـ‬
‫نحاوؿ االكتشاؼ عبر التجربة والعودة إلى البداية لنكتشؼ ما ىي نية الكوف مف األساس‪ .‬لـ نرجع‬
‫إلى الوراء في التاريخ ونكتشؼ كيؼ تكوف نياية االختبلؼ وىي دائماً الفشؿ‪ ،‬وكيؼ نتعرض لمدمار‬
‫مف قبؿ نواقصنا‪ ،‬وندمر أنفسنا بسبب افتقادنا لمحب األخوي والشعور باإلخاء‪ .‬رغـ ذلؾ نحف ال‬
‫نتعمـ ىذه األمور‪ ،‬بؿ نستمر بالسير وكأف شيء لـ يكف‪.‬‬

‫مف خبلؿ استخداـ األجوبة العممية بصفتيا نيائية‪ ،‬نأخذ األرقاـ بصفتيا ممثمة لحقائؽ‪ ،‬مع أنو في‬
‫الواقع‪ ،‬خمؼ كؿ ىذا تكمف كافة الكائنات الحية الرائعة واالتي نعتمد عمييا جميعنا‪ .‬كؿ خمية في‬
‫جسمنا تعتمد عمى شيء ما لتعيش‪ ،‬لكننا لـ نكتشؼ ما ىو في الحقيقة‪ .‬نحف ال نعرؼ كيؼ تمت‬
‫عممية تحوؿ الكائف البشري إلى كائف بشري‪ .‬ال نستطيع صناعة واحد بأنفسنا‪ .‬وسوؼ لف نتمكف مف‬
‫ذلؾ أبداً‪ .‬رغـ ذلؾ يوجد ذكاء ووعي وايماف داخؿ االخمية أكثر مما نستطيع نحف استعراضو في‬
‫حياتنا اليومية‪ .‬عندما تمرض الخبليا نحف نعرؼ بذلؾ‪ ،‬لكف عندما نمرض نحف نظف بأنو مقمب‬
‫أوقعنا بو أحدىـ لكي يحرجنا‪ .‬ليس لدينا أي إيماف بالدواء‪ ،‬أو قميؿ مف اإليماف فقط‪ .‬ألننا أدركنا‬
‫بأف الطبيب العادي لـ يعد ممتزـ بقسـ "أبوقراط"‪ ،‬أي لـ يعد مكرساً لميمة األطباء القدماء والمتمثمة‬
‫بالمحافظة عمى الصحة‪ .‬وألف رؤيا الطبيب أصبحت مظممة فبالتالي أصبح عبلجو غير مجدي‪.‬‬
‫الطريقة الوحيدة لعودة تأثير العبلج ىي أف يعود الطبيب ليصبح طبيب أصيؿ‪ .‬وكونو طبيباً فيذا‬
‫يسمح لجسمو وعقمو وسموكو عموماً ألف ينفتح ويتـ تحريكو مف قبؿ الطبيب الواحد األوحد الذي‬
‫يستطيع عبلج كؿ األشياء‪ .‬حتى يجد كؿ منا طريؽ إلى الحب األخوي والخدمة فإف المشاكؿ التي‬
‫نعانييا لف تحؿ أبداً‪ .‬وفي الحقيقة‪ ،‬وجب أف ال تُحؿ‪ .‬ليس ألف الكوف قاسي عمينا‪ ،‬وليس ألننا‬
‫ضحايا مؤامرة إليية تحاؾ في خمفية الوجود‪ ،‬بؿ سبب ىذه المشاكؿ يعود إلى أننا ال نتعمـ مف‬
‫التجارب‪ .‬ما مف شيء غير مرغوب يحصؿ معنا اليوـ ولـ يحصؿ في الماضي‪ .‬نحف اآلف متقدميف‬
‫أكثر مف الماضي فقط مف الناحية التقنية وبالتالي نجد أف أخطائنا أخطر ومميتة أكثر‪ .‬لكننا الزلنا‬
‫نقترؼ نفس األخطاء التي حصمت منذ زمف بعيد‪ ،‬منذ أف اخترع أحدىـ القوس والنشاب‪ .‬إنو نفس‬
‫المبدأ‪ .‬ولـ نتعمـ ماذا نفعؿ منذ زمف القوس والنشاب‪ .‬نحف نعمـ بأشياء كثيرة حصمت في ذلؾ‬

‫‪133‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫الزمف‪ ،‬خصوصاً في مجاؿ األسمحة‪ .‬لكننا نتقدـ في ابتكار األسمحة بصفتيا عممية تطور لفف الدفاع‬
‫عف النفس‪ ،‬لكنو في الواقع ليس أكثر وال أقؿ مف مجيود لمبقاء صامديف وسط أخطائنا الحالية‪.‬‬

‫لذلؾ لدينا الكثير لكي نفكر بو مف أجؿ أف نكتشؼ بالضبط كيؼ يمكننا تطوير إيماف قوي جداً‬
‫بحيث ال تستطيع أخطائنا زعزعتو‪ .‬بحيث ال يدفعنا العالـ مف حولنا إلى إساءة تفسيره‪ .‬وحينيا يمكننا‬
‫جميعاً توحيد الغاية لكي نجعؿ العالـ قابؿ لمعيش مرة أخرى‪ .‬العالـ القابؿ لمعيش ىو ذاؾ الذي‬
‫حزناه في البداية‪ .‬لكننا لـ نعرؼ كيؼ نحافظ عميو‪ .‬مف الواضح أنو كاف عمينا النمو‪ .‬عمى األطفاؿ‬
‫أف تنمو‪ ،‬عمى األىؿ أف يساعدوا أوالدىـ عمى النمو‪ .‬وفي ىذه الحالة لدينا سر كوني واحد يمثؿ‬
‫الوالد لكؿ ما ىو موجود‪ .‬وغاية النمو ىي تكشؼ الواقع الكوني الواحد في داخمنا جميعاً‪ .‬ىذا الواقع‬
‫متغير وحتمي‪ .‬وعندما تصبح ىذه الحقيقة واضحة لدينا تكوف األساس‬
‫ىو ثابت وراسخ‪ .‬ىو غير ّ‬
‫لئليماف األكثر ثباتاً‪ .‬عندما نتيقف مف أف القوانيف ىي صائبة‪ ،‬وأننا لسنا لوحدنا مرمييف ىنا في‬
‫كوكب يجوؿ لوحده بشكؿ عشوائي في الفضاء‪ ،‬وأنو لـ يتـ نسياننا أو تجاىمنا‪ ،‬وال نحف موجوديف‬
‫نتيجة صدفة عشوائية‪ .‬عندما ندرؾ بأننا جزء مف كمية شاممة في حالة نمو‪ ،‬أننا زىور عمى شجرة‬
‫الحياة الكونية‪ ،‬وأف الحياة الواحدة تفعمنا جميعاً بالحياة وتمنحنا القوة والشجاعة لمبقاء‪ ،‬ال بد مف أف‬
‫األمر سيختمؼ لدينا‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫مع توصمنا تدريجياً إلى إلغاء األنانية‪ ،‬ألنو لـ يعد ىناؾ شيء لنكوف أنانييف بخصوصو‪ ،‬سوؼ‬
‫تزوؿ الكثير مف مشاكمنا‪ .‬لكف ليس ىناؾ ضرورة لبلنتظار كؿ ىذا الوقت‪ .‬لدينا الحؽ في البدء بيذا‬
‫التحسف مباشرة إذا رغبنا ذلؾ‪ .‬كؿ ما عمينا فعمو ىو النظر حولنا وايجاد الدالئؿ عمى وجود الخطة‬
‫ّ‬
‫اإلليية‪ .‬دالئؿ لـ يتكمـ عنيا اآلخروف‪ ،‬دالئؿ لـ يكتبوىا في الكتب‪ ،‬بؿ عمييا أف تمثؿ الحقائؽ التي‬
‫تعيش ف ي كؿ شيء مف حولنا وفي داخمنا‪ .‬كؿ مرة ننظر فييا عبر النافذة‪ ،‬كؿ مرة نحدؽ فييا إلى‬
‫نبتة مبرعمة‪ ،‬كؿ مرة ننظر فييا إلى عيوف المولود الجديد‪ ،‬نكوف في حضور نوع مف الحقيقة التي‬
‫تتأسس عمى إيماف أبدي‪ .‬ىذه األشياء وجب أف تكوف‪ .‬ىي صائبة‪ ،‬وىي ليست سيئة‪ ،‬ىي ليست‬ ‫ّ‬
‫خطيرة‪ ،‬ىي ليست مجرمة‪ ،‬وليست فاسدة‪ ،‬إال إذا تدخمنا وفعمنا شيء بيا‪ .‬وحتى نتمتع بإيماف قوي‬
‫بما يكفي ليمنعنا عف سوء استخداـ القيـ التي ائتمنا عمييا‪ ،‬سوؼ لف نجد أبداً الحموؿ لمشاكمنا‪.‬‬
‫ونشوىيا‪ .‬كافة األشياء تبقى طبيعية‬
‫ّ‬ ‫وعمينا إدراؾ حقيقة أف كافة األشياء تبقى جميمة حتى نأتي نحف‬
‫حتى نقوـ نحف بجعميا شاذة وغير سوية‪ .‬كؿ شيء يكوف صادقاً حتى نأتي نحف ونمنح األولوية‬
‫لعدـ الصدؽ وأجياؿ بكامميا عاشت وماتت وفؽ ىذه األولوية األخيرة‪ .‬عمينا أف ندرس كؿ ىذه‬
‫األشياء‪ .‬ومنيا جميعاً يخرج أخي اًر ما أدركو أفبلطوف في زمانو‪ ،‬سكوف لطيؼ تماماً‪ ،‬وادراؾ بأنو‬
‫ممكف جداً لمفرد‪ ،‬وحتى لمجموعات كبيرة مف البشر‪ ،‬أف ينمو نحو السبلـ‪ ،‬ويترؾ خمفو إلى األبد‬
‫المسائؿ التي تسوء مع مرور كؿ يوـ‪ .‬في السنوات القادمة سوؼ ندرؾ ألوؿ مرة حقيقة أننا تجاوزنا‬
‫تمؾ البيئة التي يمكننا ارتكاب األخطاء فييا ونبقى أحياء‪.‬‬

‫نحف نتوصؿ تدريجياً إلى إدراؾ حقيقة أف شيئاً ما يحصؿ مع العالـ‪ ،‬وىذا الشيء الذي يحصؿ يعود‬
‫سببو إلينا‪ .‬ىذا الشيء الذي يحصؿ ىو ليس جزء مف الخطة األصيمة‪ ،‬لكنو يمثؿ جزء مف عممية‬
‫تعميـ بحيث تكوف الطريقة الوحيدة لتحويؿ العقوؿ البشرية وتكريسيا لمغايات اإلليية‪ .‬نحف نكتشؼ‬
‫أكثر وأكثر بأننا ال نستطيع البقاء وفؽ أساليبنا الحالية‪ .‬لـ نعد نستطيع إيجاد أماكف مناسبة لوضع‬
‫المواد السامة‪ .‬لـ نعد نستطيع تدبير وادارة نفاياتنا ومخمفاتنا‪ .‬لـ نعد نستطيع االستمرار في العمؿ‬
‫بالموارد الطبيعية المختمفة التي استنزفناىا بم اررة وغبف‪ .‬لـ نعد نستطيع االستمرار في خمؽ االزدحاـ‬
‫الذي يموث الجو‪ .‬لـ نعد نستطيع العيش تحت الفساد والمواد المخدرة وباقي األشياء األخرى التي‬
‫ليس ليا عبلقة بطريقة الطبيعة‪ .‬لقد شوىنا صورة الطبيعة بطريقة خاطئة‪ .‬الفرد الذي يتناوؿ‬
‫المخدرات ومف ثـ ينتشي يظف لفترة بأنو يحكـ العالـ‪ .‬ثـ يأتي االنييار الكبير‪ .‬اليوـ نرى دوؿ بذاتيا‬
‫تظف بأنيا تحكـ العالـ‪ ،‬وىي أيضاً مقبمة عمى انييار كبير‪ .‬يعتقد الفرد بأنو عمى حؽ في كؿ شيء‬

‫‪135‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ويدعـ ىذه القناعة بشرب الخمر أو المخدرات‪ .‬لكف بعد أف يصحو مف سكرتو يكتشؼ بأنو شخص‬
‫مريض‪ .‬كؿ ىذه األشياء ىي دالئؿ تتزايد تدريجياً عمى أننا ال نستطيع تحمؿ عواقب أخطائنا‪.‬‬

‫لـ نعد نستطيع العيش في عالـ بحيث الجميع فيو يفعؿ األشياء بشكؿ خاطئ‪ .‬لـ نعد نستطيع‬
‫العيش في عالـ بحيث التقدـ فيو يعني السيطرة عمى شخص آخر‪ .‬أو في عالـ بحيث الثروة تعني‬
‫انتزاع كؿ شيء مف مجموعة معينة ومف ثـ منحيا لمجموعة أخرى‪ .‬الثروة بذاتيا ىي وىـ‪ .‬قـ‬
‫بدراسة الثروة‪ .‬عد بتاريخ الثروة إلى الوراء وسوؼ تصؿ في النياية إلى محبة اهلل‪ .‬سوؼ تجد بأف‬
‫كؿ ىذه األشياء تثبت كمياً بأف اإللو األعمى ال يحب الثروة‪ .‬وأف ىذه األشياء ىي ناتجة مف سوء‬
‫حكـ اإلنساف عمى األمور‪ .‬إذا كنت تبحث عف القوة فسوؼ تجد أف القوة سوؼ تنتيي حتماً إلى‬
‫القبر‪ .‬كؿ قيمة مزيفة لدينا سوؼ يتغمب عمييا الموت في النياية‪ ،‬مع أننا لـ نتعمـ أصبلً كيؼ‬
‫جيد‪ .‬لكف لؤلسؼ ال‬
‫نعيش حياتنا‪ .‬لـ ندرؾ بأنو عبر العيش بطريقة مختمفة قد نواجو المستقبؿ بأمؿ ّ‬
‫نممؾ ىذه األفكار‪ .‬كؿ شيء اليوـ أصبح محبوساً داخؿ دائرة الثروة والسمطة والشيرة واالزدىار‬
‫والقدرة عمى استغبلؿ بعضنا البعض‪.‬‬

‫بعد النظر إلى ىذه األشياء السائدة اليوـ سوؼ يبدو بأف اهلل ال يحبنا‪ .‬قد يبدو أف اإليماف أمر‬
‫وىمي‪ .‬لكف الحقيقة ىي أف اإليماف ليس وىمي‪ ،‬بؿ نحف وضعنا أنفسنا في مواقع جعمتنا نؤمف‬
‫بأشياء ليست حقيقية‪ ،‬وليس لدينا أي قوة تدعـ ىذا اإليماف‪ .‬لكف ليس لدينا أي دليؿ مف أي نوع‬
‫عمى أف حضارة اقتصادية بدرجة كبيرة تحوز عمى فرصة أفضؿ لمبقاء‪ .‬ليس لدينا أي دليؿ‪ .‬نحف‬
‫نعرؼ بأننا نسير حتماً نحو اإلفبلس‪ ،‬كما يعرؼ مدمف المخدرات بأنو يقصر حياتو حيث مقابؿ فترة‬
‫قصيرة مف النشوة سوؼ يواجو الموت المحتـ‪ .‬ىكذا ىو نمط األشياء في الوقت الحالي‪ .‬لكف بدالً‬
‫مف جعؿ أنفسنا متشائميف فنصبح متمرديف ضد الحياة‪ ،‬وجب أف تثبت لنا عمى طوؿ الطريؽ بأف‬
‫الصواب ىو دائماً الصواب‪ .‬ىذه المعادلة لـ تتغير أبداً‪ .‬القوانيف المصنوعة بشرياً يمكف أف تتغير‬
‫كؿ يوـ‪ .‬أما القوانيف الكونية فبل يمكنيا أف تتغير‪ .‬ألف ىذه القوانيف األخيرة تجعمو ممكناً نمو‬
‫العوالـ‪ .‬ىذه القوانيف تحافظ عمى بقاء مجرات بحاليا‪ .‬ىذه القوانيف أيضاً ترعى وتدير وظائؼ الجسـ‬
‫البشري‪ .‬ىذه القوانيف متجمية في كؿ نممة وكؿ مخموؽ صغير‪ ،‬وكؿ زىرة‪ ،‬وكؿ عصفور‪ .‬كؿ ىذه‬
‫تجسد غاية كونية واحدة‪ :‬النمو‪ .‬وىذا النمو تقدـ خطوة خطوة‪ ،‬إلى وصولو أخي اًر تمؾ‬
‫المخموقات ّ‬
‫الدرجة التي تنتج الذكاء‪ ،‬الذي ىو ذاتو العقؿ‪ ،‬والذي يتواله الفرد ليدير نموه الخاص‪ .‬لكف الميؿ‬

‫‪136‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫السائد اليوـ ىو نحو استخداـ ىذا العقؿ لتجنب المسؤوليات‪ ،‬ولفعؿ أي شيء باستثناء تكريسو لغاية‬
‫ضرورية‪.‬‬

‫نجد اليوـ الكثير مف المدارس الفكرية التي تدعـ أخطائنا‪ .‬معظـ منيجنا التعميمي لـ يبدأ حتى اآلف‬
‫اختبار الحاجة إلى اإليماف‪ .‬لـ يدرؾ القائموف عمى ىذا المنيج بأف كؿ التعميـ الذي ينيمو الطبلب‬
‫سوؼ يقود إلى المزيد مف المأساة إذا لـ يكف مكرساً‪ .‬إذا لـ يكف مكرساً إلى تقدـ الغايات األبدية‬
‫فسوؼ تذىب كاؿ حكمتنا ىباء‪ .‬بالتالي نحف بحاجة أف ندرؾ أكثر وأكثر بأف كؿ التعميـ وجب أف‬
‫يقود إلى اإليماف‪ .‬حتى كؿ االختراعات وجب أف تقود إلى اإليماف‪ .‬ألنو في كؿ مف ىذه‬
‫االختراعات واالبتكارات ىناؾ قانوف كوني يعمؿ‪ .‬نحف نسيء استخداـ ذلؾ القانوف‪ .‬نحف نستخدمو‬
‫لغايات مادية أو ميكانيكية‪ .‬وبسبب سوء استخداـ القانوف فيو ينقمب عمينا‪ .‬ليس ألف القانوف خاطئ‪،‬‬
‫بؿ ألننا خدعنا القانوف وقمنا بتحريفو‪ .‬لكف كؿ ما نفعمو‪ ،‬ابتداء مف صاحب الدكاف مرو اًر عمى بائع‬
‫الخضروات ومرو اًر عمى المصرفي والطبيب والمحامي‪ ..‬وما تبقى مف حرفييف ومينييف‪ ،‬جميعيـ‬
‫يستندوف مع أعماليـ عمى مبادئ كونية تتأصؿ مف استقامة أخبلقية كونية‪ .‬وبما أف أولئؾ المينييف‬
‫لـ يعودوا يتدربوف وفؽ تمؾ االستقامة األخبلقية نجد بأننا نعاني مف المشاكؿ القائمة اليوـ‪.‬‬

‫منذ عقود برزت معارضة لمقسـ الذي يؤديو األطباء‪ ،‬ويسمى قسـ "أسكوليبيوس"‪ ،‬أي لـ يعد يريد‬
‫المعارضوف األطباء تأدية ىذا القسـ باستخداـ العبلج لمخير العاـ‪ .‬يبدو أنو كاف ىناؾ فرصة لمربح‬
‫في جانب معيف حيث وجب منحو المزيد مف االىتماـ‪ ،‬فكاف المعارضوف لمقسـ يطالبوف بتعديؿ ىذا‬
‫القسـ أو إعادة صياغتو بحيث يسمح بذلؾ الجانب المربح‪ .‬لكف في الحقيقة‪ ،‬ليس ىناؾ أي فرؽ في‬
‫ما نعدلو أو نعيد صياغتو‪ ،‬ألف الخطة األبدية تستمر في تقدميا‪ .‬األطباء القدماء‪ ،‬أياـ‬
‫"أسكوليبيوس"‪ ،‬كانوا كينة في المعبد‪ .‬كانوا يعتبروف نفسيـ سبللة منحدرة مف اآللية‪ .‬كاف لدييـ‬
‫مثميـ الخاصة وأحبلميـ الخاصة وغاياتيـ الخاصة‪ .‬كانوا يخدموف بصفتيـ كينة في خدمة حاجات‬
‫المرضى‪ .‬تـ جعؿ عمـ الدواء ذو طبيعة دنيوية ألوؿ مرة في روما‪ .‬وخبلؿ خمسة سنوات اضطروا‬
‫إلى صياغة مجموعة كاممة مف القوانيف لمنع سوء الممارسة الطبية‪ .‬قبؿ ذلؾ الوقت لـ تكف أي‬
‫قوانيف ضرورية‪ .‬حيث ال يوجد الربح ال نجد سوء ممارسة‪ .‬لكننا نسينا ىذا الموضوع‪ .‬نسينا أف‬
‫المجد وراء مساعدة المحتاجيف يمثؿ جزء مف ديف أساسي‪ .‬ومف دوف ىذا الديف األساسي الذي‬
‫يضبط كامؿ سموكنا سوؼ نجد دائماً أخطاء وسوء حظ نعاني منو‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫لذلؾ عمي نا أف نفكر بكؿ ثقة بأف المآسي والبؤس التي نعانييا اآلف ىي أقوى المحفزات عمى أف‬
‫يكوف لدينا اإليماف بأف أي شيء قد يحصؿ لنا‪ .‬اآلف ىو الوقت حيث الحاجة إلى اإليماف يعني أنو‬
‫وجب أف يكوف لدينا شيء لنعيش مف أجمو‪ ،‬وال نكتفي بامتياز استغبلؿ بعضنا البعض‪ .‬تمؾ األياـ‬
‫ق د ولت‪ .‬ورغـ ذلؾ فإف الفرد المجرد مف اإليماف والمجرد مف المثؿ العميا إذا تجرد مف ميزاتو المادية‬
‫سوؼ يكوف حزيف جداً‪ .‬وفي الحقيقة‪ ،‬بسبب جيمو‪ ،‬يمكنو أف ينقمب عمى المنعميف عميو‪ .‬مبدأ‬
‫االستغبلؿ أصبح متجذر بعمؽ اآلف في الشخصية البشرية‪ ،‬لكف ال فرؽ كـ ىو متجذر‪ ،‬ألنو لف‬
‫ينجح ومقدر لو أف يفشؿ في النياية‪ .‬لذلؾ عمينا أف نعمؿ معاً اآلف لنرى ماذا سنفعؿ بيذا‬
‫الخصوص‪ .‬أعتقد بأنو ربما معظـ الناس لدييـ اىتمامات‪ .‬ربما أحدىـ يحب الرسـ بينما اآلخر‬
‫يحب المشي متجوالً في الغابة‪ ،‬أحدىـ يحب أف يجمس بيدوء ليق أر بينما البعض لسوء الحظ يحبوف‬
‫مشاىدة الجرائـ الحاصمة في برامج التمفزيوف‪ .‬لكف المسألة الميمة ىي أنو عمينا البدء بما لدينا مف‬
‫مقومات‪ .‬كما أنو لدينا حاجات بحيث نسعى إلى تحقيقيا بشكؿ تدريجي‪ .‬عمينا أف نبني عمى الموىبة‬
‫المتوفرة لدينا‪ .‬إذا كنت موسيقي فيذه موىبتؾ‪ ،‬واذا كنت شاعر فيذه موىبتؾ‪ ،‬وكذلؾ الحاؿ مع‬
‫المصور الفوتوغرافي وغيرىا مف مواىب مختمفة‪ .‬ىذه الموىبة لديؾ وجب أف تقوؿ لؾ شيئاً‪ .‬الموىبة‬
‫تصور صورة فوتوغرافية يمكف بيعيا‪ ،‬أو تؤلؼ لحف موسيقي يمكف بيعو‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ليست أف ترسـ لوحة أو‬
‫كؿ ىذه األشياء تمثؿ شواىد لنقطة واحدة‪ ،‬وىو وجود إبداع في داخمؾ‪ ،‬وىذا اإلبداع في داخمؾ‬
‫يمكف أف يتـ تك ّشفو واغناءه حتى يصبح في النياية األساس العممي لئليماف لديؾ‪ ،‬باالعتماد عمى‬
‫ما يشيده االدراؾ الحسي لديؾ‪ ،‬باالعتماد عمى شيادة إنجازات بعض ما تمارسو عبر المجيود‬
‫والكفاح‪ ،‬تتوصؿ تدريجياً إلى إدراؾ حقيقة أف اإليماف ىو شيء مستند عمى اإلنجاز‪ ،‬مستند عمى‬
‫الدليؿ‪ ،‬والدليؿ عمى وجود اإليماف ىو أنؾ بنفسؾ أصبحت أكثر سعادة‪ .‬اإليماف ىو الذي يحررؾ‬
‫ويريحؾ مف القيـ الزائفة التي تستمر في مطاردتؾ طواؿ فترة حياتؾ إذا لـ تفعؿ شيء بخصوصيا‪.‬‬

‫بالتالي في مدارس التعميـ وجب أف تدرؾ كؿ جامعة أو كمية بأنو بغض النظر عف ما تفكر عف‬
‫نفسيا أو كيؼ تعرؼ عف نفسيا فيي في الحقيقة عبارة عف معبد ديني‪ .‬ألنو أي شيء ابتداء مف‬
‫المغة وصعوداً إلى المواد األخرى لو معنى مقدس‪ .‬كؿ فف أو عمـ تدرسو يحمؿ معو مسؤوليات‬
‫أخبلقية‪ ،‬واذا لـ تفترض ىذه الحالة أو تـ تجاىميا أو عدـ تعميميا فسوؼ ال ينتج التعميـ أكثر مف‬
‫مجموعة مف األوغاد الذيف عمينا أف نتعايش معيـ رغـ مآسينا وبؤسنا‪ .‬الحقيقة ىي أنو عمى كؿ‬
‫مدرسة‪ ،‬مف صؼ الحضانة وصعوداً‪ ،‬أف تمثؿ جزء مف عممية إيصاؿ الفرد إلى الرشد الضروري‬

‫‪138‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫لكي يمكنو مف إثبات أنو فقد أي اىتماـ أو مصمحة في تشويو أو تدمير االستقامة األخبلقية في‬
‫الحياة‪ .‬ىو يعرؼ قبؿ أف يبدأ بأنو ال يوجد شيء سوى البؤس‪ ،‬ىو يعرؼ ذلؾ جيداً اليوـ‪ .‬لكنو لـ‬
‫يغير حياتو الداخمية‪ .‬ىو يفكر بنفسو دائماً بأنو الشخص المخادع الوحيد الذي سينجو‪ .‬لكف حتى لو‬
‫نجا فيذا ال يعني شيء‪ .‬ألنو ما مف شيء فعمو يكوف لو أىمية بالنسبة لو أو أي أحد آخر‪ .‬المستوى‬
‫المتواضع لمحياة في المنازؿ‪ ،‬وكافة الصعوبات المختمفة التي تبرز اجتماعياً ىي ناتجة مف سوء‬
‫استخداـ القيـ‪ ،‬ونتيجة تحريؼ طبيعة األشياء‪ ،‬ونتيجة استغبلؿ‪ ،‬والتحويؿ إلى سمعة‪ ،‬كؿ األشياء‬
‫التي ىي لبلستخداـ العاـ‪ .‬لذلؾ وجب عمى المدرسة أف تتناوؿ االستقامة األخبلقية‪.‬‬

‫وفي الحقيقة‪ ،‬ليس ىناؾ أي حاجة لتعميـ البلىوت الديني‪ .‬وال حاجة لضرورة إىداء األفراد وانسابيـ‬
‫مجرد ممارسة لمخرافات‪ .‬المذىبية أو الطائفية ىي نوع مف‬
‫إلى مذىب ديني أو آلخر‪ .‬كؿ ىذه ّ‬
‫الخطأ أو االنحراؼ‪ .‬لكف الفرد الذي ارتقى فوؽ ىذا المستوى يعمـ جيداً لماذا وجدت‪ ،‬وليذا السبب‬
‫لـ يحاوؿ أف يشتـ أو يسيء إلى أحد بسبب دينو أو معتقداتو‪ .‬نحف نعمؿ باتجاه شيء عمينا إيجاده‪،‬‬
‫وىو أنو في مكاف ما‪ ،‬كؿ عالِـ يبحث عف حقائؽ عممية‪ .‬الحقائؽ العممية ىي الضبلؿ المادية لمواقع‬
‫الحقيقي‪ .‬نحف اآلف لسنا مكتفيف بذلؾ بؿ في الفترات القادمة عمينا أف نرتقي تدريجياً مف الحقائؽ‬
‫إلى الوقائع‪ ،‬وأخي اًر مف الوقائع نصؿ إلى حضرة الواقع الحتمي وكمي القدرة‪ ،‬والذي نقترب منو مع‬
‫إيماف كامؿ‪ .‬نحف نعمـ بأف ذلؾ الواقع ال يمكنو أف يفشؿ‪ .‬نعمـ بأف ذلؾ الواقع ىو عادؿ بشكؿ‬
‫مطمؽ‪ .‬نعمـ بأف كؿ أخطائنا ىي أخطاء أطفاؿ‪ .‬واذا صححنا األخطاء ربما نمقى المسامحة‬
‫بتحرؾ معيف باتجاه إصبلح وترويض سموكنا الشخصي وفؽ ذاؾ الذي‬ ‫واإلعفاء‪ .‬لكف عمينا أف نقوـ ّ‬
‫نسميو مسار األخبلقيات الكونية‪ .‬لـ نعد نستطيع خرؽ كؿ قانوف ونتوقع مف اإلدارة الحكومية تولي‬
‫األمر‪ .‬لي س ىناؾ أي نظاـ سياسي في العالـ يمكنو أف يغير طريقة الفرد الذي يكرس نفسو لئلنانية‬
‫ومركزية الذات‪.‬‬

‫لذلؾ عمينا أف نبدأ مف المدارس‪ .‬وجب أف يفعؿ األوالد كما كانوا يفعموف في الياباف في العقود‬
‫السابقة قبؿ أف تحولت الياباف إلى دولة صناعية عظمى حيث أعتقد بأنيـ ألغوا ىذا المنيج الذي‬
‫اتبعتو المدارس في السابؽ‪ .‬كانت المواد التي تدرس في المدارسة االبتدائية تتسمسؿ عمى الشكؿ‬
‫التالي‪ :‬األخبلؽ‪ ،‬القراءة‪ ،‬الكتابة‪ ،‬الرياضيات‪ .‬كانت مادة األخبلؽ تأتي في المقاـ األوؿ‪ .‬في‬
‫األوؿ‪ .‬وفي الجامعات والكميات كانت‬
‫المدرسة الثانوية أيضاً كانت مادة األخبلؽ تأتي في المقاـ ّ‬

‫‪139‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫مادة األخبلؽ تأتي في المقاـ األوؿ‪ .‬ونحف أيضاً بحاجة إلى القميؿ مف ىذه المادة في ببلدنا‪ .‬وجب‬
‫اف يمثؿ موضوع األخبلؽ جزء مف المنيج التعميمي‪ .‬وجب أف يكوف لدينا الحؽ في أف نكوف عمى‬
‫عزز وتُكافئ‪ .‬قبؿ أف ندخؿ إلى التعميـ العالي‪ ،‬وجب أف يكوف‬
‫حؽ‪ ،‬وجب أف تتجمى ىذه الحالة وتُ ّ‬
‫لدينا المعرفة بأف كؿ التعميـ ىو عبارة عف تكريس‪ .‬مف دوف التكريس فإف التعميـ عديـ المعنى‪ .‬الفرد‬
‫الذي يتعمـ لكي يعمؿ لبعض السنوات حتى يتقاعد في النياية عمى الراتب يكوف بذلؾ جزء مف دائرة‬
‫موت ال تقود إلى مكاف‪ .‬وجب العمـ أف كؿ منا في داخمو القدرة عمى التفكير في األشياء واالرتقاء‬
‫فوؽ الدنيوية المؤقتة وإلنجاز ذلؾ الذي ىو ضروري‪ ،‬لكف لسبب ما نحف في حالة عطالة‪ ،‬ربما ىي‬
‫مسألة إجياد‪ ،‬لكف نحف الذيف خمقنا اإلجياد‪ ،‬ىو لـ يكف شيئاً نزؿ عمينا مف السماء‪.‬‬

‫ليس ىناؾ شيء ىنا خمقناه ومثؿ مشكمة لنا ولـ يكف مخموؽ مف قوة بداخمنا منحت لنا أصبلً لفعؿ‬
‫األشياء بشكؿ سميـ‪ .‬لقد أسأنا استخداـ الممكات والميارات التي نحوزىا‪ .‬لقد تقدمنا بالميارات لكف‬
‫ليس مع التكريس‪ .‬نعرؼ عف األشياء أكثر مف أي وقت سابؽ‪ ،‬باستثناء ذلؾ الشيء الواحد والذي‬
‫سميناه عمى نحو خالي مف المضموف بػ"الحقيقة"‪ .‬لدينا ىذه المشكمة طوؿ الوقت‪ ،‬بأنو عمينا أف نجد‬
‫شيء ثابت بما يكفي ليعمؿ كأساس متيف لمنمو قدماً‪ .‬وجب أف يكوف لدينا شيء نستند عميو‪ ،‬شيء‬
‫يمكنو مساعدتنا عندما يفشؿ كؿ شيء آخر‪ .‬شيء يكوف أقوى مف أي عدـ يقيف‪ ،‬ويكوف أكثر‬
‫صموداً مف أي مشكمة‪ ،‬وأكثر مكافأة مف أي نشاط مؤقت‪ .‬عمينا أف نبني اإليماف في واقعنا‪ ،‬نبني‬
‫اإليماف في الحقيقة‪ ،‬عمينا أف نتعمـ أف نعرؼ بأنو إذا حافظنا عمى اإليماف فسوؼ يحافظ ىو عمينا‪.‬‬
‫عندما نفقد اإليماف باإليماف فسوؼ نكوف في مشكمة كبيرة‪.‬‬

‫لدينا اليوـ الكثير مف المجموعات الدينية التي تعمؿ بيذا االتجاه‪ .‬تبحث عف طرؽ جديدة لتنجح في‬
‫تحويؿ األخطاء التي جمبت معيا المآسي في السنوات األخيرة‪ .‬نحف نحاوؿ اآلف أف ننشئ في‬
‫الحضارة مبادئ قابمة لمبقاء‪ .‬ورغـ ذلؾ فإف أغمبية البشرية تجيؿ ىذه المبادئ بكؿ بساطة‪ .‬أو تجيؿ‬
‫بأنيا ضرورية‪ .‬بالنسبة لمعظـ األشخاص‪ ،‬أي تثبيط لحقيـ في أف يكونوا أنانييف يمثؿ كارثة كبرى‪،‬‬
‫وسوؼ يدافعوف عف أخطائيـ حتى النياية‪ ،‬حتى لو تطمب ذلؾ ارتكاب الجرائـ والشرور المتنوعة‪،‬‬
‫كؿ ذلؾ لكي ال يصححوف أخطائيـ‪ .‬ىذا ال يمكنو أف يدوـ كثي اًر‪ .‬يقاؿ لنا بأف الجو مموث بشكؿ‬
‫كبير‪ .‬يتـ تحذيرنا مف إمكانية حصوؿ انفجارات بركانية مختمفة‪ .‬يحذرونا مف كوارث اقتصادية‬
‫مختمفة‪ ،‬أو كوارث صحية مختمفة األنواع‪ ،‬أو شح المصادر الطبيعية‪ .‬يتـ تحذيرنا بأنو بعد مئة عاـ‬

‫‪143‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫سوؼ يصبح عدد سكاف األرض عظيـ جداً بحيث ال يمكنو البقاء قائماً عمى كوكبنا الصغير تحت‬
‫األحكاـ السائدة اليوـ‪ .‬وجب إذاً أف نواجو تزايد عدد السكاف بتغيير األحكاـ والشرائع‪ .‬يبدو أنو ميما‬
‫تصورنا المستقبؿ نجد أنفسنا في مشكمة‪ .‬لقد استنزفنا قسـ كبير مف حقنا بالوالدة‪ .‬قمنا بتدمير‬
‫المصدر الوحيد ألماننا‪ .‬لذلؾ عمينا محاولة إعادة البناء مف جديد‪ .‬لكف ال يمكننا البناء مف جديد إذا‬
‫لـ يكف لدينا نوع مف اإليماف بشيء ما أكثر أىمية مف األخطاء التي نرتكبيا‪ .‬عمينا أف نبني مف‬
‫أجؿ المستقبؿ ألننا نؤمف بالمستقبؿ‪ .‬عمينا أف ننقذ قيمنا المختمفة وقدراتنا الطبيعية ألننا نؤمف بأنيا‬
‫ميمة‪ .‬عمينا أف نفعؿ ما بوسعنا لكي نحفظ المصادر حتى ولو أننا نستنزفيا جميعاً اليوـ‪.‬‬

‫في الحقيقة إذا نظرنا حولنا اليوـ نجد العالـ بأسره في مشاكؿ مبنية عمى أنواع األخطاء التي‬
‫يصنعيا‪ .‬ال أعتقد أف أحداً واقع في مشكمة ألف األمة عممت بشكؿ جيد‪ .‬كافة المشاكؿ تقريباً تـ‬
‫سوء معاممتيا واستغبلليا‪ .‬ونحف نعتمد عمى العنؼ لكي نحؿ مشكمة الجيؿ‪ .‬يستحيؿ أف ينجح‬

‫‪141‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫العنؼ أف يكوف حؿ مجدي لمجيؿ‪ .‬الشيء الوحيد الذي يستطيع حؿ مشكمة الجيؿ ىو الحكمة‪ .‬لكف‬
‫الحكمة بذاتيا قد تكوف حكمة دنيوية‪ .‬ىناؾ الكثير مف المثقفيف األذكياء والقادريف الذيف معروفوف‬
‫بأف لدييـ مستوى كبير مف الحكمة الدنيوية‪ .‬لكف ىذا لف يجدي نفعاً‪ .‬ميما كاف مستوى حكمتنا‬
‫فسوؼ لف نممؾ شيء ذي قيمة إذا لـ نممؾ المحبة‪ .‬وعندما نممؾ الحب مخموط مع الحكمة يكوف‬
‫لدينا إيماف‪ .‬وجب أف يحصؿ شيء إلعادتنا إلى تمؾ الطفولة الجديدة‪ ،‬إلى ذلؾ النوع الجديد مف‬
‫العالـ الذي ال بد مف أف نصؿ إليو في يوـ مف األياـ‪ .‬عالـ بحيث عمينا أف نبدأ مف جديد ونعود إلى‬
‫طريقة جديدة مف الحياة والمختمفة تماماً عف ذي قبؿ‪ .‬لكف مف أجؿ تحقيؽ ذلؾ عمينا أوالً أف نبدأ‬
‫بالتعمـ‪ .‬ربما قد ال نتعمـ كؿ شيء في ىذه الحياة‪ ،‬لكف سوؼ نصبح محضريف بشكؿ أفضؿ لصالح‬
‫الذيف سيأتوف بعدنا‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫يسود بيف بعض الناس أو المجموعات البشرية فكرة المرشد الروحي الذي يرعى شؤوف أتباعو‬
‫ويحمييـ مف الشرور التي تتربص بيـ‪ .‬ىـ يؤمنوف فعبلً بأف فرد معيف سوؼ يقودىـ إلى العالـ‬
‫الموعود‪ .‬لكف حتى الوقت الحاضر لـ ينجح أحد في ىذه الميمة‪ .‬األمر ذاتو ينطبؽ عمى المشاكؿ‬
‫المختمفة التي نواجييا‪ .‬ال نستطيع االعتماد عمى أفراد لحمايتنا مف أنفسنا‪ .‬أعتقد بأف الشرقييف لدييـ‬
‫نظرة جيدة بخصوص ىذه المشكمة‪ ،‬مثؿ أسياد الػ"زف" في الياباف الذيف ىـ األكثر ميارة في ىذا‬
‫الخصوص‪ .‬لقد تعرفوا عمى القيمة العميا لفترة وجيزة مف الوقت في كؿ يوـ والمكرسة كمياً لئليماف‪.‬‬
‫وسط عالـ مشغوؿ بكؿ شيء يمكننا تصوره‪ ،‬عالـ يستنزؼ ساعات وساعات يومياً عمى نشاطات‬
‫ترفييية تافية‪ ،‬يشعر خبلليا الفرد بعدـ توفر الوقت لديو لكي يفكر‪ .‬حتى أنو ليس لديو اىتماـ‬
‫بالتفكير أصبلً‪ .‬كؿ ما يشغؿ تفكيره ىو الوظيفة واألماف االجتماعي وغيرىا مف مواضيع مشابية‪.‬‬
‫وسط ىذا الوضع نجد األسر تتفكؾ والشباب يصبحوف قمقيف وميمميف ومقصريف بشكؿ متزايد‪ ،‬وكؿ‬
‫شيء يذىب مف السيء إلى األسوأ‪ ،‬والجميع يفعؿ ما كاف يفعمو دائماً‪ .‬أما بالنسبة ألسياد الػ"زف"‪،‬‬
‫أوؿ شيء وجب فعمو ىو أف يكرس الشخص قميبلً مف الوقت لغاية بسيطة وىي التفكير‪ .‬حتى‬
‫فيثاغورث شجع عمى ذلؾ مف خبلؿ تعميمو لمنظومة الفحص الذاتي والتف ّكر‪ .‬عمى الفرد أف يقوـ في‬

‫‪143‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫وقت معيف كؿ يوـ‪ ،‬ولمدة خمس دقائؽ أو حتى دقيقتيف‪ ،‬أف يفكر باألمور بشكؿ واضح ومستقيـ‪،‬‬
‫حتى لو لـ يتمتع بالشجاعة الكافية لفعؿ ما يفكر بو‪ .‬لكف إذا فكر بيذه الطريقة لفترة طويمة كافية‬
‫ويصبح مدركاً أكثر وأكثر إلمكانية إغناء حياتو فسوؼ يكوف متأث اًر بشكؿ إيجابي‪ .‬أحد األشياء‬
‫اإليجابية التي تحصؿ معو ىي توفيره الكثير مف الماؿ‪ ،‬ألننا اآلف نستخدـ مبالغ كبيرة مف الماؿ مف‬
‫أجؿ نسياف أنفسنا عبر إليائيا‪ ،‬ألننا لـ نعد نتحمؿ أنفسنا‪ .‬نحف ال نستطيع أف نكوف ساكنيف‬
‫وىادئيف لوحدنا‪ ،‬إذ سوؼ نصاب بالممؿ أو حتى نصبح ىستيرييف وقد تتفاقـ الحالة بحيث تتطمب‬
‫العبلج النفسي‪ .‬لذلؾ نمجأ إلى ما يشغمنا طواؿ الوقت فيميينا عف أنفسنا‪.‬‬

‫لكف إذا قاـ الفرد ببعض التفكير‪ ،‬قد يجد حكـ لنفسو‪ ،‬قد يتناوؿ موضوع يريد معرفتو أكثر‪ ،‬ويمكنو‬
‫استخدامو في التفكير لمدة بعض الدقائؽ كؿ يوـ‪ ،‬يمكنو أف يعود إلى مواضيع كاف يدرسيا في‬
‫المدرسة‪ ،‬ومنيا يمكنو أف يستمد اإللياـ‪ .‬أما بالنسبة ألسياد الػ"الزف" فغايتيـ ىي إدراؾ أىمية أف‬
‫يكوف الفرد ساكف وصامت لكي يعرؼ‪ .‬ألنو ما مف طريقة لتعرؼ إذا كاف عقمؾ مشغوالً بمواضيع‬
‫عديدة وأغمبيا تافية‪ .‬ال يمكنؾ الحصوؿ عمى البصيرة التي تحتاجيا إذا كاف عقمؾ متحرؾ عمى‬
‫الدواـ بيف مواضيع مختمفة تتعمؽ بمشاكؿ حياتؾ اليومية‪ .‬يتـ األمر بنجاح فقط مف خبلؿ السكوف‬
‫التاـ‪ .‬عادةً ما نكتشؼ بأننا ال نستطيع التحكـ بأفكارنا‪ .‬نحف حتى ال نستطيع التحكـ بأنفسنا‪ ،‬فما‬
‫بالؾ أفكارنا‪ .‬لكف رويداً رويداً يمكننا زيادة ىذه السيطرة عمى تفكيرنا‪ .‬بمكننا استخداـ الممكات التي‬
‫نحوزىا لكي نفعؿ شيئاً مفيداً‪ .‬وفؽ مفيوـ الػ"زف" فإف الصمت يصبح البوابة إلى اإليماف‪ .‬يصبح‬
‫الصمت الوسيمة التدريجية لتصفية الممكات مف إرىاب وبؤس التجربة اليومية‪ .‬الصمت ىو سبلـ‪.‬‬
‫قوة األبدية تسكف في السبلـ‪ .‬السكوف ىو اجتماع مع الذات الحقيقية أو النفس العميا‪ .‬يمكف أف‬
‫يصبح ىذا االجتماع أساس لتكريس جميؿ‪ .‬وىذا التكريس ىو ضروري ألي أحد يرغب في العيش‬
‫بشكؿ أفضؿ وسط ىذا العالـ المربؾ والفوضوي‪.‬‬

‫لذلؾ‪ ،‬وسط الضجيج الذي يسود محيط الفرد‪ ،‬ىناؾ إمكانية لمسكوف‪ .‬وسط سكوف األشياء نعيش في‬
‫عالـ كاف كذلؾ قبؿ أف يوجد اإلنساف‪ .‬كاف الكوف في سبلـ قبؿ أف يظير العقؿ الدنيوي مع حقو في‬
‫النمو والسعي لصنع عالـ أفضؿ‪ .‬الحضارات التي نعرفيا عبر التاريخ كانت عبارة عف مختبرات‬
‫لمتجارب عمى تكشؼ إمكانيات الوعي البشري‪ .‬كانت تمثؿ طريقة الستعراض مدى معرفتنا‪ .‬لكف‬
‫بدالً مف ذلؾ أصبحنا خبراء اليوـ في استعراض كـ مف ما ال نعرفو‪ ،‬وذلؾ عبر األخطاء المستمرة‬

‫‪144‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫التي نقترفيا ودوف أف يكوف لدينا أي إدراؾ سميـ أو حتى المياقة لتصيحيا‪ .‬لقد منحتنا الطبيعة منياج‬
‫بسيط جداً لفعؿ األمر‪ .‬يمكننا جميعاً فعؿ األمر‪ .‬كؿ مدرسة دينية أو فمسفية في العالـ كاف لدييا‬
‫حياتيا التأممية‪ .‬كاف لدييا سكونيا الخاص‪ .‬وكذلؾ كاف مجيودىا اليادؼ لمكشؼ عف أسرار السبب‬
‫األوؿ‪ .‬والرغبة البلنيائية في إيجاد سبب الوجود‪ .‬لقد تـ االفت ارض بأف ىذا السعي ىو ىباء‪ .‬سوؼ‬
‫يقولوف لنا بأنو ال يمكف النجاح بذلؾ وأنو ما مف طريقة لمعرفة ذلؾ‪ .‬لكف ىذا يكوف صحيح فقط إذا‬
‫اتبعنا الوسائؿ الخارجية التي نألفيا‪ .‬بينما في داخمنا فسوؼ يبقى دائماً طريؽ مفتوح‪ .‬ليس ىناؾ أي‬
‫لحظة ال يفتح فييا الدرب الداخمي إذا كنا متحمسيف في حاجتنا إليو‪ .‬المشكمة الكبرى ىي أننا لـ‬
‫نسعى إلى ىذا الدرب الداخمي أبداً‪ .‬ما نرغبو في الحقيقة ىو أف نتبع الدرب الداخمي وبنفس الوقت‬
‫نرغب في االزدىار بأكبر قدر ممكف خارجاً‪ .‬واختبلط الصراعات والبحث عف وقائع مختمفة ورمز‬
‫الحياة‪ ،‬جميعيا تعزز عدـ الواقع‪ .‬الرغبة في أف نكوف أفضؿ لكف مع عدـ التخمي عف أي شيء‬
‫يتعمؽ بالسمات السيئة‪ ،‬نحاوؿ دائماً تقسيـ ىذه األشياء وفصميا عف بعضيا لكي نتمكف مف حمؿ‬
‫جرتي ماء عمى كبل الكتفيف‪ .‬ترانا نصمي مف أجؿ نيؿ الفوائد لكف بنفس الوقت نسيء التعامؿ مع‬
‫كافة قوانيف الحياة وغاياتيا‪ .‬أصبح واضحاً بأف ىذا كمو غير ممكف‪ .‬واآلف بدأنا نراىا بوضوح‪ .‬لمدة‬
‫طويمة مف الزمف لـ يكف ىناؾ ما نفعمو حتى لو أريناىا بوضوح‪ .‬كاف العالـ واقع في عبودية ألنظمة‬
‫مزيفة صمدت لفترات زمنية طويمة وبالتالي كاف عمييا أف تذىب دوف رجعة‪ .‬لكف اآلف أصبح لدى‬
‫الفرد العادي الحؽ لبناء شيء أفضؿ‪ .‬لكف بدأنا تدريجياً نسيء تفسير معاني األشياء‪ ،‬وفقدنا‬
‫إلتزاماتنا الحقيقية الستقامة وتكامؿ أنظمتنا الحياتية‪ .‬عمينا أف نجدىا مرة أخرى ونرتقي فوقيا ثـ‬
‫ننتقؿ إلى شيء أفضؿ‪ .‬ال نستطيع التخمص منيا قبؿ االرتقاء فوقيا‪.‬‬

‫كؿ التقدـ ىو نمو وتنشئة‪ .‬ليس ىناؾ أي خطوة متخذة ‪ ،‬والتي نسمييا تقدـ‪ ،‬ال يحكميا الوعي‬
‫والسموؾ‪ .‬عمى ىذه أف تعمؿ معاً لتحقيؽ الغاية‪ .‬بالتالي خبلؿ بحثنا عف اإليماف فعمينا أف نستحقو‪.‬‬
‫عمينا أف نحتاجو وعمينا اف نرغبو‪ .‬عمينا أف نكرس أنفسنا مف أجمو‪ .‬والبداية ىي سيمة جداً‪ ،‬كؿ ما‬
‫عمينا فعمو ىو أف نكوف عمى إدراؾ تاـ بوجود كوف ونحف مواطنوف فيو‪ ،‬وسوؼ نكوف دائماً مواطنيف‬
‫فيو‪ ،‬إال إذا نفينا أنفسنا بسبب أخطائنا‪ .‬ميما كاف المنفى سيئاً لكننا سوؼ نعود في النياية‪ .‬الخطوة‬
‫األولى في مسيرة تصحيح ضعفنا ونواقصنا تمثؿ الخطوة األولى نحو االتحاد مع الوقائع الكونية‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫اإليماف ىو األداة الوحيدة التي نممكيا‪ ،‬وبالتالي عمينا أف نجعميا قوية‪ .‬عمينا فعؿ كؿ ما بوسعنا‬
‫لتقوية وتنشيط مساىماتو‪ .‬عمينا أف ندمج معو كؿ حقيقة يكتشفيا العمـ‪ ،‬وكؿ حكمة أوجدىا الفبلسفة‪،‬‬
‫وكؿ الجماؿ الذي منحنا اياه الفف‪ ،‬جميعيا في الحقيقة تمثؿ أجزاء مختمفة لئليماف ذاتو‪ .‬عندما‬
‫جردناىا مف اإليماف بدأنا نواجو الفشؿ الذريع‪ .‬افترضنا بأنو يمكننا توحيد األجساد دوف حاجة لتوحيد‬
‫األرواح‪ .‬اعتقدنا بأف ىذه العموـ والفنوف ىي كيانات منفصمة‪ ،‬لكنيا ليست كذلؾ‪ ،‬بؿ ىي تجميات‬
‫متعددة لمبدأ أبدي واحد‪ .‬في كافة المسائؿ عمى اختبلفيا فإف الحياة الداخمية ىي المفتاح‪ .‬عمينا أف‬
‫نبدأ العيش مع ىذه الفكرة‪ ،‬فكرة أف ال شيء يمكنو العيش دوف إيماف‪ .‬ال يستطيع أي تاجر النجاح‬
‫دوف إيماف‪ .‬وال أقصد اإليماف بالسمع لديو‪ ،‬بؿ اإليماف بشخصيتو التي تتعامؿ مع السمع لديو‪ .‬إنيا‬
‫الحكمة والميارة والوعي بداخمو التي تقرر في النياية نجاح مشروعو التجاري‪.‬‬

‫لذلؾ أعتقد أنو بالنسبة لمشخص العادي‪ ،‬وفيما يتعمؽ باإليماف‪ ،‬يمكننا أف ننظر حولنا إلى أشياء‬
‫سبؽ وحصمت‪ ،‬فنجد أمور أحسنا فعميا ونكوف فرحيف بذلؾ‪ ،‬ثـ نجد أمور أخطأنا فعميا ثـ نعاني مف‬
‫عواقب ذلؾ‪ .‬كما أننا ننظر حولنا‪ ،‬إلى حضارات وثقافات أخرى‪ ،‬ونرى أف اآلخريف يقترفوف نفس‬
‫األخطاء ويسعوف كذلؾ إلى القياـ بنفس التصحيحات‪ .‬إذا راقبنا التصحيحات نتذكر حينيا ذلؾ‬
‫المبدأ الذي يتحدث عف التجربة واالختبار‪ .‬إف المجتمع يختبر في الحياة لمدة طويمة‪ .‬حتى العمـ‬
‫يختبر في الحياة‪ .‬والشيء الوحيد الذي تعممو العمـ فعمياً ىو أننا ال نقوـ بفعؿ األشياء بالطريقة‬
‫الصحيحة‪ .‬ومع اكتشافنا ذلؾ نبدأ في البحث عف الطريقة الصحيحة‪ .‬وجب أف ندمج االستقامة‬
‫والتكامؿ الروحي مع الحقائؽ الفكرية والمادية‪ .‬إثبات األخبلؽ في المختبر‪ ،‬واثبات الفمسفة في‬
‫التجارة‪ ،‬واثبات الحكمة في األماكف العامة‪ ،‬واثبات الرشد في الطفؿ‪ ،‬واثبات األمانة واإلخبلص في‬
‫المنزؿ‪ ،‬كؿ ىذه األمور ممكنة‪ ،‬وأينما تـ خرؽ القوانيف فبل بد مف أف شيئاً ضاع وفقد‪ .‬وفي النياية‪،‬‬
‫عمى كؿ مف يخرؽ القوانيف أف يدفع الثمف‪ .‬لذلؾ فإف اإليماف متأسس عمى إدراؾ حقيقة أننا نعيش‬
‫في كوف صادؽ بشكؿ مطمؽ‪ .‬وال يمكننا فعؿ شيء حياؿ ذلؾ سوى أف نكوف صادقيف أنفسنا واال‬
‫فسوؼ نعاني‪ .‬نحف نعيش في كوف لديو غاية‪ ،‬لكف نحف ال نعرؼ ما ىي غايتنا في معظـ األحياف‪.‬‬
‫نحف نعيش في كوف لو مستقبؿ ويعرؼ إلى أيف يذىب‪ ،‬لكف نحف لسنا كذلؾ‪ .‬لكف يمكننا أف ننمي‬
‫تدريجياً تركيب ة كافية مف الحقائؽ المتوفرة لدينا لكي نبدأ بتصديؽ مستقبؿ معيف‪ ،‬ألننا نعرؼ المبادئ‬
‫والقوانيف الحاكمة ليذه المسيرة وقد اكتشفنا بعض مف سموكيا‪ .‬إنو ممكف جداً بالنسبة لنا أف نقوـ‬
‫تدريجياً وفي وقت معقوؿ أف نجري التغيرات في أنفسنا‪ ،‬وىذه التغييرات قد ال تحصؿ مرة واحدة‪ ،‬وقد‬

‫‪146‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫نغادر ىذا العالـ مع تغييرات الزالت جزئية‪ ،‬لكف ىذا كمو ال ييـ‪ ،‬ال شيء ميـ ألننا سوؼ نعود إلى‬
‫ىذا العالـ مع نفس التغييرات الجزئية ثـ نكمؿ طريقنا مف حيث توقفنا‪ .‬وبسبب ما نتعممو اآلف‪ ،‬فإف‬
‫أولئؾ الذيف يولدوف بعد ألؼ عاـ مف اآلف سوؼ يكونوا أكثر حكمة منا‪ ،‬ألننا نحف ىـ‪ ،‬ونحف بيذه‬
‫الحالة في حالة نمو مستمر‪.‬‬

‫النمو ال ُيقاس مف خبلؿ تجسيد واحد‪ ،‬بؿ وفؽ صيغة أجياؿ وأجياؿ‪ ،‬حيوات وحيوات‪ .‬والتقدـ يستمر‬
‫طالما بقيت االستقامة تنمو في الناس‪ .‬مف المؤكد أف ىناؾ الكثير مف الناس يغادروف العالـ اليوـ‬
‫مجرديف مف االستقامة‪ ،‬لكنيـ سوؼ يعودوف حتماً‪ ،‬وسوؼ ندخؿ في مشاكؿ معيـ مرة أخرى‪.‬‬
‫الموت ىو تغيير عوالـ لكنو ليس تغير في الشخصية‪ .‬بالتالي ميما عشنا في ضمو ومتنا في ضمو‬
‫سوؼ نعود إلى الوالدة في ضمو‪ .‬ومف أجؿ اليروب مف الصعوبات التي ترىقنا اليوـ عمينا أف نغير‬
‫أنفسنا بحيث إذا عدنا مف جديد فيذه العيوب تحديداً تكوف قد تصححت‪ .‬خبلؿ معالجة ىذه األمور‬
‫يوجد عقبلنية في المسألة‪ ،‬والعقبلنية تفيد كثي اًر في موضوع اإليماف‪ .‬ألف اإليماف‪ ،‬وبطريقة غامضة‪،‬‬
‫ىو العقبلنية ذاتيا‪ .‬ىو شيء نعرفو بشكؿ مميز ونتجنبو بحذر‪ .‬ىو شيء نعتقد بو لكنو يتدخؿ في‬
‫معتقدات أخرى أقؿ أىمية‪ .‬لذلؾ فإف المشكمة تكمف في وضع اإليماف في المقاـ األوؿ حيث‬
‫يستحؽ‪ .‬نوصمو إلى المرحمة التي يمكنو فييا منحنا القوة لمواجية المحف والشدائد‪ ،‬كما يمنحنا‬
‫الشجاعة والحكمة لبناء مستقبؿ أفضؿ‪ .‬نحف بحاجة إلى اإليماف عمى المستوى الفردي‪ ،‬وكذلؾ‬
‫نحتاجو عمى المستوى الجماعي‪ ،‬وكذلؾ عمى المستوى الوطني‪ ،‬وربما حتى الكوكب بحاجة إليو‪.‬‬
‫ألننا نقوـ باستغبلؿ كوكب ُمنح لنا كحديقة جميمة لكننا حولناه إلى أرض مقفرة جرداء‪ .‬وجب تغيير‬
‫الشح بأنواعو‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ىذا كمو‪ .‬سوؼ يتوفر ما يكفي إذا قمنا بالميمة بشكؿ صحيح‪ .‬يمكننا التغمب عمى‬
‫يمكننا تحمؿ أكثر مف ضعؼ عدد السكاف الحالي لمكوكب‪ ،‬كؿ ذلؾ فقط لو امتنعنا عف األنانية‪ .‬إذا‬
‫توقفنا عف محاولة استغبلؿ بعضنا البعض‪ ،‬وندرؾ بأنو في عائمة واحدة كبيرة فإف اإلخبلص لكؿ‬
‫فرد يعني اإلخبلص لمجميع‪ .‬إذا كنا مخمصيف وقمنا بالواجبات الضرورية فسوؼ يكوف لدينا أجمؿ‬
‫كوكب يمكف أف يكوف‪ .‬وسوؼ نكوف سعيديف جداً في ىذا الكوكب خبلؿ قيامنا باألفعاؿ التي وجب‬
‫فعميا‪ .‬عندما يحصؿ ىذا فسوؼ نعرؼ حينيا أف اإليماف قد تجمى‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫انقـذس‬
‫وفمسفـة المصيـر‬

‫حير الفكر البشري آلالؼ السنيف خبلؿ المجيود الحثيث الكتشاؼ ما‬
‫إنو موضوع مثير بالفعؿ‪ ،‬وقد ّ‬
‫ىي األحكاـ التي تقبع وراء تطور األشياء‪ .‬ما ىي الخطة؟ البعض طبعاً ينكروف وجود خطة أصبلً‪.‬‬
‫قد يمثؿ ىذا جواب شافي لكف ال يمثؿ حؿ لممسألة‪ .‬اآلخروف يعتقدوف بأف ىذه الخطة محفوظة مف‬
‫قبؿ قوة إليية وبالتالي ال يستطيع أي شخص فاني أف يستوعب شمولية ىذا الغموض المتعمؽ باإللو‬
‫األعمى‪ .‬لكف ىناؾ آخروف أيضاً‪ ،‬والكثير منيـ أشخاص ورعيف ومؤمنيف ومطمعيف يشعروف بأنو في‬
‫الوقت الذي يكوف صحيحاً أف اإلجابة الكمية والشافية لكافة األسئمة ليست متوفرة في ىذا الوقت‪،‬‬
‫لكف مف خبلؿ االعتبار العقبلني والحذر لممجريات التي تعمؿ اآلف في الطبيعة يمكننا أف نتوصؿ‬
‫إلى تقارب كمي لمعرفة األحكاـ وراء المعبة‪ .‬لدينا نظرة شمولية لمحياة والتي تـ تقويتيا وتوسيعيا‬
‫وتعميقيا مف قبؿ عمـ اإلنساف (األنثروبولوجيا) وعمـ الحيواف وعمـ اآلثار وعممياً كؿ أداة أو مجاؿ‬
‫بحث ابتكره اإلنساف‪ .‬مف ىذه المصادر المختمفة استقينا روايات وبيانات عف ظاىرة العيش والحياة‬

‫‪148‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫عموماً‪ .‬نكتشؼ كيؼ تسير األشياء إلى األماـ عبر الزمف‪ .‬نبلحظ ربما العبلقة المتبادلة بيف السبب‬
‫والنتيجة (العمة والمعموؿ)‪ ،‬وبعد تأمؿ ىادئ عمى كؿ ما ىو مرئي ومعروؼ مف قبمنا‪ ،‬نبدأ بإدراؾ‬
‫حقيقة أف المصير ىو سمسمة نمطية وليس سمسمة مف الصدؼ واألحداث العشوائية‪ .‬مجريات‬
‫المصير تبدو متواصمة دوف انقطاع‪ ،‬ىي منيجية‪ ،‬وأكثر السمات أىمية تتعمؽ بالعممية ذاتيا والتي‬
‫كؿ الحياة تصبح منخرطة معيا‪ .‬كمما زادت معرفتنا عف مصير الحياة كمما تحسف تعاوننا معو‬
‫يومياً‪ .‬والبعض يتوقع بأف اإلنساف ُمنح العقؿ لكي يستخدمو لمتفكير بخصوص سبب وجوده بنفسو‪.‬‬
‫في الوقت الذي البعض يستخدموف فيو العقؿ ببساطة لمتقدـ بتفصيؿ خاص بيـ‪ ،‬لكف خمؼ قوة‬
‫التفكير تكمف الطاقة الضرورية لمتف ّكر‪ ،‬جزئياً عمى األقؿ‪ ،‬في تك ّشؼ ىذا الشيء الذي نسميو‬
‫المصير‪.‬‬

‫نحف نتعامؿ أيضاً مع كممة أخرى وىي القدر‪ .‬تـ ربط القدر بمفيوـ القدرية أو اإليماف بالقضاء‬
‫المقدرة أو الحتمية‪ .‬وىذه الفكرة المتعمقة بوجود حتمية قدرية بحيث ال نستطيع‬
‫ّ‬ ‫والقدر‪ ،‬أو الظروؼ‬
‫التمرد عمييا والتي ال يمكننا تحويميا أو تغييرىا داخؿ أنفسنا‪ ،‬أدت إلى ظيور مفاىيـ دينية تتعمؽ‬
‫بالقضاء والقدر‪ ،‬وىذا األمر واضح جمياً في عقيدة اإلسبلـ حيث القضاء والقدر يمثؿ عقيدة جوىرية‪،‬‬
‫وىو في الحقيقة جزء أساسي مف المبدأ الذي بنيت عميو العقيدة بالكامؿ‪ .‬القدر بالنسبة لمشخص‬
‫العادي أصبح قريب الصمة بالحظ‪ .‬القدر ىو شيء يحصؿ دوف أي سبب منطقي واضح‪ ،‬أو أننا ال‬
‫نرغب في التحقيؽ بأسبابو‪ .‬نحف نقبؿ الكثير مف األشياء التي تحصؿ معنا‪ ،‬لكف مع تردد وممانعة‬
‫أحياناً‪ ،‬لكننا ال نرغب في محاولة فيـ السبب وراء حصوليا‪ .‬السبب وراء ترددنا في استكشاؼ‬
‫أسباب المجريات ىو ألنيا تذكرنا حتماً بوجود العيوب في شخصيتنا‪ .‬سوؼ ُنجبر عمى االعتراؼ‬
‫بأف سوء الحظ ىو نتيجة مستحقة‪ .‬نحف نستحقو مف خبلؿ قيامنا باألشياء الخاطئة‪ ،‬وأحياناً‬
‫بمعنويات عالية وآماؿ عالية‪ .‬لكف طالما أنيا أعماؿ خاطئة فسوؼ لف تنجح أبداً‪.‬‬

‫بالتالي يبدو أف القدر ىو التعبير عف عممية اختبار اإلنساف في مجريات العيش‪ .‬يمكننا إدراؾ القدر‬
‫كنتيجة لمراقبتنا أفعالنا أو أفعاؿ اآلخريف أو حتى أفعاؿ أمـ قائمة بذاتيا‪ .‬نبلحظ كـ ىي قريبة‬
‫النتائج التي تتبع المسببات‪ .‬ىناؾ نماذج واسعة مف القدرية والتي تستعرض وجود عبلقة دائمة بيف‬
‫األحداث المختمفة‪ ،‬ويوجد دائماً مسببات متشابية تجمب نتائج متشابية‪ .‬قد تتعدؿ النتائج بفعؿ‬
‫الزما ف أو المكاف‪ ،‬وقد تختمؼ بالتفاصيؿ بسبب اختبلؼ األعراؽ واألمـ والثقافات‪ ،‬لكف في الجوىر‬

‫‪149‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫نجد أف فعؿ معيف سوؼ ينتج حتماً ردة فعؿ محددة‪ .‬بالتالي الحرب وجب أف تنتج الحرب وليس‬
‫خير بجوىره؟ السبب ىو إذا كاف‬
‫السبلـ‪ .‬لماذا إذاً نفترض بأف ىذا الشيء الذي نسميو المصير ىو ّ‬
‫عمى الحرب أف تنتج الحرب فيذا يعني أف الحرب ىي حالة أبدية‪ ،‬وىذا أمر غير صحيح ونحف ال‬
‫نؤمف بو‪ .‬إذا كاف كؿ خطأ نقترفو ينتج كارثة لكف ال نتعمـ منيا شيء عمى اإلطبلؽ والتي ال نولييا‬
‫أي اعتبار أو اىتماـ‪ ،‬فبالتالي سوؼ تستمر دورة الظروؼ القاسية والشديدة إلى أجؿ غير مسمى‪،‬‬
‫لكنيا لف تستمر إلى األبد‪ .‬عندما أقوؿ "غير مسمى" فيذا يعني فترة ليا حد معيف لكف غير محدد‪،‬‬
‫يتوقؼ األمر عمى الفرد وسعيو لتصحيح الخطأ‪ .‬اإلنساف ىو صاحب سمطة بنفسو‪ ،‬وىو ال يستطيع‬
‫التمتع بالمعاناة إلى األبد‪ .‬مجرد التفكير بالمعاناة في جينـ إلى األبد ىو كثير بالنسبة لو‪ .‬وىو‬
‫واضح أيضاً بأف الشخص العادي يرغب في أف يكوف مرتاح ورغيد‪ .‬يرغب في االستمتاع دائماً‬
‫طالما سمحت لو الظروؼ‪ .‬يرغب في العيش في عالـ مسالـ ووسط مجتمع متعاوف‪ .‬ألنو مجرد أف‬
‫تذوؽ ىذه الفوائد فسوؼ يحبيا‪ .‬لكف لسوء الحظ‪ ،‬فإف شخصيتو لف تحافظ عمى استم اررية رغبتو أو‬
‫نيتو ىذه‪ .‬نراه يرتد إلى ما كاف عميو دائماً‪ ،‬وىو مخموؽ منافس‪ .‬ىو لـ يتمقى قدر كافي مف المعاناة‬
‫حتى يدرؾ حقيقة أف المعاناة يعود سببيا إلى األفعاؿ الخاطئة‪ .‬وما مف طريقة ممكنة‪ ،‬إف كانت‬
‫عممية أو دينية أو فمسفية‪ ،‬يستطيع الفرد مف خبلليا اقتراؼ خطأ دوف أف يدفع ثمنو‪ .‬نحف نود أف‬
‫نأمؿ بأف ىذه النقطة ليست مؤذية كما تبدو‪ .‬نحف نود أف نأمؿ بأنو يمكننا فعؿ ما يحمو لنا وكؿ‬
‫شيء سوؼ يبقى كما ىو‪ .‬النتيجة الجيدة تكوف ممكنة فقط إذا كاف الشخص متنور جداً بحيث ما‬
‫يرغب فعمو ىو الخير األعظـ لنفسو ولآلخريف‪ .‬حتى يصبح ىذا أساس رغبات الفرد فسوؼ تستمر‬
‫المعاناة قائمة عبر الزمف‪.‬‬

‫خبلؿ مواجية الفرد لعواقب سموكو‪ ،‬قاـ بمراكمة كمية مف األدبيات عف ىذا الموضوع‪ ،‬ومعظميا‬
‫نسمييا اليوـ التاريخ‪ .‬يعتبر التاريخ بالنسبة لمعظـ الناس موضوع ممؿ‪ ،‬وىو في الحقيقة موضوع‬
‫بغيض وتنفر منو النفس‪ .‬التواريخ الحديثة بمعظميا تمثؿ سجبلت وعممية تك ارر لتقصير اإلنسانية‬
‫وعيوبيا‪ .‬التواريخ تحتوي عمى سجبلت متكررة ألخطائنا‪ .‬ىي تستعرض العواقب الحتمية لعدـ‬
‫إنسانية اإلنساف تجاه فصيمتو والفصائؿ األخرى في الطبيعة‪ .‬في كؿ مكاف يقوؿ لنا التاريخ بأننا‬
‫نرتكب األخطاء‪ ،‬ومع ذلؾ نستمر نحف في ارتكابيا‪ .‬نحف لـ نفطف بعد بأف التاريخ يمثؿ نوع مف‬
‫كتاب مقدس‪ ،‬حيث يخفي معنى مقدس‪ ،‬إذ يقوؿ لنا ما عمينا فعمو وما عمينا عدـ فعمو‪ .‬عندما ندرس‬
‫ما عمينا فعمو وما عمينا عدـ فعمو‪ ،‬نتذكر مفيوـ روحي أساسي يقوؿ لنا بأف كؿ منا يتألؼ مف‬

‫‪153‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫نفسيف أو ذاتيف أو قسميف‪ ،‬أحدىما يكافح أبداً باتجاه الخير بينما اآلخر يكافح باستمرار نحو إشباع‬
‫ممذاتو وشيواتو ورغباتو الدنيوية‪ .‬عندما أقوؿ شيوات أو ممذات فبل أقصد فقط تناوؿ الطعاـ والشراب‬
‫بؿ أي شيء يرضي رغبة في أنفسنا‪ ،‬مثؿ الطمع والجشع‪ ،‬الغيرة والحسد‪ ..،‬وغيرىا‪ .‬في كؿ مف ىذه‬
‫الحاالت نسعى إلى إرضاء توجو داخمي غير بناء‪ .‬كؿ إنساف إذاً ىو مؤلؼ مف قسميف‪ .‬بالتالي كؿ‬
‫فرد يحتوي في داخمو عمى شيء يسعى دائماً إلى االندماج مع الخالد األزلي‪ ،‬وىو شيء يتجاوز‬
‫كافة المحدوديات والنواقص والعيوب المادية‪ ،‬ىذا الشيء الذي يكافح نحو إحراز الكماؿ يمثؿ‬
‫المثالية بداخؿ أنفسنا‪ .‬ربما ىو يمثؿ أساس الضمير‪ ،‬كما أنو يذكرنا باستمرار بأننا نستطيع فعؿ‬
‫األشياء بشكؿ أفضؿ‪ .‬قد يدفعنا نحو عدـ األنانية والتفاني أو اإلحساف والمطؼ‪ ،‬أو يقترح عمينا‬
‫مسامحة أعدائنا‪ .‬أما القسـ اآلخر في كياننا‪ ،‬وىو القسـ الدنيوي‪ ،‬فيو شخصي بدرجة كبيرة‪ .‬إذا‬
‫واجينا صعوبات مع اآلخريف فإف ىذا القسـ الدنيوي ال يرغب في المسامحة أو النسياف‪ ،‬بؿ يرغب‬
‫في الثأر‪ ،‬يميؿ إلى رد الصاع صاعيف كمما واجو إساءة مف أحد‪ ،‬يرغب في أخذ ثأره مف الحياة‬
‫ومف الناس‪ ،‬وأينما عجز عف إيجاد أحد ليكوف موضوع ثأره ينقمب عمى المجتمع ككؿ محاوالً السداد‬
‫مقابؿ كؿ معاناة اختبرىا في الحياة‪.‬‬

‫ىذاف الكياناف المتناقضاف بداخمنا يحتبلف أساس الميوؿ واألمزجة والنزعات لدى معظـ الناس‪ .‬نجد‬
‫الخير ىو الذي يسود أكثر مف اآلخر‪،‬‬ ‫عند البعض بأف ذلؾ القسـ الذي يكافح مف أجؿ الجميؿ ّ‬
‫ويتقدـ إلى األماـ‪ .‬بدأ يتدخؿ أكثر وأكثر في ق اررات الشخص‪ ،‬جاعبلً ىذه الق اررات أكثر إحساناً‬
‫ولطفاً ومسامحة‪ .‬بينما عمى الجانب اآلخر نجد النوع اآلخر حيث القسـ السمبي‪ ،‬أي الدنيوي‪ ،‬ىو‬
‫الذي يسيطر‪ ،‬وتتزايد قوتو بسبب خيبات األمؿ وسيطرة األوىاـ الدنيوية والطمع في الباطؿ‪ ،‬أو ألف‬
‫الفرد أصبح يتمحور حوؿ غاية واحدة وىي إشباع وارضاء شيواتو ورغباتو الشخصية‪ .‬أمر واحد‬
‫طبعاً يزيد مف تعقيد المسألة‪ ،‬وىي دائرة المجيوؿ التي تحيط بنا جميعاً‪ .‬نحف نعيش وسط دائرة‬
‫مقفمة‪ ،‬وىناؾ جدار يفصمنا عف خارج الدائرة بحيث نعجز عف الرؤية أو حتى التخميف بدقة ما يقبع‬
‫وراء الجدار ‪ .‬بالتالي كؿ فرد يعيش وسط ىذه البيئة المقفمة بحيث تسيطر عميو بالكامؿ‪ .‬في ىذه‬
‫البيئة تسود مجموعة مف المغالطات واألفكار الخاطئة بحيث أصبحت تعتبر مسممات صحيحة‬
‫وصائبة ونعتبرىا أحياناً منزلة مف السماء‪ .‬نعتبر بعض ىذه المغالطات بأنيا قريبة مف األصوؿ‬
‫اإلليية‪ ،‬مع أنيا ليست كذلؾ في الواقع‪ .‬مف بيف ىذه المغالطات نجد أنو عمينا بناء كامؿ طريقة‬
‫حياتنا باالستناد عمى البرنامج الذي وضعناه لوجودنا المؤقت ىنا والذي ال يتجاوز عدة عقود‪ .‬بينما‬

‫‪151‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ال زلنا أحياء ىنا وضمف ىذه الفترة المؤقتة‪ ،‬وجب عمينا فعؿ كؿ ما يمكننا فعمو في سبيؿ إرضاء‬
‫أنفسنا واشباع رغباتنا‪ .‬أما بخصوص ما يحصؿ بعد مغادرتنا ىذا العالـ فبل يزاؿ يمثؿ صورة قاتمة‬
‫وغير واضحة بالنسبة لمعظـ الناس‪ .‬رغـ أنيـ قد يؤمنوف بوجود عالـ آخر‪ ،‬لكنيـ يقسموف ىذا‬
‫العالـ إلى مستويات مختمفة‪ ،‬أو يجتيدوف في وضع خريطة دقيقة ليذا العالـ اآلخر‪ .‬لكف المشكمة‬
‫ىي أنو خبلؿ وجودنا ىنا في ىذه الحياة نعتقد بأنو عمينا أف نفعؿ كؿ ما بوسعنا لبلستمتاع بأنفسنا‬
‫ونشبع كؿ شيوة وتحقيؽ كؿ طموحاتنا وعمينا أيضاً اإلطباؽ عمى أعدائنا‪ .‬ىناؾ حاالت يقوـ بيا‬
‫الفرد بحمؿ عداءه خبلؿ وجوده عمى فراش الموت حيث آخر مبادرة يتخذىا في حياتو تكوف شتيمة‬
‫موجية إلى عدوه‪ ،‬فيموت بعدىا مباشرة‪ .‬نحف ال نستسمـ‪ .‬ونشعر بأنو إذا جرحنا أحدىـ فيكوف مف‬
‫حقنا المقدس أماـ السماء أف نحقد عمى ذلؾ الشخص حتى آخر الزماف‪ .‬إف ليذا النوع مف األفكار‬
‫تأثير خطير عمى بيئتنا وخمؽ حاالت عدائية تستمر مف جيؿ إلى جيؿ‪ ،‬ونتخذ ىذا المنيج تدريجياً‬
‫ونربطو بمفيوـ المصير‪ .‬فنقوؿ إنو المصير ىو الذي يجعؿ األشياء تحصؿ‪ ،‬المصير يعني أف‬
‫نستمر في العيش كما عشنا دائماً‪ ،‬وبالتالي نترؾ إرث ثقيؿ مف المعاناة إلى أوالدنا وأحفادنا‪ .‬نعتقد‬
‫بأنو عمينا أف نمتزـ بمنيجية محددة لؤلشياء كما قدر ليا أف تكوف‪.‬‬

‫ىذا يقود الفرد إلى قرار حاسـ وجب عميو اتخاذه‪ ،‬ويتعمؽ بمشكمة ىؿ يستطيع إحداث تغيير؟ ىؿ‬
‫يستطيع الفرد أف يحدث تغيي اًر جذرياً في منيج حياتو؟ ىناؾ أناس يقولوف لنا بأنيـ تغيروا‪ ،‬وربما‬
‫مجرد التوافؽ مع وضع جديد‪ ،‬بؿ قد يعني االبتعاد‬
‫تغيروا فعبلً بطرؽ متعددة‪ ،‬لكف التغيير ال يعني ّ‬
‫عف ذلؾ الوضع كمياً‪ .‬التغيير يعني أف يحقؽ الفرد تغيير اجتماعي مف خبلؿ تغيير شخصي‪ .‬ىو‬
‫يحسف أخبلقو مف خبلؿ أف يصبح أكثر‬ ‫يحسف وضع عائمتو مف خبلؿ تغيير نفسو وليس عائمتو‪ّ .‬‬ ‫ّ‬
‫أخبلقياً بدالً مف طمب األخبلؽ مف اآلخريف‪ .‬يحقؽ بصيرة روحية ليس بالضرورة ألنو يتمقى تعميمات‬
‫بؿ ألنو اختبر تجربة تحسيف الذات‪ .‬بالتالي فالتغير ىو الشيء الوحيد الذي يمكنو تغيير المصير‪،‬‬
‫حيث المصير ىو شيء بذاتو ويستمر في كونو كما ىو ويستمر في إنتاج الصعوبات المرتبطة بو‬
‫حتى يغيره برنامج طويؿ األمد‪ .‬القميؿ مف الناس يستطيعوف إحداث تغيير جذري في عيشيـ بينما‬
‫يكونوا وسط مسيرة تجسيدىـ المادي‪ .‬قد يودوف ذلؾ‪ ،‬وفي بعض الحاالت اليائسة يحاولوف إحداث‬
‫تغيير‪ .‬لكف ما الذي يحفّز ىذا التغيير؟ ما الذي يحفّز المجيود الذي يدفع بعض الناس إلى تحقيؽ‬
‫تغيير جذري في نمط عيشيـ؟ ربما أحد تمؾ األسباب ىو أف الفرد ال يكوف سعيداً بسبب فشؿ طريقة‬
‫حياتو لذلؾ يحاوؿ طريقة أخرى‪ .‬في كؿ مف ىذه الحاالت تقريب ًا يحصؿ التغيير نتيجة المعاناة مف‬

‫‪152‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫خيبات األمؿ واإلحباط أو أف الفرد يعجز عف االستمرار في طريقة حياتو بسبب ظروؼ صحية أو‬
‫مالية أو أي شيء آخر يتطمب تغيير في نمط حياتو‪.‬‬

‫لكف ليس ىكذا وجب إتماـ العممية‪ .‬عمينا أف ال ننتظر حتى ُيفرض عمينا التغيير مف قبؿ أخطائنا‪.‬‬
‫وجب عمى الفرد أف يبدأ بالتغيير في المحظة التي يبدأ فييا التفكير‪ ،‬ألنو عمى كؿ فكرة وكؿ استخداـ‬
‫لمعقؿ أف يكشؼ عناصر الشخصية والسموؾ واألنماط واالرتباطات والعبلقات التي يمكف تحسينيا‬
‫جميعاً‪ ،‬وبالتالي وجب تغييرىا مف شيء أقؿ مستوى إلى شيء أفضؿ‪ .‬ىذا يعني أف التغيير ىو نمو‬
‫طوعي مميـ مف قبؿ الرغبة في أف يكوف الفرد أفضؿ مما ىو عميو‪ ،‬وليس الرغبة لتجنب‬
‫الصعوبات‪ .‬األمر ال يتعمؽ بضرورة العيش بشكؿ أفضؿ لتجنب المعاناة واأللـ‪ ،‬بؿ ألف العيش‬
‫األفضؿ يمنحنا الصحة السميمة والتي تعتبر إنجاز إيجابي بذاتو‪ .‬متما نمونا ألننا ال نستطيع تحمؿ‬
‫طريقتنا في الحياة فيذا يجعؿ مجيودنا بيذا االتجاه خالي مف التأثير عمى تبديؿ أخبلقياتنا ومبادئنا‪،‬‬
‫وىذا يجعمنا مجرد سعاة إلى التخمي عف عادة سيئة والتي كنا نفضؿ االحتفاظ بيا لوال تأثيراتيا‬
‫السمبية عمينا‪ .‬نحف نحب أف نقترؼ األخطاء لوال أنيا تسبب لنا األلـ والمعاناة‪ .‬ىذا ينتج حالة‬
‫إصبلح ىائؿ لمشخصية‪ .‬وغالباً ما تسعى ىذه الشخصية إلى إيجاد طرؽ مختمفة الرتكاب األخطاء‬
‫القديمة لكف تحت مسميات جديدة‪ .‬فتبدأ المشاكؿ بالعودة كما السابؽ وقد تستمر إلى باقي الحياة‪.‬‬

‫يوجد طريقة واحدة فقط يمكف مف خبلليا تغيير المصير‪ .‬الصموات لمسماء طمباً لتغيير المصير‬
‫أثبتت عدـ جدواىا‪ .‬الكوف سوؼ يستمر وسوؼ يفعؿ ما طالما فعمو ألنو األنسب لكافة المخموقات‪.‬‬
‫المشكمة التي عمى اإلنساف مواجيتيا ىي كـ سيستغرؽ مف الوقت قبؿ أف يكتشؼ بأف طرؽ الطبيعة‬
‫ىي األفضؿ‪ .‬أحد العيوب األكثر شيوعاً اليوـ ىو رغبتنا الشديدة في إصبلح سموؾ الطبيعة‪ .‬لدينا‬
‫شعور بأف الوقت قد حاف ألف نتمتع بالسمطة الكافية التي تمكننا مف توجيو اهلل في إدارتو ألعمالو‪.‬‬
‫نحف مقتنعوف تماماً بأف الخطة اإلليية بحاجة إلى تعديؿ‪ .‬نحف نعرؼ بأنو في الوقت الحالي يوجد‬
‫صعوبة بخصوص عبلقتنا مع ىذه الخطة اإلليية‪ .‬بالتالي نود أف نشرح لئللو األعمى بأننا نحف‬
‫عمى حؽ وىو عمى خطأ‪ .‬نود أف نجعمو واضحاً بأننا سنخاصمو إذا لـ تتغير األمور لصالحنا‪ .‬لكف‬
‫ميما كاف األمر فاإلنساف يتمرد ضد األشياء التي ال يحبيا‪ .‬في المحظة التي ال يتوافؽ فييا اهلل مع‬
‫اإلنساف يظف ىذا األخير بطريقتو المتواضعة بأف اهلل ىو الذي يعاني مف ىذه الحالة‪ .‬يود اإلنساف‬
‫بطريقة معينة أف يجعؿ الكوف يسير باالتجاه الذي يريده أف يكوف‪ ،‬فيحاوؿ بطرؽ معينة أف يشرح‬

‫‪153‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫بأف اهلل يريد ا لكوف أف يسير بيذا االتجاه الذي اختاره‪ .‬لكف ميما كاف األمر‪ ،‬مف الصعب تقبؿ فكرة‬
‫أف اهلل يريد مف اإلنساف االستمرار في فعؿ األشياء التي تؤذيو وتضر بو‪ .‬اإلنساف يشوه مسيرة حياتو‬
‫ويدمر مصادره ويفقر الطبيعة‪ ..‬وغيرىا مف أفعاؿ غير موزونة‪ ،‬مف الصعب جداً االعتقاد بأف اهلل‬
‫يريد ىذا أف يحصؿ أو يرغب في أف يعاني اإلنساف مف عواقب ىذه األفعاؿ‪ .‬اإلنساف ال يعاني ألف‬
‫اهلل يريده أف يعاني‪ ،‬بؿ اإلنساف يعاني نتيجة ألخطائو التي اقترفيا‪ .‬وعندما تعود أخطائو لتنقمب‬
‫عميو‪ ،‬يعتبر اإلنساف بأف ىذا سوء حظ مقدر لو‪ .‬أي بمعنى آخر‪ ،‬يعتبر بأف سوء الحظ ىذا وجب‬
‫أف ال يحصؿ‪ .‬ورغـ ىذا كمو فيو ال يفكر أبداً في تصحيح األسباب الفعمية ليذه الحالة التي يعتبرىا‬
‫مجرد سوء حظ مقدر لو مف اهلل‪.‬‬

‫طالما استمر الفرد في التسبب بالمشاكؿ فسوؼ يعاني‪ .‬ىذه طريقة جيدة لمضبط األبوي‪ .‬لـ يعد‬
‫بإمكاننا اعتبار اإللو األعمى بأنو أب ظالـ وقاسي يعاقب ابنو بحافز المتعة والنزوة‪ ،‬بؿ ىو والد‬
‫حكيـ يدرؾ بأف كؿ ولد بحاجة إلى ضبط‪ .‬لذلؾ فإف الخطة الكونية مبنية عمى االنضباط‪.‬‬
‫واالنضباط ىو الشيء الذي يود الفرد العادي أف يتخمص منو في حياتو‪ .‬ىو ال يريد أف يتـ ضبطو‪.‬‬
‫رغـ ذلؾ‪ ،‬فإف اإلبف الذي يرفض االنضباط خبلؿ مراىقتو سوؼ يموـ والديو عندما يصؿ في سف‬
‫الثبلثيف عمى عدـ إخضاعو لمضبط‪ ،‬ألنو سوؼ يدرؾ الحقاً بأنو ال يستطيع العيش دوف ضبط‪.‬‬
‫وعندما يعيش بدالؿ فسوؼ يفسد‪ .‬نحف نحب أف يدلمنا اهلل‪ ،‬كؿ واحد منا‪ .‬نحب أف يفعؿ لنا اهلل كؿ‬
‫ما نرغبو ونريده‪ .‬نحب أف يصنع منا أشخاص أثرياء وأصحاء‪ .‬عميو أف ال يسمح ألي شرور أو‬
‫مشاكؿ أو مصاعب أف تواجينا‪ .‬عميو أف يعيشنا بنعيـ كما لو أننا في الجنة‪ .‬لكف ربما نسينا بأف‬
‫العالـ بدأ بيذه الحالة الجميمة في بداية التاريخ لكف نحف الذيف خربنا كؿ شيء‪ .‬والمشكمة كانت‬
‫دائماً في العصياف عمى وصايا اهلل‪ ،‬وىو طبعاً لف يتساىؿ مع ذلؾ‪.‬‬

‫في الحقيقة‪ ،‬فإف السماء ال تحط عمى أحد بيدؼ الثأر أو ما شابو‪ ،‬لكف خبلؿ كؿ إجراء في‬
‫الطبيعة وخبلؿ كؿ لحظة مف حياتنا نعمؿ وفؽ سمسمة متشابكة مف القوانيف‪ .‬نحف نتنفس بفعؿ تمؾ‬
‫القوانيف‪ .‬نحف نممؾ أجساـ بفضؿ تمؾ القوانيف‪ .‬نحف نستطيع التفكير بفضؿ تمؾ القوانيف‪ .‬كؿ فعؿ‬
‫أو تفكير أو شعور أو عاطفة نممكيا جميعاً في كياننا بصفة ممكات أو قدرات أو قوى ىي جميع ًا‬
‫خاضعة لقوانيف‪ .‬كؿ واحد مف ىذه القوانيف معرض لبلستخداـ السيء واالستخداـ السميـ‪ .‬ىذه‬
‫القوانيف تقوؿ لنا بأف المجريات تسير بشكؿ جيد وبسيولة إذا لـ تتعرض القوانيف لسوء االستخداـ‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫إذا لـ نطيع القوانيف أو ال نمتزـ بيا‪ ،‬فسوؼ تنحرؼ مجموعة كاممة مف الممكات والقوى عف مسارىا‬
‫المتوازف‪ .‬الفرد الذي يصبح مدمف مخدرات يقوـ نتيجة ذلؾ بتدمير مجموعة بكامميا مف القوانيف‬
‫النمطية التي يحتاجيا لعيش حياة ناجحة‪ .‬أي ىو يعطب نفسو وال أحد يجبره عمى ذلؾ‪ .‬قد نقوؿ‬
‫بأنو بدأ في فترة لـ يكف فييا حكيماً بما يكفي لكي يعرؼ ماذا عميو فعمو‪ .‬ربما طغى عميو تأثير‬
‫اآلخريف‪ .‬ىذا ىو السبب الذي يفرض عمى الشخص الذي في طور البموغ أف يخضع إلى كـ كافي‬
‫مف االنضباط والتحكـ والتوجيو‪ .‬وقد تكوف ىذه ميمة صعبة‪ .‬وفي بعض الحاالت قد تكوف‬
‫مستحيمة‪ .‬لكف إذا فشؿ األىؿ وجب أف تتدخؿ الحكومة وتكمؿ عممية الضبط‪ .‬ألنو ال يمكف السماح‬
‫لمفرد أف يعيش حياة غير منضبطة ويتوقع أي شيء غير الكوارث‪.‬‬

‫ىذا ما نسميو المصير‪ .‬ىذا المصير يعني أف نمحؽ بأنفسنا‪ .‬المصير ىو ما قمنا بتحريكو مف‬
‫تسمسؿ أحداث وفي النياية يعود عمينا بالنتائج‪ .‬ىذا يجعمنا نستنتج بأف المصير يمكف تغييره‪ .‬ليس‬
‫بالضرورة أف يكوف المصير ثابت غير متغير‪ .‬وكاف لعمماء البلىوت الفمكييف القدماء الكثير ليقولونو‬
‫بيذا الخصوص‪ .‬أشار بطميموس مثبلً إلى أنو وفقاً لعمـ الفمؾ ليس ىناؾ أي مصير محتوـ‪ .‬ليس‬
‫ىناؾ طريقة يمكف لمقدرية أف تترجـ في المجريات البشرية‪ .‬األمر الوحيد الذي يمكف أف نسميو قدري‬
‫ىو أنو مجرد ما اقترفنا خطأ سوؼ نواجو العواقب‪ .‬إذا لـ يكف ىناؾ أخطاء فميس ىناؾ عواقب‪.‬‬
‫الفعؿ الجيد يجمب عواقب جيدة‪ .‬بينما الفعؿ السمبي أو الفاسد أو المدمر يجمب عواقب سيئة‪ .‬ىذا‬
‫أمر حتمي وثابت‪ .‬ىذا أمر محسوـ وما مف طريقة لتجنبو‪ .‬وفي بعض األحياف يتطمب األمر حياة‬
‫بكامميا لتعمـ ىذه الحقيقة‪ ،‬وقد يتطمب األمر خمسيف حياة متتالية لتعمميا‪ .‬يمكف أف نعود إلى الحياة‬
‫مرة بعد مرة نكره المجتمع ألنو ال يحقؽ أمنياتنا ورغباتنا‪ .‬لكف في يوـ مف األياـ سوؼ نتعمـ الدرس‬
‫البسيط الذي يقوؿ بأف سعادتنا في البيئة التي نولد فييا ىي نتيجة وعاقبة وحصاد استقامتنا وتكاممنا‬
‫األخبلقي‪ .‬ىذه ىي األشياء الميمة‪ .‬بعد استيعاب ىذه الحقيقة حينيا يمكننا أف نرى ما يعنيو‬
‫المصير بالضبط‪.‬‬

‫ال مصير ىو حقيقة أف كؿ إجراء أو عممية موجودة في الطبيعة ليا سبب لوجودىا‪ .‬إنيا جزء مف‬
‫عممية تكميؿ أو نزوح نحو الكماؿ‪ ،‬وبالتالي في غيابيا ال يمكف لشيء أف يكتمؿ‪ .‬ىذا ىو النمط‬
‫األولي العظيـ تكمف طرؽ حياة صغيرة والنيائية‪ .‬ونجد‬
‫األولي بشموليتو لوجودنا‪ .‬ضمف ىذا النمط ّ‬
‫ّ‬
‫في مممكة الحيواف مثاؿ جيد عمى العامؿ الحدسي البسيط الذي يسيطر عمى الحيوانات ونسميو‬

‫‪155‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫الغريزة‪ .‬ناد اًر ما تخرؽ الحيوانات القوانيف‪ .‬ىي تفعؿ ذلؾ الذي ىو حتمي بالنسبة ليا‪ .‬ىي تستوفي‬
‫األولي ألنواعيا‪ .‬وكذلؾ تفعؿ النباتات والزىور واألشجار‪ .‬كافة أشكاؿ الحياة‪ ،‬حتى المعادف‬
‫النمط ّ‬
‫والبمورات الصخرية‪ ،‬تستوفي أنماطيا األولية‪ .‬ومف خبلؿ استيفائيا تحافظ عمى اإليماف بالمبدأ أو‬
‫المصير المقدر ليا‪ .‬إنو واضح جداً بأف الكائف الحي ال يتدخؿ فكرياً في مصيره الخاص‪ ،‬حيث‬
‫الغريزة سوؼ تقوده تمقائياً في الطريؽ الذي عميو اتباعو‪.‬‬

‫الغريزة ىي شيء قيـ وميـ جداً‪ .‬والكائنات البشرية الزالت تممكيا لكف برواسب قميمة جداً‪ .‬لـ تعد‬
‫الغريزة مسيطرة في اإلنساف‪ .‬لقد تـ االرتقاء باإلنساف إلى مستوى آخر‪ .‬وىذا المستوى اآلخر الذي‬
‫ينتمي إليو ىو الذي جعمو ينتمي لئلنسانية‪ .‬اإلنساف ليس مجرد حيواف يقؼ عمى رجميو‪ ،‬بؿ ىو‬
‫مخموؽ قائـ بذاتو‪ .‬خمقتو تختمؼ عف باقي المخموقات ألنيا تحوز عمى القرار ذاتي عبر وجود‬
‫العقؿ‪ .‬ىذا العقؿ جعؿ الكائف البشري يمثؿ فصيمة منفصمة بذاتيا‪ .‬ال ترتبط بأي فصيمة أخرى‪ .‬ىو‬
‫يمثؿ مخموؽ فريد مف نوعو‪ ،‬وذلؾ ألنو تحوؿ مف الغريزة إلى العقبلنية‪ .‬ىو بالتالي لـ يعد ُيقاد مف‬
‫قبؿ مبادئ ثابتة تعمؿ عبره‪ .‬عمى اإلنساف أف يوجو ويستخدـ ىذه المصادر عبر القرار الواعي‪ .‬أي‬
‫بمعنى آخر‪ ،‬أصبح اإلنساف فجأة قاد اًر عمى تحقيؽ غموض التطور‪ .‬ألف عممية التطور تكوف‬
‫مستحيمة إال في المخموؽ الذي يحكـ نفسو‪ .‬المخموؽ الذي يعيش كمياً بالغريزة ال يمكنو أف يكوف‬
‫فضيبلً أو رذيبلً‪ ،‬وال يمكنو استحقاؽ شيء أفضؿ أو يستحؽ شيء أسوأ‪ ،‬ىذا ألنو ليس حر‪ .‬ىو‬
‫مقيد بالغرائز مف داخمو والتي ال يستطيع مقاومتيا‪ .‬أما اإلنساف‪ ،‬فمـ يعد مقيداً بيذه الطريقة‪ .‬لديو‬
‫ّ‬
‫القدرة عمى استخداـ وسوء استخداـ مصادر إنسانيتو‪ .‬لديو القدرة عمى صنع قوانيف جيدة أو سيئة‪.‬‬
‫لديو الحؽ في العيش وفؽ المبادئ أو االنحراؼ عف المبادئ‪ .‬لديو الميزة الداخمية ألف يكوف سعيداً‪.‬‬
‫لكف لديو أيضاً المسؤولية التي تجعؿ منو بائس‪ .‬بالتالي فاإلنساف ىو كائف محرض ذاتياً‪ .‬وخبلؿ‬
‫األولي لمكوف بذاتو‪ ،‬والذي ىو أيضاً‬
‫تحريضو الذاتي ىو يتحرؾ بالتدريج وبشكؿ حتمي نحو النمط ّ‬
‫يعتبر كائف عضوي متحرؾ ىائؿ‪ ،‬يتحرؾ وفقاً لمقانوف بالضبط‪.‬‬

‫عندما يتوافؽ اإلنساف مع النموذج الذي يجعمو قطعة واحدة مف عممية الخمؽ‪ ،‬في المحظة التي‬
‫يتناسب فييا مع النموذج بحيث لـ يعد ىناؾ اختبلؼ بيف سموكو الخاص وذلؾ الذي يعود لمنموذج‬
‫األعظـ‪ ،‬سوؼ يتوقؼ األلـ والبؤس والمعاناة فو اًر ومباشرة‪ .‬ىذه السمبيات األخيرة ىي دائماً نتائج‬
‫سموؾ اإلنساف الذي ال يتوافؽ مع السموؾ الحتمي والضروري مف أجؿ تكميؿ الخطة اإلليية‪ .‬بعد‬

‫‪156‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫التوصؿ إلى ىذا االستنتاج‪ ،‬يبدأ اإلنساف بالتفكير كيؼ سيحقؽ ىذا التوافؽ مع الخطة اإلليية‪.‬‬
‫ننظر حولنا وكذلؾ عبر التاريخ إلى البداية األولى‪ ،‬فنبلحظ وجود البعض الذيف استشعروا ىذا السر‬
‫الغامض‪ ،‬عندما كاف اإلنساف يعيش متجوالً في الطبيعة‪ ،‬أدركوا بأنيـ كانوا يعيشوف في منظومة‬
‫أفضؿ بكثير مف أي منظومة يمكنيـ ابتكارىا بنفسيـ‪ .‬البنى األكثر نجاحاً في الطبيعة ىي تمؾ التي‬
‫بنيت وفقاً لمقوانيف الطبيعية‪ ،‬وىي مجرد تخصيص ضمف قوانيف الطبيعة‪ .‬الحياة البشرية ىي مجرد‬
‫تخصيص ضمف قانوف الطبيعة‪ .‬واذا تـ تكشؼ ىذا التخصيص بشكؿ سميـ وصحيح فسوؼ تعيش‬
‫حينيا اإلنسانية بسبلـ وسعادة وفي عالـ آمف حتماً‪ .‬يستطيع حينيا اإلنساف أف يعيش في سبلـ‬
‫كامؿ بحيث يستطيع حينيا أف يتقدـ المزيد باتجاه مصادر أرقى والتي ال يستطيع التعامؿ معيا‬
‫طالما بقي مشغوالً بمشاكؿ الحياة اليومية‪ .‬وجب أف يتجاوز تمؾ المشاكؿ‪ ،‬ال يمكف تجاىميا ىكذا‪.‬‬

‫خبلؿ نظر اإلنساف إلى ىذه المشاكؿ‪ ،‬تتممكو كافة أنواع الوضعيات النفسية بخصوصيا‪ .‬لديو شيء‬
‫واحد يأممو دائماً‪ ،‬وىو أنو في مكاف ما في الطبيعة‪ ،‬يمكف لمقوانيف العظمى أف تصبح حساسة‬
‫ورقيقة العاطفة‪ ،‬فتترأؼ بو وتطبطب عمى رأسو وتقوؿ لو يا أييا المسكيف سوؼ نصنع استثناء في‬
‫حالتؾ‪ .‬جميعنا نبحث عف ىذا النوع مف األبوية‪ .‬جميعنا نحاوؿ أف نجد بطريقة ما كيؼ يمكننا‬
‫اليروب مف عواقب أفعالنا في كوف حيث يبدو واضحاً أنو مستحيؿ‪ .‬لقد طورنا فمسفات وأفكار‬
‫تساعدنا عمى التممص مف مسؤولياتنا‪ .‬نحف لـ نقرر أف نكسب طريقنا خارج مشاكمنا‪ ،‬بؿ نتأمؿ أف‬
‫أحداً سوؼ يمغييا جميعاً ويتركنا نسير بطريقنا بسبلـ لكف دوف مبلئمة‪ .‬لكف األمر ال يعمؿ بيذه‬
‫الطريقة‪ .‬ميما زادت درجة اقتناعنا بأننا نستطيع خرؽ القوانيف ونبقى رغـ ذلؾ سعداء‪ ،‬فسوؼ نبقى‬
‫بؤساء عمى أي حاؿ‪ .‬ألننا ال نممؾ الحس الكافي‪ ،‬عبر الخبرة‪ ،‬إلدراؾ حقيقة أننا ال نستطيع النجاح‬
‫في فعؿ ذلؾ الذي ترفضو الطبيعة‪.‬‬

‫لدينا ىذا الموضوع الذي يسمونو مصير والذي نعالجو ىنا‪ .‬المصير بالتالي ىو الخطة اإلليية كما‬
‫وصفتيا سابقاً‪ .‬وكما نستطيع إدراكو وفقاً لقدراتنا المحدودة‪ ،‬فإف خطة المصير ىي إيصاؿ كؿ شيء‬
‫حي‪ ،‬بمستوى أو حالة معينة‪ ،‬سوؼ يحقؽ تكشؼ‬ ‫حي إلى حد الكماؿ‪ .‬أقصد بالكماؿ أف كؿ كائف ّ‬
‫مئة بالمئة لكوامنو الداخمية‪ .‬سوؼ يذىب أبعد ما يمكف في البيئة التي يوجد فييا ووفقاً لما تتطمبو‬
‫كوامنو الداخمية‪ .‬داخؿ كؿ بيئة يوجد مستوى مختمؼ مف الكوامف‪ .‬ال ُيتوقع مف الفرد أف يحقؽ‬
‫وضعية مناسبة لمخموؽ مف بيئة مختمفة‪ .‬ال ُيتوقع منو أف يكوف أفضؿ مما تسمح بو البيئة‬

‫‪157‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫المحيطة‪ .‬لكف في كؿ حالة تثبت البيئة نفسيا مف خبلؿ حقيقة أف الكائنات الحية‪ ،‬عبر سموكيا‬
‫التدريجي‪ ،‬تضبط نفسيا والبيئة بحيث تحقؽ غايتيا النيائية‪ .‬سوؼ تتخرج بشرؼ إذا لـ يكف ىناؾ‬
‫شيء في سموكيا يتناقض مع البيئة‪ .‬ال يمكف لئلنساف أف يتخرج إال إذا تعمـ الدروس التي تتطمبيا‬
‫ىذه البيئة التي ىو فييا‪ .‬ىو ال يستطيع تعمـ الدرس مف خبلؿ النفور منو‪ .‬ال يمكنو النظر إلى ىذا‬
‫الدرس بصفتو صعوبة أو عبئ أو جريمة بحقو أو يعتبره إشارة بأف اهلل ال يحبو‪ .‬الحقيقة ىي أف اهلل‬
‫يحب ىذا اإلنساف لدرجة أنو أعطاه ىذه المشاكؿ ليواجييا‪ .‬ىو يتوقع مف النتيجة النيائية مف‬
‫اإلجراء اإلليي لمخمؽ أف الفرد سوؼ ينجح في تحقيؽ االستقامة والتكامؿ األخبلقي‪ ،‬ثـ يبدأ بالنمو‬
‫نحو التشابو مع الخطة اإلليية التي يمثؿ جزء منيا‪.‬‬

‫يدخؿ القدر مع مساىمة أخرى في ىذا الموضوع‪ .‬اإلنساف في الحالة العادية يخمو مف إدراؾ قانوف‬
‫السببية (العمة والمعموؿ)‪ ،‬حيث يتكمـ الكثيروف عنو لكف القميموف يعيشوف وفقو أو يمنحونو أي‬
‫أىمية‪ .‬لدى قانوف السببية عبلقة معينة بالسموؾ‪ ،‬وعندما يرتكب الفرد خطئ طويؿ المدى قد يسبب‬
‫في الوقت نفسو مشكمة قصيرة المدى‪ .‬نحف نفعؿ شيء خاطئ ونظف بأف األمر سيمر بشكؿ عادي‪،‬‬
‫والسبب الذي يجعمنا نظف بأننا سننجو بفعمتنا ىو أننا عرفنا أحدىـ قاـ بارتكاب نفس الخطئ ونجى‬
‫بفعمتو‪ .‬والشخص الذي اعتقدنا بأنو نجى بفعمتو لـ نراه في الحقيقة منذ زمف بعيد لكننا مع ذلؾ‬
‫نفترض بأنو يعيش بسعادة وىناء‪ .‬مع أف الحقيقة تفترض بأف القدر قد لحؽ بو وعاقبو‪ .‬ال أحد‬
‫يستطيع النجاة مف عواقب فعمتو‪ .‬إذا قمت بفعؿ شيء معيف فبل بد مف أف يحصؿ شيء كنتيجة أو‬
‫ردة فعؿ‪ .‬ربما تكوف النتيجة سوء حظ‪ ،‬لكف سوء الحظ ليس شيء يحصؿ بالصدفة‪ ،‬بؿ وجب أف‬
‫يمثؿ جزء مف الخطة‪ .‬في مجرياتيا المتنوعة‪ ،‬فإف لمطبيعة عدد كبير مف الخطط لكننا ال نفيميا‪.‬‬
‫حتى أننا ال نفيـ الكثير مف المجريات العشوائية في حياتنا اليومية‪ .‬نحف ال نعرؼ لماذا وجب أف‬
‫تكوف األمور كما ىي اآلف‪ .‬نحف ال نفيـ لماذا وجب أف يكوف ىناؾ غياب لمعدالة االجتماعية‪ ،‬أو‬
‫غيرىا مف مسائؿ مشابية‪ ،‬وما نفعمو حياؿ ذلؾ ىو انتقاد الوضع الراىف أو الشكوى لمقادة أو‬
‫المسؤوليف أو غيرىا مف إجراءات‪ ،‬لكف ىذا كمو عديـ الجدوى‪ ،‬ألف الجواب يكمف في مكاف آخر‪.‬‬
‫الجواب ىو أف كؿ ىذه الصعوبات التي نراىا تبرز نتيجة أحد أشكاؿ الجيؿ‪.‬‬

‫يوجد نوعيف مف الجيؿ‪ .‬النوع األوؿ ىو الجيؿ العاـ الذي نتشاركو جميعاً‪ ،‬والنوع الثاني ىو الجيؿ‬
‫المتخصص وىو الذي نتمقاه في التعميـ‪ .‬ىذا الجيؿ األخير ال يأتينا بشكؿ طبيعي بؿ نكتسبو‬

‫‪158‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫بواسطة التعميـ‪ .‬ىناؾ جيؿ مف النوع البسيط والذي ينمو لدينا نتيجة رفضنا لمتفكير أو يأتي نتيجة‬
‫التربية الخاطئة حيث ننشأ عمى قناعات ومعمومات غير صحيحة‪ .‬كؿ ىذه األشياء تؤثر في طريقة‬
‫تفكيرنا‪ .‬لكف ميما كاف األمر‪ ،‬فإف معظـ مشاكمنا ىي نتيجة لجيمنا‪ .‬كؿ شيء أناني ىو جاىؿ‪ .‬كؿ‬
‫شيء يسعى إلى المصمحة الذاتية عمى حساب اآلخريف ىو جاىؿ‪ .‬متما فعمنا األمر بشكؿ خاطئ‬
‫فنحف جيبلء‪ .‬إذا فعمنا األمر بشكؿ خاطئ ألننا ال نعرؼ أي طريقة أفضؿ فيذا يعتبر جيؿ بسيط‪.‬‬
‫لكف إذا فعمنا األمر بشكؿ خاطئ رغـ أننا نعرؼ طريقة أفضؿ فيذا يعتبر جيؿ مرّكب‪ .‬لكف ميما‬
‫كاف األمر‪ ،‬الفرد الذي يخرؽ القوانيف العامة لبلستقامة البشرية ىو جاىؿ‪ ،‬والرذيمة ىي إحدى‬
‫المنتوجات الجانبية لمجيؿ‪ .‬بالتالي ال يمكف لؤلمور أف تتغير إلى ما نرغبيا أف تكوف قبؿ أف نتغمب‬
‫عمى الميؿ إلى السعي وراء المصالح الدنيوية‪ .‬نحف لسنا واثقيف أي مستوى مف الحكمة أو الجيؿ‬
‫يدير كؿ ىذا‪ ،‬لكف ىناؾ شيء واحد أكيد وىو أننا منذ آالؼ سنيف كنا عمى خطأ‪ .‬كنا عمى خطأ‬
‫في ميولنا األساسية‪ .‬كنا مخطئيف جداً‪ ،‬حيث منذ عدة آالؼ مف السنيف خضنا عدة آالؼ مف‬
‫الحروب‪ .‬مررنا بإحباطات ونكسات وأنواع مختمفة مف الكوارث‪ .‬مررنا بمراحؿ عديدة تسودىا محاكـ‬
‫التفتيش والمجازر وتدمير الممتمكات وتشريد المبلييف‪ .‬وفي القرف الماضي وحده شيدنا إراقة دماء‬
‫تفوؽ ربما كؿ ما حصؿ عبر التاريخ البشري‪ .‬كؿ ىذه األمور ىي شواىد كبيرة عمى شيء خاطئ‬
‫بشكؿ جوىري وىائؿ‪ .‬مع تزايد األخطاء تدريجياً‪ ،‬تزيد قوة العواقب أكثر وأكثر‪ .‬عمينا أف نصحح ىذه‬
‫األخطاء‪ ،‬ليس ىناؾ فائدة مف رفع أيدينا نحو السماء ونيددىا بقبضة اليد‪ ،‬وال ىناؾ فائدة مف‬
‫االفتراض بأف القدر يعادينا ويسير ضدنا‪ ،‬الحقيقة ىي أننا سرنا بأنانية وبمركزية النفس ضد القدر‬
‫ذاتو‪ ،‬وىذا ال يمكنو أف يستمر‪ .‬مف السوء معرفة أف الكائف البشري ممنوح عقؿ لكنو يمتنع عف‬
‫استخدامو بذكاء‪ .‬ىو يود أف يستخدمو فقط مف أجؿ التقدـ بمصالحو الخاصة‪ .‬ىو يود أف يفكر‬
‫بامتبلكو حياة بحيث يمكنو فييا أف يفعؿ كؿ ما يرغبو‪ ،‬ويفكر بأقؿ قدر ممكف ألف ىذا العمؿ يجيد‬
‫أعصابو‪ ،‬ويعتمد عمى زعمائو أو قادتو المحمييف ليقوموا بالتفكير بالنيابة عنو‪ .‬ىذه إحدى األخطاء‬
‫األعظـ في زماننا‪ .‬ال يمكف لؤلمر أف يستمر ىكذا‪.‬‬

‫أصبح لدينا إذاً بيئة بحيث ينشأ وسطيا الصغار ويغادرىا الكبار عبر الموت‪ ،‬والجميع فييا واقع في‬
‫مشاكؿ‪ .‬يبدو األمر وكأننا منحوسيف‪ ،‬أو نظف بأف الكوارث تأتينا بأمر مف السماء‪ ،‬أو أف أسبابيا‬
‫فمكية حيث وجود تأثير سمبي لمكواكب‪ .‬لكف ميما كاف األمر‪ ،‬ما تفعمو القوى الماورائية‪ ،‬إف كانت‬
‫مف السماء أو مف الكواكب‪ ،‬ىو أنيا تعزز ما نفعمو نحف بأنفسنا‪ .‬ىي تدعمنا ميما كاف توجينا‪،‬‬

‫‪159‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫خاطئ أو صحيح‪ ،‬فاألمر يعتمد عمى درجة استقامتنا وتكاممنا‪ .‬ليس ىناؾ حظوظ سيئة بالمعنى‬
‫العاـ لمكممة‪ .‬إنيا مجرد دروس قدرية وجب أف نتعمميا‪ .‬وىي دروس نرفض نحف تعمميا‪ .‬يمكف ليذه‬
‫المسألة أف تبدو سيئة وحزينة وغير قابمة لمحؿ إذا استمرينا في االفتراض بأف كامؿ مجرى تطورنا‬
‫محدود ضمف نطاؽ تجسيد واحد في ىذا العالـ‪ .‬إذا كانت الحياة الواحدة التي نعيشيا ىنا اآلف تمثؿ‬
‫مجموع فرصنا لمنمو واإلحراز‪ ،‬فيذا يجعمنا في وضعية محزنة فعمياً‪ .‬ىكذا سوؼ نكوف في وضعية‬
‫مستحيمة‪ .‬ىناؾ عدد كبير مف األشخاص الذيف لـ يتعرفوا عمى درب التنور سوى في الفترة األخيرة‬
‫مف عمرىـ بحيث لـ يعد يبقى لدييـ وقت لتطبيؽ ما توصموا إليو عممياً‪ .‬ال يمكننا االفتراض بأف‬
‫المصير يمكف إكمالو خبلؿ حياة الفرد والتي تقاس بعدة عقود‪ .‬األمر ببساطة ىو مستحيؿ‪ .‬المصير‬
‫ىو عظيـ بمستوى الخميقة ذاتيا‪ .‬تحرؾ المصير نحو التجسيد قبؿ خمؽ منظومتنا الشمسية بمميارات‬
‫السنيف‪ .‬المصير ىو شيء يمتد مف الماضي البلنيائي إلى المستقبؿ البلنيائي‪ .‬ىو شيء كبير جداً‬
‫بحيث ما مف طريقة ممكنة الستيعابو بالكامؿ‪ ،‬وبالتالي ال يستطيع الفرد إنجاز حالة تتناسب مع‬
‫مجريات عديدة‪ ،‬وبعضيا ربما لـ يتجمى بعد‪ ،‬لذلؾ سوؼ يستمر بالنمو لمدة طويمة جداً‪ .‬لذلؾ‬
‫فالمصير ىو شيء أكبر بكثير مما يمكننا تصوره‪.‬‬

‫المصير سوؼ يبقى المشكمة الكبيرة التي نواجييا‪ .‬أي عمينا أف نستمر في التعمـ‪ .‬الحؿ الممكف‬
‫الوحيد ىو أنو عمينا أف نبدأ بالتفكير عمى أننا كائنات تعيش إلى األبد وال يقتصر وجودنا عمى عدة‬
‫عقود مف الزمف في ىذا العالـ‪ .‬عمينا أف نفكر بأنفسنا بصفتنا مخموقات لدييا مصير طويؿ بما يكفي‬
‫إلنجاز كماؿ أنفسنا‪ .‬ىذا الكماؿ ألنفسنا ىو ليس بيدؼ أف نتخذ ألنفسنا دور قيادي في مخطط‬
‫األشياء‪ .‬كماؿ أنفسنا يعني بأننا سوؼ نكوف عمى اتحاد تاـ مع الغاية اإلليية‪ .‬بأنو عمينا أف نعيش‬
‫لتحقيؽ الحقيقة النيائية وليس لتمجيد أنفسنا‪ .‬لكنو صحيح أيضاً أف ىذا العمؿ يتطمب فرص أكثر‬
‫لمنمو بحيث يستحيؿ حصرىا في حياة واحدة‪ .‬عمى المصير أيضاً أف يتدخؿ لتنظيـ ىذه العممية‬
‫باالعتماد عمى العبلقات القائمة بيف الكائنات الحية والتي في حالة تنوع وتغيير دائـ‪ ،‬وذلؾ بسبب‬
‫تصرفات البشر ذاتيـ‪ .‬بالتالي إذا صنعنا حرب‪ ،‬ومات فييا آالؼ الرجاؿ والنساء والصغار‪ ،‬وتـ‬
‫تدمير القرى والبمدات‪ ،‬يصبح واضحاً أف أولئؾ الذيف اندثروا يكونوا بمعنى معيف قد أبعدوا قص اًر مف‬
‫العالـ وما فيو مف فرص لمتعمـ‪ .‬لقد تـ حرمانيـ مف حؽ في حوزة الحياة‪ .‬الكثير منيـ لف يكف لديو‬
‫فرصة ليكوف أب أو أـ أو اختبار البموغ والرشد أو إكماؿ التعميـ أو تحقيؽ حوزة الحكمة‪ ،‬بينما الذيف‬
‫يبقوف عمى قيد الحياة فالكثير منيـ بموت مف المجاعة أو يعاني مف األوبئة واألمراض‪ .‬بالتالي عمى‬

‫‪163‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫الطبيعة أف تدرؾ الحقيقة البسيطة التي تقوؿ بأنو في النموذج األكبر لؤلشياء ال أحد محروـ مف‬
‫شيء‪ .‬بالتالي فإف الشخص الذي يكوف محروـ ظاىرياً فيو محروـ بسبب أنانيتنا التي لحسف الحظ‬
‫ال تستطيع أف تطاؿ الشخص اآلخر في حقيقة األمر‪ .‬قد نبذؿ جيد كبير لندمر الشخص‪ ،‬لكف كؿ‬
‫ما نفعمو في الحقيقة ىو أننا ندمر أنفسنا‪ .‬حياة ىذا الشخص اآلخر سوؼ تستمر عبر الحيوات‬
‫المتتالية وسوؼ تنجز الكماؿ‪ ،‬وبكؿ تأكيد سوؼ تختبر ذاؾ الذي حرمناه منو في التجسيد الحالي‬
‫في الحياة‪ .‬الموت ال يمثؿ نياية الفرد بؿ مرحمة انتقالية مف حياة إلى حياة‪ .‬ىذا يعني أنو سوؼ‬
‫يختر كؿ شيء مقدر لو اختباره‪ ،‬والموت ال يمثؿ أي عقبة في العممية‪.‬‬

‫الطبيعة ىي مدرسة كبيرة‪ .‬أفضؿ ما يمكننا قولو ىو أف أيامنا ىنا في الحياة ىي في الحقيقة أياـ‬
‫نقضييا في مدرسة‪ .‬كؿ تجسيد لنا في ىذا العالـ ىو عبارة عف صؼ مف صفوؼ ىذه المدرسة‪.‬‬
‫الحقاً سوؼ ندخؿ إلى جامعة األزلي‪ .‬سوؼ نستمر في التعميـ حتى نتعمـ كمياً‪ .‬والبرىاف عمى‬
‫تعميمنا ىو أننا قد أكممنا استقامتنا ونزاىتنا وأكممنا مستوى قيمنا األخبلقية‪ .‬لف يوقفنا شيء في ىذه‬
‫المسيرة‪ .‬لكف بسبب المدى القصير لئلدراؾ لدينا‪ ،‬والجدراف العازلة التي تفصؿ بيف التجسيدات‬
‫المتسمسمة‪ ،‬حيث األشياء تختفي ىنا ثـ تظير ىناؾ‪ ،‬ىذا يجعمنا نميؿ إلى البحث عف العدالة في‬
‫كؿ ظيور منفصؿ وليس في مجموعيا‪ .‬نحف في الحقيقة ال نوجو انتباىنا سوى إلى جزء صغير مف‬
‫شيء كبير جداً‪ .‬ليذا السبب نجد أف ىذا الجزء الصغير يبدو ظاىرياً بأنو غير صادؽ‪ ،‬يبدو لئيـ‬
‫وقاسي‪ ،‬يبدو غير لطيؼ وغير عادؿ وغير عقبلني‪ .‬لكف سبب ذلؾ كمو ىو ألننا ال نرى سوى‬
‫الجزء الصغير فقط‪ .‬في الصورة الكبرى لؤلشياء ال يمكف أف نجد عدـ الصدؽ وال أخطاء‪ ،‬كؿ شيء‬
‫يعمؿ معاً لتحقيؽ الخير النيائي لكؿ شيء حي‪ .‬السماء ىي التي قررت ىذه األمور وما عمى‬
‫اإلنساف سوى القبوؿ بيا‪.‬‬

‫كمما بمغ اإلنساف‪ ،‬وكذلؾ كمما بمغت اإلنسانية‪ ،‬سوؽ يكسب المزيد مف عمؽ النظر في ما يتقبمو‪.‬‬
‫قبؿ آالؼ السنيف كاف ىناؾ أشخاص متنوريف‪ .‬كانوا أقمية‪ .‬بعضيـ كانوا قادة عرقنا البشري والبعض‬
‫اآلخر كانوا معمموف مف عوالـ أخرى‪ .‬لقد تأسست أنظمة عظيمة‪ ،‬أىميا كانت منظومة المدارس‬
‫السرية‪ .‬كانت ىذه األخيرة عبارة عف مؤسسات أنشئت تحت وصاية أو رعاية آلية معينة أو حكماء‬
‫أو مستبصريف أو متصوفيف‪ .‬ىدفيا األوؿ كاف التنوير واحراز التنور‪ .‬ىذه األنظمة المختمفة حازت‬
‫عمى المفتاح الصحيح لممشكمة‪ .‬وقد قبمت إلى مجموعاتيا أولئؾ الذي كاف لدييـ الرغبة الصادقة في‬

‫‪161‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫التعاوف مع الغاية اإلليية لؤلشياء‪ .‬كاف ىناؾ دائماً البعض الذيف أدركوا الحقيقة بوضوح‪ ،‬لكف‬
‫عددىـ كاف قميؿ بالمقارنة مع مجموع البشرية‪ .‬وأولئؾ الذيف حازوا عمى الحقيقة وحاولوا نشرىا‬
‫والدعوى إلييا كانوا يبلحقوف ويقمعوف عمى األغمب‪ .‬الفرد الذي يكوف محكوـ بطموحاتو وميووس‬
‫بالثراء والمجد سوؼ ينقمب بكؿ تأكيد عمى أي شخص أو أي منظومة تيدد تفوقو أو أمانو‪ .‬بالتالي‬
‫معظـ المعمميف األصمييف لئلنسانية تعرضوا لممبلحقة والقتؿ أو السخرية ولبس العار‪ ،‬وأنظمتيـ قد‬
‫تـ إفسادىا وتحريفيا إذا نجت مف الدمار‪ .‬لذلؾ كاف ىناؾ مجيود حثيث عبر التاريخ إلعاقة والغاء‬
‫ذلؾ النوع مف التفكير الذي يحرر الفرد مف طغياف الجيؿ وسطوتو‪ .‬في بعض الحاالت عبر التاريخ‬
‫نجد أف ىذا التفكير نجح بطريقة معينة لكف لـ يدـ طويبلً‪ .‬اليوـ ىناؾ أشخاص عقبلنيوف يظيروف‬
‫ىنا وىناؾ محاوليف إيجاد حموؿ لبعض المشاكؿ المستعصية‪ .‬إنيـ يتوقوف إلى العيش بشكؿ أفضؿ‬
‫ويحاولوف جاىديف لذلؾ‪ .‬وفي الوقت الذي ُيبذؿ فيو ىذا المجيود سوؼ يحصؿ تغيير مميز في‬
‫ال تركيبة االجتماعية لمكائف البشري‪ .‬اليوـ يشيد تشديد كبير عمى محاولة إيجاد حموؿ عممية وذلؾ‬
‫أكثر مف األلؼ سنة السابقة‪ .‬ىذا ألف المشكمة أصبحت سيئة جداً‪ .‬لقد طغى الشر عمينا‪ .‬فبدأنا‬
‫نتسائؿ كيؼ يمكننا تغيير أنفسنا لكي يتغير مصيرنا‪ .‬ىذا ىو الجواب‪ ،‬مف خبلؿ تغيير أنفسنا سوؼ‬
‫نغير كؿ شيء‪ .‬ال يمكف أف تأتي نتيجة جديدة إذا لـ يتغير السبب‪ .‬واذا كاف ىناؾ سبب قديـ ال‬
‫يمكف تبديمو‪ ،‬سوؼ يقوـ نمط جديد لمتفكير بتحويؿ ذلؾ السبب القديـ إلى فرصة لئلرتقاء الروحي‬
‫بدالً مف كونو عقوبة إليية‪.‬‬

‫إذاً‪ ،‬عبر النموذج الطويؿ مف التجسيدات المتكررة أصبح الجواب بحوزتنا‪ .‬يصبح بإمكاننا إدراؾ‬
‫حقيقة القدر‪ .‬لـ يعد القدر يمثؿ حدث شرير أو شيء يدخؿ إلى حياتنا في زمف النجاح لينحسنا‪ ،‬أو‬
‫شيء يدخؿ إلى حياتنا في زمف السمطة ليقطع بنا ويذلنا‪ ..،‬وغيره‪ .‬كؿ ىذه األمور يصعب فيميا‬
‫لكنيا مرتبطة جميعاً ببعضيا البعض ضمف نطاؽ مفيوـ معيف‪ ،‬ضمف إدراؾ واعي عظيـ جداً‬
‫بحيث يعجز العقؿ البشري عف استيعابو بشكؿ كمي‪ .‬نحف ال نستطيع رؤية تفاعؿ مبلييف القوى أو‬
‫الذبذبات البلنيائية المنبعثة مف عدد غير محدود مف الذرات الدقيقة‪ .‬في كؿ مكاف تتحرؾ الحياة‬
‫وتنشط‪ ،‬ومع ىذا التحرؾ نجد في كؿ مكاف تك ّشؼ قانوف أبدي يتجمى وينمو كما البذرة التي تنمو‬
‫في األرض‪ .‬كؿ نبتة تمثؿ شيادة رائعة عمى وجود غاية إليية‪ .‬وعندما نعتبر كافة الحقوؿ والمروج‬
‫في األرض‪ ،‬وكؿ منيا يحوز عمى نباتاتو الخاصة‪ ،‬نبدأ أف ندرؾ ولو قميبلً مدى التنوع البلنيائي‬

‫‪162‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫لمحياة‪ .‬ىذا التنوع البلنيائي لمحياة ىو ليس مجموعة مف الصدؼ العشوائية‪ ،‬بؿ تك ّشؼ واسع ومتنوع‬
‫لمبدأ واحد أساسي وسوؼ يستمر بالتك ّشؼ إلى نياية الزمف‪.‬‬

‫إنو شيء عمينا أف نزيد إطبلعنا عميو ونوسع معرفتنا بو وتوجيو انتباىنا نحوه‪ .‬ىو شيء عمينا‬
‫اكتشافو وفؽ طرقنا الخاصة‪ .‬ال يمكننا أف نجد كؿ األجوبة في البداية‪ ،‬لكف سوؼ نكتفي ولو بجواب‬
‫واحد‪ ،‬وىذا الجواب الواحد سوؼ يشير إلى اآلخر‪ ،‬وبالتدريج‪ ،‬ربما عبر عدة حيوات متتالية‪ ،‬سوؼ‬
‫نبدأ باإلجابة عمى أسئمة أكثر مما كنا نسأليا‪ .‬ألننا نكوف قد حصمنا عمى الكثير مف األجوبة عمى‬
‫أسئمة تبدو اآلف غير قابمة لمفيـ أو اإلجابة‪ .‬في كؿ مكاف نجد إمكانيات النيائية داخؿ اإلنساف‪.‬‬
‫ليس ىناؾ شيء في الفضاء ولـ يكف موجوداً داخؿ اإلنساف‪ .‬وتك ّشؼ اإلنسانية ىو غامض ورائع‬
‫ومذىؿ بقدر ما ىو تكشؼ الكوف ذاتو‪ .‬ال بد أف تأتي تمؾ النياية المجيدة‪ .‬ربما ال نستطيع إيجاد‬
‫الكممات الصحيحة لنقوؿ لماذا بدأت كؿ ىذه العممية منذ البداية‪ .‬مف الصعب تفسير أو تبرير بعض‬
‫المبادئ القائمة في الوجود‪ ،‬ألننا ال نتمتع بالذكاء الكافي لمقياـ بذلؾ‪.‬‬

‫واآلف يدخؿ شيء آخر إلى ىذا النموذج‪ ،‬وىذا الشيء اآلخر ىو اإليماف‪ .‬ىناؾ أشياء بخصوص‬
‫الغاية األبدية والتي ال يمكننا معرفتيا في ىذا الوقت‪ .‬لذلؾ عمينا أف نتحمى باإليماف‪ ،‬والذي ىو‬
‫بالفعؿ اإلعتراؼ بأشياء غير مرئية‪ .‬لكف اإليماف ىو أكثر مف ذلؾ بكثير‪ .‬اإليماف ىو اكتساب الفرد‬
‫لمثقة فيما يتعمؽ بالمجيوؿ وذلؾ مف خبلؿ اكتساب فيـ بخصوص المعروؼ‪ .‬اإليماف ىو اإلدراؾ‬
‫التدريجي لمتكامؿ الكوني لمخطة‪ .‬إذا كانت الخطة صحيحة فيذا يمنح الفرد الحؽ في اإليماف بيا‪.‬‬
‫إذا استطاع اإلنساف أف يقنع نفسو بأنو مخموؽ لو غاية وليس مجرد منتوج بيولوجي نشأ بالصدفة‪،‬‬
‫إذا استطاع اإلنساف أف يدرؾ حقيقة أف الكرة األرضية والحياة والموت والوالدة مف جديد ىي جميعاً‬
‫حقائؽ عظمى لموجود‪ ،‬حينيا وبشكؿ تدريجي سوؼ يقوى اإليماف‪ .‬أينما يوجد دالئؿ عمى انتصار‬
‫الفضيمة عمى الرذيمة سوؼ يقوى اإليماف‪ .‬أينما نرى غاية مكرسة إليياً ويتـ دعميا نعرؼ حينيا أف‬
‫اإليماف قد زاد‪ .‬يأتي اإليماف كدليؿ حتمي عمى أشياء صغيرة الحظناىا ويمكننا مبلحظتيا‪ ،‬والتي‬
‫تمنحنا اإلحساس بالشكر‪ ،‬وادراؾ بأنو بطريقة مذىمة نحف مخموقات محمية‪ .‬رغـ أننا ال نعرؼ كؿ‬
‫خير‪ .‬يقوؿ لنا بأف كافة األشياء ىي صحيحة‬
‫شيء‪ ،‬لكف ما نعرفو يقوؿ لنا بأف ما ال نعرفو ىو ّ‬
‫بجوىرىا‪ .‬عندما نفيـ ما ال نفيمو سوؼ نكتشؼ بأنو جميؿ وفاضؿ‪ .‬سوؼ لف نتوصؿ أبداً إلى‬

‫‪163‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫الشر يبرز مف غايات‬


‫شر مف أي نوع‪ .‬سوؼ لف ننخدع بفكرة أف ّ‬ ‫االعتقاد بأف الخطة الكونية فييا ّ‬
‫الشر كما يبدو عميو ىو مجرد ردة فعؿ لمجيؿ أو الخرافة أو الخوؼ‪.‬‬
‫راسخة بؿ ّ‬

‫لقد قاـ كؿ مف الجيؿ والخرافة بإرىاؽ العرؽ البشري إلى األبد‪ .‬والخوؼ جعمنا ضحايا كؿ أنواع‬
‫الطغياف واالستبداد التي يمكف تصورىا‪ .‬مع أف كؿ ىذه األشياء ىي أوىاـ‪ .‬الوىـ ىو الشرير‪ .‬بينما‬
‫الخير ىو الواقع الحقيقي‪ .‬نحف ال نستطيع إحداث تعديؿ في ىكذا مفيوـ واسع جداً‪ ،‬لذلؾ نحف غير‬
‫مضطريف اآلف‪ .‬إذا بدأنا بتقبؿ حقيقة أننا وكبلء مسؤوليف وأننا نمثؿ جزء مف شيء‪ ،‬وأننا نعيش في‬
‫كوف بحيث لدينا دور لنمعبو‪ ،‬وأننا نعيش عمى كوكب يمكننا المساعدة في إنقاذه‪ ،‬ونعيش في‬
‫مجتمعات ونستطيع توجيييا بطرؽ أفضؿ‪ .‬نحف محاطيف بمشاكؿ مف صنعنا ولدينا الحؽ في حميا‪.‬‬
‫لدينا الحؽ في فعؿ ما ىو ضروري لتصحيح األخطاء التي اقترفناىا وتمؾ التي ورثناىا مف أسبلفنا‪.‬‬
‫ليس ىناؾ أي أقدار محتومة في النجوـ واألفبلؾ وال أقدار محتومة في الظروؼ كما ىي‪ .‬أي شيء‬
‫بحاجة إلى تغيير يمكف تغييره‪ ،‬لكف فقط إذا كاف الفرد بنفسو يدرؾ مسؤولياتو‪ ،‬وينوي التعاوف مف‬
‫مستوى أخبلؽ أرقى مف تمؾ التي أوقعتو في أزمتو‪.‬‬

‫الكوف إذاً ميتـ في إنتاج الخمؽ األخبلقي‪ .‬ىو ميتـ في إنتاج كوف مف القيـ‪ .‬ىو ميتـ في الكماؿ‬
‫التدريجي لكؿ أشكاؿ الحياة‪ ،‬فترتقي إلى مستويات ال يمكف لعمماء الفمؾ والفضاء إدراكو أبداً‪ .‬عمـ‬
‫الفمؾ اليوـ يسعى إلى التمدد في مساحات واسعة مف الفضاء‪ .‬ىو يتوصؿ إلى اكتشاؼ مجرات لـ‬
‫نعرؼ سابقاً أنيا موجودة‪ .‬إذا ابتكرنا تمسكوبات أكبر أو أقوى مف الموجودة اآلف ربما سنستمر في‬
‫تمقي المزيد والمزيد مف النجوـ‪ ،‬ورما نتوصؿ في النياية إلى آخر المطاؼ‪ .‬وعندما نصؿ ىناؾ قد‬
‫نحتفؿ بانتصارنا مف خبلؿ ىذا االنجاز‪ ،‬لكف بعد أف ننجح في تطوير تمسكوبات أقوى سوؼ‬
‫نكتشؼ بأف ما توصمنا إليو ىو مجرد واحد مف عدد ال نيائي مف مسارح الوجود وىي شاسعة جداً‬
‫لدرجة نعجز عف استيعابيا‪ .‬ىذا كمو والزلنا في المستوى المادي الممموس مف الوجود‪ ،‬فما بالؾ ما‬
‫يقبع وراءه‪ .‬ما ىي تمؾ الخمفية أو األرضية التي تسند الفضاء بكاممو؟ ماذا يكمف ماوراء كؿ ىذا؟‬
‫ماذا يقبع وراء الضخامة والشساعة اليائمتيف لموجود المادي؟ ينخرط العمـ في محاولة حثيثة في ىذا‬
‫التوجو لكف ما مف إجابات شافية بعد‪ .‬ليس ىناؾ جواب عمى السبب الذي يكمف وراء تمؾ األضواء‬
‫التي تنير سمائنا‪ .‬يمكننا تعداد مميارات النجوـ‪ ،‬لكف لماذا ىي ىناؾ؟ كيؼ وصمت إلى مكانيا‬
‫واتخذت وضعياتيا الحالية؟ ما ىو السبب وراءىا؟‬

‫‪164‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫كاف القدماء يعتقدوف بأف السماء المنقطة بالنجوـ ىي ليست سوى عباءة منقشة بالجواىر والتي‬
‫تخفي الطبيعة واآللية الحقيقيتيف لبلمتناىي‪ .‬وأف البلمتناىي ىو ليس مجرد النيائية لمنجوـ والشموس‬
‫واألقمار‪ ،‬وال ىو الميكروبات والكائنات المجيرية البلنيائية‪ ،‬بؿ البلمتناىي ىو واقع ىائؿ وعظيـ‬
‫يتجاوز قدرتنا عمى اإلدراؾ‪ .‬نحف الزلنا نتحدث عف ما نراه بعيوننا فما بالؾ ذلؾ الموقع الماورائي‬
‫الذي ال يمكننا تصوره حتى‪ .‬لكف السؤاؿ يبقى حاض اًر‪ :‬ما ىو ذلؾ الشيء الذي انبعثت منو كؿ ىذه‬
‫العوالـ اليائمة؟ ما ىو ذلؾ النور الذي يستطيع إنارة مئة مميار شمس؟ نحف ال نعمـ‪ .‬لكننا نستشعر‬
‫بأف مصيرنا يذىب إلى ذلؾ االتجاه‪ .‬عندما ننمو فوؽ الصغر الذي نألفو لدينا‪ ،‬ونسيطر عمى‬
‫تسير مئة مميار مجرة‬
‫المصير الذي نستحقو‪ ،‬سوؼ نكوف في النياية جزء مف ىذه الحياة التي ّ‬
‫وتفعميا بالطاقة والنور‪ .‬نحف متوجيوف إلى شساعة ذات رحابة النيائية وال يمكف اإلشارة إلييا سوى‬
‫باألبدية ذاتيا‪ .‬ىذه األبدية ليست مظممة‪ ،‬ىي ليست ميتة‪ ،‬بؿ ىي واحدة مع الحياة الخالدة ذاتيا‪.‬‬

‫في كؿ ما نفعمو نكوف بذلؾ في حالة نمو نحو شيء ما‪ .‬ربما في يوـ مف األياـ سوؼ نصبح‬
‫بستانييف في حديقة مف المجرات‪ .‬في وقت مف األوقات قد ينفجر الذكاء والنور والحياة‪ ،‬التي تنمو‬
‫تدريجياً بداخمنا‪ ،‬فتنطمؽ وتتحوؿ إلى مئة مميوف شمس‪ .‬نحف ال نعمـ‪ .‬لكننا نتوقع بشدة بأنو حتى‬
‫الذرة الصغيرة تحوي بداخميا نبوءة الحياة األبدية‪ .‬نحف نؤمف بيذه االشياء‪ ،‬لكف عندما ننخرط في‬
‫معالجتيا مف الناحية الدينية والفمسفية نواجو مشاكؿ‪ ،‬والسبب ببساطة ىو أننا عاجزيف عف فيـ ىذا‬
‫المشيد اليائؿ والبلمحدود‪ .‬فيو يتجاوز كؿ ما نعرفو ونؤمف بو‪ .‬لكف رغـ ذلؾ عمينا التماشي مع‬
‫الفكرة عمى طريقتنا الخاصة‪ .‬عمينا أف نجد فييا الجواب عمى منظورنا األوسع لمموضوع‪ .‬النور‬
‫العظيـ والغاية العظيمة والخطة العظيمة التي نحف منيا سوؼ تستمر قدماً لتكوف جزء مف ىذا‬
‫الغموض األكبر‪ .‬لذلؾ فإف لئلنساف مستقبؿ أزلي‪ .‬كما أف لدينا ماضي أزلي‪ .‬لكف العقود األخيرة‬
‫مف ماضينا الدنيوي ليست مشجعة كثي اًر‪.‬‬

‫نحف ال نعرؼ مف أيف جئنا كمحتوى‪ ،‬لكننا نعمـ بأننا جئنا إلى ىنا ولسنا عراة ومجرديف بؿ موىوبيف‬
‫بمزايا وخصائص وقوى وفضائؿ وقيـ‪ ،‬وىي أكثر بكثير مما ندركو‪ .‬نستطيع أف نستنتج بأف لنا بداية‬
‫في مكاف ما ونياية في مكاف ما‪ .‬في الوقت اآلني سوؼ نصبح خداـ أوفياء ىنا إذا كنا حكماء‪ .‬واذا‬
‫كنا غير ذلؾ فنحف في مشكمة‪ .‬يبدو أف ىذا ىو عبئ معضمتنا الحالية‪ .‬نحف بكؿ بساطة في‬
‫مشكمة‪ ،‬وذلؾ ألننا ال نتخذ وجية نظر دينية وفمسفية وعممية وأخبلقية بخصوص الوقائع العامة‬

‫‪165‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫لمحياة‪ .‬قد تتحدث مع أحدىـ أصابو اإلفبلس فتجده يشعر بأف القدر ضده‪ ،‬ويشعر بأنو ضحية‬
‫كارثة معينة‪ ،‬أو قد يقوؿ‪ .." :‬لماذا يحصؿ ىذا معي تحديداً في الوقت الذي تسير أمور األشخاص‬
‫السيئيف بشكؿ جيد؟‪ ."..‬ىناؾ الكثير مف الدراسات التي أجريت بخصوص مشكمة الفشؿ في األمور‬
‫وتبيف أف معظـ الحاالت الخاضعة لمدراسة تكشؼ عف حقيقة أف كؿ حالة فشؿ مسؤولة عف فشميا‬
‫بغض النظر عف أي عامؿ آخر‪.‬‬

‫ىناؾ نوعيف مف الفشؿ فقط‪ .‬األوؿ ىو الفشؿ الذي يبرز مف العجز عف فيـ المشكمة أو المينة أو‬
‫االختصاص أو الوظيفة أو غيرىا‪ .‬أما النوع الثاني فيو نتيجة المجيود غير النزيو اليادؼ إلى‬
‫استغبلؿ المينة الشريفة أو الوظيفة الشريفة‪ ..‬إلى آخره‪ .‬أي يمعنى آخر‪ ،‬يكوف الفشؿ إما ألف‬
‫مدرب وبالتالي غير قادر عمى تنفيذ العمؿ الموكؿ إليو‪ ،‬أو بعد أف أنيى التدريب‬
‫الشخص غير ّ‬
‫بنجاح قرر أف يستغؿ العمؿ لكسب مربح لنفسو‪ .‬كبل ىاتيف الحالتيف موجدتاف بشكؿ شائع‪ .‬نحاوؿ‬
‫التغمب عمى السبب األوؿ عبر التعميـ‪ .‬لكف كيؼ عمينا تعميـ الفرد قبؿ أف نعطيو سبب مقنع لنجعمو‬
‫يتعمـ أصبلً؟ الكثيروف اليوـ ال ريدوف أف يتعمموا‪ .‬قد يخضعوا لتأثير ضاغط ويقبموا التعميـ‪ ،‬لكف ما‬
‫يريدونو في الحقيقة ىو االستمرار في العيش بظؿ نظاـ خيري بحيث يستطيع الفرد أف يحصؿ عمى‬
‫أي شيء يريده دوف حاجة لمعمؿ‪ .‬ىذه ىي الفكرة الحقيقية وراء يوطوبيا أو المدينة الفاضمة‪ .‬يوطوبيا‬
‫تعني الكسؿ والتكاسؿ‪ .‬يوطوبيا تعني الفرد الذي ليس ميتماً بالكد والعمؿ‪ .‬يمكننا القوؿ بأننا نستطيع‬
‫اإلثبات مف خبلؿ حضارتنا الحالية بأنو يبدو أف األشخاص الذيف ال يحبوف العمؿ والعابثوف‬
‫ينجحوف بشكؿ جيد‪ .‬لكف انتظروا وراقبوا ماذا يحصؿ‪ .‬ادرسوا السجبلت‪ .‬اذىب إلى عالـ نفس‬
‫يتعامؿ مع ىكذا أشخاص وسوؼ تجد بأف كؿ مف ىؤالء يمثؿ مصدر مشاكمو‪ .‬نحف ال نود إثبات‬
‫ىذه الحقيقة طبعاً لكنو أمر صحي أف نثبتو‪ .‬الشخص الذي يتمتع بوجية نظر فمسفية أو قناعة دينية‬
‫سوؼ يدرؾ ىذه الحقيقة بسيولة‪ .‬ىذا ال يعني بأنو عمينا أف نعمؽ رؤوسنا خجبلً إذا كنا نكسب الماؿ‬
‫دوف عمؿ‪ ،‬بؿ يعني أنو عمينا البحث داخؿ أنفسنا عف أسباب المشكمة التي نعاني منيا‪ .‬وسوؼ‬
‫نكتشؼ بداخمنا وجود شيء نفعمو بشكؿ خاطئ والذي يجمب ىذا المصير البائس لنا‪ .‬ىناؾ شيء‬
‫نريده لكف ليس عمينا حوزتو‪ .‬ىناؾ شيء نرغبو لكنو ليس لصالحنا‪ .‬نحف ال نمتمؾ الشجاعة بعد‬
‫لكي نفعؿ ما ىو أفضؿ لنا‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ىناؾ الكثير مف الناس والذيف يعتبروف أذكياء وىـ متعمميف وناجحيف في حياتيـ لكنيـ لـ يكتشفوا‬
‫بعد بأف إدماف الكحوؿ ىو خطير ومؤذي‪ .‬إذا حاوؿ أحدىـ أف يمغي الكحوؿ مف حياة الناس فسوؼ‬
‫يعتبرونو مستبد وطاغية‪ ،‬ألف كؿ فرد لو الحؽ في الشرب حتى الموت إذا أراد‪ .‬لكف لسوء الحظ ىو‬
‫ال يكتفي بأذية نفسو في معظـ األوقات بؿ غالباً ما يصنع المدمنوف حوادث في الطرقات ويقتموف‬
‫أشخاص أبرياء‪ .‬ىذا ولـ نتكمـ عف المشاكؿ التي تتولد في صحتو وحياتو االجتماعية حتى تتدىور‬
‫حالتو بالكامؿ فيفشؿ كؿ شيء ميـ في حياتو‪ .‬لكنؾ رغـ ذلؾ ال تستطيع منعو‪ .‬ىذا مجرد مثاؿ‬
‫واحد عمى الكثير مف العادات السيئة التي تسيطر عمى اإلنساف وتسيء إليو‪ .‬ىناؾ ما ىو أسوأ مف‬
‫اإلدماف‪ ،‬مثؿ الغيرة والحسد‪ .‬ىذه السمة ىي مماثمة مف حيث الخطر واألذى‪ .‬رغـ ذلؾ ال يوجد أي‬
‫مجيود لتغيير ىذه السمة‪ .‬يشعر الفرد بأف لديو الحؽ في الغيرة‪ .‬ىو ال يعرؼ ماذا تفعؿ ىذه السمة‬
‫بشخصيتو وال حتى يعرؼ كـ ىي مسيئة لحياتو األخبلقية كما ىو الكحوؿ لحياتو الجسدية‪ .‬لكف مف‬
‫الصعب جداً تغييرىا‪ .‬السمة األكثر سوء ىي األنانية‪ .‬واألنانية ىي موحشة كما القبر‪ .‬األنانية ىي‬
‫سبب بؤس آالؼ وحتى مبلييف الناس‪ ،‬لكنيـ مع ذلؾ ال يستطيعوف التغيير‪ .‬الطريقة الوحيدة التي‬
‫يمكنيـ خبلليا التغيير ىو أف يبدؤا التفكير حوؿ مسؤولياتيـ تجاه المجتمع‪ .‬يمكننا أف نستعرض أماـ‬
‫الشخص كيؼ تنتج األنانية أو الطمع أو الغيرة البؤس لصاحبيا‪ .‬وبعضيـ قد يفطف لخطأه فيشفى‬
‫مف آفتو النفسية ويتغير‪ .‬وفي المحظة التي يصححوف فييا ىذا العيب سوؼ يكتشفوف بأف القدر‬
‫والمصير لـ يعودا يثقبلىـ بعواقب العيب الذي صححوه‪.‬‬

‫يوجد شيء آخر يقمؽ بعض الناس وىو أنو بعد السيطرة عمى عيب معيف‪ ،‬ويكوف قد حقؽ انتصار‬
‫فعمي‪ ،‬يكوف الفرد قد تغمب عمى أحد الوحوش بداخمو‪ ،‬لكف عندما يأتي الموت يغادر بنفسية مرتاحة‪،‬‬
‫لكف السؤاؿ ىو ماذا يحصؿ بعد ذلؾ؟ ىؿ سوؼ يتجمى لديو العيب نفسو في حياتو األخرى؟ ىؿ‬
‫مجرد أف تـ تصحيح العيب فسوؼ لف يعود‪.‬‬
‫عميو مصارعة ىذا العيب مرة أخرى؟ الحواب ىو ال‪ّ .‬‬
‫العيب الذي تـ تصحيحو مف خبلؿ النمو فوقو‪ ،‬أي مف خبلؿ أف يصبح الفرد أكثر مما كاف في‬
‫السابؽ‪ ،‬سوؼ لف يسمح لو ىذا أف يكوف أقؿ مما ىو عميو‪ .‬ال يمكف أف يواجو الفرد ديف مستحؽ‬
‫عميو مرتيف‪ ،‬إال إذا فشؿ في سداد الديف‪ .‬المجيود اليادؼ إلى تجنب العيب وليس معالجتو سوؼ‬
‫يجعمو يعود مئات المرات وسوؼ يستمر في العودة إليو حتى يواجيو ويعالجو بالطريقة المناسبة‪.‬‬
‫العيب ال يمكنو أف يثقؿ الفرد سوى مرة واحدة فقط‪ ،‬والسبب ىو أف الفرد ال يستطيع إلغائو تماماً مف‬
‫حياتو إال عبر النمو فوقو فيرتقي فوؽ مستواه ويكمؿ المسير‪ .‬والنمو يجعمو مستحيؿ عمى الفرد‬

‫‪167‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫التراجع إلى الوراء‪ .‬مجرد أف تجاوز العيب فسوؼ يكوف ىذا نيائي‪ .‬قد يكوف ىناؾ عيوب أخرى‬
‫تتطمب المعالجة‪ ،‬لكف ىذا العيب بالذات لف يعود أبداً‪ .‬لذلؾ عمينا أف نحقؽ انتصار واحد عمى‬
‫مشكمة معينة‪ ،‬وتمؾ المشكمة سوؼ تزوؿ إلى األبد‪.‬‬

‫ىا نحف نخوض في الحياة كافة أنواع المواقؼ والحاالت واألوضاع المختمفة‪ .‬ىا نحف نتسائؿ مف‬
‫أيف جئنا ولماذا نحف ىنا‪ .‬ومع ذلؾ نشاىد نشرات األخبار ونرى كؿ تمؾ المشاكؿ التي تسود العالـ‪،‬‬
‫ونعرؼ ما الخطأ ونعرؼ كيؼ وجب معالجتو‪ .‬كؿ شخص تقريباً يستمع إلى األخبار يستطيع تقديـ‬
‫نصيحة معينة حوؿ كيفية تصحيح المشكمة‪ .‬ننظر إلى األسباب ونجد األنانية والطمع وعدـ التسامح‬
‫والغباء وغيرىا مف سمات مسيئة تنشط بقوة في كافة أنحاء العالـ‪ .‬نحف نعرؼ ىذه الحقيقة‪ ،‬لكننا ال‬
‫نستطيع تغيير األمور في مناطؽ بعيدة عنا في العالـ‪ .‬لكف يمكننا االكتفاء بالنظر إلى ىذه السمات‬
‫السيئة الكامنة في أنفسنا‪ .‬نحف نستطيع أف نضمف عدـ نشاط ىذه السمات السيئة داخمنا وىذا يكفي‪.‬‬
‫وجب أف نفيـ معنى وقيمة التكامؿ األخبلقي داخؿ أنفسنا‪ .‬ال نستطيع إعبلف السبلـ في العالـ‪ ،‬لكف‬
‫يمكننا خمؽ السبلـ مع المحيطيف بنا واألقرب إلينا‪ .‬ال نستطيع التأثير عمى اآلخريف ونغير فمسفتيـ‬
‫في الحياة‪ ،‬لكف يمكننا عيش حياتنا الخاصة محترسيف ضد األخطاء واالنحرافات‪.‬‬

‫إذاً‪ ،‬مف العالـ المحيط بنا‪ ،‬عبر األخبار والقصص الحقيقية‪ ،‬ندرؾ كيؼ تتكوف المصائر‪ .‬سوؼ‬
‫نكتشؼ بأف الذيف يفسدوف اآلخريف سوؼ يفسدوف أنفسيـ في النياية‪ .‬الذيف يعيشوف بواسطة السيؼ‬
‫سوؼ يموتوف بواسطة السيؼ‪ .‬بعد معرفة ىذه األمور ومف ثـ نبدأ بالعيش وفؽ ىذه الحقيقة نكوف‬
‫بذلؾ محققيف لمصيرنا‪ .‬والمصير يقوؿ لنا الحكمة التالية‪ :‬ميما فعؿ اآلخروف أو ميما تصرفوا‪،‬‬
‫الشخص العادؿ والمستقيـ يقؼ شامخاً وبثبات أماـ القانوف‪ .‬وعبر عدالة تكاممو األخبلقي يكسب‬
‫الشجاعة لمواجية المستقبؿ بأمؿ كبير‪ .‬مف خبلؿ عدالة حياتو يصبح عمى إدراؾ متزايد بمجد‬
‫وشرؼ العدالة اإلليية‪ .‬وسوؼ يكتشؼ أيضاً بأف العدالة ىي عمى األغمب مجرد قناع‪ .‬حتى العدالة‬
‫اإلليية ىي نوع مف القناع‪ .‬لكف خمؼ قناع العدالة تقبع الرحمة‪ .‬إنيا الرحمة دائماً‪ .‬الخطة األبدية‬
‫ىي رحيمة ألنيا تحمي عمى المدى الطويؿ كافة األشياء الخيرة‪ .‬ىي رحيمة ومحبة دائماً ألنيا ال‬
‫تسمح لمكره أف يدمر أي شيء‪ .‬قد تعاني األشياء لكف الكره سوؼ يموت في النياية‪ .‬األفراد الذيف‬
‫الزالوا يكرىوف اآلف سوؼ يتوصموا في النياية إلى كماؿ المحبة والتفيـ والنزاىة‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫نحف إذاً نعيش في عالـ مف المبادئ العظمى‪ ،‬ومصيرنا ىو الكماؿ‪ .‬مصيرنا ىو معرفة األبوية‬
‫اإلليية وأخوية اإلنسانية‪ .‬وعيش كؿ األشيء بسبلـ‪ .‬ىذا ىو المصير‪ .‬وسوؼ نستمر في ركؿ‬
‫الحجر حتى ندرؾ ىذه الحقيقة ونسمـ بيا‪ .‬وبعدىا‪ ،‬مع سعينا إلى تسوية عبلقتنا مع المصير سوؼ‬
‫نكتشؼ بأف القدر صار أكثر خي اًر واحساناً ويصبح حسف الحظ أكثر شيوعاً‪ .‬في الحقيقة ليس ىناؾ‬
‫أي إمكانية لحسف الحظ بعيداً عف الحياة النبيمة‪ .‬كؿ ما يبدو معاكساً ليذه الحقيقة ىو وىـ‪ .‬مع ىذا‬
‫النوع مف األفكار يمكننا تكويف فكرة عف عظمة الخطة التي تتجاوز مستوى تفكيرنا واستيعابنا‪ .‬نحف‬
‫لسنا مضطريف إلى فيميا‪ ،‬حيث الطفؿ ليس مضط اًر لمعرفة كيؼ اكتسب والديو الحكمة‪ ،‬لكف‬
‫الطفؿ يكتفي باإليماف‪ .‬وألف الوالديف يحباف الطفؿ وىذا اآلخير يحب والديو فيذا يصنع مشاركة‬
‫وجدانية بينيـ‪ .‬بيذه الطريقة الوجدانية يمكننا أف نكوف خداـ أوفياء لمصيرنا‪ .‬وكمكافئة عمى ذلؾ‬
‫سوؼ نتمتع بالعبلقة األكثر روعة مع الحياة‪ ،‬وعندما تصبح األمور صعبة قميبلً سوؼ نمجأ إلى‬
‫اإليماف وما ي قدمو لنا مف مواساة ويطمئننا بأف كؿ شيء سوؼ يتحسف في النياية‪ .‬إذا كنا نستطيع‬
‫العيش بيذه الطريقة ووفؽ ىذه المبادئ وبيذا المستوى الراقي مف الوعي أعتقد بأف أشياء كثيرة‬
‫سوؼ يتـ حميا في حياة كؿ فرد منا‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫سثة ادلعاَاج ٔانطشٌق إىل إصانتّ‬

‫قبؿ حوالي ألفيف وخمس مئة سنة ظيرت الفمسفة البوذية وتمحورت حوؿ أمير ىندي شاب تخمى عف‬
‫العالـ وتخمى عف عرشو بيدؼ أف يصبح فيمسوؼ‪ .‬الغاية وراء سموكو ىي واضحة‪ ،‬كانت اليند‬
‫غارقة في المشاكؿ‪ ،‬ساد الخصاـ والقتاؿ والحروب في كؿ مكاف في الببلد‪ ،‬كما سادت الغيرة بيف‬
‫الحكاـ‪ .‬والديانة اليندوسية التي ولد فييا األمير الشاب كانت تعاني مف سمسمة انحرافات وتشوىات‬
‫في الممارسة‪ ،‬حيث أتباع ىذه الديانة األوفياء كانوا ميمميف ومتجاىميف ومبلحقيف‪ ،‬والطموحات‬
‫الدنيوية تصاعدت بشكؿ مخيؼ‪ .‬وسط ىذه الحالة الطارئة أصبح األمير "سيدىارتا" مقتنعاً بأنو ال بد‬
‫مف أف يكوف ىناؾ طريقة صائبة وسميمة لمعيش‪ .‬وبسبب الظروؼ المشابية التي نحف فييا اليوـ‪،‬‬
‫يبدو أف أفكاره وفمسفتو الزالت تحوز عمى قيمة واىتماـ خاصيف بالنسبة لنا‪ .‬عندما ننظر إلى‬
‫تعاليمو بطريقة معينة سوؼ يبدو لنا أف ىذا األمير ىو معاص اًر لنا في نفس الزماف‪ .‬كاف يواجو‬
‫نفس المشاكؿ وقاربيا بالطريقة األعمؽ فكرياً‪ ،‬وىي طريقة يمكنيا أف تأسر أو تؤثر عمى قسـ كبير‬
‫مف التفكير الحديث‪ ،‬ىذا لو منحوىا فرصة لتفعؿ ذلؾ‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫مف خبلؿ دراسة حالة اإلنساف‪ ،‬بدأ األمير "سيدىارتا" ينمي سمسمة مف الحموؿ الداخمية لممشاكؿ‬
‫ومستندة عمى مفيوـ واحد وبسيط‪ ،‬وىو تعريفو لئللو األعمى أو مناقشة موضوعو‪ .‬قاؿ‪ .." :‬إذا كاف‬
‫الشر فيو ليس اهلل‪ ."..‬وجب أف يقوـ‬
‫الشر فيو ليس خيّر‪ ..‬واذا عجز اهلل عف منع ّ‬ ‫اهلل ال يمنع ّ‬
‫شيء ما بتفسير حالة العالـ الراىنة‪ ،‬دوف إلقاء الموـ عمى قوى وعوامؿ ماورائية غامضة تسكف في‬
‫الفراغ مف حول نا‪ .‬كاف لدى "بوذا" (وىو االسـ الذي حممو األمير فيما بعد) المفيوـ القائؿ بأنو‬
‫ضرورياً بالنسبة لمكائف البشري أف يعيد تنظيـ مفاىيمو المتعمقة بالحياة‪ .‬عميو في يوـ مف األياـ أف‬
‫يواجو مشاكؿ مصيره الخاص بنفسو‪ ،‬بدالً مف تركيا لآلخريف أو لؤلجياؿ المستقبمية أو باالعتماد‬
‫عمى أزمنة سابقة‪ .‬عمى كؿ شخص أف يعمؿ عمى خبلصو باجتياد ومثابرة‪ .‬بسبب ىذا التوجو‬
‫الفكري‪ ،‬افترض الكثير مف اآلسيوييف وكذلؾ الرىباف المبشريف مف الغرب (وكافة الديانات السماوية)‬
‫بأف "بوذا" كاف ممحد‪ ،‬ألنو لـ يتبع الصيغة التقميدية التي تحمؿ األعباء عمى الرب‪ .‬شعر "بوذا" بأنو‬
‫حاف الوقت لكي واجو اإلنساف نفسو‪ ،‬وبيذا كاف بكؿ تأكيد عمى حؽ‪ ،‬لكف مر وقت طويؿ قبؿ أف‬
‫يدرؾ العالـ ما كاف يعنيو‪ .‬حتى اليوـ‪ ،‬الزاؿ ىناؾ القبلئؿ الذيف قدروا قيمة األفكار التي قدمتيا‬
‫الفمسفة البوذية لمعالـ‪.‬‬

‫تقدـ "بوذا" بما سماىا "الحقائؽ العظيمة األربعة"‪ .‬وىذه الحقائؽ األربعة أو الوقائع األربعة ىي‪]1[ :‬‬
‫مشكمة أو سبب المعاناة‪ ]2[ ،‬طبيعة المعاناة‪ ]3[ ،‬نياية المعاناة‪ ]4[ ،‬الطريؽ إلى إيجاد نياية‬
‫المعاناة‪ .‬بالنسبة إلى "بوذا" فإف العبئ األثقؿ لمعالـ ىو األلـ‪ ،‬لكف ليس فقط األلـ الجسدي‪ ،‬بؿ األلـ‬
‫الروحي واأل لـ األخبلقي واأللـ العقمي واأللـ العاطفي‪ .‬المعاناة‪ ،‬العبئ الثقيؿ عمى كؿ ما ولد إلى‬
‫العالـ‪ ،‬وىذا النقيض الغريب الذي يقحـ نفسو في كؿ لحظة مف حياة اإلنساف‪ ،‬في لحظة الفرح‬
‫الكبير يكوف األلـ قريب‪ ،‬في لحظة النجاح الكبير يكوف الفشؿ قريب‪ .‬لماذا عمى اإلنساف أف يواجو‬
‫المعاناة بأي مف أنواعيا طواؿ فترة حياتو؟ أعتقد بأف "بوذا" سوؼ يجيب عمى ىذا السؤاؿ بالطريقة‬
‫التالية‪ :‬الكائف البشري لـ يتعمـ مسبقاً كيؼ يمنع المعاناة‪ ،‬لقد منح طرؽ عديدة لتجاوز المعاناة إذا‬
‫أمكف‪ ،‬وغالباً ما تكوف العممية غير مجدية‪ .‬ىو لـ يدرؾ حقيقة أف المعاناة ىي عبارة عف دليؿ‪ .‬ىي‬
‫ال تدؿ عمى حقيقة أف اإللو األعمى يكرىو‪ ،‬وال ىي تدؿ عمى استبدادات الطبيعة‪ .‬بالنسبة إلى "بوذا"‬
‫فإف المعانات ىي داللة عمى جيؿ اإلنساف‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫اإلنساف ىو سبب معاناتو‪ ،‬إف كاف عمى المستوى الجماعي أو عمى المستوى الفردي‪ ،‬وانو مف‬
‫الضروري بالنسبة ل و تصحيح ىذا السبب إذا كاف عميو تحرير العالـ مف األلـ والبؤس‪ .‬المعاناة‬
‫الكبرى ىي الحروب واألوبئة والكوارث الطبيعية‪ ..،‬أما المعاناة الصغرى فيي األلـ الجسدي‪ ،‬األرؽ‬
‫العاطفي‪ ،‬األسرة المفككة‪ ،‬سوء معاممة األطفاؿ‪ ،‬الفقر‪ ،‬المرض‪ ..،‬كؿ ىذه ىي أشكاؿ مختمفة مف‬
‫المعاناة ‪ ،‬وجميعيا تبرز في اإلنساف نفسو‪ .‬إذا كرس اإلنساف الوقت الكافي إليجاد حموؿ لمشاكمو‬
‫الداخمية كما كرس وقتو لمتوسع والتقدـ في بيئتو المادية‪ ،‬لكانت حالتو أفضؿ بكثير مما ىو عميو‬
‫اآلف‪.‬‬

‫نحف نستكشؼ الفضاء ونرسؿ المركبات إلى ىناؾ‪ ،‬ولدينا كؿ أنواع المختبرات ونتعامؿ مع المواد‬
‫الكيماوية وأجيزة القياس اإللكترونية المختمفة‪ ،‬ونبتكر الكمبيوترات والدارات اإللكترونية والمحركات‬
‫واآلالت والماكينات‪ ...،‬لكف رغـ ذلؾ كمو تستمر المعاناة دوف توقؼ‪ .‬ىذا ألف الفرد لـ يتمقى أي‬
‫تعميـ بخصوص أسرار طبيعتو الحقيقية‪ .‬لـ ُيمنح الشجاعة لتصحيح األخطاء في سموكو وتصرفاتو‪.‬‬
‫بالرغـ مف أف "بوذا" عاش قبؿ فترة طويمة لكف سبقت مجيئو فترة طويمة أيضاً‪ .‬وقد كسب مف‬
‫الماضي الكثير مف التعاليـ ومصادر اإللياـ‪ ،‬أي كما نفعؿ نحف اآلف إذا كنا متفكريف‪ .‬أدرؾ بأف‬
‫الظروؼ استمرت طويبلً مستندة عمى قناعة بسيطة عند الناس‪ ،‬وىي أف ميا حصؿ ال بد مف أف‬
‫يحصؿ‪ .‬وقد ال يكوف ىناؾ أي سبب لحصوؿ ما حصؿ‪ .‬ىذا المنيج الفكري يقوؿ‪ :‬إذا ظير طاغية‬
‫فيذا أمر مؤسؼ‪ ،‬لكف لطالما كاف ىناؾ طغياف‪ .‬الحروب تحصؿ وىذا أمر حزيف‪ ،‬لكف لطالما كاف‬
‫ىناؾ حروب‪.‬‬

‫لطالما قاتؿ اإلنساف لكي يكسب الحرب‪ ،‬لكف ليس ليمنع الحرب‪ .‬لو استثمر ما يكفي مف الماؿ‬
‫والجيد والوقت في سبيؿ ضماف السبلـ لكاف اآلف في حالة أفضؿ بكثير‪ .‬أشار "بوذا" إلى ىذا األمر‬
‫عندما تحد ث مع الجنراؿ اليندي قبؿ ألفيف وخمس مائة سنة‪ .‬كما أشار إلى أف كؿ ىذه الحروب‬
‫والفوضى والصراعات وعدـ التوافؽ وعدـ التفاىـ السياسي بالكاد كاف ليا أي تأثير عمى حدود‬
‫األمـ‪ .‬في عصرنا الحديث كمفت الحرب العالمية الثانية وحدىا أكثر مف خمسيف مميوف قتيؿ‪ ،‬ورغـ‬
‫ذلؾ بقيت حدود األمـ كما ىي تقريباً‪ ،‬لـ يحقؽ أي إنجاز عظيـ يستحؽ استنزاؼ كؿ تمؾ األرواح‪،‬‬
‫لـ تحؿ أي مشكمة كبرى‪ .‬يحصؿ ىذا كمو ثـ‪ ،‬بعد فترة مف اليدوء الحذر‪ ،‬تنشب حرب أخرى‪ .‬ما‬
‫الذي نفعمو؟ لماذا نستمر في تدمير ىدوء العقؿ لدينا؟‬

‫‪172‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫بعد أف نظر "بوذا" في الموضوع بعمؽ وبحذر توصؿ إلى استنتاج فمسفي‪ .‬عمينا أف ندرؾ حقيقة أف‬
‫البوذية ليست ديانة بؿ ىي منذ البداية فمسفة أخبلقية وأدبية‪ .‬ىي طريقة حياة‪ .‬وىذه الطريقة في‬
‫الحياة شممت مفيوـ خاص لتبجيؿ الخطة اإلليية لؤلشياء‪ .‬لكف "بوذا" لـ يكف دينياً بالمقاـ األوؿ‪ ،‬بؿ‬
‫كاف بشكؿ رئيسي مصمح أخبلقي‪ ،‬ويتمتع ببصيرة مذىمة في طبيعة الكائف البشري‪ .‬ىي ربما‬
‫البصيرة األكثر عمقاً التي عرفيا العالـ‪ .‬فبدأ يدرس المشكمة مف خبلؿ السعي إلى تعريؼ طبيعة‬
‫المعاناة‪ .‬ما ىي؟ قاؿ بأنو يوجد مسببات متنوعة لممعاناة‪ ،‬لكف كافة ىذه المسببات قابمة لمعبلج‪ .‬ىي‬
‫قابمة لمعبلج قبؿ أف تحصؿ المعاناة‪ .‬ىناؾ طرؽ كثيرة نتبعيا لحؿ المشاكؿ‪ ،‬لكف حتى نتوصؿ إلى‬
‫إدراؾ العوامؿ األساسية لؤلشياء سوؼ لف نحؿ المشاكؿ‪ .‬العوامؿ األساسية تكمف داخؿ كؿ فرد منا‪،‬‬
‫وىي قوية جداً في حياة البعض وقد تجعميـ أشخاص خطريف جداً‪ .‬بينما عند البعض اآلخر نجد‬
‫ىذه العوامؿ موجودة جزئياً‪ ،‬وىذا يجعميـ أقؿ خط اًر وأكثر قابمية لئلصبلح‪ .‬لكف في جميع األحواؿ‪،‬‬
‫السبب يكمف داخؿ الشخص‪ ،‬ومنو تنتشر خارجاً فتعدي اآلخريف‪ ،‬وعندما تكوف المجموعة بكامميا‬
‫مصابة بالعدوى ممثمة قسـ مف أمة فسوؼ تصاب األمة بكامميا بالعدوى‪ .‬فتتعرض مشاريعيا‬
‫لمتقويض والتمؼ والضعؼ‪ .‬وأولئؾ الذيف طبيعتيـ أكثر نببلً يتعرضوف لمطرد والنفي ألنيـ يمثموف‬
‫عقبات في درب الطموحات الخاصة لمذيف لدييـ أنماط داخمية منحرفة وغير طبيعية‪.‬‬

‫إذاً‪ ،‬تبدأ المعاناة عندما يسمح الفرد لميولو وشيواتو الدنيوية أف تتدخؿ في المنطؽ والتفكير السميـ‬
‫لديو‪ .‬التفكير السميـ‪ ،‬والذي أصبح نادر جداً اليوـ‪ ،‬يتعمؽ بردود أفعاؿ الشخص تجاه الظروؼ‪ .‬ىناؾ‬
‫القميؿ مف األشخاص الذيف ال ينتج مف أفعاليـ عواقب يرونيا ويواجيونيا ويعرفوف عنيا لكنيـ ال‬
‫يصححونيا‪ .‬بالتالي‪ ،‬عند بداية المعاناة تقبع عبلقة غير منطقية وغير عممية وغير متنورة مع العالـ‬
‫المحيط بنا ومع الحياة بداخمنا‪ .‬لطالما كانت ىذه المشكمة قائمة عند اإلنساف عبر العصور‪ .‬البعض‬
‫يقوؿ بأف سببيا يعود إلى الجيؿ‪ .‬ىناؾ نوعيف رئيسييف مف الجيؿ‪ :‬الجيؿ البسيط والجيؿ المركب‪.‬‬
‫الجيؿ البسيط ىو جيؿ اإلنساف اليمجي أو الطفؿ‪ .‬الجيؿ المركب ىو أكثر صعوبة لمتعامؿ معو‪،‬‬
‫ىو الجيؿ الذي يبرز ليس مف الضرورة بؿ مف عدـ االستعداد لمواجية قيود الذات‪ ،‬إنو نوع مف‬
‫الجيؿ الذي يتـ اكتسابو بالتعميـ والذي ىو في الحقيقة ناتج مف تعمـ األشياء الخاطئة‪ .‬أي أف الفرد‬
‫تمقى تعميـ مجرد مف أي عامؿ يمكف أف يصنع منو شخص متعمـ بحؽ‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫عمينا أف نتذكر بأنو قبؿ ألفي عاـ في اليند لـ تسود الحالة كما ىي سائدة اآلف‪ .‬جامعة "ناالندا"‬
‫العظيمة كانت إحدى أرقى اليياكؿ التعميمية عمى وجو األرض‪ ،‬مع مجموع طبلب يفوؽ الخمسة‬
‫وعشريف ألؼ‪ ،‬وأكثر مف ألؼ أستاذ‪ .‬مع العمـ أنو في جامعة "ناالندا" كانت المسيحية تدرس ىناؾ‬
‫كديانة لممقارنة‪ .‬األشياء تحصؿ‪ .‬تـ تدمير العالـ الكبلسيكي اآلسيوي بالكامؿ ونشبت الحروب‬
‫وانتشرت األوبئة‪ ،‬معظـ المآسي يعود سببيا إلى سوء استخداـ المصادر الطبيعية واستنزافيا‪،‬‬
‫فانخفض مستوى التحضر لدى الناس وراح ينحدر منذ حينيا‪ .‬لكف لـ يكف ضرورياً اف يحصؿ ىذا‬
‫كمو‪ .‬كاف ضرورياً اف يواجيوا ىذه المشاكؿ بدالً مف السماح ليا أف تتراكـ إلى األبد‪ .‬جميعنا نعمـ‪،‬‬
‫وحتى "بوذا" كاف يعمـ‪ ،‬بأف إصبلح اآلخريف ىو المجيود األقؿ مكافئة في العالـ‪ ،‬كما أنو عمؿ‬
‫خطير أيضاً‪ .‬لكف عممية البدء بتحسيف طبيعتنا الخاصة ىي ميمة جداً‪ ،‬ألف أحد مبادئ الفمسفة‬
‫اليندية‪ ،‬كؿ مف اليندوسية والبوذية معاً‪ ،‬يقوؿ بأف الفرد بصفتو كائف مؤقت‪ ،‬حيث لديو عقود قميمة‬
‫ليعيشيا في ىذا العالـ‪ ،‬وجب بالتالي أف يكوف أكثر اىتماماً باتباع الطبيعة واطاعتيا بدالً مف سعيو‬
‫إلى االندماج مع المجتمع البشري‪ .‬إف االندماج االجتماعي أمر جيد‪ ،‬لكف الفرد الذي يساوـ عمى‬
‫مبادئو لكي يحقؽ نسبة نجاح معينة ىنا في ىذا العالـ الدنيوي فيو بذلؾ يقترؼ خطأ كبير‪ ،‬ألنو‬
‫سوؼ لف يبقى ىنا طويبلً بما يكفي لكي يكوف لنجاحو أي معنى‪ ،‬وسوؼ يغادر ىذا العالـ حامبلً‬
‫عبئ ثقيؿ مف األعماؿ غير المكتممة‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫خرائب جامعة "ناالندا" التي ازدىرت في اليند قبؿ أكثر مف ألفي عاـ‪ .‬كانت قابمة الحتواء أكثر مف‬
‫خمسة وعشريف ألؼ طالب وحوالي ألؼ أستاذ‪.‬‬

‫يمكننا إذاً تمخيص المشكمة بطريقة بسيطة‪ :‬كيؼ يمكف لمشخص أف يفيـ طبيعة المعاناة؟ يقوؿ لنا‬
‫"بوذا" بأف المعاناة ىي جزء واضح ال لبس فيو مف الوجود‪ ،‬وسببو ىو األنانية والجيؿ‪ .‬األنانية ىنا‬
‫تعني أذية نفسؾ أو اآلخريف في سبيؿ الكسب‪ .‬أما الجيؿ‪ ،‬فيعني ىنا التوجيو الخاطئ أو عدـ تمقي‬
‫الفوائد التعميمية التي انحدرت إلينا مف الماضي‪ .‬الفوائد التعميمية مف الماضي ىي ليست بالضرورة‬
‫مدونة جيداً في مؤسساتنا التعميمية الحالية‪ .‬عندما نرغب في معرفة الحكمة التي سادت في الماضي‬
‫عمينا أف نمجأ إلى عمـ التاريخ بدالً مف التعميـ العادي‪ .‬ألف التاريخ يكشؼ لنا عف أخطائنا‪ ،‬بينما‬
‫التعميـ العادي يحاوؿ أف يبرىف لنا بأف ذلؾ الذي اعتبرناه خطأ ىو ليس كذلؾ‪ ،‬وأف النجاح الحقيقي‬
‫ىو أف نستمر في اقتراؼ نفس األخطاء‪ .‬لكننا نقترفيا اليوـ مع مساعدة عممية أكثر تقدماً‪ .‬نحف لـ‬
‫نتعمـ شيء‪ .‬لذلؾ قاؿ "بوذا" بأنو في بداية المعاناة تقبع األنانية والجيؿ‪ .‬الجيؿ يعني عدـ التعمـ‬
‫بشكؿ جيد‪ ،‬وعدـ التعمـ ما ىو الحقيقي‪ ،‬والتحضير لبناء مستقبؿ ميني يتمحور حوؿ األنانية‪.‬‬
‫الخمطة بيف التعميـ الجاىؿ والذي يرسخ األنانية تنتج المعاناة‪.‬‬

‫المعاناة تحصؿ متما استخدنا المصادر الطبيعية بطريقة غير حكيمة أو مف دوف أي اعتبار لمخير‬
‫العاـ‪ .‬األنانية تدفعنا إلى محاولة احتكار المصادر الطبيعية‪ .‬ىكذا احتكار قد يدر بعض الماؿ لكنو‬

‫‪175‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ينتيي بالمعاناة‪ .‬الفرد الذي يحاوؿ استغبلؿ جاره قد يكسب القميؿ مف المرابح لكنو في النياية يساىـ‬
‫في المزيد مف المعاناة‪ .‬كؿ فعؿ مناقض لبلستقامة والتكامؿ األخبلقي سوؼ يسبب المعاناة لمشخص‬
‫الذي يفعؿ الفعؿ وكذلؾ لآلخريف‪ .‬أشار "بوذا" إلى نقطة ميمة في ىذه المشكمة‪ ،‬قاؿ بأنو في الوقت‬
‫الذي تجمب فيو أخطائنا المعاناة ألنفسنا فيذا ال يعني بالضرورة أف اآلخريف سوؼ يتأذوف‪ .‬السبب‬
‫الوحيد الذي يجعؿ اآلخريف يتأذوف ىو ألنيـ يوافقوف أكثر أو أقؿ عمى أخطائنا‪ .‬يعتقدوف بأف‬
‫النجاح كما نعرفو اآلف ىو أمر مفيد ليـ أيضاً‪ ،‬وأنيـ بدورىـ يرغبوف في شراء األخطاء التي نبيعيا‪،‬‬
‫وكنتيجة لذلؾ يصابوف بالمعاناة‪ .‬في الحقيقة‪ ،‬كؿ فرد لديو الحؽ في اإلحجاـ عف أسباب المعاناة‬
‫داخؿ نفس و‪ .‬واإلغراء ىو نوع مف محاولة أحدىـ إقناعؾ بأنو عميؾ القياـ بأشياء معينة مف دافع‬
‫المصمحة الذاتية‪ ،‬وعندما يحصؿ ىذا األمر تتولد المشاكؿ والمعاناة‪.‬‬

‫المعنى العاـ لممعاناة إذاً ىو ناتج مف كسر قواعد الحياة البسيطة‪ .‬وىذه القواعد في الحقيقة ال يمكف‬
‫كسرىا مف دوف معاناة‪ .‬الفكرة التي تقوؿ بأننا نستطيع إعادة بناء الكوف بحيث نجعمو قريباً لما نرغبو‬
‫ىي فكرة خاطئة‪ .‬ليس لدينا أي قوة لمسيطرة أو التحكـ بذلؾ الذي يمتد إلى أوسع زوايا االبدية‪.‬‬
‫الفضاء الذي يمتد إلى النياية ال يمكف استيعابو مف قبؿ العقؿ البشري‪ .‬عندما نقوؿ أننا سيطرنا‬
‫عمى الفضاء فنقصد بذلؾ استكشافو بواسطة التيميسكوب لمحاولة رؤية ما يوجد ىناؾ‪ .‬ىذا كؿ ما‬
‫في األمر‪ .‬نحف في الواقع ال نستطيع السيطرة عميو بأي طريقة‪ .‬حتى أننا ال نستطيع دراستو‬
‫بشموليتو‪ .‬نحف أماـ قضية تتعمؽ بمحاولة كسر القواعد ونحصد المعاناة‪ ،‬او نقرر أف نمتزـ بالقواعد‬
‫وازالة مسببات المعاناة خطوة خطوة‪ .‬إذا كنا ميتميف بيذه المسألة‪ ،‬يقدـ لنا "بوذا" سمسمة مف األمثمة‬
‫التي تشير جميعاً إلى أف مصدر المعاناة داخؿ أنفسنا ىو عاطفي أو عقمي أو كبلىما معاً‪ .‬العقؿ‬
‫ىو سبب معظـ المعاناة‪ .‬نحف نظف بأف العقؿ ىو أداة معصومة مف الخطأ لكنو في الحقيقة ليس‬
‫كذلؾ‪ .‬يستطيع العقؿ أف يرتكب أي خطأ نريده ارتكابو‪ .‬ىو مجرد خادـ مطيع ألىوائنا‪ .‬ىو يطيع‬
‫كؿ ما نعطيو مف أولمر وتعميمات‪ .‬ىو يحاوؿ مساعدتنا في تطبيؽ الخطط والسيناريوىات التي سبؽ‬
‫وسيطرت عمى الوعي لدينا‪ .‬العواطؼ أيضاً تشمؿ ضغط ىائؿ‪ ،‬وىو ضغط متجو نحو إشباع كافة‬
‫شيواتنا بكافة أنواعيا‪ ،‬وخبلؿ إشباع ىذه الشيوات ننزح إلى المساومة عمى استقامتنا األخبلقية‪.‬‬
‫أينما ذىبنا سوؼ نجد أف ال أحد أصبح حكيـ بما يكفي ليعرؼ بأنو ال يستطيع أف يكوف غير‬
‫صادؽ وأميف دوف ألـ‪ ،‬وتدريجياً يصبح ىذا األلـ ال يطاؽ‪ .‬رغـ ذلؾ نراىـ يذىبوف إلى القبر‬
‫مصطحبيف معيـ األلـ وعدـ األمانة معاً‪ .‬ىذا ألننا ال نريد أف نقبؿ‪ ،‬وعمى المستوى العممي‪ ،‬ما ىو‬

‫‪176‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫واضح حتى لدى القدماء منذ آالؼ السنيف والذي يتكرر استعراضو كؿ يوـ في حياتنا الحالية‪ ،‬ورغـ‬
‫ذلؾ كمو ال يوجد سوى اعتبار واحد فقط وىو السعي إلى الربح‪.‬‬

‫طالما بقي الشخص مستعداً لبيع روحو مف أجؿ دينار‪ ،‬فسوؼ يستمر في اختبار األلـ‪ ،‬والكثير منو‪.‬‬
‫ىذا ألنو ال يستطيع المساومة عمى االستقامة األخبلقية بداخمو دوف أف يناؿ المعاناة بأنواعيا‪ .‬كاف‬
‫"بوذا" واضحاً في ىذه األمور‪ ،‬وال أعتقد أف أي أحد حتى اآلف استطاع تفنيده أو دحض إدعائو‪.‬‬
‫ألف العواقب الواضحة ألي فعؿ ىي مؤكدة‪ .‬نحف نعرؼ بأف المعاناة موجودة‪ ،‬واآلف يمكننا تحميؿ‬
‫كيفية عمميا‪ ،‬وبالتالي يمكننا اآلف تحديد ما ىي المعاناة وما ىو سببيا‪ .‬مثبلً‪ ،‬يكرس أحد األشخاص‬
‫حياتو لمراكمة الثروة‪ ،‬وينجح بذلؾ‪ ،‬وبعد مراكمة الثروة يشعر بأنو حقؽ مصيره المقدر لو‪ ،‬لكف ىذا‬
‫الشخص أصبح في مشكمة كبيرة‪ ،‬ألنو مع الوقت الذي راكـ فيو الثروة تكوف المعاناة قد بدأت منذ‬
‫البداية وما مف طريقة لتجنبيا‪ .‬قاؿ "بوذا" أف اإلنساف الذي يممؾ ىو يعيش أبداً في حالة خوؼ مف‬
‫الخسارة‪ ،‬يخاؼ مف أف يسمبو أحدىـ ما يممكو‪ .‬ومف سمبو ما يممكو سوؼ يسبب كرب عظيـ في‬
‫نفسو‪ ،‬وذلؾ ألنو وضع كامؿ سعادتو في محفظتو‪ .‬بالتالي فالذي يسمبو ما في محفظتو سوؼ يجعمو‬
‫شحاذ بكؿ تأكيد‪ .‬ىناؾ شخص آخر يواجو مسألة الماؿ‪ ،‬ىذا الشخص ال ينجح في مراكمة الثروة‪،‬‬
‫وىذا بالتالي يجعمو بائس ألنو ال يممؾ الماؿ‪ .‬إذاً‪ ،‬الشخص الذي يممؾ الماؿ يخاؼ مف خسارتو‬
‫والشخص الذي ال يممؾ الماؿ يكوف بائس ألنو ال يستطيع حوزتو‪ ،‬وبالتالي ال أحد يكوف سعيد في‬
‫ىذا المشيد‪ .‬ويستمر ىذا المشيد في البقاء قائماً إلى ال نياية‪ .‬الطموح لمممؾ‪ ،‬ال يقودنا فحسب إلى‬
‫مشكمة المجتمع الذي يسعى إلى تجريدنا مف ما نممكو في أي فرصة سانحة‪ ،‬بؿ إلى كافة المشاكؿ‬
‫المالية األخرى التي نعرفيا اليوـ مثؿ تقمب االقتصاد العالمي بشكؿ مستمر والبطالة المرتفعة‬
‫وغيرىا‪ ،‬كؿ ىذه الحاالت ىي نتائج الطموح المنحرؼ منذ البداية‪ .‬لقد تصرفنا بشكؿ خاطئ منذ‬
‫البداية‪ ،‬وجعمنا االنحراؼ شيئاً رائعاً‪ ،‬وجعمنا بعض األعماؿ واإلجراءات مرضية لؤلنانية بداخمنا‪،‬‬
‫وعندما ينيار القصر الذي بنيناه سوؼ نصبح جميعاً بائسيف وسوؼ ننظر حولنا محاوليف معرفة مف‬
‫سبب ىذا ثـ نضع الموـ أخي اًر عمى الشيطاف‪ .‬لقد تـ لوـ الشيطاف عمى أمور كثيرة عبر التاريخ‪،‬‬
‫فأعتقد بأنو يستطيع التحمؿ أكثر منا‪.‬‬

‫كيؼ يمكف أنو منذ أكثر مف ستة آالؼ سنة‪ ،‬وصوالً إلى مصر القديمة‪ ،‬اتبعنا ىكذا نمط منحرؼ‬
‫مع إدراؾ كامؿ بأنو غير مجدي‪ ،‬وادراؾ كامؿ بأف الثمف الذي ندفعو ىو أعظـ بكثير مما نكسبو‬

‫‪177‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫منو‪ ،‬ورغـ ذلؾ ال أحد يتغير أو يفكر حتى بالتغيير‪ .‬يستمر ذلؾ األمؿ‪ ،‬تمؾ المقامرة‪ ،‬ذلؾ االعتقاد‬
‫بأننا بأنفسنا سوؼ نكوف سعداء بذلؾ الذي جعؿ كؿ اآلخريف بؤساء‪ .‬نجعؿ أنفسنا بؤساء ألننا ال‬
‫نممؾ ذلؾ الذي يسعى إليو كؿ اآلخريف‪ .‬ىنا لدينا مشكمة معاناة‪ .‬حتى تعقيدات الكسب والمراكمة‬
‫ىي بذاتيا مسبب كبير لممعاناة بطرؽ عديدة‪ .‬يحصؿ معنا المزيد والمزيد مف أمراض القمب‬
‫والسكتات القمبية في منتصؼ حياة رجاؿ األعماؿ الناجحيف‪ ،‬إنو الكفاح المستمر لمراكمة األمواؿ‪،‬‬
‫والكفاح المستمر لمتغمب عمى المنافسيف‪ ،‬كؿ ىذه األمور تخمؽ كوارث رىيبة عمى صحتنا وأمزجتنا‬
‫وكافة القيـ الشخصية بخصوص العيش‪ .‬ىذه النشاطات تفقر حياتنا وتعكر استق اررنا المنزلي وتدمر‬
‫أجسامنا‪ ،‬رغـ ذلؾ ىي ال تمثؿ قيمة بالمقارنة بالغاية األعظـ المتمثؿ بالثراء‪ .‬جميعنا نرغب في أف‬
‫نكوف أثرياء حتى ولو في المقبرة‪ .‬إنيا السعادة الكبرى بالنسبة لنا‪ .‬أشار "بوذا" إلى أنو إذا استمرينا‬
‫في ىذا التوجو‪ ،‬مكرسيف كامؿ حياتنا محاوليف الحصوؿ عمى الثراء‪ ،‬ثـ ننجح أخي اًر في الحصوؿ‬
‫عميو‪ ،‬ويكوف قد كمفنا كؿ شيء آخر‪ ،‬ثـ وسط كؿ ىذه الفرح باالنتصار نستمقي عمى األرض‬
‫ونموت‪ ،‬ولف نعيش طويبلً بما يكفي لمتمتع حتى بجزء مما نممكو‪ ،‬نكوف بذلؾ قد ضحينا بكامؿ‬
‫حياتنا ولـ نعش لنجعؿ ىذه التضحية مستحقة‪ .‬لو كنا سنعيش خمس مئة سنة مع ما كسبناه مف‬
‫أمواؿ قد يبدو األمر منطقياً أكثر‪ ،‬لكف وسط السعي لممراكمة نموت ونخرج مف مسرح الوجود‬
‫المادي‪ .‬وكؿ ما عممنا مف أجمو طواؿ عمرنا‪ ،‬منذ بداية الفترة المدرسية حتى يوـ موتنا‪ ،‬كؿ ىذا‬
‫نتركو ورائنا ونغادر‪.‬‬

‫لماذا إذاً عمينا أف نجعؿ ىذا العالـ بائس ونجعؿ أنفسنا بائسيف فقط مف أجؿ اكتساب شيء لف‬
‫نعيش طويبلً الستخدامو؟ واذا لـ نستخدمو سوؼ نتركو لآلخريف الذيف ال يستحقوه‪ ،‬والذيف سوؼ‬
‫يفقدونو الحقاً أو يسيئوف استخدامو‪ .‬ىناؾ قصة قديمة عف روماني ثري بقي طيفو بعد موتو ساكناً‬
‫في المنزؿ وراح يشاىد أوالده يبددوف أموالو ببذخ واسراؼ‪ .‬ىذه تجربة حزينة جداً‪ ،‬لكنيا التجربة‬
‫الوحيدة‪ .‬ميما خمفناه ورائنا ال بد مف أف يسيء أحدىـ استخدامو‪ .‬حتى لو تركنا ما نممكو لمؤسسة‪،‬‬
‫ىذه المؤسسة سوؼ تتغير عمى مر الزمف‪ .‬ليس ىناؾ أي حؿ ليذه المسألة‪ .‬نحف إذاً نسعى و ارء‬
‫األوىاـ‪ ،‬ومف خبلؿ نزعة المراكمة والتجميع‪ ،‬بنينا تدريجياً عالـ قائـ عمى المنافسة والذي يقود إلى‬
‫الحروب والجرائـ وكؿ أنواع الفساد‪ ،‬وعمينا العيش وسط ىذا كمو‪ .‬ليس ىناؾ أماف واطمئناف في أي‬
‫شيء‪ .‬ورغـ ذلؾ نجد العالـ مستمر في ىذا الطريؽ‪ .‬شرائعنا العظيمة لـ تستطع تصحيح الوضع‪.‬‬
‫الجامعات الكبرى لـ تساعد الشباب اليافعيف عمى اكتشاؼ ما ىو ضروري وذو قيمة‪ .‬لـ يعد أحد‬

‫‪178‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫يرضى بمكونات السعادة الطبيعية والبسيطة‪ .‬الجميع يريد الكسب والربح ويفكر بالسعادة وفؽ معنى‬
‫المراكمة والتجميع بدالً مف معنى الرشد الداخمي والنمو الحقيقي‪.‬‬

‫لذلؾ كاف "بوذا" عمى حؽ بشكؿ كبير مف خبلؿ افتراضو بأننا في مكاف ما في الزمف الماضي‬
‫البعيد وجينا الحضارة إلى االتجاه الخاطئ‪ ،‬وميما تحاورنا وتحاربنا‪ ،‬وميما كاف عدد المصمحيف‬
‫واألبطاؿ الذيف برزوا مف بيننا‪ ،‬لـ نتمكف مف استعادة التقدـ إلى سكتو الحقيقية‪ .‬يبدو أف األمر تفاقـ‬
‫بشكؿ كبير‪ ،‬كما الوادي العميؽ جداً الذي نشأ في البداية عمى شكؿ سيؿ مائي عمى األرض ويتخذ‬
‫االتجاه الخاطء‪ ،‬واآلف أصبحنا محبوسيف في قاع الوادي العميؽ مجرديف مف أي أمؿ في الخبلص‪.‬‬
‫األمر ذاتو ينطبؽ عمى كؿ ىذه األمور التي نفعميا اآلف‪ .‬ال يمكننا تحقيؽ السبلـ ألف ىذا األمر‬
‫يؤثر عمى نجاحنا أو نجاح غيرنا‪ ،‬وال يمكننا اإلصبلح دوف التعرض لمقتؿ بيدؼ إبعادنا عف‬
‫المسرح ليستمر الفساد واالنحراؼ لصالح القمة‪ .‬كؿ شيء مقفوؿ ضمف مجرى يذىب إلى ال مكاف‪.‬‬
‫ومع وجود تكنولوجيا االنصيار النووي في حياتنا اآلف‪ ،‬أصبح لتعاليـ "بوذا" صبلحية متجددة‬
‫والنيائية‪ .‬يقوؿ مثبلً‪ :‬إف مستقبؿ بقائنا في ىذا العالـ موجود في أيدينا‪.‬‬

‫يوجد لدى البوذية عامؿ مأخوذ أساساً مف اليندوسية ولو مكانة ميمة في تعاليميا وىي عقيدة‬
‫التقمص‪ ،‬أي أف الروح ال تموت بعد الموت بؿ تنتقؿ لتتجمى في حياة كائف آخر عند والدتو‪.‬‬
‫ّ‬
‫التقم ص ىو خمطة مؤلفة مف األمؿ والخوؼ‪ .‬ىو يمثؿ األمؿ بمعنى أنو يمنحنا المزيد مف الوقت‬
‫إلنجاز التصحيحات في أنفسنا‪ .‬لكنو يحمؿ أيضاً عامؿ الخوؼ ألنو يحتوي في ضمنو عمى قانوف‬
‫السببية‪ ،‬أي بمعنى أنو كما عشنا وتصرفنا سوؼ نكافئ‪ ،‬وىذا بالتالي يضعنا جميعاً تحت مسؤولية‬
‫عواق ب تصرفاتنا وسموكنا‪ .‬رد الفعؿ "الكارمي" المباشر ألخطائنا يحصؿ ىنا في ىذا العالـ‪ ،‬حيث‬
‫نرى ىذه األخطاء كيؼ تجمب المعاناة‪ .‬لكف ىناؾ أخطاء بعيدة األمد والتي ال تعالج نفسيا بسيولة‬
‫وسرعة‪ .‬وأىـ ىذه األخطاء ىي تمؾ المتعمقة بشخصيتنا البشرية‪ .‬يمكننا أف نخمؼ ورائنا‪ ،‬لفترة‬
‫قصيرة عمى األقؿ‪ ،‬بعض مف عواقب سموكنا غير العقبلني‪ .‬لكف سوؼ نأخذ عدـ اكتماؿ طبيعتنا‬
‫معنا إلى ما بعد الموت‪ ،‬ونتحضر لمعودة وانجاز ما لـ يكتمؿ بعد‪ .‬ىذه العممية سوؼ تتكرر إال إذا‬
‫تجمى التنور وتغير اإلدراؾ بداخؿ أنفسنا‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫وضع "بوذا" المنيجية‪ ،‬والتي تقوؿ بأف كؿ فرد قادر عمى التغيير واإلصبلح في نفسو والذي سوؼ‬
‫يدوـ إلى األبد‪ .‬وكذلؾ التحسيف الذي سوؼ يضيؼ إلى النمو الداخمي لطبيعتو‪ .‬المعاناة ال تنتج‬
‫النمو مباشرة‪ ،‬حيث المعاناة ىي النمو بالطريقة الصعبة‪ .‬المعاناة ىي تعمـ الفرد مف أخطائو‪ .‬لكف‬
‫ىناؾ طريقة مباشرة لمنمو والتي يمكف لمفرد أف يتعمـ خبلليا كيؼ يفعؿ األشياء بشكؿ صائب‬
‫وسميـ‪ .‬وىذا النوع مف النمو ىو غير أليـ‪ .‬المكافئة عمى الفعؿ الصائب ىي حقيقية وواقعية كما‬
‫العقوبة عمى الفعؿ الخاطئ‪ .‬عمى كؿ شخص أف يعمؿ عمى ىذا الموضوع وفقاً لطبيعتو‪ .‬بكؿ‬
‫طريقة مف الطرؽ‪ ،‬ربط "بوذا" صعوبات زماننا بشيء لو عبلقة بما يشبو العبلقات الدولية اآلف‪.‬‬
‫مثبلً‪ ،‬إمكانية إصابة الشخص بمرض القمب يعود سببيا إلى ظروؼ بحيث تجعؿ المجتمع‪ ،‬بطريقة‬
‫عيشو المنحرفة‪ ،‬يدفعو إلى اتباع طريقة عيش خاطئة‪ .‬يبدو أف ىذا الوضع ال يمكف لشيء تغييره‬
‫سوى عممية إصبلح عمى المستوى الكوني‪ .‬لكف أدرؾ "بوذا" بأف الحديث عف اإلصبلح الكوني يمثؿ‬
‫نقاش صعب وعقيـ ألنو يتجاوز استيعابنا وقدرتنا عمى التعامؿ معو بشموليتو‪ .‬بالتالي‪ ،‬بما أف‬
‫الشخص ليس لديو سيطرة سوى عمى نفسو‪ ،‬فمذلؾ عميو أف يعمؿ عمى نفسو محاوالً تحرير نفسو مف‬
‫ذلؾ الذي ىو غير طبيعي وغير سوي‪.‬‬

‫لقد قدـ "بوذا" أيضاً مبلحظة‪ ،‬مباشرة أو غير مباشرة عبر أتباعو‪ ،‬وىي أف القميؿ جداً مف الناس‬
‫ميتموف فعمياً في النمو بحيث ليس ىناؾ الكثير مف المنافسة في ىذا المجاؿ‪ .‬ال أحد سوؼ يديننا‬
‫إذا أخذنا منيـ ال شيء‪ .‬ومع ذلؾ‪ ،‬بخصوص عممية النمو‪ ،‬جميعنا ننمو ونراكـ كنز عظيـ مف‬
‫النمو دوف أف يسبب ذلؾ إفقار ألحد‪ .‬النمو ىو الذخر الوحيد الذي ليس عميو تنافس مف أي نوع‪.‬‬
‫ىو شيء يجعمنا أكثر حكمة ودوف أف يتعرض أحد لؤلذى‪ ،‬ىذا إذا لـ نقـ بتحريؼ ىذه الحكمة‪.‬‬
‫لذلؾ ال يوجد أحد في الحقيقة يقؼ في طريقنا ويكرىنا فقط ألننا نحاوؿ أف نكوف أفضؿ‪ .‬عمينا طبعاً‬
‫أف نكوف حذريف بخصوص الموضوع ألنو وجب اف ال نكشؼ ليـ عف نيتنا‪ ،‬ألنو إذا رحنا نخبر‬
‫الناس بأننا نحاوؿ أف نكوف أفضؿ فإما أف نتعرض لمسخرية أو نتعرض لممبلحقة واإلدانة‪ .‬لكف إذا‬
‫عبرنا عف أفضميتنا مف خبلؿ سموكنا فقط‪ ،‬فيذا سيكوف مفيدًا ليـ أيضاً فيسمحوف لذلؾ أف يمر‬
‫بسبلـ‪ .‬إذاً‪ ،‬ىناؾ القميؿ مف الخطر لؤلئؾ الذيف يعيشوف بطريقة أفضؿ‪ ،‬لكف ىناؾ خطر كبير‬
‫بالنسبة لمذيف يتحدثوف عف العيش بطريقة أفضؿ‪ .‬إذا قمنا بذلؾ بأنفسنا فيناؾ احتماؿ كبير أننا‬
‫سوؼ نتغمب عمى كامؿ مشاكمنا‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ننتقؿ اآلف إلى الخطوة األخيرة واألىـ مف تعاليـ "بوذا"‪ ،‬وىي الحقيقة النبيمة لمدرب التي تقود إلى‬
‫نياية المعاناة‪ .‬ىذا ىو السبب وراء بروز الػ"سانغا" كما تشير إليو الفمسفة البوذية‪ .‬معناىا "األخوية"‬
‫أو "جمعية األتقياء"‪ .‬ىي مجموعة مف األشخاص الذيف ىـ مصمموف بداخميـ عمى العيش بطريقة‬
‫أفضؿ‪ .‬لـ تنشئ البوذية أي شكؿ مف اليرمية التنظيمية الدينية كما األدياف األخرى‪ .‬ىي لـ تقؿ‬
‫لمفرد بأف عميو إطاعة أشخاص آخريف‪ ،‬أو أف ىناؾ منظومة ىيكمية ثابتة وجب عدـ االختبلؼ عنيا‬
‫أو معيا‪ .‬الػ"السانغا" البوذية ىي مجموعة أشخاص مصمموف عمى تعميـ أنفسيـ في حياتيـ وأفعاليـ‬
‫اليومية في موضوع القيمة‪ .‬ىـ مكرسوف لفعؿ األشياء الضرورية التي تجمب األماف لنفسيـ وتحسيف‬
‫التحوؿ التدريجي‬
‫ّ‬ ‫الحالة العامة لموجود البشري‪ .‬الحقيقة النبيمة لمدرب المؤدية إلى نياية المعاناة ىي‬
‫عبر اإلصبلح واالستتابة وضبط التركيبة العقمية والعاطفية لدى الفرد‪ .‬إذا لـ نعمؿ عمى تقويـ الفرد‬
‫وخير‪،‬‬
‫في حياتو الخاصة سوؼ لف نتمكف مف إنياء المعاناة‪ .‬ال احد يستطيع جعؿ اآلخر فاضؿ ّ‬
‫وخير بنفسو‪ ،‬ىذا إذا أراد ذلؾ‪ .‬يستطيع أف يقمع تدريجياً‬
‫لكف كؿ شخص يستطيع أف يكوف فاضؿ ّ‬
‫تمؾ النزوات والميوؿ والعادات الخطيرة والتي تساىـ في المعاناة‪ .‬يستطيع الفرد أف يفعؿ أنواع كثيرة‬
‫مف األشياء الصغيرة كؿ يوـ بيدؼ انتشاؿ نقطة تركيز الوعي لديو مف الغايات واألىداؼ الدنيوية‬
‫الخاطئة‪ .‬يمكنو أف يبدأ بالتفكر وفؽ نموذج االعتداؿ السقراطي مثبلً‪ .‬سوؼ يتعمـ تدريجياً بأف‬
‫الطريقة المعتدلة في العيش في ىذا العالـ تقمؿ مف المعاناة‪ .‬بينما عدـ االعتداؿ يزيد مف المعاناة‪.‬‬
‫الفرد الذي يعيش حياة بسيطة يقترؼ أخطاء أقؿ‪ .‬الفرد الذي يعقد حياتو بدوافع دنيوية يقترؼ الكثير‬
‫مف األخطاء‪.‬‬

‫بالتالي وفقاً لمفمسفة البوذية فإف البساطة ىي المفتاح لمحياة الجيدة‪ .‬البساطة ىي عدـ اىتماـ الفرد‬
‫بما يممؾ بؿ ب ما ىو عميو كإنساف‪ .‬إذا جاءت القيمة في المقاـ األوؿ فالقيمة ىي بداخمو‪ .‬ليس ىناؾ‬
‫ثراء كافي حوؿ العالـ لمنع البؤس‪ .‬ال أحد يمكنو امتبلؾ الكثير مف أي شيء مجرد مف الخطر‬
‫ومجرد مف المعاناة‪ .‬إذا كاف الفرد اليوـ يممؾ الكثير فيو معرض لبلحتياؿ والسرقة‪ .‬كؿ العالـ يحاوؿ‬
‫القوؿ لو شيء‪ ،‬يحاوؿ القوؿ بأف أىدافو ىي خاطئة‪ ،‬وىذه األىداؼ تساىـ في خمؽ الجريمة في‬
‫ا لمجتمع‪ .‬لذلؾ تحدث "بوذا" عف الطريقة البسيطة‪ .‬الدرب النبيمة التي تقود إلى كماؿ األشياء في‬
‫شرعة الحياة‪ .‬ىذه الدرب ىي االعتداؿ في كافة الشيوات‪ ،‬والتبسيط التدريجي لمطموحات وتحويميا‬
‫التدريجي إلى آماؿ‪ .‬الفرد الذي يحمـ أف يكوف أكثر مف ناحية القيمة بدالً مف االمتبلؾ أكثر‪ .‬أكثر‬
‫ما يمكف لمشخص امتبلكو في ىذا العالـ ىو نفسو‪ .‬باقي األشياء ىي وىمية‪ .‬وال يستطيع أخذ معو‬

‫‪181‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫سوى ما ىو عميو‪ .‬بينما ما يممكو سيبقى لآلخريف ليبددوه‪ .‬كمما كانت حياة الفرد بسيطة كمما كاف‬
‫ُيرجح أف يجري مع سنوات حياتو بيدوء ويحرر عقمو وقمبو لتتفضى لتمؾ األعماؿ المثمرة بالنسبة‬
‫لنموه‪ .‬كؿ النجاح في العالـ ليس ميماً كمساعدة وعوف بدرجة القدرة عمى أف تصنع صديقاً أو تكوف‬
‫صديقاً‪.‬‬

‫الصداقة ىي كنز أعظـ بكثير مما تودعو في مخازف المصرؼ‪ .‬لكننا ال ندرؾ ىذه الحقيقة‪ .‬الزلنا‬
‫منشغميف بالمشاكؿ المتعمقة بالبنوؾ والمنظومة بالكامؿ ألنو ىكذا تجري األمور‪ .‬لكف كيؼ يحصؿ‬
‫أننا بنينا منظومة عظيمة حوؿ أنحاء ىذا العالـ‪ ،‬تجمع بيف األمـ العظيمة واألمـ النامية‪ ،‬والتي‬
‫جميعيا تسعى إلى أف تكوف جزء مف وضع قاتؿ‪ ،‬بحيث ليس ىناؾ أي اعتبار لمقيمة‪ .‬كؿ شيء‬
‫أصبح ُيقاس بمفيوـ الربح المالي‪ ،‬وكؿ قطعة صغيرة مف المربح اليوـ تُقاس بمفيوـ الخسارة‪ .‬ليذا‬
‫السبب نحف ال نصؿ إلى الموقع المرغوب‪ .‬لقد أشار أحدىـ قبؿ ألفيف وخمس مائة سنة لماذا ال‬
‫نصؿ إلى الموقع المرغوب اآلف‪ ،‬وىذا أمر مثير فعبلً‪ .‬خصوصاً أف طريقتو ليس ليا عبلقة بالتبشير‬
‫الديني كما نعرفو‪ .‬إنيا ليست مسألة محاولة طمب الغفراف عمى خطايانا بؿ ىي مسألة محاولة النمو‬
‫فوقيا بمجيودنا الخاص‪ .‬ىذا يضع النمو بأغمبو في يد الشخص وليس أي قوة عميا أو جية أخرى‬
‫خارج الشخص‪ .‬لكف مكافئة النمو مف قبؿ الشخص ىي تكشؼ الكوامف الداخمية لذلؾ الشخص‪.‬‬
‫الفرد الذي يرغب في مواجية األبدية بأمؿ جيد عميو أف يبني حياة جيدة لمواجيتو بيا‪.‬‬

‫وفؽ مفاىيـ الدرب المؤدية إلى نياية المعاناة‪ ،‬يمكننا أف نحرر أنفسنا بيدوء عبر التأمؿ وعمؽ‬
‫التفكير‪ .‬الفمسفة البوذية ىي طريقة تأمؿ وعمؽ تفكير وال تعتمد عمى أوامر وفرائض وعقائد جازمة‪.‬‬
‫جميعنا نسمع الناس يقولوف لنا ماذا نفعؿ‪ ،‬وعادة ما نرفضيا‪ .‬نحف ممانعيف بطبيعتنا وكذلؾ نمجأ‬
‫إلى المبرر المألوؼ الذي نستخدمو دائماً وىو أنيـ يقولوف لنا ماذا نفعؿ لكنيـ ال يفعمونو بأنفسيـ‬
‫وبالتالي ىذا ال يعني شيء‪ .‬لكف ربما ىي تعني شيئاً‪ ،‬لكف لدينا طريقة مجدية لرفضيا‪ ،‬ألف‬
‫الشخص اآلخر ال يطبؽ فمسفتو بنفسو‪ .‬لكف في البوذية ال توجد ىذه الحالة إطبلقاً‪ ،‬ألنيـ ال‬
‫يستمدوف سمطة مف أشخاص آخريف‪ ،‬بؿ يستمدوف سمطة مف المصدر الراسخ والوحيد لمسمطة‪ ،‬وىي‬
‫الطبيعة ذاتيا‪ .‬أنت تتعمـ مف العيش وليس أف تتمقى التعميمات كيؼ تعيش‪ .‬عميؾ أف تتعمـ مف‬
‫عواقب طريقتؾ الخاصة في العيش‪ .‬أف تنمو مف خبلؿ مراقبة نتائج أفعالؾ وسموكؾ‪ .‬أنت تتكشؼ‬
‫ألنؾ أصبحت تدرؾ بأف ىذا األمر ضروري‪ ،‬وليس ألف أحد آخر قاؿ لؾ ذلؾ‪ .‬تكتشؼ أىمية‬

‫‪182‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫الشريعة الذىبية ألنؾ بعدما تخرقيا مرة بعد مرة تكوف قد عانيت مف ذلؾ‪ .‬إذاً‪ ،‬السمطة النيائية في‬
‫الكفاح ضد المعاناة ىي أف تقدر عواقب المعاناة عمى نفسؾ‪ .‬يمكنؾ طبعاً توسيع المشيد قميبلً‬
‫وتراقب األفعاؿ المشابية ألفعالؾ مف قبؿ أشخاص آخريف وترى كيؼ تجمب ليـ المعاناة أيضاً‪.‬‬
‫تتوصؿ تدريجياً إلى إد راؾ حقيقة أف ىناؾ قواعد وقوانيف وطريقة حياة تكوف مقبولة بالنسبة لمطبيعة‪،‬‬
‫والطبيعة لف تمنح أبداً السبلـ أو السعادة أو الصداقة حتى يتـ قبوؿ واتباع طرقيا الخاصة‪.‬‬

‫يعتبر ىذا اكتشاؼ ميـ جداً‪ .‬والجزء الميـ ىو النمط االختباري أو التجريبي الذي يتميز بو‪ .‬أي‬
‫نحف لسن ا مجبوريف عمى فعؿ شيء ألف أسيادنا أو مرشدينا أمروا بذلؾ‪ ،‬نحف غير مجبوريف عمى‬
‫فعؿ شيء ألف عقيدتنا تفرض ذلؾ‪ ،‬بؿ نفعمو ألننا ال نستطيع النجاة أو الخبلص بأي طريقة أخرى‪.‬‬
‫وبدأنا نصبح مرىقيف وسئميف مف عدـ النجاة‪ .‬نحف ال نتمقى ما وجب أف نتمقاه مف عالـ يستطيع‬
‫تزويد نا بكؿ ما نحتاجو‪ ،‬ىذا إذا لـ نقوـ كأفراد بخرؽ قوانيف الطبيعة وقوانيف الطمب والتمبية‪ .‬إذا كنا‬
‫نريد تحرير أنفسنا مف الكفاح الرىيب لما نسميو اليوـ الثقافة المادية الدنيوية‪ ،‬نحف نكسب ليس فقط‬
‫صحة أفضؿ ومنازؿ أفضؿ بؿ سوؼ يبقى المزيد مف الوقت اإلضافي لفعؿ شيء لو قيمة وجدوى‪.‬‬
‫سوؼ يكوف لدينا الوقت لمجموس وقراءة كتاب جيد‪ ،‬أو وقت لمذىاب ومساعدة صديؽ في مشكمة‪،‬‬
‫لدينا الوقت الكافي لفعؿ الكثير مف األشياء الرؤوفة والكريمة‪ .‬لكف ىذه األشياء الرؤوفة يتـ التضحية‬
‫بيا اآلف عمى مذبح المنفعة الفورية‪ .‬وىا نحف نسير وننجرؼ مع ىذه الحياة المنحرفة‪ ،‬حتى نصؿ‬
‫إلى النياية حيث قبؿ مغادرة ىذا العالـ بعدة ساعات نبدأ بالتأمؿ ما ىي الغاية مف ىذا كمو‪.‬‬

‫إنو ليس صائباً أف تأتي أجياؿ بعد أجياؿ مف الصغار إلى ىذا العالـ دوف وجود أي أمؿ أف يتمقوا‬
‫التعميمات السميمة والصحيحة والضرورية لمنحيـ حياة جيدة وسعيدة‪ .‬ىذا أمر عمينا جميعاً العمؿ‬
‫عميو إذا كنا نريد ليذا أف يحصؿ‪ .‬في مسار ىذه الحياة الجيدة والسعيدة يوجد قوانيف أيضاً‪ .‬ىناؾ‬
‫أشياء عمينا فعميا‪ .‬أحد القوانيف التي أشار إلييا "بوذا" ىي أنو مف أجؿ أف يكسب الفرد خير حياتو‪،‬‬
‫عميو أف يشارؾ تدريجياً في أعماؿ الطبيعة‪ .‬أي عميو أف يزيؿ األعشاب الضارة في حديقتو إذا أراد‬
‫أف يزرع الخضار مثبلً‪ .‬وكذلؾ عميو المساعدة في إزالة األعشاب الضارة مف الحياة عموماً إذا أراد‬
‫أف يتمتع بجماؿ ولطائؼ الوجود‪ .‬لديو مجتمع ليعتبره‪ ،‬وىو المجتمع الذي سمح لو أف ينيار‬
‫ويتشتت‪ .‬وجب أف يكوف لديو طريقة خاصة مع البيئة والجيراف والعائمة واألصدقاء بحيث يمكنو أف‬
‫يخمؽ تدريجياً قدر مف الجماؿ والتناغـ والبصيرة واألماف‪ .‬جميعنا إذاً بستانيوف في ىذا العالـ‪ .‬نحف‬

‫‪183‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫لسنا مالكيف ألي شيء‪ .‬وقد أشار "بوذا" إلى ىذه الحقيقة بوضوح في أقوالو‪ ،‬حيث نحف لسنا‬
‫مالكيف‪ ،‬ولـ نممؾ شيء أبداً سوى ما يشبو عقد أجار لما نحوزه اآلف‪ُ .‬يسمح لنا بحوزة األشياء لكف‬
‫ال نممكيا‪ .‬ومف ىنا يبرز "بوذا" مسألة الثروة‪ .‬ىو ليس مف أولئؾ الذيف يعتقدوف بأنو عمينا أف نوزع‬
‫كؿ ما لدينا عمى الفقراء‪ .‬قاؿ بأف ىذه الطريقة غير صائبة ألنيا ليست الطريقة التي تتبعيا الطبيعة‪.‬‬
‫الطبيعة ال توزع شيئاً بؿ تعطي الفرد الحؽ أف يكسب أي شيء يريده‪ .‬األىمية ال تكمف في الوفرة‬
‫والجود والسخاء‪.‬‬

‫خير‬
‫قاؿ "بوذا" تذكروا أف المشكمة ال تكمف في الماؿ‪ .‬الماؿ ليس سوى وسيط لمتبادؿ‪ .‬ىو ليس ّ‬
‫وكذلؾ ليس سيء‪ ،‬ىو بنفسو ليس ذي أىمية أكثر مف حصى عمى الشاطئ أو صدفة في قاع‬
‫المحيط‪ .‬المسألة ال تكمف في ما تممكو بؿ في ما تفعمو بما تممكو‪ .‬المسألة تكمف في نزعة االمتبلؾ‪.‬‬
‫إذا بدأت تفكر بالماؿ والثروة بصفتيا ممتمكات‪ ،‬أي ىي ممكؾ ويمكنؾ أف تفعؿ بيا ما تشاء‪ ،‬حينيا‬
‫يتحوؿ الماؿ إلى لعنة‪ .‬ويصبح الماؿ لعنة أكثر وأكثر عندما نمنحو سمطة عمى الحياة‪ ،‬وىو ال‬
‫يستحؽ ىذا أبداً‪ .‬قالوا عف "كريسوس" في الزمف القديـ بأنو الرجؿ األغنى في التاريخ‪ .‬وفي أحد‬
‫األياـ اصطحب فيمسوؼ إلى مخازف ثروتو المميئة بالذىب‪ .‬فقاؿ لو الفيمسوؼ‪ .." :‬يا كريسوس‪ ،‬كؿ‬
‫ىذا الذىب يمكف أف يُنتزع منؾ مف قبؿ رجؿ يحوز عمى كمية مف الحديد‪ ."..‬وىكذا حصؿ بالفعؿ‪.‬‬
‫إنيا دائماً حقيقة أف الثروة بذاتيا تمثؿ خطر كبير ألنيا تزيد الطمع والجشع وتساىـ في إقامة‬
‫النزعات في كؿ مكاف‪ .‬إذا كنا نحوز في أنفسنا عمى المفيوـ الذي تعممو الفمسفة البوذية‪ ،‬بأف الثروة‬
‫ىي بأفضؿ حاالتيا مجرد قرض أو استعارة بحيث نستخدميا لفترة وجيزة في ىذه الحياة‪ ،‬لكف في‬
‫عممية استخداميا وجب أف تكوف العدالة اعتبارنا األوؿ‪ ،‬العدالة مع الرحمة ومع المحبة ومع عمؽ‬
‫التفكير ومع التفيـ غير األناني‪ .‬إذا استخدمت بشكؿ سميـ‪ ،‬سوؼ تصبح الثروة شكؿ مف النمو‬
‫اإليجابي‪ ،‬ألنيا أثبتت أف الفرد قد حوؿ نفسو‪ .‬أما الثروة المكرسة لتقدـ المشاريع الفردية عمى حساب‬
‫الخير العاـ فيي خطيئة‪ ،‬وسوؼ تقود إلى تراكـ الجرائـ‪ .‬المسألة إذاً ال تكمف في ما نممكو بؿ في ما‬
‫نفعمو بما نممكو‪ ،‬وىذا يقرر إذا كنا سنحوز عمى السبلـ أو نصاب بالمعاناة‪ .‬في كؿ خطوة عمى‬
‫طوؿ الطريؽ يوجد استخداـ سميـ يجمب السبلـ‪ .‬في كؿ مجاؿ مف النشاطات يوجد سوء استخداـ‬
‫ينتيي إلى المعاناة‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫الفرد في ىذه األياـ ىو ذو طبيعة مادية‪ ،‬ميما حاوؿ استعراض أفكار دينية تجاوزية‪ .‬لذلؾ نراه‬
‫يشعر بأنو إذا غادر ىذا العالـ عند موتو لف يتأثر أحد بذلؾ‪ ،‬وىو لف يعد يعرؼ بأنو وجد أصبلً‪ .‬قد‬
‫يظف بأف ىذه النياية سوؼ تريحو نيائياً مف المعاناة في ىذه الدنيا‪ .‬رغـ كؿ ما أنجزه مف أعماؿ‬
‫واستخدامو الممكات العقمية التي حازىا‪ ،‬وكونو ممثبلً لشاىد حي عمى خمفية تطورية مذىمة أوصمتو‬
‫إلى حالتو الحالية‪ ،‬ومف ثـ يفترض بأنو بعد الموت قد اختفى تماماً مف الوجود‪ ،‬فيذه فكرة ال‬
‫يستطيع العقؿ الشرقي استيعابيا‪ .‬ىو بكؿ بساطة ال يستطيع تقبؿ فكرة أف كؿ ىذا النمو المتنوع‬
‫لمحياة المتطورة عمى الدواـ‪ ،‬ليس ىنا عمى الكوكب فحسب بؿ في الفضاء حيث النجوـ والشموس‬
‫والمجرات التي في طور التشكؿ‪ ،‬كؿ ىذا ال يعني شيء إذا سممنا بالفكرة السابقة والتي ليس ليا‬
‫غاية وال تستند عمى واقع‪.‬‬

‫كؿ شيء يبدأ فجأة ثـ ينتيي ويتبلشى عمى شكؿ غبار‪ ،‬ال يستطيع أي عقبلني تقبؿ ىذا إطبلقاً‪.‬‬
‫ليذا السبب‪ ،‬لطالما افترضت األنظمة الفمسفية في األمـ القديمة بأنو يوجد حياة أخرى‪ ،‬يوجد بقاء‬
‫بعد الموت‪ ،‬وىذا البقاء بعد الموت معرض لعقوبات معينة‪ .‬في بعض األدياف‪ ،‬تقوؿ التشريعات بأف‬
‫الذيف كانوا رذيميف أو سيئي السموؾ سوؼ ُيحرقوف في نار الجحيـ بعد مغادرتيـ ىذا العالـ‪ ،‬وذلؾ‬
‫لفترة غير محدودة‪ .‬ىذا المفيوـ قد فقد إىتماـ معظـ الناس ولـ يعد قابؿ لئلعتقاد‪ .‬وحتى في الزمف‬
‫القديـ حيث بدأ فيو ىذا االعتقاد‪ ،‬وضعوه كوصؼ رمزي وليس وصؼ لواقع حقيقي‪ .‬لـ ينوي‬
‫الحكماء اعتبار الجحيـ مكاف حقيقي‪ .‬ما ىي الحكمة أو الغاية وراء احتراؽ المخطئ إلى األبد في‬
‫نار الجحيـ؟ صحيح أف ىناؾ نوع مف العقاب في الحياة األخرى لكف ليس ىكذا يكوف‪ .‬حتى أف ىذا‬
‫العقاب اآلخر قد يكوف أكثر ألماً مف الجحيـ المذكور سابقاً‪ .‬العقاب الحقيقي يتمثؿ في مواجية الفرد‬
‫لعواقب أفعالو‪ ،‬وعميو أف يكوف مدركاً لمبؤس الذي سببو‪ ،‬وعميو أف يدرؾ أيضاً كيؼ أثبط نموه‬
‫الخاص‪ ،‬وكيؼ دمر نمط مف التجارب والخبرات والذي كاف قد جعمو شخص أفضؿ‪ ،‬لكف بدالً مف‬
‫ذلؾ خرج مف الحياة آسفاً عمى نفسو وبائساً أكثر مما دخؿ إلى الحياة في البداية‪.‬‬

‫إذاً‪ ،‬ما نظنو الجحيـ ىو في الحقيقة المواجية الحتمية لمذات‪ ،‬اإلستمرار الحتمي لعمؿ غير مكتمؿ‬
‫حتى يتـ إكمالو بالكامؿ‪ .‬أشار أفبلطوف بأنو ال يمكف أف يكوف ىناؾ جحيـ أسوأ مف ىنا (أي عالمنا‬
‫الحالي)‪ .‬ىنا في ىذا العالـ يكمف الجحيـ‪ .‬وجميعنا نستمر في العودة إلى ىنا بعد الموت حتى‬
‫نتحسف ونصبح أفضؿ‪ .‬لكنو ممكناً عبر االستقامة األخبلقية أف نحوؿ الجحيـ ذاتو‪ .‬ىذا العالـ يعتبر‬

‫‪185‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫سيء ألنو المكاف الوحيد الذي عمينا مواجية عواقب أفعالنا فيو‪ .‬لكف عندما يتغير سموكنا تتغير‬
‫العواقب المترتبة منو فيتغير ىذا العالـ بالكامؿ ويعود إلى ما قدر لو أف كوف منذ البداية‪ .‬لكف مف‬
‫أجؿ أف يكوف ىذا العالـ جميؿ وجب عمى الكائنات التي تعود إليو أف تحقؽ في نفسيا نوعية خاصة‬
‫مف االستقامة األخبلقية والتي تجعمو مستحيبلً عمى ىذه الكائنات أف تدمر أو تمنع النظاـ الطبيعي‬
‫لؤلشياء‪ .‬لدينا الحؽ أف نصنع ما نستحقو والعيش مع نتائج سموكنا‪.‬‬

‫مع إضافة فكرة التقمص تمنحنا البوذية مفيوـ عظيـ لمحياة‪ ،‬وىو مفيوـ لمحياة ال يتناقض بأي‬
‫طريقة مع عمـ الفمؾ الحديث‪ ،‬ألنيا تتعامؿ مع بعد ال يممسو عمـ الفمؾ أصبلً‪ .‬حتى أف عمـ الفمؾ‬
‫ينكر وجوده‪ .‬ىذه الطريقة تتعمؽ بعمـ الكوف النوعي وليس الكمي‪ .‬ىذه الطريقة تتعامؿ مع الكوف‬
‫بصفتو اختبار‪ ،‬الكوف بصفتو حكمة‪ ،‬بصفتو محبة وقوة وجماؿ‪ .‬وىذا كوف ال يستطيع العمـ الحديث‬
‫مبلمستو‪ .‬لكف يمكف لمعمـ أف يرتقي إلى ىذا المستوى إذا أراد ذلؾ‪ .‬ليس ىناؾ ما يمنع العالِـ مف أف‬
‫يكوف صوفي عظيـ أو قائد روحي عظيـ ألف كبلً مف المادي والروحي موجوداف في نفسو‪ .‬ىو يمثؿ‬
‫ذلؾ الذي أطمقو مف ذاتو في الوقت الحالي‪ ،‬أما ذلؾ الذي لـ يطمقو بعد قد يجعمو ليس فقط عالِـ بؿ‬
‫قديس إذا أراد ذلؾ‪.‬‬

‫أينما كاف في ىذا العالـ يوجد ىذا الكفاح المستمر لمحفاظ عمى القيـ‪ ،‬بحيث يمكننا بواسطتيا تجنب‬
‫شرور الظروؼ الدنيوية‪ .‬وفي ىذا السياؽ أيضاً‪ ،‬وبخصوص العقؿ‪ ،‬وكما تقوؿ نصوص‬
‫الػػ"بياغافاغيتا" العريقة والتي تسبؽ زمف "بوذا" بكثير‪ .." :‬العقؿ ىو قاتؿ الحقيقي‪ ."..‬العقؿ ىو‬
‫المسؤوؿ األكبر عف المشكمة‪ .‬لكف ىو ليس مسؤوؿ ألنو سيء أو شرير‪ ،‬حيث ليس ىناؾ شيء‬
‫شرير بخصوص العقؿ‪ ،‬لكف العقؿ الذي ُيساء إستخدامو قد يكوف الشيء األخطر في العالـ‪ .‬العقؿ‬
‫الذي ال يكوف ميذب ومصقوؿ بواسطة الحب والصداقة يكوف بكاممو مستبد وطاغية ويقود صاحبو‬
‫إلى الدمار بكافة الجوانب‪ .‬ليس ىناؾ ما يضيؼ إلى معاناة الفرد أكثر مف سوء استخداـ العقؿ‬
‫لديو‪ .‬مف أجؿ الشفاء مف ىذا السوء االستخداـ ال يعني أنو عمى الفرد أف يمتنع عف التفكير‪ ،‬بؿ‬
‫عميو التفكير وفؽ منيجية القيـ‪ ،‬عميو أف يفكر مع الكوف بدالً مف التفكير ضده‪ .‬عميو أف يفكر بتمؾ‬
‫األشياء الضرورية لمخير العاـ وليس باألشياء التي تساىـ في تدمير الخير العاـ‪ .‬قد يكوف العقؿ أداة‬
‫جميمة ومذىمة‪ ،‬لكنو قد يمثؿ أيضاً شيء رىيب‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫عرؼ "بوذا" سر تغير كؿ األشياء‪ .‬وبالتالي وجب أف نتعامؿ مع التغيير بسبلـ وتفيـ واحساف وعمؽ‬
‫نظر وسماحة ولطافة‪ .‬كما أنو عمـ بأف كؿ ضغينة يمكف تشبيييا لجرثومة نفسية‪ ،‬والتي تجمب‬
‫المرض لكؿ مف يحمميا بداخمو‪ .‬كؿ حكـ مسبؽ أو تعصب‪ ،‬كؿ نزعة أو توجو غير عقبلني‪ ،‬أو كؿ‬
‫ميؿ متطرؼ حتى لو كاف ذي صبغة دينية وجب فحصو بحذر‪ .‬متما بفقد الشخص توازنو الداخمي‬
‫ويعبر عف عاطفة أو توجو متطرؼ فسوؼ يكوف ىناؾ درجة كبيرة مف الضغط‪ .‬وما ىو الضغط؟‬
‫الضغط ىو مسبب لممعاناة‪ .‬أينما يوجد ضغط ىناؾ معاناة‪ .‬لقد زودت الطبيعة اإلنساف بمجموعة‬
‫مف األدوات لكي تحميو مف المعاناة‪ .‬لديو مصادر في نظاـ الغدد الصماء (التي تفرز اليرمونات)‬
‫والتي تمكنو مف خوض حالة مرىقة بيدوء وكرامة‪ .‬لكف إذا استمر ىذا اإلرىاؽ سنة بعد سنة دوف‬
‫أف يتحكـ الشخص بنفسو سوؼ تصاب مصادر الجسـ باإلنياؾ فتبدأ بالفشؿ في وظيفتيا وكؿ ذلؾ‬
‫بسبب سوء استخداـ النزوات والميوؿ‪ .‬يستطيع اإلنساف تدمير جسمو مف خبلؿ سوء استخدامو‬
‫بواسطة نزواتو وميولو وتوجياتو‪ .‬لذلؾ عمى الفرد أف يتعمـ كيؼ يخفض اإلرىاؽ لديو‪.‬‬

‫ىناؾ أمر مثير ربما ال أحد ينتبو إليو وىو أف األشخاص دائماً يصابوف باالستثارة الداخمية عندما‬
‫يكونوا عمى خطأ‪ .‬ىـ طبعاً ال ينتبيوف ليذا الضغط الداخمي المتشكؿ لدييـ‪ ،‬لكنيـ يتخذوف موقؼ‬
‫دفاعي دائماً‪ .‬لو كانوا عمى حؽ لما احتاجوا إلى ىذه الطبيعة الدفاعية‪ .‬تقوؿ الفمسفة البوذية بأنو لو‬
‫كنت عمى حؽ لما كاف ىناؾ داعي لمموقؼ الدفاعي‪ ،‬واذا كنت عمى خطأ فبل تستطيع الدفاع عف‬
‫نفسؾ‪ ،‬بالتالي عميؾ أف تبقى صامتاً وحاظ عمى تيذيبؾ‪ .‬اليدوء أمر مفيد‪ ،‬فيو يوفر الطاقة‪ .‬إذا‬
‫منع الفرد نفسو عف الكره والضغينة والحقد‪ ،‬إذا توقؼ عف لوـ ىذا ولوـ ذاؾ واستقر ليكوف ما عميو‬
‫أف يكوف‪ ،‬فسوؼ تتحسف صحتو وربما يوفر عمى نفسو الكثير مف المصاريؼ االستشفائية‪ .‬لو كاف‬
‫الناس سعداء ومشغوليف بأعماؿ خيرة ومنتجة لباقي حياتيـ لـ يبقى نوع العالـ كما ىو اآلف‪ .‬نحف‬
‫نستنزؼ ىذا العالـ حتى اليبلؾ ألننا نستنزؼ كؿ مصدر طبيعي فيو‪ .‬وعندما نحاوؿ تصحيح ىذه‬
‫الحالة سوؼ يكرىنا الجميع‪ ،‬ثـ يجتمعوف معاً لممحافظة عمى الفساد القائـ‪ .‬ال يمكف االستمرار بيذه‬
‫الطريقة‪ .‬الطريقة الوحيدة التي يمكننا مف خبلليا النجاح في مسعانا ىو االعتراؼ بوجود حكومة عميا‬
‫أو عالـ عموي وقوانيف عموية وجب إطاعتيا‪.‬‬

‫إف لئلنسانية قوانينيا الخاصة وحقوقيا الخاصة وغاياتيا الخاصة‪ ،‬وىذه جميعاً موروثة داخؿ كؿ‬
‫كائف بشري‪ .‬ىي موجودة في كؿ خمية مف الجسـ‪ ،‬وكذلؾ موجودة في مجموع الخبليا ككؿ والتي‬

‫‪187‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫نسمييا الشخصية‪ .‬كؿ ىذه االشياء تتحرؾ وفؽ قوانيف وأحكاـ‪ .‬ىذه القوانيف واألحكاـ مرصودة لغاية‬
‫واحدة فحسب وىي منع المعاناة‪ .‬إذا استمر اإلنساف بذاتو في خرؽ ىذه األحكاـ ويسبب المعاناة‬
‫فيذه األحكاـ سوؼ تستمر في العمؿ ألنيا تبدأ باإلشارة إلى القانوف والدرب المؤدية إلى نياية‬
‫المعاناة‪ .‬الفرد الذي يعاني مف اقتراؼ خطأ ال يمكنو الشفاء مف المعاناة سوى عبر تصحيح الخطأ‪.‬‬
‫إذا كنت مصاب بعمة جسدية سوؼ تذىب إلى الطبيب فيوصيؾ أف ال تفعؿ ىذا وال تفعؿ ذاؾ ومف‬
‫ثـ تشعر بحالة أفضؿ‪ .‬بينما في الطبيعة ليس ىناؾ مف يقوؿ لؾ كؿ ىذا‪ ،‬بؿ مف خبلؿ االختبار‬
‫والتجربة تقوـ باقتراؼ خطأ فيؤلمؾ ىذا العمؿ‪ ،‬تقترؼ خطأ في اختيار صديؽ مثبلً‪ ،‬وىذا الصديؽ‬
‫ليس صادقاً معؾ‪ ،‬فتسأؿ نفسؾ ما الذي دفعؾ إلى اختيار شخص غير كفؤ كصديؽ‪ ،‬وسوؼ تجد‬
‫بأنؾ اخترت ىذا الشخص ألنو يبدو مفيداً لمصالحؾ الخاصة بخصوص غاية معينة‪ .‬أي بمعنى‬
‫آخر‪ ،‬أنت صنعت الصديؽ لسبب لو عبلقة بمصمحتؾ الخاصة‪ ،‬وبالتالي تعرضت لمخداع‪ .‬لقد‬
‫خدعت نفسؾ مف خبلؿ السماح لدوافعؾ أف تعميؾ عف تكاممؾ األخبلقي‪.‬‬

‫كؿ ىذه األشياء تمثؿ جزء مف فمسفة الحياة البوذية‪ .‬تمثؿ جزء مف الطريقة التي تجمت فييا التعاليـ‬
‫البوذية‪ .‬وربما مقدر ليا في يوـ مف األياـ أف تصبح مقبولة في كؿ ثقافة نعرفيا حوؿ العالـ‪ .‬ىذه‬
‫الفمسفة ال تتآمر ضد شيء‪ .‬وىي أصبلً ال تمثؿ مذىب محدد وبالتالي ال حاجة لمنحيا اسـ‪ .‬ىي‬
‫ليست أفكار وردت في حمـ أحد األشخاص‪ .‬ىي بكؿ بساطة تمثؿ قدرة الفرد عمى فيـ طبيعتو‬
‫الخاصة‪ ،‬بحيث يكتشؼ كيؼ ىو يعمؿ مف خبلؿ مراقبة نفسو كيؼ يعمؿ‪ .‬عميو أف يخدـ كتمميذ‬
‫لمبادئو الخاصة لكي يتعمـ‪ .‬وعندما يرى بأنو لـ يحصؿ عمى النتائج التي ىي لصالحو عميو أف‬
‫يغير طريقو‪ .‬وسوؼ يكتشؼ دائماً تقريباً بأنو عنما يدرؾ بأف عميو تغيير طريقو سوؼ يتوضخ لديو‬
‫تمقائياً ما عميو فعمو‪.‬‬

‫الطبيعة ليست طاغية مستبدة‪ ،‬بؿ ىي قوة كريمة ومتسامحة جداً‪ .‬لكف لدييا مشروع عظيـ‪ .‬وىذا‬
‫المشروع ييدؼ إلى تكميؿ كؿ الخمؽ وتعيده مرة أخرى إلى حالة التناغـ واإلنسجاـ مع الخطة‬
‫البلنيائية واألبدية‪ .‬لذلؾ مف أجؿ تحقيؽ ىذه الغايات العظمى‪ ،‬عمى كؿ شيء عقبلني أف يسعى‬
‫إلى العمؿ عمى خبلصو بمثابرة واجتياد‪ .‬عمينا جميعاً أف نعيش وفقاً لؤلفكار السابقة‪ .‬عمينا العمؿ‬
‫باجتياد عمى خبلصنا‪ ،‬ليس بالضرورة مف أجؿ مجدنا الخاص‪ ،‬بؿ لكي نصبح جزء مف الخطة التي‬
‫تحتاجنا‪ .‬كؿ كائف بشري بعينو يمثؿ جزء مف الخطة‪ ،‬وىذه الخطة تنادي إلى تحقيؽ كماؿ الحياة‬

‫‪188‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫في كؿ شيء‪ ،‬اإلنجاز النيائي لتقويـ الشخصية في كؿ شيء حي‪ ،‬حتى الطيور والحشرات‬
‫والحيوانات ليا شخصيتيا الخاصة والتي وجب تقويميا‪ .‬اإلنساف لديو شخصيتو الخاصة‪ .‬ووفقاً‬
‫لمفمسفة البوذية‪ ،‬فإف الكوف مميء بالمجريات التطورية المتكشفة عمى الدواـ‪ .‬المبلييف والمبلييف مف‬
‫أشكاؿ الحياة تتكشؼ وتكمؿ نفسيا وفقاً لقوانيف الوجود‪ .‬إكتشاؼ ىذه القوانيف يمثؿ المجيود الرئيسي‬
‫لمحكماء‪ .‬وعيش ىذه القوانيف يمثؿ العبلقة البناءة األولى التي يمكننا اكتسابيا مع الغايات األبدية‪.‬‬
‫إذا قمنا بيذه األشياء وبشكؿ صحيح‪ ،‬سوؼ تكوف حياتنا أكثر لطؼ وىدوء‪ .‬كؿ ما عمينا فعمو ىو‬
‫أف نمغي تدريجياً تمؾ التصرفات لدينا والتي ىي معيقة بالنسبة لنا ولآلخرف‪ ،‬ومف خبلؿ فعؿ ذلؾ‬
‫سوؼ نتوصؿ في النياية إلى عبلقة أفضؿ وأكثر سعادة مع أنفسنا ومع أولئؾ المحيطيف بنا‪،‬‬
‫ويمكننا حينيا بناء حضارة ليا فرصة لمبقاء عبر العصور القادمة‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫اَتصاس انشٔح عهى انظشٔف انذٌٍَٕح‬

‫ىذا موضوع فائؽ األىمية ألنو يتعمؽ بمفيوـ لو انتشار واسع في التقاليد الدينية والصوفية حوؿ‬
‫العالـ وىو يتعمؽ بمسألة النفس والروح‪ .‬في اإلنجيؿ المقدس ىناؾ إفادة تقوؿ‪ .." :‬النفس التي‬
‫تخطئ ىي تموت‪[ "..‬سفر حزقياؿ]‪ ،‬وىناؾ إفادة أخرى في مكاف آخر تقوؿ‪ .." :‬والروح ترجع إلى اهلل‬
‫الذي أعطاىا‪[ "..‬الجامعة]‪ .‬ومشكمة االختبلؼ بيف ىذيف المصطمحيف وتعريفيما مثؿ إرباؾ كبير‬
‫لبلىوتييف لفترة طويمة مف الزمف‪ .‬مع العمـ أف الكممتيف اإلنكميزيتيف المرادفتيف ليما ىما‪( :‬الروح‬
‫‪ )Spirit‬و(النفس ‪ .)Soul‬لكف يبدو أف ىناؾ خطأ في فيـ ىذيف المصطمحيف وخطأ آخر في‬
‫ترجمتيما‪ .‬ربما الصورة التالية توضح موقع كؿ منيما في كينونة اإلنساف‪.‬‬

‫تتفاوت درجة تشكؿ "النفحة" في القسـ الدنيوي بيف شخص وآخر‪ ،‬وذلؾ حسب مساحة البيئة‬
‫المناسبة لتشكميا ونموىا في كيانو‪.‬‬

‫مف خبلؿ النظر إلى الشكؿ السابؽ‪ ،‬سوؼ يبدو لنا أنو يوجد عنصر ثالث في المسألة ىو النفحة‬
‫اإلليية‪ .‬أي ىي التي عمييا أف تأخذ مكاف النفس في النص المقدس‪ .‬أي الترجمة العربية الصحيحة‬

‫‪193‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫لكممة ‪ Soul‬ىي "النفحة" وليس "النفس"‪ .‬وفقاً لموقع "النفس" في الشكؿ السابؽ‪ ،‬ىي ما ُيفترض اف‬
‫ُيشار إلييا باإلنكميزية بكممة ‪ .Self‬أصبح لدينا إذاً ثبلثة عناصر وليس اثنيف‪ .‬وليذا الفصؿ الجديد‬
‫بيف المصطمحات أىمية كبرى سوؼ نتعرؼ عمى أىميتيا مف خبلؿ الصفحات التالية‪.‬‬

‫في الحقيقة‪ ،‬وفقاً لمعتقدات القدماء والذيف سبقوا الديانات السماوية بفترة طويمة‪ ،‬وحتى عند بعض‬
‫المجموعات المسيحية في بدايات ظيورىا‪ ،‬كانت "النفحة" ‪ Soul‬تعتبر ثوب أو رداء‪ ،‬وتتعمؽ بمفيوـ‬
‫ثوب الزواج الذىبي‪ ،‬وىو الثوب أو العباءة التي يتـ ارتدائيا في حفؿ الزواج مع الحمؿ الوديع‪.‬‬
‫ووفؽ المفيوـ العصري‪ ،‬يمكننا اعتبار ىذا الثوب بأنو المجاؿ البايومغناطيسي لمجسـ‪ ،‬أو األو ار‬
‫‪ .Aura‬بمعنى آخر‪ ،‬إف ثوب الزواج الذىبي أو "النفحة" ىو تركيبة تظير ضمف المجاؿ‬
‫البايومغناطيسي لؤلو ار البشرية‪ .‬وبمعنى آخر أيضاً‪ ،‬مع تزايد أعماؿ الخير والرغبة في النمو‪ ،‬يقوـ‬
‫الفرد بتغييرات وتحسينات في منيج حياتو‪ ،‬وبالتالي تحصؿ تغييرات في المجاؿ البايومغناطيسي‬
‫لديو‪ .‬يحصؿ تدريجياً نوع مف التحوؿ في نفسية اإلنساف وكيانو‪ ،‬ويظير ضمف المجاؿ‬
‫البايومغناطيسي المحيط بو خواص ضوئية تمثؿ النزعة الخيرية لمقمب والعقؿ‪ .‬ىذا الخير المضيء‬
‫يزداد مع تزايد الصبلح في داخمنا‪ .‬وفي النياية يتحوؿ المجاؿ البايومغناطيسي بالكامؿ إلى ما يشبو‬
‫الثوب المضيء‪ ..‬يشع بالنور‪ .‬وعندما يصؿ األمر إلى ىذه الدرجة ُيسمى ىذا المجاؿ أو ىذه األو ار‬
‫باسـ "ثوب الزواج الذىبي"‪.‬‬

‫ىذا ىو ثوب الصبلح الذي تحدث عنو القدماء‪ .‬الثوب الذي يتـ استحقاقو عبر األعماؿ المنجزة في‬
‫الحياة‪ .‬ىذا الثوب يصبح جزء مف الحصانة والحماية العظيمة التي تُمنح لمشخص‪ ،‬والتي تحميو أوالً‬
‫مف نفسو خبلؿ نموه في مجاؿ التفيـ وعمؽ التفكير‪ .‬بالتالي فإف قصة ثوب الزواج الذىبي أو‬
‫"النفحة" ىي ذاتيا قصة التغييرات المرئية والممموسة في تكويف المجاؿ البايومغناطيسي لجسـ‬
‫اإلنساف والذي يعممنا عف تكشؼ ونمو المخموؽ الذي يممؾ ىذا الجسـ‪ .‬ىذه األو ار أو ىذا المجاؿ‬
‫البايومغناطيسي يتجمى أيضاً بدرجة معينة في العالـ المرئي‪ .‬وأعماؿ ثوب الزواج الذىبي ىي أعماؿ‬
‫الصبلح والتقوى واالستقامة‪ .‬مع ازدياد االستقامة والتكامؿ الروحي لدى الفرد‪ ،‬تصبح ىذه االستقامة‬
‫والتكامؿ جزءاً مف الوعي المركزي لديو‪ ،‬ىي ليست أمزجة ترتفع وتنخفض بالتناوب‪ .‬إذا كاف النمو‬
‫أصيؿ وحقيقي فسوؼ تنمو ىذه األمزجة والميوؿ وتستمر في النمو حتى تتحوؿ الحياة الداخمية لمفرد‬

‫‪191‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫وتتبدؿ كمياً‪ .‬وبيذا المعنى أيضاً‪ ،‬تتحوؿ "النفحة" إلى حجر الفيمسوؼ الذي ىو السر الخيميائي‬
‫الغامض المتمثؿ بتحويؿ المعادف الرخيصة إلى ذىب الحكمة‪.‬‬

‫مقارنة بيف أو ار عادية وأخرى شديدة القوة واإلشعاع‬

‫بالتالي عندما نتحدث عف انتصار الروح عمى الظروؼ الدنيوية‪ ،‬نعني بذلؾ نمو النور الداخمي فوؽ‬
‫مشاكؿ وضغوط العيش الخارجي‪ .‬نكتشؼ تدريجياً بأف القوة عمى الفعؿ الصحيح تتشكؿ داخؿ‬
‫أنفسنا‪ .‬نحف ال ُنخمص مف قبؿ قوة خارجية أو تغيير تشريعي معيف‪ ،‬بؿ ننمو مف الداخؿ‪ ،‬ومع‬
‫نمونا بشكؿ أقوى مف الداخؿ نجد أف المشاكؿ والصعوبات تصبح قميمة في الخارج‪ .‬بالتالي يمكف‬
‫اعتبار ثوب الزواج الذىبي بأنو إكسير الحياة الغامض‪ ،‬والذي نقطة واحدة منو يمكنيا تحويؿ ما‬
‫يعادؿ عشرة آالؼ ضعؼ مف وزنو‪ .‬ىذه المصطمحات الرمزية المستخدمة في األدبيات الخيميائية‬
‫والصوفية بيدؼ حراسة السر مف الدنيوييف المدنسيف ىي بطريقة ما صحيحة‪ ،‬ألنيا تمثؿ االزدياد‬
‫اليائؿ لمقوة الداخمية نتيجة التحوالت الحاصمة في العناصر الوضيعة لمحياة وفؽ الطريقة الخيميائية‪.‬‬

‫بالتالي عمينا أف ندرؾ حقيقة أنو وفؽ الشروط الطبيعية نحف ترابييف نتبع األرض‪ .‬نحف لسنا سيئيف‬
‫ولسنا أشرار‪ ،‬بؿ نحف كما كافة الكائنات األخرى‪ ،‬نحف مصنوعوف مف مواد دنيوية معينة‪ ،‬وىذه‬

‫‪192‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫المواد الدنيوي تطغي عمينا تدريجياً فتحكمنا بالكامؿ‪ ،‬فنتفاعؿ مع ىذه الضغوط والتأثيرات الدنيوية‬
‫كما تفعؿ الحيوانات أو أي مف كائنات الممالؾ األخرى في الطبيعة‪ .‬لكف خبلؿ حضور ىذه‬
‫الضغوط والتأثيرات في الكائف البشري‪ ،‬فيي تتوازف مع قوة ىائمة أخرى موجودة داخؿ الكائف البشري‬
‫والتي ىي غير حاضرة في الممالؾ األخرى في الطبيعة‪ .‬في كائنات الممالؾ األخرى تكوف ىذه القوة‬
‫الباطنية محصورة ضمف نطاؽ عقوؿ جماعية أو أرواح جماعية أو قوى باطنية تحمي مجريات‬
‫الحياة عموماً وليس بشكؿ فردي‪ ،‬بينما عند الكائنات البشرية تصبح ىذه الحماية فردية‪ .‬ىذه إحدى‬
‫الطرؽ التي نميز مف خبلليا اإلنسانية عف باقي ممالؾ الطبيعة‪ .‬لدى اإلنسانية قوة الخبلص مف‬
‫داخؿ نفسيا‪ .‬كؿ فرد لدي و قوة الخبلص مف داخؿ نفسو‪ .‬عميو أف يطور ىذه القوة وينشطيا ويسمح‬
‫ليا أف تتجمى خارجاً في حياتو اليومية‪ .‬وعندما يفعؿ ذلؾ يكوف قد أنجز عممية تحويؿ المواد‬
‫الوضيعة لكيانو كما توصفيا األدبيات الخيميائية التي تتحدث عف تحويؿ المعادف الرخيصة إلى‬
‫ذىب‪ .‬المواد الوضيعة في ىذه الحالة ال تعني المواد الشريرة‪ ،‬بؿ ىي تعني ببساطة المادة أو المادية‬
‫وىذا يعني التراب‪ ،‬وىذا يجعميا تعني المواد الطبيعية لمعالـ الطبيعي‪ .‬لكف الفرد عمى حقيقتو ليس‬
‫مف ىذا العالـ الترابي‪ .‬األمر يشبو حالة النبتة التي تكوف جذورىا في التراب أي في األشياء المادية‪،‬‬
‫وكما يقوؿ لنا الفيمسوؼ أفموطيف‪ .." :‬بينما تكوف جذور اإلنساف في التراب نجد أف الزىرة والبذور‬
‫في السماء‪."..‬‬

‫"النفحة" إذاً تشمؿ األشياء الخيرة والفاضمة التي قمنا بيا‪ .‬ىي تمثؿ مجموع االنتصارات الصغيرة في‬
‫الحياة والتي إف جمعت معاً تصبح تمثؿ أساس الخبلص‪ .‬أي بمعنى آخر‪ ،‬عمى الفرد أف يخمص‬
‫نفسو‪ .‬ال يمكنو الخبلص بمساعدة أي قوة خارجية‪ ،‬وال يمكف تدميره مف قبؿ أي قوة خارجية‪ .‬عميو‬
‫أف ينمو وفقاً لحياتو الداخمية الخاصة بو‪ ،‬بما تحويو مف قوى وممكات منحت لو عندما تجمى‬
‫كمخموؽ في ىذا العالـ العظيـ‪ .‬ىذا يعني بالتالي أف كؿ فرد يسعى إلى بناء ثوبو الخاص‪ ،‬ينمي‬
‫"نفحتو" الخاصة مف خبلؿ طريقة حياتو الخاصة وطبيعتو الخاصة وطريقتو الخاصة في خوض‬
‫واختبار الظروؼ والحاالت التي يواجييا كؿ يوـ‪.‬‬

‫الحياة ىي سمسمة مف االنتصارات الصغيرة عمى الشكوؾ وعمى عدـ اليقيف وعمى اإلغراءات‪،...‬‬
‫ومشعة‬
‫ّ‬ ‫مشع في كينونة "النفحة" وتدريجياً تصبح النفحة مضيئة‬
‫أينما يحصؿ انتصار يتشكؿ وميض ّ‬
‫بالكامؿ‪ .‬ىذه "النفحة" إذاً تنمو تدريجياً مف خبلؿ البناء التدريجي ليا‪ .‬ومف ىذا البناء التدريجي‬

‫‪193‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫لكينونة "النفحة" تأتي ضمانات الحياة وأمانيا‪ .‬مف البناء التدريجي لكينونة "النفحة" تأتي القدرة عمى‬
‫التحسف بشكؿ أسرع وصنع نمو متزايد باستمرار‪ .‬إف خمود اإلنساف ينمو داخمو ضمف مادة غامضة‪.‬‬
‫جسمو الفاني مرتبط بالتراب أو العالـ الدنيوي‪ ،‬بينما روحو الخالدة مرتبطة بالسماء أو العالـ العموي‪.‬‬
‫وبيف ىذيف الكيانيف تكمف "النفحة"‪ ،‬الجسر‪ ،‬اإلكسير الغامض لمتحوؿ الذي نختبره في حياتنا‬
‫اليومية‪.‬‬

‫عمينا بالتالي التذكر بأنو حتى األشياء الصغيرة المفعولة جيداً ىي ميمة‪ .‬إنو أمر ميـ أف ال نتمفظ‬
‫بالكبلـ المسيء أو البذيء‪ .‬إنو أمر ميـ أف يقوـ الفرد بمبادرة خيرة‪ ،‬والتي قد تمثؿ إحباط لو لكنو‬
‫مؤقت‪ .‬إنو أمر ميـ أف يتمقى الفرد البصيرة لكي يدرؾ بأف كؿ انتصار صغير مضافاً إلى‬
‫االنتصارات الصغيرة األخرى يشكؿ االنتصار العظيـ الذي نسميو الخبلص‪ .‬بالتالي الخبلص ىو‬
‫ليس سوى انتصار الواقع عمى الوىـ‪ ،‬ىو انتصار الحقيقة عمى الخطيئة‪ ،‬ىو انتصار التفاني عمى‬
‫األنانية‪ ..،‬ىو يمثؿ في كؿ حالة انتصار اإليجابي الذي ساىـ في الخير العاـ عمى السمبي‪ .‬بالتالي‬
‫نعتبر "النفحة" اآلف بأنيا ثوب غامض مضيء‪ ،‬ومف خبلؿ العودة إلى الكتابات القديمة والصور‬
‫القديمة عمى جدراف المعابد وفي مخطوطات الزمف القديـ‪ ،‬نعرؼ بأف ىذه الصور التي تستعرض‬
‫عباءات المموكية‪ ،‬األثواب الرائعة لقديسي الشرؽ األوسط وحكماء اليند‪ ،‬كميا صور ترمز لثوب‬
‫"النفحة" الغامضة والرائعة‪.‬‬

‫وفقاً لمصوفيف القدامى‪ ،‬فإف الفرد ال يستطيع دخوؿ الجنة بجسده المادي‪ ،‬وبالتالي عميو ترؾ كؿ ما‬
‫ىو مادي والتقدـ إلى األماـ بثوب المجد والجبللة‪ ،‬وىذا الثوب ىو عبائة بيضاء نقية‪ ،‬عبائة البراءة‪،‬‬
‫عباءة النقاء‪ ،‬عباءة المجيود المبذوؿ لبلمتناع عف الخطيئة وتنقية الحياة والعيش باستمرار في نور‬
‫الواقع الحقيقي‪ .‬بعد فترة مف تشكمو‪ُ ،‬يمنح ىذا الثوب المزيد مف التطور‪ ،‬وقد تـ وصؼ ىذا الثوب‬
‫في اإلنجيؿ خبلؿ الحديث عف وصؼ عباءات الكينة والكينة الكبار لمعبد سميماف الممؾ‪ ،‬ونجد‬
‫أوصاؼ مشابية في مصر القديمة وكذلؾ في اليند والصيف القديمتيف‪ ،‬كميا توصؼ عباءات‬
‫غامضة مجيدة مزركشة برموز تمثؿ تعابير مادية لطاقات باطنية تنبعث مف اإلنساف الصالح الذي‬
‫أنجز تحرره مف قيود العالـ الدنيوي‪ .‬اإلنساف المتحرر ىو ليس ذاؾ الذي تـ تخميصو مف قبؿ شيء‬
‫خارجي‪ .‬اإلنساف المتحرر ىو مف نما فوؽ المحدوديات التي فُرضت عمى حياتو‪ .‬جميعنا نعرؼ‬
‫أنفسنا بطريقة أو بأخرى‪ ،‬نظف أنفسنا كما نعرؼ أنفسنا‪ .‬ننظر إلى المرآة ونقوؿ ىذا أنا‪ .‬لكف ىذا‬

‫‪194‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫غير صحيح‪ .‬ما نراه ىو مجرد ضبلؿ‪ .‬وألف العيوف ال ترى سوى ضبلؿ فيذا ىو المخموؽ الذي نراه‬
‫في المرآة‪ .‬يستطيع الصوفي أو المستبصر ضمف شروط معينة أف يرى أكثر مف ذلؾ‪ .‬لكف بالنسبة‬
‫لئلنساف العادي فإف الشكؿ المرئي الذي يراه ىو األنا الحقيقية‪ .‬ىذه ىي األنا ذاتيا التي تممي عمينا‬
‫شيواتنا ونزعاتنا‪ ،‬وتستقطب انتباىنا‪ ،‬وتطالبنا أف نحقؽ طموحاتيا‪ ،‬إنيا ىذه الظؿ التي ليا شيوات‬
‫يمكف أف ينتيي إرضاءىا بأمراضنا الجسدية‪ ،‬ىذه ىي الظ ّؿ التي تخرب البيوت‪ ،‬ىذه ىي الظ ّؿ التي‬
‫الظؿ أيضاً التي تبقي عمى بعد المسافة بيف الفرد والسعادة الحقيقية التي‬
‫ّ‬ ‫تخرؽ القوانيف‪ ،‬ىذه ىي‬
‫نسعى جميعاً إلييا‪.‬‬

‫بالتالي في ىذا الظ ّؿ تكمف قوة الظبلـ‪ .‬وىذه القوة ليس لدييا أي واقعية مف أي نوع‪ .‬ىي تعتمد عمى‬
‫وقع أننا ال نممؾ العيوف لنرى‪ ،‬وىذا يذكرنا بالمقوؿ الشييرة‪ .." :‬الذيف لدييـ عيوف فمينظروا‪ ."..‬كؿ‬
‫ىذه األشياء التي نتكمـ عنيا اآلف ىي مرئية وواضحة بالنسبة لعيوف الروح أو "النفحة"‪ ،‬لكنيا غير‬
‫مرئية بالنسبة لعيوف العقؿ‪ .‬وعيوف الروح تتشكؿ نتيجة تطوير ممكات نائمة فتستيقض مع االجتياد‬
‫في تطويرىا مف خبلؿ تكشؼ التكامؿ األخبلقي في حياة الشخصية‪ .‬المجاؿ البايومغناطيسي لمفرد‬
‫يبدأ بشكؿ أساسي كمعزز لمبنية الجسدية‪ ،‬حيث ىو شيء ينعش الجسـ ويحافظ عميو ويحميو‪ .‬لكف‬
‫تدريجياً مع مرور الوقت‪ ،‬بعد تجسيد أو تجسيديف‪ ،‬يبدأ ىذا المجاؿ البايومغناطيسي بتسجيؿ‬
‫الخاصيات األخبلقية في الحياة‪ ،‬فيبدأ تدريجياً باستعراض األلواف المتعمقة بالخير والشر‪ ،‬يبدأ بتمثيؿ‬
‫القسـ الخفي فينا ويروي القصة الحزينة المتعمقة بنا‪ .‬قصة الفرد الذي بقي وسط حكمة عظيمة غير‬
‫ممموس مف قبؿ الحقيقة التي ىو بحاجة ماسة ليا‪ .‬وفي يومنا الحاضر‪ ،‬مع ضغوط وارباكات كؿ‬
‫ساعة‪ ،‬مف الواضح أنو وجب حصوؿ انتصار لمروح عمى الجسد‪ ،‬وجب حصوؿ انتصار لمسبب‬
‫عمى النتيجة‪ ،‬وجب حصوؿ انتصار لمواقع عمى األوىاـ‪ .‬نحف نعيش غالباً في عالـ مف األوىاـ‪.‬‬
‫وكما ىناؾ وجود مادي لنا اآلف‪ ،‬كؿ العناصر التي نتألؼ منيا وكؿ العادات التي لدينا والمؤسسات‬
‫التي لدينا والترفيو الذي نختاره واألفكار التي نحوزىا بخصوص التعميـ‪ ،..‬كؿ ىذه تمثؿ جزء لما‬
‫يمكف أف نسميو إلتباس الجيؿ‪ ،‬وىي جميعاً تمثؿ جزء مف الجانب السمبي لممجاؿ البايومغناطيسي‬
‫لمفرد‪ .‬بينما نعيش في المجاؿ السمبي فنحف نتفاعؿ مع العوامؿ السمبية‪ .‬ورويداً رويدأً تقوـ ىذه‬
‫العوامؿ السمبية بتدميرنا‪ ،‬أو عمى األقؿ تفقر القيـ الروحية بداخمنا‪ ،‬إلى أف تصبح في النياية ألواف‬
‫األشكاؿ المضيئة لممجاؿ البايومغناطيسي بداخمنا ضبابية وقاتمة وكئيبة‪ .‬المجاؿ البايومغناطيسي‬
‫لمدمف المخدرات مثبلً ىو شيء يدعو لمكآبة‪ .‬المجاؿ البايومغناطيسي لمفرد الذي ليس لديو أي‬

‫‪195‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫استقامة أو تكامؿ أخبلقي وال قيـ والذي يعيش في الجيؿ ىو مجاؿ سيء جداً‪ .‬باإلضافة إلى ذلؾ‪،‬‬
‫مع كوف ىذا المجاؿ البيومغناطيسي سمبي فيذا يجعمو يديـ نفسو مف ضمف نفسو‪ ،‬ورويداً رويداً الفرد‬
‫الذي أصبح تدريجياً أكثر فساداً وش اًر‪ ،‬نجد أف ىذه السمة تتزايد تمقائياً‪ ،‬إلى أف يصؿ أخي اًر إلى نقطة‬
‫بحيث عميو التغيير أو يفقد كامؿ قيـ التجميات السابقة التي خاضيا قبؿ ىذه الحياة‪.‬‬

‫يأتي وقت في ىذه الحالة الغريبة بحيث وجب حصوؿ تحوؿ كامؿ مف السمبي إلى اإليجابي‪ .‬وجب‬
‫أف يحصؿ حركة مف جانب الفرد بنية ضبط حياتو الداخمية ووضعيا في نظاـ‪ .‬عميو أف يدرؾ بأنو‬
‫ما مف طريقة لميروب مف عواقب أفعالو‪ .‬يمكنو اليروب مف إرىاب المستبديف والطغاة وكذلؾ يمكنو‬
‫اليروب مف إرىاب العواصؼ والكوارث المختمفة‪ ،‬لكنو ال يستطيع اليروب مف إرىاب عواقب سموكو‬
‫الخاطئ‪ .‬لذلؾ يجد الفرد رويداً رويداً ظيور ألـ مف داخؿ نفسو‪ .‬المجاؿ البايومغناطيسي يصاب‬
‫بأزمة‪ ،‬ووسط أزمتو يفشؿ في دعـ الشخصية‪ ،‬وال حتى ىو قادر عمى االىتماـ بالمشاكؿ الصحية‪.‬‬
‫والمجاالت األثيرية المختمفة لـ تعد تحمي الفرد بأي طريقة ضد اإلصابات المتنوعة‪ .‬لقد تـ استنزاؼ‬
‫القوة اإليجابية بالكامؿ‪ .‬كؿ الطاقات المختمفة قد أسيء إستخداميا وتـ ىدرىا حتى لـ يبقى شيء‪.‬‬
‫في ىكذا ظروؼ سيئة دائماً تأتي فترات في حياة الفرد حيث عميو التغير لكي يحافظ عمى بقائو‪.‬‬
‫وغالباً م ا ال يتـ تحقيؽ ىذا التغيير حتى مشيد فراش الموت‪ .‬حينيا‪ ،‬قبؿ نياية كؿ شيء‪ ،‬يفطف‬
‫الفرد فجأة فداحة األخطاء التي اقترفيا‪ .‬وايمانو ليس كبي اًر بما يكفي ليكشؼ لو عف حقيقة أنو ميما‬
‫فعمو فإف الخبلص أمر حتمي‪ .‬عميو أف يستمر في السير إلى األماـ‪ ،‬عبر الحيوات المتتالية‪ ،‬حتى‬
‫ينمو إلى ما وجوب أف يكوف‪ .‬ومع اختفاءه مف ىذه الحياة وبحالة محزنة جداً‪ ،‬سوؼ يبقى االنتصار‬
‫النيائي أمر حتمي‪ .‬حيث كؿ شيء تـ خمقو مف قبؿ العقؿ اإلليي واليد اإلليية عميو أف يمر بسبلـ‪،‬‬
‫عميو أف يحقؽ غايتو النيائية وينجز ذلؾ الذي ىو مرصود‪ .‬وىكذا نجد بأف الفرد في حالتو الجسدية‬
‫اختار بنفسو تدريجياً نتائج تضميمو وانخداعو‪ .‬لـ يعد يممؾ صحة جيدة وال لديو راحة باؿ‪ ،‬لديو‬
‫مخاوؼ وكوابيس‪ ،‬وينمي أنواع مختمفة مف العادات في مجيود منو ليمتمس نوع مف المساعدة أو‬
‫القوة‪ ،‬لكف ىذا النوع مف القوة التي يجدىا تجذبو نحو المخدرات والكحوؿ وبالتالي لف توصمو إلى أي‬
‫مكاف‪ .‬كؿ شيء يسوء رويداً ويداً‪ ،‬حتى يصبح الفرد في النياية مجرداً مف كؿ طاقاتو وقواه نتيجة‬
‫سوء استخداميا‪ ،‬نجده يتوصؿ في النياية إلى مواجية نفسو وىذا ما عميو فعمو‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫لدينا أيضاً تشبيو آخر لنذكره‪ .‬العالـ كما نعرفو ىو أيضاً كائف قائـ بذاتو‪ .‬الكوكب الذي نعيش فيو‬
‫ىو شخص‪ .‬ليس شخص كما نعرفو بؿ شخص بصفتو تكامؿ مف صفات الوعي المتنوعة والقادرة‬
‫عمى المحافظة عمى غاياتيا الجوىرية المتمثؿ بدعـ الحياة في الفضاء‪ .‬ىذا الكوكب ىو معرض‬
‫أيضاً إلى نتائج إرباؾ القوة وسوء استخداميا والتي نراىا حولنا كؿ يوـ‪ .‬حتى الكوكب لديو ثوبو‬
‫الذىبي الخاص‪ ،‬ويحوز أيضأ عمى مجالو البايومغناطيسي وعباءة الصبلح والتقوى‪ .‬لكف ىذه جميعاً‬
‫ايضاً تعرضت لمضرر كما حصؿ ضرر عند اإلنساف‪ ،‬وذلؾ بسبب الفشؿ في مكمبلت الحياة‪ .‬لكف‬
‫في حالة الكوكب فاألمر مختمؼ قميبلً‪ .‬الكوكب لو عبلقة أخرى وىي تجعمو مضيفاً أو يمكننا القوؿ‬
‫المرشد أو الوالد ألشكاؿ الحياة المختمفة التي تنمو وتتكشؼ داخؿ الكوكب‪ .‬الكوكب إذاً ىو في‬
‫الحقيقة مكاف لمنمو والعيش والتطور والتقدـ‪ .‬لكف تمؾ األشياء التي وضعت في الكوكب لتنمو‬
‫وتعيش وتتقدـ‪ ،‬إذا ساءت حالتيا عبر انحراؼ توجييا‪ ،‬عندما يتـ تحريؼ وسوء استخداـ كافة‬
‫الفرص التي منحتيا الطبيعة فيذا يجعؿ الكوكب يصاب بالمرض‪ .‬يصبح عاجز عف تحقيؽ مصيره‪،‬‬
‫بحيث يعجز عف صنع األشياء التي عميو صنعيا لنا ألننا استنزفنا كامؿ مصادره الطبيعية وذلؾ‬
‫عبر سوء االستخداـ‪ .‬لقد استنزفنا قوتو وجمالو وحكمتو ومحبتو وكؿ ىذه األشياء‪ ،‬حتى لـ يبقى‬
‫شيء‪ ،‬ويبقى لدينا أجساـ خاوية وعقوؿ فارغة‪ .‬وفي ىذه المحظات مف الق اررات الحاسمة تتدخؿ‬
‫قوانيف الحياة‪ ،‬ويقوؿ القانوف‪ :‬ال يمكف الفشؿ‪ ..‬قد يكوف ىناؾ تأخيرات وقد يكوف ىناؾ أخطاء‪ ،‬لكف‬
‫عمى المدى الطويؿ وجب لؤلشياء أف تمر بسبلـ‪ .‬ذلؾ الذي ُخمؽ مف قبؿ القوة اإلليية سوؼ لف‬
‫يرتاح حتى تكسب األلوىية بداخمو التفوؽ عمى باقي األشياء‪.‬‬

‫لدينا اآلف ما يمكف تسميتيا حاالت طارئة‪ .‬ىذه الحاالت الطارئة ىي الحروب واألوبئة والمشاكؿ‬
‫الصحية والمشاكؿ الجوية والمشاكؿ البيئية والزالزؿ‪ ..‬وكافة المشاكؿ االخرى‪ .‬ىذه الكوارث الكبرى‬
‫تتشابو مع االنييار العصبي لدى الفرد‪ ،‬يمكف أف نجد تشبيو ليا في القرحة المعدية وباقي الحاالت‬
‫األخرى التي تعذبنا‪ .‬ىذه الكوارث الكبرى ليا مثيميا عمى المستوى الفردي في الصداع والصرع‪..‬‬
‫الكوكب المريض ىو أكثر أو أقؿ متجمي في كؿ مف الكائنات المريضة فوقو‪ .‬وتمؾ األشياء التي‬
‫تعيش في حالة مرض ومتواجدة عمى سطح كوكب مريض عمييا أف تعالج وال ُيسمح ليا أف تحدث‬
‫دمار وخراب‪ .‬وفقاً لمكتابات القديمة‪ ،‬فإنو ممكف لعرؽ أو أمة أف تندثر كمياً نتيجة سوء أعماليا‪ .‬لكف‬
‫الحياة في تمؾ األمة ال يمكنيا أف تندثر‪ ،‬قوى العيش والنمو سوؼ تستمر‪ .‬وليس ىناؾ أي مبلؾ‬
‫ساقط إال ووجب استرداده‪ .‬بالتالي تدريجياً‪ ،‬تمؾ األشياء التي تفشؿ تماماً تندثر وتزوؿ ويأتي مكانيا‬

‫‪197‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫أشياء جديدة بحيث يكوف لدييا كمية أكبر مف التكامؿ واالستقامة‪ .‬ىذا ىو الوضع المأساوي الذي‬
‫نقترب منو في الوقت الراىف‪ ..‬اإلندثار‪.‬‬

‫نحف ا ليوـ نواجو مرة أخرى عواقب سوء االستخداـ المستمر لممصادر الطبيعية‪ .‬نحف في نفس موقع‬
‫مدمف الكحوؿ العجوز الذي استمر في شرب الخمر حتى لـ يبقى لديو سوى القرحة المعدية واأللـ‬
‫الشديد‪ .‬خطط الطبيعة بسيطة جداً وواضحة جداً‪ ،‬لكف يوجد خمفيا حقائؽ غريبة عمينا‪ .‬أحد تمؾ‬
‫الحقائؽ يوجد حقيقة حتمية تقوؿ بأنو عميؾ أف تطيع واال‪ .‬عندما تجد بمد أو عالـ كما ىو قائـ‬
‫اليوـ‪ ،‬تجد األمر ذاتو ينطبؽ عمى مجموع األمـ ومجموع الكواكب كما نراه منطبؽ في البمدات‬
‫والمدف وفي منازلنا الخاصة‪ .‬دائماً‪ ،‬عندما يكوف ىناؾ شيء خاطئ سوؼ تصاب الحياة الداخمية‬
‫ويحبط بفعؿ‬
‫لمفرد بجروح‪ .‬وىذا الثوب الذىبي‪" ،‬النفحة"‪ ،‬الذي نبنيو تدريجياً‪ ،‬يتضرر ويتأخر ُ‬
‫تجاوزات وانتياكات وفساد جيؿ غير عقبلني‪ .‬لدينا طرؽ كثيرة ممكنة لفيـ ىذا الوضع‪ ،‬نحف ندرؾ‬
‫ذلؾ كؿ يوـ‪ ،‬نراه في كؿ صحيفة ووسيمة إعبلمية‪ .‬نشاىد ىذه الحالة في كؿ مرة نشغؿ التمفزيوف‪،‬‬
‫ىذا العالـ الموبوء بالمشاكؿ‪ .‬لكف ما ال تقولو لنا السجبلت بالضرورة ىو األفراد الموبوئيف‬
‫بالمشكاؿ‪ .‬األشخاص الذيف نعرفيـ في نفس الحارة التي نسكنيا يمروف بنفس النوعية مف األزمات‪.‬‬
‫األزمات التي تصيب الفرد سوؼ تصيب الحقاً العرؽ بكاممو‪.‬‬

‫القوى الغامضة التي سببت بدمار أطمنطس التاريخية أصبحت اآلف تتشكؿ وتتجمع عند جذور‬
‫حضارتنا‪ .‬في كؿ مكاف ال بد مف وجود االستقامة أو مع مرور الزمف عندما يصبح واضحاً أف الفرد‬
‫لف يتحرر فسوؼ يتـ إزالتو واستبدالو بفرد جديد‪ ،‬والفرد الجديد يكوف لديو فرصة وبيئة جديدة ولكف‬
‫كما العادة سوؼ يكوف ىناؾ درس جديد ليتعممو في الحياة‪ .‬خبلؿ دراسة كؿ ىذه األشياء يمكننا‬
‫بعض المرات أف نقوؿ ألنفسنا‪ :‬ربما عمي أف أحواؿ تحسيف طبيعتي‪ .‬لماذا نحف نبحث وندرس في‬
‫مجيود يجعمنا أفضؿ قميبلً مما كنا؟ نحف ندرس ونبحث ألنو في داخمنا ىناؾ شيء يتعذب‪ ،‬ىناؾ‬
‫ألـ في القمب‪ ،‬ويوجد قمؽ في العقؿ‪ ،‬ىناؾ حصر نفسي‪ ،‬وىناؾ أيضاً مساومات مستمرة عمى‬
‫تكاممنا األخبلقي‪ ،‬ودائماً مع عواقب مريرة‪ .‬كؿ ىذه األمور تحصؿ معنا كؿ يوـ‪ ،‬وال نعرؼ ماذا‬
‫سنفعؿ حياليا‪ .‬نشعر بأنو عمى أحد أف يضع قانوف لضبط ىذه األمور‪ ،‬لكف ىذا مستحيؿ‪ ،‬ألننا ال‬
‫نستطيع وضع قوانيف لبعضنا البعض‪ ،‬بؿ عمينا أف نضع قانوف ألنفسنا والعيش وفقاً لو‪ .‬والعبلج‬
‫الوحيد لممشكمة ىو ليس محاولة إيجاد تشريعات تساعدنا عمى الخروج منيا‪ ،‬بؿ عبر إجراء التطبيؽ‬

‫‪198‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫الصحيح لممبادئ المتعمقة بسموكنا‪ .‬وىذا بدأ يبدو واضحاً لنا‪ .‬بدأنا نرى خطة جميمة تتعرض‬
‫لمخطر‪ .‬تواجو الخطر مف أنانية وجشع األفراد‪ .‬وىذه األنانية والجشع تظير في البداية مف خبلؿ‬
‫األوؿ الذي يظير أعراض المرض‪ .‬ىذه الحالة ىي نتيجة‬ ‫المجاؿ البايومغناطيسي‪ ،‬إذ ىو المؤشر ّ‬
‫حتمية لممساومة المستمرة عمى المبادئ األخبلقية واألنانية البلمحدودة والطموح الجارؼ وكؿ نوع مف‬
‫ا لفساد وانعداـ األخبلؽ‪ .‬ىذه األمور سببت بمرض مصدر حيويتنا‪ .‬سببت بمرض اإلمدادات التي‬
‫نحتاجيا لكي ننمو وتحقيؽ مصيرنا‪ .‬ىذه العمؿ كانت معروفة جيداً لدى القدماء‪ ،‬كانوا عمى عمـ جيد‬
‫بأف المصدر الكبير آلالمنا يكمف داخمنا وليس في العالـ الخارجي‪ ،‬وأف العالـ يعاني ألننا عمى‬
‫خطأ‪ ،‬ونحف نعاني ليس بسبب مآسي العالـ وأحزانو بؿ بسبب فشمنا في ضبط حياتنا وتنظيميا‪.‬‬

‫أصبح لدينا حضارة عالمية جديدة اليوـ‪ ،‬والتي ىي االكثر تعقيداً مف كؿ ماعرفو اإلنساف مف قبؿ‪.‬‬
‫ىذه الحضارة تشمؿ كافة أنواع األفكار المتضاربة والمتطايرة حولنا‪ .‬نرى أمـ حاضرة لتذىب إلى‬
‫الحرب والموت بسبب الثروة والسمطة والنفوذ والقوة‪ .‬ىذه مجرد صورة كبرى لمفرد وما يحويو داخؿ‬
‫نفسو مف تناقضات وطموحات منحرفة‪ ،‬حيث ىو مستعد لئلطباؽ عمى أحد منافسيو والسعي إلى‬
‫تدميره بالكامؿ‪ .‬عندما تتضاعؼ أنانية الفرد تصبح مضيفة لمجموعة كائنات شريرة تسعى إلى‬
‫استدامة األنانية ونشرىا في كؿ مكاف‪ .‬الكوكب بذاتو مريض واألرض تحت أقدامنا أصبحت فاسدة‪.‬‬
‫ال يوجد سوى طريقة واحدة إلصبلح كؿ ىذا‪ ،‬وىي السعي إلى إجراء التغييرات بداخؿ أنفسنا‪ .‬يمكف‬
‫لبعضنا القوؿ‪ :‬وماذا بعد؟ لنفترض أننا أجرينا ىذه التغييرات‪ ،‬كيؼ سنواجو المبلييف اآلخريف الذيف‬
‫لف يتغيروا؟ سوؼ يستمروف في الدرب الخاطئة ألبعد ما يمكنيـ وصولو‪ .‬الجوابب عمى ىذا السؤاؿ‬
‫ىو بسيط جداً‪ :‬ما يفعمونو سوؼ يواجيوف عواقبو بأنفسيـ‪ .‬لكف عندما نتغير فيذا التغيير ىو‬
‫شخصي يخصنا فقط‪ .‬ميما أصبح الباقوف سيئيف‪ ،‬نحف عمى الجانب اآلخر نتحسف ونصبح أفضؿ‬
‫مع مرور الوقت‪ .‬ميما كانت األخطاء التي اقترفوىا فنحف ال نحتاج إلقتراؼ أي منيا‪ .‬والحقيقة‬
‫الميمة تكمف في وقت الحصاد‪ ،‬عندما يحيف الوقت لرحيمنا مف ىنا واالنضماـ إلى العصور‪ ،‬في‬
‫فترة النوـ بيف التجمييف‪ ،‬أو فترة االستراحة خبلؿ االنتقاؿ بيف حياة وأخرى‪ ،‬سوؼ نأخذ معنا كؿ‬
‫شيء كاف خي اًر‪ ،‬وما مف شيء ليس لنا سوؼ يرافقنا‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬رغـ معاقبتنا في الحياة العادية‪ ،‬لكف‬
‫في الحياة العظيمة نحف نكافأ‪ .‬وانو أفضؿ أف نكافأ لؤلعامؿ الخيرة بدالً مف المعاناة مف العقوبات‬
‫التي نعانييا جميعاً خبلؿ حصوؿ كؿ ىذه األشياء الخاطئة حولنا‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ليذا السبب لدينا الديف‪ .‬الديف الذي ربما ىو أجمؿ مصدر في العالـ لموحي واإللياـ‪ .‬لكنو أصبح‬
‫اآلف مقسوماً إلى مذاىب وطوائؼ مع اختبلفاتيا االجتماعية المتنوعة‪ ،‬مع نزاعاتيا وحروبيا‬
‫وتناحرىا‪ ،‬وعدـ التسامح بكافة أشكالو‪ .‬الديف الذي وجب أف يكوف مصدر الوحدة والخير أصبح‬
‫عكس ذلؾ حيث االنقساـ والتناحر‪ .‬الديف الذي ينقسـ عمى نفسو سوؼ ينيار حتماً‪ ،‬كما باقي‬
‫األشياء األخرى التي تنيار‪ .‬وعندما ينيار الديف سوؼ يقوؿ الناس بأنو تـ إصبلحو مف قبؿ قوة‬
‫إليية‪ .‬تـ إصبلحو ألف كؿ فرد يعرؼ الحقائؽ قد غير توجيو‪ ،‬وفي تغيير توجيو تغير مصير‬
‫العقيدة‪ .‬لكف ىذا غير صحيح‪ ،‬حيث الديف الموحى مف السماء ليس بحاجة إلى إصبلح بؿ نحف‬
‫تحسف الفرد‪ ،‬ىذا ىو عالمو الخاص‪ ،‬لقد تـ خمقو مف أجؿ‬
‫بحاجة لئلصبلح‪ .‬كؿ شيء يبدأ مف ّ‬
‫خير سوؼ‬
‫كمالو‪ .‬لقد وجد في ىذا العالـ لكي ينمو ويجني موقعو في منزؿ الكوف الكبير‪ .‬كؿ شيء ّ‬
‫يأتي عبره‪ ،‬وسوؼ يأتي إليو مف مصدر الخير العظيـ‪ .‬الحكماء الكبار الذيف جاؤا ليعمموا البشرية‬
‫ويجمبوف ليا التشجيع والقوة والخبلص‪ .‬األمر مشابو لحالة المدمف عمى الخمر والذي أصبح مريض‬
‫جداً‪ ،‬فيجمبوف لو أحدىـ ليقنعو لمتخمي عف عادتو السيئة‪ ،‬فيجمبوف لو طبيب مثبلً ليقنعو بالتوقؼ‬
‫والتخمص مف ىذه العادة ومف ثـ يستمر في حياتو‪ .‬كذلؾ الحاؿ يوجد أطباء لمروح‪ ،‬والذيف جاؤوا‬
‫لمساعدتنا‪ .‬ليس ليقوموا بالعمؿ بالنيابة عنا ألنيـ ال يستطيعوف ذلؾ‪ ،‬بؿ يميمونا لكي نقوـ بالتغيير‬
‫بأنفسنا ألف ىذا التغيير ىو جوىري بالنسبة لنا ولحسف بقائنا‪.‬‬

‫القميؿ مف التغيير فحسب ىنا وىناؾ في منظومتنا االجتماعية سوؼ يساىـ في تخفيض مستوى‬
‫حاالت الطبلؽ بنسبة ‪ .%53‬القميؿ مف التغيير في بعض شرائعنا وقوانيننا سوؼ يساىـ في‬
‫تخفيض الجنح التي يقترفيا الشباب الصغار‪ .‬ىذه المواضيع تمثؿ مجاالت ميممة ونحف ننتظر‬
‫صدور قوانيف حكومية لتغيير ىذه األوضاع السيئة‪ .‬لكف الجية الوحيدة التي تستطيع تغييرىا ىي‬
‫العائمة ذاتيا‪ ،‬مف خبلؿ الترابط والتوافؽ فيما بيف أفرادىا‪ ،‬األبويف واألوالد‪ ،‬متحدوف معاً لفعؿ كؿ ما‬
‫ىو صائب وسميـ‪ .‬رغـ وجود مف يسقط مف عمى اليميف ومف يسقط مف عمى اليسار‪ ،‬لكف العائمة‬
‫المستقيمة سوؼ لف تتأثر أبداً بالظروؼ المحيطة‪ .‬كؿ اإلنجازات التي يمكننا تحقيقيا‪ ،‬إذا كانت‬
‫صائبة فيي خالدة‪ .‬ىكذا كانت تقوؿ الكتابات القديمة‪ ،‬كمما تـ استعراض حقيقة معينة‪ ،‬كانت ىذه‬
‫الحقيقة تتمقى أجنحة وتتحوؿ إلى مبلؾ‪ .‬الحقائؽ تصبح خالدة‪ .‬الوقائع تصبح خالدة‪ .‬الذيف‬
‫يتمسكوف بيا ويتعايشوف معيا سوؼ يكسبوف خمودىـ الخاص‪ .‬ذلؾ الذي يمثؿ الحقيقة ال يمكنو أف‬

‫‪233‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫يموت‪ .‬ذلؾ الذي ىو خاطئ ال يمكنو أف يعيش‪ .‬ىذا ينطبؽ عمى األمـ كما عمى المنازؿ وكؿ شيء‬
‫آخر‪ .‬ىذا يصبح جزء مف موروثنا الثميف‪ .‬يصبح جزءاً مف أمؿ المجد لدينا‪.‬‬

‫نحف نعرؼ اليوـ بأننا وصمنا إلى نقطة حرجة‪ .‬وعمى كافة موارد الحضارة أف تتوحد إلنجاز تحوؿ‬
‫إيجابي لغاية وجودنا‪ .‬نحف لف نندثر أو نتوقؼ عف الحياة إذا لـ نصنع التغيير‪ ،‬لكف سوؼ نعود مرة‬
‫أخرى إلى الحياة الشاقة مع الكفاح والصراع والمعاناة لنكسب مرة أخرى ما نسيء استخدامو اآلف‬
‫وىي المعرفة والحكمة في الحياة‪ .‬طالما ىناؾ أنانية سوؼ يبقى ىناؾ ألـ‪ .‬طالما ىناؾ جشع سوؼ‬
‫يبقى ىناؾ معاناة‪ .‬طالما ىناؾ كره وحقد سوؼ يبقى ىناؾ أحزاف‪ .‬وجب التغمب عمى كؿ مف ىذه‬
‫األمور السمبية‪ .‬ومدارس الحكمة القديمة أنشأت نظاـ التممذة ووضعت أحكاـ وقوانيف مختمفة لتطوير‬
‫وانماء الشخص الذي أراد أف ينمو‪ .‬الذي أراد أف يكوف أفضؿ‪ .‬وكؿ ىذا يستند عمى حقيقة أنو عمى‬
‫الشخص ذاتو أف يقوـ بالمجيود‪ .‬عميو أف يقرر بحؽ وبصدؽ‪ .‬لـ يكف قادر حتى عمى محاولة‬
‫اكتشاؼ إف كاف ما يفعمو ىو صحيح أـ ال‪ .‬كاف عميو أف يقرر ىذا األمر بنفسو أيضاً‪ .‬إذا كاف‬
‫عمى حؽ فكاف يثبت ذلؾ مف خبلؿ حكمتو وتفيمو‪ ،‬واف كاف مخطئ كاف يعجز عف إثبات أحقيتو‪.‬‬
‫واذا لـ ينمو فكاف يحاوؿ مرة أخرى‪ .‬عمى كؿ شيء أف يأتي مف المجيود الصادؽ إلحراز النصر‬
‫عمى مركزية النفس وعدـ المباالة‪.‬‬

‫نحف اآلف نوجو كبلمنا إلى الجيؿ الحالي والذي ُيشار إليو عموماً بجيؿ المرح ووالمتعة والميو‪ .‬األمر‬
‫الوحيد الذي يميزه ىو أنو ال يوجد في الحقيقة الكثير مف المرح والمتعة في ىذا الجيؿ‪ .‬وسوؼ لف‬
‫يكوف ىناؾ مرح ومتعة في المستقبؿ طالما بقي ىذا الجيؿ عمى ما ىو عميو‪ .‬ألف المجيود نحو‬
‫المتعة والمرح ليس محكوماً بأي شيء‪ .‬ما ىي المتعة؟ معظمو مسرؼ ومبذر ومتيور‪ ،‬مع الكثير‬
‫مف قمة األخبلؽ‪ ،‬وكافة أنواع التنافسات التافية‪ ،‬والكثير مف األخطاء في العمؿ الجاد‪ .‬مجاؿ الترفيو‬
‫المنحرؼ وكؿ ىذه األمور تسمى متعة‪ .‬نحف نمضي معظـ ساعات اليوـ الواحد أماـ التمفزيوف‪،‬‬
‫وماذا نشاىد؟ ال شيء يفيدنا في حياتنا إطبلقاً‪ .‬نحاوؿ أف نأخذ تمؾ البذرة الصغيرة بداخمنا‪ ،‬بذرة‬
‫الخمود‪ ،‬ونتوقع منيا أف تصمد في بقائيا تحت كؿ ذلؾ القصؼ المستمر لمعوامؿ السمبية‪ .‬كؿ‬
‫شخص لو طريقتو في تمتعو في الحياة‪ .‬الناس الذيف يتجولوف اآلف وسط كؿ تمؾ الوسائؿ الترفييية‬
‫التي نسمييا ممتعة‪ ،‬ىؿ ىـ يتمتعوف فعبل؟ ىـ عمى األغمب يصرفوف األمواؿ وغالبيـ يصحوف في‬
‫الصباح التالي واقعيف في ديوف أو مرضى أو حتى أموات‪ .‬لذلؾ عمينا أف ننظر حولنا حيث يوجد‬

‫‪231‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫كؿ أنواع األشياء الرائعة والمثيرة لبلىتماـ التي يمكننا فعميا‪ .‬أشياء تساعدنا عمى التعمـ ونزيد مف‬
‫الوعي والنمو لدينا‪ .‬ىناؾ الكثير مف الطرؽ التي تساعدنا عمى النمو بسعادة وفرح‪ .‬ىناؾ الموسيقى‬
‫والفف واألدب‪ ،‬وىناؾ أنواع كثيرة مف اليوايات‪ ،‬وغيرىا مف نشاطات يمكننا مف خبلليا تعمـ شيء‬
‫يفيدنا‪ .‬يمكننا مف خبلليا النمو حيث ندمج المتعة مع التعميمات ونخرج مف كامؿ الموضوع مع قميؿ‬
‫مف التنور وبعض التقدير لروائع الحياة‪ .‬لكف بدالً مف ذلؾ نجمس جامديف أماـ التمفزيوف ونشاىد‬
‫القتؿ والسرقة والغدر وغيرىا مف مؤثرات سمبية والتي ىي ليست حقيقية أصبلً‪ .‬ىي مجرد منتجات‬
‫معروضة لمبيع‪ ،‬وقد اشتريناىا وتمتعنا بيا‪ ،‬دوف أف يكوف ليا أي فائدة حقيقية‪ .‬ىذا أمر سيء جداً‪.‬‬
‫نحف نقع ليا بسيولة‪ ،‬لكف عمينا أف نخمص أنفسنا منيا كأفراد‪ .‬واذا تخمصنا منيا سوؼ نكتشؼ بأننا‬
‫أكبر بكثير مف ىذه األمور التافية‪.‬‬

‫ليس ىناؾ أي سبب يجعؿ المجاؿ البايومغناطيسي ألجسامنا مموثاً بالشوائب‪ .‬ليس ىناؾ أي سبب‬
‫ليدفع الفرد إلى تخفيض مستوى مبادئو األخبلقية فقط مف أجؿ المحافظة عمى أوقاتو الممتعة‪ .‬إذا‬
‫كاف وقتو منخفضاً عميو أف يرتقي فوؽ مستواه بدالً مف االنخفاض معو‪ .‬إذا كاف ىناؾ أمور وجب‬
‫أف يفعميا لكنو ييمميا ألنو يفضؿ التمتع بوقتو‪ ،‬فقد آف الوقت لكي يصحو مف غفوتو‪ .‬جميعنا اليوـ‬
‫نسعى ونكافح مف أجؿ غاية مقدر ليا مسبقاً أف تفشؿ‪ .‬وال يمكننا االعتماد بالضرورة عمى اآلخريف‬
‫ليحددوا لنا مسارنا‪ .‬لكف يمكننا أف نحاوؿ بقدر ما يمكف أف ال نشترؾ بأي عمؿ يساىـ في إفساد‬
‫الحياة‪ .‬بؿ عمينا أف نفعؿ كؿ ما يمكف لكي نجعؿ الحياة أفضؿ‪ .‬عمينا أف نفعؿ كؿ ما بوسعنا لكي‬
‫نجعؿ أنفسنا أكثر توافقاً مع وظائفنا في الحياة‪ .‬لو أننا نستطيع رؤية التركيبة الخفية لئلنساف‪ ،‬كؿ‬
‫ذلؾ الكـ اليائؿ مف القوة الذبذبية المتنوعة‪ ،‬وتأممنا بكؿ تمؾ العصور التي تتطمبيا بناء ىذه األجساـ‬
‫الفائقة التعقيد‪ ،‬وكيؼ تـ إنعاشيا وتفعيميا‪ ،‬حتى تـ إنتاج مخموؽ مفكر ييقؼ عمى رجميف‪ ،‬ويحوز‬
‫بداخمو عمى بذور خموده‪ .‬لدينا كؿ ىذه األشياء لكننا لـ نحافظ عمى اإليماف بيا‪ .‬وألننا لـ نحافظ‬
‫عمى إيماننا بيا عمينا أف نتوقؼ اآلف ونعود لنبدأ مف البداية‪ .‬ال يمكف لومنا عمى فعؿ ما ىو صائب‬
‫وسميـ بالنسبة لنا‪ .‬حتى لو العالـ بأسره ال يحب ىذا العمؿ فسوؼ لف نقمؽ أو نيتـ‪ ،‬ألننا في النياية‬
‫نمثؿ جميعاً شخص واحد‪ .‬لكف بوجود شخص واحد فقط عمى حؽ‪ ،‬فيذا ىو سر الحوزرة عمى‬
‫مسمؾ الحؽ والصواب واالستقامة‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫في الزمف القديـ كاف ىناؾ أقمية‪ ،‬والذيف مثموا األرواح العظيمة التي قادت اآلخريف‪ .‬اليوـ نحف في‬
‫عالـ مختمؼ‪ .‬نحف في عالـ بحيث وجب عمى األرواح العظيمة أف تبرز مف الناس العادييف في‬
‫األرض‪ .‬وبعد ذلؾ يسعوف إلى صياغة قوانيف بسيطة لئلنسانية بحيث تطغي عمى القوانيف‬
‫والممارسات الزائفة لجيمنا الحالي‪ .‬عمينا أف ندرؾ بأنو مف واجبنا السعي إلى إنماء ىذا الجسـ‬
‫الروحي بداخمنا‪ ،‬وانو مف حقن ا وامتيازنا أف نتحكـ بطريقة نمو حياتنا الداخمية‪ .‬رغـ أف اآلخريف قد‬
‫يكونوا غير سعداء‪ ،‬حتى نحف قد نبقى كذلؾ‪ ،‬لكف إذا كنا نفعؿ أفضؿ ما يمكف فسوؼ يكوف ىناؾ‬
‫الخير ىو نوع مف الصبلة‪ ،‬بينما العمؿ الشرير ىو لعنة‪ .‬لدينا الكثير مف‬
‫مكافئة معينة‪ .‬العمؿ ّ‬
‫المعنات في عالمنا لكف ليس ىناؾ سوى القميؿ مف الصموات‪ .‬الصبلة مف أجؿ الخير ىو مف‬
‫األشياء البسيطة التي نفعميا لنساعد أحدىـ في مشكمة أو نساعد أوالدنا لمبقاء ضمف نطاؽ المبادئ‬
‫األخبلقية‪ .‬ابدأ بتربيتيـ لكي يكونوا عمى صواب‪ ،‬وال تسمح ليـ باتباع طريقنا المنحرؼ‪ .‬كؿ ما‬
‫يمكننا فعمو كأفراد سوؼ نفعمو في غياب أي إمكانية لمعقاب عميو‪ .‬لكف معظـ ما نفعمو اآلف نجد أف‬
‫العقوبة أمر حتمي وواضح‪ .‬دعونا نحاوؿ أف نفعمو بشكؿ صائب‪ .‬نحاوؿ أف نكوف عمى توافؽ مع‬
‫التقدـ إلى األماـ‪ ،‬عمى توافؽ مع القانوف‪.‬‬

‫بالعودة إلى فكرة الزواج مف الحمؿ المذكورة في بداية ىذا الموضوع‪ ،‬الزواج مف الحمؿ ىو بكؿ‬
‫بساطة االتحاد بيف روح الفرد والروح العالمية‪ ،‬أو عودة الروح الفردية إلى الروح الكمية والتي ترشد‬
‫قوة الحياة دائماً وبداً‪ .‬نحف ال نعرؼ إلى أيف تتوجو الحياة بالضبط‪ ،‬لكننا نعرؼ أيف تذىب لفترة‬
‫قصيرة عمى األقؿ‪ ،‬لكننا ال نعرؼ ما يقبع في نياية طريؽ الكائف البشري‪ .‬كافة المعمميف العظماء‬
‫في العالـ أعطونا صورة مشرقة ومجيدة عف ذلؾ الذي ينتظرنا‪ .‬لقد أعطونا الرؤيا عف ذلؾ الذي‬
‫يزور أولئؾ الذيف يتجاوزوا أخطاء وعيوب زمانيـ‪ .‬وقد ُمنحنا عدة ديانات عظيمة‪ ،‬التي قد تختمؼ‬
‫في أسمائيا لكنيا متطابقة جوىرياً في تعاليميا‪ .‬لكف فقط أولئؾ الذيف يعيشوف الحياة الصحيحة‬
‫يستطيعوف معرفة الصيغة الحقيقية لتمؾ التعاليـ‪ .‬يمكننا عيش تمؾ التعاليـ تدريجياً وبطرؽ معينة‬
‫تتناسب مع أوضاعنا‪ .‬ومف خبلؿ عيشيا سوؼ ننمو مف حيث الصبلح واالستقامة‪ .‬ىذا ليس أمر‬
‫صعب بؿ ىو وظيفتنا أصبلً ىنا في الحياة‪ .‬كؿ ما عمينا فعمو ىو التحضير لعيش حياة معتدلة‬
‫ومتواضعة‪ .‬الطموحات الزائفة سفحت العصور‪ .‬أمجاد االسكندر ذىبت دوف رجعة‪ ،‬القيصر مات‬
‫وذىبت سمطتو إلى األبد‪ ،‬ىتمر وموسيميني ذىبوا في طريقيـ‪ ،‬كؿ الدكتاتورييف العظماء غادروا ولـ‬
‫يتركوا شيئاً خمفيـ سوى صروح مف الحزف واألسى‪ .‬الطغاة الصغار أيضاً ينتظرىـ نفس المصير‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫الذيف يممكوف عمؿ معيف ثـ يفمسونو بسبب طمعيـ في الربح‪ ،‬كؿ أنواع الجيود لغاية الثراء عمى‬
‫حساب إفقار اآلخريف‪ ،‬كؿ ىذه األشياء تمثؿ طريقة حياة سيطرت عمى أغمبية الناس اآلف‪ .‬وىي‬
‫طريقة حياة أدت إلى تجريدنا مف استقامتنا األخبلقية‪ .‬نستطيع ابتكار أشياء كثيرة لكننا ال نستطيع‬
‫معرفة كيؼ نستخدميا‪ .‬وذاؾ الذي ال نستخدمو سوؼ نسيء استخدامو‪ .‬لدينا طرؽ كثيرة لمحصوؿ‬
‫عمى األشياء‪ ،‬لكف ليس الكثير مف الطرؽ الصائبة الستخداميا‪ .‬لتحصؿ عمى شيء يعني الحصوؿ‬
‫عمى قوة‪ ،‬مع أنيا في الحقيقة مجرد فرصة لمنمو‪.‬‬

‫في ىذه الفترة بالذات نحف نواجو تحوؿ كبير نحو تغيير جذري وىائؿ‪ .‬رغـ كؿ المساوء التي يحممو‬
‫ىذا التغيير إال انو يجمب بعض األشياء الجيدة‪ .‬ىو ال يحمؿ أخبار سيئة بالكامؿ‪ ،‬بؿ ىناؾ مجيود‬
‫ىائؿ ُيبذؿ اآلف‪ ،‬حيث الناس في حالة نمو أكثر مف أي وقت مف قبؿ‪ .‬أصبح ىناؾ سبب حتمي‬
‫لئلعتقاد بأف الفرد بدأ يعمـ بأنو ليس كائف يحوز عمى إرادة حرة بشكؿ مطمؽ بؿ ىو مخموؽ يخضع‬
‫لمقانوف‪ ،‬وىذا القانوف ىو قانوف الحكمة والرحمة‪ .‬بدأ الفرد يدرؾ أكثر وأكثر بأف خبلصو يأتي مف‬
‫استقامتو وتكاممو األخبلقي‪ .‬مف خبلؿ إدراؾ ىذه الحقيقة والعيش وفقيا‪ ،‬يمكننا تقديـ مساىمة قوية‬
‫إلى مستقبؿ عرقنا‪ .‬ليس ىناؾ سبب يمنعنا عف فعؿ شيء كؿ يوـ لتبرير االعتقاد بأننا نعمؿ فعمياً‬
‫لغاية خيرة‪.‬‬

‫خبلؿ وجودنا ىنا محاوليف فعؿ شيء لكي نساعد بقدر ما نستطيع‪ ،‬نحف ممتنيف بشكؿ كبير‬
‫لممساعدة التي تمقيناىا‪ ،‬ثـ نكتشؼ فجأة بأنو في عالمنا الصغير ىذا ىناؾ أناس يريدوف أف يعيشوا‬
‫بشكؿ جيد‪ ،‬ويريدوف أف يعمموا ما ىو أفضؿ‪ ،‬ويريدوف أف يفكروا بشكؿ أفضؿ‪ ،‬يريدوف أف يضيفوا‬
‫إلى محتوى الحياة‪ .‬لقد سئموا مف سيرات الميو وجمسات السمر والمشروبات‪ ،‬لقد سئموا مف البذخ‬
‫والتبذير‪ ،‬وازداد أذاىـ مف المسكرات والمخدرات‪ ،‬واآلف أصبح المرض األخبلقي يشتد ساعده عمى‬
‫عرقنا البشري‪ .‬لقد أصبحنا وسط دليؿ كبير وواضح عمى أننا مخطئوف‪ .‬لـ نعد واثقيف اآلف ما ىو‬
‫وخير وصادؽ‪ .‬الصواب ىو شيء‬‫الصائب وما ىو الخاطئ‪ .‬نحف نعمـ مثبلً اف الصواب ىو جميؿ ّ‬
‫يمكننا تعميمو ألوالدنا دوف خجؿ‪ .‬الصواب ىو شيء يمكننا محاولة عيشو كؿ يوـ دوف اعتذار مف‬
‫معيف مف حياتنا لمفائدة‪ .‬لقد شددنا بشكؿ مبالغ بو عمى موضوع‬‫أحد‪ .‬الصواب ىو تكريس قسـ ّ‬
‫الحرية‪ ،‬وعمى الحقوؽ الفردية‪ .‬أصبح لدى الفرد شعور بأنو مبرر تماماً ىجر عائمتو وترؾ أصدقائو‬
‫واالنقبلب عمى وطنو‪ ،‬فقط مف أجؿ أف يكوف ح اًر‪ .‬ما ىي الحرية؟ بالنسبة لو‪ ،‬الحرية ىي بناء‬

‫‪234‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫تدريجي لقفص‪ ،‬والذي مجرد أف قبض عميو سوؼ يتحوؿ إلى ما ىو أسوأ مف عبد‪ .‬الحرية في‬
‫الحقيقة ىي نوع مف االستعباد الذاتي بالنسبة لمعظـ الناس‪ .‬الحرية اليوـ ىي وضع الفرد لمتعتو‬
‫وأىوائو قبؿ الخير العاـ وقبؿ مصمحتو الحقيقية‪ .‬مف خبلؿ النظر حولنا نرى النشوء التدريجي لمديف‬
‫لكف بطريقة جديدة‪ .‬نحف نقترب أكثر وأكثر إلى وحدة اإليماف‪ .‬وىذا سيمثؿ خطوة ىائمة في االتجاه‬
‫الصحيح‪ .‬نحف أيضاً نتوصؿ إلى إدراؾ حقيقة أف الديف ىو ليس القياـ بفرائض معينة أو اإللتزاـ في‬
‫حضور أماكف العبادة‪ .‬بؿ ىو عممية جمب حقائؽ الحياة إلى المنزؿ والى العائمة والى مكاف العمؿ‪.‬‬
‫الديف الحقيقي يكمف في الدكاف‪ ،‬في المنزؿ‪ ،‬في المدرسة‪ ،‬في المستشفى‪ ،‬وفي المحاكـ‪ .‬الديف ىو‬
‫ليس شيء نتحدث فيو عف البلىوت والتفسيرات المختمفة التي غالباً ما تكوف خاطئة‪ .‬بؿ ىو عيش‬
‫الشريعة الذىبية التي يعرفيا كؿ ديف في العالـ‪ ،‬وأف ندرؾ بأنو بالرغـ مف تقدمنا وارتقائنا التقني‬
‫والعممي‪ ،‬إال أننا ال نستطيع النمو فوؽ الوصايا العشر مثبلً أو الموعظة عمى الجبؿ لسيدنا المسيح‪،‬‬
‫ىذه ثوابت حتمية وأبدية‪ .‬نستطيع أف نخرقيا لكننا سوؼ نعاني بعدىا‪ .‬ويمكننا االلتزاـ بيا وسوؼ‬
‫تصبح حالتنا أفضؿ‪ .‬وىذا شيء عمى كؿ فرد أف يفعمو بنفسو‪ ،‬ىو لف يفعميا ألف جاره يفعميا أو ألف‬
‫مجتمعو يفعميا‪ .‬لكف حتى لو مجتمعو يفعميا‪ ،‬إذا لـ يكف األمر تكريس شخصي نابع مف الفرد‬
‫فسوؼ لف تجمب نياية لجيمو وسوء استخداماتو لمسمطة‪.‬‬

‫لذلؾ نأمؿ أف يتذكر كؿ فرد بأف ىذا الثوب الذىبي‪ ،‬أي "النفحة" اإلليية‪ ،‬ىو ثوب المحبة اإلليية‪.‬‬
‫ىو ارتقاء الحب منتص اًر‪ .‬ىو الديميؿ عمى أنو عندما نحب بصدؽ فسوؼ نخدـ دوف مقابؿ‪ ،‬وعندما‬
‫نحب فعمياً فإننا نعطي دوف مقابؿ‪ ،‬بينما إذا كانت عواطفنا زائفة فنحف نأخذ‪ .‬مع ىذا نحوز أيضاً‬
‫عمى اإللياـ والذي أصبح لدى معظـ الناس يعتبر غريب‪ .‬بالكاد نحب مف ىو قريباً منا اآلف‪،‬‬
‫خصوصاً إذا تدخموا في طموحاتنا‪ .‬كما أننا سوؼ نيجر القريبيف منا إذا تدخموا في حريتنا‪ .‬كؿ‬
‫شيء بالنسبة لنا وجب أف يتعمؽ بالحرية‪ .‬لكف في الحقيقة‪ ،‬ليس ىناؾ أنساف جاىؿ وحر بنفس‬
‫الوقت‪ .‬وليس ىناؾ إنساف منخرط في شؤوف دنيوية ويمنح أىمية لممواضيع المادية والمجردة مف‬
‫األخبلؽ يكوف ح اًر‪ .‬جميعنا عمينا إدراؾ حقيقة أف الحرية تعني االمتياز بأف نكوف عمى حؽ‪ .‬وىذا‬
‫االمتياز يعود لنا جميعاً‪ ،‬ومكافئتو ىي الحرية مف كوارث أخطائنا‪ .‬وليس ىناؾ أي طريقة تجعمنا‬
‫نربح ىذه المعركة‪ .‬أنظروا إلى السماء‪ ،‬أنظروا إلى النجوـ‪ ،‬سوؼ يمر زمف طويؿ جداً قبؿ أف‬
‫نتمكف مف الييمنة عمييما‪ ،‬أو الخروج إلى الفضاء واستكشافيما‪ ،‬أو زيارة أحد األجراـ‪.‬‬

‫‪235‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ال نستطيع تغيير البلنيائي‪ .‬لكننا لسنا بحاجة إلى ذلؾ‪ .‬ألف البلنيائي ىو عمى حؽ‪ .‬وليس لدينا أي‬
‫حؽ أعظـ مف حقو‪ .‬والبلنيائي ىو الحب البلنيائي‪ ،‬التجسيد االنيائي عبر الزمف البلنيائي والفضاء‬
‫البلنيائي‪ .‬ونحف نعيش وسط ىذا الحب اإلليي‪ ،‬وخبلؿ عيشنا ىذه الحالة يتغمغؿ محتواىا تدريجياً‬
‫إلى داخمنا وينعش كينونة الروح المشعة‪" ،‬النفحة"‪ .‬و"النفحة" ىي الحب بداخمنا‪ .‬وبذلؾ تتحوؿ الحقاً‬
‫حي‪ .‬وعندما نطور ىذه الحالة ونصبح جزء مف كوف مف المحبة‪ ،‬لف‬ ‫إلى محبة اإلنسانية لكؿ شيء ّ‬
‫نعد نقمؽ بعدىا مف خطايا الجسد‪ .‬ألنيا سوؼ تصحح نفسيا بطريقة جميمة‪ .‬لف يعد األطفاؿ ُيتركوف‬
‫أماـ دار األيتاـ ميجوريف‪ ،‬ولف يعودوا يأتوا إلى ىذا العالـ الموبوء وىـ مرضى حتى قبؿ الوالدة‪.‬‬
‫ىذه األمور وجب أف تتغير‪ .‬وجب أف يخرج مف داخؿ أنفسنا اعتبار فريد بحيث ليس فقط يساعد‬
‫عمى ىذا التغيير بؿ عندما نبدأ بالتطبيؽ والممارسة سوؼ يزداد سطوع نور "النفحة" داخمنا‪ .‬حينيا‬
‫فقط تصبح قوة الروح منتصرة عمى القوة اليمجية السائدة في العالـ‪ .‬كؿ شيء يكوف في أماف فقط‬
‫عند ما تسود المحبة وتصنع القوانيف‪ .‬وىذه القوانيف المصنوعة مف قبؿ المحبة يمكننا إيجادىا في‬
‫كافة الديانات الكبرى حوؿ العالـ‪ ،‬وىي أيضاً كامنة بشكؿ حتمي وأبدي في قمب اإلنساف‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫الجزء الثالث‬

‫ً‬
‫انُٓاٌح انسعٍذج آتٍح حتًا‬

‫‪237‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫يطٓذ يٍ ادلستقثم‬

‫بعد التعرؼ عمى مدى قوة ونفوذ ىذه المنظومة المالية المسيطرة عمى كؿ جانب مف حياتنا‪ ،‬وحتى‬
‫أنيا متغمغمة إلى داخمنا وتتحكـ بقوانا الباطنية حيث كؿ رغباتنا وآمالنا تخضع لعامؿ الماؿ كمياً‪ ،‬نبدأ‬
‫بالت ساؤؿ‪ ،‬كيؼ يمكف ليذا الوضع المأساوي الذي تتخبط فيو البشرية أف يزوؿ ومف ثـ يتحرر‬
‫اإلنساف مف قيوده؟ طالما أنو ما مف طريقة لفعؿ شيء مف جانبنا يمكنو التغمب عمى سطوة ىذه‬
‫المنظومة النافذة التي تكبمنا مف الخارج والداخؿ معاً‪ ،‬ما ىو إذاً طريؽ الخبلص؟‬

‫في الحقيقة‪ ،‬يبدو أف طريقة تفكيرنا ىي التي تؤدي بنا إلى ىذا اإلحباط بخصوص ىذا الموضوع‪.‬‬
‫مف خبلؿ التساؤالت السابقة يبدو واضحاً اننا نسينا أمر ميـ جداً‪ ،‬نسينا عامؿ حاسـ وأساسي‪،‬‬
‫وسبب تجاىمنا لو يعود إلى عدـ اإليماف الحقيقي لدينا‪ .‬نحف الزلنا نفترض بأننا كائنات وحيدة‬
‫موجودة في ىذا العالـ بشكؿ عشوائي وتنتظر مصيرىا الذي ىو تحت رحمة الظروؼ الفوضوية‬
‫لموجود‪ .‬ننسى كمياً أي حضور إليي يرعى الوجود وكؿ ما فيو مف كائنات‪ .‬ىناؾ نقطة معينة سوؼ‬
‫تتحرؾ خبلليا القوى اإلليية والتي لف تسمح أبداً بانكسار اإلنساف إلى ىذا الحد‪ .‬عندما تتيقف بأنو ما‬

‫‪238‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫مف غاية أو حكمة الستمرار ىذا الوضع فسوؼ تتصرؼ‪ ،‬لكف كيؼ ستفعؿ ذلؾ؟ ىناؾ الكثير مف‬
‫الوسائؿ والطرؽ‪ ،‬نحف نتكمـ عف كياف كمي القدرة وكمي المعرفة وكمي الحكمة‪ .‬وبالتالي ال أعتقد أف‬
‫ىذه الميمة تمثؿ أي مشكمة بالنسبة لو‪.‬‬

‫في الحقيقة‪ ،‬لقد اطمعت عمى الكثير مف السيناريوىات المستقبمية المتعمقة بيذا الموضوع‪ ،‬وجميعيا‬
‫تفترض حصوؿ الحؿ مف داخؿ الطبقة المسيطرة‪ .‬ىذه الحموؿ لف تأتي أبداً مف الجماىير التي ىي‬
‫واقعة تحت تأثير يشبو التنويـ المغناطيسي بحيث ال تدرؾ بالضبط ما ىي المشكمة وأيف تتأصؿ ىذه‬
‫المشكمة‪ ،‬حيث الجميع يميث في سباؽ محموـ نحو الكسب والربح والنفوذ والسمطة ظناً منيـ أف‬
‫ىكذا ىي الحياة وىكذا تأصمت وبالتالي وجب عيشيا بيذه الطريقة ألنيا األنسب‪ .‬ال يمكف لمحموؿ‬
‫أف تأتي أبداً مف ىذا الوسط الجاىؿ والذي يجيؿ بأنو جاىؿ‪ .‬كما يقوؿ المثؿ‪ .." :‬غسيؿ السمّـ يبدأ‬
‫مف األعمى‪ ،"..‬ومف ىناؾ سوؼ يأتي الحؿ‪ ،‬أي مف قمب الطبقة المسيطرة‪.‬‬

‫طرؽ اإللو األعمى لـ تكف أبداً عنيفة أو ىمجية بؿ ىي دائماً تتسـ بالمحبة والمطؼ والرقة‪ .‬ىي‬
‫تتجمى بطريقة سحرية بحيث ليس ليا أي تفسير منطقي نحف معتاديف عميو‪ .‬ىي تتجمى كما لو أنيا‬
‫صدفة جميمة‪ ،‬أو حسف حظ ناتج مف اجتماع عدة ظروؼ مواتية‪ ،‬مع أنو ال يوجد في الكوف أي‬
‫شيء يحصؿ بالصدفة‪ ،‬كمو محسوب ومقرر مسبقاً‪.‬‬

‫مف بيف مجموعة السيناريوىات المستقبمية التي اطمعت عمييا‪ ،‬أكثر ما لفت انتباىي ىو ذلؾ‬
‫السيناريو الذي تحدثت عنو "أناستازيا" في مجموعة كتب "األرز الرناف" والتي استشرفتو مف المستقبؿ‬
‫بواسطة قدرتيا االستبصارية‪ .‬سوؼ نتعرؼ مف خبلؿ ىذه القصة عمى الطريقة التي يتبعيا اإللو‬
‫األعمى خبلؿ تنفيذ إرادتو والتي ال تخمو أبداً مف المحبة‪.‬‬

‫الموضوع التالي مقتبس مف الجزء الثامف مف مجموعة "األرز الرناف" لمكاتب "فبلديمير ميغري"‪ ،‬وىو‬
‫يمثؿ كامؿ الفصؿ السابع وىو بعنواف "الممياردير"‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ادلهٍاسدٌش‬

‫كاف الممياردير "جوف ىايتزماف" يحتضر في الطابؽ الثاني واألربعيف مف البرج المكتبي العائد لو‪.‬‬
‫الطابؽ بكاممو تـ تحويمو إلى شقة سكنية يستخدميا بنفسو‪ .‬فييا غرفتي نوـ وصالة رياضية ومسبح‬
‫وصالة طعاـ ومكتبيف‪ ،‬وىذا المكاف ىو مكاف عزلتو طواؿ السنوات الثبلث السابقة‪ .‬طواؿ ىذه الفترة‬
‫لـ يغادر شقتو وال حتى مرة واحدة‪ .‬وال حتى أنو استخدـ المصعد السريع إلى أي مف طوابؽ البرج‬
‫األخرى حيث تقبع نواة امبراطوريتو المالية واالقتصادية والتي تعمؿ بكامؿ طاقتيا‪ .‬وال أنو صعد إلى‬
‫السطح وال حتى مرة واحدة‪ ،‬حيث تقبع الطوافة الخاصة والتي تكوف في حالة جيوزية عمى الدواـ‬
‫وطاقميا عمى استعداد دائـ ينتظر أوامره‪.‬‬

‫ثبلث مرات في األسبوع‪ ،‬كاف "جوف ىايتزماف" يستخدـ أحد مكتبيو الستقباؿ أربعة مف أقرب‬
‫مساعديو‪ .‬خبلؿ ىذه الجمسات الوجيزة‪ ،‬والتي ال تدوـ أكثر مف أربعيف دقيقة‪ ،‬كاف يستمع إلى‬
‫تقاريرىـ بشيء مف البلمباالة‪ ،‬ثـ يصدر أوامر وجيزة في بعض األحياف‪ .‬لـ يتـ مناقشة أوامر‬
‫الممياردير أبداً‪ ،‬بؿ كانت تنفذ فو اًر وبحرفيتيا‪ .‬قيمة رصيد االمبراطورية المالية تحت قيادتو المنفردة‬
‫تستمر باالزدياد بنسبة ‪ %16.5‬في السنة‪ .‬حتى خبلؿ الشيور الستة الماضية‪ ،‬حيث انقطع‬
‫"ىايتزماف" عف إقامة الجمسات الثبلثة أسبوعياً مع مساعديو‪ ،‬لـ يظير دفتر الحسابات أي خسائر‬
‫مالية أو انخفاض في نسبة المرابح‪ .‬النظاـ الذي ابتكره استمر في العمؿ تمقائياً دوف أي خمؿ‪.‬‬

‫لـ يعرؼ أحد ما ىي قيمة ميزانية الممياردير المالية‪ .‬بالكاد ُيذكر اسمو في وسائؿ اإلعبلـ‪ .‬لقد التزـ‬
‫"ىايتزماف" بالقانوف بشكؿ صارـ‪ ،‬والقانوف يقوؿ‪ .." :‬الماؿ يكره المشاكؿ‪."..‬‬

‫عندما كاف الزاؿ شاب‪ ،‬تمقى النصح والتعميـ مف والده بخصوص ىذا المجاؿ‪ ،‬كاف والده يقوؿ لو‪:‬‬
‫"‪ ..‬دع أولئؾ السياسيوف حديثي النعمة والمغروريف ينشروف غسيميـ عمى شاشات التمفزيوف وفي‬
‫صفحات الجرائد والمجبلت‪ .‬دع الرؤساء وحكاـ الواليات يمقوف خطاباتيـ لمجماىير‪ ،‬مطمئنينيـ بأف‬
‫كؿ شيء عمى ما يراـ‪ .‬دع المميارديرات يجولوف أماـ عيوف العامة في البمد متباىيف بسياراتيـ‬
‫الفاخرة وحراسيـ الشخصييف‪ .‬ىذا ليس الطريؽ يا عزيزي "جوف" الذي سوؼ تتبعو‪ .‬عميؾ أف تبقى‬

‫‪213‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫في الظ ّؿ وتستخدـ قوتؾ‪ ،‬قوة الماؿ‪ ،‬لتتحكـ بالحكومات والرؤساء واألغنياء والفقراء والموجوديف في‬
‫عدة دوؿ مختمفة‪ .‬لكف وجب أف ال يحزروا مف الذي يتحكـ بيـ‪"..‬‬

‫"‪ ..‬الخطة بسيطة في حدىا األقصى‪ .‬أنا مف ابتكر فكرة المعونة المالية لمدوؿ النامية‪ ،‬والتي تشمؿ‬
‫أسماء عديدة مف المستثمريف‪ .‬وفي الحقيقة فإف سبعيف في المئة مف رأس ماؿ ىذا المشروع ىو‬
‫مموؿ مف قبمي أنا لكف تحت غطاء عدة أسماء مختمفة‪ .‬في ظاىر األمور‪ ،‬مف وجية نظر‬
‫الجماىير البميدة‪ ،‬فإف المعونة المالية وجدت بيدؼ دعـ الببلد النامية‪ .‬لكف في الحقيقة أنا ابتكرتيا‬
‫كوسيمة مجدية لجمع األتاوة المالية مف الببلد المعنية‪"..‬‬

‫"‪ ..‬إليؾ مثاؿ عمى طريقة عممي‪ :‬لنفترض بأف صراع مسمح نشب بيف جيتيف‪ .‬إحدى تمؾ الجيتيف‬
‫(غالباً كمتاىما) تحتاج لمماؿ‪ .‬فأمنحيـ الماؿ‪ ،‬لكف يتـ إعادة دفعو لي مع فوائد‪ .‬أو لنفترض بأف بمد‬
‫ما تمر بحالة انتفاضة أو زعزعة اجتماعية‪ ،‬ومرة أخرى يُطمب الماؿ‪ .‬فأمنحيـ الماؿ‪ ،‬لكف يتـ إعادة‬
‫دفعو لي مع فوائد‪ .‬أو قوتيف سياسيتيف تدخبلف في حالة صراع مع بعضيما‪ ،‬واحدى الجيتيف تتمقى‬
‫الدعـ المالي مف أحد وكبلئنا‪ ،‬ومرة أخرى يعيدوف دفع الماؿ مع فوائد‪ .‬روسيا وحدىا تدفع لنا مبمغ‬
‫سنوي قدره ثبلثة مميار دوالر‪"..‬‬

‫منذ كاف في سف العشريف مف عمره‪ ،‬كاف "جوف ىايتزماف" يتمتع بيذه النقاشات مع والده‪ .‬بالرغـ مف‬
‫امتناعو عف الكبلـ بيكذا مواضيع في السابؽ‪ ،‬قاـ الوالد بأحد األياـ بطمب حضور ابنو "جوف" إلى‬
‫مكتبو ودعاه ألف يجمس بارتياح عمى كرسي بقرب موقد النار‪ ،‬بينما ىو بنفسو صنع البنو فنجاف‬
‫مف القيوة مع الكريمة التي يفضميا ثـ سألو باىتماـ‪ .." :‬كيؼ تسير دراستؾ الجامعية يا جوف؟‪،"..‬‬
‫أجابو ابنو‪ .." :‬ىي ليست دائماً مثيرة إلى تمؾ الدرجة يا أبي‪ ..‬لدي شعور بأف األساتذة ليسوا‬
‫ضميعيف في تقديـ صورة واضحة وشاممة بخصوص قانوف االقتصاد‪"..‬‬

‫قاؿ الوالد‪ .." :‬جيد‪ ،‬ىذا تقييـ مبلئـ‪ .‬لكف بشكؿ أدؽ‪ :‬األساتذة اليوـ يعجزوف عف تفسير قوانيف‬
‫االقتصاد ألنو ليس لدييـ أدنى فكرة عنيا‪ .‬يظنوف بأف اإلقتصاد ىو مف اختصاص العمماء‬
‫االقتصادييف‪ ،‬لكنو ليس كذلؾ‪ .‬االقتصاد العالمي ىو تحت سيطرة عمماء نفس وفبلسفة والبلعبيف‬
‫الرأسمالييف الكبار‪"..‬‬

‫‪211‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫"‪ ..‬عندما كنت في العشريف مف عمري‪ ،‬قاـ والدي‪ ،‬والذي ىو جدؾ يا جوف‪ ،‬بإطبلعي عمى أسرار‬
‫المجريات اإلدارية‪ .‬واآلف بما أنؾ بمغت العشريف مف عمرؾ‪ ،‬أعتقد بأنؾ مؤىؿ ألف تورث ىذا‬
‫العمـ‪"..‬‬

‫أجابو جوف‪ .." :‬شك ارً يا والدي‪"..‬‬

‫وىكذا بدأت‪ ،‬خبلؿ الجمسات قرب موقد النار‪ ،‬الدروس الحقيقية عف عالـ االقتصاد والتي لف يسمع‬
‫عنيا أحد في الجامعات‪ .‬قاـ األب بتعميـ ابنو مستخدماً طريقتو الفريدة الخاصة‪ .‬كامؿ اإلجراء‬
‫التعميمي تـ خبلؿ ىذه النقاشات مف القمب إلى القب‪ ،‬وبنغمة طبيعية جيدة‪ ،‬مع طرح أمثمة وعناصر‬
‫أخرى خبلؿ الشرح‪ .‬المعمومات التي كشفيا "ىايتزماف" األب إلى إبنو كانت مذىمة‪ .‬ليس ىناؾ أي‬
‫طريقة الستقاءىا مف أي مكاف آخر‪ ،‬حتى لو كانت أرفع الجامعات في العالـ‪.‬‬

‫سأؿ األب‪ .." :‬قؿ لي يا جوف‪ ،‬ىؿ تعمـ كـ مف األشخاص األغنياء في بمدنا؟‪ ..‬أو في العالـ؟‪"..‬‬

‫أجابو ابنو بيدوء‪ .." :‬قوائـ أسماءىـ منشورة في المجبلت وبالتدريج وفقاً لقيمة ممتمكاتيـ‪"..‬‬

‫سأؿ األب‪ .." :‬وأيف ىو موقعنا في ىذه القوائـ؟‪"..‬‬

‫مرة ينطؽ الوالد كممة "نحف" بدالً مف "أنا"‪ .‬وىذا يعني بأنو اعتبر ابنو "جوف" شريكاً‬
‫كانت ىذه أوؿ ّ‬
‫كامبلً‪ .‬مع أنو لـ يرغب أف يحرج والده‪ ،‬لكف أجاب "جوف" قائبلً‪ .." :‬اسمؾ يا والدي ليس مذكو ارً في‬
‫ىذه القوائـ‪"..‬‬

‫قاؿ األب‪ .." :‬نعـ‪ ،‬أنت عمى حؽ‪ .‬أنا لست بينيـ‪ .‬رغـ أنو فقط مرابحنا المالية السنوية تفوؽ قيمة‬
‫ممتمكات الكثير ممف وردت اسمائيـ في القوائـ‪ .‬واسمي ليس مذكور معيـ ألنو عمى محفظة الفرد‬
‫أف ال تكوف شفافة ومكشوفة لمجميع‪ .‬الكثير مف ىؤالء األثرياء األغنى في العالـ يعمموف إما بشكؿ‬
‫مباشر أو غير مباشر إلمبراطورتنا المالية‪ .‬ىـ يعمموف عندؾ وعندي يا بني‪"..‬‬

‫‪212‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫قاؿ "جوف" مستعجباً‪ .." :‬أبي‪ ،‬ال بد مف أنؾ عبقري في مجاؿ االقتصاد‪ .‬ال يمكنني تصور كيؼ‬
‫استطعت جعؿ امبراطورية كبرى أف تدفع لنا أتاوة مالية سنوياً دوف حاجة لتدخؿ عسكري‪ .‬لقد‬
‫نجحت في إقامة عممية اقتصادية ىائمة!‪"..‬‬

‫أخذ "ىايتزماف" األب ينشغؿ في تحريؾ خشب الحطب في الموقد‪ .‬وبعدىا‪ ،‬دوف أف ينطؽ بكممة‪،‬‬
‫صب كأسيف مف النبيذ الخفيؼ لنفسو والبنو‪ .‬وبعد رشفتو األولى مف الكأس بدأ يشرح قائبلً‪:‬‬

‫"‪ ..‬كما تعمـ‪ ،‬أنا لـ أقيـ أي عممية إطبلقاً‪ .‬رأس الماؿ الذي أسيطر عميو يمنحني ببساطة إمكانية‬
‫إلطبلؽ األوامر‪ ،‬وما عمى اآلخريف فعمو ىو تنفيذىا‪ .‬الكثير مف المحمميف والخبراء الحكومييف في‬
‫ببلد مختمف ة‪ ،‬حتى رؤسائيـ‪ ،‬سوؼ يندىشوف لمعرفة أف الحالة الراىنة في ببلدىـ ليست مقررة مف‬
‫قبميـ‪ ،‬بؿ مف قبؿ ما أريده أنا‪"..‬‬

‫"‪ ..‬مراكز التكنولوجيا السياسية‪ ،‬والمؤسسات االقتصادية‪ ،‬ومراكز التحميؿ العممياتي‪ ،‬والوكاالت‬
‫الحكومية في الكثير مف البمداف‪ ،‬وال أي واحدة منيا تعمـ بأنيا تعمؿ وفؽ الخطوط اإلرشادية‬
‫الصارمة التي تضعيا المديريات التابعة لي‪ .‬وأنا ليس لدي تمؾ الكمية الكبيرة مف الموظفيف‪ .‬مثبلً‪،‬‬
‫كامؿ السياسة اإلجتماعية‪/‬االقتصادية القائمة في روسيا وكذلؾ عقيدتيا العسكرية يتـ تحديدىا‬
‫وتحريكيا مف قبؿ إحدى المديريات التابعة لي والتي تتألؼ مف أربعة عمماء نفس‪ .‬كؿ مف ىؤالء‬
‫سر (سكرتير)‪ .‬وال واحد منيـ يعمـ بنشاطات اآلخريف‪"..‬‬
‫لديو أربعة أمناء ّ‬

‫"‪ ..‬سوؼ أطمعؾ كيؼ تعمؿ منظومة التحكـ‪ ،‬إنيا بسيطة في الحقيقة‪ .‬لكف أوالً‪ ،‬يا جوف‪ ،‬عميؾ أف‬
‫تفيـ القوانيف الحقيقية لبلقتصاد‪ ،‬والتي لف تحصؿ عمييا مف أي أستاذ جامعة‪ .‬حتى أف أساتذة‬
‫الجامعات يجيموف أف ىذه القوانيف موجودة‪ .‬إليؾ أحد القوانيف‪ :‬في ظروؼ المجتمع الديمقراطي‪ ،‬فإف‬
‫الرؤساء والحكومات والمصارؼ وكذلؾ المقاوليف الصغار والكبار في كافة البمداف يعمموف جميعاً‬
‫لحساب مقاوؿ واحد‪ ،‬والذي يقؼ عند قمة اليرـ االقتصادي‪ .‬كانوا يعمموف سابقاً لحساب والدي‪،‬‬
‫واآلف ىـ يعمموف لحسابي أنا‪ ،‬والحقاً سوؼ يعمموف حصرياً لحسابؾ‪"..‬‬

‫‪213‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫نظر "جوف ىايتزماف" إلى والده وبالكاد استطاع استيعاب كامؿ الموضوع‪ .‬ىو يعمـ بكؿ تأكيد بأف‬
‫والده ثري جداً‪ ،‬لكف ىنا أصبح الكبلـ ال يتعمؽ بالثراء بؿ أكثر مف ذلؾ بكثير‪ ،‬إنيـ يتكمموف عف‬
‫قوة نافذة‪ ،‬سمطة عالمية عميا‪ ،‬والتي سوؼ يتـ نقميا بالوراثة إلى "جوف"‪ .‬كؿ ىذه المعمومات المذىمة‬
‫ابتداء‬
‫ً‬ ‫لـ يتـ استيعابيا بالكامؿ بعد‪ .‬كيؼ يمكف ليذا أف يكوف‪ ،‬في مجتمع ديموقراطي حر‪ ،‬الجميع‬
‫مف الرؤساء ونزوالً إلى مئات آالؼ الشركات والمحاؿ التجارية‪ ،‬الكبرى والصغرى‪ ،‬والتي مف‬
‫المفترض أنيا كيانات قانونية منفصمة‪ ،‬ىي في الحقيقة تعمؿ لصالح رجؿ واحد فقط‪ ،‬وىو والد‬
‫"جوف"؟‬

‫قاؿ األب مسترسبلً‪ .." :‬عندما سمعت مف جدؾ ألوؿ مرة ما قمتو لؾ اآلف‪ ،‬واجيت صعوبة في‬
‫استيعاب األمر بالكامؿ‪ .‬ربما اآلف أنت تختبر نفس الحالة‪ ..‬لكف دعني أوضح أمر واحد بشكؿ‬
‫جيد‪ ..‬ىناؾ أناس أثرياء في ىذا العالـ‪ .‬لكف مقابؿ كؿ شخص ثري ىناؾ مف ىو أكثر ثراء‪ .‬لكف‬
‫في النياية ىناؾ مف ىو األكثر ثراء مف الجميع‪ .‬كؿ األثرياء اآلخريف‪ ،‬وبالتالي كؿ الذيف تحت‬
‫أمرتيـ وسيطرتيـ‪ ،‬يعمموف جميعاً لحساب الرجؿ األثرى مف الجميع‪ .‬ىذا ىو قانوف النظاـ الذي‬
‫نعيش وفقو‪"..‬‬

‫"‪ ..‬كؿ ىذا الحديث عف العوف والمساعدة غير األنانية لمدوؿ النامية ىو مجرد خدعة‪ .‬صحيح أف‬
‫البمداف المتقدمة تمنح القروض لمدوؿ النامية عبر المنح الدولية المختمفة‪ ،‬لكنيا في الحقيقة تفعؿ‬
‫ذلؾ مقابؿ استرجاع مبالغ طائمة مف الفوائد عمى القروض الممنوحة‪ .‬أي بمعنى آخر‪ ،‬إنيا عبارة‬
‫عف أتاوى مالية‪"..‬‬

‫"‪ ..‬روسيا مثبلً‪ ،‬تدفع مبمغ يقدر بثبلثة مميارات سنوياً لصندوؽ النقد الدولي ‪ ،IMF‬وىذا المبمغ ىو‬
‫مجرد قيمة الفائدة عمى القروض الممنوحة لروسيا‪ .‬الكثير مف االقتصادييف يعمموف أف التمويؿ‬
‫األساسي لصندوؽ النقد الدولي يأتي مف رأسماؿ أمريكي‪ .‬يعمنوف بأف الفوائد الباىضة النسبة عمى‬
‫القروض الممنوحة تعود إلى الواليات المتحدة‪ ،‬لكف إلى مف تذىب تحديداً ىناؾ‪ ،‬ال أحد يعمـ‪ .‬أمريكا‬
‫كبمد تمثؿ درع مجدي لمعبة الرأسمالية‪ .‬وىذه البمد تعتمد عمى رأس الماؿ أكثر مف أي بمد آخر‪ .‬قؿ‬
‫لي يا جوف‪ ،‬ىؿ تعمـ أف أمريكا لدييا ديوف وطنية؟‪"..‬‬

‫‪214‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫أجابو جوف‪ .." :‬نعـ يا والدي‪ ،‬أعرؼ ذلؾ‪ .‬والمبمغ كبير جداً‪ .‬في السنة الماضية أصبح عدة مئات‬
‫مف الترليونات‪"..‬‬

‫قاؿ األب‪ .." :‬إذاً‪ ،‬ىذا يعني أنؾ تدرؾ بأف ىذا البمد يمنح القروض لدوؿ أخرى وبنفس الوقت‬
‫تقترض لنفسيا مبالغ ضخمة مف األمواؿ‪"..‬‬

‫قاؿ جوف‪ .." :‬نعـ‪ ،‬وعبر االحتياطي الفدرالي‪"..‬‬

‫سألو األب‪ .." :‬ومف يممؾ االحتياطي الفدرالي؟‪"..‬‬

‫لـ يعرؼ "جوف" كيؼ يجيب عمى ىذا السؤاؿ‪ .‬لـ يفكر أصبلً بالجية التي تكوف امريكا مديونة ليا‪،‬‬
‫لكف خبلؿ محاولتو لئلجابة عمى سؤاؿ والده لمعت الفكرة في رأسو‪ :‬كؿ دافع ضرائب في الواليات‬
‫المتحدة األمريكية يدفع لئلحتياطي الفدرالي‪ .‬واالحتياطي الفدرالي األمركي ىو مصرؼ خاص وليس‬
‫ممؾ لمدولة‪ .‬وبالتالي فإف كؿ أمريكا تدفع مئات المميارات مف الدوالرات لقطاع خاص يممكو أفراد‪ ،‬أو‬
‫فرد واحد فقط‪.‬‬

‫‪................‬‬

‫لـ تكف حياة "جوف ىايتزماف" أبداً منغمسة بأي نشاطات منحرفة أو ضارة مف أي نوع‪ .‬كاف يعيش‬
‫طريقة حياة صحية‪ .‬لـ يكف يدخف أو يشرب الكحوؿ‪ ،‬وكانت منظومتو الغذائية صحية تماماً‪ ،‬وكاف‬
‫يمارس الرياضة يومياً في صالتو الرياضية الخاصة‪ .‬فقط في الشيور الستة األخيرة توقؼ عف‬
‫الذىاب إلى صالة الرياضة‪ .‬أمضى كامؿ ىذه الشيور الستة مستمقياً في الفراش في إحدى غرؼ‬
‫نومو الفاخرة‪ ،‬والمزدحمة بأدوات وأجيزة طبية مختمفة‪ .‬كاف األطباء يتناوبوف عمى مدار الساعة في‬
‫غرفة مجاورة مستعديف ألي حالة طارئة‪.‬‬

‫لكف "جوف ىايتزماف" لـ يثؽ أبدًا بالعمـ الطبي الحديث‪ .‬كاف يشعر بأنو ال حاجة حتى لمحديث مع‬
‫أطبائو‪ .‬كاف ىناؾ بروفيسور واحد‪ ،‬أستاذ في عمـ النفس‪ ،‬والذي كاف يمتقيو ليستفيد منو بإجابات‬

‫‪215‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫قصيرة عمى بعض تساؤالتو‪ .‬لـ يكف "ىايتزماف" ييتـ حتى بمعرفة أسماء أطبائو‪ ،‬وحتى اسـ‬
‫البروفيسور‪ ،‬رغـ أنو يحمؿ مبلحظة عنو في نفسو بأنو األكثر صدقاً واخبلصاً مف بيف الباقيف‪ .‬كاف‬
‫البروفيسور يتكمـ كثي اًر‪ ،‬لكف غالباً ما يضيؼ في ما يقولو ليس فقط عف المواضيع الطبية بؿ‬
‫اإلصرار عمى تحديد سبب المرض‪.‬‬

‫في أحد األياـ‪ ،‬دخؿ البروفيسور وكمو إثارة وأعمف مف عمى الباب قائبلً‪ .." :‬أمضيت كامؿ ليمة‬
‫البارحة وصباح اليوـ وأنا أفكر في حالتؾ‪ .‬أعتقد بأنني اكتشفت مسبب مرضؾ! ىذا يعني أنو مجرد‬
‫أف قمنا بإزالة المسبب‪ ،‬يمكننا الحديث عف شفاء عاجؿ جداً‪ ..‬أه‪ ،‬آسؼ سيد ىايتزماف‪ ،‬نسيت أف‬
‫أقوؿ مرحباً‪ .‬مساء الخير سيد ىايتزماف‪ .‬كنت منجرفاً مع أفكاري‪"..‬‬

‫لـ بجيب الممياردير إلى سبلـ البروفيسور‪ ،‬وال حتى التفت إليو‪ ،‬لكف ىذا ليس أمر غير عادي‪ ،‬ألنو‬
‫ىكذا يعامؿ جميع أطبائو‪ .‬حتى في بعض األحياف يقوـ بإشارة صغيرة بيده لطبيب بالكاد دخؿ‬
‫الغرفة‪ ،‬حركة صغيرة بيده‪ ،‬وجميعيـ بعمموف بأنيا تعني‪ :‬إرحؿ مف ىنا‪.‬‬

‫دوف رؤية أي إشارة مف يده ىذه المرة‪ ،‬استمر البروفيسور في شرحو بانفعاؿ كما يمي‪ .." :‬أنا ال‬
‫أتفؽ مع زمبلئي األطباء بخصوص الحاجة إلى زرع كبد جديد وكميتيف جديدتيف وقمب جديد‪ .‬مع‬
‫العمـ أف ىذه األعضاء لديؾ ال تعمؿ بشكؿ جيد في الوقت الحالي‪ .‬ال يا سيدي‪ .‬وال حتى بأدنى‬
‫درجة‪ .‬ى ذه حقيقة‪ .‬لكف وال حتى األعضاء المزروعة الجديدة سوؼ تعمؿ بشكؿ جيد‪ .‬السبب وراء‬
‫عدـ عمميا بالمستوى المطموب ىو حالة الكآبة الشديدة التي تعاني منيا‪ .‬نعـ يا سيدي‪ ،‬إنيا حالة‬
‫الكآبة‪ .‬راجعت تاريخؾ الطبي أكثر مف مرة‪ .‬وأعتقد بأنني حققت اكتشافاً كبي ارً‪ .‬طبيبؾ المناوب‪ ،‬إنو‬
‫دوف كؿ شي وبالتفصيؿ في كؿ مرة كاف يذكر حالتؾ العقمية‪ .‬كانت أعضائؾ‬ ‫رجؿ عظيـ فعبلً‪ ،‬لقد ّ‬
‫الداخمية تفشؿ في عمميا دائماً كمما دخمت في حالة كآبة‪ .‬نعـ يا سيدي‪ .‬إنيا حالة غريبة‪"..‬‬

‫"‪ ..‬واآلف حاف وقت السؤاؿ الكبير‪ :‬ىؿ فشؿ أعضائؾ الداخمية ىو الذي يسبب الكآبة؟ أو العكس‬
‫ىو صحيح‪ ،‬أي‪ :‬ىؿ الكآبة ىي التي تسبب فشؿ عمؿ األعضاء الداخمية؟ أنا مقتنع تماماً أف الكآبة‬
‫ىي السبب الرئيسي‪ .‬نعـ يا سيدي‪ .‬إنيا حالة الكآبة الشديدة لديؾ‪ .‬إنيا حالة تصيب مف يتوقؼ عف‬
‫الكفاح مف أجؿ تحقيؽ ىدؼ‪ ،‬ىو يفقد أي اىتماـ بما يدور حولو‪ ،‬لـ يعد يرى أي غاية مف العيش‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫وبعدىا يبدأ الدماغ بإرساؿ أوامر ضعيفة إلى كامؿ الجسـ‪ .‬وأنا أعني كمو‪ .‬كمما كانت الكآبة شديدة‬
‫كمما كانت األوامر مف الدماغ ضعيفة وواىنة‪ .‬وفي مرحمة معينة قد يتوقؼ الدماغ عف إرساؿ‬
‫األوامر نيائياً‪ ،‬وبعدىا يحصؿ الموت‪"..‬‬

‫"‪ ..‬إذاً‪ ،‬السبب الرئيسي ىو الكآبة‪ ،‬ولكي نمغي ىذه الحالة بالكامؿ‪ ،‬حسناً‪ ،‬ىذا أمر ليس لدى الطب‬
‫الحديث أي جواب أو حؿ بخصوصو‪ .‬لذلؾ لجأت إلى الطب الشعبي‪ .‬واآلف أنا مقتنع تماماً بأف‬
‫كآبتؾ الشديدة ىي نتيجة لعنة‪ .‬نعـ يا سيدي‪ .‬وبالتحديد‪ ،‬أحدىـ وضع عميؾ لعنة‪ ،‬وأنا مستعد لدعـ‬
‫استنتاجي بمجموعة حقائؽ‪"..‬‬

‫كاف الممياردير عمى وشؾ القياـ بإشارة االنصراؼ بيده‪ .‬ىو ال يحب موضوع المعالجيف الشعبيف‪،‬‬
‫الذيف يوعدوف بطرد الشياطيف وازالة المعنات أو تحصيف مرضاعيـ بحجب وطبلسـ ضد الكائنات‬
‫الشريرة‪ .‬لطاما اعتبرىـ أشخاص مخادعيف ومجرديف مف المصداقية‪ .‬ففكر في نفسو‪ ،‬ال شؾ أف ىذا‬
‫رد فعؿ البروفيسور تجاه عدـ فاعمية األدوية الحديثة‪ ،‬ولذلؾ لجأ إلى ذلؾ المستوى الوضيع مف‬
‫المعالجيف المخادعيف‪ .‬لكف رغـ ذلؾ لـ يشير بيده النصراؼ البروفيسور‪ .‬فيذا األخير سبقو بكممات‬
‫تستنيض القميؿ مف اإلىتماـ‪ ،‬لكنيا مثيرة عمى أي حاؿ‪.‬‬

‫قاؿ البروفيسور‪ .." :‬لدي الشعور بأنؾ تستعد لصرفي‪ ،‬وربما إلى األبد‪ .‬لكف أطمب منؾ‪ ..‬ال‪ ،‬أنا‬
‫أتوسؿ إليؾ أف تمنحني خمسة أو ستة دقائؽ فقط‪ .‬مف الممكف أنو بعد أف تفيـ ما لدي قولو لؾ‪،‬‬
‫سوؼ تحقؽ شفاء كامؿ‪ ،‬وأنا أكوف قد حقؽ اكتشاؼ ىاـ‪ .‬مع أنني حققتو مسبقاً‪ ،‬لكف فقط أريد أف‬
‫اتحقؽ منو لممرة األخيرة‪"..‬‬

‫لـ يشير الممياردير بيده أمر اإلنصراؼ‪ .‬لمدة ثبلث ثواني كاممة راح البروفيسور يحدؽ إلى يد‬
‫"ىايتزماف" الجامدة مكانيا فأدرؾ بعدىا أنو يمكنو اإلستمرار في كبلمو‪ ،‬وىذا ما فعمو لكف بوتيرة‬
‫سريعة‪ ،‬أكمؿ قائبلً‪:‬‬

‫"‪ ..‬ينظر الناس إلى بعضيـ البعض بشكؿ مختمفة‪ .‬أحياناً مع عدـ مباالة‪ ،‬وأحياف أخرى مع محبة‬
‫أو كره أو حسد أو خوؼ أو احتراـ‪ .‬لكف العامؿ الرئيسي ال يكمف في التعبيرات الخارجية لمعيوف‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫المظير الخارجي قد يكوف مجرد قناع‪ ،‬كما االبتسامة المزيفة لنادؿ المطعـ أو البائع‪ .‬ما ييـ ىو‬
‫الميوؿ الحقيقية‪ ،‬المشاعر الحقيقية التي يكنيا أحدىـ لآلخر‪ .‬كمما كانت العواطؼ التي يتوجو بيا‬
‫الناس نحو شخص معيف إيجابية‪ ،‬كمما تركز داخؿ ىذا الشخص المزيد مف الطاقة اإليجابية‪ .‬وعمى‬
‫الجانب اآلخر‪ ،‬إذا طغت العواطؼ السمبية في الجو المحيط بالشخص‪ ،‬فسوؼ يختبر تراكـ مف‬
‫الطاقة السمبية والمدمرة‪"..‬‬

‫"‪ ..‬وفؽ معتقدات األىالي المحمييف‪ ،‬ىذه تسمى لعنة سحرية‪ ،‬والمعالجيف الشعبييف يستندوف في‬
‫عبلجيـ عمى ىذه الظاىرة‪ .‬مف المؤكد أف كافة المعالجيف الشعبييف ىـ مخادعيف‪ .‬النقطة الجوىرية‬
‫ىي أف الشخص الذي كاف ىدؼ لمكثير مف الطاقة السمبية مف قبؿ المحيطيف بو يستطيع ىو بنفسو‬
‫إلغاء ىذه الطاقة السمبية أو‪ ،‬بمعنى آخر‪ ،‬يعوضيا بطاقة إيجابية‪ .‬مف خبلؿ اإليحاء لمشخص بأنو‬
‫أزاؿ منو المعنة السحرية‪ ،‬وذلؾ مف خبلؿ القياـ ببعض اإلجراءات التمثيمية المتنوعة‪ ،‬يكوف المعالج‬
‫الشعبي قد ساعده عمى اإليماف بأنو أصبح سميماً‪ .‬إذا كاف المريض يؤمف بالمعالج‪ ،‬فسوؼ يوازف‬
‫الطاقات بداخمو ويشفى تماماً‪ .‬لكف إذا لـ يؤمف بالمعالج فسوؼ لف يحصؿ شيء‪ .‬أنت ال تؤمف‬
‫بالمعالجيف الشعبييف وبالتالي سوؼ لف تستفيد منيـ‪"..‬‬

‫"‪ ..‬لكف ىذا ال يعني أنؾ ال تحوز بداخمؾ عمى نسبة عالية مف الطاقة السمبية والتي ىي مدمرة‬
‫لعقمؾ وجسمؾ‪ .‬والسؤاؿ ىو لماذا ىي طاقة سمبية؟ ألف رجؿ في موقعؾ يُنظر إليؾ مف الذيف‬
‫يحيطونو بامتعاض‪ ،‬وأنا ال أعني القميؿ فقط مف الحسد غير المؤذي‪ .‬ربما قد ينظروف إليؾ‪ ،‬أو‬
‫حتى يعاممونؾ بكراىية في قموبيـ‪ .‬ىناؾ أفراد طردتيـ في السابؽ أو لـ ترفع رواتبيـ‪ .‬الكثير مف‬
‫الناس يشعروف بمدى قوتؾ فيتفاعموف معيا بخوؼ شديد‪ .‬ىؿ ترى؟ كؿ ىذا يراكـ المزيد والمزيد مف‬
‫الطاقة السمبية‪ .‬مف أجؿ مواجية ىذا األمر أنت بحاجة إلى طاقة إيجابية‪ ،‬وىذه يمكف أف تستمدىا‬
‫مف أفراد العائمة أو األقارب‪ ،‬لكف زوجاتؾ ىجروؾ‪ ،‬وليس لديؾ أوالد أو أصدقاء‪ ،‬وأنت ال تتواصؿ‬
‫مع أقاربؾ‪ .‬أنت محروـ مف مصادر لمطاقة اإليجابية حولؾ‪"..‬‬

‫"‪ ..‬الكائف البشري يستطيع إنتاج الطاقة اإليجابية مف داخمو‪ ،‬وبكميات وفيرة‪ ،‬وكؿ ذلؾ لوحده‪ .‬لكف‬
‫لكي يفعّؿ ىذه العممية عميو أف يسدد قمبو نحو ىدؼ أو حمـ معيف‪ ،‬وتحقيؽ ىذا اليدؼ تدريجياً‬

‫‪218‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫خطوة خطوة سوؼ يولد عواطؼ إيجابية‪ .‬لقد حققت الكثير في حياتؾ لدرجة أنؾ اآلف لـ يعد لديؾ‬
‫أحبلـ أو أىداؼ لكي تسعى إلييا‪"..‬‬

‫"‪ ..‬لكنو مف الميـ جداً أف يكوف لديؾ ىكذا أىداؼ وعميؾ الكفاح مف أجؿ تحقيقيا‪ .‬لقد قمت بتحميؿ‬
‫الصحة العقمية والجسدية ألنواع كثيرة مف أصحاب الميف واألعماؿ‪ .‬أحدىـ يحب أف يعجف العجيف‬
‫ويصنع الفطائر ويبيعيا ويكوف سعيداً ألنو جمع الماؿ ويصبح قاد ارً عمى شراء شيء يحتاجو‪ ،‬ويحمـ‬
‫في تطوير مصمحتو أكثر‪ .‬في النياية إنو عبر التقدـ بالمصمحة يمكنو الحصوؿ عمى الكثير مف‬
‫الخدمات والخيرات التي يمكف لمحضارة توفيرىا‪"..‬‬

‫"‪ ..‬مدير مصرؼ أيضاً يكافح إلى تطوير مصمحتو‪ ،‬يكافح إلى زيادة أرباحو‪ ،‬لكف غالباً ما يكوف‬
‫حماسو أقؿ مف صانع الفطائر‪ .‬األمر يبدو شاذ ومتناقض لكنو صحيح‪ .‬حماسة المصرفي ليست‬
‫كبيرة كما حماسة صانع الفطائر‪ .‬ىي ليست كبيرة لدى المصرفي ألنو يوجد القميؿ مف اآلماؿ‬
‫المغرية التي يتوقعيا بالمقارنة مع صانع الفطائر‪ .‬بالنسبة لممصرفي فإف إنجازات الحضارة ليس ليا‬
‫أي قيمة بؿ تعتبر مجرد روتيف‪"..‬‬

‫"‪ ..‬إذا أحدىـ‪ ،‬مع مدخوؿ مالي متواضع‪ ،‬سنحت لو فرصة فجأة أف يشتري سيارة‪ ،‬فإف شراء السيارة‬
‫سوؼ يستنيض بداخمو شعور ىائؿ بالفرح والرضى أو حتى النشوة‪ ،‬بينما الذي تكوف حالتو المادية‬
‫أفضؿ بكثير سوؼ لف يصاب باإلثارة نتيجة شراءه سيارة جديدة‪ .‬بالنسبة لو يكوف األمر أقؿ مف‬
‫عادي‪ .‬ىذا أمر متناقض لكنو صحيح‪ .‬إف لؤلشخاص األثرياء مناسبات لمفرح والبيجة أقؿ بكثير مف‬
‫أولئؾ األقؿ منيـ ثراء‪"..‬‬

‫"‪ ..‬ىناؾ عامؿ آخر يجمب الرضى والبيجة لمشخص وىي النجاح بالمنافسة‪ .‬لكف بالنسبة لؾ‪ ،‬سيد‬
‫ىايتزماف‪ ،‬يبدو أنو ليس لديؾ أي منافسة‪ ..‬لذلؾ يبدو أنو ليس لديؾ سوى طاقة سمبية تنشط بداخمؾ‬
‫وتفعؿ فعميا‪ ،‬ويوجد كمية كبيرة منيا‪ .‬آه‪ ،‬لقد نسيت أف أذكر‪ :‬ىناؾ قوة واحدة فقط والتي يمكنيا‬
‫التغمب عمى كافة أنواع الطاقات السمبية‪ ،‬واحدة فقط‪ ،‬لكنيا قوية‪ ،‬إنيا قوية بشكؿ كبير‪ ،‬إنيا تسمى‬
‫طاقة الحب‪ .‬ىي تتجمى عندما تكوف مغرماً بأحد وىو يبادلؾ نفس الحب‪ .‬لكف لسوء الحظ‪ ،‬في‬

‫‪219‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫حالتؾ‪ ،‬عمى أي حاؿ‪ ،‬ليس لديؾ أي امرأة في حياتؾ‪ .‬وفي الحقيقة‪ ،‬يبدو أنو ليس لديؾ أي اىتماـ‬
‫بالنساء إطبلقاً‪ ،‬وفي سنؾ وبوضعؾ الصحي ال يبدو أف ىناؾ أي أمؿ بأف تيتـ بالنساء‪"..‬‬

‫"‪ ..‬يوجد الكثير مف الدالئؿ التي تثبت استنتاجي‪ .‬لقد أجريت مقارنة بيف معدؿ طوؿ عمر الرجاؿ‬
‫األغنياء والسياسييف البارزيف والرؤساء عمى مدى المئة سنة الماضية‪ .‬نتائج أبحاثي مغرية جداً‪ .‬إف‬
‫معدؿ طوؿ عمر أكثر الرجاؿ نفوذاً في العالـ ال يبدو كبي ارً بالمقارنة مع اإلنساف العادي‪ .‬وفي‬
‫الحقيقة‪ ،‬ىي في أغمبيا أقؿ مف معدؿ اإلنساف العادي‪"..‬‬

‫"‪ ..‬ىذا أمر متناقض لكنو صحيح‪ .‬الحقائؽ ىي حقائؽ‪ .‬رغـ أف الرؤساء واألثرياء يبقوف تحت‬
‫الرعاية الطبية الدائمة‪ ،‬ورغـ حوزتيـ عمى أكثر التكنولوجيات الطبية تطو ارً‪ ،‬ويتناولوف األطعمة‬
‫النظيفة وعالية الجودة‪ ،‬إال أنيـ يمرضوف ويموتوف كما أي شخص آخر‪ .‬كؿ ىذا يمثؿ دليؿ واضح‬
‫وجمي عمى حقيقة أف الطاقة السمبية المحيطة ليا تأثير ىائؿ‪ ،‬وليس ىناؾ أي عمـ طبي‪ ،‬حتى‬
‫األكثر تقدماً‪ ،‬يستطيع إزالة ىذه الطاقة السمبية‪"..‬‬

‫"‪ ..‬ما ىي خبلصة الموضوع إذاً؟‪ ..‬يوجد طريقة لمخبلص مف ىذه الحالة‪ .‬قد تكوف الطريقة بسيطة‪،‬‬
‫قد تكوف فريدة مف نوعيا‪ ،‬لكنيا موجودة! نعـ يا سيدي! إنيا موجودة‪ .‬ىي الذكريات!‪ ..‬عزيزي السيد‬
‫ىايتزماف‪ ،‬أرجوؾ‪ ،‬حاوؿ أف تتذكر المراحؿ المختمفة مف حياتؾ‪ .‬ابحث عف أي ذكرى يمكنيا أف‬
‫تجمب لؾ مشاعر البيجة والسرور‪"..‬‬

‫"‪ ..‬واألىـ مف ذلؾ‪ ،‬إذا كاف ىناؾ أحدىـ قطعت لو وعد ولـ تنفذ ىذا الوعد‪ ،‬وحاوؿ أف تجد طريقة‬
‫لتنفيذ ىذا الوعد اآلف‪ .‬أنا أطمب منؾ ذلؾ لصالحؾ‪ ،‬لصالح العمـ‪ ،‬حاوؿ لمدة يوميف أو ثبلثة أف‬
‫تتذكر المحظات الجيدة في حياتؾ‪ .‬لدينا أجيزة لمراقبة أداء العديد مف أعضاء جسمؾ‪ .‬المراقبة‬
‫تجري دقيقة بدقيقة‪ .‬إذا قمت بما نصحتؾ بو‪ ،‬واذا بدأت ىذه األجيزة باإلشارة إلى نتائج إيجابية‪،‬‬
‫فسوؼ يكوف ىناؾ بكؿ تأكيد فرصة ألف تعود إلى الشفاء الكامؿ‪ .‬نعـ يا سيدي! سوؼ تنجح!‬
‫سوؼ أجد طريقة بكؿ تأكيد‪ .‬أو ربما سوؼ تجدىا أنت عمى طريقتؾ الخاصة‪ .‬أو ربما تأتي‬
‫لوحدىا‪ ..‬حياتؾ سوؼ تتجاوز األمر بطريقتيا الخاصة‪"..‬‬

‫‪223‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫سكت البروفيسور وراح مرة أخرى يحدؽ إلى يد مريضو المستمقي دوف حراؾ أمامو‪ .‬بعد عدة ثواني‬
‫حصمت إشارة اليد المعيودة فخرج البروفيسور مف الغرفة‪.‬‬

‫‪....................‬‬

‫مثؿ الكثير مف الناس‪ ،‬بدأ "جوف ىايتزماف" يتذكر ماضيو‪ .‬كاف لديو عمى األقؿ شيء مف‬
‫االستيعاب لما شرحو لو البروفيسور‪ .‬يمكنو أف يحاوؿ إيجاد لحظات سعيدة مف الماضي‪ ،‬وربما‬
‫سيكوف ليا تأثير إيجابي‪ .‬المشكمة ىي أف كؿ ما اختبره في حياتو يبدو ليس فقط مجرد مف أي‬
‫شيء مبيج وسعيد‪ ،‬بؿ كاف غير مثير وعديـ المشاعر أيضاً‪.‬‬

‫تذكر "ىايتزماف" كيؼ أخذ بنصيحة والده وتزوج ابنة ممياردير‪ ،‬مضيفاً المزيد مف األمواؿ‬
‫المبراطوريتو المالية‪ .‬لكف الزواج لـ يجمب لو أي رضى‪ ،‬تبيف أف زوجتو عاقر‪ ،‬وبعد عشر سنوات‬
‫مف الحياة الزوجية ماتت نتيجة جرعة زائدة مف المخدرات‪.‬‬

‫ثـ تزوج مف عارضة أزياء والتي كاف مظيرىا يوحي بصورة زوجة محبة بشغؼ‪ .‬لكف بعد الزفاؼ‬
‫بستة أشير جمب لو حراسو األمنييف صور ليا وىي تمرح مع عشيقيا السابؽ‪ .‬لـ يشأ أف يناقش‬
‫الموضوع معيا‪ .‬أصدر أوامره ببساطة إلى حراسو لكي يحرصوا عمى أف ال يكوف ىناؾ أي مناسبة‬
‫ليراىا أو يتذكرىا حتى‪.‬‬

‫خبلؿ استرجاعو لذكرياتو وصؿ "ىايتزماف" إلى المرحمة التي استمـ فييا زماـ األمور في امبراطورية‬
‫والده‪ .‬لـ يتمكف مف تحديد وال حتى مناسبة واحدة سعيدة والتي شعر بالتعمؽ بيا واستخداميا كمصدر‬
‫لمعواطؼ اإليجابية‪ .‬كاف ىناؾ لحظة واحدة سعيدة فقط والتي يمكنو تذكرىا‪ .‬وىو عندما أثبت لوالده‬
‫بأنو ما مف حاجة لبقائيـ المالكيف الحصرييف لصندوؽ النقد الدولي‪ ،‬حيث ىناؾ مستثمريف آخريف‬
‫في الصندوؽ والذيف يسعوف إلى مردود أفضؿ‪ ،‬يمكنيـ تسخير كامؿ طاقاتيـ العقمية لزيادة رأسماؿ‬
‫الصندوؽ‪ ،‬وبالتالي يعمموف لحسابيما‪ ،‬أي لحساب عائمة "ىايتزماف"‪ .‬استغرؽ والده بعض الوقت‬
‫وىو يفكر بالموضوع‪ .‬وبعد عدة أياـ‪ ،‬عمى مائدة العشاء‪ ،‬كسر الجميد المألوؼ وتقدـ إلى ابنو‬
‫بالحميد وقاؿ‪:‬‬

‫‪221‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫"‪ ..‬أنا أوافؽ عمى اقتراحؾ يا جوف بخصوص صندوؽ النقد‪ .‬أنت عمى السكة الصحيحة‪ .‬مبروؾ!‬
‫استمر قدماً وقـ بالتفكير بخصوص مجاالت أخرى أيضاً‪ .‬لقد آف األواف لكي تستمـ زماـ األمور‪"..‬‬

‫طواؿ األياـ القميمة التالية كانت معنويات "جوف ىايتزماف" مرتفعة ومزاجو مبتيج‪ .‬لقد اتخذ عدة‬
‫ق اررات أخرى وزاد مدخوؿ امبراطوريتو المالية‪/‬االقتصادية أكثر‪ .‬لكف بعد ذلؾ لـ يستخمص مف عممو‬
‫أي مشاعر خاصة بالفرح‪ .‬كمو صار روتيف‪ .‬كانت تقارير زيادة المرابح باردة وخالية مف العاطفة‪ .‬لـ‬
‫يعد يتمقى أي حميد عمى إنجازاتو‪ .‬والده مات‪ ،‬والحميد اآلتي مف أولئؾ األقؿ شأناً لـ تجمب لو أي‬
‫متعة مف أي نوع‪.‬‬

‫استمر "جوف ىايتزماف" بالعودة بذكرياتو ووصؿ إلى مرحمة طفولتو‪ .‬لحظات المقاء النادرة مع والده‬
‫كانت شاحبة في خاطره‪ .‬والده الصارـ أبداً‪ ،‬بصفتو تقميد في العائمة‪ ،‬كاف يقدـ النصح إلبنو في‬
‫حضور المربيات والمعممات الموات وظفيف لرعاية "جوف" الصغير‪.‬‬

‫فجأة‪ ،‬جرت موجة مف الدفئ عبر جسـ الممياردير المستمقي دوف حراؾ عمى سريره‪ .‬حصمت رجفة‬
‫ممتعة في جسمو‪ .‬وسط ذكريات "ىايتزماف" رفعت الستارة عف مشيد ساطع وواضح‪ .‬رأى الزاوية‬
‫القصوى مف حديقة منزؿ عائمتو وىناؾ‪ ،‬محاط بأعشاب األكاسيا‪ ،‬يقع المنزؿ الصغير الذي ارتفاعو‬
‫متريف مع نافذة واحدة‪ .‬لسبب ما غامض‪ ،‬جميع األطفاؿ يتوقوف إلى بناء منازؿ خاصة بيـ‪،‬‬
‫فسحتيـ الخاصة‪ .‬ىذا التوؽ يكوف حاض اًر في الطفؿ حتى لو كاف يممؾ غرفتو الخاصة في منزؿ‬
‫والديو أو أنو يتشارؾ نفس الغرفة مع والديو‪ .‬كافة األوالد تقريباً يمروف في فترة يندفعوف خبلليا إلى‬
‫بناء مأواىـ الخاص‪ .‬يبدو أنو داخؿ كؿ رجؿ يوجد جيف خاص يحتفظ بذكرى قديمة تحثو عمى خمؽ‬
‫فسحتو الخاصة‪ .‬وتمبية ليذا النداء الداخمي الذي يتولد مف أعماؽ األبدية‪ ،‬يسعى الشخص إلى تنفيذه‬
‫في الحاؿ‪ .‬ال ييـ مد ى عشوائية العمؿ بالمقارنة مع البيوت العصرية‪ ،‬ألف الرجؿ الذي يبني منزلو‬
‫بنفسو سوؼ يستمد منو الشعور بالرضى واالكتفاء أكثر مف أي شقة أو منزؿ عمى آخر طراز‪.‬‬

‫وىكذا قرر "جوف ىايتزماف" ذو السنوات التسع مف عمره‪ ،‬والذي لديو غرفتيف واسعتيف في منزؿ‬
‫والديو‪ ،‬أف يبني منزلو الخاص الصغير بيديو‪ .‬قاـ ببناء المنزؿ الصغير بواسطة عمب الببلستيؾ التي‬
‫تُستخدـ لزرع بذور النباتات‪ .‬تبيف أف ىذه العمب أثبتت حدواىا كحجارة بناء‪ .‬كانت ألوانيا متنوعة‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫صنع "جوف" الجدراف مف العمب الزرقاء‪ ،‬مع حدود صفراء حوؿ كامؿ محيط المنزؿ الصغير‪ .‬جمع‬
‫العمب فوؽ بعضيا البعض بحيث تثبت ببعضيا تمقائياً بواسطة شكميا الذي يسمح بذلؾ‪ .‬في أحد‬
‫الجدراف جعؿ "جوف" أسفؿ العمب تتجو إلى الخارج‪ ،‬وىذا جعؿ الجية الداخمية مف الجدار مؤلفة مف‬
‫عدد كبير مف الرفوؼ‪ .‬أما السقؼ فقد صنعو مف وضع ألواح مف الكرتوف متماسكة مف خبلؿ تثبيت‬
‫قطعة كبيرة مف النايموف عمييا جمعاً‪.‬‬

‫أمضى أسبوع كامؿ يبني منزلو الصغير‪ ،‬مستغبلً ثبلثة ساعات في اليوـ ُيسمح لو خبلليا التفسح‬
‫في اليواء الطمؽ‪ .‬في اليوـ السابع‪ ،‬عندما حاف أواف الفسحة‪ ،‬توجو مباشرة نحو منزلو الصغير الواقع‬
‫في إحدى الزوايا عند نياية الحديقة‪ .‬مزيحاً أعشاب األكاسيا‪ ،‬ورأى منزلو الذي بناه وجمد في مكانو‬
‫بذىوؿ‪ .‬ىناؾ عند مدخؿ المنزؿ وقفت فتاة صغيرة تنظر إلى داخؿ المنزؿ‪ .‬كانت الفتاة ترتدي تنورة‬
‫لونيا أزرؽ فاتح وبموزة بيضاء مع شراشيب عمى األكماـ‪ .‬شعرىا الكستنائي تدلى عمى كتفييا‪ .‬في‬
‫البداية‪ ،‬استجاب "جوف" ليذا الوضع بالقميؿ مف الغيرة بسبب وجود غريب بجانب منزلو‪ ،‬وسأؿ بنبرة‬
‫انزعاج‪ .." :‬ماذا تفعميف ىنا؟‪"..‬‬

‫أدارت الفتاة وجييا الجميؿ الصغير نحوه وأجابت‪ .." :‬أنا استعجب‪ ."..‬قاؿ "جوف"‪ .." :‬مف ماذا‬
‫تستعجبيف؟‪ ."..‬قالت‪ .." :‬مف ىذا المنزؿ الصغير المذىؿ والذكي‪ ."..‬سأؿ جوف بدىشة‪ .." :‬ما ىو‬
‫ىذا المنزؿ؟‪ ."..‬أجابت الفتاة‪ .." :‬ىو مذىؿ واألكثر ذكاء‪ ."..‬قاؿ "جوف" متفك اًر‪ .." :‬قد تكوف‬
‫المنازؿ مذىمة‪ ،‬لكنني لـ أسمع بأنيا توصؼ بالذكاء‪ ..‬فقط األشخاص يمكف أف يكونوا أذكياء‪."..‬‬

‫أجابت الفتاة شارحة‪ .." :‬نعـ طبعاً‪ ،‬يمكف لؤلشخاص أف يكونوا أذكياء‪ ،‬لكف عندما يبني شخص‬
‫ذكي منزالً‪ ،‬فيذا األخير سوؼ يتحوؿ إلى شيء ذكي أيضاً‪."..‬‬

‫سأليا "جوف" قائبلً‪ .." :‬وماذا تجدينو ذكياً بخصوص ىذا المنزؿ؟‪"..‬‬

‫أجابت الفتاة‪ .." :‬طريقة بناء الجدار الداخمي ىي ذكية جداً‪ .‬ىو يحتوي عمى الكثير مف الرفوؼ‪.‬‬
‫يمكنؾ وضع الكثير مف األشياء المفيدة في ىذه الرفوؼ‪ ،‬واأللعاب أيضاً‪"..‬‬

‫‪223‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫كاف "جوف" سعيداً بالطريقة التي شرحت فييا الفتاة األمور‪ .‬ىذا الكبلـ أطراه‪ ،‬ومف الممكف أف الفتاة‬
‫أعجبتو ايضاً‪ .‬فكر في نفسو‪ :‬ىذه الفتاة جميمة‪ ،‬وتشرح األمور بذكاء‪ .‬ثـ قاؿ ليا‪ .." :‬أنا الذي بنيت‬
‫ىذا المنزؿ‪ ،"..‬ثـ أضاؼ قائبلً‪ .." :‬ما ىو اسمؾ؟‪"..‬‬

‫أجابتو الفتاة‪ .." :‬أنا سالي‪ ،‬وعمري سبع سنوات‪ .‬أنا أعيش ىنا في قسـ الخدـ‪ ،‬منذ أف بدأ والدي‬
‫يعم ؿ كبستاني ىنا‪ .‬ىو يعرؼ الكثير عف النباتات وىو يعممني‪ .‬أصبحت أعرؼ كيؼ أنمي الزىور‬
‫وكيؼ أطعـ األغصاف إلى األشجار‪ ..‬وما ىو اسمؾ؟ وأيف تعيش؟‪"..‬‬

‫أجابيا الفتى‪ .." :‬أنا أعيش في القصر‪ ..‬واسمي ىو جوف‪"..‬‬

‫سألتو الفتاة‪ .." :‬ىؿ ىذا يعني أنؾ ابف السيد؟‪"..‬‬

‫أجابيا‪ .." :‬نعـ‪"..‬‬

‫قالت‪ .." :‬إذاً‪ ،‬يا جونيكنز‪ ،‬دعنا نمعب بيت وبيت!‪"..‬‬

‫قاؿ‪ .." :‬كيؼ نمعب ىذا؟‪"..‬‬

‫قالت‪ .." :‬نمعبيا وكأننا نعيش في ىذا المنزؿ‪ ،‬كما يعيش الكبار‪ .‬يمكنؾ أف تمعب دور السيد‪ ،‬طمما‬
‫أنؾ ابف السيد‪ ،‬وأنا سوؼ ألعب دور خادمتؾ‪ ،‬طالما أف والدي خادـ ىنا‪"..‬‬

‫قاؿ‪ .." :‬ىذا لف ينفع‪ ..‬وجب عمى الخدـ أف يعيشوا في قسـ الخدـ‪ ..‬فقط الزوج والزوجة مع‬
‫أوالدىما يمكف أف يعيشوا في القصر‪"..‬‬

‫قالت‪ .." :‬إذاً سوؼ ألعب دور الزوجة‪ ..‬ىؿ يمكنني أف أكوف زوجتؾ يا جونيكنز؟‪"..‬‬

‫‪224‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫لـ يجيب "جوف" عمى ىذا السؤاؿ األخير‪ .‬دخؿ إلى المنزؿ وألقى نظرة سريعة ثـ استدار إلى "سالي"‬
‫التي بقيت واقفة خارج الباب‪ .‬وقاؿ بفضاضة‪ .." :‬حسناً‪ ،‬ىيا ادخمي والعبي دور الزوجة‪ .‬عمينا أف‬
‫نفكر كيؼ سوؼ نزيّف الداخؿ‪"..‬‬

‫دخمت "سالي" إلى المنزؿ‪ .‬نظرت إلى عيني "جوف" برقة واثارة وقالت وكأنيا تيمس لو‪ .." :‬شك ارً يا‬
‫جونيكنز‪ .‬سوؼ أحاوؿ أف أكوف زوجة جيدة لؾ‪"..‬‬

‫لـ يأتي "جوف" إلى منزلو كؿ يوـ‪ .‬خبلؿ فترة الفسحة في اليواء الطمؽ لـ ُيسمح لو دائماً المعب في‬
‫الحديقة‪ .‬كاف يؤخذ بدالً مف ذلؾ‪ ،‬مع مرافقة الحراس الشخصييف والمعممات‪ ،‬إلى زيارة الحديقة‬
‫العامة أو إلى ديزنيبلند‪ ،‬أو الذىاب إلى ركوب الخيؿ‪ .‬لكف عندما كاف يتمكف مف اليروب إلى منزلو‬
‫الصغير‪ ،‬كاف دائماً يجد "سالي" تنتظره‪ .‬مع كؿ زيارة إلى منزلو الصغير كاف "جوف" يبتيج‬
‫بالتغييرات الحاصمة في المنزؿ‪ .‬في البداية ظيرت سجادة عمى األرض‪ ،‬ساىمت بيا "سالي"‪ .‬ثـ‬
‫ستائر صغيرة عمى النافذة وفوؽ المدخؿ‪ .‬ثـ جاءت طاولة دائرية صغيرة مع إطار صورة فارغ‬
‫عمييا‪ .‬قالت "سالي"‪:‬‬

‫"‪ ..‬يا جونيكنز‪ ،‬إف مجيئؾ إلى ىنا أصبح يقؿ تدريجياً‪ .‬أنا أنتظرؾ دائماً‪ ،‬لكنؾ ال تأتي‪ .‬أعطيني‬
‫صورة فوتوغرافية لؾ‪ ،‬وسوؼ أضعيا في ىذا اإلطار‪ .‬يمكنني حينيا أف أنظر إلى صورتؾ وىذا‬
‫سوؼ يسيؿ عمي األمر خبلؿ انتظاري لؾ‪"..‬‬

‫ترؾ "جوف" صورة فوتوغرافية لو عندما جاء ليودع القصر‪ ،‬وكذلؾ "سالي"‪ .‬كاف سينتقؿ مع والديو‬
‫إلى قصر آخر‪.‬‬

‫‪....................‬‬

‫ابتسـ الممياردير "جوف ىايتزماف" المستمقي عمى سريره في شقتو الفاخرة خبلؿ تذكر ىذا المقطع مف‬
‫حياتو‪ ،‬بكؿ تفصيؿ منيا‪ ،‬تمؾ العبلق ة الطفولية مع الفتاة الصغيرة "سالي"‪ .‬فقط اآلف أدرؾ أف تمؾ‬
‫الفتاة كانت تحبو‪ .‬أحبتو مف أوؿ حب طفولي ليا‪ .‬كاف طائش‪ ،‬غير مستجاب‪ ،‬وصادؽ ومخمص‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ربما‪ ،‬فقط ربما‪ ،‬ىو أيضاً أحبيا‪ ،‬أو ربما كانت مجرد نزوة عابرة‪ .‬لكنيا بكؿ تأكيد أحبتو‪ ،‬وأكثر مف‬
‫أي شخص آخر يمكف أف يحبو لباقي حياتو‪ .‬وىكذا بقيت الذكريات المتعمقة بالمنزؿ الصغير في‬
‫زاوية الحديقة وتواصمو مع "سالي" تستنيض بداخمو الكثير مف المشاعر الدافئة والسعيدة‪ .‬ىذه‬
‫المشاعر بعثت الدفئ في كامؿ جسمو وجعمتو يشعر بتحسف‪.‬‬

‫بعد انتقالو مف ذلؾ القصر‪ ،‬التقى بػ"سالي" مرة واحدة فقط‪ ،‬وذلؾ بعد احدى عشرة سنة‪ .‬لكف ىذه‬
‫المرة‪ ..‬مشاعر جديدة أثارت جسمو بالكامؿ‪ .‬حتى أف "جوف ىايتزماف" نيض مف سريره جزئياً‪ .‬راح‬
‫قمبو يضخ الدـ في عروقو بقوة متزايدة‪ .‬ذلؾ المقاء‪ ..‬لقد نسيو تماماً‪ .‬لـ يفكر بو أبداً طواؿ ىذه الفترة‬
‫المديدة‪ .‬لكنو اآلف احتؿ كامؿ أفكاره وجعمتو مثا اًر‪.‬‬

‫عاد إلى القصر الذي قضى فيو طفولتو‪ ،‬عائداً بعد احدى عشرة سنة لمزيارة ليوـ واحد فقط‪ .‬ىذا ىو‬
‫كؿ الوقت الذي يمكنو توفيره‪ .‬بعد تناوؿ طعاـ الغداء خرج إلى الحديقة‪ ،‬وبطريقة ما وجد نفسو‬
‫متوجياً إلى الزاوية البعيدة لمحديقة‪ ،‬حيث بيف أعشاب األكاسيا بنى منزلو الصغير‪ .‬مع زياحة‬
‫األعشاب ودخولو إلى الفسحة‪ ،‬جمد في مكانو مدىوشاً‪ .‬المنزؿ الصغير الذي بناه قبؿ احدى عشرة‬
‫سنة كاف واقفاً أمامو في نفس الموقع‪ .‬لكف كامؿ محيطو‪ ..‬كؿ ما حولو مميئ باألزىار‪ ،‬ودرب رممية‬
‫قادت إلى المدخؿ‪ ،‬حيث يوجد اآلف مقعد طويؿ‪ .‬وحتى المنزؿ بذاتو كاف مميء باألزىار‪ .‬لـ يكف‬
‫المقعد ىنا مف قبؿ‪ ،‬لكنو موجود اآلف‪ .‬ىذا ما الحظو "جوف" البالغ‪ .‬أزاح الستارة المغطية لممدخؿ‬
‫وانحنى ودخؿ إلى المنزؿ الصغير‪.‬‬

‫بعدىا مباشرة شعر بحضور شخص آخر‪ .‬كانت الصورة الفوتوغرافية العائدة لطفولتو واقفة عمى‬
‫الطاولة الدائرية كما السابؽ‪ .‬كانت الرفوؼ مرتبة وأنيقة وتمؤلىا ألعاب "سالي" الطفمة‪ .‬عمى أحد‬
‫الرفوؼ القريبة مف الطاولة يوجد وعاء مميء بالفواكو الطازجة‪ .‬فراش ىوائي موجود عمى األرض‬
‫ومثبت فوقو شرشؼ صغير‪ .‬وقؼ "جوف" ىناؾ في المنزؿ الصغير لمدة عشريف دقيقة‪ ،‬متذك اًر‬
‫مشاعر سعيدة مف طفولتو‪ .‬تسائؿ‪ ،‬لماذا ىذا يحصؿ؟‪ .‬لقد ممكت عائمتو عدد كبير مف القصور‬
‫الجميمة‪ .‬حتى أف ىناؾ قمعة‪ .‬لكف ال القمعة وال القصور أثارت ىكذا مشاعر محببة كما يحصؿ ىنا‬
‫في ىذا المنزؿ الصغير المبني مف عمب ببلستيكية‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫عندما خرج مف المنزؿ الصغير‪ ،‬لمح "سالي"‪ .‬كانت تقؼ ىناؾ بصمت عند المدخؿ‪ ،‬كما لو أنيا‬
‫مترددة في تعطيؿ الذكريات التي كانت تجري في ذىنو‪ .‬نظر إلييا "جوف‪ ،‬والحظ وجنتييا تممعاف‬
‫بالموف األحمر‪ .‬أخفضت عينييا بخجؿ‪ ،‬وقالت بصوت عاطفي ناعـ مخممي ورقيؽ بشكؿ غير‬
‫طبيعي‪ .." :‬مرحباً‪ ،‬جونيكنز‪"..‬‬

‫لـ يجيبيا مباشرة‪ .‬وقؼ ىناؾ يستعجب بجسد "سالي" البالغ والجميؿ جداً‪ .‬فستانيا الحاضف لجسميا‬
‫تطاير مع نسمة اليواء‪ .‬عبر شفافية القماش يمكف رؤية تكاويف ىيئتيا المنحوتة‪ .‬لـ يعد لفتاة صغيرة‬
‫بؿ صبية بالغة‪ ،‬أنثى لينة وطرية‪.‬‬

‫قاؿ جوف كاس اًر صمت طويؿ‪ .." :‬مرحباً يا سالي‪ .‬مازلتي ترعيف المنزؿ ىنا؟‪"..‬‬

‫قالت‪ .." :‬نعـ‪ ،‬في النياية‪ ،‬أنا وعدتؾ بذلؾ‪ .‬ىناؾ بعض الفاكية في الداخؿ‪ ،‬إنيا مغسولة‪ .‬تناوؿ‬
‫بعضيا‪ .‬إنيا لؾ‪"..‬‬

‫قاؿ‪ .." :‬فيمت‪ ..‬إنيا لي‪ ..‬حسناً‪ ،‬إذاً‪ ،‬دعينا ندخؿ معاً ونتناوؿ منيا‪"..‬‬

‫أزاح "جوف" الستارة جانباً‪ ،‬داعيا "سالي" أف تسبقو في الدخوؿ‪ .‬دخمت وجثمت عمى األرض‪ .‬أخذت‬
‫وعاء الفاكية مف الرؼ ووضعتو عمى الطاولة بقرب الصورة الفوتوغرافية المؤطرة‪ .‬لـ يكف ىناؾ أي‬
‫كراسي في المنزؿ الصغير‪ ،‬وجمس "جوف" عمى السجادة‪ .‬مد يده وتناوؿ عنقود مف العنب وخبلؿ‬
‫العممية لمس كتؼ "سالي"‪ .‬أدارت رأسيا والتقت عيناىما‪ .‬شيقت بحدة‪ ،‬مما أدى إلى فؾ أحد أزرار‬
‫الفستاف مف جية صدرىا‪ .‬أمسؾ "جوف" بكتفي "سالي" وشدىا نحوه‪ .‬ىي لـ تقاوـ‪ .‬بؿ بالعكس‪ ،‬حيث‬
‫مالت عميو بجسميا المحموـ والمتوىج‪ .‬لـ تقاوـ "سالي" عندما ألقاىا "جوف" ببطئ وحذر عمى‬
‫السجادة‪ ،‬وراح يقبميا ويبلطفيا و‪...‬‬

‫كانت "سالي" عذراء‪ ..‬لـ يدخؿ "جوف" مف قبؿ وال بعد في عبلقة حميمة مع عذراء‪ .‬واآلف‪ ،‬بعد‬
‫مرور أربعيف سنة عمى آخر لقاء‪ ،‬أدرؾ "جوف ىايتزماف" فجأة بأف ىذه كانت المحظة الوحيدة التي‬
‫كانت جميمة وحميمة فعمياً مع امرأة‪ ،‬أو باألحرى‪ ،‬فتاة حوليا ىو إلى امرأة‪ .‬بعد ذلؾ‪ ،‬غطا في النوـ‬

‫‪227‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫لفترة قصيرة‪ .‬عندما استيقضا‪ ،‬راحا يتحادثاف معاً‪ .‬عف ماذا تحدثا؟ راح "جوف ىايتزماف" يعصر‬
‫دماغو بقدر ما يستطيع‪ .‬أراد كثي اًر اف يتذكر جزء مف الحديث عمى األقؿ‪ .‬ثـ تذكر‪.‬‬

‫ذكرت "سالي" كـ ىي الحياة جميمة‪ .‬قالت بأف والدىا كاف يجمع الماؿ لشراء قطعة أرض ليا‪ ،‬والتي‬
‫إذا أمكف الحقاً‪ ،‬يمكنو بناء منزؿ متواضع ليا‪ .‬و"سالي" نفسيا سوؼ تقوـ بتصميـ الحديقة وتزرع‬
‫فييا تنوع كبير مف النباتات‪ ،‬وسوؼ تعيش حياة سعيدة وتنشئ أوالدىا ىناؾ‪ .‬قرر "جوف" في حينيا‬
‫في نفسو بأنو سوؼ يساعد "سالي"‪.‬‬

‫تأمؿ "جوف ىايتزماف" في نفسو‪ .." :‬يا لمعجب‪ ،‬ىذه فتاة يمكنيا أف تكوف سعيدة فقط بحيازة قطعة‬
‫أرض وعمييا منزؿ صغير‪ .‬مجرد أشياء تافية‪ .‬كاف عمي أف ال أنسى مساعدتيا في الحصوؿ عمى‬
‫قطعة األرض‪ ،‬وبناء المنزؿ‪"..‬‬

‫لكف "جوف" نسي فعبلً ما كاف ينويو‪ .‬لقد نسي كمياً بخصوص "سالي"‪ .‬لقد كاف انتباىو مشدوداً نحو‬
‫مغريات حياتو المتعددة‪ .‬يخت جديد وطائرتو الخاصة جمبا لو السعادة لعدة أياـ‪ .‬ثـ وجد عامؿ إلياء‬
‫طويؿ األمد في إدارة أسواؽ الماؿ‪ ،‬ومضيفاً المزيد مف الميارات إلى ثروة وممتمكات والده‪ ،‬والتي‬
‫ورثيا الحقاً‪ .‬كاف ىذا العمؿ األخير عامؿ إلياء شغمو ألكثر مف عشريف سنة متواصمة‪ .‬ىذا العمؿ‬
‫طغى عمى كؿ شيء آخر‪ .‬ثـ خاض مرحمة زواجو األوؿ‪ ،‬ثـ زواجو الثاني‪ .‬لـ تخمفف زوجاتو أي‬
‫أثر ليما ورائيما‪ .‬بعد أف بمغ سف األربعيف‪ ،‬لـ تعد إدارة األسواؽ تمنحو أي متعة‪ ،‬ثـ بدأ يعاني‬
‫بعدىا مف نوبات كآبة متواترة‪ ،‬والتي انتيت أخي اًر إلى إصابتو بانييار عصبي‪.‬‬

‫لكف اآلف لـ يعد "جوف ىايتزماف" في حالة كآبة‪ .‬ذكرياتو عف "سالي" حركتو بالكامؿ‪ .‬لكف بنفس‬
‫الوقت جعمتو غاضباً مف نفسو‪ .‬فكر في نفسو‪ .." :‬كيؼ يمكف ليذا أف يحصؿ؟ وعدت نفسي بأنني‬
‫سوؼ أساعد سالي‪ ،‬ىذه الفتاة التي أحبتني‪ ،‬أف أوفر ليا قطعة أرض ومنزؿ صغير‪ ،‬وقد نسيت‪"..‬‬

‫"جوف ىايتزماف" ىو رجؿ معتاد عمى اإللتزاـ بوعوده‪ ،‬خصوصاً تمؾ التي قطعيا عمى نفسو‪ .‬أدرؾ‬
‫بأنو لف يتوقؼ عف الغضب عمى نفسو إال إذا‪...‬‬

‫‪228‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ضغط عمى الزر إلحضار السكراتير‪ .‬عندما دخؿ السكراتير‪ ،‬كاف "جوف ىايتزماف" يجمس عمى‬
‫جانب السرير‪ .‬رغـ أنو وجد صعوبة في التمفظ بالكبلـ‪ ،‬حيث ىذه المرة األولى منذ ستة شيور‬
‫يحاوؿ أف يتكمـ فييا‪ .‬قاؿ‪ .." :‬قبؿ حوالي خمسيف سنة كنت أعيش في قصر معيف‪ ،‬وأنا ال أتذكر‬
‫العنواف‪ ،‬يمكنؾ إيجاده في األرشيؼ‪ .‬كاف يوجد بستاني يعمؿ ىناؾ‪ ،‬وأنا ال أتذكر اسمو‪ ،‬لكنو‬
‫موجود حتماً في دفاتر الحسبات في األرشيؼ‪ .‬كاف لدى البستاني ابنة‪ ،‬اسميا سالي‪ ،‬ابحث أيف‬
‫تسكف سالي اآلف‪ .‬أنا أحتاج ىذه المعمومة غداً صباحاً في الحد األقصى‪ .‬واذا حصمت عمييا أبكر‬
‫مف ذلؾ قـ بإعبلمي فو ارً‪ ،‬بغض النظر عف الساعة‪ ،‬في الميؿ أو النيار‪ .‬نفذ اآلف!‪"..‬‬

‫قرع السكراتير الباب في فجر الصباح التالي‪ .‬عند دخولو إلى المكتب‪ ،‬كاف "جوف ىايتزماف" يجمس‬
‫عمى الكرسي المتحرؾ بجانب النافذة‪ ،‬مرتدياً بذلة رسمية‪ .‬كاف حالقاً ذقنو وشعره ممشط وأنيؽ‪ .‬قاؿ‬
‫لو السكراتير‪ .." :‬سيدي‪ ،‬تـ صرؼ البستاني قبؿ أربعيف سنة ومات بعدىا بقميؿ‪ .‬قبؿ موتو تمكف‬
‫مف شراء قطعة أرض في مزرعة ميجورة في والية تكساس‪ .‬بدأ يبني عمى ىذه األرض منزؿ‪ ،‬لكنو‬
‫كسر ظيره خبلؿ عممية البناء ومات‪ .‬أكممت ابنتو سالي بناء المنزؿ وىي تعيش فيو اآلف‪ .‬وىذا ىو‬
‫العنواف‪ .‬ىذا كؿ ما لدينا مف تفاصيؿ في الوقت الحالي‪ .‬لكف إذا أمرت فسوؼ نستمر في جمع كؿ‬
‫المعمومات التي تحتاجيا‪"..‬‬

‫أخذ "جوف ىايتزماف" الورقة مف السكراتير وتفحصيا جيداً‪ .‬بعد أف طواىا بترتيب وضعيا في الجيب‬
‫الداخمي مف الجاكيت وقاؿ‪ .." :‬دع الطوافة تحضر نفسيا لمطيراف خبلؿ ثبلثيف دقيقة‪ .‬أريد أف أىبط‬
‫عمى بعد أربعة أو خمسة أمياؿ مف منزليا في تكساس‪ .‬دع سيارة تنتظرني في موقع اليبوط ىناؾ‪.‬‬
‫أريدىا سيارة عادية‪ ،‬ليس ليموزيف‪ ،‬وال أريد حراس شخصييف‪ ،‬فقط السائؽ‪ .‬نفذ اآلف!‪"..‬‬

‫‪....................‬‬

‫في الساعة الثالثة بعد الظير‪ ،‬كاف "جوف ىايتزماف" يعرج ببطئ متكئاً عمى عصاه‪ ،‬ويشؽ طريقو‬
‫وسط الدرب المرصوفة المؤدية إلى كوخ متواضع تحيطو خضرة زكية الرائحة‪ .‬عندما لمحيا لممرة‬
‫األولى‪ ،‬كانت تدي ر ظيرىا نحوه‪ .‬كانت المرأة العجوز تقؼ عمى سمـ صغير وتغسؿ الجانب‬

‫‪229‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫الخارجي مف النافذة‪ .‬توقؼ "جوف ىايتزماف" وراح ينظر إلى ىذه المرأة بشعرىا الرمادي الجميؿ‪.‬‬
‫استطاعت أف تشعر بتحديقو إلييا فاستدارت لتواجيو‪.‬‬

‫وقفت ىناؾ لفترة تحدؽ بعينييا إلى الرجؿ العجوز الواقؼ عمى درب منزليا‪ .‬ثـ فجأة قفزت مف عمى‬
‫السمـ وركضت نحوه لتستقبمو‪ .‬كانت مشيتيا خفيفة‪ ،‬ال شيء في ىذه المرأة يدؿ عمى كيولة‪ .‬توقفت‬
‫عمى بعد متر مف حيث يقؼ "ىايتزماف"‪ ،‬وقالت بصوت عاطفي منخفض‪ .." :‬مرحباً يا جونيكنز‪،"..‬‬
‫مباشرة أخفضت عينييا وغطت بيدييا االحمرار عمى خدييا‪.‬‬

‫قاؿ "جوف ىايتزماف"‪ .." :‬مرحباً سالي‪ ،"..‬دوف أف يقوؿ أي كممة أخرى‪ .‬أو بدالً مف ذلؾ‪ ،‬كاف‬
‫يتكمـ لكف مع نفسو فقط‪ ،‬وليس بصوت عالي‪ .." :‬كـ أنت جميمة يا سالي‪ ،‬وكـ ىي جميمة عيناؾ‬
‫البلمعتيف‪ ،‬والتجاعيد الصغيرة حوؿ عينيؾ‪ ..‬الزلت جميمة وفضيمة كما كنت في السابؽ‪"..‬‬

‫ثـ قاؿ بصوت مسموع‪ .." :‬كنت أمر مف ىذا المكاف يا سالي‪ .‬سمعت بأنؾ تعيشيف ىنا‪ ،‬لذلؾ‬
‫قررت أف أمر عميؾ‪ .‬وربما لكي أمضي الميمة ىنا‪ ..‬ىذا إذا لـ أكف أفرض نفسي‪"..‬‬

‫أجابتو "سالي" بفرح‪ .." :‬أنا سعيدة جداً لرؤيتؾ يا جونيكنز‪ .‬يمكنؾ إمضاء الميمة ىنا بكؿ تأكيد‪ .‬أنا‬
‫ىنا وحدي‪ ،‬لكف غداً سوؼ يأتي حفيدي لقضاء أسبوع‪ .‬لدي حفيديف‪ ،‬حفيدة عمرىا تسع سنوات‪،‬‬
‫وحفيد أصبح عمره اثنتي عشرة سنة‪ .‬ىيا أدخؿ يا جونيكنز‪ ،‬سوؼ أحضر لؾ فنجاف مف شاي‬
‫األعشاب‪ .‬أنا أعمـ ما نوع الشاي الذي تحتاجو‪ .‬تعاؿ ىيا‪"..‬‬

‫قاؿ ليا جوف‪ .." :‬إذاً‪ ،‬أنت متزوجة يا سالي؟ وأصبح لديؾ أوالد‪"..‬‬

‫أجابتو سالي بفرح‪ .." :‬الزلت متزوجة يا جونيكنز‪ .‬ورزقنا بإبف واحد‪ .‬واآلف حفيديف‪ ..‬لماذا ال‬
‫تجمس عمى الطاولة ىناؾ في الشرفة‪ ،‬وسوؼ أخرج لؾ الشاي إلى ىناؾ‪"..‬‬

‫جمس "جوف ىايتزماف" عمى أحد الكراسي الببلستيكية عمى الشرفة‪ .‬وعندما جمبت لو "سالي" الشاي‪،‬‬
‫سأليا قائبلً‪ .." :‬كيؼ تعرفيف أي نوع مف الشاي أحتاج يا سالي‪"..‬‬

‫‪233‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫أجابتو‪ .." :‬كاف والدي يجمع األعشاب لوالدؾ‪ .‬كاف يجففيا ومف ثـ يصنع منيا شاي معيف‪ ،‬وكاف‬
‫ىذا الشاي يساعد والدؾ كثي ارً‪ .‬وأنا أيضاً تعممت كيؼ أجمع تمؾ األعشاب‪ .‬قاؿ لي والدي أنؾ أنت‬
‫أيضاً يا جونيكنز ورثت ىذا المرض ذاتو‪"..‬‬

‫سأليا جوف‪ .." :‬لكف كيؼ عرفت أنني قادـ؟‪"..‬‬

‫قالت‪ .." :‬أنا لـ أعرؼ يا جونيكنز‪ .‬لكنني أجمعيا ألنو ربما أحتاجيا‪ .‬لكف قؿ لي يا جونيكنز‪ ،‬كيؼ‬
‫تجري أعمالؾ؟ كيؼ أصبحت األمور في حياتؾ؟‪"..‬‬

‫أجابيا جوف‪ .." :‬أعتقد أنيا تسير بطرؽ كثيرة مختمفة‪ .‬كنت مشغوالً بعدة أشياء متنوعة‪ ،‬لكنني ال‬
‫أريد أف أفكر بذلؾ اآلف‪ .‬لديؾ مكاف جميؿ ىنا يا سالي‪ .‬إنو جميؿ جداً‪ ،‬الكثير مف الزىور‪..‬‬
‫وحديقة‪"..‬‬

‫قالت‪ .." :‬نعـ‪ ،‬ىي جميمة فعبلً‪ .‬أنا أحب العيش فعمياً ىنا‪ .‬لكف أنظر ىناؾ عمى اليميف‪ ،‬إنيـ‬
‫يقيموف مشروع إعمار كبير‪ .‬إنيـ يخططوف لبناء مركز لمعالجة النفايات‪ .‬وىناؾ عمى اليسار يوجد‬
‫معمؿ مف نوع معيف‪ .‬إنيـ يتحدثوف عف نقمنا مف ىذا المكاف‪ ..‬لكف أنت متعب اآلف مف رحمتؾ‪،‬‬
‫يبدو أنؾ كنت تسافر عبر مسافة طويمة يا جونيكنز‪ .‬أستطيع أف أرى كـ أنت مرىؽ‪ .‬سوؼ أجيز‬
‫لؾ السرير بالقرب مف النافذة المفتوحة‪ .‬فقط استمقي وارتاح‪ .‬لكف اشرب الشاي أوالً‪"..‬‬

‫خمع "جوف ىايتزماف" بذلتو مع بعض الصعوبة‪ .‬كاف مرىقاً بالفعؿ‪ .‬كانت عضبلتو مصابة بالضمور‬
‫نتيجة استمقائو في السرير لمدة ستة شيور وبالكاد تساعده في الوقوؼ عمى قدميو‪ .‬تمكف أخي اًر مف‬
‫سحب البطانية فوقو ومف ثـ غط في النوـ مباشرة‪ .‬كاف يعجز مؤخ اًر عف النوـ دوف تناوؿ حبة‬
‫منوـ‪ .‬بينما ىنا كاف األمر أسيؿ بكثير حيث ناـ فو اًر‪ .‬ناـ حتى فترة الظير مف اليوـ التالي ولـ يرى‬
‫الصباح في ىذا اليوـ‪ .‬قاـ مف فراشو واستحـ وخرج إلى الشرفة‪ .‬كانت "سالي" تحضر الغداء في‬
‫المطبخ‪ ،‬وكاف ولد صغير وفتاة صغيرة يساعدانيا‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫عندما رأتو "سالي" قالت مبتيجة‪ .." :‬أىبلً بؾ يا جونيكنز! يبدو أنؾ نمت نوماً ىنيئاً‪ .‬تبدو منتعشاً!‬
‫تعرؼ عمى األحفاد‪ .‬ىذه أيمي‪ ،‬وىذا الشاب الصغير ىو جورج‪"..‬‬

‫قاؿ العجوز جوف‪ .." :‬وأنا اسمي جوف ىايتزماف‪ .‬صباح الخير!‪ ،"..‬ومد يده نحو الولد الصغير‪.‬‬

‫قالت سالي‪ .." :‬ىا أنتما تعرفتما عمى بعضكنا‪ ..‬واآلف اذىبا وامشيا قميبلً لتتكوف لديكما قابمية‬
‫لمطعاـ‪ ،‬بينما أنا وأيمي نحضر الغداء‪"..‬‬

‫قاؿ جورج الصغير ليايتزماف‪ .." :‬أود أف أريؾ حديقتنا‪ ،"..‬فراح كؿ مف الرجؿ العجوز والفتى‬
‫الصغير يمشيا معاً عبر الحديقة الرائعة‪ .‬كاف الفتى الصغير يشير دائماً إلى النباتات المتنوعة ولـ‬
‫يتوقؼ عف الحديث عنيا‪ .‬كاف "ىايتزماف" في حينيا مشغوؿ بأفكاره الخاصة‪ .‬عندما وصبل إلى‬
‫نياية الحديقة‪ ،‬أعمف الفتى قائبلً‪ .." :‬خمؼ أعشاب األكاسيا ىذه يقع منزلي‪ ،‬جدتي بنتو لي‪"..‬‬

‫أزاح "ىايتزماف" األعشاب وألقى نظرة‪ ..‬ىناؾ وسط فسحة صغيرة خمؼ أعشاب األكاسيا وقؼ منزلو‬
‫الصغير‪ ،‬المصنوع مف نفس عمب الببلستيؾ‪ .‬فقط السقؼ بدا مختمفاً قميبلً‪ .‬والستارة عمى المدخؿ‬
‫كانت مختمفة‪ .‬أزاح "ىايتزماف" الستارة وانحنى قميبلً مع دخولو المنزؿ الصغير‪ .‬كافة المفروشات ىي‬
‫كما يتذكرىا‪ .‬فقط الصورة عمى الطاولة كانت مغمفة بطبقة مف النايموف‪ .‬بدا ليايتزماف أف الصورة‬
‫ىي لحفيد سالي‪ .‬راح يفكر‪ .." :‬كؿ شيء ىو في مكانو المعيود‪ ..‬يبدو أف ىذا المنزؿ الصغير لو‬
‫صاحب جديد وىو صاحب الصورة عمى الطاولة‪ ."..‬التقط "ىايتزماف" الصورة وحمميا بيديو‪ .‬ولكي‬
‫يخمؽ محادثة مع الصغير‪ ،‬عمؽ قائبلً‪ .." :‬حسناً يا جورج الصغير‪ ،‬يبدو أف صورتؾ مناسبة ىنا‪"..‬‬

‫أجابو الفتى‪ .." :‬لكف ىذه ليست صورتي‪ ،‬يا عـ جوف‪ .‬ىذه صورة فتى كاف صديقاً لجدتي خبلؿ‬
‫صفولتيا‪ .‬صادؼ وأنو يشبيني‪"..‬‬

‫‪....................‬‬

‫‪232‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫شؽ "جوف اىيتزماف" طريؽ عودتو صعوداً عبر درب الحديقة بأسرع ما سمحت بو رجميو‪ ،‬يعرج‬
‫متكئاً عمى عصاه‪ ،‬ويتعثر في معظـ األوقات‪ .‬وصؿ وىو يميث وشاعر باإلرباؾ‪ ،‬تقدـ نحو "سالي"‬
‫وسأليا‪ .." :‬أيف ىو اآلف؟‪ ..‬أيف زوجؾ يا سالي؟‪ ..‬أيف‪"..‬‬

‫قالت سالي‪ .." :‬أرجوؾ اىدأ يا جوف‪ ..‬وجب أف ال تسمح لنفسؾ أف تكوف مستثا ارً‪ .‬أجمس أرجوؾ‪..‬‬
‫يبدو يا جوف بأنو في طفولتي وعدت فتى جميؿ بأنني سوؼ أكوف زوجتو‪"..‬‬

‫صاح جوف بصوت عالي وانتفض مف الكرسي‪ .." :‬لكف تمؾ كانت لعبة!‪ ..‬لعب أطفاؿ!‪"..‬‬

‫أجابتو سالي‪ .." :‬ربما كذلؾ‪ ،‬لكف عمى أي حاؿ‪ ،‬دعونا نعتبر أنني مستمرة في ىذه المعبة‪ .‬وأنا‬
‫الزلت أمثؿ بأنؾ زوجي‪ ..‬زوجي وحبيبي‪"..‬‬

‫قاؿ جوف‪ .." :‬يبدو أف جورج يشبيني كثي ارً‪ ،‬كما كنت أبدو في طفولتي‪ .‬ىؿ ىذا يعني أنؾ ولدتي‬
‫طفبلً بعد قضائنا تمؾ الميمة معاً يا سالي؟ ىؿ ولدتي طفاً؟‪"..‬‬

‫قالت سالي‪ .." :‬نعـ يا جوف‪ ،‬ولدت ابنؾ‪ .‬وىو يشبيني‪ .‬لكف يبدو عمى األغمب أنو يحمؿ جيناتؾ‪،‬‬
‫ألف حفيدنا يشبيؾ تماماً‪"..‬‬

‫راح "جوف ىايتزماف" يحدؽ بالتناوب إلى "سالي" ثـ إلى الولد والفتاة خبلؿ إعدادىـ طاولة الطعاـ‬
‫عمى الشرفة‪ .‬لـ يعد قاد اًر عمى الكبلـ‪ .‬كانت أفكاره ومشاعره مشوشة‪ .‬ثـ‪ ،‬ألسباب ىو نفسو لـ‬
‫يفيميا‪ ،‬قاؿ بنبرة عمؿ جدية‪ .." :‬عمي أف أرحؿ فو ارً‪ .‬وداعاً يا سالي‪"..‬‬

‫تقدـ بخطوتيف نزوالً إلى درب الخروج‪ ،‬ثـ استدار وسار نحو "سالي" التي كانت واقفة ىناؾ بصمت‪.‬‬
‫بالكاد يدعـ نفسو عمى العصى‪ ،‬نزؿ جاثياً عمى ركبة واحدة أماميا‪ ،‬أخذ يدىا وطبع عمييا قبمة‬
‫ناعمة وطويمة‪ .‬ثـ قاؿ‪ .." :‬يا سالي‪ ،‬لدي مسائؿ ميمة جداً وطارئة وعمي معالجتيا‪ .‬وجب أف‬
‫أغادر فو ارً‪"..‬‬

‫‪233‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫وضعت يدىا عمى رأسو‪ ،‬وراحت تجعمؾ شعره بنعومة‪ ،‬ثـ قالت‪ .." :‬نعـ‪ ،‬طبعاً‪ .‬عميؾ الرحيؿ‪ ،‬إذا‬
‫كاف لديؾ مسائؿ ميمة ومشاكؿ لتعالجيا‪ .‬إذا واجيت أي صعوبات يا جوف‪ ،‬يمكنؾ أف تأتي دائماً‬
‫إلى ىنا إلى منزلنا‪ .‬ابننا اآلف يدير شركتو الصغيرة‪ ،‬معروفة باسـ لوتوس‪ ،‬وىو يعمؿ في تصميـ‬
‫الحدائؽ والمشاىد الطبيعية‪ .‬ىو لـ يتخصص في ىذا العمؿ بواسطة التعميـ‪ ،‬لكنني عممتو بنفسي‪،‬‬
‫وىو ينجز الكثير مف التصاميـ الذكية‪ ،‬وليس ىناؾ تقصير في الطمبات المقدمة إلى شركتو‪ .‬ىو‬
‫يساعدني مالياً ويزورني كؿ شير‪"..‬‬

‫"‪ ..‬لكف يبدو أف لديؾ مشاكؿ مالية؟ وشيء مف المشاكؿ الصحية أيضاً؟ عد إلى ىنا يا جوف‪ .‬أنا‬
‫أعرؼ كيؼ أعالجؾ‪ ،‬ولدينا ما يكفي مف الماؿ لنستمر في العيش‪"..‬‬

‫قاؿ جوف‪ .." :‬شك ارً يا سالي‪ ..‬شك ارً‪ ..‬عمي اإلسراع!‪ ..‬عمي فعؿ ذلؾ‪"..‬‬

‫سار نزوالً عبر درب المدخؿ إلى البوابة‪ ،‬وفكره مشغوؿ بخطة خطرت في بالو‪ .‬وراحت "سالي" في‬
‫حينيا تراقبو وىو يبتعد وىمست في نفسيا‪ .." :‬عد إلي‪ ،‬يا حبيبي!‪ ."..‬كانت تكرر ىذه العبارة كما‬
‫لو أنيا مانترا‪ ،‬حتى بعد مرور ساعة‪ ،‬ناسية أمر األحفاد‪ .‬حتى أنيا لـ تمحظ الطوافة تحوـ في‬
‫السماء لمدة نصؼ ساعة فوؽ المنطقة‪ ،‬فوؽ قطعة األرض العائدة ليا‪ ،‬مع المنزؿ الصغير والحديقة‬
‫الرائعة‪.‬‬
‫‪....................‬‬

‫مع وصوؿ طوافة "جوف ىايتزماف" وىبوطيا عمى سطح برج المكاتب‪ ،‬كاف مساعدوه المقربوف‬
‫وسكرتيراتيـ منيمكيف في العمؿ في صالة االجتماع‪ ،‬يتفحصوف األشكاؿ ويتحضروف لتقديـ تقاريرىـ‬
‫لمسيد‪ .‬لـ يعودوا معتاديف عمى االجتماع في حضوره‪ ،‬واآلف راحوا ينتظروف وصولو مع خوؼ‬
‫واىتياج كبير‪.‬‬

‫عندما دخؿ "جوف ىايتزماف" الصالة‪ ،‬الجميع وقؼ عمى قدميو‪ .‬بدأ يتكمـ حتى قبؿ وصولو الكرسي‬
‫عند رأس طاولة االجتماع‪ .‬ثـ قاؿ‪ .." :‬أجمسوا‪ .‬ال أريد تقارير اليوـ‪ .‬استمعوا جيداً لما سأقولو‪ .‬لف‬
‫أكرر نفسي مرة ثانية‪ .‬ليس ىناؾ وقت‪ .‬لذلؾ‪ .‬في تكساس ىناؾ فيبل صغيرة‪ ،‬وىذا ىو العنواف‪.‬‬

‫‪234‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ميمتكـ ىي شراء كؿ األراضي المحيطة بيذا المنزؿ وعمى قطر يبمغ مئة ميؿ‪ .‬اشتروا كؿ المعامؿ‬
‫والمنشآت الصناعية المتواجدة عمى ىذه األراضي‪ ،‬حتى لو اظررنا إلى دفع ثبلثة أضعاؼ ثمنيا‪.‬‬
‫المسؤوؿ مف بينكـ عف شراء وبيع العقارات يمكنو أف يغادر الصالة اآلف وينشغؿ بيذه الميمة فو ارً‪.‬‬
‫سخروا كامؿ وكبلئنا في ىذه الميمة إذا تطمب االمر ذلؾ‪ .‬وجب أف ال تستغرؽ ىذه العممية أكثر‬
‫مف أسبوع‪"..‬‬

‫انتفض أحد مساعديو مف مكانو وأسرع نحو مخرج الصالة‪ .‬ثـ أكمؿ "جوف ىايتزماف" كبلمو‪:‬‬
‫"‪ ..‬وجب إزالة كافة المباني والمعامؿ والمنشآت المتواجدة عمى ىذه األراضي خبلؿ شير واحد كحد‬
‫أقصى‪ ،‬حتى لو تطمب األمر استئجار مئات مف شركات اإلنشاءات‪ .‬وجب زرع األعشاب في ىذه‬
‫المواقع خبلؿ شير مف اآلف‪"..‬‬

‫راح "ىايتزماف" يعطي التعميمات لممساعد األخير الذي بقي في الصالة‪ .." :‬يوجد شركة صغيرة في‬
‫تكساس‪ ،‬واسميا لوتوس‪ .‬قـ بتوقيع عقد عمؿ معيا لمدة خمس سنوات‪ .‬كمؼ ىذه الشركة لتصميـ‬
‫التجمعات لكافة األراضي التي سوؼ نشترييا في محيط تمؾ الفيبل في تكساس‪ .‬ميما كاف المبمغ‬
‫الذي تطمبو تمؾ الشركة‪ ،‬قـ بمضاعفة المبمغ‪ .‬نفذ اآلف!‪"..‬‬

‫بعدىا بأسبوعيف ظير "جوف ىايتزماف" أماـ حشد جماىيري مؤلؼ مف ألؼ وخمسمائة شخص‪ .‬تـ‬
‫حشد ىذا الجميور بمساعدة شركات خاصة تتعمؽ بمجاؿ الزراعة‪ .‬يتألؼ ىذا الجميور مف‬
‫متخصصيف في تصميـ الحدائؽ‪ ،‬بستانييف‪ ،‬وميندسيف زراعييف‪ .‬كؿ منيـ بحاجة إلى عمؿ‪ ،‬خاصة‬
‫وأف الحممة اإلعبلنية ذكرت بأف قيمة العقد تبمغ ضعؼ معدؿ السعر المألوؼ‪.‬‬

‫صعد "جوف ىايتزماف" إلى المنبر وبدأ يتكمـ بنبرتو السمطوية المعيودة‪ ،‬والتي كانت جافة‪ .." :‬وفقاً‬
‫لما تنصو العقود المعروضة عميكـ‪ ،‬كؿ منكـ سوؼ يتمقى قطعة أرض مجاناً ولبلستخداـ لمدى‬
‫العمر‪ ،‬ومساحتيا خمسة فداديف‪ .‬سوؼ يُعرض عميكـ عدة تصاميـ لمنازؿ مسبقة الصنع لكي‬
‫تختاروا بينيا‪ ،‬وىذه المنازؿ سوؼ يتـ بناءىا عمى كؿ قطعة أرض وفي أي موقع تختارونو في‬
‫األرض‪ ،‬وكؿ ذلؾ تكوف تكاليفو عمى حساب شركتي‪ .‬وعمى مدى السنوات الخمس التالية سوؼ‬
‫تدفع الشركة لكؿ عضو بالغ في العائمة كما تنص عميو العقود‪ .‬ميمتكـ ىي تحويؿ المنطقة التي‬

‫‪235‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫تستمموىا إلى مكاف جميؿ‪ .‬سوؼ تزرعوف الحدائؽ ومشاتؿ الزىور وتصنعوف فييا برؾ الماء‬
‫والممرات‪ .‬عميكـ أف تجعموا كؿ شيء حميؿ وجيد‪ .‬الشركة سوؼ تدفع تكاليؼ البذور وميما طمبتوه‬
‫مف مواد وأدوات أخرى تتعمؽ بيذا المجاؿ‪ ..‬ىذا كؿ شيء‪ .‬إذا ليس ىناؾ أي أسئمة‪ ،‬يمكف ألولئؾ‬
‫الذيف يقبموف العرض أف يوقعوا عمى العقود اآلف‪"..‬‬

‫لكف الجميور المؤلؼ مف ألؼ وخمس مائة شخص كاف غارقاً في صمت مطبؽ‪ .‬لـ يقؼ أحد مف‬
‫مقعده ليتوجو إلى الطاوالت حيث تجمس السكرتيرات منتظرة ومعيا العقود جاىزة لمتوقيع‪ .‬بعد مرور‬
‫دقيقة مف الصمت المطبؽ‪ ،‬وقؼ رجؿ عجوز مف مقعده وسأؿ قائبلً‪ .." :‬قؿ لي يا سيدي‪ ،‬ىذه‬
‫األراضي التي تعرضوف عمينا االستقرار فييا‪ ،‬ىؿ ىي مموثة بمواد سامة قاتمة؟‪"..‬‬

‫رد عميو أحد مساعدي "ىايتزماف" قائبلً‪ .." :‬ال‪ ،‬بالعكس تماماً‪ ،‬كامؿ ىذه المنطقة تحوز عمى بيئة‬
‫نظيفة‪ ،‬والتربة غنية وخصبة‪"..‬‬

‫قالت إحدى النساء مف بيف الجميور‪ .." :‬إذاً أخبرونا بصدؽ‪ ،‬ما ىو نوع التجربة التي تخططوف‬
‫أعرض طفمي إلى ىذه‬
‫إجراءىا عمى الناس؟‪ ..‬الكثير منا لدييـ أطفاؿ‪ ،‬وأنا مف جيتي ال أريد أف ّ‬
‫التجارب التي ال نعمـ عنيا شيء‪"..‬‬

‫ضجت الصالة باليرج والمرج‪ ،‬وراح ُيسمع صراخ مف بيف الجماىير تقوؿ‪ :‬انتيازييف! غير إنسانييف!‬
‫ّ‬
‫وحوش! وراح الناس يقفوف ويتوجيوف نحو مخرج الصالة‪ .‬حاوؿ مساعدو "ىايتزماف" الشرح واإلجابة‬
‫عمى التساؤالت لكف دوف جدوى‪.‬‬

‫عاجز يشاىد الناس تغادر الصالة‪ .‬أدرؾ بأف انصرافيـ يمثؿ الضربة األخيرة‬
‫اً‬ ‫جمس "ىايتزماف" ىناؾ‬
‫آلمالو‪ .‬أو حتى شيء أكثر سوءاً‪ ..‬كاف يريد أف يفعؿ شيئاً جيداً لسالي‪ ،‬والبنو وأحفاده‪ .‬كاف يريد‬
‫ليس فقط عدـ وجود دخاف متجشئ في المنطقة التي يقبع فييا كوخ "سالي" الجميؿ‪ ،‬بؿ أيضاً لكي‬
‫يكوف ىناؾ حدائؽ محيطة‪ ،‬وجيراف جيديف أيضاً‪ .‬لقد اشترى األراضي بالكامؿ‪ ،‬والدخاف المتجشئ‬
‫أزيؿ بالكامؿ بأوامر منو‪ ،‬وتـ زرع األعشاب في مكانيا‪ .‬لكف ال يمكف لؤلرض أف تكوف جيدة إال إذا‬

‫‪236‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫سكنيا أناس جيديف‪ .‬وىا ىـ يغادروف اآلف‪ .‬ىـ لـ يفيموا‪ .‬كيؼ يمكنيـ أف يفيموا عمى أي حاؿ؟ ما‬
‫الذي سيجعميـ يصدقوف؟‬

‫خطرت في بالو فجأة ومباشرة‪ .‬ىـ لـ يعرفوا شيئاً عف المسألة‪ ،‬وليذا السبب لـ يصدقوا‪ .‬لكف اآلف‬
‫إذا قاؿ ليـ الحقيقة‪ ...‬وقؼ "جوف ىايتزماف" عمى قدميو بدأ يتكمـ بصمت والزاؿ متردداً‪ ،‬قاؿ‪:‬‬

‫"‪ ..‬يا أييا الناس!‪ .‬أنا أفيـ الوضع‪ ..‬أنا بحاجة إلى شرح المسألة لكـ‪ ،‬سأشرح األسباب وراء ما تقوـ‬
‫بو شركتي‪ .‬لكف يستحيؿ شرح األسباب‪ .‬ألنو فقط أنني‪ ..‬كما تروف‪ ،‬إنيا عمى الشكؿ التالي‪ ..‬أو‬
‫ربما‪ ..‬ىناؾ شيء شخصي بالنسبة لي في كؿ ىذه العقود‪ .‬أو كيؼ سأوضح األمر؟‪"..‬‬

‫كاف "ىايتزماف" مربكاً‪ ،‬ولـ يعد يعرؼ كيؼ يستمر بالكبلـ‪ .‬لكف الناس وفقت في مكانيا‪ .‬كانوا‬
‫واقفيف ف ي الممرات بيف صفوؼ المقاعد وفي مخارج الصالة‪ .‬وجميعيـ كانوا ينظروف بإمعاف إلى‬
‫"ىايتزماف"‪ .‬كانوا صامتيف‪ ،‬وىا ىو لـ يعرؼ كيؼ يباشر الكبلـ‪ .‬لكف بطريقة ما‪ ،‬نجح في تماسؾ‬
‫نفسو واستمر في الكبلـ‪:‬‬

‫"‪ ..‬في فترة طفولتي‪ ..‬في صغري‪ ..‬كما تروف‪ ..‬أحببت تمؾ افتاة‪ .‬لكف لـ أدرؾ حينيا بأنني واقع‬
‫في حبيا‪ .‬لقد تزوجت الحقاً مف نساء أخريات‪ .‬وانشغمت في األعماؿ‪ .‬طواؿ السنوات الخمسيف‬
‫الماضية لـ أرى تمؾ الفتاة‪ .‬ولـ أفكر فييا حتى‪ .‬ومؤخ ارً تذكرتيا‪ .‬اكتشفت بأنيا الشخص الوحيد‬
‫الذي أحبني بصدؽ‪ .‬والزالت حتى اآلف‪ .‬لكنني لـ أعرؼ عف األمر‪ .‬كما ذكرت في السابؽ‪ ،‬نسيتيا‬
‫بالكامؿ‪ .‬وأدركت بأنيا الوحيدة التي يمكنني أف أحبيا‪"..‬‬

‫"‪ ..‬وبعد ذلؾ‪ ..‬التقيت بيا‪ .‬ىي اآلف طبعاً متقدمة في السف‪ .‬لكنيا تبقى بالنسبة لي كما كانت‬
‫عندما تعرفت عمييا مف سنيف سابقة‪ .‬ىي تحب حديقتيا‪ .‬ىي تفعؿ كؿ شيء بشكؿ جميؿ جداً‪.‬‬
‫وأردت أف يحيطيا الجماؿ مف كؿ صوب‪ .‬وجيراف جيديف‪ .‬مف األفضؿ أف يكوف ىناؾ جيراف جيديف‬
‫وسعيديف يعيشوف بجوارىا‪ ..‬لكف كيؼ كاف عمي تحقيؽ ذلؾ؟ بصفتي رجؿ أعماؿ تمكنت مف تخبئة‬
‫مبمغ مف الماؿ جانباً‪ .‬وىكذا تمكنت مف شراء األرض‪ ،‬قسمتيا إلى قطع صغيرة‪ ،‬وأوجدت ىذه‬
‫العقود‪ .‬فعمت كؿ ذلؾ مف أجؿ مف أحبيا‪ .‬أو ربما‪ ،‬فعمتيا مف أجمي أنا‪"..‬‬

‫‪237‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫نطؽ "جوف ىايتزماف" الجممة األخيرة وكأنو يطرح سؤاؿ عمى نفسو‪ .‬بدأ بعدىا يتكمـ كما لو أنو بفكر‬
‫بصوت عالي‪ ،‬كما لو أنو لـ يرى الناس واقفة أمامو‪ .‬قاؿ‪:‬‬

‫"‪ ..‬جميعنا نعيش مف أج ؿ شيء ما‪ ..‬ما الذي نعيش مف أجمو؟‪ ..‬نحف نكافح مف أجؿ شيء‪ ..‬ما‬
‫الذي نكافح مف أجمو؟‪ ..‬أنا سوؼ أموت قريباً‪ ..‬ما الذي سوؼ أتركو خمفي سوى الغبار؟‪ ..‬لكف‬
‫اآلف سوؼ لف أموت‪ ،‬ليس قبؿ أف أنجز مشروعي‪ .‬وحينيا سوؼ أترؾ ورائي شيء أبدي‪ ..‬أترؾ‬
‫خمفي حديقة لمف أحببت‪ ..‬سوؼ أترؾ خمفي الكثير مف الحدائؽ‪"..‬‬

‫"‪ ..‬في البداية كنت أريد أف أوظؼ عدد كبير مف العماؿ وأتعاقد مع شركة كبرى متخصصة في‬
‫إصبلح األرض وتصميميا‪ .‬أردت التعاقد مع موظفيف يرعوف النباتات‪ .‬لكف بعدىا خطرت لي فجأة‪.‬‬
‫أي نوع مف الجماؿ سوؼ يتجرد مف الحياة إذا لـ تخمقو لنفسؾ‪ .‬وليذا السبب قررت جعميا بيذه‬
‫الطريقة الحالية‪ ،‬أي أف يخمقيا أناس ألنفسيـ‪ .‬ليذا السبب أنا أعرض عميكـ قطع األرض والمنازؿ‪،‬‬
‫وكؿ ما أطمب في المقابؿ ىو الجماؿ الذي سيحيط بمف أحبو‪"..‬‬

‫"‪ ..‬أنتـ لـ تصدقوا بأف الشروط المعروضة في العقود ىي صادقة‪ ..‬أنتـ لـ تعرفوا ما اليدؼ الذي‬
‫جعؿ الجيات المختمفة تعرض عميكـ ىذه العقود‪ .‬لكنكـ أصبحتـ تعرفوف اآلف‪"..‬‬

‫عند ىذه النقطة سكت "جوف ىايتزماف"‪ .‬والناس الواقفيف عند الممرات سكتوا أيضاً‪ .‬أوؿ مف كسر‬
‫الصمت ىو المرأة التي أعمنت عف تشككيا بالمشروع‪ .‬أسرعت إلى صؼ الطاوالت بالقرب مف‬
‫خشبة المسرح حيث العقود ممقية عمييا‪ ،‬ثـ طمبت مف أحد السكرتيرات إدخاؿ اسميا إلى أحد نسخ‬
‫العقود‪ ،‬ثـ وقعت عمييا دوف أف تق أر ما فييا‪ .‬ثـ استدارت باتجاه الجميور الواقؼ وقالت‪:‬‬

‫"‪ ..‬ىا أنا قد وقعت العقد‪ .‬أنا أوؿ مف وقع‪ .‬ىذا يعني أنني سوؼ أدخؿ التاريخ‪ ،‬ألنني األولى‪.‬‬
‫عندما تفكروف بالمسألة‪ ،‬لـ يقدـ أي رجؿ‪ ،‬ميما كاف ثرياً‪ ،‬عمى منح حبيبتو ىدية كيذه‪ ،‬كما فعؿ‬
‫ىذا الرجؿ الواقؼ ىناؾ عمى المسرح‪ .‬وانو يستحيؿ عميو فعؿ أكثر مما فعؿ‪"..‬‬

‫ثـ صاحت امرأة أخرى‪ .." :‬ال أحد يمكنو التفكير بفعؿ المزيد في كامؿ التاريخ البشري المكتوب‪"..‬‬

‫‪238‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫وصاحت امرأة ثالثة‪ .." :‬أنا أحبؾ‪"..‬‬

‫وأعمنت امرأة رابعة‪ .." :‬أنا أريد قطعة أرض بجانب حبيبتؾ‪ ..‬ما ىو اسميا؟‪"..‬‬

‫قاؿ ىايتزماف‪ .." :‬اسميا؟‪ ..‬ربما مف األفضؿ أف ال تعمـ‪ .‬دعوىا تظف بأنيا إرادة قدرية‪"..‬‬

‫مع القميؿ مف الجيشاف‪ ،‬توجو الناس في الصالة نحو صؼ الطاوالت بجانب المسرح‪ .‬ثـ تشكؿ‬
‫طابور‪ .‬راح بعضيـ يمازح البعض اآلخر‪ ،‬ينادوف بعضيـ بكممة جار‪ ،‬لكف األغمبية‪ ،‬خصوصاً‬
‫النساء‪ ،‬استمروا في تحديقيـ إلى الرجؿ الجالس عند المسرح مع لمعاف المحبة في عيونيف‪.‬‬

‫لممرة األولى في حياتو‪ ،‬شعر "جوف ىايتزماف" بطاقة المحبة موجية إليو‪ .‬طاقة الحب والبيجة‬
‫الصادقة تنبعث مف قموب الكثير مف البشر‪ .‬طاقة منتصرة كمياً‪ ،‬باستطاعتيا عبلج أي مرض‪ .‬مشى‬
‫إلى خارج المسرح‪ ،‬دوف أف يعرج أو يتموى في مشيتو‪.‬‬

‫لعدة شيور راح يشارؾ شخصياً في إدارة عممية إزالة المنشآت المتبقية في األراضي التي اشتراىا‪.‬‬
‫وناقش في تفاصيؿ التصاميـ العائدة لمتجمعات السكنية حوؿ منزؿ "سالي"‪ ،‬وكذلؾ تصاميـ متنوعة‬
‫لحدائؽ القطع األخرى‪ ،‬وباإلضافة إلى البنية التحتية لكامؿ المكاف‪.‬‬

‫بعدىا بسنة‪ ،‬عندما تقدـ "جوف ىايتزماف" نحو البوابة المؤدية إلى كوخ "سالي"‪ ،‬عمى أبعد ما يمتد‬
‫النظر‪ ،‬كاف الناس يزرعوف الشتبلت الصغيرة مف أجؿ حدائقيـ الكبيرة‪ .‬بعض الشتبلت كانت واقفة‬
‫قرب بوابة "سالي" وجذورىا منظمة بترتيب‪ .‬يبدو وكأف "سالي" شعرت مف خبلؿ حدسيا بأنو قادـ‪،‬‬
‫فركضت إلى الخارج الستقبالو‪ .‬قالت وىي مبتيجة‪ .." :‬جوف! إنو جميؿ جداً أف أراؾ مرة أخرى!‬
‫جميؿ جداً!‪ ..‬مرحباً يا جوف‪"..‬‬

‫ركضت نحوه تقفز ولو أف في حذائيا نابض‪ ،‬نشاطيا وسعادتيا جعبلىا تبدو ولو كأنيا فتاة صغيرة‪.‬‬
‫التقطت يد "جوف" وشدتو معيا ليتناوال فنجاف شاي‪ ،‬وراحا يتسامراف بسعادة طواؿ الوقت ودوف‬
‫توقؼ‪ .‬قالت لو‪ .." :‬ىؿ تعمـ ماذا يحصؿ يا جوف؟! ىؿ تعمـ أف معجزة حصمت والزالت تحصؿ في‬

‫‪239‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫ىذا المكاف! أنا سعيدة جداً! سوؼ لف يعد ىناؾ دخاف معامؿ بجوار منزلنا‪ .‬سوؼ يكوف ىناؾ‬
‫جيراف جيديف! أنظر كيؼ تتأنؽ الحياة في كؿ مكاف حولنا! إذا كنت تواجو أي فشؿ في العمؿ يا‬
‫جوف ال تقمؽ‪ ،‬ال تشغؿ رأسؾ الصغير بخصوص ذلؾ‪ .‬يمكنؾ أف تضحؾ في وجييا وتأتي لتعيش‬
‫معنا ىنا‪ .‬لقد أصبحنا أغنياء اآلف‪ .‬لقد حصؿ ابننا عمى عقد عمؿ كبير جداً‪ ،‬وأنا أعني ضخـ جداً!‬
‫ىو اآلف مسؤوؿ عف مشروع كامؿ لمتخطيط والتصميـ‪ .‬وقد حصمنا عمى المزيد مف األرض‪ .‬ابننا‬
‫سوؼ يبني لنفسو منزؿ جديد‪ .‬ونحف االثنيف‪ ،‬إذا أردت‪ ،‬يمكننا العيش ىنا‪"..‬‬

‫أجابيا جوف‪ .." :‬أنا أريد بكؿ تأكيد‪ ..‬شك ارً يا سالي عمى دعوتؾ‪"..‬‬

‫ظير بعدىا صوت مف وراء "جوف ىايتزماف" قائبلً‪ .." :‬لكف لماذا تستمروف في العيش في منزؿ‬
‫قديـ؟‪ . "..‬استدار جوف إلى الوراء وشاىد ابنو‪ .‬لقد عرؼ مباشرة بأنو ابنو‪ .‬واستمر الرجؿ الشاب‬
‫بكبلمو قائبلً‪ .." :‬إذا كاف فيمي صحيح‪ ،‬ال بد مف أنؾ تكوف أبي‪ ..‬عندما أخبرني جورج الصغير‬
‫بأنؾ ظننت بأف الصورة في المنزؿ الصغير ىي لو‪ ،‬عرفت مف جاء إلينا في المرة الماضية‪ .‬ووالدتي‬
‫لـ تتعمـ أبداً كيؼ تخفي مشاعرىا الحقيقية‪"..‬‬

‫"‪ ..‬أنا طبعاً لـ أممؾ نفس المشاعر تجاىؾ كما ىي الحاؿ مع أمي‪ ،‬لكف مف أجؿ سعادة والديّ‪ ،‬أنا‬
‫مستعد ألف أدفع تكاليؼ بناء منزؿ جديد لكميكما‪"..‬‬

‫قاؿ جوف ىايتزماف‪ ،‬الذي كادت تتغمب عميو العواطؼ‪ .." :‬شك ارً يا بني‪ ."..‬أراد أف يحتضف ابنو‪،‬‬
‫لكف لسبب ما تردد‪ .‬تقدـ نحوه الرجؿ الشاب ومد يده وقدـ نفسو‪ .." :‬أنا جوف‪"..‬‬

‫قالت سالي‪ .." :‬عظيـ!‪ ..‬إنو عظيـ أنكما التقيتما وتعرفتما عمى بعضكما البعض‪ .‬عندما تعرفاف‬
‫بعضكما أكثر سوؼ تحباف بعضكما البعض‪ .‬لكف دعونا اآلف نتناوؿ الشاي‪"..‬‬

‫وخبلؿ جموسيـ عمى الطاولة استمرت "سالي" في الكبلـ دوف توقؼ عف األحداث االستثنائية التي‬
‫تحصؿ عبر الشيور الماضية‪.‬‬

‫‪243‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫راحت سالي تكمؿ كبلميا بخصوص ما يحصؿ قائمة‪ .." :‬ىؿ يمكنؾ التخيؿ يا جوف؟ فقط تخيّؿ!‬
‫يتحدثوف ىنا عف قصة يمكنيا أف تكوف األجمؿ في العالـ‪ .‬قصة تتحقؽ عمى أرض الواقع‪ .‬فقط‬
‫تخيّؿ يا جوف‪ ،‬يقوؿ الناس بأف كؿ ىذه األراضي تـ شرائيا مف قبؿ شخص واحد‪ .‬ثـ قاـ ىذا‬
‫الشخص بدعوة أفضؿ المصمميف والميندسيف الزراعييف والبستانييف وأعطى كؿ منيـ عدة فداديف‬
‫مف األرض مجاناً والستخداميا لباقي حياتيـ‪ .‬طمب منيـ أف يجعموا قطع األرض لدييـ جميمة‪ .‬وقدـ‬
‫ليـ كافة البذور والشتبلت مجاناً‪ ،‬وسوؼ يستمر بدفع الرواتب ليـ لمدة خمس سنوات مقابؿ تجميؿ‬
‫تصور‪ ،‬ىو الذي سوؼ يدفع ليـ‪ .‬أسرؼ كامؿ مدخراتو في ىذا المشروع‪ ،‬حتى آخر‬
‫ّ‬ ‫أرضيـ‪ .‬فقط‬
‫قرش لديو‪"..‬‬

‫قاطعيا "ىايتزماف" معترضاً‪.." :‬حسناً‪ ،‬ربما ليس كؿ أموالو‪"..‬‬

‫أكممت "سالي" قائمة‪ .." :‬يقوؿ الناس بأنو صرؼ كامؿ أموالو في المشروع‪ ..‬وىؿ تعرؼ لماذا فعؿ‬
‫ىذا كمو؟‪"..‬‬

‫سأليا "جوف ىايتزماف" بيدوء‪ .." :‬لماذا؟‪"..‬‬

‫أجابتو "سالي" متحمسة‪ .." :‬ىنا يكمف جماؿ القصة‪ .‬فعؿ ذلؾ لكي تستيطيع المرأة التي يحبيا أف‬
‫تعيش وسط كؿ ىذا الجماؿ‪ .‬قالوا بأنيا مصممة حدائؽ أيضاً‪ .‬وفي مكاف ما في المحيط ىنا لدييا‬
‫كوخ أيضاً‪ .‬لكف ال أحد يعرؼ مف ىي وأيف تعيش‪ .‬ىؿ تستطيع أف تتخيؿ يا جونيكنز ماذا‬
‫سيحصؿ لو عرؼ الناس مف ىي؟‪"..‬‬

‫سأليا "حوف"‪ .." :‬ماذا سيحصؿ؟‪"..‬‬

‫أجابتو "سالي" قائمة‪ .." :‬وماذا غير ذلؾ؟ الكؿ سوؼ يرغب في الذىاب والقاء نظرة عمييا وحتى‬
‫يممسيا كما لو كانت آلية‪ .‬أنا بنفسي مثبلً‪ ،‬قد أرغب في لمسيا‪ .‬مف الممكف أنيا امرأة استثنائية‪.‬‬
‫ربما ىي استثنائية مف الخارج‪ ،‬أو ربما مف الداخؿ‪ .‬الجميع ىنا يقوؿ بأنو ما مف امرأة في العالـ‬

‫‪241‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫يمكنيا أف تميـ رجؿ ليتخذ ىكذا خطوة غير عادية وجميمة‪ .‬ليذا السبب يريد الجميع رؤيتيا وحتى‬
‫لمس ىذا الرجؿ وزوجتو االستثنائية‪"..‬‬

‫قاؿ "جوف ىايتزماف" مؤكداً‪ .." :‬ربما سوؼ يفعموف ذلؾ‪ ،‬لكف ماذا عمينا أف نفعؿ حياليا يا‬
‫سالي؟‪"..‬‬

‫سألتو "سالي" متعجبة‪ .." :‬ماذا تعني بنحف؟‪"..‬‬

‫قاليا "جوف ىايتزماف" وكأنو يردد الشعر‪ .." :‬أنا أقوؿ نحف‪ ،‬ألف تمؾ المرأة االستثنائية‪ ،‬تمؾ التي‬
‫يجري كؿ شيء ىنا مف أجميا‪ ،‬ىي أنت يا سالي‪"..‬‬

‫حدقت "سالي" إلى "جوف" دوف أف ترمش‪ ،‬محاولة أف تفيـ ما سمعتو لمتو‪ .‬عندما توضحت ليا لمحة‬
‫مما فيمتو‪ ،‬أفمتت الفنجاف الذي بيدىا‪ ،‬لكف ال أحد انتبو لصوت تكسره إلى أجزاء‪ .‬أدار "جوف‬
‫ىايتزماف" رأسو باتجاه صوت آخر‪ ،‬وىو صوت وقوع الكرسي‪ ،‬عندما انتفض ابنو مف الكرسي‪.‬‬
‫أسرع "جوف" الصغير إلى والده وقاؿ بانفعاؿ‪ ،‬وبصوت جيير ناعـ‪ .." :‬أبي! أبي! ىؿ يمكنني‬
‫معانقتؾ؟‪"..‬‬

‫كاف "جوف ىايتزماف" أوؿ مف عانؽ ابنو‪ .‬كاف قادر عمى سماع صوت دقات قمب ابنو وىي تتسارع‪.‬‬
‫وعانقو ابنو بالمقابؿ‪ ،‬ىامساً بانفعاؿ‪ .." :‬لـ يشيد العالـ مف قبؿ ىكذا إعبلف قوي عف الحب‪ ،‬دوف‬
‫حتى استخداـ كممة الحب‪ .‬أنا فخور بؾ يا أبي! أنا سعيد جداً مف أجمؾ يا أبي‪"..‬‬

‫عندما التفت األب وابنو نحو "سالي"‪ ،‬كانت الزالت تحاوؿ استيعاب ما حصؿ‪ .‬امتؤلت وجنتاىا فجأة‬
‫باألحمر‪ ،‬واستقامت التجاعيد حوؿ عينييا‪ .‬وراحت الدموع تسيؿ عمى خدييا‪ .‬شعرت "سالي" بالحرج‪.‬‬
‫أسرعت إ لى "جوف" الكبير وأمسكت بيده وقادتو نحو درج الشرفة‪ .‬راقب االبف والديو‪ ،‬يسيراف عبر‬
‫ممر وسط الحديقة‪ ،‬ماسكيف أحيدييما‪ ،‬متوجياف إلى أعشاب األكاسيا التي تخفي خمفيا المنزؿ‬
‫الصغير العائد لطفولتيما‪ ،‬ثـ راحا يقفزاف عبر األعشاب كما األوالد الصغار‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫بعدىا بعشر سنوات كاف "جوف ىايتزماف"‪ ،‬والذي يبدو أصغر بكثير مف قبؿ‪ ،‬يجمس عمى البار في‬
‫إحدى المقاىي المحمية برفقة بعض الرجاؿ مف جماعة المنطقة‪ .‬راح يضحؾ شارحاً‪:‬‬

‫"‪ ..‬ال‪ ،‬لف أترشح إلى منصب الرئاسة‪ ،‬ال تحاوؿ إغرائي‪ .‬ىي ليست مسألة العمر‪ .‬ليس ضروري‬
‫أف تكوف رئيس لكي تتحكـ بالبمد‪ .‬ى ذا أمر تستطيع فعمو بينما أنت تقبع في حديقتؾ الخاصة‪ .‬اقد‬
‫أثبتـ مف خبلؿ مثالكـ كيؼ يمكف أف تعيشوا حياة جيدة‪ .‬وكامؿ أمريكا اآلف تتحوؿ إلى حديقة‬
‫مزدىرة‪ .‬إذا استمر الوضع عمى ما ىو اآلف‪ ،‬سوؼ نسبؽ روسيا‪"..‬‬

‫دخمت "سالي" وىي تردد‪ .." :‬سوؼ نحقؽ ذلؾ! سوؼ نحقؽ ذلؾ!‪ ،"..‬ثـ توجيت إلى "جوف"‬
‫وقالت‪ .." :‬دعنا نتوجو اآلف إلى المنزؿ يا جونيكنز‪ .‬الطفؿ الصغير يرفض أف يناـ مف دونؾ‪ ،"..‬ثـ‬
‫أضافت ىامسة في أذنو‪ .." :‬وال حتى أنا‪"..‬‬

‫وىكذا انطمقا يمشياف باتجاه المنزؿ‪ ،‬تحت ضبلؿ األشجار‪ ،‬في طريؽ تفوح فيو رائحة منعشة‪ .‬ىذاف‬
‫الشخصاف المذاف لـ يبمغا بعد سف الكيولة‪" :‬جوف ىايتزماف" و"سالي"‪ .‬دائماً في فصؿ الربيع يبدو‬
‫األمر وكأف حياتيما بدأت لمتو‪ .‬كما لو أف الحياة الحقيقية بدأت لمتو في أمريكا‪.‬‬

‫‪....................‬‬

‫‪243‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫اخلامتح‬

‫نحف نحاوؿ منذ زمف بعيد معرفة ما ىو الحب‪ .‬لكننا لف نجده مف خبلؿ محاولة اقتباس تعريؼ مف‬
‫كتاب أو قاموس أو ما شابو‪ .‬الطريقة الوحيدة التي يمكف مف خبلليا بعث الحب الصادؽ والبسيط‬
‫واألصيؿ ىو عبر االختبار العممي‪ ،‬عبر واقع الحب ذاتو‪ .‬ىؿ نحف قادريف أف نكوف ودوديف مع‬
‫بعضنا البعض؟ ىؿ نستطيع مسامحة أعدائنا؟ ىؿ نستطيع أف نفعؿ الخير مع أولئؾ الذيف يستغمونا‬
‫بخبث ولؤـ؟ ىؿ نحف ننوي عيش طريقة حياة فريدة؟ ىؿ نحف ميتميف بالتواضع البسيط لمفضيمة؟‬
‫ىؿ نرغب في أف تولد سعادتنا مف خبلؿ جعؿ اآلخريف سعيديف‪ ،‬بدالً مف التضحية بيـ في سبيؿ‬
‫سعادتنا؟ ىؿ نريد منزؿ سعيد؟ ىؿ ننوي تعزيزه مف خبلؿ جودة شخصيتنا وتكاممنا األخبلقي؟‬

‫الحب ىو نوع مف الوعي الفعاؿ الذي ينشط في روح اإلنساف‪ .‬ىو شيء لو قوة تحريرية ضد طغياف‬
‫الميوؿ الشخصية األنانية‪ .‬ىو يضع شيء أكبر منؾ في الساحة الخارجية لحياتؾ‪ .‬ىو مكرس‬
‫ألفعالؾ ومشاريعؾ وغاياتؾ وقناعتؾ التي فييا خير عاـ لكؿ البشرية‪ .‬الحب ىو عاطفة راشدة‪،‬‬
‫وليس الحماسة الغامضة التي تنشط أثناء المراىقة‪ .‬ىو تكريس والتزاـ دائـ وصامد‪ .‬الحب ىو ليس‬
‫شيء تبقى معو حتى يؤلمؾ ومف ثـ تبتعد عنو‪ .‬الحب ىو ليس الدخوؿ في مواقؼ مختمفة بيدؼ‬
‫الربح أو المكسب أو االرتقاء االجتماعي‪ .‬ال يمكف أف يكوف ىناؾ أنانية أو مركزية لمنفس في الحب‬
‫الحقيقي‪ .‬وكذلؾ‪ ،‬ال يمكف لمحب أف ُيشترى أو يباع أو ُيتاجر بو عموماً‪ .‬إنو يبقى كما كاف وسيضؿ‬
‫دائماً عاطفة إنسانية نقية‪ .‬واذا تـ تدنيسو أو تحريفو فسوؼ يمثؿ ىذا أحد أكثر المحف والنكبات‬
‫فظاعة والتي عمينا مكافحتيا خبلؿ فترة وجودنا ىنا‪.‬‬

‫بيف مبدأ الحب في داخؿ روحنا وبيف آلية التعبير في حياتنا الخارجية‪ ،‬يوجد تكويف لشخصية غريبة‬
‫مميئة بمركزية النفس ومميئة بالطموحات المزيفة ومميئة بالتعصب واالستبداد وعدـ االعتداؿ وعدـ‬
‫التسامح‪ ،‬ىذه الشخصية التي نود أف نرعاىا ونمبي طمباتيا دائماً والى األبد ىي ليست فقط شخصية‬
‫تجمب لنا المآسي واألحزاف‪ ،‬بؿ تكويف ىذه الشخصية أنتج أكثر مف ثمانية آالؼ حرب عمى مر‬
‫التاريخ المكتوب‪ .‬وىذا كثير جداً في الحقيقة‪ .‬والكثير مف ىذه الحروب نشبت بحجة الدفاع عف‬
‫السبلـ‪ .‬كما أننا قاتمنا أيضاً بخصوص موضوع الديف وموضوع األخوية اإلنسانية والتي نحتاجيا‬

‫‪244‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫بشدة‪ .‬ومع ذلؾ‪ ،‬بعد أف حصؿ الذي حصؿ‪ ،‬ننظر حولنا ونقوؿ‪ :‬ماذا عمينا أف نفعؿ حياؿ األمر؟‬
‫ىذه فعبلً وضعية رىيبة‪ .‬واذا استمرت كما ىي سوؼ تتحوؿ إلى وضعية قاتمة‪ .‬لذلؾ عمينا أف ندرؾ‬
‫بأف كؿ المساومات التي نجرييا في سبيؿ تمبية رغباتنا الخاصة‪ ،‬كؿ ىذه المساومات لف تقود إلى‬
‫شيء‪ .‬ىي لـ تنجح مف قبؿ وال يمكنيا أف تنجح أبداً‪.‬‬

‫كؿ ىذا الكفاح الجاري مف قبؿ رؤوس محكومة بالعقيدة المادية التنافسية سوؼ لف يؤدي إلى مكاف‬
‫سوى القبر‪ .‬وال نأخذ معنا عندما نخرج مف ىذه الحياة سوى ما جمبناه معنا‪ ،‬وىو أنفسنا‪ .‬لذلؾ مف‬
‫المفروض أف ال يكوف ىناؾ صعوبة بالنسبة لمشخص أف يقوؿ لنفسو‪ :‬فؤلجعؿ ىذه الحياة اليومية‬
‫أكثر سعادة لكؿ فرد‪ .‬دعونا نقوـ باألمر بشكؿ صحيح ولو لمرة واحدة‪.‬‬

‫إذا كنت تنوي مقاومة سطوة المنظومة المالية التي تقيد حياتؾ وحياة كؿ إنساف عمى ىذه المعمورة‪،‬‬
‫فإف الطرؽ العنيفة في المواجية لف تنفع‪ .‬ال يوجد لديؾ سوى طريؽ واحدة فحسب‪ ،‬المحبة والتفاني‪،‬‬
‫مع استغناء كامؿ عف الطموحات الجارفة واألنانية المستبدة‪ .‬اعتمد عمى ما يجمبو لؾ القدر وتقبمو‬
‫وكمي القدرة‪ ،‬يعرؼ ماذا يفعؿ ولماذا يفعمو‪ ،‬لذلؾ‬
‫ّ‬ ‫كمي المعرفة‬
‫وآمف بأنؾ تحت رعاية كائف عظيـ‪ّ ،‬‬
‫فيو لف يتركؾ وحيداً ولف يحرمؾ مف أي شي ضروري لبقائؾ‪ .‬دعو يوفر لؾ مستمزماتؾ وحاجياتؾ‬
‫التأمؿ بما ىو‬
‫عمى طريقتو الخاصة‪ .‬وكؿ ما عميؾ فعمو مف جانبؾ ىو الصبر واالتظار و ّ‬
‫لصالحؾ‪ ..‬وليس التوؽ إلى ما يمتعؾ‪ .‬ىناؾ فرؽ كبير بيف ما ىو لصالحؾ وما ىو لمتعتؾ‪.‬‬

‫أصبر وانتظر ما يجمبو القدر إليؾ‪ ،‬وال تحاوؿ أبداً الخروج إلى الحياة متبعاً الصراع العنيؼ أو‬
‫الوسيمة الخبيثة كسبيؿ لمعيش‪ .‬قد تبدو وسيمة االنتظار باإليماف غير عممية وسط ىذا العالـ المئيـ‬
‫تسخر القوة اإلليية‬
‫والميووس‪ ،‬لكنيا رغـ ذلؾ أثبتت جدواىا بكؿ جدارة‪ .‬عندما تؤمف بصدؽ‪ ،‬سوؼ ّ‬
‫كؿ ما تحتاجو مف ظروؼ وأشخاص وتوفر لؾ كافة المستمزمات التي تساعدؾ في خوض الحياة‬
‫بسبلـ‪ .‬القوة اإلليية واسعة الحيمة‪ ،‬وطريقتيا سحرية بكؿ ما تعنيو الكممة‪ .‬مف خبلؿ اإليماف بيا‬
‫واالتكاؿ عمييا تكوف عمى األقؿ قد كسبت نفسؾ وجنبتيا الكثير مف الخطايا التي قد تقترفيا وما‬
‫ينتج منيا مف مآسي وأحزاف‪ .‬آمف واكسب‪ .‬أعقؿ وتو ّكؿ‪ .‬ىذه ىي وسيمة خبلصؾ الوحيدة وسط‬
‫معترؾ ىذه الحياة الدنيوية المؤقتة‪ .‬أنت لست ىنا لجني األمواؿ ومراكمة الممتمكات واحتبلؿ‬
‫المناصب‪ ،‬بؿ لتتعمـ وتنمو في مدرسة الحياة‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫طريقة الحكيم‬

‫كاف النساؾ والزىاد في الزمف القديـ يتبعوف طريقة معينة لفحص مدى إيمانيـ‪ .‬كافة الثقافات القديمة‬
‫عرفت ىذه الطريقة جيداً وآمنت بجدواىا‪ .‬ىذه الطريقة طبعاً أصبحت غريبة بالنسبة لنا اآلف‪ ،‬في‬
‫ىذا العصر‪ .‬كاف الشخص‪ ،‬عندما يتخذ قرار بأنو يرغب في تقوية إيمانو بالقوة اإلليية‪ ،‬يخرج وحيداً‬
‫إلى مكاف نائي بعيداً في البرية‪ ،‬يحمؿ معو بعض الماء أحياناً‪ ،‬وأحياناً كثيرة ال شيء عمى‬
‫ويتأمؿ‪ ،‬تواصمو مع الخالؽ‬
‫ّ‬ ‫اإلطبلؽ‪ .‬فيجمس ىناؾ وحيداً مجرداً مف أي وسيمة عيش‪ ،‬وينتظر‬
‫واالتكاؿ عميو يكوف قائـ دائماً‪ .‬ينتظر ساعات‪ ،‬ثـ أياـ‪ ،‬ثـ أسابيع‪ ،‬دوف أي مؤف مف أي نوع‪.‬‬
‫وعندما يعود النساؾ مف خموتيـ االستثنائية‪ ،‬يكوف الناس في انتظارىـ ليستمعوا إلى رواياتيـ‬
‫العجيبة‪ .‬كيؼ كاف يأتييـ الطعاـ مف حيث ال يتوقعوف أو يدروف! كيؼ كانوا يستدلوف عمى مواقع‬
‫الماء‪ ،‬كيؼ كانوا يمتقوف مع أشخاص عابري سبيؿ‪ ،‬في منطقة خالية وجرداء بحيث ال يمكف أف‬
‫يمر منيا أحد‪ ،‬فيمبوف حاجيات ومستمزمات الناسؾ ميما كانت‪ .‬الروايات األكثر عجباً كانت تتعمؽ‬
‫بالحيوانات التي تقدـ المساعدة أحياناً! كاف البعض يفشموف في تفعيؿ اإليماف لدييـ‪ ،‬فكانوا يعودوف‬
‫ميروليف بعد ساعات أو أياـ‪ .‬لكف ىناؾ البعض الذي سطعت تمؾ القوة الباطنية داخميـ‪ ،‬لدرجة أف‬
‫تمؾ الحياة الج ديدة أصبحت ممتعة بالنسبة ليـ‪ ،‬فبقوا في خمواتيـ حتى مماتيـ‪ .‬أولئؾ ىـ النساؾ‬
‫القديسيف الذيف تـ تبجيميـ مف قبؿ مجتمعاتيـ المحمية‪ .‬الزالت أسماء ىذه النوعية مف الناس تُذكر‬
‫حتى اآلف بيف كافة الشعوب حوؿ العالـ‪ .‬ىكذا طريقة في فحص اإليماف انتيت واندثرت اليوـ‪ ،‬في‬
‫ىذا العصر المتطور الذي نحتفؿ بو ببيجة وفرح‪ .‬لـ يعد ىناؾ مف يتذكر ىذا التقميد حتى‪ ،‬فما بالؾ‬
‫ممارستو‪ .‬القوة اإلليية حاضرة لتمبية كافة حاجاتنا‪ ،‬كؿ ما نحتاجو لتفعيؿ ىذه القوة بداخمنا ىو‬
‫اإليماف الصادؽ والمتيف‪ ،‬واالتكاؿ الكمي عمى العالي القدير‪ .‬أنت ال تحتاج إلى الخروج واالختبلء‬
‫تفعؿ ىذه القوة الباطنية التي تمبي كؿ حاجاتؾ المعيشية‪ .‬كؿ ما عميؾ فعمو ىو‬
‫وحيداً في البرية لكي ّ‬
‫تفعيؿ اإليماف بداخمؾ أينما كنت وكيفما كانت ظروفؾ المعيشية‪ .‬اإليماف بوجود قوة إليية عظيمة‬
‫ترعاؾ وتحميؾ وىي حاضرة دائماً لتمبية حاجاتؾ األساسية‪ .‬تسخر لؾ األشخاص وتخمؽ لؾ‬
‫الظروؼ المناسبة إلتماـ األعماؿ الضرورية وتمبية كامؿ حاجاتؾ‪ .‬أنا ال أتكمـ بناء عمى كتاب قرأتو‬
‫أو مف عقيدة عمياء اعتنقيا‪ ،‬بؿ أستند عمى تجربة عممية دامت سنيف طويمة‪ ،‬وربما سأروي لكـ‬
‫تجربتي في يوـ مف األياـ‪.‬‬
‫‪.....................‬‬
‫انتيى‬

‫‪246‬‬

You might also like