Professional Documents
Culture Documents
1
طريقة الحكيم
طشٌقح احلكٍى
انثــشٔج
ىل ىي نعمة من الرب ،أم شرك من الشيطان؟
إعداد
عالء احلهثً
2
طريقة الحكيم
انفٓشس
األول
الجزء ّ
الثروة ،ىؿ ىي نعمة مف الرب ،أـ شرؾ مف الشيطاف؟
28 الماؿ ،مف وسيط تبادؿ إلى وسيمة سيطرة مطمقة ....................................
33 كراتيوس الشيطاف ..................................................................
39 الزلنا نعيش في عصر االستعباد ...................................................
44 أسمحة خرساء لحروب صامتة .....................................................
66 ىؿ مف عبلج مجدي ليذه الحالة الميؤوسة؟ ........................................
68 اليوس بجمع الماؿ ىو تدمير لمذات ...............................................
91 يمكف لئلدماف عمى الماؿ أف يكوف خطي اًر كإدماف المخدرات
الجزء الثاني
انتصار الروح عمى الظروؼ الدنيوية
الجزء الثالث
النياية السعيدة آتية حتماً
3
طريقة الحكيم
4
طريقة الحكيم
ىناؾ مقولة شعبية تعود أصوليا إلى زمف قديـ جداً ،تقوؿ .." :طواحيف اإللو تجرش ببطء ،لكف
منتوجيا يكوف ناعـ جداً ."..يبدو أف ىذه الفكرة تفتح الطريؽ إلى منظور منطقي معيف بخصوص
نمط الحياة التي نعيشيا .أعتقد بأف كؿ فرد سيوافؽ عمى حقيقة أف الظروؼ الحالية في ىذا العالـ
ليست سعيدة .ىي ليست ممتعة أو ىنيئة أو مبيجة ،لكنيا تمثؿ دوف شؾ النتيجة الحتمية لعمؿ
قانوف السببية .لقد سببنا بظيور حاالت معينة في المجتمع البشري ،وعمينا أف ندفع حتماً ضريبة
األخطاء التي اقترفناىا .الكثير مف األشخاص والذيف ال يتمتعوف بعقوؿ فمسفية يتمسكوف بوجية
النظر التي تقوؿ بأف كؿ ىذه الحاالت الحاصمة ىي سمسمة مف الصدؼ العشوائية ،ىي تتجاوز
السيطرة البشرية ،ىي تنتج مف ظروؼ ال نفيميا وبالتالي نعجز عف تجنبيا أو عبلجيا .ىذا النوع
مف التفكير يجمب معو نوع معيف مف القدرية الجبرية ،فيبدأ الصراع األبدي بينيا وبيف المثالية التي
طالما كانت حاضرة في الطبيعة اإلنسانية .نحف نرغب دائماً في اإليماف بالخير ،لكف بعد أف ننظر
5
طريقة الحكيم
حولنا ال نجد أي دالئؿ مباشرة عمى وجود الخير .نرى كؿ أنواع االنحرافات وندرؾ األزمة اليائمة
التي نواجييا اليوـ في العبلقات الدولية ،ونرغب في الظف بأننا الضحايا األبرياء لعناية إليية فظيعة
ووحشية .البعض يحاولوف حؿ المسألة بكامميا مف خبلؿ إنكار حقيقة وجود عامؿ العناية اإلليية
أصبلً ،يرغبوف في التفكير بأف اإلنساف يستطيع أف يفعؿ ما يرغبو .وما يفعمو ىو صائب ،فقط ألنو
يفعمو .وأف األخطاء ليست موجودة فعمياً إذا كاف ىناؾ ما يكفي مف الناس الذيف يعتقدوف بأنيا
صائبة .كؿ ىذه التوجيات الفكرية المختمفة ليا تأثير محزف وكئيب عمى الحياة الخاصة لمناس.
جميعنا ميتميف بالظروؼ المحيطة بنا ،ويبدو أف ىذه الظروؼ تسوء حالتيا يوماً بعد يوـ ،وىذا
يجعمنا محكوموف بخيبة األمؿ والشعور بالعجز الكامؿ ،فنبدأ بفقداف اإليماف باإللو األعمى .ونبدأ
بالتساؤؿ حوؿ شمولية القوانيف اإلليية ومدى قدرتيا .نحف نعمـ بأننا متورطوف في مشكمة كبرى،
األمر واضح تماماً بالنسبة لنا ،لكننا عاجزيف عف التأقمـ مع ىذه الفكرة داخؿ طبيعتنا.
الكائنات البشرية ىي كائنات فانية ،أي أف اإلنساف ىو عابر مؤقت في ىذا العالـ .نحف زوار
مؤقتيف في ىذا العالـ المادي ،نمضي فيو وقت محدود ثـ نغادر ،تاركيف وراءنا الفوضى الدنيوية
التي طالما أرىقتنا خبلؿ وجودنا ىنا .كؿ ىذه العوامؿ الكئيبة والمشاىد البائسة ،واليموـ المتعمقة
التسرب النووي مف المحطات الذرية وتمويث اليواء ،واألزمة
ّ بالبيئة والتموث والخوؼ المستمر مف
المستعصية في الشرؽ األوسط ،والنقص في مصادر النفط ..،كؿ ىذه تبدو أنيا حوادث تتراكـ
باستمرار ،ويبدو أنيا تمثؿ فوضى أساسية .لكف في الواقع ،ىذه الفوضى ليست أساسية أبداً .ال
يوجد شيء في قوانيف الطبيعة يشير إلى أف ىذه المشاكؿ مفروض وجودىا .ىذه المشاكؿ موجودة
ليس بسبب قوانيف الطبيعة بؿ بسبب خرؽ تمؾ القوانيف .لـ يتعمـ الفرد حتى اآلف كيؼ يتماشى مع
الخطة الكونية التي يمثؿ جزء منيا .ىو الزاؿ يعتبر نفسو شخص يقؼ وحيداً وسط فوضى الحياة،
ويعتبر اآلخريف بنفس الطريقة التي يعتبر فييا نفسو .يراىـ أشخاص يفعموف أشياء ال نحبيا ،يفعموف
األشياء ألذيتنا ،وكنتيجة لذلؾ نعمؽ في نمط تفكير قصير المدى .وسوؼ يبدو لنا األمر بأنو لو كنا
نحف مف يدير مجريات ىذا الكوف فسوؼ نديرىا بشكؿ مختمؼ .لطالما خطرت ىذه الفكرة لمناس منذ
البداية .يعتقدوف بأنو لو أدار اإلنساف مجريات الكوف بطريقة مختمفة لما كنا متورطيف بيذه المعضمة
ونواجو ىذا المأزؽ .مف الواضح أف الفرد العادي ال يستطيع ،بكؿ تأكيد ،إجراء تصحيح عمى
مستوى كوني لحالة اإلنساف .مف ىذه المسألة يبرز استنتاج أف التكامؿ األخبلقي يمثؿ مسألة
شخصية بدرجة كبيرة ،لكف عندما ينتشر عدـ التكامؿ األخبلقي بشكؿ واسع في الحضارة البشرية
6
طريقة الحكيم
سوؼ يتمكف مف حؿ المشاكؿ التي نواجييا .لقد سمحنا عمى مدى القرف الماضي بإفساد معاييرنا
األخبلقية واألدبية بشكؿ عميؽ .واألمر األكثر وقعاً ىو أننا عيدنا مصيرنا إلى عامؿ واحد غير
معصوـ مف الخطأ ،وىو عامؿ الثروة.
نحف طموحيف لمكسب والحوزة .وخبلؿ عممية الحيازة والكسب سمحنا ألنفسنا أف نفسد كؿ معيار
أخبلقي كامف في داخمنا .لقد أىممنا االستماع لصوت الضمير ،وفشمنا في التعمـ مف حكمة
العصور ،كما فشمنا في اإللتزامات الروحية التي يمكف أف تحمينا ،فوجدنا أنفسنا في النياية عالقين
بين الحجر العموي والسفمي لطاحونة اإللو ،وىذه في الحقيقة ليست وضعية ممتعة.
في الشرؽ ،أي في اليند والصيف عموماً ،تكوف النظرة تجاه كامؿ ىذه الحالة السابقة مختمفة عف
النظرة القائمة في الغرب (والشرؽ األوسط) .ربما قمنا بتطوير بعض األوضاع بطريقة ما ،لكف في
العموـ ،قمنا بتجاىؿ فكرة السبب الجوىري خمؼ حياة اإلنساف .نحن ىنا لكي نخدم ونتعمم .نحف
ىنا لكي نساعد بعضنا البعض ،وليس لمساعدة أنفسنا عمى حساب بعضنا البعض .نحف ىنا لكي
نعمؿ معاً لتحقيؽ الخير العاـ ،وليس لكي نضحي بالخير العاـ مقابؿ الطموحات الشخصية .في كؿ
يوـ نطمع فيو عمى األخبار ونستمع عمى المعمقيف المطمعيف أو غير المطمعيف أو المظمميف ،نخرج
بنفس اإلستنتاج الجوىري ،وىو أف الغاية الرئيسية مف الحضارة كما نعرفيا اليوـ ىي المحافظة عمى
مستوى عالي مف نمط الحياة .إف مصطمح "نمط حياة" بالنسبة لنا يعني أف نحوز عمى كؿ ما
نرغبو ،يعني أف نستمر في الصرؼ المتيور والطائش لؤلمواؿ ،وأف نجمع ونراكـ أكبر قدر ممكف
مف األمواؿ وبأي طريقة ممكنة حتى لو كاف ذلؾ عمى حساب اآلخريف .وىذا كمو مناقض تماماً
لقوانيف السماء ،كما يوصفيا الصينيوف .ىذا يناقض الخطة الكونية التي ليا غاياتيا المختمفة .وىذه
حي .مف
الغايات المختمفة مجموعة في النياية ضمف غاية عظيمة واحدة ،وىي خبلص كؿ شيء ّ
المفروض أف نعمؿ ساعييف إلى تحقيؽ عالـ أفضؿ .مف المفروض أف نكوف مكرسيف لتحقيؽ
الكماؿ التدريجي لمجتمعاتنا.
كممة حضارة تعني في الحقيقة :العيش في حالة لطيفة وأديبة ولبقة مع بعضنا البعض .يمكف اعتبار
كممة حضارة بأنيا رديفة تقريباً لكممة التعاوف .لكننا قمنا بتغيير ىذه الحالة وجعمنا الحضارة رديفة
لممنافسة والصراع .كؿ حركة نقوـ بيا وسط تعامبلتنا السياسية العصرية يتـ حسابيا وفقاً لممصمحة
7
طريقة الحكيم
الشخصية أو الربح المادي أو التقدـ االقتصادي .لقد عززنا مسألة الثروة إلى أبعد الحدود الممكنة،
مع أننا ال نفيـ مترتبات ىذا الوضع بشكؿ كامؿ وسميـ ،أو لـ ندرؾ أف الثروة تمثؿ عامؿ خاطئ
وحتى خطير .الثروة تمثؿ مسؤولية ثقيمة عمى اإلنسانية .كامؿ حضارتنا الحالية ،والتي ىي صناعية
بطبيعتيا ،تعتمد عمى عامؿ الثروة .إف استخداميا بطريقة حكيمة ،وتوزيعيا بطريقة سميمة ،والتحكـ
بيا بطريقة أخبلقية ،تجعميا خادـ مفيد لئلنسانية .لكف عندما ال نولي أي اعتبار ليذه العوامؿ
السابقة ونجعؿ جمع الثروة ممثبلً لمغاية النيائية لموجود ،سوؼ نبقى كما نحف اآلف ،في حالة
فوضى وكارثة داخمية وخارجية.
عمينا في البداية النظر إلى الفرد .ألف الفرد يحوز عمى حؽ إليي ألف يعيش بطريقة جيدة .قد ال
يبرءه مف التقصير .وفي الكثير يعيش دائماً وسط بيئة اجتماعية تسعى إلى األفضؿ ،لكف ىذا ال ّ
مف شؤوف العيش نكوف دائماً في حالة السعي لتقدـ المكمبلت األساسية لمحياة .ناد اًر ما يمر يوـ
دوف أف نسمع قصة حزينة تروي كيؼ تعرض أحدىـ لمغش أو الخداع أو االستغبلؿ أو سوء
المعاممة أو الفضح أو االبتزاز أو غيرىا مف تعديات ،وذلؾ مف قبؿ أقرب الناس .كما أننا نسمع عف
مشاكؿ دائمة تحصؿ في المنازؿ بيف األىؿ واألوالد أو األىؿ فيما بينيـ ،وغيرىا مف مشاكؿ ،بحيث
نبلحظ اليبوط التدريجي لتحكمنا األخبلقي بأنفسنا .نحف نعمـ بأف حياتنا قابمة ألف تكوف أفضؿ .وأف
الشخص الذي يعيش بشكؿ جيد وسط بيئة صعبة بشكؿ مأساوي سوؼ يكافأ عمى ىذا المسعى.
ألنو في النياية موجود ىنا لفترة مؤقتة ،وعندما يغادر ىذا العالـ سوؼ يترؾ وراءه ما يممكو ،لكنو
سوؼ يأخذ معو ما ىو عميو .المشكمة الكبرى اليوـ ىي أف الفرد غير واثؽ مما سيأخذه معو .ىو ال
يشعر بارتياح بخصوص سموكو .ىو يكره أف يتـ استجوابو عند بوابة العالـ اآلخر ،وتُعرض أمامو
القصة الكاممة عف سموكو .ىو يأمؿ دائماً بأف ىذا الموقؼ لف يمر عميو أبداً ،ألنو عندما يموت
فسوؼ يموت إلى األبد وىذه نياية القصة .لكف في الحقيقة ،ىذا الغموض المتعمؽ بالعالـ اآلخر
يعتبر عزاء وجبر خاطر لمفاسديف فقط .ىذا الغموض بات يمثؿ وسيمة لؤلفراد الذيف يعتقدوف فعمياً
بأنيـ يستطيعوف اليروب أبداً مف المحاسبة عمى نتائج أفعاليـ .لكنيـ في النياية سوؼ يغادروف ىذا
العالـ كما فعؿ أجدادىـ وكما سوؼ يفعؿ أحفادىـ .وفي كؿ مف حاالت المغادرة ىذه ،سوؼ يترؾ
وتتعزز بحيث
ّ الفرد وراءه المشاكؿ التي سببيا ،سوؼ يترؾ وراءه األخطاء التي سمح ليا أف تبقى
أصبحت تمثؿ جزء مف ميراث أوالده وأحفاده .بالتالي يكوف الفرد في معظـ الحاالت مقتنعاً بفكرة أنو
إذا لـ يكف ىناؾ حياة بعد الموت فيذا أفضؿ بالنسبة لو .سوؼ يأمؿ دائماً أف العدـ المطمؽ بعد
8
طريقة الحكيم
الموت سوؼ ينيي كافة المسائؿ .والذيف يأتوف بعده سوؼ ينتقموف أيضاً إلى ىذا العدـ كما فعؿ
أولئؾ الذيف جاؤوا قبمو وانتقموا إلى العدـ بعد مغادرة الحياة .في الحقيقة ،ليس ىناؾ أي إثبات عممي
ليذه الفكرة .ليس ىناؾ أي دليؿ واضح وجمي يقوؿ بأف الفرد الذي يغادر ىذه الحياة لف يواجو بأي
طريقة مف الطرؽ عواقب أفعالو.
لـ نعد متحمسيف لتمؾ الفكرة التي تقوؿ بأف بعض األشخاص الفاضميف ،والذيف يمكف الشؾ
بفضيمتيـ أصبلً ،سوؼ يذىبوف إلى الجنة ،بينما العقاب والعذاب ينتظراف األشخاص الباقيف .ىذه
الطريقة في التفكير كانت دارجة في أحد العصور بحيث كانت تشدد عمييا السمطات السياسية
والدينية ألنيا كانت تمثؿ وسيمة مجدية لمحد مف انتشار الفساد والجرائـ عمى أنواعيا بيف
المجتمعات .لكف في الحقيقة ،لـ يتمكف الفرد منذ ذلؾ الزمف مف استيعاب فكرة العذاب األبدي
كعقوبة عمى خطيئة قد يقترفيا مرة واحدة في حياتو .راحت الفمسفة منذ زمف بعيد تدرس ىذه الحالة
وخرجت باستنتاج نيائي بسيط يقوؿ بأف القوة الكونية التي صممت وخمقت كؿ شيء في الوجود ال
يمكنيا أف تنوي بأف تجعؿ جزء كبير مف مخموقاتيا يذىب إلى الجحيـ األبدي .ال يمكف ليذا أف
يمثؿ جزء مف الغاية الكونية ،ال يمكف أف يكوف ىناؾ أرواح ضائعة تمضي وقتيا في عقاب أبدي.
لـ يكف ىناؾ سبب لبلفتراض بأف الفرد الذي يمثؿ جزء مف حياة متكشفة دائماً وفي حالة نمو أبدي،
سوؼ يحمؿ لعنة أبدية ويعاقب إلى األبد نتيجة الجيؿ الذي يعاني منو جيؿ كامؿ.
أما الحكماء الشرقييف ،والذيف تناولوا ىذه المسألة ،فقد توصموا إلى استنتاج نيائي بسيط يقوؿ بأنو
أينما كنا ،في ىذا العالـ أو عالـ آخر ،فالغاية مف وجودنا ىي النمو والتك ّشؼ ،وليس مف أجؿ
المعاناة والعذاب .غالباً ما نربط المعاناة بالنمو الروحي .نحف معتادوف في ببلدنا عمى فكرة شائعة
تقوؿ بأنو عمى الفرد الذي يسعى إلى االرتقاء الروحي أف يعيش بحالة بائسة .عميو أف يحرـ نفسو
مف كؿ شيء يتمتع بو الدنيويوف والخطاؤوف .عميو أف يعيش وفقاً لقوانيف وأحكاـ صارمة جداً
ومتشددة جداً بحيث تعتبر كافة وسائؿ المتعة التي نعرفيا اليوـ محرمات ونواقص .عميو أف يعيش
وحيداً في حياة فاضمة وسط عالـ فاسد يتمتع بالسعادة والبيجة .ىذه الحالة طبعاً ليست وصؼ
مغري لمحياة التي وجب عمى الفرد عيشيا .وحتى أنيا ال تشمؿ أي حقيقة فعمية .لكننا نحاوؿ أف
نؤمف بوجود ىكذا حياة فعبلً.
9
طريقة الحكيم
تكيؼ الكائف البشري مع الزمف الذي يعيش فيو ،سوؼ يحوز عمى الكثير مف المكافئات
مف خبلؿ ّ
رغـ تقصيره في جوانب عدة .إف الحياة المعاشة بشكؿ سميـ وصائب ،الحياة المكرسة بصدؽ ،ليا
الكثير مف الفضائؿ وتستحؽ العديد مف المكافئات .أىـ الجوانب ليذه الحالة تتعمؽ بجسده المادي.
العالـ الذي نعيشو اليوـ ىو قاسي جداً عمى جسـ اإلنساف .لـ تكف الغاية أبداً سوء معاممة الجسـ.
لقد ُمنح لنا كوسيمة رائعة ليساعدنا في سعينا إلى تحسيف ذاتنا والتواصؿ مع اآلخريف وتكويف
صداقات متبادلة وانشاء حالة مف التعاوف المتبادؿ .الجسـ ىو تركيبة محكومة بقوانيف .تـ توليده
وفقاً لمقانوف ،وىو موجود في ىذا العالـ بتعاوف وظيفي مع القانوف ،وعندما ينتيي الجسد مف غايتو
سوؼ يتبلشى ويعود إلى المصادر الطبيعية التي جاءت منيا كافة األجساـ .لكف ىذا الجسـ ال
يستطيع تحمؿ سوء المعاممة المستمرة .ىو ال يستطيع المحافظة عمى نفسو في حياة مكرسة لخرؽ
القوانيف .ىذه ىي إحدى الحاالت التي نواجييا اليوـ ،ونتيجة لذلؾ نجد ،أكثر مف أي وقت في
التاريخ ،ظيور األمراض المزمنة والنقص التدريجي في الكفاءة والكيولة المبكرة والعدد اليائؿ مف
األزمات القمبية واالنييارات العصبية واألمراض العقمية عمى أنواعيا .إذاً ،الجسـ ىو الذي يدفع ثمف
التمرد عمينا مف خبلؿ األمراض ،أي كأنو يقوؿ لنا بكؿ بساطة
عواقب أخطاءنا .وىذا ما يدفعو إلى ّ
بأنو ال يمكننا االستمرار بيذه الطريقة في الحياة .لكف مف أجؿ االستمرار في فعؿ ما نرغبو ،نحاوؿ
بطريقة أو بأخرى معالجة الجسـ المتمرد مف خبلؿ المرض .إذا كاف يعاني مف األلـ ،كؿ ما عمينا
فعمو ىو إعطاءه حبة مسكف إلزالة األلـ .إذا كاف خامبلً ومنيؾ ،نعطيو حبة أو أبرة من ّشطة .إذا
كاف العقؿ ىو السبب الرئيسي وراء مرض الجسـ ،نتيجة التفكير والحصر النفسي واإلحباط وغيرىا
مف حاالت ،كؿ ما عمينا فعمو ىو إلغاء العقؿ مف الساحة وذلؾ عبر تناوؿ المخدرات أو المسكرات.
الكثير مف الشباب الصغار اليوـ يمجؤوف إلى تناوؿ المواد المخدرة لكي يزيموا الحياة بكامميا عف
التكيؼ معيا ،ومسؤوليات أثقمت
تفكيرىـ! ىذه الحياة ال يوافقوف عمييا ،وطريقة عيش عجزوا عف ّ
كاىميـ عبر فرضيا عمييـ عنوة وبطريقة خاطئة ،وظروؼ محيطة ليس لدييـ أي سيطرة عمييا.
إذاً ،الجسـ يتمقى العقوبة األولى .ليس ىناؾ فرؽ إف كاف الجسـ عائد لمفرد أو جسـ شركة أو جمعية
أو منظمة أو حتى أمة بكامميا .كؿ ىذه األشياء ىي أجساـ قائمة بذاتيا ،مف المفروض أف تُستخدـ
في سبيؿ التقدـ نحو خير اإلنسانية .لكف عندما لـ تعد تخدـ ىذه الغاية تبدأ بالتبلشي واالنحبلؿ.
الذي لـ يعد مفيداً سوؼ لف يبقى ويستمر .والقصد مف الفائدة ىنا ليس لو عبلقة بإشباع الغرائز
والرغبات الشخصية ،بؿ االرتقاء بالشخصية.
13
طريقة الحكيم
لدينا إذاً ىذه المقولة المأثورة عف طواحين اإللو ،والتي أضافت إلى ىذه المسألة بعد جديد وواسع مف
التكامؿ األخبلقي .وفي الحقيقة ال شيء ييمنا في ىذه األياـ أكثر مف مسألة التكامؿ األخبلقي .إذا
لـ نستطيع إيجاده في أنفسنا فسوؼ لف نجده أبداً في عالمنا كما نعرفو .وىذا بالتالي يجعمنا
محروميف مف تفاؤلنا الطبيعي ورغبتنا الطبيعية لتطوير الذات .لكف عمى الجانب اآلخر ،إذا بدأنا
مجرد دروس عمينا اختبارىا واستخبلصنعتبر ىذه الصعوبات التي نواجييا ليس كأنيا عقوبات بؿ ّ
الحكمة منيا ،يمكننا حينيا تعمـ شيئاً لو قيمة دائمة خبلؿ خوضنا الحياة .إف كؿ حالة أليمة نعاني
من يا تمثؿ درس قائـ بذاتو .األلـ بذاتو ىو ميـ .ىناؾ قصة عف رجؿ ،بعد سمسمة طويمة مف
التجارب المخبرية ،تمكف مف إزالة الشعور باأللـ بداخمو .لـ يعد يشعر باأللـ .لكف في يوـ مف
األياـ ،بعد أف بالغ في ثقتو بنفسو ،جمس عمى موقد النار فاحترؽ حتى الموت .وىذه كانت نيايتو.
في الحقيقة ،إف الشعور باأللـ ينقذ الفرد .األلـ يحمي .األلـ يحرسنا ويرشدنا ويحذرنا ،لكف رغـ ذلؾ
كمو لـ ُيعتبر أبداً بأنو صديؽ جيد .لطالما اعتبره الناس عدواً لدوداً يقمؽ راحتنا ويتدخؿ ليعيقنا عف
فعؿ ما نرغب فعمو.
في العالـ المحيط بنا ،نأتي أيضاً وجياً لوجو مع حالة طالما كانت تتنامى وتكبر عبر آالؼ السنيف.
لقد ورثنا كارثة العصور .لقد ورثنا األخطاء التي اقترفتيا البشرية منذ البداية .لقد ورثنا حروب
اإلسكندر وقيصر .ورثنا غزوات المغوؿ .ورثنا حروب واعتداءات نابميوف وىتمر وباقي القادة
الطموحيف الذي سعوا إلى تحقيؽ أقدارىـ مف خبلؿ تدمير أخييـ اإلنساف .ىذا الميراث البشع فرض
عمينا ،كما يسميو الحكماء الشرقيوف ،كارما عالمية ثقيمة .أثبت ىذا الميراث التاريخي البشع بأف
طور اإلنساف في داخمو ممكة ليست موجودة يغير توجيو وفؽ الظروؼ العادية .لقد ّ
الفرد العادي ال ّ
في أي مخموؽ آخر نعرفو .يمكف تعريؼ ىذه الممكة بمصطمح "القدرية المحدودة" .يستطيع الفرد أف
يصنع خيارات معينة بنفسو .صحيح أنو يعيش في عالـ مف القوانيف ،لكنو يترجـ ىذه القوانيف
بالتوا فؽ مع حاجاتو ومصالحو .صحيح أنو يعيش في رحاب كوف مف الحقائؽ ،لكنو ال يفيـ سوى
درجات معينة مف ىذه الحقائؽ وذلؾ توافقاً مع عواطفو ونواياه .لدى اإلنساف الحؽ في القوؿ نعـ أـ
ال .لديو الحؽ في أف يقبؿ الشيء أو يرفضو .لديو الحؽ في أف يبحث ويدرس ومف ثـ يقرر ،بناء
خير .لكف الفرد اليوـ يستخدـ ىذه القدرة عمى االختيار ليقرر فعؿ ما يرغبو.
عمى خبرتو ،ما ىو ّ
التيرب مف عواقب
ّ ضد القوانيف التي عميو أف يطيعيا .يحاوؿ
يستخدـ ىذه القدرة كوسيمة لمقرار ّ
سموكو وتصرفاتو ،لكنو لـ يفكر أبدأً في محاولة تصحيح مسببات ىذه العواقب التي يتيرب منيا.
11
طريقة الحكيم
بالتالي كؿ جيؿ مف األجياؿ يواجو ىذا العبئ الثقيؿ المتمثؿ بالواجبات غير المكتممة .ىذا العبئ
يمثؿ تحدي كبير .ىذا العبئ موجود ألننا خمقناه أصبلً .ىذا ألننا فعمنا الكثير مف األشياء عبر
التاريخ والتي جمبت ىذه العواقب التي نعاني منيا ونمقتيا .الحقائؽ المتعمقة بيذا األمر ىي واضحة
ويسيؿ استكشافيا .أولئؾ الميتميف مثبلً بجوانب محددة مف الثقافة اإلنسانية يمكنيـ قراءة كتب
ب خصوص انحدار وسقوط اإلمبراطورية الرومانية .إذا قرأت ىكذا كتب سوؼ تشعر بأنؾ تق أر وثائؽ
عصرية تتعمؽ بالوضع الحالي .ىي تظير ما حصؿ لروما بالضبط .ىي تستعرض ما الذي خمؽ
المسببات التي أدت إلى ذلؾ اإلنييار .بعد الفساد التدريجي لمنزاىة واالستقامة األخبلقية ،واالنتشار
المستمر لمطموح الفردي ،أدى ذلؾ إلى انييار حضارة إنسانية عظيمة .حضارة تحوز عمى إمكانيات
الصمود لعصور مديدة أخرى ،لكنيا لـ تصمد أبداً .نجد األمر ذاتو في تواريخ كؿ الحضارات واألمـ
القديمة األخرى .األخطاء التي نقترفيا اليوـ ىي األخطاء ذاتيا التي دمرت الماضي.
اإلنجازات ذات الطبيعة البناءة التي نحققيا اليوـ ىي حاضرة أيضاً كومضات ساطعة أو أضواء
جيد قد لعب دوره .كؿ تكريس جديد نتج عنو تقدـ
المعة في مسيرة التاريخ الطويمة .كؿ شيء ّ
أساسي في الطبيعة البشرية والغاية البشرية .لكف منذ البداية ،أكثر ما قمنا بمبلحقتو وقمعو ىو
أولئؾ الذيف قالوا لنا الحقيقة .نحف ال نريد لمحكمة أف تتدخؿ في متعتنا .نحف نكافح دائماً وبيأس
ألف نكوف سعداء ،وذلؾ عبر وسائؿ تؤدي في النياية إلى عدـ السعادة .ىذه حالة طبيعية كما قانوف
السببية ،والتي ىي أحد تجمياتو .نحف أكثر حظاً مف الذيف سبقونا في الماضي ،ألننا نستطيع
مراجعة ما كاف يحصؿ في الماضي .نحف ربما نقؼ عند نقطة اإلمكانية األكبر نحو التنور ،لكننا
لسنا مستعديف لتعمـ الدرس .نحف نعتبر أف التاريخ بكاممو بدأ في القرف الماضي .وكؿ ما حصؿ
قبؿ ذلؾ ىو مجموعة مف الخرافات واألساطير والكثير مف األخطاء .لكف في الحقيقة ،إف الخرافات
واألساطير واألخطاء ىي التي تسيطر عمينا اليوـ .نحف لـ نتعمـ الدرس بعد .العائبلت ال تتعمـ
الدرس .تمر العائمة في فترة طويمة مف السنوات المضطربة وغير المستقرة والتي قد تنتيي بالطبلؽ
أو االنفصاؿ .لكنيـ لـ يتعمموا ما الذي يحافظ عمى تماسؾ األسرة .لـ يتعمـ األىؿ كيؼ يسيطروا
عمى أطفاليـ ويرشدوىـ بطريقة صحيحة.
نمط الحياة اليوـ ىو مزدىر أكثر مف أي وقت مضى .مستوى العيش في البمداف األكثر تطور ىو
مرتفع جداً ،لكف مستوى الحياة ذاتيا ىو منخفض جداً .نحف نسعى باستمرار إلى بناء أشياء
12
طريقة الحكيم
خارجية ،والتي ىي بذاتيا فانية وزائمة وقابمة لئلفساد وسوؼ تنيار حتماً في النياية .ربما اآلف
نستطيع استيعاب الفكرة وراء القوؿ المأثور الذي ذكرتو في بداية ىذا الموضوع .أي نحف دائماً وأبداً
في حضور حقيقة ثابتة وراسخة ،وعممية حتمية تجري إلى األبد ،وأف العمؿ األكثر سعادة وانتاجاً
وربحاً الذي يمكننا القياـ بو ىو التماشي واإلندماج مع ىذه الحقيقة .الطاحونة المذكورة في المقولة
السابقة إذاً تمثّؿ المجريات القدرية التي تسحؽ وتجرش كؿ ما ال يتوافؽ مع الحقيقة األصيمة.
صحيح أن الطاحونة القدرية بطيئة في عمميا لكنيا تعمل دائماً دون توقف .تستمر في عممية
الطحف واليرس حتى يستوي المنتوج بكاممو في نعومتو .والنعومة ىنا تعني قابمية االندماج مع
الحقيقة الكونية .الحقيقة ىي كممة تمثؿ أمر عظيـ جداً ،وفي جوىرىا الحقيقي تتجاوز التعريؼ
المغوي .لكف ىناؾ دالئؿ معينة ،أو حقائؽ ثانوية معينة ،ىي ميمة جداً في عممية إرشادنا ،رغـ أف
الحقيقة األساسية تكوف غامضة بالنسبة لنا .حقيقة األمر تمثؿ واقعو ،حقيقة الموقؼ تمثؿ إحداثياتو،
لكف أكثر مف أي شيء آخر ىي تمثؿ تكاممو الفعمي .الحقيقة غير قابمة لئلفساد .يستطيع اإلنساف
أف ينكرىا ،لكنو ال يستطيع أف يدحضيا .الحقيقة تقوؿ بأنو عمينا أف نتعاوف أو سوؼ نفنى ونندثر.
ليس ىناؾ أي حؿ آخر ممكف .ألننا ُخمقنا لكي نتعاوف .ومتما امتنعنا عف التعاوف نضع طبيعتنا
النفسية تحت ضغط اإلجياد .بشكؿ تدريجي ،كما في حالة اإلدماف عمى المخدرات ،نجد أف القيـ
المزيفة التي اتبعناىا أصبح تكرارىا المستمر يحوليا إلى عادات دائمة ،وىذا في النياية يؤدي إلى
تدمير قوة التمييز داخؿ أنفسنا والتي تمنحنا القوة التي تمكنا مف كسر ىذه العادات .نحف بالتالي
نخسر تدريجياً عبلقتنا مع العالـ الذي نمثؿ جزء منو .نحف نخسر إدراكنا لحقيقة أننا ىنا لكي ننمو
ونصحح أخطائنا ونتقدـ تدريجياً نحو تقدير أكبر لمحقيقة .عمينا أف نكوف أكثر إدراكاً لحقيقة المسألة،
ميما كانت تمؾ الحقيقة.
ىذه مشكمة تواجينا اليوـ أكثر مف أي وقت مضى .في القرنيف الماضييف ،أصبح المجاؿ الصناعي
والنمو اإلقتصادي يمثبلف أساس السياسات الكبرى في الحياة .نحف نكافح دائماً وباستمرار مع كافة
أنواع المواقؼ والظروؼ المعقدة والصعبة .ذلؾ بسبب تفاعؿ تمؾ العوامؿ التي سمحنا ليا أف تفمت
مف نطاؽ سيطرتنا .لذلؾ ،بدالً مف الشعور بحقيقة أف العالـ واقع في مشكمة كبيرة ،أو أف مكانة
اإلنساف في خطة القدر معرضة لمخطر الكبير ،أعتقد أنو عمينا اإلدراؾ بأننا وسط فترة تصحيحية
في تاريخ الحضارة .أصبح واضحاً بأنو إذا استمرت األمور كما ىي اآلف ،سوؼ نواجو ال شيء
سوى األزمات والكوارث عمى أنواعيا ،وسيستمر ذلؾ إلى مستقبؿ غير منظور.
13
طريقة الحكيم
كؿ شيء نعتبره اليوـ بأنو صعب يسير إلى األماـ حتى يصبح مضاعؼ .سوؼ نواجو مشكمة
وتطور األسمحة النووية التي ىي بكؿ
ّ شح الموارد الطبيعية،
االنفجار السكاني ،تموث اليواء والماءّ ،
تأكيد غير متوافقة مع واقعنا البائس .وجب حؿ ىذه المشاكؿ بطريقة أو بأخرى .لكف قبؿ أف
نستطيع حمّيا فعمياً ،عمينا أف نؤمف بوجود ح ّؿ .الكثير مف الناس اليوـ يش ّكوف بإمكانية وجود حموؿ
ليذه المسائؿ .يش ّكوف في قدرة العالـ عمى صنع تعديبلت مناسبة في فترة وجيزة تسبؽ االنييار
الحتمي .قد يكوف ىذا صحيحاَ ،لكف عمينا أف نتذكر دائماً أمر واحد ،وىو أننا موجودوف في ىذا
العالـ الدنيوي لكننا لسنا مخموقوف منو .مصدرنا ىو مف مكاف آخر .ىذا العالـ الدنيوي ال يستطيع
التحكـ فعمياً باألمور الموجودة بداخمنا .ليس ىناؾ أي قوة أو قدرة مادية تستطيع إفساد اإلرث
الروحي لئلنساف .ليس ىناؾ أي طريقة ممكنة إلفساد أو الضرر بالروح البشرية بواسطة أدوات
دنيوية خارجية .فقط الروح البشرية تستطيع الضرر بنفسيا وليس أي شيء آخر ،وذلؾ مف خبلؿ
القبوؿ أو االعتراؼ باألشياء الزائفة غير الحقيقية .لذلؾ فإف طواحين اإللو تجرش تدريجياً المشاكل
الكبرى لإلنسانية.
ربما أكبر مشكمة التي نواجييا ىي الطموح .وليس ىناؾ أحد يستطيع أف يبرره أو يدافع عنو
بالمنطؽ والذريعة .الطموح يمثؿ ضغط بداخمنا لكي نتفوؽ في مجاؿ معيف ،أو لكي نصبح خبراء
أكثر في مجاؿ عيشنا وتفكيرنا .يمكننا تعريؼ الطموح وفؽ مصطمحات أكبر بأنو اندفاع أكبر لنكوف
سباقيف في فعؿ األشياء أو في التقدـ بحالتنا المادية .الطموح في الحقيقة ىو سبب كؿ المآسي التي
ع رفيا عالمنا .ألنو في عالـ يحوز عمى مصادر محدودة ليس ىناؾ مكاف لتضخيـ الفرد لنفسو.
الحالة العكسية لمطموح ىي ليست العطالة .الكثير مف الناس يظنوف بأنو عندما يضعؼ طموحيـ
فيذا دليؿ عمى موتيـ رغـ بقاءىـ أحياء .ىذا في الحقيقة ليس صحيحاً .الطموح موجود فعمياً
وبالتالي يمكف استخدامو ،لكف وجب تكريس ىذا الطموح لغاية تحسيف األشياء .وجب أف يمثؿ
الطموح األمؿ الداخمي لمفرد بأف الجمع العالمي سوؼ يينأ بالسبلـ واألماف .عمينا أف نكوف طموحيف
لممبادئ والمثؿ العميا ،وليس طموحيف لتحقيؽ الربح المادي .إذا كنا نفعؿ كؿ ما بوسعنا لتحقيؽ
الدافع بداخمنا الذي ييدؼ إلى جعؿ الحياة أفضؿ لكؿ مف يحيطنا ،فيكوف ىذا أرقى أنواع الطموح
الذي نعرفو.
14
طريقة الحكيم
ىناؾ ضغط ىائؿ آخر بداخمنا والذي يوقعنا باستمرار في صعوبات مختمفة وىو األنانية .األنانية
ىي التوجو الغامض بداخمنا والذي يقوؿ لنا بأنو عمينا أف نكوف المستفيديف األكثر مف أي شيء
يحصؿ حولنا .تعتبر األنانية بأنيا تمثؿ مركزية الذات ،لكنيا في الحقيقة ال تمثؿ مركزية الذات ،ألف
الذات الحقيقية ليس متمركزة بيذه الطريقة إطبلقاً .الذات الحقيقية ىي كونية بطبيعتيا .يوجد في
الحقيقة ذات واحدة في الوجود ،وتكوف باقي الذوات أجزاء متفرقة داخؿ لوحة عظيمة مف مبدأ أبدي
واحد لمحياة والتكامؿ األخبلقي .لذؾ فإف األنانية ىي ،كما يعرفونيا في الفمسفات القديمة ،األمؿ
األناني لئلنساف بأف الكؿ سوؼ يتوافؽ مع الكؿ .األنانية ىي القدرة داخؿ الفرد التي تجعمو مراعياً
ومحترماً لآلخريف بنفس القدر الذي يتوقع األمر ذاتو منيـ .يمكف تحقيؽ األنانية مف خبلؿ العيش
بطريقة أفضؿ مف أي فترة سابقة .ومف خبلؿ العيش بشكؿ أفضؿ ،قد يبدو األمر بأننا نركز
اىتمامنا عمى أنفسنا فحسب .لكف ىذا ال يعتبر أمر خاطئ إذا أحرزنا األفضؿ واستخدمناه لفائدة
لمتحسف لكي نكوف أكثر فائدة .لكف األنانية التي تسعى
ّ الخير العاـ .وجب أف تكوف األنانية دافع
تفوؽ الفرد عمى المحيطيف بو ىي معاكسة لقانوف الطبيعة.
إلى تحقيؽ ّ
ىناؾ عامؿ سمبي آخر وىو الخوؼ .الفرد العصري ىو دائماً في حالة قمؽ .ىو يخاؼ مف العالـ
الذي يعيش فيو .وأكبر مخاوفو تأتي مف أخيو اإلنساف ،ألنو ال يستطيع قراءة أفكار الذيف يحيطوف
بو .ىو مقتنع دائماً بأنو ضحية مؤامرة تحاؾ ضده .لقد تـ المبالغة بالخوؼ بشكؿ ىائؿ في السنوات
األخيرة ،وذلؾ مف قبؿ منتجات ثقافية متنوعة وخصوصاً عبر اإلعبلـ .يخبرنا اإلعبلـ دائماً عف
األمور المريعة التي تحصؿ في العالـ .صحيح أف تمؾ األمور المريعة تحصؿ فعمياً ،حيث ال يمكننا
نكرانيا ،لكف تأثير ىذه األخبار عمينا ينتج الخوؼ .نق أر أنواع مختمفة مف الكتب حوؿ منظمات
ومحافؿ سرية تسعى إلى تقويض عالمنا ،فنصاب بالرعب .الخوؼ ىو بكؿ تأكيد قمؽ اإلنساف
بخصوص المجيوؿ .أي ذاؾ الذي يصعب تفسيره .ذاؾ الذي ىو محجوب أو يختبئ وراء شيء ما.
ىو الشي الذي نعجز عف التحقؽ منو أو كشفو لكننا رغـ ذلؾ نكف لو كافة أنواع المخاوؼ باختبلؼ
أبعادىا .ىذا ىو الخوؼ .والكثير مف الناس ياعنوف منو اليوـ.
لكف الحكماء لـ يخافوا أبداً .وىذا أمر ميـ جداً ومف الضروري أف نفكر بو اآلف .لكف في الحقيقة،
ليس ىناؾ أي حاجة ألف يخاؼ الفرد مف أي شيء سوى أخطاءه .يستطيع الفرد أف يعقمف ىذه
األفكار ويستوعبيا جيداً إذا أراد ذلؾ .إف الخوؼ مف المجيوؿ يعمؿ عمى تنمية تمؾ األنواع المختمفة
15
طريقة الحكيم
مف القمؽ السمبي ،ألف الفرد ينظر إلى المجيوؿ كما يراه ويستشعره اليوـ بصفتو عدـ يقيف ىائؿ أو
فوضى عشوائية أو مجموعة مف المؤامرات المتداخمة ،وىو يجيؿ إلى أيف يمتجئ .القدماء لـ يخافوا
مف الحياة وال مف الموت .لـ يخافوا مف العدو أو مف الصديؽ المزّيؼ .مف خبلؿ التوصؿ إلى
معرفة كاممة بالقانوف ،أدركوا أنو ما مف مكاف في الكوف لمخوؼ .ليس ىناؾ مكاف في الكوف بحالتو
الطبيعية يوجد فيو أي شيء يسبب لئلنساف القمؽ غير العقبلني .المصدر الممكف الوحيد والشرعي
لمقمؽ ىو الكوارث الطبيعية التي ليس لئلنساف أي سمطة عمييا .لكف حتى الكوارث ليا موقعيا في
المسألة ،حيث الكوارث تتبع دائماً وحتماً فساد المجتمعات.
الخوؼ بالتالي ىو قوة سمبية مثبطة ومشوشة ومضعفة لممعنويات .ليس ىناؾ فرؽ حوؿ كيفية قياسو
أو تقيمو .الفرد ،بصفتو مخموؽ أبدي ،يعيش وسط خطة أبدية ،ترشده حكمة أبدية ،وتحميو محبة
أبدية ،ليس عميو أف يخاؼ مف أي شيء .ليس عميو أف يخاؼ سوى مف أخطاءه .ربما عميو الخوؼ
مف سيطرة الجانب السمبي مف طبيعتو عميو .واذا سيطرت عميو فعمياً فيذا يعني أف الجانب اإليجابي
منو لـ يناؿ فرصتو بعد .لكف في جميع األحواؿ ،إذا أراد أف يتغمب عمى الخوؼ فيو قادر أف يفعؿ
ذلؾ .ألف كافة أشكاؿ الخوؼ تنبع مف عدـ اليقيف ،ىي تعتمد عمى سوء التفسير وسوء الفيـ وخمؽ
تصورات وىمية تتصؼ بكافة أنواع الشرور .في الماضي القديـ ،كاف اإلنساف يعاني مف كافة أنواع
النزاعات والشجارات والخصاـ وسوء الصحة والعشوائية وعدـ االستقرار في المجتمع ،فقرر أخي اًر بأنو
ال بد مف وجود شيطاف في مكاف ما يسبب ىذه الشرور .ال بد مف وجود روح شريرة تفعؿ كؿ ىذه
األشياء المزعجة .فيقوؿ مجادالً ،بكؿ تأكيد ال يمكف هلل أف يقؼ وراء كؿ ىذه المآسي واألوبئة التي
تصيبنا ،بالتالي ال بد مف وجود شيء مضاد هلل يفعؿ ىذه الشرور .ال بد مف وجود عدو هلل .وىذا
العدو يستمر في التآمر مف أجؿ تثبيط الغاية اإلليية.
ربما كانت الفمسفة البوذية أفضؿ مف قدـ جواباً مناسباً ليذه المسألة أكثر مف أي جية أخرى .تذكر
الرواية البوذية بأنو تـ مواجية "بوذا" في يوـ مف األياـ مف قبؿ فقياء زمانو بمسألة صعبة الحؿ،
وىي مشابية لمسألة "ماؿ قيصر" المذكورة في اإلنجيؿ .عندما سألوا "بوذا" عف موقع الشر في
مخطط األشياء ،قاؿ ببساطة .." :إذا سمح اهلل بحصوؿ الشر فيو ليس اهلل ..واذا عجز عف منع
الشر فيو ليس اهلل ."..فسكت الفقياء عاجزيف عف االستمرار بالنقاش .ىذه الفكرة استمرت عبر
العصور وحفزت المفكريف عمى التفكير بعمؽ في مجرى األمور .المشكمة ىي أننا قمنا ،منذ البداية،
16
طريقة الحكيم
بممئ العالـ بشياطيف وىمييف وحممناىـ مسؤولية كافة األخطاء التي اقترفناىا .في العصور الوسطى
كاف ُيعتقد بوجود شياطيف حتى في مداخؿ البيوت ،وحتى أف ىذه الشياطيف كانت تجمس بجانب
الفرد خبلؿ الصبلة في بيت العبادة ،وغيرىا مف تصورات وسيناريوىات .إذا كانت ىذه األمور واقعية
فعمياً ،فيذا يعني أف الجميع يمكنيـ االتكاء بارتياح وىناء واالدعاء بأف عيوبيـ الفردية ال تعتبر
ذنوباً منيـ بؿ مف الشيطاف .األخطاء إذاً لـ تعتبر ذنوباً اقترفيا األفراد بؿ مف عمؿ الشيطاف،
استمر ىذا االعتقاد راسخاً لفترة طويمة مف الزمف .أما اليوـ ،في الوقت الحالي ،لـ يعد ىناؾ
و ّ
شيطاف نمقي عميو الموـ ،لكف أصبح لدينا مجاؿ السياسة واالقتصاد والصناعة والعبلقات الدولية
والسياسة الداخمية لمحكومة ...وغيرىا مف عوامؿ ،وكؿ ىذه المجاالت أخذت مكاف الشيطاف بطريقة
أو بأخرى ،وجعمناه ممكناً لنا أف نشعر بأنو ليس عمينا تحمؿ أي مسؤولية بخصوص أي خطأ أو
ىفوة أو عيب يحصؿ في حياتنا ،حيث كميا تحصؿ بسبب أحد العوامؿ المذكورة سابقاً .إف فمسفة
مف ىذا النوع لف تنشمنا أبداً مف وضعنا المزري ،بؿ تعمؿ عمى إغراقنا أكثر في ىذا المستنقع
المأساوي الذي نحف غارقيف فيو.
دعونا نمقى نظرة عمى المسألة مف وجية نظر إغريقية .كاف اإلغريؽ مقتنعوف بطريقتيـ الخاصة
بوجود مبدأ مطمؽ واحد .وىذا المبدأ المطمؽ يمكف اإلشارة إليو باسـ اهلل أو حياة أو عقؿ كمّي أو أي
اسـ أو مفيوـ آخر يمكف استخدامو .رغـ ذلؾ كمو سوؼ يبقى مبدأ مطمؽ واحد أحد كما يشير إليو
الفيمسوؼ فيثاغورث .كافة التقسيمات المؤدية إلى التعددية تحصؿ ضمف نطاؽ ىذه الوحدة الكمية.
ليس ىناؾ شيء خارج نطاؽ ىذه الكمية .بالتالي ،كؿ ما ىو موجود يقبع داخؿ نطاؽ ىذه الوحدة
تنوع المحدود مف التجميات والتجسيدات.
الكمية .إنيا عممية تخميؽ انطبلقاً مف مبدأ واحد أحد إلى ّ
خير ،فيذا يجعؿ كؿ تمؾ التجميات
لكف بما أنيا جميعاً تصدر مف الواحد األحد ،وىذا الواحد ىو ّ
خيرة بطبيعتيا ومحتواىا.
المتنوعة ّ
العالـ الذي نعيش فيو يمثؿ لغز غامض بالنسبة لبعض الناس ،ولجميعنا بدرجة كبيرة .يوجد سبب
و ارء عدـ والدتا في حالة كماؿ .يوجد سبب وراء وجوب تحقيؽ الفضيمة باالجتياد ،حيث لـ تمنح لنا
ىكذا .الفضيمة تأتي لمفرد مف خبلؿ خيار شخصي يتخذه .القوة التي خمقت اإلنساف منحتو القوة ألف
يكوف عمى صواب ،ألنيا منحتو القدرة عمى االختيار واالستكشاؼ والتف ّكر حوؿ ظاىرة الحياة .كما
منحتو الكتب العظيمة التي ىي ضرورية لخبلصوّ .أوؿ ىذه الكتب ممثؿ بالكوف ذاتو ،والذي يمكف
17
طريقة الحكيم
لئلنساف سبره واستكشافو .الكتاب الثاني ممثؿ بالنصوص المقدسة التي نزلت عمى كافة الشعوب
عبر توالي العصور .غالباً ما تكوف ىذه النصوص عبارة عف خبلصات لمبادئ أخبلقية وأدبية،
وقوانيف العيش بطريقة سميمة وكيفية السعي لنيؿ الخبلص في النياية .الكتاب الثالث ممثؿ بجسـ
مصغر لكافة المجريات الحاصمة في الطبيعة مف حولو .كؿ ما ىو
ّ اإلنساف ،الذي يمثؿ نموذج
مسيء لجسـ الفرد يكوف مسيء لعالمو بالكامؿ.
لقد وجد اإلنساف في ىذا العالـ مف أجؿ أف يعمؿ تدريجياً عمى تك ّشؼ الوعي لديو .أف يفتح نفسو
تدريجياً إلى التزايد المستمر والتنامي الدائـ لمستويات الوعي حتى يصبح في النياية مدركاً ومندمجاً
مع المبدأ الواحد األحد القابع عند منبع الحياة .ىذا يمثؿ بالتالي مدرسة بذاتيا .ىي مدرسة بحيث
مبلييف ومبلي يف مف الذرات الدقيقة في جسد اإللو تنمو .ىذه المدرسة لدييا قوانينيا وأحكاميا
ومبادئيا .ىذه المدرسة تعمـ مواضيع معينة ضرورية .ومدرسة الحياة ىذه ىي ربما األكثر نبذاً مف
الناس لكنيا في الحقيقة األكثر ضرورة مف أي مؤسسة تعميمية نعرفيا .الفرد لـ يحبط أبداً في قدرتو
عمى التعمـ ،لكف نزعتو لمتعمـ ىي التي أصيبت بالصدع .بعد أف نبدأ بالتفكير حوؿ ىذا الموضوع
نكتشؼ بأف كامؿ النموذج أو كامؿ البرنامج بصيغتو الصحيحة ىو الذي سوؼ ينتج في النياية
التنور ،وذلؾ مف خبلؿ
المتنور .سوؼ نتوصؿ إلى ىذه النتيجة ألف الفرد قد استحؽ ىذا ّ
ّ الشخص
ويحرر مف خبلؿ
تنور ال ُيمنح ىكذا ،بؿ ُيكشؼ ّ
سموكو ومف خبلؿ بصيرتو ومف خبلؿ مجيوده .ال ّ
الشخص وعبر مجيوده الخاص .عبر إص ارره الثابت عمى إيجاد الجواب الشافي عف نفسو.
18
طريقة الحكيم
التخمّي عف أكؿ بعض األطعمة غير المفيدة وكذلؾ التخمّي عف كؿ ما يمكنو إفساد الجسـ .الغاية
تذمر مف
كانت إرجاع الجسـ تدريجياً إلى حالتو الطبيعية بأكبر قدر ممكف .وجب أف ال يحصؿ أي ّ
قبؿ الجسد ،فيتحرر الفرد مف الضغوطات التي تبرز دائماً مف الجسـ.
ىذه ىي بداية حياة الحكمة .عمى الفرد أف يبنى منزالً لنفسو وفقاً لمقانوف .عندما يبني ىذا المنزؿ في
جسمو وفقاً لمقانوف سوؼ يأتي اإللو األعمى ويسكف معو فيو .بعد االنتياء مف مرحمة التطيير،
األخبلقي واألدبي والجسدي ،يستقر أولئؾ الساعوف إلى الحكمة عمى طريؽ الحكمة .ما عميؾ فعمو
مف أجؿ التعمـ؟ كيؼ سوؼ تساىـ في تحسيف المعرفة؟ اتبع اإلغريؽ القدامى نفس الطريقة التي
اتبعيا الينود والصينيوف وكافة الحضارات القديمة األخرى .قاموا بوضع المريد الساعي إلى المعرفة
تحت وصاية وارشاد أولئؾ العارفيف والمطمعيف أكثر منو .لذلؾ كاف ىناؾ مدارس لمتعميـ .كاف ىناؾ
فقياء عظماء ،وكذلؾ فبلسفة وصوفييف ،وكاف ىناؾ مدارس التعاليـ السرية ومجموعة أخرى مف
المؤسسات التي وجدت بيدؼ تعمـ المريد المزيد والمزيد عف الخطة اإلليية .بالتالي ،بعد مرحمة
التطيير يأتي دور االنخراط في منيج محدد .ىذا المنيج لـ يعد يتعمؽ بالجسد ،بؿ ييتـ في انضباط
العواطؼ والعقؿ .الفرد الذي ال يستطيع السيطرة عمى مزاجو لف يتمكف مف اختبار حضور اإللو
ؾ والتساؤؿ ،حيث قد
بداخمو .قد يظف بأنو يختبر ىذا الحضور الجميؿ لكف ىذه الحالة تكوف قيد الش ّ
تكوف عمى األغمب عبارة عف وىـ ناتج مف ىموسة .الفرد الذي ال يستطيع ضبط أفكاره ال يمكنو أف
يصبح حكيماً بالفعؿ .وعندما تقوـ اإلرادة لدى الفرد باستخداـ كؿ مف العواطؼ والعقؿ مف أجؿ
إشباع الشيوات والسعي لتحقيؽ الطموحات الدنيوي ،حينيا يكوف لدينا شمشوف المربوط بحجر
الطاحونة كما ورد في العيد القديـ .نحف نحوز في داخمنا عمى شيء عظيـ ورائع وىائؿ وخالد
(النفحة الشمسية) ،وما نفعمو ىو تقييده واشغالو بأتفو النشاطات وأحقرىا في حياتنا اليومية .لذلؾ
عمى العقؿ أف يكوف تحت السيطرة لكي يتمكف مف التفكير بشكؿ سميـ .وكذلؾ العواطؼ وجب
ضبطيا لكي تكوف المشاعر نبيمة ولطيفة وكريمة ورحيمة.
مف أجؿ إحراز االنضباط العقمي المطموب ،مف الضروري توجيو العقؿ أو تعميمو كيؼ يف ّكر .وجب
تعميمو كيؼ يتجنب التعصب أو التشبث باآلراء بشكؿ أعمى .إنيا عممية إنماء تدريجي لمحصافة
وحسف التقييـ لؤلمور .االنضباط العقمي يستند عمى أساس الحصافة وحسف التقييـ .إنيا قدرة الفرد
عمى التفكير السميـ والطاىر كما نجده لدى الشعوب البسيطة التي نعتبرىا بدائية مثؿ سكاف الجزر
19
طريقة الحكيم
كاف يوجد في اليوناف القديمة معمموف بارعوف يسمونيـ السفسطائييف ،وكانت العامة تنظر إلييـ
باستحقار ،والسبب ىو أنيـ كانوا يعمموف تبلميذىـ مقابؿ أجر مالي .لذلؾ كاف الناس يستحقرونيـ.
ألف طمب األجر مقابؿ التعميـ ىو دليؿ عمى عدـ التكريس مف أجؿ الحقيقة األصيمة .قد يقوؿ
البعض أنو إذا طبقنا ىذا المبدأ اليوـ فسوؼ ينتيي أمر معظـ المعمميف الحالييف في مآوي الفقراء.
قد يكوف األمر صحيح لكنو لـ يكف ىكذا في الماضي .ألف الذيف أصبحوا القادة العظماء لمفكر
اإلغريقي ولمدة ثبلثة قروف ،مقدميف لمعالـ مئتيف مف أبرز المفكريف المتنوريف ،لـ يطمبوا أجر مقابؿ
تعميميـ .كانوا مدعوميف وتـ مساعدتيـ وكاف تبلميذىـ يحبونيـ ألنيـ رؤوا بأنيـ لـ يطمبوا شيء ولـ
يحتاجوا إلى شيء .كانت حاجاتيـ ومتطمباتيـ قميمة .وكانت العبلقة القائمة بيف التمميذ والمعمـ
متحررة تماماً مف العوامؿ المالية .لذلؾ وجب أف تكوف مينة المعمّـ بشكؿ رئيسي عبارة عف تكريس
موجو حص اًر نحو زيادة المدخوؿ المالي بأي
إلرشاد أولئؾ الذيف بحاجة إلى إرشاد ،وال يكوف األمر ّ
شكؿ مف األشكاؿ.
وجب أف نعرؼ حقيقة ميمة ،كؿ مجاؿ مف مجاالت المعرفة إذا تـ إفساده سوؼ يصبح خطي اًر ،وما
مف شيء أقوى مف الماؿ في القدرة عمى اإلفساد .كؿ مجاؿ بحث إذا أسيء استخدامو سوؼ يتحوؿ
إلى تيديد خطير .عمينا أف نع رؼ ىذه األمور .عمينا أف نتمتع بالشجاعة لفعؿ شيء حياليا .لكف
يبدو أف المشكمة ستبقى قائمة كما بقيت دائماً .مشكمة أف الميارات بكؿ أنواعيا ليست متصمة
ِ
العالـ اليوـ يشعر بأنو ليس ممتزماً بالديف بأي طريقة .ىو ال يؤمف بأنو مف الضروري بالديف.
التحكـ بالعمـ والسيطرة عميو مف قبؿ شيء أقوى مف العقؿ البشري .العموـ ىي ليست ظواىر عقمية
معزولةِ .
العالـ غير التقي أو الغير ممتزـ دينياً يمثؿ خطر دائـ إلفساد المعرفة وكذلؾ إفساد الميارة.
لقد شيد القرنيف الماضييف تقدماً كبي اًر في مجاؿ العمـ والمعرفة .لكف معظميا ىو خطير .أينما يوجد
المتميز
ّ عمـ بنفسو ولنفسو سوؼ يكوف خطي اًر .أينما يوجد فرع مف المعرفة ويكوف قد عزؿ محتواه
23
طريقة الحكيم
ودخؿ ربما في صراع مع عموـ أخرى ،أو عمى األقؿ كاف عمى عبلقة غير متناغمة أو منضبطة
معيا ،متما حصؿ ىذا فسوؼ تتناقص فوائد ىذا الفرع المعرفي وتتزايد مخاطره .ربما أصبحت
أخطار العمـ أكبر وأكثر فتكاً ،وىي اآلف أكثر تيديداً .نكتشؼ اليوـ بأف قسـ كبير مف العمـ ليس
محكوماً بالسعي لخدمة الشعوب .إنو سعي حثيث لمتقدـ بنوع آخر مف المعرفة .سعي حثيث إلثبات
شيء ما ،بدالً مف اكتشاؼ القيمة وفؽ ما تقتضيو المصمحة العامة.
إذاً ،العمـ اليوـ انحرؼ عف الغاية مف وجوده .لـ يعد صادقاً مع غايتو الحقيقية .في كتابو الذي
بعنواف "العضو الجديد في العمـ" يقوؿ "روجر بيكوف" .." :الغاية مف العمـ ىي أف اإلنساف سوؼ
يتعمـ عمى المستوى العممي كؿ ما يمكف لو معرفتو ،وكؿ ما يتعممو سوؼ يتـ تكريسو دوف أنانية
حي ."..بخصوص حالة العمـ اليوـ فإف القسـ األخير مف المقولة السابقة مفقود.
لمصمحة كؿ شيء ّ
وألف ىذا القسـ األخير غير موجود اآلف ،عمينا أف نفترض بأف مستوى المثالية ليس راقياً بما يكفي
ليصنع تكريس حقيقي في العمـ الحديث .إنو ليس قوي بما يكفي ليرفع الفرد فوؽ أنانيتو نحو التكامؿ
مع المصمحة العامة .األمر ذاتو ينطبؽ عمى الحكومات .لقد عمؿ الناس مع الحكومات لزمف طويؿ
جداً عمى مر التاريخ .قاؿ أحد الفبلسفة اإلغريؽ في إحدى المناسبات .." :محظوظاً ىو ذلؾ الحاكـ
الذي يتمنى لو الجميور خي اًر ..حيث يخافوف عميو وال يخافوف منو ..ىو الحاكـ الذي أنجز قيادة
فعمية ."..ىذا النوع مف التفكير ىو قديـ جداً لكنو تفكير أساسي جداً .ىناؾ شيء داخمنا جميعاً
ؾ بأننا في موقع
يميز األمور األساسية إذا منحناىا االنتباه الوافي .ليس ىناؾ أي ش ّ
يستطيع أف ّ
يقدر القيمة ،لكف في معظـ األحياف نفتقر لمفرصة أو اإلرادة لكي نستثمر ىذه القيمة .وىذه محدودية
خطيرة في طريقة تفكيرنا .بعد كؿ ما قيؿ سابقاً نكتشؼ بأننا نعيش في كون صادق تماماً ،لكن
المشكمة ىي أننا لسنا صادقين بما يكفي .نحف نعيش في عالـ يكافئ الفضيمة ويعاقب الرذيمة .ليذا
السبب لدينا عدد كبير مف السجوف المميئة بالسجناء الذيف لـ يتعمموا ىذه الحقيقة .نحف نعيش في
عالـ يريدنا جميعاً أف نكوف سعداء ،لكف ال نستطيع أف نكوف سعداء في الوقت الذي ثمثيف مف
سكاف العالـ ال يحصموف عمى ما يكفييـ مف طعاـ .مف المفروض عمينا أف نبتيج بمستوى تقدـ
عمومنا ،لكف كنتيجة ليذا التقدـ العممي المنحرؼ نرى الدوؿ المتقدمة تبيع األسمحة المتطورة لمدوؿ
المتحاربة وتشجعيـ عمى االستمرار في النزاع .نحف لـ نتعمـ بعد تمؾ الحقائؽ األساسية لمحياة .أىـ
تمؾ الحقائؽ تقوؿ بأنو إما أف نتعاوف معاً أو ما نسمييا الحضارة البشرية سوؼ تندثر وتزوؿ حتماً.
إذا اندثرت ىذه الحضارة الحالية فسوؼ يتطمب األمر وقتاً طويبلً قبؿ أف تعود وترتقي الحضارة
21
طريقة الحكيم
البشرية إلى مستوى متقدـ مرة أخرى .نحف بكؿ تأكيد ال نرغب في العودة إلى إختبار العصور
المظممة مرة أخرى .عمينا أف نصحو تدريجياً إلى حقيقة أف كافة أشكاؿ اإلستغبلؿ ىي مناقضة
لقانوف الطبيعة .وال شيء يكوف مناقض لمقانوف يمكنو االستمرار في البقاء .قد يبدو لبعض الوقت
جيد ،لكف مع مرور الوقت سوؼ يتـ ضبطو وفرموأف الشخص المخادع يزدىر وأموره تسير بشكؿ ّ
وجرشو في طاحونة اإللو .ألن طواحين اإللو تجرش ببطء لكن منتوجيا يكون ناعم دائماً .ميما
فعمناه فبل بد مف أف لو عواقب .واألشياء التي نريد فعميا اآلف ىي تمؾ األنواع مف األشياء التي ليا
عواقب سميمة .ويمكننا البدء مف أنفسنا ونحاوؿ اكتساب نظرة عميقة في األمور .ألنو عندما نغادر
ىذا العالـ الدنيوي سوؼ نذىب إلى حالة أو بعد آخر مف الوجود بحيث ما نحف عميو ىو األمر
الميـ .ما نممكو مف ممتمكات وأمواؿ ومدى نجاحنا في العمؿ والتجارة وغيرىا ،حتى لو كنا قادة
أوطاف وأمـ أو كنا مشاىير في السينما وتمقينا كافة أنواع الجوائز ..كؿ ىذه األشياء ال تمثؿ أي
عواقب مف أي نوع .ىي تمثؿ جزء مف وىـ كبير صنعو اإلنساف لنفسو .األمور التي تعتبر ميمة
في ذلؾ العالـ اآلخر ،الذي ىو األىـ ،ىي اإلحساف والتفيـ والشفقة والتكريس .واذا كنا نؤمف بقانوف
التقمص ،عمينا أف نؤمف بأننا عائديف إلى ىذا العالـ لكي نكوف مفيديف وليس لكي نصبح أثرياء.
ّ
عمينا أف نعود لكي نخدـ المحتاجيف وليس االنخراط في طريقة عيش أنانية وتنافسية مع اآلخريف.
في الحقيقة ،إف الدورة العظيمة إلعادة تجسيد اإلنساف في حيوات دنيوية متعددة ىي عظيمة جداً
لدرجة أنيا قادرة في النياية عمى إيصالنا جميعاً إلى حالة الكماؿ .لو لـ يكف األمر كذلؾ فسوؼ
يفشؿ كؿ شيء .لكف تمؾ القوة العظيمة والشمولية التي تيتـ حتى بموازنة العصفور خبلؿ طيرانو
ىي ليست غافمة عف الكفاح المرير الذي تمر فيو الحياة فتدرؾ بأف ىذا الكفاح المرير غير
ضروري .لقد انحرؼ اإلنساف كثي اًر عف مساره األصيؿ في ىذه الحياة .مف ىنا نشأت الم اررة التي
يختبرىا اإلنساف خبلؿ خوضو معترؾ الحياة .بدأ األنبياء والمتنبئيف يتمقوف الرسائؿ اإلليية التي
تخبرنا عف حقيقة األمور .الحكماء والقديسيف والمتنبئيف ،جميعيـ كشفوا لنا آلية عمؿ القانوف
اإلليي .ىـ يعتبروف أعمى سمطة نعرفيا .يعتبروف األعمى منزلة ألنو في قموبنا ندرؾ بأف ما قالوه
ىو الشيء األقرب إلى الحقيقة مف بيف كؿ ما سمعناه في حياتنا .ىذه النصوص المقدسة والحكـ
والتنبؤات وغيرىا مف صيغ أخرى تجمت فييا ىي متوفرة اليوـ لدى الجميع .وبالتالي يمكنيا البدء
بمساعدتنا عمى توجيو أنفسنا بشكؿ سميـ في حياتنا الخاصة.
22
طريقة الحكيم
تمر في الميؿ .نحف نحوز عمى نحف نطوؼ عبر الزمف في رحاب األبدية .نحف كما السفف التي ّ
كافة االتصاالت والعبلقات الضرورية في الوجود ،لكننا ننبذىا عمى األغمب .لكف إذا لـ ننبذىا وبدالً
مف ذلؾ حاولنا فيميا فسوؼ نكتشؼ بأف ىذا النموذج العظيـ لمحياة ىو أكثر جماالً وأكثر روعة
مما توقعنا منو أف يكوف .إذا ذىبنا في نزىة بالبرية ومررنا عبر التبلؿ والودياف ونرى الزىور تنمو
عند جذور األشجار العريقة ،نحف نرى الجماؿ في كؿ مكاف .نرى األشياء في كؿ مكاف تحقؽ
نفسيا .نرى النمو المذىؿ لمحياة .نرى أف كؿ شيء مف األشياء تطمؽ الحياة مف نفسيا باستمرار.
اإلنساف الذي لديو منظومة عضوية أكثر تقدماً مف تمؾ األشياء يجيؿ تماماً حقيقة أف االنطبلؽ
المستمر لمحياة مف داخؿ نفسو ينتج في مساىمتو بتكويف الجماؿ الكمّي والتعاوف الكمّي واعادة
التماثؿ الكمّي لمكائنات الحية مع الحياة بداخميا .الطبيعة بروعتيا منحتنا المئات مف األلواف المختمفة
لمزىور والطيور واألسماؾ ..لقد خمقت كائنات حية دقيقة جداً بحيث حتى الميكروسكوب يكاد يراىا.
وىا نحف نعيش وسط مساحة شاسعة عظيمة جداً لدرجة أف أقوى التمسكوبات تعجز عف سبر
جوانبيا .كامؿ ىذا التناسؽ الشاسع واليائؿ ليس في حالة نزاع مستمر .الكواكب مثبلً ال تصطدـ
ببعضيا ،وأشكاؿ الحياة المتنوعة ىي مضبوطة مف قبؿ إجراءات ثابتة ،وكؿ ىذه األشياء تتكشؼ
مف داخؿ نفسيا وفقاً لمقانوف .وعندما يسيء اإلنساف التعامؿ مع ىذا القانوف سوؼ يتوقؼ عف
التك ّشؼ ولـ يعد جزءاً مف الخطة الكونية .إنو مف الميـ جداً بالنسبة لو أف يعيد اعتبار ىذه الخطة
بعمؽ ويحاوؿ التناغـ معيا ليحافظ عمى صالحو وأمانو.
لدينا أيضاً نقطة ميمة وجب معرفتيا وليا عبلقة أيضاً بالمقولة المتعمقة بطاحونة اإللو ،وىي أنيا
أكثر مف أي شيء آخر تشجعنا عمى الطاعة .لكف السؤاؿ ىو :مف ىي الجية التي عمينا إطاعتيا؟
ىؿ عمينا إطاعة أولئؾ الغشاشيف المحنكيف الذيف قادونا إلى المشاكؿ منذ بداية الزمف؟ ىؿ نطيع
أولئؾ الذيف يسعوف إلى استغبللنا؟ ىؿ نطيع أولئؾ الذيف يطيعيـ الناس خوفاً عمى حياتيـ منيـ؟
ىؿ نطيع أولئؾ الذيف أوقعونا تحت تأثير مغناطيسي غامض بحيث استحوذوا عمى إرادتنا في الوقت
الذي نعجز فيو عف المقاومة بأي شكؿ مف األشكاؿ ،وذلؾ ألننا ال نفيـ ماىية ىذا التأثير؟ في
الحقيقة ،الطاعة النيائية التي عمينا ممارستيا ىي طاعة الخطة الكونية .أي أف نبقى في انسجاـ
وتناغـ مع إرادة السماء .أف نحافظ عمى القوانيف التي ُمنحت لنا عبر الشرائع التي نزلت عمى العالـ
بشكؿ متكرر عبر العصور.
23
طريقة الحكيم
منذ أ قدـ األزماف كاف ىناؾ شرائع قانونية قامت بتوجيو سموكنا .منذ أياـ حامورابي في بابؿ ،كاف
ىناؾ أحد الشرائع العديدة التي ظيرت حينيا وتتعمؽ بالرجؿ الذي يبني المنازؿ .الشريعة التي تتعمؽ
بيذا الموضوع ليا الكثير مف التفرعات والتطبيقات المثيرة لبلىتماـ لكف جوىرىا كاف عمى الشكؿ
التالي :إذا قاـ الرجؿ ببناء المنزؿ بشكؿ خاطئ وغير سميـ ،وذلؾ المنزؿ سقط وانيار أو لـ يخدـ
الغاية مف بناءه بشكؿ سميـ ،لدى المالؾ ،الذي ىو المتضرر الرئيسي ،الحؽ في اختيار العقوبة
التي تقع عمى البناء .إذا قاؿ المالؾ أنو عمى البناء أف ُيشنؽ فسوؼ يتـ ذلؾ .لكف عمى األغمب
سوؼ يختار المالؾ إعادة بناء المنزؿ مرة أخرى لكف بشكؿ سميـ .واذا رفض البناء فعؿ ىذا فسوؼ
يتـ سجنو .حتى في تمؾ الفترة القديمة ،وجب أف يكوف كؿ تعامؿ شريفاً .ىكذا كاف حكـ األمور قبؿ
أكثر مف ثبلث آالؼ سنة .إذا تـ اإلمساؾ بأحدىـ يزّيؼ أو يزّور أو يفسد عمؿ أو منتوج معيف ،أو
الكسر بوعد قطعو ،أو تزوير شيادة أو تحريؼ مقولة أحد آخر ،كؿ ىذه األشياء كانت تواجو
العقاب بسرعة وفو اًر .لـ يكف ىناؾ أي حاجة لمرافعة محامي محنؾ .إما أف العمؿ يتـ بشكؿ سميـ
أو يتـ إنزاؿ العقوبة مباشرة .ربما ليذا السبب الزالت األبنية التي أنشئت في تمؾ الفترة قائمة حتى
اليوـ .شريعة حامورابي تشمؿ أيضاً كافة أنواع التعاليـ والقوانيف األخبلقية .تمؾ الشريعة التي كتبت
قبؿ أكثر مف ثبلثة آالؼ سنة كانت أكثر شرفاً وأكثر حتمية وأكثر اختصار ووضوح مف أي شريعة
أنشأناىا في الوقت الحالي .كانت تمؾ الشريعة تيدؼ إلى غاية واحدة وىي مكافئة الصالح ومعاقبة
الطالح .ىذا النوع مف التفكير كاف أساسي جداً ،وتأسس عمى مبدأ بسيط .ىذه الشريعة التي نسمييا
اليوـ شريعة حامورابي لـ يتـ وضعيا مف قبؿ حامورابي بؿ وضعيا اهلل وتـ كشفيا لمممؾ العظيـ
ربما عبر مستشاريو أو أحد أولئؾ الذيف يحيطونو .لكف السمطة النيائية والقوة النيائية تكمف في
السماء.
كؿ مف يخرؽ قوانيف البشر قابؿ أف يخرؽ قوانيف اهلل .مف الواضح اليوـ وجود قوانيف تحمي
المذنبيف ،لكف ىكذا قوانيف لـ تكف في شريعة حامورابي .لكف في جوىرىا ،فإف القوانيف التي تكوف
صالح ة وسميمة تأصمت في حاالت الوحي كتمؾ التي نسمييا الوصايا العشر .وصايا القديسيف
واألنبياء كانت تمثؿ أساس الحضارة .كاف عمى كافة البشرية أف تعيش في حضورىا بحالة تواضع
وسبلـ .فقط األزلي ىو ذاتي الحكـ ،أما ما تبقى فعميو أف ُيحكـ .فقط ذاؾ الذي ىو الصانع األبدي
خير بشكؿ المحدود وحكيـ بشكؿ ال محدود، سيد الكوف .وصانع القوانيف ىذا ،ىو ّ لمقوانيف يمثؿ ّ
وىو القوة الوحيدة التي نعرفيا بأنيا عمى إدراؾ كامؿ بغاياتيا.
24
طريقة الحكيم
وفؽ ىكذا ظروؼ ،يمكننا تذكر مقولة أفبلطوف الذي قاؿ .." :إف كانت جميورية أو ديمقراطية فعمى
الجية األفضؿ أف تحكـ الباقيف ."..وفي الخطة الكونية العظيمة لؤلشياء ،عمى األفضؿ أف يحكـ
الباقيف .واألفضؿ ىنا ىو المبدأ األبدي لمحياة ذاتيا والذي يتجمى بييئة تشكيمة متنوعة مف القوانيف
الخيرة
[عز وج ّؿ] .ىذه القوانيف ىي المحتوى الفعمي لمحياة ّ
الثابتة .ىذه القوانيف تمثؿ إرادة الخالؽ ّ
وكيؼ يعيشيا اإلنساف حتى يتوصؿ مع الوقت إلى إحراز غايتو النيائية .لكف في حضور ىذه القوة،
التي وحدىا تعمـ ،كمنا نكوف خدـ وعبيد .كمنا في حالة عبودية لمحقيقة ،وىذه حالة سعيدة وبييجة.
بينما العبودية لمخطأ واالنحراؼ ىي أكثر الحاالت بؤساً يمكف تصورىا .لكف خبلؿ العبودية لمحقيقة
يكوف العبئ خفيؼ والعمؿ سيؿ .خبلؿ خدمتنا لمحقيقة لف نجدىا سيداً قاسياً ،بؿ شيء يصبح
ظريؼ وجدير بالعبادة أكثر وأكثر بالنسبة لنا .مف خبلؿ خدمة الحقيقة وخدمة بعضنا البعض
وخدمة الخطة اإلليية نتوصؿ إلى السبلـ والسعادة واألماف .كؿ ىذه المبادئ تدخؿ في عممية إدراؾ
حقيقة أف قوانيف الطبيعة تنجح في عمميا .كؿ مكاف في الطبيعة يوجد فيو عدالة إليية .ومع مرور
أجياؿ بعد أجياؿ عمى مسرح الوجود دوف أف تعمـ بيذه العدالة اإلليية ،وايمانيـ بأنيـ يستطيعوا
العيش بطريقة مناقضة ليا سوؼ يعزز استمرار سياساتيـ األنانية .لكف الحقيقة النيائية تبقى قائمة،
وىي أنو ما مف خطيئة نقترفيا إال وعمينا تصحيحيا ،وأنو ليس ىناؾ أي حالة مف الجيؿ إال عمينا
تحويميا إلى حكمة ،وليس ىناؾ حالة كره إال عمينا تحويميا إلى محبة .كؿ شيء سمبي وخطير
بالنسبة لنا يبرز أصبلً مف جيمنا ،وننشره خارجاً حولنا عبر وسائؿ االتصاؿ المختمفة المتوفرة اليوـ.
كؿ ما ىو غير حقيقي سوؼ يتـ جرشو وطحنو .كؿ ما ىو حقيقي سوؼ يتـ رفعو لؤلعمى .كؿ ما
يتعمؽ بمستقبؿ العالـ سوؼ يتـ التعامؿ معو وسوؼ تتدخؿ الطبيعة وسوؼ يتـ غسؿ ومسح كؿ تمؾ
األشياء المتعمقة بالمؤامرات والجرائـ وغيرىا ،سوؼ يتـ إجبلءىا في النياية مف قبؿ الخطة اإلليية
ذاتيا .لكف ىذا يبدو مسار طويؿ .ىذا أمر لف يحصؿ في لحظة .لكف مدى تحقيؽ األمر يعتمد
بمعظمو عمى اإلنساف .ألنو عمى ىذا الكوكب فإف المشاكؿ التي يعاني منيا اإلنساف ىي مف صنع
اإلنساف .بالتالي فالتصحيح ىو مف واجب اإلنساف أف يفعمو .عميو أف يتوقؼ عف فعؿ ما يفعمو،
عميو أف يميز أخطاءه ويصحح توجياتو ومواقفو .السياسات التي ال تصمح لمجميع ال تصمح بالتالي
مجرد وىـ .لطالما دخمنا في الصراعات ،حرب
ألحد .وكؿ ذلؾ الكفاح مف أجؿ السمطة والنفوذ ىو ّ
بعد حرب ،فقط مف أجؿ السيطرة عمى ىذه الحبة الصغيرة التي نسمييا كوكب األرض .لكف لنفترض
أننا اكتسبنا المعركة فماذا تكوف النتيجة؟ النتيجة المضمونة الوحيدة لكؿ إنساف ىي المقبرة .آجبلً أـ
عاجبلً.
25
طريقة الحكيم
تحاوؿ الطبيعة دائماً قوؿ ىذه األشياء لنا .تحاوؿ دائماً جعؿ األمر أكثر وضوحاً لنا ،وىو أف
الطبيعة سوؼ تكسب في النياية .ما مف قوة يستخدميا اإلنساف تستطيع أف تفسد القانوف الذي يعتمد
عميو أصبلً في وجوده .الفرد الذي يتباىى بأنو يستطيع خرؽ القانوف الطبيعي ىو في الحقيقة يقوؿ
بأف القانوف يخرقو ويكسره ويحطمو .اإلنساف ال يستطيع خرؽ أي قانوف سوى تمؾ التي يصنعيا
بنفسو .فيذه األخيرة ربما وجب خرؽ بعضيا لكف البعض اآلخر وجب احترامو .لكف في النياية ما
مف إنساف يستطيع خرؽ القانوف اإلليي .ال أحد يستطيع التدخؿ بالغايات الثابتة لمخطة األبدية .ىذه
الغايات سوؼ يتـ تحقيقيا في النياية .وخبلؿ تحقيقيا سوؼ نتوصؿ جميعاً مع الوقت إلى حالة مف
األماف الفعمي ،والذي ال يمكف تدميره بواسطة اإلجراءات السياسية .العالـ المثالي الذي نأممو ال
يمكف السيطرة عميو وحكمو مف قبؿ أي طغياف طموح .ما نبحث عنو ىو عالـ يتوقؼ عف اإلعتقاد
بأنو في السيطرة عمى الشعوب األخرى يكمف العظمة والمجد .العظمة تكمف في السيطرة عمى
النفس .وىذا ما وجب عمينا جميعاً تعممو .وعندما نتعممو سوؼ نكتشؼ ماذا تفعؿ طواحين اإللو.
ىذه الطواحيف تحقؽ ىذا اإلنجاز األخير المتمثؿ بجعؿ التكامؿ األخبلقي أمر حتمي .ىذه
الطواحين سوف تجرش بعيداً القيم المزيفة .سوف تجرش بعيداً كل ما ىو مدمّر وىدام .وربما في
أحد األياـ سوؼ تجرش السيوؼ لتحوليا إلى شفرات لفبلحة األرض .لكف في النياية ،الخطة اإلليية
تنجح دائماً في عمميا .واإليماف الكبير بيذه الحقيقة يمثؿ قوة عظيمة لئلنساف اليوـ والذي يصارع
الضغوط اليائمة التي يواجييا في حياتو العصرية .إذا كنا مميميف وصادقيف مع أنفسنا فسوؼ ندرؾ
بوضوح بأننا مندمجوف مع الواقع بحيث نمثؿ شيء واحد معو .وانو أفضؿ لؾ أف تكوف مندمجاً مع
الواقع بطريقة بسيطة وسميمة ،بدالً أف تكوف حاكماً لكافة أمـ األرض.
26
طريقة الحكيم
األوؿ
الجزء ّ
انثــشٔج
27
طريقة الحكيم
ادلال
من وسيط تبادل إلى وسيمة سيطرة مطمقة
لكف مف خبلؿ االطبلع عمى كامؿ فصوؿ التطور التاريخي ليذا الوسيط لمتبادؿ نجد أنو مثؿ السبب
الرئيسي وراء الكثير مف الكوارث واألزمات البشرية المأساوية ،إف كانت اجتماعية أو سياسية أو
حتى بيئية .لكف في النياية ،ال يمكننا اعتبار الماؿ بأنو وسيط شرير بذاتو ،بؿ طريقة التعامؿ بو
واستخدامو ىو الذي انحرؼ وصار سيئاً وخطي اًر .ال بد مف أف القارئ الكريـ قد تعرؼ عمى تاريخ
نشوء الماؿ والسيطرة المالية في مصدر آخر ،وىو بكؿ تأكيد تعرؼ عمى القصة التقميدية التي يألفيا
الناس .لكف مف المؤكد أنو لـ يستوعب بعد كامؿ المسألة المتعمقة بمدى خطورتو ومدى تغمغمو إلى
حياتنا وطريقة عيشنا.
القصة التالية سوؼ توضح الكثير مف األمور التي الزالت غامضة .أساس المشكمة ال يعود إلى
بداية نشوء مفيوـ الماؿ كوسيط تبادؿ ،بؿ المشكمة بدأت بعد ىذا التاريخ بفترة طويمة .المشكمة لـ
تكف أبداً متعمقة بالماؿ ذاتو بؿ بالفكرة الشيطانية التي أوجدىا أحدىـ في إحدى فترات التاريخ بيدؼ
28
طريقة الحكيم
السيطرة واالستعباد الخفي ،وقد نجحت ىذه الفكرة بشكؿ مذىؿ واستمرت عبر التاريخ والزالت قائمة
حتى يومنا ىذا .دعونا نتعرؼ عمى القصة أوالً ومف ثـ نكمؿ ىذا الموضوع.
29
طريقة الحكيم
كشاتٍٕس انطٍطاٌ
مشى العبيد ببطئ ضمف صفوؼ منفردة ،كؿ واحد منيـ حمؿ عمى كتفو حجر مصقوؿ .يوجد أربعة
طوابير منفردة وكؿ مف ىذه الطوابير الطويمة يمتد عمى طوؿ كيمومتر ونصؼ تقريباً ،يبدأ عند مقمع
الحجارة وينتيي عند موقع البناء ،وىو تحت مراقبة مشددة ودائمة مف قبؿ الحراس المسمحيف .يوجد
حارس عسكري واحد عمى كؿ عشرة عبيد.
عمى أحد جانبي درب المسيرة الطويمة ،عمى قمة تمة اصطناعية ارتفاعيا ثبلثة عشرة مت اًر مصنوعة
مف الحجارة المصقولة جمس "كراتيوس" ،وىو أحد الكينة الكبار .طواؿ الشيور األربعة الماضية كاف
يراقب نشاط ورشة البناء بصمت .لـ يصرؼ انتباىو أحد ،وال أي شخص يجرؤ عمى تعطيمو عف
تفكره العميؽ ،حتى لو بمفتة نظر جانبية.
كؿ مف العبيد والحراس اعتبر وجود ىذه التمة االصطناعية مع العرش الذي عمى قمتيا كجزء مف
المشيد المحيط ولـ يمتفت أحد إلى تمؾ الناحية ليرى الرجؿ عمى قمة التمة والذي إما يكوف جالساً
عمى العرش أو يمشي ذىاباً واياباً ضمف مساحة المصطبة عمى قمة التمة .لقد تعيد "كراتيوس" عمى
33
طريقة الحكيم
عاتقو ميمة إعادة تنظيـ الدولة ،معز اًز سمطة الكينة لمدة ألؼ سنة قادمة ،ومخضعاً ليـ كافة سكاف
األرض ،ومحوالً الجميع دوف استثناء (بما في ذلؾ حكاـ الدوؿ) إلى عبيد تحت أقداـ الكينة.
في يوـ مف األياـ نزؿ "كراتيوس" مف عرشو العالي فوؽ التمة ،تاركاً بديؿ مكانو .قاـ الكاىف األعمى
بتبديؿ ثيابو وخمع لباس الرأس ،ثـ أمر رئيس الحرس بأف يقيده بالسبلسؿ كما يفعموف مع العبد
البسيط ثـ أدخموه إلى طابور العبيد وتحديداً وراء عبد شاب قوي البنية اسمو "نارد" .مف خبلؿ النظر
إلى وجوه العبيد المختمفة ،الحظ "كراتيوس" بأف ىذا الشاب تحديداً يممؾ نظرة ىادفة ونافذة ،وليس
التأمؿ
نظرة شاردة ومفككة كما العبيد الباقيف .مبلمح "نارد" كانت تتبدؿ بيف الحماس الشديد وبيف ّ
العميؽ .وىذا يعني ،كما أدرؾ الكاىف ،أنو يدبر خطة مف نوع ما ،لكف أراد الكاىف أف يؤكد صحة
ما الحظو.
طواؿ يوميف كامميف ،راقب الكاىف كؿ حركة يقوـ بيا "نارد" .كاف يسحب معو الحجارة ،ويجمس
بجانبو خبلؿ تناوؿ الطعاـ ،ويناـ بقربو ليبلً في الثكنة .في الميمة الثالثة ،مباشرة بعد إطبلؽ األمر
بالنوـ ،أدار "كراتيوس" وجيو نحو العبد الشاب وبصوت فيو نغمة الم اررة واإلحباط ،ىمس إليو قائبلً:
" ..ىؿ سيستمر الوضع كما ىو عميو حتى باقي حياتنا؟"..
راقب الكاىف كيؼ تمممؿ العبد الشاب ثـ استدار نحوه ليواجيو .كانت عيناه تممع ويمكف مبلحظتيا
حتى مع النور المنخفض لمثكنة الكيفية التي ىي عبارة عف تجويؼ صخري .ىمس العبد الشاب
قائبلً .." :ىذا لف يدوـ طويبلً ،"..ثـ أكمؿ كبلمو قائبلً .." :كنت أعمؿ عمى خطة ..ويمكف لؾ أييا
العجوز أف تكوف جزء منيا."..
سألو الكاىف بتنييدة غير مبالية .." :ما نوع ىذه الخطة؟."..
راح "نارد" يشرح بثقة وحماسة .." :كما سترى يا أييا العجوز ،قريباً سوؼ تكوف أنت وأنا وجميعنا
رجاؿ أحرار بدالً مف كوننا عبيد ..فكر باألمر بنفسؾ ،يوجد حارس واحد فقط لكؿ عشرة منا.
وحارس واحد أيضاً لخمسة عشر امرأة عبدة مف الذيف يقوموف بالطبخ والخياطة .عندما يحيف
الوقت ،إذا أطبقنا جميعاً عمى الحراس مرة واحدة ،سوؼ نتغمب عمييـ .لـ يعد ميماً إف كاف الحراس
31
طريقة الحكيم
مسمحيف ونحف مقيدي ف بالسبلسؿ .نحف نفوقيـ بالعدد ،عشرة مقابؿ واحد ،ويمكننا استخداـ السبلسؿ
نجرد كؿ الحراس مف السبلح ،ثـ نقيدىـ
التي تقيدنا كسبلح ،ولتحمينا مف ضربات سيوفيـ .سوؼ ّ
ونحتجز أسمحتيـ."..
تنيد "كراتيوس" مرة أخرى قائبلً .." :تميّؿ قميبلً أييا الشاب ،"..ثـ أضاؼ بنبرة غير مبالية مزيفة
قائبلً .." :خطتؾ ليست موضوعة بشكؿ مكتمؿ ..صحيح أنؾ تستطيع تجريد الحراس مف السبلح،
لكف سوؼ لف يمضي وقت طويؿ قبؿ أف يرسؿ الحاكـ مف يحؿ مكانيـ ،وربما يرسؿ جيش بكاممو،
وسوؼ يأمر في النياية بقتؿ المتمرديف."..
قاؿ العبد الشاب .." :لقد فكرت بذلؾ أيضاً أييا العجوز ..وجب أف نختار توقيت بحيث لف يكوف
الجيش موجوداً في الببلد ..وذلؾ الوقت قادـ قريباً ..جميعنا الحظنا بأف الجيش يحضر نفسو لحممة
عسكرية خارج الببلد ..ىـ يجيزوف المؤف التي تكفي لمسيرة مدتيا ثبلثة شيور .ىذا يعني أف
الحممة العسكرية سوؼ تصؿ إلى الموقع المستيدؼ خبلؿ ثبلثة شيور ومف ثـ يشتبؾ مع العدو في
المعركة .سوؼ يضعؼ الجيش بعد المعركة ،رغـ أنو سينتصر في النياية ،ويجمب معو الكثير مف
العبيد الجدد ..حتى أنيـ يبنوف اآلف ثكنات جديدة لتستوعبيـ ..عمينا أف نبدأ بتجريد الحراس مف
السبلح في المحظة التي يشتبؾ فييا الجيش بالمعركة ..الرسؿ سيحتاجوف لمدة شير مف السفر
لمذىاب واببلغيـ ،وسوؼ يستغرؽ الجيش ،الضعيؼ مف المعركة ،مدة ثبلثة شيور في رحمة
عودتو ..بعد مرور ىذه الشيور األربعة سوؼ نكوف قد جيزنا أنفسنا لمبلقاتيـ ومواجيتيـ ..سوؼ
يكوف لدينا عدد مكافئ ليـ مف المقاتميف ..العبيد الجدد الذيف أسروىـ سوؼ يصطفوف معنا بعد أف
يروا ما يحصؿ ..لقد فكرت بكامؿ تفاصيؿ العممية مسبقاً أييا العجوز"..
قاؿ الكاىف بنبرة أكثر ابتياجاً .." :ىكذا إذاً أييا الرفيؽ الشاب ،بواسطة ىذه الخطة التي وضعتيا
سوؼ تتمكف مف تجريد الحراس مف السبلح ومف ثـ تتغمب عمى الجيش ..لكف ماذا سيحصؿ مع
العبيد بعدىا ،وماذا سيحصؿ مع الحكاـ والحراس والجنود؟"..
32
طريقة الحكيم
أجابو العبد الشاب متردداً وكأنو يفكر بصوت عالي .." :لـ أفكر بيذا الموضوع بشكؿ وافي ..شيء
وحيد فقط يخطر في الباؿ وىو أف كؿ مف كاف عبد في الماضي سوؼ يصبح ح ارً ..مف ليس عبد
اليوـ سوؼ يصبح عبد غداً"..
سألو "كراتيوس" قائبلً .." :لكف ماذا عف الكينة؟ ..قؿ لي أييا الشاب ،بعد انتصارؾ ،ىؿ ستجعميـ
عبيد أيضاً أـ ال؟"..
أجابو "نارد" متسائبلً .." :الكينة؟ ..لـ أفكر بذلؾ أيضاً ..لكف اآلف أنا أفكر بيـ ..يمكف لمكينة أف
يبقوا حيث ىـ ..كؿ مف العبيد والحكاـ يسمعوف لكبلميـ ..يصعب عمينا أف نفيميـ أحياناً ،لكف لدي
شعور بأنيـ غير مؤذييف ..فميستمروا برواية قصصيـ حوؿ اآللية ،لكننا نعرؼ ما ىو أفضؿ لنا في
عيش حياتنا وكيؼ نمضي وقتاً ممتعاً"..
قاؿ الكاىف متسائبلً ببيجة .." :نمضي وقتاً ممتعاً؟ ..ىذا عظيـ ."..ثـ استدار متظاى اًر بأنو
متحمس لمنوـ وفي قمبو أمؿ كبير .لكف في الحقيقة ،لـ يناـ "كراتيوس" أبداً في تمؾ الميمة ،بؿ أمضى
الميؿ متفك اًر ومتأمبلً.
ف ّكر "كراتيوس" بأف اإلجراء األبسط لحؿ ىذه المسألة ىو تقديـ تقرير لمحاكـ ومف ثـ القبض عمى
ىذا العبد الشاب ،ألنو مف الواضح أنو المحرض الرئيسي .لكف ىذا لف يحؿ المشكمة .سوؼ يبقى
لدى العبيد دائماً الرغبة في التحرر مف االستعباد .سوؼ يبرز دائماً محرضيف جدد ،وخطط جديدة
لمتحرر واالنعتاؽ ،وطالما بقي األمر مستم اًر كذلؾ ،سوؼ يبقى التيديد الرئيسي لمدولة آتياً مف
داخميا.
ىا ىو "كراتيوس" يواجو تحدي كبير يتمثؿ في وضع مخطط بيدؼ اسعباد العالـ أجمع .أدرؾ بأنو
ما مف طريقة لتحقيؽ ىذا اليدؼ عبر اإلخضاع الجسدي وحده .ما يحتاجو ىو ممارسة تأثير نفسي
عمى كؿ فرد ،عمى أمـ وشعوب بكامميا .عميو أف يجعؿ كؿ كائف بشري يرى العبودية بأنيا النعيـ
ذاتو ،ممؤه السعادة واليناء .كاف عمى "كراتيوس" أف يطمؽ برنامج ذاتي التطور ،ييدؼ إلى تضميؿ
33
طريقة الحكيم
أمـ بكامميا ،ويعمؿ عمى تشويش الذىف مف حيث المكاف والزماف واألفكار ،وخصوصاً التشويش في
إدراكيـ المباشر لمواقع.
راحت فكرة "كراتيوس" تعمؿ بتسارع ،لـ يعد واعياً بجسمو وال بالقيود الثقيمة التي تكبؿ يديو ورجميو.
وفجأة ،مثؿ لمعة البرؽ ،خطر في ذىنو برنامج .رغـ أف بعض تفاصيمو تتطمب العمؿ عمييا،
وبالتالي ال يستطيع شرح البرنامج ألحد ،لكنو مع ذلؾ يستطيع الشعور بو بداخمو ،يتجاوز مستوى
النجاح بأشواط عديدة .بدأ يشعر "كراتيوس" مسبقاً بأنو أصبح الحاكـ الكمي المقدرة وكمي السمطة في
العالـ أجمع.
مستمقياً عمى فراشو العشوائي ،مقيداً بالسبلسؿ الثقيمة ،كاف مميئاً بالبيجة والتيميؿ لمذات .راح يفكر:
" ..غداً صباحاً عندما يسوقونا جميعاً إلى العمؿ ،سوؼ أعطي اإلشارة السرية لكي يخرجني رئيس
الحرس مف صفوؼ العبيد ويحرروني مف السبلسؿ والقيود .سوؼ أكمّؿ صياغة الممسات األخيرة
مف البرنامج ،ثـ أطمؽ األوامر ،ثـ يبدأ العالـ بأسره في التغيير .ىذا مذىؿ! كممات قميمة فقط،
وسوؼ يصبح العالـ بأسره ممكاً لي ،وألفكاري .لقد منح اهلل اإلنساف فعمياً قوة غير مسبوقة في
الكوف ،قوة التفكير البشري .تستطيع أف تخمؽ كممات يمكنيا تغيير مجرى التاريخ"..
" ..لقد انقمب الوضع لصالحي فعبلً .لقد قاـ العبيد بتحضير خطتيـ لمتمرد .ىذه الخطة منطقية
فعبلً ،ويمكنيا بوضوح أف تقود إلى نتيجة مؤقتة لصالحيـ .لكف مف خبلؿ بعض األوامر التي
أطمقيا الحقاً ،سوؼ أضمف بأنو ليس ىـ فحسب ،بؿ حتى أحفادىـ المستقبمييف ،وكذلؾ حكاـ
األرض أيضاً ،سوؼ يبقوا عبيد آلالؼ السنيف القادمة."..
في الصباح التالي ،بعد أف أعطى "كراتيوس" اإلشارة ،حرره رئيس الحراس مف قيوده .وفي اليوـ
التالي تـ دعوة الكينة الكبار الخمسة اآلخريف ،مع الفرعوف ،إلى مصطبة المراقبة التي داوـ عمييا
"كراتيوس" .بدأ "كراتيوس" بإلقاء خطابو أماـ الحضور ،وكاف عمى الشكؿ التالي:
34
طريقة الحكيم
" ..ما سوؼ تسمعونو اآلف وجب عدـ تسيجمو بالكتابة أو نقمو ألحد خارج ىذه الدائرة .ليس ىناؾ
جدراف حولنا ،وبالتالي كمماتي سوؼ لف يسمعيا أحد سواكـ .لقد فكرت بطريقة تحوؿ كؿ مف يعيش
في ىذا العالـ إلى عبيد لمفرعوف .وىذا أمر ال يمكف تحقيقو حتى بمساعدة عدد ىائؿ مف الجيوش
والحروب المرىقة .لكنني سوؼ أحقؽ ىذا األمر عبر استخداـ مجموعة قميمة مف العبارات البسيطة.
كؿ ما عمي فعمو ىو إصدار مجموعة أوامر وخبلؿ يوميف فقط سوؼ تروف بأنفسكـ كيؼ يبدأ العالـ
في التغيير"..
" ..القوا نظرة إلى األسفؿ ىناؾ وسوؼ تروف طوابير طويمة مف العبيد المقيديف بالسبلسؿ ،كؿ مف
ىذه العبيد يحمؿ حجر .يحرسيـ مجموعة مف الجنود .كمما زاد عدد العبيد فيذا يكوف أفضؿ لصالح
الدولة ،أو ىكذا كنا نظف دائماً .لكف في الحقيقة ،كمما زاد عدد العبيد كمما كنا مضطريف ألف نخاؼ
مف تمردىـ .لذلؾ قمنا بزيادة عدد الحراس"..
" ..نحف نطعـ العبيد بشكؿ جيد ،وذلؾ لكي يتمكنوا مف ممارسة أعماليـ الشاقة بشكؿ سميـ .لكف
رغـ ذلؾ نراىـ كسالى ويميموف دائماً إلى التمرد والعصياف .أنظروا كيؼ يسيروف ببطء ،وكذلؾ
الحراس أصبحوا أيضاً كسالى وحتى أنيـ ال يكمفوف أنفسيـ باستخداـ السياط لضرب حتى أقوى
العبيد وأكثرىـ صحة .لكنيـ قريباً سوؼ يسيروف بسرعة أكثر .سوؼ لف يعد ىناؾ حاجة لحراس.
حتى الحراس نفسيـ سوؼ يتحولوف إلى عبيد .كؿ ىذا سوؼ يتـ عممياً عمى الشكؿ التالي:
" ..قبؿ الغروب اليوـ سوؼ يتـ إرساؿ الرسؿ إلى كؿ مكاف في الببلد إلعبلف المرسوـ الذي أصدره
الفرعوف .وفقاً ليذا المرسوـ ،مع فجر اليوـ التالي سوؼ يُمنح جميع العبيد حريتيـ الكاممة .ومقابؿ
كؿ حجر يُجمب إلى موقع البناء يقبض العامؿ الحر (العبد المحرر) دينار واحد .يمكف ليذا الدينار
أف يُدفع مقابؿ الطعاـ والكساء وأجرة السكف في مكاف بالمدينة ،أو ربما في مدينا بكامميا .مف اآلف
وصاعداً أصبحتـ أناس أحرار"..
بعد أف تفكر الكينة والفرعوف بخطة "كراتيوس" واستوعبوىا جيداً ،قاؿ الكاىف األكبر .." :أنت
شيطاف يا كراتيوس ..الفكرة الشيطانية التي خمقيا مخططؾ سوؼ تنتشر وتسود في معظـ أمـ
األرض"..
35
طريقة الحكيم
أجاب "كراتيوس" قائبلً .." :إذاً ،قد أكوف شيطاف فعبلً ،وما ابتكرتو مف مخطط سوؼ يشير إليو
الناس في المستقبؿ باسـ الديموقراطية"..
عند غروب الشمس تـ إعبلف المرسوـ الفرعوني لمعبيد .أصيبوا بدىشة كبيرة .الكثير منيـ عجز عف
النوـ ليبلً ،راحوا يفكروف في الحياة السعيدة الجديدة التي تنتظرىـ .في الصباح التالي صعد الكينة
والفرعوف إلى مصطبة المراقبة مرة أخرى .لـ يصدقوا المشيد الذي يتجمى أماـ عيونيـ .اآلالؼ مف
العبيد السابقيف يتسابقوف فيما بينيـ ،يحمموف الحجارة كما في السابؽ .يتصببوف عرقاً ،وبعضيـ
يحمؿ حجريف بدالً مف حجر واحد ،بينما الذيف حمموا حجر واحد فقط كانوا يركضوف بدالً مف
المشي البطيء ،كاف الغبار يتطاير خمفيـ .حتى بعض الحراس الجنود أعجبوا بيذه الوسيمة التي
تدر عمييـ ماالً إضافياً فراحوا ينقموف الحجارة مع العبيد السابقيف .أما ىؤالء األفراد ،الذيف أصبحوا
يعتبروف أنفسيـ أح ار اًر ،صحيح أنو لـ تعد تكبميـ السبلسؿ ،لكف رغـ ذلؾ راحوا يجتيدوا بكؿ ما
عندىـ لكسب المزيد مف الماؿ ،وذلؾ لكي يتمكنوا مف إنشاء حياة سعيدة ورغيدة ألنفسيـ.
استمر "كراتيوس" في البقاء بموقعو في مصطبة المراقبة عمى ظير التمة االصطناعية ،وذلؾ لعدة
التحوؿ ىائؿ ومذىؿ.
ّ شيور الحقة ،راح يراقب ما يجري ىناؾ في األسفؿ برضى واكتفاء .كاف
بعض العبيد (السابقيف) نظموا أنفسيـ ضمف مجموعات وقاموا ببناء عربات لنقؿ الحجارة .ارحوا
يراكموف الحجارة بكميات عمى العربات ثـ دفعوىا أو جروىا نحو موقع البناء ،كانت أجسادىـ
تتصبب عرقاً لكنيـ كانوا سعيديف.
فكر "كراتيوس" داخؿ نفسو ببيجة ورضى .." :سوؼ يبتكروف الكثير مف األجيزة واألدوات
األخرى ."..لقد بدأت تظير خدمات متعددة لمبيع في ساحة العمؿ ،مثؿ بيع الطعاـ والشراب .بعض
العبيد (السابقيف) كانوا يأكموف خبلؿ عمميـ ولـ يرغبوا في تضييع الوقت في العودة إلى الثكنات
والجموس مف أجؿ الطعاـ ،فراحوا يدفعوف ثمف طعاميـ في موقع العمؿ مف الماؿ الذي كسبوه .يا
لمعجب! أصبح لدييـ أيضاً خدمة طبية في موقع العمؿ ،حيث راح األطباء يجولوف بيف العماؿ
عارضيف خدمتيـ مقابؿ الماؿ .حتى أف العماؿ عينوا منظميف لمسير لمنع االزدحاـ .ومع مرور
الوقت سوؼ يعينوا حكاميـ وقضاتيـ .فميختاروا ويعينوا مف يشاؤا ،في النياية ىـ يعتبروف أنفسيـ
36
طريقة الحكيم
أحرار اآلف ،رغـ أنو لـ يتغير شيء في الحقيقة .ىا ىـ يعمموف بنفس الموقع ويتعامموف مع نفس
الحجارة كما كانوا يفعموا في السابؽ ،عندما كانوا عبيد.
الماؿ الذي كانت الدولة تصرفو إلطعاـ العبيد ورعايتيـ ،وكذلؾ دفع إيجار الحرس ومستمزماتيـ،
تحوؿ إلى أجرة مف حؽ العماؿ الجدد .أي أنو لـ يتغير شيء إطبلقاً .ليس ىناؾ أي خسائر مف أي
نوع .بؿ بالعكس ،حيث زادت وتيرة العمؿ وزاد النشاط واالجتياد وارتفعت المعنويات ،فزادت سرعة
اإلنجاز في العمؿ.
واستمرت ىذه الحالة عمى مر العصور البلحقة حتى يومنا ىذا .الزاؿ أحفاد أولئؾ العبيد يركضوف
اليوـ مف ىنا إلى ىناؾ ،وسط الغبار المتطاير ،يحمموف الحجارة ويتصببوف عرقاً .لكنيـ يفعموف ذلؾ
بسعادة وىناء ،ألنيـ يكسبوف الماؿ ،لقمة العيش ،والزالت تتممكيـ قناعة تامة بأنيـ أحرار .يا
سبلاااااـ ...ما أجمؿ الحياة.
قد يظف القارئ الكريـ بأف ىذا ال يتجاوز شريحة العماؿ العادييف اليوـ ،وال يمكف إسقاط ىذا المفيوـ
عمى رؤساء الشركات والموظفيف الحكومييف والمستثمريف وغيرىـ مف شرائح رفيعة في المجتمع .ىؿ
ترى أي فرؽ بيف ىذه الشرائح العميا وشريحة العماؿ؟ لديؾ مف جانب أناس يعمموف وينقموف الحجارة
كما العبيد ،بينما اآلخريف يديروف عممية النقؿ .قد نعتقد بأف إدارة العمؿ ىي أمر مختمؼ ،لكنو في
الحقيقة يعتبر مف األعماؿ التي ىي أكثر تعقيداً وارىاقاً مف نقؿ الحجارة .التفكير وارىاؽ العقؿ ال
يقؿ إجياداً مف العمؿ الجسدي .وفقاً ليذا المفيوـ يمكننا اعتبار الرؤساء والمموؾ والوزراء وحتى
األثرياء بأنيـ عبيد! كؿ مف ىو عالؽ في شبكة المنظومة المالية ،التي ىي وىمية أصبلً ،ويتعامؿ
معيا وكأنيا تمثؿ الواقع الحقيقي ويبني عمييا حياتو وآمالو ىو عبد مكبؿ بقيودىا .يكوف عالؽ في
شباؾ المعبة التي ابتكرىا "كراتيوس" منذ آالؼ السنيف ،والزالت قائمة حتى اليوـ ،لكنيا صارت أكثر
تعقيداً وأكثر نفاذاً إلى حياتنا الداخمية.
لكف طالما أف ىناؾ عبيد ،ال بد مف وجود أصحاب ليؤالء العبيد ،مف ىـ ىؤالء األسياد؟ الجواب
بسيط :إنيـ أحفاد "كراتيوس" ورفاقو .جميع الدالئؿ البحثية اليوـ تشير إلى أف أصوؿ النخبة العالمية
المسيطرة ،مف بينيـ أصحاب البنوؾ والمصارؼ والمؤسسات المالية الكبرى ،تنتمي إلى سبللة
37
طريقة الحكيم
مصرية قديمة تعود إلى الفرعوف رعمسيس الثاني .ذكرت بعض الدالئؿ عمى ىذه الحقيقة في كتاب
سابؽ (عنوانو :المسيطروف) .لكف مع مرور الوقت لـ يعد ىؤالء مضطريف إلدارة العممية بشكؿ
مباشر ،أي ال حاجة لحضورىـ عمى الميداف وتسيير األمور ،ألنو مع مرور الوقت ،ساىـ اإلنساف
المسكيف في بناء عالـ وىمي اصطناعي يزيد مف القبض عميو وخنقو تمقائياً .لـ يعد ىناؾ حاجة
لوجود حراس في الميداف إلدارة العممية .صارت العممية تمقائية تماماً .الحراس يقبعوف اليوـ داخؿ
اإلنساف ،في عقمو وجسمو ،يضربونو بالسياط ويحفزونو عمى كسب المزيد مف الماؿ إلرضاء شيواتو
ورغباتو الدنيوية المختمفة .لـ يعد لئلنساف أي غاية أخرى في الوجود سوى ىذه الغاية.
إنو مشيد محزف فعبلً .ويبدو أنو ما مف مخرج مف ىذه الورطة الكبيرة التي أوجد نفسو اإلنساف فييا.
عبر آالؼ السنوات السابقة ،جاءت امبراطوريات وذىبت ،ظيرت أدياف وتغيرت القوانيف أكثر مف
مرة عبر التاريخ ،لكف في النياية ال شيء تغير .كما كاف اإلنساف عبد في السابؽ الزاؿ عبد اليوـ.
38
طريقة الحكيم
قد يشعر الفرد في ىذا العصر ،حيث بدأنا ندخؿ إلػى القػرف الواحػد والعشػريف ،بأنػو أصػبح متحضػ اًر،
وآزرتو العموـ والتقنيات المتقدمة التي حاز عمييا في التحرر مف جميع مظاىر االستعباد التػي عانػت
منيا البشرية في العصور السابقة .لقد زادت نسبة التعميـ بشكؿ كبير ،وأصبحنا مجتمعات مثقفة تعمـ
بكػؿ مػػا يػػدور مػف حوليػػا ،إف كانػػت أمػػور سياسػية ،عمميػػة ،صػػحية ...وغيرىػػا .لكػف ىػػذا فػػي الحقيقػػة
39
طريقة الحكيم
ليس سوى خداع بصري .ونحف ال زلنػا نػرزح تحػت أبشػع أنػواع السػيطرة والػتحكـ واالسػتبداد ،رغػـ أف
األمر ال يبدو كػذلؾ .جميعنػا نػزالء فػي سػجف غيػر مرئػي ُيسػمى بػػ"السوؽ االسػتيبلكية العالميػة" التػي
صػػممتيا الشػػركات متعػػددة الجنسػػيات ط ػواؿ فت ػرة القػػرف الماضػػي ،وعممػػت عمػػى بسػػط شػػباكيا عبػػر
ػدا ،تحػػت عن ػواف نشػػر الحضػػارة والتقػػدـ ،مػػع أنػػو كػػاف ليػػا أثػػر بػػالغ فػػي االنحطػػاط
العػػالـ رويػػداً رويػ ً
الروحي واألخبلقي لشعوب العالـ أجمع.
السجف غير المرئي والممموس .جدرانو وقضبانو مصنوعة مف عنصر الماؿ ،لكنو خفي وغير مرئي
وغير ممموس .ال نستطيع إدراكو أو تحديد معالمو سوى مف خبلؿ التفكير العميؽ والتقييـ الصحيح
لحقائؽ األمور
43
طريقة الحكيم
المسيطروف عمى مجريات األمور ال يستطيعوف اإلبقاء عمى السيطرة إذا لـ يتحكموا بعالـ المعرفة
اإلنسانية مف خبلؿ قولبة العالـ األكاديمي حسب الرغبة ،وكذلؾ وسائؿ اإلعبلـ ،وتحديد ما ىو
الرسمي وغير الرسمي مف خبلؿ التشريعات والمراسيـ القانونية المحمية والدولية .حيث يتـ إنشاء
منيج عاـ يمتزـ بو الجميع (ىذا المنيج الذي تـ رسمو ووضعو وترسيخو تدريجياً وببطئ خبلؿ فترة
يترسخ
ّ طويمة ومؤامرات كثيرة واغتياالت ومجازر وحروب وتحريؼ لمحقائؽ وغيرىا مف إجراءات)
ويصبح واقعاً مفروضاً ،وحينيا سيتابع ىذا المنيج أو ىذا النظاـ مسيرتو مف تمقاء نفسو ،ذلؾ مف
خبلؿ ظيور مسمّمات ثابتة يستحيؿ عمى الرعايا الخروج عنيا واال أصبح الشخص غير سوياً.
المسػػألة ليسػػت بالبسػػاطة التػػي نظنيػػا .ىػػذه المجموعػػة المتربعػػة عمػػى قمػػة اليػػرـ العػػالمي ،ىػػدفيا ىػػو
لػػيس فقػػط سياسػػي أو اقتصػػادي أو غي ػره مػػف ذ ارئػػع أخػػرى يػػتـ تسػػويقيا بػػيف المثقفػػيف الرسػػمييف ومػػف
خبلليـ ،بؿ ىدفيـ األساسػي ىػو قتػؿ اإلنسػاف فػي داخمنػا ...قتػؿ كػؿ مػا ىػو مق ّػدس ...إنيػـ يقضػوف
عػؿ كػؿ مػا ىػو أصػيؿ فػي جوىرنػا ...فقػط مػف اجػؿ خمػؽ الظػروؼ المناسػبة التػي تمكػف األقميػة مػف
السيطرة عمى األكثرية .ويبدو أنيـ نجحوا في فعؿ ذلػؾ دوف عمػـ أو إدراؾ منػا .والسػبب الرئيسػي فػي
اسػػتم اررية نجػػاحيـ ىػػو عػػدـ معرفتنػػا بالضػػبط مػػا ىػػي أىػػدافيـ الحقيقيػػة .فػػنحف مشػػغولوف فػػي قتػػاؿ
بعضػػنا الػػبعض ،وك ػره بعضػػنا الػػبعض ،والتػػآمر عمػػى بعضػػنا الػػبعض ،والسػػعي إلػػى إرضػػاء غرائزنػػا
واشػػباع شػػيواتنا الدنيويػػة وتمبيػػة حاجاتنػػا األنانيػػة وتعزيػػز الطمػػوح المنحػػرؼ والمبػػالغ بػػو لدرجػػة أصػػبح
خطي اًر ،وال أحد مف بيننا لديو الوقت الكافي لمنظر إلى األعمػى ويشػاىد كػؿ تمػؾ الخيػوط المتدلّيػة مػف
مكاف عالي جداً والمربوطة بجميع األطراؼ المتصارعة ،ويتساءؿ ..مف؟ كيؼ؟ ولماذا؟
المسػؤوؿ الرئيسػي والوحيػد عػف االنتشػار الواسػع لئلحبػاط والمعانػاة فػي العػالـ ىػو مجموعػة قميمػة جػداً
مػػف العػػائبلت النخبويػػة .إنػػو عبػػارة عػػف نظػػاـ مػػاكر ويضػػعنا جميع ػاً تحػػت رحمتػػو .إف اإللػػو األكبػػر
مقدس ػػة متعمقػػة بػ ػػ"النمو اإلقتصػػادي" و"الن ػػاتج
المسػػمى بػ ػ "النظػ ػاـ المصػػرفي" وم ػػا يوحيػػو م ػػف تعػػاليـ ّ
القومي" ،قد عمؿ عمى جعؿ الغالبيػة العظمػى مػف أمػـ العػالـ تغػرؽ فػي بحػر مػف الػديوف ،بينمػا تعػوـ
نخبة قميمة مف الناس عمى كميات ىائمة جداً مف الثروة.
كؿ عصر مف العصور التاريخية كاف لو نموذجو وصػيغتو الخاصػة التػي تسػمح لسػيطرة النخبػة .أمػا
في ىذا العصر الحالي فإف النموذج الذي رسخوه ىو أكثر تقييداً وتدمي اًر لئلنساف مف أي وقت سػابؽ
41
طريقة الحكيم
في التاريخ .في ىذا السجف الكبير غيػر المرئػي الػذي نعػيش فيػو اليػوـ فػي ىػذا العصػر ،ىنػاؾ أربعػة
نتخبط بيا وتمنعنا مف التعبير عف حقيقتنا .ىذه الشػباؾ غيػر المرئيػة تطوقنػا بحيػث
شباؾ غير مرئية ّ
ال نستطيع الحراؾ مع أننا لـ نفطف بوجودىا أبداً .ىذه الشباؾ تػـ تصػميميا وحياكتيػا بعنايػة مػف قبػؿ
المسػػيطريف ،واعتقػػد بػػأنيـ سػػيفعموف أي شػػيء مػػف اجػػؿ اإلبقػػاء عمػػى اسػػتم اررية السػػيطرة ميمػػا كمّػػؼ
مجرد ما نجحت الشعوب في اإلفبلت مف ىذه الشباؾ ،ىػذا يعنػي نيايػة السػيطرة وانعػداـ األمر ،ألنو ّ
القػػدرة عمػػى الضػػبط والػػتحكـ .يمكننػػا تمخػػيص ىػػذه الشػػباؾ األربعػػة التػػي نتخػػبط فييػػا وفػػؽ المجػػاالت
التالية:
1ـ المجال الروحي :التربية المدرسية واالجتماعية المضادة لتنمية الكوامف الروحية األصيمة .نشأنا
منذ طفولتنا عمى معتقدات خاطئة وطريقة تفكير منحرفة نتيجة سعييـ الحثيث عبر العصور لنشر
وترسيخ أيديولوجات دينية وسياسية واقتصادية واجتماعية مزورة وليس ليا أي عبلقة بالواقع ،لكنيا
بكؿ تأكيد تخدـ مصالح المسيطريف بأفضؿ طريقة .والضربة األخيرة التي وجيوىا إلينا ىي إعادتنا
إلى أصؿ قرود.
2ـ المجال الصحي :ترسيخ األدوية الكيماوية بصفتيا أدوات العبلج الوحيدة وذلؾ وفؽ المنطؽ
الطبي المنحرؼ الذي يتمحور حوؿ الماؿ والربح المادي .ترسيخ طريقة الحياة الخاطئة والمؤذية
لنظامنا البيولوجي .قمع أي منيج طبي أو عبلجي آخر يختمؼ عف المنيج القائـ.
3ـ مجال الغذاء :الزراعة المموثة بالكيماويات ،والتبلعب الجيني بالمحصوؿ الزراعي ،والصناعات
الغذائية الضارة ..وقمع المعمومات الحقيقية بخصوص فوائد وأضرار األغذية.
4ـ مجال الطاقة :الكيرباء ،والوقود عمى أنواعيا والتي أصبحت تمثؿ عصب الحياة العصرية .أي
انقطاع في مصدر ىذه الطاقة يسبب الشمؿ الكامؿ في حياتنا اليومية.
ىذه المجاالت األربعة ،تتمحور حوؿ عامؿ واحد ىو الماؿ .ىذه المجاالت تمثؿ األساس الذي
ينطمؽ منو المجتمع االستيبلكي المجنوف الذي نألفو اليوـ.
42
طريقة الحكيم
إننا ننشئ أطفالنا عمى حقيقة أف الماؿ ىو الطريؽ الوحيد لمخبلص مف البؤس..
فنمضي باقي حياتنا نيروؿ في ىذا الطريؽ ...المؤدي إلى جحيـ األسر واالستبداد
بعد أف نجحت مخططاتيـ في تحويمنا بيذا العصر الحديث إلى مجتمعات استيبلكية ،غبية وتافية،
بحيث لـ نعد نتصور حياتنا دوف وجود عنصر الماؿ ،بدأت الفصوؿ التالية مف المعبة في التكشؼ
والتجمّي تدريجياً .اليدؼ طبعاً ىو تمكيف السيطرة عمينا أكثر وضماف ديمومة ىذه السيطرة المطمقة
لمدة آالؼ السنيف إذا أمكف .الموضوع التالي يكشؼ مدى األعماؽ التي توصموا ليا لتكريس
سيطرتيـ المطمقة .كؿ ىذا ونحف الزلنا نجيؿ ما يجيري وكيؼ يجري ولماذا يجيري .نكتفي
الموجية ونتفاعؿ معيا بصفتيا تمثؿ الواقع بعينو ،أما
ّ بالمعمومات التي تقدميا لنا وسائؿ اإلعبلـ
الحرب الشرسة التي تشنيا عمينا النخبة وتعمؿ عمى تدمير حيويتنا وجوىرنا األصيؿ فبل نفطف
بوجودىا أصبلً.
43
طريقة الحكيم
كؿ شيء تتوقعو مف السبلح العادي يمكف لمسبلح األخرس إنجازه لصانعيو ،لكف فقط وفؽ اآللية
التي يعمؿ بيا .ىذا السبلح يطمق أوضاع معيّنة بدالً من طمقات نارية ،طمقاتو مدفوعة بمعالجة
معمومات بدالً مف التفاعؿ الكيماوي (انفجار البارود) ،تنشأ مف معطيات جزيئية بدالً مف البارود،
تنطمؽ مف جياز كمبيوتر بدالً مف مدفع ،يديرىا مبرمج كمبيوتر بدالً مف رامي قناص ،وبأوامر مف
مصرفييف نافذيف بدالً مف جنراالت عسكرييف.
قد يشعر الناس غريزياً بأف ىناؾ خطأ في مكاف ما ،لكف بسبب الطبيعة التقنية لمسبلح األخرس ،ال
يستطيعوف التعبير عف مشاعرىـ بطريقة عقبلنية وواضحة ،أو التعامؿ مع المسألة باالعتماد عمى
الذكاء الفطري وحده .وبالتالي ،ال يعرفوف كيؼ يصرخوف طمباً لمنجدة ،وال يعرفوف كيؼ يتشاركوف
مع اآلخريف لحماية أنفسيـ ضد ىذا السبلح.
44
طريقة الحكيم
ليذا السبب ،يمكف اعتبار ىذا السبلح األخرس سبلحاً بيولوجياً .إنو يياجـ الحيوية ،الخيارات ،وقدرة
التحرؾ لدى أفراد المجتمع مف خبلؿ معرفة وفُيـ والتح ّكـ بػمصادر الطاقة الطبيعية واالجتماعية
ّ
لدييـ ،وكذلؾ قوتيـ وضعفيـ العاطفي والعقمي والجسدي .ثـ يتـ مياجمتيا وانتياكيا واضعافيا
والسيطرة عمييا بالكامؿ.
يذخــم
من الناشر
أُرسؿ ىذا المخطوط إلى مكاتبنا مف قبؿ شخص مجيوؿ .نحف لـ نسرؽ الوثيقة ،ولسنا متورطيف فػي
أي عممية سرقة مف حكومة الواليات المتحدة ،كما أننا لـ نحصؿ عمى الوثيقة بأي وسيمة غيػر نزييػة
أو غيػػر قانونيػػة .نشػػعر بأننػػا ال نعػ ّػرض "األمػػف القػػومي" ألي خطػػر مػػف خػػبلؿ نشػػر ىػػذه الوثيقػػة ،بػػؿ
صحتيا وأصالتيا ،وبالتالي نشعر بأنو لػيس فقػط مػف حقنػا نشػرىا، بالعكس تماماً ،حيث تـ التأ ّكد مف ّ
بؿ واجبنا األخبلقي يفرض عمينا فعؿ ذلؾ أيضاً.
وبخصوص كتاب التدريب ىذا ،فربما الحظتـ بأننا مسحنا العنػاويف اليامشػية التػي تكشػؼ عػف ىويػة
العػامميف فػي مركػز التػدريب التػابع لوكالػة المخػابرات المركزيػة ،C.I.A. Training Centerلكننػي أأ ّكػد
ػدربيف الجػػدد إلػػى جػػوىر الكتيػػب أصػػمي وصػػحيح ،حيػػث تػػـ طباعتػػو بيػػدؼ تقػػديـ المتػ ّ لكػػـ بػػأف ىػػذا ّ
المػؤامرة القائمػػة .لقػػد تػػـ التأكيػػد عمػػى صػػحتو مػػف قبػػؿ أربعػػة أشػػخاص مختمفػػيف مػػف ال ُكتػػاب التقنيػػيف
الكتيػػب
لممخػابرات العسػػكرية ،وأحػػدىـ خػػرج عمػػى التقاعػػد منػػذ فتػرة وجيػزة ويرغػػب بشػ ّػدة أف ُينشػػر ىػػذا ّ
حػػوؿ العػػالـ ،وال زاؿ يعمػػؿ كمينػػدس إلكترونػػي مػػع الحكومػػة الفدراليػػة ،ولديػػو منفػػذ إلػػى سمسػػمة طويمػػة
الكتيب .وآخر معيناً فػي "ىػاواي" ،ويحػوز عمػى أعمػى تػرخيص أمنػي
مف كتيبات تدريبية مشابية ليذا ّ
يدرس في إحدى الجامعات ،ويعمػؿ مػع وكالػة المخػابرات المركزيػة منػذ
في المخابرات البحرية ،وآخر ّ
سنوات طويمة ،ويريد الخروج مف ىذه الحمقة المظممة قبؿ أف يقع الفأس عمى رؤوس المتآمريف.
نعتقد بأنو وجب عمى العالـ أجمع أف يعمـ بيذه الخطػة ،لػذلؾ قمنػا بنشػر مئػة نسػخة مػف ىػذه الوثيقػة
لشخصػ ػػيات سياسػ ػػية مسػ ػػؤولة حػ ػػوؿ العػ ػػالـ ،لنسػ ػػأؿ ى ػ ػؤالء المحتمػ ػػيف لمناصػ ػػب عميػ ػػا عػ ػػف آراءىػ ػػـ
45
طريقة الحكيم
بخصوصيا .كافة اآلراء نصحتنا بنشر ىذه الوثيقة ألكبر عدد ممكف مػف النػاس عمػى أمػؿ أف يعرفػوا
ويفيموا ويتنبيوا بأف الحــرب قد أعمنت عمييـ ،وليس ىذا فحسب ،بؿ أف ّ
يتعرفوا عمػى العػدو الحقيقػي
لئلنسانية.
يقذيــح
من الناشر
نظريات المؤامرة ليست جديدة في التاريخ .فطالما زخر التاريخ بمخططات اغتيػاؿ القيصػر واالنقػبلب
عمى روما .لكف مع ذلؾ ،ناد اًر ما ظير إلى العمف دالئؿ ممموسػة تشػير إلػى ىػذه المػؤامرات باإلثبػات
المادي بحيث يألفيا الناس.
أسمحة خرساء لحروب صـامتة ىػو مػدخؿ لكتػاب إرشػاد برمجػة إلكترونيػة ،تػـ الكشػؼ عنػو بالصػدفة
في 7يوليو 1986ـ ،عندما اشترى موظّؼ في شػركة طػائرات "بوينػغ" Boeing Aircraft Co.ناسػخة
IBMمػػف بػػيف مجموعػػة قطػػع ُمسػػتعممة معروضػػة لمبيػػع ،واكتشػػؼ بػػداخميا تفاصػػيؿ مخطػػط ،تعػػود
أصػػولو لؤليػػاـ األولػػى مػػف الحػػرب البػػاردة ،ييػػدؼ إلػػى السػػيطرة عمػػى الجمػػاىير مػػف خػػبلؿ الػػتح ّكـ
باالقتصاد ،مجاالت التسػمية والترفيػو ،وكػذلؾ التعمػيـ والميػوؿ السياسػية .مخطػط ينػادي لثػورة صػامتة،
ضد أخيو ،وتحريؼ انتباه العامة عف ما يجري بالضبط مف حوليـ.
تضع األخ ّ
مصورة مف
ّ الوثيقة التي ستقرئيا اآلف ىي صحيحة .وقد تـ طباعتيا بصيغتيا األساسية ،واألشكاؿ
النسخة األصمية.
...................
46
طريقة الحكيم
ّ
ســشي نهغاٌــح
ىذا المنشور يتزامف مع الذكرى السنوية الخامسة والعشريف إلطبلؽ الحرب العالمية الثالثـةُ ،
المشػار
إلييػػا ب ػػ"الحرب الصػػامتة" ،والتػػي تجػػري عمػػى شػػكؿ حػػرب بيولوجيػػة فاعمػػة ،وتُشػ ّػف بواسػػطة "أسػػمحة
خرساء".
المستخدمة.
ىذا الكتاب يحتوي عمى المقدمة التوصيفية ليذه الحرب واستراتيجيتيا وأسمحتيا ُ
أيار 41#-7715 1979
...................
ّ
ضشٔسج انسشٌح
م ػػف المس ػػتحيؿ منطقيػ ػاً مناقش ػػة اليندس ػػة االجتماعي ػػة أو أتمت ػػة المجتم ػػع ،أي ىندس ػػة أنظم ػػة األتمت ػػة
االجتماعيػة (بواسػػطة أسػػمحة خرسػاء) عمػػى المسػػتوى الػػوطني أو العػالمي دوف ضػػماف مفاعيػػؿ شػػاممة
ونافػػذة تمكنػػا مػػف السػػيطرة عمػػى المجتمعػػات أو القػػدرة عمػػى تػػدمير الحيػػاة اإلنسػػانية ،أمثمػػة واضػػحة:
االستعباد أو المجازر الجماعية.
الكتيب ىو نظير مماثؿ لممخطط الموصوؼ في الفقرة السابقة .وبالتالي وجب إخفاء ىػذه الوثيقػة
ىذا ّ
مف اإلدراؾ العاـ ،واال فسوؼ ُيعتبر تقنياً بأنو إعبلف ُمسبؽ وصريح لحرب داخمية .وباإلضافة ،متما
وصؿ شخص أو مجموعة أشػخاص إلػى منصػب يمنحػو قػوة ونفػوذ مطمقػيف ودوف أي انتبػاه أو إدراؾ
م ػػف قب ػػؿ العام ػػة ،ف ػػبل ب ػػد أوالً م ػػف المج ػػوء إل ػػى وس ػػائؿ وتكتيك ػػات تم ّكن ػػو م ػػف الس ػػيطرة االقتص ػػادية.
47
طريقة الحكيم
وبالتالي ،يمكننا االستنتاج مباشرة بأف ىناؾ حرب داخمية خفية تجري بػيف ىكػذا شػخص أو أشػخاص
نافذيف وبيف الجماىير منذ البداية.
أنػػتـ مػػؤىميف ليػػذا المشػػروع بسػػبب قػػدرتكـ عمػػى النظػػر إلػػى المجتمعػػات اإلنسػػانية بموضػػوعية وعقميػػة
حس ػػابية ب ػػاردة ،وباإلض ػػافة إل ػػى ق ػػدرتكـ عم ػػى تحمي ػػؿ ومناقش ػػة مبلحظ ػػاتكـ ومراقب ػػاتكـ م ػػع اآلخػ ػريف
الم ػوازيف لكػػـ بالمسػػتوى الفكػػري دوف فقػػداف الميػػؿ لمكتمػػاف والتع ّقػػؿ والتواضػػع .ىػػذه الفضػػائؿ الػػثبلث
ستستثمرونيا لصالحكـ الشخصي أوالً .فبل تنحرفوا عنيا.
يقذيح تاسخيٍح
لقػد تطػورت تكنولوجيػة السـح األخـرس مػف "البحػث العمميػاتي" ،Operations Researchوىػو مػنيج
تكتيكي استراتيجي تـ تطويره تحػت اإلدارة العسػكرية فػي إنكمتػ ار خػبلؿ الحػرب العالميػة الثانيػة .الغايػة
األص مية لمبحث العممياتي ىي دراسة المشاكؿ االستراتيجية والتكتيكية لمدفاع الجوي واألرضي لغرض
االس ػػتخداـ الم ػػؤثّر لمص ػػادر عس ػػكرية مح ػػدودة ض ػ ّػد األع ػػداء (أي يمك ػػف تص ػػنيفو كمج ػػاؿ لوجس ػػتي
.)logistic
ِ
يمض وقت طويؿ قبؿ أف يكتشؼ النافذوف في مراكز القوة بأف المنيج ذاتو يمكػف أف يمثّػؿ وسػيمة لـ
مفيدة وفعالة لمسيطرة المطمقة عمى المجتمع .لكف مف الضروري توفّر أدوات أفضؿ لتحقيؽ ذلؾ.
يتطمّب مجاؿ اليندسة االجتماعية (تحميؿ وأتمتة المجتمػع) وجػود ارتبػاط وثيػؽ بػيف كميػات ُكبػرى مػف
المتغيرة عمى الدواـ ،وبالتالي مف الضروري توفّر أنظمة كمبيػوتر
ّ المعمومات (المعطيات) االقتصادية
تعالج المعطيات بسرعات ىائمة بحيث تستطيع أف تسبؽ وتيرة نشػطات المجتمػع وتتنبػأ بموعػد انييػاره
واستسبلمو.
48
طريقة الحكيم
كان ػػت أجيػ ػزة الكمبي ػػوتر المرحمي ػػة Relay computersقديم ػػة الطػ ػراز ،بطيئ ػػة ج ػػداً .لك ػػف الكمبي ػػوتر
اإللكترونػػي ،الػػذي ابتُكػػر عػػاـ 1946مػػف قبػػؿ "ج.برسػػبر أكػػارت" J. Presper Eckertو"جػػوف.و.
ماوكمي" ،John W. Mauchlyجاءت كحؿ مناسب لمميمة.
linear القفػزة الثوريػػة التاليػػة تمثّمػػت بتطػػوير "الطريقػػة البسػػيطة" simplex methodلمبرمجػػة الخطّيػػة
programmingعاـ 1947ـ عمى يد الرياضياتي "جورج.ب .دانتزيغ" .George B. Dantzig
وبعػدىا فػي العػاـ 1948ـ ،تػـ اختػراع الترانزيسػتور مػف قبػؿ "ج .بػارديف" " ،J. Bardeenو.ىػػ .بػراتف"
،W.H. Brattainو"و.شوكمي" ،W. Shockleyمما فتح المجاؿ النتشػار واسػع لمجػاؿ الكمبيػوتر عبػر
تقميص مساحة جياز الكمبيوتر والمتطمبات الطاقة التي يحتاجيا.
الموجيػة نحػو ىػدؼ واحػد ،راح يتوقّػع النافػذوف فػي مناصػب القػوة بأنػو
مع ىػذه االخت ارعػات الثبلثػة ،و ّ
زر.
أصبح ممكناً بالنسبة ليـ أف يتحكموا بالعالـ أجمع بكبسة ّ
فو اًر ومباشرةً ،بدأت مؤسسة روكفيممر Rockefeller Foundationبالعمؿ ،وأعطت منحة أربعة سػنوات
لجامعػػة "ىارفػػارد" ،ممولػػة مػػا ُيعػػرؼ ب ػػ"مشروع ىارفػػارد لمبحػػث االقتصػػادي" Harvard Economic
Research Projectال ػػذي يي ػػدؼ لد ارس ػػة بني ػػة وتركيب ػػة االقتص ػػاد األمريك ػػي .بع ػػدىا بس ػػنة ،أي ف ػػي
1949ـ ،دخمت القوى الجوية األمريكية في المشروع.
المرجع(Studies in the Structure of the American Economy - copyright 7.01 by Wassily :
Leontief, International Science Press Inc., White Plains, New York).
49
طريقة الحكيم
بعػػد تصػػميميا وىندسػػتيا فػػي النصػػؼ األخيػػر مػػف األربعينػػات ،وقفػػت آلــة الحــرب الصــامتة الجديػػدة،
وىي عبارة عف جياز كمبيوتر ،بقطعيا المطمية بالذىب في أرضػية إحػدى صػاالت االسػتعراض عػاـ
1954ـ.
بعػػد ابتكػػار ال ػػ"ماسر" ( maserمكبػػر النبضػػات الكيربائيػػة) فػػي العػػاـ 1954ـ ،أصػػبحت قػػدرة إطػػبلؽ
مصػػادر غيػػر محػػدودة مػػف الطاقػػة الذريػػة مػػف الييػػدروجيف الثقيػػؿ فػػي مػػاء البحػػر ،وبالتػػالي تػػوفّرت
إمكانيػػة نفػػوذ اجتمػػاعي غيػػر محػػدودة ،إمكانيػػة قابمػػة لمتحقيػػؽ فػػي غضػػوف عقػػود قميمػػة فقػػط .كانػػت
التركيبة بيف االثنيف عامؿ إغراء ال يقاوـ.
رغػػـ أف منظومػػة األسػػمحة الخرسػػاء كػػاد أمرىػػا أف ُيكشػػؼ بعػػدىا ب ػ 13سػػنة ،لكػػف مسػػيرة تطػػور ىػػذه
المنظومة الحربية الجديدة لـ تواجو أبداً أي فشؿ أو تراجع أو عطؿ مف أي نوع.
تػػاريخ ىػػذه الوثيقػػة يتػػزامف مػػع ال ػػذكرى السػػنوية الخامسػػة والعش ػريف إلطػػبلؽ الحػػرب الصػػامتة .وقػػد
السرية انتصارات كثيرة وعمى جبيات عديدة حوؿ العالـ.
أحرزت ىذه الحرب ّ
يقذيح سٍاسٍح
ػح بالنسػػبة لمػػذيف فػػي مواقػػع السػػمطة بأنيػػا مسػػألة وقػػت فقػػط ،عػػدة عقػػود
فػي العػػاـ 1954أصػػبح واضػ ً
فقػػط ،قبػػؿ أف تػػتمكف الجمػػاىير العامػػة مػػف إدراؾ وفيػػـ مصػػدر القػػوة والنفػػوذ ،حيػػث تصػػبح عناصػػر
تكنولوجيا السبلح األخرس قابمة لموصوؿ بالنسبة لمطوباوية العامة كما كانت كذلؾ بالنسبة لمطوباوية
الخاصة.
53
طريقة الحكيم
انطاقــح
Natural science تُعتبػػر الطاقػػة مفتػػاح لكػػؿ النشػػاطات الجاريػة فػػي كوكػػب األرض .العمػػوـ الطبيعيػػة
ىػػي د ارسػػة مصػػادر الطاقػػة الطبيعيػػة والػػتحكـ بيػػا ،وبالت ػػالي فػػالعموـ االجتماعيػػة ،social science
المعبر عنيػا نظريػاً بأنيػا عمػـ اقتصػاد ،economicsىػي د ارسػة مصػادر الطاقػة االجتماعيػة والػتحكـ
وُ
بيػ ػػا .وكبلىمػ ػػا يمػ ػػثبلف أنظمػ ػػة محاسػ ػػبة ،bookkeeping systemsأي رياضـــــيات .mathematics
وبالتػالي ،فالرياضػيات ىػي عمػـ الطاقػة األساسػية .ويمكػف لممحاسػب (المسػؤوؿ عػف دفتػر الحسػػابات)
bookkeeperأف يكوف ممؾ إذا بقي الناس في جيؿ تاـ عف منيجية المحاسبة وحفظ الحسابات.
العمـ يمثّؿ وسيمة لموصوؿ إلى غاية معينة .الوسيمة ىي المعرفة .الغاية ىي السيطرة .وبعػدىا تبقػى
األوؿ؟
مسألة واحدة ميمة فقط :مف سوؼ يكوف المستفيد ّ
وكنتيجػػة لػػذلؾ ،وبػػالتوافؽ مػػع مصػػمحة النظػػاـ والسػػبلـ واالسػػتقرار العػػالمي المسػػتقبمي ،قُػ ّػرر بػػأف تُشػ ّػف
حربػاً صػػامتة ضػ ّػد الشػػعب األمريكػػي تحقيقػاً لميػػدؼ النيػػائي المتمثّػػؿ بالتحويػػؿ الػػدائـ لمطاقػػة الطبيعيػػة
واالجتماعيػػة (الثػػروة) التابعػػة لؤلغمبيػػة غيػػر المسػػؤولة وعديمػػة االنضػػباط إلػػى أيػػدي األقميػػة الجػػديرة،
المنضبطة ذاتياً واألكثر مسؤولية.
مف أجؿ تحقيؽ ىذا اليدؼ ،كػاف مػف الضػروري خمػؽ ،وانشػاء ،واسػتخداـ أسػمحة جديػدة ،والتػي تب ّػيف
الحقاً أنيا تنتمي لنوعية مف األسمحة الخفية جداً والمعقّدة جداً مػف ناحيػة آليػة عمميػا وكػذلؾ مظيرىػا
51
طريقة الحكيم
الخػارجي المتجػاوز لمجػاؿ إدراؾ واسػتيعاب العامػة ،وبالتػالي تسػتحؽ االسػـ "أسػمحة خرسػاء" silent
.weapons
وكنتيج ػػة نيائي ػػة ،اليػ ػدؼ الرئيس ػػي م ػػف الد ارس ػػات االقتص ػػادية الت ػػي أجري ػػت ب ػػأمر وبرعاي ػػة م ػػف قب ػػؿ
األبػػاطرة ال أرسػػمالييف (المص ػرفييف) وكػػذلؾ الصػػناعييف (منتجػػي السػػمع والخػػدمات) ىػػو إنشػػاء اقتصػػاد
قابؿ لمتنبؤ بتوجياتو والتح ّكـ بو حسب الرغبة.
مػػف أجػػؿ تحقيػػؽ اقتصػػاد قابػػؿ لمتنبػػؤ بشػػكؿ كامػػؿ ،وجػػب إخضػػاع عناصػػر الطبقػػة االجتماعيػػة الػػدنيا
لمس ػػيطرة الكاممػػػة ،أي وجػػػب أف يكونػ ػوا دائمػ ػاً مفمس ػػيف ماديػ ػاًُ ،مػػػدربيف ومػػػوكميف بميم ػػات ووظػػػائؼ
ػداء مػف سػف مبكػرة جػداً فػي حيػاتيـ ،ذلػػؾ قبػؿ أف تسػنح ليػػـ أي وواجبػات اجتماعيػة طويمػة المػػدى ابت ً
فرصػة لمتسػػاؤؿ حػػوؿ صػػبلحية الوضػع الػراىف ومكػػامف الخطػػأ المسػببة لمبػؤس فػػي حيػػاتيـ .مػػف أجػػؿ
تحقيؽ ىكذا نػوع مػف االمتثػاؿ القسػري ،وجػب تفكيػؾ األسػرة المنتميػة لمطبقػة الػدنيا ،ويتحقػؽ ذلػؾ مػف
خػبلؿ زيػػادة انشػػغاؿ األىػؿ بالمزيػػد مػػف الميمػػات الموكمػة إلػػييـ ومػػف ثػػـ إقامػة م اركػػز رعايػػة وحضػػانة
األطفاؿ خبلؿ فترة الدواـ.
أما جودة التعميـ الممنػوح لمطبقػات الػدنيا ،فوجػب أف تكػوف مػف المسػتوى األدنػى .ذلػؾ لكػي تبقػى ىػوة
الجيػػؿ التػػي تعػػزؿ الطبقػػة الػػدنيا عػػف الطبقػػة الراقيػػة متجػػاوزة لمسػػتوى اسػػتيعاب وادراؾ أف ػراد الطبقػػة
الدنيا .عبر ىكذا عقبات ّأولية ،حتى ألمع األفراد المنتمػيف لمطبقػة الػدنيا يعجػزوف عػف تحريػر أنفسػيـ
مػػف الميمػػات اليائمػػة التػػي فػػي انتظػػارىـ بالحيػػاة .ىػػذا النػػوع مػػف االسػػتعباد ُيعتبػػر جوىري ػاً مػػف أجػػؿ
معينة مف النظاـ واالستقرار والسبلـ االجتماعي ألفراد الطبقة العميا.
المحافظة عمى حالة ّ
52
طريقة الحكيم
ػدخؿ فػي الحيػاة االجتماعيػةال ُيحدث أي صوت انفجار ،ال يسبب أي جروح جسدية أو عقمية ،وال يت ّ
ػجة واض ػػحة وجمي ػػة ،ويس ػػبب أضػ ػرار جس ػػدية وعقمي ػػة
اليومي ػػة ألح ػػد .لكن ػػو ب ػػنفس الوق ػػتُ ،يح ػػدث ض ػ ّ
ػدخؿ فػػي الحيػػاة االجتماعيػػة اليوميػػة لمجميػػع بشػػكؿ واضػػح وجمػػي .التػػأثيرات التػػي
واضػحة وجميػػة ،ويتػ ّ
يحدثيا طبعػاً ىػي واضػحة وجميػة فقػط بالنسػبة لمم ارقػب الخبيػر والمتم ّػرس الػذي يعمػـ أيػف يبحػث وعػف
ماذا يبحث.
قد يشعر الناس غريزياً بأف ىناؾ خطأ في مكاف ما ،لكف بسبب الطبيعة التقنيػة لمسػبلح األخػرس ،ال
يسػتطيعوف التعبيػر عػػف مشػاعرىـ بطريقػػة عقبلنيػة وواضػحة ،أو التعامػػؿ مػع المسػػألة باالعتمػاد عمػػى
الذكاء الفطػري وحػده .وبالتػالي ،ال يعرفػوف كيػؼ يصػرخوف طمبػاً لمنجػدة ،وال يعرفػوف كيػؼ يتشػاركوف
مع اآلخريف لحماية أنفسيـ ضد ىذا السبلح.
يتكيؼ الناس مع حضوره ويتعمموف كيؼ يتحمموف ويتعايشوف مػع عندما ينطمؽ ىذا السبلح تدريجياًّ ،
انتياك ػػو الت ػػدريجي لحي ػػاتيـ حت ػػى يص ػػؿ الض ػػغط (النفس ػػي نتيج ػػة الوض ػػع االقتصػ ػادي) إل ػػى مس ػػتوى
متجاوز لمحدود فينياروف تماماً.
ليذا السبب ،يمكف اعتبار ىذا السبلح األخرس سبلحاً بيولوجياً .إنو يياجـ الحيوية ،الخيارات ،وقػدرة
التحػ ّػرؾ لػػدى أف ػراد المجتمػػع مػػف خػػبلؿ معرفػػة وفُيػػـ والػػتح ّكـ ب ػػ ،ومياجمػػة مصػػادر الطاقػػة الطبيعيػػة
واالجتماعية لدييـ ،وكذلؾ قوتيـ وضعفيـ العاطفي والعقمي والجسدي.
53
طريقة الحكيم
يقذيح َظشٌح
Theoretical Introduction
" ..امنحني السيطرة عمى العممة المتداولة في أمة معيّنة ،وال ييمني بعدىا مف يصنع القوانيف"..
ماير أمستل روثتشايمد Mayer Amschel Rothschild 1743- 1812
إف تكنولوجية األسمحة الخرساء القائمة اليوـ ىي ثمرة فكرة بسيطة تـ اكتشافيا والتعبير عنيا بب ارعػة
وكػػذلؾ تطبيقيػػا بفعاليػػة وكفػػاءة مػػف قبػػؿ الشخصػػية المػػذكورة سػػابقاً :السػػيد مــاير أمســتل روثتشــايمد
.Mayer Amschel Rothschildلقػػد اكتشػػؼ السػػيد روثتشـــايمد العنصػػر المفقػػود الكػػامف فػػي
النظريػػة االقتصػػادية والػػذي أصػػبح معػػروؼ ب ػػ"التحريض االقتصػػادي" .economic inductanceىػػو
المسػػتخدمة فػػي القػػرف العش ػريف ،وفػػي
طبع ػاً لػػـ يف ّكػػر بيػػذا االكتشػػاؼ وفػػؽ المصػػطمحات والمفػػاىيـ ُ
الحقيقػػة ،كػػاف عمػػى التحميػػؿ الرياضػػياتي أف ينتظػػر حصػػوؿ الثػػورة الصػػناعية الثانيػػة ،وكػػذلؾ ظيػػور
فعاؿ فػي
طبؽ بشكؿ ّ
النظرية الميكانيكية واإللكترونية ،وأخي اًر ،اختراع الكمبيوتر اإللكتروني ،قبؿ أف ُي ّ
عممية التح ّكـ باالقتصاد العالمي.
ّ
يفاٍْى عايح تتعهق تانطاقح
General Energy Concepts
خػػبلؿ د ارسػػة منظومػػات الطاقػػة المختمفػػة ،يظيػػر دائم ػاً ثبلثػػة مفػػاىيـ أساسػػية .وىػػي :الطاقػػة الكامنػػة
،potential energyالطاقة الحركيػة ،kinetic energyتبلشػي الطاقػة .energy dissipationوكمتممػات
مشابية ليذه المفاىيـ ،ىناؾ ثبلثة نظائر فيزيائية نقية ومثالية ،وتُسمى عناصر كامنة (ىامدة).
ػ في المجاؿ العممي المتعمّؽ بالفيزياء الميكانيكية ،physical mechanicsترتبط ظاىرة الطاقة الكامنـة
مع خاصية فيزيائية تُسمى مرونة أو صبلبة ،ويمكف استعراضيا بواسطة نابض متمدد.
ػ في المجاؿ المتعمّؽ بالعموـ اإللكترونية ،electronic scienceتُخ ّػزف الطاقـة الكامنـة فػي مكثفػة بػدالً
ممتد .ىذه الخاصية تُسمى "السعة" capacitanceبدالً مف المرونة أو الصبلبة.
مف نابض ّ
54
طريقة الحكيم
ػػ فػػي المجػػاؿ العممػػي المتعمّػػؽ بالفيزيػػاء الميكانيكيػػة ،تػرتبط ظػػاىرة الطاقــة الحركيــة بخاصػػية فيزيائيػػة
معينػػة أو
تُسػػمى "قصػػور ذاتػػي" inertiaأو "الكتمػػة" ،massويمكػػف استع ارضػػيا مػػف خػػبلؿ دوراف كتمػػة ّ
عجمة موازنة .flywheel
محرض (مجاؿ مغناطيسي مثبلً) خزف الطاقة الحركية في ّػ في المجاؿ المتعمّؽ بالعموـ اإللكترونية ،تُ ّ
ب ػػدالً م ػػف كتم ػػة دوراني ػػة .وى ػػذه الخاص ػػية تُس ػػمى "تحػ ػريض" inductanceب ػػدالً م ػػف "القص ػػور ال ػػذاتي"
.inertia
ػ ػ فػػي المجػػاؿ العممػػي المتعمّػػؽ بالفيزيػػاء الميكانيكيػػة ،ت ػرتبط ظػػاىرة تحشــي الطاقــة بخاصػػية فيزيائيػػة
كةتحوؿ الطاقة إلى ح اررة.
متحر ّّ تُسمى "احتكاؾ" أو "مقاومة" ،ويمكف استعراضيا مف خبلؿ آلة
يتجسد تحشي الطاقة بواسطة عنصر ُيسمى إما "مقػاوـ" أو ّ ػ في المجاؿ المتعمّؽ بالعموـ اإللكترونية،
"ناقػػؿ" ،والمصػػطمح "مقػػاوـ" ُيسػػتخدـ عامػةً لوصػػؼ عنصػػر نمػػوذجي (مثػػؿ سػػمؾ ناقػػؿ) ُيسػػتثمر لنقػػؿ
الطاقػػة اإللكترونيػػة بشػػكؿ كفػػؤ مػػف موقػػع إلػػى آخػػر .وخاصػػية المقاومػػة أو الناقميػػة تُقػػاس عمػػى أنيػػا
تبادلية مقاومات أو نواقؿ.
55
طريقة الحكيم
ّ
انطاقح انتً اكتطفٓا انسٍذ سٔثتطاٌهذ
ما اكتشفو السيد روثتشػايمد ىػو المبػدأ األساسػي لمقـوة ،التـيثير ،والسـيطرة عمـى الجمـوع البشـرية مػف
خػػبلؿ المجػػاؿ االقتص ػػادي .ى ػػذا المب ػػدأ يق ػػوؿ " ..عن ػػدما ت ػػوحي بمظي ػػر القػػوة ،س ػػوؼ يمنحػػؾ إياى ػػا
الناس"..
لق ػػد اكتش ػػؼ الس ػػيد روثتش ػػايمد ب ػػأف العمم ػػة المتداول ػػة أو حس ػػابات الوديع ػػة المصػ ػرفية ل ػػدييا المظي ػػر
المطمػػوب لمقــوة والتػػي يمكػػف اسػػتخداميا لتح ػريض النػػاس (كمػػا يحصػػؿ التح ػريض فػػي حالػػة المجػػاؿ
المغناطيسي) إلى تسميـ ثروتيـ الحقيقية مقابػؿ وعد بثػروة أكبػر (بػدالً مػف تعػويض حقيقػي) .يضػعوف
ب ػػيف يدي ػػو م ػػادة ثمين ػػة ممموس ػػة (ذى ػػب) مقاب ػػؿ ق ػػرض م ػػف األوراؽ التعيّدي ػػة (س ػػندات) .وج ػػد الس ػ ّػيد
روثتشػايمد بأنػػو يسػػتطيع إصػػدار كميػػة ازئػػدة مػػف السػػندات بحيػػث تفػػوؽ قيمػػة الوديعػػة الماليػػة الحقيقيػػة،
معينة مف الذىب إلغراء زبائنو.
كؿ ذلؾ ممكف طالما أف لديو كمية ّ
لقػػد أقػػرض السػ ّػيد روثتشػػايمد أو ارقػػو التعيّديػػة (سػػندات ائتمػػاف) ألف ػراد وكػػذلؾ لحكومػػات .وىػػذا سػػوؼ
يخمػػؽ حالػػة إف ػراط فػػي الثقػػة .ثػػـ يقػػوـ بعػػدىا بجعػػؿ األم ػواؿ نػػادرة فػػي السػػوؽ ،يضػ ّػيؽ قبضػػتو عمػػى
منظومة التداوؿ في السوؽ ،ثـ يجمع المزيد مف المواد الثمينة اإلضافية مقابؿ تعيّدات تمثميا سندات
ورقية ال قيمة ليا .ثـ بعد فترة يتـ تكرار العمميػة م ّػرة أخػرى ،وىكػذا .تب ّػيف أف ىكػذا نػوع مػف الضػغوط
يمكف استخداميا إلشعاؿ الحروب أيضاً .فيستطيع بعدىا التحكـ بتػوافر العممػة المتداولػة بحيػث يحػدد
الجيػػة التػػي تكسػػب الحػػرب .والحكومػػة التػػي قبمػػت أف تمنحػػو السػػيطرة عمػػى نظاميػػا االقتصػػادي ىػػي
التي تحوز عمى دعمو المالي فتنتصر في الحرب.
أمػػا اسػػترداد الػػديوف فكػػاف مضػػموناً بحيػػث إذا نقػػض الحػػاكـ أو األميػػر الػػدائف بوعػػده فػػي سػػداد الػػديف
فسػػوؼ يػػتـ دع ػػـ عػػدوه اقتصػػادياً .األرب ػػاح المجموعػػة م ػػف ىػػذه المنيجيػػة االقتص ػػادية جعمػػت الس ػ ّػيد
روثتشػػايمد أكثػػر قابميػػة واسػػتعداداً لتوسػػيع ثروتػػو .لقػػد وجػػد أف الطمػػع البشػػري سػػيدفع الحكومػػات إلػػى
56
طريقة الحكيم
طباعػة المزيػد مػف أوراؽ العممػة المتداولػة بحيػث تتجػاوز الحػدود التػي يػدعميا رصػيد المعػادف الثمينػػة
ػخـ مػالي inflationوىػذا مػا كػاف
(الػذىب) أو إنتػاج السػمع أو الخػدمات ،ممػا يػؤدي إلػى حصػوؿ تض ّ
يسعى إليو بالضبط.
ّ
انشأمسال انظاْشي عهى ضكم زلشض ٔسقً
Apparent Capital as "Paper" Inductor
فػػي ىػػذه التركيبػػة ،يتخػػذ الػػديف ،creditوالممنػػوح عمػػى شػػكؿ عنصػػر صػػافي نسػػميو "عممػػة متداولػػة"
،currencyمظير رأسماؿ قػائـ بذاتػو ،لكنػو فػي الحقيقػة أرسػماؿ سػمبي .negative capitalصػحيح أف
لدي ػػو مظي ػػر خدم ػػة مالي ػػة ،لكن ػػو ف ػػي الحقيق ػػة عب ػػارة ع ػػف دي ػػف أو س ػػمفةُ .فيعتب ػػر بالت ػػالي "مح ػ ّػرض
اقتصادي" بدالً مف كونو "سعة اقتصادية" ،وبالتالي إذا أردنا موازنتػو (تسػكير الحسػابات) فمػيس ىنػاؾ
أي طريقػػة سػػوى إشػػعاؿ حرب ػاً أو مجػػزرة أو كارثػػة أو غيرىػػا إل ازلػػة المػػودعيف مػػف المعادلػػة .السػػمع
gross national والخػػدمات تمثّػػؿ أرسػػماؿ حقيقػػي ومممػػوس بحيػػث ُيسػػمى "مجمػػوع النػػاتج الػػوطني"
،productويمكف طباعة العممة الورقية بكميات تػوازي قيمػة ىػذا النػاتج ،ومػع ذلػؾ سػوؼ يبقػى ممػثبلً
لس ػػعة اقتص ػػادية .economic capacitanceلك ػػف العمم ػػة الورقي ػػة المطبوع ػػة بكمي ػػات تتج ػػاوز القيم ػػة
الحقيقية لمناتج الوطني تخفض مف ىذه القيمة ،وتمثّؿ العممة بعدىا عمميػة تحػريض اقتصػادي ،حيػث
تتحوؿ األو ارؽ النقدية إلى أوراؽ مديونية.
ّ
وبالتػػالي فػػالحرب تمثّػػؿ عامػػؿ ضػػروري لموازنػػة ىػػذه المنظومػػة الماليػػة ،حيػػث ُيقتػػؿ الػػدائنيف الحقيقيػػيف
(المواطنيف العادييف الذيف تـ تعمػيميـ كيػؼ يسػتبدلوف مػا لػدييـ مػف سػمع وخػدمات ثمينػة مقابػؿ عممػة
متداولة عديمة القيمة) والعودة إلى ما تبقى مف مصادر طبيعية واعادة إحياء إنتاجية ىذه المصادر.
لقد اكتشؼ السيد روثتشايمد بأف "العممة المتداولة" منحتو القوة والقدرة الكافية عمى إعادة ترتيػب البنيػة
االقتصػ ػػادية بػ ػػالتوافؽ مػ ػػع مصػ ػػالحو الخاصػ ػػة ،وكػ ػػذلؾ نقػ ػػؿ السػ ػػعة االقتصػ ػػادية إلػ ػػى تمػ ػػؾ المواقػ ػػع
تشجع عمى حصوؿ تذبذب وعدـ استقرار اقتصادي كبير.
االقتصادية التي ّ
57
طريقة الحكيم
كػػاف عمػػى المفتػػاح األخيػػر واألكثػػر أىميػػة إلحكػػاـ السػػيطرة عمػػى االقتصػػاد ،أف ينتظػػر حتػػى تػػوفّرت
وس ػػائؿ متط ػػورة لمعالج ػػة المعطي ػػات المعموماتي ػػة بحي ػػث تواك ػػب االىتػ ػ اززات االقتص ػػادية الت ػػي تخمقي ػػا
عمميػػات مثػػؿ "صػػدمة األسػػعار" price shockingوالتبػػايف فػػي كميػػات األوراؽ النقديػػة المتػػوفرة فػػي
"التضخـ/التحريض الورقية" .paper inductance/inflation
ّ السوؽ وتُسمى عممية
ّ
تطٕس ثٕسي
Breakthrough
economic structureلبلقتصاد القائـ .وبيذه الطريقة بالذات يتـ اكتشاؼ وتحديد االختبلفػات الجزئيػة
58
طريقة الحكيم
والميػػوؿ المختمفػػة التػػي تعػ ّػرؼ أف ػراد األس ػرة وتجعػػؿ تقييميػػا ممكن ػاً كوحػػدة اقتصادية/صػػناعية قائمػػة
ِ
مستنزفة). بذاتيا (بنية استيبلكية
يمكػػف بعػػدىا التنبػػؤ بػػردة فعػػؿ الوحػػدة األس ػرية تجػػاه صػػدمات مسػػتقبمية ،وبالتػػالي يمكػػف الػػتحكـ بيػػا.
فيتح ّػوؿ المجتمػػع بالكامػػؿ إلػى حيـوان قابػػؿ لمضػػبط والتنظػيـ حسػػب الرغبػػة ،حيػث يقػػع تحػػت السػػيطرة
المباشرة لنظاـ محاسبة معقّد جداً يديره كمبيوتر مركزي.
فػػي النيايػػة ،سػػوؼ يقػػع كػػؿ عنصػػر فػػردي فػػي البنيػػة االقتصػػادية تحػػت سػػيطرة الكمبيػػوتر ،ذلػػؾ مػػف
خػػبلؿ جمػػع معمومػػات كافيػػة عػػف أىػواءه وميولػػو ،وىػػذه المعمومػػات توفرىػػا منظومػػة خاصػػة تػربط بػػيف
الكمبيػػوتر وخيػػارات الفػػرد( ،أي يمكػػف معرفػػة مػػا يختػػاره مػػف سػػمع وخػػدمات عبػػر مػػا يشػػتريو بواسػػطة
بطاقة االئتماف ،credit cardوليذا السبب ترى الرمػوز واألرقػاـ التسمسػمية وغيرىػا مػف أشػياء مطبوعػة
عمى السمع ،وبعد فترة مف ترسيخ استخداـ بطاقة االئتماف حوؿ العالـ سوؼ يستبدلونيا بػ"وشـ رقمػي"
تحسس خاصة).
ُيطبع عمى الجسـ بحيث يكوف خفياً تمتماً في غياب أجيزة ّ
59
طريقة الحكيم
كػػانوا يحتاجونػػو ىػػو معرفػػة منظمػػة جيػػداً لمبنػػى الرياضػػياتية والعبلقػػة التبادليػػة لكػػؿ مػػف االسػػتثمارات،
اإلنتاج ،التوزيع ،وأخي اًر االستيبلؾ.
يمكف اختصار القصة عمى الشكؿ التالي ،اكتُشؼ بأف االقتصاد (أي اقتصاد) يخضع لنفس القػوانيف
التػػي تحكػػـ مجػػاؿ الكيربػػاء ،وكػػذلؾ النظريػػات الرياضػػية وتطبيقاتيػػا العمميػػة ،ومجػػاؿ الكمبيػػوتر الػػذي
تط ػ ّػور م ػػف مج ػػاؿ اإللكتروني ػػات ،جميعي ػػا يمك ػػف تطبيقي ػػا مباشػ ػرة ف ػػي مج ػػاؿ د ارس ػػة االقتص ػػاد .ى ػػذا
االكتشاؼ الكبير لـ ُيعمػف عنػو بشػكؿ مفتػوح ،وتطبيقاتػو الخفيػة كانػت وال ازلػت محروسػة بعنايػة فائقػة.
فمػػثبلً ،كمػػا ُيقػػاس الجيػػد الكيربػػائي ،كػػذلؾ الحػػاؿ مػػع حيػػاة اإلنسػػاف التػػي وفػػؽ النمػػوذج االقتصػػادي
الجديد تُقاس بالدوالر .وكذلؾ الحاؿ مع الش اررة الكيربائية المنطمقة بعد فتح فاصؿ كيربائي موصػوؿ
بمح ػ ّػرض نش ػػط ،حي ػػث ى ػػذه الحال ػػة تمثّ ػػؿ مػػػف الناحي ػػة الرياضػػػياتية البــــدء بحالــــة حــــرب ب ػػالمفيوـ
االقتصادي.
العقبػػة الكبي ػرة التػػي واجييػػا االقتصػػاديوف النظريػػوف تتمثّػػؿ بالتوصػػيؼ الػػدقيؽ لحالػػة الوحػػدة األس ػرية
(الػػزوج والزوجػػة واألوالد) إذا اعتُبػػرت وحػػدة اقتصػػادية قائمػػة بػػذاتيا تػػدخؿ فػػي المنظومػػة االقتصػػادية
الكبػػرى .لقػػد مثّػػؿ ىػػذا تحػػدي كبيػػر بالنسػػبة لمبػػاحثيف االقتصػػادييف ،ألف عمميػػات الشػراء التػػي يجرييػػا
المستيمؾ تعتمد عمى عامؿ االختيار حسب المزاج ،والذي بدوره يتأثّر بعامؿ الدخؿ ،السعر ،وعوامؿ
اقتصادية أخرى.
لكف ىذه العقبة أزيمت فيمػا بعػد ،وبطريقػة غيػر مباشػرة لكنيػا دقيقػة استاتسػتيكياً (إحصػائياً) ،ذلػؾ مػف
خبلؿ تطبيؽ وسيمة "اختبػار الصػدمة" ( shock testingالموصػوفة سػابقاً) مػف أجػؿ تحديػد الخاصػيات
المسماة بالمعامؿ التقني الراىف القتصاد الوحدة األسرية .household industry
الراىنة ،و ُ
وأخي ػ اًر ،ألف المسػػائؿ الموجػػودة فػػي مجػػاؿ اإللكترونيػػات النظريػػة يمكػػف ترجمتيػػا بسػػيولة ُكبػػرى إلػػى
مسائؿ في مجاؿ االقتصاد النظري ،ويمكف إعادة ترجمة الح ّؿ إلى المجاؿ اآلخر ،فبالتالي ال نحتػاج
سػػوى كتػػاب واحػػد فقػػط يعمػػؿ عمػػى ترجمػػة المغػػة والمفػػاىيـ ومع ػاني المصػػطمحات ،ومػػف خػػبلؿ ذلػػؾ،
يمكننػػا اسػػتخداـ أي كتػػاب عػػف االلكترونيػػات كمرشػػد عممػػي لمخبيػػر االقتصػػادي الجديػػد .وىػػذا يجعػػؿ
63
طريقة الحكيم
طباع ػػة كت ػػب تتن ػػاوؿ ى ػػذا النم ػػوذج االقتص ػػادي المتق ػػدـ غي ػػر ض ػػرورية إطبلقػ ػاً ،وى ػػذه نقط ػػة أخ ػػرى
السر.
لصالحنا بحيث تساىـ في حفظ ّ
ُيعػ ّػرؼ االقتصػػاد النمػػوذجي بأنػػو جيػػاز يسػػتقبؿ قيمػػة مػػف اقتصػػاديات أخػػرى وبأشػػكاؿ عػػدة ثػػـ يحوليػػا
ػوزع القتصػاديات أخػرى .لديػو عػدة منافػذ دخػؿ ومخػرج واحػد .مػا يظنػو وي ّإلى ُمنتج واحػد محػدد ُيبػاع ُ
الناس عمى أنو اقتصاد قائـ بذاتو ىو فػي الحقيقػة مجمػع اقتصػادي ،industrial complexحيػث تقػوـ
عدة اقتصاديات يجمعيا سقؼ واحد بإنتاج ُمنتج واحد أو أكثر.
يمكف استعراض اقتصاد بسيط (بمخرج واحد) عمى شكؿ عنصر دارة (مشابو لمدارة اإللكترونية) عمى
الشكؿ التالي:
جريػػاف المنػػتج مػػف االقتصػػاد(1#إمػػداد) إلػػى االقتصػػاد (2#طمػػب) يشػػار إليػػو بػ ػ .112مجمػػوع مخػػرج
جرياف االقتصاد ُ Kيشار إليو بػ(Ikمبيعات ..،إلى آخره).
61
طريقة الحكيم
ترمػػز "العقػػدة" ( nodeنقطػػة التقػػاء) إلػػى جمػػع وتوزيػػع الجريػػاف .العقػػدة 3#تتمقػػى مػػف االقتصػػاد 3#
يصنع الكراسي مػثبلً ،فبالتػالي يشػير الجريػافوتوزعو إلى االقتصاد 1#و .3#إذا كاف االقتصاد ّ 3#
مػػف االقتصػػاد 3#رجوعػاً إلػػى االقتصػػاد 3#إلػػى أف االقتصػػاد 3#يسػػتيمؾ جػػزء مػػف مػػا يخرجػػو مػػف
منتجات (مفروشات لممكاتػب مػثبلً) .وبالتػالي يمكػف اسػتخبلص الجريػاف فػي المخطػط البيػاني السػابؽ
في المعادالت التالية:
62
طريقة الحكيم
ىذه األشكال التالية ليست مخططات دارات إلكترونية ......بل مخططات دارات اقتصادية!
63
طريقة الحكيم
ىذه ىي بنية االقتصاد العالمي في القرف المقبؿ ،أو في العقد المقبؿ ...إذا نجح مخططيـ المرسوـ
في الموعد المحدد.
مححظة :ىذا عبارة عف مقتطؼ قصير لكامؿ الدراسة ،حيث ما بقي ىو دراسة تفنية متخصصة،
كوف فكرة عامة عف كامؿ
وبالتالي ال جدوى مف ذكرىا ىنا بالكامؿ .لكف أعتقد بأف القارئ الكريـ ّ
الموضوع.
إذا لـ تستوعب األمر بعد ،أحب أف أذكرؾ بأف ىذه الدراسة وضعت منذ عقود عديدة .أما اآلف فقد
أصبحت قيد التطبيؽ بالكامؿ .يوجد دالئؿ كثيرة تجعؿ ىذه الفرضية حقيقة واقعية .المجريات الدولية
64
طريقة الحكيم
التي لـ يعد فييا أي منطؽ أو عقبلنية ،الحروب التي تحصؿ بيف الحيف واآلخر ،الشبكة اإللكترونية
أو االنترنت ،واليواتؼ النقالة ،ىؿ تظف بأنيا صنعت لخدمة الناس؟ إذا كاف األمر كذلؾ لماذا ىي
مشاريع تقنية عسكرية تأسست منذ البداية والزالت خاضعة تحت رعاية البنتاغوف؟ النقد اإللكتروني
الذي يرسخوف استخدامو تدريجياً بيف الشعوب ،وسوؼ يستبدؿ الماؿ الورقي في مستقبؿ قريب .كؿ
ىذه ،وأكثر بكثير ،ىي عناصر مكممة لمدارة االقتصادية الخبيثة التي ينشؤونيا في كامؿ أنحاء
العال ـ .كؿ ىذا والزلنا نظف بأف األحداث تجري بشكؿ عفوي وطبيعي في حياتنا .الزلنا نعتقد أف
األحداث تحصؿ بشكؿ منفصؿ عف بعضيا ،ولـ نفطف أبداً أنيا تشكؿ جميعيا مخطط شيطاني
يترسخ تدريجياً في حياتنا.
65
طريقة الحكيم
ىكذا ىي الحال ة عمى حقيقتيا في العالـ اليوـ .نخبة خفية تسيطر عمى العالـ ،وتقبع في مكاف ما
في ىذا العالـ ،وتضع المخططات وتحيؾ المؤامرات وتحوؿ حياتنا إلى جحيـ .وماذا نفعؿ نحف
حياؿ ذلؾ؟ ما ىي اإلجراءات التي نتخذىا لحماية أنفسنا أو السعي إلى تجنب تأثيرىـ المدمر؟
الجواب :ال شيء عمى اإلطبلؽ .حتى أف النسبة األكبر مف سكاف األرض ال يؤمنوف أصبلً بوجود
ىكذا أجندات ومؤامررات! لكف لنفترض بأف الجميع عرؼ ىذه الحقيقة ،ماذا برأيكـ سيفعموف؟
الجواب :ال شيء عمى اإلطبلؽ .ألف المقاومة الحقيقية ليكذا مخططات ومؤامرات ال تكمف في
االنتفاضات الشعبية والثورات والتظاىرات ..إلى آخره .وقد أثبتنا براعة فائقة في ىذه األعماؿ العنفية
لكنيا لـ تجمب لنا سوى الدمار والفوضى واألسى والمزيد مف البؤس .المقاومة الحقيقية تكمف في
مكاف بعيد كؿ البعد عف العنؼ والمواجية المباشرة والتي ىي مستحيمة أماـ النخبة وأدواتيا النافذة
والقوية جداً .كؿ ما نراه مف أعماؿ عنؼ أو ثورات أو حروب ىي مسرحيات مف صنعيـ .كمو
اصطناعي .أما كؿ ما ىو طبيعي وعفوي فيستحيؿ أف يسمحوا لو أف يكوف .إنيـ يسيطروف عمينا
سيطرة مطمقة .وبالتالي ميما اتخذناه مف إجراءات عنفية فسوؼ لف يؤدي إلى مكاف بؿ إلى زيادة
بؤسنا وقيرنا والغرؽ أكثر في شباكيـ الخبيثة.
قد يقترح البعض تأسيس منظمات وأحزاب وغيرىا مف جيود جماعية لمواجية ما يجري ،لكف كيؼ
يمكنيـ إقامة ىذه األمور دوف تمويؿ في عالـ يتمحور حوؿ الماؿ ،مع العمـ أف الخصوـ الذيف
يستيدفونيـ ىـ الذيف يصنعوف الماؿ ويديرونو ويوجيونو ،وىو أصبلً سبلىـ الفتاؾ الذي يحاربونا
بو .ال يمكننا تصور حياتنا اليوـ دوف عامؿ الماؿ ،فكيؼ سننجح في مساعينا ونشاطاتنا الموجية
إلى مقاومة الجيات التي تستعممو في حربيا ضدنا؟ ىذا مستحيؿ .قبؿ أف يصاب القارئ باإلحباط،
أحب أف أطمئنو بأنو يوجد حؿ ليذه المسألة .إنو الحؿ الوحيد .أي حموؿ غيره ىي مستحيمة.
المقاومة الحقيقية تكمف في العمؿ مف داخمنا .رغـ سيطرتيـ المطمقة ،إال أف ىذه السيطرة تكمف في
الجانب الخارجي منا فقط ،إنيـ يسيطروف بالكامؿ عمى الجانب الدنيوي مف اإلنساف ،وىو منزؿ
الغرائز والشيوات والرغبات والخوؼ واألنانية والتعصب وغيرىا مف أدوات يتقنوف استخداميا ضدنا.
66
طريقة الحكيم
أما الجانب الداخمي ،أو المستوى العموي مف كياننا ،فميس ليـ أي وسيمة لموصوؿ إليو والتحكـ بو
واخضاعو.
ّأوؿ ما وجب معرفتو ىو أنيـ يسيطروف عمينا بمساعدة شريؾ ميـ وأساسي ووجوده ضروري إلنجاح
العممية .ىذا الشريؾ ىو نحف .العيب ىو فينا .بالتالي بدالً مف التفكير كيؼ يمكننا االنقبلب عمييـ
وتقويض مخططيـ بالثورة والعنؼ ،وىذا مستحيؿ بالمطمؽ ،عمينا أف ننظر إلى أنفسنا والبحث أيف
يكمف العيب فينا ونسعى إلى تصحيحو .بعدىا سوؼ ينيار كؿ نظاميـ بشكؿ تمقائي .لكف السؤاؿ
ىو :ىؿ نحف مستعدوف ليذه الميمة؟ ىؿ نحف مؤىميف فعبلً لمتعامؿ مع ىذا الجانب الباطني مف
كياننا؟ ومف الجانب اآلخر ،ىؿ نحف نرغب فعبلً في التخمي عف ىذه المنظومة التي توفر لنا كافة
وسائؿ الميو والترفيو والمتعة؟ وجب عميؾ أف تقرر وتختار.
الصفحات التالية تشمؿ مواضيع مختمفة تذكرنا ببعض الحقائؽ والحاالت التي ربما نسيناىا أو
نجيميا أصبلً ،ربما تفيدنا في معرفة المشكمة بشموليتيا ومعرفة مف نحف عمى حقيقتنا وكيؼ يمكننا
اإلفبلت مف سطوة الضغوط اليائمة التي يفرضيا عمينا ىذا النظاـ المالي الخبيث الذي يسود العالـ
اليوـ ويحوؿ حياتنا إلى جحيـ.
67
طريقة الحكيم
في فترتنا الحالية حيث يبدو أف الكثير مف األمور تعتمد عمى التداوؿ المالي والنظاـ االقتصادي ،قد
يكوف مفيداً أف نمقي نظرة سريعة عمى تاريخ الماؿ .كاف التداوؿ المالي موجوداً منذ زمف بعيد ،لكف
ليس بالقدر الكبير الذي يظنو الناس .ألنو في أبكر الفترات التي يمكف لئلنساف تذكرىا كاف التبادؿ
وتقايض البضاعة يمثبلف وسيمة توزيع السمع والخدمات بأنواعيا .في معظـ البمداف كانت الماشية
(مثؿ البقر والخرفاف والماعز )..تمثؿ أساس الثروة .لكف في الحقيقة كانت البمداف المختمفة تحوز
عممياً عمى كافة أنواع وسائؿ التبادؿ يمكف تخيميا .كاف الصينيوف خبلؿ الفترة االمبراطورية المزدىرة
يصدروف عممة ورقية .لـ يكف األمر ناجحاً عمى نطاؽ واسع وال كانت العممية تحظى بالتقدير
الكافي ،لكف تـ القبوؿ بيا ألنيا مثمت الخيار الوحيد في أياميا كحؿ مجدي لممسائؿ القائمة في
حينيا .كاف التقييـ الفعمي لمتداوؿ المالي في الصيف يعتمد عمى عدد الغزالف في الحظيرة
االمبراطورية وكذلؾ في األحراش المحيطة بالبناء الممكي .كانوا يقوموف بتعداد الغزالف وبناء عميو
يصدروف العممة المتداولة .طالما كانوا يممكوف الغزالف فيذا يعني أنيـ يممكوف الماؿ .ربما كاف
السبب وراء االعتماد عمى الغزالف ىو الجمد الذي كانوا يستخدمونو لصنع الوثائؽ النقدية .كانت ىذه
األوراؽ النقدية تصدر مف حجرات الحكمة اإلمبراطورية.
68
طريقة الحكيم
كاف يوجد في الحقيقة تشكيمة واسعة مف وسائؿ التداوؿ المالي حوؿ العالـ ،مثؿ صدؼ البحر
والتنباؾ وحتى الريش الذي كاف ُيستخدـ في الجزر البولينيزية .في الحقيقة ،كؿ ما يمكنؾ تصوره
كاف ُيستخدـ كوسيط لتبادؿ البضاعة ،وذلؾ يعتمد عمى البمد والمنطقة والجزيرة وغيرىا .النظرية
المتعمقة بيذه الطريقة في التبادؿ كانت منطقية نسبياً .تبادؿ البضاعة بشكؿ مباشرة دوف وسيط
نقدي لـ يكف عمؿ سيؿ ومبلئـ في معظـ األحياف .لـ يكف سيؿ مثبلً تبادؿ الخراؼ مع الماعز
ومف ثـ عميؾ رعاية الحيوانات التي حصمت عمييا بشكؿ مباشر قبؿ إعادة استبداليا بشيء آخر.
معيف الستخداميا ليذا الغرض .ىذا
كاف أسيؿ وأنسب إذا حممت ورقة أو قطعة نقدية مف نوع ّ
بالضبط ما حصؿ في مصر القديمة ،حيث كانت العممة النقدية المصرية تصدر بمعظميا بشكؿ
خاص ،وذلؾ مف قبؿ عائبلت ثرية أو أعضاء جمعيات أو تجمعات مختمفة .كانت العممة بمعظميا
مصنوعة مف الفخار وتحمؿ شعار المالؾ الذي صنعيا عمى عاتقو لكي يتداوؿ بيا .كانت ىذه
القطع الفخارية تستخدـ لمبيع والشراء ،واذا أراد أحدىـ صرفيا في نياية المطاؼ كاف يتوجو إلى
خادـ المنزؿ الذي أصدرىا في البداية ،فيحصؿ في المقابؿ عمى بضاعة متساوية قيمتيا مع قيمة
القطع النقدية التي بحوزتو.
تطور منذ البداية بصفتو حؿ مبلئـ لمسائؿ مستعصية كانت تشوب التداوؿ التجاري الذي
الماؿ إذاً ّ
كاف قائماً ،لكنو مع الوقت ،حتى وصولو العصر الحالي ،أصبح مزعج وحتى خطير عمى المستوى
العالمي .عندما كاف مبلئماً ،كاف ممكناً تبادؿ كافة أنواع السمع والبضائع والخدمات حتى أصبح
يمثؿ قاعدة لمنظومة تبادؿ بحيث كاف الفرد يقبض مادة قابمة لمصرؼ ويمكنو استخداميا كما يراه
مناسباً أو ضرورياً .في تمؾ األياـ لـ تكف الرواتب تمثؿ مشكمة كما ىي اليوـ .ففي الفترات القديمة
جداً كاف الماؿ يعتبر شيء مزعج ومربؾ ،ألنو لـ يعرؼ الفرد ماذا يفعؿ بو أو ماذا يشتري بواسطتو
ألف كافة األشياء التي يمكنو احتياجيا ىي موجودة في منزلو أصبلً ،ولـ يكف يوجد أسواؽ أو محاؿ
تجارية أو خدمات أو وسائؿ ترفيو كما نألفيا اليوـ .استمرت ىذه الحالة لفترة طويمة ،دوف أف تبلقي
أي نجاح يذكر بيف الناس ،إلى أف استطاع أحدىـ أخي اًر في الخروج بفكرة عظيمة وىي أنو بدالً مف
كسب الماؿ عف طريؽ التبادؿ بالسمع والبضائع يستطيع أف يجعؿ الماؿ يكسب الماؿ .كانت ىذه
فكرة عظيمة .ومنذ حينيا انطمقت دورة ىائمة مف المشاكؿ واألزمات والمحف التي ربما ال نستطيع
الخبلص منيا إلى األبد .بدأت ىذه األفكار الشاذة منذ اكتشاؼ "كراتيوس" الشيطاف المذكور سابقاً.
69
طريقة الحكيم
الماؿ ىو شيء أصبح مبالغ بأىميتو بعد أف اتخذنا توجو الفكر المادي لمحياة .مف بيف كؿ األشياء
مجرد
التي نتعامؿ بيا ،فإف الماؿ ىو األكثر قابمية لمفناء .يمكف أف يتـ تدمير القيمة المالية مف ّ
تغيير الحكومة .يمكف لمماؿ أف ُيسرؽ أو يضيع أو ُيفسد نتيجة كوارث طبيعية .يمكف تجميع الماؿ
عبر الغش والخداع ،وعندما يأتي موعد مفارقة الشخص لمحياة ،ميما كاف يممؾ مف أمواؿ ،ال
يستطيع أف يأخذ معو قرش واحد .أف تولد إلى ىذا العالـ دوف وجود أي إمكانية لجمب أموالؾ معؾ،
ثـ تغادر ىذا العالـ دوف أف تستطيع أخذه معؾ إلى العالـ اآلخر ،فيذا يعني أنو لديؾ فترة محدودة
ىنا في ىذا العالـ المادي بحيث أصبح خبلليا الماؿ موضوعاً مذىبلً وساح اًر .إنو فقط في فترة
وجودنا ىنا يكوف لمماؿ معنى وقيمة معينة .نفكر بموضوع الزمف عمى انو الطريقة التي تنمو وفقيا
الحضارة .نفكر بموضوع الزمف عمى أنو متحرؾ نحو المستقبؿ وأف أوالدنا وأحفادنا يحوزوف عمى
الماؿ .نفكر في الماضي حيث المشاىير الذيف برزوا عبر التاريخ .لكف في الحقيقة فإف كامؿ مسألة
الماؿ محصورة ضمف نطاؽ حقيقة الفناء .الفناء ال يعني أنؾ تعجز عف أخذ الماؿ معؾ فحسب ،بؿ
بطريقة غامضة ،ىناؾ شيء يتعمؽ بما يبقى قائماً بعد الموت .ىناؾ شيء يتعمؽ بجودة الشخصية،
شيء يتعمؽ بما فعمتو في الحياة ،كـ كنت صادقاً ،كـ كنت حذ اًر وكريماً وحكيماً خبلؿ تعاممؾ مع
الماؿ .نجد بالتالي بأف الماؿ قد يمثؿ أحد االمتحانات الكبرى لمروح ،أو لتمؾ القوة التي تبقى قائمة
حتى بعد الموت .إذا خدعنا بما يكفي أو غدرنا بما يكفي ربما يكوف ىناؾ عقوبة معينة بعد الموت
والتي عمينا مواجيتيا .ال نستطيع أخذ الماؿ معنا لكننا بكؿ تأكيد سنأخذ الندـ والحسرة عمى كيفية
حصولنا عميو وكيفية صرفنا لو.
الكثير مف الناس طبعاً ،خصوصاً ألوئؾ المتأثريف جداً بالماؿ ،ربما ال يفكروف أبداً بما سيحصؿ ليـ
بعد مغادرة ىذا العالـ .سوؼ يفترضوف بأنو إذا كاف ىناؾ حياة أخرى بعد الموت سوؼ يتمكنوف مف
معالجة األمر أو التحكـ بالمسألة عندما يحيف الوقت .لكف ىناؾ عدد كبير مف الناس ال يؤمنوف
أصبلً بوجود شيء بعد الموت وىذا يجعؿ مشكمة الماؿ أكثر صعوبة .الفرد ال يستطيع أخذ الماؿ
معو ،وحتى أنو ينقطع عف التذكر بأنو كاف يحوزه أصبلً .وىذا أمر مثبط بالنسبة لؤلشخاص الذيف
بنوا حياتيـ عمى مبدأ الثروة وحدىا .لدينا إذاً ىذه المسألة المتعمقة بالماؿ وكيؼ نحصؿ عميو وماذا
نفعؿ بو بعد حوزتو .وأعتقد بأنو عمينا إدراؾ حقيقة أف الماؿ يمثؿ أحد تمؾ االمتحانات الكبرى
لمعيش .المسألة تشبو إلى حد كبير طقوس االنتساب أو االنخراط في درب االرتقاء الروحي ،بحيث
يواجو المريد مجموعة متنوعة مف اإلغواءات واالمتحانات ،واذا كاف يتوقع االرتقاء بوعيو ومستوى
73
طريقة الحكيم
فيمو فوؽ المستوى المادي والفاني ،عميو أوالً التعرؼ عمى لغز ىذا الوسيط الذي يسمى الماؿ ،عميو
أف يكتشؼ كيؼ يستخدـ الماؿ أو الثروة بصفتو أساس لقوة الروح .كؿ شيء طبعاً يمكف استخدامو
بطريقة سميمة وايجابية بحيث يصبح مصدر لمخير ،لكف بنفس الوقت يمكف استخدامو بطريقة سيئة
لمشر .لكف في مكاف ما عمى طوؿ الطريؽ ،كؿ حياة وشخصية والنمو الروحي ويصبح مصدر ّ
لمكائف بشري متعمقة بطريقة أو بأخرى بموضوع الماؿ .ىي متعمقة بالطريقة الموصوفة في اإلنجيؿ،
حيث تعرض سيدنا يسوع لمغدر مقابؿ الماؿ .ومنذ ذلؾ الحيف تعرضت الحقيقة لمغدر مقابؿ الماؿ.
لقد ضحى األفراد بحياتيـ الباطنية مقابؿ مراكمة الماؿ والثروة.
إذا حصؿ الفرد عمى مبمغ كبير مف الماؿ ،ثـ قاـ بفعؿ خير بواسطتو ،فيذا يعني أنو يمكف وجود
مبرر لمنظاـ المالي القائ ـ اليوـ .لكف في أغمب األحياف ،ال يفعؿ الفرد أي خير بما لديو مف أمواؿ.
البعض لدييـ طبعاً دوافع داخمية لئلحساف والمساعدة ويدعموف المشاريع الخيرية .لكف بالنسبة
لؤلكثرية الثرية ،فيـ يجدوف الثراء مبر اًر لمتراخي والكسؿ .يكتشفوف بأنيـ غير مضظريف لمعمؿ،
حيث الماؿ سوؼ يعمؿ بالنيابة عنيـ .ليس لدييـ أي اىتماـ أو قيمة فعمية لؤلشياء .إنيـ بعيشوف
ببذخ وتيور ،يممكوف منازؿ ضخمة وفاخرة والتي ال يستخدموف سوى أقساـ صغيرة منيا ،يشتروف
عقارات كبيرة ،يقامروف ،يمضوف معضـ أوقاتيـ في مونتيكارلو ...،ىؤالء الناس يعيشوف بكؿ
71
طريقة الحكيم
بساطة حياة تافية عديمة الفائدة .نجد أف معظميـ ضحايا اإلدماف عمى المخدرات ،غالباً لعبلج
الممؿ الشديد الذي يعانوه في حياتيـ .ىـ ال يعرفوف ماذا يفعمونو بالماؿ سوى صرفو ببذخ .حتى أنيـ
ال يعرفوف كيؼ يصرفوف الماؿ ،ولو باتجاه تطوير جودة شخصيتيـ .لـ يستخدموا الماؿ لمتعمـ أو
النمو أو حتى التفكير بشكؿ سميـ .استخدموا الماؿ ببساطة ألنيـ بممكونو وبحبوف التنافس مع
اآلخريف الذيف مف نفس مستواىـ .بالتالي فقد أصبح األثرياء مشاىير ،وأصبحوا محسوديف مف قبؿ
الفقراء ،واستمروا في عيش حياتيـ بنفس البؤس الذي عانى منو الذيف أفقر منيـ.
بالتالي يمكف استخبلص مسألة الثروة بفكرة أف الفرد الذي ليس عميو إجياد نفسو بالتفكير سوؼ لف
يفعؿ ،واذا ليس عميو إجياد نفسو بالعمؿ فسوؼ يبحث عف طرؽ ليتجنب ذلؾ ،واذا لـ يرغب في
تطوير نفسو فسوؼ يبقى كما ىو ،وكمما كاف لديو المزيد مف الماؿ كمما قمّت نزعتو إلى تطوير
شخصيتو وزيادة مياراتو وتعمـ أي مف الميف والفنوف والحرؼ المختمفة التي ييتـ بيا األقؿ ثراءاً .ىو
بكؿ بساطة يفتقر لمدافع ،وذلؾ ألنو غير مضطر إلى الكفاح مف أجؿ وسيمة عيش .بما أنو غير
قادر عمى صياغة وسيمة عيش ،فيذا يجعمو عاج اًز عف صياغة حياة .ثراءه يكوف محسود مف قبؿ
اآلخريف ،يتـ استغبللو وخداعو وغشو مف قبؿ الجميع ،وعمى مر الزمف سوؼ يشعر بأف ثراءه يمثؿ
عبئ ثقيؿ عمى روحو .إذا أردنا مقاربة الموضوع مف الناحية الفمسفية ،سوؼ نقوؿ بأف كؿ دوالر لو
معيفُ .يعطى الدوالر لشخص إما ألنو يستحقو أو ىو مف نصيبو بطريقة أو بأخرى .الدوالر
معنى ّ
تحدي كبير يواجو االستقامة األخبلقية .الماؿ الذي نممكو
ىو ليس شيء ُيستخدـ لمصرؼ ،بؿ ىو ّ
تحدي أماـ االستخداـ السميـ .وانو أكثر حكمة في مجرى النمو أف نستخدـ قدر قميؿ وبشكؿ يمثؿ ّ
سميـ بدالً مف استنزاؼ قدر كبير ىباء .بالتالي لدينا إدراؾ فعمي لحقيقة أنو كمما زاد ما نممكو كمما
وجب أف نكوف أكثر رشداً الستخدامو بطريقة سميمة .كمما زاد ممكنا لمماؿ والعقارات ووسائؿ الراحة
والترفيو كمما زادت مسؤوليتنا لعيش حياة وجدانية وخبلقة وصالحة .ىذا ال يعني أنو عمينا التخمي
عف ثروتنا عبر منحيا آلخريف .ألف الشخص الذي ال يفيـ حقيقة الماؿ سوؼ يمنحيا لؤلشخاص
الخطأ في جميع األحواؿ .سوؼ يستقطب حولو مجموعة مف الرفاؽ عديمي القيمة أو المعنى أو
الفائدة بالنسبة لو .عممية منح الماؿ ىي بنفس صعوبة الحصوؿ عميو ،وأحياناً يكوف األمر أكثر
صعوبة .ألنو دائماً الفرد الذي يصبح فاحش الثراء يدفع ثمف ىذا الثراء عف طريؽ فقداف إخبلص
الذيف حولو لو ،حتى أنو يعاني مف خداع عائمتو ،ويشعر بضغط شديد ومستمر عمى طريقة تفكيره
وحممو وأممو ومخاوفو .ىذه األمور تتأثر كثي اًر بفعؿ الثروة التي يممكيا.
72
طريقة الحكيم
يمكننا القوؿ بأننا نعيش اآلف في عالـ يعتبر فيو الماؿ والثروة الحكاـ األعظـ .نحف نعيش في عالـ
بحيث أف تممؾ وتحافظ عمى ما تممكو يعتبراف مف اإلنجازات األعمى .كؿ مف الفرد والمجتمع معاً
يكافحوف جاىديف لمسيطرة المالية عمى الحياة .حوؿ العالـ يوجد أثرياء يممكوف المبلييف ومنيـ
المميارات والبعض القبلئؿ الذيف يممكوف الترليونات .لكف ال يوجد واحد مف أولئؾ األثرياء يبدو أنو
يفعؿ األشياء التي وجب فعميا .يحاولوف شراء الحماية ألنفسيـ ،لكنيـ ال يعرفوف ماذا يفعمونو
باألمواؿ التي يممكونيا .لكف ىناؾ البعض القميؿ الذيف ىـ أكثر حكمة .لكف األكثرية ،خصوصاً
الذيف يقبعوف تحت مستوى القمة بقميؿ ،يبدو أنيـ يواجيوف الصعوبة األكبر .الذيف يقبعوف عمى قمة
الثراء يجدونو أمر مربح أف يمنحو شيئاً مما يممكونو.
كيؼ يمكننا معالجة الموضوع في ىذا الوقت بالتحديد؟ ىؿ مف الممكف لنا التخمص مف ىذه الوسيمة
لمتبادؿ والتي نسمييا الماؿ؟ ىؿ سيكوف العالـ أفضؿ إذا عدنا إلى نظاـ التبادؿ بالسمع؟ الجواب
بسيط جداً ،ال نستطيع العودة إلى تمؾ المرحمة في أي حاؿ مف األحواؿ .طريقة الحياة التي نألفيا
تتغير دوف
في الوقت الحالي ىي مرتبطة جداً بنظاـ الربح المالي بحيث ال يوجد أي طريقة ألف ّ
73
طريقة الحكيم
حصوؿ تغيير كبير وجذري في أمزجة وتوجيات وقناعات الناس .العبلج الوحيد لممسألة المالية
تتمثؿ بالذكاء .ال أقصد بالذكاء ىنا بأنو الميارة والحنكة في التبادؿ التجاري والتعامبلت المالية ،بؿ
الذكاء المتعمؽ بالبصيرة والتفيـ وادراؾ االستخداـ السميـ لما نممكو مف أمواؿ وممتمكات ،أي
استخداميا لمخير األكبر ولمعدد األكثر .ىذه الفرضية ليست ظاىرة في الخاطر حالياً ،رغـ أننا بدأنا
نشعر بجدية بمدى بؤس النظاـ االقتصادي الحالي الذي انفمت مف السيطرة واالنضباط .ىذا النفبلت
مف السيطرة الذي حصؿ لعدد مف األسباب.
إف أساس االستخداـ وسوء االستخداـ يعود إلى وعي الشخص ،والذي لسبب أو آلخر يحوز عمى
ممتمكات وأرزاؽ في ىذه الدنيا .وجب عمى حياتو الداخمية أف تدير عممية استخداـ ما لديو مف
ألوؿ ،أصبحت الفمسفة تمثؿ وسيمة لمتعمـ تتعامؿ بشكؿ رئيسي مع أمبلؾ .بالتالي ،منذ الزمف ا ّ
عممية االستخداـ لؤلشياء ،أي االستخداـ السميـ لما تممكو .ىي تتكمـ عف الطريقة التي تحصؿ مف
خبلليا عمى ما تممكو وكيفية صرؼ ما تممكو لمنفعتؾ ومنفعة اآلخريف .لذلؾ بدأت الفمسفة تخمؽ
في العقؿ نظاـ منضبط حوؿ طريقة مراكمة الممتمكات واألرزاؽ الدنيوية .الشخص الذي يتمتع
ببصيرة فمسفية سميمة يستطيع تنمية طرؽ مختمفة الستخداـ ما يممكو مف أجؿ تقدمو وكذلؾ مف أجؿ
متعتو بنفس الوقت ،وكذلؾ لخدمة اآلخريف .لذلؾ فإف الفمسفة تتعمؽ بعممية التحكـ بكامؿ نظرية
الماؿ .ىذا أحد األسباب التي وجدت الفمسفة مف أجميا .الفمسفة في األساس تمثؿ صمة وصؿ بيف
الديف والعمـ .الفمسفة تربط بيف مثاليات الديف مع المبادئ العممية لمعمـ .لذلؾ ،فإنو عبر الفمسفة
يمكف رفع العمـ مف مستوى جانبو االستغبللي ويمكف تطبيؽ الديف بشكؿ أسيؿ وأكثر مباشرة عمى
المسائؿ العامة لمحياة اليومية .يمكف اعتبار الفيمسوؼ بأنو الوسيط بيف األطراؼ المتناقضة القصوى
لمحياة .مكانتو في مسألة الماؿ ىي واضحة جداً ،أي عميو أف يكوف مدي اًر جيداً لوسائمو المالية
الخاصة .عميو أف يتعمـ كيؼ يستخدـ ما يممكو .إذا لـ يستخدمو جيداً فسوؼ يسيء استخدامو .إذا
لـ يجد الطريقة السميمة لصرؼ ما يممكو فسوؼ يقترؼ األخطاء وبالتالي يساىـ في المزيد مف بؤس
البشرية.
نبدأ مف حقيقة بسيطة جداً ،وىي أف الثروة تمثؿ حالة دنيوية مادية .ليس لدينا أي داللئؿ تشير إلى
أنو خارج الوجود المادي يوجد أي اعتبار واستيعاب لمفيوـ الثروة .ال وجود لمثروة خارج نطاؽ أشياء
تعتبر بأنيا ذات قيمة مالية .في العالـ القديـ كاف الشيء األكثر قيمة مادية ىو الذىب .لذلؾ أصبح
74
طريقة الحكيم
أعمى وسيمة لمتبادؿ التجاري .كافة وسائؿ التبادؿ األخرى مثمتيا المعادف المختمفة ،لكنيا لـ تضاىي
الذىب بقيمتيا .في كافة أمـ األرض المختمفة تـ استخداـ ىذه المعادف المختمفة وتصنيفيا وأصبحت
تمثؿ أساس األنظمة المالية الكبرى.
لدينا اليوـ مشكمة كبيرة .وىذه المشكمة ال تتعمؽ بمسألة العممة النقدية أو أي وسيمة تبادؿ ،بؿ تتعمؽ
بحالة يمكنيا أف تبقى قائمة طالما كاف اإلنساف مستعداً لممخاطرة بكؿ شيء يممكو في لحظة مف
المحظات ومف ثـ يتعرض لئلفبلس خبلؿ شير .إنيا حالة المقامرة المبالغ بيا في الحياة والتي
سببت المشاكؿ والصعوبات الكبرى التي نعانييا اليوـ .أصبح الماؿ اليوـ يمثؿ عبئ ثقيؿ عمينا.
بالتالي وجب إخضاع الموضوع إلى البحث الفمسفي أو دراستو وفؽ األدياف الحكيمة لنستكشؼ لماذا
نحوز عمى الماؿ أصبلً .لمذا الفرد ،الذي مف الواضح أنو سيؿ اإلغواءُ ،منح ىكذا إغواءات أصبلً؟
لماذا تـ تقديـ لنا الخطأ األكبر؟ ىذا الخطأ الذي مف المتوقع منا أف نفيمو ونقوـ بتصحيحو .كيؼ
يحصؿ أف الكائف البشري الذي حياتو الداخمية ىي غير آمنة عمى األغمب ،والذي تكاممو األخبلقي
جيد ،لماذا يتـ تقديـ لو أخطر الظروؼ أو أخطر العوامؿ الموجودة في العالـ ،أي
غير نامي بشكؿ ّ
الثروة؟
الثروة في الحقيقة ليست سيئة ،لكنيا تمثؿ أساس إطبلؽ العناف لمجشع والطمع في الناس .الثروة
ىي شيء يوقض اإلغواء حتى في الوقت الذي يفشؿ أي عامؿ آخر يثير اإلغواء .الثراء يمثؿ شيء
يجعؿ الفرد مستعداً لبيع روحو مقابؿ الحصوؿ عميو .لذلؾ فإف الثراء ىو شيء يصعب جداً مواجيتو
والتعامؿ معو .مرتبط بالثراء أيضاً نجد كافة أنواع التحسينات التي نحتاجيا لتنشيط تكامؿ المجتمع
وسبلمتو .إذا استطعنا عبلج مرض الثراء وحده فنجد أف كافة العمؿ االجتماعية التي نعانييا سوؼ
تختفي بسرعة .قسـ كبير جداً مف الجرائـ يستند عمى الثروة .يستند عمى الرغبة في تأميف وسائؿ
العيش ،إف كاف عف طريؽ الخداع أو السرقة أو أي طريقة ممكنة ،الميـ ىو تأميف تمؾ الوسائؿ
المعيشية بأي طريقة ممكنة.
لدينا إذاً عامؿ مشترؾ جداً .سبب الجريمة والخداع والفقر وكافة أنواع االستغبلؿ واإلساءة لمحياة
البشرية .يمكف لمثراء أف يسيء لمصحة وتدمير اإلجراءات القانونية وافساد كافة المؤسسات التعميمية
والسياسية والصناعية وغيرىا .الثروة ىي سوء االستخداـ األكبر ورغـ ذلؾ فيو يحمؿ في طياتو
75
طريقة الحكيم
76
طريقة الحكيم
وجب االحتفاظ بمبالغ معينة مف الماؿ الستخداميا ليذه الحاالت .لكف في الوقت النفسو ،إذا كاف
النظاـ بالكامؿ يعتمد عمى التبادؿ بدالً مف الربح المالي سوؼ يكوف لدينا نوع مختمؼ تماماً مف
العالـ .اصبح بالتالي ميـ جداً أف نكتشؼ كيؼ نستخدـ ،وليس اساءة استخداـ ،المصادر التي
ُمنحتيا لنا الخبرة .يمكننا أيضاً معرفة أنو إذا أزيؿ الضغط عف ىذه األمور التجارية الحالية فسوؼ
ننجز الكثير لكي نجعؿ األمور أقؿ تعقيداً.
ىا نحف اآلف نعمؿ في مجاؿ التسميح .مميارات الدوالرات تدخؿ شيرياً إلى صناعات األسمحة .لكف
السؤاؿ ىو :ماذا تفعؿ ىذه األسمحة الفتاكة؟ ما الغاية منيا أصبلً؟ األمر بأغمبو عبارة عف طمع
طاغية في أحد البمداف في الحوزة عمى ثروة بمد آخر .كامؿ الحروب تدور حوؿ موضوع الربح
المالي ،أو أي شكؿ آخر مف الكسب ،مثؿ المزيد مف األرض الخصبة أو المحاصيؿ الزراعية أو
الصناعية .كؿ مف ىؤالء الطغاة يطمع في السيطرة عمى ثروة البمد األخرى .ومف خبلؿ السيطرة
عمى ىذه الثروة يكوف قد أخضع البمد اآلخر واستعبده .ىذا الصراع المستمر عمى الثروة سوؼ
يستمر دائماً طالما بقيت الثروة تعتبر آلية مجدية الستعباد فريؽ لفريؽ آخر .طالما بقي باإلمكاف
تقييد الفرد وجعمو فقي اًر ومف ثـ استغبللو ،سوؼ يكوف األمر صعباً لمتخمص مف ىذه المشاكؿ.
عمى الجانب اآلخر ،لدينا فكرة المادة المشتركة لمثروة بحيث عمى الجميع أف يحوز عمى نفس
الكمية .لقد تـ تجربة ىذه الفكرة عممياً (في الدوؿ االشتراكية) لكنيا فشمت ،وذلؾ لسبب آخر
مختمؼ .السبب ى و أف ىذه الطريقة أدت إلى تدمير كافة الدوافع والمبادرات الفردية .الفرد في الحالة
العادية ال يرغب أبداً في أف يكوف مساوياً لغيره .يرغب دائماً أف يكوف أكثر مف غيره ولو بقميؿ .أو
التفوؽ كاف في األساس يعتمد عمى مقياس
يرغب في أف يكوف متفوقاً عمى المحيطيف بو .ىذا ّ
الميارة والحكمة والبصيرة الروحية والشجاعة وغيرىا مف مواصفات نبيمة .لكف في الوقت الحالي
التفوؽ ُيقاس بالثروة فقط .الذي يممؾ أكثر يشعر بأف لديو تفوؽ غريب وخفي عمى اآلخريف،
أصبح ّ
وحتى إف عمـ بذلؾ أـ ال ،فيو يتمقى تممؽ واحتراـ الذيف يممكوف القميؿ مف حولو .ىذه النظرية
بكامميا ىي خاطئة .لكف لسبب الزاؿ مجيوالً مف قبؿ األغمبية ،جئنا إلى ىذا العالـ ،وكاف في
البداية مكاف ممتع وجميؿ ،لكف لسبب ما ،يبدو أننا جئنا إلى ىذا العالـ ولدينا إمكانيات ضمنية
لتدميره .وىذا أمر يبدو غريباً .كيؼ يمكف أف تقوـ األبدية بتجييز المخموؽ بكافة وسائؿ تدميره
جدي لمفرص
الكامؿ؟ أو إذا ال نريد استخداـ مصطمح "التدمير الكامؿ" يمكننا القوؿ إضعاؼ ّ
77
طريقة الحكيم
تقبؿ حقيقة أف مراكمة الممتمكات ىي فكرة خاطئةواالمتيازات .لماذا نأتي إلى ىنا مف دوف إدراؾ أو ّ
أو حتى وىـ فاسد؟ ما الذي سنراكمو خبلؿ وجودنا ىنا؟ إذا راكمنا الكثير مف الممتمكات المادية
فسوؼ نصبح ضحايا لمجريمة مثبلً.
أشارت الفمسفة البوذية إلى ىذه المسألة بشكؿ واضح جداً .وال أعتقد بأف أحد منح ىذه الفكرة التالية
أي اىتماـ أو تفكير عميؽ .كاف بوذا مقتنع جداً بحقيقة أنو طالما كاف الفرد يعتقد بأف الثروة تمثؿ
القوة واألماف في كافة المجاالت ،فيذا يجعمو في مشكمة كبيرة .أشار بوذا بوضوح إلى أنو ليس ىناؾ
مخوؿ فقط لذلؾ الذي ىو ضروري سبلـ وال اكتفاء مف خبلؿ مراكمة الممتمكات الدنيوية .الفرد ىو ّ
مخوؿ تمؾ النعـ ووسائؿ الترؼ البسيطة والتي تجعؿ حياتو أكثر أماناً .لديو طباع معتدلة
لو .ىو ّ
مخوؿ بيا .لكف ماوراء ذلؾ نجده طموحاً ،وكمما زاد طموحو نجد أف شخص آخر ُحرـ
متنوعة ىو ّ
مف سبيؿ لمعيش أو سبب لمرزؽ .ىذه المعادلة ثابتة وال يمكف أف تتجمى بأي طريقة أخرى .كؿ
اختراع جديد سوؼ يؤدي حتماً إلى حصوؿ بطالة في مكاف ما .بينما ىذه الفرضية الزالت تخضع
لجداؿ كبير إال أف الحقيقة تبقى قائمة ،االختراعات وبعض الميارات األخرى سوؼ تأخذ الكثير مف
حساب التوظيؼ والعمالة في كافة أنحاء العالـ .الزلنا في مرحمة انتقالية حيث سوؼ يبقى لمعمالة
بعض مف الوقت لتبقى قائمة .لكف في النياية سوؼ نصاب جميعاً بالعطالة عف العمؿ بسبب
تعوض عف العمالة البشرية ،وبيذه الطريقة سوؼ نواجو مستقبؿ غامض ومجيوؿ. االختراعات التي ّ
جيد إذا حضينا بعطالة عف العمؿ .." ،ربما نكوف أكثر سعادة إذا لـ يكف
قد يقوؿ البعض أنو ألمر ّ
ىناؾ عمؿ أصبلً .ربما عمينا العودة إلى تمؾ األياـ األولى حيث كاف اإلنساف البدائي يقطؼ طعامو
مف الشجرة مباشرة ."..ربما ىكذا وجب أف تكوف األمور .لكف إذا راقبنا الموضوع بحذر سوؼ
نكتشؼ بأف الذي ال يعمموف ليسو سعداء كما الذيف يعمموف .نكتشؼ بأف الفرد الذي غير ممتزـ بأي
معيف يكوف غالباً في حالة بائسة ُيرثى ليا.
مسؤولية أو وظيفة أو عمؿ ّ
الطريقة الوحيدة التي تتمكف مف خبلليا مف التوقؼ عف العمؿ وتستمر في العيش محافظاً عمى
توجو الطاقة لديؾ .بدالً مف الخروج إلى العمؿ يومياً سوؼ يتوفر لديؾ الكثير مف
بقائؾ ىي تغيير ّ
الوقت الفراغ ،ووجب استخداـ ىذا الوقت الفراغ لمغاية التي ُمنحنا مف أجميا الوقت أصبلً ،وىو
السعي إلى النمو .الوقت ىو ليس شيء وجب استنزافو ىباء .الوقت ىو ليس شيء يمكف تجاىمو
واىمالو في أوقات البلمباالة .إف ترؾ العمؿ ومف ثـ قضاء كامؿ الوقت في مشاىدة برامج التمفزيوف
78
طريقة الحكيم
ىو عمؿ غير مجدي .في الحقيقة ،كمما قمّت فترة التزامنا بالعمؿ وجب أف نعوضو مف خبلؿ البحث
في مصادرنا الباطنية.
السبب الذي يجعؿ الطبيعة تنتج تدريجياً وببطء حالة مف الوفرة المعينة ىو أف المخموقات لدييا شيئاً
لتفعمو بحيث وجب أف يفوؽ مستوى صراعيا لمبقاء أو المحافظة عمى الذات .ىذا األمر ينطبؽ
أيضاً عمى الثروة المعتدلة .ألف الثروة توفر لمفرد فرصة لمدراسة واتقاف الفنوف وفعؿ كافة أنواع
النشاطات المفيدة .لكف كمما زاد ثراء الفرد يق ّؿ نشاطو في ىذا التوجو ،ألنو لـ يعد مضط اًر إلى القياـ
بذلؾ .لذلؾ فإنو ضرورياً أف ينتج مف استبداؿ العمؿ شيئاً ذو قيمة أو لو أىمية بالنسبة لنمونا
وتقدمنا الباطني .عمى كؿ شخص عاطؿ أو غير مشغوؿ أف يجد شيئاً يعممو بحيث يساىـ في
تطوير حياتو الداخمية .عميو أف ينمو ككائف بشري حقيقي .عندما كاف اإلنساف مستعبداً في إحدى
العصور المظممة وكاف عميو العمؿ سبعة أياـ في األسبوع وأربعة عشر ساعة في اليوـ لكي يتمكف
مف أكؿ طعامو ،كاف لديو في حينيا فرصة قميمة جداً لمتفكير .لكف رغـ ذلؾ فإف بعض أجمؿ
األفكار في العالـ جاءت مف تمؾ الفترة المظممة مف تاريخ اإلنساف .لكف متما كاف ىناؾ فرصة
لرخاءه بحيث أصبح العمؿ أقؿ ضغطاً حيث توفر الكثير مف وقت الفراغ بالمقارنة مع الفترات
السابقة ،حيث صا ر لئلنساف الكثير مف وقت الفراغ ليفعؿ أي شيء يريده ،يكوف الوقت قد حاف ألف
يفعؿ الفرد ما ىو مفروض عميو فعمو .ومف خبلؿ فعمو األمر بيذه الطريقة سوؼ يتمكف تدريجياً مف
التحكـ بالشطط والفساد الذي أثقؿ حياتو.
إذا اعتدؿ الشخص في اىتماماتو وأدرؾ حقيقة أف تنمية حياتو الداخمية ىي أكثر أىمية مف تجميع
ومراكمة كمية ىائمة مف األشياء المادية عديمة النفع ،إذا أدرؾ ىذه الحقيقة فسوؼ يخؼ جزء كبير
مف الضغط عمى االقتصاد العالمي .إنو ىذا التيور والمغاالة المستمرة والسباؽ المحموـ لمنيؿ والربح
ىي التي تبقينا دائماً عمى نار حامية .ىذا ىو السبب الذي يجعؿ التاجر غير شريؼ .كؿ ىذه
العوامؿ تقوؿ لنا ببساطة بأف العبلج الشافي لبلعتقاد الخاطئ الذي يزعـ بأف الثراء ىو األماف
بعينو ،ىو أف نكتشؼ تدريجياً بأف األثرياء ىـ مف بيف الكائنات البشرية األقؿ أماناً .األماف الحقيقي
يكمف في انتصار الذات عمى الظروؼ الدنيوية .ىذا االنتصار يبرز مف كوف الفرد أصبح راضي ًا
ومكتفياً بحاجاتو الشخصية فقط ،والتي تشمؿ كؿ مجاؿ مف مجاالت وجوده .ىذا ال يعني أف عميو
االستقرار والسكوف ويصبح محاضر مم ّؿ عف موضوع العفة والزىد أو غيرىا مف مواضيع ليا صمة.
79
طريقة الحكيم
الحقيقة ىي أف أغمب المشاكؿ أو المواضيع التي تولّد فينا السعادة ىي تمؾ التي ليست ذات قيمة
مادياً ،بؿ تـ استغبلليا بطريقة أو بأخرى .فمثبلً ،إذا رغبنا اليوـ أف نذىب في رحمة إلى موقع بحري
أو صحراوي قاحؿ أو غابة ،عمينا أف ندفع ألحدىـ الماؿ مقابؿ سماحو لنا بالدخوؿ إلى ذلؾ الموقع
وقضاء بعض الوقت .ىذا ال يعني أف البحر أو الصحراء أو الغابة ىي التي تطالب بثمف الدخوؿ
بؿ ألف أحد األشخاص وجد طريقة لكسب الماؿ بيذه الطريقة .ىذا يجعؿ الوضع سيء لدرجة كبيرة،
ألنو يساىـ في تدمير القيـ الحقيقية لمحياة .في القرف الماضي وحده ،تـ استغبلؿ كؿ مجاؿ ثقافي أو
ترفييي بيذه الطريقة ،فقط مف أجؿ الكسب المالي .كؿ نشاط يمكف لمفرد القياـ بو مف أجؿ جعمو
شخص أفضؿ ،شخص واعي ومتف ّكر ،إما تـ إلغائو كمياً مف الوجود أو تـ إخضاعو لمنظومة ربح
مالي ،فتحولت كؿ مف ىذه الفرص المجانية إلى عبئ مالي ثقيؿ.
سقطت المسارح في شباؾ المنظومة االقتصادية التي تستيدؼ الربح فقط وليس التثقيؼ والتنمية
الفكرية .المكتبات أنحت جانباً الكتب الثقافية العظيمة ،ألنيا غير مربحة مادياً وليس عمييا طمب،
وراحت تعرض الكتب التي ليس ليا أي عبلقة بتطوير الشخصية اإلنسانية المثالية .حتى المدارس
لـ تعد تعمـ الحقائؽ الصحيحة .المؤسسات الدينية (في كافة األدياف) أصبحت تيتـ في بناء أماكف
عبادة ضخمة وعديدة ولـ يعد لدييا الوقت الكافي لتصحيح اإلنساف وارشاده بشكؿ صحيح أو
الكشؼ لو عف مكامف الخطأ في حياتو الشخصية .إذا كشؼ الموظؼ لسيد العمؿ عف رأيو الحقيقي
بو فسوؼ يفقد عممو .عمى الجميع أف يمعبوا لعبة الخداع ىذه لكي تسير االمور بشكؿ جيد ورتيب.
إنيا نوع مف النفاؽ الذي يستيدؼ المحافظة عمى الوضع الراىف ميما كاف لئيـ وبشع .وجب عمى
كؿ ىذا أف يتوقؼ ويزوؿ .ىو يزوؿ في بعض األماكف مف ىذه المنظومة العصرية .بعض البمداف
لـ تدخؿ بعد في ىذه الدوامة العصرية المنافقة .رغـ أنيا قميمة جداً لكنيا محظوظة بالفعؿ .نأمؿ أف
ال تنجرؼ مع التيار وتدخؿ في ىذه الدوامة التي ابتمعت كافة األمـ عمى وجو األرض.
القوى العالمية تواجو اليوـ مسؤوليات وأعباء تعتبر األثقؿ عبر التاريخ البشري .ىذه المسؤوليات
مكرسة لتحقيؽ غايات
الكبيرة ىي نتيجة قروف طويمة مف التفكير الخاطء .قروف طويمة كانت ّ
خاطئة .آالؼ مف السنيف الماضية تـ فييا السماح بسيادة الطغياف والتسمّط ،والسيطرة عمى عبلقة
البشرية فيما بينيا .وجب فعؿ شيء حياؿ ىذه األمور .وبالنسبة لمشخص العادي ال يوجد سوى
طريقة واحدة فقط ،وىو أف يقوـ بيذه الميمة بنفسو .لتفترض أنؾ حاولت أف تصيغ لنفسؾ نمط جيد
83
طريقة الحكيم
لمحياة ،ىؿ سوؼ تدخؿ في ىذا النمط الجديد كامؿ أصدقائؾ؟ ىؿ ستكوف أنت مف لف يدعمونو؟
ىؿ ستكوف الشخص الذي عميو أف يتنازؿ مف موقع مزدىر إلى موقع أدنى مستوى وربما ينتيي بؾ
األمر في القاع؟ ال طبعاً ،ألنو ليس ىكذا ىي النية مف البداية .الحياة الداخمية لمفرد ىي ممكاً
حصرياً لو .يستطيع فعؿ ما يشاء بيا .إذا أراد أف يكوف شريفاً فيستطيع ذلؾ .ولحسف الحظ ،في
معظـ الحاالت ،فإف قدر معقوؿ مف التكامؿ األخبلقي محبب ومقبوؿ مف قبؿ الجميع .الفرد الذي ال
يكوف مربوطاً ببرنامج مالي متقف ومدروس سيكوف لديو فرصة أكبر ألف يكوف صادقاً ،ألنو لف
يخاؼ مف فقداف شيء لـ يممكو أبداً .لكف إذا بنى لنفسو منظومة مالية كبيرة ثـ يحاوؿ أف يكوف
مصمحاً فسوؼ يواجو فقداف كؿ ما بناه.
سأؿ أحدىـ يوماً ،ما ىي قيمة اإلنساف إذا خسر كؿ شيء يممكو؟ الجواب ىو بسيط :ربما أكثر مما
كاف عميو سابقاً .ألنو بعد فقدانو األمواؿ تعمـ درساً كبي اًر ،ومف ىنا جاءت المكافأة .اإلنساف يكوف
أفضؿ بكثير إذا فقد ما يممكو ،بدالً مف إفساد وتشويو ما ىو عميو خبلؿ حوزتو عمى ما يممكو .نحف
نعيش في عالـ مف المساومة واإلفساد وما يجمب ذلؾ معو مف جرائـ وكافة أنواع اإلرىاب وغيرىا
مف شرور تخطر في الباؿ .وجميعيا تمثؿ صرح كبير يمثؿ دليؿ عمى توجو خاطئ في الحياة .حتى
اليوـ ،إذا بدأت تتكمـ بجدية عف الديف فسوؼ تواجو آراء منقسمة جداً حوؿ ىذا الموضوع .معظـ
الناس ال يميموف أبداً إلى منح الديف ما يستحقو مف قيمة واىتماـ .ذلؾ ألف معظـ ،أو كؿ،
المؤسسات الدينية لـ تستعرض بعد أي أمثمة مناسبة لبث الثقة واالطمئناف في قموب أتباعيا .في
الحقيقة ،فإف المشكمة الحقيقية تكمف في أنو عمينا االجتياد إلدراؾ واقعية عمؿ القانوف الكوني .عمينا
أف ندرؾ بأنو با لرغـ مما نفكر بو أو نعتقده أو نريد معرفتو ،فإننا وسط كوف تكوف القيـ فيو غير
موضوعة مف قبؿ اإلنساف .والنجاح ليس مقاساً وفؽ صيغة األمبلؾ المادية .ليس ىناؾ أي قيمة
لكـ مف األمواؿ يممكيا الفرد ،حيث إذا مرض الرجؿ الثري فسوؼ تكوف حالتو مزرية كما حالة
الفقير المريض .واذا ترؾ الغني ثروتو خمفو عند موتو فإنو بذلؾ يجمب المشاكؿ والمسؤوليات
والفقداف لورثتو مف بعده.
بالتالي فعمى بداية عممية التصحيح أف تكوف السعي إلى إدراؾ القيمة داخؿ أنفسنا وليس في الخارج.
عمينا أف نكوف مكتفيف وراضيف بوضع اقتصادي معقوؿ .إذا كاف لدينا عمؿ أو وظيفة جيدة ،تنتج
لنا دخؿ كافي بحيث نعيش باكتفاء وىناء ،ويمكف لممدخوؿ أف يسمح لنا التمتع بالرخاء المقبوؿ
81
طريقة الحكيم
تصور
ّ والمنطقي ،حينيا سوؼ نعتبر أنفسنا أكثر الناس نجاحاً في العالـ .لكف عندما ال نطيؽ
أنفسنا محروميف مف يخت أو سيارة فاخرة فيمكف حينيا اعتبار أنفسنا فاشميف منذ البداية .ألنو ميما
حصؿ ،فإف الشيوات الداخمية لدينا قد أفسدت .الفرد الذي ينظر إلى األمور مف الزاوية الصحيحة
سوؼ يعجز عف االكتفاء والرضى إال إذا بدأ بالنمو الداخمي .يعرؼ بأف عميو إيجاد تقدمو مف خبلؿ
إنجاز القيـ األكبر في حياتو .الشخص الذي يريد فعبلً أف ينمو يبحث عف عمؽ نظر أفضؿ ،بينما
الشخص الذي ال يأبو بالنمو سوؼ يبحث عف المزيد مف الكسب المادي واالرتقاء الدنيوي.
األمبلؾ الدنيوية لدييا مشكمة أخرى مربوطة بيا .الشخص العادي ليس مجيّز جيداً الستبصار
مستقبمو المتجاوز لحياتو الحالية .نحف لسنا واثقيف جداً باألمر ،وكؿ منا لديو قناعاتو المختمفة
بخصوص الموضوع .بعضيا قد يكوف صحيحاً لكف أي منيا ىو كذلؾ؟ ليس مف الضروري أف
الجميع لدييـ المعتقدات الصحيحة .عندما يموت الرجؿ الثري سوؼ يواجو مشكمة ما .قيؿ في أحد
الكتب المقدسة بأف دخوؿ الرجؿ الثري إلى الجنة يكوف أكثر صعوبة مف إمكانية مروره عبر ثقب
اإلبرة .ىذه إحدى األفكار التي تجعمنا نستنتج بأف الثراء قد يمثؿ أكبر ضرر خبلؿ الحياة بعد
الموت .األمر ذاتو نجده في األساطير القديمة ،حيث في الحياة ما بعد الموت كانت المكافئة تُمنح
لمذيف عاشوا حياة صالحة وليس لمذيف كاف لدييـ ممتمكات أكثر .ليس ىناؾ أي مرجع يشير إلى
وجود شخص اشترى خبلصو بمالو في الحياة األخرى .قد يكوف الرجؿ الثري تبرع ببناء كاتدرائية أو
جامع عمى حسابو الخاص ،في الوقت الذي تكوف فيو حياتو اليومية منحرفة وفاسدة ،فيو بذلؾ لـ
يشتري الخبلص بمالو الخاص ،بؿ كؿ ما فعمو ىو شراء رضى المحيطيف بو.
المشكمة الفعمية بالتالي ىي :ما ىو المدى الفعمي لموجود البشري؟ لنفترض بأننا كائنات أبدية،
ول نفترض بأنو في إحدى الحيوات السابقة اقترفنا الكثير مف األخطاء ،حيث قمنا بخداع الناس
وأذيناىـ بأكثر مف طريقة ،كما قمنا بالكثير مف األمور الفاسدة األخرى ،ثـ اكتسبنا بعدىا ثروة كبيرة
وتركناىا في النياية كميراث ألوالدنا ،ما ىو تقييـ ىذا األمر وفؽ منظور التكامؿ الروحي لئلنساف؟
أيف ىو ذاىب بعد موتو؟ الجواب ىو بسيط :ىو ذاىب إلى مكاف ليس فيو أي قيمة لممتمكات التي
اقترؼ الكثير مف الخطايا في سبيؿ كسبيا وجمعيا .ىو ذاىب إلى مكاف ال وجود فيو لمثراء والماؿ.
ىو ذاىب إلى مكاف محكوـ حص اًر بالتكامؿ األخبلقي .لكف سوؼ يبدو بأف ىذا ليس المكاف
المناسب لشخص مغضوب عميو ويناؿ العقاب عمى افعالو بعد الموت .لكف ميما كاف األمر ،فبل
82
طريقة الحكيم
بد مف أف يكوف مكاف مخصص إلكماؿ األعماؿ غير المنتيية أو غير المكممة بعد ،حيث الفرد
الذي لـ يواجو سابقاً تحدي كمالو األخبلقي سوؼ ُيمنح بالتالي اختبار إضافي بخصوص ىذا
الموضوع .ومف الممكف األخذ بوجية النظر البوذية والتي تتحدث عف الكثير مف أولئؾ الذيف يأتوف
إلى العالـ ويواجيوف كافة أنواع المآسي االقتصادية والمالية ىـ ببساطة يدفعوف ديوف متراكمة عمييـ
وتعود لحياة سابقة قاموا خبلليا بأفعاؿ تستحؽ ىذا المصير.
بالتالي إذا أردنا أف نكوف مواطنيف منتميف لمعالـ األكبر ،إذا أردنا أف نكوف جزءاً مف برنامج كوني
عظيـ مف التكامؿ األخبلقي ،أفضؿ طريقة لفعؿ ذلؾ ىي البدء مف اآلف .إذا كؿ فرد حصؿ عمى
ما يكفيو لكي يكوف ىادئ وبسيط وصالح ،بينما الذيف لدييـ أكثر يسعوف بمشاركة المزيد الذي لدييـ
مع اآلخريف لكف وفؽ طريقة معقولة وممكنة ،والجميع يوجو اىتمامو إلى تنمية النفس واالرتقاء
الروحي ،ربما نحظى في النياية بعالـ بحيث يعود فيو الرمز المالي إلى مكانتو الصحيحة والسميمة.
ال يبدو أنو ضروري لكي نصنع مف المنظومة المالية وحش خطير كما ىي عميو اليوـ .ال يبدو أنو
ضروري أف نأتي بأشخاص عديمي القيمة والنفع ثـ نعطييـ ثروات مالية ىائمة .ليس منطقياً أف
يعمؿ الفرد في ىذا العالـ فقط مف أجؿ الماؿ .ليس منطقياً أف نرى شخص يقبض راتب سنوي يبمغ
مميوف دوالر ثـ نراه مستاء ألف مشغميو لـ يعطوه مميوف آخر كترقية عمى جيوده ،مع أنو ال ينتج
شيء وال يفيد عممو بشيء .دائماً نرى أف الثروة المالية الكبرى تذىب إلى أيادي أشخاص غير
موىوبيف بقدرات مميزة وال معمؽ عمييـ آماؿ كبيرة .كؿ ىذا يمثؿ جزء مف منظومة خيالية ،جزء مف
وىـ كبير فحواه االستغبلؿ المادي .لذلؾ نحف نتقدـ تدريجي ًا في ىذا السبيؿ حتى نصؿ إلى وقت لـ
يعد ىناؾ أمواؿ لدفع رواتب ألي أحد .ىذا كمو خاطئ وال يبدو ضرورياً .مف المفروض أف
حضارتنا العصرية نشأت لتصحيح أخطاء وانحرافات وخطايا الماضي .لكف تبيف أننا بالرغـ مف
عيشنا اليوـ بطريقة أكثر رخاء مف الماضي لكف اإلنساف في الماضي رغـ حياتو البائسة كاف أكثر
شرفاً ونببلً وصدؽ.
ىا نحف اآلف نسيء معاممة العالـ بأسره ،بما فيو مف طبيعة وبيئة ومخموقات .لكف ىناؾ جانب آخر
ليذه المسألة والتي لـ ننتبو لو .بدأنا ندرؾ تدريجياً بأنو في ىذا العالـ تكوف األخطاء مستحيمة البقاء
واالستمرار .بدأنا يوـ بعد يوـ وفي كافة المجاالت نكتشؼ أكثر عواقب األخطاء التي نقترفيا .بدأنا
ندرؾ تدريجياً بأننا ندمر األماف الذي نكافح أصبلً إلى صيانتو .وأنو خبلؿ عممية االستغبلؿ المطمؽ
83
طريقة الحكيم
لبعضنا البعض فإننا نفقد الحؽ اإلليي باألماف واالرتقاء ،وأنو ىناؾ في مكاف ما يوجد قوة قادرة
عمى معاقبة ىذا الوضع عند الضرورة ،وسوؼ تفعؿ ذلؾ حتماً .تمؾ القوة قامت بتدمير الحضارات
السابقة ،الواحدة تمو األخرى ،كعقوبة عمى انحرافيا وفسادىا .إذا لـ ني ّذب سموكنا بشكؿ أفضؿ ،أق ّؿ
ما سنواجيو ىو انييار نظامنا االقتصادي .لكف ليس ضرورياً أف ينيار ،بؿ ما ىو ضروري ىو
إعادة تشكيمو وصياغتو بطريقة أكثر عقبلنية ،بحيث تعود الغاية منو إلى ما كاف متوقعاً منيا في
البداية .أي تعود لتكوف الوسيمة التي تمكف الكائف البشري عبرىا مف التمتع بالنمو والتقدـ وحسف
التعميـ وحسف الصحة وكؿ شيء آخر نحتاجو في عيشنا وىذا بالضبط ما توفره الطبيعة بوفرة.
مف الصعب جداً احتراـ الكبلـ السابؽ باالعتماد عمى طريقة تفكيرنا الحالية .نحف حالياً مشغوليف
بالتفكير بكؿ ىذا االستغبلؿ الحاصؿ اليوـ .ىو يأتينا بييئة الجريمة األخبلقية أو الجريمة الدموية أو
اإلرىاب عمى أنواعو أو المخدرات وكافة تمؾ األشياء الشريرة .اإلرىابي يكوف دائماً مأجور أو مرتزؽ
يمثؿ وسيمة لتحقيؽ غايات سياسية ،بينما تجارة المخدرات تمثؿ مجاؿ تجاري مربح جداً .العصابات
والمافيات في كؿ مكاف ويعشعشوف في كؿ مجاؿ ،يسرقوف الثروة ويستنزفونيا .كؿ شيء يسعى وراء
الثروة .وخبلؿ السعي إلى حيازتيا تنشب الحروب تمو الحروب بحيث يموت األبرياء أو يعانوف
بالمبلييف .عمينا بالتالي السيطرة عمى ىذا الوضع المزري .وذلؾ مف خبلؿ اإلدراؾ الكامؿ بأف نظاـ
ضيؽ مف الربح .لف يسمح لنا بفعؿالربح كما نعرفو اآلف ال يمكنو العمؿ بشكؿ بناء إال وفؽ ىامش ّ
تمؾ األشياء الغير عقبلنية والغير قابمة لبلستيعاب .لف تجعمو عممياً بالنسبة لنا اإلستمرار في
تضخيـ القيمة المالية وتقزيـ التكامؿ األخبلقي .لدينا إذاً ىذه المسألة لمعمؿ عمييا .عمينا التسميـ بأف
الثروة المالية تمثؿ المصدر الرئيسي لمعظـ الشرور .لكف إذا تـ استخدامو بشكؿ سميـ يمكنو أف
يكوف وسيمة تبادؿ بحيث يمكننا مف خبللو ربط العالـ بأسره مع بعضو البعض وتشكيؿ مجموعة
موحدة .نستطيع مشاركة كافة بضاعتنا عف طريؽ الرموز ،أي الماؿ .يمكننا الربح مف أحدىـ
دولية ّ
ونعطي اآلخر ،مف دوف حمؿ كامؿ الشحنة معنا .نستطيع إيجاد طرؽ مختمفة لتحسيف الحياة،
يمكننا تعزيز المجاؿ التعميمي ،يمكننا تعميؽ الديف أكثر ،كؿ ذلؾ ممكف مف خبلؿ االستخداـ السميـ
لممصادر التي نحوزىا .لكف طالما بقيت ىذه المصادر مكرسة بشكؿ كبير الستدامة اإلفراط
والمبالغة وعدـ االعتداؿ وكذلؾ الغباء الفعمي ،سوؼ لف يكوف حينيا سيبلً إنشاء عالـ سعيد.
84
طريقة الحكيم
أعتقد بأنو لو بدأنا التفكير بيذه األمور قميبلً .أي عندما نخرج لنشتري ،عمينا التوقؼ ونفكر لمحظة
بالقيـ المتعمقة في الموضوع .أي وجب أف ال نخرج مف أجؿ صرؼ الماؿ ىكذا ببساطة .أي إذا
مسعرة بشكؿ مرتفع كؿ ما عمينا فعمو ىو عدـ شراءىا .إذا دعينا لشراء شيء ضار
رأينا أف األشياء ّ
أو مسيء لمخير العاـ ،عمينا ببساطة أف ال نشتريو .عندما يتـ رفع األسعار بشكؿ خاطئ ،كؿ ما
عمينا فعمو ىو عدـ الشراء بيذه األسعار المرتفعة .خبلؿ وقت قصير سوؼ ينجح ىذا التعامؿ الذكي
مع األسواؽ بالخروج بنتائج مذىمة .ليس ىناؾ أي شؾ في أنو حتى الوسط الترفييي في ىذا العالـ
سوؼ يخضع لمتغيير الكامؿ ،ىذا إذا طمب الفرد ذلؾ .يمكننا الحصوؿ عمى أي ترفيو نريده ،وذلؾ
مف خبلؿ رفض النوع الخاطئ مف الترفيو .يمكننا الحصوؿ عمى المنيج التعميمي الذي نريده ،إذا
قررنا عدـ إرساؿ أطفالنا إلى المدارس غير المجدية .يمكننا الحصوؿ عمى نوعية الوظائؼ التي
نريدىا ،ىذا إذا آمنا بتوظيؼ الناس عمى أسس منطقية والمرابح يتـ توزيعيا بالتساوي بيف األشخاص
الذيف يستحقونيا .كؿ ىذه األمور يمكف فعميا ،لكف وجب أوالً أف يتـ المطالبة بيا.
القرار الكبير يتـ أحياناً عمى الشكؿ التالي :ىؿ أريد فعبلً مف العالـ أف يكبر وينمو؟ أو عمي شراء
ىذه الفيبل الجميمة في األسبوع القادـ والتي ثمنيا ثبلث مئة وخمسيف ألؼ دوالر؟ مع أنؾ لو وقفت
عمى نفس قطعة األرض التي بنيت عمييا الفيبل قبؿ ثبلثيف سنة لكنت اشتريتيا بمبمغ ال يزيد عف
التضخـ اليائؿ في األسعار يمثؿ مشكمة حقيقية .السيارات الفخمة التي ثمنيا
ّ خمسيف دوالر .كؿ ىذا
خمسيف أو مئة ألؼ دوالر ىي نادرة اليوـ لدرحة أنو عميؾ طمبيا قبؿ شير لكي تحجز واحدة لؾ.
كؿ ىذه األعماؿ ىي غبية وتنتمي لنوع مف الثراء المغ ّفؿ الذي يتجو حتماً إلى اإلفبلس .وىو
يستحؽ ىذا المصير بالفعؿ .لكف عمى الجانب اآلخر ،إذا حصمنا عمى ما نريده وما نحتاجو وكنا
مبتيجيف بذلؾ ،ونستخدـ ضبط النفس بشكؿ منطقي وعقبلني ،سوؼ نكتشؼ خبلؿ وقت قصير بأف
أموالنا سوؼ تزيد بشكؿ معتدؿ ،وسوؼ نتمكف مف التمتع بالرخاء المعقوؿ الذي يستحقو األنساف
العادي .ليس ىناؾ سبب يجعؿ السعادة تعتمد كمياً عمى تناوؿ المشروبات الكحولية .ليس ىناؾ
سبب يجعمنا عاجزيف عف العيش دوف القياـ برحمة مبذرة تستنزؼ أموالنا بشكؿ كبير .ىذه األمور
ىي سخيفة بكؿ بساطة .لكف الناس ال يصدقوف مدى سخافة األمر.
نحف نعيش في رحاب كوف فحواه األخبلؽ .نحف نعيش في نوع مف العالـ الذي يستحيؿ أف يدوـ فيو
الغباء .وجب أف نعتمد عمى التكامؿ األخبلقي .ال يوجد أحد ىناؾ في مكاف ما يحمؿ عصى
85
طريقة الحكيم
ويأمرنا بأف ال نفعؿ الخطايا .زوايا عالمنا ليست محتمة مف قبؿ حراس مدججيف بالسبلح ،وال أف
شوارع المدف يجوبيا المبلئكة والشياطيف ،لكف الحقيقة ىي أف القوانيف الفعمية التي تحمي مجرى
األمور ىي راسخة وصمبة وثابتة .يكوف األمر دائما وفؽ المعادلة المشيورة .." :سوؼ تحصد ما
زرعتو ."..وكذلؾ المعادلة التالية .." :كؿ فعؿ لو رد فعؿ ..وكؿ سبب لو نتيجة متساوية معو."..
اإلسراؼ والتبذير يجمباف معيما دائماً الفقر والعوز .الحرب تجمب معيا دائماً البؤس والمأساة .كؿ
ىذه المسببات ونتائجيا ثابتة .لـ يستثنى أحد مف ىذه المعادالت بعد .ومف المؤ ّكد أنو لف يحصؿ
أي استثناء أبداً .الطريقة الوحيد التي يمكنؾ تجنب ىذه الدورات الثابتة ىي النمو فوقيا .والطريقة
الوحيدة لمنمو فوقيا ىي العيش أعمى منيا .الفرد الذي يرتقي فوؽ سموؾ معيف يذكرنا بالتعريؼ الذي
وضعو الفيمسوؼ الصيني "كونفوشيوس" عف الرجؿ السامي .قاؿ بأف الرجؿ السامي ىو الذي يرتقي
فوؽ الفعؿ الوضيع .الرجؿ السامي لف يساوـ عمى ىذا العمؿ ميما كانت الظروؼ .ىو قد يعاني إذا
متحضر وأكثر تنظيماً.
ّ اضطر األمر ،وذلؾ في سبيؿ دفاعو عف حقوؽ اآلخريف والعيش في وجود
ّ
عمينا إذاً التفكير بمسألة الماؿ ىذه ألنيا تمثؿ أمر غاوي .الماؿ يمثؿ الرمز الرائع ،النزوة األعظـ،
الوىـ المذىؿ الذي نحف جميعاً مسحوريف بو وتـ إغوائنا بحيث نكوف مستعديف لتدمير كؿ شيء ميـ
مف أجمو .إنو ىذا الوىـ الذي يفسد أوالدنا .إنو ىذا الوىـ الذي يجذب االنتقاد إلى األنظمة في كافة
أنحاء العالـ .يمكف اختصار كامؿ المشكمة في فكرة واحدة ،وىي أنو لسبب ما مجيوؿ ،اجتمع سبعة
مميارات مف البشر لكي يقترفوا نفس األخطاء ويقعوا بنفس اليفوات ويعانوا مف نفس المآسي
واألحزاف .كؿ ىذا دوف أي سبب مجدي يستحؽ العناء .الوحيدوف الذيف ىـ متحرروف مف ىذا كمو
ويمكننا إيجاد بعض مف السعادة متبقية لدييـ ىـ السكاف البدائييف القابعوف في المناطؽ النائية مثؿ
الجزر والغابات .ىـ لـ يعمقوا في ىذا النظاـ المالي المتوحش بعد ،لكنيـ في النياية ال بد مف أف
يعمقوا بعد أف تجذبيـ إغراءاتو واغواءاتو الساحرة .حينيا سوؼ يحتفؿ أفراد المنظمات اإلنسانية
المختمفة بأننا قضينا عمى األمية والتخمؼ في كافة أنحاء العالـ! ىذا التحرر مف األمية الذي لـ
المزور .كؿ الناس
ّ يساىـ أبداً في زيادة الوعي والذكاء الحقيقي .قريباً سوؼ نجد انتشار واسع لمتقدـ
سوؼ يتكمموف عف أحواض االستحماـ (البانيو) في منازليـ .سوؼ يتكمموف عف وسائؿ التدفئة
الحديثة التي تعمؿ عمى الوقود .يا لو مف عالـ سطحي وسخيؼ .رغـ كؿ ىذه البيرجة المبالغة حوؿ
التطور المزور لئلنساف ،المشكمة الكبرى سوؼ تبقى قائمة ،عمى ىذا العالـ أف يتعمـ كيؼ يعيش
ّ
بشكؿ صائب وسميـ .عميو أف يتعمـ كيؼ يحافظ عمى السبلـ .عميو أف يتعمـ كيؼ يتجنب كؿ تمؾ
86
طريقة الحكيم
اإلغراءات واإلغواءات التي تقود في النياية إلى الطغياف واإلرىاب .كؿ مف ىذه اإلغراءات مدعوـ
مف قبؿ المفيوـ المالي .مدعوـ بمفيوـ الثروة .كيؼ تحصؿ عمييا وتحتفظ بيا أو تيبشيا مف
شخص آخر .ىذا النوع مف األمور لف ينتج منو أي سبلـ وال أماف لمناس وال يساعد أطفالنا عمى
النمو ليصبحوا أشخاص شرفاء ،لف يخمصنا مف اإلدماف أو الجريمة .كؿ ىذه األمور السابقة ىي
مرتبطة اليوـ وبشكؿ مباشر بسعي أحدىـ إلحراز الربح المالي .وذلؾ الشخص يمجأ إلى وسائؿ
فاسدة خبلؿ سعيو لكسب الماؿ ،وذلؾ لزيادة ثروتو أو ثروة مجموعتو.
ليس ىناؾ فائدة مف الخروج والصراع حوؿ األمر ،ألنؾ ال تستطيع محاربة األغمبية بنجاح .لكف
أنت لست مضطر إلى االلتحاؽ بيـ .تستطيع أف تفعؿ ما تؤمف بأنو األفضؿ لؾ ،وتكتفي بما ىو
متوفر لؾ إذا كنت شخص شريؼ ونواياؾ حسنة .إذا كنا نؤمف باإللو األعمى يمكننا أف نسأؿ منو
التأمؿ لنيؿ الشجاعة والقوة لكي نستطيع العيش بطريقة صائبة وسميمة .يمكننا عبر الصبلة أو ّ
االستجداء لمقوة األبدية أف تمنحنا القوة لكي نحافظ عمى بقاءنا ونحف ممثميف لذاتنا الحقيقية .واذا
فعمنا ذلؾ ،ىذه القوة األبدية سوؼ تتجمى بداخؿ أنفسنا ،وعندما ننادي أفضؿ جانب مف أنفسنا
فسوؼ يمبي النداء .لكف عندما ننادي ما بداخمنا فقط لكي يرشدنا كيؼ نكسب الماؿ بسرعة ويسر،
فسوؼ تأتي االستجابة بشكؿ أخطر بكثير مف الطمب.
كامؿ العممية تبدأ مف خبلؿ محاولة توجيو مفاىيمنا حوؿ ما يمكف أف يشممو الكوف .ماذا يعني أف
تكوف منظومة شمسية .أو ماذا يعني أف تكوف كوكب مع كافة الكائنات الحية عميو .ىذه الكائنات
الحية ىي ذات قيمة وأىمية كبرى .عمينا حمايتيا ونمنحيا قيمة .عمينا أيضاً منح البشر قيمة .عمينا
فعؿ كؿ ما بوسعنا لمنع الكائف البشري عف أف يصبح فصيمة معرضة لبلنقراض .وىو اليوـ يحاوؿ
بكؿ ما لديو لتحقيؽ ىذه النياية البائسة .قد تمثؿ عممية إصبلح األدياف وتجديدىا مساعدة كبرى .قد
تمثؿ األدياف وسيمة عظيمة إذا أعدنا إحياء الفمسفات المثالية مف جديد .ربما ما نحتاجو فعمياً ىو
المنطؽ العقبلني .في ىذا الوضع المتأزـ ،نرى أنفسنا نفعؿ أشياء يومياً ال نرغب ألوالدنا فعميا أبداً.
المدمر األكبر .إذا وجد رمز أو
ّ لذلؾ عمينا العمؿ باجتياد عمى ىذه المسألة .لكف الماؿ ىو اآلف
شعار مناسب لمشياطيف فبل بد مف أف يكوف الدوالر.
87
طريقة الحكيم
الماؿ ىو الشيء الذي يسبب لنا الصداع األكبر .كمنا بحاجة إليو ،لكف عمينا أف نتخذ موقؼ جديد
تجاىو .عمينا أف نجد طرؽ جديدة تضبط طريقة استخدامو ،وكيؼ نجعؿ الماؿ يساعد اإلنسانية
عمى أف تصبح أكثر رقياً عمى مستوى السموؾ والتفكير .إذا كاف ىناؾ ما يكفي مف الناس ،لنقؿ
واحد مف بيف مئة عمى ىذا الكوكب ،وحدوا جيودىـ وفؽ نموذج مستمر يرفض أف يتـ إفساد الفرد
مف قبؿ اإلعبلنات الكاذبة والبروبوغاندا الكاذبة والترفيو والتعميـ الكاذب ،سوؼ يحصؿ تغيير جذري
وكبير وفوري .وسائؿ اإلعبلـ اليوـ تشعر بوجود ىذه المشكمة .بدأ الناس يعبروف عف امتعاضيـ
وصاروا انتقائييف أكثر مف السابؽ .وىناؾ جانب آخر وجب أف نتذكره :ميما حصؿ مف أمور ،الشر
يسعى دائماً إلى تدمير ذاتو .الشر يبالغ دائماً في تدمير ىيكمو وكيانو .كؿ شيء فاضؿ يجتمع مع
شيء آخر فاضؿ لغاية تحسيف الكؿ .الشرور بمفردىا ال تجتمع مع بعضيا .ىي ال تعمؿ معاً حتى
لو كانت الغاية شريرة .الشرور تتصارع دائماً مع بعضيا .ىي في حالة تنافس دائـ مع بعضيا
البعض .ليذا السبب تموت .فقط التعاوف والتكاتؼ يمنحاف الحياة األبدية وامكانية تحقيؽ الغاية
النيائية مف وجودنا.
التأمؿ
بالتأمؿ عمييا .لذلؾ ربما عمينا ّ
ّ المشكمة إذاً تتعمؽ بالرمزية .جميعنا ميتموف بالرموز .نيتـ
عمى شعار الدوالر ونحاوؿ أف نكتشؼ ما المشكمة فيو .نسأؿ أنفسنا كيؼ سمحنا ألنفسنا اتخاذ تو ّجو
التأمؿ عمى الدورالر (أو
مجرد عممية تبادؿ تجاريّ .
تبجيمي تجاه رمز بسيط مف المفروض أف يمثؿ ّ
الع ممة المحمية) قد يكشؼ لنا ماذا نفعؿ بو أو كيؼ نستخدمو .قد نتمقى بصيرة أو نظرة عميقة عف
كيفية استخدامو بطريقة صحيحة .يمكننا سؤاؿ أنفسنا :ىذا الدوالر ،إلى أيف يمكنو الذىاب لكي يفعؿ
الخير األكبر لمعدد األكبر؟ قد تكوف ىذه تجربة مثيرة .أنت لست مضط اًر ألف تقوـ باألمر بشكؿ
عممي ،بؿ حاوؿ التفكير بالموضوع بعمؽ ،وأنظر ماذا يمكنؾ فعمو بذلؾ الدوالر إذا كنت ميتم ًا
بصنع الخير األكبر في العالـ الذي تعيش فيو .ماذا سيفعؿ ذلؾ الدوالر الواحد؟ .بعدىا يمكف أف
التأمؿ عمى ما نممكو يمكننا الكشؼ عف ما
يراودؾ شعور بتنفيذ األمر عممياً .لكف دائماً مف خبلؿ ّ
نحف عميو.
في المحظة التي نستقر فييا لمتمتع باألنانية ،فإننا خبلليا نستشعر الضعؼ في طبيعتنا .أعظـ
مصدر لمتكامؿ األخبلقي موجود في داخؿ أنفسنا .أعظـ مصدر لتقدـ البشرية موجود فعمياً داخؿ
أنفسنا .ألنو في داخؿ أنفسنا يقبع اإللو األعمى .اإللو يعمؿ مف خبللنا وعبرنا .ىو يأتي متجمياً
88
طريقة الحكيم
بداخمنا ويخرج مف خبللنا إلى العالـ الخارجي .كؿ كائف بشري يستطيع أف يكوف أداة مجدية لتطور
خير .بدالً مف القناعة التي تحكمنا والتي تقوؿ بأننا أفراد وحيديف ليس
اإلنسانية .لتحقيؽ كؿ ما ىو ّ
نتمسؾ بتمؾ الفكرة التي تقوؿ بأننا أدوات لقدر رفيع
ّ لنا مآزر ونعيش حياتنا بكفاح مرير ،عمينا أف
مجرد موقؼ ال
المستوى ،نحف أدوات لقوة أزلية .إذا اخترنا أف نترؾ األداة وال نحاوؿ استخداميا فيذا ّ
يقدـ وال يؤخر في العممية .لكف في الحقيقة يوجد داخؿ كؿ فرد قوة تمنحو القدرة عمى فعؿ ما ىو
أفضؿ مما يفعمو اآلف .ليس ىناؾ إنساف واحد ال يستطيع تحقيؽ اليسير عمى األقؿ ،ىذا إذا حاوؿ
جاىداً .الكثيروف يستطيعوف إثبات قدرتيـ عمى فعؿ الكثير حتى بعد محاوالت بسيطة.
لكف ميما كاف األمر ،فالحقيقة تبقى الحقيقة .عمينا أف نكتشؼ في الكائنات الحية كيؼ يمكننا كسر
الدوامة الشريرة لمحروب والفقر والجريمة .رجاؿ الشرطة وحدىـ ال يستطيعوف فعؿ ذلؾ .كافة
منظمات السبلـ في العالـ ال تستطيع فعؿ ذلؾ .كافة المناقشات والمباحثات في المواقع الساسية
العميا لف تفعؿ ذلؾ أبداً .الشيء الوحيد الذي يستطيع تأميف العبلج الشافي لكؿ ىذه المشاكؿ ىو أف
يقوـ األفراد بذاتيـ بخطوات منفردة باالتجاه الذي يعرفوف أنو يمكف معالجة ىذه المشاكؿ .نحف
نعرؼ مثبلً أف الفرد الذي ال يشتري المخدرات ال يساىـ بأي طريقة لكارتيبلت ترويج المخدرات.
لكف إذا اشترى المخدرات بنفسو فأصبح بذلؾ يمثؿ جزء مف مجموعة ىائمة تنتج المزيد والمزيد مف
المميارديرات بينما أنت تشاىدىـ يقووف ويكبروف .لكف أنت لست مضط اًر ألف تكوف جزء مف ىذا
كمو .لست مضط اًر لفعؿ شيء خاطئ والذي ال يتدخؿ بالمشاكؿ اليومية لمحياة .قد ال تكوف مرتاحاً
في وظيفتؾ ،لكف إذا كانت وظيفة صالحة وأنت تفعؿ ما بوسعؾ فييا ،أو أنؾ متقاعد وتعيش بكؿ
ما تستطيع مف ىناء واستقرار ومحبة ،فيذه الحالة ىي جيدة ومقبولة .لكف إذا حصمت عمى بعض
أصريت بعدىا عمى استثماره في الجريمة المنظمة ،سوؼ تكتشؼ مباشرة بأف الماؿ اإلضافي و ّ
الصعوبات بدأت تتضاعؼ وتتزايد .السماء ال ترغب أف يكوف األمر بيذه الطريقة .جميعنا ىنا لغاية
النمو .وحتى ىذه المحظة فإف الماؿ يعتبر أكبر عقبة لدينا أماـ النمو .إذا استطعنا عبلج ىذه
المشكمة فقط ،أي مشكمة الماؿ ،فإف كافة المشاكؿ األخرى سوؼ تزوؿ أو تعالج نفسيا .ألف كافة
المشاكؿ األخرى محفّزة مف قبؿ الطمع والغيرة والطموح المبالغ بو ،عندما تُعالج ىذه األمور داخؿ
الشخص فسوؼ تتحسف صحتو .الفرد الذي يعيش وفؽ ىذا المبدأ المتحرر مف الضغوط السابقة
سوؼ يساىـ ذلؾ في طوؿ عمره ،وسوؼ يتحرر مف كمبياالت األطباء ،كما سوؼ يزداد عدد
أصدقائو وعبلقتو مع العائمة سوؼ تقوى.
89
طريقة الحكيم
نحف نضحي بالقيـ التي نعرفيا فعمياً ،وذلؾ مقابؿ األشياء التي ال تعني شيئاً في أي حاؿ مف
األحواؿ .لذلؾ أعتقد بأنو عمينا بكؿ تأكيد محاولة تقديـ مساىمات شخصية .إذا كاف ىناؾ شيئاً
تعرفو داخؿ نفسؾ والذي بحاجة إلى تصحيح أو تصويب ،قد يكوف شيئاً خفياً لكنو جدياً مثؿ المزاج
الحاد أو التصمب في الفكر أو التعصب أو الكره بأحد جوانبو أو الغيرة ...إذا استطعت تدريجياً
إلغاء ردود األفعاؿ السمبية التي لديؾ باتجاه األشياء التي تحصؿ معؾ كؿ يوـ ،سوؼ تبدأ بعدىا
بتنمية قوة جديدة ،سوؼ تتمكف مف مقاومة اإلغراءات التي كنت تقع ليا في السابؽ ،وكذلؾ تقاوـ
اإلغراءات التي يحاوؿ اآلخروف إيقاعؾ بيا .يمكنؾ أف تصبح تدريجياً مركز لبلستقامة والتكامؿ
األخبلقي وسط ىذا العالـ الفوضوي .عبر كونؾ أصبحت مرك اًز لبلستقامة والتكامؿ األخبلقي سوؼ
تستطيع بعدىا إنجاز تدريجياً ذلؾ الذي ىو ضروري.
إذا تمكنت الشعوب أف تكوف صادقة مع ميراثيا العظيـ .إذا كانوا صادقيف مع األشياء التي يعرفوف
ضمنياً بأنيا تمثؿ جزء مف مصيرىـ ،إذا أدركنا حقيقة أننا ىنا مف أجؿ مساعدة العالـ بأسره عمى
النمو ،وأف كافة الفنوف والعموـ التي لدينا ،كؿ تمؾ المختبرات البحثية ،ىي ليست موجودة لكي تربح
األمواؿ ،بؿ ىي ىنا لخدمتنا وتمبية حاجاتنا .كؿ النمو وكؿ التقدـ وكؿ النجاح يتـ مكافئتو وفؽ
جانب التكامؿ األحبلقي وليس جانب الماؿ .لذلؾ مف المفروض عمينا أف نبني عالـ أفضؿ .نحف
ىنا لكي نعمؿ عمى ىذا العالـ الجميؿ ونحولو إلى مجد العصور .عمينا أف نجعمو ليس ميجع
األغنياء بؿ ميجع الصالحيف .مف المفروض أف يمثؿ عالمنا تحقيؽ فعمي لحمـ العصور .يمكنو أف
تشتد أكثر .ربما ىذه المشكمة االقتصادية الكبرى
يكوف كذلؾ بالفعؿ .ربما ليذا السبب بدأت المشكمة ّ
تمثؿ العقبة األخيرة التي عمينا تجاوزىا قبؿ أف نحقؽ مصيرنا المعيود .ألف التصحيح الكوني
ألنانيتنا قادر عمى جعمنا أمؿ العصور .ليس ىناؾ فائدة مف المبالغة في تثميف العالـ وال المبالغة
في إنتاجيتو ،لكف ما عمينا فعمو ىو الوقوؼ شامخيف كرمز يمثؿ شيء أسمى وأرقى وأفضؿ مما
يمكف إيجاده في مكاف آخر .وبيذه الطريقة سوؼ نميـ العالـ عبر إرشاده إلى تحقيؽ مصيره
الصحيح .حينيا سوؼ يكوف بحؽ شعب واحد والو واحد وطبيعة واحدة .كؿ ىذه األمور يمكنيا
الحصوؿ فعمياً ،وىي تبدأ مف إجراء بسيط يتمثؿ بتكريس حياتنا الشخصية لمقيـ التي ىي حقيقية.
93
طريقة الحكيم
ً
ميكٍ نإلدياٌ عهى ادلال أٌ ٌكٌٕ خطريا كئدياٌ ادلخذساخ
في الفترة الذىبية لميوناف القديمة ،كاف ىناؾ فيمسوؼ اسمو "أروستيبوس" ،والذي قرر أف يقوـ برحمة
إلى إحدى الجزر اليونانية ،فركب في أحد القوارب ولـ يعرؼ بأف اليذا القارب كاف يديره قراصنة.
وطبعاً في تمؾ األياـ عندما يسافر الناس كانوا بأخذوف كامؿ أمواليـ معيـ .لـ يكف موجود حينيا
الترافمشيؾ أو بطاقة ائتماف أو غيرىا مف الوسائؿ التي نألفيا اليوـ ،لذلؾ كانت األمواؿ ثقيمة تُحمؿ
في صندوؽ صغير نسبياً .بعد فترة مف اإلبحار في القارب ،كاف "أروستيبوس" يجمس بيدوء في
مقصورتو حتى سمع الكبلـ الذي يجري عمى ظير القارب في الخارج .خبلصة الكبلـ الذي كاف
يجري بيف قبطاف السفينة والمبلحيف ىي أنيـ كانوا يخططوف لرمي الفيمسوؼ في البحر وأخذ أموالو
التي كاف يصطحبيا معو في القارب .أزعجو ىذا الموضوع لمحظات لكنو أدرؾ بأنو ال بد مف وجود
منفذ مف ىذه الورطة .في اليوـ التالي عند طموع الشمس كاف "أروستيبوس" يجمس عمى حافة القارب
وأرجمو متدلية مف الجانب الخارجي ويحضف صندوؽ الماؿ وكاف يرمي القطع النقدية واحدة تمو
األخرى في البحر .فاقترب منو قبطاف القارب وسألو متعجباً .." :لماذا تفعؿ ىذا؟ ،"..أجابو
"أروستيبوس" بيدوء .." :إنو أفضؿ أف يندثر الذىب مف أجؿ أروستيبوس بدالً مف أف يندثر
91
طريقة الحكيم
أروستيبوس مف أجؿ الذىب ."..وكنتيجة ليذا العمؿ الذكي ،تابع الفيمسوؼ رحمتو ووصؿ إلى
الجزيرة التي كاف يقصدىا بسبلـ .لكف يبدو أف رحمتو كانت أغمى ثمناً مما كاف يتوقع.
سوؼ نتحدث في ىذا الموضوع عف مشكمة الماؿ .في البداية ،ال أعتقد بأنو عمينا إدانة الثروة عمى
أنيا المسؤولة عف مصاعبنا المالية .المشكمة ليست في الثروة بؿ في عبلقة اإلنساف معيا .إنو ما
يفعؿ اإلنساف بيا وكيؼ يحصؿ عمييا .الدوافع وراء جمعيا والسموؾ أثناء حيازتيا .مادة الماؿ بذاتو
ىي إما مصنوعة مف ورؽ أو ذىب أو فضة أو نحاس .ليس لمماؿ بذاتو أي مشكمة أخبلقية مف أي
نوع .مادتو جاءت مف األرض وسوؼ تكوف نيايتو إلى المكاف ذاتو .المشكمة بكامميا تكمف في
مسألة االستخداـ وسوء اإلستخداـ .ويبدو في الوقت الحالي بأننا نواجو ما يمكف تسميتو مشكمة
مخدر .يبدو أف الماؿ ىو شيء أصبح يمثؿ أحد أخطر المواد المخدرة التي وجب عمى
إدماف عمى ّ
الكائف البشري التعايش معو .الوضع ىو قريب أو مشابو جداً مع مادة المخدرات .الفرد يتناوؿ
المخدر لكي يشعر بالنشوة .عمى الجانب اآلخر ،الفرد يجمع الماؿ لكي يشعر بنشوة ،ليشعر
بالتفوؽ ،ليحقؽ الطموح ،وليكسب نوع مف األفضمية االقتصادية عمى اآلخريف .ىذه الدوافع طبعاً
ّ
ىي ليست األرقى وال األنقى .ليذا السبب أدت ىذه الدوافع إلى مآسي وأحزاف طواؿ آالؼ السنيف.
معروؼ منذ زمف بعيد ،وحتى أنو الزاؿ ُيعتقد اليوـ ،بأنؾ لـ تعد تستطيع التجارة وفؽ وسيمة التبادؿ
بالبض اعة .ال تستطيع استبداؿ بقرة برأسيف مف الغنـ ،أو شيء مف ىذا القبيؿ .ال تستطيع
اصطحاب البضاعة المختمفة معؾ إلى السوؽ بحثاً عف بضاعة أخرى توازييا في القيمة .ال بد مف
وجود وسيمة تبادؿ أيسر وأسيؿ في التعامؿ .وسيمة التبادؿ ىي شيء يخضع لضبط وتنظيـ خبلؿ
استبدالو ،وذلؾ بحيث يمثؿ وسيط رمزي لمتبادؿ مقابؿ بضاعة مادية ذات قيمة فعمية .واألسعار
والمرابح يحددىا الحائزوف عمى ىذا الوسيط لمتبادؿ.
نحف نعمـ بأنو في الزمف القديـ كانت الثروة ميمة جداً ،لكف ليس بالقدر الذي تتخذه اليوـ .في
الحقيقة ،كؿ مف المفكريف القدماء أدرؾ بأف الثروة كانت بديؿ لمرشد الداخمي .يسعى الفرد إلى
اكتساب الثروة مف أجؿ اكتساب السمطة والقوة .في الوقت الذي كاف عميو الحصوؿ عمى ما يستحقو
وتطور شخصيتو وخبلصو النيائي مف ميولو وتوجياتو ّ مف تفوؽ لكي يكرسو في سبيؿ تقدمو الفكري
الدنيوية .بالتالي ،بدالً مف النمو ،راح الفرد يسعى إلى حيازة القوة والممؾ .إذا حاز عمى ما يكفي مف
الوسيط المالي يصبح بعدىا حاض اًر لجميع أنواع الفرص لمتقدـ في الدنيا .يصبح لديو االمتياز الذي
92
طريقة الحكيم
يخولو استعباد اآلخريف ،أو االمتياز الذي يخولو السيطرة والتحكـ بالمصير المالي لؤلمـ ،لكف في
الحقيقة فإف كامؿ المسألة ال تتعدى دوامة في فنجاف .ليس ىناؾ أي رجؿ غني اليوـ إال ويعرؼ بأف
أيامو معدودة في ىذا العالـ .ىو عمى يقيف بحقيقة أنو ال يستطيع أخذ أي مف ىذه الثروة معو.
يمكنو أف يدرؾ أيضاً خبلؿ مراكمة ثروتو بأف الجزء المادي منيا الذي يبقى بعد موتو ىو سمعتو
التي تموثت وتشوىت .ال أحد يحترمو فعمياً ،وال يوجد أحد معجب بو ،بؿ الناس يخافونو ،وغالباً
يكونوا في حالة غيرة وحسد عمى ممتمكاتو وفي محاولة دائمة لسرقتيا منو.
الفمسفة البوذية كانت واضحة جداً عندما ناقشت ىذا الموضوع بالتحديد .تقوؿ بأف المشكمة في الفقر
تكمف في تنيد الفرد ألنو ليس غنياً ،بينما المشكمة في الثروة تكمف في تنيد الفرد خوفاً مف أخذ
ثروتو منو .وىذا بالضبط ما يحصؿ في واقع الحياة اليومية .بالتالي فالمشكمة المتعمقة بالماؿ تصبح
مثيرة جداً .وفي معظـ الحاالت تصبح المشكمة معقدة جداً.
نحف نعمـ أف استخداـ العممة النقدية ىو عمؿ قريب نسبياً في التاريخ البشري .أي منذ حوالي ثبلثة
آالؼ عاـ .لكف مسألة تبادؿ البضاعة تعود إلى أزمنة قديمة جداً .ومعظـ بنيتنا المالية تستند عمى
إجراءات تبادلية .بمعنى آخر ،نحف نستخدـ الماؿ اآلف لكي ننجز ما كنا ننجزه في السابؽ دوف
93
طريقة الحكيم
حاجة لوجود الماؿ .لكف ىذا الوسيط المالي أصبح اليوـ ميـ جداً بذاتو .وليذا السبب أصبح يمثؿ
فشؿ كئيب في وجو الطبيعة.
الحؿ الفعمي يبدأ مف معرفة أف المشكمة ال تكمف في وسيط التبادؿ ،أي الماؿ ،وال حتى في نظرية
التبادؿ ،بؿ تكمف في سوء استخداـ وسيط التبادؿ .وسوء االستخداـ تزايد باستمرار حتى أصبح الثراء
يمثؿ الدافع النيائي والوحيد بالنسبة ألغمبية الكائنات البشرية .قد تتمثؿ الثروة بالماؿ أو الماشية أو
العقارات أو أي شيء آخر لو قيمة .ىذه الثروة أصبحت تمثؿ الغاية األساسية لتفكيرنا العصري.
صحيح أنو لدينا مثالييف ومتصوفيف وفبلسفة ،لكف في القسـ األكبر فإف الناس ميتموف بشكؿ
رئيسي بمراكمة الممتمكات المادية ،وىذه المراكمة تجعمو ضرورياً وجود منظومة اقتصادية توفر ليـ
94
طريقة الحكيم
السبيؿ لمبيع والشراء .لكف ىذه المنظومة االقتصادية طبعاً أصبحت أسوأ وأشد خطورة مع مرور
الوقت .رويداً رويداً أصبح لدينا عصر مف الرفاىية والترؼ والتبذير المتزايد .أصبحت الفكرة بعدىا
تقوؿ بأف النجاح يمثؿ الرفاىية والترؼ والتبذير .الفكرة تقوؿ بأف النجاح ىو أف تصؿ إلى تمؾ
المرحمة في الحياة بحيث لـ تعد تحتاج إلى العمؿ .لذلؾ نجد أف األشخاص الناجحيف يصموف إلى
مرحمة سيئة فيما بعد ،ألنو دوف أف يكوف لدييـ حاجة لفعؿ شيء يفشموف في تنمية أي إمكانية
داخؿ أنفسيـ .كؿ ما يحوزونو ىو امتياز اإلسراؼ والتبذير والذي يمثؿ عبئ ثقيؿ عمى الروح.
كاف لدى القدماء ما نسمييا اليوـ مدارس االنتساب إلى المبادئ والتعاليـ السرية .كاف لدييـ طقوس
تشدد عمى أعماؿ اإلرادة اإلليية .كؿ تمؾ التعاليـ
وشعائر .وكاف لدييـ ميرجانات فخمة ورائعة ّ
السرية والطقوس والميرجانات تشمؿ أشكاؿ مختمفة مف اإلغراءات واإلغواءات التي وجب مقاومتيا
95
طريقة الحكيم
والتغمب عمييا .كاف يتـ إغواء الفرد لكي يساوـ عمى استقامتو وتكاممو في سبيؿ الفوز بمكافئة ،واذا
مخوالً لمتقدـ عمى مستوى
استسمـ أماـ ىذا اإلغواء سوؼ يفشؿ في االختبار وبالتالي لـ يعد ّ
الحضارة والرفعة البشرية .كاف يسود دائماً نوع مف االستيبللية أو شعائر االنتساب في الماضي.
وكانت ىذه الشعائر في الماضي القديـ مؤلمة جسدياً بحيث غالباً ما كاف الفرد يتعذب ويعاني مف
الجروح ومف عمؿ جسدية متنوعة تحصؿ نتيجة شعائر اختبار الشخصية .الحقاً في التاريخ لـ تعد
اختبارت مف نوع آخر تتعمؽ بالمواقؼ والنزعات
ا ىذه الشعائر المؤلمة تستخدـ بؿ سادت بعدىا
لمتنور .كاف عميو إثبات
التنور أف يثبت بأف األولوية ىي دائماً ّالفكرية .كاف عمى الساعي وراء ّ
استعداده لمتضحية بكافة امتيازات الثروة والرخاء والرفاىية في سبيؿ تحسيف حياتو الداخمية.
96
طريقة الحكيم
97
طريقة الحكيم
اليوـ لدينا منظومة عظيمة لمثروة والتي ال تبالي بالتحسف .نجد اليوـ بأف الفرد أو المجتمع أو حتى
العالـ بأسره ،بعد الخضوع إلختبار الثروة ،عمى طريقة الطقوس القديمة ،يفشموف في االمتحاف .بدالً
مف التمتع بالشجاعة لبلرتقاء فوؽ إغراءات الكسب السريع ،نجد الفرد يتخذ غالباً ذلؾ الموقؼ القائؿ
بأنو يريد ما يريده وبأسرع ما يمكف ألنو ال يعرؼ كـ مف الوقت سيعيش في الحياة .بعد إلقاء نظرة
عمى الوضع كما ىو ،نتسائؿ إذا كاف الناس مستعدوف التخاذ المواقؼ السائدة اآلف .نجد أف الفرد،
ميما كاف راتبو عالي أو ميما كاف يممؾ مف قصور وأراضي ومعامؿ ،يبقى بالنياية مخموؽ معرض
معرض لعدد غير محدود مف العمؿ واألمراض ،ونيايتو حتمية
لمخطأ ،ىو كائف لو وجود مؤقت جداًّ ،
مف الوجود المادي .بالتالي نجد أف كامؿ ىذه العممية التي تطغي عمى حياة تسعيف في المئة مف
البشرية ىي عبارة عف عممية تافية ال تتعدى الزوبعة في فنجاف .ال يستطيع الفرد أخذ ثروتو معو
بعد موتو ،لكف رغـ ذلؾ نجده مستعداً الرتكاب الجرائـ مف أجؿ الحصوؿ عمييا .ىو يكافح دائماً
بطريقة أو بأخرى لحمايتيا والحفاظ عمييا ،ولكف مع ذلؾ نجد مجرـ آخر يتربص بو لتجريده منيا.
كافة ىذه اإلجراءات محاطة بحقيقة حتمية واحدة ،وىي أف الطبيعة والكوف والمخطط الكمّي لؤلشياء،
جميعيا غير متأثرة أو غير ميتمة أصبلً بكامؿ الموضوع .ىذا الموضوع بكاممو عديـ المعنى عمى
مستوى جوىر األمور أو نياية األشياء .الموضوع عديـ المعنى عمى كؿ المستويات ،باستثناء حياة
حيز صغير نسميو الوجود الفاني.
صغيرة وسط ّ
التوجو المادي ،ىي ربما المسؤوؿ األكبر عف انتشار ىذا اليوس بالثروة .مف خبلؿ
ّ المادية ،أو
إنكار أي امتداد روحي لمفرد ،وانكار وجود أي أمؿ بوجود حياة خالدة ،وانكار وجود أي دوافع
أخبلقية لمضبط الذاتي أو التحكـ بالنفس ،تقوـ المادية بتوجيو الشخص العادي إلى مسألة اإلرضاء
أو المتعة المباشرة .أي تجعمو يريد أف يحوز عمى ما يحوزه طالما يمكنو استخدامو ،لكف جميع الذيف
يفعموف ىذا ال يعيشوف الستخدامو .يصرفوف بعضو ويفقدوف بعضو ويمنحوف بعضو وقسـ كبير
يؤخذ منيـ ،لكف في النياية فإف التقييـ النيائي لموضع ليس سعيداً .ورغـ عدـ سعادة ىذا الوضع أو
ىذا التوجو ،نجده بنمو ويتزايد وينتشر في العالـ ناتجاً الحروب والجرائـ والخراب واإلفقار والكآبة
والمجاعة ومجموعة واسعة مف األمراض .جميعيا مرتبطة بطريقة أو بأخرى بالرغبة في الكسب
والربح بغض النظر عف العواقب.
98
طريقة الحكيم
لدينا إذاً حالة سائدة عمى مستوى العالـ وتتأصؿ مف نقطة واحدة جوىرية ،وىي نزعة الفرد إلى
التفوؽ عمى اآلخريف .ىو يتوؽ إلى أف يكوف متفوقاً ،ويشعر بأف الطريقة الوحيدة التي تجعمو متفوقاً
ّ
ىي الحوزة عمى الثروة .كامؿ تعميمو المدرسي يتمحور حوؿ الثراء .كامؿ توجياتو في الحياة ىي
نحو تمؾ الخدمات العامة المدعومة مالياً .كؿ ما يفعمو تقريباً يسير وفؽ إمكانياتو اإلقتصادية .كمما
زادت قدرتو عمى صرؼ األمواؿ تزيد رفاىيتو وقدرتو عمى تحقيؽ رغباتو الدنيوية .لكف ىذه الرغبات
ىي عديمة المعنى عمى المستوى الشمولي لؤلمور .يممؾ الفرد كؿ ىذه االمتيازات الدنيوية لكف مع
ذلؾ عندما يأتي الموعد نجده يفارؽ ىذه الحياة بحالة بائسة تماماً .لقد اطمعت عمى الكثير مف
القصص والحكايا التي يروييا الذيف يحضروف المحظات األخيرة مف حياة أشخاص أثرياء ،جميعيـ
في المحظات األخيرة قبؿ الموت يتوقوف إلى المواساة ،وكؿ واحد منيـ عمى فراش الموت كاف مستعد
أف يستغني عف كؿ ثروتو مقابؿ يوـ واحد إضافي فقط ،لكنو لف يحصؿ عمى ذلؾ أبداً .بعضيـ كاف
توجيو عمماني مادي ،وفي المحظات األخيرة كانوا يبكوف ويتوسموف مف يؤكد ليـ حقيقة وجود شيء
ما بعد الموت .كانوا يتمنوف وجود شيء لكي يستمر بقاءىـ ولو في عالـ آخر .لقد تـ تعميميـ منذ
بداية حياتيـ أف يتخموا عف اإليماف باستم اررية الحياة .لكف لماذا وجد ىذا النوع مف التعميـ العمماني
99
طريقة الحكيم
المادي الذي منع اإليماف بوجود حياة أخرى بعد الموت؟ لماذا ُسمح بنشوء الفرد عمى عقيدة مادية؟
الجواب ىو بسيط ،سمحوا بأف ينشأ الفرد عمى عقيدة مادية ألف ىذا سوؼ يديـ استم اررية الوىـ
بخصوص الثروة .إذا كاف لدى الفرد أفكار مثالية أقوى مف نزعة امتبلؾ الثروة سوؼ ُيعتبر مثالي
متوىـ ،وبصفتو مثالي فيذا يجعمو غير واقعي وغير عممي كمياً ،ومصيره ىو العيش في الفقر ّ
والعوز لباقي حياتو .لكف رغـ ذلؾ نجد في النياية وجود مدفنيف في المقبرة المحمية ،واحد لممثالي
واآلخر لممادي .مف يستطيع التمييز بينيما؟ مف ىو المثالي ومف ىو المادي؟ وفي ىكذا حاالت،
األمر األىـ ىو مف منيما مات وفي قمبو أمؿ .ألنو دوف األمؿ فإف كامؿ المسألة فاشمة بشكؿ
مميت.
لقد صنعت الطبيعة ىذا النموذج الحياتي بالتحديد لسبب ميـ جداً .عمى الفرد أف يثبت قدرتو
الداخمية عمى التحكـ بنفسو والسيطرة عمى نفسو .عميو أف يثبت بأف الخطة التطورية الكبرى التي
يمثؿ جزءاً منيا ،والتي تحاوؿ أف تصنع منو شيئاً مجدياً ،ىي في حالة نجاح .الفرد الذي ينجح في
العيش عمى مر حياتو لكنو لـ يحسف شخصيتو ولـ يجد أي حؿ إلىمالو وتقصيره وآثامو ،ولـ ينمي
أي حكمة أو عقبلنية لديو ،مع القميؿ مف كرـ األخبلؽ وليس الكثير مف الشفقة والعاطفة الحقيقية،
في ىذه الحالة فإف الفرد لف ينمو ،وبالتالي يغادر ىذه الحياة بنفس الحالة التي دخؿ بيا .ىذا يعني
أنو فاشؿ منذ والدتو .لـ يستخدـ أي مف األشياء التي منحت لو في سبيؿ جعؿ الحياة أفضؿ أو
أكثر قوة .في أجزاء مختمفة حوؿ العالـ راحت الثقافات االشتراكية المادية تنظر إلى ىذه المسألة
بطريقة مختمفة .راحوا يدركوف تدريجياً بأف التوجو المادي يمثؿ طريؽ مسدود .لـ يعد لدييـ أي
إمكانية لبلستمرار في إثبات صحة النظرية المادية أكثر مف النظرية المثالية .لدى المثالييف الحالميف
نفس الدالئؿ مقابؿ المادييف الذي يعانوف مف وىـ الثراء.
ليس ىناؾ أي طريقة إلثبات حقيقة أف الحياة الداخمية لمفرد يمكف جعميا آمنة بأي وسيمة غير تنمية
الشخصية .وجب أف يكوف أكثر في داخمو .ولكي يكوف أكثر يعني أف ينمو .بينما أف يسعى إلى
جمع المزيد مف الممتمكات فيذا عمؿ مشكوؾ بو إف كاف يساعد الفرد عمى النمو أـ ال .إذا كاف
الفرد يممؾ ثروة ،إما عبر اجتياده الشخصي أو عبر التوريث ،أو تكوف الظروؼ ابتسمت لو وربح
جائزة يانصيب ،إذا كاف يممؾ ثروة تأتي مباشرة المشكمة بخصوص كيفية استخداميا .ىو يعيش في
عالـ مف الناس معظميـ في حالة معاناة .ىو يعيش اليوـ في عالـ يخضع تحت مجموعة مف
133
طريقة الحكيم
حاالت الطغياف التي جمبت األسى والبؤس لممبلييف .اآلف أصبح الفرد يحوز عمى قوة مالية ،فماذا
سيفعؿ بيا؟ ىؿ سوؼ يخرج إلى محؿ مقامرة ليقامر بيا؟ ىؿ سيشتري يخت أو سيارة فاخرة؟ ىؿ
سيقوـ بأفعاؿ البذخ والتبذير غير العقبلني وكؿ ذلؾ أماـ البؤساء الذيف ال يممكوف شيء؟ ىذه
الوضعية األخيرة كانت السبب وراء الثورة الفرنسية .ىذا ىو السبب الذي أدى إلى االنقبلب عمى
األنظمة .كؿ ثورة في التاريخ تقريباً انطمقت بسبب نوع مف أنواع االستغبلؿ االقتصادي .معظـ
الفورات الشعبية عبر التاريخ حصمت نتيجة فشؿ الذيف يممكوف في مساعدة الذيف ال يممكوف .السبب
إذاً يكمف في مشكمة التوزيع الصحيح لمثروة.
قاؿ الممياردير الشيير "أندرو كارنيغي" يوماً .." :إنو مف حؽ الفرد أف يعيش ثرياً ،لكف ليس عمى
أحد أف يموت فقي ارً ."..قبؿ أف تأتي نيايتو ،جعؿ كؿ ما يممكو متوف اًر لكؿ مف بحاجة وعوز .أي قاـ
يتوزيع كامؿ أموالو قبؿ موتو .لكف ىناؾ مشكمة أخرى أيضاً في ىكذا مبادرة ،وىي منح كميات
كبيرة مف الماؿ ألشخاص لـ يستحقونيا بالمجيود الفردي .إذا كاف المتمقي لؤلمواؿ التي لـ يستحقيا
يريد أف يكوف متنو اًر وكرس حياتو لفائدة اآلخريف ،يمكنو حينيا أف يأخذ الماؿ الممنوح لو ويستخدمو
لخدمة وفائدة البشرية جمعاء .لكف إذا لـ ينشأ أو يتربى بحيث يكوف لديو أي دوافع أو محفزات لفعؿ
ذلؾ ،حيث المنيج التعميمي ال يفعؿ شيء إلغناء شخصيتو ،واذا استمر في جعؿ إشباع رغباتو
وشيواتو الغاية النيائية لكؿ متطمباتو فسوؼ تستمر مشكمة الثروة كما ىي في دوامات متتالية مف
البؤس حتى ينيار أخي اًر ىذا النظاـ المالي بالكامؿ .ننظر لمحظة إلى حقيقة المسألة ،ونجد أنو لدينا
مف الوقت في ىذا العالـ سبعيف أو ثمانيني أو تسعيف سنة مف الحياة .خبلؿ ىذه الفترة الزمنية
القصيرة مف وجودنا في ىذا العالـ ،جئنا لنقوـ بعمؿ جاد وذو قيمة .ليس مف الضروري أف يكوف
العمؿ الجاد مأساة .العمؿ الجاد ال يعني أنو عمينا التن ّقؿ مف بؤس إلى آخر .بؿ يعني أننا جئنا إلى
ىنا ألننا نتعامؿ مع مسألة عظيمة غير مكتممة بعد.
نحف نأتي إلى ىذا العالـ والذي ىو بنفسو الزاؿ في وسط المسألة ،أي ىو في مكاف ما بالوسط بيف
التحرؾ مف التغيير االجتماعي .نحف ىنا لكي
ّ بدايتو ونيايتو .نحف ىنا بالتالي كجزء مف مشيد دائـ
نصبح جزء مف شيء يحاوؿ أف يرتقي فوؽ أخطاءه .لـ يطوؿ وجودنا ىنا قبؿ أف نتعرؼ عمى
بعض تمؾ األخطاء .ثـ بدأنا ندرؾ بأنو مف الضروري ،إما تجاىؿ معاناة اآلخريف أو نقوـ بإجراء
تغييرات في نزعتنا وتصرفاتنا .أسيؿ خيار طبعاً ىو تجاىؿ معاناة اآلخريف .لكف الطبيعة مرة أخرى
131
طريقة الحكيم
ىي صارمة في ىذه المسألة ،حيث إذا قمنا بالتجاىؿ لفترة طويمة فسوؼ ينتج مف ذلؾ ثورة
اجتماعية .ألنو عمى المحروميف أف ينالوا فرصتيـ في الحياة الكريمة.
منذ عقود في الصيف ،راحت الحكومة ترفع الحظر عف األعماؿ الخاصة ،بدالً مف احتكارىا جميعاً
مف قبؿ الحكومة .الغاية ىي السماح لمناس بأف يستحقوا شيئاً مف مجيودىـ الخاص .ىذا اإلجراء
يعتبر عمؿ طبيعي وسميـ .عمى كؿ فرد منا أف يستحؽ ما يممكو وما يحتاجو .وجب أف ال نكوف
جزء مف تركيبة اشتراكية تقدـ لنا كؿ حاجاتنا لكف لـ تترؾ فينا أي حافز أو دافع لكي نجتيد في
تطوير مصادرنا الب اطنية .ال يمكف جعمنا آمنيف مف خبلؿ دعمنا مف قبؿ الحكومة .الدعـ الذي
نحصؿ عميو ىو لكي نستخدمو لمقياـ بشيء آخر .متما تُدعـ حياةُ ،يفترض بأف تمؾ الحياة سوؼ
تكافئ ىذا الدعـ مف خبلؿ النمو والتقدـ والفائدة .إذا لـ تحقؽ ىذه األشياء فيذا سيؤدي حتماً إلى
انييار اقتصادي.
نحف إذاً نواجو مسألة شخصية بحيث نقوؿ مثبلً دعونا نقبؿ بحقيقة أننا نعمؿ وفؽ منظومة اقتصادية
جيد فسوؼ تعود بالفائدة لنا جميعاً،
معينة .إذا تـ استخداـ وادارة ىذه المنظومة االقتصادية بشكؿ ّ
لكف إذا أسيء استخداميا وادارتيا فيذا يعني حصوؿ انييار لؤلمة بكامميا .سوء االستخداـ واإلدارة
يعني أف األنانية سيطرت عمى زماـ األمور ،وسيطرت عمى نماذج اإلدارة .الفرد الذي يكوف أناني
ىو دائماً في مشكمة .أنانيتو لـ تجمب لو أبداً مواساة أو الكسب الذيف يرغبيما .إذا كسب ذالؾ الذي
لـ يستحقو فسوؼ ينزلؽ بيف أصابعو ويختفي .نحف نرى ذلؾ اليوـ في التفاقمات اليائمة في المستوى
المالي مف الحياة .نرى أشخاص يكاد يكوف لدييـ أي قدرات مميزة ،لكف مف خبلؿ البروبوغاندا
والتسويؽ اإلعبلمي يكسبوف مبالغ طائمة سنوياً .ماذا يفعموف بكؿ تمؾ المبلييف؟ القميموف معروفوف
بأنيـ يفعموف أمور جيدة ببعض ما يكسبوه .لكف عند القسـ األكبر نرى األمواؿ تتبلشي عبر التبذير
غير العقبلني .واليوـ نجد قسـ كبير مف الثروة مجموعاً بواسطة انعداـ التكامؿ األخبلقي أو التفيـ
ويصرؼ لشراء المخدرات .الدائرة الشريرة تستمر بالدوراف ،وداخؿ ىذه الدائرة الشريرة يكمف الجداريفُ
األوؿ لموالدة والثاني لمموت ،يحداف كامؿ العممية .ىذه الحالة تترؾ لنا القميؿ جداً مع سيرنا قدماً
ّ
عمى طوؿ الرحمة.
132
طريقة الحكيم
ليس بالضرورة أف نحاوؿ عيش حياة اآلخريف .ال نستطيع صنع مظاىرة لفعؿ شيء معيف .وفؽ
بعض الظروؼ يمكف تحقيؽ اإلصبلحات .وعندما يتـ تحقيقيا سوؼ يكوف أم اًر رائعاً .لكف عدد
كبير مف أولئؾ الذي بحاجة إلى اإلصبلحات يرفضونيا بإصرار .لذلؾ عمينا المجوء إلى طريقة
أخرى لمقاربة ىذه المسألة .وىي أنو عمينا البدء بكؿ ىذه اإلجراءات اإلصبلحية مف خبلؿ توسيع
وتعميؽ فيمنا الخاص .الشخص الوحيد الذي يمكننا قيادتو بنجاح عبر ىذه المتاىة ىو نحف .قد
نتمكف مف التأثير عمى اآلخريف والياميـ ،لكف كامؿ تجربة الحضارة المادية راسخة داخؿ كؿ
شخص في ىذا العالـ .كؿ فرد عمى كؿ مستوى مف الحياة يواجو اليوـ ضرورة اتخاذ ق اررات .ىناؾ
أمور وجب أف يقررىا داخؿ نفسو .ىناؾ توجيات ومواقؼ وجب اتخاذىا .ىناؾ حموؿ وجب
إيجادىا ،وعندما يجدىا عميو تطبيقيا عممياً .وكنتيجة لذلؾ ،ميما كاف موقع الفرد ،إف كاف يعيش
في مجتمع متسمّط بحيث ليس لديو شيء يقولو أو يعبر عنو ،أو إف كانت روحو حرة بحيث يستطيع
قوؿ ما يريد قولو ،كؿ ىذا ال ييـ .األمر الميـ ىو أف عمى كؿ شخص بطريقتو الخاصة أف يكتشؼ
السبب لوجوده في الحياة .عميو اكتشاؼ المعنى الحقيقي لمثروة ،عميو معرفة الغاية الفعمية التي وجد
مف أجميا الماؿ ،وكيؼ وجب استخداـ الماؿ بطريقة سميمة .وعميو أف يدرؾ بأف االستخداـ غير
السميـ لمماؿ سوؼ يؤدي إلى مأساة فردية وجماعية معاً.
عمى الفرد أف يأخذ طموحاتو المتنوعة المتعمقة بمستقبمو االقتصادي الخاص ،ويخضع ىذه
الطموحات الختبار النزاىة واالستقامة .إذا كاف يرغب في أف يكوف أكثر مما ىو عميو ،فيؿ ىو
مستعد الستحقاؽ ىذا التقدـ؟ إذا كاف يرغب في أف يكوف أقوى مف ناحية ثباتو عمى رعاية قوانيف
الحياة ،عميو بالتالي تعزيز ذلؾ الثبات ومساندتو .في كؿ طريقة مف الطرؽ ،فإف الجواب الشافي
لمشكمة الفرد ليس اإلنطبلؽ لوحده قمقاً بخصوص الخير العاـ ،بؿ األمر الذي عميو فعمو ىو أف
يمحظ بحذر عبلقاتو الخاصة مع الحياة ،ويكوف واثقاً بأنو خبلؿ انجرافو مع نير الحياة الذي يجري
حالياً ،بأ نو اآلف يتعمـ ما كاف مفروض عميو تعممو خبلؿ رحمة الحياة ىذه .نحف ىنا مف أجؿ معرفة
معينة .عمينا أف نحقؽ ما يريده منا القانوف الطبيعي ثـ نغادر ىذه الحياة في نياية تجمينا المادي
بحيث نكوف أشخاص أفضؿ مما كنا عميو عندما جئنا إلى الحياة .إذا كنا غير واثقيف خبلؿ طفولتنا
فوجب أف نكوف أكثر ثقة خبلؿ بموغنا .ونكوف واثقيف أكثر وأكثر في شيخوختنا .إذا كنا مثالييف
فوجب أف نؤمف بالمثالية عند صغرنا ومف ثـ نطبقيا عممياً عند كبرنا .المثالية ىي طريقة حياة
133
طريقة الحكيم
صدوقة .ىي طريقة حياة بحيث نعيش معاً بصيغة أخوية .ىذه األخوية اآلف قد دمرىا الطموح وتـ
إحباطيا بشكؿ كبير مف قبؿ الثروة .لذلؾ عمينا تناوؿ ىذه المسائؿ بطريقة جديدة وعقبلنية وذكية.
كؿ شيء يحصؿ معنا يمثؿ فرصة وكذلؾ مسؤولية .كؿ شخص نعرفو يجمب لنا شيئاً ويطمب شيئاً.
ىذا أمر حتمي .لكف غالباً ما نفرح لؤلشخاص الذيف يجمبوف بينما نتعالى عمى األشخاص الذيف
يطمبوف .العبلقات القائمة اليوـ ليست تبادلية بطبيعتيا ،بؿ تفرض عمينا أف نحصؿ عمى ما نستيطع
وعمى اآلخر أف يفعؿ بقدر ما يستطيع .كؿ ىذه التوجيات تؤدي إلى تدمير النظاـ العالمي .في
األزمنة القديمة حيث الحضارة المصرية واليندية والصينية وغيرىا ،كاف النظاـ العالمي غامض
وغير واضح ،حيث القميؿ مف العالـ كاف معروفاً والفرص كانت محدودة نسبياً ،والضغوط السياسية
القوية المختمفة تجاه المادية لـ تبلقي الدعـ أو التعزيز .كانت الثروة موجودة في الزمف القديـ لكنيا
لـ تكف تعتبر مفخرة يتزيف بيا الفرد .ذلؾ ألف حالة الثراء كانت خاضعة لضبلؿ المؤسسات العظيمة
لممدارس السرية .كؿ حضارة عظيمة في الماضي كانت تخضع إلى ديف سائد في الببلد وكاف لو
تأثير فعمي عمى األتباع .كاف الديف يناؿ المواالة مف كؿ شخص ميذب ومحتشـ وجدير باالحتراـ.
134
طريقة الحكيم
ىذا الديف الذي منح حؽ اإللو األعمى في حكـ البشرية دوف مسائمة .كاف ىناؾ أيضاً نظاـ بحيث
كؿ عمؿ خير كاف يتـ باسـ الخير المطمؽ .وكؿ ما زاد فعمنا لمخير كمما كاف تحسف البيئة فوري
ومباشر .كؿ ىذه األنظمة كانت تمثؿ جزء مف الحياة في كؿ مف اليوناف ومصر وفارس واليندوس
والبوذييف وغيرىـ .كافة ىذه األمـ المختمفة كاف لدييا أخبلؽ .كاف يسود فييا أنظمة كبرى مف
االستقامة التقميدية والتي مف المفروض أف تسيطر عمى السموؾ اإلنساني.
كؿ ديف في العالـ والذي يسوده المشاكؿ ،يكوف ىذا بسبب ابتعاده عف منيج التعاليـ األساسية .لقد
سيطر تدريجياً كؿ مف الثروة والسمطة والطموح ،وكنتيجة لذلؾ تـ تدمير المكانة العميا لممبادئ
الروحية التي تأسست عمييا الحضارة أصبلً .بالتالي بدالً مف استدامة الخير قمنا باستخداـ الخير
كوسيمة لبلستعباد والسيطرة والتحكـ والييمنة ولفرض آرائنا وتعاليمنا عمى اآلخريف رغـ أننا نعجز
عف االلتزاـ بيا بنفسنا.
لذلؾ فإ ف الطبيعة ،بصفتيا ما ىي عميو ،لدييا أنظمة انضباط مختمفة لمخموقات متنوعة ومتفاوتة
في درجات التطور .يوجد نوع معيف مف نظاـ انضباط لؤلرنب ،ونوع آخر مف نظاـ االنضباط
135
طريقة الحكيم
136
طريقة الحكيم
ربما عمى الكائنات البشرية أف ال تموت موت طبيعي أيضاً .ربما الكثير مف اإلرىاب واأللـ والبؤس
نتطور إلى
ّ والمعاناة التي يختبرىا اإلنساف تعود إلى سبب أننا لـ ندرؾ حالة الكماؿ بعد .نحف لـ
المرحمة النيائية الكاممة لئلنسانية بعد .ربما يكوف ذلؾ الحؿ الذي ينتج في النياية أخوية البشرية
سوؼ ينتج أيضاً عممية انتقاؿ غير أليمة مف حياة إلى أخرى .لكننا ىنا اآلف كما نحف ،مع
محدودياتنا وآمالنا ومخاوفنا ،وفي ىذه المستويات مف التبصر عمينا أف نسعى إلى حؿ المسائؿ
اليومية لوجودنا .لذلؾ ع مينا تحضير نوع مف القانوف أو المبدئ الذي نستطيع العيش وفقو بحيث ال
يكوف مؤذي ألحد لكف يمثؿ فائدة لمجميع .ميما كاف ما نممكو ،عمينا أف نستخدمو بأكبر حكمة
ممكنة .االستخداـ الحكيـ يضمف إمداد جديد وأكثر وفرة .ميما كاف ما نممكو ،عمينا عدـ استنزافو
ىباء أو تحويمو إلى شيء عديـ القيمة بالنسبة لنا أو أي أحد آخر .نجد مثاؿ عمى ذلؾ في اإلدماف
وتعرض
ّ عمى الكحوؿ والمخدرات والسجائر ..كؿ ىذه األشياء تستنزؼ الماؿ وتدمر الصحة
الشخصية لمخطر في الحياة اليومية .مف بيف ىذه االستخدامات السيئة تبرز نسبة كبيرة مف
الجريمة .ومف الطموح لمثراء تبرز نسبة أكبر مف الجريمة .وصوالً إلى عصابات الجريمة المنظمة
التي تمثؿ أكبر مراكمات غير نزيية لممرابح.
كؿ ىذه األمور ليا أثر كبير عمينا وبالتالي عمينا التفكير بيا بشكؿ عميؽ ،واال سوؼ لف تكوف
النياية كما نأمميا .لذلؾ عمينا البدء عمى طريقتنا الخاصة .عمى الفرد أف يكافح بقدر ما يستطيع
إلقامة تواصؿ دائـ مع حياتو الداخمية .عميو أف يستمع إلى أسمى اإلليامات التي تأتيو بشكؿ
طبيعي .إذا أتاه شعور أو إلياـ فعميو أف ال يمغيو ويتجاىمو فقط ألنو غير عممي .عميو أف ال يسند
كؿ شيء عمى قوانيف منظومة أثبتت فشميا .عميو بدالً مف ذلؾ إسناد قناعاتو بأكبر قدر ممكف عمى
منظومة لـ ولف تفشؿ أبداً .الفشؿ ىو دليؿ عمى نقص مف نوع ما .الفشؿ يكوف حتمي بالنسبة لنا
ألننا ال نعرؼ أفضؿ مما نعرفو .لكف ال بد مف الفشؿ أف يتقمّص أماـ تمدد التكامؿ .ال بد لنا في
يوـ مف األياـ أف ننمو فوؽ فشمنا .إنيا مسألة وقت .نحف ىنا مف أجؿ النمو فوؽ الضعؼ ،النمو
فوؽ األنانية ،النمو فوؽ الطموح ،والنمو فوؽ السيطرة الكاممة لحياتنا مف قبؿ االعتبارات الجسدية
المادية.
إذا كنا سنبقى ىنا لوقت طويؿ ،ربما لمدة ألؼ سنة أو أكثر ،قد يبدو منطقياً أف نمنح الكثير مف
االىتماـ لوجودنا المادي .لكننا في الحقيقة ال نممؾ سوى وقت قصير جداً لمعيش ىنا في ىذا العالـ،
137
طريقة الحكيم
وبالتالي عمينا بطريقة معينة أف نكتشؼ كيؼ يمكننا استخداـ ما لدينا حالياً في سبيؿ التقدـ في
الحياة التي ستأتي بعد تجسيدنا الحالي في ىذا العالـ .الكثير مف الناس ال يؤمنوف بخمود الروح أو
انتقاليا مف حياة إلى أخرى بأي شكؿ مف األشكاؿ .وعدـ االعتقاد ىذا تـ تضخيمو وتعزيزه بواسطة
قدر كبير مف البروبوغاندا عبر عصور طويمة .أما في ىذا العصر الحالي فيناؾ سبب كبير لتعزيز
فكرة الحياة المؤقتة والمحدودة ،وىو أنو لو تـ ترسيخ فكرة خمود الروح والقبوؿ بيا كحقيقة ثابتة فيذا
سوؼ يؤثر سمباً عمى عممية مراكمة المرابح غير العقبلنية في الكثير مف المجاالت ،وىذا ال يناسب
أسياد النظاـ المالي القائـ كما ىو اآلف في العالـ .إذا كاف الفرد ال يممؾ سوى اآلف ليقوـ بعممية
المراكمة ،فعميو فعؿ ذلؾ اآلف .إذا كاف لديو القميؿ مف سنوات العمؿ باقية قبؿ خروجو عمى التقاعد
فعممية المراكمة والتجميع سوؼ تزيد أىميتيا بشكؿ كبير.
لكف في مكاف ما خمؼ كؿ ىذا ،كما يشدد عميو الحكماء دائماً ،كؿ منا لديو حياة خالدة ،حياة تسير
قدماً باستمرار ،متجاوزة حدود كؿ التجسيدات المتعددة .ىناؾ ذات باطنية تستمر في العيش رغـ
تعدد الحيوات المتتالية في ىذا العالـ المادي .ىذه الذات تحتفظ بسجبلت كافة األشياء التي تـ فعميا
بشكؿ صائب وسميـ ،ىذا باإلضافة إلى أف لدييا التصميـ عمى تصحيح كافة األخطاء واليفوات.
بالتالي كؿ شخص يمكنو أف يبدأ النمو مباشرة إذا أ ارد أف ينظر إلى حياتو ،ليس بالضرورة بطريقة
فمسفية ،بؿ وفؽ التفكير العقبلني الطبيعي .إذا لـ يكف ىناؾ مستقبؿ لشيء ما ،لماذا نكرس حياتنا
مف أجمو؟ إذا لـ يكف ىناؾ أي مبرر منطقي لتوجو معيف ،لماذا نتشبث بو بإصرار آلخر الزمف؟ إذا
كانت األشياء التي نحوزىا ال يمكننا أف نمتمكيا وفؽ مفيوـ األبدية ،لماذا إذاً نجعؿ الممكية عامبلً
ذو قيمة كبيرة؟ لماذا ال نعترؼ ونسمّـ بحقيقة أننا جميعاً ىنا ليس لنمتمؾ بؿ لكي نتقاسـ ونتشارؾ،
وأف كؿ ما نحوزه ىو ليس سوى استعارة أو إيجار؟ حتى جسدنا المادي ال نممكو بؿ نستعيره أو
نستأجره .نحف بكؿ تأكيد ال نممؾ أي حؽ المتبلؾ أي شيء ،إف كاف في بيئتنا المحيطة أو في
إنجازاتنا المختمفة .الشيء الوحيد الذي ىو خالد وأبدي يقبع في أعماؽ أنفسنا ،والذي ىو مانح الحياة
لكافة األشياء األخرى .تمؾ األشياء االخرى سوؼ تندثر وتتبلشى في النياية لكف ىذه الحياة سوؼ
تستمر في البقاء ،كما النور األبدي لمشمس.
عمينا بالتالي أف نف ّكر كيؼ يمكننا اليروب مف بعض حاالت البؤس التي نعاني منيا .في المحظة
التي تخفض فييا طموحؾ إلى مستويات معقولة سوؼ تتخمص مف الكثير مف القمؽ واإلرىاؽ .ليس
138
طريقة الحكيم
ىناؾ شيء في الوقت الحالي يساىـ أكثر مف ضغوطنا النفسية في خمؽ حاالت اليوس .الفرد الذي
يكافح مع أشياء ليس لو أي سيطرة عمييا سوؼ يصاب حتماً بالمرض النفسي والعاطفي .وبالرغـ
مف مرضو النفسي نجده مستم اًر في الصراع الميؤوس مع األشياء التي جعمتو مريض أصبلً.
خبلصو الوحيد مف ىذه الحالة ىو التوقؼ عف فعؿ ما يفعمو ،رغـ أف كؿ شيء سوؼ ينيار مف
حولو .إذاً ،ميما فعمو وكيفما حاوؿ لكي يتخمص مف ىذه الحالة سوؼ يبقى في مشكمة .ىناؾ
الكثير مما يمكف قولو عف العقؿ السميـ بالمقارنة مع المعمومات التي تبقيؾ خارج مشفى األمراض
العقمية .التكامؿ النفسي يعني وضع الفرد لعقمو في نظاـ .مع اعتمادنا اليوـ عمى العمـ في معرفة
التوجو السميـ ،عمينا إدراؾ حقيقة أف كامؿ ىذه المفاتيح العممية تأصمت مف الديف .قوة الشفاء
ّ مفاتيح
العظيمة في الحياة ىي االستقامة وسبلمة الخمؽ .وأف ىذه االستقامة تعني فعؿ ذلؾ الذي ىو األكثر
فائدة لكؿ ما ىو معني .ذاؾ الذي ىو مفيد فقط ألنفسنا وعمى حساب اآلخريف ىو خطير ومؤذي
ومضر.
ّ
بالتالي إذا أردنا البدء بعيش نوع جديد مف الحياة ،أو إذا أردنا أف نتحرر مف اليوس والحاالت
النفسية األخرى التي ترىقنا اآلف ،عمينا البدء بفعؿ أشياء كثيرة ،والعديد مف ىذه األشياء مرتبطة
بالماؿ .عمينا مثبلً معرفة كيؼ نتعامؿ مع المشاكؿ المختمفة لبلرتباط البشري .االرتباط باألىؿ،
االرتباط بيف الزوج والزوجة ،ارتباط الوالد بابنو أو بنتو ،واالرتباط مع الجيراف ..وغيرىا ،كؿ ىذه
األشياء وجب حميا .وأي حؿ مف الحموؿ ال ينتيي بسبلـ فسوؼ لف يكوف ىناؾ حؿ فعمي .فكرة أننا
نستطيع حؿ مسألة قائمة مف خبلؿ تجنبيا أو تجاىميا ،أو يمكننا التخبلص مف بعض األشخاص
عبر عدـ التكمـ معيـ ،كؿ ىذه األفعاؿ ىي غبية وال تمثؿ حموؿ لشيء .أينما وجدت عداوة أو
بغضاء وجب تصحيحيا .حتى لو لـ يصححيا الشخص عمى الجانب اآلخر فعمينا نحف القياـ بذلؾ.
عمينا أف نتوصؿ إلى نقطة بحيث ال يوجد أي عداوة أو أي مشاحنات .ال ُيسمح بوجود أي حاالت
تعصب أو إدانة لآلخر في حياتنا الداخمية ،ألف كؿ ىذه المشاكؿ ىي نتيجة أمراض عقمية أو
عاطفية .الشخص الذي نكرىو قد ال يعرؼ بأننا نفعؿ ذلؾ ،لكف الكره المتولد في داخمنا سوؼ يؤذينا
نحف .ال نستطيع تحمؿ ىذه األشياء ،خصوصاً بعد أف تصبح الحياة عموماً اليوـ أكثر تعقيداً
وحسماً.
139
طريقة الحكيم
ميما كاف مزاجنا سيئاً ،عندما نذىب إلى النوـ وجب أف نجعمو في حالة سبلـ مع الحياة .عمينا أف
ال نصحب إلى فراشنا قبؿ النوـ أي عداوة أو بغضاء مف أي نوع .إذا فعمنا ذلؾ فسوؼ يتـ
مضاعفتو وتنشيطو مف قبؿ عممية النوـ ،واذا كررنا العممية لفترة طويمة سوؼ يؤدي ذلؾ إلى مرض
العقؿ وجعمنا عاجزيف عف التفكير المنطقي والسميـ .أينما انطمقنا فنحف نبحث عف سبلـ .السبلـ
معيف ىو ليس الذي نبحث عنو .بؿ نحف نبحث عف حقيقة أف السبلـ يجب أف ُيستحؽ. مقابؿ سعر ّ
السبلـ ىو نياية ،النياية الوحيدة لمنزاع .فقط الفرد الذي وجد السبلـ داخؿ نفسو يستطيع الصمود
أماـ ضغوط حضارة ضالة وغير صالحة .فقط الشخص الذي يستطيع تقدير القيـ ،والذي ىو شفوؽ
أبداً رغـ عدـ الشفقة السائد حولو ،ولطيؼ أبداً في وجو المؤـ ،وكريـ أبداً في وجو األنانية ،فقط ىذا
النوع مف األشخاص بدأ بجمع تمؾ الكنوز التي يعجز المصوص عف سرقتيا.
نحف ننمو قدماً إلى ما وراء ذلؾ الذي حياتو تتجاوز الحياة الحاضرة ،وذلؾ وفقاً لمطريقة التي
عشناىا ىنا .وسوؼ لف نجد بأف الموت يغير أي مف ميزات شخصيتنا األساسية .إذا كنا حمقى في
حياتنا فسوؼ لف يجعمنا الموت حكماء .إذا كنا أنانييف في الحياة فسوؼ لف يجعمنا الموت كرماء.
إذا كنا مجرمي ف في الحياة فسوؼ لف يجعمنا الموت فاضميف .الموت سوؼ يواجينا بمشاكؿ معينة
لمساعدتنا مرة أخرى عمى إكماؿ عممية إصبلح أنفسنا .لكف الموت ال يمثؿ أبداً إمكانية التيرب مف
الميمات غير المكتممة .ىذه الميمات غير المكتممة سوؼ نأخذىا معنا إلى ما بعد الموت .وبعدىا
بفترة قصيرة نعود بيذه الميمات غير المكتممة إلى العالـ الذي يعاني مف ميمات غير مكتممة.
سوؼ يستمر ىذا األمر حتى تُحؿ األمور بالكامؿ .والحموؿ تبدأ دائماً مف أنفسنا .ألنو في الطبيعة
الشمولية لكؿ شيء نحف نذىب ونأتي ،والذيف ىـ األقرب إلينا لف يرونا مجدداً ،والذيف لـ نعرفيـ أبداً
سوؼ يكونوا المقربيف .لكف في كافة الظروؼ وكافة الحاالت ،سبلمة الخمؽ ىي التي ستصبح قاعدة
كؿ العبلقات الدائمة .أولئؾ الذيف ىـ أصدقاء حقيقيوف ىـ شرفاء ،الذيف لدييـ دوافع ونوايا مستترة
يكنوا أبداً صداقة حقيقية.
لـ ّ
لقد حصؿ حديث عف تقييد مدخوؿ الناس بحيث ال أحد يستطيع أف يكسب أكثر مف مبمغ معيف.
ىذا لو فائدة مف جوانب معينة إذا يمكف فرضو بالقوة .لكف أينما تـ فرضو سوؼ يكوف ىناؾ تسمؿ
لمجريمة .سوؼ يجدوف طرؽ معينة لخرؽ القانوف .إذا قيؿ لشخص بأنو ال يمكنو الكسب أكثر مف
خمسة وعشريف ألؼ في السنة ،سوؼ يوظؼ متخصص واثنيف مف المحاميف ويرشي أحد القضاة
113
طريقة الحكيم
الفاسديف لكي يضمف كسبو أكثر مف المبمغ المرصود لو .ال نستطيع منعو عبر الوسائؿ القانونية.
يمكننا منعو فقط مف خبلؿ االستقامة األخبلقية .ال نستطيع منع الفرد مف أف يكوف أناني فقط عبر
وضعو في السجف .حتى أننا ال نستطيع منعو أف يكوف مجرماً مف خبلؿ وضعو في السجف أو
إدانتو قانونياً .قد نستطيع بذلؾ أف نبعده عف المجتمع ،لكف مف خبلؿ فعؿ ذلؾ فإف المجتمع لف
يحؿ مشاكمو .السجف إذاً ىو مف أجؿ معاقبة الشخص .لكف المشكمة الكبرى ال تكمف في كيفية
معاقبة المجرـ ،بؿ تكمف في لماذا وجدت أصبلً مشكمة اإلجراـ في حياتنا االجتماعية.
مف المثير معرفة حقيقة أنو يوجد حضارتيف مف التي نعرفيا في التاريخ والتي لـ تستخدـ أي وسيمة
لمتبادؿ التجاري ،أي ىي لـ تعرؼ أبداً التعامؿ بالماؿ .أوليا ىي حضارة المايا في أمريكا الوسطى،
والثانية ىي حضارة اإلنكا في البيرو .كانتا حضارتيف متقدمتيف بشكؿ كبير ،كما أنيا كانتا راقيتيف
مف ناحية الفنوف والعموـ ،خصوصاً ميارتييما الطبية الكبيرة ومعرفة رفيعة في عمـ الفمؾ
والرياضي ات والموسيقى وغيرىا ،لكف باستثناء أي معرفة باألمور المالية أو أي وسيط تبادؿ مف أي
نوع .وكنتيجة لعدـ وجود أي وسيط مالي ،عندما قاـ الفاتح األسباني "فرانشيسكو بيزارو" بسؤاؿ
اإلنكا في البيرو عف ماذا يفعموف بالمجرميف لدييـ ،نظر إليو رجؿ اإلنكا مستعجباً وقاؿ أنا ال
أعرؼ ،فنحف ليس لدينا مجرميف! الخبلصة ىي :إف غياب الوسيط المالي ساىـ في خفض معدؿ
كبير مف الضغط ،ساىـ في خفض منسوب الغيرة والمؤامرة والمحتكريف والكارتيبلت والنخبة المالية
وغيرىا مف عوامؿ ليا عبلقة بالربح أو الخسارة .وبعد أف تـ إلغاء فكرة الربح والخسارة بسبب عدـ
عمميتيا أو عدـ الحاجة ليا ،حصؿ تنضيؼ لمجاؿ كامؿ مف الخطيئة والجريمة في المجتمع .ىذا
المجاؿ بمفيومو المتمحور حوؿ موضوع الماؿ ،الربح والخسارة ،ىو الذي يجمب الجريمة إلى
الحضارة ،إف كاف بالتدريج أو بشكؿ فوري.
الذي عمينا تعممو أكثر مف أي شيء آخر ىو كيؼ نحوؿ عدـ الفائدة إلى فائدة .العالـ مميء
باألشياء التي وجب فعميا .العالـ ىو بحاجة ماسة ألف نعمؿ معاً ككياف جمعي واحد لكي نصمف
توفر الطعاـ لؤلجياؿ المستقبمية ،ولكي يتـ إلغاء كافة اإلمكانيات التي تؤدي إلى حصوؿ الحروب.
ألف الحرب ىي دائماً نوع مف المعبة ،ىي نوع مف ممعب لمطموحات بحيث يموت المبلييف مف
البائسيف الضعفاء لكي يتـ اإلبقاء عمى عجرفة األقمية النخبوية .في المحظة التي تبدأ فييا بالتفكير
بخصوص اإلنسانية فسوؼ يوجد الكثير مف األمور التي يمكننا فعميا بواسطة الماؿ .يمكننا مساعدة
111
طريقة الحكيم
كؿ شيء بحاجة إلى مساعدة .يمكننا إصبلح وتصحيح المناىج التعميمية .يمكننا تطوير طريقة حياة
جديدة بحيث التكريـ يكوف موجو إلى الذيف قدموا األكثر لمخير العاـ .عالـ حيث كؿ فرد فيو فخور
بما يفعمو .إذا قمنا بإنجاز شيئاً ،ليس ضرورياً أف نعتمد عمى الماؿ لنيؿ المكافئة والتقدير .الكثير
مف اإلنجازات العظيمة في التاريخ تمت في سبيؿ الفقراء .بعض الفق ارء الذيف كاف لدييـ القميؿ مادياً
قد منحونا أحياناً قيمة خالدة سوؼ تستمر إلى األبد عبر األجياؿ المستقبمية.
كؿ مف حضارة المايا في أمريكا الوسطى وحضارة اإلنكا في البيرو لـ تستخدما أي وسيمة لمتبادؿ
التجاري ،أي شعوبيا لـ يعرفوا أبداً التعامؿ بالماؿ .ورغـ ذلؾ كانتا حضارتيف متقدمتيف بشكؿ كبير
في كؿ النواحي ،الفنية والعممية والطبية واليندسية والفمؾ ،...لكف باستثناء أي معرفة باألمور المالية
أو أي وسيط تبادؿ مف أي نوع .ربما ليذا السبب لـ يوجد لدييـ سجوف أو مجرميف.
112
طريقة الحكيم
ىا نحف اآلف أماـ عدد كبير مف األمييف الذيف ال يقرأوف أو يكتبوف ،والكثير مف المشاكؿ الصحية
التي ليس ليا حؿ ،وازدحاـ السير عمى الطرؽ والشوارع ،وازدحاـ السجوف بعدد يفوؽ استيعابيا،
واستغبلؿ كؿ مصدر مف المصادر العامة ،وغيرىا وغيرىا ..لدينا الكثير مف األمور التي عمينا
االنشغاؿ بيا .نحف نسمع أخبار مف ىنا وىناؾ تتحدث عف إنجازات منفردة بسيطة ،مثؿ بمدة معينة
تعبت مف تعرضيا لبلستغبلؿ انتفضت ضد المشكمة وقامت بحميا بنفسيا ولـ تنتظر الحكومة.
حصؿ الحؿ بفعؿ العقبلنية والتوقؼ عف الثرثرة االنتقادية التي لـ تؤدي إلى مكاف ومف ثـ القياـ
فعمياً بعمؿ خبلؽ .رويداً رويداً فإف التحكـ بأنفسنا سوؼ يجعمنا أناس قادروف عمى المساىمة في
تقدـ معيف ،واذا كاف لدينا القميؿ فعمينا استخدامو بحكمة .الرجؿ الفقير الذي يساىـ بدوالر واحد
يكوف عممو محموداً ومساوي تماماً لمرجؿ الثري الذي ساىـ بمميوف دوالر .عمينا أف نكوف فخوريف
حي.
فقط بما نقدمو وما نفعمو ،وما نساىـ بو لتقدـ وفائدة كؿ ما ىو ّ
لـ يعد ىناؾ أي وقت لمطائفية والمذىبية وكؿ تمؾ المنافسات والنزاعات بيف العقائد المختمفة ،وكؿ
ذلؾ السعي السخيؼ لمحاولة إقناع اآلخريف إلى االنتماء إلى العقيدة أو المذىب أو الحزب أو
غيرىا .ىذه األمور لـ تعد ضرورية ،ولـ تكف كذلؾ سابقاً .وفي الحقيقة فإف معظـ ىذه المسائؿ ليا
جذورىا في الوضع االقتصادي .يقبع الماؿ عند جذور الفساد المستشري في المجاؿ التعميمي والديني
بنفس المستوى الذي يكوف فيو بمجاؿ األعماؿ والتجارة .لذلؾ لدينا مشكمة كبيرة .مشكمة المبمغ
المالي الكبير الذي يخدر العقوؿ والذمـ والنفوس .نحف نخدر أنفسنا حتى الموت بواسطة الماؿ .نجد
أننا مستعدوف لدفع مبمغ ىائؿ مف الماؿ لتناوؿ المخدرات ،وقد نرتكب جريمة في سبيؿ الحصوؿ
عمى الماؿ لشراء المخدرات .لكننا في الحقيقة نفعؿ األمر ذاتو في المجاؿ االقتصادي ،حيث نخرؽ
كؿ قوانيف المجتمع اإلنساني في سبيؿ كسب المرابح .والمربح يجعمنا نشعر بأننا ارتفعنا فوؽ
اآلخريف عشرة أمتار ونظف بأننا عمالقة .نكتشؼ في النياية أف ىذا العمؿ يعيقنا مف فعؿ أي شيء
آخر أفضؿ .رويداً رويداً أصبحنا نعيش فقط مف أجؿ تمؾ المحظات التي نشعر فييا بأننا نرتفع
عشرة أمتار .يبدو فعبلً أف الثروة تسبب لنا نفس الشعور ونفس المشاكؿ التي تجمبيا المخدرات
لممدمنيف .كؿ شيء حولنا مضطرب ومتخبط .قد يظف الفرد بأنني مصاب بدرجة مبالغ بيا مف
التشاؤـ لكف ىذه ليست الحقيقة .أعتقد بأف الجواب عمى كؿ ىذا الوضع البائس ىو مجيد وال يمكف
تصور إمكانياتو الرائعة .أوالً عمينا إدراؾ حقيقة أف ىذه األخطاء ال يمكنيا البقاء قائمة إلى األبد.
مف بيف كؿ ىذه األخطاء والمعاناة المصاحبة ليا سوؼ يبرز الحؿ العظيـ الذي كمنا نسعى إليو.
113
طريقة الحكيم
سوؼ لف يتحسف وضعنا قبؿ أف نشعر بأننا غير مرتاحيف في ىذا الوضع الذي يسوء مع الوقت.
سوؼ لف نسعى إلى حؿ المشاكؿ قبؿ أف تزعجنا ىذه المشاكؿ إلى درجة تفوؽ التحمؿ.
ىا نحف أماـ مشكمة الثروة .إنيا مشكمة فصيمتنا البشرية والتي جمبناىا معنا كامنة في البلوعي لدينا.
اإللو لـ يمنحيا لنا ،بؿ منحنا فقط الطبيعة مف حولنا ،لكننا حولناىا إلى ممتمكات خاصة وعامة
وربطناىا بالمنظومة االقتصادية القائمة .لكف الحقيقة تبقى ذاتيا ،نحف نقترب إلى نقطة بحيث كافة
أوراؽ التوت التي تستر عوراتنا تبدأ بالتساقط .نحف نقترب مف النقطة بحيث لـ نعد نصدؽ بعضنا
البعض أو نثؽ ببيعضنا البعض .نحف موىوموف بوسائؿ الترفيو الفاسدة ،وضائعوف في متاىات
اآلداب ،ونخاؼ كثي اًر مف العمـ وما ينتجو مف أخطار ،ونعرؼ بأننا مفمسوف تماماً بخصوص المجاؿ
الفمسفي .الجيؿ العصري ال يممؾ سوى القميؿ جداً لتقديمو .كؿ ىذه األمور أصبحت مزعجة ومقمقة
بدرجة كبيرة ،لدرجة أننا لـ نعد نستطيع تحمميا .ال نريد أف نجمس في نياية النيار أماـ برنامج
تمفزيوني بائس والذي يؤذينا ويييننا .ال نريد أف نتعرض لبلستغبلؿ كمما دخمنا إلى متجر أو دكاف.
ال نريد أف ندفع مرتيف لكؿ شيء نشتريو .ال نرغب في أف نكوف ضحايا لكافة أنواع االستغبلؿ .ال
نرغب في رؤية التضخـ المالي يرتفع بيف الحيف واآلخر .كؿ ىذه األمور ليا عبلقة مباشرة بالماؿ.
وكميا ليا عبلقة بما قالو الرجؿ الثري ،حيث قاؿ أنو ميما طمب مف أسعار فبل بد مف أف يجد أحد
ليشتري السمعة .وىذا بكؿ تأكيد صحيح .نحف مستعدوف لشراء أي شيء حتى لو كمؼ ذلؾ آخر
قرش في جيبنا .لكف األشياء التي ال يمكننا شراءىا ىي األشياء التي نحتاجيا أكثر مف أي شيء
آخر .نحف مثبلً بحاجة لبلستقامة األخبلقية التي تمنعنا مف شراء أشياء ال نحتاجيا.
نحف في حقيقتنا كائنات بسيطة .نحف نرغب في األماف ،نرغب في تعميـ سميـ ألوالدنا ،نرغب في
العمؿ بمينة بناءة والقياـ بعممنا بشكؿ جيد .ىذه األمور سوؼ تكوف متوفرة لمجميع ،لكف إذا توقفنا
المجردة مف التناغـ السميـ .عمينا أف نتخمى
ّ عف كؿ أنواع الخداع والتشويو لمحقيقة وغناء األناشيد
عف فكرة أف ىذه الحالة يمكنيا البقاء إلى األبد ،وأف ال شيء يكمف في المستقبؿ سوى المزيد مف
ىذه الحالة ذاتيا.
بدأنا اآلف ندرؾ شيء آخر مثير .ىناؾ ظيور تدريجي لممقاومة المنظمة ضد الفساد .ىناؾ بروز
تدريجي لئلصرار المنظـ ،ليس لدعـ ذاؾ الذي نعتقده ،بدأت ىذه األفكار تظير في الكتب ىنا
114
طريقة الحكيم
وىناؾ وبدأت الناس تتكمـ عنيا ،والمجموعات الدينية تشجع عمييا ،حتى السياسييف يشيروف إلييا
بصيغة مترددة ،لكف في النياية وبشكؿ عاـ ،يوجد شعور بانطبلؽ عممية إصبلح عالمية .إذا كاف
ىذا صحيحاً وبدأنا أف نشعر فعبلً بأف الوقت قد حاف لحصوؿ تغيير شامؿ فما ىو سبب ىذا
الشعور الجديد؟ الجواب ىو :الماؿ .ال أقصد بالماؿ األرباح التي سوؼ نكسبيا مف ىذه العممية ،بؿ
بالوضع المالي الذي ال نستطيع تحممو كما ىو عميو اآلف .بدأنا ندرؾ تدريجياً بأننا نتعرض
لبلستغبلؿ باستمرار مف قبؿ بعضنا البعض وذلؾ في سبيؿ الربح وحده .وبدأنا ننتبو إلى حقيقة أننا
بدأنا نشعر بالتعب والممؿ مف كامؿ العممية .لـ نعد نريد ببساطة أف نكوف مبذريف ألموالنا لمصمحة
شخص آخر .نحف نراقب األسواؽ المالية ترتفع وتنخفض ،ونراقب المضاربة والتداوؿ المالي الذي
يحصؿ في تمؾ األسواؽ المالية كما لعبة القمار .بدأ األمر يصبح أكثر سخافة مع مرور كؿ يوـ.
بدأنا نصحو تدريجياً إلى حقيقة أننا عبيد لمنظومة مالية .نحف عبيد لؤلشخاص الذيف يفسدوف تمؾ
مجرد وسيط لمتبادؿ.
المنظومة لمصمحتيـ الخاصة .حتى أف الماؿ بذاتو لـ يعد يسمح لو أف يكوف ّ
بدأ التعامؿ بو يعتمد عمى دوافع مبيتة .كؿ تداوؿ مالي لـ يعد ييدؼ لبلستخداـ بؿ مف أجؿ الربح.
كؿ عممية تجميع ومراكمة لمماؿ أصبحت دائماً عمى حساب اآلخريف .أنا ال اعني أف األمر سيء
أو وجب إدانة اآلخريف .األمر ال يتعمؽ بيذا الجانب .لكف بدأنا نصؿ إلى النقطة التي مفروض
عمينا االرتقاء فوؽ ىذه المسألة .قد نرغب في االعتقاد بأف أسبلفنا عجزوا عف فعؿ شيء أفضؿ
بخصوص الموضوع ،لكف ىذا ليس سبباً يجعمنا نعتقد بأننا ال نستطيع فعؿ شيء أفضؿ بخصوصو.
أصبح لدينا فرص أكثر وفيـ أكبر ومعرفة أوسع بالمقارنة مع أي جيؿ آخر سبقنا ،ورغـ ذلؾ نحف
في الحالة األسواء بالمقارنة معيـ.
ال يمكف ليذا الوضع أف يستمر ،وىو ليس بحاجة ألف بستمر أصبلً .والجواب الشافي لكامؿ ىذا
الوضع ىو إدراؾ حقيقة أف الثروة لـ يعد بإمكانيا أف تمثؿ القوة الدافعة والموجية لمحضارة .الثروة
تبقى موجودة ونحف بحاجة ليا .فنحف ال نرغب اليوـ أف نحمؿ معزاة إلى السوؽ لمبادلتيا كما كانوا
يفعموف في الماضي قبؿ استخداـ الماؿ .وجب أف تكوف الثروة وسيط لبلستخداـ .الثروة ىي خادـ
سيد رىيب .الثروة موجودة لكي يتـ استخداميا وجعؿ الحياة أكثر سيولة ويسر ،وليس مف
جيد لكنيا ّ
أجؿ إفسادىا .يقوؿ البعض بأف المجموعات المالية الصغيرة التي تقطف في لندف ونيويورؾ ىي التي
تحوؿ الحياة إلى جحيـ بالنسبة لئلنسانية جمعاء .لكف ىذا ليس صحيحاً .الحقيقة ىي أننا سمحنا
لمماؿ بأف يكوف شيئاً قائماً بذاتو ،يكوف قيمة ممثمة بالماؿ وحده ،وأف الرجؿ يعتبر ثري إذا كاف لديو
115
طريقة الحكيم
عندما نرسؿ ابننا إلى الجامعة عمينا أف ال نفكر إذا عمينا أف نجعمو طبيب أو محامي أو بعض مف
تمؾ الميف التي تدر أمواؿ أكثر .عمينا أف نمنحو التعميـ الذي يمكنو مف تحسيف نفسو وآمالو
الداخمية واليامو وقناعاتو .وجب أف ُيمنح فرصة إلطبلؽ شيئاً مف داخمو ،ألف نمو الناس يأتي مف
إطبلؽ اإلمكانيات الداخمية لممواطنيف .كؿ عضو في المجتمع البشري لديو شيئاً ليقدمو .لكف القسـ
األكبر مف المجتمع ال يريد ما ُيقدـ إليو بيذه الطريقة .بؿ يريد فقط ذلؾ الذي يمكنو مف استغبلؿ
بعضو البعض إلى آخر الزماف.
وجب أف ُيستخدـ الماؿ لضماف أف أفضؿ األشياء في الحياة تكوف متوفرة لمذيف يريدوف أف يجنوىا.
وعمى كؿ االفراد أف يتمقوا تعميـ كافي ليساعدىـ عمى التمييز بيف الخطأ والصح .ليس ىناؾ سبب
نخرج اليوـ مف الجامعات العظيمة أشخاص ال يعرفوف إف كانوا خيريف أو سيئيف ومعظميـ يجعمنا ّ
ال يأبيوف بذلؾ .عمينا إذاً أف ننتقؿ بالموضوع مف قاعدة اقتصادية إلى قاعدة أخبلقية .واالستخداـ
األخبل قي لمماؿ سوؼ يكوف مساعد ىائؿ .قد يشابو األمر عممية االستخداـ األخبلقي لمدواء .العموـ
والفنوف الطبية تمثؿ مساعدة عظيمة إذا لـ يتـ استغبلليا .يمكننا إيجاد أشياء عظيمة ورائعة في
كافة االستكشافات التي حققناىا .لكف عمينا مف داخؿ أنفسنا تنمية تمؾ القوة التي يمكنيا التنسيؽ بيف
تمؾ االكتشافات المختمفة وتكريسيا لخدمة الحاجة اإلنسانية .عمينا أف نفعؿ ما ىو ضروري لحماية
وتقدـ أسباب وجودنا .العالـ يتزايد دائماً في عدد سكانو .كما أف التيديدات المؤدية لتدميره تتزايد
116
طريقة الحكيم
يومياً .ىذه األشياء وجب مواجيتيا .الماؿ لف يستطيع استرجاع ما تدمر عبر دفع ثمنو .الماؿ لف
يدفع ثمف السبلـ ،بؿ سوؼ يدفع ثمف التسميح لضماف وجود الحروب .الماؿ لف يدفع ثمف
المساعدة ،لكنو وفؽ استخداـ سميـ ومناسب أف يساىـ في تطوير المعرفة التي تستطيع المساعدة.
يستطيع الماؿ المستخدـ بشكؿ سميـ وصائب أف يساىـ في تقدـ أي شكؿ مف أشكاؿ المعرفة التي
تفيد اإلنساف ،وحؿ معظـ المشاكؿ االجتماعية في المجتمع .يمكنيا أف تعالج مشاكؿ كثيرة تتعمؽ
بالنزاع وعدـ التفاىـ العائمي .يمكنيا أف تؤثر عمى العبلقة بف الوالديف والولد .يمكنيا أف تؤثر عمى
كؿ شيء بشكؿ بناء .لكف وجب أف تمثؿ عمـ يرشدنا كيؼ نستخدـ ،وبشكؿ بناء ،األدوات العائدة
لمعرؽ البشري .وجب أف نجد طرؽ لفعؿ األشياء التي وجب فعميا .واف جمبت لنا المرابح أـ لـ
تجمبيا فيذا ال ييـ .ذلؾ الذي يربح اإلنسانية ىو أكثر أىمية مف المربح الذي يذىب إلى المصرؼ.
لدينا إذاً ىذه المشكمة المتعمقة بالثروة ،والتي ال تجعميا ممثمة لخطر ميدد ،بؿ بصفتيا تحدي .الفرد
الذي يستطيع النمو فوؽ سيطرة ما يممكو عميو ،ويصبح مكرساً لما ىو عميو ،سوؼ يحقؽ الكثير
لنفسو ولآلخريف .يمكننا أف نكوف أناس أكثر سعادة ،إذا خضعت إدماناتنا الخارجية لسيطرة قناعاتنا
الداخمية .واذا لـ يكف لدينا ما يكفي مف قناعات إلثبات ىذه الحقيقة فيذا يعني أننا لـ نتمقى ما يكفي
مف معرفة وعمـ ،وىذا يتطمب اإلجراءات البلزمة لنضمف أننا تمقينا التعميـ المناسب والصحيح .وجب
أف ال يتخرج أحد مف المدرسة إذا ال يعمـ الفرؽ بيف االستقامة األخبلقية والربح المادي .والذي ال
يعمـ الفرؽ بيف التعاوف والمنافسة .وأيضاً ،وجب أف ال يتخرج أحد ال يدرؾ حقيقة أف التنافس ىو
الموت الحتمي لمتجارة السميمة .كؿ ىذه األمور وجب أف يتـ التعامؿ معيا بطريقة سميمة.
نحف نعيش عمى كوكب صغير يطوؼ في مساره في مكاف ما في الفضاء .وجدنا ىنا لبعض الوقت
ون رغب في أف نستمر ببقائنا لفترة أطوؿ .لكف لتحقيؽ ذلؾ عمينا أف ندرؾ حقيقة أننا كائنات منفية
بعيداً في الفضاء .وفي يوـ مف األياـ قد نقوـ برحمة استكشافية إلى كوكب أورانوس ولف نجده قابؿ
لمعيش .نحف ىنا لكي نتعمـ كيؼ نتعايش مع بعضنا البعض ونصبح ما لـ نتمكف أف نكونو بعد،
وىي عائمة واحدة سعيدة .عائمة يكوف كافة أعضائيا ميتميف بفائدة ومصمحة اآلخريف .كؿ فرد يأمؿ
األفضؿ لمجميع .نكوف سعيديف ومبتيجيف لنجاح اآلخريف إذا كاف ىذا النجاح صالحاً .إذا وجدنا
أحدىـ لديو فكرة جيدة وبنائة نقؼ وراءه وندعمو .ليس ىناؾ سبب وراء استعدادنا لتمويؿ كؿ خطة
تآمرية ممكنة بينما نتردد ألقصى درجة في تمويؿ أي شيء يساىـ في الخير العاـ.
117
طريقة الحكيم
داخؿ الطبيعة البشرية يوجد شيء خفي جداً .في مكاف ما يكمف بداخمنا يوجد آلية أكثر تطو اًر مف
أي شيء يمكف لئلنساف اختراعو .بعض الناس يعتقدوف بأننا نحوز عمى الكمبيوتر الحيوي الوحيد،
لكف الحقيقة ىي أف الكمبيوتر الذي نعرفو اليوـ يساوي جانب واحد صغير في العقؿ البشري.
والكمبيوتر الصناعي الذي نعرفو اليوـ ال بد مف أف يتعطؿ وتسوء حالو في النياية ألنو تـ اختراعو
لغاية الكسب بدالً مف االستخداـ السميـ .أينما يقوـ الفرد باالختراع فقط لغاية التقدـ في تجميع
الثروة ،سوؼ لف نجد الجواب الذي نبحث عنو ىناؾ .لكف يوجد في كؿ شخص مركز لموعي ،وىو
مشابو أكثر أو أقؿ لكمبيوتر كوني ،إذا صح التشبيو ،يوجد شيء فيو يعرؼ أكثر مما يمكف لئلنساف
معرفتو عمى مدى زمني طويؿ .يوجد ىناؾ ش اررة مف األلوىية األبدية ،تمؾ الحياة والنور عديـ
التسمية ،والذي يتجمى في كؿ مخموؽ أو كائف في ىذا العالـ .ىذا الشيء الذي يمثؿ األخبلؽ
األعظـ والنزاىة األعظـ .ىو قوة ىائمة .ىو قانوف مجرد مف الكممات .قانوف مدعوـ فقط مف قبؿ
صبلحو وعفتو .داخؿ كؿ إنساف يوجد إمكانية .يوجد فف وموسيقى وأدب ..جميعنا موىوبيف
بمصادر داخمية أكثر قيمة مف أي شيء يمكننا تعممو عبر الدراسة في المدرسة.
الغاية مف التعميـ كما فيميا القدماء ىي تعزيز واطبلؽ العزيمة الداخمية .التعميـ ىو في األصؿ
عممية تحفيز الداخؿ ليخرج ويتجمى خارجاً ويصبح معروفاً .أما اليوـ فإف التعميـ ييدؼ إلى حبس
الذي في الداخؿ ومنعو مف الخروج .وذلؾ عبر منع الفرد مف القياـ بأي تفكير بنفسو .نحف نرغب
في الفرض عمى كؿ طفؿ المظير المخادع الذي نعاني منو نحف .نريدىـ أف يقترفوا نفس األخطاء
التي نقترفيا .ونعتقد مرتاحيف الباؿ بأنو بعد أف نرحؿ مف ىذا العالـ ،وليس قبؿ ،سوؼ يكتشؼ
أوالدنا كـ كنا مخطئيف .ىذا ال يعود سببو إلى أف الجميع ينوي أف يكوف مخادعاً .إنو فقط قصر
نظر ،مع فقداف كمية كبيرة مف القيـ .عندما كاف الديف ميماً في العالـ كاف لدينا الكثير مف
االستبداد والطغياف .لكف كاف لدينا في الوقت نفسو مخزف كبير مف االستقامة والنزاىة والتي
أصبحت اليوـ مفقودة لدينا .الديف كاف شيئاً وضع قوة إليية فوؽ غاياتنا البشرية الدنيوية .الديف
تحدث وفؽ مفيوـ الغاية اإلليية ،سبب إليي لئلشياء ويتجاوز أخطائنا وسوء توجيينا ،وأنو بطريقة
ما عبر الكشوفات واألنبياء والحكماء والصوفية وغيرىا ،يمكف إيصاؿ ىذه الخطة اإلليية لمبشرية.
جميع اآللية عبر العصور التاريخية تحدثوا مع رسميـ ومتنبئييـ في سبيؿ إرشاد وتحسيف البشرية.
لقد استممنا منيـ جميعاً شرائع وقوانيف ذىبية ووصايا وكؿ أنواع النصح والتوجييات ،حوؿ كيفية
118
طريقة الحكيم
العيش كأشخاص ،وكيؼ يمكف لمفرد أف يصقؿ وييذب قناعة معينة بداخمو والتي تجعمو مستحقاً
متديف بالفعؿ ،أو يكرس نفسو لمغاية الكونية لؤلشياء.
العتباره شخص ّ
كؿ ىذه الدوافع والمحفزات الداخمية تـ قمعيا وقمعيا بالكامؿ اليوـ .نحف لـ نعد نمنح أي فرصة لمفرد
أف يمثؿ نفسو .نفرض عميو ،بنية حسنة طبعاً ،فقط ذلؾ الذي يمنحو األماف الجسدي .ورغـ ذلؾ
نجد أف ذلؾ األماف الجسدي يتبلشى مع مرور كؿ يوـ .ىو يتبلشى أمامنا بسبب سوء تصرفات
طبيعتنا .بالتالي ال بد مف وجود شيء أفضؿ .كؿ األشياء المادية والممموسة ىي أدوات لما ىو غير
مرئي وغير ممموس .كؿ شيء يستخدـ عموماً ىو أداة لغاية سرية .عيوننا ليست فقط لكي نرى فييا
األشياء أو نشاىد بيا التمفزيوف ،بؿ عيوننا موجودة مف أجؿ مساعدتنا عمى فيـ الحياة وفيـ
الطبيعة .ىي تمنحنا الممكة أو القدرة عمى تغذية كافة أنواع النبضات والرغبات والشيوات السرية
الداخمية والتي ىي نبيمة بذاتيا .آذاننا موجودة لسماع األشياء الجيدة وليس ضجيج موسيقى الروؾ
أند روؿ .ممكاتنا المختمفة وادراكاتنا الحسية المتنوعة تفتح لنا عوالـ تتجاوز حدود استيعابنا .نستطيع
مشاركة حكمة كؿ األزماف .نستطيع تقبؿ فضائؿ الماضي .نستطيع النمو مع كؿ شيء ينمو .إال
إذا كبمنا أنفسنا بنوعية محددة مف العيش والتي ترفض أي شيء غير قابؿ لبلستثمار المالي .عمينا
أف نتخمص مف تمؾ الفكرة القائمة بأف كؿ أنواع النجاح تقاس وفؽ مفيوـ الربح المالي .لكف ماذا
سيربح اإلنساف إذا كسب الكوكب بكاممو لكنو فقد روحو؟ الناس لـ تعد تتذكر ىكذا حكـ وأقواؿ ألنيا
تزعجيـ وتشعرىـ بالحرج .لكف في ىذه المقولة حقيقة ىائمة ،والناس بحاجة أحياناً لمشعور بالحرج.
لكنيـ مع ذلؾ لف يتقبموا الفكرة مف المقولة السابقة .سوؼ لف يتبعوا أبداً الطريقة األخرى المخالفة
لطريقتيـ المنحرفة الحالية .لكف بطريقة معينة وتحت ضغط الظروؼ ،وعبر تحطيـ منظومة مسخة
أثبتت فشميا حتماً ،ربما يمكننا أف نقترب أكثر إلى إدراؾ تمؾ المنظومة التي مقدر ليا أف تنجح.
مف بيف كامؿ ىذه المسألة نجد أف موضوع اإلنسانية يواجو الخطر الحقيقي .نحف كائنات بشرية.
البشرية تعني المعاممة اإلنسانية ،تعني الرفقة ،الرأفة ،التعاوف ،كرـ األخبلؽ ،الحياة المطيفة .بصفتنا
كائنات بشرية ،ليس مفروض عمينا أف نعاني مف صراعات الغابة والتي مف المفروض أننا تركناىا
ويدمر مف أجؿ ورائنا منذ زمف بعيد .لـ نعد نمثؿ جزء مف ذلؾ الذي يقتؿ لكي يعيش .أو يقاتؿ ّ
تثبيت منطقة السيطرة .كؿ ىذه األشياء تنتمي لشكؿ حياة مف المفروض نظرياً أننا ارتقينا فوقيا.
بالتالي بصفتنا كائنات بشرية ،إنو مف حالتنا الطبيعية أف نجتمع معاً بسبلـ وبطريقة صدوقة .نحف
119
طريقة الحكيم
بشر بكؿ بساطة ،وأساس إنسانيتنا ىو التعاوف .نحف أوؿ مخموقات نعرفيا حتى اآلف والتي أصبحت
عمى إدراؾ بحقيقة أننا نستطيع العيش سوياً بسبلـ .نحف المخموقات الوحيدة التي وضعت أىداؼ
كثيرة فوؽ أولوية الطعاـ والتوالد .نحف المخموقات الوحيدة التي رفعت نظرىا باتجاه شيء سامي،
وأدركنا بأننا بطريقة ما نمثؿ أقارب المبلئكة .نحف نعرؼ أفضؿ .نحف نشعر ونحس بأننا ُمنحنا شيئاً
مف المفروض أف نستخدمو بحكمة وبمحبة وببراعة .واذا استطعنا فيـ ىذه الحقيقة ،سنكتشؼ بأف
كؿ ما نتوصؿ إليو ،كافة المعادف في باطف األرض ،كافة النباتات في األرض ،كافة القوى الطبيعية
المتنوعة مف حولنا ،كميا موجودة ىنا لكي تساعدنا .ىي تمثؿ أجزاء مف البيئة .لكف ليست قوى
البيئة ىي التي تقولبنا ،بؿ نحف الذيف نقولبيا جميعاً .إذا الغابة لـ تغيرنا مف األساس ،بينما نحف
لدينا القدرة عمى تدمير الغابة إلى األبد ،مف األفضؿ اف ننضبط ونعيش بطريقة صائبة لكي تبقى
الغابة وتستمر في الحياة .باإلضافة إلى كونيا ترعانا وتيتـ بحاجاتنا ،ىذه الغابة تفعؿ الشيء نفسو
مع آالؼ الكائنات األخرى.
بالتالي فإف الحماية والحب والتفيـ ،جميع ىذه العوامؿ تساىـ في تقدـ الغاية .بينما الطمع يدمر.
ذلؾ الذي ىو أناني يعمؿ عمى تدمير نفسو حتى آخر الزماف .بالتالي فقد حاف الوقت لؤلشخاص
المتعقميف أف يولو ىذا الموضوع المزيد مف االىتماـ .نحف ىنا ألننا نؤمف بأننا نحاوؿ إيجاد طريقة
حياة أفضؿ .نحف نبحث عف تمؾ الحقائؽ التي تحافظ عمى بقائيا بعد تبلشي األمـ والحضارات.
نحف نبحث عف طريقة غير مؤذية ،حيث الرحمة لمجميع واإلحساف لمجميع .ىذا النوع مف التفكير
يعتبر جوىري جداً بالنسبة لؤلئؾ الذيف يحاولوف أف يكونوا أناس أفضؿ .ألنو مع كؿ جيودنا ألف
نكوف روحييف فعمياً وحكماء فعمياً وانسانييف عممييف فعمياً ،يبقى ذلؾ النؽ بداخمنا والذي يعود سببو
إلى العطؿ والضرر الذي سببو التدريب الخاطئ .أينما يوجد ضرر عمينا تحديده وتمييزه ومف ثـ
تصحيحو .إذا تـ إنشائنا وتربيتنا بطريقة خاطئة فعمينا إذاً أف نرتقي فوؽ أخطاء الماضي ونعيش
عبر فضائؿ المستفبؿ .ىذه ىي األشياء التي عمينا فعميا ،واذا فعمناىا سوؼ نجد بأنو كؿ وسيط
مالي نحوزه لـ يعد يمثؿ شي شرير وجب مقاتمتو ،بؿ شيء جميؿ وجب استخدامو ،والذي قمنا سابقاً
بتشوييو بسبب أنانيتنا .كافة المصادر الطبيعية ىي خيرة ،لكف تشويييا حصؿ بفعؿ األفكار السمبية
لمكائنات البشرية .لذلؾ لـ نعد بحاجة إلى تمؾ اإلفكار إذا استطعنا ذلؾ .نحف نريد مف كافة
مصادرنا أف يتـ استخداميا لفائدتنا جميعاً .ومف خبلؿ فعؿ ذلؾ بيدؼ إحراز النياية التي تستيدفيا
الخميقة والتي ىي قوية بما يكفي لتحرزىا بنجاح ،بغض النظر عف آرائنا المختمفة حوؿ ىذا
123
طريقة الحكيم
الخصوص .بالتالي فإف الثروة ىي أوالً ثروة التفيّـ الداخمية ،والتي تمنحنا الحكمة والبراعة الستخداـ
ممتمكاتنا الخارجية وفقاً لقوانيف الخمؽ والتوزيع واالفتداء .إذا كانت ىذه األمور سميمة فسوؼ تكوف
حالتنا أفضؿ.
121
طريقة الحكيم
الجزء الثاني
122
طريقة الحكيم
اإلمياٌ
اليقين الداخمي بالخير األبدي
يمكف تمخيص ىذا الموضوع مف خبلؿ ما قالو أفبلطوف عف غاية الفمسفة ،حيث ىدفيا ىو بناء
أساس متيف لئليماف .ليس ىناؾ أي قيمة لمفمسفة سوى أف تمثؿ خادـ يعمؿ عمى ترسيخ قناعاتنا
مجرد اعتقاد بشيء ما ،حيث ىناؾ الكثير مف
بأشياء متجاوزة لممرئي والممموس .اإليماف ليس ّ
الشعوب التي لدييا معتقدات رائعة ،وفي بعض الحاالت نجد أف تمؾ المعتقدات تحتوي عمى
اإليماف ،لكف ليس دائماً .ألنو عمى اإليماف أف يحوز عمى محتوى .عمى اإليماف أف يكوف محاطاً
بشيء لو تبريره .الفرد في ىذه األياـ ليس سيؿ اإليماف .ال يستطيع ببساطة افتراض عقيدة معينة،
رغـ أنو قد يتقبؿ ىذه العقيدة ويذىب إلى الكنيسة أو الجامع ويمارس كافة الفرائض الدينية ،أو
ينتسب إلى مذىب فكري معيف ،لكف ىذا العمؿ ال يشمؿ اإليماف .اإليماف ىو االختبار الداخمي
لمقيمة األبدية.
123
طريقة الحكيم
قسـ القدماء عممية البحث عف الحقيقة إلى ثبلثة توجيات ،ىي الديف والفمسفة والعمـ .في العصر
ّ
الحديث تـ إلغاء العامؿ الفمسفي ،وبرز مصطمحاف رئيسياف ىما العمـ والديف ،حيث يمثبلف القسميف
الرئيسي يف لممعرفة اإلنسانية .كاف ىذا خطأ كبير .حتى عممية التقسيـ والفصؿ كانت خاطئة .ليس
ىناؾ أي انقساـ في الحقيقة .طالما بقي كؿ مف ىذه المناىج المعرفية مفصولة عف بعضيا سوؼ
يستمر التعارض والنزاع .وطالما كاف ىناؾ تعارض ونزاع سوؼ لف يكوف ىناؾ إيماف صافي.
وجب أف ال يكوف اإليماف منقسماً .ال يمكف أي يكوف لدينا مؤمنيف وغير مؤمنيف .وغاية الفمسفة ىي
إزالة المسافات بيف المناىج المعرفية لكي تجتمع في تعزيز شيء واحد وحيد وىو اإليماف الكمي .في
تعبيره الكامؿ والفضيؿ ،اإليماف ىو االختبار الكامؿ إلدراؾ أبدية الخطة اإلليية .اإليماف ىو ذلؾ
الذي يجعمو واضحاً لنا جميعاً سيادة تمؾ القوة التي تحكـ كؿ األشياء .ىذه القوة العميا كانت والزالت
موجودة دائماً وأبداً .وكاف ليا اعتبار ومكانة عند المفكريف عبر العصور ،لكننا انجرفنا عنيا اليوـ.
قد نتقبميا كواقع فعمي ،لكف ناد اًر ما نولييا أي اعتبار خبلؿ تفكيرنا اليومي أو خبلؿ عيش حياتنا
اليومية .ليس بشكؿ دائـ ندرؾ في عالمنا الظواىري دالئؿ عمى الخطة الشمولية لؤلشياء .لكف في
الحقيقة فإف كافة أشكاؿ المعرفة موجودة لغاية واحدة فقط وىي الكشؼ عف الطبيعة الجوىرية
لؤلشياء .وعندما يحققوف ذلؾ يكتشفوف بأف الطبيعة الجوىرية لتمؾ األشياء ىي واحدة مع الكائف
اإلليي .بمعنى آخر ،نحف ال نتوقؼ عف دراسة عمـ التشريح مجرد إنجازنا تشريح الجسـ ،وكذلؾ ال
مجرد أف رسمنا لوحة جميمة ،بؿ نفعؿ ما ربما فعمو أسياد "الزف" في الياباف ،حيث
ننيي مجاؿ الفف ّ
كانو يبقوف في حالة سكوف ثـ يسمحوف لمواقع أف يرسـ الموحات بدالً منيـ لكف مف خبلليـ .ىـ لـ
يكونوا فنانيف بطبيعتيـ ،بؿ يعتبروف أنفسيـ وكبلء لفطرة فنية أبدية تسكف في الكوف.
اإليماف إذاً يمكف اعتباره فطرة غريزية مبطنة في الكوف .لكننا ناد اًر ما نولي ىذه األمور أي اعتبار
أو اىتماـ .نتمقى تقرير مف مؤسسة عممية يعمف اكتشافو عبلج جديد لمرض الربو ،يمكننا اعتبار
ىذا أمر ميـ فعبلً وما مجاؿ لمشؾ بخصوصو ،لكف ناد اًر ما يعني ىذا اإلعبلف وجود أي فيـ
حقيقي لممرض ،أو أننا أنجزنا المعرفة النيائية بأف كؿ جزء مف التحميؿ الطبي ىو في الحقيقة جزء
مف تحميؿ الحقيقة .كؿ عارض مرضي يمثؿ جزء مف معرفة الخطة اإلليية والغاية اإلليية .كؿ
شيء سيء وجيد تمثؿ شواىد عمى واقع واحد .ما نسميو سيء ىو ذاؾ الذي ال ننوي دعمو وتعزيزه.
نحف نعتقد بأف السيء ىو الذي ال نريده ،لكننا في الحقيقة قد نكوف بأمس الحاجة إليو .لذلؾ عمينا
أف ننظر إلى اإليماف وفؽ مفاىيـ البحث في كؿ مجاؿ معرفي لموصوؿ إلى جذوره .وأينما وجدنا
124
طريقة الحكيم
الجذر نجد أنفسنا في حضور حكمة أبدية وتجمّي أبدي .نكتشؼ فجأة بأف العامؿ العادي يعمؿ تحت
قانوف أبدي .الحرفي والفناف والمختص ..جميعيـ خداـ لجانب معيف مف الواقع .والجوانب المتعددة
لمواقع ىي متجذرة جميعاً في مبدأ أبدي واحد.
بالتالي فإف التقدـ في أي شكؿ مف المعرفة ىو في الحقيقة تقدـ نحو واقع واحد وحيد .ىذا الواقع
الواحد قد يتـ تقبمو ،الكثير مف الناس يتقبمونو ،الكثير مف الناس يؤمنوف بو ،لكف القميؿ جداً مف
الناس اختبروه عممياً .القميؿ جداً مف األفراد أصبحوا عمى معرفة متزايدة بالغاية اإلليية .انيـ أكثر
ميبلً لمعرفة الحاجات البشرية المباشرة ،لكف الحاجات البشرية تمثؿ جانب واحد فقط مف الغاية
اإلليية .بالتالي كاف أفبلطوف عمى حؽ عندما أشار إلى كافة أشكاؿ التعميـ بأنيا جميعاً خادمة
مطبؽ عمى اإليماف .كؿ تعميمنا ىو نوع مف التعميـ المقدس.
لمحقيقة .والحقيقة بذاتيا تمثؿ مصطمح ّ
حتى أكثر مؤسساتنا عممانية ىي أجزاء مف الخطة اإلليية .كؿ مبنى أو منزؿ أو مكتب أو محطة
معيف .ىي
أو مطار ..كؿ واحد مف ىؤالء ىو منزؿ الحقيقة .إنيا بطريقة غامضة تحقؽ قانوف ّ
تكشؼ عبر ىيكمي ا البنيوي وميارة عقوؿ مف يسكنيا أو يعمؿ فييا مف بشر .وىذه العقوؿ بدورىا
متج ّذرة في العقؿ اإلليي .لذلؾ كؿ ما يحصؿ في العالـ ىو مقدس بطريقة ما .كؿ شيء نحاوؿ
فعمو ىو مميـ بدرجة معينة مف بصيرة في شيء أعظـ منا.
رغـ ذلؾ كمو فإف معظـ الناس ال يستكشفوف ىذه األمور .إنيـ ال يعتبرونيا أصبلً .يعيشوف فقط
عمى السطح حيث تسيطر مواضيع النجاح والفشؿ في ىذه الدنيا .يعيشوف حياتيـ ،خصوصاً في
ىذه الفترة بالذات مف الحضارة ،مع غياب تاـ لؤلسس والقواعد ،وىذا بدأ يتوضح أكثر وأكثر .نحف
نفقد واقع االختبار العممي .االختبار العممي ال يمثؿ شيء إذا لـ يعممنا شيئاً .إذا كاف االختبار
يكتفي بجعمنا غاضبيف عمى بعضنا البعض ،أو يجعمنا نمعف العالـ الذي نعيش فيو ،أو يمنحنا
الشعور بوجوب استغبلؿ بعضنا البعض ،إذا كانت ىذه ىي األشياء التي نختبرىا نكوف قد فشمنا
بالكامؿ في التقدـ بغايات البرنامج الكوني األبدي .عمينا أف نفعؿ األشياء التي ىي صائبة .حتى
األشياء األصغر ،أصغر الفضائؿ ،تمثؿ تعبير عف اإليماف األبدي .نحف ال نعمـ بأنو إيماف .ربما
نظف بأنيا إرضاء لعواطفنا التي تحفزنا عمى فعؿ شيء فاضؿ أو قوؿ شيء فاضؿ .لكف ىذه
األشياء الفاضمة ىي في الحقيقة تعابير عف إيماف عميؽ متجذر .ىي كما عروؽ الذىب في
الصخور تحت األرض .ىي عروؽ الواقع الحقيقي وسط عالـ مف األوىاـ.
125
طريقة الحكيم
بالتالي عندما نقارب مسألة اإليماف ،نيتـ أكثر في محاولة فيـ كيؼ يمكننا زيادة اإليماف .كافة
أشكاؿ المعرفة تستند عمى شيء ما .الرياضيات تمثؿ عمـ دقيؽ .عمـ الفمؾ ىو عمـ دقيؽ .عمـ
الدواء ىو عمـ دقيؽ .بالتالي عمى كؿ ىذه المعارؼ ،وفؽ درجة صحتيا ،أف تساىـ في اختبارنا
يطوروف شكؿ مف
لئليماف .لكنيا في الحقيقة ال تفعؿ ذلؾ في معظـ الحاالت .بعض الجيات اليوـ ّ
أشكاؿ العبلج وىو بقسمو األكبر متعمؽ باالعتقاد أو باإليماف .لكف مف أجؿ أف تحصؿ عمى إيماف
أكثر قوة بحيث يمكنو التغمب عمى محدوديات الجسـ والزمف والظروؼ ،عمينا أف نستخدـ وسيمة
ثبلثية الجوانب .الثبلثية مؤلفة مف :التوقع ،االختبار ،والتجربة .ىذه ىي األدوات التي تتعرؼ عمى
ومجرد أف تـ التعرؼ عمى الحقيقة بيذه الوسيمة الثبلثية ،حينيا يمكننا اإلجابة عمى
ّ ما ىو حقيقي.
ما ىو اإليماف .بالتالي فإف اإليماف يستند عمى االختبار الحقيقي لكؿ شيء يحصؿ .يستند عمى
ابتداء مف الكمبيوترات وانتياء بكيفية صنع
ً التنوع االنيائي لفرص التعمـ .ويمكننا تعمـ أي شيء
فنجاف قيوة .لكف الغاية النيائية ليا جميعاً تجتمع في شيء واحد وحيد :أف نبني أساس متيف يعزز
اإليماف لدينا.
اإليماف ىو الجزء الوحيد مف حياتنا والذي يمكنو أف يدعمنا في كافة الحاالت الطارئة في الوجود.
اإليماف ىو شيء حاضر بشكؿ أبدي والنيائي خبلؿ تقديرنا لئلمور .لذلؾ عمينا فيمو جيداً .اإليماف
مجرد إعتقاد بؿ ىو قوة بذاتيا .ىو تمؾ القوة بداخمنا والتي عندما يتـ تعزيزىا تجعمنا أكثر
ليس ّ
عظمة مف أي ظرؼ نواجيو .يستمر اإليماف في دعـ الفضيمة رغـ حضور المسائؿ المحبطة
والقاسية .بالتالي فإف اإليماف ىو قوة اإلنساف الداخمية .ىو يمثؿ بالنسبة لحياتو الداخمية نفس ما
يمثمو النجاح أو الثروة بالنسبة لحياتو الخارجية .قد يكوف الفرد قوياً مف ناحية الثروة لكنو ضعيؼ
مف ناحية اإليماف فتكوف حياتو بالتالي بائسة .نحف نسيء استخداـ األشياء التي ال نفيميا .سوء
االستخداـ يبرز مف الجيؿ .ليس ضرورياً أف يعني الجيؿ بأننا ال نستطيع القراءة والكتابة .الجيؿ
ىو حالة أننا لـ نكتشؼ الحقيقة الكامنة عند جذر الحياة .وتمؾ الحقيقة تمثؿ االستقامة المطمقة .واذا
الشر.
لـ نستوعب ذلؾ فربما نشكؾ بوجود اهلل ،أو نفعؿ كما يفعؿ الكثيروف حيث يؤمنوف بوجود ّ
مجرد حالة نقص .ىو يمثؿ فراغ بدالً مف وجود امتبلء.
الشر ىو ليس شيء قائـ بذاتو .ىو ّ
لكف ّ
الشر ىو حالة مساومة عمى المبادئ ألف المبادئ قد ال تكوف قوية بما يكفي لتطغي عمى حياة
الشخص.
126
طريقة الحكيم
بالتالي في اإليماف نكوف في حالة عمؿ دائـ مف أجؿ االختبار الداخمي .لكف االختبار الداخمي وحده
التطرؼ والتعصب .قد يقود إلى كافة أنواع المعتقدات واألفكارّ قد يقود ليس إلى اإليماف بؿ إلى
والعقائد المتطرفة والتي ليس لدييا أي محتوى مف النزاىة واألخبلؽ .لذلؾ عمينا أوالً أف نثبت واقعية
اإليماف .عمينا استخداـ األدوات التي تساعدنا عمى اكتشاؼ االستقامة المطمقة لمفضاء واإليماف.
نفعؿ ذلؾ مف خبلؿ دراسة التاريخ وكذلؾ كؿ العموـ ،فنكتشؼ دقة الرياضيات ،ونستنتج بأف
الرياضيات موجودة لغاية أكثر أىمية مف مجرد عد األمواؿ وحساب المرابح .نحف نعرؼ حقائؽ
فمكية أيضاً ،لكف ىناؾ الكثير مما وجب معرفتو عف الكوف ،بدالً مف االكتفاء بمعرفة عدد الكواكب
مجرتنا .نحف نعرؼ حتمياً بأف فف العبلج يمثؿ
في مجموعتنا الشمسية وعدد الثقوب السوداء في ّ
جزء مف ىذا المبدأ العظيـ ،لكننا ال زلنا نكافح مع ىذه الوسائؿ الحالية والتي ىي غير كاممة،
وعندما نحقؽ اكتشاؼ صغير نشعر بفرحة كبيرة .لكف كؿ ىذه األشياء ىي فعمياً طرؽ يمكننا مف
خبلليا استكشاؼ التجمي اإلليي لموجود ،والذي ىو حاضر في كؿ شيء .بمكننا التكمـ عف كؿ ما
نريده ونخترع كؿ ما نريده ،لكننا ال نستطيع خمؽ ذلؾ الذي يتجمى في الطبيعة أو ذاؾ الذي يتجمى
في الحياة الداخمية لؤلشياء .نستطيع زراعة البذرة وننمي النبتة ،لكننا ال نستطيع خمؽ تمؾ الحياة
المت جمية في البذرة .لدينا كافة أنواع السعادة وكافة أنواع البؤس ،لكف خمؼ كؿ ىذه األمزجة يوجد
إما عممية تعزيز لئليماف أو عممية إضعاؼ لو.
كاف فيثاغورث ،ومعظـ الفبلسفة اإلغريؽ ،يود أف يتناوؿ عممية البحث عف اإليماف تحت عناويف
مثؿ الفمؾ والرياضيات والموسيقى .اختاروا ىذه المجاالت بسبب الدقة التي تتصؼ بيا .لكنيـ ذىبوا
أبعد مف ذلؾ بفكرة الدقة التي يتصؼ بيا الوجود عموماً .في الواقع فإف الوجود ىو قانوني بالكامؿ،
خير بالكامؿ ،وىو مصمـ لتحقيؽ كماؿ كؿ ما ىو موجود .لكف ىذه الفضائؿ العظيمة ليست
ىو ّ
127
طريقة الحكيم
واضحة بشكؿ مباشر لنا .عمينا أحياناً أف نتعمـ كيؼ نعيش مف خبلؿ اختبار الموت .وليذا السبب
نجد أف فكرة التقمص تمعب دور ميـ جداً في فمسفتنا في الحياة .ىذه الفكرة تزيؿ بعض التساؤالت
التي يعجز اإلجابة عمييا والتي حيرت أسبلفنا .ىذه الفكرة تتقدـ بنا خطوة إضافية نحو كوف صادؽ
وكامؿ تماماً .تذكرنا ،كما تفعؿ كؿ األشياء األخرى ،بأف اليوـ نحف نواجو المشاكؿ في كؿ مكاف
ألننا تجاىمنا القوانيف وفشمنا في المحافظة عمى اإليماف.
ىذا الكوكب الصغير الذي نعيش فيو ىو شيء جميؿ جداً .ىو شيء رائع .وىو يحافظ عمى اإليماف
بالحقيقة ألنو ال يستطيع فعؿ أي شيء آخر .ىو يمثؿ التجسيد البلنيائي لمخير البلنيائي .لكف نحف
العائشيف عمى ىذا الكوكب ندخؿ في كافة أنواع المشاكؿ ،غالباً ألننا نتقدـ بالعمـ لكننا لـ نتقدـ
بالتفيّـ .نحف نزداد براعة كؿ الوقت لكف مع أقؿ فضيمة .نحف نزداد ثراء لكف مع أقؿ سعادة .ومع
سيرنا قدماً تدريجياً نجد سوء أفعالنا بأنيا المسؤولة عف البؤس الذي نود أف ننسبو إلى جية أخرى.
ىا نحف ىنا موجوديف عمى ىذا الكوكب الصغير حيث يمكننا جميعاً تعمـ الكثير .لكننا مشغوليف
جداً في محاولة التعامؿ مع الصعوبات التي سببناىا نحف بأنفسنا ،وليس لدينا الوقت لندرؾ بأف ىذه
الصعوبات ىي دالئؿ واضخة عمى العدالة األبدية لمحياة .بمعنى آخر ،ىذه الصعوبات موجودة ليس
ألف القوانيف ىي سيئة ،بؿ ألف خرؽ القوانيف ىو سيء .الخطة اإلليية ليست مميئة بالشر والمعاناة،
بؿ خرقيا يسبب الشر والمعاناة.
لقد فقدنا إذاً اليوـ جماؿ اإليماف .فقدنا السكوف وروعة إدراؾ حقيقة أننا نعيش في كوف فحواه السبلـ
لكننا عكرنا صفوتو .المشاكؿ التي نعاني منيا اآلف لـ تتساقط عمينا مف السماء ،بؿ ىي تتولد مف
أخطائنا .ىي العواقب العادلة لسوء أفعالنا .بالتالي ليس ىناؾ أي عبلج ليا سوى مف خبلؿ تصحيح
128
طريقة الحكيم
األخطاء .لكف المشكمة ىي أف ىذا التصحيح لؤلخطاء ىو السبب وراء وجود األخطاء لدينا .عممية
التصحيح تمثؿ جزء مف عممية نمو أبدي تجاه التفيّـ األبدي لمقيمة .نحف نمثؿ جزء مف كوف يتأسس
عمى الواقع .نحف نمثؿ جزء مف خطة عظيمة وىي راسخة وثابتة بحيث ال يمكننا فعؿ شيء تجاه
األمر .يمكننا أف نتمرد وننحرؼ لفترة قصيرة لكف الخطة سوؼ تعيدنا في النياية إلى المسار
الصحيح .ال نستطيع انتياؾ الغاية الكونية ونبقى سعداء وآمنيف ومستقريف في أي مجاؿ أو نشاط.
نحف إذاً نبحث اآلف عف دليؿ عمى اإليماف .نقوؿ بأف اإللو متجمي في كؿ شيء .أحد ميمات
اإليماف ىو إيجاد ىذه الحقيقة .لمتوصؿ إلى الفيـ الداخمي لحقيقة أنو مف خبلؿ النظر إلى األشياء
العادية نرى بذلؾ وجو اهلل ،وأف السماء واألرض والطيور والزىور والشجر ،..ىي جميعاً دالئؿ عمى
الواقع األبدي .نحف ندرس األشجار لكننا ندرس أكثر تمؾ األسماء التي وضعناىا بأنفسنا .نقرر كـ
مف الوقت يمكننا أف نترؾ الشجرة قبؿ أف نقطعيا ونصنع منيا شيء آخر .نستمر في دراسة أسماء
سر الشجرة يبقى
خمس مئة شجرة وأيف تكبر وما ىي فصيمتيا وخامتيا ،لكف رغـ ذلؾ كمو فإف ّ
مجرد
غامضاً غير مكشوؼ ،أي لغز حقيقتيا بنفسيا ومكانتيا كتجسيد لمخطة األبدية .الشجرة ىي ّ
حرؼ واحد مف أبجدية النيائية تتيجى خارجاً كؿ الحقائؽ التي نسعى إلى معرفتيا.
129
طريقة الحكيم
خبلؿ كؿ ما نفعمو وكؿ ما نمر بو في حياتنا اليومية ،عمينا أف نبدأ دراسة الحقيقة وراءىا .ومف
خبلؿ دراسة الحقيقة وراءىا قاـ القدماء ،والذيف لـ يكونوا مجيزيف بأدوات عممية كما نفعؿ اليوـ،
باستخداـ الفمسفة .الفمسفة ىي مجيود رئيسي ييدؼ إلى إيجاد العدالة في كؿ األشياء الحاصمة .ىذا
يعني إيجاد الواقع مف خبلؿ تمؾ االشياء الحاصمة .واذا وجدنا ىذا الواقع نقوـ بتقوية اإليماف .ألننا
نصبح أقرب وأقرب إلى كوف ليس ضعيؼ أو ناقص .في كؿ مرة نرى فييا عدالة وجماؿ الشيء
نتيقف مف وجود اهلل .في كؿ مرة نجد فييا عدـ العدالة والقبح في الشيء نقوـ بإدانة أنفسنا .لذلؾ كؿ
شكؿ مف أشكاؿ المعرفة نقترب بواسطتو أكثر إلى إدراؾ عظمة الحياة ،يعمؿ ىذا الشكؿ مف المعرفة
عمى تقوية اإليماف لدينا .استخدـ القدماء الفمسفة كوسيمة ،وجعموىا خادمة لئليماف .لطالما أقر
أفبلطوف بأف كؿ المعارؼ ال بد مف أف تقود إلى اإليماف واال فيذه المعارؼ مزورة وغير مجدية.
الفمسفة ليست نياية بذاتيا بؿ ىي وسيمة .ىي طريؽ يقود إلى نياية .حتى العمـ ال يمثؿ نياية
بذاتيا ،بؿ ىو وسيمة لبلستكشاؼ عميقاً في غموض الغاية اإلليية .رغـ ذلؾ نجد بأنو في كافة ىذه
المجاالت نجد أف ىذه النقطة تحديداً منسية أو تـ تجاىميا .أحد األسباب وراء تجاىميا ىو ألنيا
تتدخؿ في حؽ اإلنساف العادي ألف يرتكب األخطاء .تجعمو صعباً عمينا إيجاد العدالة في ارتكاب
األخطاء .وعندما نشعر بأننا عمى خطأ ال نريد أف يتـ انتقادنا عمى ذلؾ .لذلؾ بدالً مف محاولة
تصحيح المشكمة مف خبلؿ تحسيف الذات ،نحاوؿ تصحيح المشكمة مف خبلؿ فرض قوانيف والتي
ىي بذاتيا مجرد وسائؿ نسعى مف خبلليا إلى توجيو أخطائنا وليس إلغائيا.
لكف الواقع ،كما أدركو فيثاغورث وأفبلطوف وأرسطو وباقي الفبلسفة العظماء اآلخريف ،الواقع يمثؿ
الشيء الذي نسعى إليو .والواقع يتجمى بشكؿ أفضؿ مف خبلؿ إدراؾ حقيقة أف كؿ شيء ىو كما
وجب أف يكوف بالضبط ،ما عدى في توجياتنا ومواقفنا والتي نحاوؿ مف خبلليا محاكاة الرمز
الباطني لممبلئكة الساقطة .الشخص الذي يسعى إلى العيش بطريقة مناقضة لمغاية اإلليية يمثؿ
بنفسو أحد المبلئكة الساقطة .ىو أحد تمؾ المبلئكة والتي فصمت نفسيا عف وقائع الوجود الحقيقي.
خير بشكؿ أبدي ،أو
الخير .إما أننا نفعؿ ذلؾ الذي ىو ّ
نحرؼ ّالخير ،أو نحف ّ
إما أننا ننتمي إلى ّ
نحاوؿ التماشي مف خبلؿ فعؿ األشياء التي ىي صائبة جزئياً ومؤقتاً .ال نجرء عمى مواجية
المشاكؿ الفعمية التي تقود إلى اإليماف.
133
طريقة الحكيم
ميدئ .اإليماف ال يخرج ويفرض عمى الناس االنتساب إليو أو التحوؿاإليماف ىو شيء مس ّكف أو ّ
نحوه بالغصب .اإليماف ىو في الحقيقة اختبار داخمي ،ويأتي فقط إلى الفرد الذي يستطيع السيطرة
عمى ميولو وطبائعو بشكؿ كامؿ لكي يتمكف مف فحص نفسو بيدوء وبسبلـ وبتعقؿ وعمى الدواـ.
بالتالي فالمشكمة الفعمية بخصوص اإليماف تتعمؽ بالعقبلنية ،حيث اإلنساف غير المتعمـ لديو مشكمة
مع اإليماف ،ألنو في الوقت الذي يؤمف فيو أو يزعـ بأنو يؤمف ،ال يكوف لديو أي دليؿ ممموس عمى
ما يؤمف بو .ليس لديو دليؿ ألف إيمانو يكمف في عقمو أو في عاطفتو .بالتالي عميو أف يحقؽ
تدريجياً ما نسميو التجربة واالختبار .عميو أف يضع قناعاتو الخاصة تحت االختبار .عميو أف يجد
طرؽ مختمفة لممصادقة مف خبلؿ األشياء مف حولو عمى الحقائؽ المتعمقة باألشياء بداخمو .عميو
تدريجياً ،يوـ بعد يوـ ،أو سنة بعد سنة ،وأحياناً حياة بعد حياة ،أف يفيـ التجارب التي يخوضيا.
عميو أف يكوف متنبياً دائماً إليجاد شيء يعزز معرفتو بأف الكوف ىو عمى حؽ دائماً .وكذلؾ أف
الكوف سوؼ يستمر في كونو عمى حؽ ولف يتـ مساومتو مف خبلؿ أي فعؿ يقوـ بو أي كائف حي.
عندما يرفع الفرد يديو ضد السماء فإف يديو ىي التي سوؼ تفشؿ وليس السماء .وجب أف يكوف
ىناؾ دائماً الواقع الثابت والراسخ .وىذا ما يسعى اإليماف إلى إيجاده.
اإليماف ىو الخبرة الفعمية أو التجربة العممية مع المعرفة ومع الواقع .تاريخ الفمسفة يمثؿ تاريخ
تك ّشؼ اإليماف .طالما نعتبرىا قصة مدارس فكرية مختمفة وتتطمب اإلصبلح وأنو يستحيؿ توحيدىا
في مدرسة واحدة ،أي بمعنى آخر ،إذا لـ تكف الفمسفة كياف واحد غير منقسـ فسوؼ تفشؿ الفمسفة
في تحقيؽ غيتيا .لقد قمنا بتقسيميا إلى مدارس مختمفة .محاوليف االفتراض بوجود منافسة في
المجاالت المختمفة لمواقع .فصار لدينا العديد مف األدياف .لكف ىذا األمر غير صائب وغير
صحيح .كؿ مف أتباع الديانات المختمفة يزعـ بأف دينو ىو الوحيد الذي يحوز عمى الحقيقة .فتبدأ
التناقضات والخصومات التي ليس ليا أي مبرر .لو أف كؿ األطراؼ حازت عمى الحقيقة لكانوا
تقاربوا إلى بعضيـ البعض بدالً االبتعاد عف بعضيـ البعض وحتى قتؿ بعضيـ البعض .ىذا ما
يسود األدياف اليوـ .الكفاح مف أجؿ البقاء والتفوؽ عمى مستوى الجيؿ الروحي .ىذا شيء لـ نحاوؿ
فيمو بكميتو .في كؿ مرة نقطع فييا شجرة أو نستنزؼ مصدر طبيعي مثؿ البتروؿ ،نكوف بذلؾ في
حضور خطر كبير .نحف نسير بعكس مبدأ الطبيعة والذي يقوؿ بأننا ال نممؾ شيء وال حتى
أرواحنا .كافة األشياء تنتمي إلى الواحد األحد ،القوة العميا التي ليا الحؽ في التجمي في كؿ مخموؽ،
لكف ال يمكف إيقافيا مف قبؿ أي مجيود بشري لمنع الجرياف الحر لمتنور.
131
طريقة الحكيم
لذلؾ فإنو مف الضروري اكتشاؼ حقيقة أف االشياء تمثؿ أقساـ مختمفة لمشيء ذاتو .أي مثبلً،
الرياضيات والرسـ والموسيقى تمثؿ جميعاً تجميات مختمفة لمشيء نفسو .ىي تمثؿ نفس الحقيقة لكنيا
تعبر عف نفسيا بطرؽ مختمفة .واذا لـ تكف الحقيقة فسوؼ لف يتـ أي تقدـ فييا .في المحظة التي
ّ
يعتقد الفناف بأنو عبقري عظيـ فسوؼ يفشؿ فنو .لكف إذا سعى الفناف إلى خمؽ مف داخمو شيئاً مف
جماؿ وروعة الحياة حينيا يكوف فناف أصيؿ .فناف عظيـ .واذا كاف فناف عظيـ فسوؼ لف يكوف أي
نزاع بينو وبيف أي فناف آخر .حتى أنو ليس ىناؾ نزاع في مجاؿ المغة ،حيث الكممات قد تعرضنا
أحياناً لمشاكؿ كبيرة ،ألننا غالباً ما نخظئ في معاني الكممات .ألنو عندما يقوؿ أحدىـ "أهلل" ال
يعتقد األجنبي بأف القصد مف ىذه الكممة ىو رب السماوات .قد يعتقد بأنو إلو وثني معيف .لكف في
الحقيقة ليس ىناؾ وثني في العالـ سوى الفرد الذي يزعـ بأنو يعرؼ لكنو غير ذلؾ .الفرد الذي لـ
يعرؼ وحدة اإللو األعمى ىو الوثني .ليس كما الفرد الذي نجح في اكتشاؼ وتوحيد كافة المذاىب
في الحياة .الطبيعة تسمح بالمذىبية ،لكف لبعض الوقت فقط .لكنيا تستعرض لنا خطوة خطوة كيؼ
تفشؿ المذىبية في النياية .واحدة تمو األخرى ،كافة االنفصاالت تقود في النياية إلى الدمار والفناء.
عندما ندرؾ ىذه الحقيقة عمينا أف ال نحزف بؿ عمينا الفرح .وعندما نتوصؿ إلى ىذا النوع مف الفرح
نبدأ حينيا بفيـ اهلل عمى حقيقتو .وعندما نفيـ اهلل سوؼ يصبح لدينا إيماف .لكف طالما بقينا نؤمف
باألشياء التي تسبب البؤس سوؼ يبقى أي مصطمح لئليماف لدينا مجرد اجتياد فكري أو نزعة
عاطفية ،ويكوف اإليماف حينيا ليس مستنداً عمى أرضية االختبار الشخصي لمحقيقة .وىذا االختبار
الشخصي ىو الشيء الذي لو أىمية.
لدينا إذاً مشكمة محاولة إيجاد كيفية لتعزيز اإليماف لدينا .يمكننا البدء في الحضانة أو الصؼ األوؿ
في المدرسة .اإليماف يتعمؽ بشكؿ وثيؽ بالقراءة والكتابة والرياضيات ،مع العمـ أف ىذه المواد الثبلثة
تمقى تجاىؿ كبير .لـ نعد نؤمف بالتعمـ كيؼ نق أر ونكتب ألننا نتوقع أف نكمؼ ىذه الميمة لمكمبيوتر.
نتوقع أف نأخذ معموماتنا بالكامؿ مف التمفزيوف .وىا أنتـ تروف الحالة التي يعانييا التمفزيوف .إنو
مثاؿ واضح عمى فشؿ الكائف البشري في إدراؾ الغاية الحقيقية مف أداة تعميمية ممكنة وىو
التمفزيوف .سوء اإلستخداـ الذي مف قبمنا ىو الذي يسبب المشكمة .وىو سبب المشكمة أيضاً في كافة
االبتكارات األخرى التي ظيرت في قرف الماضي .كؿ مف تمؾ االبتكارات تـ إساءة استخداميا .كؿ
ابتكار يستند عمى قانوف طبيعي ،حيث حصؿ بفضؿ اكتشاؼ قوى وطاقات ومواد خفية تكمف في
الطبيعة .وىذه األخيرة موجودة لكي يتـ استخداميا .لكننا استخدمناىا بيدؼ سوء االستخداـ.
132
طريقة الحكيم
وكنتيجة لذلؾ تضاعفت مآسينا .ىذا الكوكب الصغير ىو كتمة كبيرة مف المجموعات البشرية
الفردية ،قد يختمؼ إيمانيـ عف إيماننا ،لكنو في معظـ الحاالت ليس أسوأ مف إيماننا .والسبب ىو
أف إيماننا وايمانيـ لـ يرشدانا إلى أخوية األنساف .الزلنا نحارب ضد غير المؤمنيف أو الكافريف ،ولـ
نحاوؿ االكتشاؼ عبر التجربة والعودة إلى البداية لنكتشؼ ما ىي نية الكوف مف األساس .لـ نرجع
إلى الوراء في التاريخ ونكتشؼ كيؼ تكوف نياية االختبلؼ وىي دائماً الفشؿ ،وكيؼ نتعرض لمدمار
مف قبؿ نواقصنا ،وندمر أنفسنا بسبب افتقادنا لمحب األخوي والشعور باإلخاء .رغـ ذلؾ نحف ال
نتعمـ ىذه األمور ،بؿ نستمر بالسير وكأف شيء لـ يكف.
مف خبلؿ استخداـ األجوبة العممية بصفتيا نيائية ،نأخذ األرقاـ بصفتيا ممثمة لحقائؽ ،مع أنو في
الواقع ،خمؼ كؿ ىذا تكمف كافة الكائنات الحية الرائعة واالتي نعتمد عمييا جميعنا .كؿ خمية في
جسمنا تعتمد عمى شيء ما لتعيش ،لكننا لـ نكتشؼ ما ىو في الحقيقة .نحف ال نعرؼ كيؼ تمت
عممية تحوؿ الكائف البشري إلى كائف بشري .ال نستطيع صناعة واحد بأنفسنا .وسوؼ لف نتمكف مف
ذلؾ أبداً .رغـ ذلؾ يوجد ذكاء ووعي وايماف داخؿ االخمية أكثر مما نستطيع نحف استعراضو في
حياتنا اليومية .عندما تمرض الخبليا نحف نعرؼ بذلؾ ،لكف عندما نمرض نحف نظف بأنو مقمب
أوقعنا بو أحدىـ لكي يحرجنا .ليس لدينا أي إيماف بالدواء ،أو قميؿ مف اإليماف فقط .ألننا أدركنا
بأف الطبيب العادي لـ يعد ممتزـ بقسـ "أبوقراط" ،أي لـ يعد مكرساً لميمة األطباء القدماء والمتمثمة
بالمحافظة عمى الصحة .وألف رؤيا الطبيب أصبحت مظممة فبالتالي أصبح عبلجو غير مجدي.
الطريقة الوحيدة لعودة تأثير العبلج ىي أف يعود الطبيب ليصبح طبيب أصيؿ .وكونو طبيباً فيذا
يسمح لجسمو وعقمو وسموكو عموماً ألف ينفتح ويتـ تحريكو مف قبؿ الطبيب الواحد األوحد الذي
يستطيع عبلج كؿ األشياء .حتى يجد كؿ منا طريؽ إلى الحب األخوي والخدمة فإف المشاكؿ التي
نعانييا لف تحؿ أبداً .وفي الحقيقة ،وجب أف ال تُحؿ .ليس ألف الكوف قاسي عمينا ،وليس ألننا
ضحايا مؤامرة إليية تحاؾ في خمفية الوجود ،بؿ سبب ىذه المشاكؿ يعود إلى أننا ال نتعمـ مف
التجارب .ما مف شيء غير مرغوب يحصؿ معنا اليوـ ولـ يحصؿ في الماضي .نحف اآلف متقدميف
أكثر مف الماضي فقط مف الناحية التقنية وبالتالي نجد أف أخطائنا أخطر ومميتة أكثر .لكننا الزلنا
نقترؼ نفس األخطاء التي حصمت منذ زمف بعيد ،منذ أف اخترع أحدىـ القوس والنشاب .إنو نفس
المبدأ .ولـ نتعمـ ماذا نفعؿ منذ زمف القوس والنشاب .نحف نعمـ بأشياء كثيرة حصمت في ذلؾ
133
طريقة الحكيم
الزمف ،خصوصاً في مجاؿ األسمحة .لكننا نتقدـ في ابتكار األسمحة بصفتيا عممية تطور لفف الدفاع
عف النفس ،لكنو في الواقع ليس أكثر وال أقؿ مف مجيود لمبقاء صامديف وسط أخطائنا الحالية.
لذلؾ لدينا الكثير لكي نفكر بو مف أجؿ أف نكتشؼ بالضبط كيؼ يمكننا تطوير إيماف قوي جداً
بحيث ال تستطيع أخطائنا زعزعتو .بحيث ال يدفعنا العالـ مف حولنا إلى إساءة تفسيره .وحينيا يمكننا
جميعاً توحيد الغاية لكي نجعؿ العالـ قابؿ لمعيش مرة أخرى .العالـ القابؿ لمعيش ىو ذاؾ الذي
حزناه في البداية .لكننا لـ نعرؼ كيؼ نحافظ عميو .مف الواضح أنو كاف عمينا النمو .عمى األطفاؿ
أف تنمو ،عمى األىؿ أف يساعدوا أوالدىـ عمى النمو .وفي ىذه الحالة لدينا سر كوني واحد يمثؿ
الوالد لكؿ ما ىو موجود .وغاية النمو ىي تكشؼ الواقع الكوني الواحد في داخمنا جميعاً .ىذا الواقع
متغير وحتمي .وعندما تصبح ىذه الحقيقة واضحة لدينا تكوف األساس
ىو ثابت وراسخ .ىو غير ّ
لئليماف األكثر ثباتاً .عندما نتيقف مف أف القوانيف ىي صائبة ،وأننا لسنا لوحدنا مرمييف ىنا في
كوكب يجوؿ لوحده بشكؿ عشوائي في الفضاء ،وأنو لـ يتـ نسياننا أو تجاىمنا ،وال نحف موجوديف
نتيجة صدفة عشوائية .عندما ندرؾ بأننا جزء مف كمية شاممة في حالة نمو ،أننا زىور عمى شجرة
الحياة الكونية ،وأف الحياة الواحدة تفعمنا جميعاً بالحياة وتمنحنا القوة والشجاعة لمبقاء ،ال بد مف أف
األمر سيختمؼ لدينا.
134
طريقة الحكيم
مع توصمنا تدريجياً إلى إلغاء األنانية ،ألنو لـ يعد ىناؾ شيء لنكوف أنانييف بخصوصو ،سوؼ
تزوؿ الكثير مف مشاكمنا .لكف ليس ىناؾ ضرورة لبلنتظار كؿ ىذا الوقت .لدينا الحؽ في البدء بيذا
التحسف مباشرة إذا رغبنا ذلؾ .كؿ ما عمينا فعمو ىو النظر حولنا وايجاد الدالئؿ عمى وجود الخطة
ّ
اإلليية .دالئؿ لـ يتكمـ عنيا اآلخروف ،دالئؿ لـ يكتبوىا في الكتب ،بؿ عمييا أف تمثؿ الحقائؽ التي
تعيش ف ي كؿ شيء مف حولنا وفي داخمنا .كؿ مرة ننظر فييا عبر النافذة ،كؿ مرة نحدؽ فييا إلى
نبتة مبرعمة ،كؿ مرة ننظر فييا إلى عيوف المولود الجديد ،نكوف في حضور نوع مف الحقيقة التي
تتأسس عمى إيماف أبدي .ىذه األشياء وجب أف تكوف .ىي صائبة ،وىي ليست سيئة ،ىي ليست ّ
خطيرة ،ىي ليست مجرمة ،وليست فاسدة ،إال إذا تدخمنا وفعمنا شيء بيا .وحتى نتمتع بإيماف قوي
بما يكفي ليمنعنا عف سوء استخداـ القيـ التي ائتمنا عمييا ،سوؼ لف نجد أبداً الحموؿ لمشاكمنا.
ونشوىيا .كافة األشياء تبقى طبيعية
ّ وعمينا إدراؾ حقيقة أف كافة األشياء تبقى جميمة حتى نأتي نحف
حتى نقوـ نحف بجعميا شاذة وغير سوية .كؿ شيء يكوف صادقاً حتى نأتي نحف ونمنح األولوية
لعدـ الصدؽ وأجياؿ بكامميا عاشت وماتت وفؽ ىذه األولوية األخيرة .عمينا أف ندرس كؿ ىذه
األشياء .ومنيا جميعاً يخرج أخي اًر ما أدركو أفبلطوف في زمانو ،سكوف لطيؼ تماماً ،وادراؾ بأنو
ممكف جداً لمفرد ،وحتى لمجموعات كبيرة مف البشر ،أف ينمو نحو السبلـ ،ويترؾ خمفو إلى األبد
المسائؿ التي تسوء مع مرور كؿ يوـ .في السنوات القادمة سوؼ ندرؾ ألوؿ مرة حقيقة أننا تجاوزنا
تمؾ البيئة التي يمكننا ارتكاب األخطاء فييا ونبقى أحياء.
نحف نتوصؿ تدريجياً إلى إدراؾ حقيقة أف شيئاً ما يحصؿ مع العالـ ،وىذا الشيء الذي يحصؿ يعود
سببو إلينا .ىذا الشيء الذي يحصؿ ىو ليس جزء مف الخطة األصيمة ،لكنو يمثؿ جزء مف عممية
تعميـ بحيث تكوف الطريقة الوحيدة لتحويؿ العقوؿ البشرية وتكريسيا لمغايات اإلليية .نحف نكتشؼ
أكثر وأكثر بأننا ال نستطيع البقاء وفؽ أساليبنا الحالية .لـ نعد نستطيع إيجاد أماكف مناسبة لوضع
المواد السامة .لـ نعد نستطيع تدبير وادارة نفاياتنا ومخمفاتنا .لـ نعد نستطيع االستمرار في العمؿ
بالموارد الطبيعية المختمفة التي استنزفناىا بم اررة وغبف .لـ نعد نستطيع االستمرار في خمؽ االزدحاـ
الذي يموث الجو .لـ نعد نستطيع العيش تحت الفساد والمواد المخدرة وباقي األشياء األخرى التي
ليس ليا عبلقة بطريقة الطبيعة .لقد شوىنا صورة الطبيعة بطريقة خاطئة .الفرد الذي يتناوؿ
المخدرات ومف ثـ ينتشي يظف لفترة بأنو يحكـ العالـ .ثـ يأتي االنييار الكبير .اليوـ نرى دوؿ بذاتيا
تظف بأنيا تحكـ العالـ ،وىي أيضاً مقبمة عمى انييار كبير .يعتقد الفرد بأنو عمى حؽ في كؿ شيء
135
طريقة الحكيم
ويدعـ ىذه القناعة بشرب الخمر أو المخدرات .لكف بعد أف يصحو مف سكرتو يكتشؼ بأنو شخص
مريض .كؿ ىذه األشياء ىي دالئؿ تتزايد تدريجياً عمى أننا ال نستطيع تحمؿ عواقب أخطائنا.
لـ نعد نستطيع العيش في عالـ بحيث الجميع فيو يفعؿ األشياء بشكؿ خاطئ .لـ نعد نستطيع
العيش في عالـ بحيث التقدـ فيو يعني السيطرة عمى شخص آخر .أو في عالـ بحيث الثروة تعني
انتزاع كؿ شيء مف مجموعة معينة ومف ثـ منحيا لمجموعة أخرى .الثروة بذاتيا ىي وىـ .قـ
بدراسة الثروة .عد بتاريخ الثروة إلى الوراء وسوؼ تصؿ في النياية إلى محبة اهلل .سوؼ تجد بأف
كؿ ىذه األشياء تثبت كمياً بأف اإللو األعمى ال يحب الثروة .وأف ىذه األشياء ىي ناتجة مف سوء
حكـ اإلنساف عمى األمور .إذا كنت تبحث عف القوة فسوؼ تجد أف القوة سوؼ تنتيي حتماً إلى
القبر .كؿ قيمة مزيفة لدينا سوؼ يتغمب عمييا الموت في النياية ،مع أننا لـ نتعمـ أصبلً كيؼ
جيد .لكف لؤلسؼ ال
نعيش حياتنا .لـ ندرؾ بأنو عبر العيش بطريقة مختمفة قد نواجو المستقبؿ بأمؿ ّ
نممؾ ىذه األفكار .كؿ شيء اليوـ أصبح محبوساً داخؿ دائرة الثروة والسمطة والشيرة واالزدىار
والقدرة عمى استغبلؿ بعضنا البعض.
بعد النظر إلى ىذه األشياء السائدة اليوـ سوؼ يبدو بأف اهلل ال يحبنا .قد يبدو أف اإليماف أمر
وىمي .لكف الحقيقة ىي أف اإليماف ليس وىمي ،بؿ نحف وضعنا أنفسنا في مواقع جعمتنا نؤمف
بأشياء ليست حقيقية ،وليس لدينا أي قوة تدعـ ىذا اإليماف .لكف ليس لدينا أي دليؿ مف أي نوع
عمى أف حضارة اقتصادية بدرجة كبيرة تحوز عمى فرصة أفضؿ لمبقاء .ليس لدينا أي دليؿ .نحف
نعرؼ بأننا نسير حتماً نحو اإلفبلس ،كما يعرؼ مدمف المخدرات بأنو يقصر حياتو حيث مقابؿ فترة
قصيرة مف النشوة سوؼ يواجو الموت المحتـ .ىكذا ىو نمط األشياء في الوقت الحالي .لكف بدالً
مف جعؿ أنفسنا متشائميف فنصبح متمرديف ضد الحياة ،وجب أف تثبت لنا عمى طوؿ الطريؽ بأف
الصواب ىو دائماً الصواب .ىذه المعادلة لـ تتغير أبداً .القوانيف المصنوعة بشرياً يمكف أف تتغير
كؿ يوـ .أما القوانيف الكونية فبل يمكنيا أف تتغير .ألف ىذه القوانيف األخيرة تجعمو ممكناً نمو
العوالـ .ىذه القوانيف تحافظ عمى بقاء مجرات بحاليا .ىذه القوانيف أيضاً ترعى وتدير وظائؼ الجسـ
البشري .ىذه القوانيف متجمية في كؿ نممة وكؿ مخموؽ صغير ،وكؿ زىرة ،وكؿ عصفور .كؿ ىذه
تجسد غاية كونية واحدة :النمو .وىذا النمو تقدـ خطوة خطوة ،إلى وصولو أخي اًر تمؾ
المخموقات ّ
الدرجة التي تنتج الذكاء ،الذي ىو ذاتو العقؿ ،والذي يتواله الفرد ليدير نموه الخاص .لكف الميؿ
136
طريقة الحكيم
السائد اليوـ ىو نحو استخداـ ىذا العقؿ لتجنب المسؤوليات ،ولفعؿ أي شيء باستثناء تكريسو لغاية
ضرورية.
نجد اليوـ الكثير مف المدارس الفكرية التي تدعـ أخطائنا .معظـ منيجنا التعميمي لـ يبدأ حتى اآلف
اختبار الحاجة إلى اإليماف .لـ يدرؾ القائموف عمى ىذا المنيج بأف كؿ التعميـ الذي ينيمو الطبلب
سوؼ يقود إلى المزيد مف المأساة إذا لـ يكف مكرساً .إذا لـ يكف مكرساً إلى تقدـ الغايات األبدية
فسوؼ تذىب كاؿ حكمتنا ىباء .بالتالي نحف بحاجة أف ندرؾ أكثر وأكثر بأف كؿ التعميـ وجب أف
يقود إلى اإليماف .حتى كؿ االختراعات وجب أف تقود إلى اإليماف .ألنو في كؿ مف ىذه
االختراعات واالبتكارات ىناؾ قانوف كوني يعمؿ .نحف نسيء استخداـ ذلؾ القانوف .نحف نستخدمو
لغايات مادية أو ميكانيكية .وبسبب سوء استخداـ القانوف فيو ينقمب عمينا .ليس ألف القانوف خاطئ،
بؿ ألننا خدعنا القانوف وقمنا بتحريفو .لكف كؿ ما نفعمو ،ابتداء مف صاحب الدكاف مرو اًر عمى بائع
الخضروات ومرو اًر عمى المصرفي والطبيب والمحامي ..وما تبقى مف حرفييف ومينييف ،جميعيـ
يستندوف مع أعماليـ عمى مبادئ كونية تتأصؿ مف استقامة أخبلقية كونية .وبما أف أولئؾ المينييف
لـ يعودوا يتدربوف وفؽ تمؾ االستقامة األخبلقية نجد بأننا نعاني مف المشاكؿ القائمة اليوـ.
منذ عقود برزت معارضة لمقسـ الذي يؤديو األطباء ،ويسمى قسـ "أسكوليبيوس" ،أي لـ يعد يريد
المعارضوف األطباء تأدية ىذا القسـ باستخداـ العبلج لمخير العاـ .يبدو أنو كاف ىناؾ فرصة لمربح
في جانب معيف حيث وجب منحو المزيد مف االىتماـ ،فكاف المعارضوف لمقسـ يطالبوف بتعديؿ ىذا
القسـ أو إعادة صياغتو بحيث يسمح بذلؾ الجانب المربح .لكف في الحقيقة ،ليس ىناؾ أي فرؽ في
ما نعدلو أو نعيد صياغتو ،ألف الخطة األبدية تستمر في تقدميا .األطباء القدماء ،أياـ
"أسكوليبيوس" ،كانوا كينة في المعبد .كانوا يعتبروف نفسيـ سبللة منحدرة مف اآللية .كاف لدييـ
مثميـ الخاصة وأحبلميـ الخاصة وغاياتيـ الخاصة .كانوا يخدموف بصفتيـ كينة في خدمة حاجات
المرضى .تـ جعؿ عمـ الدواء ذو طبيعة دنيوية ألوؿ مرة في روما .وخبلؿ خمسة سنوات اضطروا
إلى صياغة مجموعة كاممة مف القوانيف لمنع سوء الممارسة الطبية .قبؿ ذلؾ الوقت لـ تكف أي
قوانيف ضرورية .حيث ال يوجد الربح ال نجد سوء ممارسة .لكننا نسينا ىذا الموضوع .نسينا أف
المجد وراء مساعدة المحتاجيف يمثؿ جزء مف ديف أساسي .ومف دوف ىذا الديف األساسي الذي
يضبط كامؿ سموكنا سوؼ نجد دائماً أخطاء وسوء حظ نعاني منو.
137
طريقة الحكيم
لذلؾ عمي نا أف نفكر بكؿ ثقة بأف المآسي والبؤس التي نعانييا اآلف ىي أقوى المحفزات عمى أف
يكوف لدينا اإليماف بأف أي شيء قد يحصؿ لنا .اآلف ىو الوقت حيث الحاجة إلى اإليماف يعني أنو
وجب أف يكوف لدينا شيء لنعيش مف أجمو ،وال نكتفي بامتياز استغبلؿ بعضنا البعض .تمؾ األياـ
ق د ولت .ورغـ ذلؾ فإف الفرد المجرد مف اإليماف والمجرد مف المثؿ العميا إذا تجرد مف ميزاتو المادية
سوؼ يكوف حزيف جداً .وفي الحقيقة ،بسبب جيمو ،يمكنو أف ينقمب عمى المنعميف عميو .مبدأ
االستغبلؿ أصبح متجذر بعمؽ اآلف في الشخصية البشرية ،لكف ال فرؽ كـ ىو متجذر ،ألنو لف
ينجح ومقدر لو أف يفشؿ في النياية .لذلؾ عمينا أف نعمؿ معاً اآلف لنرى ماذا سنفعؿ بيذا
الخصوص .أعتقد بأنو ربما معظـ الناس لدييـ اىتمامات .ربما أحدىـ يحب الرسـ بينما اآلخر
يحب المشي متجوالً في الغابة ،أحدىـ يحب أف يجمس بيدوء ليق أر بينما البعض لسوء الحظ يحبوف
مشاىدة الجرائـ الحاصمة في برامج التمفزيوف .لكف المسألة الميمة ىي أنو عمينا البدء بما لدينا مف
مقومات .كما أنو لدينا حاجات بحيث نسعى إلى تحقيقيا بشكؿ تدريجي .عمينا أف نبني عمى الموىبة
المتوفرة لدينا .إذا كنت موسيقي فيذه موىبتؾ ،واذا كنت شاعر فيذه موىبتؾ ،وكذلؾ الحاؿ مع
المصور الفوتوغرافي وغيرىا مف مواىب مختمفة .ىذه الموىبة لديؾ وجب أف تقوؿ لؾ شيئاً .الموىبة
تصور صورة فوتوغرافية يمكف بيعيا ،أو تؤلؼ لحف موسيقي يمكف بيعو.
ّ ليست أف ترسـ لوحة أو
كؿ ىذه األشياء تمثؿ شواىد لنقطة واحدة ،وىو وجود إبداع في داخمؾ ،وىذا اإلبداع في داخمؾ
يمكف أف يتـ تك ّشفو واغناءه حتى يصبح في النياية األساس العممي لئليماف لديؾ ،باالعتماد عمى
ما يشيده االدراؾ الحسي لديؾ ،باالعتماد عمى شيادة إنجازات بعض ما تمارسو عبر المجيود
والكفاح ،تتوصؿ تدريجياً إلى إدراؾ حقيقة أف اإليماف ىو شيء مستند عمى اإلنجاز ،مستند عمى
الدليؿ ،والدليؿ عمى وجود اإليماف ىو أنؾ بنفسؾ أصبحت أكثر سعادة .اإليماف ىو الذي يحررؾ
ويريحؾ مف القيـ الزائفة التي تستمر في مطاردتؾ طواؿ فترة حياتؾ إذا لـ تفعؿ شيء بخصوصيا.
بالتالي في مدارس التعميـ وجب أف تدرؾ كؿ جامعة أو كمية بأنو بغض النظر عف ما تفكر عف
نفسيا أو كيؼ تعرؼ عف نفسيا فيي في الحقيقة عبارة عف معبد ديني .ألنو أي شيء ابتداء مف
المغة وصعوداً إلى المواد األخرى لو معنى مقدس .كؿ فف أو عمـ تدرسو يحمؿ معو مسؤوليات
أخبلقية ،واذا لـ تفترض ىذه الحالة أو تـ تجاىميا أو عدـ تعميميا فسوؼ ال ينتج التعميـ أكثر مف
مجموعة مف األوغاد الذيف عمينا أف نتعايش معيـ رغـ مآسينا وبؤسنا .الحقيقة ىي أنو عمى كؿ
مدرسة ،مف صؼ الحضانة وصعوداً ،أف تمثؿ جزء مف عممية إيصاؿ الفرد إلى الرشد الضروري
138
طريقة الحكيم
لكي يمكنو مف إثبات أنو فقد أي اىتماـ أو مصمحة في تشويو أو تدمير االستقامة األخبلقية في
الحياة .ىو يعرؼ قبؿ أف يبدأ بأنو ال يوجد شيء سوى البؤس ،ىو يعرؼ ذلؾ جيداً اليوـ .لكنو لـ
يغير حياتو الداخمية .ىو يفكر بنفسو دائماً بأنو الشخص المخادع الوحيد الذي سينجو .لكف حتى لو
نجا فيذا ال يعني شيء .ألنو ما مف شيء فعمو يكوف لو أىمية بالنسبة لو أو أي أحد آخر .المستوى
المتواضع لمحياة في المنازؿ ،وكافة الصعوبات المختمفة التي تبرز اجتماعياً ىي ناتجة مف سوء
استخداـ القيـ ،ونتيجة تحريؼ طبيعة األشياء ،ونتيجة استغبلؿ ،والتحويؿ إلى سمعة ،كؿ األشياء
التي ىي لبلستخداـ العاـ .لذلؾ وجب عمى المدرسة أف تتناوؿ االستقامة األخبلقية.
وفي الحقيقة ،ليس ىناؾ أي حاجة لتعميـ البلىوت الديني .وال حاجة لضرورة إىداء األفراد وانسابيـ
مجرد ممارسة لمخرافات .المذىبية أو الطائفية ىي نوع مف
إلى مذىب ديني أو آلخر .كؿ ىذه ّ
الخطأ أو االنحراؼ .لكف الفرد الذي ارتقى فوؽ ىذا المستوى يعمـ جيداً لماذا وجدت ،وليذا السبب
لـ يحاوؿ أف يشتـ أو يسيء إلى أحد بسبب دينو أو معتقداتو .نحف نعمؿ باتجاه شيء عمينا إيجاده،
وىو أنو في مكاف ما ،كؿ عالِـ يبحث عف حقائؽ عممية .الحقائؽ العممية ىي الضبلؿ المادية لمواقع
الحقيقي .نحف اآلف لسنا مكتفيف بذلؾ بؿ في الفترات القادمة عمينا أف نرتقي تدريجياً مف الحقائؽ
إلى الوقائع ،وأخي اًر مف الوقائع نصؿ إلى حضرة الواقع الحتمي وكمي القدرة ،والذي نقترب منو مع
إيماف كامؿ .نحف نعمـ بأف ذلؾ الواقع ال يمكنو أف يفشؿ .نعمـ بأف ذلؾ الواقع ىو عادؿ بشكؿ
مطمؽ .نعمـ بأف كؿ أخطائنا ىي أخطاء أطفاؿ .واذا صححنا األخطاء ربما نمقى المسامحة
بتحرؾ معيف باتجاه إصبلح وترويض سموكنا الشخصي وفؽ ذاؾ الذي واإلعفاء .لكف عمينا أف نقوـ ّ
نسميو مسار األخبلقيات الكونية .لـ نعد نستطيع خرؽ كؿ قانوف ونتوقع مف اإلدارة الحكومية تولي
األمر .لي س ىناؾ أي نظاـ سياسي في العالـ يمكنو أف يغير طريقة الفرد الذي يكرس نفسو لئلنانية
ومركزية الذات.
لذلؾ عمينا أف نبدأ مف المدارس .وجب أف يفعؿ األوالد كما كانوا يفعموف في الياباف في العقود
السابقة قبؿ أف تحولت الياباف إلى دولة صناعية عظمى حيث أعتقد بأنيـ ألغوا ىذا المنيج الذي
اتبعتو المدارس في السابؽ .كانت المواد التي تدرس في المدارسة االبتدائية تتسمسؿ عمى الشكؿ
التالي :األخبلؽ ،القراءة ،الكتابة ،الرياضيات .كانت مادة األخبلؽ تأتي في المقاـ األوؿ .في
األوؿ .وفي الجامعات والكميات كانت
المدرسة الثانوية أيضاً كانت مادة األخبلؽ تأتي في المقاـ ّ
139
طريقة الحكيم
مادة األخبلؽ تأتي في المقاـ األوؿ .ونحف أيضاً بحاجة إلى القميؿ مف ىذه المادة في ببلدنا .وجب
اف يمثؿ موضوع األخبلؽ جزء مف المنيج التعميمي .وجب أف يكوف لدينا الحؽ في أف نكوف عمى
عزز وتُكافئ .قبؿ أف ندخؿ إلى التعميـ العالي ،وجب أف يكوف
حؽ ،وجب أف تتجمى ىذه الحالة وتُ ّ
لدينا المعرفة بأف كؿ التعميـ ىو عبارة عف تكريس .مف دوف التكريس فإف التعميـ عديـ المعنى .الفرد
الذي يتعمـ لكي يعمؿ لبعض السنوات حتى يتقاعد في النياية عمى الراتب يكوف بذلؾ جزء مف دائرة
موت ال تقود إلى مكاف .وجب العمـ أف كؿ منا في داخمو القدرة عمى التفكير في األشياء واالرتقاء
فوؽ الدنيوية المؤقتة وإلنجاز ذلؾ الذي ىو ضروري ،لكف لسبب ما نحف في حالة عطالة ،ربما ىي
مسألة إجياد ،لكف نحف الذيف خمقنا اإلجياد ،ىو لـ يكف شيئاً نزؿ عمينا مف السماء.
ليس ىناؾ شيء ىنا خمقناه ومثؿ مشكمة لنا ولـ يكف مخموؽ مف قوة بداخمنا منحت لنا أصبلً لفعؿ
األشياء بشكؿ سميـ .لقد أسأنا استخداـ الممكات والميارات التي نحوزىا .لقد تقدمنا بالميارات لكف
ليس مع التكريس .نعرؼ عف األشياء أكثر مف أي وقت سابؽ ،باستثناء ذلؾ الشيء الواحد والذي
سميناه عمى نحو خالي مف المضموف بػ"الحقيقة" .لدينا ىذه المشكمة طوؿ الوقت ،بأنو عمينا أف نجد
شيء ثابت بما يكفي ليعمؿ كأساس متيف لمنمو قدماً .وجب أف يكوف لدينا شيء نستند عميو ،شيء
يمكنو مساعدتنا عندما يفشؿ كؿ شيء آخر .شيء يكوف أقوى مف أي عدـ يقيف ،ويكوف أكثر
صموداً مف أي مشكمة ،وأكثر مكافأة مف أي نشاط مؤقت .عمينا أف نبني اإليماف في واقعنا ،نبني
اإليماف في الحقيقة ،عمينا أف نتعمـ أف نعرؼ بأنو إذا حافظنا عمى اإليماف فسوؼ يحافظ ىو عمينا.
عندما نفقد اإليماف باإليماف فسوؼ نكوف في مشكمة كبيرة.
لدينا اليوـ الكثير مف المجموعات الدينية التي تعمؿ بيذا االتجاه .تبحث عف طرؽ جديدة لتنجح في
تحويؿ األخطاء التي جمبت معيا المآسي في السنوات األخيرة .نحف نحاوؿ اآلف أف ننشئ في
الحضارة مبادئ قابمة لمبقاء .ورغـ ذلؾ فإف أغمبية البشرية تجيؿ ىذه المبادئ بكؿ بساطة .أو تجيؿ
بأنيا ضرورية .بالنسبة لمعظـ األشخاص ،أي تثبيط لحقيـ في أف يكونوا أنانييف يمثؿ كارثة كبرى،
وسوؼ يدافعوف عف أخطائيـ حتى النياية ،حتى لو تطمب ذلؾ ارتكاب الجرائـ والشرور المتنوعة،
كؿ ذلؾ لكي ال يصححوف أخطائيـ .ىذا ال يمكنو أف يدوـ كثي اًر .يقاؿ لنا بأف الجو مموث بشكؿ
كبير .يتـ تحذيرنا مف إمكانية حصوؿ انفجارات بركانية مختمفة .يحذرونا مف كوارث اقتصادية
مختمفة ،أو كوارث صحية مختمفة األنواع ،أو شح المصادر الطبيعية .يتـ تحذيرنا بأنو بعد مئة عاـ
143
طريقة الحكيم
سوؼ يصبح عدد سكاف األرض عظيـ جداً بحيث ال يمكنو البقاء قائماً عمى كوكبنا الصغير تحت
األحكاـ السائدة اليوـ .وجب إذاً أف نواجو تزايد عدد السكاف بتغيير األحكاـ والشرائع .يبدو أنو ميما
تصورنا المستقبؿ نجد أنفسنا في مشكمة .لقد استنزفنا قسـ كبير مف حقنا بالوالدة .قمنا بتدمير
المصدر الوحيد ألماننا .لذلؾ عمينا محاولة إعادة البناء مف جديد .لكف ال يمكننا البناء مف جديد إذا
لـ يكف لدينا نوع مف اإليماف بشيء ما أكثر أىمية مف األخطاء التي نرتكبيا .عمينا أف نبني مف
أجؿ المستقبؿ ألننا نؤمف بالمستقبؿ .عمينا أف ننقذ قيمنا المختمفة وقدراتنا الطبيعية ألننا نؤمف بأنيا
ميمة .عمينا أف نفعؿ ما بوسعنا لكي نحفظ المصادر حتى ولو أننا نستنزفيا جميعاً اليوـ.
في الحقيقة إذا نظرنا حولنا اليوـ نجد العالـ بأسره في مشاكؿ مبنية عمى أنواع األخطاء التي
يصنعيا .ال أعتقد أف أحداً واقع في مشكمة ألف األمة عممت بشكؿ جيد .كافة المشاكؿ تقريباً تـ
سوء معاممتيا واستغبلليا .ونحف نعتمد عمى العنؼ لكي نحؿ مشكمة الجيؿ .يستحيؿ أف ينجح
141
طريقة الحكيم
العنؼ أف يكوف حؿ مجدي لمجيؿ .الشيء الوحيد الذي يستطيع حؿ مشكمة الجيؿ ىو الحكمة .لكف
الحكمة بذاتيا قد تكوف حكمة دنيوية .ىناؾ الكثير مف المثقفيف األذكياء والقادريف الذيف معروفوف
بأف لدييـ مستوى كبير مف الحكمة الدنيوية .لكف ىذا لف يجدي نفعاً .ميما كاف مستوى حكمتنا
فسوؼ لف نممؾ شيء ذي قيمة إذا لـ نممؾ المحبة .وعندما نممؾ الحب مخموط مع الحكمة يكوف
لدينا إيماف .وجب أف يحصؿ شيء إلعادتنا إلى تمؾ الطفولة الجديدة ،إلى ذلؾ النوع الجديد مف
العالـ الذي ال بد مف أف نصؿ إليو في يوـ مف األياـ .عالـ بحيث عمينا أف نبدأ مف جديد ونعود إلى
طريقة جديدة مف الحياة والمختمفة تماماً عف ذي قبؿ .لكف مف أجؿ تحقيؽ ذلؾ عمينا أوالً أف نبدأ
بالتعمـ .ربما قد ال نتعمـ كؿ شيء في ىذه الحياة ،لكف سوؼ نصبح محضريف بشكؿ أفضؿ لصالح
الذيف سيأتوف بعدنا.
142
طريقة الحكيم
يسود بيف بعض الناس أو المجموعات البشرية فكرة المرشد الروحي الذي يرعى شؤوف أتباعو
ويحمييـ مف الشرور التي تتربص بيـ .ىـ يؤمنوف فعبلً بأف فرد معيف سوؼ يقودىـ إلى العالـ
الموعود .لكف حتى الوقت الحاضر لـ ينجح أحد في ىذه الميمة .األمر ذاتو ينطبؽ عمى المشاكؿ
المختمفة التي نواجييا .ال نستطيع االعتماد عمى أفراد لحمايتنا مف أنفسنا .أعتقد بأف الشرقييف لدييـ
نظرة جيدة بخصوص ىذه المشكمة ،مثؿ أسياد الػ"زف" في الياباف الذيف ىـ األكثر ميارة في ىذا
الخصوص .لقد تعرفوا عمى القيمة العميا لفترة وجيزة مف الوقت في كؿ يوـ والمكرسة كمياً لئليماف.
وسط عالـ مشغوؿ بكؿ شيء يمكننا تصوره ،عالـ يستنزؼ ساعات وساعات يومياً عمى نشاطات
ترفييية تافية ،يشعر خبلليا الفرد بعدـ توفر الوقت لديو لكي يفكر .حتى أنو ليس لديو اىتماـ
بالتفكير أصبلً .كؿ ما يشغؿ تفكيره ىو الوظيفة واألماف االجتماعي وغيرىا مف مواضيع مشابية.
وسط ىذا الوضع نجد األسر تتفكؾ والشباب يصبحوف قمقيف وميمميف ومقصريف بشكؿ متزايد ،وكؿ
شيء يذىب مف السيء إلى األسوأ ،والجميع يفعؿ ما كاف يفعمو دائماً .أما بالنسبة ألسياد الػ"زف"،
أوؿ شيء وجب فعمو ىو أف يكرس الشخص قميبلً مف الوقت لغاية بسيطة وىي التفكير .حتى
فيثاغورث شجع عمى ذلؾ مف خبلؿ تعميمو لمنظومة الفحص الذاتي والتف ّكر .عمى الفرد أف يقوـ في
143
طريقة الحكيم
وقت معيف كؿ يوـ ،ولمدة خمس دقائؽ أو حتى دقيقتيف ،أف يفكر باألمور بشكؿ واضح ومستقيـ،
حتى لو لـ يتمتع بالشجاعة الكافية لفعؿ ما يفكر بو .لكف إذا فكر بيذه الطريقة لفترة طويمة كافية
ويصبح مدركاً أكثر وأكثر إلمكانية إغناء حياتو فسوؼ يكوف متأث اًر بشكؿ إيجابي .أحد األشياء
اإليجابية التي تحصؿ معو ىي توفيره الكثير مف الماؿ ،ألننا اآلف نستخدـ مبالغ كبيرة مف الماؿ مف
أجؿ نسياف أنفسنا عبر إليائيا ،ألننا لـ نعد نتحمؿ أنفسنا .نحف ال نستطيع أف نكوف ساكنيف
وىادئيف لوحدنا ،إذ سوؼ نصاب بالممؿ أو حتى نصبح ىستيرييف وقد تتفاقـ الحالة بحيث تتطمب
العبلج النفسي .لذلؾ نمجأ إلى ما يشغمنا طواؿ الوقت فيميينا عف أنفسنا.
لكف إذا قاـ الفرد ببعض التفكير ،قد يجد حكـ لنفسو ،قد يتناوؿ موضوع يريد معرفتو أكثر ،ويمكنو
استخدامو في التفكير لمدة بعض الدقائؽ كؿ يوـ ،يمكنو أف يعود إلى مواضيع كاف يدرسيا في
المدرسة ،ومنيا يمكنو أف يستمد اإللياـ .أما بالنسبة ألسياد الػ"الزف" فغايتيـ ىي إدراؾ أىمية أف
يكوف الفرد ساكف وصامت لكي يعرؼ .ألنو ما مف طريقة لتعرؼ إذا كاف عقمؾ مشغوالً بمواضيع
عديدة وأغمبيا تافية .ال يمكنؾ الحصوؿ عمى البصيرة التي تحتاجيا إذا كاف عقمؾ متحرؾ عمى
الدواـ بيف مواضيع مختمفة تتعمؽ بمشاكؿ حياتؾ اليومية .يتـ األمر بنجاح فقط مف خبلؿ السكوف
التاـ .عادةً ما نكتشؼ بأننا ال نستطيع التحكـ بأفكارنا .نحف حتى ال نستطيع التحكـ بأنفسنا ،فما
بالؾ أفكارنا .لكف رويداً رويداً يمكننا زيادة ىذه السيطرة عمى تفكيرنا .بمكننا استخداـ الممكات التي
نحوزىا لكي نفعؿ شيئاً مفيداً .وفؽ مفيوـ الػ"زف" فإف الصمت يصبح البوابة إلى اإليماف .يصبح
الصمت الوسيمة التدريجية لتصفية الممكات مف إرىاب وبؤس التجربة اليومية .الصمت ىو سبلـ.
قوة األبدية تسكف في السبلـ .السكوف ىو اجتماع مع الذات الحقيقية أو النفس العميا .يمكف أف
يصبح ىذا االجتماع أساس لتكريس جميؿ .وىذا التكريس ىو ضروري ألي أحد يرغب في العيش
بشكؿ أفضؿ وسط ىذا العالـ المربؾ والفوضوي.
لذلؾ ،وسط الضجيج الذي يسود محيط الفرد ،ىناؾ إمكانية لمسكوف .وسط سكوف األشياء نعيش في
عالـ كاف كذلؾ قبؿ أف يوجد اإلنساف .كاف الكوف في سبلـ قبؿ أف يظير العقؿ الدنيوي مع حقو في
النمو والسعي لصنع عالـ أفضؿ .الحضارات التي نعرفيا عبر التاريخ كانت عبارة عف مختبرات
لمتجارب عمى تكشؼ إمكانيات الوعي البشري .كانت تمثؿ طريقة الستعراض مدى معرفتنا .لكف
بدالً مف ذلؾ أصبحنا خبراء اليوـ في استعراض كـ مف ما ال نعرفو ،وذلؾ عبر األخطاء المستمرة
144
طريقة الحكيم
التي نقترفيا ودوف أف يكوف لدينا أي إدراؾ سميـ أو حتى المياقة لتصيحيا .لقد منحتنا الطبيعة منياج
بسيط جداً لفعؿ األمر .يمكننا جميعاً فعؿ األمر .كؿ مدرسة دينية أو فمسفية في العالـ كاف لدييا
حياتيا التأممية .كاف لدييا سكونيا الخاص .وكذلؾ كاف مجيودىا اليادؼ لمكشؼ عف أسرار السبب
األوؿ .والرغبة البلنيائية في إيجاد سبب الوجود .لقد تـ االفت ارض بأف ىذا السعي ىو ىباء .سوؼ
يقولوف لنا بأنو ال يمكف النجاح بذلؾ وأنو ما مف طريقة لمعرفة ذلؾ .لكف ىذا يكوف صحيح فقط إذا
اتبعنا الوسائؿ الخارجية التي نألفيا .بينما في داخمنا فسوؼ يبقى دائماً طريؽ مفتوح .ليس ىناؾ أي
لحظة ال يفتح فييا الدرب الداخمي إذا كنا متحمسيف في حاجتنا إليو .المشكمة الكبرى ىي أننا لـ
نسعى إلى ىذا الدرب الداخمي أبداً .ما نرغبو في الحقيقة ىو أف نتبع الدرب الداخمي وبنفس الوقت
نرغب في االزدىار بأكبر قدر ممكف خارجاً .واختبلط الصراعات والبحث عف وقائع مختمفة ورمز
الحياة ،جميعيا تعزز عدـ الواقع .الرغبة في أف نكوف أفضؿ لكف مع عدـ التخمي عف أي شيء
يتعمؽ بالسمات السيئة ،نحاوؿ دائماً تقسيـ ىذه األشياء وفصميا عف بعضيا لكي نتمكف مف حمؿ
جرتي ماء عمى كبل الكتفيف .ترانا نصمي مف أجؿ نيؿ الفوائد لكف بنفس الوقت نسيء التعامؿ مع
كافة قوانيف الحياة وغاياتيا .أصبح واضحاً بأف ىذا كمو غير ممكف .واآلف بدأنا نراىا بوضوح .لمدة
طويمة مف الزمف لـ يكف ىناؾ ما نفعمو حتى لو أريناىا بوضوح .كاف العالـ واقع في عبودية ألنظمة
مزيفة صمدت لفترات زمنية طويمة وبالتالي كاف عمييا أف تذىب دوف رجعة .لكف اآلف أصبح لدى
الفرد العادي الحؽ لبناء شيء أفضؿ .لكف بدأنا تدريجياً نسيء تفسير معاني األشياء ،وفقدنا
إلتزاماتنا الحقيقية الستقامة وتكامؿ أنظمتنا الحياتية .عمينا أف نجدىا مرة أخرى ونرتقي فوقيا ثـ
ننتقؿ إلى شيء أفضؿ .ال نستطيع التخمص منيا قبؿ االرتقاء فوقيا.
كؿ التقدـ ىو نمو وتنشئة .ليس ىناؾ أي خطوة متخذة ،والتي نسمييا تقدـ ،ال يحكميا الوعي
والسموؾ .عمى ىذه أف تعمؿ معاً لتحقيؽ الغاية .بالتالي خبلؿ بحثنا عف اإليماف فعمينا أف نستحقو.
عمينا أف نحتاجو وعمينا اف نرغبو .عمينا أف نكرس أنفسنا مف أجمو .والبداية ىي سيمة جداً ،كؿ ما
عمينا فعمو ىو أف نكوف عمى إدراؾ تاـ بوجود كوف ونحف مواطنوف فيو ،وسوؼ نكوف دائماً مواطنيف
فيو ،إال إذا نفينا أنفسنا بسبب أخطائنا .ميما كاف المنفى سيئاً لكننا سوؼ نعود في النياية .الخطوة
األولى في مسيرة تصحيح ضعفنا ونواقصنا تمثؿ الخطوة األولى نحو االتحاد مع الوقائع الكونية.
145
طريقة الحكيم
اإليماف ىو األداة الوحيدة التي نممكيا ،وبالتالي عمينا أف نجعميا قوية .عمينا فعؿ كؿ ما بوسعنا
لتقوية وتنشيط مساىماتو .عمينا أف ندمج معو كؿ حقيقة يكتشفيا العمـ ،وكؿ حكمة أوجدىا الفبلسفة،
وكؿ الجماؿ الذي منحنا اياه الفف ،جميعيا في الحقيقة تمثؿ أجزاء مختمفة لئليماف ذاتو .عندما
جردناىا مف اإليماف بدأنا نواجو الفشؿ الذريع .افترضنا بأنو يمكننا توحيد األجساد دوف حاجة لتوحيد
األرواح .اعتقدنا بأف ىذه العموـ والفنوف ىي كيانات منفصمة ،لكنيا ليست كذلؾ ،بؿ ىي تجميات
متعددة لمبدأ أبدي واحد .في كافة المسائؿ عمى اختبلفيا فإف الحياة الداخمية ىي المفتاح .عمينا أف
نبدأ العيش مع ىذه الفكرة ،فكرة أف ال شيء يمكنو العيش دوف إيماف .ال يستطيع أي تاجر النجاح
دوف إيماف .وال أقصد اإليماف بالسمع لديو ،بؿ اإليماف بشخصيتو التي تتعامؿ مع السمع لديو .إنيا
الحكمة والميارة والوعي بداخمو التي تقرر في النياية نجاح مشروعو التجاري.
لذلؾ أعتقد أنو بالنسبة لمشخص العادي ،وفيما يتعمؽ باإليماف ،يمكننا أف ننظر حولنا إلى أشياء
سبؽ وحصمت ،فنجد أمور أحسنا فعميا ونكوف فرحيف بذلؾ ،ثـ نجد أمور أخطأنا فعميا ثـ نعاني مف
عواقب ذلؾ .كما أننا ننظر حولنا ،إلى حضارات وثقافات أخرى ،ونرى أف اآلخريف يقترفوف نفس
األخطاء ويسعوف كذلؾ إلى القياـ بنفس التصحيحات .إذا راقبنا التصحيحات نتذكر حينيا ذلؾ
المبدأ الذي يتحدث عف التجربة واالختبار .إف المجتمع يختبر في الحياة لمدة طويمة .حتى العمـ
يختبر في الحياة .والشيء الوحيد الذي تعممو العمـ فعمياً ىو أننا ال نقوـ بفعؿ األشياء بالطريقة
الصحيحة .ومع اكتشافنا ذلؾ نبدأ في البحث عف الطريقة الصحيحة .وجب أف ندمج االستقامة
والتكامؿ الروحي مع الحقائؽ الفكرية والمادية .إثبات األخبلؽ في المختبر ،واثبات الفمسفة في
التجارة ،واثبات الحكمة في األماكف العامة ،واثبات الرشد في الطفؿ ،واثبات األمانة واإلخبلص في
المنزؿ ،كؿ ىذه األمور ممكنة ،وأينما تـ خرؽ القوانيف فبل بد مف أف شيئاً ضاع وفقد .وفي النياية،
عمى كؿ مف يخرؽ القوانيف أف يدفع الثمف .لذلؾ فإف اإليماف متأسس عمى إدراؾ حقيقة أننا نعيش
في كوف صادؽ بشكؿ مطمؽ .وال يمكننا فعؿ شيء حياؿ ذلؾ سوى أف نكوف صادقيف أنفسنا واال
فسوؼ نعاني .نحف نعيش في كوف لديو غاية ،لكف نحف ال نعرؼ ما ىي غايتنا في معظـ األحياف.
نحف نعيش في كوف لو مستقبؿ ويعرؼ إلى أيف يذىب ،لكف نحف لسنا كذلؾ .لكف يمكننا أف ننمي
تدريجياً تركيب ة كافية مف الحقائؽ المتوفرة لدينا لكي نبدأ بتصديؽ مستقبؿ معيف ،ألننا نعرؼ المبادئ
والقوانيف الحاكمة ليذه المسيرة وقد اكتشفنا بعض مف سموكيا .إنو ممكف جداً بالنسبة لنا أف نقوـ
تدريجياً وفي وقت معقوؿ أف نجري التغيرات في أنفسنا ،وىذه التغييرات قد ال تحصؿ مرة واحدة ،وقد
146
طريقة الحكيم
نغادر ىذا العالـ مع تغييرات الزالت جزئية ،لكف ىذا كمو ال ييـ ،ال شيء ميـ ألننا سوؼ نعود إلى
ىذا العالـ مع نفس التغييرات الجزئية ثـ نكمؿ طريقنا مف حيث توقفنا .وبسبب ما نتعممو اآلف ،فإف
أولئؾ الذيف يولدوف بعد ألؼ عاـ مف اآلف سوؼ يكونوا أكثر حكمة منا ،ألننا نحف ىـ ،ونحف بيذه
الحالة في حالة نمو مستمر.
النمو ال ُيقاس مف خبلؿ تجسيد واحد ،بؿ وفؽ صيغة أجياؿ وأجياؿ ،حيوات وحيوات .والتقدـ يستمر
طالما بقيت االستقامة تنمو في الناس .مف المؤكد أف ىناؾ الكثير مف الناس يغادروف العالـ اليوـ
مجرديف مف االستقامة ،لكنيـ سوؼ يعودوف حتماً ،وسوؼ ندخؿ في مشاكؿ معيـ مرة أخرى.
الموت ىو تغيير عوالـ لكنو ليس تغير في الشخصية .بالتالي ميما عشنا في ضمو ومتنا في ضمو
سوؼ نعود إلى الوالدة في ضمو .ومف أجؿ اليروب مف الصعوبات التي ترىقنا اليوـ عمينا أف نغير
أنفسنا بحيث إذا عدنا مف جديد فيذه العيوب تحديداً تكوف قد تصححت .خبلؿ معالجة ىذه األمور
يوجد عقبلنية في المسألة ،والعقبلنية تفيد كثي اًر في موضوع اإليماف .ألف اإليماف ،وبطريقة غامضة،
ىو العقبلنية ذاتيا .ىو شيء نعرفو بشكؿ مميز ونتجنبو بحذر .ىو شيء نعتقد بو لكنو يتدخؿ في
معتقدات أخرى أقؿ أىمية .لذلؾ فإف المشكمة تكمف في وضع اإليماف في المقاـ األوؿ حيث
يستحؽ .نوصمو إلى المرحمة التي يمكنو فييا منحنا القوة لمواجية المحف والشدائد ،كما يمنحنا
الشجاعة والحكمة لبناء مستقبؿ أفضؿ .نحف بحاجة إلى اإليماف عمى المستوى الفردي ،وكذلؾ
نحتاجو عمى المستوى الجماعي ،وكذلؾ عمى المستوى الوطني ،وربما حتى الكوكب بحاجة إليو.
ألننا نقوـ باستغبلؿ كوكب ُمنح لنا كحديقة جميمة لكننا حولناه إلى أرض مقفرة جرداء .وجب تغيير
الشح بأنواعو،
ّ ىذا كمو .سوؼ يتوفر ما يكفي إذا قمنا بالميمة بشكؿ صحيح .يمكننا التغمب عمى
يمكننا تحمؿ أكثر مف ضعؼ عدد السكاف الحالي لمكوكب ،كؿ ذلؾ فقط لو امتنعنا عف األنانية .إذا
توقفنا عف محاولة استغبلؿ بعضنا البعض ،وندرؾ بأنو في عائمة واحدة كبيرة فإف اإلخبلص لكؿ
فرد يعني اإلخبلص لمجميع .إذا كنا مخمصيف وقمنا بالواجبات الضرورية فسوؼ يكوف لدينا أجمؿ
كوكب يمكف أف يكوف .وسوؼ نكوف سعيديف جداً في ىذا الكوكب خبلؿ قيامنا باألفعاؿ التي وجب
فعميا .عندما يحصؿ ىذا فسوؼ نعرؼ حينيا أف اإليماف قد تجمى.
147
طريقة الحكيم
انقـذس
وفمسفـة المصيـر
حير الفكر البشري آلالؼ السنيف خبلؿ المجيود الحثيث الكتشاؼ ما
إنو موضوع مثير بالفعؿ ،وقد ّ
ىي األحكاـ التي تقبع وراء تطور األشياء .ما ىي الخطة؟ البعض طبعاً ينكروف وجود خطة أصبلً.
قد يمثؿ ىذا جواب شافي لكف ال يمثؿ حؿ لممسألة .اآلخروف يعتقدوف بأف ىذه الخطة محفوظة مف
قبؿ قوة إليية وبالتالي ال يستطيع أي شخص فاني أف يستوعب شمولية ىذا الغموض المتعمؽ باإللو
األعمى .لكف ىناؾ آخروف أيضاً ،والكثير منيـ أشخاص ورعيف ومؤمنيف ومطمعيف يشعروف بأنو في
الوقت الذي يكوف صحيحاً أف اإلجابة الكمية والشافية لكافة األسئمة ليست متوفرة في ىذا الوقت،
لكف مف خبلؿ االعتبار العقبلني والحذر لممجريات التي تعمؿ اآلف في الطبيعة يمكننا أف نتوصؿ
إلى تقارب كمي لمعرفة األحكاـ وراء المعبة .لدينا نظرة شمولية لمحياة والتي تـ تقويتيا وتوسيعيا
وتعميقيا مف قبؿ عمـ اإلنساف (األنثروبولوجيا) وعمـ الحيواف وعمـ اآلثار وعممياً كؿ أداة أو مجاؿ
بحث ابتكره اإلنساف .مف ىذه المصادر المختمفة استقينا روايات وبيانات عف ظاىرة العيش والحياة
148
طريقة الحكيم
عموماً .نكتشؼ كيؼ تسير األشياء إلى األماـ عبر الزمف .نبلحظ ربما العبلقة المتبادلة بيف السبب
والنتيجة (العمة والمعموؿ) ،وبعد تأمؿ ىادئ عمى كؿ ما ىو مرئي ومعروؼ مف قبمنا ،نبدأ بإدراؾ
حقيقة أف المصير ىو سمسمة نمطية وليس سمسمة مف الصدؼ واألحداث العشوائية .مجريات
المصير تبدو متواصمة دوف انقطاع ،ىي منيجية ،وأكثر السمات أىمية تتعمؽ بالعممية ذاتيا والتي
كؿ الحياة تصبح منخرطة معيا .كمما زادت معرفتنا عف مصير الحياة كمما تحسف تعاوننا معو
يومياً .والبعض يتوقع بأف اإلنساف ُمنح العقؿ لكي يستخدمو لمتفكير بخصوص سبب وجوده بنفسو.
في الوقت الذي البعض يستخدموف فيو العقؿ ببساطة لمتقدـ بتفصيؿ خاص بيـ ،لكف خمؼ قوة
التفكير تكمف الطاقة الضرورية لمتف ّكر ،جزئياً عمى األقؿ ،في تك ّشؼ ىذا الشيء الذي نسميو
المصير.
نحف نتعامؿ أيضاً مع كممة أخرى وىي القدر .تـ ربط القدر بمفيوـ القدرية أو اإليماف بالقضاء
المقدرة أو الحتمية .وىذه الفكرة المتعمقة بوجود حتمية قدرية بحيث ال نستطيع
ّ والقدر ،أو الظروؼ
التمرد عمييا والتي ال يمكننا تحويميا أو تغييرىا داخؿ أنفسنا ،أدت إلى ظيور مفاىيـ دينية تتعمؽ
بالقضاء والقدر ،وىذا األمر واضح جمياً في عقيدة اإلسبلـ حيث القضاء والقدر يمثؿ عقيدة جوىرية،
وىو في الحقيقة جزء أساسي مف المبدأ الذي بنيت عميو العقيدة بالكامؿ .القدر بالنسبة لمشخص
العادي أصبح قريب الصمة بالحظ .القدر ىو شيء يحصؿ دوف أي سبب منطقي واضح ،أو أننا ال
نرغب في التحقيؽ بأسبابو .نحف نقبؿ الكثير مف األشياء التي تحصؿ معنا ،لكف مع تردد وممانعة
أحياناً ،لكننا ال نرغب في محاولة فيـ السبب وراء حصوليا .السبب وراء ترددنا في استكشاؼ
أسباب المجريات ىو ألنيا تذكرنا حتماً بوجود العيوب في شخصيتنا .سوؼ ُنجبر عمى االعتراؼ
بأف سوء الحظ ىو نتيجة مستحقة .نحف نستحقو مف خبلؿ قيامنا باألشياء الخاطئة ،وأحياناً
بمعنويات عالية وآماؿ عالية .لكف طالما أنيا أعماؿ خاطئة فسوؼ لف تنجح أبداً.
بالتالي يبدو أف القدر ىو التعبير عف عممية اختبار اإلنساف في مجريات العيش .يمكننا إدراؾ القدر
كنتيجة لمراقبتنا أفعالنا أو أفعاؿ اآلخريف أو حتى أفعاؿ أمـ قائمة بذاتيا .نبلحظ كـ ىي قريبة
النتائج التي تتبع المسببات .ىناؾ نماذج واسعة مف القدرية والتي تستعرض وجود عبلقة دائمة بيف
األحداث المختمفة ،ويوجد دائماً مسببات متشابية تجمب نتائج متشابية .قد تتعدؿ النتائج بفعؿ
الزما ف أو المكاف ،وقد تختمؼ بالتفاصيؿ بسبب اختبلؼ األعراؽ واألمـ والثقافات ،لكف في الجوىر
149
طريقة الحكيم
نجد أف فعؿ معيف سوؼ ينتج حتماً ردة فعؿ محددة .بالتالي الحرب وجب أف تنتج الحرب وليس
خير بجوىره؟ السبب ىو إذا كاف
السبلـ .لماذا إذاً نفترض بأف ىذا الشيء الذي نسميو المصير ىو ّ
عمى الحرب أف تنتج الحرب فيذا يعني أف الحرب ىي حالة أبدية ،وىذا أمر غير صحيح ونحف ال
نؤمف بو .إذا كاف كؿ خطأ نقترفو ينتج كارثة لكف ال نتعمـ منيا شيء عمى اإلطبلؽ والتي ال نولييا
أي اعتبار أو اىتماـ ،فبالتالي سوؼ تستمر دورة الظروؼ القاسية والشديدة إلى أجؿ غير مسمى،
لكنيا لف تستمر إلى األبد .عندما أقوؿ "غير مسمى" فيذا يعني فترة ليا حد معيف لكف غير محدد،
يتوقؼ األمر عمى الفرد وسعيو لتصحيح الخطأ .اإلنساف ىو صاحب سمطة بنفسو ،وىو ال يستطيع
التمتع بالمعاناة إلى األبد .مجرد التفكير بالمعاناة في جينـ إلى األبد ىو كثير بالنسبة لو .وىو
واضح أيضاً بأف الشخص العادي يرغب في أف يكوف مرتاح ورغيد .يرغب في االستمتاع دائماً
طالما سمحت لو الظروؼ .يرغب في العيش في عالـ مسالـ ووسط مجتمع متعاوف .ألنو مجرد أف
تذوؽ ىذه الفوائد فسوؼ يحبيا .لكف لسوء الحظ ،فإف شخصيتو لف تحافظ عمى استم اررية رغبتو أو
نيتو ىذه .نراه يرتد إلى ما كاف عميو دائماً ،وىو مخموؽ منافس .ىو لـ يتمقى قدر كافي مف المعاناة
حتى يدرؾ حقيقة أف المعاناة يعود سببيا إلى األفعاؿ الخاطئة .وما مف طريقة ممكنة ،إف كانت
عممية أو دينية أو فمسفية ،يستطيع الفرد مف خبلليا اقتراؼ خطأ دوف أف يدفع ثمنو .نحف نود أف
نأمؿ بأف ىذه النقطة ليست مؤذية كما تبدو .نحف نود أف نأمؿ بأنو يمكننا فعؿ ما يحمو لنا وكؿ
شيء سوؼ يبقى كما ىو .النتيجة الجيدة تكوف ممكنة فقط إذا كاف الشخص متنور جداً بحيث ما
يرغب فعمو ىو الخير األعظـ لنفسو ولآلخريف .حتى يصبح ىذا أساس رغبات الفرد فسوؼ تستمر
المعاناة قائمة عبر الزمف.
خبلؿ مواجية الفرد لعواقب سموكو ،قاـ بمراكمة كمية مف األدبيات عف ىذا الموضوع ،ومعظميا
نسمييا اليوـ التاريخ .يعتبر التاريخ بالنسبة لمعظـ الناس موضوع ممؿ ،وىو في الحقيقة موضوع
بغيض وتنفر منو النفس .التواريخ الحديثة بمعظميا تمثؿ سجبلت وعممية تك ارر لتقصير اإلنسانية
وعيوبيا .التواريخ تحتوي عمى سجبلت متكررة ألخطائنا .ىي تستعرض العواقب الحتمية لعدـ
إنسانية اإلنساف تجاه فصيمتو والفصائؿ األخرى في الطبيعة .في كؿ مكاف يقوؿ لنا التاريخ بأننا
نرتكب األخطاء ،ومع ذلؾ نستمر نحف في ارتكابيا .نحف لـ نفطف بعد بأف التاريخ يمثؿ نوع مف
كتاب مقدس ،حيث يخفي معنى مقدس ،إذ يقوؿ لنا ما عمينا فعمو وما عمينا عدـ فعمو .عندما ندرس
ما عمينا فعمو وما عمينا عدـ فعمو ،نتذكر مفيوـ روحي أساسي يقوؿ لنا بأف كؿ منا يتألؼ مف
153
طريقة الحكيم
نفسيف أو ذاتيف أو قسميف ،أحدىما يكافح أبداً باتجاه الخير بينما اآلخر يكافح باستمرار نحو إشباع
ممذاتو وشيواتو ورغباتو الدنيوية .عندما أقوؿ شيوات أو ممذات فبل أقصد فقط تناوؿ الطعاـ والشراب
بؿ أي شيء يرضي رغبة في أنفسنا ،مثؿ الطمع والجشع ،الغيرة والحسد ..،وغيرىا .في كؿ مف ىذه
الحاالت نسعى إلى إرضاء توجو داخمي غير بناء .كؿ إنساف إذاً ىو مؤلؼ مف قسميف .بالتالي كؿ
فرد يحتوي في داخمو عمى شيء يسعى دائماً إلى االندماج مع الخالد األزلي ،وىو شيء يتجاوز
كافة المحدوديات والنواقص والعيوب المادية ،ىذا الشيء الذي يكافح نحو إحراز الكماؿ يمثؿ
المثالية بداخؿ أنفسنا .ربما ىو يمثؿ أساس الضمير ،كما أنو يذكرنا باستمرار بأننا نستطيع فعؿ
األشياء بشكؿ أفضؿ .قد يدفعنا نحو عدـ األنانية والتفاني أو اإلحساف والمطؼ ،أو يقترح عمينا
مسامحة أعدائنا .أما القسـ اآلخر في كياننا ،وىو القسـ الدنيوي ،فيو شخصي بدرجة كبيرة .إذا
واجينا صعوبات مع اآلخريف فإف ىذا القسـ الدنيوي ال يرغب في المسامحة أو النسياف ،بؿ يرغب
في الثأر ،يميؿ إلى رد الصاع صاعيف كمما واجو إساءة مف أحد ،يرغب في أخذ ثأره مف الحياة
ومف الناس ،وأينما عجز عف إيجاد أحد ليكوف موضوع ثأره ينقمب عمى المجتمع ككؿ محاوالً السداد
مقابؿ كؿ معاناة اختبرىا في الحياة.
ىذاف الكياناف المتناقضاف بداخمنا يحتبلف أساس الميوؿ واألمزجة والنزعات لدى معظـ الناس .نجد
الخير ىو الذي يسود أكثر مف اآلخر، عند البعض بأف ذلؾ القسـ الذي يكافح مف أجؿ الجميؿ ّ
ويتقدـ إلى األماـ .بدأ يتدخؿ أكثر وأكثر في ق اررات الشخص ،جاعبلً ىذه الق اررات أكثر إحساناً
ولطفاً ومسامحة .بينما عمى الجانب اآلخر نجد النوع اآلخر حيث القسـ السمبي ،أي الدنيوي ،ىو
الذي يسيطر ،وتتزايد قوتو بسبب خيبات األمؿ وسيطرة األوىاـ الدنيوية والطمع في الباطؿ ،أو ألف
الفرد أصبح يتمحور حوؿ غاية واحدة وىي إشباع وارضاء شيواتو ورغباتو الشخصية .أمر واحد
طبعاً يزيد مف تعقيد المسألة ،وىي دائرة المجيوؿ التي تحيط بنا جميعاً .نحف نعيش وسط دائرة
مقفمة ،وىناؾ جدار يفصمنا عف خارج الدائرة بحيث نعجز عف الرؤية أو حتى التخميف بدقة ما يقبع
وراء الجدار .بالتالي كؿ فرد يعيش وسط ىذه البيئة المقفمة بحيث تسيطر عميو بالكامؿ .في ىذه
البيئة تسود مجموعة مف المغالطات واألفكار الخاطئة بحيث أصبحت تعتبر مسممات صحيحة
وصائبة ونعتبرىا أحياناً منزلة مف السماء .نعتبر بعض ىذه المغالطات بأنيا قريبة مف األصوؿ
اإلليية ،مع أنيا ليست كذلؾ في الواقع .مف بيف ىذه المغالطات نجد أنو عمينا بناء كامؿ طريقة
حياتنا باالستناد عمى البرنامج الذي وضعناه لوجودنا المؤقت ىنا والذي ال يتجاوز عدة عقود .بينما
151
طريقة الحكيم
ال زلنا أحياء ىنا وضمف ىذه الفترة المؤقتة ،وجب عمينا فعؿ كؿ ما يمكننا فعمو في سبيؿ إرضاء
أنفسنا واشباع رغباتنا .أما بخصوص ما يحصؿ بعد مغادرتنا ىذا العالـ فبل يزاؿ يمثؿ صورة قاتمة
وغير واضحة بالنسبة لمعظـ الناس .رغـ أنيـ قد يؤمنوف بوجود عالـ آخر ،لكنيـ يقسموف ىذا
العالـ إلى مستويات مختمفة ،أو يجتيدوف في وضع خريطة دقيقة ليذا العالـ اآلخر .لكف المشكمة
ىي أنو خبلؿ وجودنا ىنا في ىذه الحياة نعتقد بأنو عمينا أف نفعؿ كؿ ما بوسعنا لبلستمتاع بأنفسنا
ونشبع كؿ شيوة وتحقيؽ كؿ طموحاتنا وعمينا أيضاً اإلطباؽ عمى أعدائنا .ىناؾ حاالت يقوـ بيا
الفرد بحمؿ عداءه خبلؿ وجوده عمى فراش الموت حيث آخر مبادرة يتخذىا في حياتو تكوف شتيمة
موجية إلى عدوه ،فيموت بعدىا مباشرة .نحف ال نستسمـ .ونشعر بأنو إذا جرحنا أحدىـ فيكوف مف
حقنا المقدس أماـ السماء أف نحقد عمى ذلؾ الشخص حتى آخر الزماف .إف ليذا النوع مف األفكار
تأثير خطير عمى بيئتنا وخمؽ حاالت عدائية تستمر مف جيؿ إلى جيؿ ،ونتخذ ىذا المنيج تدريجياً
ونربطو بمفيوـ المصير .فنقوؿ إنو المصير ىو الذي يجعؿ األشياء تحصؿ ،المصير يعني أف
نستمر في العيش كما عشنا دائماً ،وبالتالي نترؾ إرث ثقيؿ مف المعاناة إلى أوالدنا وأحفادنا .نعتقد
بأنو عمينا أف نمتزـ بمنيجية محددة لؤلشياء كما قدر ليا أف تكوف.
ىذا يقود الفرد إلى قرار حاسـ وجب عميو اتخاذه ،ويتعمؽ بمشكمة ىؿ يستطيع إحداث تغيير؟ ىؿ
يستطيع الفرد أف يحدث تغيي اًر جذرياً في منيج حياتو؟ ىناؾ أناس يقولوف لنا بأنيـ تغيروا ،وربما
مجرد التوافؽ مع وضع جديد ،بؿ قد يعني االبتعاد
تغيروا فعبلً بطرؽ متعددة ،لكف التغيير ال يعني ّ
عف ذلؾ الوضع كمياً .التغيير يعني أف يحقؽ الفرد تغيير اجتماعي مف خبلؿ تغيير شخصي .ىو
يحسف أخبلقو مف خبلؿ أف يصبح أكثر يحسف وضع عائمتو مف خبلؿ تغيير نفسو وليس عائمتوّ . ّ
أخبلقياً بدالً مف طمب األخبلؽ مف اآلخريف .يحقؽ بصيرة روحية ليس بالضرورة ألنو يتمقى تعميمات
بؿ ألنو اختبر تجربة تحسيف الذات .بالتالي فالتغير ىو الشيء الوحيد الذي يمكنو تغيير المصير،
حيث المصير ىو شيء بذاتو ويستمر في كونو كما ىو ويستمر في إنتاج الصعوبات المرتبطة بو
حتى يغيره برنامج طويؿ األمد .القميؿ مف الناس يستطيعوف إحداث تغيير جذري في عيشيـ بينما
يكونوا وسط مسيرة تجسيدىـ المادي .قد يودوف ذلؾ ،وفي بعض الحاالت اليائسة يحاولوف إحداث
تغيير .لكف ما الذي يحفّز ىذا التغيير؟ ما الذي يحفّز المجيود الذي يدفع بعض الناس إلى تحقيؽ
تغيير جذري في نمط عيشيـ؟ ربما أحد تمؾ األسباب ىو أف الفرد ال يكوف سعيداً بسبب فشؿ طريقة
حياتو لذلؾ يحاوؿ طريقة أخرى .في كؿ مف ىذه الحاالت تقريب ًا يحصؿ التغيير نتيجة المعاناة مف
152
طريقة الحكيم
خيبات األمؿ واإلحباط أو أف الفرد يعجز عف االستمرار في طريقة حياتو بسبب ظروؼ صحية أو
مالية أو أي شيء آخر يتطمب تغيير في نمط حياتو.
لكف ليس ىكذا وجب إتماـ العممية .عمينا أف ال ننتظر حتى ُيفرض عمينا التغيير مف قبؿ أخطائنا.
وجب عمى الفرد أف يبدأ بالتغيير في المحظة التي يبدأ فييا التفكير ،ألنو عمى كؿ فكرة وكؿ استخداـ
لمعقؿ أف يكشؼ عناصر الشخصية والسموؾ واألنماط واالرتباطات والعبلقات التي يمكف تحسينيا
جميعاً ،وبالتالي وجب تغييرىا مف شيء أقؿ مستوى إلى شيء أفضؿ .ىذا يعني أف التغيير ىو نمو
طوعي مميـ مف قبؿ الرغبة في أف يكوف الفرد أفضؿ مما ىو عميو ،وليس الرغبة لتجنب
الصعوبات .األمر ال يتعمؽ بضرورة العيش بشكؿ أفضؿ لتجنب المعاناة واأللـ ،بؿ ألف العيش
األفضؿ يمنحنا الصحة السميمة والتي تعتبر إنجاز إيجابي بذاتو .متما نمونا ألننا ال نستطيع تحمؿ
طريقتنا في الحياة فيذا يجعؿ مجيودنا بيذا االتجاه خالي مف التأثير عمى تبديؿ أخبلقياتنا ومبادئنا،
وىذا يجعمنا مجرد سعاة إلى التخمي عف عادة سيئة والتي كنا نفضؿ االحتفاظ بيا لوال تأثيراتيا
السمبية عمينا .نحف نحب أف نقترؼ األخطاء لوال أنيا تسبب لنا األلـ والمعاناة .ىذا ينتج حالة
إصبلح ىائؿ لمشخصية .وغالباً ما تسعى ىذه الشخصية إلى إيجاد طرؽ مختمفة الرتكاب األخطاء
القديمة لكف تحت مسميات جديدة .فتبدأ المشاكؿ بالعودة كما السابؽ وقد تستمر إلى باقي الحياة.
يوجد طريقة واحدة فقط يمكف مف خبلليا تغيير المصير .الصموات لمسماء طمباً لتغيير المصير
أثبتت عدـ جدواىا .الكوف سوؼ يستمر وسوؼ يفعؿ ما طالما فعمو ألنو األنسب لكافة المخموقات.
المشكمة التي عمى اإلنساف مواجيتيا ىي كـ سيستغرؽ مف الوقت قبؿ أف يكتشؼ بأف طرؽ الطبيعة
ىي األفضؿ .أحد العيوب األكثر شيوعاً اليوـ ىو رغبتنا الشديدة في إصبلح سموؾ الطبيعة .لدينا
شعور بأف الوقت قد حاف ألف نتمتع بالسمطة الكافية التي تمكننا مف توجيو اهلل في إدارتو ألعمالو.
نحف مقتنعوف تماماً بأف الخطة اإلليية بحاجة إلى تعديؿ .نحف نعرؼ بأنو في الوقت الحالي يوجد
صعوبة بخصوص عبلقتنا مع ىذه الخطة اإلليية .بالتالي نود أف نشرح لئللو األعمى بأننا نحف
عمى حؽ وىو عمى خطأ .نود أف نجعمو واضحاً بأننا سنخاصمو إذا لـ تتغير األمور لصالحنا .لكف
ميما كاف األمر فاإلنساف يتمرد ضد األشياء التي ال يحبيا .في المحظة التي ال يتوافؽ فييا اهلل مع
اإلنساف يظف ىذا األخير بطريقتو المتواضعة بأف اهلل ىو الذي يعاني مف ىذه الحالة .يود اإلنساف
بطريقة معينة أف يجعؿ الكوف يسير باالتجاه الذي يريده أف يكوف ،فيحاوؿ بطرؽ معينة أف يشرح
153
طريقة الحكيم
بأف اهلل يريد ا لكوف أف يسير بيذا االتجاه الذي اختاره .لكف ميما كاف األمر ،مف الصعب تقبؿ فكرة
أف اهلل يريد مف اإلنساف االستمرار في فعؿ األشياء التي تؤذيو وتضر بو .اإلنساف يشوه مسيرة حياتو
ويدمر مصادره ويفقر الطبيعة ..وغيرىا مف أفعاؿ غير موزونة ،مف الصعب جداً االعتقاد بأف اهلل
يريد ىذا أف يحصؿ أو يرغب في أف يعاني اإلنساف مف عواقب ىذه األفعاؿ .اإلنساف ال يعاني ألف
اهلل يريده أف يعاني ،بؿ اإلنساف يعاني نتيجة ألخطائو التي اقترفيا .وعندما تعود أخطائو لتنقمب
عميو ،يعتبر اإلنساف بأف ىذا سوء حظ مقدر لو .أي بمعنى آخر ،يعتبر بأف سوء الحظ ىذا وجب
أف ال يحصؿ .ورغـ ىذا كمو فيو ال يفكر أبداً في تصحيح األسباب الفعمية ليذه الحالة التي يعتبرىا
مجرد سوء حظ مقدر لو مف اهلل.
طالما استمر الفرد في التسبب بالمشاكؿ فسوؼ يعاني .ىذه طريقة جيدة لمضبط األبوي .لـ يعد
بإمكاننا اعتبار اإللو األعمى بأنو أب ظالـ وقاسي يعاقب ابنو بحافز المتعة والنزوة ،بؿ ىو والد
حكيـ يدرؾ بأف كؿ ولد بحاجة إلى ضبط .لذلؾ فإف الخطة الكونية مبنية عمى االنضباط.
واالنضباط ىو الشيء الذي يود الفرد العادي أف يتخمص منو في حياتو .ىو ال يريد أف يتـ ضبطو.
رغـ ذلؾ ،فإف اإلبف الذي يرفض االنضباط خبلؿ مراىقتو سوؼ يموـ والديو عندما يصؿ في سف
الثبلثيف عمى عدـ إخضاعو لمضبط ،ألنو سوؼ يدرؾ الحقاً بأنو ال يستطيع العيش دوف ضبط.
وعندما يعيش بدالؿ فسوؼ يفسد .نحف نحب أف يدلمنا اهلل ،كؿ واحد منا .نحب أف يفعؿ لنا اهلل كؿ
ما نرغبو ونريده .نحب أف يصنع منا أشخاص أثرياء وأصحاء .عميو أف ال يسمح ألي شرور أو
مشاكؿ أو مصاعب أف تواجينا .عميو أف يعيشنا بنعيـ كما لو أننا في الجنة .لكف ربما نسينا بأف
العالـ بدأ بيذه الحالة الجميمة في بداية التاريخ لكف نحف الذيف خربنا كؿ شيء .والمشكمة كانت
دائماً في العصياف عمى وصايا اهلل ،وىو طبعاً لف يتساىؿ مع ذلؾ.
في الحقيقة ،فإف السماء ال تحط عمى أحد بيدؼ الثأر أو ما شابو ،لكف خبلؿ كؿ إجراء في
الطبيعة وخبلؿ كؿ لحظة مف حياتنا نعمؿ وفؽ سمسمة متشابكة مف القوانيف .نحف نتنفس بفعؿ تمؾ
القوانيف .نحف نممؾ أجساـ بفضؿ تمؾ القوانيف .نحف نستطيع التفكير بفضؿ تمؾ القوانيف .كؿ فعؿ
أو تفكير أو شعور أو عاطفة نممكيا جميعاً في كياننا بصفة ممكات أو قدرات أو قوى ىي جميع ًا
خاضعة لقوانيف .كؿ واحد مف ىذه القوانيف معرض لبلستخداـ السيء واالستخداـ السميـ .ىذه
القوانيف تقوؿ لنا بأف المجريات تسير بشكؿ جيد وبسيولة إذا لـ تتعرض القوانيف لسوء االستخداـ.
154
طريقة الحكيم
إذا لـ نطيع القوانيف أو ال نمتزـ بيا ،فسوؼ تنحرؼ مجموعة كاممة مف الممكات والقوى عف مسارىا
المتوازف .الفرد الذي يصبح مدمف مخدرات يقوـ نتيجة ذلؾ بتدمير مجموعة بكامميا مف القوانيف
النمطية التي يحتاجيا لعيش حياة ناجحة .أي ىو يعطب نفسو وال أحد يجبره عمى ذلؾ .قد نقوؿ
بأنو بدأ في فترة لـ يكف فييا حكيماً بما يكفي لكي يعرؼ ماذا عميو فعمو .ربما طغى عميو تأثير
اآلخريف .ىذا ىو السبب الذي يفرض عمى الشخص الذي في طور البموغ أف يخضع إلى كـ كافي
مف االنضباط والتحكـ والتوجيو .وقد تكوف ىذه ميمة صعبة .وفي بعض الحاالت قد تكوف
مستحيمة .لكف إذا فشؿ األىؿ وجب أف تتدخؿ الحكومة وتكمؿ عممية الضبط .ألنو ال يمكف السماح
لمفرد أف يعيش حياة غير منضبطة ويتوقع أي شيء غير الكوارث.
ىذا ما نسميو المصير .ىذا المصير يعني أف نمحؽ بأنفسنا .المصير ىو ما قمنا بتحريكو مف
تسمسؿ أحداث وفي النياية يعود عمينا بالنتائج .ىذا يجعمنا نستنتج بأف المصير يمكف تغييره .ليس
بالضرورة أف يكوف المصير ثابت غير متغير .وكاف لعمماء البلىوت الفمكييف القدماء الكثير ليقولونو
بيذا الخصوص .أشار بطميموس مثبلً إلى أنو وفقاً لعمـ الفمؾ ليس ىناؾ أي مصير محتوـ .ليس
ىناؾ طريقة يمكف لمقدرية أف تترجـ في المجريات البشرية .األمر الوحيد الذي يمكف أف نسميو قدري
ىو أنو مجرد ما اقترفنا خطأ سوؼ نواجو العواقب .إذا لـ يكف ىناؾ أخطاء فميس ىناؾ عواقب.
الفعؿ الجيد يجمب عواقب جيدة .بينما الفعؿ السمبي أو الفاسد أو المدمر يجمب عواقب سيئة .ىذا
أمر حتمي وثابت .ىذا أمر محسوـ وما مف طريقة لتجنبو .وفي بعض األحياف يتطمب األمر حياة
بكامميا لتعمـ ىذه الحقيقة ،وقد يتطمب األمر خمسيف حياة متتالية لتعمميا .يمكف أف نعود إلى الحياة
مرة بعد مرة نكره المجتمع ألنو ال يحقؽ أمنياتنا ورغباتنا .لكف في يوـ مف األياـ سوؼ نتعمـ الدرس
البسيط الذي يقوؿ بأف سعادتنا في البيئة التي نولد فييا ىي نتيجة وعاقبة وحصاد استقامتنا وتكاممنا
األخبلقي .ىذه ىي األشياء الميمة .بعد استيعاب ىذه الحقيقة حينيا يمكننا أف نرى ما يعنيو
المصير بالضبط.
ال مصير ىو حقيقة أف كؿ إجراء أو عممية موجودة في الطبيعة ليا سبب لوجودىا .إنيا جزء مف
عممية تكميؿ أو نزوح نحو الكماؿ ،وبالتالي في غيابيا ال يمكف لشيء أف يكتمؿ .ىذا ىو النمط
األولي العظيـ تكمف طرؽ حياة صغيرة والنيائية .ونجد
األولي بشموليتو لوجودنا .ضمف ىذا النمط ّ
ّ
في مممكة الحيواف مثاؿ جيد عمى العامؿ الحدسي البسيط الذي يسيطر عمى الحيوانات ونسميو
155
طريقة الحكيم
الغريزة .ناد اًر ما تخرؽ الحيوانات القوانيف .ىي تفعؿ ذلؾ الذي ىو حتمي بالنسبة ليا .ىي تستوفي
األولي ألنواعيا .وكذلؾ تفعؿ النباتات والزىور واألشجار .كافة أشكاؿ الحياة ،حتى المعادف
النمط ّ
والبمورات الصخرية ،تستوفي أنماطيا األولية .ومف خبلؿ استيفائيا تحافظ عمى اإليماف بالمبدأ أو
المصير المقدر ليا .إنو واضح جداً بأف الكائف الحي ال يتدخؿ فكرياً في مصيره الخاص ،حيث
الغريزة سوؼ تقوده تمقائياً في الطريؽ الذي عميو اتباعو.
الغريزة ىي شيء قيـ وميـ جداً .والكائنات البشرية الزالت تممكيا لكف برواسب قميمة جداً .لـ تعد
الغريزة مسيطرة في اإلنساف .لقد تـ االرتقاء باإلنساف إلى مستوى آخر .وىذا المستوى اآلخر الذي
ينتمي إليو ىو الذي جعمو ينتمي لئلنسانية .اإلنساف ليس مجرد حيواف يقؼ عمى رجميو ،بؿ ىو
مخموؽ قائـ بذاتو .خمقتو تختمؼ عف باقي المخموقات ألنيا تحوز عمى القرار ذاتي عبر وجود
العقؿ .ىذا العقؿ جعؿ الكائف البشري يمثؿ فصيمة منفصمة بذاتيا .ال ترتبط بأي فصيمة أخرى .ىو
يمثؿ مخموؽ فريد مف نوعو ،وذلؾ ألنو تحوؿ مف الغريزة إلى العقبلنية .ىو بالتالي لـ يعد ُيقاد مف
قبؿ مبادئ ثابتة تعمؿ عبره .عمى اإلنساف أف يوجو ويستخدـ ىذه المصادر عبر القرار الواعي .أي
بمعنى آخر ،أصبح اإلنساف فجأة قاد اًر عمى تحقيؽ غموض التطور .ألف عممية التطور تكوف
مستحيمة إال في المخموؽ الذي يحكـ نفسو .المخموؽ الذي يعيش كمياً بالغريزة ال يمكنو أف يكوف
فضيبلً أو رذيبلً ،وال يمكنو استحقاؽ شيء أفضؿ أو يستحؽ شيء أسوأ ،ىذا ألنو ليس حر .ىو
مقيد بالغرائز مف داخمو والتي ال يستطيع مقاومتيا .أما اإلنساف ،فمـ يعد مقيداً بيذه الطريقة .لديو
ّ
القدرة عمى استخداـ وسوء استخداـ مصادر إنسانيتو .لديو القدرة عمى صنع قوانيف جيدة أو سيئة.
لديو الحؽ في العيش وفؽ المبادئ أو االنحراؼ عف المبادئ .لديو الميزة الداخمية ألف يكوف سعيداً.
لكف لديو أيضاً المسؤولية التي تجعؿ منو بائس .بالتالي فاإلنساف ىو كائف محرض ذاتياً .وخبلؿ
األولي لمكوف بذاتو ،والذي ىو أيضاً
تحريضو الذاتي ىو يتحرؾ بالتدريج وبشكؿ حتمي نحو النمط ّ
يعتبر كائف عضوي متحرؾ ىائؿ ،يتحرؾ وفقاً لمقانوف بالضبط.
عندما يتوافؽ اإلنساف مع النموذج الذي يجعمو قطعة واحدة مف عممية الخمؽ ،في المحظة التي
يتناسب فييا مع النموذج بحيث لـ يعد ىناؾ اختبلؼ بيف سموكو الخاص وذلؾ الذي يعود لمنموذج
األعظـ ،سوؼ يتوقؼ األلـ والبؤس والمعاناة فو اًر ومباشرة .ىذه السمبيات األخيرة ىي دائماً نتائج
سموؾ اإلنساف الذي ال يتوافؽ مع السموؾ الحتمي والضروري مف أجؿ تكميؿ الخطة اإلليية .بعد
156
طريقة الحكيم
التوصؿ إلى ىذا االستنتاج ،يبدأ اإلنساف بالتفكير كيؼ سيحقؽ ىذا التوافؽ مع الخطة اإلليية.
ننظر حولنا وكذلؾ عبر التاريخ إلى البداية األولى ،فنبلحظ وجود البعض الذيف استشعروا ىذا السر
الغامض ،عندما كاف اإلنساف يعيش متجوالً في الطبيعة ،أدركوا بأنيـ كانوا يعيشوف في منظومة
أفضؿ بكثير مف أي منظومة يمكنيـ ابتكارىا بنفسيـ .البنى األكثر نجاحاً في الطبيعة ىي تمؾ التي
بنيت وفقاً لمقوانيف الطبيعية ،وىي مجرد تخصيص ضمف قوانيف الطبيعة .الحياة البشرية ىي مجرد
تخصيص ضمف قانوف الطبيعة .واذا تـ تكشؼ ىذا التخصيص بشكؿ سميـ وصحيح فسوؼ تعيش
حينيا اإلنسانية بسبلـ وسعادة وفي عالـ آمف حتماً .يستطيع حينيا اإلنساف أف يعيش في سبلـ
كامؿ بحيث يستطيع حينيا أف يتقدـ المزيد باتجاه مصادر أرقى والتي ال يستطيع التعامؿ معيا
طالما بقي مشغوالً بمشاكؿ الحياة اليومية .وجب أف يتجاوز تمؾ المشاكؿ ،ال يمكف تجاىميا ىكذا.
خبلؿ نظر اإلنساف إلى ىذه المشاكؿ ،تتممكو كافة أنواع الوضعيات النفسية بخصوصيا .لديو شيء
واحد يأممو دائماً ،وىو أنو في مكاف ما في الطبيعة ،يمكف لمقوانيف العظمى أف تصبح حساسة
ورقيقة العاطفة ،فتترأؼ بو وتطبطب عمى رأسو وتقوؿ لو يا أييا المسكيف سوؼ نصنع استثناء في
حالتؾ .جميعنا نبحث عف ىذا النوع مف األبوية .جميعنا نحاوؿ أف نجد بطريقة ما كيؼ يمكننا
اليروب مف عواقب أفعالنا في كوف حيث يبدو واضحاً أنو مستحيؿ .لقد طورنا فمسفات وأفكار
تساعدنا عمى التممص مف مسؤولياتنا .نحف لـ نقرر أف نكسب طريقنا خارج مشاكمنا ،بؿ نتأمؿ أف
أحداً سوؼ يمغييا جميعاً ويتركنا نسير بطريقنا بسبلـ لكف دوف مبلئمة .لكف األمر ال يعمؿ بيذه
الطريقة .ميما زادت درجة اقتناعنا بأننا نستطيع خرؽ القوانيف ونبقى رغـ ذلؾ سعداء ،فسوؼ نبقى
بؤساء عمى أي حاؿ .ألننا ال نممؾ الحس الكافي ،عبر الخبرة ،إلدراؾ حقيقة أننا ال نستطيع النجاح
في فعؿ ذلؾ الذي ترفضو الطبيعة.
لدينا ىذا الموضوع الذي يسمونو مصير والذي نعالجو ىنا .المصير بالتالي ىو الخطة اإلليية كما
وصفتيا سابقاً .وكما نستطيع إدراكو وفقاً لقدراتنا المحدودة ،فإف خطة المصير ىي إيصاؿ كؿ شيء
حي ،بمستوى أو حالة معينة ،سوؼ يحقؽ تكشؼ حي إلى حد الكماؿ .أقصد بالكماؿ أف كؿ كائف ّ
مئة بالمئة لكوامنو الداخمية .سوؼ يذىب أبعد ما يمكف في البيئة التي يوجد فييا ووفقاً لما تتطمبو
كوامنو الداخمية .داخؿ كؿ بيئة يوجد مستوى مختمؼ مف الكوامف .ال ُيتوقع مف الفرد أف يحقؽ
وضعية مناسبة لمخموؽ مف بيئة مختمفة .ال ُيتوقع منو أف يكوف أفضؿ مما تسمح بو البيئة
157
طريقة الحكيم
المحيطة .لكف في كؿ حالة تثبت البيئة نفسيا مف خبلؿ حقيقة أف الكائنات الحية ،عبر سموكيا
التدريجي ،تضبط نفسيا والبيئة بحيث تحقؽ غايتيا النيائية .سوؼ تتخرج بشرؼ إذا لـ يكف ىناؾ
شيء في سموكيا يتناقض مع البيئة .ال يمكف لئلنساف أف يتخرج إال إذا تعمـ الدروس التي تتطمبيا
ىذه البيئة التي ىو فييا .ىو ال يستطيع تعمـ الدرس مف خبلؿ النفور منو .ال يمكنو النظر إلى ىذا
الدرس بصفتو صعوبة أو عبئ أو جريمة بحقو أو يعتبره إشارة بأف اهلل ال يحبو .الحقيقة ىي أف اهلل
يحب ىذا اإلنساف لدرجة أنو أعطاه ىذه المشاكؿ ليواجييا .ىو يتوقع مف النتيجة النيائية مف
اإلجراء اإلليي لمخمؽ أف الفرد سوؼ ينجح في تحقيؽ االستقامة والتكامؿ األخبلقي ،ثـ يبدأ بالنمو
نحو التشابو مع الخطة اإلليية التي يمثؿ جزء منيا.
يدخؿ القدر مع مساىمة أخرى في ىذا الموضوع .اإلنساف في الحالة العادية يخمو مف إدراؾ قانوف
السببية (العمة والمعموؿ) ،حيث يتكمـ الكثيروف عنو لكف القميموف يعيشوف وفقو أو يمنحونو أي
أىمية .لدى قانوف السببية عبلقة معينة بالسموؾ ،وعندما يرتكب الفرد خطئ طويؿ المدى قد يسبب
في الوقت نفسو مشكمة قصيرة المدى .نحف نفعؿ شيء خاطئ ونظف بأف األمر سيمر بشكؿ عادي،
والسبب الذي يجعمنا نظف بأننا سننجو بفعمتنا ىو أننا عرفنا أحدىـ قاـ بارتكاب نفس الخطئ ونجى
بفعمتو .والشخص الذي اعتقدنا بأنو نجى بفعمتو لـ نراه في الحقيقة منذ زمف بعيد لكننا مع ذلؾ
نفترض بأنو يعيش بسعادة وىناء .مع أف الحقيقة تفترض بأف القدر قد لحؽ بو وعاقبو .ال أحد
يستطيع النجاة مف عواقب فعمتو .إذا قمت بفعؿ شيء معيف فبل بد مف أف يحصؿ شيء كنتيجة أو
ردة فعؿ .ربما تكوف النتيجة سوء حظ ،لكف سوء الحظ ليس شيء يحصؿ بالصدفة ،بؿ وجب أف
يمثؿ جزء مف الخطة .في مجرياتيا المتنوعة ،فإف لمطبيعة عدد كبير مف الخطط لكننا ال نفيميا.
حتى أننا ال نفيـ الكثير مف المجريات العشوائية في حياتنا اليومية .نحف ال نعرؼ لماذا وجب أف
تكوف األمور كما ىي اآلف .نحف ال نفيـ لماذا وجب أف يكوف ىناؾ غياب لمعدالة االجتماعية ،أو
غيرىا مف مسائؿ مشابية ،وما نفعمو حياؿ ذلؾ ىو انتقاد الوضع الراىف أو الشكوى لمقادة أو
المسؤوليف أو غيرىا مف إجراءات ،لكف ىذا كمو عديـ الجدوى ،ألف الجواب يكمف في مكاف آخر.
الجواب ىو أف كؿ ىذه الصعوبات التي نراىا تبرز نتيجة أحد أشكاؿ الجيؿ.
يوجد نوعيف مف الجيؿ .النوع األوؿ ىو الجيؿ العاـ الذي نتشاركو جميعاً ،والنوع الثاني ىو الجيؿ
المتخصص وىو الذي نتمقاه في التعميـ .ىذا الجيؿ األخير ال يأتينا بشكؿ طبيعي بؿ نكتسبو
158
طريقة الحكيم
بواسطة التعميـ .ىناؾ جيؿ مف النوع البسيط والذي ينمو لدينا نتيجة رفضنا لمتفكير أو يأتي نتيجة
التربية الخاطئة حيث ننشأ عمى قناعات ومعمومات غير صحيحة .كؿ ىذه األشياء تؤثر في طريقة
تفكيرنا .لكف ميما كاف األمر ،فإف معظـ مشاكمنا ىي نتيجة لجيمنا .كؿ شيء أناني ىو جاىؿ .كؿ
شيء يسعى إلى المصمحة الذاتية عمى حساب اآلخريف ىو جاىؿ .متما فعمنا األمر بشكؿ خاطئ
فنحف جيبلء .إذا فعمنا األمر بشكؿ خاطئ ألننا ال نعرؼ أي طريقة أفضؿ فيذا يعتبر جيؿ بسيط.
لكف إذا فعمنا األمر بشكؿ خاطئ رغـ أننا نعرؼ طريقة أفضؿ فيذا يعتبر جيؿ مرّكب .لكف ميما
كاف األمر ،الفرد الذي يخرؽ القوانيف العامة لبلستقامة البشرية ىو جاىؿ ،والرذيمة ىي إحدى
المنتوجات الجانبية لمجيؿ .بالتالي ال يمكف لؤلمور أف تتغير إلى ما نرغبيا أف تكوف قبؿ أف نتغمب
عمى الميؿ إلى السعي وراء المصالح الدنيوية .نحف لسنا واثقيف أي مستوى مف الحكمة أو الجيؿ
يدير كؿ ىذا ،لكف ىناؾ شيء واحد أكيد وىو أننا منذ آالؼ سنيف كنا عمى خطأ .كنا عمى خطأ
في ميولنا األساسية .كنا مخطئيف جداً ،حيث منذ عدة آالؼ مف السنيف خضنا عدة آالؼ مف
الحروب .مررنا بإحباطات ونكسات وأنواع مختمفة مف الكوارث .مررنا بمراحؿ عديدة تسودىا محاكـ
التفتيش والمجازر وتدمير الممتمكات وتشريد المبلييف .وفي القرف الماضي وحده شيدنا إراقة دماء
تفوؽ ربما كؿ ما حصؿ عبر التاريخ البشري .كؿ ىذه األمور ىي شواىد كبيرة عمى شيء خاطئ
بشكؿ جوىري وىائؿ .مع تزايد األخطاء تدريجياً ،تزيد قوة العواقب أكثر وأكثر .عمينا أف نصحح ىذه
األخطاء ،ليس ىناؾ فائدة مف رفع أيدينا نحو السماء ونيددىا بقبضة اليد ،وال ىناؾ فائدة مف
االفتراض بأف القدر يعادينا ويسير ضدنا ،الحقيقة ىي أننا سرنا بأنانية وبمركزية النفس ضد القدر
ذاتو ،وىذا ال يمكنو أف يستمر .مف السوء معرفة أف الكائف البشري ممنوح عقؿ لكنو يمتنع عف
استخدامو بذكاء .ىو يود أف يستخدمو فقط مف أجؿ التقدـ بمصالحو الخاصة .ىو يود أف يفكر
بامتبلكو حياة بحيث يمكنو فييا أف يفعؿ كؿ ما يرغبو ،ويفكر بأقؿ قدر ممكف ألف ىذا العمؿ يجيد
أعصابو ،ويعتمد عمى زعمائو أو قادتو المحمييف ليقوموا بالتفكير بالنيابة عنو .ىذه إحدى األخطاء
األعظـ في زماننا .ال يمكف لؤلمر أف يستمر ىكذا.
أصبح لدينا إذاً بيئة بحيث ينشأ وسطيا الصغار ويغادرىا الكبار عبر الموت ،والجميع فييا واقع في
مشاكؿ .يبدو األمر وكأننا منحوسيف ،أو نظف بأف الكوارث تأتينا بأمر مف السماء ،أو أف أسبابيا
فمكية حيث وجود تأثير سمبي لمكواكب .لكف ميما كاف األمر ،ما تفعمو القوى الماورائية ،إف كانت
مف السماء أو مف الكواكب ،ىو أنيا تعزز ما نفعمو نحف بأنفسنا .ىي تدعمنا ميما كاف توجينا،
159
طريقة الحكيم
خاطئ أو صحيح ،فاألمر يعتمد عمى درجة استقامتنا وتكاممنا .ليس ىناؾ حظوظ سيئة بالمعنى
العاـ لمكممة .إنيا مجرد دروس قدرية وجب أف نتعمميا .وىي دروس نرفض نحف تعمميا .يمكف ليذه
المسألة أف تبدو سيئة وحزينة وغير قابمة لمحؿ إذا استمرينا في االفتراض بأف كامؿ مجرى تطورنا
محدود ضمف نطاؽ تجسيد واحد في ىذا العالـ .إذا كانت الحياة الواحدة التي نعيشيا ىنا اآلف تمثؿ
مجموع فرصنا لمنمو واإلحراز ،فيذا يجعمنا في وضعية محزنة فعمياً .ىكذا سوؼ نكوف في وضعية
مستحيمة .ىناؾ عدد كبير مف األشخاص الذيف لـ يتعرفوا عمى درب التنور سوى في الفترة األخيرة
مف عمرىـ بحيث لـ يعد يبقى لدييـ وقت لتطبيؽ ما توصموا إليو عممياً .ال يمكننا االفتراض بأف
المصير يمكف إكمالو خبلؿ حياة الفرد والتي تقاس بعدة عقود .األمر ببساطة ىو مستحيؿ .المصير
ىو عظيـ بمستوى الخميقة ذاتيا .تحرؾ المصير نحو التجسيد قبؿ خمؽ منظومتنا الشمسية بمميارات
السنيف .المصير ىو شيء يمتد مف الماضي البلنيائي إلى المستقبؿ البلنيائي .ىو شيء كبير جداً
بحيث ما مف طريقة ممكنة الستيعابو بالكامؿ ،وبالتالي ال يستطيع الفرد إنجاز حالة تتناسب مع
مجريات عديدة ،وبعضيا ربما لـ يتجمى بعد ،لذلؾ سوؼ يستمر بالنمو لمدة طويمة جداً .لذلؾ
فالمصير ىو شيء أكبر بكثير مما يمكننا تصوره.
المصير سوؼ يبقى المشكمة الكبيرة التي نواجييا .أي عمينا أف نستمر في التعمـ .الحؿ الممكف
الوحيد ىو أنو عمينا أف نبدأ بالتفكير عمى أننا كائنات تعيش إلى األبد وال يقتصر وجودنا عمى عدة
عقود مف الزمف في ىذا العالـ .عمينا أف نفكر بأنفسنا بصفتنا مخموقات لدييا مصير طويؿ بما يكفي
إلنجاز كماؿ أنفسنا .ىذا الكماؿ ألنفسنا ىو ليس بيدؼ أف نتخذ ألنفسنا دور قيادي في مخطط
األشياء .كماؿ أنفسنا يعني بأننا سوؼ نكوف عمى اتحاد تاـ مع الغاية اإلليية .بأنو عمينا أف نعيش
لتحقيؽ الحقيقة النيائية وليس لتمجيد أنفسنا .لكنو صحيح أيضاً أف ىذا العمؿ يتطمب فرص أكثر
لمنمو بحيث يستحيؿ حصرىا في حياة واحدة .عمى المصير أيضاً أف يتدخؿ لتنظيـ ىذه العممية
باالعتماد عمى العبلقات القائمة بيف الكائنات الحية والتي في حالة تنوع وتغيير دائـ ،وذلؾ بسبب
تصرفات البشر ذاتيـ .بالتالي إذا صنعنا حرب ،ومات فييا آالؼ الرجاؿ والنساء والصغار ،وتـ
تدمير القرى والبمدات ،يصبح واضحاً أف أولئؾ الذيف اندثروا يكونوا بمعنى معيف قد أبعدوا قص اًر مف
العالـ وما فيو مف فرص لمتعمـ .لقد تـ حرمانيـ مف حؽ في حوزة الحياة .الكثير منيـ لف يكف لديو
فرصة ليكوف أب أو أـ أو اختبار البموغ والرشد أو إكماؿ التعميـ أو تحقيؽ حوزة الحكمة ،بينما الذيف
يبقوف عمى قيد الحياة فالكثير منيـ بموت مف المجاعة أو يعاني مف األوبئة واألمراض .بالتالي عمى
163
طريقة الحكيم
الطبيعة أف تدرؾ الحقيقة البسيطة التي تقوؿ بأنو في النموذج األكبر لؤلشياء ال أحد محروـ مف
شيء .بالتالي فإف الشخص الذي يكوف محروـ ظاىرياً فيو محروـ بسبب أنانيتنا التي لحسف الحظ
ال تستطيع أف تطاؿ الشخص اآلخر في حقيقة األمر .قد نبذؿ جيد كبير لندمر الشخص ،لكف كؿ
ما نفعمو في الحقيقة ىو أننا ندمر أنفسنا .حياة ىذا الشخص اآلخر سوؼ تستمر عبر الحيوات
المتتالية وسوؼ تنجز الكماؿ ،وبكؿ تأكيد سوؼ تختبر ذاؾ الذي حرمناه منو في التجسيد الحالي
في الحياة .الموت ال يمثؿ نياية الفرد بؿ مرحمة انتقالية مف حياة إلى حياة .ىذا يعني أنو سوؼ
يختر كؿ شيء مقدر لو اختباره ،والموت ال يمثؿ أي عقبة في العممية.
الطبيعة ىي مدرسة كبيرة .أفضؿ ما يمكننا قولو ىو أف أيامنا ىنا في الحياة ىي في الحقيقة أياـ
نقضييا في مدرسة .كؿ تجسيد لنا في ىذا العالـ ىو عبارة عف صؼ مف صفوؼ ىذه المدرسة.
الحقاً سوؼ ندخؿ إلى جامعة األزلي .سوؼ نستمر في التعميـ حتى نتعمـ كمياً .والبرىاف عمى
تعميمنا ىو أننا قد أكممنا استقامتنا ونزاىتنا وأكممنا مستوى قيمنا األخبلقية .لف يوقفنا شيء في ىذه
المسيرة .لكف بسبب المدى القصير لئلدراؾ لدينا ،والجدراف العازلة التي تفصؿ بيف التجسيدات
المتسمسمة ،حيث األشياء تختفي ىنا ثـ تظير ىناؾ ،ىذا يجعمنا نميؿ إلى البحث عف العدالة في
كؿ ظيور منفصؿ وليس في مجموعيا .نحف في الحقيقة ال نوجو انتباىنا سوى إلى جزء صغير مف
شيء كبير جداً .ليذا السبب نجد أف ىذا الجزء الصغير يبدو ظاىرياً بأنو غير صادؽ ،يبدو لئيـ
وقاسي ،يبدو غير لطيؼ وغير عادؿ وغير عقبلني .لكف سبب ذلؾ كمو ىو ألننا ال نرى سوى
الجزء الصغير فقط .في الصورة الكبرى لؤلشياء ال يمكف أف نجد عدـ الصدؽ وال أخطاء ،كؿ شيء
يعمؿ معاً لتحقيؽ الخير النيائي لكؿ شيء حي .السماء ىي التي قررت ىذه األمور وما عمى
اإلنساف سوى القبوؿ بيا.
كمما بمغ اإلنساف ،وكذلؾ كمما بمغت اإلنسانية ،سوؽ يكسب المزيد مف عمؽ النظر في ما يتقبمو.
قبؿ آالؼ السنيف كاف ىناؾ أشخاص متنوريف .كانوا أقمية .بعضيـ كانوا قادة عرقنا البشري والبعض
اآلخر كانوا معمموف مف عوالـ أخرى .لقد تأسست أنظمة عظيمة ،أىميا كانت منظومة المدارس
السرية .كانت ىذه األخيرة عبارة عف مؤسسات أنشئت تحت وصاية أو رعاية آلية معينة أو حكماء
أو مستبصريف أو متصوفيف .ىدفيا األوؿ كاف التنوير واحراز التنور .ىذه األنظمة المختمفة حازت
عمى المفتاح الصحيح لممشكمة .وقد قبمت إلى مجموعاتيا أولئؾ الذي كاف لدييـ الرغبة الصادقة في
161
طريقة الحكيم
التعاوف مع الغاية اإلليية لؤلشياء .كاف ىناؾ دائماً البعض الذيف أدركوا الحقيقة بوضوح ،لكف
عددىـ كاف قميؿ بالمقارنة مع مجموع البشرية .وأولئؾ الذيف حازوا عمى الحقيقة وحاولوا نشرىا
والدعوى إلييا كانوا يبلحقوف ويقمعوف عمى األغمب .الفرد الذي يكوف محكوـ بطموحاتو وميووس
بالثراء والمجد سوؼ ينقمب بكؿ تأكيد عمى أي شخص أو أي منظومة تيدد تفوقو أو أمانو .بالتالي
معظـ المعمميف األصمييف لئلنسانية تعرضوا لممبلحقة والقتؿ أو السخرية ولبس العار ،وأنظمتيـ قد
تـ إفسادىا وتحريفيا إذا نجت مف الدمار .لذلؾ كاف ىناؾ مجيود حثيث عبر التاريخ إلعاقة والغاء
ذلؾ النوع مف التفكير الذي يحرر الفرد مف طغياف الجيؿ وسطوتو .في بعض الحاالت عبر التاريخ
نجد أف ىذا التفكير نجح بطريقة معينة لكف لـ يدـ طويبلً .اليوـ ىناؾ أشخاص عقبلنيوف يظيروف
ىنا وىناؾ محاوليف إيجاد حموؿ لبعض المشاكؿ المستعصية .إنيـ يتوقوف إلى العيش بشكؿ أفضؿ
ويحاولوف جاىديف لذلؾ .وفي الوقت الذي ُيبذؿ فيو ىذا المجيود سوؼ يحصؿ تغيير مميز في
ال تركيبة االجتماعية لمكائف البشري .اليوـ يشيد تشديد كبير عمى محاولة إيجاد حموؿ عممية وذلؾ
أكثر مف األلؼ سنة السابقة .ىذا ألف المشكمة أصبحت سيئة جداً .لقد طغى الشر عمينا .فبدأنا
نتسائؿ كيؼ يمكننا تغيير أنفسنا لكي يتغير مصيرنا .ىذا ىو الجواب ،مف خبلؿ تغيير أنفسنا سوؼ
نغير كؿ شيء .ال يمكف أف تأتي نتيجة جديدة إذا لـ يتغير السبب .واذا كاف ىناؾ سبب قديـ ال
يمكف تبديمو ،سوؼ يقوـ نمط جديد لمتفكير بتحويؿ ذلؾ السبب القديـ إلى فرصة لئلرتقاء الروحي
بدالً مف كونو عقوبة إليية.
إذاً ،عبر النموذج الطويؿ مف التجسيدات المتكررة أصبح الجواب بحوزتنا .يصبح بإمكاننا إدراؾ
حقيقة القدر .لـ يعد القدر يمثؿ حدث شرير أو شيء يدخؿ إلى حياتنا في زمف النجاح لينحسنا ،أو
شيء يدخؿ إلى حياتنا في زمف السمطة ليقطع بنا ويذلنا ..،وغيره .كؿ ىذه األمور يصعب فيميا
لكنيا مرتبطة جميعاً ببعضيا البعض ضمف نطاؽ مفيوـ معيف ،ضمف إدراؾ واعي عظيـ جداً
بحيث يعجز العقؿ البشري عف استيعابو بشكؿ كمي .نحف ال نستطيع رؤية تفاعؿ مبلييف القوى أو
الذبذبات البلنيائية المنبعثة مف عدد غير محدود مف الذرات الدقيقة .في كؿ مكاف تتحرؾ الحياة
وتنشط ،ومع ىذا التحرؾ نجد في كؿ مكاف تك ّشؼ قانوف أبدي يتجمى وينمو كما البذرة التي تنمو
في األرض .كؿ نبتة تمثؿ شيادة رائعة عمى وجود غاية إليية .وعندما نعتبر كافة الحقوؿ والمروج
في األرض ،وكؿ منيا يحوز عمى نباتاتو الخاصة ،نبدأ أف ندرؾ ولو قميبلً مدى التنوع البلنيائي
162
طريقة الحكيم
لمحياة .ىذا التنوع البلنيائي لمحياة ىو ليس مجموعة مف الصدؼ العشوائية ،بؿ تك ّشؼ واسع ومتنوع
لمبدأ واحد أساسي وسوؼ يستمر بالتك ّشؼ إلى نياية الزمف.
إنو شيء عمينا أف نزيد إطبلعنا عميو ونوسع معرفتنا بو وتوجيو انتباىنا نحوه .ىو شيء عمينا
اكتشافو وفؽ طرقنا الخاصة .ال يمكننا أف نجد كؿ األجوبة في البداية ،لكف سوؼ نكتفي ولو بجواب
واحد ،وىذا الجواب الواحد سوؼ يشير إلى اآلخر ،وبالتدريج ،ربما عبر عدة حيوات متتالية ،سوؼ
نبدأ باإلجابة عمى أسئمة أكثر مما كنا نسأليا .ألننا نكوف قد حصمنا عمى الكثير مف األجوبة عمى
أسئمة تبدو اآلف غير قابمة لمفيـ أو اإلجابة .في كؿ مكاف نجد إمكانيات النيائية داخؿ اإلنساف.
ليس ىناؾ شيء في الفضاء ولـ يكف موجوداً داخؿ اإلنساف .وتك ّشؼ اإلنسانية ىو غامض ورائع
ومذىؿ بقدر ما ىو تكشؼ الكوف ذاتو .ال بد أف تأتي تمؾ النياية المجيدة .ربما ال نستطيع إيجاد
الكممات الصحيحة لنقوؿ لماذا بدأت كؿ ىذه العممية منذ البداية .مف الصعب تفسير أو تبرير بعض
المبادئ القائمة في الوجود ،ألننا ال نتمتع بالذكاء الكافي لمقياـ بذلؾ.
واآلف يدخؿ شيء آخر إلى ىذا النموذج ،وىذا الشيء اآلخر ىو اإليماف .ىناؾ أشياء بخصوص
الغاية األبدية والتي ال يمكننا معرفتيا في ىذا الوقت .لذلؾ عمينا أف نتحمى باإليماف ،والذي ىو
بالفعؿ اإلعتراؼ بأشياء غير مرئية .لكف اإليماف ىو أكثر مف ذلؾ بكثير .اإليماف ىو اكتساب الفرد
لمثقة فيما يتعمؽ بالمجيوؿ وذلؾ مف خبلؿ اكتساب فيـ بخصوص المعروؼ .اإليماف ىو اإلدراؾ
التدريجي لمتكامؿ الكوني لمخطة .إذا كانت الخطة صحيحة فيذا يمنح الفرد الحؽ في اإليماف بيا.
إذا استطاع اإلنساف أف يقنع نفسو بأنو مخموؽ لو غاية وليس مجرد منتوج بيولوجي نشأ بالصدفة،
إذا استطاع اإلنساف أف يدرؾ حقيقة أف الكرة األرضية والحياة والموت والوالدة مف جديد ىي جميعاً
حقائؽ عظمى لموجود ،حينيا وبشكؿ تدريجي سوؼ يقوى اإليماف .أينما يوجد دالئؿ عمى انتصار
الفضيمة عمى الرذيمة سوؼ يقوى اإليماف .أينما نرى غاية مكرسة إليياً ويتـ دعميا نعرؼ حينيا أف
اإليماف قد زاد .يأتي اإليماف كدليؿ حتمي عمى أشياء صغيرة الحظناىا ويمكننا مبلحظتيا ،والتي
تمنحنا اإلحساس بالشكر ،وادراؾ بأنو بطريقة مذىمة نحف مخموقات محمية .رغـ أننا ال نعرؼ كؿ
خير .يقوؿ لنا بأف كافة األشياء ىي صحيحة
شيء ،لكف ما نعرفو يقوؿ لنا بأف ما ال نعرفو ىو ّ
بجوىرىا .عندما نفيـ ما ال نفيمو سوؼ نكتشؼ بأنو جميؿ وفاضؿ .سوؼ لف نتوصؿ أبداً إلى
163
طريقة الحكيم
لقد قاـ كؿ مف الجيؿ والخرافة بإرىاؽ العرؽ البشري إلى األبد .والخوؼ جعمنا ضحايا كؿ أنواع
الطغياف واالستبداد التي يمكف تصورىا .مع أف كؿ ىذه األشياء ىي أوىاـ .الوىـ ىو الشرير .بينما
الخير ىو الواقع الحقيقي .نحف ال نستطيع إحداث تعديؿ في ىكذا مفيوـ واسع جداً ،لذلؾ نحف غير
مضطريف اآلف .إذا بدأنا بتقبؿ حقيقة أننا وكبلء مسؤوليف وأننا نمثؿ جزء مف شيء ،وأننا نعيش في
كوف بحيث لدينا دور لنمعبو ،وأننا نعيش عمى كوكب يمكننا المساعدة في إنقاذه ،ونعيش في
مجتمعات ونستطيع توجيييا بطرؽ أفضؿ .نحف محاطيف بمشاكؿ مف صنعنا ولدينا الحؽ في حميا.
لدينا الحؽ في فعؿ ما ىو ضروري لتصحيح األخطاء التي اقترفناىا وتمؾ التي ورثناىا مف أسبلفنا.
ليس ىناؾ أي أقدار محتومة في النجوـ واألفبلؾ وال أقدار محتومة في الظروؼ كما ىي .أي شيء
بحاجة إلى تغيير يمكف تغييره ،لكف فقط إذا كاف الفرد بنفسو يدرؾ مسؤولياتو ،وينوي التعاوف مف
مستوى أخبلؽ أرقى مف تمؾ التي أوقعتو في أزمتو.
الكوف إذاً ميتـ في إنتاج الخمؽ األخبلقي .ىو ميتـ في إنتاج كوف مف القيـ .ىو ميتـ في الكماؿ
التدريجي لكؿ أشكاؿ الحياة ،فترتقي إلى مستويات ال يمكف لعمماء الفمؾ والفضاء إدراكو أبداً .عمـ
الفمؾ اليوـ يسعى إلى التمدد في مساحات واسعة مف الفضاء .ىو يتوصؿ إلى اكتشاؼ مجرات لـ
نعرؼ سابقاً أنيا موجودة .إذا ابتكرنا تمسكوبات أكبر أو أقوى مف الموجودة اآلف ربما سنستمر في
تمقي المزيد والمزيد مف النجوـ ،ورما نتوصؿ في النياية إلى آخر المطاؼ .وعندما نصؿ ىناؾ قد
نحتفؿ بانتصارنا مف خبلؿ ىذا االنجاز ،لكف بعد أف ننجح في تطوير تمسكوبات أقوى سوؼ
نكتشؼ بأف ما توصمنا إليو ىو مجرد واحد مف عدد ال نيائي مف مسارح الوجود وىي شاسعة جداً
لدرجة نعجز عف استيعابيا .ىذا كمو والزلنا في المستوى المادي الممموس مف الوجود ،فما بالؾ ما
يقبع وراءه .ما ىي تمؾ الخمفية أو األرضية التي تسند الفضاء بكاممو؟ ماذا يكمف ماوراء كؿ ىذا؟
ماذا يقبع وراء الضخامة والشساعة اليائمتيف لموجود المادي؟ ينخرط العمـ في محاولة حثيثة في ىذا
التوجو لكف ما مف إجابات شافية بعد .ليس ىناؾ جواب عمى السبب الذي يكمف وراء تمؾ األضواء
التي تنير سمائنا .يمكننا تعداد مميارات النجوـ ،لكف لماذا ىي ىناؾ؟ كيؼ وصمت إلى مكانيا
واتخذت وضعياتيا الحالية؟ ما ىو السبب وراءىا؟
164
طريقة الحكيم
كاف القدماء يعتقدوف بأف السماء المنقطة بالنجوـ ىي ليست سوى عباءة منقشة بالجواىر والتي
تخفي الطبيعة واآللية الحقيقيتيف لبلمتناىي .وأف البلمتناىي ىو ليس مجرد النيائية لمنجوـ والشموس
واألقمار ،وال ىو الميكروبات والكائنات المجيرية البلنيائية ،بؿ البلمتناىي ىو واقع ىائؿ وعظيـ
يتجاوز قدرتنا عمى اإلدراؾ .نحف الزلنا نتحدث عف ما نراه بعيوننا فما بالؾ ذلؾ الموقع الماورائي
الذي ال يمكننا تصوره حتى .لكف السؤاؿ يبقى حاض اًر :ما ىو ذلؾ الشيء الذي انبعثت منو كؿ ىذه
العوالـ اليائمة؟ ما ىو ذلؾ النور الذي يستطيع إنارة مئة مميار شمس؟ نحف ال نعمـ .لكننا نستشعر
بأف مصيرنا يذىب إلى ذلؾ االتجاه .عندما ننمو فوؽ الصغر الذي نألفو لدينا ،ونسيطر عمى
تسير مئة مميار مجرة
المصير الذي نستحقو ،سوؼ نكوف في النياية جزء مف ىذه الحياة التي ّ
وتفعميا بالطاقة والنور .نحف متوجيوف إلى شساعة ذات رحابة النيائية وال يمكف اإلشارة إلييا سوى
باألبدية ذاتيا .ىذه األبدية ليست مظممة ،ىي ليست ميتة ،بؿ ىي واحدة مع الحياة الخالدة ذاتيا.
في كؿ ما نفعمو نكوف بذلؾ في حالة نمو نحو شيء ما .ربما في يوـ مف األياـ سوؼ نصبح
بستانييف في حديقة مف المجرات .في وقت مف األوقات قد ينفجر الذكاء والنور والحياة ،التي تنمو
تدريجياً بداخمنا ،فتنطمؽ وتتحوؿ إلى مئة مميوف شمس .نحف ال نعمـ .لكننا نتوقع بشدة بأنو حتى
الذرة الصغيرة تحوي بداخميا نبوءة الحياة األبدية .نحف نؤمف بيذه االشياء ،لكف عندما ننخرط في
معالجتيا مف الناحية الدينية والفمسفية نواجو مشاكؿ ،والسبب ببساطة ىو أننا عاجزيف عف فيـ ىذا
المشيد اليائؿ والبلمحدود .فيو يتجاوز كؿ ما نعرفو ونؤمف بو .لكف رغـ ذلؾ عمينا التماشي مع
الفكرة عمى طريقتنا الخاصة .عمينا أف نجد فييا الجواب عمى منظورنا األوسع لمموضوع .النور
العظيـ والغاية العظيمة والخطة العظيمة التي نحف منيا سوؼ تستمر قدماً لتكوف جزء مف ىذا
الغموض األكبر .لذلؾ فإف لئلنساف مستقبؿ أزلي .كما أف لدينا ماضي أزلي .لكف العقود األخيرة
مف ماضينا الدنيوي ليست مشجعة كثي اًر.
نحف ال نعرؼ مف أيف جئنا كمحتوى ،لكننا نعمـ بأننا جئنا إلى ىنا ولسنا عراة ومجرديف بؿ موىوبيف
بمزايا وخصائص وقوى وفضائؿ وقيـ ،وىي أكثر بكثير مما ندركو .نستطيع أف نستنتج بأف لنا بداية
في مكاف ما ونياية في مكاف ما .في الوقت اآلني سوؼ نصبح خداـ أوفياء ىنا إذا كنا حكماء .واذا
كنا غير ذلؾ فنحف في مشكمة .يبدو أف ىذا ىو عبئ معضمتنا الحالية .نحف بكؿ بساطة في
مشكمة ،وذلؾ ألننا ال نتخذ وجية نظر دينية وفمسفية وعممية وأخبلقية بخصوص الوقائع العامة
165
طريقة الحكيم
لمحياة .قد تتحدث مع أحدىـ أصابو اإلفبلس فتجده يشعر بأف القدر ضده ،ويشعر بأنو ضحية
كارثة معينة ،أو قد يقوؿ .." :لماذا يحصؿ ىذا معي تحديداً في الوقت الذي تسير أمور األشخاص
السيئيف بشكؿ جيد؟ ."..ىناؾ الكثير مف الدراسات التي أجريت بخصوص مشكمة الفشؿ في األمور
وتبيف أف معظـ الحاالت الخاضعة لمدراسة تكشؼ عف حقيقة أف كؿ حالة فشؿ مسؤولة عف فشميا
بغض النظر عف أي عامؿ آخر.
ىناؾ نوعيف مف الفشؿ فقط .األوؿ ىو الفشؿ الذي يبرز مف العجز عف فيـ المشكمة أو المينة أو
االختصاص أو الوظيفة أو غيرىا .أما النوع الثاني فيو نتيجة المجيود غير النزيو اليادؼ إلى
استغبلؿ المينة الشريفة أو الوظيفة الشريفة ..إلى آخره .أي يمعنى آخر ،يكوف الفشؿ إما ألف
مدرب وبالتالي غير قادر عمى تنفيذ العمؿ الموكؿ إليو ،أو بعد أف أنيى التدريب
الشخص غير ّ
بنجاح قرر أف يستغؿ العمؿ لكسب مربح لنفسو .كبل ىاتيف الحالتيف موجدتاف بشكؿ شائع .نحاوؿ
التغمب عمى السبب األوؿ عبر التعميـ .لكف كيؼ عمينا تعميـ الفرد قبؿ أف نعطيو سبب مقنع لنجعمو
يتعمـ أصبلً؟ الكثيروف اليوـ ال ريدوف أف يتعمموا .قد يخضعوا لتأثير ضاغط ويقبموا التعميـ ،لكف ما
يريدونو في الحقيقة ىو االستمرار في العيش بظؿ نظاـ خيري بحيث يستطيع الفرد أف يحصؿ عمى
أي شيء يريده دوف حاجة لمعمؿ .ىذه ىي الفكرة الحقيقية وراء يوطوبيا أو المدينة الفاضمة .يوطوبيا
تعني الكسؿ والتكاسؿ .يوطوبيا تعني الفرد الذي ليس ميتماً بالكد والعمؿ .يمكننا القوؿ بأننا نستطيع
اإلثبات مف خبلؿ حضارتنا الحالية بأنو يبدو أف األشخاص الذيف ال يحبوف العمؿ والعابثوف
ينجحوف بشكؿ جيد .لكف انتظروا وراقبوا ماذا يحصؿ .ادرسوا السجبلت .اذىب إلى عالـ نفس
يتعامؿ مع ىكذا أشخاص وسوؼ تجد بأف كؿ مف ىؤالء يمثؿ مصدر مشاكمو .نحف ال نود إثبات
ىذه الحقيقة طبعاً لكنو أمر صحي أف نثبتو .الشخص الذي يتمتع بوجية نظر فمسفية أو قناعة دينية
سوؼ يدرؾ ىذه الحقيقة بسيولة .ىذا ال يعني بأنو عمينا أف نعمؽ رؤوسنا خجبلً إذا كنا نكسب الماؿ
دوف عمؿ ،بؿ يعني أنو عمينا البحث داخؿ أنفسنا عف أسباب المشكمة التي نعاني منيا .وسوؼ
نكتشؼ بداخمنا وجود شيء نفعمو بشكؿ خاطئ والذي يجمب ىذا المصير البائس لنا .ىناؾ شيء
نريده لكف ليس عمينا حوزتو .ىناؾ شيء نرغبو لكنو ليس لصالحنا .نحف ال نمتمؾ الشجاعة بعد
لكي نفعؿ ما ىو أفضؿ لنا.
166
طريقة الحكيم
ىناؾ الكثير مف الناس والذيف يعتبروف أذكياء وىـ متعمميف وناجحيف في حياتيـ لكنيـ لـ يكتشفوا
بعد بأف إدماف الكحوؿ ىو خطير ومؤذي .إذا حاوؿ أحدىـ أف يمغي الكحوؿ مف حياة الناس فسوؼ
يعتبرونو مستبد وطاغية ،ألف كؿ فرد لو الحؽ في الشرب حتى الموت إذا أراد .لكف لسوء الحظ ىو
ال يكتفي بأذية نفسو في معظـ األوقات بؿ غالباً ما يصنع المدمنوف حوادث في الطرقات ويقتموف
أشخاص أبرياء .ىذا ولـ نتكمـ عف المشاكؿ التي تتولد في صحتو وحياتو االجتماعية حتى تتدىور
حالتو بالكامؿ فيفشؿ كؿ شيء ميـ في حياتو .لكنؾ رغـ ذلؾ ال تستطيع منعو .ىذا مجرد مثاؿ
واحد عمى الكثير مف العادات السيئة التي تسيطر عمى اإلنساف وتسيء إليو .ىناؾ ما ىو أسوأ مف
اإلدماف ،مثؿ الغيرة والحسد .ىذه السمة ىي مماثمة مف حيث الخطر واألذى .رغـ ذلؾ ال يوجد أي
مجيود لتغيير ىذه السمة .يشعر الفرد بأف لديو الحؽ في الغيرة .ىو ال يعرؼ ماذا تفعؿ ىذه السمة
بشخصيتو وال حتى يعرؼ كـ ىي مسيئة لحياتو األخبلقية كما ىو الكحوؿ لحياتو الجسدية .لكف مف
الصعب جداً تغييرىا .السمة األكثر سوء ىي األنانية .واألنانية ىي موحشة كما القبر .األنانية ىي
سبب بؤس آالؼ وحتى مبلييف الناس ،لكنيـ مع ذلؾ ال يستطيعوف التغيير .الطريقة الوحيدة التي
يمكنيـ خبلليا التغيير ىو أف يبدؤا التفكير حوؿ مسؤولياتيـ تجاه المجتمع .يمكننا أف نستعرض أماـ
الشخص كيؼ تنتج األنانية أو الطمع أو الغيرة البؤس لصاحبيا .وبعضيـ قد يفطف لخطأه فيشفى
مف آفتو النفسية ويتغير .وفي المحظة التي يصححوف فييا ىذا العيب سوؼ يكتشفوف بأف القدر
والمصير لـ يعودا يثقبلىـ بعواقب العيب الذي صححوه.
يوجد شيء آخر يقمؽ بعض الناس وىو أنو بعد السيطرة عمى عيب معيف ،ويكوف قد حقؽ انتصار
فعمي ،يكوف الفرد قد تغمب عمى أحد الوحوش بداخمو ،لكف عندما يأتي الموت يغادر بنفسية مرتاحة،
لكف السؤاؿ ىو ماذا يحصؿ بعد ذلؾ؟ ىؿ سوؼ يتجمى لديو العيب نفسو في حياتو األخرى؟ ىؿ
مجرد أف تـ تصحيح العيب فسوؼ لف يعود.
عميو مصارعة ىذا العيب مرة أخرى؟ الحواب ىو الّ .
العيب الذي تـ تصحيحو مف خبلؿ النمو فوقو ،أي مف خبلؿ أف يصبح الفرد أكثر مما كاف في
السابؽ ،سوؼ لف يسمح لو ىذا أف يكوف أقؿ مما ىو عميو .ال يمكف أف يواجو الفرد ديف مستحؽ
عميو مرتيف ،إال إذا فشؿ في سداد الديف .المجيود اليادؼ إلى تجنب العيب وليس معالجتو سوؼ
يجعمو يعود مئات المرات وسوؼ يستمر في العودة إليو حتى يواجيو ويعالجو بالطريقة المناسبة.
العيب ال يمكنو أف يثقؿ الفرد سوى مرة واحدة فقط ،والسبب ىو أف الفرد ال يستطيع إلغائو تماماً مف
حياتو إال عبر النمو فوقو فيرتقي فوؽ مستواه ويكمؿ المسير .والنمو يجعمو مستحيؿ عمى الفرد
167
طريقة الحكيم
التراجع إلى الوراء .مجرد أف تجاوز العيب فسوؼ يكوف ىذا نيائي .قد يكوف ىناؾ عيوب أخرى
تتطمب المعالجة ،لكف ىذا العيب بالذات لف يعود أبداً .لذلؾ عمينا أف نحقؽ انتصار واحد عمى
مشكمة معينة ،وتمؾ المشكمة سوؼ تزوؿ إلى األبد.
ىا نحف نخوض في الحياة كافة أنواع المواقؼ والحاالت واألوضاع المختمفة .ىا نحف نتسائؿ مف
أيف جئنا ولماذا نحف ىنا .ومع ذلؾ نشاىد نشرات األخبار ونرى كؿ تمؾ المشاكؿ التي تسود العالـ،
ونعرؼ ما الخطأ ونعرؼ كيؼ وجب معالجتو .كؿ شخص تقريباً يستمع إلى األخبار يستطيع تقديـ
نصيحة معينة حوؿ كيفية تصحيح المشكمة .ننظر إلى األسباب ونجد األنانية والطمع وعدـ التسامح
والغباء وغيرىا مف سمات مسيئة تنشط بقوة في كافة أنحاء العالـ .نحف نعرؼ ىذه الحقيقة ،لكننا ال
نستطيع تغيير األمور في مناطؽ بعيدة عنا في العالـ .لكف يمكننا االكتفاء بالنظر إلى ىذه السمات
السيئة الكامنة في أنفسنا .نحف نستطيع أف نضمف عدـ نشاط ىذه السمات السيئة داخمنا وىذا يكفي.
وجب أف نفيـ معنى وقيمة التكامؿ األخبلقي داخؿ أنفسنا .ال نستطيع إعبلف السبلـ في العالـ ،لكف
يمكننا خمؽ السبلـ مع المحيطيف بنا واألقرب إلينا .ال نستطيع التأثير عمى اآلخريف ونغير فمسفتيـ
في الحياة ،لكف يمكننا عيش حياتنا الخاصة محترسيف ضد األخطاء واالنحرافات.
إذاً ،مف العالـ المحيط بنا ،عبر األخبار والقصص الحقيقية ،ندرؾ كيؼ تتكوف المصائر .سوؼ
نكتشؼ بأف الذيف يفسدوف اآلخريف سوؼ يفسدوف أنفسيـ في النياية .الذيف يعيشوف بواسطة السيؼ
سوؼ يموتوف بواسطة السيؼ .بعد معرفة ىذه األمور ومف ثـ نبدأ بالعيش وفؽ ىذه الحقيقة نكوف
بذلؾ محققيف لمصيرنا .والمصير يقوؿ لنا الحكمة التالية :ميما فعؿ اآلخروف أو ميما تصرفوا،
الشخص العادؿ والمستقيـ يقؼ شامخاً وبثبات أماـ القانوف .وعبر عدالة تكاممو األخبلقي يكسب
الشجاعة لمواجية المستقبؿ بأمؿ كبير .مف خبلؿ عدالة حياتو يصبح عمى إدراؾ متزايد بمجد
وشرؼ العدالة اإلليية .وسوؼ يكتشؼ أيضاً بأف العدالة ىي عمى األغمب مجرد قناع .حتى العدالة
اإلليية ىي نوع مف القناع .لكف خمؼ قناع العدالة تقبع الرحمة .إنيا الرحمة دائماً .الخطة األبدية
ىي رحيمة ألنيا تحمي عمى المدى الطويؿ كافة األشياء الخيرة .ىي رحيمة ومحبة دائماً ألنيا ال
تسمح لمكره أف يدمر أي شيء .قد تعاني األشياء لكف الكره سوؼ يموت في النياية .األفراد الذيف
الزالوا يكرىوف اآلف سوؼ يتوصموا في النياية إلى كماؿ المحبة والتفيـ والنزاىة.
168
طريقة الحكيم
نحف إذاً نعيش في عالـ مف المبادئ العظمى ،ومصيرنا ىو الكماؿ .مصيرنا ىو معرفة األبوية
اإلليية وأخوية اإلنسانية .وعيش كؿ األشيء بسبلـ .ىذا ىو المصير .وسوؼ نستمر في ركؿ
الحجر حتى ندرؾ ىذه الحقيقة ونسمـ بيا .وبعدىا ،مع سعينا إلى تسوية عبلقتنا مع المصير سوؼ
نكتشؼ بأف القدر صار أكثر خي اًر واحساناً ويصبح حسف الحظ أكثر شيوعاً .في الحقيقة ليس ىناؾ
أي إمكانية لحسف الحظ بعيداً عف الحياة النبيمة .كؿ ما يبدو معاكساً ليذه الحقيقة ىو وىـ .مع ىذا
النوع مف األفكار يمكننا تكويف فكرة عف عظمة الخطة التي تتجاوز مستوى تفكيرنا واستيعابنا .نحف
لسنا مضطريف إلى فيميا ،حيث الطفؿ ليس مضط اًر لمعرفة كيؼ اكتسب والديو الحكمة ،لكف
الطفؿ يكتفي باإليماف .وألف الوالديف يحباف الطفؿ وىذا اآلخير يحب والديو فيذا يصنع مشاركة
وجدانية بينيـ .بيذه الطريقة الوجدانية يمكننا أف نكوف خداـ أوفياء لمصيرنا .وكمكافئة عمى ذلؾ
سوؼ نتمتع بالعبلقة األكثر روعة مع الحياة ،وعندما تصبح األمور صعبة قميبلً سوؼ نمجأ إلى
اإليماف وما ي قدمو لنا مف مواساة ويطمئننا بأف كؿ شيء سوؼ يتحسف في النياية .إذا كنا نستطيع
العيش بيذه الطريقة ووفؽ ىذه المبادئ وبيذا المستوى الراقي مف الوعي أعتقد بأف أشياء كثيرة
سوؼ يتـ حميا في حياة كؿ فرد منا.
169
طريقة الحكيم
قبؿ حوالي ألفيف وخمس مئة سنة ظيرت الفمسفة البوذية وتمحورت حوؿ أمير ىندي شاب تخمى عف
العالـ وتخمى عف عرشو بيدؼ أف يصبح فيمسوؼ .الغاية وراء سموكو ىي واضحة ،كانت اليند
غارقة في المشاكؿ ،ساد الخصاـ والقتاؿ والحروب في كؿ مكاف في الببلد ،كما سادت الغيرة بيف
الحكاـ .والديانة اليندوسية التي ولد فييا األمير الشاب كانت تعاني مف سمسمة انحرافات وتشوىات
في الممارسة ،حيث أتباع ىذه الديانة األوفياء كانوا ميمميف ومتجاىميف ومبلحقيف ،والطموحات
الدنيوية تصاعدت بشكؿ مخيؼ .وسط ىذه الحالة الطارئة أصبح األمير "سيدىارتا" مقتنعاً بأنو ال بد
مف أف يكوف ىناؾ طريقة صائبة وسميمة لمعيش .وبسبب الظروؼ المشابية التي نحف فييا اليوـ،
يبدو أف أفكاره وفمسفتو الزالت تحوز عمى قيمة واىتماـ خاصيف بالنسبة لنا .عندما ننظر إلى
تعاليمو بطريقة معينة سوؼ يبدو لنا أف ىذا األمير ىو معاص اًر لنا في نفس الزماف .كاف يواجو
نفس المشاكؿ وقاربيا بالطريقة األعمؽ فكرياً ،وىي طريقة يمكنيا أف تأسر أو تؤثر عمى قسـ كبير
مف التفكير الحديث ،ىذا لو منحوىا فرصة لتفعؿ ذلؾ.
173
طريقة الحكيم
مف خبلؿ دراسة حالة اإلنساف ،بدأ األمير "سيدىارتا" ينمي سمسمة مف الحموؿ الداخمية لممشاكؿ
ومستندة عمى مفيوـ واحد وبسيط ،وىو تعريفو لئللو األعمى أو مناقشة موضوعو .قاؿ .." :إذا كاف
الشر فيو ليس اهلل ."..وجب أف يقوـ
الشر فيو ليس خيّر ..واذا عجز اهلل عف منع ّ اهلل ال يمنع ّ
شيء ما بتفسير حالة العالـ الراىنة ،دوف إلقاء الموـ عمى قوى وعوامؿ ماورائية غامضة تسكف في
الفراغ مف حول نا .كاف لدى "بوذا" (وىو االسـ الذي حممو األمير فيما بعد) المفيوـ القائؿ بأنو
ضرورياً بالنسبة لمكائف البشري أف يعيد تنظيـ مفاىيمو المتعمقة بالحياة .عميو في يوـ مف األياـ أف
يواجو مشاكؿ مصيره الخاص بنفسو ،بدالً مف تركيا لآلخريف أو لؤلجياؿ المستقبمية أو باالعتماد
عمى أزمنة سابقة .عمى كؿ شخص أف يعمؿ عمى خبلصو باجتياد ومثابرة .بسبب ىذا التوجو
الفكري ،افترض الكثير مف اآلسيوييف وكذلؾ الرىباف المبشريف مف الغرب (وكافة الديانات السماوية)
بأف "بوذا" كاف ممحد ،ألنو لـ يتبع الصيغة التقميدية التي تحمؿ األعباء عمى الرب .شعر "بوذا" بأنو
حاف الوقت لكي واجو اإلنساف نفسو ،وبيذا كاف بكؿ تأكيد عمى حؽ ،لكف مر وقت طويؿ قبؿ أف
يدرؾ العالـ ما كاف يعنيو .حتى اليوـ ،الزاؿ ىناؾ القبلئؿ الذيف قدروا قيمة األفكار التي قدمتيا
الفمسفة البوذية لمعالـ.
تقدـ "بوذا" بما سماىا "الحقائؽ العظيمة األربعة" .وىذه الحقائؽ األربعة أو الوقائع األربعة ىي]1[ :
مشكمة أو سبب المعاناة ]2[ ،طبيعة المعاناة ]3[ ،نياية المعاناة ]4[ ،الطريؽ إلى إيجاد نياية
المعاناة .بالنسبة إلى "بوذا" فإف العبئ األثقؿ لمعالـ ىو األلـ ،لكف ليس فقط األلـ الجسدي ،بؿ األلـ
الروحي واأل لـ األخبلقي واأللـ العقمي واأللـ العاطفي .المعاناة ،العبئ الثقيؿ عمى كؿ ما ولد إلى
العالـ ،وىذا النقيض الغريب الذي يقحـ نفسو في كؿ لحظة مف حياة اإلنساف ،في لحظة الفرح
الكبير يكوف األلـ قريب ،في لحظة النجاح الكبير يكوف الفشؿ قريب .لماذا عمى اإلنساف أف يواجو
المعاناة بأي مف أنواعيا طواؿ فترة حياتو؟ أعتقد بأف "بوذا" سوؼ يجيب عمى ىذا السؤاؿ بالطريقة
التالية :الكائف البشري لـ يتعمـ مسبقاً كيؼ يمنع المعاناة ،لقد منح طرؽ عديدة لتجاوز المعاناة إذا
أمكف ،وغالباً ما تكوف العممية غير مجدية .ىو لـ يدرؾ حقيقة أف المعاناة ىي عبارة عف دليؿ .ىي
ال تدؿ عمى حقيقة أف اإللو األعمى يكرىو ،وال ىي تدؿ عمى استبدادات الطبيعة .بالنسبة إلى "بوذا"
فإف المعانات ىي داللة عمى جيؿ اإلنساف.
171
طريقة الحكيم
اإلنساف ىو سبب معاناتو ،إف كاف عمى المستوى الجماعي أو عمى المستوى الفردي ،وانو مف
الضروري بالنسبة ل و تصحيح ىذا السبب إذا كاف عميو تحرير العالـ مف األلـ والبؤس .المعاناة
الكبرى ىي الحروب واألوبئة والكوارث الطبيعية ..،أما المعاناة الصغرى فيي األلـ الجسدي ،األرؽ
العاطفي ،األسرة المفككة ،سوء معاممة األطفاؿ ،الفقر ،المرض ..،كؿ ىذه ىي أشكاؿ مختمفة مف
المعاناة ،وجميعيا تبرز في اإلنساف نفسو .إذا كرس اإلنساف الوقت الكافي إليجاد حموؿ لمشاكمو
الداخمية كما كرس وقتو لمتوسع والتقدـ في بيئتو المادية ،لكانت حالتو أفضؿ بكثير مما ىو عميو
اآلف.
نحف نستكشؼ الفضاء ونرسؿ المركبات إلى ىناؾ ،ولدينا كؿ أنواع المختبرات ونتعامؿ مع المواد
الكيماوية وأجيزة القياس اإللكترونية المختمفة ،ونبتكر الكمبيوترات والدارات اإللكترونية والمحركات
واآلالت والماكينات ...،لكف رغـ ذلؾ كمو تستمر المعاناة دوف توقؼ .ىذا ألف الفرد لـ يتمقى أي
تعميـ بخصوص أسرار طبيعتو الحقيقية .لـ ُيمنح الشجاعة لتصحيح األخطاء في سموكو وتصرفاتو.
بالرغـ مف أف "بوذا" عاش قبؿ فترة طويمة لكف سبقت مجيئو فترة طويمة أيضاً .وقد كسب مف
الماضي الكثير مف التعاليـ ومصادر اإللياـ ،أي كما نفعؿ نحف اآلف إذا كنا متفكريف .أدرؾ بأف
الظروؼ استمرت طويبلً مستندة عمى قناعة بسيطة عند الناس ،وىي أف ميا حصؿ ال بد مف أف
يحصؿ .وقد ال يكوف ىناؾ أي سبب لحصوؿ ما حصؿ .ىذا المنيج الفكري يقوؿ :إذا ظير طاغية
فيذا أمر مؤسؼ ،لكف لطالما كاف ىناؾ طغياف .الحروب تحصؿ وىذا أمر حزيف ،لكف لطالما كاف
ىناؾ حروب.
لطالما قاتؿ اإلنساف لكي يكسب الحرب ،لكف ليس ليمنع الحرب .لو استثمر ما يكفي مف الماؿ
والجيد والوقت في سبيؿ ضماف السبلـ لكاف اآلف في حالة أفضؿ بكثير .أشار "بوذا" إلى ىذا األمر
عندما تحد ث مع الجنراؿ اليندي قبؿ ألفيف وخمس مائة سنة .كما أشار إلى أف كؿ ىذه الحروب
والفوضى والصراعات وعدـ التوافؽ وعدـ التفاىـ السياسي بالكاد كاف ليا أي تأثير عمى حدود
األمـ .في عصرنا الحديث كمفت الحرب العالمية الثانية وحدىا أكثر مف خمسيف مميوف قتيؿ ،ورغـ
ذلؾ بقيت حدود األمـ كما ىي تقريباً ،لـ يحقؽ أي إنجاز عظيـ يستحؽ استنزاؼ كؿ تمؾ األرواح،
لـ تحؿ أي مشكمة كبرى .يحصؿ ىذا كمو ثـ ،بعد فترة مف اليدوء الحذر ،تنشب حرب أخرى .ما
الذي نفعمو؟ لماذا نستمر في تدمير ىدوء العقؿ لدينا؟
172
طريقة الحكيم
بعد أف نظر "بوذا" في الموضوع بعمؽ وبحذر توصؿ إلى استنتاج فمسفي .عمينا أف ندرؾ حقيقة أف
البوذية ليست ديانة بؿ ىي منذ البداية فمسفة أخبلقية وأدبية .ىي طريقة حياة .وىذه الطريقة في
الحياة شممت مفيوـ خاص لتبجيؿ الخطة اإلليية لؤلشياء .لكف "بوذا" لـ يكف دينياً بالمقاـ األوؿ ،بؿ
كاف بشكؿ رئيسي مصمح أخبلقي ،ويتمتع ببصيرة مذىمة في طبيعة الكائف البشري .ىي ربما
البصيرة األكثر عمقاً التي عرفيا العالـ .فبدأ يدرس المشكمة مف خبلؿ السعي إلى تعريؼ طبيعة
المعاناة .ما ىي؟ قاؿ بأنو يوجد مسببات متنوعة لممعاناة ،لكف كافة ىذه المسببات قابمة لمعبلج .ىي
قابمة لمعبلج قبؿ أف تحصؿ المعاناة .ىناؾ طرؽ كثيرة نتبعيا لحؿ المشاكؿ ،لكف حتى نتوصؿ إلى
إدراؾ العوامؿ األساسية لؤلشياء سوؼ لف نحؿ المشاكؿ .العوامؿ األساسية تكمف داخؿ كؿ فرد منا،
وىي قوية جداً في حياة البعض وقد تجعميـ أشخاص خطريف جداً .بينما عند البعض اآلخر نجد
ىذه العوامؿ موجودة جزئياً ،وىذا يجعميـ أقؿ خط اًر وأكثر قابمية لئلصبلح .لكف في جميع األحواؿ،
السبب يكمف داخؿ الشخص ،ومنو تنتشر خارجاً فتعدي اآلخريف ،وعندما تكوف المجموعة بكامميا
مصابة بالعدوى ممثمة قسـ مف أمة فسوؼ تصاب األمة بكامميا بالعدوى .فتتعرض مشاريعيا
لمتقويض والتمؼ والضعؼ .وأولئؾ الذيف طبيعتيـ أكثر نببلً يتعرضوف لمطرد والنفي ألنيـ يمثموف
عقبات في درب الطموحات الخاصة لمذيف لدييـ أنماط داخمية منحرفة وغير طبيعية.
إذاً ،تبدأ المعاناة عندما يسمح الفرد لميولو وشيواتو الدنيوية أف تتدخؿ في المنطؽ والتفكير السميـ
لديو .التفكير السميـ ،والذي أصبح نادر جداً اليوـ ،يتعمؽ بردود أفعاؿ الشخص تجاه الظروؼ .ىناؾ
القميؿ مف األشخاص الذيف ال ينتج مف أفعاليـ عواقب يرونيا ويواجيونيا ويعرفوف عنيا لكنيـ ال
يصححونيا .بالتالي ،عند بداية المعاناة تقبع عبلقة غير منطقية وغير عممية وغير متنورة مع العالـ
المحيط بنا ومع الحياة بداخمنا .لطالما كانت ىذه المشكمة قائمة عند اإلنساف عبر العصور .البعض
يقوؿ بأف سببيا يعود إلى الجيؿ .ىناؾ نوعيف رئيسييف مف الجيؿ :الجيؿ البسيط والجيؿ المركب.
الجيؿ البسيط ىو جيؿ اإلنساف اليمجي أو الطفؿ .الجيؿ المركب ىو أكثر صعوبة لمتعامؿ معو،
ىو الجيؿ الذي يبرز ليس مف الضرورة بؿ مف عدـ االستعداد لمواجية قيود الذات ،إنو نوع مف
الجيؿ الذي يتـ اكتسابو بالتعميـ والذي ىو في الحقيقة ناتج مف تعمـ األشياء الخاطئة .أي أف الفرد
تمقى تعميـ مجرد مف أي عامؿ يمكف أف يصنع منو شخص متعمـ بحؽ.
173
طريقة الحكيم
عمينا أف نتذكر بأنو قبؿ ألفي عاـ في اليند لـ تسود الحالة كما ىي سائدة اآلف .جامعة "ناالندا"
العظيمة كانت إحدى أرقى اليياكؿ التعميمية عمى وجو األرض ،مع مجموع طبلب يفوؽ الخمسة
وعشريف ألؼ ،وأكثر مف ألؼ أستاذ .مع العمـ أنو في جامعة "ناالندا" كانت المسيحية تدرس ىناؾ
كديانة لممقارنة .األشياء تحصؿ .تـ تدمير العالـ الكبلسيكي اآلسيوي بالكامؿ ونشبت الحروب
وانتشرت األوبئة ،معظـ المآسي يعود سببيا إلى سوء استخداـ المصادر الطبيعية واستنزافيا،
فانخفض مستوى التحضر لدى الناس وراح ينحدر منذ حينيا .لكف لـ يكف ضرورياً اف يحصؿ ىذا
كمو .كاف ضرورياً اف يواجيوا ىذه المشاكؿ بدالً مف السماح ليا أف تتراكـ إلى األبد .جميعنا نعمـ،
وحتى "بوذا" كاف يعمـ ،بأف إصبلح اآلخريف ىو المجيود األقؿ مكافئة في العالـ ،كما أنو عمؿ
خطير أيضاً .لكف عممية البدء بتحسيف طبيعتنا الخاصة ىي ميمة جداً ،ألف أحد مبادئ الفمسفة
اليندية ،كؿ مف اليندوسية والبوذية معاً ،يقوؿ بأف الفرد بصفتو كائف مؤقت ،حيث لديو عقود قميمة
ليعيشيا في ىذا العالـ ،وجب بالتالي أف يكوف أكثر اىتماماً باتباع الطبيعة واطاعتيا بدالً مف سعيو
إلى االندماج مع المجتمع البشري .إف االندماج االجتماعي أمر جيد ،لكف الفرد الذي يساوـ عمى
مبادئو لكي يحقؽ نسبة نجاح معينة ىنا في ىذا العالـ الدنيوي فيو بذلؾ يقترؼ خطأ كبير ،ألنو
سوؼ لف يبقى ىنا طويبلً بما يكفي لكي يكوف لنجاحو أي معنى ،وسوؼ يغادر ىذا العالـ حامبلً
عبئ ثقيؿ مف األعماؿ غير المكتممة.
174
طريقة الحكيم
خرائب جامعة "ناالندا" التي ازدىرت في اليند قبؿ أكثر مف ألفي عاـ .كانت قابمة الحتواء أكثر مف
خمسة وعشريف ألؼ طالب وحوالي ألؼ أستاذ.
يمكننا إذاً تمخيص المشكمة بطريقة بسيطة :كيؼ يمكف لمشخص أف يفيـ طبيعة المعاناة؟ يقوؿ لنا
"بوذا" بأف المعاناة ىي جزء واضح ال لبس فيو مف الوجود ،وسببو ىو األنانية والجيؿ .األنانية ىنا
تعني أذية نفسؾ أو اآلخريف في سبيؿ الكسب .أما الجيؿ ،فيعني ىنا التوجيو الخاطئ أو عدـ تمقي
الفوائد التعميمية التي انحدرت إلينا مف الماضي .الفوائد التعميمية مف الماضي ىي ليست بالضرورة
مدونة جيداً في مؤسساتنا التعميمية الحالية .عندما نرغب في معرفة الحكمة التي سادت في الماضي
عمينا أف نمجأ إلى عمـ التاريخ بدالً مف التعميـ العادي .ألف التاريخ يكشؼ لنا عف أخطائنا ،بينما
التعميـ العادي يحاوؿ أف يبرىف لنا بأف ذلؾ الذي اعتبرناه خطأ ىو ليس كذلؾ ،وأف النجاح الحقيقي
ىو أف نستمر في اقتراؼ نفس األخطاء .لكننا نقترفيا اليوـ مع مساعدة عممية أكثر تقدماً .نحف لـ
نتعمـ شيء .لذلؾ قاؿ "بوذا" بأنو في بداية المعاناة تقبع األنانية والجيؿ .الجيؿ يعني عدـ التعمـ
بشكؿ جيد ،وعدـ التعمـ ما ىو الحقيقي ،والتحضير لبناء مستقبؿ ميني يتمحور حوؿ األنانية.
الخمطة بيف التعميـ الجاىؿ والذي يرسخ األنانية تنتج المعاناة.
المعاناة تحصؿ متما استخدنا المصادر الطبيعية بطريقة غير حكيمة أو مف دوف أي اعتبار لمخير
العاـ .األنانية تدفعنا إلى محاولة احتكار المصادر الطبيعية .ىكذا احتكار قد يدر بعض الماؿ لكنو
175
طريقة الحكيم
ينتيي بالمعاناة .الفرد الذي يحاوؿ استغبلؿ جاره قد يكسب القميؿ مف المرابح لكنو في النياية يساىـ
في المزيد مف المعاناة .كؿ فعؿ مناقض لبلستقامة والتكامؿ األخبلقي سوؼ يسبب المعاناة لمشخص
الذي يفعؿ الفعؿ وكذلؾ لآلخريف .أشار "بوذا" إلى نقطة ميمة في ىذه المشكمة ،قاؿ بأنو في الوقت
الذي تجمب فيو أخطائنا المعاناة ألنفسنا فيذا ال يعني بالضرورة أف اآلخريف سوؼ يتأذوف .السبب
الوحيد الذي يجعؿ اآلخريف يتأذوف ىو ألنيـ يوافقوف أكثر أو أقؿ عمى أخطائنا .يعتقدوف بأف
النجاح كما نعرفو اآلف ىو أمر مفيد ليـ أيضاً ،وأنيـ بدورىـ يرغبوف في شراء األخطاء التي نبيعيا،
وكنتيجة لذلؾ يصابوف بالمعاناة .في الحقيقة ،كؿ فرد لديو الحؽ في اإلحجاـ عف أسباب المعاناة
داخؿ نفس و .واإلغراء ىو نوع مف محاولة أحدىـ إقناعؾ بأنو عميؾ القياـ بأشياء معينة مف دافع
المصمحة الذاتية ،وعندما يحصؿ ىذا األمر تتولد المشاكؿ والمعاناة.
المعنى العاـ لممعاناة إذاً ىو ناتج مف كسر قواعد الحياة البسيطة .وىذه القواعد في الحقيقة ال يمكف
كسرىا مف دوف معاناة .الفكرة التي تقوؿ بأننا نستطيع إعادة بناء الكوف بحيث نجعمو قريباً لما نرغبو
ىي فكرة خاطئة .ليس لدينا أي قوة لمسيطرة أو التحكـ بذلؾ الذي يمتد إلى أوسع زوايا االبدية.
الفضاء الذي يمتد إلى النياية ال يمكف استيعابو مف قبؿ العقؿ البشري .عندما نقوؿ أننا سيطرنا
عمى الفضاء فنقصد بذلؾ استكشافو بواسطة التيميسكوب لمحاولة رؤية ما يوجد ىناؾ .ىذا كؿ ما
في األمر .نحف في الواقع ال نستطيع السيطرة عميو بأي طريقة .حتى أننا ال نستطيع دراستو
بشموليتو .نحف أماـ قضية تتعمؽ بمحاولة كسر القواعد ونحصد المعاناة ،او نقرر أف نمتزـ بالقواعد
وازالة مسببات المعاناة خطوة خطوة .إذا كنا ميتميف بيذه المسألة ،يقدـ لنا "بوذا" سمسمة مف األمثمة
التي تشير جميعاً إلى أف مصدر المعاناة داخؿ أنفسنا ىو عاطفي أو عقمي أو كبلىما معاً .العقؿ
ىو سبب معظـ المعاناة .نحف نظف بأف العقؿ ىو أداة معصومة مف الخطأ لكنو في الحقيقة ليس
كذلؾ .يستطيع العقؿ أف يرتكب أي خطأ نريده ارتكابو .ىو مجرد خادـ مطيع ألىوائنا .ىو يطيع
كؿ ما نعطيو مف أولمر وتعميمات .ىو يحاوؿ مساعدتنا في تطبيؽ الخطط والسيناريوىات التي سبؽ
وسيطرت عمى الوعي لدينا .العواطؼ أيضاً تشمؿ ضغط ىائؿ ،وىو ضغط متجو نحو إشباع كافة
شيواتنا بكافة أنواعيا ،وخبلؿ إشباع ىذه الشيوات ننزح إلى المساومة عمى استقامتنا األخبلقية.
أينما ذىبنا سوؼ نجد أف ال أحد أصبح حكيـ بما يكفي ليعرؼ بأنو ال يستطيع أف يكوف غير
صادؽ وأميف دوف ألـ ،وتدريجياً يصبح ىذا األلـ ال يطاؽ .رغـ ذلؾ نراىـ يذىبوف إلى القبر
مصطحبيف معيـ األلـ وعدـ األمانة معاً .ىذا ألننا ال نريد أف نقبؿ ،وعمى المستوى العممي ،ما ىو
176
طريقة الحكيم
واضح حتى لدى القدماء منذ آالؼ السنيف والذي يتكرر استعراضو كؿ يوـ في حياتنا الحالية ،ورغـ
ذلؾ كمو ال يوجد سوى اعتبار واحد فقط وىو السعي إلى الربح.
طالما بقي الشخص مستعداً لبيع روحو مف أجؿ دينار ،فسوؼ يستمر في اختبار األلـ ،والكثير منو.
ىذا ألنو ال يستطيع المساومة عمى االستقامة األخبلقية بداخمو دوف أف يناؿ المعاناة بأنواعيا .كاف
"بوذا" واضحاً في ىذه األمور ،وال أعتقد أف أي أحد حتى اآلف استطاع تفنيده أو دحض إدعائو.
ألف العواقب الواضحة ألي فعؿ ىي مؤكدة .نحف نعرؼ بأف المعاناة موجودة ،واآلف يمكننا تحميؿ
كيفية عمميا ،وبالتالي يمكننا اآلف تحديد ما ىي المعاناة وما ىو سببيا .مثبلً ،يكرس أحد األشخاص
حياتو لمراكمة الثروة ،وينجح بذلؾ ،وبعد مراكمة الثروة يشعر بأنو حقؽ مصيره المقدر لو ،لكف ىذا
الشخص أصبح في مشكمة كبيرة ،ألنو مع الوقت الذي راكـ فيو الثروة تكوف المعاناة قد بدأت منذ
البداية وما مف طريقة لتجنبيا .قاؿ "بوذا" أف اإلنساف الذي يممؾ ىو يعيش أبداً في حالة خوؼ مف
الخسارة ،يخاؼ مف أف يسمبو أحدىـ ما يممكو .ومف سمبو ما يممكو سوؼ يسبب كرب عظيـ في
نفسو ،وذلؾ ألنو وضع كامؿ سعادتو في محفظتو .بالتالي فالذي يسمبو ما في محفظتو سوؼ يجعمو
شحاذ بكؿ تأكيد .ىناؾ شخص آخر يواجو مسألة الماؿ ،ىذا الشخص ال ينجح في مراكمة الثروة،
وىذا بالتالي يجعمو بائس ألنو ال يممؾ الماؿ .إذاً ،الشخص الذي يممؾ الماؿ يخاؼ مف خسارتو
والشخص الذي ال يممؾ الماؿ يكوف بائس ألنو ال يستطيع حوزتو ،وبالتالي ال أحد يكوف سعيد في
ىذا المشيد .ويستمر ىذا المشيد في البقاء قائماً إلى ال نياية .الطموح لمممؾ ،ال يقودنا فحسب إلى
مشكمة المجتمع الذي يسعى إلى تجريدنا مف ما نممكو في أي فرصة سانحة ،بؿ إلى كافة المشاكؿ
المالية األخرى التي نعرفيا اليوـ مثؿ تقمب االقتصاد العالمي بشكؿ مستمر والبطالة المرتفعة
وغيرىا ،كؿ ىذه الحاالت ىي نتائج الطموح المنحرؼ منذ البداية .لقد تصرفنا بشكؿ خاطئ منذ
البداية ،وجعمنا االنحراؼ شيئاً رائعاً ،وجعمنا بعض األعماؿ واإلجراءات مرضية لؤلنانية بداخمنا،
وعندما ينيار القصر الذي بنيناه سوؼ نصبح جميعاً بائسيف وسوؼ ننظر حولنا محاوليف معرفة مف
سبب ىذا ثـ نضع الموـ أخي اًر عمى الشيطاف .لقد تـ لوـ الشيطاف عمى أمور كثيرة عبر التاريخ،
فأعتقد بأنو يستطيع التحمؿ أكثر منا.
كيؼ يمكف أنو منذ أكثر مف ستة آالؼ سنة ،وصوالً إلى مصر القديمة ،اتبعنا ىكذا نمط منحرؼ
مع إدراؾ كامؿ بأنو غير مجدي ،وادراؾ كامؿ بأف الثمف الذي ندفعو ىو أعظـ بكثير مما نكسبو
177
طريقة الحكيم
منو ،ورغـ ذلؾ ال أحد يتغير أو يفكر حتى بالتغيير .يستمر ذلؾ األمؿ ،تمؾ المقامرة ،ذلؾ االعتقاد
بأننا بأنفسنا سوؼ نكوف سعداء بذلؾ الذي جعؿ كؿ اآلخريف بؤساء .نجعؿ أنفسنا بؤساء ألننا ال
نممؾ ذلؾ الذي يسعى إليو كؿ اآلخريف .ىنا لدينا مشكمة معاناة .حتى تعقيدات الكسب والمراكمة
ىي بذاتيا مسبب كبير لممعاناة بطرؽ عديدة .يحصؿ معنا المزيد والمزيد مف أمراض القمب
والسكتات القمبية في منتصؼ حياة رجاؿ األعماؿ الناجحيف ،إنو الكفاح المستمر لمراكمة األمواؿ،
والكفاح المستمر لمتغمب عمى المنافسيف ،كؿ ىذه األمور تخمؽ كوارث رىيبة عمى صحتنا وأمزجتنا
وكافة القيـ الشخصية بخصوص العيش .ىذه النشاطات تفقر حياتنا وتعكر استق اررنا المنزلي وتدمر
أجسامنا ،رغـ ذلؾ ىي ال تمثؿ قيمة بالمقارنة بالغاية األعظـ المتمثؿ بالثراء .جميعنا نرغب في أف
نكوف أثرياء حتى ولو في المقبرة .إنيا السعادة الكبرى بالنسبة لنا .أشار "بوذا" إلى أنو إذا استمرينا
في ىذا التوجو ،مكرسيف كامؿ حياتنا محاوليف الحصوؿ عمى الثراء ،ثـ ننجح أخي اًر في الحصوؿ
عميو ،ويكوف قد كمفنا كؿ شيء آخر ،ثـ وسط كؿ ىذه الفرح باالنتصار نستمقي عمى األرض
ونموت ،ولف نعيش طويبلً بما يكفي لمتمتع حتى بجزء مما نممكو ،نكوف بذلؾ قد ضحينا بكامؿ
حياتنا ولـ نعش لنجعؿ ىذه التضحية مستحقة .لو كنا سنعيش خمس مئة سنة مع ما كسبناه مف
أمواؿ قد يبدو األمر منطقياً أكثر ،لكف وسط السعي لممراكمة نموت ونخرج مف مسرح الوجود
المادي .وكؿ ما عممنا مف أجمو طواؿ عمرنا ،منذ بداية الفترة المدرسية حتى يوـ موتنا ،كؿ ىذا
نتركو ورائنا ونغادر.
لماذا إذاً عمينا أف نجعؿ ىذا العالـ بائس ونجعؿ أنفسنا بائسيف فقط مف أجؿ اكتساب شيء لف
نعيش طويبلً الستخدامو؟ واذا لـ نستخدمو سوؼ نتركو لآلخريف الذيف ال يستحقوه ،والذيف سوؼ
يفقدونو الحقاً أو يسيئوف استخدامو .ىناؾ قصة قديمة عف روماني ثري بقي طيفو بعد موتو ساكناً
في المنزؿ وراح يشاىد أوالده يبددوف أموالو ببذخ واسراؼ .ىذه تجربة حزينة جداً ،لكنيا التجربة
الوحيدة .ميما خمفناه ورائنا ال بد مف أف يسيء أحدىـ استخدامو .حتى لو تركنا ما نممكو لمؤسسة،
ىذه المؤسسة سوؼ تتغير عمى مر الزمف .ليس ىناؾ أي حؿ ليذه المسألة .نحف إذاً نسعى و ارء
األوىاـ ،ومف خبلؿ نزعة المراكمة والتجميع ،بنينا تدريجياً عالـ قائـ عمى المنافسة والذي يقود إلى
الحروب والجرائـ وكؿ أنواع الفساد ،وعمينا العيش وسط ىذا كمو .ليس ىناؾ أماف واطمئناف في أي
شيء .ورغـ ذلؾ نجد العالـ مستمر في ىذا الطريؽ .شرائعنا العظيمة لـ تستطع تصحيح الوضع.
الجامعات الكبرى لـ تساعد الشباب اليافعيف عمى اكتشاؼ ما ىو ضروري وذو قيمة .لـ يعد أحد
178
طريقة الحكيم
يرضى بمكونات السعادة الطبيعية والبسيطة .الجميع يريد الكسب والربح ويفكر بالسعادة وفؽ معنى
المراكمة والتجميع بدالً مف معنى الرشد الداخمي والنمو الحقيقي.
لذلؾ كاف "بوذا" عمى حؽ بشكؿ كبير مف خبلؿ افتراضو بأننا في مكاف ما في الزمف الماضي
البعيد وجينا الحضارة إلى االتجاه الخاطئ ،وميما تحاورنا وتحاربنا ،وميما كاف عدد المصمحيف
واألبطاؿ الذيف برزوا مف بيننا ،لـ نتمكف مف استعادة التقدـ إلى سكتو الحقيقية .يبدو أف األمر تفاقـ
بشكؿ كبير ،كما الوادي العميؽ جداً الذي نشأ في البداية عمى شكؿ سيؿ مائي عمى األرض ويتخذ
االتجاه الخاطء ،واآلف أصبحنا محبوسيف في قاع الوادي العميؽ مجرديف مف أي أمؿ في الخبلص.
األمر ذاتو ينطبؽ عمى كؿ ىذه األمور التي نفعميا اآلف .ال يمكننا تحقيؽ السبلـ ألف ىذا األمر
يؤثر عمى نجاحنا أو نجاح غيرنا ،وال يمكننا اإلصبلح دوف التعرض لمقتؿ بيدؼ إبعادنا عف
المسرح ليستمر الفساد واالنحراؼ لصالح القمة .كؿ شيء مقفوؿ ضمف مجرى يذىب إلى ال مكاف.
ومع وجود تكنولوجيا االنصيار النووي في حياتنا اآلف ،أصبح لتعاليـ "بوذا" صبلحية متجددة
والنيائية .يقوؿ مثبلً :إف مستقبؿ بقائنا في ىذا العالـ موجود في أيدينا.
يوجد لدى البوذية عامؿ مأخوذ أساساً مف اليندوسية ولو مكانة ميمة في تعاليميا وىي عقيدة
التقمص ،أي أف الروح ال تموت بعد الموت بؿ تنتقؿ لتتجمى في حياة كائف آخر عند والدتو.
ّ
التقم ص ىو خمطة مؤلفة مف األمؿ والخوؼ .ىو يمثؿ األمؿ بمعنى أنو يمنحنا المزيد مف الوقت
إلنجاز التصحيحات في أنفسنا .لكنو يحمؿ أيضاً عامؿ الخوؼ ألنو يحتوي في ضمنو عمى قانوف
السببية ،أي بمعنى أنو كما عشنا وتصرفنا سوؼ نكافئ ،وىذا بالتالي يضعنا جميعاً تحت مسؤولية
عواق ب تصرفاتنا وسموكنا .رد الفعؿ "الكارمي" المباشر ألخطائنا يحصؿ ىنا في ىذا العالـ ،حيث
نرى ىذه األخطاء كيؼ تجمب المعاناة .لكف ىناؾ أخطاء بعيدة األمد والتي ال تعالج نفسيا بسيولة
وسرعة .وأىـ ىذه األخطاء ىي تمؾ المتعمقة بشخصيتنا البشرية .يمكننا أف نخمؼ ورائنا ،لفترة
قصيرة عمى األقؿ ،بعض مف عواقب سموكنا غير العقبلني .لكف سوؼ نأخذ عدـ اكتماؿ طبيعتنا
معنا إلى ما بعد الموت ،ونتحضر لمعودة وانجاز ما لـ يكتمؿ بعد .ىذه العممية سوؼ تتكرر إال إذا
تجمى التنور وتغير اإلدراؾ بداخؿ أنفسنا.
179
طريقة الحكيم
وضع "بوذا" المنيجية ،والتي تقوؿ بأف كؿ فرد قادر عمى التغيير واإلصبلح في نفسو والذي سوؼ
يدوـ إلى األبد .وكذلؾ التحسيف الذي سوؼ يضيؼ إلى النمو الداخمي لطبيعتو .المعاناة ال تنتج
النمو مباشرة ،حيث المعاناة ىي النمو بالطريقة الصعبة .المعاناة ىي تعمـ الفرد مف أخطائو .لكف
ىناؾ طريقة مباشرة لمنمو والتي يمكف لمفرد أف يتعمـ خبلليا كيؼ يفعؿ األشياء بشكؿ صائب
وسميـ .وىذا النوع مف النمو ىو غير أليـ .المكافئة عمى الفعؿ الصائب ىي حقيقية وواقعية كما
العقوبة عمى الفعؿ الخاطئ .عمى كؿ شخص أف يعمؿ عمى ىذا الموضوع وفقاً لطبيعتو .بكؿ
طريقة مف الطرؽ ،ربط "بوذا" صعوبات زماننا بشيء لو عبلقة بما يشبو العبلقات الدولية اآلف.
مثبلً ،إمكانية إصابة الشخص بمرض القمب يعود سببيا إلى ظروؼ بحيث تجعؿ المجتمع ،بطريقة
عيشو المنحرفة ،يدفعو إلى اتباع طريقة عيش خاطئة .يبدو أف ىذا الوضع ال يمكف لشيء تغييره
سوى عممية إصبلح عمى المستوى الكوني .لكف أدرؾ "بوذا" بأف الحديث عف اإلصبلح الكوني يمثؿ
نقاش صعب وعقيـ ألنو يتجاوز استيعابنا وقدرتنا عمى التعامؿ معو بشموليتو .بالتالي ،بما أف
الشخص ليس لديو سيطرة سوى عمى نفسو ،فمذلؾ عميو أف يعمؿ عمى نفسو محاوالً تحرير نفسو مف
ذلؾ الذي ىو غير طبيعي وغير سوي.
لقد قدـ "بوذا" أيضاً مبلحظة ،مباشرة أو غير مباشرة عبر أتباعو ،وىي أف القميؿ جداً مف الناس
ميتموف فعمياً في النمو بحيث ليس ىناؾ الكثير مف المنافسة في ىذا المجاؿ .ال أحد سوؼ يديننا
إذا أخذنا منيـ ال شيء .ومع ذلؾ ،بخصوص عممية النمو ،جميعنا ننمو ونراكـ كنز عظيـ مف
النمو دوف أف يسبب ذلؾ إفقار ألحد .النمو ىو الذخر الوحيد الذي ليس عميو تنافس مف أي نوع.
ىو شيء يجعمنا أكثر حكمة ودوف أف يتعرض أحد لؤلذى ،ىذا إذا لـ نقـ بتحريؼ ىذه الحكمة.
لذلؾ ال يوجد أحد في الحقيقة يقؼ في طريقنا ويكرىنا فقط ألننا نحاوؿ أف نكوف أفضؿ .عمينا طبعاً
أف نكوف حذريف بخصوص الموضوع ألنو وجب اف ال نكشؼ ليـ عف نيتنا ،ألنو إذا رحنا نخبر
الناس بأننا نحاوؿ أف نكوف أفضؿ فإما أف نتعرض لمسخرية أو نتعرض لممبلحقة واإلدانة .لكف إذا
عبرنا عف أفضميتنا مف خبلؿ سموكنا فقط ،فيذا سيكوف مفيدًا ليـ أيضاً فيسمحوف لذلؾ أف يمر
بسبلـ .إذاً ،ىناؾ القميؿ مف الخطر لؤلئؾ الذيف يعيشوف بطريقة أفضؿ ،لكف ىناؾ خطر كبير
بالنسبة لمذيف يتحدثوف عف العيش بطريقة أفضؿ .إذا قمنا بذلؾ بأنفسنا فيناؾ احتماؿ كبير أننا
سوؼ نتغمب عمى كامؿ مشاكمنا.
183
طريقة الحكيم
ننتقؿ اآلف إلى الخطوة األخيرة واألىـ مف تعاليـ "بوذا" ،وىي الحقيقة النبيمة لمدرب التي تقود إلى
نياية المعاناة .ىذا ىو السبب وراء بروز الػ"سانغا" كما تشير إليو الفمسفة البوذية .معناىا "األخوية"
أو "جمعية األتقياء" .ىي مجموعة مف األشخاص الذيف ىـ مصمموف بداخميـ عمى العيش بطريقة
أفضؿ .لـ تنشئ البوذية أي شكؿ مف اليرمية التنظيمية الدينية كما األدياف األخرى .ىي لـ تقؿ
لمفرد بأف عميو إطاعة أشخاص آخريف ،أو أف ىناؾ منظومة ىيكمية ثابتة وجب عدـ االختبلؼ عنيا
أو معيا .الػ"السانغا" البوذية ىي مجموعة أشخاص مصمموف عمى تعميـ أنفسيـ في حياتيـ وأفعاليـ
اليومية في موضوع القيمة .ىـ مكرسوف لفعؿ األشياء الضرورية التي تجمب األماف لنفسيـ وتحسيف
التحوؿ التدريجي
ّ الحالة العامة لموجود البشري .الحقيقة النبيمة لمدرب المؤدية إلى نياية المعاناة ىي
عبر اإلصبلح واالستتابة وضبط التركيبة العقمية والعاطفية لدى الفرد .إذا لـ نعمؿ عمى تقويـ الفرد
وخير،
في حياتو الخاصة سوؼ لف نتمكف مف إنياء المعاناة .ال احد يستطيع جعؿ اآلخر فاضؿ ّ
وخير بنفسو ،ىذا إذا أراد ذلؾ .يستطيع أف يقمع تدريجياً
لكف كؿ شخص يستطيع أف يكوف فاضؿ ّ
تمؾ النزوات والميوؿ والعادات الخطيرة والتي تساىـ في المعاناة .يستطيع الفرد أف يفعؿ أنواع كثيرة
مف األشياء الصغيرة كؿ يوـ بيدؼ انتشاؿ نقطة تركيز الوعي لديو مف الغايات واألىداؼ الدنيوية
الخاطئة .يمكنو أف يبدأ بالتفكر وفؽ نموذج االعتداؿ السقراطي مثبلً .سوؼ يتعمـ تدريجياً بأف
الطريقة المعتدلة في العيش في ىذا العالـ تقمؿ مف المعاناة .بينما عدـ االعتداؿ يزيد مف المعاناة.
الفرد الذي يعيش حياة بسيطة يقترؼ أخطاء أقؿ .الفرد الذي يعقد حياتو بدوافع دنيوية يقترؼ الكثير
مف األخطاء.
بالتالي وفقاً لمفمسفة البوذية فإف البساطة ىي المفتاح لمحياة الجيدة .البساطة ىي عدـ اىتماـ الفرد
بما يممؾ بؿ ب ما ىو عميو كإنساف .إذا جاءت القيمة في المقاـ األوؿ فالقيمة ىي بداخمو .ليس ىناؾ
ثراء كافي حوؿ العالـ لمنع البؤس .ال أحد يمكنو امتبلؾ الكثير مف أي شيء مجرد مف الخطر
ومجرد مف المعاناة .إذا كاف الفرد اليوـ يممؾ الكثير فيو معرض لبلحتياؿ والسرقة .كؿ العالـ يحاوؿ
القوؿ لو شيء ،يحاوؿ القوؿ بأف أىدافو ىي خاطئة ،وىذه األىداؼ تساىـ في خمؽ الجريمة في
ا لمجتمع .لذلؾ تحدث "بوذا" عف الطريقة البسيطة .الدرب النبيمة التي تقود إلى كماؿ األشياء في
شرعة الحياة .ىذه الدرب ىي االعتداؿ في كافة الشيوات ،والتبسيط التدريجي لمطموحات وتحويميا
التدريجي إلى آماؿ .الفرد الذي يحمـ أف يكوف أكثر مف ناحية القيمة بدالً مف االمتبلؾ أكثر .أكثر
ما يمكف لمشخص امتبلكو في ىذا العالـ ىو نفسو .باقي األشياء ىي وىمية .وال يستطيع أخذ معو
181
طريقة الحكيم
سوى ما ىو عميو .بينما ما يممكو سيبقى لآلخريف ليبددوه .كمما كانت حياة الفرد بسيطة كمما كاف
ُيرجح أف يجري مع سنوات حياتو بيدوء ويحرر عقمو وقمبو لتتفضى لتمؾ األعماؿ المثمرة بالنسبة
لنموه .كؿ النجاح في العالـ ليس ميماً كمساعدة وعوف بدرجة القدرة عمى أف تصنع صديقاً أو تكوف
صديقاً.
الصداقة ىي كنز أعظـ بكثير مما تودعو في مخازف المصرؼ .لكننا ال ندرؾ ىذه الحقيقة .الزلنا
منشغميف بالمشاكؿ المتعمقة بالبنوؾ والمنظومة بالكامؿ ألنو ىكذا تجري األمور .لكف كيؼ يحصؿ
أننا بنينا منظومة عظيمة حوؿ أنحاء ىذا العالـ ،تجمع بيف األمـ العظيمة واألمـ النامية ،والتي
جميعيا تسعى إلى أف تكوف جزء مف وضع قاتؿ ،بحيث ليس ىناؾ أي اعتبار لمقيمة .كؿ شيء
أصبح ُيقاس بمفيوـ الربح المالي ،وكؿ قطعة صغيرة مف المربح اليوـ تُقاس بمفيوـ الخسارة .ليذا
السبب نحف ال نصؿ إلى الموقع المرغوب .لقد أشار أحدىـ قبؿ ألفيف وخمس مائة سنة لماذا ال
نصؿ إلى الموقع المرغوب اآلف ،وىذا أمر مثير فعبلً .خصوصاً أف طريقتو ليس ليا عبلقة بالتبشير
الديني كما نعرفو .إنيا ليست مسألة محاولة طمب الغفراف عمى خطايانا بؿ ىي مسألة محاولة النمو
فوقيا بمجيودنا الخاص .ىذا يضع النمو بأغمبو في يد الشخص وليس أي قوة عميا أو جية أخرى
خارج الشخص .لكف مكافئة النمو مف قبؿ الشخص ىي تكشؼ الكوامف الداخمية لذلؾ الشخص.
الفرد الذي يرغب في مواجية األبدية بأمؿ جيد عميو أف يبني حياة جيدة لمواجيتو بيا.
وفؽ مفاىيـ الدرب المؤدية إلى نياية المعاناة ،يمكننا أف نحرر أنفسنا بيدوء عبر التأمؿ وعمؽ
التفكير .الفمسفة البوذية ىي طريقة تأمؿ وعمؽ تفكير وال تعتمد عمى أوامر وفرائض وعقائد جازمة.
جميعنا نسمع الناس يقولوف لنا ماذا نفعؿ ،وعادة ما نرفضيا .نحف ممانعيف بطبيعتنا وكذلؾ نمجأ
إلى المبرر المألوؼ الذي نستخدمو دائماً وىو أنيـ يقولوف لنا ماذا نفعؿ لكنيـ ال يفعمونو بأنفسيـ
وبالتالي ىذا ال يعني شيء .لكف ربما ىي تعني شيئاً ،لكف لدينا طريقة مجدية لرفضيا ،ألف
الشخص اآلخر ال يطبؽ فمسفتو بنفسو .لكف في البوذية ال توجد ىذه الحالة إطبلقاً ،ألنيـ ال
يستمدوف سمطة مف أشخاص آخريف ،بؿ يستمدوف سمطة مف المصدر الراسخ والوحيد لمسمطة ،وىي
الطبيعة ذاتيا .أنت تتعمـ مف العيش وليس أف تتمقى التعميمات كيؼ تعيش .عميؾ أف تتعمـ مف
عواقب طريقتؾ الخاصة في العيش .أف تنمو مف خبلؿ مراقبة نتائج أفعالؾ وسموكؾ .أنت تتكشؼ
ألنؾ أصبحت تدرؾ بأف ىذا األمر ضروري ،وليس ألف أحد آخر قاؿ لؾ ذلؾ .تكتشؼ أىمية
182
طريقة الحكيم
الشريعة الذىبية ألنؾ بعدما تخرقيا مرة بعد مرة تكوف قد عانيت مف ذلؾ .إذاً ،السمطة النيائية في
الكفاح ضد المعاناة ىي أف تقدر عواقب المعاناة عمى نفسؾ .يمكنؾ طبعاً توسيع المشيد قميبلً
وتراقب األفعاؿ المشابية ألفعالؾ مف قبؿ أشخاص آخريف وترى كيؼ تجمب ليـ المعاناة أيضاً.
تتوصؿ تدريجياً إلى إد راؾ حقيقة أف ىناؾ قواعد وقوانيف وطريقة حياة تكوف مقبولة بالنسبة لمطبيعة،
والطبيعة لف تمنح أبداً السبلـ أو السعادة أو الصداقة حتى يتـ قبوؿ واتباع طرقيا الخاصة.
يعتبر ىذا اكتشاؼ ميـ جداً .والجزء الميـ ىو النمط االختباري أو التجريبي الذي يتميز بو .أي
نحف لسن ا مجبوريف عمى فعؿ شيء ألف أسيادنا أو مرشدينا أمروا بذلؾ ،نحف غير مجبوريف عمى
فعؿ شيء ألف عقيدتنا تفرض ذلؾ ،بؿ نفعمو ألننا ال نستطيع النجاة أو الخبلص بأي طريقة أخرى.
وبدأنا نصبح مرىقيف وسئميف مف عدـ النجاة .نحف ال نتمقى ما وجب أف نتمقاه مف عالـ يستطيع
تزويد نا بكؿ ما نحتاجو ،ىذا إذا لـ نقوـ كأفراد بخرؽ قوانيف الطبيعة وقوانيف الطمب والتمبية .إذا كنا
نريد تحرير أنفسنا مف الكفاح الرىيب لما نسميو اليوـ الثقافة المادية الدنيوية ،نحف نكسب ليس فقط
صحة أفضؿ ومنازؿ أفضؿ بؿ سوؼ يبقى المزيد مف الوقت اإلضافي لفعؿ شيء لو قيمة وجدوى.
سوؼ يكوف لدينا الوقت لمجموس وقراءة كتاب جيد ،أو وقت لمذىاب ومساعدة صديؽ في مشكمة،
لدينا الوقت الكافي لفعؿ الكثير مف األشياء الرؤوفة والكريمة .لكف ىذه األشياء الرؤوفة يتـ التضحية
بيا اآلف عمى مذبح المنفعة الفورية .وىا نحف نسير وننجرؼ مع ىذه الحياة المنحرفة ،حتى نصؿ
إلى النياية حيث قبؿ مغادرة ىذا العالـ بعدة ساعات نبدأ بالتأمؿ ما ىي الغاية مف ىذا كمو.
إنو ليس صائباً أف تأتي أجياؿ بعد أجياؿ مف الصغار إلى ىذا العالـ دوف وجود أي أمؿ أف يتمقوا
التعميمات السميمة والصحيحة والضرورية لمنحيـ حياة جيدة وسعيدة .ىذا أمر عمينا جميعاً العمؿ
عميو إذا كنا نريد ليذا أف يحصؿ .في مسار ىذه الحياة الجيدة والسعيدة يوجد قوانيف أيضاً .ىناؾ
أشياء عمينا فعميا .أحد القوانيف التي أشار إلييا "بوذا" ىي أنو مف أجؿ أف يكسب الفرد خير حياتو،
عميو أف يشارؾ تدريجياً في أعماؿ الطبيعة .أي عميو أف يزيؿ األعشاب الضارة في حديقتو إذا أراد
أف يزرع الخضار مثبلً .وكذلؾ عميو المساعدة في إزالة األعشاب الضارة مف الحياة عموماً إذا أراد
أف يتمتع بجماؿ ولطائؼ الوجود .لديو مجتمع ليعتبره ،وىو المجتمع الذي سمح لو أف ينيار
ويتشتت .وجب أف يكوف لديو طريقة خاصة مع البيئة والجيراف والعائمة واألصدقاء بحيث يمكنو أف
يخمؽ تدريجياً قدر مف الجماؿ والتناغـ والبصيرة واألماف .جميعنا إذاً بستانيوف في ىذا العالـ .نحف
183
طريقة الحكيم
لسنا مالكيف ألي شيء .وقد أشار "بوذا" إلى ىذه الحقيقة بوضوح في أقوالو ،حيث نحف لسنا
مالكيف ،ولـ نممؾ شيء أبداً سوى ما يشبو عقد أجار لما نحوزه اآلفُ .يسمح لنا بحوزة األشياء لكف
ال نممكيا .ومف ىنا يبرز "بوذا" مسألة الثروة .ىو ليس مف أولئؾ الذيف يعتقدوف بأنو عمينا أف نوزع
كؿ ما لدينا عمى الفقراء .قاؿ بأف ىذه الطريقة غير صائبة ألنيا ليست الطريقة التي تتبعيا الطبيعة.
الطبيعة ال توزع شيئاً بؿ تعطي الفرد الحؽ أف يكسب أي شيء يريده .األىمية ال تكمف في الوفرة
والجود والسخاء.
خير
قاؿ "بوذا" تذكروا أف المشكمة ال تكمف في الماؿ .الماؿ ليس سوى وسيط لمتبادؿ .ىو ليس ّ
وكذلؾ ليس سيء ،ىو بنفسو ليس ذي أىمية أكثر مف حصى عمى الشاطئ أو صدفة في قاع
المحيط .المسألة ال تكمف في ما تممكو بؿ في ما تفعمو بما تممكو .المسألة تكمف في نزعة االمتبلؾ.
إذا بدأت تفكر بالماؿ والثروة بصفتيا ممتمكات ،أي ىي ممكؾ ويمكنؾ أف تفعؿ بيا ما تشاء ،حينيا
يتحوؿ الماؿ إلى لعنة .ويصبح الماؿ لعنة أكثر وأكثر عندما نمنحو سمطة عمى الحياة ،وىو ال
يستحؽ ىذا أبداً .قالوا عف "كريسوس" في الزمف القديـ بأنو الرجؿ األغنى في التاريخ .وفي أحد
األياـ اصطحب فيمسوؼ إلى مخازف ثروتو المميئة بالذىب .فقاؿ لو الفيمسوؼ .." :يا كريسوس ،كؿ
ىذا الذىب يمكف أف يُنتزع منؾ مف قبؿ رجؿ يحوز عمى كمية مف الحديد ."..وىكذا حصؿ بالفعؿ.
إنيا دائماً حقيقة أف الثروة بذاتيا تمثؿ خطر كبير ألنيا تزيد الطمع والجشع وتساىـ في إقامة
النزعات في كؿ مكاف .إذا كنا نحوز في أنفسنا عمى المفيوـ الذي تعممو الفمسفة البوذية ،بأف الثروة
ىي بأفضؿ حاالتيا مجرد قرض أو استعارة بحيث نستخدميا لفترة وجيزة في ىذه الحياة ،لكف في
عممية استخداميا وجب أف تكوف العدالة اعتبارنا األوؿ ،العدالة مع الرحمة ومع المحبة ومع عمؽ
التفكير ومع التفيـ غير األناني .إذا استخدمت بشكؿ سميـ ،سوؼ تصبح الثروة شكؿ مف النمو
اإليجابي ،ألنيا أثبتت أف الفرد قد حوؿ نفسو .أما الثروة المكرسة لتقدـ المشاريع الفردية عمى حساب
الخير العاـ فيي خطيئة ،وسوؼ تقود إلى تراكـ الجرائـ .المسألة إذاً ال تكمف في ما نممكو بؿ في ما
نفعمو بما نممكو ،وىذا يقرر إذا كنا سنحوز عمى السبلـ أو نصاب بالمعاناة .في كؿ خطوة عمى
طوؿ الطريؽ يوجد استخداـ سميـ يجمب السبلـ .في كؿ مجاؿ مف النشاطات يوجد سوء استخداـ
ينتيي إلى المعاناة.
184
طريقة الحكيم
الفرد في ىذه األياـ ىو ذو طبيعة مادية ،ميما حاوؿ استعراض أفكار دينية تجاوزية .لذلؾ نراه
يشعر بأنو إذا غادر ىذا العالـ عند موتو لف يتأثر أحد بذلؾ ،وىو لف يعد يعرؼ بأنو وجد أصبلً .قد
يظف بأف ىذه النياية سوؼ تريحو نيائياً مف المعاناة في ىذه الدنيا .رغـ كؿ ما أنجزه مف أعماؿ
واستخدامو الممكات العقمية التي حازىا ،وكونو ممثبلً لشاىد حي عمى خمفية تطورية مذىمة أوصمتو
إلى حالتو الحالية ،ومف ثـ يفترض بأنو بعد الموت قد اختفى تماماً مف الوجود ،فيذه فكرة ال
يستطيع العقؿ الشرقي استيعابيا .ىو بكؿ بساطة ال يستطيع تقبؿ فكرة أف كؿ ىذا النمو المتنوع
لمحياة المتطورة عمى الدواـ ،ليس ىنا عمى الكوكب فحسب بؿ في الفضاء حيث النجوـ والشموس
والمجرات التي في طور التشكؿ ،كؿ ىذا ال يعني شيء إذا سممنا بالفكرة السابقة والتي ليس ليا
غاية وال تستند عمى واقع.
كؿ شيء يبدأ فجأة ثـ ينتيي ويتبلشى عمى شكؿ غبار ،ال يستطيع أي عقبلني تقبؿ ىذا إطبلقاً.
ليذا السبب ،لطالما افترضت األنظمة الفمسفية في األمـ القديمة بأنو يوجد حياة أخرى ،يوجد بقاء
بعد الموت ،وىذا البقاء بعد الموت معرض لعقوبات معينة .في بعض األدياف ،تقوؿ التشريعات بأف
الذيف كانوا رذيميف أو سيئي السموؾ سوؼ ُيحرقوف في نار الجحيـ بعد مغادرتيـ ىذا العالـ ،وذلؾ
لفترة غير محدودة .ىذا المفيوـ قد فقد إىتماـ معظـ الناس ولـ يعد قابؿ لئلعتقاد .وحتى في الزمف
القديـ حيث بدأ فيو ىذا االعتقاد ،وضعوه كوصؼ رمزي وليس وصؼ لواقع حقيقي .لـ ينوي
الحكماء اعتبار الجحيـ مكاف حقيقي .ما ىي الحكمة أو الغاية وراء احتراؽ المخطئ إلى األبد في
نار الجحيـ؟ صحيح أف ىناؾ نوع مف العقاب في الحياة األخرى لكف ليس ىكذا يكوف .حتى أف ىذا
العقاب اآلخر قد يكوف أكثر ألماً مف الجحيـ المذكور سابقاً .العقاب الحقيقي يتمثؿ في مواجية الفرد
لعواقب أفعالو ،وعميو أف يكوف مدركاً لمبؤس الذي سببو ،وعميو أف يدرؾ أيضاً كيؼ أثبط نموه
الخاص ،وكيؼ دمر نمط مف التجارب والخبرات والذي كاف قد جعمو شخص أفضؿ ،لكف بدالً مف
ذلؾ خرج مف الحياة آسفاً عمى نفسو وبائساً أكثر مما دخؿ إلى الحياة في البداية.
إذاً ،ما نظنو الجحيـ ىو في الحقيقة المواجية الحتمية لمذات ،اإلستمرار الحتمي لعمؿ غير مكتمؿ
حتى يتـ إكمالو بالكامؿ .أشار أفبلطوف بأنو ال يمكف أف يكوف ىناؾ جحيـ أسوأ مف ىنا (أي عالمنا
الحالي) .ىنا في ىذا العالـ يكمف الجحيـ .وجميعنا نستمر في العودة إلى ىنا بعد الموت حتى
نتحسف ونصبح أفضؿ .لكنو ممكناً عبر االستقامة األخبلقية أف نحوؿ الجحيـ ذاتو .ىذا العالـ يعتبر
185
طريقة الحكيم
سيء ألنو المكاف الوحيد الذي عمينا مواجية عواقب أفعالنا فيو .لكف عندما يتغير سموكنا تتغير
العواقب المترتبة منو فيتغير ىذا العالـ بالكامؿ ويعود إلى ما قدر لو أف كوف منذ البداية .لكف مف
أجؿ أف يكوف ىذا العالـ جميؿ وجب عمى الكائنات التي تعود إليو أف تحقؽ في نفسيا نوعية خاصة
مف االستقامة األخبلقية والتي تجعمو مستحيبلً عمى ىذه الكائنات أف تدمر أو تمنع النظاـ الطبيعي
لؤلشياء .لدينا الحؽ أف نصنع ما نستحقو والعيش مع نتائج سموكنا.
مع إضافة فكرة التقمص تمنحنا البوذية مفيوـ عظيـ لمحياة ،وىو مفيوـ لمحياة ال يتناقض بأي
طريقة مع عمـ الفمؾ الحديث ،ألنيا تتعامؿ مع بعد ال يممسو عمـ الفمؾ أصبلً .حتى أف عمـ الفمؾ
ينكر وجوده .ىذه الطريقة تتعمؽ بعمـ الكوف النوعي وليس الكمي .ىذه الطريقة تتعامؿ مع الكوف
بصفتو اختبار ،الكوف بصفتو حكمة ،بصفتو محبة وقوة وجماؿ .وىذا كوف ال يستطيع العمـ الحديث
مبلمستو .لكف يمكف لمعمـ أف يرتقي إلى ىذا المستوى إذا أراد ذلؾ .ليس ىناؾ ما يمنع العالِـ مف أف
يكوف صوفي عظيـ أو قائد روحي عظيـ ألف كبلً مف المادي والروحي موجوداف في نفسو .ىو يمثؿ
ذلؾ الذي أطمقو مف ذاتو في الوقت الحالي ،أما ذلؾ الذي لـ يطمقو بعد قد يجعمو ليس فقط عالِـ بؿ
قديس إذا أراد ذلؾ.
أينما كاف في ىذا العالـ يوجد ىذا الكفاح المستمر لمحفاظ عمى القيـ ،بحيث يمكننا بواسطتيا تجنب
شرور الظروؼ الدنيوية .وفي ىذا السياؽ أيضاً ،وبخصوص العقؿ ،وكما تقوؿ نصوص
الػػ"بياغافاغيتا" العريقة والتي تسبؽ زمف "بوذا" بكثير .." :العقؿ ىو قاتؿ الحقيقي ."..العقؿ ىو
المسؤوؿ األكبر عف المشكمة .لكف ىو ليس مسؤوؿ ألنو سيء أو شرير ،حيث ليس ىناؾ شيء
شرير بخصوص العقؿ ،لكف العقؿ الذي ُيساء إستخدامو قد يكوف الشيء األخطر في العالـ .العقؿ
الذي ال يكوف ميذب ومصقوؿ بواسطة الحب والصداقة يكوف بكاممو مستبد وطاغية ويقود صاحبو
إلى الدمار بكافة الجوانب .ليس ىناؾ ما يضيؼ إلى معاناة الفرد أكثر مف سوء استخداـ العقؿ
لديو .مف أجؿ الشفاء مف ىذا السوء االستخداـ ال يعني أنو عمى الفرد أف يمتنع عف التفكير ،بؿ
عميو التفكير وفؽ منيجية القيـ ،عميو أف يفكر مع الكوف بدالً مف التفكير ضده .عميو أف يفكر بتمؾ
األشياء الضرورية لمخير العاـ وليس باألشياء التي تساىـ في تدمير الخير العاـ .قد يكوف العقؿ أداة
جميمة ومذىمة ،لكنو قد يمثؿ أيضاً شيء رىيب.
186
طريقة الحكيم
عرؼ "بوذا" سر تغير كؿ األشياء .وبالتالي وجب أف نتعامؿ مع التغيير بسبلـ وتفيـ واحساف وعمؽ
نظر وسماحة ولطافة .كما أنو عمـ بأف كؿ ضغينة يمكف تشبيييا لجرثومة نفسية ،والتي تجمب
المرض لكؿ مف يحمميا بداخمو .كؿ حكـ مسبؽ أو تعصب ،كؿ نزعة أو توجو غير عقبلني ،أو كؿ
ميؿ متطرؼ حتى لو كاف ذي صبغة دينية وجب فحصو بحذر .متما بفقد الشخص توازنو الداخمي
ويعبر عف عاطفة أو توجو متطرؼ فسوؼ يكوف ىناؾ درجة كبيرة مف الضغط .وما ىو الضغط؟
الضغط ىو مسبب لممعاناة .أينما يوجد ضغط ىناؾ معاناة .لقد زودت الطبيعة اإلنساف بمجموعة
مف األدوات لكي تحميو مف المعاناة .لديو مصادر في نظاـ الغدد الصماء (التي تفرز اليرمونات)
والتي تمكنو مف خوض حالة مرىقة بيدوء وكرامة .لكف إذا استمر ىذا اإلرىاؽ سنة بعد سنة دوف
أف يتحكـ الشخص بنفسو سوؼ تصاب مصادر الجسـ باإلنياؾ فتبدأ بالفشؿ في وظيفتيا وكؿ ذلؾ
بسبب سوء استخداـ النزوات والميوؿ .يستطيع اإلنساف تدمير جسمو مف خبلؿ سوء استخدامو
بواسطة نزواتو وميولو وتوجياتو .لذلؾ عمى الفرد أف يتعمـ كيؼ يخفض اإلرىاؽ لديو.
ىناؾ أمر مثير ربما ال أحد ينتبو إليو وىو أف األشخاص دائماً يصابوف باالستثارة الداخمية عندما
يكونوا عمى خطأ .ىـ طبعاً ال ينتبيوف ليذا الضغط الداخمي المتشكؿ لدييـ ،لكنيـ يتخذوف موقؼ
دفاعي دائماً .لو كانوا عمى حؽ لما احتاجوا إلى ىذه الطبيعة الدفاعية .تقوؿ الفمسفة البوذية بأنو لو
كنت عمى حؽ لما كاف ىناؾ داعي لمموقؼ الدفاعي ،واذا كنت عمى خطأ فبل تستطيع الدفاع عف
نفسؾ ،بالتالي عميؾ أف تبقى صامتاً وحاظ عمى تيذيبؾ .اليدوء أمر مفيد ،فيو يوفر الطاقة .إذا
منع الفرد نفسو عف الكره والضغينة والحقد ،إذا توقؼ عف لوـ ىذا ولوـ ذاؾ واستقر ليكوف ما عميو
أف يكوف ،فسوؼ تتحسف صحتو وربما يوفر عمى نفسو الكثير مف المصاريؼ االستشفائية .لو كاف
الناس سعداء ومشغوليف بأعماؿ خيرة ومنتجة لباقي حياتيـ لـ يبقى نوع العالـ كما ىو اآلف .نحف
نستنزؼ ىذا العالـ حتى اليبلؾ ألننا نستنزؼ كؿ مصدر طبيعي فيو .وعندما نحاوؿ تصحيح ىذه
الحالة سوؼ يكرىنا الجميع ،ثـ يجتمعوف معاً لممحافظة عمى الفساد القائـ .ال يمكف االستمرار بيذه
الطريقة .الطريقة الوحيدة التي يمكننا مف خبلليا النجاح في مسعانا ىو االعتراؼ بوجود حكومة عميا
أو عالـ عموي وقوانيف عموية وجب إطاعتيا.
إف لئلنسانية قوانينيا الخاصة وحقوقيا الخاصة وغاياتيا الخاصة ،وىذه جميعاً موروثة داخؿ كؿ
كائف بشري .ىي موجودة في كؿ خمية مف الجسـ ،وكذلؾ موجودة في مجموع الخبليا ككؿ والتي
187
طريقة الحكيم
نسمييا الشخصية .كؿ ىذه االشياء تتحرؾ وفؽ قوانيف وأحكاـ .ىذه القوانيف واألحكاـ مرصودة لغاية
واحدة فحسب وىي منع المعاناة .إذا استمر اإلنساف بذاتو في خرؽ ىذه األحكاـ ويسبب المعاناة
فيذه األحكاـ سوؼ تستمر في العمؿ ألنيا تبدأ باإلشارة إلى القانوف والدرب المؤدية إلى نياية
المعاناة .الفرد الذي يعاني مف اقتراؼ خطأ ال يمكنو الشفاء مف المعاناة سوى عبر تصحيح الخطأ.
إذا كنت مصاب بعمة جسدية سوؼ تذىب إلى الطبيب فيوصيؾ أف ال تفعؿ ىذا وال تفعؿ ذاؾ ومف
ثـ تشعر بحالة أفضؿ .بينما في الطبيعة ليس ىناؾ مف يقوؿ لؾ كؿ ىذا ،بؿ مف خبلؿ االختبار
والتجربة تقوـ باقتراؼ خطأ فيؤلمؾ ىذا العمؿ ،تقترؼ خطأ في اختيار صديؽ مثبلً ،وىذا الصديؽ
ليس صادقاً معؾ ،فتسأؿ نفسؾ ما الذي دفعؾ إلى اختيار شخص غير كفؤ كصديؽ ،وسوؼ تجد
بأنؾ اخترت ىذا الشخص ألنو يبدو مفيداً لمصالحؾ الخاصة بخصوص غاية معينة .أي بمعنى
آخر ،أنت صنعت الصديؽ لسبب لو عبلقة بمصمحتؾ الخاصة ،وبالتالي تعرضت لمخداع .لقد
خدعت نفسؾ مف خبلؿ السماح لدوافعؾ أف تعميؾ عف تكاممؾ األخبلقي.
كؿ ىذه األشياء تمثؿ جزء مف فمسفة الحياة البوذية .تمثؿ جزء مف الطريقة التي تجمت فييا التعاليـ
البوذية .وربما مقدر ليا في يوـ مف األياـ أف تصبح مقبولة في كؿ ثقافة نعرفيا حوؿ العالـ .ىذه
الفمسفة ال تتآمر ضد شيء .وىي أصبلً ال تمثؿ مذىب محدد وبالتالي ال حاجة لمنحيا اسـ .ىي
ليست أفكار وردت في حمـ أحد األشخاص .ىي بكؿ بساطة تمثؿ قدرة الفرد عمى فيـ طبيعتو
الخاصة ،بحيث يكتشؼ كيؼ ىو يعمؿ مف خبلؿ مراقبة نفسو كيؼ يعمؿ .عميو أف يخدـ كتمميذ
لمبادئو الخاصة لكي يتعمـ .وعندما يرى بأنو لـ يحصؿ عمى النتائج التي ىي لصالحو عميو أف
يغير طريقو .وسوؼ يكتشؼ دائماً تقريباً بأنو عنما يدرؾ بأف عميو تغيير طريقو سوؼ يتوضخ لديو
تمقائياً ما عميو فعمو.
الطبيعة ليست طاغية مستبدة ،بؿ ىي قوة كريمة ومتسامحة جداً .لكف لدييا مشروع عظيـ .وىذا
المشروع ييدؼ إلى تكميؿ كؿ الخمؽ وتعيده مرة أخرى إلى حالة التناغـ واإلنسجاـ مع الخطة
البلنيائية واألبدية .لذلؾ مف أجؿ تحقيؽ ىذه الغايات العظمى ،عمى كؿ شيء عقبلني أف يسعى
إلى العمؿ عمى خبلصو بمثابرة واجتياد .عمينا جميعاً أف نعيش وفقاً لؤلفكار السابقة .عمينا العمؿ
باجتياد عمى خبلصنا ،ليس بالضرورة مف أجؿ مجدنا الخاص ،بؿ لكي نصبح جزء مف الخطة التي
تحتاجنا .كؿ كائف بشري بعينو يمثؿ جزء مف الخطة ،وىذه الخطة تنادي إلى تحقيؽ كماؿ الحياة
188
طريقة الحكيم
في كؿ شيء ،اإلنجاز النيائي لتقويـ الشخصية في كؿ شيء حي ،حتى الطيور والحشرات
والحيوانات ليا شخصيتيا الخاصة والتي وجب تقويميا .اإلنساف لديو شخصيتو الخاصة .ووفقاً
لمفمسفة البوذية ،فإف الكوف مميء بالمجريات التطورية المتكشفة عمى الدواـ .المبلييف والمبلييف مف
أشكاؿ الحياة تتكشؼ وتكمؿ نفسيا وفقاً لقوانيف الوجود .إكتشاؼ ىذه القوانيف يمثؿ المجيود الرئيسي
لمحكماء .وعيش ىذه القوانيف يمثؿ العبلقة البناءة األولى التي يمكننا اكتسابيا مع الغايات األبدية.
إذا قمنا بيذه األشياء وبشكؿ صحيح ،سوؼ تكوف حياتنا أكثر لطؼ وىدوء .كؿ ما عمينا فعمو ىو
أف نمغي تدريجياً تمؾ التصرفات لدينا والتي ىي معيقة بالنسبة لنا ولآلخرف ،ومف خبلؿ فعؿ ذلؾ
سوؼ نتوصؿ في النياية إلى عبلقة أفضؿ وأكثر سعادة مع أنفسنا ومع أولئؾ المحيطيف بنا،
ويمكننا حينيا بناء حضارة ليا فرصة لمبقاء عبر العصور القادمة.
189
طريقة الحكيم
ىذا موضوع فائؽ األىمية ألنو يتعمؽ بمفيوـ لو انتشار واسع في التقاليد الدينية والصوفية حوؿ
العالـ وىو يتعمؽ بمسألة النفس والروح .في اإلنجيؿ المقدس ىناؾ إفادة تقوؿ .." :النفس التي
تخطئ ىي تموت[ "..سفر حزقياؿ] ،وىناؾ إفادة أخرى في مكاف آخر تقوؿ .." :والروح ترجع إلى اهلل
الذي أعطاىا[ "..الجامعة] .ومشكمة االختبلؼ بيف ىذيف المصطمحيف وتعريفيما مثؿ إرباؾ كبير
لبلىوتييف لفترة طويمة مف الزمف .مع العمـ أف الكممتيف اإلنكميزيتيف المرادفتيف ليما ىما( :الروح
)Spiritو(النفس .)Soulلكف يبدو أف ىناؾ خطأ في فيـ ىذيف المصطمحيف وخطأ آخر في
ترجمتيما .ربما الصورة التالية توضح موقع كؿ منيما في كينونة اإلنساف.
تتفاوت درجة تشكؿ "النفحة" في القسـ الدنيوي بيف شخص وآخر ،وذلؾ حسب مساحة البيئة
المناسبة لتشكميا ونموىا في كيانو.
مف خبلؿ النظر إلى الشكؿ السابؽ ،سوؼ يبدو لنا أنو يوجد عنصر ثالث في المسألة ىو النفحة
اإلليية .أي ىي التي عمييا أف تأخذ مكاف النفس في النص المقدس .أي الترجمة العربية الصحيحة
193
طريقة الحكيم
لكممة Soulىي "النفحة" وليس "النفس" .وفقاً لموقع "النفس" في الشكؿ السابؽ ،ىي ما ُيفترض اف
ُيشار إلييا باإلنكميزية بكممة .Selfأصبح لدينا إذاً ثبلثة عناصر وليس اثنيف .وليذا الفصؿ الجديد
بيف المصطمحات أىمية كبرى سوؼ نتعرؼ عمى أىميتيا مف خبلؿ الصفحات التالية.
في الحقيقة ،وفقاً لمعتقدات القدماء والذيف سبقوا الديانات السماوية بفترة طويمة ،وحتى عند بعض
المجموعات المسيحية في بدايات ظيورىا ،كانت "النفحة" Soulتعتبر ثوب أو رداء ،وتتعمؽ بمفيوـ
ثوب الزواج الذىبي ،وىو الثوب أو العباءة التي يتـ ارتدائيا في حفؿ الزواج مع الحمؿ الوديع.
ووفؽ المفيوـ العصري ،يمكننا اعتبار ىذا الثوب بأنو المجاؿ البايومغناطيسي لمجسـ ،أو األو ار
.Auraبمعنى آخر ،إف ثوب الزواج الذىبي أو "النفحة" ىو تركيبة تظير ضمف المجاؿ
البايومغناطيسي لؤلو ار البشرية .وبمعنى آخر أيضاً ،مع تزايد أعماؿ الخير والرغبة في النمو ،يقوـ
الفرد بتغييرات وتحسينات في منيج حياتو ،وبالتالي تحصؿ تغييرات في المجاؿ البايومغناطيسي
لديو .يحصؿ تدريجياً نوع مف التحوؿ في نفسية اإلنساف وكيانو ،ويظير ضمف المجاؿ
البايومغناطيسي المحيط بو خواص ضوئية تمثؿ النزعة الخيرية لمقمب والعقؿ .ىذا الخير المضيء
يزداد مع تزايد الصبلح في داخمنا .وفي النياية يتحوؿ المجاؿ البايومغناطيسي بالكامؿ إلى ما يشبو
الثوب المضيء ..يشع بالنور .وعندما يصؿ األمر إلى ىذه الدرجة ُيسمى ىذا المجاؿ أو ىذه األو ار
باسـ "ثوب الزواج الذىبي".
ىذا ىو ثوب الصبلح الذي تحدث عنو القدماء .الثوب الذي يتـ استحقاقو عبر األعماؿ المنجزة في
الحياة .ىذا الثوب يصبح جزء مف الحصانة والحماية العظيمة التي تُمنح لمشخص ،والتي تحميو أوالً
مف نفسو خبلؿ نموه في مجاؿ التفيـ وعمؽ التفكير .بالتالي فإف قصة ثوب الزواج الذىبي أو
"النفحة" ىي ذاتيا قصة التغييرات المرئية والممموسة في تكويف المجاؿ البايومغناطيسي لجسـ
اإلنساف والذي يعممنا عف تكشؼ ونمو المخموؽ الذي يممؾ ىذا الجسـ .ىذه األو ار أو ىذا المجاؿ
البايومغناطيسي يتجمى أيضاً بدرجة معينة في العالـ المرئي .وأعماؿ ثوب الزواج الذىبي ىي أعماؿ
الصبلح والتقوى واالستقامة .مع ازدياد االستقامة والتكامؿ الروحي لدى الفرد ،تصبح ىذه االستقامة
والتكامؿ جزءاً مف الوعي المركزي لديو ،ىي ليست أمزجة ترتفع وتنخفض بالتناوب .إذا كاف النمو
أصيؿ وحقيقي فسوؼ تنمو ىذه األمزجة والميوؿ وتستمر في النمو حتى تتحوؿ الحياة الداخمية لمفرد
191
طريقة الحكيم
وتتبدؿ كمياً .وبيذا المعنى أيضاً ،تتحوؿ "النفحة" إلى حجر الفيمسوؼ الذي ىو السر الخيميائي
الغامض المتمثؿ بتحويؿ المعادف الرخيصة إلى ذىب الحكمة.
بالتالي عندما نتحدث عف انتصار الروح عمى الظروؼ الدنيوية ،نعني بذلؾ نمو النور الداخمي فوؽ
مشاكؿ وضغوط العيش الخارجي .نكتشؼ تدريجياً بأف القوة عمى الفعؿ الصحيح تتشكؿ داخؿ
أنفسنا .نحف ال ُنخمص مف قبؿ قوة خارجية أو تغيير تشريعي معيف ،بؿ ننمو مف الداخؿ ،ومع
نمونا بشكؿ أقوى مف الداخؿ نجد أف المشاكؿ والصعوبات تصبح قميمة في الخارج .بالتالي يمكف
اعتبار ثوب الزواج الذىبي بأنو إكسير الحياة الغامض ،والذي نقطة واحدة منو يمكنيا تحويؿ ما
يعادؿ عشرة آالؼ ضعؼ مف وزنو .ىذه المصطمحات الرمزية المستخدمة في األدبيات الخيميائية
والصوفية بيدؼ حراسة السر مف الدنيوييف المدنسيف ىي بطريقة ما صحيحة ،ألنيا تمثؿ االزدياد
اليائؿ لمقوة الداخمية نتيجة التحوالت الحاصمة في العناصر الوضيعة لمحياة وفؽ الطريقة الخيميائية.
بالتالي عمينا أف ندرؾ حقيقة أنو وفؽ الشروط الطبيعية نحف ترابييف نتبع األرض .نحف لسنا سيئيف
ولسنا أشرار ،بؿ نحف كما كافة الكائنات األخرى ،نحف مصنوعوف مف مواد دنيوية معينة ،وىذه
192
طريقة الحكيم
المواد الدنيوي تطغي عمينا تدريجياً فتحكمنا بالكامؿ ،فنتفاعؿ مع ىذه الضغوط والتأثيرات الدنيوية
كما تفعؿ الحيوانات أو أي مف كائنات الممالؾ األخرى في الطبيعة .لكف خبلؿ حضور ىذه
الضغوط والتأثيرات في الكائف البشري ،فيي تتوازف مع قوة ىائمة أخرى موجودة داخؿ الكائف البشري
والتي ىي غير حاضرة في الممالؾ األخرى في الطبيعة .في كائنات الممالؾ األخرى تكوف ىذه القوة
الباطنية محصورة ضمف نطاؽ عقوؿ جماعية أو أرواح جماعية أو قوى باطنية تحمي مجريات
الحياة عموماً وليس بشكؿ فردي ،بينما عند الكائنات البشرية تصبح ىذه الحماية فردية .ىذه إحدى
الطرؽ التي نميز مف خبلليا اإلنسانية عف باقي ممالؾ الطبيعة .لدى اإلنسانية قوة الخبلص مف
داخؿ نفسيا .كؿ فرد لدي و قوة الخبلص مف داخؿ نفسو .عميو أف يطور ىذه القوة وينشطيا ويسمح
ليا أف تتجمى خارجاً في حياتو اليومية .وعندما يفعؿ ذلؾ يكوف قد أنجز عممية تحويؿ المواد
الوضيعة لكيانو كما توصفيا األدبيات الخيميائية التي تتحدث عف تحويؿ المعادف الرخيصة إلى
ذىب .المواد الوضيعة في ىذه الحالة ال تعني المواد الشريرة ،بؿ ىي تعني ببساطة المادة أو المادية
وىذا يعني التراب ،وىذا يجعميا تعني المواد الطبيعية لمعالـ الطبيعي .لكف الفرد عمى حقيقتو ليس
مف ىذا العالـ الترابي .األمر يشبو حالة النبتة التي تكوف جذورىا في التراب أي في األشياء المادية،
وكما يقوؿ لنا الفيمسوؼ أفموطيف .." :بينما تكوف جذور اإلنساف في التراب نجد أف الزىرة والبذور
في السماء."..
"النفحة" إذاً تشمؿ األشياء الخيرة والفاضمة التي قمنا بيا .ىي تمثؿ مجموع االنتصارات الصغيرة في
الحياة والتي إف جمعت معاً تصبح تمثؿ أساس الخبلص .أي بمعنى آخر ،عمى الفرد أف يخمص
نفسو .ال يمكنو الخبلص بمساعدة أي قوة خارجية ،وال يمكف تدميره مف قبؿ أي قوة خارجية .عميو
أف ينمو وفقاً لحياتو الداخمية الخاصة بو ،بما تحويو مف قوى وممكات منحت لو عندما تجمى
كمخموؽ في ىذا العالـ العظيـ .ىذا يعني بالتالي أف كؿ فرد يسعى إلى بناء ثوبو الخاص ،ينمي
"نفحتو" الخاصة مف خبلؿ طريقة حياتو الخاصة وطبيعتو الخاصة وطريقتو الخاصة في خوض
واختبار الظروؼ والحاالت التي يواجييا كؿ يوـ.
الحياة ىي سمسمة مف االنتصارات الصغيرة عمى الشكوؾ وعمى عدـ اليقيف وعمى اإلغراءات،...
ومشعة
ّ مشع في كينونة "النفحة" وتدريجياً تصبح النفحة مضيئة
أينما يحصؿ انتصار يتشكؿ وميض ّ
بالكامؿ .ىذه "النفحة" إذاً تنمو تدريجياً مف خبلؿ البناء التدريجي ليا .ومف ىذا البناء التدريجي
193
طريقة الحكيم
لكينونة "النفحة" تأتي ضمانات الحياة وأمانيا .مف البناء التدريجي لكينونة "النفحة" تأتي القدرة عمى
التحسف بشكؿ أسرع وصنع نمو متزايد باستمرار .إف خمود اإلنساف ينمو داخمو ضمف مادة غامضة.
جسمو الفاني مرتبط بالتراب أو العالـ الدنيوي ،بينما روحو الخالدة مرتبطة بالسماء أو العالـ العموي.
وبيف ىذيف الكيانيف تكمف "النفحة" ،الجسر ،اإلكسير الغامض لمتحوؿ الذي نختبره في حياتنا
اليومية.
عمينا بالتالي التذكر بأنو حتى األشياء الصغيرة المفعولة جيداً ىي ميمة .إنو أمر ميـ أف ال نتمفظ
بالكبلـ المسيء أو البذيء .إنو أمر ميـ أف يقوـ الفرد بمبادرة خيرة ،والتي قد تمثؿ إحباط لو لكنو
مؤقت .إنو أمر ميـ أف يتمقى الفرد البصيرة لكي يدرؾ بأف كؿ انتصار صغير مضافاً إلى
االنتصارات الصغيرة األخرى يشكؿ االنتصار العظيـ الذي نسميو الخبلص .بالتالي الخبلص ىو
ليس سوى انتصار الواقع عمى الوىـ ،ىو انتصار الحقيقة عمى الخطيئة ،ىو انتصار التفاني عمى
األنانية ..،ىو يمثؿ في كؿ حالة انتصار اإليجابي الذي ساىـ في الخير العاـ عمى السمبي .بالتالي
نعتبر "النفحة" اآلف بأنيا ثوب غامض مضيء ،ومف خبلؿ العودة إلى الكتابات القديمة والصور
القديمة عمى جدراف المعابد وفي مخطوطات الزمف القديـ ،نعرؼ بأف ىذه الصور التي تستعرض
عباءات المموكية ،األثواب الرائعة لقديسي الشرؽ األوسط وحكماء اليند ،كميا صور ترمز لثوب
"النفحة" الغامضة والرائعة.
وفقاً لمصوفيف القدامى ،فإف الفرد ال يستطيع دخوؿ الجنة بجسده المادي ،وبالتالي عميو ترؾ كؿ ما
ىو مادي والتقدـ إلى األماـ بثوب المجد والجبللة ،وىذا الثوب ىو عبائة بيضاء نقية ،عبائة البراءة،
عباءة النقاء ،عباءة المجيود المبذوؿ لبلمتناع عف الخطيئة وتنقية الحياة والعيش باستمرار في نور
الواقع الحقيقي .بعد فترة مف تشكموُ ،يمنح ىذا الثوب المزيد مف التطور ،وقد تـ وصؼ ىذا الثوب
في اإلنجيؿ خبلؿ الحديث عف وصؼ عباءات الكينة والكينة الكبار لمعبد سميماف الممؾ ،ونجد
أوصاؼ مشابية في مصر القديمة وكذلؾ في اليند والصيف القديمتيف ،كميا توصؼ عباءات
غامضة مجيدة مزركشة برموز تمثؿ تعابير مادية لطاقات باطنية تنبعث مف اإلنساف الصالح الذي
أنجز تحرره مف قيود العالـ الدنيوي .اإلنساف المتحرر ىو ليس ذاؾ الذي تـ تخميصو مف قبؿ شيء
خارجي .اإلنساف المتحرر ىو مف نما فوؽ المحدوديات التي فُرضت عمى حياتو .جميعنا نعرؼ
أنفسنا بطريقة أو بأخرى ،نظف أنفسنا كما نعرؼ أنفسنا .ننظر إلى المرآة ونقوؿ ىذا أنا .لكف ىذا
194
طريقة الحكيم
غير صحيح .ما نراه ىو مجرد ضبلؿ .وألف العيوف ال ترى سوى ضبلؿ فيذا ىو المخموؽ الذي نراه
في المرآة .يستطيع الصوفي أو المستبصر ضمف شروط معينة أف يرى أكثر مف ذلؾ .لكف بالنسبة
لئلنساف العادي فإف الشكؿ المرئي الذي يراه ىو األنا الحقيقية .ىذه ىي األنا ذاتيا التي تممي عمينا
شيواتنا ونزعاتنا ،وتستقطب انتباىنا ،وتطالبنا أف نحقؽ طموحاتيا ،إنيا ىذه الظؿ التي ليا شيوات
يمكف أف ينتيي إرضاءىا بأمراضنا الجسدية ،ىذه ىي الظ ّؿ التي تخرب البيوت ،ىذه ىي الظ ّؿ التي
الظؿ أيضاً التي تبقي عمى بعد المسافة بيف الفرد والسعادة الحقيقية التي
ّ تخرؽ القوانيف ،ىذه ىي
نسعى جميعاً إلييا.
بالتالي في ىذا الظ ّؿ تكمف قوة الظبلـ .وىذه القوة ليس لدييا أي واقعية مف أي نوع .ىي تعتمد عمى
وقع أننا ال نممؾ العيوف لنرى ،وىذا يذكرنا بالمقوؿ الشييرة .." :الذيف لدييـ عيوف فمينظروا ."..كؿ
ىذه األشياء التي نتكمـ عنيا اآلف ىي مرئية وواضحة بالنسبة لعيوف الروح أو "النفحة" ،لكنيا غير
مرئية بالنسبة لعيوف العقؿ .وعيوف الروح تتشكؿ نتيجة تطوير ممكات نائمة فتستيقض مع االجتياد
في تطويرىا مف خبلؿ تكشؼ التكامؿ األخبلقي في حياة الشخصية .المجاؿ البايومغناطيسي لمفرد
يبدأ بشكؿ أساسي كمعزز لمبنية الجسدية ،حيث ىو شيء ينعش الجسـ ويحافظ عميو ويحميو .لكف
تدريجياً مع مرور الوقت ،بعد تجسيد أو تجسيديف ،يبدأ ىذا المجاؿ البايومغناطيسي بتسجيؿ
الخاصيات األخبلقية في الحياة ،فيبدأ تدريجياً باستعراض األلواف المتعمقة بالخير والشر ،يبدأ بتمثيؿ
القسـ الخفي فينا ويروي القصة الحزينة المتعمقة بنا .قصة الفرد الذي بقي وسط حكمة عظيمة غير
ممموس مف قبؿ الحقيقة التي ىو بحاجة ماسة ليا .وفي يومنا الحاضر ،مع ضغوط وارباكات كؿ
ساعة ،مف الواضح أنو وجب حصوؿ انتصار لمروح عمى الجسد ،وجب حصوؿ انتصار لمسبب
عمى النتيجة ،وجب حصوؿ انتصار لمواقع عمى األوىاـ .نحف نعيش غالباً في عالـ مف األوىاـ.
وكما ىناؾ وجود مادي لنا اآلف ،كؿ العناصر التي نتألؼ منيا وكؿ العادات التي لدينا والمؤسسات
التي لدينا والترفيو الذي نختاره واألفكار التي نحوزىا بخصوص التعميـ ،..كؿ ىذه تمثؿ جزء لما
يمكف أف نسميو إلتباس الجيؿ ،وىي جميعاً تمثؿ جزء مف الجانب السمبي لممجاؿ البايومغناطيسي
لمفرد .بينما نعيش في المجاؿ السمبي فنحف نتفاعؿ مع العوامؿ السمبية .ورويداً رويدأً تقوـ ىذه
العوامؿ السمبية بتدميرنا ،أو عمى األقؿ تفقر القيـ الروحية بداخمنا ،إلى أف تصبح في النياية ألواف
األشكاؿ المضيئة لممجاؿ البايومغناطيسي بداخمنا ضبابية وقاتمة وكئيبة .المجاؿ البايومغناطيسي
لمدمف المخدرات مثبلً ىو شيء يدعو لمكآبة .المجاؿ البايومغناطيسي لمفرد الذي ليس لديو أي
195
طريقة الحكيم
استقامة أو تكامؿ أخبلقي وال قيـ والذي يعيش في الجيؿ ىو مجاؿ سيء جداً .باإلضافة إلى ذلؾ،
مع كوف ىذا المجاؿ البيومغناطيسي سمبي فيذا يجعمو يديـ نفسو مف ضمف نفسو ،ورويداً رويداً الفرد
الذي أصبح تدريجياً أكثر فساداً وش اًر ،نجد أف ىذه السمة تتزايد تمقائياً ،إلى أف يصؿ أخي اًر إلى نقطة
بحيث عميو التغيير أو يفقد كامؿ قيـ التجميات السابقة التي خاضيا قبؿ ىذه الحياة.
يأتي وقت في ىذه الحالة الغريبة بحيث وجب حصوؿ تحوؿ كامؿ مف السمبي إلى اإليجابي .وجب
أف يحصؿ حركة مف جانب الفرد بنية ضبط حياتو الداخمية ووضعيا في نظاـ .عميو أف يدرؾ بأنو
ما مف طريقة لميروب مف عواقب أفعالو .يمكنو اليروب مف إرىاب المستبديف والطغاة وكذلؾ يمكنو
اليروب مف إرىاب العواصؼ والكوارث المختمفة ،لكنو ال يستطيع اليروب مف إرىاب عواقب سموكو
الخاطئ .لذلؾ يجد الفرد رويداً رويداً ظيور ألـ مف داخؿ نفسو .المجاؿ البايومغناطيسي يصاب
بأزمة ،ووسط أزمتو يفشؿ في دعـ الشخصية ،وال حتى ىو قادر عمى االىتماـ بالمشاكؿ الصحية.
والمجاالت األثيرية المختمفة لـ تعد تحمي الفرد بأي طريقة ضد اإلصابات المتنوعة .لقد تـ استنزاؼ
القوة اإليجابية بالكامؿ .كؿ الطاقات المختمفة قد أسيء إستخداميا وتـ ىدرىا حتى لـ يبقى شيء.
في ىكذا ظروؼ سيئة دائماً تأتي فترات في حياة الفرد حيث عميو التغير لكي يحافظ عمى بقائو.
وغالباً م ا ال يتـ تحقيؽ ىذا التغيير حتى مشيد فراش الموت .حينيا ،قبؿ نياية كؿ شيء ،يفطف
الفرد فجأة فداحة األخطاء التي اقترفيا .وايمانو ليس كبي اًر بما يكفي ليكشؼ لو عف حقيقة أنو ميما
فعمو فإف الخبلص أمر حتمي .عميو أف يستمر في السير إلى األماـ ،عبر الحيوات المتتالية ،حتى
ينمو إلى ما وجوب أف يكوف .ومع اختفاءه مف ىذه الحياة وبحالة محزنة جداً ،سوؼ يبقى االنتصار
النيائي أمر حتمي .حيث كؿ شيء تـ خمقو مف قبؿ العقؿ اإلليي واليد اإلليية عميو أف يمر بسبلـ،
عميو أف يحقؽ غايتو النيائية وينجز ذلؾ الذي ىو مرصود .وىكذا نجد بأف الفرد في حالتو الجسدية
اختار بنفسو تدريجياً نتائج تضميمو وانخداعو .لـ يعد يممؾ صحة جيدة وال لديو راحة باؿ ،لديو
مخاوؼ وكوابيس ،وينمي أنواع مختمفة مف العادات في مجيود منو ليمتمس نوع مف المساعدة أو
القوة ،لكف ىذا النوع مف القوة التي يجدىا تجذبو نحو المخدرات والكحوؿ وبالتالي لف توصمو إلى أي
مكاف .كؿ شيء يسوء رويداً ويداً ،حتى يصبح الفرد في النياية مجرداً مف كؿ طاقاتو وقواه نتيجة
سوء استخداميا ،نجده يتوصؿ في النياية إلى مواجية نفسو وىذا ما عميو فعمو.
196
طريقة الحكيم
لدينا أيضاً تشبيو آخر لنذكره .العالـ كما نعرفو ىو أيضاً كائف قائـ بذاتو .الكوكب الذي نعيش فيو
ىو شخص .ليس شخص كما نعرفو بؿ شخص بصفتو تكامؿ مف صفات الوعي المتنوعة والقادرة
عمى المحافظة عمى غاياتيا الجوىرية المتمثؿ بدعـ الحياة في الفضاء .ىذا الكوكب ىو معرض
أيضاً إلى نتائج إرباؾ القوة وسوء استخداميا والتي نراىا حولنا كؿ يوـ .حتى الكوكب لديو ثوبو
الذىبي الخاص ،ويحوز أيضأ عمى مجالو البايومغناطيسي وعباءة الصبلح والتقوى .لكف ىذه جميعاً
ايضاً تعرضت لمضرر كما حصؿ ضرر عند اإلنساف ،وذلؾ بسبب الفشؿ في مكمبلت الحياة .لكف
في حالة الكوكب فاألمر مختمؼ قميبلً .الكوكب لو عبلقة أخرى وىي تجعمو مضيفاً أو يمكننا القوؿ
المرشد أو الوالد ألشكاؿ الحياة المختمفة التي تنمو وتتكشؼ داخؿ الكوكب .الكوكب إذاً ىو في
الحقيقة مكاف لمنمو والعيش والتطور والتقدـ .لكف تمؾ األشياء التي وضعت في الكوكب لتنمو
وتعيش وتتقدـ ،إذا ساءت حالتيا عبر انحراؼ توجييا ،عندما يتـ تحريؼ وسوء استخداـ كافة
الفرص التي منحتيا الطبيعة فيذا يجعؿ الكوكب يصاب بالمرض .يصبح عاجز عف تحقيؽ مصيره،
بحيث يعجز عف صنع األشياء التي عميو صنعيا لنا ألننا استنزفنا كامؿ مصادره الطبيعية وذلؾ
عبر سوء االستخداـ .لقد استنزفنا قوتو وجمالو وحكمتو ومحبتو وكؿ ىذه األشياء ،حتى لـ يبقى
شيء ،ويبقى لدينا أجساـ خاوية وعقوؿ فارغة .وفي ىذه المحظات مف الق اررات الحاسمة تتدخؿ
قوانيف الحياة ،ويقوؿ القانوف :ال يمكف الفشؿ ..قد يكوف ىناؾ تأخيرات وقد يكوف ىناؾ أخطاء ،لكف
عمى المدى الطويؿ وجب لؤلشياء أف تمر بسبلـ .ذلؾ الذي ُخمؽ مف قبؿ القوة اإلليية سوؼ لف
يرتاح حتى تكسب األلوىية بداخمو التفوؽ عمى باقي األشياء.
لدينا اآلف ما يمكف تسميتيا حاالت طارئة .ىذه الحاالت الطارئة ىي الحروب واألوبئة والمشاكؿ
الصحية والمشاكؿ الجوية والمشاكؿ البيئية والزالزؿ ..وكافة المشاكؿ االخرى .ىذه الكوارث الكبرى
تتشابو مع االنييار العصبي لدى الفرد ،يمكف أف نجد تشبيو ليا في القرحة المعدية وباقي الحاالت
األخرى التي تعذبنا .ىذه الكوارث الكبرى ليا مثيميا عمى المستوى الفردي في الصداع والصرع..
الكوكب المريض ىو أكثر أو أقؿ متجمي في كؿ مف الكائنات المريضة فوقو .وتمؾ األشياء التي
تعيش في حالة مرض ومتواجدة عمى سطح كوكب مريض عمييا أف تعالج وال ُيسمح ليا أف تحدث
دمار وخراب .وفقاً لمكتابات القديمة ،فإنو ممكف لعرؽ أو أمة أف تندثر كمياً نتيجة سوء أعماليا .لكف
الحياة في تمؾ األمة ال يمكنيا أف تندثر ،قوى العيش والنمو سوؼ تستمر .وليس ىناؾ أي مبلؾ
ساقط إال ووجب استرداده .بالتالي تدريجياً ،تمؾ األشياء التي تفشؿ تماماً تندثر وتزوؿ ويأتي مكانيا
197
طريقة الحكيم
أشياء جديدة بحيث يكوف لدييا كمية أكبر مف التكامؿ واالستقامة .ىذا ىو الوضع المأساوي الذي
نقترب منو في الوقت الراىف ..اإلندثار.
نحف ا ليوـ نواجو مرة أخرى عواقب سوء االستخداـ المستمر لممصادر الطبيعية .نحف في نفس موقع
مدمف الكحوؿ العجوز الذي استمر في شرب الخمر حتى لـ يبقى لديو سوى القرحة المعدية واأللـ
الشديد .خطط الطبيعة بسيطة جداً وواضحة جداً ،لكف يوجد خمفيا حقائؽ غريبة عمينا .أحد تمؾ
الحقائؽ يوجد حقيقة حتمية تقوؿ بأنو عميؾ أف تطيع واال .عندما تجد بمد أو عالـ كما ىو قائـ
اليوـ ،تجد األمر ذاتو ينطبؽ عمى مجموع األمـ ومجموع الكواكب كما نراه منطبؽ في البمدات
والمدف وفي منازلنا الخاصة .دائماً ،عندما يكوف ىناؾ شيء خاطئ سوؼ تصاب الحياة الداخمية
ويحبط بفعؿ
لمفرد بجروح .وىذا الثوب الذىبي" ،النفحة" ،الذي نبنيو تدريجياً ،يتضرر ويتأخر ُ
تجاوزات وانتياكات وفساد جيؿ غير عقبلني .لدينا طرؽ كثيرة ممكنة لفيـ ىذا الوضع ،نحف ندرؾ
ذلؾ كؿ يوـ ،نراه في كؿ صحيفة ووسيمة إعبلمية .نشاىد ىذه الحالة في كؿ مرة نشغؿ التمفزيوف،
ىذا العالـ الموبوء بالمشاكؿ .لكف ما ال تقولو لنا السجبلت بالضرورة ىو األفراد الموبوئيف
بالمشكاؿ .األشخاص الذيف نعرفيـ في نفس الحارة التي نسكنيا يمروف بنفس النوعية مف األزمات.
األزمات التي تصيب الفرد سوؼ تصيب الحقاً العرؽ بكاممو.
القوى الغامضة التي سببت بدمار أطمنطس التاريخية أصبحت اآلف تتشكؿ وتتجمع عند جذور
حضارتنا .في كؿ مكاف ال بد مف وجود االستقامة أو مع مرور الزمف عندما يصبح واضحاً أف الفرد
لف يتحرر فسوؼ يتـ إزالتو واستبدالو بفرد جديد ،والفرد الجديد يكوف لديو فرصة وبيئة جديدة ولكف
كما العادة سوؼ يكوف ىناؾ درس جديد ليتعممو في الحياة .خبلؿ دراسة كؿ ىذه األشياء يمكننا
بعض المرات أف نقوؿ ألنفسنا :ربما عمي أف أحواؿ تحسيف طبيعتي .لماذا نحف نبحث وندرس في
مجيود يجعمنا أفضؿ قميبلً مما كنا؟ نحف ندرس ونبحث ألنو في داخمنا ىناؾ شيء يتعذب ،ىناؾ
ألـ في القمب ،ويوجد قمؽ في العقؿ ،ىناؾ حصر نفسي ،وىناؾ أيضاً مساومات مستمرة عمى
تكاممنا األخبلقي ،ودائماً مع عواقب مريرة .كؿ ىذه األمور تحصؿ معنا كؿ يوـ ،وال نعرؼ ماذا
سنفعؿ حياليا .نشعر بأنو عمى أحد أف يضع قانوف لضبط ىذه األمور ،لكف ىذا مستحيؿ ،ألننا ال
نستطيع وضع قوانيف لبعضنا البعض ،بؿ عمينا أف نضع قانوف ألنفسنا والعيش وفقاً لو .والعبلج
الوحيد لممشكمة ىو ليس محاولة إيجاد تشريعات تساعدنا عمى الخروج منيا ،بؿ عبر إجراء التطبيؽ
198
طريقة الحكيم
الصحيح لممبادئ المتعمقة بسموكنا .وىذا بدأ يبدو واضحاً لنا .بدأنا نرى خطة جميمة تتعرض
لمخطر .تواجو الخطر مف أنانية وجشع األفراد .وىذه األنانية والجشع تظير في البداية مف خبلؿ
األوؿ الذي يظير أعراض المرض .ىذه الحالة ىي نتيجة المجاؿ البايومغناطيسي ،إذ ىو المؤشر ّ
حتمية لممساومة المستمرة عمى المبادئ األخبلقية واألنانية البلمحدودة والطموح الجارؼ وكؿ نوع مف
ا لفساد وانعداـ األخبلؽ .ىذه األمور سببت بمرض مصدر حيويتنا .سببت بمرض اإلمدادات التي
نحتاجيا لكي ننمو وتحقيؽ مصيرنا .ىذه العمؿ كانت معروفة جيداً لدى القدماء ،كانوا عمى عمـ جيد
بأف المصدر الكبير آلالمنا يكمف داخمنا وليس في العالـ الخارجي ،وأف العالـ يعاني ألننا عمى
خطأ ،ونحف نعاني ليس بسبب مآسي العالـ وأحزانو بؿ بسبب فشمنا في ضبط حياتنا وتنظيميا.
أصبح لدينا حضارة عالمية جديدة اليوـ ،والتي ىي االكثر تعقيداً مف كؿ ماعرفو اإلنساف مف قبؿ.
ىذه الحضارة تشمؿ كافة أنواع األفكار المتضاربة والمتطايرة حولنا .نرى أمـ حاضرة لتذىب إلى
الحرب والموت بسبب الثروة والسمطة والنفوذ والقوة .ىذه مجرد صورة كبرى لمفرد وما يحويو داخؿ
نفسو مف تناقضات وطموحات منحرفة ،حيث ىو مستعد لئلطباؽ عمى أحد منافسيو والسعي إلى
تدميره بالكامؿ .عندما تتضاعؼ أنانية الفرد تصبح مضيفة لمجموعة كائنات شريرة تسعى إلى
استدامة األنانية ونشرىا في كؿ مكاف .الكوكب بذاتو مريض واألرض تحت أقدامنا أصبحت فاسدة.
ال يوجد سوى طريقة واحدة إلصبلح كؿ ىذا ،وىي السعي إلى إجراء التغييرات بداخؿ أنفسنا .يمكف
لبعضنا القوؿ :وماذا بعد؟ لنفترض أننا أجرينا ىذه التغييرات ،كيؼ سنواجو المبلييف اآلخريف الذيف
لف يتغيروا؟ سوؼ يستمروف في الدرب الخاطئة ألبعد ما يمكنيـ وصولو .الجوابب عمى ىذا السؤاؿ
ىو بسيط جداً :ما يفعمونو سوؼ يواجيوف عواقبو بأنفسيـ .لكف عندما نتغير فيذا التغيير ىو
شخصي يخصنا فقط .ميما أصبح الباقوف سيئيف ،نحف عمى الجانب اآلخر نتحسف ونصبح أفضؿ
مع مرور الوقت .ميما كانت األخطاء التي اقترفوىا فنحف ال نحتاج إلقتراؼ أي منيا .والحقيقة
الميمة تكمف في وقت الحصاد ،عندما يحيف الوقت لرحيمنا مف ىنا واالنضماـ إلى العصور ،في
فترة النوـ بيف التجمييف ،أو فترة االستراحة خبلؿ االنتقاؿ بيف حياة وأخرى ،سوؼ نأخذ معنا كؿ
شيء كاف خي اًر ،وما مف شيء ليس لنا سوؼ يرافقنا ،وبالتالي ،رغـ معاقبتنا في الحياة العادية ،لكف
في الحياة العظيمة نحف نكافأ .وانو أفضؿ أف نكافأ لؤلعامؿ الخيرة بدالً مف المعاناة مف العقوبات
التي نعانييا جميعاً خبلؿ حصوؿ كؿ ىذه األشياء الخاطئة حولنا.
199
طريقة الحكيم
ليذا السبب لدينا الديف .الديف الذي ربما ىو أجمؿ مصدر في العالـ لموحي واإللياـ .لكنو أصبح
اآلف مقسوماً إلى مذاىب وطوائؼ مع اختبلفاتيا االجتماعية المتنوعة ،مع نزاعاتيا وحروبيا
وتناحرىا ،وعدـ التسامح بكافة أشكالو .الديف الذي وجب أف يكوف مصدر الوحدة والخير أصبح
عكس ذلؾ حيث االنقساـ والتناحر .الديف الذي ينقسـ عمى نفسو سوؼ ينيار حتماً ،كما باقي
األشياء األخرى التي تنيار .وعندما ينيار الديف سوؼ يقوؿ الناس بأنو تـ إصبلحو مف قبؿ قوة
إليية .تـ إصبلحو ألف كؿ فرد يعرؼ الحقائؽ قد غير توجيو ،وفي تغيير توجيو تغير مصير
العقيدة .لكف ىذا غير صحيح ،حيث الديف الموحى مف السماء ليس بحاجة إلى إصبلح بؿ نحف
تحسف الفرد ،ىذا ىو عالمو الخاص ،لقد تـ خمقو مف أجؿ
بحاجة لئلصبلح .كؿ شيء يبدأ مف ّ
خير سوؼ
كمالو .لقد وجد في ىذا العالـ لكي ينمو ويجني موقعو في منزؿ الكوف الكبير .كؿ شيء ّ
يأتي عبره ،وسوؼ يأتي إليو مف مصدر الخير العظيـ .الحكماء الكبار الذيف جاؤا ليعمموا البشرية
ويجمبوف ليا التشجيع والقوة والخبلص .األمر مشابو لحالة المدمف عمى الخمر والذي أصبح مريض
جداً ،فيجمبوف لو أحدىـ ليقنعو لمتخمي عف عادتو السيئة ،فيجمبوف لو طبيب مثبلً ليقنعو بالتوقؼ
والتخمص مف ىذه العادة ومف ثـ يستمر في حياتو .كذلؾ الحاؿ يوجد أطباء لمروح ،والذيف جاؤوا
لمساعدتنا .ليس ليقوموا بالعمؿ بالنيابة عنا ألنيـ ال يستطيعوف ذلؾ ،بؿ يميمونا لكي نقوـ بالتغيير
بأنفسنا ألف ىذا التغيير ىو جوىري بالنسبة لنا ولحسف بقائنا.
القميؿ مف التغيير فحسب ىنا وىناؾ في منظومتنا االجتماعية سوؼ يساىـ في تخفيض مستوى
حاالت الطبلؽ بنسبة .%53القميؿ مف التغيير في بعض شرائعنا وقوانيننا سوؼ يساىـ في
تخفيض الجنح التي يقترفيا الشباب الصغار .ىذه المواضيع تمثؿ مجاالت ميممة ونحف ننتظر
صدور قوانيف حكومية لتغيير ىذه األوضاع السيئة .لكف الجية الوحيدة التي تستطيع تغييرىا ىي
العائمة ذاتيا ،مف خبلؿ الترابط والتوافؽ فيما بيف أفرادىا ،األبويف واألوالد ،متحدوف معاً لفعؿ كؿ ما
ىو صائب وسميـ .رغـ وجود مف يسقط مف عمى اليميف ومف يسقط مف عمى اليسار ،لكف العائمة
المستقيمة سوؼ لف تتأثر أبداً بالظروؼ المحيطة .كؿ اإلنجازات التي يمكننا تحقيقيا ،إذا كانت
صائبة فيي خالدة .ىكذا كانت تقوؿ الكتابات القديمة ،كمما تـ استعراض حقيقة معينة ،كانت ىذه
الحقيقة تتمقى أجنحة وتتحوؿ إلى مبلؾ .الحقائؽ تصبح خالدة .الوقائع تصبح خالدة .الذيف
يتمسكوف بيا ويتعايشوف معيا سوؼ يكسبوف خمودىـ الخاص .ذلؾ الذي يمثؿ الحقيقة ال يمكنو أف
233
طريقة الحكيم
يموت .ذلؾ الذي ىو خاطئ ال يمكنو أف يعيش .ىذا ينطبؽ عمى األمـ كما عمى المنازؿ وكؿ شيء
آخر .ىذا يصبح جزء مف موروثنا الثميف .يصبح جزءاً مف أمؿ المجد لدينا.
نحف نعرؼ اليوـ بأننا وصمنا إلى نقطة حرجة .وعمى كافة موارد الحضارة أف تتوحد إلنجاز تحوؿ
إيجابي لغاية وجودنا .نحف لف نندثر أو نتوقؼ عف الحياة إذا لـ نصنع التغيير ،لكف سوؼ نعود مرة
أخرى إلى الحياة الشاقة مع الكفاح والصراع والمعاناة لنكسب مرة أخرى ما نسيء استخدامو اآلف
وىي المعرفة والحكمة في الحياة .طالما ىناؾ أنانية سوؼ يبقى ىناؾ ألـ .طالما ىناؾ جشع سوؼ
يبقى ىناؾ معاناة .طالما ىناؾ كره وحقد سوؼ يبقى ىناؾ أحزاف .وجب التغمب عمى كؿ مف ىذه
األمور السمبية .ومدارس الحكمة القديمة أنشأت نظاـ التممذة ووضعت أحكاـ وقوانيف مختمفة لتطوير
وانماء الشخص الذي أراد أف ينمو .الذي أراد أف يكوف أفضؿ .وكؿ ىذا يستند عمى حقيقة أنو عمى
الشخص ذاتو أف يقوـ بالمجيود .عميو أف يقرر بحؽ وبصدؽ .لـ يكف قادر حتى عمى محاولة
اكتشاؼ إف كاف ما يفعمو ىو صحيح أـ ال .كاف عميو أف يقرر ىذا األمر بنفسو أيضاً .إذا كاف
عمى حؽ فكاف يثبت ذلؾ مف خبلؿ حكمتو وتفيمو ،واف كاف مخطئ كاف يعجز عف إثبات أحقيتو.
واذا لـ ينمو فكاف يحاوؿ مرة أخرى .عمى كؿ شيء أف يأتي مف المجيود الصادؽ إلحراز النصر
عمى مركزية النفس وعدـ المباالة.
نحف اآلف نوجو كبلمنا إلى الجيؿ الحالي والذي ُيشار إليو عموماً بجيؿ المرح ووالمتعة والميو .األمر
الوحيد الذي يميزه ىو أنو ال يوجد في الحقيقة الكثير مف المرح والمتعة في ىذا الجيؿ .وسوؼ لف
يكوف ىناؾ مرح ومتعة في المستقبؿ طالما بقي ىذا الجيؿ عمى ما ىو عميو .ألف المجيود نحو
المتعة والمرح ليس محكوماً بأي شيء .ما ىي المتعة؟ معظمو مسرؼ ومبذر ومتيور ،مع الكثير
مف قمة األخبلؽ ،وكافة أنواع التنافسات التافية ،والكثير مف األخطاء في العمؿ الجاد .مجاؿ الترفيو
المنحرؼ وكؿ ىذه األمور تسمى متعة .نحف نمضي معظـ ساعات اليوـ الواحد أماـ التمفزيوف،
وماذا نشاىد؟ ال شيء يفيدنا في حياتنا إطبلقاً .نحاوؿ أف نأخذ تمؾ البذرة الصغيرة بداخمنا ،بذرة
الخمود ،ونتوقع منيا أف تصمد في بقائيا تحت كؿ ذلؾ القصؼ المستمر لمعوامؿ السمبية .كؿ
شخص لو طريقتو في تمتعو في الحياة .الناس الذيف يتجولوف اآلف وسط كؿ تمؾ الوسائؿ الترفييية
التي نسمييا ممتعة ،ىؿ ىـ يتمتعوف فعبل؟ ىـ عمى األغمب يصرفوف األمواؿ وغالبيـ يصحوف في
الصباح التالي واقعيف في ديوف أو مرضى أو حتى أموات .لذلؾ عمينا أف ننظر حولنا حيث يوجد
231
طريقة الحكيم
كؿ أنواع األشياء الرائعة والمثيرة لبلىتماـ التي يمكننا فعميا .أشياء تساعدنا عمى التعمـ ونزيد مف
الوعي والنمو لدينا .ىناؾ الكثير مف الطرؽ التي تساعدنا عمى النمو بسعادة وفرح .ىناؾ الموسيقى
والفف واألدب ،وىناؾ أنواع كثيرة مف اليوايات ،وغيرىا مف نشاطات يمكننا مف خبلليا تعمـ شيء
يفيدنا .يمكننا مف خبلليا النمو حيث ندمج المتعة مع التعميمات ونخرج مف كامؿ الموضوع مع قميؿ
مف التنور وبعض التقدير لروائع الحياة .لكف بدالً مف ذلؾ نجمس جامديف أماـ التمفزيوف ونشاىد
القتؿ والسرقة والغدر وغيرىا مف مؤثرات سمبية والتي ىي ليست حقيقية أصبلً .ىي مجرد منتجات
معروضة لمبيع ،وقد اشتريناىا وتمتعنا بيا ،دوف أف يكوف ليا أي فائدة حقيقية .ىذا أمر سيء جداً.
نحف نقع ليا بسيولة ،لكف عمينا أف نخمص أنفسنا منيا كأفراد .واذا تخمصنا منيا سوؼ نكتشؼ بأننا
أكبر بكثير مف ىذه األمور التافية.
ليس ىناؾ أي سبب يجعؿ المجاؿ البايومغناطيسي ألجسامنا مموثاً بالشوائب .ليس ىناؾ أي سبب
ليدفع الفرد إلى تخفيض مستوى مبادئو األخبلقية فقط مف أجؿ المحافظة عمى أوقاتو الممتعة .إذا
كاف وقتو منخفضاً عميو أف يرتقي فوؽ مستواه بدالً مف االنخفاض معو .إذا كاف ىناؾ أمور وجب
أف يفعميا لكنو ييمميا ألنو يفضؿ التمتع بوقتو ،فقد آف الوقت لكي يصحو مف غفوتو .جميعنا اليوـ
نسعى ونكافح مف أجؿ غاية مقدر ليا مسبقاً أف تفشؿ .وال يمكننا االعتماد بالضرورة عمى اآلخريف
ليحددوا لنا مسارنا .لكف يمكننا أف نحاوؿ بقدر ما يمكف أف ال نشترؾ بأي عمؿ يساىـ في إفساد
الحياة .بؿ عمينا أف نفعؿ كؿ ما يمكف لكي نجعؿ الحياة أفضؿ .عمينا أف نفعؿ كؿ ما بوسعنا لكي
نجعؿ أنفسنا أكثر توافقاً مع وظائفنا في الحياة .لو أننا نستطيع رؤية التركيبة الخفية لئلنساف ،كؿ
ذلؾ الكـ اليائؿ مف القوة الذبذبية المتنوعة ،وتأممنا بكؿ تمؾ العصور التي تتطمبيا بناء ىذه األجساـ
الفائقة التعقيد ،وكيؼ تـ إنعاشيا وتفعيميا ،حتى تـ إنتاج مخموؽ مفكر ييقؼ عمى رجميف ،ويحوز
بداخمو عمى بذور خموده .لدينا كؿ ىذه األشياء لكننا لـ نحافظ عمى اإليماف بيا .وألننا لـ نحافظ
عمى إيماننا بيا عمينا أف نتوقؼ اآلف ونعود لنبدأ مف البداية .ال يمكف لومنا عمى فعؿ ما ىو صائب
وسميـ بالنسبة لنا .حتى لو العالـ بأسره ال يحب ىذا العمؿ فسوؼ لف نقمؽ أو نيتـ ،ألننا في النياية
نمثؿ جميعاً شخص واحد .لكف بوجود شخص واحد فقط عمى حؽ ،فيذا ىو سر الحوزرة عمى
مسمؾ الحؽ والصواب واالستقامة.
232
طريقة الحكيم
في الزمف القديـ كاف ىناؾ أقمية ،والذيف مثموا األرواح العظيمة التي قادت اآلخريف .اليوـ نحف في
عالـ مختمؼ .نحف في عالـ بحيث وجب عمى األرواح العظيمة أف تبرز مف الناس العادييف في
األرض .وبعد ذلؾ يسعوف إلى صياغة قوانيف بسيطة لئلنسانية بحيث تطغي عمى القوانيف
والممارسات الزائفة لجيمنا الحالي .عمينا أف ندرؾ بأنو مف واجبنا السعي إلى إنماء ىذا الجسـ
الروحي بداخمنا ،وانو مف حقن ا وامتيازنا أف نتحكـ بطريقة نمو حياتنا الداخمية .رغـ أف اآلخريف قد
يكونوا غير سعداء ،حتى نحف قد نبقى كذلؾ ،لكف إذا كنا نفعؿ أفضؿ ما يمكف فسوؼ يكوف ىناؾ
الخير ىو نوع مف الصبلة ،بينما العمؿ الشرير ىو لعنة .لدينا الكثير مف
مكافئة معينة .العمؿ ّ
المعنات في عالمنا لكف ليس ىناؾ سوى القميؿ مف الصموات .الصبلة مف أجؿ الخير ىو مف
األشياء البسيطة التي نفعميا لنساعد أحدىـ في مشكمة أو نساعد أوالدنا لمبقاء ضمف نطاؽ المبادئ
األخبلقية .ابدأ بتربيتيـ لكي يكونوا عمى صواب ،وال تسمح ليـ باتباع طريقنا المنحرؼ .كؿ ما
يمكننا فعمو كأفراد سوؼ نفعمو في غياب أي إمكانية لمعقاب عميو .لكف معظـ ما نفعمو اآلف نجد أف
العقوبة أمر حتمي وواضح .دعونا نحاوؿ أف نفعمو بشكؿ صائب .نحاوؿ أف نكوف عمى توافؽ مع
التقدـ إلى األماـ ،عمى توافؽ مع القانوف.
بالعودة إلى فكرة الزواج مف الحمؿ المذكورة في بداية ىذا الموضوع ،الزواج مف الحمؿ ىو بكؿ
بساطة االتحاد بيف روح الفرد والروح العالمية ،أو عودة الروح الفردية إلى الروح الكمية والتي ترشد
قوة الحياة دائماً وبداً .نحف ال نعرؼ إلى أيف تتوجو الحياة بالضبط ،لكننا نعرؼ أيف تذىب لفترة
قصيرة عمى األقؿ ،لكننا ال نعرؼ ما يقبع في نياية طريؽ الكائف البشري .كافة المعمميف العظماء
في العالـ أعطونا صورة مشرقة ومجيدة عف ذلؾ الذي ينتظرنا .لقد أعطونا الرؤيا عف ذلؾ الذي
يزور أولئؾ الذيف يتجاوزوا أخطاء وعيوب زمانيـ .وقد ُمنحنا عدة ديانات عظيمة ،التي قد تختمؼ
في أسمائيا لكنيا متطابقة جوىرياً في تعاليميا .لكف فقط أولئؾ الذيف يعيشوف الحياة الصحيحة
يستطيعوف معرفة الصيغة الحقيقية لتمؾ التعاليـ .يمكننا عيش تمؾ التعاليـ تدريجياً وبطرؽ معينة
تتناسب مع أوضاعنا .ومف خبلؿ عيشيا سوؼ ننمو مف حيث الصبلح واالستقامة .ىذا ليس أمر
صعب بؿ ىو وظيفتنا أصبلً ىنا في الحياة .كؿ ما عمينا فعمو ىو التحضير لعيش حياة معتدلة
ومتواضعة .الطموحات الزائفة سفحت العصور .أمجاد االسكندر ذىبت دوف رجعة ،القيصر مات
وذىبت سمطتو إلى األبد ،ىتمر وموسيميني ذىبوا في طريقيـ ،كؿ الدكتاتورييف العظماء غادروا ولـ
يتركوا شيئاً خمفيـ سوى صروح مف الحزف واألسى .الطغاة الصغار أيضاً ينتظرىـ نفس المصير.
233
طريقة الحكيم
الذيف يممكوف عمؿ معيف ثـ يفمسونو بسبب طمعيـ في الربح ،كؿ أنواع الجيود لغاية الثراء عمى
حساب إفقار اآلخريف ،كؿ ىذه األشياء تمثؿ طريقة حياة سيطرت عمى أغمبية الناس اآلف .وىي
طريقة حياة أدت إلى تجريدنا مف استقامتنا األخبلقية .نستطيع ابتكار أشياء كثيرة لكننا ال نستطيع
معرفة كيؼ نستخدميا .وذاؾ الذي ال نستخدمو سوؼ نسيء استخدامو .لدينا طرؽ كثيرة لمحصوؿ
عمى األشياء ،لكف ليس الكثير مف الطرؽ الصائبة الستخداميا .لتحصؿ عمى شيء يعني الحصوؿ
عمى قوة ،مع أنيا في الحقيقة مجرد فرصة لمنمو.
في ىذه الفترة بالذات نحف نواجو تحوؿ كبير نحو تغيير جذري وىائؿ .رغـ كؿ المساوء التي يحممو
ىذا التغيير إال انو يجمب بعض األشياء الجيدة .ىو ال يحمؿ أخبار سيئة بالكامؿ ،بؿ ىناؾ مجيود
ىائؿ ُيبذؿ اآلف ،حيث الناس في حالة نمو أكثر مف أي وقت مف قبؿ .أصبح ىناؾ سبب حتمي
لئلعتقاد بأف الفرد بدأ يعمـ بأنو ليس كائف يحوز عمى إرادة حرة بشكؿ مطمؽ بؿ ىو مخموؽ يخضع
لمقانوف ،وىذا القانوف ىو قانوف الحكمة والرحمة .بدأ الفرد يدرؾ أكثر وأكثر بأف خبلصو يأتي مف
استقامتو وتكاممو األخبلقي .مف خبلؿ إدراؾ ىذه الحقيقة والعيش وفقيا ،يمكننا تقديـ مساىمة قوية
إلى مستقبؿ عرقنا .ليس ىناؾ سبب يمنعنا عف فعؿ شيء كؿ يوـ لتبرير االعتقاد بأننا نعمؿ فعمياً
لغاية خيرة.
خبلؿ وجودنا ىنا محاوليف فعؿ شيء لكي نساعد بقدر ما نستطيع ،نحف ممتنيف بشكؿ كبير
لممساعدة التي تمقيناىا ،ثـ نكتشؼ فجأة بأنو في عالمنا الصغير ىذا ىناؾ أناس يريدوف أف يعيشوا
بشكؿ جيد ،ويريدوف أف يعمموا ما ىو أفضؿ ،ويريدوف أف يفكروا بشكؿ أفضؿ ،يريدوف أف يضيفوا
إلى محتوى الحياة .لقد سئموا مف سيرات الميو وجمسات السمر والمشروبات ،لقد سئموا مف البذخ
والتبذير ،وازداد أذاىـ مف المسكرات والمخدرات ،واآلف أصبح المرض األخبلقي يشتد ساعده عمى
عرقنا البشري .لقد أصبحنا وسط دليؿ كبير وواضح عمى أننا مخطئوف .لـ نعد واثقيف اآلف ما ىو
وخير وصادؽ .الصواب ىو شيءالصائب وما ىو الخاطئ .نحف نعمـ مثبلً اف الصواب ىو جميؿ ّ
يمكننا تعميمو ألوالدنا دوف خجؿ .الصواب ىو شيء يمكننا محاولة عيشو كؿ يوـ دوف اعتذار مف
معيف مف حياتنا لمفائدة .لقد شددنا بشكؿ مبالغ بو عمى موضوعأحد .الصواب ىو تكريس قسـ ّ
الحرية ،وعمى الحقوؽ الفردية .أصبح لدى الفرد شعور بأنو مبرر تماماً ىجر عائمتو وترؾ أصدقائو
واالنقبلب عمى وطنو ،فقط مف أجؿ أف يكوف ح اًر .ما ىي الحرية؟ بالنسبة لو ،الحرية ىي بناء
234
طريقة الحكيم
تدريجي لقفص ،والذي مجرد أف قبض عميو سوؼ يتحوؿ إلى ما ىو أسوأ مف عبد .الحرية في
الحقيقة ىي نوع مف االستعباد الذاتي بالنسبة لمعظـ الناس .الحرية اليوـ ىي وضع الفرد لمتعتو
وأىوائو قبؿ الخير العاـ وقبؿ مصمحتو الحقيقية .مف خبلؿ النظر حولنا نرى النشوء التدريجي لمديف
لكف بطريقة جديدة .نحف نقترب أكثر وأكثر إلى وحدة اإليماف .وىذا سيمثؿ خطوة ىائمة في االتجاه
الصحيح .نحف أيضاً نتوصؿ إلى إدراؾ حقيقة أف الديف ىو ليس القياـ بفرائض معينة أو اإللتزاـ في
حضور أماكف العبادة .بؿ ىو عممية جمب حقائؽ الحياة إلى المنزؿ والى العائمة والى مكاف العمؿ.
الديف الحقيقي يكمف في الدكاف ،في المنزؿ ،في المدرسة ،في المستشفى ،وفي المحاكـ .الديف ىو
ليس شيء نتحدث فيو عف البلىوت والتفسيرات المختمفة التي غالباً ما تكوف خاطئة .بؿ ىو عيش
الشريعة الذىبية التي يعرفيا كؿ ديف في العالـ ،وأف ندرؾ بأنو بالرغـ مف تقدمنا وارتقائنا التقني
والعممي ،إال أننا ال نستطيع النمو فوؽ الوصايا العشر مثبلً أو الموعظة عمى الجبؿ لسيدنا المسيح،
ىذه ثوابت حتمية وأبدية .نستطيع أف نخرقيا لكننا سوؼ نعاني بعدىا .ويمكننا االلتزاـ بيا وسوؼ
تصبح حالتنا أفضؿ .وىذا شيء عمى كؿ فرد أف يفعمو بنفسو ،ىو لف يفعميا ألف جاره يفعميا أو ألف
مجتمعو يفعميا .لكف حتى لو مجتمعو يفعميا ،إذا لـ يكف األمر تكريس شخصي نابع مف الفرد
فسوؼ لف تجمب نياية لجيمو وسوء استخداماتو لمسمطة.
لذلؾ نأمؿ أف يتذكر كؿ فرد بأف ىذا الثوب الذىبي ،أي "النفحة" اإلليية ،ىو ثوب المحبة اإلليية.
ىو ارتقاء الحب منتص اًر .ىو الديميؿ عمى أنو عندما نحب بصدؽ فسوؼ نخدـ دوف مقابؿ ،وعندما
نحب فعمياً فإننا نعطي دوف مقابؿ ،بينما إذا كانت عواطفنا زائفة فنحف نأخذ .مع ىذا نحوز أيضاً
عمى اإللياـ والذي أصبح لدى معظـ الناس يعتبر غريب .بالكاد نحب مف ىو قريباً منا اآلف،
خصوصاً إذا تدخموا في طموحاتنا .كما أننا سوؼ نيجر القريبيف منا إذا تدخموا في حريتنا .كؿ
شيء بالنسبة لنا وجب أف يتعمؽ بالحرية .لكف في الحقيقة ،ليس ىناؾ أنساف جاىؿ وحر بنفس
الوقت .وليس ىناؾ إنساف منخرط في شؤوف دنيوية ويمنح أىمية لممواضيع المادية والمجردة مف
األخبلؽ يكوف ح اًر .جميعنا عمينا إدراؾ حقيقة أف الحرية تعني االمتياز بأف نكوف عمى حؽ .وىذا
االمتياز يعود لنا جميعاً ،ومكافئتو ىي الحرية مف كوارث أخطائنا .وليس ىناؾ أي طريقة تجعمنا
نربح ىذه المعركة .أنظروا إلى السماء ،أنظروا إلى النجوـ ،سوؼ يمر زمف طويؿ جداً قبؿ أف
نتمكف مف الييمنة عمييما ،أو الخروج إلى الفضاء واستكشافيما ،أو زيارة أحد األجراـ.
235
طريقة الحكيم
ال نستطيع تغيير البلنيائي .لكننا لسنا بحاجة إلى ذلؾ .ألف البلنيائي ىو عمى حؽ .وليس لدينا أي
حؽ أعظـ مف حقو .والبلنيائي ىو الحب البلنيائي ،التجسيد االنيائي عبر الزمف البلنيائي والفضاء
البلنيائي .ونحف نعيش وسط ىذا الحب اإلليي ،وخبلؿ عيشنا ىذه الحالة يتغمغؿ محتواىا تدريجياً
إلى داخمنا وينعش كينونة الروح المشعة" ،النفحة" .و"النفحة" ىي الحب بداخمنا .وبذلؾ تتحوؿ الحقاً
حي .وعندما نطور ىذه الحالة ونصبح جزء مف كوف مف المحبة ،لف إلى محبة اإلنسانية لكؿ شيء ّ
نعد نقمؽ بعدىا مف خطايا الجسد .ألنيا سوؼ تصحح نفسيا بطريقة جميمة .لف يعد األطفاؿ ُيتركوف
أماـ دار األيتاـ ميجوريف ،ولف يعودوا يأتوا إلى ىذا العالـ الموبوء وىـ مرضى حتى قبؿ الوالدة.
ىذه األمور وجب أف تتغير .وجب أف يخرج مف داخؿ أنفسنا اعتبار فريد بحيث ليس فقط يساعد
عمى ىذا التغيير بؿ عندما نبدأ بالتطبيؽ والممارسة سوؼ يزداد سطوع نور "النفحة" داخمنا .حينيا
فقط تصبح قوة الروح منتصرة عمى القوة اليمجية السائدة في العالـ .كؿ شيء يكوف في أماف فقط
عند ما تسود المحبة وتصنع القوانيف .وىذه القوانيف المصنوعة مف قبؿ المحبة يمكننا إيجادىا في
كافة الديانات الكبرى حوؿ العالـ ،وىي أيضاً كامنة بشكؿ حتمي وأبدي في قمب اإلنساف.
236
طريقة الحكيم
الجزء الثالث
ً
انُٓاٌح انسعٍذج آتٍح حتًا
237
طريقة الحكيم
يطٓذ يٍ ادلستقثم
بعد التعرؼ عمى مدى قوة ونفوذ ىذه المنظومة المالية المسيطرة عمى كؿ جانب مف حياتنا ،وحتى
أنيا متغمغمة إلى داخمنا وتتحكـ بقوانا الباطنية حيث كؿ رغباتنا وآمالنا تخضع لعامؿ الماؿ كمياً ،نبدأ
بالت ساؤؿ ،كيؼ يمكف ليذا الوضع المأساوي الذي تتخبط فيو البشرية أف يزوؿ ومف ثـ يتحرر
اإلنساف مف قيوده؟ طالما أنو ما مف طريقة لفعؿ شيء مف جانبنا يمكنو التغمب عمى سطوة ىذه
المنظومة النافذة التي تكبمنا مف الخارج والداخؿ معاً ،ما ىو إذاً طريؽ الخبلص؟
في الحقيقة ،يبدو أف طريقة تفكيرنا ىي التي تؤدي بنا إلى ىذا اإلحباط بخصوص ىذا الموضوع.
مف خبلؿ التساؤالت السابقة يبدو واضحاً اننا نسينا أمر ميـ جداً ،نسينا عامؿ حاسـ وأساسي،
وسبب تجاىمنا لو يعود إلى عدـ اإليماف الحقيقي لدينا .نحف الزلنا نفترض بأننا كائنات وحيدة
موجودة في ىذا العالـ بشكؿ عشوائي وتنتظر مصيرىا الذي ىو تحت رحمة الظروؼ الفوضوية
لموجود .ننسى كمياً أي حضور إليي يرعى الوجود وكؿ ما فيو مف كائنات .ىناؾ نقطة معينة سوؼ
تتحرؾ خبلليا القوى اإلليية والتي لف تسمح أبداً بانكسار اإلنساف إلى ىذا الحد .عندما تتيقف بأنو ما
238
طريقة الحكيم
مف غاية أو حكمة الستمرار ىذا الوضع فسوؼ تتصرؼ ،لكف كيؼ ستفعؿ ذلؾ؟ ىناؾ الكثير مف
الوسائؿ والطرؽ ،نحف نتكمـ عف كياف كمي القدرة وكمي المعرفة وكمي الحكمة .وبالتالي ال أعتقد أف
ىذه الميمة تمثؿ أي مشكمة بالنسبة لو.
في الحقيقة ،لقد اطمعت عمى الكثير مف السيناريوىات المستقبمية المتعمقة بيذا الموضوع ،وجميعيا
تفترض حصوؿ الحؿ مف داخؿ الطبقة المسيطرة .ىذه الحموؿ لف تأتي أبداً مف الجماىير التي ىي
واقعة تحت تأثير يشبو التنويـ المغناطيسي بحيث ال تدرؾ بالضبط ما ىي المشكمة وأيف تتأصؿ ىذه
المشكمة ،حيث الجميع يميث في سباؽ محموـ نحو الكسب والربح والنفوذ والسمطة ظناً منيـ أف
ىكذا ىي الحياة وىكذا تأصمت وبالتالي وجب عيشيا بيذه الطريقة ألنيا األنسب .ال يمكف لمحموؿ
أف تأتي أبداً مف ىذا الوسط الجاىؿ والذي يجيؿ بأنو جاىؿ .كما يقوؿ المثؿ .." :غسيؿ السمّـ يبدأ
مف األعمى ،"..ومف ىناؾ سوؼ يأتي الحؿ ،أي مف قمب الطبقة المسيطرة.
طرؽ اإللو األعمى لـ تكف أبداً عنيفة أو ىمجية بؿ ىي دائماً تتسـ بالمحبة والمطؼ والرقة .ىي
تتجمى بطريقة سحرية بحيث ليس ليا أي تفسير منطقي نحف معتاديف عميو .ىي تتجمى كما لو أنيا
صدفة جميمة ،أو حسف حظ ناتج مف اجتماع عدة ظروؼ مواتية ،مع أنو ال يوجد في الكوف أي
شيء يحصؿ بالصدفة ،كمو محسوب ومقرر مسبقاً.
مف بيف مجموعة السيناريوىات المستقبمية التي اطمعت عمييا ،أكثر ما لفت انتباىي ىو ذلؾ
السيناريو الذي تحدثت عنو "أناستازيا" في مجموعة كتب "األرز الرناف" والتي استشرفتو مف المستقبؿ
بواسطة قدرتيا االستبصارية .سوؼ نتعرؼ مف خبلؿ ىذه القصة عمى الطريقة التي يتبعيا اإللو
األعمى خبلؿ تنفيذ إرادتو والتي ال تخمو أبداً مف المحبة.
الموضوع التالي مقتبس مف الجزء الثامف مف مجموعة "األرز الرناف" لمكاتب "فبلديمير ميغري" ،وىو
يمثؿ كامؿ الفصؿ السابع وىو بعنواف "الممياردير".
239
طريقة الحكيم
ادلهٍاسدٌش
كاف الممياردير "جوف ىايتزماف" يحتضر في الطابؽ الثاني واألربعيف مف البرج المكتبي العائد لو.
الطابؽ بكاممو تـ تحويمو إلى شقة سكنية يستخدميا بنفسو .فييا غرفتي نوـ وصالة رياضية ومسبح
وصالة طعاـ ومكتبيف ،وىذا المكاف ىو مكاف عزلتو طواؿ السنوات الثبلث السابقة .طواؿ ىذه الفترة
لـ يغادر شقتو وال حتى مرة واحدة .وال حتى أنو استخدـ المصعد السريع إلى أي مف طوابؽ البرج
األخرى حيث تقبع نواة امبراطوريتو المالية واالقتصادية والتي تعمؿ بكامؿ طاقتيا .وال أنو صعد إلى
السطح وال حتى مرة واحدة ،حيث تقبع الطوافة الخاصة والتي تكوف في حالة جيوزية عمى الدواـ
وطاقميا عمى استعداد دائـ ينتظر أوامره.
ثبلث مرات في األسبوع ،كاف "جوف ىايتزماف" يستخدـ أحد مكتبيو الستقباؿ أربعة مف أقرب
مساعديو .خبلؿ ىذه الجمسات الوجيزة ،والتي ال تدوـ أكثر مف أربعيف دقيقة ،كاف يستمع إلى
تقاريرىـ بشيء مف البلمباالة ،ثـ يصدر أوامر وجيزة في بعض األحياف .لـ يتـ مناقشة أوامر
الممياردير أبداً ،بؿ كانت تنفذ فو اًر وبحرفيتيا .قيمة رصيد االمبراطورية المالية تحت قيادتو المنفردة
تستمر باالزدياد بنسبة %16.5في السنة .حتى خبلؿ الشيور الستة الماضية ،حيث انقطع
"ىايتزماف" عف إقامة الجمسات الثبلثة أسبوعياً مع مساعديو ،لـ يظير دفتر الحسابات أي خسائر
مالية أو انخفاض في نسبة المرابح .النظاـ الذي ابتكره استمر في العمؿ تمقائياً دوف أي خمؿ.
لـ يعرؼ أحد ما ىي قيمة ميزانية الممياردير المالية .بالكاد ُيذكر اسمو في وسائؿ اإلعبلـ .لقد التزـ
"ىايتزماف" بالقانوف بشكؿ صارـ ،والقانوف يقوؿ .." :الماؿ يكره المشاكؿ."..
عندما كاف الزاؿ شاب ،تمقى النصح والتعميـ مف والده بخصوص ىذا المجاؿ ،كاف والده يقوؿ لو:
" ..دع أولئؾ السياسيوف حديثي النعمة والمغروريف ينشروف غسيميـ عمى شاشات التمفزيوف وفي
صفحات الجرائد والمجبلت .دع الرؤساء وحكاـ الواليات يمقوف خطاباتيـ لمجماىير ،مطمئنينيـ بأف
كؿ شيء عمى ما يراـ .دع المميارديرات يجولوف أماـ عيوف العامة في البمد متباىيف بسياراتيـ
الفاخرة وحراسيـ الشخصييف .ىذا ليس الطريؽ يا عزيزي "جوف" الذي سوؼ تتبعو .عميؾ أف تبقى
213
طريقة الحكيم
في الظ ّؿ وتستخدـ قوتؾ ،قوة الماؿ ،لتتحكـ بالحكومات والرؤساء واألغنياء والفقراء والموجوديف في
عدة دوؿ مختمفة .لكف وجب أف ال يحزروا مف الذي يتحكـ بيـ"..
" ..الخطة بسيطة في حدىا األقصى .أنا مف ابتكر فكرة المعونة المالية لمدوؿ النامية ،والتي تشمؿ
أسماء عديدة مف المستثمريف .وفي الحقيقة فإف سبعيف في المئة مف رأس ماؿ ىذا المشروع ىو
مموؿ مف قبمي أنا لكف تحت غطاء عدة أسماء مختمفة .في ظاىر األمور ،مف وجية نظر
الجماىير البميدة ،فإف المعونة المالية وجدت بيدؼ دعـ الببلد النامية .لكف في الحقيقة أنا ابتكرتيا
كوسيمة مجدية لجمع األتاوة المالية مف الببلد المعنية"..
" ..إليؾ مثاؿ عمى طريقة عممي :لنفترض بأف صراع مسمح نشب بيف جيتيف .إحدى تمؾ الجيتيف
(غالباً كمتاىما) تحتاج لمماؿ .فأمنحيـ الماؿ ،لكف يتـ إعادة دفعو لي مع فوائد .أو لنفترض بأف بمد
ما تمر بحالة انتفاضة أو زعزعة اجتماعية ،ومرة أخرى يُطمب الماؿ .فأمنحيـ الماؿ ،لكف يتـ إعادة
دفعو لي مع فوائد .أو قوتيف سياسيتيف تدخبلف في حالة صراع مع بعضيما ،واحدى الجيتيف تتمقى
الدعـ المالي مف أحد وكبلئنا ،ومرة أخرى يعيدوف دفع الماؿ مع فوائد .روسيا وحدىا تدفع لنا مبمغ
سنوي قدره ثبلثة مميار دوالر"..
منذ كاف في سف العشريف مف عمره ،كاف "جوف ىايتزماف" يتمتع بيذه النقاشات مع والده .بالرغـ مف
امتناعو عف الكبلـ بيكذا مواضيع في السابؽ ،قاـ الوالد بأحد األياـ بطمب حضور ابنو "جوف" إلى
مكتبو ودعاه ألف يجمس بارتياح عمى كرسي بقرب موقد النار ،بينما ىو بنفسو صنع البنو فنجاف
مف القيوة مع الكريمة التي يفضميا ثـ سألو باىتماـ .." :كيؼ تسير دراستؾ الجامعية يا جوف؟،"..
أجابو ابنو .." :ىي ليست دائماً مثيرة إلى تمؾ الدرجة يا أبي ..لدي شعور بأف األساتذة ليسوا
ضميعيف في تقديـ صورة واضحة وشاممة بخصوص قانوف االقتصاد"..
قاؿ الوالد .." :جيد ،ىذا تقييـ مبلئـ .لكف بشكؿ أدؽ :األساتذة اليوـ يعجزوف عف تفسير قوانيف
االقتصاد ألنو ليس لدييـ أدنى فكرة عنيا .يظنوف بأف اإلقتصاد ىو مف اختصاص العمماء
االقتصادييف ،لكنو ليس كذلؾ .االقتصاد العالمي ىو تحت سيطرة عمماء نفس وفبلسفة والبلعبيف
الرأسمالييف الكبار"..
211
طريقة الحكيم
" ..عندما كنت في العشريف مف عمري ،قاـ والدي ،والذي ىو جدؾ يا جوف ،بإطبلعي عمى أسرار
المجريات اإلدارية .واآلف بما أنؾ بمغت العشريف مف عمرؾ ،أعتقد بأنؾ مؤىؿ ألف تورث ىذا
العمـ"..
وىكذا بدأت ،خبلؿ الجمسات قرب موقد النار ،الدروس الحقيقية عف عالـ االقتصاد والتي لف يسمع
عنيا أحد في الجامعات .قاـ األب بتعميـ ابنو مستخدماً طريقتو الفريدة الخاصة .كامؿ اإلجراء
التعميمي تـ خبلؿ ىذه النقاشات مف القمب إلى القب ،وبنغمة طبيعية جيدة ،مع طرح أمثمة وعناصر
أخرى خبلؿ الشرح .المعمومات التي كشفيا "ىايتزماف" األب إلى إبنو كانت مذىمة .ليس ىناؾ أي
طريقة الستقاءىا مف أي مكاف آخر ،حتى لو كانت أرفع الجامعات في العالـ.
سأؿ األب .." :قؿ لي يا جوف ،ىؿ تعمـ كـ مف األشخاص األغنياء في بمدنا؟ ..أو في العالـ؟"..
أجابو ابنو بيدوء .." :قوائـ أسماءىـ منشورة في المجبلت وبالتدريج وفقاً لقيمة ممتمكاتيـ"..
مرة ينطؽ الوالد كممة "نحف" بدالً مف "أنا" .وىذا يعني بأنو اعتبر ابنو "جوف" شريكاً
كانت ىذه أوؿ ّ
كامبلً .مع أنو لـ يرغب أف يحرج والده ،لكف أجاب "جوف" قائبلً .." :اسمؾ يا والدي ليس مذكو ارً في
ىذه القوائـ"..
قاؿ األب .." :نعـ ،أنت عمى حؽ .أنا لست بينيـ .رغـ أنو فقط مرابحنا المالية السنوية تفوؽ قيمة
ممتمكات الكثير ممف وردت اسمائيـ في القوائـ .واسمي ليس مذكور معيـ ألنو عمى محفظة الفرد
أف ال تكوف شفافة ومكشوفة لمجميع .الكثير مف ىؤالء األثرياء األغنى في العالـ يعمموف إما بشكؿ
مباشر أو غير مباشر إلمبراطورتنا المالية .ىـ يعمموف عندؾ وعندي يا بني"..
212
طريقة الحكيم
قاؿ "جوف" مستعجباً .." :أبي ،ال بد مف أنؾ عبقري في مجاؿ االقتصاد .ال يمكنني تصور كيؼ
استطعت جعؿ امبراطورية كبرى أف تدفع لنا أتاوة مالية سنوياً دوف حاجة لتدخؿ عسكري .لقد
نجحت في إقامة عممية اقتصادية ىائمة!"..
أخذ "ىايتزماف" األب ينشغؿ في تحريؾ خشب الحطب في الموقد .وبعدىا ،دوف أف ينطؽ بكممة،
صب كأسيف مف النبيذ الخفيؼ لنفسو والبنو .وبعد رشفتو األولى مف الكأس بدأ يشرح قائبلً:
" ..كما تعمـ ،أنا لـ أقيـ أي عممية إطبلقاً .رأس الماؿ الذي أسيطر عميو يمنحني ببساطة إمكانية
إلطبلؽ األوامر ،وما عمى اآلخريف فعمو ىو تنفيذىا .الكثير مف المحمميف والخبراء الحكومييف في
ببلد مختمف ة ،حتى رؤسائيـ ،سوؼ يندىشوف لمعرفة أف الحالة الراىنة في ببلدىـ ليست مقررة مف
قبميـ ،بؿ مف قبؿ ما أريده أنا"..
" ..مراكز التكنولوجيا السياسية ،والمؤسسات االقتصادية ،ومراكز التحميؿ العممياتي ،والوكاالت
الحكومية في الكثير مف البمداف ،وال أي واحدة منيا تعمـ بأنيا تعمؿ وفؽ الخطوط اإلرشادية
الصارمة التي تضعيا المديريات التابعة لي .وأنا ليس لدي تمؾ الكمية الكبيرة مف الموظفيف .مثبلً،
كامؿ السياسة اإلجتماعية/االقتصادية القائمة في روسيا وكذلؾ عقيدتيا العسكرية يتـ تحديدىا
وتحريكيا مف قبؿ إحدى المديريات التابعة لي والتي تتألؼ مف أربعة عمماء نفس .كؿ مف ىؤالء
سر (سكرتير) .وال واحد منيـ يعمـ بنشاطات اآلخريف"..
لديو أربعة أمناء ّ
" ..سوؼ أطمعؾ كيؼ تعمؿ منظومة التحكـ ،إنيا بسيطة في الحقيقة .لكف أوالً ،يا جوف ،عميؾ أف
تفيـ القوانيف الحقيقية لبلقتصاد ،والتي لف تحصؿ عمييا مف أي أستاذ جامعة .حتى أف أساتذة
الجامعات يجيموف أف ىذه القوانيف موجودة .إليؾ أحد القوانيف :في ظروؼ المجتمع الديمقراطي ،فإف
الرؤساء والحكومات والمصارؼ وكذلؾ المقاوليف الصغار والكبار في كافة البمداف يعمموف جميعاً
لحساب مقاوؿ واحد ،والذي يقؼ عند قمة اليرـ االقتصادي .كانوا يعمموف سابقاً لحساب والدي،
واآلف ىـ يعمموف لحسابي أنا ،والحقاً سوؼ يعمموف حصرياً لحسابؾ"..
213
طريقة الحكيم
نظر "جوف ىايتزماف" إلى والده وبالكاد استطاع استيعاب كامؿ الموضوع .ىو يعمـ بكؿ تأكيد بأف
والده ثري جداً ،لكف ىنا أصبح الكبلـ ال يتعمؽ بالثراء بؿ أكثر مف ذلؾ بكثير ،إنيـ يتكمموف عف
قوة نافذة ،سمطة عالمية عميا ،والتي سوؼ يتـ نقميا بالوراثة إلى "جوف" .كؿ ىذه المعمومات المذىمة
ابتداء
ً لـ يتـ استيعابيا بالكامؿ بعد .كيؼ يمكف ليذا أف يكوف ،في مجتمع ديموقراطي حر ،الجميع
مف الرؤساء ونزوالً إلى مئات آالؼ الشركات والمحاؿ التجارية ،الكبرى والصغرى ،والتي مف
المفترض أنيا كيانات قانونية منفصمة ،ىي في الحقيقة تعمؿ لصالح رجؿ واحد فقط ،وىو والد
"جوف"؟
قاؿ األب مسترسبلً .." :عندما سمعت مف جدؾ ألوؿ مرة ما قمتو لؾ اآلف ،واجيت صعوبة في
استيعاب األمر بالكامؿ .ربما اآلف أنت تختبر نفس الحالة ..لكف دعني أوضح أمر واحد بشكؿ
جيد ..ىناؾ أناس أثرياء في ىذا العالـ .لكف مقابؿ كؿ شخص ثري ىناؾ مف ىو أكثر ثراء .لكف
في النياية ىناؾ مف ىو األكثر ثراء مف الجميع .كؿ األثرياء اآلخريف ،وبالتالي كؿ الذيف تحت
أمرتيـ وسيطرتيـ ،يعمموف جميعاً لحساب الرجؿ األثرى مف الجميع .ىذا ىو قانوف النظاـ الذي
نعيش وفقو"..
" ..كؿ ىذا الحديث عف العوف والمساعدة غير األنانية لمدوؿ النامية ىو مجرد خدعة .صحيح أف
البمداف المتقدمة تمنح القروض لمدوؿ النامية عبر المنح الدولية المختمفة ،لكنيا في الحقيقة تفعؿ
ذلؾ مقابؿ استرجاع مبالغ طائمة مف الفوائد عمى القروض الممنوحة .أي بمعنى آخر ،إنيا عبارة
عف أتاوى مالية"..
" ..روسيا مثبلً ،تدفع مبمغ يقدر بثبلثة مميارات سنوياً لصندوؽ النقد الدولي ،IMFوىذا المبمغ ىو
مجرد قيمة الفائدة عمى القروض الممنوحة لروسيا .الكثير مف االقتصادييف يعمموف أف التمويؿ
األساسي لصندوؽ النقد الدولي يأتي مف رأسماؿ أمريكي .يعمنوف بأف الفوائد الباىضة النسبة عمى
القروض الممنوحة تعود إلى الواليات المتحدة ،لكف إلى مف تذىب تحديداً ىناؾ ،ال أحد يعمـ .أمريكا
كبمد تمثؿ درع مجدي لمعبة الرأسمالية .وىذه البمد تعتمد عمى رأس الماؿ أكثر مف أي بمد آخر .قؿ
لي يا جوف ،ىؿ تعمـ أف أمريكا لدييا ديوف وطنية؟"..
214
طريقة الحكيم
أجابو جوف .." :نعـ يا والدي ،أعرؼ ذلؾ .والمبمغ كبير جداً .في السنة الماضية أصبح عدة مئات
مف الترليونات"..
قاؿ األب .." :إذاً ،ىذا يعني أنؾ تدرؾ بأف ىذا البمد يمنح القروض لدوؿ أخرى وبنفس الوقت
تقترض لنفسيا مبالغ ضخمة مف األمواؿ"..
لـ يعرؼ "جوف" كيؼ يجيب عمى ىذا السؤاؿ .لـ يفكر أصبلً بالجية التي تكوف امريكا مديونة ليا،
لكف خبلؿ محاولتو لئلجابة عمى سؤاؿ والده لمعت الفكرة في رأسو :كؿ دافع ضرائب في الواليات
المتحدة األمريكية يدفع لئلحتياطي الفدرالي .واالحتياطي الفدرالي األمركي ىو مصرؼ خاص وليس
ممؾ لمدولة .وبالتالي فإف كؿ أمريكا تدفع مئات المميارات مف الدوالرات لقطاع خاص يممكو أفراد ،أو
فرد واحد فقط.
................
لـ تكف حياة "جوف ىايتزماف" أبداً منغمسة بأي نشاطات منحرفة أو ضارة مف أي نوع .كاف يعيش
طريقة حياة صحية .لـ يكف يدخف أو يشرب الكحوؿ ،وكانت منظومتو الغذائية صحية تماماً ،وكاف
يمارس الرياضة يومياً في صالتو الرياضية الخاصة .فقط في الشيور الستة األخيرة توقؼ عف
الذىاب إلى صالة الرياضة .أمضى كامؿ ىذه الشيور الستة مستمقياً في الفراش في إحدى غرؼ
نومو الفاخرة ،والمزدحمة بأدوات وأجيزة طبية مختمفة .كاف األطباء يتناوبوف عمى مدار الساعة في
غرفة مجاورة مستعديف ألي حالة طارئة.
لكف "جوف ىايتزماف" لـ يثؽ أبدًا بالعمـ الطبي الحديث .كاف يشعر بأنو ال حاجة حتى لمحديث مع
أطبائو .كاف ىناؾ بروفيسور واحد ،أستاذ في عمـ النفس ،والذي كاف يمتقيو ليستفيد منو بإجابات
215
طريقة الحكيم
قصيرة عمى بعض تساؤالتو .لـ يكف "ىايتزماف" ييتـ حتى بمعرفة أسماء أطبائو ،وحتى اسـ
البروفيسور ،رغـ أنو يحمؿ مبلحظة عنو في نفسو بأنو األكثر صدقاً واخبلصاً مف بيف الباقيف .كاف
البروفيسور يتكمـ كثي اًر ،لكف غالباً ما يضيؼ في ما يقولو ليس فقط عف المواضيع الطبية بؿ
اإلصرار عمى تحديد سبب المرض.
في أحد األياـ ،دخؿ البروفيسور وكمو إثارة وأعمف مف عمى الباب قائبلً .." :أمضيت كامؿ ليمة
البارحة وصباح اليوـ وأنا أفكر في حالتؾ .أعتقد بأنني اكتشفت مسبب مرضؾ! ىذا يعني أنو مجرد
أف قمنا بإزالة المسبب ،يمكننا الحديث عف شفاء عاجؿ جداً ..أه ،آسؼ سيد ىايتزماف ،نسيت أف
أقوؿ مرحباً .مساء الخير سيد ىايتزماف .كنت منجرفاً مع أفكاري"..
لـ بجيب الممياردير إلى سبلـ البروفيسور ،وال حتى التفت إليو ،لكف ىذا ليس أمر غير عادي ،ألنو
ىكذا يعامؿ جميع أطبائو .حتى في بعض األحياف يقوـ بإشارة صغيرة بيده لطبيب بالكاد دخؿ
الغرفة ،حركة صغيرة بيده ،وجميعيـ بعمموف بأنيا تعني :إرحؿ مف ىنا.
دوف رؤية أي إشارة مف يده ىذه المرة ،استمر البروفيسور في شرحو بانفعاؿ كما يمي .." :أنا ال
أتفؽ مع زمبلئي األطباء بخصوص الحاجة إلى زرع كبد جديد وكميتيف جديدتيف وقمب جديد .مع
العمـ أف ىذه األعضاء لديؾ ال تعمؿ بشكؿ جيد في الوقت الحالي .ال يا سيدي .وال حتى بأدنى
درجة .ى ذه حقيقة .لكف وال حتى األعضاء المزروعة الجديدة سوؼ تعمؿ بشكؿ جيد .السبب وراء
عدـ عمميا بالمستوى المطموب ىو حالة الكآبة الشديدة التي تعاني منيا .نعـ يا سيدي ،إنيا حالة
الكآبة .راجعت تاريخؾ الطبي أكثر مف مرة .وأعتقد بأنني حققت اكتشافاً كبي ارً .طبيبؾ المناوب ،إنو
دوف كؿ شي وبالتفصيؿ في كؿ مرة كاف يذكر حالتؾ العقمية .كانت أعضائؾ رجؿ عظيـ فعبلً ،لقد ّ
الداخمية تفشؿ في عمميا دائماً كمما دخمت في حالة كآبة .نعـ يا سيدي .إنيا حالة غريبة"..
" ..واآلف حاف وقت السؤاؿ الكبير :ىؿ فشؿ أعضائؾ الداخمية ىو الذي يسبب الكآبة؟ أو العكس
ىو صحيح ،أي :ىؿ الكآبة ىي التي تسبب فشؿ عمؿ األعضاء الداخمية؟ أنا مقتنع تماماً أف الكآبة
ىي السبب الرئيسي .نعـ يا سيدي .إنيا حالة الكآبة الشديدة لديؾ .إنيا حالة تصيب مف يتوقؼ عف
الكفاح مف أجؿ تحقيؽ ىدؼ ،ىو يفقد أي اىتماـ بما يدور حولو ،لـ يعد يرى أي غاية مف العيش.
216
طريقة الحكيم
وبعدىا يبدأ الدماغ بإرساؿ أوامر ضعيفة إلى كامؿ الجسـ .وأنا أعني كمو .كمما كانت الكآبة شديدة
كمما كانت األوامر مف الدماغ ضعيفة وواىنة .وفي مرحمة معينة قد يتوقؼ الدماغ عف إرساؿ
األوامر نيائياً ،وبعدىا يحصؿ الموت"..
" ..إذاً ،السبب الرئيسي ىو الكآبة ،ولكي نمغي ىذه الحالة بالكامؿ ،حسناً ،ىذا أمر ليس لدى الطب
الحديث أي جواب أو حؿ بخصوصو .لذلؾ لجأت إلى الطب الشعبي .واآلف أنا مقتنع تماماً بأف
كآبتؾ الشديدة ىي نتيجة لعنة .نعـ يا سيدي .وبالتحديد ،أحدىـ وضع عميؾ لعنة ،وأنا مستعد لدعـ
استنتاجي بمجموعة حقائؽ"..
كاف الممياردير عمى وشؾ القياـ بإشارة االنصراؼ بيده .ىو ال يحب موضوع المعالجيف الشعبيف،
الذيف يوعدوف بطرد الشياطيف وازالة المعنات أو تحصيف مرضاعيـ بحجب وطبلسـ ضد الكائنات
الشريرة .لطاما اعتبرىـ أشخاص مخادعيف ومجرديف مف المصداقية .ففكر في نفسو ،ال شؾ أف ىذا
رد فعؿ البروفيسور تجاه عدـ فاعمية األدوية الحديثة ،ولذلؾ لجأ إلى ذلؾ المستوى الوضيع مف
المعالجيف المخادعيف .لكف رغـ ذلؾ لـ يشير بيده النصراؼ البروفيسور .فيذا األخير سبقو بكممات
تستنيض القميؿ مف اإلىتماـ ،لكنيا مثيرة عمى أي حاؿ.
قاؿ البروفيسور .." :لدي الشعور بأنؾ تستعد لصرفي ،وربما إلى األبد .لكف أطمب منؾ ..ال ،أنا
أتوسؿ إليؾ أف تمنحني خمسة أو ستة دقائؽ فقط .مف الممكف أنو بعد أف تفيـ ما لدي قولو لؾ،
سوؼ تحقؽ شفاء كامؿ ،وأنا أكوف قد حقؽ اكتشاؼ ىاـ .مع أنني حققتو مسبقاً ،لكف فقط أريد أف
اتحقؽ منو لممرة األخيرة"..
لـ يشير الممياردير بيده أمر اإلنصراؼ .لمدة ثبلث ثواني كاممة راح البروفيسور يحدؽ إلى يد
"ىايتزماف" الجامدة مكانيا فأدرؾ بعدىا أنو يمكنو اإلستمرار في كبلمو ،وىذا ما فعمو لكف بوتيرة
سريعة ،أكمؿ قائبلً:
" ..ينظر الناس إلى بعضيـ البعض بشكؿ مختمفة .أحياناً مع عدـ مباالة ،وأحياف أخرى مع محبة
أو كره أو حسد أو خوؼ أو احتراـ .لكف العامؿ الرئيسي ال يكمف في التعبيرات الخارجية لمعيوف.
217
طريقة الحكيم
المظير الخارجي قد يكوف مجرد قناع ،كما االبتسامة المزيفة لنادؿ المطعـ أو البائع .ما ييـ ىو
الميوؿ الحقيقية ،المشاعر الحقيقية التي يكنيا أحدىـ لآلخر .كمما كانت العواطؼ التي يتوجو بيا
الناس نحو شخص معيف إيجابية ،كمما تركز داخؿ ىذا الشخص المزيد مف الطاقة اإليجابية .وعمى
الجانب اآلخر ،إذا طغت العواطؼ السمبية في الجو المحيط بالشخص ،فسوؼ يختبر تراكـ مف
الطاقة السمبية والمدمرة"..
" ..وفؽ معتقدات األىالي المحمييف ،ىذه تسمى لعنة سحرية ،والمعالجيف الشعبييف يستندوف في
عبلجيـ عمى ىذه الظاىرة .مف المؤكد أف كافة المعالجيف الشعبييف ىـ مخادعيف .النقطة الجوىرية
ىي أف الشخص الذي كاف ىدؼ لمكثير مف الطاقة السمبية مف قبؿ المحيطيف بو يستطيع ىو بنفسو
إلغاء ىذه الطاقة السمبية أو ،بمعنى آخر ،يعوضيا بطاقة إيجابية .مف خبلؿ اإليحاء لمشخص بأنو
أزاؿ منو المعنة السحرية ،وذلؾ مف خبلؿ القياـ ببعض اإلجراءات التمثيمية المتنوعة ،يكوف المعالج
الشعبي قد ساعده عمى اإليماف بأنو أصبح سميماً .إذا كاف المريض يؤمف بالمعالج ،فسوؼ يوازف
الطاقات بداخمو ويشفى تماماً .لكف إذا لـ يؤمف بالمعالج فسوؼ لف يحصؿ شيء .أنت ال تؤمف
بالمعالجيف الشعبييف وبالتالي سوؼ لف تستفيد منيـ"..
" ..لكف ىذا ال يعني أنؾ ال تحوز بداخمؾ عمى نسبة عالية مف الطاقة السمبية والتي ىي مدمرة
لعقمؾ وجسمؾ .والسؤاؿ ىو لماذا ىي طاقة سمبية؟ ألف رجؿ في موقعؾ يُنظر إليؾ مف الذيف
يحيطونو بامتعاض ،وأنا ال أعني القميؿ فقط مف الحسد غير المؤذي .ربما قد ينظروف إليؾ ،أو
حتى يعاممونؾ بكراىية في قموبيـ .ىناؾ أفراد طردتيـ في السابؽ أو لـ ترفع رواتبيـ .الكثير مف
الناس يشعروف بمدى قوتؾ فيتفاعموف معيا بخوؼ شديد .ىؿ ترى؟ كؿ ىذا يراكـ المزيد والمزيد مف
الطاقة السمبية .مف أجؿ مواجية ىذا األمر أنت بحاجة إلى طاقة إيجابية ،وىذه يمكف أف تستمدىا
مف أفراد العائمة أو األقارب ،لكف زوجاتؾ ىجروؾ ،وليس لديؾ أوالد أو أصدقاء ،وأنت ال تتواصؿ
مع أقاربؾ .أنت محروـ مف مصادر لمطاقة اإليجابية حولؾ"..
" ..الكائف البشري يستطيع إنتاج الطاقة اإليجابية مف داخمو ،وبكميات وفيرة ،وكؿ ذلؾ لوحده .لكف
لكي يفعّؿ ىذه العممية عميو أف يسدد قمبو نحو ىدؼ أو حمـ معيف ،وتحقيؽ ىذا اليدؼ تدريجياً
218
طريقة الحكيم
خطوة خطوة سوؼ يولد عواطؼ إيجابية .لقد حققت الكثير في حياتؾ لدرجة أنؾ اآلف لـ يعد لديؾ
أحبلـ أو أىداؼ لكي تسعى إلييا"..
" ..لكنو مف الميـ جداً أف يكوف لديؾ ىكذا أىداؼ وعميؾ الكفاح مف أجؿ تحقيقيا .لقد قمت بتحميؿ
الصحة العقمية والجسدية ألنواع كثيرة مف أصحاب الميف واألعماؿ .أحدىـ يحب أف يعجف العجيف
ويصنع الفطائر ويبيعيا ويكوف سعيداً ألنو جمع الماؿ ويصبح قاد ارً عمى شراء شيء يحتاجو ،ويحمـ
في تطوير مصمحتو أكثر .في النياية إنو عبر التقدـ بالمصمحة يمكنو الحصوؿ عمى الكثير مف
الخدمات والخيرات التي يمكف لمحضارة توفيرىا"..
" ..مدير مصرؼ أيضاً يكافح إلى تطوير مصمحتو ،يكافح إلى زيادة أرباحو ،لكف غالباً ما يكوف
حماسو أقؿ مف صانع الفطائر .األمر يبدو شاذ ومتناقض لكنو صحيح .حماسة المصرفي ليست
كبيرة كما حماسة صانع الفطائر .ىي ليست كبيرة لدى المصرفي ألنو يوجد القميؿ مف اآلماؿ
المغرية التي يتوقعيا بالمقارنة مع صانع الفطائر .بالنسبة لممصرفي فإف إنجازات الحضارة ليس ليا
أي قيمة بؿ تعتبر مجرد روتيف"..
" ..إذا أحدىـ ،مع مدخوؿ مالي متواضع ،سنحت لو فرصة فجأة أف يشتري سيارة ،فإف شراء السيارة
سوؼ يستنيض بداخمو شعور ىائؿ بالفرح والرضى أو حتى النشوة ،بينما الذي تكوف حالتو المادية
أفضؿ بكثير سوؼ لف يصاب باإلثارة نتيجة شراءه سيارة جديدة .بالنسبة لو يكوف األمر أقؿ مف
عادي .ىذا أمر متناقض لكنو صحيح .إف لؤلشخاص األثرياء مناسبات لمفرح والبيجة أقؿ بكثير مف
أولئؾ األقؿ منيـ ثراء"..
" ..ىناؾ عامؿ آخر يجمب الرضى والبيجة لمشخص وىي النجاح بالمنافسة .لكف بالنسبة لؾ ،سيد
ىايتزماف ،يبدو أنو ليس لديؾ أي منافسة ..لذلؾ يبدو أنو ليس لديؾ سوى طاقة سمبية تنشط بداخمؾ
وتفعؿ فعميا ،ويوجد كمية كبيرة منيا .آه ،لقد نسيت أف أذكر :ىناؾ قوة واحدة فقط والتي يمكنيا
التغمب عمى كافة أنواع الطاقات السمبية ،واحدة فقط ،لكنيا قوية ،إنيا قوية بشكؿ كبير ،إنيا تسمى
طاقة الحب .ىي تتجمى عندما تكوف مغرماً بأحد وىو يبادلؾ نفس الحب .لكف لسوء الحظ ،في
219
طريقة الحكيم
حالتؾ ،عمى أي حاؿ ،ليس لديؾ أي امرأة في حياتؾ .وفي الحقيقة ،يبدو أنو ليس لديؾ أي اىتماـ
بالنساء إطبلقاً ،وفي سنؾ وبوضعؾ الصحي ال يبدو أف ىناؾ أي أمؿ بأف تيتـ بالنساء"..
" ..يوجد الكثير مف الدالئؿ التي تثبت استنتاجي .لقد أجريت مقارنة بيف معدؿ طوؿ عمر الرجاؿ
األغنياء والسياسييف البارزيف والرؤساء عمى مدى المئة سنة الماضية .نتائج أبحاثي مغرية جداً .إف
معدؿ طوؿ عمر أكثر الرجاؿ نفوذاً في العالـ ال يبدو كبي ارً بالمقارنة مع اإلنساف العادي .وفي
الحقيقة ،ىي في أغمبيا أقؿ مف معدؿ اإلنساف العادي"..
" ..ىذا أمر متناقض لكنو صحيح .الحقائؽ ىي حقائؽ .رغـ أف الرؤساء واألثرياء يبقوف تحت
الرعاية الطبية الدائمة ،ورغـ حوزتيـ عمى أكثر التكنولوجيات الطبية تطو ارً ،ويتناولوف األطعمة
النظيفة وعالية الجودة ،إال أنيـ يمرضوف ويموتوف كما أي شخص آخر .كؿ ىذا يمثؿ دليؿ واضح
وجمي عمى حقيقة أف الطاقة السمبية المحيطة ليا تأثير ىائؿ ،وليس ىناؾ أي عمـ طبي ،حتى
األكثر تقدماً ،يستطيع إزالة ىذه الطاقة السمبية"..
" ..ما ىي خبلصة الموضوع إذاً؟ ..يوجد طريقة لمخبلص مف ىذه الحالة .قد تكوف الطريقة بسيطة،
قد تكوف فريدة مف نوعيا ،لكنيا موجودة! نعـ يا سيدي! إنيا موجودة .ىي الذكريات! ..عزيزي السيد
ىايتزماف ،أرجوؾ ،حاوؿ أف تتذكر المراحؿ المختمفة مف حياتؾ .ابحث عف أي ذكرى يمكنيا أف
تجمب لؾ مشاعر البيجة والسرور"..
" ..واألىـ مف ذلؾ ،إذا كاف ىناؾ أحدىـ قطعت لو وعد ولـ تنفذ ىذا الوعد ،وحاوؿ أف تجد طريقة
لتنفيذ ىذا الوعد اآلف .أنا أطمب منؾ ذلؾ لصالحؾ ،لصالح العمـ ،حاوؿ لمدة يوميف أو ثبلثة أف
تتذكر المحظات الجيدة في حياتؾ .لدينا أجيزة لمراقبة أداء العديد مف أعضاء جسمؾ .المراقبة
تجري دقيقة بدقيقة .إذا قمت بما نصحتؾ بو ،واذا بدأت ىذه األجيزة باإلشارة إلى نتائج إيجابية،
فسوؼ يكوف ىناؾ بكؿ تأكيد فرصة ألف تعود إلى الشفاء الكامؿ .نعـ يا سيدي! سوؼ تنجح!
سوؼ أجد طريقة بكؿ تأكيد .أو ربما سوؼ تجدىا أنت عمى طريقتؾ الخاصة .أو ربما تأتي
لوحدىا ..حياتؾ سوؼ تتجاوز األمر بطريقتيا الخاصة"..
223
طريقة الحكيم
سكت البروفيسور وراح مرة أخرى يحدؽ إلى يد مريضو المستمقي دوف حراؾ أمامو .بعد عدة ثواني
حصمت إشارة اليد المعيودة فخرج البروفيسور مف الغرفة.
....................
مثؿ الكثير مف الناس ،بدأ "جوف ىايتزماف" يتذكر ماضيو .كاف لديو عمى األقؿ شيء مف
االستيعاب لما شرحو لو البروفيسور .يمكنو أف يحاوؿ إيجاد لحظات سعيدة مف الماضي ،وربما
سيكوف ليا تأثير إيجابي .المشكمة ىي أف كؿ ما اختبره في حياتو يبدو ليس فقط مجرد مف أي
شيء مبيج وسعيد ،بؿ كاف غير مثير وعديـ المشاعر أيضاً.
تذكر "ىايتزماف" كيؼ أخذ بنصيحة والده وتزوج ابنة ممياردير ،مضيفاً المزيد مف األمواؿ
المبراطوريتو المالية .لكف الزواج لـ يجمب لو أي رضى ،تبيف أف زوجتو عاقر ،وبعد عشر سنوات
مف الحياة الزوجية ماتت نتيجة جرعة زائدة مف المخدرات.
ثـ تزوج مف عارضة أزياء والتي كاف مظيرىا يوحي بصورة زوجة محبة بشغؼ .لكف بعد الزفاؼ
بستة أشير جمب لو حراسو األمنييف صور ليا وىي تمرح مع عشيقيا السابؽ .لـ يشأ أف يناقش
الموضوع معيا .أصدر أوامره ببساطة إلى حراسو لكي يحرصوا عمى أف ال يكوف ىناؾ أي مناسبة
ليراىا أو يتذكرىا حتى.
خبلؿ استرجاعو لذكرياتو وصؿ "ىايتزماف" إلى المرحمة التي استمـ فييا زماـ األمور في امبراطورية
والده .لـ يتمكف مف تحديد وال حتى مناسبة واحدة سعيدة والتي شعر بالتعمؽ بيا واستخداميا كمصدر
لمعواطؼ اإليجابية .كاف ىناؾ لحظة واحدة سعيدة فقط والتي يمكنو تذكرىا .وىو عندما أثبت لوالده
بأنو ما مف حاجة لبقائيـ المالكيف الحصرييف لصندوؽ النقد الدولي ،حيث ىناؾ مستثمريف آخريف
في الصندوؽ والذيف يسعوف إلى مردود أفضؿ ،يمكنيـ تسخير كامؿ طاقاتيـ العقمية لزيادة رأسماؿ
الصندوؽ ،وبالتالي يعمموف لحسابيما ،أي لحساب عائمة "ىايتزماف" .استغرؽ والده بعض الوقت
وىو يفكر بالموضوع .وبعد عدة أياـ ،عمى مائدة العشاء ،كسر الجميد المألوؼ وتقدـ إلى ابنو
بالحميد وقاؿ:
221
طريقة الحكيم
" ..أنا أوافؽ عمى اقتراحؾ يا جوف بخصوص صندوؽ النقد .أنت عمى السكة الصحيحة .مبروؾ!
استمر قدماً وقـ بالتفكير بخصوص مجاالت أخرى أيضاً .لقد آف األواف لكي تستمـ زماـ األمور"..
طواؿ األياـ القميمة التالية كانت معنويات "جوف ىايتزماف" مرتفعة ومزاجو مبتيج .لقد اتخذ عدة
ق اررات أخرى وزاد مدخوؿ امبراطوريتو المالية/االقتصادية أكثر .لكف بعد ذلؾ لـ يستخمص مف عممو
أي مشاعر خاصة بالفرح .كمو صار روتيف .كانت تقارير زيادة المرابح باردة وخالية مف العاطفة .لـ
يعد يتمقى أي حميد عمى إنجازاتو .والده مات ،والحميد اآلتي مف أولئؾ األقؿ شأناً لـ تجمب لو أي
متعة مف أي نوع.
استمر "جوف ىايتزماف" بالعودة بذكرياتو ووصؿ إلى مرحمة طفولتو .لحظات المقاء النادرة مع والده
كانت شاحبة في خاطره .والده الصارـ أبداً ،بصفتو تقميد في العائمة ،كاف يقدـ النصح إلبنو في
حضور المربيات والمعممات الموات وظفيف لرعاية "جوف" الصغير.
فجأة ،جرت موجة مف الدفئ عبر جسـ الممياردير المستمقي دوف حراؾ عمى سريره .حصمت رجفة
ممتعة في جسمو .وسط ذكريات "ىايتزماف" رفعت الستارة عف مشيد ساطع وواضح .رأى الزاوية
القصوى مف حديقة منزؿ عائمتو وىناؾ ،محاط بأعشاب األكاسيا ،يقع المنزؿ الصغير الذي ارتفاعو
متريف مع نافذة واحدة .لسبب ما غامض ،جميع األطفاؿ يتوقوف إلى بناء منازؿ خاصة بيـ،
فسحتيـ الخاصة .ىذا التوؽ يكوف حاض اًر في الطفؿ حتى لو كاف يممؾ غرفتو الخاصة في منزؿ
والديو أو أنو يتشارؾ نفس الغرفة مع والديو .كافة األوالد تقريباً يمروف في فترة يندفعوف خبلليا إلى
بناء مأواىـ الخاص .يبدو أنو داخؿ كؿ رجؿ يوجد جيف خاص يحتفظ بذكرى قديمة تحثو عمى خمؽ
فسحتو الخاصة .وتمبية ليذا النداء الداخمي الذي يتولد مف أعماؽ األبدية ،يسعى الشخص إلى تنفيذه
في الحاؿ .ال ييـ مد ى عشوائية العمؿ بالمقارنة مع البيوت العصرية ،ألف الرجؿ الذي يبني منزلو
بنفسو سوؼ يستمد منو الشعور بالرضى واالكتفاء أكثر مف أي شقة أو منزؿ عمى آخر طراز.
وىكذا قرر "جوف ىايتزماف" ذو السنوات التسع مف عمره ،والذي لديو غرفتيف واسعتيف في منزؿ
والديو ،أف يبني منزلو الخاص الصغير بيديو .قاـ ببناء المنزؿ الصغير بواسطة عمب الببلستيؾ التي
تُستخدـ لزرع بذور النباتات .تبيف أف ىذه العمب أثبتت حدواىا كحجارة بناء .كانت ألوانيا متنوعة.
222
طريقة الحكيم
صنع "جوف" الجدراف مف العمب الزرقاء ،مع حدود صفراء حوؿ كامؿ محيط المنزؿ الصغير .جمع
العمب فوؽ بعضيا البعض بحيث تثبت ببعضيا تمقائياً بواسطة شكميا الذي يسمح بذلؾ .في أحد
الجدراف جعؿ "جوف" أسفؿ العمب تتجو إلى الخارج ،وىذا جعؿ الجية الداخمية مف الجدار مؤلفة مف
عدد كبير مف الرفوؼ .أما السقؼ فقد صنعو مف وضع ألواح مف الكرتوف متماسكة مف خبلؿ تثبيت
قطعة كبيرة مف النايموف عمييا جمعاً.
أمضى أسبوع كامؿ يبني منزلو الصغير ،مستغبلً ثبلثة ساعات في اليوـ ُيسمح لو خبلليا التفسح
في اليواء الطمؽ .في اليوـ السابع ،عندما حاف أواف الفسحة ،توجو مباشرة نحو منزلو الصغير الواقع
في إحدى الزوايا عند نياية الحديقة .مزيحاً أعشاب األكاسيا ،ورأى منزلو الذي بناه وجمد في مكانو
بذىوؿ .ىناؾ عند مدخؿ المنزؿ وقفت فتاة صغيرة تنظر إلى داخؿ المنزؿ .كانت الفتاة ترتدي تنورة
لونيا أزرؽ فاتح وبموزة بيضاء مع شراشيب عمى األكماـ .شعرىا الكستنائي تدلى عمى كتفييا .في
البداية ،استجاب "جوف" ليذا الوضع بالقميؿ مف الغيرة بسبب وجود غريب بجانب منزلو ،وسأؿ بنبرة
انزعاج .." :ماذا تفعميف ىنا؟"..
أدارت الفتاة وجييا الجميؿ الصغير نحوه وأجابت .." :أنا استعجب ."..قاؿ "جوف" .." :مف ماذا
تستعجبيف؟ ."..قالت .." :مف ىذا المنزؿ الصغير المذىؿ والذكي ."..سأؿ جوف بدىشة .." :ما ىو
ىذا المنزؿ؟ ."..أجابت الفتاة .." :ىو مذىؿ واألكثر ذكاء ."..قاؿ "جوف" متفك اًر .." :قد تكوف
المنازؿ مذىمة ،لكنني لـ أسمع بأنيا توصؼ بالذكاء ..فقط األشخاص يمكف أف يكونوا أذكياء."..
أجابت الفتاة شارحة .." :نعـ طبعاً ،يمكف لؤلشخاص أف يكونوا أذكياء ،لكف عندما يبني شخص
ذكي منزالً ،فيذا األخير سوؼ يتحوؿ إلى شيء ذكي أيضاً."..
سأليا "جوف" قائبلً .." :وماذا تجدينو ذكياً بخصوص ىذا المنزؿ؟"..
أجابت الفتاة .." :طريقة بناء الجدار الداخمي ىي ذكية جداً .ىو يحتوي عمى الكثير مف الرفوؼ.
يمكنؾ وضع الكثير مف األشياء المفيدة في ىذه الرفوؼ ،واأللعاب أيضاً"..
223
طريقة الحكيم
كاف "جوف" سعيداً بالطريقة التي شرحت فييا الفتاة األمور .ىذا الكبلـ أطراه ،ومف الممكف أف الفتاة
أعجبتو ايضاً .فكر في نفسو :ىذه الفتاة جميمة ،وتشرح األمور بذكاء .ثـ قاؿ ليا .." :أنا الذي بنيت
ىذا المنزؿ ،"..ثـ أضاؼ قائبلً .." :ما ىو اسمؾ؟"..
أجابتو الفتاة .." :أنا سالي ،وعمري سبع سنوات .أنا أعيش ىنا في قسـ الخدـ ،منذ أف بدأ والدي
يعم ؿ كبستاني ىنا .ىو يعرؼ الكثير عف النباتات وىو يعممني .أصبحت أعرؼ كيؼ أنمي الزىور
وكيؼ أطعـ األغصاف إلى األشجار ..وما ىو اسمؾ؟ وأيف تعيش؟"..
قالت .." :نمعبيا وكأننا نعيش في ىذا المنزؿ ،كما يعيش الكبار .يمكنؾ أف تمعب دور السيد ،طمما
أنؾ ابف السيد ،وأنا سوؼ ألعب دور خادمتؾ ،طالما أف والدي خادـ ىنا"..
قاؿ .." :ىذا لف ينفع ..وجب عمى الخدـ أف يعيشوا في قسـ الخدـ ..فقط الزوج والزوجة مع
أوالدىما يمكف أف يعيشوا في القصر"..
قالت .." :إذاً سوؼ ألعب دور الزوجة ..ىؿ يمكنني أف أكوف زوجتؾ يا جونيكنز؟"..
224
طريقة الحكيم
لـ يجيب "جوف" عمى ىذا السؤاؿ األخير .دخؿ إلى المنزؿ وألقى نظرة سريعة ثـ استدار إلى "سالي"
التي بقيت واقفة خارج الباب .وقاؿ بفضاضة .." :حسناً ،ىيا ادخمي والعبي دور الزوجة .عمينا أف
نفكر كيؼ سوؼ نزيّف الداخؿ"..
دخمت "سالي" إلى المنزؿ .نظرت إلى عيني "جوف" برقة واثارة وقالت وكأنيا تيمس لو .." :شك ارً يا
جونيكنز .سوؼ أحاوؿ أف أكوف زوجة جيدة لؾ"..
لـ يأتي "جوف" إلى منزلو كؿ يوـ .خبلؿ فترة الفسحة في اليواء الطمؽ لـ ُيسمح لو دائماً المعب في
الحديقة .كاف يؤخذ بدالً مف ذلؾ ،مع مرافقة الحراس الشخصييف والمعممات ،إلى زيارة الحديقة
العامة أو إلى ديزنيبلند ،أو الذىاب إلى ركوب الخيؿ .لكف عندما كاف يتمكف مف اليروب إلى منزلو
الصغير ،كاف دائماً يجد "سالي" تنتظره .مع كؿ زيارة إلى منزلو الصغير كاف "جوف" يبتيج
بالتغييرات الحاصمة في المنزؿ .في البداية ظيرت سجادة عمى األرض ،ساىمت بيا "سالي" .ثـ
ستائر صغيرة عمى النافذة وفوؽ المدخؿ .ثـ جاءت طاولة دائرية صغيرة مع إطار صورة فارغ
عمييا .قالت "سالي":
" ..يا جونيكنز ،إف مجيئؾ إلى ىنا أصبح يقؿ تدريجياً .أنا أنتظرؾ دائماً ،لكنؾ ال تأتي .أعطيني
صورة فوتوغرافية لؾ ،وسوؼ أضعيا في ىذا اإلطار .يمكنني حينيا أف أنظر إلى صورتؾ وىذا
سوؼ يسيؿ عمي األمر خبلؿ انتظاري لؾ"..
ترؾ "جوف" صورة فوتوغرافية لو عندما جاء ليودع القصر ،وكذلؾ "سالي" .كاف سينتقؿ مع والديو
إلى قصر آخر.
....................
ابتسـ الممياردير "جوف ىايتزماف" المستمقي عمى سريره في شقتو الفاخرة خبلؿ تذكر ىذا المقطع مف
حياتو ،بكؿ تفصيؿ منيا ،تمؾ العبلق ة الطفولية مع الفتاة الصغيرة "سالي" .فقط اآلف أدرؾ أف تمؾ
الفتاة كانت تحبو .أحبتو مف أوؿ حب طفولي ليا .كاف طائش ،غير مستجاب ،وصادؽ ومخمص.
225
طريقة الحكيم
ربما ،فقط ربما ،ىو أيضاً أحبيا ،أو ربما كانت مجرد نزوة عابرة .لكنيا بكؿ تأكيد أحبتو ،وأكثر مف
أي شخص آخر يمكف أف يحبو لباقي حياتو .وىكذا بقيت الذكريات المتعمقة بالمنزؿ الصغير في
زاوية الحديقة وتواصمو مع "سالي" تستنيض بداخمو الكثير مف المشاعر الدافئة والسعيدة .ىذه
المشاعر بعثت الدفئ في كامؿ جسمو وجعمتو يشعر بتحسف.
بعد انتقالو مف ذلؾ القصر ،التقى بػ"سالي" مرة واحدة فقط ،وذلؾ بعد احدى عشرة سنة .لكف ىذه
المرة ..مشاعر جديدة أثارت جسمو بالكامؿ .حتى أف "جوف ىايتزماف" نيض مف سريره جزئياً .راح
قمبو يضخ الدـ في عروقو بقوة متزايدة .ذلؾ المقاء ..لقد نسيو تماماً .لـ يفكر بو أبداً طواؿ ىذه الفترة
المديدة .لكنو اآلف احتؿ كامؿ أفكاره وجعمتو مثا اًر.
عاد إلى القصر الذي قضى فيو طفولتو ،عائداً بعد احدى عشرة سنة لمزيارة ليوـ واحد فقط .ىذا ىو
كؿ الوقت الذي يمكنو توفيره .بعد تناوؿ طعاـ الغداء خرج إلى الحديقة ،وبطريقة ما وجد نفسو
متوجياً إلى الزاوية البعيدة لمحديقة ،حيث بيف أعشاب األكاسيا بنى منزلو الصغير .مع زياحة
األعشاب ودخولو إلى الفسحة ،جمد في مكانو مدىوشاً .المنزؿ الصغير الذي بناه قبؿ احدى عشرة
سنة كاف واقفاً أمامو في نفس الموقع .لكف كامؿ محيطو ..كؿ ما حولو مميئ باألزىار ،ودرب رممية
قادت إلى المدخؿ ،حيث يوجد اآلف مقعد طويؿ .وحتى المنزؿ بذاتو كاف مميء باألزىار .لـ يكف
المقعد ىنا مف قبؿ ،لكنو موجود اآلف .ىذا ما الحظو "جوف" البالغ .أزاح الستارة المغطية لممدخؿ
وانحنى ودخؿ إلى المنزؿ الصغير.
بعدىا مباشرة شعر بحضور شخص آخر .كانت الصورة الفوتوغرافية العائدة لطفولتو واقفة عمى
الطاولة الدائرية كما السابؽ .كانت الرفوؼ مرتبة وأنيقة وتمؤلىا ألعاب "سالي" الطفمة .عمى أحد
الرفوؼ القريبة مف الطاولة يوجد وعاء مميء بالفواكو الطازجة .فراش ىوائي موجود عمى األرض
ومثبت فوقو شرشؼ صغير .وقؼ "جوف" ىناؾ في المنزؿ الصغير لمدة عشريف دقيقة ،متذك اًر
مشاعر سعيدة مف طفولتو .تسائؿ ،لماذا ىذا يحصؿ؟ .لقد ممكت عائمتو عدد كبير مف القصور
الجميمة .حتى أف ىناؾ قمعة .لكف ال القمعة وال القصور أثارت ىكذا مشاعر محببة كما يحصؿ ىنا
في ىذا المنزؿ الصغير المبني مف عمب ببلستيكية.
226
طريقة الحكيم
عندما خرج مف المنزؿ الصغير ،لمح "سالي" .كانت تقؼ ىناؾ بصمت عند المدخؿ ،كما لو أنيا
مترددة في تعطيؿ الذكريات التي كانت تجري في ذىنو .نظر إلييا "جوف ،والحظ وجنتييا تممعاف
بالموف األحمر .أخفضت عينييا بخجؿ ،وقالت بصوت عاطفي ناعـ مخممي ورقيؽ بشكؿ غير
طبيعي .." :مرحباً ،جونيكنز"..
لـ يجيبيا مباشرة .وقؼ ىناؾ يستعجب بجسد "سالي" البالغ والجميؿ جداً .فستانيا الحاضف لجسميا
تطاير مع نسمة اليواء .عبر شفافية القماش يمكف رؤية تكاويف ىيئتيا المنحوتة .لـ يعد لفتاة صغيرة
بؿ صبية بالغة ،أنثى لينة وطرية.
قاؿ جوف كاس اًر صمت طويؿ .." :مرحباً يا سالي .مازلتي ترعيف المنزؿ ىنا؟"..
قالت .." :نعـ ،في النياية ،أنا وعدتؾ بذلؾ .ىناؾ بعض الفاكية في الداخؿ ،إنيا مغسولة .تناوؿ
بعضيا .إنيا لؾ"..
قاؿ .." :فيمت ..إنيا لي ..حسناً ،إذاً ،دعينا ندخؿ معاً ونتناوؿ منيا"..
أزاح "جوف" الستارة جانباً ،داعيا "سالي" أف تسبقو في الدخوؿ .دخمت وجثمت عمى األرض .أخذت
وعاء الفاكية مف الرؼ ووضعتو عمى الطاولة بقرب الصورة الفوتوغرافية المؤطرة .لـ يكف ىناؾ أي
كراسي في المنزؿ الصغير ،وجمس "جوف" عمى السجادة .مد يده وتناوؿ عنقود مف العنب وخبلؿ
العممية لمس كتؼ "سالي" .أدارت رأسيا والتقت عيناىما .شيقت بحدة ،مما أدى إلى فؾ أحد أزرار
الفستاف مف جية صدرىا .أمسؾ "جوف" بكتفي "سالي" وشدىا نحوه .ىي لـ تقاوـ .بؿ بالعكس ،حيث
مالت عميو بجسميا المحموـ والمتوىج .لـ تقاوـ "سالي" عندما ألقاىا "جوف" ببطئ وحذر عمى
السجادة ،وراح يقبميا ويبلطفيا و...
كانت "سالي" عذراء ..لـ يدخؿ "جوف" مف قبؿ وال بعد في عبلقة حميمة مع عذراء .واآلف ،بعد
مرور أربعيف سنة عمى آخر لقاء ،أدرؾ "جوف ىايتزماف" فجأة بأف ىذه كانت المحظة الوحيدة التي
كانت جميمة وحميمة فعمياً مع امرأة ،أو باألحرى ،فتاة حوليا ىو إلى امرأة .بعد ذلؾ ،غطا في النوـ
227
طريقة الحكيم
لفترة قصيرة .عندما استيقضا ،راحا يتحادثاف معاً .عف ماذا تحدثا؟ راح "جوف ىايتزماف" يعصر
دماغو بقدر ما يستطيع .أراد كثي اًر اف يتذكر جزء مف الحديث عمى األقؿ .ثـ تذكر.
ذكرت "سالي" كـ ىي الحياة جميمة .قالت بأف والدىا كاف يجمع الماؿ لشراء قطعة أرض ليا ،والتي
إذا أمكف الحقاً ،يمكنو بناء منزؿ متواضع ليا .و"سالي" نفسيا سوؼ تقوـ بتصميـ الحديقة وتزرع
فييا تنوع كبير مف النباتات ،وسوؼ تعيش حياة سعيدة وتنشئ أوالدىا ىناؾ .قرر "جوف" في حينيا
في نفسو بأنو سوؼ يساعد "سالي".
تأمؿ "جوف ىايتزماف" في نفسو .." :يا لمعجب ،ىذه فتاة يمكنيا أف تكوف سعيدة فقط بحيازة قطعة
أرض وعمييا منزؿ صغير .مجرد أشياء تافية .كاف عمي أف ال أنسى مساعدتيا في الحصوؿ عمى
قطعة األرض ،وبناء المنزؿ"..
لكف "جوف" نسي فعبلً ما كاف ينويو .لقد نسي كمياً بخصوص "سالي" .لقد كاف انتباىو مشدوداً نحو
مغريات حياتو المتعددة .يخت جديد وطائرتو الخاصة جمبا لو السعادة لعدة أياـ .ثـ وجد عامؿ إلياء
طويؿ األمد في إدارة أسواؽ الماؿ ،ومضيفاً المزيد مف الميارات إلى ثروة وممتمكات والده ،والتي
ورثيا الحقاً .كاف ىذا العمؿ األخير عامؿ إلياء شغمو ألكثر مف عشريف سنة متواصمة .ىذا العمؿ
طغى عمى كؿ شيء آخر .ثـ خاض مرحمة زواجو األوؿ ،ثـ زواجو الثاني .لـ تخمفف زوجاتو أي
أثر ليما ورائيما .بعد أف بمغ سف األربعيف ،لـ تعد إدارة األسواؽ تمنحو أي متعة ،ثـ بدأ يعاني
بعدىا مف نوبات كآبة متواترة ،والتي انتيت أخي اًر إلى إصابتو بانييار عصبي.
لكف اآلف لـ يعد "جوف ىايتزماف" في حالة كآبة .ذكرياتو عف "سالي" حركتو بالكامؿ .لكف بنفس
الوقت جعمتو غاضباً مف نفسو .فكر في نفسو .." :كيؼ يمكف ليذا أف يحصؿ؟ وعدت نفسي بأنني
سوؼ أساعد سالي ،ىذه الفتاة التي أحبتني ،أف أوفر ليا قطعة أرض ومنزؿ صغير ،وقد نسيت"..
"جوف ىايتزماف" ىو رجؿ معتاد عمى اإللتزاـ بوعوده ،خصوصاً تمؾ التي قطعيا عمى نفسو .أدرؾ
بأنو لف يتوقؼ عف الغضب عمى نفسو إال إذا...
228
طريقة الحكيم
ضغط عمى الزر إلحضار السكراتير .عندما دخؿ السكراتير ،كاف "جوف ىايتزماف" يجمس عمى
جانب السرير .رغـ أنو وجد صعوبة في التمفظ بالكبلـ ،حيث ىذه المرة األولى منذ ستة شيور
يحاوؿ أف يتكمـ فييا .قاؿ .." :قبؿ حوالي خمسيف سنة كنت أعيش في قصر معيف ،وأنا ال أتذكر
العنواف ،يمكنؾ إيجاده في األرشيؼ .كاف يوجد بستاني يعمؿ ىناؾ ،وأنا ال أتذكر اسمو ،لكنو
موجود حتماً في دفاتر الحسبات في األرشيؼ .كاف لدى البستاني ابنة ،اسميا سالي ،ابحث أيف
تسكف سالي اآلف .أنا أحتاج ىذه المعمومة غداً صباحاً في الحد األقصى .واذا حصمت عمييا أبكر
مف ذلؾ قـ بإعبلمي فو ارً ،بغض النظر عف الساعة ،في الميؿ أو النيار .نفذ اآلف!"..
قرع السكراتير الباب في فجر الصباح التالي .عند دخولو إلى المكتب ،كاف "جوف ىايتزماف" يجمس
عمى الكرسي المتحرؾ بجانب النافذة ،مرتدياً بذلة رسمية .كاف حالقاً ذقنو وشعره ممشط وأنيؽ .قاؿ
لو السكراتير .." :سيدي ،تـ صرؼ البستاني قبؿ أربعيف سنة ومات بعدىا بقميؿ .قبؿ موتو تمكف
مف شراء قطعة أرض في مزرعة ميجورة في والية تكساس .بدأ يبني عمى ىذه األرض منزؿ ،لكنو
كسر ظيره خبلؿ عممية البناء ومات .أكممت ابنتو سالي بناء المنزؿ وىي تعيش فيو اآلف .وىذا ىو
العنواف .ىذا كؿ ما لدينا مف تفاصيؿ في الوقت الحالي .لكف إذا أمرت فسوؼ نستمر في جمع كؿ
المعمومات التي تحتاجيا"..
أخذ "جوف ىايتزماف" الورقة مف السكراتير وتفحصيا جيداً .بعد أف طواىا بترتيب وضعيا في الجيب
الداخمي مف الجاكيت وقاؿ .." :دع الطوافة تحضر نفسيا لمطيراف خبلؿ ثبلثيف دقيقة .أريد أف أىبط
عمى بعد أربعة أو خمسة أمياؿ مف منزليا في تكساس .دع سيارة تنتظرني في موقع اليبوط ىناؾ.
أريدىا سيارة عادية ،ليس ليموزيف ،وال أريد حراس شخصييف ،فقط السائؽ .نفذ اآلف!"..
....................
في الساعة الثالثة بعد الظير ،كاف "جوف ىايتزماف" يعرج ببطئ متكئاً عمى عصاه ،ويشؽ طريقو
وسط الدرب المرصوفة المؤدية إلى كوخ متواضع تحيطو خضرة زكية الرائحة .عندما لمحيا لممرة
األولى ،كانت تدي ر ظيرىا نحوه .كانت المرأة العجوز تقؼ عمى سمـ صغير وتغسؿ الجانب
229
طريقة الحكيم
الخارجي مف النافذة .توقؼ "جوف ىايتزماف" وراح ينظر إلى ىذه المرأة بشعرىا الرمادي الجميؿ.
استطاعت أف تشعر بتحديقو إلييا فاستدارت لتواجيو.
وقفت ىناؾ لفترة تحدؽ بعينييا إلى الرجؿ العجوز الواقؼ عمى درب منزليا .ثـ فجأة قفزت مف عمى
السمـ وركضت نحوه لتستقبمو .كانت مشيتيا خفيفة ،ال شيء في ىذه المرأة يدؿ عمى كيولة .توقفت
عمى بعد متر مف حيث يقؼ "ىايتزماف" ،وقالت بصوت عاطفي منخفض .." :مرحباً يا جونيكنز،"..
مباشرة أخفضت عينييا وغطت بيدييا االحمرار عمى خدييا.
قاؿ "جوف ىايتزماف" .." :مرحباً سالي ،"..دوف أف يقوؿ أي كممة أخرى .أو بدالً مف ذلؾ ،كاف
يتكمـ لكف مع نفسو فقط ،وليس بصوت عالي .." :كـ أنت جميمة يا سالي ،وكـ ىي جميمة عيناؾ
البلمعتيف ،والتجاعيد الصغيرة حوؿ عينيؾ ..الزلت جميمة وفضيمة كما كنت في السابؽ"..
ثـ قاؿ بصوت مسموع .." :كنت أمر مف ىذا المكاف يا سالي .سمعت بأنؾ تعيشيف ىنا ،لذلؾ
قررت أف أمر عميؾ .وربما لكي أمضي الميمة ىنا ..ىذا إذا لـ أكف أفرض نفسي"..
أجابتو "سالي" بفرح .." :أنا سعيدة جداً لرؤيتؾ يا جونيكنز .يمكنؾ إمضاء الميمة ىنا بكؿ تأكيد .أنا
ىنا وحدي ،لكف غداً سوؼ يأتي حفيدي لقضاء أسبوع .لدي حفيديف ،حفيدة عمرىا تسع سنوات،
وحفيد أصبح عمره اثنتي عشرة سنة .ىيا أدخؿ يا جونيكنز ،سوؼ أحضر لؾ فنجاف مف شاي
األعشاب .أنا أعمـ ما نوع الشاي الذي تحتاجو .تعاؿ ىيا"..
قاؿ ليا جوف .." :إذاً ،أنت متزوجة يا سالي؟ وأصبح لديؾ أوالد"..
أجابتو سالي بفرح .." :الزلت متزوجة يا جونيكنز .ورزقنا بإبف واحد .واآلف حفيديف ..لماذا ال
تجمس عمى الطاولة ىناؾ في الشرفة ،وسوؼ أخرج لؾ الشاي إلى ىناؾ"..
جمس "جوف ىايتزماف" عمى أحد الكراسي الببلستيكية عمى الشرفة .وعندما جمبت لو "سالي" الشاي،
سأليا قائبلً .." :كيؼ تعرفيف أي نوع مف الشاي أحتاج يا سالي"..
233
طريقة الحكيم
أجابتو .." :كاف والدي يجمع األعشاب لوالدؾ .كاف يجففيا ومف ثـ يصنع منيا شاي معيف ،وكاف
ىذا الشاي يساعد والدؾ كثي ارً .وأنا أيضاً تعممت كيؼ أجمع تمؾ األعشاب .قاؿ لي والدي أنؾ أنت
أيضاً يا جونيكنز ورثت ىذا المرض ذاتو"..
قالت .." :أنا لـ أعرؼ يا جونيكنز .لكنني أجمعيا ألنو ربما أحتاجيا .لكف قؿ لي يا جونيكنز ،كيؼ
تجري أعمالؾ؟ كيؼ أصبحت األمور في حياتؾ؟"..
أجابيا جوف .." :أعتقد أنيا تسير بطرؽ كثيرة مختمفة .كنت مشغوالً بعدة أشياء متنوعة ،لكنني ال
أريد أف أفكر بذلؾ اآلف .لديؾ مكاف جميؿ ىنا يا سالي .إنو جميؿ جداً ،الكثير مف الزىور..
وحديقة"..
قالت .." :نعـ ،ىي جميمة فعبلً .أنا أحب العيش فعمياً ىنا .لكف أنظر ىناؾ عمى اليميف ،إنيـ
يقيموف مشروع إعمار كبير .إنيـ يخططوف لبناء مركز لمعالجة النفايات .وىناؾ عمى اليسار يوجد
معمؿ مف نوع معيف .إنيـ يتحدثوف عف نقمنا مف ىذا المكاف ..لكف أنت متعب اآلف مف رحمتؾ،
يبدو أنؾ كنت تسافر عبر مسافة طويمة يا جونيكنز .أستطيع أف أرى كـ أنت مرىؽ .سوؼ أجيز
لؾ السرير بالقرب مف النافذة المفتوحة .فقط استمقي وارتاح .لكف اشرب الشاي أوالً"..
خمع "جوف ىايتزماف" بذلتو مع بعض الصعوبة .كاف مرىقاً بالفعؿ .كانت عضبلتو مصابة بالضمور
نتيجة استمقائو في السرير لمدة ستة شيور وبالكاد تساعده في الوقوؼ عمى قدميو .تمكف أخي اًر مف
سحب البطانية فوقو ومف ثـ غط في النوـ مباشرة .كاف يعجز مؤخ اًر عف النوـ دوف تناوؿ حبة
منوـ .بينما ىنا كاف األمر أسيؿ بكثير حيث ناـ فو اًر .ناـ حتى فترة الظير مف اليوـ التالي ولـ يرى
الصباح في ىذا اليوـ .قاـ مف فراشو واستحـ وخرج إلى الشرفة .كانت "سالي" تحضر الغداء في
المطبخ ،وكاف ولد صغير وفتاة صغيرة يساعدانيا.
231
طريقة الحكيم
عندما رأتو "سالي" قالت مبتيجة .." :أىبلً بؾ يا جونيكنز! يبدو أنؾ نمت نوماً ىنيئاً .تبدو منتعشاً!
تعرؼ عمى األحفاد .ىذه أيمي ،وىذا الشاب الصغير ىو جورج"..
قاؿ العجوز جوف .." :وأنا اسمي جوف ىايتزماف .صباح الخير! ،"..ومد يده نحو الولد الصغير.
قالت سالي .." :ىا أنتما تعرفتما عمى بعضكنا ..واآلف اذىبا وامشيا قميبلً لتتكوف لديكما قابمية
لمطعاـ ،بينما أنا وأيمي نحضر الغداء"..
قاؿ جورج الصغير ليايتزماف .." :أود أف أريؾ حديقتنا ،"..فراح كؿ مف الرجؿ العجوز والفتى
الصغير يمشيا معاً عبر الحديقة الرائعة .كاف الفتى الصغير يشير دائماً إلى النباتات المتنوعة ولـ
يتوقؼ عف الحديث عنيا .كاف "ىايتزماف" في حينيا مشغوؿ بأفكاره الخاصة .عندما وصبل إلى
نياية الحديقة ،أعمف الفتى قائبلً .." :خمؼ أعشاب األكاسيا ىذه يقع منزلي ،جدتي بنتو لي"..
أزاح "ىايتزماف" األعشاب وألقى نظرة ..ىناؾ وسط فسحة صغيرة خمؼ أعشاب األكاسيا وقؼ منزلو
الصغير ،المصنوع مف نفس عمب الببلستيؾ .فقط السقؼ بدا مختمفاً قميبلً .والستارة عمى المدخؿ
كانت مختمفة .أزاح "ىايتزماف" الستارة وانحنى قميبلً مع دخولو المنزؿ الصغير .كافة المفروشات ىي
كما يتذكرىا .فقط الصورة عمى الطاولة كانت مغمفة بطبقة مف النايموف .بدا ليايتزماف أف الصورة
ىي لحفيد سالي .راح يفكر .." :كؿ شيء ىو في مكانو المعيود ..يبدو أف ىذا المنزؿ الصغير لو
صاحب جديد وىو صاحب الصورة عمى الطاولة ."..التقط "ىايتزماف" الصورة وحمميا بيديو .ولكي
يخمؽ محادثة مع الصغير ،عمؽ قائبلً .." :حسناً يا جورج الصغير ،يبدو أف صورتؾ مناسبة ىنا"..
أجابو الفتى .." :لكف ىذه ليست صورتي ،يا عـ جوف .ىذه صورة فتى كاف صديقاً لجدتي خبلؿ
صفولتيا .صادؼ وأنو يشبيني"..
....................
232
طريقة الحكيم
شؽ "جوف اىيتزماف" طريؽ عودتو صعوداً عبر درب الحديقة بأسرع ما سمحت بو رجميو ،يعرج
متكئاً عمى عصاه ،ويتعثر في معظـ األوقات .وصؿ وىو يميث وشاعر باإلرباؾ ،تقدـ نحو "سالي"
وسأليا .." :أيف ىو اآلف؟ ..أيف زوجؾ يا سالي؟ ..أيف"..
قالت سالي .." :أرجوؾ اىدأ يا جوف ..وجب أف ال تسمح لنفسؾ أف تكوف مستثا ارً .أجمس أرجوؾ..
يبدو يا جوف بأنو في طفولتي وعدت فتى جميؿ بأنني سوؼ أكوف زوجتو"..
صاح جوف بصوت عالي وانتفض مف الكرسي .." :لكف تمؾ كانت لعبة! ..لعب أطفاؿ!"..
أجابتو سالي .." :ربما كذلؾ ،لكف عمى أي حاؿ ،دعونا نعتبر أنني مستمرة في ىذه المعبة .وأنا
الزلت أمثؿ بأنؾ زوجي ..زوجي وحبيبي"..
قاؿ جوف .." :يبدو أف جورج يشبيني كثي ارً ،كما كنت أبدو في طفولتي .ىؿ ىذا يعني أنؾ ولدتي
طفبلً بعد قضائنا تمؾ الميمة معاً يا سالي؟ ىؿ ولدتي طفاً؟"..
قالت سالي .." :نعـ يا جوف ،ولدت ابنؾ .وىو يشبيني .لكف يبدو عمى األغمب أنو يحمؿ جيناتؾ،
ألف حفيدنا يشبيؾ تماماً"..
راح "جوف ىايتزماف" يحدؽ بالتناوب إلى "سالي" ثـ إلى الولد والفتاة خبلؿ إعدادىـ طاولة الطعاـ
عمى الشرفة .لـ يعد قاد اًر عمى الكبلـ .كانت أفكاره ومشاعره مشوشة .ثـ ،ألسباب ىو نفسو لـ
يفيميا ،قاؿ بنبرة عمؿ جدية .." :عمي أف أرحؿ فو ارً .وداعاً يا سالي"..
تقدـ بخطوتيف نزوالً إلى درب الخروج ،ثـ استدار وسار نحو "سالي" التي كانت واقفة ىناؾ بصمت.
بالكاد يدعـ نفسو عمى العصى ،نزؿ جاثياً عمى ركبة واحدة أماميا ،أخذ يدىا وطبع عمييا قبمة
ناعمة وطويمة .ثـ قاؿ .." :يا سالي ،لدي مسائؿ ميمة جداً وطارئة وعمي معالجتيا .وجب أف
أغادر فو ارً"..
233
طريقة الحكيم
وضعت يدىا عمى رأسو ،وراحت تجعمؾ شعره بنعومة ،ثـ قالت .." :نعـ ،طبعاً .عميؾ الرحيؿ ،إذا
كاف لديؾ مسائؿ ميمة ومشاكؿ لتعالجيا .إذا واجيت أي صعوبات يا جوف ،يمكنؾ أف تأتي دائماً
إلى ىنا إلى منزلنا .ابننا اآلف يدير شركتو الصغيرة ،معروفة باسـ لوتوس ،وىو يعمؿ في تصميـ
الحدائؽ والمشاىد الطبيعية .ىو لـ يتخصص في ىذا العمؿ بواسطة التعميـ ،لكنني عممتو بنفسي،
وىو ينجز الكثير مف التصاميـ الذكية ،وليس ىناؾ تقصير في الطمبات المقدمة إلى شركتو .ىو
يساعدني مالياً ويزورني كؿ شير"..
" ..لكف يبدو أف لديؾ مشاكؿ مالية؟ وشيء مف المشاكؿ الصحية أيضاً؟ عد إلى ىنا يا جوف .أنا
أعرؼ كيؼ أعالجؾ ،ولدينا ما يكفي مف الماؿ لنستمر في العيش"..
قاؿ جوف .." :شك ارً يا سالي ..شك ارً ..عمي اإلسراع! ..عمي فعؿ ذلؾ"..
سار نزوالً عبر درب المدخؿ إلى البوابة ،وفكره مشغوؿ بخطة خطرت في بالو .وراحت "سالي" في
حينيا تراقبو وىو يبتعد وىمست في نفسيا .." :عد إلي ،يا حبيبي! ."..كانت تكرر ىذه العبارة كما
لو أنيا مانترا ،حتى بعد مرور ساعة ،ناسية أمر األحفاد .حتى أنيا لـ تمحظ الطوافة تحوـ في
السماء لمدة نصؼ ساعة فوؽ المنطقة ،فوؽ قطعة األرض العائدة ليا ،مع المنزؿ الصغير والحديقة
الرائعة.
....................
مع وصوؿ طوافة "جوف ىايتزماف" وىبوطيا عمى سطح برج المكاتب ،كاف مساعدوه المقربوف
وسكرتيراتيـ منيمكيف في العمؿ في صالة االجتماع ،يتفحصوف األشكاؿ ويتحضروف لتقديـ تقاريرىـ
لمسيد .لـ يعودوا معتاديف عمى االجتماع في حضوره ،واآلف راحوا ينتظروف وصولو مع خوؼ
واىتياج كبير.
عندما دخؿ "جوف ىايتزماف" الصالة ،الجميع وقؼ عمى قدميو .بدأ يتكمـ حتى قبؿ وصولو الكرسي
عند رأس طاولة االجتماع .ثـ قاؿ .." :أجمسوا .ال أريد تقارير اليوـ .استمعوا جيداً لما سأقولو .لف
أكرر نفسي مرة ثانية .ليس ىناؾ وقت .لذلؾ .في تكساس ىناؾ فيبل صغيرة ،وىذا ىو العنواف.
234
طريقة الحكيم
ميمتكـ ىي شراء كؿ األراضي المحيطة بيذا المنزؿ وعمى قطر يبمغ مئة ميؿ .اشتروا كؿ المعامؿ
والمنشآت الصناعية المتواجدة عمى ىذه األراضي ،حتى لو اظررنا إلى دفع ثبلثة أضعاؼ ثمنيا.
المسؤوؿ مف بينكـ عف شراء وبيع العقارات يمكنو أف يغادر الصالة اآلف وينشغؿ بيذه الميمة فو ارً.
سخروا كامؿ وكبلئنا في ىذه الميمة إذا تطمب االمر ذلؾ .وجب أف ال تستغرؽ ىذه العممية أكثر
مف أسبوع"..
انتفض أحد مساعديو مف مكانو وأسرع نحو مخرج الصالة .ثـ أكمؿ "جوف ىايتزماف" كبلمو:
" ..وجب إزالة كافة المباني والمعامؿ والمنشآت المتواجدة عمى ىذه األراضي خبلؿ شير واحد كحد
أقصى ،حتى لو تطمب األمر استئجار مئات مف شركات اإلنشاءات .وجب زرع األعشاب في ىذه
المواقع خبلؿ شير مف اآلف"..
راح "ىايتزماف" يعطي التعميمات لممساعد األخير الذي بقي في الصالة .." :يوجد شركة صغيرة في
تكساس ،واسميا لوتوس .قـ بتوقيع عقد عمؿ معيا لمدة خمس سنوات .كمؼ ىذه الشركة لتصميـ
التجمعات لكافة األراضي التي سوؼ نشترييا في محيط تمؾ الفيبل في تكساس .ميما كاف المبمغ
الذي تطمبو تمؾ الشركة ،قـ بمضاعفة المبمغ .نفذ اآلف!"..
بعدىا بأسبوعيف ظير "جوف ىايتزماف" أماـ حشد جماىيري مؤلؼ مف ألؼ وخمسمائة شخص .تـ
حشد ىذا الجميور بمساعدة شركات خاصة تتعمؽ بمجاؿ الزراعة .يتألؼ ىذا الجميور مف
متخصصيف في تصميـ الحدائؽ ،بستانييف ،وميندسيف زراعييف .كؿ منيـ بحاجة إلى عمؿ ،خاصة
وأف الحممة اإلعبلنية ذكرت بأف قيمة العقد تبمغ ضعؼ معدؿ السعر المألوؼ.
صعد "جوف ىايتزماف" إلى المنبر وبدأ يتكمـ بنبرتو السمطوية المعيودة ،والتي كانت جافة .." :وفقاً
لما تنصو العقود المعروضة عميكـ ،كؿ منكـ سوؼ يتمقى قطعة أرض مجاناً ولبلستخداـ لمدى
العمر ،ومساحتيا خمسة فداديف .سوؼ يُعرض عميكـ عدة تصاميـ لمنازؿ مسبقة الصنع لكي
تختاروا بينيا ،وىذه المنازؿ سوؼ يتـ بناءىا عمى كؿ قطعة أرض وفي أي موقع تختارونو في
األرض ،وكؿ ذلؾ تكوف تكاليفو عمى حساب شركتي .وعمى مدى السنوات الخمس التالية سوؼ
تدفع الشركة لكؿ عضو بالغ في العائمة كما تنص عميو العقود .ميمتكـ ىي تحويؿ المنطقة التي
235
طريقة الحكيم
تستمموىا إلى مكاف جميؿ .سوؼ تزرعوف الحدائؽ ومشاتؿ الزىور وتصنعوف فييا برؾ الماء
والممرات .عميكـ أف تجعموا كؿ شيء حميؿ وجيد .الشركة سوؼ تدفع تكاليؼ البذور وميما طمبتوه
مف مواد وأدوات أخرى تتعمؽ بيذا المجاؿ ..ىذا كؿ شيء .إذا ليس ىناؾ أي أسئمة ،يمكف ألولئؾ
الذيف يقبموف العرض أف يوقعوا عمى العقود اآلف"..
لكف الجميور المؤلؼ مف ألؼ وخمس مائة شخص كاف غارقاً في صمت مطبؽ .لـ يقؼ أحد مف
مقعده ليتوجو إلى الطاوالت حيث تجمس السكرتيرات منتظرة ومعيا العقود جاىزة لمتوقيع .بعد مرور
دقيقة مف الصمت المطبؽ ،وقؼ رجؿ عجوز مف مقعده وسأؿ قائبلً .." :قؿ لي يا سيدي ،ىذه
األراضي التي تعرضوف عمينا االستقرار فييا ،ىؿ ىي مموثة بمواد سامة قاتمة؟"..
رد عميو أحد مساعدي "ىايتزماف" قائبلً .." :ال ،بالعكس تماماً ،كامؿ ىذه المنطقة تحوز عمى بيئة
نظيفة ،والتربة غنية وخصبة"..
قالت إحدى النساء مف بيف الجميور .." :إذاً أخبرونا بصدؽ ،ما ىو نوع التجربة التي تخططوف
أعرض طفمي إلى ىذه
إجراءىا عمى الناس؟ ..الكثير منا لدييـ أطفاؿ ،وأنا مف جيتي ال أريد أف ّ
التجارب التي ال نعمـ عنيا شيء"..
ضجت الصالة باليرج والمرج ،وراح ُيسمع صراخ مف بيف الجماىير تقوؿ :انتيازييف! غير إنسانييف!
ّ
وحوش! وراح الناس يقفوف ويتوجيوف نحو مخرج الصالة .حاوؿ مساعدو "ىايتزماف" الشرح واإلجابة
عمى التساؤالت لكف دوف جدوى.
عاجز يشاىد الناس تغادر الصالة .أدرؾ بأف انصرافيـ يمثؿ الضربة األخيرة
اً جمس "ىايتزماف" ىناؾ
آلمالو .أو حتى شيء أكثر سوءاً ..كاف يريد أف يفعؿ شيئاً جيداً لسالي ،والبنو وأحفاده .كاف يريد
ليس فقط عدـ وجود دخاف متجشئ في المنطقة التي يقبع فييا كوخ "سالي" الجميؿ ،بؿ أيضاً لكي
يكوف ىناؾ حدائؽ محيطة ،وجيراف جيديف أيضاً .لقد اشترى األراضي بالكامؿ ،والدخاف المتجشئ
أزيؿ بالكامؿ بأوامر منو ،وتـ زرع األعشاب في مكانيا .لكف ال يمكف لؤلرض أف تكوف جيدة إال إذا
236
طريقة الحكيم
سكنيا أناس جيديف .وىا ىـ يغادروف اآلف .ىـ لـ يفيموا .كيؼ يمكنيـ أف يفيموا عمى أي حاؿ؟ ما
الذي سيجعميـ يصدقوف؟
خطرت في بالو فجأة ومباشرة .ىـ لـ يعرفوا شيئاً عف المسألة ،وليذا السبب لـ يصدقوا .لكف اآلف
إذا قاؿ ليـ الحقيقة ...وقؼ "جوف ىايتزماف" عمى قدميو بدأ يتكمـ بصمت والزاؿ متردداً ،قاؿ:
" ..يا أييا الناس! .أنا أفيـ الوضع ..أنا بحاجة إلى شرح المسألة لكـ ،سأشرح األسباب وراء ما تقوـ
بو شركتي .لكف يستحيؿ شرح األسباب .ألنو فقط أنني ..كما تروف ،إنيا عمى الشكؿ التالي ..أو
ربما ..ىناؾ شيء شخصي بالنسبة لي في كؿ ىذه العقود .أو كيؼ سأوضح األمر؟"..
كاف "ىايتزماف" مربكاً ،ولـ يعد يعرؼ كيؼ يستمر بالكبلـ .لكف الناس وفقت في مكانيا .كانوا
واقفيف ف ي الممرات بيف صفوؼ المقاعد وفي مخارج الصالة .وجميعيـ كانوا ينظروف بإمعاف إلى
"ىايتزماف" .كانوا صامتيف ،وىا ىو لـ يعرؼ كيؼ يباشر الكبلـ .لكف بطريقة ما ،نجح في تماسؾ
نفسو واستمر في الكبلـ:
" ..في فترة طفولتي ..في صغري ..كما تروف ..أحببت تمؾ افتاة .لكف لـ أدرؾ حينيا بأنني واقع
في حبيا .لقد تزوجت الحقاً مف نساء أخريات .وانشغمت في األعماؿ .طواؿ السنوات الخمسيف
الماضية لـ أرى تمؾ الفتاة .ولـ أفكر فييا حتى .ومؤخ ارً تذكرتيا .اكتشفت بأنيا الشخص الوحيد
الذي أحبني بصدؽ .والزالت حتى اآلف .لكنني لـ أعرؼ عف األمر .كما ذكرت في السابؽ ،نسيتيا
بالكامؿ .وأدركت بأنيا الوحيدة التي يمكنني أف أحبيا"..
" ..وبعد ذلؾ ..التقيت بيا .ىي اآلف طبعاً متقدمة في السف .لكنيا تبقى بالنسبة لي كما كانت
عندما تعرفت عمييا مف سنيف سابقة .ىي تحب حديقتيا .ىي تفعؿ كؿ شيء بشكؿ جميؿ جداً.
وأردت أف يحيطيا الجماؿ مف كؿ صوب .وجيراف جيديف .مف األفضؿ أف يكوف ىناؾ جيراف جيديف
وسعيديف يعيشوف بجوارىا ..لكف كيؼ كاف عمي تحقيؽ ذلؾ؟ بصفتي رجؿ أعماؿ تمكنت مف تخبئة
مبمغ مف الماؿ جانباً .وىكذا تمكنت مف شراء األرض ،قسمتيا إلى قطع صغيرة ،وأوجدت ىذه
العقود .فعمت كؿ ذلؾ مف أجؿ مف أحبيا .أو ربما ،فعمتيا مف أجمي أنا"..
237
طريقة الحكيم
نطؽ "جوف ىايتزماف" الجممة األخيرة وكأنو يطرح سؤاؿ عمى نفسو .بدأ بعدىا يتكمـ كما لو أنو بفكر
بصوت عالي ،كما لو أنو لـ يرى الناس واقفة أمامو .قاؿ:
" ..جميعنا نعيش مف أج ؿ شيء ما ..ما الذي نعيش مف أجمو؟ ..نحف نكافح مف أجؿ شيء ..ما
الذي نكافح مف أجمو؟ ..أنا سوؼ أموت قريباً ..ما الذي سوؼ أتركو خمفي سوى الغبار؟ ..لكف
اآلف سوؼ لف أموت ،ليس قبؿ أف أنجز مشروعي .وحينيا سوؼ أترؾ ورائي شيء أبدي ..أترؾ
خمفي حديقة لمف أحببت ..سوؼ أترؾ خمفي الكثير مف الحدائؽ"..
" ..في البداية كنت أريد أف أوظؼ عدد كبير مف العماؿ وأتعاقد مع شركة كبرى متخصصة في
إصبلح األرض وتصميميا .أردت التعاقد مع موظفيف يرعوف النباتات .لكف بعدىا خطرت لي فجأة.
أي نوع مف الجماؿ سوؼ يتجرد مف الحياة إذا لـ تخمقو لنفسؾ .وليذا السبب قررت جعميا بيذه
الطريقة الحالية ،أي أف يخمقيا أناس ألنفسيـ .ليذا السبب أنا أعرض عميكـ قطع األرض والمنازؿ،
وكؿ ما أطمب في المقابؿ ىو الجماؿ الذي سيحيط بمف أحبو"..
" ..أنتـ لـ تصدقوا بأف الشروط المعروضة في العقود ىي صادقة ..أنتـ لـ تعرفوا ما اليدؼ الذي
جعؿ الجيات المختمفة تعرض عميكـ ىذه العقود .لكنكـ أصبحتـ تعرفوف اآلف"..
عند ىذه النقطة سكت "جوف ىايتزماف" .والناس الواقفيف عند الممرات سكتوا أيضاً .أوؿ مف كسر
الصمت ىو المرأة التي أعمنت عف تشككيا بالمشروع .أسرعت إلى صؼ الطاوالت بالقرب مف
خشبة المسرح حيث العقود ممقية عمييا ،ثـ طمبت مف أحد السكرتيرات إدخاؿ اسميا إلى أحد نسخ
العقود ،ثـ وقعت عمييا دوف أف تق أر ما فييا .ثـ استدارت باتجاه الجميور الواقؼ وقالت:
" ..ىا أنا قد وقعت العقد .أنا أوؿ مف وقع .ىذا يعني أنني سوؼ أدخؿ التاريخ ،ألنني األولى.
عندما تفكروف بالمسألة ،لـ يقدـ أي رجؿ ،ميما كاف ثرياً ،عمى منح حبيبتو ىدية كيذه ،كما فعؿ
ىذا الرجؿ الواقؼ ىناؾ عمى المسرح .وانو يستحيؿ عميو فعؿ أكثر مما فعؿ"..
ثـ صاحت امرأة أخرى .." :ال أحد يمكنو التفكير بفعؿ المزيد في كامؿ التاريخ البشري المكتوب"..
238
طريقة الحكيم
وأعمنت امرأة رابعة .." :أنا أريد قطعة أرض بجانب حبيبتؾ ..ما ىو اسميا؟"..
قاؿ ىايتزماف .." :اسميا؟ ..ربما مف األفضؿ أف ال تعمـ .دعوىا تظف بأنيا إرادة قدرية"..
مع القميؿ مف الجيشاف ،توجو الناس في الصالة نحو صؼ الطاوالت بجانب المسرح .ثـ تشكؿ
طابور .راح بعضيـ يمازح البعض اآلخر ،ينادوف بعضيـ بكممة جار ،لكف األغمبية ،خصوصاً
النساء ،استمروا في تحديقيـ إلى الرجؿ الجالس عند المسرح مع لمعاف المحبة في عيونيف.
لممرة األولى في حياتو ،شعر "جوف ىايتزماف" بطاقة المحبة موجية إليو .طاقة الحب والبيجة
الصادقة تنبعث مف قموب الكثير مف البشر .طاقة منتصرة كمياً ،باستطاعتيا عبلج أي مرض .مشى
إلى خارج المسرح ،دوف أف يعرج أو يتموى في مشيتو.
لعدة شيور راح يشارؾ شخصياً في إدارة عممية إزالة المنشآت المتبقية في األراضي التي اشتراىا.
وناقش في تفاصيؿ التصاميـ العائدة لمتجمعات السكنية حوؿ منزؿ "سالي" ،وكذلؾ تصاميـ متنوعة
لحدائؽ القطع األخرى ،وباإلضافة إلى البنية التحتية لكامؿ المكاف.
بعدىا بسنة ،عندما تقدـ "جوف ىايتزماف" نحو البوابة المؤدية إلى كوخ "سالي" ،عمى أبعد ما يمتد
النظر ،كاف الناس يزرعوف الشتبلت الصغيرة مف أجؿ حدائقيـ الكبيرة .بعض الشتبلت كانت واقفة
قرب بوابة "سالي" وجذورىا منظمة بترتيب .يبدو وكأف "سالي" شعرت مف خبلؿ حدسيا بأنو قادـ،
فركضت إلى الخارج الستقبالو .قالت وىي مبتيجة .." :جوف! إنو جميؿ جداً أف أراؾ مرة أخرى!
جميؿ جداً! ..مرحباً يا جوف"..
ركضت نحوه تقفز ولو أف في حذائيا نابض ،نشاطيا وسعادتيا جعبلىا تبدو ولو كأنيا فتاة صغيرة.
التقطت يد "جوف" وشدتو معيا ليتناوال فنجاف شاي ،وراحا يتسامراف بسعادة طواؿ الوقت ودوف
توقؼ .قالت لو .." :ىؿ تعمـ ماذا يحصؿ يا جوف؟! ىؿ تعمـ أف معجزة حصمت والزالت تحصؿ في
239
طريقة الحكيم
ىذا المكاف! أنا سعيدة جداً! سوؼ لف يعد ىناؾ دخاف معامؿ بجوار منزلنا .سوؼ يكوف ىناؾ
جيراف جيديف! أنظر كيؼ تتأنؽ الحياة في كؿ مكاف حولنا! إذا كنت تواجو أي فشؿ في العمؿ يا
جوف ال تقمؽ ،ال تشغؿ رأسؾ الصغير بخصوص ذلؾ .يمكنؾ أف تضحؾ في وجييا وتأتي لتعيش
معنا ىنا .لقد أصبحنا أغنياء اآلف .لقد حصؿ ابننا عمى عقد عمؿ كبير جداً ،وأنا أعني ضخـ جداً!
ىو اآلف مسؤوؿ عف مشروع كامؿ لمتخطيط والتصميـ .وقد حصمنا عمى المزيد مف األرض .ابننا
سوؼ يبني لنفسو منزؿ جديد .ونحف االثنيف ،إذا أردت ،يمكننا العيش ىنا"..
أجابيا جوف .." :أنا أريد بكؿ تأكيد ..شك ارً يا سالي عمى دعوتؾ"..
ظير بعدىا صوت مف وراء "جوف ىايتزماف" قائبلً .." :لكف لماذا تستمروف في العيش في منزؿ
قديـ؟ . "..استدار جوف إلى الوراء وشاىد ابنو .لقد عرؼ مباشرة بأنو ابنو .واستمر الرجؿ الشاب
بكبلمو قائبلً .." :إذا كاف فيمي صحيح ،ال بد مف أنؾ تكوف أبي ..عندما أخبرني جورج الصغير
بأنؾ ظننت بأف الصورة في المنزؿ الصغير ىي لو ،عرفت مف جاء إلينا في المرة الماضية .ووالدتي
لـ تتعمـ أبداً كيؼ تخفي مشاعرىا الحقيقية"..
" ..أنا طبعاً لـ أممؾ نفس المشاعر تجاىؾ كما ىي الحاؿ مع أمي ،لكف مف أجؿ سعادة والديّ ،أنا
مستعد ألف أدفع تكاليؼ بناء منزؿ جديد لكميكما"..
قاؿ جوف ىايتزماف ،الذي كادت تتغمب عميو العواطؼ .." :شك ارً يا بني ."..أراد أف يحتضف ابنو،
لكف لسبب ما تردد .تقدـ نحوه الرجؿ الشاب ومد يده وقدـ نفسو .." :أنا جوف"..
قالت سالي .." :عظيـ! ..إنو عظيـ أنكما التقيتما وتعرفتما عمى بعضكما البعض .عندما تعرفاف
بعضكما أكثر سوؼ تحباف بعضكما البعض .لكف دعونا اآلف نتناوؿ الشاي"..
وخبلؿ جموسيـ عمى الطاولة استمرت "سالي" في الكبلـ دوف توقؼ عف األحداث االستثنائية التي
تحصؿ عبر الشيور الماضية.
243
طريقة الحكيم
راحت سالي تكمؿ كبلميا بخصوص ما يحصؿ قائمة .." :ىؿ يمكنؾ التخيؿ يا جوف؟ فقط تخيّؿ!
يتحدثوف ىنا عف قصة يمكنيا أف تكوف األجمؿ في العالـ .قصة تتحقؽ عمى أرض الواقع .فقط
تخيّؿ يا جوف ،يقوؿ الناس بأف كؿ ىذه األراضي تـ شرائيا مف قبؿ شخص واحد .ثـ قاـ ىذا
الشخص بدعوة أفضؿ المصمميف والميندسيف الزراعييف والبستانييف وأعطى كؿ منيـ عدة فداديف
مف األرض مجاناً والستخداميا لباقي حياتيـ .طمب منيـ أف يجعموا قطع األرض لدييـ جميمة .وقدـ
ليـ كافة البذور والشتبلت مجاناً ،وسوؼ يستمر بدفع الرواتب ليـ لمدة خمس سنوات مقابؿ تجميؿ
تصور ،ىو الذي سوؼ يدفع ليـ .أسرؼ كامؿ مدخراتو في ىذا المشروع ،حتى آخر
ّ أرضيـ .فقط
قرش لديو"..
أكممت "سالي" قائمة .." :يقوؿ الناس بأنو صرؼ كامؿ أموالو في المشروع ..وىؿ تعرؼ لماذا فعؿ
ىذا كمو؟"..
أجابتو "سالي" متحمسة .." :ىنا يكمف جماؿ القصة .فعؿ ذلؾ لكي تستيطيع المرأة التي يحبيا أف
تعيش وسط كؿ ىذا الجماؿ .قالوا بأنيا مصممة حدائؽ أيضاً .وفي مكاف ما في المحيط ىنا لدييا
كوخ أيضاً .لكف ال أحد يعرؼ مف ىي وأيف تعيش .ىؿ تستطيع أف تتخيؿ يا جونيكنز ماذا
سيحصؿ لو عرؼ الناس مف ىي؟"..
أجابتو "سالي" قائمة .." :وماذا غير ذلؾ؟ الكؿ سوؼ يرغب في الذىاب والقاء نظرة عمييا وحتى
يممسيا كما لو كانت آلية .أنا بنفسي مثبلً ،قد أرغب في لمسيا .مف الممكف أنيا امرأة استثنائية.
ربما ىي استثنائية مف الخارج ،أو ربما مف الداخؿ .الجميع ىنا يقوؿ بأنو ما مف امرأة في العالـ
241
طريقة الحكيم
يمكنيا أف تميـ رجؿ ليتخذ ىكذا خطوة غير عادية وجميمة .ليذا السبب يريد الجميع رؤيتيا وحتى
لمس ىذا الرجؿ وزوجتو االستثنائية"..
قاؿ "جوف ىايتزماف" مؤكداً .." :ربما سوؼ يفعموف ذلؾ ،لكف ماذا عمينا أف نفعؿ حياليا يا
سالي؟"..
قاليا "جوف ىايتزماف" وكأنو يردد الشعر .." :أنا أقوؿ نحف ،ألف تمؾ المرأة االستثنائية ،تمؾ التي
يجري كؿ شيء ىنا مف أجميا ،ىي أنت يا سالي"..
حدقت "سالي" إلى "جوف" دوف أف ترمش ،محاولة أف تفيـ ما سمعتو لمتو .عندما توضحت ليا لمحة
مما فيمتو ،أفمتت الفنجاف الذي بيدىا ،لكف ال أحد انتبو لصوت تكسره إلى أجزاء .أدار "جوف
ىايتزماف" رأسو باتجاه صوت آخر ،وىو صوت وقوع الكرسي ،عندما انتفض ابنو مف الكرسي.
أسرع "جوف" الصغير إلى والده وقاؿ بانفعاؿ ،وبصوت جيير ناعـ .." :أبي! أبي! ىؿ يمكنني
معانقتؾ؟"..
كاف "جوف ىايتزماف" أوؿ مف عانؽ ابنو .كاف قادر عمى سماع صوت دقات قمب ابنو وىي تتسارع.
وعانقو ابنو بالمقابؿ ،ىامساً بانفعاؿ .." :لـ يشيد العالـ مف قبؿ ىكذا إعبلف قوي عف الحب ،دوف
حتى استخداـ كممة الحب .أنا فخور بؾ يا أبي! أنا سعيد جداً مف أجمؾ يا أبي"..
عندما التفت األب وابنو نحو "سالي" ،كانت الزالت تحاوؿ استيعاب ما حصؿ .امتؤلت وجنتاىا فجأة
باألحمر ،واستقامت التجاعيد حوؿ عينييا .وراحت الدموع تسيؿ عمى خدييا .شعرت "سالي" بالحرج.
أسرعت إ لى "جوف" الكبير وأمسكت بيده وقادتو نحو درج الشرفة .راقب االبف والديو ،يسيراف عبر
ممر وسط الحديقة ،ماسكيف أحيدييما ،متوجياف إلى أعشاب األكاسيا التي تخفي خمفيا المنزؿ
الصغير العائد لطفولتيما ،ثـ راحا يقفزاف عبر األعشاب كما األوالد الصغار.
242
طريقة الحكيم
بعدىا بعشر سنوات كاف "جوف ىايتزماف" ،والذي يبدو أصغر بكثير مف قبؿ ،يجمس عمى البار في
إحدى المقاىي المحمية برفقة بعض الرجاؿ مف جماعة المنطقة .راح يضحؾ شارحاً:
" ..ال ،لف أترشح إلى منصب الرئاسة ،ال تحاوؿ إغرائي .ىي ليست مسألة العمر .ليس ضروري
أف تكوف رئيس لكي تتحكـ بالبمد .ى ذا أمر تستطيع فعمو بينما أنت تقبع في حديقتؾ الخاصة .اقد
أثبتـ مف خبلؿ مثالكـ كيؼ يمكف أف تعيشوا حياة جيدة .وكامؿ أمريكا اآلف تتحوؿ إلى حديقة
مزدىرة .إذا استمر الوضع عمى ما ىو اآلف ،سوؼ نسبؽ روسيا"..
دخمت "سالي" وىي تردد .." :سوؼ نحقؽ ذلؾ! سوؼ نحقؽ ذلؾ! ،"..ثـ توجيت إلى "جوف"
وقالت .." :دعنا نتوجو اآلف إلى المنزؿ يا جونيكنز .الطفؿ الصغير يرفض أف يناـ مف دونؾ ،"..ثـ
أضافت ىامسة في أذنو .." :وال حتى أنا"..
وىكذا انطمقا يمشياف باتجاه المنزؿ ،تحت ضبلؿ األشجار ،في طريؽ تفوح فيو رائحة منعشة .ىذاف
الشخصاف المذاف لـ يبمغا بعد سف الكيولة" :جوف ىايتزماف" و"سالي" .دائماً في فصؿ الربيع يبدو
األمر وكأف حياتيما بدأت لمتو .كما لو أف الحياة الحقيقية بدأت لمتو في أمريكا.
....................
243
طريقة الحكيم
اخلامتح
نحف نحاوؿ منذ زمف بعيد معرفة ما ىو الحب .لكننا لف نجده مف خبلؿ محاولة اقتباس تعريؼ مف
كتاب أو قاموس أو ما شابو .الطريقة الوحيدة التي يمكف مف خبلليا بعث الحب الصادؽ والبسيط
واألصيؿ ىو عبر االختبار العممي ،عبر واقع الحب ذاتو .ىؿ نحف قادريف أف نكوف ودوديف مع
بعضنا البعض؟ ىؿ نستطيع مسامحة أعدائنا؟ ىؿ نستطيع أف نفعؿ الخير مع أولئؾ الذيف يستغمونا
بخبث ولؤـ؟ ىؿ نحف ننوي عيش طريقة حياة فريدة؟ ىؿ نحف ميتميف بالتواضع البسيط لمفضيمة؟
ىؿ نرغب في أف تولد سعادتنا مف خبلؿ جعؿ اآلخريف سعيديف ،بدالً مف التضحية بيـ في سبيؿ
سعادتنا؟ ىؿ نريد منزؿ سعيد؟ ىؿ ننوي تعزيزه مف خبلؿ جودة شخصيتنا وتكاممنا األخبلقي؟
الحب ىو نوع مف الوعي الفعاؿ الذي ينشط في روح اإلنساف .ىو شيء لو قوة تحريرية ضد طغياف
الميوؿ الشخصية األنانية .ىو يضع شيء أكبر منؾ في الساحة الخارجية لحياتؾ .ىو مكرس
ألفعالؾ ومشاريعؾ وغاياتؾ وقناعتؾ التي فييا خير عاـ لكؿ البشرية .الحب ىو عاطفة راشدة،
وليس الحماسة الغامضة التي تنشط أثناء المراىقة .ىو تكريس والتزاـ دائـ وصامد .الحب ىو ليس
شيء تبقى معو حتى يؤلمؾ ومف ثـ تبتعد عنو .الحب ىو ليس الدخوؿ في مواقؼ مختمفة بيدؼ
الربح أو المكسب أو االرتقاء االجتماعي .ال يمكف أف يكوف ىناؾ أنانية أو مركزية لمنفس في الحب
الحقيقي .وكذلؾ ،ال يمكف لمحب أف ُيشترى أو يباع أو ُيتاجر بو عموماً .إنو يبقى كما كاف وسيضؿ
دائماً عاطفة إنسانية نقية .واذا تـ تدنيسو أو تحريفو فسوؼ يمثؿ ىذا أحد أكثر المحف والنكبات
فظاعة والتي عمينا مكافحتيا خبلؿ فترة وجودنا ىنا.
بيف مبدأ الحب في داخؿ روحنا وبيف آلية التعبير في حياتنا الخارجية ،يوجد تكويف لشخصية غريبة
مميئة بمركزية النفس ومميئة بالطموحات المزيفة ومميئة بالتعصب واالستبداد وعدـ االعتداؿ وعدـ
التسامح ،ىذه الشخصية التي نود أف نرعاىا ونمبي طمباتيا دائماً والى األبد ىي ليست فقط شخصية
تجمب لنا المآسي واألحزاف ،بؿ تكويف ىذه الشخصية أنتج أكثر مف ثمانية آالؼ حرب عمى مر
التاريخ المكتوب .وىذا كثير جداً في الحقيقة .والكثير مف ىذه الحروب نشبت بحجة الدفاع عف
السبلـ .كما أننا قاتمنا أيضاً بخصوص موضوع الديف وموضوع األخوية اإلنسانية والتي نحتاجيا
244
طريقة الحكيم
بشدة .ومع ذلؾ ،بعد أف حصؿ الذي حصؿ ،ننظر حولنا ونقوؿ :ماذا عمينا أف نفعؿ حياؿ األمر؟
ىذه فعبلً وضعية رىيبة .واذا استمرت كما ىي سوؼ تتحوؿ إلى وضعية قاتمة .لذلؾ عمينا أف ندرؾ
بأف كؿ المساومات التي نجرييا في سبيؿ تمبية رغباتنا الخاصة ،كؿ ىذه المساومات لف تقود إلى
شيء .ىي لـ تنجح مف قبؿ وال يمكنيا أف تنجح أبداً.
كؿ ىذا الكفاح الجاري مف قبؿ رؤوس محكومة بالعقيدة المادية التنافسية سوؼ لف يؤدي إلى مكاف
سوى القبر .وال نأخذ معنا عندما نخرج مف ىذه الحياة سوى ما جمبناه معنا ،وىو أنفسنا .لذلؾ مف
المفروض أف ال يكوف ىناؾ صعوبة بالنسبة لمشخص أف يقوؿ لنفسو :فؤلجعؿ ىذه الحياة اليومية
أكثر سعادة لكؿ فرد .دعونا نقوـ باألمر بشكؿ صحيح ولو لمرة واحدة.
إذا كنت تنوي مقاومة سطوة المنظومة المالية التي تقيد حياتؾ وحياة كؿ إنساف عمى ىذه المعمورة،
فإف الطرؽ العنيفة في المواجية لف تنفع .ال يوجد لديؾ سوى طريؽ واحدة فحسب ،المحبة والتفاني،
مع استغناء كامؿ عف الطموحات الجارفة واألنانية المستبدة .اعتمد عمى ما يجمبو لؾ القدر وتقبمو
وكمي القدرة ،يعرؼ ماذا يفعؿ ولماذا يفعمو ،لذلؾ
ّ كمي المعرفة
وآمف بأنؾ تحت رعاية كائف عظيـّ ،
فيو لف يتركؾ وحيداً ولف يحرمؾ مف أي شي ضروري لبقائؾ .دعو يوفر لؾ مستمزماتؾ وحاجياتؾ
التأمؿ بما ىو
عمى طريقتو الخاصة .وكؿ ما عميؾ فعمو مف جانبؾ ىو الصبر واالتظار و ّ
لصالحؾ ..وليس التوؽ إلى ما يمتعؾ .ىناؾ فرؽ كبير بيف ما ىو لصالحؾ وما ىو لمتعتؾ.
أصبر وانتظر ما يجمبو القدر إليؾ ،وال تحاوؿ أبداً الخروج إلى الحياة متبعاً الصراع العنيؼ أو
الوسيمة الخبيثة كسبيؿ لمعيش .قد تبدو وسيمة االنتظار باإليماف غير عممية وسط ىذا العالـ المئيـ
تسخر القوة اإلليية
والميووس ،لكنيا رغـ ذلؾ أثبتت جدواىا بكؿ جدارة .عندما تؤمف بصدؽ ،سوؼ ّ
كؿ ما تحتاجو مف ظروؼ وأشخاص وتوفر لؾ كافة المستمزمات التي تساعدؾ في خوض الحياة
بسبلـ .القوة اإلليية واسعة الحيمة ،وطريقتيا سحرية بكؿ ما تعنيو الكممة .مف خبلؿ اإليماف بيا
واالتكاؿ عمييا تكوف عمى األقؿ قد كسبت نفسؾ وجنبتيا الكثير مف الخطايا التي قد تقترفيا وما
ينتج منيا مف مآسي وأحزاف .آمف واكسب .أعقؿ وتو ّكؿ .ىذه ىي وسيمة خبلصؾ الوحيدة وسط
معترؾ ىذه الحياة الدنيوية المؤقتة .أنت لست ىنا لجني األمواؿ ومراكمة الممتمكات واحتبلؿ
المناصب ،بؿ لتتعمـ وتنمو في مدرسة الحياة.
245
طريقة الحكيم
كاف النساؾ والزىاد في الزمف القديـ يتبعوف طريقة معينة لفحص مدى إيمانيـ .كافة الثقافات القديمة
عرفت ىذه الطريقة جيداً وآمنت بجدواىا .ىذه الطريقة طبعاً أصبحت غريبة بالنسبة لنا اآلف ،في
ىذا العصر .كاف الشخص ،عندما يتخذ قرار بأنو يرغب في تقوية إيمانو بالقوة اإلليية ،يخرج وحيداً
إلى مكاف نائي بعيداً في البرية ،يحمؿ معو بعض الماء أحياناً ،وأحياناً كثيرة ال شيء عمى
ويتأمؿ ،تواصمو مع الخالؽ
ّ اإلطبلؽ .فيجمس ىناؾ وحيداً مجرداً مف أي وسيمة عيش ،وينتظر
واالتكاؿ عميو يكوف قائـ دائماً .ينتظر ساعات ،ثـ أياـ ،ثـ أسابيع ،دوف أي مؤف مف أي نوع.
وعندما يعود النساؾ مف خموتيـ االستثنائية ،يكوف الناس في انتظارىـ ليستمعوا إلى رواياتيـ
العجيبة .كيؼ كاف يأتييـ الطعاـ مف حيث ال يتوقعوف أو يدروف! كيؼ كانوا يستدلوف عمى مواقع
الماء ،كيؼ كانوا يمتقوف مع أشخاص عابري سبيؿ ،في منطقة خالية وجرداء بحيث ال يمكف أف
يمر منيا أحد ،فيمبوف حاجيات ومستمزمات الناسؾ ميما كانت .الروايات األكثر عجباً كانت تتعمؽ
بالحيوانات التي تقدـ المساعدة أحياناً! كاف البعض يفشموف في تفعيؿ اإليماف لدييـ ،فكانوا يعودوف
ميروليف بعد ساعات أو أياـ .لكف ىناؾ البعض الذي سطعت تمؾ القوة الباطنية داخميـ ،لدرجة أف
تمؾ الحياة الج ديدة أصبحت ممتعة بالنسبة ليـ ،فبقوا في خمواتيـ حتى مماتيـ .أولئؾ ىـ النساؾ
القديسيف الذيف تـ تبجيميـ مف قبؿ مجتمعاتيـ المحمية .الزالت أسماء ىذه النوعية مف الناس تُذكر
حتى اآلف بيف كافة الشعوب حوؿ العالـ .ىكذا طريقة في فحص اإليماف انتيت واندثرت اليوـ ،في
ىذا العصر المتطور الذي نحتفؿ بو ببيجة وفرح .لـ يعد ىناؾ مف يتذكر ىذا التقميد حتى ،فما بالؾ
ممارستو .القوة اإلليية حاضرة لتمبية كافة حاجاتنا ،كؿ ما نحتاجو لتفعيؿ ىذه القوة بداخمنا ىو
اإليماف الصادؽ والمتيف ،واالتكاؿ الكمي عمى العالي القدير .أنت ال تحتاج إلى الخروج واالختبلء
تفعؿ ىذه القوة الباطنية التي تمبي كؿ حاجاتؾ المعيشية .كؿ ما عميؾ فعمو ىو
وحيداً في البرية لكي ّ
تفعيؿ اإليماف بداخمؾ أينما كنت وكيفما كانت ظروفؾ المعيشية .اإليماف بوجود قوة إليية عظيمة
ترعاؾ وتحميؾ وىي حاضرة دائماً لتمبية حاجاتؾ األساسية .تسخر لؾ األشخاص وتخمؽ لؾ
الظروؼ المناسبة إلتماـ األعماؿ الضرورية وتمبية كامؿ حاجاتؾ .أنا ال أتكمـ بناء عمى كتاب قرأتو
أو مف عقيدة عمياء اعتنقيا ،بؿ أستند عمى تجربة عممية دامت سنيف طويمة ،وربما سأروي لكـ
تجربتي في يوـ مف األياـ.
.....................
انتيى
246