You are on page 1of 711

‫بضاعة الناصحين‬

‫شــرح‬

‫قطوف الفالحين‬
‫عنوان الكتاب‪ :‬بضاعة الناصحني رشح قطوف الفاحلني‪.‬ـ‬

‫تأليــــــــف‪ :‬علوي بن عبداهلل بن حسني العيدروس‪.‬‬ ‫رقم اإليداع‬


‫بالهيئة العامة للكتاب‬
‫عدد الصفحات‪711 :‬‬ ‫ت ( ) لعام ‪2016‬م‬
‫م‪/‬حضرموت‬
‫قياس القطع‪:‬ـ ‪24×17‬‬

‫اإلخراج الفني‪:‬‬

‫مكتب بن سميط‬
‫لصف وتنسيق وطباعة الكتب‬
‫جوال‪+ 967 771535595 + 967 735206217 :‬‬
‫‪EM: alwi.a.ms40@gmail.com‬‬

‫التنفيذ الطباعي والتوزيع‪:‬ـ‬

‫مكتبة تريم الحديثة‬ ‫الطبعة األولى‬


‫للطباعة والنشر والتوزيع‬ ‫‪1437‬هـ ‪2016 -‬م‬
‫حضرموت ‪-‬ترمي‬

‫‪E.M: tmbs417130@hotmail.com‬‬ ‫هاتــف‪ +967 5 417130 :‬‬


‫‪OR: mab418130@ hotmail.com‬‬ ‫الكت ــب والدراس ــات الت ــي فاكـــس‪+967 5 418130 :‬‬
‫مكتبــة تــرمي احلديثــة (مجموعــة) ‪Facebook :‬‬ ‫تصدره ــا املكتب ــة ال تعن ــي جـــــوال‪+967 777417130 :‬‬
‫بالـــرورة تبنـــي األفـــكار‬
‫الـــواردة فيهـــا‪ ،‬وهـــي‬
‫تع ــر ع ــن أراء واجته ــادات‬
‫حقوق الطبع والنشر حمفوظة للمؤلف‬ ‫أصحابهـــــــــــــــــــا‬
‫بضاعة الناصحين‬
‫شرح‬
‫قطوف الفالحين‬

‫تأليـــــف‬
‫السيد علوي بن عبداهلل بن حسني العيدروس‬
‫العلوي احلسيين‬

‫الجزء األول‬
‫(‪)5‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫ﮪ ﮫﮬ ﮭ‬

‫مقدمــة الشـــارح‬

‫ّ‬
‫وحذر من القبائح‪،‬‬ ‫احلمد الذي بعث إىل األمة خري ناصح‪ ،‬فبني الفضائل‬
‫وتركنا عىل املحجة البيضاء ال يزيغ عنها إال كل هالك فاضح‪ ،‬ومن عني اهلل طايح‪،‬‬
‫أي موج‬
‫وفاز من أخذ باألوامر والنواصح‪ ،‬فصار يف بحار القرب سابح‪ ،‬ومل يرده ُّ‬
‫طافح‪ ،‬وأمسى وأصبح وهو من ذنوبه عند اهلل مسامح‪ ،‬وصىل اهلل وسلم وبارك‬
‫عىل سيدنا حممد الذي اهتدى هبديه كل رابح‪ ،‬وعىل آله وأصحابه ومن تبعهم من‬
‫كل فائز ناجح‪ ،‬أما بعد‪..‬‬
‫فهذا رشح مبسط لكتاب سيدي وبركتي وشيخي وإمامي وقدويت اإلمام‬
‫العالمة احلبيب عمر بن حممد بن سامل بن حفيظ بن الشيخ أيب بكر بن سامل حفظه اهلل‬
‫وأطال له يف العمر‪ ،‬واملسمى ((قطوف الفاحلني)) وهو عبارة عن اختصار لكتاب‬
‫اإلمام أيب زكريا حييى بن رشف الدين النووي‪ ،‬واملسمى ((رياض الصاحلني))‪.‬‬
‫وقد حثني عىل رشحه الرغبة يف املشاركة يف اخلري ونرش الرشع املصون‪ ،‬ثم‬
‫ما ظهر يل من إشارات‪ ،‬حيث أين يف صبيحة اليوم الرابع من رمضان املع ّظم من‬
‫سنة ‪1435‬هـ رأيت يف منامي رؤية عجيبة تكررت يف نفس اليوم أربع مرات كلام‬
‫استيقظت وعدت للنوم أراها‪ ،‬أال وهي أين رأيت يف مرتني منها رج ً‬
‫ال ال أعرفه‬
‫يناولني كتاب ((قطوف الفاحني))‪ ،‬ويقول يل‪ :‬إرشح هذا‪ ،‬ويف املرتني األخريتني‬
‫يظهر يل يف الرؤية سيدي وبركتي وشيخي احلبيب العالمة عمر بن حممد بن سامل‬
‫ابن حفيظ‪ ،‬ويناولني كذلك الكتاب املذكور‪ ،‬ويقول يل‪ :‬إرشح هذا‪ ،‬فانتبهت‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫من نومتي‪ ،‬ثم توجهت حلظور الروحة عند سيدي وشيخي احلبيب عمر‪ ،‬ثم‬
‫أخربته بام رأيت‪ ،‬فقال يل‪ :‬عىل بركة اهلل‪ ،‬وأذن يل برشحه‪ ،‬وسمى الرشح بعد ذلك‪:‬‬
‫((بضاعة الناصحني رشح قطوف الفاحلني))‪.‬‬
‫فاستعنت باهلل يف رشحه‪ ،‬وتوكلت عليه‪ ،‬مغتن ًام اإلشارة واإلذن‪.‬‬
‫واهلل أسأل أن جيعله خالص ًا خملص ًا لوجهه الكريم‪ ،‬ومقرب ًا إىل جنات النعيم‪،‬‬
‫ووالدي ومشاخيي وزوجتي وأوالدي وإخواين‬
‫ّ‬ ‫وسبب ًا ملرافقة احلبيب الكريم‪،‬‬
‫ومجيع أهل بيتي ومن له حق عيل‪ .‬آمني اللهم آمني‪.‬‬
‫وصىل اهلل عىل سيدنا حممد وآله وصحبه وسلم‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‬

‫كتبه‬
‫علوي بن عبداهلل بن حسني العيدروس‬
‫ليلة الثالثاء ‪ 23‬ظفر اخلري ‪1436‬هـ‬
‫املوافق ‪2014/12/15‬م‬
‫تريم احملروسة‬
‫(‪)7‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث األول‬

‫‪((:‬إِ َّن اهللَ‬ ‫قال‪ :‬قال رسول اهلل‬ ‫عن أيب هريرة عبدالرمحن بن صخر‬
‫َل َينْ ُظ ُر إِ َل َأ ْج َس ِامك ُْم‪َ ،‬و َل إِ َل ُص َو ِرك ُْم َو َلكِ ْن َينْ ُظ ُر إِ َل ُق ُلوبِك ُْم َو َأ ْع َملِك ُْم))‪ .‬رواه‬
‫مسلم‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمـــه‬
‫وأرضاه‪ ،‬وهو َأ َّول َم ْن ُكن َِّي ِ َب ِذ ِه ال ُكنْ َية‪،‬‬ ‫الصحايب اجلليل أبو هريرة‬
‫وقد أختلف يف اسمه اختالفا كثري ًا حتى وصل إىل ثالثني قوالً‪ ،‬قال اإلمام النووي‬
‫اسم َأبِ ِيه َع َل ن َْحو ِم ْن‬ ‫اخت ُِل َ ِ‬
‫ف ِف ا ْسمه َو ْ‬ ‫يف ((رشحه عىل صحيح اإلمام مسلم))‪َ " :‬و ْ‬
‫الب‪ :‬لِ َك ْث َر ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ح ِن ْبن َص ْخ ٍر‪َ .‬ق َال َأ ُبو َع ْم ٍرو ا ْبن َع ْبد َ ِّ‬ ‫ني َق ْوالً َو َأ َص ُّح َها َع ْبدُ َّ‬
‫الر ْ َ‬ ‫َث َلثِ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ح ِن ُه َو‬ ‫الر ْ َ‬‫شء ُي ْعت ََمد َع َل ْيه إِ َّل َأ َّن َع ْبدَ اهلل َو َع ْبدَ َّ‬
‫ال ْخت َلف فيه َل ْ َيص َّح عنْدي فيه َ ْ‬
‫اق‪ :‬اِ ْسمه‬ ‫اإل ْس َلم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬و َق َال ُم َ َّمدُ ْبن إِ ْس َح َ‬ ‫ا َّل ِذي َي ْسكُن إِ َل ْي ِه ال َقلب ِف اِ ْسمه ِف ِ‬
‫ح ِن ْبن َص ْخ ٍر‪َ ،‬ق َال‪َ :‬و َع َل َه َذا اِ ْعت ََمدْ ت َط ِائ َفة ُصنِّ َف ْت ِف األَ ْس َمء َوال ُكنَى‪،‬‬ ‫الر ْ َ‬
‫َع ْبدُ َّ‬
‫ِ‬ ‫اكم َأبو َأ ْحَدَ ‪َ :‬أصح َ ٍ ِ‬ ‫وك ََذا َق َال ا ِ‬
‫ح ِن ْبن َص ْخ ٍر" اهـ‪.‬‬ ‫شء عنْدنَا ِف ا ْسمه َع ْبدُ َّ‬
‫الر ْ َ‬ ‫َ ُّ ْ‬ ‫حل ُ ُ‬ ‫َ‬
‫(((‬
‫َ‬
‫حلافِ ُظ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس ُم ُه ُع َم ْ ُي ْب ُن َعام ٍر َ‬
‫‪،‬و ُه َو َق ْو ُل َخلي َف َة ْب ِن َخ َّياط‪َ ،‬و َر َّج َح ُه ا َ‬
‫ِ‬
‫َوق َيل‪ْ :‬‬
‫الش ِاء ْب ِن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين الدِّ ْم َياط ُّي‪َ .‬ق َال َخلي َف ُة‪ُ :‬ه َو ُع َم ْ ُي ْب ُن َعام ِر ْب ِن َع ْبد ذي ِّ َ‬ ‫ف الدِّ ِ‬
‫ش ُ‬
‫ََ‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.54/1 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)8‬‬

‫ب ْب ِن ُهنَ َّي َة ْب ِن َس ْع ِد ْب ِن َث ْع َل َب َة ْب ِن َس َل ِم ْب ِن َ ْب ِم ْب ِن َغنْ ِم‬


‫َّاب ْب ِن َأ ِب َص ْع ِ‬ ‫َط ِر ِ‬
‫يف ْب ِن َعت ِ‬
‫س‪.‬‬‫ا ْب ِن َد ْو ِ‬
‫ح ِن‪َ ،‬و َحكَا ُه ال ُب َخ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ار ُّي‬ ‫س‪َ ،‬قا َل ُه َأ ُبو َس َل َم َة ْب ُن َع ْبد َّ‬
‫الر ْ َ‬ ‫اس ُم ُه َع ْبدُ َش ْم ٍ‬ ‫َوق َيل‪ْ :‬‬
‫ني‪َ ،‬و َأ ِب ُن َع ْي ٍم ال َف ْض ِل‬ ‫ي َيى ْب ِن َم ِع ٍ‬ ‫ِ‬
‫َع ْن ا ْب ِن َأ ِب األَ ْس َود‪َ ،‬و ُه َو َق ْو ُل َأ ْحَدَ ْب ِن َحنْ َب ٍل‪َ ،‬و َ ْ‬
‫اس ُم ُه َع ْبدُ َع ْم ِرو ْب ُن َع ْب ِد َغنْ ٍم‪َ ،‬قا َل ُه ا ْبنُ ُه ا ُمل َح َّر ُر ْب ُن َأ ِب ُه َر ْي َرةَ‪،‬‬ ‫اب ِن دك ٍ ِ‬
‫َي‪َ .‬وق َيل‪ْ :‬‬ ‫ْ ُ ْ‬
‫َو َص َّح َح ُه ال َف َّل ُس‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ح ِن‬
‫الر ْ َ‬ ‫اس ُم ُه َع ْبدُ َنْ ِم ْب ُن َعام ٍر‪َ ،‬و ُه َو َق ْو ُل ا ْب ِن َلي َع َة‪َ ،‬وق َيل‪ْ :‬‬
‫اس ُم ُه َع ْبدُ َّ‬ ‫َوق َيل‪ْ :‬‬
‫ا ْب ُن َغنْ ٍم‪.‬‬
‫َو ِق َيل َع ْبدُ اهللِ ْب ُن َع ِام ِر‪.‬‬
‫َو ِق َيل‪َ :‬ع ْبدُ اهللِ ْب ُن َع ْب ِد َش ْم ٍ‬
‫س‪َ ،‬و ُه َو َق ْو ُل َأ ِب َخ ْي َث َم َة ُز َه ْ ِي ْب ِن َح ْر ٍ‬
‫ب‪.‬‬

‫َو ِق َيل‪َ :‬س ِك ُ‬


‫ني ْب ُن َد ْر َم َة‪.‬‬

‫َو ِق َيل َس ِك ُ‬
‫ني ْب ُن َع ْم ٍرو ‪.‬‬
‫ِ‬
‫َوق َيل‪َ :‬ب ِر َير ُة ْب ُن َع ْ َ‬
‫س َق َة‪.‬‬
‫َو ِق َيل‪َ :‬ب ِر ُير ْب ُن َع ْب ِد اهلل‪.‬‬
‫َو ِق َيل‪َ :‬ع ْم ُرو ْب ُن َع ْب ِد ال ُع َّزى‪.‬‬
‫َو ِق َيل‪َ :‬ع ْبدُ اهللِ ْب ُن َع ْب ِد ال ُع َّزى‪.‬‬
‫ح ِن ْب ُن َع ْم ٍرو ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َوق َيل‪َ :‬ع ْبدُ َّ‬
‫الر ْ َ‬
‫َو ِق َيل‪َ :‬ع ْم ُرو ْب ُن َع ْب ِد َغنْ ٍم‪.‬‬
‫اس ُم ُه َع ِام ٌر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َوق َيل‪ْ :‬‬
‫(‪)9‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(((‬
‫وس‪َ ،‬و ِق َيل َغ ْ ُي َذلِ َك‪.‬‬
‫َو ِق َيل‪ :‬ك ُْر ُد ٍ‬

‫اإل َصا َبة))‪َ " :‬ف ِعنْد الت ََّأ ُّمل ‪َ ..‬ل َت ْب ُلغ األَ ْق َوال‬
‫حلافِظ ا ْب ُن َح َجر ِف (( ِ‬
‫َو َق َال ا َ‬
‫عها ِم ْن ِج َهة ِص َّحة النَّ ْقل إِ َل َث َل َثة‪ُ :‬ع َم ْي‪َ ،‬و َع ْبد اهللِ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫شة َخال َصة‪َ ،‬و َم ْر ِج َ‬ ‫َع َ َ‬
‫(((‬
‫حن" اهـ‪.‬‬ ‫الر ْ َ‬
‫َو َع ْبد َّ‬
‫وقال احلافظ ابن عبد الرب‪ :‬مل خيتلف يف اسم أحد يف اجلاهلية‪ ،‬وال يف اإلسالم‬
‫(((‬
‫كاالختالف فيه‪ .‬اهـ‬
‫‪.‬‬ ‫واسم أمه‪ :‬ميمونة‪ ،‬وقيل‪ :‬أمية‪ ،‬وقد أسلمت بدعاء رسول اهلل‬
‫ومن اخلطأ الذي يقع فيه البعض‪ :‬اخللط بني قصة أيب هريرة‪ ،‬وقصة الطفيل بن‬
‫‪" :‬أدعوا عىل دوس"‪ ،‬فينسب ذلك أليب هريرة‪،‬‬ ‫عامر الدويس الذي قال للنبي‬
‫والصحيح أنه الطفيل ابن عامر‪ ،‬وهو الذي ذهب يدعو قومه‪ ،‬فأسلموا‪ ،‬وكان من‬
‫بنفسه‪ ،‬فقال‪َ :‬ق ِد َم ال ُّط َف ْي ُل ْب ُن‬ ‫ضمنهم أبو هريرة‪ ،‬وقد روى ذلك ابو هريرة‬
‫ول اهللِ ‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ول اهلل إِ َّن َد ْو ًسا َقدْ َع َص ْت َو َأ َب ْت‪َ ،‬فا ْد ُع اهللَ‬ ‫َعم ٍرو َع َل رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ت ِبِ ْم)) متفق عليه‪.‬‬ ‫َع َليها‪َ ،‬ف َظن النَّاس َأ َّنه يدْ ُعو َع َلي ِهم‪َ ،‬ف َق َال‪((:‬ال َّلهم اه ِد دوسا و ْأ ِ‬
‫ُ َّ ْ َ ْ ً َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ُ َُ‬ ‫َّ‬ ‫َْ‬
‫وقال أبو هريرة ‪ -‬يتحدث عن نفسه ‪" : -‬كان إسمي يف اجلاهلية عبد شمس‬
‫ابن صخر فسميت يف اإلسالم عبد الرمحن"‪ .‬أخرجه احلاكم يف ((املستدرك))‪.‬‬
‫ويف رواية عند احلاكم أيض ًا‪" :‬كان إسمي يف اجلاهلية عبد شمس بن صخر‪،‬‬
‫عبد الرمحن"‪.‬‬ ‫فسامين رسول اهلل‬

‫((( انظر‪(( :‬طرح التثريب))؛ طبعة‪ :‬مكتبة نزار مصطفى الباز‪.131/1 :‬‬
‫((( ((اإلصابة يف متييز الصحابة))؛ طبعة‪ :‬مكتبة مرص‪.270/4 :‬‬
‫((( انظر‪(( :‬عمدة القاري))؛ طبعة‪ :‬املكتبة التوفيقية‪.)172/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)10‬‬

‫أما سبب تكنيه بأيب هريرة ‪ ..‬فقد اختلفوا أيضا فيه عىل أقوال‪:‬‬

‫قال اإلمام النووي‪َ " :‬و َأ َّما َس َبب َتكْنِ َيتِ ِه َأ َبا ُه َر ْي َر َة َفإِ َّن ُه كَان ْ‬
‫َت َل ُه ِف ِص َغره ُه َر ْي َرة‬
‫(((‬
‫َص ِغ َري ٌة َيل َعب ِ َبا" اهـ‪.‬‬
‫رآه ويف كمه هرة‪ ،‬فقال له‪ :‬يا أبا هريرة‪.‬‬ ‫وقال بعضهم‪ :‬أن النبي‬
‫عن نفسه فقال‪" :‬و إنام كنوين بأيب هريرة ‪ ..‬ألين كنت أرعى غنام‬ ‫وحكى‬
‫ألهيل‪ ،‬فوجدت أوالد هرة وحشية‪ ،‬فجعلتها يف كمي‪ ،‬فلام رجعت عنهم ‪ ..‬سمعوا‬
‫أصوات اهلر من حجري‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما هذا يا عبد شمس؟ فقلت‪ :‬أوالد هر وجدهتا‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬فأنت أبو هريرة‪ ،‬فلزمتني بعد" أخرجه احلاكم يف ((املستدرك))‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫وارضاه عام خيرب‪ ،‬وشهده مع النبي‬ ‫أسلم‬

‫‪:‬‬ ‫™™روايته للحديث‬


‫منقبة عظيمة فخيمة‪ ،‬حيث أنه أكثر الصحابة‬ ‫حاز سيدنا أبو هريرة‬
‫احلافِ ُظ‬ ‫باإلمجاع‪ (((،‬قال اإلمام النووي‪َ " :‬و َذك ََر ِاإل َمام َ‬ ‫رواية عن النبي‬
‫خ َسة َآلف َح ِديث َو َث َل ِثمئ ٍَة َو َأ ْر َب َعة‬ ‫س ِف ُم ْسن َِد ِه ِلَ ِب ُه َر ْي َر َة َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َبق َي ْبن َم ْ َلد األَنْدَ ُل ُّ‬
‫‪َ -‬ه َذا ال َقدْ ر َو َل َما ُي َق ِارب ُه" اهـ‪.‬‬ ‫ِ ٍ ِ‬ ‫وسب ِع َ ِ‬
‫(((‬
‫الص َحا َبة ‪-‬‬ ‫ني َحديث ًا‪َ ،‬و َل ْي َس لَ َحد م ْن َّ‬ ‫َ َ ْ‬
‫وقد اتفق البخاري ومسلم عىل ثالثامئة ومخسة وعرشين من رواياته‪ ،‬وانفرد‬
‫البخاري بثالثة وتسعني‪ ،‬ومسلم بامئة وتسعني‪ ،‬وقد روى عنه أكثر من َث َمنِ ِمئ َِة‬
‫يص ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َوتَابِعٍ‪ ،‬منهم ابن عباس‪ ،‬وجابر‪ ،‬وأنس‪ ،‬وهو أزدي دويس‬ ‫اح ٍ‬ ‫َر ُج ٍل م ْن َب ْ ِ َ‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.54/1 :‬‬


‫((( انظر‪(( :‬عمدة القاري))‪.172/1 :‬‬
‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.55/1 :‬‬
‫(‪)11‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫يامين ثم مدين‪ ،‬كان ينزل بذي احلليفة بقرب املدينة‪ ،‬له هبا دار تصدق هبا عىل مواليه‪.‬‬
‫حل ِديث ِف َد ْهره"‪.‬‬
‫‪َ " : -‬أ ُبو ُه َر ْي َر َة َأ ْح َف ُظ َم ْن َر َوى ا َ‬ ‫الشافِ ِع ُّي ‪-‬‬ ‫َق َال ِ‬
‫اإل َمام َّ‬

‫َق َال‪ :‬إِ َّن‬ ‫‪ ،‬ف َعنْه‬ ‫وسبب حفظه وكثرة روايته ‪ ..‬أنه كان مالزم ًا للنبي‬
‫َاب اهللِ َما َحدَّ ْث ُت َح ِديث ًا‪ُ ،‬ث َّم َي ْت ُلو‪:‬‬
‫َان ِف ِكت ِ‬
‫ون َأ ْك َثر َأبو ُهرير َة و َلو َل آيت ِ‬
‫َّاس َي ُقو ُل َ َ ُ َ ْ َ َ ْ َ‬ ‫الن َ‬
‫ﱹ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﱸ [البقرة‪ ]159 :‬إِ َل َق ْولِ ِه ﱹ ﯢ ﱸ ‪.‬‬
‫الص ْف ُق بِاألَ ْس َو ِاق‪َ ،‬وإِ َّن إِ ْخ َوا َننَا ِم ْن‬ ‫َان َي ْش َغ ُل ُه ْم َّ‬ ‫إِ َّن إِ ْخ َوا َننَا ِم ْن ا ُمل َه ِ‬
‫اج ِري َن ك َ‬
‫ول اهللِ‬ ‫َان َي َلز ُم َر ُس َ‬‫ال ْم‪َ ،‬وإِ َّن َأ َبا ُه َر ْي َر َة ك َ‬ ‫َان ي ْش َغ ُلهم العم ُل ِف َأمو ِ‬ ‫األَن َْص ِ‬
‫َْ‬ ‫ُ ْ ََ‬ ‫ار ك َ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ون" أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫ي َف ُظ َ‬ ‫ي َف ُظ َما َل َ ْ‬ ‫ون‪َ ،‬و َ ْ‬‫ض َ‬‫يُ ُ‬ ‫ض َما َل َ ْ‬ ‫يُ ُ‬ ‫بِش َب ِع َب ْطنه‪َ ،‬و َ ْ‬
‫ون إِ َّن َأ َبا ُه َر ْي َر َة َقدْ َأ ْك َث َر واهللُ ا َمل ْو ِعدُ ‪،‬‬
‫ويف رواية ملسلم‪ :‬إِ َّن َأ َبا ُه َر ْي َر َة َق َال‪َ :‬ي ُقو ُل َ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ار َل يتَحدَّ ُث َ ِ‬ ‫اج ِري َن َواألَن َْص ِ‬ ‫ون‪ :‬ما َب ُال ا ُمل َه ِ‬
‫بك ُْم‬ ‫ون م ْث َل َأ َحاديثه‪َ ،‬و َس ُأ ْخ ِ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َو َي ُقو ُل َ َ‬
‫َان َي ْش َغ ُل ُه ْم َع َم ُل َأ َر ِض ِيه ْم‪َ ،‬وإِ َّن إِ ْخ َو ِان ِم ْن‬ ‫ار ك َ‬ ‫َع ْن َذلِ َك‪ ،‬إِ َّن إِ ْخ َو ِان ِم ْن األَن َْص ِ‬
‫ع َل ِم ِ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫الص ْف ُق بِاألَ ْس َو ِاق‪َ ،‬و ُكن ُْت َأ َلز ُم َر ُس َ‬ ‫اج ِري َن ك َ‬ ‫امله ِ‬
‫لء‬ ‫َ‬ ‫َان َي ْش َغ ُل ُه ْم َّ‬ ‫َ‬
‫َي ْو ًما‪َ (( :‬أ ُّيك ُْم‬ ‫ول اهللِ‬ ‫َب ْطنِي‪َ ،‬ف َأ ْش َهدُ إِ َذا َغا ُبوا‪َ ،‬و َأ ْح َف ُظ إِ َذا ن َُسوا‪َ ،‬و َل َقدْ َق َال َر ُس ُ‬
‫ي َم ُع ُه إِ َل َصدْ ِر ِه‪َ ،‬فإِ َّن ُه َل ْ َين َْس َش ْيئ ًا َس ِم َع ُه‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َي ْب ُس ُط َث ْو َب ُه‪َ ،‬ف َي ْأ ُخ ُذ م ْن َحديثي َه َذا‪ُ ،‬ث َّم َ ْ‬
‫ك‬ ‫يت َب ْعدَ َذلِ َ‬ ‫ج ْعت َُها إِ َل َصدْ ِري‪َ ،‬ف َم ن َِس ُ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ت ُب ْر َد ًة َع َ َّل َحتَّى َف َر َغ م ْن َحديثه‪ُ ،‬ث َّم َ َ‬ ‫َف َب َس ْط ُ‬
‫ال َي ْو ِم َش ْيئًا))‪.‬‬
‫ول اهللِ إِ ِّن َأ ْس َم ُع ِمن َْك َح ِديث ًا كَثِري ًا َأن َْسا ُه‪َ .‬ق َال‪:‬‬ ‫لت َيا َر ُس َ‬ ‫َق َال‪ُ :‬ق ُ‬ ‫وعنه‬
‫يت‬ ‫ف بِ َيدَ ْي ِه‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪ُ (( :‬ض َّم ُه)) َف َض َم ْم ُت ُه َف َم ن َِس ُ‬ ‫((ا ْب ُس ْط ِر َد َاء َك)) َف َب َس ْط ُت ُه‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َغ َر َ‬
‫َش ْيئ ًا َب ْعدَ ُه‪ .‬أخرجه البخاري‪.‬‬
‫َق َال‪َ :‬ح ِف ْظ ُت ِم ْن رس ِ‬
‫ول اهللِ‬
‫ِو َعا َء ْي ِن‪َ ،‬ف َأ َّما َأ َحدُ ُ َ‬
‫ها ‪َ ..‬ف َب َث ْث ُت ُه‪،‬‬ ‫َ ُ‬ ‫وعنه‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)12‬‬

‫اآلخ ُر ‪َ ..‬ف َل ْو َب َث ْث ُت ُه ُقطِ َع َه َذا ال ُبل ُعو ُم‪ .‬أخرجه البخاري‪.‬‬


‫َو َأ َّما َ‬

‫الص َّف ِة َو ُم َل ِز ِم َيها‪َ ،‬ق َال َأ ُبو ُن َع ْي ٍم ِف‬ ‫ِِ‬


‫َان م ْن َساكني ُّ‬
‫قال اإلمام النووي‪" :‬وك َ ِ‬
‫َ‬
‫الص َّفة َو َأ ْش َهر َم ْن َس َكن ََها" اهـ‪.‬‬ ‫ِحلي ِة األَولِي ِ‬
‫(((‬
‫َان َع ِّريف َأ ْه ِل ُّ‬
‫اء‪ :‬ك َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتـــه‬
‫وأرضاه باملدينة املنورة سنة تسع ومخسني للهجرة (‪59‬هـ)‪َ ،‬و ُه َو‬ ‫تويف‬
‫‪ ،‬وصىل‬ ‫ني َسنَة‪َ ،‬و ُدفِ َن بِال َب ِقيعِ‪ ،‬وتوفيت قبله أم املؤمنني عائشة‬
‫اِ ْبن َث َم ٍن َو َس ْب ِع َ‬
‫عليها‪.‬‬

‫خ ِس َ‬
‫ني‪.‬‬ ‫وقيل‪ :‬أنه مات َس ْبع َو َ ْ‬
‫خ ِس َ‬
‫ني‪.‬‬ ‫وقيل‪ :‬سنة َث َم ٍن َو َ ْ‬
‫قال يف ((االستيعاب))‪" :‬قال خليفة بن خياط‪ :‬تويف أبو هريرة سنة سبع‬
‫ومخسني‪.‬‬
‫وقال اهليثم ابن عدي‪ :‬تويف أبو هريرة سنة ثامن ومخسني‪ .‬وقال الواقدي‪:‬‬
‫تويف سنة تسع ومخسني وهو ابن ثامن وسبعني‪ ،‬وكذلك قال ابن نمري إنه تويف سنة‬
‫تسع ومخسني‪ ،‬وقال غريه‪ :‬مات بالعقيق‪ ،‬وصىل عليه الوليد بن عقبة بن أيب سفيان‪،‬‬
‫(((‬
‫وكان أمري ًا يومئذ عىل املدينة‪ ،‬ومروان بن احلكم معزول" اهـ‪.‬‬
‫قال احلافظ العراقي يف ((طرح التثريب))‪َ " :‬و ُر ِو َي َعنْ ُه َأ َّن ُه َق َال‪ :‬ال َّل ُه َّم‬
‫(((‬
‫ِّني‪َ ،‬فت ُُو ِّ َف َق ْب َل َها َأ ْو فِ َيها" اهـ‪.‬‬
‫َل تُدْ ِركُنِي َسنَ َة ِست َ‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.55/1 :‬‬


‫((( ((االستيعاب))‪.71/2 :‬‬
‫((( ((طرح التثريب))‪.132/1 :‬‬
‫(‪)13‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ويذكر بعضهم أن قربه يف عسقالن وهذا غري صحيح‪ ،‬قال يف ((عمدة‬
‫القاري))‪" :‬والذي يقوله الناس إن قربه بقرب عسقالن ‪ ..‬ال أصل له فاجتنبه؛ نعم‬
‫(((‬
‫هناك قرب خيسعة بن جندرة الصحايب" اهـ‪.‬‬
‫مجعنا اهلل به يف أعىل فراديس اجلنان‪ .‬آمني اللهم آمني‬

‫™™الروايات التي ورد بها الحديث‪:‬‬


‫وردت عند اإلمام أمحد ومسلم وابن حبان‪:‬‬
‫َل َينْ ُظ ُر إِ َل ُص َو ِرك ُْم‪،‬‬ ‫‪((:‬إِ َّن اهللَ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫َو َأ ْم َوالِك ُْم‪َ ،‬و َلكِ ْن َينْ ُظ ُر إِ َل ُق ُلوبِك ُْم‪َ ،‬و َأ ْع َملِك ُْم))‪.‬‬
‫ووردت رواية عند اإلمام أمحد أيض ًا بزيادة لفظ ((إنام)) وهي‪:‬‬
‫َل َينْ ُظ ُر إِ َل ُص َو ِرك ُْم‪،‬‬ ‫َق َال‪((:‬إِ َّن اهللَ‬ ‫َأ َّن النَّبِ َّي‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫َو َأ ْم َوالِك ُْم‪َ ،‬و َلكِ ْن إِن ََّم َينْ ُظ ُر إِ َل ُق ُلوبِك ُْم‪َ ،‬و َأ ْع َملِك ُْم))‪.‬‬
‫وعند ابن ماجة‪:‬‬
‫َق َال‪(( :‬إِ َّن اهللَ َل َينْ ُظ ُر إِ َل ُص َو ِرك ُْم‪،‬‬ ‫َر َف َع ُه إِ َل النَّبِ ِّي‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫َو َأ ْم َوالِك ُْم‪َ ،‬و َلكِ ْن إِن ََّم َي ْن ُظ ُر إِ َل َأ ْع َملِك ُْم‪َ ،‬و ُق ُلوبِك ُْم))‪.‬‬
‫ووردت عند مسلم عن أيب هريرة أيض ًا‪:‬‬

‫ُق ُلوبِك ْ‬
‫ُم))‬ ‫ادك ُْم‪َ ،‬و َل إِ َل ُص َو ِرك ُْم‪َ ،‬و َلكِ ْن َينْ ُظ ُر إِ َل‬
‫((إِ َّن اهللَ َل ينْ ُظر إِ َل َأجس ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ ُ‬
‫َو َأ َش َار بِ َأ َصابِ ِع ِه إِ َل َصدْ ِر ِه‪.‬‬

‫((( ((عمدة القاري))‪.172/1 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)14‬‬

‫ويف رواية عند الطرباين‪:‬‬


‫ال ينظر إىل أجسامكم‪،‬‬ ‫‪(( :‬إن اهلل‬ ‫عن أيب مالك قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫وال إىل أحسابكم‪ ،‬وال إىل أموالكم‪ ،‬ولكن ينظر إىل قلوبكم‪ ،‬فمن كان له قلب‬
‫صالح‪ ..‬حتنن اهلل عليه‪ ،‬وإنام أنتم بنو آدم‪ ،‬وأحبكم إيل أتقاكم)) ‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪(( :‬إِ َّن اهللَ َل َينْ ُظ ُر إِ َل َأ ْج َس ِامك ُْم‪َ ،‬و َل إِ َل ُص َو ِرك ُْم))‪ :‬مل ترد الرواية‬ ‫قوله‬
‫بذكر أجسامكم؛ بل جاءت بذكر أجسادكم بالدال واملعني واحد‪ ،‬لكن اإلمام‬
‫النووي أوردها بامليم‪ ،‬فلعله أوردها باملعني‪.‬‬
‫واملعنى‪ :‬ال جيازي‪ ،‬وال حياسب عىل ظاهر األعامل‪.‬‬
‫فاحلديث يتحدث عن األصل يف األعامل‪ ،‬وأسباب قبوهلا‪ ،‬وأهيا التي ينظر‬
‫اس َبته‪ ،‬وأما نظره بمعنى‬
‫اهلل إليها‪ ،‬فإن نظر اهلل تعاىل يف احلديث املراد به‪ُ :‬م َ َازاته َو ُم َ َ‬
‫رؤيته تعاىل لألشياء ‪ ..‬فهو حميط بكل يشء‪ ،‬وال خيفى عليه يشء‪ ،‬ومعنى احلديث‪:‬‬
‫أن اهلل ال يثيبكم عىل أجسامكم وأموالكم‪ ،‬وأهنا بذاهتا ال تقربكم منه تعاىل‪ ،‬كام‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﱸ [سبأ‪.]37 :‬‬

‫(( َو َلكِ ْن َينْ ُظ ُر إِ َل ُق ُلوبِك ُْم‪َ ،‬و َأ ْع َملِك ُْم))‪ ،‬أي‪ :‬نياتكم التي هي أساس أعاملكم‪.‬‬
‫و يدل احلديث عىل أن األعامل الظاهرة ال يلتفت اهلل إليها‪ ،‬أي‪ :‬إىل ذاهتا‪،‬‬
‫وال حيصل هبا التقوى‪ ،‬وإنام حتصل بام يقع يف القلب من عظمة اهلل تعاىل وخشيته‬
‫(((‬
‫ومراقبته‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬رشح اإلمام النووي عىل صحيح مسلم))‪.231/16 :‬‬


‫(‪)15‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫واملقصود من احلديث أن االعتبار يف كل األمور بالقلب كام قال ‪َ (( :‬أ َل‬
‫اجل َسدُ‬‫اجل َسدُ ُك ُّل ُه‪َ ،‬وإِ َذا َف َسدَ ْت‪َ ..‬ف َسدَ َ‬ ‫اجل َس ِد ُم ْض َغ ًة‪ ،‬إِ َذا َص َل َح ْ‬
‫ت‪َ ..‬ص َل َح َ‬ ‫َوإِ َّن ِف َ‬
‫ِ‬
‫َأ َّن بِ َص َل ِح ال َقلب َي ْص ُلح‬ ‫ي‬‫لب)) أخرجه البخاري ومسلم‪َ ،‬ف َب َّ َ‬ ‫ُك ُّل ُه‪َ ،‬أ َل َوه َي ال َق ُ‬
‫اد ِه ي ْفسد ب ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اقيه؛ بل يصلح ويفسد العمل بصالحه وفساده‪.‬‬ ‫جل َسد‪َ ،‬وبِ َف َس َ ُ َ‬ ‫َباقي ا َ‬
‫قال العالمة املناوي يف ((فيض القدير))‪(( " :‬إِ َّن اهللَ َل َينْ ُظ ُر إِ َل ُص َو ِرك ُْم)) أي‪:‬‬
‫ال جيازيكم عىل ظاهرها‪َ (( ،‬و َل إِ َل َأ ْم َوالِك ُْم)) اخلالية من اخلريات‪ ،‬أي‪ :‬ال يثيبكم‬
‫عليها‪،‬وال يقربكم منه‪َ (( ،‬و َلكِ ْن إِن ََّم َينْ ُظ ُر إِ َل ُق ُلوبِك ُْم)) التي هي حمل التقوى وأوعية‬
‫اجلواهر وكنوز املعرفة‪َ (( ،‬و َأ ْع َملِك ُْم)) ﱹ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﱸ‬
‫[الكهف‪ ]110 :‬فمعنى النظر هنا‪ :‬اإلحسان والرمحة والعطف‪ ،‬ومعنى نفيه نفي ذلك‪،‬‬
‫فعرب عن الكائن عند النظر بالنظر جماز ًا؛ وذلك ألن النظر يف الشاهد دليل املحبة‪،‬‬
‫وترك النظر دليل البغض والكراهية‪ ،‬وميل الناس إىل الصور املعجبة واألموال‬
‫الفائقة‪ ،‬واهلل منزه عن ذلك‪ ،‬فجعل نظره إىل ما هو الرس واللب وهو القلب والعمل‪.‬‬
‫واجلامل قسامن‪ :‬ظاهري‪ ،‬وباطني‪ ،‬كجامل علم وعقل وكرم‪ ،‬وهذا هو حمل‬
‫نظر اهلل من غريه‪ ،‬وموضع حمبته‪ ،‬فريى صاحب اجلامل الباطني ‪ ..‬فيكسوه من‬
‫اجلامل واملهابة واحلالوة بحسب ما اكتسبت روحه من تلك الصفات‪ ،‬فإن املؤمن‬
‫يعطى حالوة ومهابة بحسب إيامنه‪ ،‬فمن رآه هابه‪ ،‬ومن خالطه أحبه وإن كان أسود‬
‫(((‬
‫مشوها‪ ،‬وهذا أمر مشهود للعيان"اهـ‪.‬‬

‫™™والحاصل في معنى الحديث ‪:‬‬


‫أن اإلثابة والتقريب ليسا باعتبار األعامل الظاهرة؛ وإنام هي باعتبار ما يف‬

‫((( ((فيض القدير))؛ طبعة‪ :‬دار احلديث‪.661/2 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)16‬‬

‫القلب من صدق العمل‪ ،‬وإرادة به وجه اهلل‪ ،‬فالعمل جسم‪ ،‬والنية روح العمل‪،‬‬
‫كام قال ‪َ (( :‬و َلكِ ْن َينْ ُظ ُر إِ َل ُق ُلوبِك ُْم ))‪.‬‬
‫الرب ‪ ..‬حق عىل العامل بقدر اطالع اهلل تعاىل عىل‬
‫فإنه ملا كان القلب حمل نظر ّ‬
‫قلبه أن يفتش عن صفات قلبه وأحواله؛ إلمكان أن يكون فيه وصف مذموم يمقته‬
‫اهلل بسببه‪.‬‬
‫‪(( :‬إِنَّم األَعم ُل بِالنِّـي ِ‬
‫ات)) أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫وقد قال‬
‫َّ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫بلجعلاحلقسبحانهوتعاىلصدقالنيةسبب ًايفحتقيقاإلصالحبنياملتخاصمني‪،‬‬
‫وسبب ًا للتوفيق‪ ،‬فقال تعاىل‪ :‬ﱹ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﱸ [النساء‪.]35 :‬‬
‫ما يبني عظيم أمر النية عند اهلل‬ ‫وكم ورد من األخبار عن النبي املختار‬
‫ِ ِ‬
‫ش‪،‬‬ ‫اب ال ُف ُر ِ‬ ‫تعاىل وأن عليها املدار‪ ،‬فمن ذلك قوله ‪َ (( :‬أ ْك َث َر ُش َهدَ اء ُأ َّمتي َأ ْص َح ُ‬
‫ي اهلل َأ ْع َل ُم بِن ِ َّيتِ ِه)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫الص َّف ْ ِ‬
‫ي َّ‬ ‫َو ُر َّب َقتِ ٍ‬
‫يل َب ْ َ‬
‫اجلن َِّة‪َ ،‬وإِ َّن ُه َل ِ ْن َأ ْه ِل‬
‫َّاس َع َم َل َأ ْه ِل َ‬ ‫ِ‬
‫وقوله ‪(( :‬إِ َّن ال َع ْبدَ َل َي ْع َم ُل ف َيم َي َرى الن ُ‬
‫اجلن َِّة)) أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫َّاس َع َم َل َأ ْه ِل النَّار‪َ ِ،‬و ُه َو ِم ْن َأ ْه ِل َ‬ ‫ِ‬ ‫الن ِ‬
‫َّار‪َ ،‬و َي ْع َم ُل ف َيم َي َرى الن ُ‬
‫وقوله ‪َ (( :‬م َث ُل َه ِذ ِه األُ َّم ِة َم َث ُل َأ ْر َب َع ِة َن َف ٍر‪َ :‬ر ُج ٌل آتَا ُه اهلل َماالً َو ِعل ًام‪َ ،‬ف ُه َو‬
‫ول‪َ :‬ل ْو‬ ‫‪،‬و َل ْ ُي ْؤتِ ِه َماالً‪َ ،‬ف ُه َو َي ُق ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َي ْع َم ُل بِه ِف َماله‪َ ،‬ف ُينْف ُق ُه ِف َح ِّقه‪َ ،‬و َر ُج ٌل آتَا ُه اهلل عل ًام َ‬
‫ول اهللِ ‪َ (( :‬ف ُه َم‬ ‫لت فِ ِيه ِم ْث َل ا َّل ِذي َي ْع َم ُل))‪َ .‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َان ِل ِم ْث ُل َما َ ِل َذا‪َ ،‬ع ِم ُ‬‫ك َ‬
‫يبِ ُط فِ ِيه ُين ِْف ُق ُه ِف َغ ْ ِي َح ِّق ِه‪،‬‬
‫ِف األَ ْج ِر َس َو ٌاء‪َ ،‬و َر ُج ٌل آتَا ُه اهلل َماالً‪َ ،‬و َل ْ ُي ْؤتِ ِه ِعل ًام‪َ ،‬ف ُه َو َ ْ‬
‫لت فِ ِيه‬ ‫َان ِل َم ٌال ِم ْث ُل َه َذا ‪َ ..‬ع ِم ُ‬ ‫ول‪َ :‬ل ْو ك َ‬ ‫َو َر ُج ٌل َل ْ ُي ْؤتِ ِه اهلل َماالً‪َ ،‬و َل ِعل ًام‪َ ،‬ف ُه َو َي ُق ُ‬
‫الوز ِْر َس َو ٌاء)) أخرجه اإلمام‬ ‫ول اهللِ ‪َ (( :‬ف ُه َم ِف ِ‬ ‫ِم ْث َل ا َّل ِذي َي ْع َم ُل))‪َ .‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫أمحد‪.‬‬
‫(‪)17‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫فانظر كيف رشكه بالنية يف حماسن عمله ومساويه‪.‬‬
‫وك َفدَ نَا ِم ْن‬
‫يف أمر اجلهاد ََّلا َر َج َع ِم ْن َغ ْز َو ِة َت ُب َ‬ ‫وليس أعظم من قوله‬
‫ادي ًا ‪ ..‬إِ َّل كَانُوا َم َعك ُْم‪.‬‬ ‫املدين َِة َأ ْقوام ًا ما ِستُم م ِسري ًا‪ ،‬و َل َق َطعتُم و ِ‬
‫املدين َِة‪(( :‬إِ َّن بِ ِ‬
‫ِ‬
‫ْ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ ْ َ‬
‫املدين َِة‪َ ،‬ح َب َس ُه ْم ال ُع ْذ ُر)) أخرجه‬ ‫املدين َِة؟ َق َال‪ :‬وهم بِ ِ‬
‫َ ُ ْ‬
‫ول اهللِ وهم بِ ِ‬
‫َ ُ ْ‬ ‫َقا ُلوا‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫البخاري وأمحد‪.‬‬
‫ض))‬‫ويف رواية عند مسلم وأمحد‪َ (( :‬ح َب َس ُه ْم ا َمل َر ُ‬

‫فشاركوا بحسن النية‪.‬‬


‫وقال ابن رجب يف ((جامع العلوم واحلكم برشح مخسني حديث ًا من جوامع‬
‫الكلم))‪" :‬وإذا كان ُ‬
‫أصل التَّقوى يف ال ُقلوب‪ ،‬فال ي َّط ُ‬
‫لع أحدٌ عىل حقيقتها إال اهلل ‪-‬‬
‫ينظر إىل‬ ‫ِ‬ ‫ينظر إىل ُص ِ‬
‫وركُم‪ ،‬وأموالكم‪ ،‬ولكن ُ‬ ‫إن اهلل ال ُ‬
‫‪َّ (( :-‬‬ ‫‪ ،-‬كام قال ‪-‬‬
‫كثري ممَّن له صور ٌة حسن ٌة‪ ،‬أو ٌ‬
‫مال‪ ،‬أو جا ٌه‪،‬‬ ‫ُ‬
‫يكون ٌ‬ ‫قلوبكم‪ ،‬وأعاملكم)) وحينئذ‪ ،‬فقد‬
‫أو رياس ٌة يف الدنيا‪ ،‬قلبه خراب ًا من التقوى‪ ،‬ويكون من ليس له يشء من ذلك قل ُبه‬
‫(((‬
‫مملؤ ًا ِم َن التَّقوى‪ ،‬فيكون أكر َم عند اهلل تعاىل‪ ،‬بل ذلك هو األكثر وقوع ًا" اهـ‪.‬‬
‫وقد ورد الكثري من األحاديث التي تبني هذا املعنى والذي يدل عىل أن‬
‫احلكم ال يكون باملظاهر‪ ،‬وأنه ال ينبغي لنا أن نحكم عىل الفرد من خالل مظهره‬
‫َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت‬ ‫وهب‪ ،‬اخل َز ِ‬
‫اع َّي‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫وصورته‪ ،‬فمن ذلك ما جاء عن حارث َة بن‬
‫يف مت ََضع ٍ‬
‫ف‪َ ،‬لو َأ ْقسم ع َل اهللِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ول‪َ (( :‬أ َل ُأ ْخ ِبكُم بِ َأه ِل َ ِ‬ ‫النَّبِ َّي‬
‫ْ َ َ َ‬ ‫اجلنَّة‪ :‬ك ُُّل َضع ُ ِّ‬ ‫ُ ْ ْ‬ ‫َي ُق ُ‬
‫ْب)) أخرجه البخاري ومسلم‬ ‫َّار‪ :‬ك ُُّل عت ٍُّل جو ٍ‬
‫اظ ُم ْس َتك ِ ٍ‬ ‫َلَ َب َّر ُه‪َ ،‬أ َل ُأ ْخ ِبك ُْم بِ َأ ْه ِل الن ِ‬
‫ُ َ َّ‬ ‫ُ‬
‫وأمحد والرتمذي‪.‬‬

‫((( ((جامع العلوم واحلكم))؛ طبعة‪ :‬دار الفجر للرتاث (‪.)546‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)18‬‬

‫َأ َّن ُه َق َال‪َ ((:‬أ َل ُأ ْخ ِبك ُْم بِ َأ ْه ِل الن ِ‬


‫َّار‬ ‫ُ‬ ‫َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫َس ْب ِن َمالِ ٍك‬
‫و َع ْن َأن ِ‬
‫ث ِذي طِ ْم َر ْي ِن َل ْو َأ ْق َس َم َع َل‬
‫ف َأ ْش َع َ‬ ‫يف مت ََضع ٍ‬ ‫ِ ٍ‬
‫اجلنَّة َفك ُُّل َضع ُ ِّ‬
‫و َأه ِل اجلنة‪َ :‬أما َأه ُل َ ِ‬
‫َّ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫جا ٍع َمنَّا ٍع ِذي َت َب ٍع)) أخرجه اإلمام أمحد‬ ‫َّار َفك ُُّل جع َظ ِر ٍّ ٍ‬
‫ي َّواظ َ َّ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫اهللِ َلَ َب َّر ُه‪َ ،‬و َأ َّما َأ ْه ُل الن ِ‬
‫يف ((مسنده))‪.‬‬
‫ول اهللِ‬
‫َأ َّن ُه َق َال‪ :‬مر ر ُج ٌل َع َل رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫اع ِد ِّي‬
‫و َعن سه ِل ب ِن سع ٍد الس ِ‬
‫ْ َ ْ ْ َ ْ َّ‬
‫ك ِف ه َذا؟)) َف َق َال رج ٌل ِمن َأ ْش ِ‬ ‫َف َق َال َلر ُج ٍل ِعنْدَ ُه َجالِ ٍ‬
‫َّاس‪َ :‬ه َذا‬ ‫اف الن ِ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫س‪َ (( :‬ما َر ْأ ُي َ َ‬
‫ول اهللِ ‪ُ ،‬ث َّم َم َّر‬
‫َت َر ُس ُ‬ ‫ب َأ ْن ُينْك ََح‪َ ،‬وإِ ْن َش َف َع َأ ْن ُي َش َّف َع‪َ .‬ق َال َف َسك َ‬ ‫ِ‬
‫َواهلل َح ِر ٌّي إِ ْن َخ َط َ‬
‫ول اهللِ َه َذا‬ ‫ك ِف َه َذا؟)) َف َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫ول اهللِ ‪َ (( :‬ما َر ْأ ُي َ‬ ‫آخ ُر‪َ ،‬ف َق َال َل ُه َر ُس ُ‬ ‫َر ُج ٌل َ‬
‫ِ‬
‫ب َأ ْن َل ُينْك ََح‪َ ،‬وإِ ْن َش َف َع َأ ْن َل ُي َش َّف َع‪،‬‬ ‫ني َه َذا َح ِر ٌّي إِ ْن َخ َط َ‬ ‫َر ُج ٌل ِم ْن ُف َق َراء ا ُمل ْس ِل ِم َ‬
‫ض ِم ْث َل‬ ‫لء األَ ْر ِ‬ ‫ول اهللِ ‪(( :‬ه َذا َخي ِمن ِم ِ‬
‫ٌْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َوإِ ْن َق َال َأ ْن َل ُي ْس َم َع لِ َق ْولِ ِه‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬
‫َه َذا)) أخرجه البخاري‪.‬‬

‫وقال حممد ب ُن كعب ال ُق َر ُّ‬


‫ظي يف قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﱸ [الواقعة‪ ،]3-1:‬قال‪َ :‬ت ِف ُض رجاالً كانوا يف الدُّ نيا مرتفعني‪،‬‬
‫(((‬
‫وتر َف ُع رجاالً كانوا يف الدُّ نيا خمفوضني‪.‬‬
‫ْ‬
‫ت‬ ‫اجلنَّ ُة َوالن َُّار‪َ ،‬ف َقا َل ْ‬‫ت َ‬ ‫اج ْ‬‫َق َال‪َ :‬ق َال النَّبِ ُّي ‪َ َ (( :‬ت َّ‬ ‫و َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫اء‬ ‫ِ‬
‫اجلنَّ ُة‪َ :‬ما ِل َل َيدْ ُخ ُلني إِ َّل ُض َع َف ُ‬ ‫ت َ‬ ‫ين‪َ ،‬و َقا َل ْ‬‫ين َواملت ََج ِّ ِب َ‬
‫َب َ‬ ‫الن َُّار‪ُ :‬أوثِ ْر ُت بِامل َتك ِّ ِ‬
‫اء ِم ْن‬ ‫ِ‬
‫حتي َأ ْر َح ُم بِك َم ْن َأ َش ُ‬
‫ْت ر ِ‬ ‫َّاس وس َق ُطهم‪َ .‬ق َال اهلل َتبار َك و َتع َال لِ ِ ِ‬
‫لجنَّة‪َ :‬أن َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫الن ِ َ َ ُ ْ‬
‫احدَ ٍة‬‫ادي‪ ،‬ولِك ُِّل و ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك من َأ َشاء ِمن ِعب ِ‬
‫ُ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّار‪ :‬إِن ََّم َأنْت َع َذ ِاب ُأ َع ِّذ ُب بِ َ ْ‬ ‫ادي‪َ ،‬و َق َال لِلن ِ‬ ‫ِعب ِ‬
‫َ‬
‫ك َتْتَلِ ُئ‬ ‫ول َق ْط َق ْط َف ُهنَالِ َ‬ ‫لؤ َها‪َ ،‬ف َأ َّما الن َُّار َف َل َتْتَلِ ُئ َحتَّى َي َض َع ِر ْج َل ُه َف َت ُق ُ‬ ‫ِمن ُْه َم ِم ُ‬
‫اجلنَّ ُة َفإِ َّن اهللَ‬ ‫لق ِه َأ َحدً ا‪َ ،‬و َأ َّما َ‬
‫ِمن َخ ِ‬
‫ْ‬ ‫ض َو َل َي ْظلِ ُم اهلل‬‫َو ُيز َْوى َب ْع ُض َها إِ َل َب ْع ٍ‬
‫((( انظر‪(( :‬تفسري ابن كثري))‪ ،‬و((الدر املنثور)) عند تفسري قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮕ ﮖ ﱸ[الواقعة‪.]3 :‬‬
‫(‪)19‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ُين ِْش ُئ َلا َخل ًقا)) أخرجه البخاري ومسلم وأمحد‪.‬‬
‫َق َال‪(( :‬ا ْفتَخَ َر ْت‬ ‫ول اهللِ‬ ‫َأ َّن َر ُس َ‬ ‫يد اخلُدْ ِر ِّي‬ ‫ويف رواية َعن َأ ِب س ِع ٍ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ون َوا ُمل ُل ُ َ‬ ‫ت الن َُّار ‪َ :‬يا َر ِّب َيدْ ُخ ُلنِي َ ِ‬
‫اف‪،‬‬ ‫ش ُ‬ ‫وك َواأل ْ َ‬ ‫َب َ‬ ‫اجل َباب َر ُة َوا ُمل َتك ِّ ُ‬ ‫َ‬
‫اجلنَّ ُة َوالن َُّار‪َ ،‬ف َقا َل ْ‬
‫ِ‬ ‫ي َر ِّب َيدْ ُخ ُلنِي ُّ‬
‫ول اهلل َت َب َار َك‬ ‫اء َوال ُف َق َر ُاء َوا َمل َساك ُ‬
‫ني‪َ .‬ف َي ُق ُ‬ ‫الض َع َف ُ‬ ‫اجلنَّ ُة َ‪:‬أ ْ‬
‫ت َ‬ ‫َو َقا َل ْ‬
‫ت‬ ‫حتِي َو ِس َع ْ‬ ‫ِ‬
‫لجنَّة‪َ :‬أنْت َر ْ َ‬
‫ك من َأ َشاء‪ ،‬و َق َال لِ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫يب بِ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّار‪َ :‬أنْت َع َذ ِاب ُأص ُ‬
‫ِ‬ ‫َو َت َع َال لِلن ِ‬
‫ول‪ :‬هل ِمن م ِز ٍ‬ ‫لؤ َها ‪َ ،‬ف ُيل َقى ِف الن ِ‬ ‫احدَ ٍة ِمنْك َُم ِم ُ‬ ‫ك َُّل َش ٍء‪ ،‬ولِك ُِّل و ِ‬
‫يد‪.‬‬ ‫ْ َ‬ ‫َّار َأ ْه ُل َها‪َ ،‬ف َت ُق ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫ول‪ :‬هل ِمن م ِز ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َق َال‪َ :‬و ُيل َقى فِ َيها‪َ ،‬و َت ُق ُ‬
‫يد َحتَّى‬ ‫ْ َ‬ ‫ول‪َ :‬هل م ْن َم ِزيد‪َ ،‬و ُيل َقى ف َيها‪َ ،‬و َت ُق ُ َ‬
‫ول‪َ :‬قدْ ِن َقدْ ِن‪َ ،‬و َأ َّما َ‬
‫اجلنَّ ُة َف َي ْب َقى‬ ‫َي ْأتِ َي َها َت َب َار َك َو َت َع َال َف َي َض َع َقدَ َم ُه َع َل ْي َها َف ُتز َْوى‪َ ،‬ف َت ُق ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫اء اهلل َأ ْن َي ْب َقى‪َ ،‬ف ُينْش ُئ اهلل َلا َخلق ًا َما َي َش ُ‬ ‫ف َيها َأ ْه ُل َها َما َش َ‬
‫وليس معنى القدم هنا عىل ظاهره‪ ،‬فإن ذلك مستحيل يف حق اهلل تعاىل‪ ،‬وهلذا‬
‫(((‬
‫ذكر أهل العلم معنى القدم يف احلديث عىل أقوال خمتلفة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪1 .1‬أن املراد هبا إذالل جهنم‪ ،‬فإهنا إذا بالغت يف الطغيان وطلب املزيد ‪ ..‬أذهلا اهلل‬
‫فوضعها حتت القدم‪ ،‬وليس املراد حقيقة القدم‪ ،‬والعرب تستعمل ألفاظ‬
‫األعضاء يف رضب األمثال وال تريد أعياهنا‪ ،‬كقوهلم‪" :‬رغم أنفه"‪ ،‬و"سقط‬
‫يف يده"‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن املراد بالقدم الفرط السابق‪ ،‬أي‪ :‬يضع اهلل فيها ما قدمه هلا من أهل العذاب‪.‬‬
‫‪3 .3‬قال اإلسامعييل‪:‬القدم قد يكون اسام ملا قدم كام يسمى ما خبط من ورق خبطا‪،‬‬
‫فاملعنى ما قدموا من عمل‪.‬‬
‫‪4 .4‬املراد بالقدم‪ :‬قدم بعض املخلوقني‪ ،‬فالضمري للمخلوق معلوم‪ ،‬أو يكون‬

‫((( انظر ذلك يف ((فتح الباري))؛ طبعة‪ :‬املكتب اجلامعي احلديث‪.684/8 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)20‬‬

‫هناك خملوق اسمه قدم‪.‬‬


‫‪5 .5‬املراد بالقدم‪ :‬األخري؛ ألن القدم آخر األعضاء‪ ،‬فيكون املعنى حتى يضع اهلل‬
‫يف النار آخر أهلها فيها‪ ،‬ويكون الضمري للمزيد‪.‬‬
‫‪6 .6‬قال بن حبان يف ((صحيحه)) بعد إخراجه للحديث‪ :‬هذا من اإلخبار التي‬
‫أطلقت بتمثيل املجاورة‪ ،‬وذلك أن يوم القيامة يلقى يف النار من األمم‬
‫واألمكنة التي عىص اهلل فيها‪ ،‬فال تزال تستزيد حتى يضع الرب فيها موضعا‬
‫من األمكنة املذكورة فتمتلئ؛ ألن العرب تطلق القدم عىل املوضع‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ﱹ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﱸ [يونس‪ ]2 :‬يريد موضع صدق‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 )1‬أن مدار األعامل كلها عىل القلب‪.‬‬
‫‪2 )2‬أن االهتامم بأمر النية أمر عظيم أهتم به الرشع اهتامم ًا كبري ًا؛ إذ هبا حتصل‬
‫املؤاخذة من الثواب والعقاب كام قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﱸ [البقرة‪.]225 :‬‬
‫‪3 )3‬ينبغي عىل املؤمن االعتناء بحال القلب وصفاته بتحقيق علومه‪ ،‬وتصحيح‬
‫مقاصده وعزومه‪ ،‬وتطهريه عن كل وصف مذموم‪ ،‬وحتليته بكل نعت حممود‪.‬‬
‫‪4 )4‬أن االعتناء بإصالح القلب وبصفاته مقدم عىل عمل اجلوارح؛ ألن عمل‬
‫القلب هو املصحح لألعامل الرشعية‪ ،‬إذا ال يصح عمل رشعي إال من مؤمن‬
‫عامل بمن كلفه‪ ،‬خملص له فيام يعمله‪.‬‬
‫‪5 )5‬أن املؤمن ال يكمل إال بمراقبته تعاىل فيه‪ ،‬واملعرب عنها باإلحسان‪ ،‬وحيث‬
‫(‪)21‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫كان عمل القلب مصم ًام للعمل الظاهر‪ ،‬وعمل القلب غيب عنا ‪ ..‬فال يقطع‬
‫لذي عمل صالح باخلري‪ ،‬فلعل اهلل تعاىل يعلم من قلبه وصف ًا مذموم ًا ال يصح‬
‫بالرش‪ ،‬فلعله سبحانه يعلم من قلبه وصف ًا‬
‫ّ‬ ‫معه ذلك العمل‪ ،‬وال لذي معصية‬
‫حممود ًا يغفر له بسببه‪.‬‬
‫الغلو يف‬
‫ّ‬ ‫‪6 )6‬أن األعامل أمارات ظنية‪ ،‬ال أدلة قطعية‪ ،‬ويرتتب عىل ذلك عدم‬
‫تعظيم من رأينا عليه أفعاالً صاحلة‪ ،‬وعدم االحتقار ملسلم رأينا عليه أفعاالً‬
‫سيئة؛ بل حتتقر تلك احلالة السيئة‪ ،‬ال تلك الذات املسيئة ‪.‬‬
‫‪7 )7‬أنه ال ينجو إال من أتى اهلل بقلب سليم كام قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﱸ [الشعراء‪.]89- 88 :‬‬
‫احت ََّج َب ْعض النَّاس ِ َب َذا احلَ ِديث َع َل َأ َّن ال َع ْقل ِف ال َقلب َل ِف‬
‫از ِر ُّي‪َ :‬و ْ‬
‫‪َ 8 )8‬ق َال ا َمل ِ‬
‫الر ْأس‪ .‬اهـ‬ ‫َّ‬
‫حل ِديث َع َل‬ ‫احت َُّج ِ َب َذا ا َ‬
‫قال اإلمام النووي يف ((رشحه عىل صحيح مسلم))‪َ " :‬و ْ‬
‫اهري‬ ‫ج ِ‬‫الر ْأس َوفِ ِيه ِخ َلف َم ْش ُهور‪َ .‬و َم ْذ َهب َأ ْص َحابنَا َو َ َ‬ ‫َأ َّن ال َع ْقل ِف ال َقلب َل ِف َّ‬
‫ِ‬ ‫ا ُملت َك ِّل ِم َ‬
‫الر ْأس‪َ ،‬و َحك َْوا‬ ‫ني َأ َّن ُه ِف ال َقلب‪َ ،‬و َق َال َأ ُبو َحني َفة‪ُ :‬ه َو ِف الدِّ َماغ‪َ ،‬و َقدْ ُي َقال ِف َّ‬
‫ون؛ بِ َأ َّن ُه‬‫احت ََّج ال َق ِائ ُل َ‬
‫از ِر ّي‪َ :‬و ْ‬ ‫األَ َّول َأ ْيض ًا َع ْن ال َف َل ِس َفة‪َ ،‬وال َّث ِان َع ْن األَطِ َّباء‪َ :‬ق َال ا َمل ِ‬
‫ال‪ :‬ﱹ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﱸ[احلج‪:‬‬ ‫ِف ال َقلب بِ َق ْولِ ِه َت َع َ‬
‫‪َ ،]46‬و َق ْوله َت َع َال‪ :‬ﱹ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﱸ [ق‪َ ،]37 :‬و ِ َب َذا احلَ ِديث‪،‬‬
‫جل َسد‪،‬‬ ‫ج َلة ا َ‬ ‫لب‪َ ،‬م َع َأ َّن الدِّ َماغ ِم ْن ُ ْ‬ ‫جل َسد َو َف َساده تَابِع ًا لِل َق ِ‬ ‫َج َع َل َص َلح ا َ‬ ‫َفإِ َّن ُه‬
‫ون‬‫احت ََّج ال َق ِائ ُل َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫لب‪َ ،‬ف ُعل َم َأ َّن ُه َل ْي َس َم ّل لل َع ْق ِل‪َ .‬و ْ‬ ‫َف َيكُون َص َلحه َو َف َساده تَابِع ًا لِل َق ِ‬
‫الصع ِف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بِ َأ َّن ُه ف الدِّ َماغ بِ َأ َّن ُه إ َذا َف َسدَ الدِّ َماغ َف َسدَ ال َع ْقل‪َ ،‬و َيكُون م ْن َف َساد الدِّ َماغ َّ َ‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)22‬‬

‫اد ال َع ْقل‬ ‫َز ْعمهم‪ ،‬و َل حجة َلم ِف َذلِ َك؛ ِلَ َّن اهللِ سبحانه و َتع َال َأجرى العادة بِ َفس ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ ْ َ َ َ‬ ‫ْ َ ُ َّ ُ ْ‬
‫از ِر ّي‪َ :‬ل ِس َّي َم‬ ‫ِعنْد َف َساد الدِّ َماغ َم َع َأ َّن ال َع ْقل َل ْي َس فِ ِيه‪َ ،‬و َل اِ ْمتِنَاع ِم ْن َذلِ َك‪َ .‬ق َال ا َمل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ون َب ْي‬ ‫ي َع ُل َ‬‫تاك ا َّلذي َي ْذك ُُرو َن ُه َب ْي الدِّ َماغ َوال َقلب‪َ ،‬و ُه ْم َ ْ‬ ‫وهلم ِف ال ْش َ‬ ‫َع َل ُأ ُص ْ‬
‫تاك ًا‪َ .‬واهللِ َأ ْع َلم" اهـ‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ْأس َواملعدَ ة َوالدِّ َماغ ا ْش َ‬
‫(((‬
‫َّ‬
‫وقال احلافظ ابن حجر يف ((الفتح)) بعد أن ذكر احلديث‪" :‬ويستدل به عىل أن‬
‫العقل يف القلب‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﱸ[احلج‪ ،]46 :‬وقوله‬
‫تعاىل‪ :‬ﱹ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﱸ [ق‪ ،]37 :‬قال املفرسون‪ :‬أي عقل‪،‬‬
‫(((‬
‫وعرب عنه بالقلب ألنه حمل استقراره" اهـ‪.‬‬
‫وقال يف ((عمدة القاري))‪" :‬واحتج مجاعة هبذا احلديث‪ ،‬وبنحو قوله تعاىل‪:‬‬
‫ﱹ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﱸ[احلج‪ ]46 :‬عىل أن العقل يف القلب ال يف الرأس‪ .‬قلت‪ :‬فيه‬
‫خالف مشهور‪ ،‬فمذهب الشافعية واملتكلمني أنه يف القلب‪ ،‬ومذهب أيب حنيفة‬
‫أنه يف الدماغ‪ ،‬وحكي األول عن الفالسفة‪ ،‬والثاين عن األطباء‪ ،‬واحتج بأنه‬
‫إذا فسد الدماغ فسد العقل‪ ،‬وقال ابن بطال‪ :‬ويف هذا احلديث أن العقل إنام هو يف‬
‫القلب وما يف الرأس منه فإنام هو عن القلب‪ ،‬وقال النووي‪ :‬ليس فيه داللة عىل‬
‫أن العقل يف القلب‪ ،‬واستدل به أيضا عىل أن من حلف ال يأكل حلام فأكل قلبا ‪..‬‬
‫حنث‪ .‬قلت‪ :‬وألصحاب الشافعي فيها قوالن‪ ،‬أحدمها‪ :‬حينث‪ ،‬وإليه مال أبو بكر‬
‫(((‬
‫الصيدالين املروزي‪ ،‬واألصح أنه ال حينث؛ ألنه ال يسمى حلام" اهـ‪.‬‬
‫وقال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬ويف احلديث دليل عىل أن العقل يف القلب دون‬

‫((( ((رشح اإلمام النووي عىل صحيح اإلمام مسلم))‪.21/11 :‬‬


‫((( ((فتح الباري))‪.150/1 :‬‬
‫((( ((عمدة القاري))‪.410/1 :‬‬
‫(‪)23‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(((‬
‫الرأس‪ ،‬وفيه خالف‪ ،‬الراجح منه هذا" اهـ‪.‬‬
‫وقد بوب اإلمام البخاري يف ((األدب املفرد)) بابا اسامه (باب العقل يف القلب)‬

‫وفيه‪" :‬حدثنا سعيد بن أبى مريم‪ ،‬قال‪ :‬أخربنا حممد بن مسلم‪ ،‬قال‪ :‬أخربين عمرو‬
‫أنه سمعه بصفني يقول‪:‬‬ ‫بن دينار عن بن شهاب عن عياض بن خليفة عن عيل‬
‫(((‬
‫إن العقل يف القلب‪ ،‬والرمحة يف الكبد‪ ،‬والرأفة يف الطحال‪ ،‬والنفس يف الرئة"‪.‬‬

‫((( ((دليل الفاحلني))؛ طبعة‪ :‬رشكة القدس‪.22/2 :‬‬


‫((( ((األدب املفرد))؛ طبعة‪ :‬دار البشائر اإلسالمية‪.192/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)24‬‬

‫احلديث الثاني‬

‫‪َ (( :‬يا َأ ُّ َيا الن ُ‬


‫َّاس تُو ُبوا‬ ‫قال‪ :‬قال رسول اهلل‬ ‫عن األغر بن يسار املزين‬
‫ُوب ِف ال َي ْو ِم إِ َل ْي ِه ِما َئ َة َم َّر ٍة))‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إِ َل اهلل َو ْاس َتغْف ُرو ُه‪َ ،‬فإِ ِّن َأت ُ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمـــه‬
‫‪ ،‬ويقال له‬ ‫األغر بن يسار املزين‪ ،‬من املهاجرين من أصحاب النبي‬
‫اجلهني‪ ،‬روى له مسلم وأمحد وأبو داود والنسائي من طريق أيب بردة بن أيب موسى‬
‫هذا احلديث الذي نحن بصدده‪.‬‬
‫ت‬ ‫حاد بن َزي ٍد َعن َثابِ ٍ‬
‫ْ‬ ‫وأخرج له مسلم وأمحد وأبو داود والنسائي من طريق َ َّ ُ ْ ُ ْ‬
‫َق َال‪(( :‬إِ َّن ُه‬ ‫ول اهللِ‬
‫َت َل ُه ُص ْح َب ٌة ‪َ -‬أ َّن َر ُس َ‬ ‫َع ْن َأ ِب ُب ْر َد َة َع ْن األَ َغ ِّر ا ُمل َز ِ ِّن ‪َ -‬وكَان ْ‬
‫َان َع َل َقلبِي‪َ ،‬وإِ ِّن َلَ ْس َتغ ِْف ُر اهللَ ِف ال َي ْو ِم ِما َئ َة َم َّر ٍة))‪.‬‬ ‫َل ُيغ ُ‬
‫قال اإلمام العيني يف ((رشحه عىل سنن أيب داود))‪ ،‬واإلمام الذهبي يف ((سري‬
‫(((‬
‫أعالم النبالء))‪" :‬وما علمته روى شيئ ًا سوى هذا احلديث"‪.‬اهـ‬
‫حيث اعتربوا أن حديث ((إنه ليغان))‪ ،‬وحديث ((أهيا الناس توبوا)) ‪ ..‬هو واحد‪.‬‬
‫قرأ يف‬ ‫إال أنه قد وردت رواية أخرى لألغر بن يسار وهي‪ :‬أن النبي‬

‫((( ((رشح سنن أيب داود))؛ مطبعة‪ :‬مكتبة الرشد‪.23/1 :‬‬


‫(‪)25‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫الصبح بالروم‪ .‬أخرجه الطرباين والبزار وأبو نعيم‪.‬‬
‫يب َأ ِب َر ْو ٍح َع ْن‬ ‫غري أن هذه الرواية وردت عند وأمحد والنسائي َع ْن َشبِ ٍ‬
‫ِ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫َر ُج ٍل ِم ْن َأ ْص َح ِ‬
‫ال َف ْج َر َف َق َر َأ ف ِيه َم بِ ُّ‬
‫الرو ِم‪.‬‬ ‫َق َال‪َ :‬ص َّل َر ُس ُ‬ ‫اب النَّبِ ِّي‬
‫يسم‪.‬‬
‫فذكروا أهنا عن رجل‪ ،‬ومل َّ‬
‫وكذلك روي‪:‬‬
‫فقال‪ :‬يا نبي اهلل إين أصبحت ومل أوتر‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫أن رجال أتى رسول اهلل‬
‫((إنام الوتر بالليل)) قال‪ :‬يا نبي اهلل إين أصبحت ومل أوتر‪ ،‬قال ‪((:‬فأوتر)) أخرجه‬
‫الطرباين والبيهقي وأبو نعيم‪.‬‬
‫لكن بعضهم غاير بني املزين واجلهني‪ ،‬وجعلهم رجلني خمتلفني‪ ،‬ولعل من‬
‫قال إنه مل ِ‬
‫يرو شيئا غري احلديث املار اعتمد ذلك أيض ًا‪ ،‬قال أبو نعيم‪ :‬غاير بعض‬
‫الناس يعني بن منده بني صاحب حديث الوتر‪ ،‬وبني الذي قبله‪ ،‬وهو واحد‪.‬‬
‫وكذا جزم بن عبد الرب بأن األغر املزين واجلهني واحد‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫يف‬ ‫َّاس تُو ُبوا إِ َل اهلل َو ْاس َتغ ِْف ُرو ُه))‪ :‬ينادي النبي‬
‫‪َ (( :‬يا َأ ُّ َيا الن ُ‬ ‫قوله‬
‫احلديث كل قريب وبعيد للرجوع إىل اهلل تعاىل‪ ،‬وهلذا كان ندائه بـ ((يا أهيا))‪ ،‬وهي‬
‫للبعيد‪ ،‬وقال‪(( :‬يا أهيا الناس))‪ ،‬أي‪ :‬خطاب لكل الناس مؤمنهم وكافرهم‪ ،‬فاملؤمن‬
‫ليتوب من ذنبه‪ ،‬والكافر ليتوب من كفره وبعده عن اهلل بدخوله يف دائرة اإلسالم‪،‬‬
‫وشهادته شهادة احلق؛ لينجو من النار‪ ،‬واخلزي والعار‪ ،‬أي‪ :‬ارجعوا إليه بامتثال‬
‫ما أمركم به‪ ،‬واجتناب ما هناكم عنه‪ ،‬ومما أمركم به التوبة‪ ،‬فهي واجبة من كل ذنب‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)26‬‬
‫(((‬
‫ولو صغرية إمجاع ًا‪.‬‬

‫™™معنى التوبة‪:‬‬
‫والتوبة هي‪ :‬الندم عىل الذنب مع االقالع عنه‪ ،‬والعزم عىل عدم العود إليه‪.‬‬
‫ويف ((تفسري ابن مسعود)) هي‪" :‬الرجوع عن املعايص بالندم عليها‪ ،‬والعزم‬
‫عىل أن ال يعاودها أبدا"‪.‬‬
‫وقال الطربي‪" :‬معنى التوبة من العبد إىل ر ّبه‪ :‬إنابتُه إىل طاعته‪ ،‬وأوبته إىل ما‬
‫يرضيه برتكه ما َي ْس َخطه من األمور التي كان عليها مقي ًام مما يكرهه ربه"‪ .‬اهـ‬
‫وقال الشيخ الرشبيني يف ((الرساج املنري))‪" :‬معنى التوبة‪ :‬وهو االعرتاف‬
‫بالذنب‪ ،‬والندم عليه‪ ،‬والعزم عىل أن ال يعود إليه‪ ،‬ور ّد املظامل إن كانت"‪ .‬اهـ‬
‫والتوبة قسمان‪:‬‬
‫توبة باللسان‪ ،‬وتوبة ِ‬
‫باجلنان‪ ،‬وهي التي تسمى بالتوبة النصوحة‪.‬‬
‫التوبة باللسان‪:‬‬
‫فالتوبة باللسان ال قيمة وال اعتبار هلا عند اخلالق سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫فالذي يقول‪ :‬استغفر اهلل‪ ،‬أو تبت إىل اهلل بلسانه‪ ،‬وقلبه مرص عىل تلك املعصية‬
‫أنه قال‪:‬‬ ‫‪ ..‬فهذا الذي استغفاره حيتاج إىل االستغفار‪ ،‬وقد ورد عن ابن عباس‬
‫مقيم عليه كاملستهزئ‬
‫الذنب كمن ال ذنب له‪ ،‬واملستغفر من ذنب وهو ٌ‬ ‫التائب ِم َن َّ‬
‫ُ‬ ‫"‬

‫بر ِّبه" أخرجه البيهقي‪ ،‬وابن عساكر‪ ،‬وابن أيب الدنيا‪.‬‬


‫وعن الربيع بن خيثم أنه قال‪" :‬ال تقل استغفر اهلل‪ ،‬وأتوب إليه‪ ،‬فيكون ذنب ًا‬

‫((( انظر‪(( :‬دليل الفاحلني))‪.72/1 :‬‬


‫(‪)27‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وكذب ًا إن مل تفعل؛ بل قل‪ :‬اللهم اغفر يل وتب عيل"‪.‬‬
‫قال اإلمام النووي معقب ًا عليه‪" :‬هذا حسن‪ ،‬وأما كراهية أستغفر اهلل‪،‬‬
‫وتسميته كذب ًا ‪ ..‬فال ُيوافق عليه؛ ألن معنى استغفر اهلل أطلب مغفرته‪ ،‬وليس هذا‬
‫(((‬
‫كذب ًا" اهـ‬
‫قال‪:‬‬ ‫ويؤيد هذا ما ورد عند أيب داود واحلاكم وابن أيب شيبة أن النبي‬
‫ُوب إِ َل ْي ِه ‪ُ ..‬غ ِف َر َل ُه َوإِ ْن ك َ‬
‫َان‬ ‫(( َم ْن َق َال َأ ْس َتغ ِْف ُر اهللَ ا َّل ِذي َل إِ َل َه إِ َّل ُه َو َ‬
‫احل َّي ال َق ُّيو َم َو َأت ُ‬
‫ف))‪.‬‬ ‫َقدْ َفر ِمن الزَّح ِ‬
‫َّ ْ ْ‬
‫قال احلافظ ابن حجر معقب ًا‪" :‬قلت‪ :‬هذا يف لفظ أستغفر اهلل الذي ال إله إال‬
‫أنه كذب‪ ،‬وهو كذلك‬ ‫هو احلي القيوم‪ ،‬وأما أتوب إليه فهو الذي عنى الربيع‬
‫إذا قاله ومل يفعل التوبة كام قال‪ ،‬ويف االستدالل للرد عليه بحديث بن مسعود نظر؛‬
‫جلواز أن يكون املراد منه ما إذا قاهلا وفعل رشوط التوبة‪ ،‬وحيتمل أن يكون الربيع‬
‫(((‬
‫قصد جمموع اللفظني ال خصوص استغفر اهلل‪ ،‬فيصح كالمه كله‪ ،‬واهلل أعلم" اهـ‪.‬‬
‫‪ ،‬وقال‪ :‬ال َّلهم إين‬ ‫أن أعرابي ًا دخل مسجد رسول اهلل‬ ‫وروى جابر‬
‫‪ :‬يا هذا‪،‬‬ ‫أستغفرك وأتوب إليك‪ ،‬وكرب‪ ،‬فلام فرغ من صالته ‪ ..‬قال له عيل‬
‫ّ‬
‫إن رسعة اللسان باالستغفار توبة الكذابني‪ ،‬وتوبتك حتتاج إىل التوبة‪ .‬فقال‪:‬‬
‫يا أمري املؤمنني‪ ،‬وما التوبة؟ قال‪ :‬اسم يقع عىل ستة معان‪ :‬عىل املايض من الذنوب‬
‫الندامة‪ ،‬ولتضييع الفرائض ‪ ..‬اإلعادة‪ ،‬ور ّد املظامل‪ ،‬وإذابة النفس يف الطاعة‬
‫كام ربيتها يف املعصية‪ ،‬وإذاقة النفس مرارة الطاعة كام أذقتها حالوة املعصية‪ ،‬والبكاء‬
‫بدل كل ضحك ضحكته‪.‬‬
‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.524/13 :‬‬
‫((( املرجع السابق‪.524/13 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)28‬‬

‫™™التوبة النصوحة‪:‬‬
‫أختلف أهل العلم يف التوبة النصوحة‪ ،‬واختلفت عباراهتم فيها‪ ،‬فقال أمري‬
‫‪" :‬التوبة النصوح أن يتوب من الذنب‬ ‫يب بن كعب‬
‫املؤمنني عمر بن اخلطاب وأ ّ‬
‫ثم ال يعود إليه كام ال يعود اللبن إىل الرضع"‪.‬‬
‫وقال احلسن البرصي‪" :‬هي أن يكون العبد نادم ًا عىل ما مىض جممع ًا عىل أال‬
‫يعود إليه"‪.‬‬
‫وقال الكلبي‪" :‬هي أن يستغفر باللسان‪ ،‬ويندم بالقلب‪ ،‬ويمسك بالبدن"‪.‬‬
‫وقال الزرعي يف ((رشح املنازل))‪" :‬النصح يف التوبة يتضمن ثالثة أشياء‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬تعميم مجيع الذنوب‪ ،‬واستغراقها بحيث ال تدع ذنب ًا إال تناولته‪ ،‬والثاين‪:‬‬
‫تلوم وال انتظار؛ بل‬
‫إمجاع العزم والصدق بكليته عليها بحيث ال يبقى عنده تردد وال ّ‬
‫جيمع عليها كل إرادته وعزيمته مبادر ًا هبا‪ ،‬والثالث‪ :‬ختليصها من الشوائب والعلل‬
‫القادحة يف إخالصها‪ ،‬ووقوعها ملحض اخلوف من اهلل تعاىل وخشيته‪ ،‬والرغبة فيام‬
‫لديه‪ ،‬والرهبة مما عنده‪ ،‬ال كمن يتوب حلفظ جاهه‪ ،‬أو حرفته‪ ،‬أو منصبه‪ ،‬أو حلفظ‬
‫حاله‪ ،‬أو ماله‪ ،‬أو استدعاء محد الناس‪ ،‬أو اهلرب من ذمهم‪ ،‬أو نحو ذلك من العلل‬
‫التي تقدح يف صحتها وخلوصها هلل تعاىل‪ ،‬فاألول يتعلق بام يتوب منه‪ ،‬والثالث بام‬
‫يتوب إليه‪ ،‬واألوسط يتعلق بذات التائب نفسه‪ ،‬وال ريب أن التوبة اجلامعة ملا ذكر‬
‫(((‬
‫تستلزم الغفران وتتضمنه ومتحق مجيع الذنوب‪ ،‬وهي أكمل ما يكون من التوبة"‪.‬‬

‫™™شروط التوبة النصوحة‪:‬‬


‫ويتلخص من كل ذلك أن للتوبة النصوحة رشوط‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫((( انظر‪(( :‬دليل الفاحلني))‪.71/1 :‬‬


‫(‪)29‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫‪َ 1 .1‬أ ْن ُي ْق ِلع َع ْن ا َمل ْع ِص َية‪.‬‬
‫ِ‬
‫‪َ 2 .2‬أ ْن َينْدَ م َع َل ف ْع َ‬
‫لها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪َ 3 .3‬أ ْن َي ْع ِزم َع ْزم ًا َج ِ‬
‫ازم ًا َأ َّل َي ُعود إِ َل م ْث َ‬
‫لها َأ َبدً ا‬
‫شط َرابِع‪َ ،‬و ُه َو‪َ :‬ر ّد ال ُّظ َل َمة إِ َل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َفإِ ْن كَان ْ‬
‫َت ا َمل ْعص َية َت َت َع َّلق بِآ َدم ٍّي َف َل َها َ ْ‬
‫البا َءة ِمنْ ُه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َصاح َبها‪َ ،‬أ ْو َ ْتصيل َ َ‬
‫ِ‬

‫‪َ (( :‬فإِ ِّن َأت ُ‬


‫ُوب))‪ :‬حيتمل معنني‪:‬‬ ‫وقوله‬
‫األول‪ :‬أنه يطلب املغفرة ويعزم عىل التوبة‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أن املراد به اللفظ بعينه‪ ،‬أي لفظ االستغفار نفسه‪ ،‬ويؤيد ذلك ما‬
‫ول‪َ (( :‬ر ِّب ا ْغ ِف ْر‬ ‫ِف ا َمل ْج ِل ِ‬
‫س َي ُق ُ‬ ‫‪ :‬إِ ْن ُكنَّا َلنَ ُعدُّ لِرس ِ‬
‫ول اهللِ‬
‫َ ُ‬ ‫ورد َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر‬
‫ور ِما َئ َة َم َّر ٍة)) أخرجه أمحد وأبو داود وابن ماجة‬ ‫اب ال َغ ُف ُ‬ ‫ُب َع َ َّل إِن ََّك َأن َ‬
‫ْت الت ََّّو ُ‬ ‫ِل َوت ْ‬
‫والنسائي‪.‬‬

‫‪(( :‬إِ َّن ُه َل ُيغ ُ‬


‫َان َع َل‬ ‫ول اهللِ‬
‫وقد ورد َع ِن األَ َغ ِّر ا ُمل َز ِ ِّن أيض ًا َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫َقلبِي‪َ ،‬وإِ ِّن َلَ ْس َتغ ِْف ُر اهللَ ك َُّل َي ْو ٍم ِما َئ َة َم َّر ٍة)) أخرجه مسلم وأمحد وأبو داود‪.‬‬

‫™™المراد بالغيــن‪:‬‬
‫اختلف أهل العلم يف معنى الغني يف احلديث إىل أقوال كثريه‪ ،‬وقد ذكرها‬
‫اض‪ِ :‬ق َيل‪ :‬ا ُمل َراد‬ ‫اإلمام النووي يف ((رشحه عىل صحيح مسلم))‪ ،‬فقال‪َ " :‬ق َال ال َق ِ‬
‫ِ‬ ‫الذكْر ا َّل ِذي ك َ‬
‫ت َعنْ ُه َأ ْو َغ َف َل عَدَّ‬ ‫َان َش ْأنه الدَّ َوام َع َل ْيه‪َ ،‬فإِ َذا َأ ْف َ َ‬ ‫تات َوال َغ َف َلت َع ْن ِّ‬ ‫ال َف َ َ‬
‫ب ُأ َّمته‪َ ،‬و َما ا َّط َل َع َع َل ْي ِه ِم ْن َأ ْح َواهلَا‬ ‫هه بِ َس َب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس َت ْغ َف َر منْ ُه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬وق َيل ُه َو َ ّ‬
‫َذل َك َذ ْن ًبا‪َ ،‬و ْ‬
‫ِ‬

‫ورهم‪َ ،‬و ُم َ َار َبة‬


‫ْ‬ ‫َب ْعده‪َ ،‬ف َي ْس َت ْغ ِفر َل ُ ْم‪َ ،‬و ِق َيل‪َ :‬س َببه اِ ْشتِ َغاله بِالنَّ َظ ِر ِف َم َصالِح ُأ َّمته َو ُأ ُم‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)30‬‬

‫ال َعدُ ّو َو ُمدَ َاراته‪َ ،‬وت َْألِيف ا ُمل َؤ َّل َفة‪َ ،‬ون َْحو َذلِ َك‪َ ،‬ف َي ْشت َِغل بِ َذلِ َك ِم ْن َعظِيم َم َقامه‪،‬‬
‫َت َه ِذ ِه األُ ُمور ِم ْن َأ ْع َظم ال َّطا َعات‪،‬‬ ‫َف َ َيا ُه َذنْب ًا بِالن ِّْس َب ِة إِ َل َعظِيم َمن ِْز َلته‪َ ،‬وإِ ْن كَان ْ‬
‫و َأ ْف َضل األَ ْعمل‪َ ،‬ف ِهي ن ُُزول َعن َع ِال درجته‪ ،‬ورفِيع م َقامه ِمن ح ُضوره مع اهللِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ََ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يت َِمل َأ َّن َه َذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اهدَ ته َو ُم َرا َق َبته َو َف َراغه مَّا س َوا ُه‪َ ،‬ف َي ْس َت ْغفر ل َذل َك‪َ ،‬وق َيل‪ْ َ :‬‬ ‫َت َع َال‪َ ،‬و ُم َش َ‬
‫الس ِكينَة ا َّلتِي َت ْغ َشى َقلبه‪ ،‬لِ َق ْولِ ِه َت َع َال‪ :‬ﱹ ﮜ ﮝ ﮞ ﱸ [الفتح‪،]18 :‬‬ ‫ال َغ ْي ُه َو َّ‬
‫ال ْفتِ َقار‪َ ،‬و ُم َل َز َمة اخلُ ُشوع‪َ ،‬و ُشكْر ًا َلِا َأ ْو َل ُه‪،‬‬ ‫ودي ِة و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َيكُون ا ْست ْغ َفاره إِ ْظ َهار ًا لل ُع ُب َّ َ‬
‫ني َع َذاب‬ ‫اش‪َ :‬خ ْوف األَنْبِ َياء َوا َمل َل ِئكَة َخ ْوف إِ ْع َظام‪َ ،‬وإِ ْن كَانُوا ِآمنِ َ‬ ‫ِ‬
‫َو َقدْ َق َال ا ُمل َح ّ‬
‫يت َِمل َأ َّن َه َذا ال َغ ْي َحال َخ ْش َية َوإِ ْع َظام َي ْغ َشى ال َقلب‪َ ،‬و َيكُون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل َت َع َال‪َ ،‬وق َيل‪ْ َ :‬‬
‫الصافِ َية ِمَّا َتت ََحدَّ ث بِ ِه‬
‫شء َي ْع َ ِتي ال ُق ُلوب َّ‬
‫ِ‬
‫ا ْست ْغ َفاره ُشك ًْرا‪ ،‬ك ََم َس َب َق‪َ ،‬وق َيل‪ُ :‬ه َو َ ْ‬
‫ِ ِ‬
‫(((‬
‫النَّ ْفس َف ُه َو شها‪َ .‬واهللِ َأ ْع َلم" اهـ‪.‬‬
‫وقال احلافظ ابن حج يف ((الفتح))‪" :‬قال الشيخ شهاب الدين السهروردي‪:‬‬
‫ال يعتقد أن الغني يف حالة نقص؛ بل هو كامل أو تتمة كامل‪ ،‬ثم مثل ذلك بجفن‬
‫العني حني يسبل ليدفع القذى عن العني مثالً‪ ،‬فإنه يمنع العني من الرؤية‪ ،‬فهو من‬
‫هذه احليثية نقص‪ ،‬ويف احلقيقة هو كامل‪ ،‬هذا حمصل كالمه بعبارة طويلة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫متعرضة لألغرية الثائرة من أنفاس األغيار‪ ،‬فدعت احلاجة‬ ‫فهكذا بصرية النبي‬
‫(((‬
‫إىل السرت عىل حدقة بصريته صيانة هلا ووقاية عن ذلك" اهـ‪.‬‬

‫™™استغفار األنبياء‪:‬‬
‫قد يستشكل عىل البعض استغفار األنبياء وهم معصومون‪ ،‬واالستغفار‬
‫يستدعى وقوع معصية‪ ،‬وألهل العلم يف ذلك عدة أجوبة‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫((( ((رشح النووي لصحيح مسلم))‪.17/17 :‬‬


‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.112/11 :‬‬
‫(‪)31‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫‪1 )1‬ما تقدم ذكره يف بيان معنى الغني يف احلديث‪.‬‬
‫‪2 )2‬قول بن اجلوزي‪" :‬هفوات الطباع البرشية ال يسلم منها أحد‪ ،‬واألنبياء وإن‬
‫عصموا من الكبائر ‪ ..‬فلم يعصموا من الصغائر‪ .‬هذا كالمه‪ ،‬وهو مفرع‬
‫عىل خالف بني أهل العلم هل العصمة لألنبياء من الصغائر والكبائر‪ ،‬أم‬
‫من الكبائر فقط؟ وهو بنى كالمه عىل القول املرجوح من أهنم ُيعصمون من‬
‫الكبائر فقط‪ ،‬والراجح املعتمد أهنم معصومون من الصغائر والكبائر"‪.‬‬
‫‪3 )3‬قول بن بطال‪" :‬األنبياء أشد الناس اجتهاد ًا يف العبادة ملا أعطاهم اهلل تعاىل من‬
‫املعرفة‪ ،‬فهم دائبون يف شكره‪ ،‬معرتفون له بالتقصري‪ ،‬أي‪ :‬أن االستغفار من‬
‫التقصري يف أداء احلق الذي جيب هلل تعاىل"‪.‬‬
‫‪4 )4‬أن استغفاره الشتغاله باألمور املباحة من أكل أو رشب أو مجاع أو نوم أو راحة‪،‬‬
‫أو ملخاطبة الناس والنظر يف مصاحلهم‪ ،‬وحماربة عدوهم تارة‪ ،‬ومداراته‬
‫أخرى‪ ،‬وتأليف املؤلفة‪ ،‬وغري ذلك مما حيجبه عن االشتغال بذكر اهلل والترضع‬
‫إليه ومشاهدته ومراقبته‪ ،‬فريى ذلك ذنب ًا بالنسبة إىل املقام العيل‪ ،‬وهو احلضور‬
‫يف حظرية القدس‪.‬‬
‫‪5 )5‬أن استغفاره ترشيع ألمته‪ ،‬أو من ذنوب األمة‪ ،‬فهو كالشفاعة هلم‪.‬‬
‫دائم الرتقي‪ ،‬فإذا ارتقى إىل حال ‪ ..‬رأى‬ ‫‪6 )6‬ما قاله اإلمام الغزايل‪" :‬كان‬
‫ما قبلها دوهنا‪ ،‬فاستغفر من احلالة السابقة"‪.‬‬
‫مل يزل يف الرتقي إىل‬ ‫‪7 )7‬وقال الشيخ السهروردي‪" :‬ملا كان روح النبي‬
‫مقامات القرب ‪ ..‬يستتبع القلب‪ ،‬والقلب يستتبع النفس‪ ،‬وال ريب أن حركة‬
‫الروح والقلب أرسع من هنضة النفس‪ ،‬فكانت خطا النفس تقرص عن مدامها‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)32‬‬

‫يف العروج‪ ،‬فاقتضت احلكمة ابطاء حركة القلب لئال تنقطع عالقة النفس‬
‫يفزع إىل االستغفار لقصور النفس عن‬ ‫عنه‪ ،‬فيبقى العباد حمرومني‪ ،‬فكان‬
‫(((‬
‫شأو ترقي القلب" اهـ‪.‬‬

‫™™هل االستغفار توبة؟‬


‫قال اإلمام السبكي‪" :‬والذي ذكرته من أن معنى االستغفار هو غري معنى‬
‫التوبة ‪ ..‬هو بحسب وضع اللفظ؛ لكنه غلب عند كثري من الناس أن لفظ‪(( :‬أستغفر‬
‫(((‬
‫اهلل)) معناه التوبة‪ ،‬فمن كان ذلك معتقده ‪ ..‬فهو يريد التوبة ال حمالة" اهـ‪.‬‬
‫ثم قال‪" :‬وذكر بعض العلامء أن التوبة ال تتم اال باالستغفار؛ لقوله تعاىل‪:‬‬
‫ﱹ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﱸ [هود‪ ،]3 :‬واملشهور أنه ال يشرتط"‪.‬‬

‫™™فائـــدة‪:‬‬
‫قال السبكي الكبري‪" :‬االستغفار طلب املغفرة إما باللسان أو بالقلب أو هبام‪،‬‬
‫فاألول‪ :‬فيه نفع؛ ألنه خري من السكوت؛ وألنه يعتاد قول اخلري‪ ،‬والثاين‪ :‬نافع جد ًا‪،‬‬
‫والثالث‪ :‬أبلغ منهام؛ لكنهام ال يمحصان الذنب حتى توجد التوبة‪ ،‬فإن العايص‬
‫(((‬
‫املرص يطلب املغفرة‪ ،‬وال يستلزم ذلك وجود التوبة"‪ .‬اهـ‬
‫َ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫الصدِّ ِيق‬
‫ص َم ْن ْاس َت ْغ َف َر‪،‬‬
‫‪َ (( :‬ما أ َ َّ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫و َع ْن َأ ِب َبك ٍْر ِّ‬
‫ني َم َّر ٍة)) أخرجه أبو داود والرتمذي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َوإِ ْن َعا َد ِف ال َي ْو ِم َس ْبع َ‬
‫ول اهللِ‬ ‫و َع ْن َأن ٍ‬
‫‪(( :‬ك ُُّل ا ْب ِن آ َد َم َخ َّط ٌ‬
‫اء‪َ ،‬فخَ ْ ُي‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َس‬

‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.113/11 :‬‬


‫((( املرجع السابق‪.524/13 :‬‬
‫((( املرجع السابق‪.524/13 :‬‬
‫(‪)33‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫َ ِ‬
‫ون)) أخرجه أمحد والرتمذي وابن ماجة‪.‬‬ ‫اخل َّطائ َ‬
‫ني الت ََّّوا ُب َ‬
‫‪ِ (( :‬ف ال َي ْو ِم ِما َئ َة َم َّر ٍة))‪ :‬حيتمل أن يريد املبالغة‪ ،‬وحيتمل أن يريد‬ ‫قوله‬
‫العدد بعينه‪.‬‬
‫وقال يف ((فيض القدير))‪" :‬ذكر املائة هنا والسبعني يف رواية أخرى عبارة عن‬
‫الكثرة ال للتحديد وال للغاية كام يدل عليه ﱹ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﱸ [التوبة‪،]80 :‬‬
‫إذ لو استغفر هلم مدة حياته ‪ ..‬مل ُيغفر هلم؛ ألهنم كفار به‪ ،‬فاملراد هنا أتوب إليه دائام‬
‫(((‬
‫أبدا" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫بأمته‪.‬‬ ‫‪1 .1‬عظيم رمحته‬
‫اخلري لألمة‪.‬‬ ‫‪2 .2‬إرادته‬
‫عىل تبليغ األمة ونجاهتا من النار وقرهبا من الغفار‪.‬‬ ‫‪3 .3‬حرصه‬
‫‪4 .4‬تعليمه ألمة وحتبيبة هلم التوبة والرجوع إىل اهلل‪ ،‬وعدم اليأس من رمحة اهلل‪،‬‬
‫يتوب إىل اهلل يف اليوم مئة مرة‪.‬‬ ‫وذلك بإخبارهم أنه هو بنفسه‬
‫‪5 .5‬عدم االغرتار باألعامل وكثرهتا والقرب من اهلل؛ ألن اإلنسان ال يأمن مكر اهلل‪،‬‬
‫أقرب اخللق إىل اخلالق يستغفر ربه ويتوب إليه وهو‬ ‫فهذا رسول اهلل‬
‫املعصوم‪ ،‬فكيف من هو دونه يغرت بالعبادة وفعل الطاعات‪.‬‬

‫((( ((فيض القدير))‪.155/4 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)34‬‬

‫احلديث الثالث‬

‫َق َال‪(( :‬إِ َّن اهللَ‬ ‫وسى عبداهلل بن قيس األشعري َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫َع ْن َأ ِب ُم َ‬
‫ُوب ُم ِس ُء ال َّل ْي ِل َحتَّى‬ ‫ار ويبس ُط يدَ ه بِالنَّه ِ ِ‬
‫ار ل َيت َ‬
‫ِ‬
‫ُوب ُمس ُء الن ََّه ِ َ َ ْ ُ َ ُ َ‬
‫ِ‬
‫َي ْب ُس ُط َيدَ ُه بِال َّل ْي ِل ل َيت َ‬
‫الش ْم ُس ِم ْن َمغ ِْر ِ َبا)) رواه مسلم‪.‬‬ ‫َت ْط ُل َع َّ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمـــه‬
‫هو أبو موسى عبداهلل بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب بن عامر‬
‫األشعري‪ ،‬نسبة إىل األشعر قبيلة مشهورة باليمن‪ ،‬واألشعر هو مرة بن أدد بن‬
‫زيد بن يشجب‪ ،‬وقيل‪ :‬أن األشعر هو ثبت بن أدد بن زيد بن يشجب‪ ،‬وإنام قيل له‬
‫(((‬
‫األشعر؛ ألن أمه ولدته والشعر عىل بدنه‪.‬‬
‫ويف ((املستدرك)) للحاكم‪" :‬أبو موسى األشعري اسمه عبد اهلل بن قيس بن‬
‫سيلم بن حضار بن حريث بن عامر بن بكر بن عامر بن عذر بن وائل بن ناجية بن‬
‫املهاجر بن األشعري و هو نبت بن أدد بن يشجب بن يعرب بن قحطان"‪.‬‬
‫(((‬
‫وقيل‪ :‬هو من ولد األشعر بن سبأ أخي محري بن سبأ‪.‬‬
‫وأمه‪ :‬ظبية بنت وهب بن عك‪ ،‬كام يف ((اإلصابة)) و((االستيعاب))‪ ،‬كانت‬

‫((( انظر‪(( :‬دليل الفاحلني))‪.54/1 :‬‬


‫((( انظر‪(( :‬االستيعاب))‪.299/1 :‬‬
‫(‪)35‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫أسلمت‪ ،‬وماتت باملدينة‪.‬‬
‫ويف ((املستدرك)) للحاكم أن اسم أمه‪ :‬طيبة بنت وهب بن عتيك‪.‬‬
‫وأرضاه فىزبيد باليمن‪.‬‬ ‫ولد‬
‫مكة قبل اهلجرة‪ ،‬فحالف سعيد بن العاص بن أمية‬ ‫قدم أبو موسى‬
‫أبا أحيحة‪ ،‬وكان قدومه مع إخوته يف مجاعة من األشعريني كام قاله الواقدي‪ ،‬وقال‬
‫وهو يف مكة فأسلم‪،‬‬ ‫أبو إسحاق‪ :‬هو حليف آل عتبة بن ربيعة‪ ،‬وقدم عىل النبي‬
‫ثم هاجر إىل احلبشة‪ ،‬وقدم منها مع سيدنا جعفر بن أيب طالب وأهل السفينتني‬
‫كام من حرضها‪.‬‬ ‫بخيرب بعد فتح خيرب بثالث‪ ،‬فقسم هلم النبي‬ ‫ورسول اهلل‬
‫وقالت طائفة من أهل العلم بالنسب والسري‪ :‬إن أبا موسى ملا قدم مكة‬
‫وحالف سعيد بن العاص ‪ ..‬انرصف إىل بالد قومه‪ ،‬ومل هياجر إىل أرض احلبشة‪ ،‬ثم‬
‫قدم مع إخوته‪ ،‬فصادف قدومه قدوم السفينتني من أرض احلبشة‪.‬‬
‫قال أبو عمر‪ :‬والصحيح أن أبا موسى رجع بعد قدومه مكة وحمالفة من‬
‫حالف من بني عبد شمس إىل بالد قومه‪ ،‬فأقام هبا حتى قدم مع األشعريني نحو‬
‫مخسني رج ً‬
‫ال يف سفينة‪ ،‬فألقتهم الريح إىل النجايش بأرض احلبشة‪ ،‬فوافقوا خروج‬
‫جعفر وأصحابه منها‪ ،‬فأتوا معهم‪ ،‬وقدمت السفينتان مع ًا‪ :‬سفينة األشعريني‬
‫يف حني فتح خيرب‪.‬‬ ‫وسفينة جعفر وأصحابه عىل النبي‬
‫وسى‬ ‫وهذا هو الصحيح ويؤيد ذلك ما أخرجه البخاري َع ْن َأ ِب ُم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َون َْح ُن بِال َي َم ِن َف َرك ْبنَا َسفينَ ًة‪َ ،‬ف َأل َق ْتنَا َسفينَ ُتنَا إ َل الن ََّج ِّ‬
‫اش‬ ‫قال‪َ :‬ب َل َغنَا َم ْ َر ُج النَّبِ ِّي‬
‫ب‪َ ،‬ف َأ َق ْمنَا َم َع ُه َحتَّى َق ِد ْمنَا‪َ ،‬ف َوا َف ْقنَا النَّبِ َّي‬ ‫حل َب َش ِة‪َ ،‬ف َوا َف ْقنَا َج ْع َف َر ْب َن َأ ِب َطالِ ٍ‬ ‫بِا َ‬
‫الس ِفين َِة ِه ْج َرت ِ‬
‫َان))‪.‬‬ ‫ني ا ْف َتت ََح َخ ْي َب‪َ َ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي ‪َ (( :‬لك ُْم َأ ْنت ُْم َيا َأ ْه َل َّ‬ ‫ِح َ‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)36‬‬

‫وقال الواقدي‪ :‬حدثنا خالد بن إلياس‪ ،‬عن أيب بكر بن أيب جهم‪ ،‬قال‪ :‬ليس‬
‫أبو موسى من مهاجرة احلبشة‪ ،‬وال حلف له يف قريش‪ ،‬وقد كان أسلم بمكة‪،‬‬
‫(((‬
‫‪.‬‬ ‫ورجع إىل أرضه حتى قدم هو وأناس من االشعريني عىل رسول اهلل‬
‫وقد قيل‪ :‬إن األشعريني إذ رمتهم الريح إىل النجايش أقاموا هبا مدة‪ ،‬ثم‬
‫خرجوا يف حني خروج جعفر‪ ،‬فلهذا ذكره ابن إسحاق فيمن هاجر إىل أرض‬
‫احلبشة‪.‬‬
‫َق َال‪َ :‬ق َال النَّبِ ُّي ‪َ (( :‬س َي ْقدَ ُم َع َل ْيك ُْم َق ْو ٌم ُه ْم َأ َر ُّق‬ ‫َس ْب ِن َمالِ ٍك‬
‫وعن َأن ِ‬
‫وسى األَ ْش َع ِر ُّي‪َ ،‬ف َل َّم َق ُر ُبوا‬ ‫إلس َل ِم ِمنْكُم)) َق َال‪َ :‬ف َق ِدم األَ ْشع ِري َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ون من ُْه ْم َأ ُبو ُم َ‬ ‫َ ُّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُق ُلوب ًا ل ِ ْ‬
‫ون َو َج َع ُلوا َي ُقو ُل َ‬
‫ون‪:‬‬ ‫ت ُز َ‬‫ِم ْن ا َمل ِدين َِة َج َع ُلوا َير َ ِ‬
‫ْ‬
‫ُم َ َّمـــــــــد ًا َو ِح ْز َبـــــــــ ُه‬ ‫َغـــد ًا نَل َقـــى األَ ِح َّب َة‬

‫َان ُه ْم َأ َّو َل َم ْن َأ ْحدَ َ‬


‫ث ا ُمل َصا َف َح َة‪ .‬أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫َق َال‪َ :‬وك َ‬

‫وعن سامك بن جرب قال‪ :‬سمعت عياض األشعري يقول‪ :‬ملا نزلت ﱹ ﮤ‬
‫ك َي ْا َأ َبا ُم ْو َسى))‪،‬‬
‫‪َ (( :‬ه ْم َق ْو ُم َ‬ ‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﱸ [املائدة‪ ]54 :‬قال رسول اهلل‬
‫بيده إىل أيب موسى األشعري‪ .‬أخرجه احلاكم وقال‪ :‬حديث‬ ‫و أومئ رسول اهلل‬
‫صحيح عىل رشط مسلم‪ ،‬ومل خيرجاه‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫فضائلـــه‬
‫وله رسول اهلل‬ ‫من فقهاء وعلامء الصحابة‪ ،‬وقد ّ‬ ‫كان سيدنا أبو موسى‬
‫ول اهللِ‬
‫َب َع َث‬ ‫َأ َّن َر ُس َ‬ ‫عىل زبيد وعدن وساحل اليمن‪ ،‬ف َع ْن َأ ِب ُم َ‬
‫وسى‬
‫َّاس ال ُق ْر َ‬
‫آن‪ .‬أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫وسى إِ َل ال َي َم ِن‪َ ،‬ف َأ َم َر ُ َ‬
‫ها َأ ْن ُي َع ِّل َم الن َ‬ ‫ُم َعاذ ًا َو َأ َبا ُم َ‬

‫((( انظر‪(( :‬سري أعالم النبالء))؛ مطبعة‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب‪.439/2 :‬‬
‫(‪)37‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وسى َو ُم َعا َذ ْب َن َج َب ٍل إِ َل ال َي َم ِن‪.‬‬ ‫ول اهللِ‬ ‫و َع ْن َأ ِب ُب ْر َد َة َق َال‪َ :‬ب َع َث َر ُس ُ‬
‫َأ َبا ُم َ‬
‫سا َو َل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ ٍ ِ‬
‫َق َال‪َ :‬و َب َع َث ك َُّل َواحد من ُْه َم َع َل م ْ َلف‪َ .‬ق َال‪َ :‬وال َي َم ُن م ْ َل َفان‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ (( :‬ي ِّ َ‬
‫اح ٍد ِمن ُْه َم‬‫َان ك ُُّل و ِ‬
‫َ‬ ‫اح ٍد ِمن ُْه َم إِ َل َع َم ِل ِه‪َ ،‬وك َ‬ ‫ُتعسا وب ِّشا و َل ُت َن ِّفرا))‪َ ،‬فا ْن َط َل َق ك ُُّل و ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِّ َ َ َ َ َ‬
‫ث بِ ِه َع ْهد ًا َف َس َّل َم َع َل ْي ِه‪َ ،‬ف َس َار ُم َعا ٌذ ِف‬ ‫احبِ ِه َأ ْحدَ َ‬
‫َان َق ِريب ًا ِمن ص ِ‬
‫ْ َ‬ ‫إِ َذا َس َار ِف َأ ْر ِض ِه ك َ‬
‫وسى‪َ ،‬ف َجا َء َي ِس ُري َع َل َب ْغ َلتِ ِه َحتَّى ا ْنت ََهى إِ َل ْي ِه َوإِ َذا ُه َو‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ ْرضه َق ِريب ًا م ْن َصاحبِه َأ ِب ُم َ‬
‫ِ ِ‬

‫َّاس‪َ ،‬وإِ َذا َر ُج ٌل ِعنْدَ ُه َقدْ ُجِ َع ْت َيدَ ا ُه إِ َل ُعن ُِق ِه‪َ ،‬ف َق َال َل ُه‬ ‫ِ‬
‫اجت ََم َع إِ َل ْيه الن ُ‬
‫ِ‬
‫َجال ٌس َو َقدْ ْ‬
‫س َأ ُّي َم َه َذا‪َ .‬ق َال‪َ :‬ه َذا َر ُج ٌل َك َف َر َب ْعدَ إِ ْس َل ِم ِه‪َ .‬ق َال‪َ :‬ل َأن ِْز ُل‬ ‫ُم َعا ٌذ‪َ :‬يا َع ْبدَ اهللِ ْب َن َق ْي ٍ‬
‫َحتَّى ُي ْقت ََل‪َ .‬ق َال‪ :‬إِن ََّم ِجي َء بِ ِه لِ َذلِ َك‪َ ،‬فان ِْزل‪َ .‬ق َال‪َ :‬ما َأن ِْز ُل َحتَّى ُي ْقت ََل‪َ ،‬ف َأ َم َر بِ ِه َف ُقتِ َل‪،‬‬
‫ف َت ْق َر ُأ‬ ‫آن؟ َق َال‪َ :‬أ َت َف َّو ُق ُه َت َف ُّو ًقا‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َك ْي َ‬‫ف َت ْق َر ُأ ال ُق ْر َ‬ ‫ُث َّم ن ََز َل‪َ ،‬ف َق َال َيا َع ْبدَ اهللِ َك ْي َ‬
‫ِ ِ‬
‫َب‬ ‫ْت َيا ُم َعا ُذ؟ َق َال‪َ :‬أنَا ُم َأ َّو َل ال َّل ْي ِل َف َأ ُقو ُم َو َقدْ َق َض ْي ُت ُج ْزئي م ْن الن َّْو ِم َف َأ ْق َر ُأ َما َكت َ‬ ‫َأن َ‬
‫ب َق ْو َمتِي‪ .‬أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ن َْو َمتي ك ََم َأ ْحتَس ُ‬
‫ِ‬
‫اهلل ِل َف َأ ْحتَس ُ‬
‫وسى َو ُم َعاذ ًا‬ ‫َجدَّ ُه َأ َبا ُم َ‬ ‫وعن َس ِعيد ْب ِن َأ ِب ُب ْر َد َة َع ْن َأبِ ِيه َق َال‪َ :‬ب َع َث النَّبِ ُّي‬
‫ِ‬
‫وسى‪:‬‬ ‫ا‪،‬و َت َط َاو َعا))‪َ ،‬ف َق َال َأ ُبو ُم َ‬ ‫شا َو َل ُتنَ ِّف َر َ‬ ‫سا‪َ ،‬و َب ِّ َ‬‫سا َو َل ُت َع ِّ َ‬ ‫إ َل ال َي َم ِن‪َ ،‬ف َق َال‪َ (( :‬ي ِّ َ‬
‫اب ِم ْن ال َع َس ِل البِت ُْع‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫ش ٌ‬
‫يا نَبِي اهللِ إِ َّن َأر َضنَا ِبا َشاب ِمن َّ ِ ِ ِ‬
‫الشعري امل ْز ُر‪َ ،‬و َ َ‬ ‫َ َ ٌ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َّ‬
‫آن؟ َق َال‪َ :‬ق ِائ ًام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف َت ْق َر ُأ ال ُق ْر َ‬
‫وسى َك ْي َ‬ ‫((ك ُُّل ُم ْسك ٍر َح َرا ٌم))‪َ ،‬فا ْن َط َل َقا‪َ ،‬ف َق َال ُم َعا ٌذ‪ :‬لَ ِب ُم َ‬
‫ب ن َْو َمتِي ك ََم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َقاعد ًا َو َع َل َراح َلتي َو َأ َت َف َّو ُق ُه َت َف ُّو ًقا‪َ .‬ق َال‪َ :‬أ َّما َأنَا َف َأنَا ُم َو َأ ُقو ُم‪َ ،‬ف َأ ْحتَس ُ‬
‫ِ‬

‫وسى‪َ ،‬فإِ َذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ض َب ُف ْس َطا ًطا‪َ ،‬ف َج َع َل َيت ََز َاو َران‪َ ،‬ف َز َار ُم َعا ٌذ َأ َبا ُم َ‬ ‫ب َق ْو َمتي‪َ ،‬و َ َ‬ ‫َأ ْحتَس ُ‬
‫ود ٌّي َأ ْس َل َم ُث َّم ْارتَدَّ ‪َ ،‬ف َق َال ُم َعا ٌذ‪:‬‬ ‫رج ٌل مو َث ٌق‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ما ه َذا؟ َف َق َال َأبو موسى‪ :‬ي ِ‬
‫َُ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫ض َب َّن ُعنُ َق ُه‪ .‬أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫َلَ ْ ِ‬

‫شا َو َل ُتنَ ِّف َرا‪َ ،‬و َت َط َاو َعا َو َل َ ْتتَلِ َفا))‪.‬‬ ‫سا َو َل ُت َع ِّ َ‬
‫سا‪َ ،‬و َب ِّ َ‬ ‫ويف رواية ملسلم‪َ (( :‬ي ِّ َ‬
‫َأ َّن النَّبِ َّي‬ ‫وسى األَ ْش َع ِر ِّي‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫و َع ْن َسعيد ْب ِن َأ ِب ُب ْر َد َة َع ْن َأبِيه َع ْن َأ ِب ُم َ‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)38‬‬

‫ش َب ٍة ت ُْصن َُع ِ َبا‪َ ،‬ف َق َال‪َ ((:‬و َما ِه َي؟)) َق َال‪ :‬البِت ُْع َواملِ ْز ُر‪،‬‬
‫َب َع َث ُه إِ َل ال َي َم ِن‪َ ،‬ف َس َأ َل ُه َع ْن َأ ْ ِ‬
‫الش ِع ِري‪َ ،‬ف َق َال‪(( :‬ك ُُّل ُم ْسكِ ٍر‬ ‫لت‪ِ :‬لَ ِب ُب ْر َد َة َما البِت ُْع؟ َق َال‪ :‬نَبِ ُ‬
‫يذ ال َع َس ِل‪َ ،‬واملِ ْز ُر نَبِ ُ‬
‫يذ َّ‬ ‫َف ُق ُ‬
‫َح َرا ٌم)) أخرجه البخاري‪.‬‬
‫َأنَا َو ُم َعا َذ ْب َن َج َب ٍل‬ ‫وسى َق َال‪َ :‬ب َع َثنِي النَّبِ ُّي‬ ‫ويف رواية ملسلم‪َ :‬ع ْن َأ ِب ُم َ‬
‫الش ِع ِري‪،‬‬
‫شاب ًا ُي ْصن َُع بِ َأ ْر ِضنَا ُي َق ُال َل ُه املِ ْز ُر ِم ْن َّ‬ ‫لت‪َ :‬يا َر ُس َ ِ ِ‬
‫ول اهلل إ َّن َ َ‬ ‫إِ َل ال َي َم ِن‪َ ،‬ف ُق ُ‬
‫اب ُي َق ُال َل ُه البِت ُْع ِم ْن ال َع َس ِل‪َ ،‬ف َق َال‪(( :‬ك ُُّل ُم ْسكِ ٍر َح َرا ٌم))‪.‬‬
‫ش ٌ‬‫َو َ َ‬
‫الص َل ِة َف ُه َو َح َرا ٌم))‪.‬‬ ‫ويف رواية ملسلم‪(( :‬ك ُُّل َما َأ ْسك ََر َع ْن َّ‬
‫الص َل ِة))‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ويف رواية له أيضا‪َ (( :‬أ ْنَى َع ْن ك ُِّل ُم ْسك ٍر َأ ْسك ََر َع ْن َّ‬
‫البرصة سنة ‪17‬هـ‪ ،‬فافتتح األهواز‪ ،‬ثم أصبهان‪،‬‬ ‫و َّ‬
‫ول ُه سيدنا عمر‬
‫ثم استعمله عثامن عىل الكوفة‪ ،‬ثم كان أحد احلكمني بصفني‪ ،‬ثم اعتزل الفريقني‪.‬‬
‫وأرضاه كان حسن الصوت‪،‬‬ ‫وقد وردت يف فضائله أحاديث منها أنه‬
‫يت ِمزْمار ًا ِمن مز ِ‬
‫َام ِري ِ‬ ‫ِ‬
‫او َد))‬
‫آل َد ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫وسى َل َقدْ ُأوت َ َ‬
‫وقد قال له رسول اهلل ‪َ (( :‬يا َأ َبا ُم َ‬
‫أخرجه البخاري‪.‬‬
‫ي ُأ ْعطِ َي ِمز َْمار ًا ِم ْن‬ ‫ويف رواية ملسلم وأمحد‪(( :‬إِ َّن َع ْبدَ اهللِ ْب َن َق ْي ٍ‬
‫س َأ ْو األَ ْش َع ِر َّ‬
‫مز ِ‬
‫َام ِري ِ‬
‫آل َد ُاو َد))‪.‬‬ ‫َ‬
‫َد َخ َل ا َمل ْس ِجدَ َف َأ َخ َذ‪،‬‬ ‫ول اهللِ‬‫وعن َع ْب ِد اهللِ ْب ِن ُب َر ْيدَ َة َع ْن َأبِ ِيه َأ َّن َر ُس َ‬
‫وت ه َذا ِمزْمار ًا ِمن مز ِ‬
‫َام ِري ِ‬
‫آل َد ُاو َد))‪،‬‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫لت َم َع ُه‪َ ،‬فإِ َذا َر ُج ٌل َي ْق َر ُأ َو ُي َص ِّل َق َال‪َ (( :‬ل َقدْ ُأ ِ َ َ‬‫َفدَ َخ ُ‬
‫لت‪ :‬يا رس َ ِ‬ ‫َوإِ َذا ُه َو َع ْبدُ اهللِ ْب ُن َق ْي ٍ‬
‫ول اهلل َف ُأ ْخ ِ ُ‬
‫ب ُه؟‬ ‫وسى األَ ْش َع ِر ُّي‪َ .‬ق َال‪ُ :‬ق ُ َ َ ُ‬ ‫س َأ ُبو ُم َ‬
‫ب ُت ُه)) َف َق َال‪َ :‬ل ْ ت ََزل ِل َص ِدي ًقا‪ .‬أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫َ‬
‫َق َال‪َ (( :‬فأ ْخ َ ْ‬
‫وسى‪َ (( :‬ل ْو َر َأ ْيتَنِي َو َأنَا‬
‫لَ ِب ُم َ‬
‫ِ‬ ‫ول اهللِ‬
‫و َع ْن َأ ِب ُم َ‬
‫وسى َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫(‪)39‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫يت ِمزْمار ًا ِمن مز ِ‬
‫َام ِري ِ‬ ‫ِ‬ ‫َأ ْست َِم ُع لِ ِق َر َاءتِ َ‬
‫ك ال َب ِ‬
‫آل َد ُاو َد)) أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫ْ َ‬ ‫ار َح َة َل َقدْ ُأوت َ َ‬
‫علمت أنك تسمع‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬لو‬ ‫قلت ‪" :‬واهلل يا‬
‫احلميدي‪ :‬زاد الربقاين‪ُ :‬‬
‫ُّ‬ ‫قال‬
‫بتُه لك حتبريا"‪.‬‬ ‫قراءيت َ َ‬
‫ل َّ ْ‬
‫قال اإلمام النووي يف ((رشحه عىل صحيح اإلمام مسلم))‪َ " :‬ق َال ال ُع َل َمء‪:‬‬
‫الزمر ِ‬ ‫ا ُمل َراد بِاملِ ْز َم ِ‬
‫الغنَاء‪َ ،‬و ُآل َد ُاو َد ُه َو َد ُاو ُد َن ْفسه‪،‬‬ ‫الص ْوت احلَ َسن‪َ ،‬و َأ ْصل َّ ْ‬ ‫ار ُهنَا َّ‬
‫(((‬
‫الص ْوت ِجدًّ ا" اهـ‪.‬‬ ‫َح َسن َّ‬ ‫َو ُآل ُف َلن َقدْ ُي ْط َلق َع َل َن ْفسه‪َ ،‬وك َ‬
‫َان َد ُاو ُد‬
‫قال فيه‪(( :‬ال َّل ُه َّم‬ ‫أن رسول اهلل‬ ‫وقد دعا له النبي ‪ ،‬فقد ورد عنه‬
‫ال ك َِر ًيم)) أخرجه البخاري‬ ‫الق َي َام ِة ُمدْ َخ ً‬
‫س َذ ْنبه‪ ،‬و َأد ِخله يوم ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ا ْغف ْر ل َع ْبد اهلل ْب ِن َق ْي ٍ َ ُ َ ْ ُ َ ْ َ‬
‫ومسلم‪.‬‬
‫وأرضاه من العلامء والفقهاء‪ .‬قال الشعبي‪ :‬انتهى‬ ‫وقد كان أبو موسى‬
‫العلم إىل ستة‪ ،‬فذكره فيهم‪ .‬وذكره البخاري من طريق الشعبي بلفظ العلامء‪.‬‬
‫وقال ابن املدائني‪" :‬قضاة األمة أربعة‪ :‬عمر‪ ،‬وعيل‪ ،‬وأبو موسى‪ ،‬وزيد بن‬
‫(((‬
‫ثابت"‪.‬‬
‫وعن أيب التياح قال‪ :‬سمعت احلسن يقول‪ :‬ما قدم البرصة راكب خري ألهلها‬
‫من أيب موسى األشعري‪ .‬أخرجه احلاكم‪.‬‬
‫عن موضع أيب موسى من‬ ‫ويف ((االستيعاب)) البن عبدالرب‪" :‬سئل عيل‬
‫(((‬
‫العلم‪ ،‬فقال‪ :‬صبغ يف العلم صبغة"‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.56/6 :‬‬


‫((( انظر‪(( :‬اإلصابة))‪.482/2 :‬‬
‫((( ((االستيعاب))‪.300/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)40‬‬

‫‪:‬‬ ‫روايته للحديث‬


‫وأرضاه ثالثامئة وستني حديث ًا‬ ‫وقد روى سيدنا أبو موسى األشعري‬
‫(‪ ،)360‬اتفق البخاري ومسلم منها عىل تسعة وأربعني حديث ًا (‪ ،)49‬وانفرد‬
‫البخاري بأربعة (‪ ،)4‬ومسلم بخمسة عرش (‪.)15‬‬
‫وقد حدث عنه‪ :‬بريدة بن احلصيب‪ ،‬وأبو أمامة الباهيل‪ ،‬وأبو سعيد اخلدري‪،‬‬
‫وأنس بن مالك‪ ،‬وطارق بن شهاب‪ ،‬وسعيد بن املسيب‪ ،‬واالسود بن يزيد‪ ،‬وأبو وائل‬
‫شقيق بن سلمة‪ ،‬وزيد بن وهب‪ ،‬وأبو عثامن النهدي‪ ،‬وأبو عبد الرمحن النهدي‪،‬‬
‫(((‬
‫ومرة الطيب‪ ،‬وربعي بن حراش‪ ،‬وزهدم بن مرضب‪ ،‬وخلق سواهم‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتـــه‬
‫وأرضاه‪:‬‬ ‫أخت ُِلف يف سنة وفاة سيدنا أيب موسى‬
‫فقال أبو أمحد احلاكم‪ :‬تويف سنة اثنتني‪ ،‬وقيل‪ :‬سنة ثالث وأربعني‪.‬‬
‫وقال أبو نعيم‪ ،‬وأبو بكر بن أيب شيبة‪ ،‬وابن نمري‪ ،‬وقعنب بن املحرر‪ :‬تويف‬
‫سنة أربع وأربعني‪.‬‬
‫وأما الواقدي‪ ،‬فقال‪ :‬مات سنة اثنتني ومخسني‪.‬‬
‫وقال املدائني‪ :‬سنة ثالث ومخسني‪ ،‬بعد املغرية‪.‬‬
‫وقال البغوي‪ :‬بلغني أن أبا موسى مات سنة اثنتني‪ ،‬وقيل أربع وأربعني وهو‬
‫ابن نيف وستني‪.‬‬
‫وقال اهليثم وغريه‪ :‬مات سنة مخسني‪ ،‬زاد خليفة‪ :‬ويقال سنة إحدى ومخسني‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬سري أعالم النبالء))‪.437/2 :‬‬


‫(‪)41‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وكان عمره عندما تويف ستني سنة كام يف دليل الفاحلني‪ ،‬وقيل‪ :‬نيف‬
‫وستني كام تقدم قريب ًا يف كالم البغوي‪ ،‬وقيل‪ :‬ثالث وستني كام يف ((االستيعاب))‬

‫البن عبدالرب‪ ،‬وقاله أبو بكر بن أيب شيبة كام يف ((اإلصابة))‪.‬‬


‫واختلفوا كذلك يف مكان وفاته‪ ،‬فقيل يف الكوفة‪ ،‬وهو األقرب‪،‬وقيل‪ :‬يف‬
‫مكة‪ .‬قال ابن عبدالرب يف ((االستيعاب))‪" :‬ومات بالكوفة يف داره هبا‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه‬
‫مات بمكة سنة أربع وأربعني" اهـ‪.‬‬
‫وابن اجلوزي يف ((صفة الصفوة))‪" :‬ودفن بمكة‪ ،‬وقيل دفن بالثوية عىل ميلني‬
‫من الكوفة" اهـ‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫َي ْب ُس ُط َيدَ ُه))‪ :‬بسط اليد عبارة عن الطلب؛ ألن عادة‬ ‫‪(( :‬إِ َّن اهللَ‬ ‫قوله‬
‫الناس إذا طلب أحدهم شيئ ًا من أحد بسط كفه‪ ،‬فاحلق سبحانه وتعاىل يطلب من‬
‫عبادة التوبة والرجوع إليه لينجو من غضبه‪ ،‬ويف ذلك كامل رمحته سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫أو هو عبارة عن اجلود والتنزه عن املنع‪ ،‬فهو الذي ال يمنع توبته عن أحد‬
‫من عباده‪.‬‬
‫أو هو عبارة عن رمحة اهلل وكثرة جتاوزه عن الذنوب‪.‬‬
‫قال اإلمام النووي‪َ " :‬ف َب ْسط ال َيد اِ ْستِ َع َارة ِف َق ُبول الت َّْو َبة‪َ ،‬ق َال ا َمل ِ‬
‫از ِر ُّي‪ :‬ا ُمل َراد‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشء َب َس َط‬‫دهم َّ ْ‬ ‫ض َأ َح ْ‬ ‫بِه َق ُبول الت َّْو َبة‪َ ،‬وإن ََّم َو َر َد َل ْفظ ( َب ْسط ال َيد ) لَ َّن ال َع َرب إ َذا َر َ‬
‫س َي ْف َه ُمو َن ُه‪َ ،‬و ُه َو َمَاز‪َ ،‬فإِ َّن َيد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫َيده ل َق ُبوله‪َ ،‬وإ َذا ك َِر َه ُه َق َب َض َها َعنْ ُه‪َ ،‬ف ُخوط ُبوا بِ َأ ْم ٍر ح ِّ ّ‬
‫َحي َلة ِف َح ِّق اهللِ َت َع َال" اهـ‪.‬‬ ‫ارحة مست ِ‬
‫اجلَ ِ َ ُ ْ‬
‫(((‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم)) للنووي‪.51/17 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)42‬‬

‫وقال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬قال القرطبي يف ((املفهم))‪ :‬هذا احلديث أجري‬


‫جمرى املثل الذي يفهم منه قبول التوبة واستدامة اللطف والرمحة‪ ،‬وهو تنزل عن‬
‫القوي القاهر إىل مقتىض اللطيف الرؤوف الغافر‪ ،‬وقال الطيبي‪ :‬لعله‬
‫ّ‬ ‫مقتىض الغني‬
‫متثيل‪ ،‬وشبه حال إرادته تعاىل التوبة من عبده‪ ،‬وأهنا مما حيبه ويرضاه بحالة من ضاع‬
‫مترضع ًا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫له يشء نفيس ال غنى له عنه‪ ،‬ثم وجده مع غريه‪ ،‬فإنه يمد يده إليه طالب ًا‬
‫ثم استعمله يف جانب املستعار منه وهو بسط اليد مبالغة يف تناهي التشبيه‪ ،‬وادعاء‬
‫(((‬
‫أن املشبه نوع من املشبه به" اهـ‪.‬‬
‫وقال اإلمام الغزايل يف ((اإلحياء))‪" :‬وبسط اليد كناية عن طلب التوبة‪،‬‬
‫والطالب وراء القابل‪ ،‬فرب قابل ليس بطالب‪ ،‬وال طالب إال وهو قابل‪ ،‬وقال‬
‫ِ‬ ‫‪َ (( :‬لو َع َملتُم َ‬
‫َاب اهللُ َع َل ْيك ُْم))‪ (((،‬وقال‬ ‫اخل َطا َيا َحتَى َت ْب ُلغَ َّ‬
‫الس َم َء‪ُ ،‬ث َّم نَد ْمت ُْم ‪َ ..‬لت َ‬
‫اجلنَّ َة))‪ ،‬فقيل‪ :‬كيف ذلك يا رسول اهلل؟‬ ‫ْب‪َ ،‬ف َيدْ ُخ َل بِ ِه َ‬ ‫َب َّ‬
‫الذن َ‬ ‫أيض ًا‪(( :‬إِ َّن ال ّع ْبدَ َل ُي ْذن ُ‬
‫اجلنَّ َة))‪ (((،‬وقال ‪َ (( :‬ك َّف َار ُة‬ ‫ب َع ْين ِ ِه تَائِ َب ًا ِمنْ ُه َف َّار ًا َحتَى َيدْ ُخ َل َ‬ ‫قال‪َ (( :‬يك ُْو ُن ن َْص َ‬
‫(((‬
‫ْب ك ََم ْن لَ َذن َ‬
‫ْب َل ُه))‪.‬‬ ‫الذن ِ‬‫ب ِم ْن َّ‬ ‫ِ‬
‫ْب النَّدَ َام ُة))‪ (((،‬وقال ‪(( :‬التَّائ ُ‬ ‫الذن ِ‬
‫َّ‬

‫ويروى أن حبشي ًا قال‪ :‬يا رسول اهلل إين كنت أعمل الفواحش‪ ،‬فهل يل من‬
‫توبة؟ قال‪(( :‬نعم))‪ ،‬فوىل‪ ،‬ثم رجع‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل أكان يراين وأنا أعملها؟‬
‫قال‪(( :‬نعم)) فصاح احلبيش صيحة خرجت فيها روحه‪.‬‬
‫ملا لعن إبليس سأله النظرة‪ ،‬فأنظره إىل يوم القيامة‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ويروى أن اهلل‬
‫((( ((دليل الفاحلني))‪.75/1 :‬‬
‫((( أخرجه ابن ماجة بلفظ‪َ (( :‬ق َال َل ْو َأ ْخ َط ْأت ُْم َحتَّى َت ْب ُلغَ َخ َطا َياك ُْم َّ‬
‫الس َم َء‪ُ ،‬ث َّم ُت ْبت ُْم ‪َ ..‬لت َ‬
‫َاب َع َل ْيك ُْم))‪.‬‬
‫((( أخرجه ابن املبارك يف الزهد‪.‬‬
‫((( أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬
‫((( أخرجه ابن ماجة‪.‬‬
‫(‪)43‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫((وعزتك ال خرجت من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح‪ ،‬فقال اهلل تعاىل‪ :‬وعزيت‬
‫(((‬
‫وجاليل ال حجبت عنه التوبة ما دام الروح فيه)) اهـ‪.‬‬
‫ُوب ُم ِس ُء‬ ‫ار‪ ،‬ويبس ُط يدَ ه بِالنَّه ِ ِ‬
‫ار ل َيت َ‬
‫ِ‬
‫ُوب ُمس ُء الن ََّه ِ َ َ ْ ُ َ ُ َ‬
‫ِ‬
‫قوله ‪(( :‬بِال َّل ْي ِل ل َيت َ‬
‫ال َّل ْي ِل))‪ ،‬أي‪ :‬أن اهلل تعاىل يوسع جوده وفضله عىل العصاة بالليل ليلهموا التوبة‬
‫بالنهار‪ ،‬وبالنهار ليلهموا التوبة بالليل‪ ،‬وقد ورد أن كاتب احلسنات من امللكني‬
‫الرقيبني عىل اإلنسان أمني عىل كاتب السيئات‪ ،‬فإذا عمل حسنة ‪ ..‬كتبها ملك‬
‫اليمني عرش ًا‪ ،‬وإذا عمل سيئة ‪ ..‬قال صاحب اليمني لصاحب الشامل‪ :‬دعه سبع‬
‫(((‬
‫ساعات لعله يسبح أو يستغفر‪.‬‬
‫وليس املراد نقل التوبة بالليل ليتوب ميسء النهار وال العكس؛ إذ قبوله‬
‫التوبة بالليل ليس علة لتوبة ميسء النهار وعكسه؛ ألنه ال معنى لقبول التوبة قبل‬
‫وجودها‪ ،‬وإنام املعنى‪ :‬أنه تعاىل يقبلها بالليل ليتوب مسيئه‪ ،‬وبالنهار ليتوب مسيئه‪.‬‬
‫ويف احلديث داللة عىل استمرار فتح باب التوبة‪ ،‬وكثرة توبة اهلل عىل عبادة‪،‬‬
‫ال وهنار ًا‪.‬‬
‫فهو باسط يده بالليل والنهار‪ ،‬أي‪ :‬قابل للتوبة لي ً‬

‫الش ْم ُس ِم ْن َمغ ِْر ِ َبا))‪،‬‬


‫إىل هذا بقوله‪َ (( :‬حتَّى َت ْط ُل َع َّ‬ ‫وقد أشار النبي‬
‫فقبول التوبة مستمر وباهبا مفتوح مادامت الشمس مل تطلع من مغرهبا‪ ،‬فإذا طلعت‬
‫من مغرهبا ‪ ..‬فقد أغلق باب التوبة‪ ،‬وهو يوم ينتظر فيه الناس طلوع الشمس من‬
‫مرشقها كعادهتا‪ ،‬فال تطلع‪ ،‬ويتأخر طلوعها‪ ،‬وبينام هم منتظرين طلوعها ‪ ..‬إذا‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ ال تنفع التوبة كام قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬ ‫تطلع عليهم من مغرهبا‪،‬‬

‫((( ((إحياء علوم الدين))؛ طبعة‪ :‬دار املنهاج‪.48/7 :‬‬


‫((( انظر‪(( :‬أنوار التنزيل)) للبيضاوي‪ ،‬و((تفسري ابن مسعود)) عند قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ ﱸ [ق‪.]18 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)44‬‬

‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﱸ [األنعام‪.]158 :‬‬
‫قال الطربي‪" :‬معنى اآلية‪ :‬ال ينفع كافر ًا مل يكن آمن قبل الطلوع ٌ‬
‫إيامن بعد الطلوع‪،‬‬
‫وال ينفع مؤمن ًا مل يكن عمل صاحلا قبل الطلوع ٌ‬
‫عمل صالح بعد الطلوع؛ ألن حكم‬
‫اإليامن والعمل الصالح حينئذ حكم من آمن أو عمل عند الغرغرة‪ ،‬وذلك ال يفيد‬
‫شيئ ًا" اهـ‪ ،‬وقد قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﱸ [غافر‪.]85 :‬‬
‫ول اهللِ‬
‫َأ َّن َر ُس َ‬ ‫و َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫َق َال‪َ (( :‬ل َت ُقو ُم َّ‬
‫السا َع ُة َحتَّى َت ْط ُل َع‬
‫ون‪َ ،‬ف َذلِ َ ِ‬ ‫الش ْم ُس ِم ْن َمغ ِْر ِ َبا َفإِ َذا َط َل َع ْ‬
‫ني ﱹ ﭥ‬ ‫كح َ‬ ‫ج ُع َ‬ ‫َّاس ‪َ ..‬آمنُوا َأ ْ َ‬
‫آها الن ُ‬ ‫ت َف َر َ‬ ‫َّ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﱸ[األنعام‪ )) ]158 :‬أخرجه‬
‫البخاري واللفظ له‪ ،‬ومسلم وأمحد‪.‬‬
‫َاب َق ْب َل َأ ْن َت ْط ُل َع َّ‬
‫الش ْم ُس‬ ‫ول اهللِ‬
‫و َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة َق َال‪َ (( :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫‪َ :‬م ْن ت َ‬
‫َاب اهلل َع َل ْي ِه)) أخرجه مسلم وأمحد والنسائي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫م ْن َمغ ِْر ِ َبا ‪ ..‬ت َ‬
‫ومفهومه أن من تاب بعد ذلك ‪ ..‬مل تقبل‪.‬‬
‫ث إِ َذا َخ َر ْج َن َل ْ َينْ َف ْع َن ْفس ًا‬
‫ول اهللِ ‪َ (( :‬ث َل ٌ‬ ‫و َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫س ِم ْن َمغ ِْر ِ َبا‪،‬‬ ‫الش ْم ِ‬ ‫ِ‬
‫ت ِف إِ َيمنَا َخ ْي ًا‪ُ :‬ط ُل ُ‬
‫وع َّ‬ ‫َت ِم ْن َق ْب ُل َأ ْو ك ََس َب ْ‬
‫إِ َيم ُنَا َل ْ َتك ُْن َآمن ْ‬
‫ان‪َ ،‬و َدا َّب ُة األَ ْر ِ‬
‫ض)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫َوالدُّ َخ ُ‬
‫‪(( :‬إِ َّن اهللَ َي ْق َب ُل ت َْو َب َة ال َع ْب ِد َما‬ ‫وكذلك ال تنفع التوبة عند الغرغرة كام قال‬
‫َل ْ ُيغ َْر ِغ ْر)) أخرجه أمحد والرتمذي وابن ماجه‪.‬‬
‫وقال يف ((فيض القدير))‪" :‬قال يف ((املطامح))‪ :‬ومن أنكر طلوعها من مغرهبا‬
‫(‪)45‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫كفر" اهـ‪.‬‬
‫ثم قال مستدرك ًا عىل ذلك‪" :‬وأنت خبري بأن جزمه بالتكفري ال يكاد يكون‬
‫صحيح ًا سيام يف حق العامة؛ ألنه مل يبلغ مبلغ املعلوم من الدين بالرضورة‪ ،‬وجمرد‬
‫(((‬
‫وروده يف أخبار صحاح ال يوجب التكفري فتدبر" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬سعة رمحة اهلل تعاىل‪ ،‬وعظيم ثوابه‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن باب التوبة مفتوح ما مل تطلع الشمس من مغرهبا‪ ،‬أو ما مل يغرغر العبد‪.‬‬
‫‪3 .3‬إرادة اخلري من اهلل لألمة‪.‬‬
‫‪4 .4‬فرحه سبحانه وتعاىل بتوبة عبده‪ ،‬ورغبته يف توبته‪.‬‬
‫‪5 .5‬إمهال احلق سبحانه وتعاىل لعبده إذا عصاه لعله أن يتوب إليه فال يكتب عليه‬
‫سيئة‪ ،‬فإن مل يتب ‪ ..‬كتبها سيئة واحدة‪ ،‬وإن تاب كتبها له عرش حسنات‪.‬‬

‫((( ((فيض القدير))‪.667/2 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)46‬‬

‫احلديث الرابع‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول اهللِ‬


‫‪َ (( :‬م ْن ُي ِر ْد اهلل بِه َخ ْي ًا ُيص ْ‬
‫ب‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ِمنْ ُه)) رواه البخاري‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪َ (( :‬م ْن ُي ِر ْد اهلل بِ ِه َخ ْ ًيا) حاالً ومآالً‪.‬‬ ‫قوله‬
‫ب ِمنْ ُه))‪ :‬بالكرس عند األكثرين‪ ،‬إما يف بدنه أو ماله أو حمبوبه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫(( ُيص ْ‬
‫قال أبو عبيد اهلروي‪ :‬معناه يبتليه باملصائب ليثيبه عليها‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬معناه يوجه إليه البالء فيصيبه‪.‬‬
‫وقال املطهري‪ :‬يوصله اهلل إىل مصيبة؛ ليطهره من الذنوب‪.‬‬
‫ب ِمنْ ُه بِا َمل َر ِ‬
‫ض ا ُمل َؤ ِّث ِر‬ ‫ِ‬
‫وقال اإلمام الباجي يف ((املنتقى لرشح املوطأ))‪ُ " :‬يص ْ‬
‫الشدَّ ِة ا ُمل َؤ ِّث َر ِة ِف‬
‫ور ِه‪َ ،‬و ِّ‬
‫حل ْز ِن ا ُمل َؤ ِّث ِر ِف ُس ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ِف ص َّحته‪َ ،‬و َأ ْخذ ا َملال ا ُمل َؤ ِّث ِر ِف غنَا ُه‪َ ،‬وا ُ‬
‫َان َذلِ َك َس َبب ًا َلِا َأ َرا َد ُه اهلل َت َب َار َك َو َت َع َال بِ ِه ِم َن‬
‫بك َ‬ ‫احت ََس َ‬
‫ب َو ْ‬
‫ِِ‬
‫َص َل ِح َحاله‪َ ،‬فإِ َذا َص َ َ‬
‫(((‬
‫اخلَ ْ ِي" اهـ‪.‬‬

‫((( ((املنتقى))‪.357/4 :‬‬


‫(‪)47‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫ويؤيد ذلك ما ورد َعن َأ ِب س ِع ٍ‬
‫يد اخلُدْ ِر ِّي َو َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب‪َ ،‬و َل َه ٍّم‪َ ،‬و َل ُحز ٍْن‪َ ،‬و َل َأ ًذى‪،‬‬ ‫ب‪َ ،‬و َل َو َص ٍ‬ ‫يب ا ُمل ْسلِ َم ِم ْن ن ََص ٍ‬ ‫ِ‬
‫َق َال‪َ (( :‬ما ُيص ُ‬
‫الش ْوك َِة ُي َشاك َُها ‪ ..‬إِ َّل َك َّف َر اهلل ِ َبا ِم ْن َخ َطا َيا ُه)) أخرجه البخاري وأمحد‪.‬‬ ‫َو َل َغ ٍّم‪َ ،‬حتَّى َّ‬
‫ِ‬ ‫َأ َّن َر ُس َ‬ ‫وعند مسلم َع ْن َع ِائ َش َة َز ْو ِج النَّبِ ِّي‬
‫َق َال‪َ (( :‬ل ُيص ُ‬
‫يب‬ ‫ول اهللِ‬
‫الش ْوك َِة ‪ ..‬إِ َّل ُق َّص ِ َبا ِم ْن َخ َطا َيا ُه‪َ ،‬أ ْو ُك ِّف َر ِ َبا ِم ْن َخ َطا َيا ُه َل‬ ‫ا ُمل ْؤ ِم َن ِم ْن ُم ِصي َب ٍة َحتَّى َّ‬
‫َيدْ ِري َي ِزيدُ َأ َّيت ُُه َم))‪.‬‬

‫ويف احلديث اآلخر‪َ (( :‬ما ِم ْن ُم ْسلِ ٍم ُي ِصي ُب ُه َأ ًذى ‪ ..‬إِ َّل َح َّ‬
‫ات اهلل َعنْ ُه َخ َطا َيا ُه ك ََم‬
‫الش َج ِر)) أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫َ َت ُّ‬
‫ات َو َر ُق َّ‬

‫وإنام كان خري ًا حاالً ‪ ..‬ملا فيه من اللجأ إىل املوىل‪ ،‬ومآالً ‪ ..‬ملا فيه من تكفري‬
‫السيئات‪ ،‬أو كتب احلسنات‪ ،‬أو مها مجيع ًا؛ وذلك ألن االبتالء باملصائب طب إهلي‬
‫يداوي به اإلنسان من أمراض الذنوب املهلكة‪.‬‬
‫وقال بن اجلوزي‪ :‬أكثر املحدثني يرويه بكرس الصاد‪ ،‬وسمعت بن اخلشاب‬
‫يفتح الصاد‪ ،‬وهو أحسن وأليق‪.‬‬
‫ووجه الطيبي الفتح بأنه أليق باألدب لقوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﱸ[الشعراء‪ .]80 :‬قال احلافظ ابن حجر معقب ًا عىل هذا‪" :‬قلت ويشهد للكرس‬
‫ما أخرجه أمحد من حديث حممود بن لبيد رفعه‪((:‬إِ َذا َأ َح َّ‬
‫ب اهلل َق ْوم ًا ا ْبت ََل ُه ْم‪َ ،‬ف َم ْن‬
‫الص ْب‪َ ُ،‬و َم ْن َج ِز َع ‪َ ..‬ف َل ُه َ‬
‫اجلز َُع)) ورواته ثقات‪ ،‬إال أن حممود بن لبيد‬ ‫ب ‪َ ..‬ف َل ُه َّ‬
‫َص َ َ‬
‫‪ ،‬وقد رآه وهو صغري‪ ،‬وله شاهد من حديث أنس‬ ‫اختلف يف سامعه من النبي‬
‫‪.‬‬ ‫عند الرتمذي وحسنه"اهـ‪ (((.‬وأخرجه ابن ماجة كذلك عن أنس بن مالك‬

‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.124/10 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)48‬‬

‫™™وهل ُت َك َّفر كل الخطايا؟‪:‬‬


‫ظاهر األحاديث التي تقدمت أن املرض واملصيبة إذا صرب عليها املسلم ‪..‬‬
‫تكفر كل اخلطايا؛ لكن اجلمهور عىل خالف ذلك‪ ،‬وخصوا ذلك بالصغائر‪،‬‬
‫اجل ْم َع ِة‪َ ،‬و َر َم َض ُ‬
‫ان إِ َل‬ ‫اجل ْم َع ُة إِ َل ُ‬
‫اخل ْم ُس‪َ ،‬و ُ‬
‫ات َ‬ ‫الص َل َو ُ‬
‫‪َّ (( :‬‬ ‫واستدلوا بقوله‬
‫َب ال َك َبائِ َر)) أخرجه مسلم وأمحد‪ ،‬فحملوا‬ ‫ات َما َب ْين َُه َّن إِ َذا ْ‬
‫اج َتن َ‬ ‫ان‪ُ ،‬م َك ِّف َر ٌ‬
‫َر َم َض َ‬
‫ا ُمل ْط َلقات الواردة يف التكفري عىل هذا املقيد‪ ،‬وحيتمل أن يكون معنى األحاديث‬
‫التي ظاهرها التعميم أن املذكورات صاحلة لتكفري الذنوب‪ ،‬فيكفر اهلل هبا ما شاء‬
‫(((‬
‫من الذنوب‪ ،‬ويكون كثرة التكفري وقلته باعتبار شدة املرض وخفته‪.‬‬
‫واملراد بتكفري الذنب‪ :‬سرته‪ ،‬أو حمو أثره املرتتب عليه من استحقاق العقوبة‪.‬‬

‫™™هل يشترط الصبر مع المرض لحصول األجر؟‪:‬‬


‫أستدل بعض أهل العلم بام ذكرنا من أحاديث بأنه ال يشرتط الصرب حلصول‬
‫األجر؛ بل بمجرد حصول املرض حيصل األجر‪.‬‬
‫وأبى ذلك قوم كالقرطبي حيث قال‪ :‬إن حمل ذلك إذا صرب املصاب واحتسب‪،‬‬
‫وقال ما أمر اهلل به يف قوله تعاىل‪ :‬ﱹﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﱸ‬
‫[البقرة‪ ،]156 :‬فحينئذ يصل إىل ما وعد اهلل ورسوله به من ذلك‪.‬‬

‫لكن ُت ُع ِّق َ‬
‫ب قوله هذا بأنه مل يأت عىل دعواه بدليل‪ ،‬وأن يف تعبريه بقوله بام أمر‬
‫اهلل نظرا إذ مل يقع هنا صيغة أمر‪.‬‬
‫وأجيب عىل هذا التعقب‪ :‬بأنه وإن مل يقع الترصيح باألمر فسياقه يقتيض‬
‫احلث عليه والطلب له‪ ،‬ففيه معنى األمر‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.124/10 :‬‬


‫(‪)49‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫واستدلوا بأحاديث كثرية؛ إال أنه قيل فيها إن اعتبار الصرب فيها إنام هو حلصول‬
‫ذلك الثواب املخصوص‪ ،‬أي‪ :‬ثواب خمصوص معني وليس مطلق الثواب‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫ت لِل َع ْب ِد ِم ْن اهللِ َمن ِْز َل ٌة َل ْ َي ْب ُلغ َْها بِ َع َملِ ِه ‪ ..‬ا ْبت ََل ُه اهلل يف‬‫قوله ‪(( :‬إِ َذا َس َب َق ْ‬
‫ِ‬ ‫ب ُه َحتَّى ُي ْبلِ َغ ُه ا َملن ِْز َل َة ا َّلتِي َس َب َق ْ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ َ ِ ِِ َ ِ‬
‫ت َل ُه منْ ُه))‬ ‫َج َسده‪ ،‬أ ْو ف َماله‪ ،‬أ ْو ف َو َلده‪ُ ،‬ث َّم َص َّ َ‬
‫أخرجه أمحد وأبو داود‪.‬‬
‫وقوله‪(( :‬من ابتيل فصرب‪ ،‬وأعطي فشكر‪ ،‬و ُظلم فغفر‪ ،‬وظلم فاستغفر ‪..‬‬
‫أولئك هلم األمن وهم مهتدون)) أخرجه الطرباين والبيهقي‪.‬‬
‫ِ‬
‫ب ‪َ ..‬ع َّو ْض ُت ُه من ُْه َم َ‬
‫اجلنَّ َة))‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقوله‪(( :‬إِ َّن اهللَ َق َال‪ :‬إِ َذا ا ْب َت َل ْي ُ‬
‫ت َع ْبدي ب َحبي َب َت ْيه َف َص َ َ‬
‫ُي ِريدُ َع ْينَ ْي ِه‪ .‬أخرجه البخاري‪.‬‬
‫ولكن قال احلافظ ابن حجر‪ :‬أنه صح التقييد بالصرب مع إطالق ما يرتتب‬
‫عليه من الثواب‪ ،‬وذلك كام فيقوله ‪َ (( :‬ع َجب ًا ِلَ ْم ِر ا ُمل ْؤ ِم ِن إِ َّن َأ ْم َر ُه ُك َّل ُه َخ ْ ٌي‪،‬‬
‫َان َخ ْي ًا َل ُه‪َ ،‬وإِ ْن َأ َصا َب ْت ُه‬ ‫َ‬ ‫اك ِلَح ٍد إِ َّل لِ ِ‬
‫س ُاء ‪َ ..‬شك ََر‪َ ،‬فك َ‬ ‫لم ْؤم ِن‪ ،‬إِ ْن أ َصا َب ْت ُه َ َّ‬
‫ُ‬ ‫َو َل ْي َس َذ َ َ‬
‫َان َخ ْي ًا َل ُه)) أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫ب‪َ ،‬فك َ‬ ‫َ َّ‬
‫ض ُاء ‪َ ..‬ص َ َ‬
‫لم ْؤ ِم ِن‪ ،‬إِ َّن َأ ْم َر ا ُمل ْؤ ِم ِن‬‫ِ ِ‬
‫ت م ْن َق َضاء اهللِ ل ُ‬
‫جب ُ ِ‬
‫وأخرجه اإلمام أمحد بلفظ‪َ (( :‬ع ِ ْ‬
‫َان َخ ْي ًا َل ُه‪َ ،‬وإِ ْن‬ ‫َ‬ ‫ك إِ َّل لِ ِ‬
‫ُك َّل ُه َخ ْ ٌي‪َ ،‬و َل ْي َس َذلِ َ‬
‫س ُاء َف َشك ََر ‪ ..‬ك َ‬ ‫لم ْؤم ِن‪ ،‬إِ ْن أ َصا َب ْت ُه َ َّ‬
‫ُ‬
‫َان َخ ْي ًا َل ُه))‪.‬‬ ‫َ‬
‫ض ُاء َف َص َ َ‬
‫ب ‪ ..‬ك َ‬ ‫أ َصا َب ْت ُه َ َّ‬
‫األجر إال بالصرب‪ ،‬وقد روي‬
‫ُ‬ ‫واخلالصة‪ :‬أن املرض يكفر اخلطايا‪ ،‬وال يزيد‬
‫عن ابن مسعود أنه قال‪" :‬الوجع ال يكتب به األجر؛ ولكن تكفر به اخلطيئة" أخرجه‬
‫البيهقي وابن أيب شيبة واللفظ له‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)50‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 )1‬أن أمر املؤمن كله خري‪.‬‬
‫‪2 )2‬أن الصرب عىل االبتالء زيادة يف الدرجات‪.‬‬
‫‪3 )3‬رمحة اهلل سبحانه بعباده حتى يف ابتالءاهتم حيث يكفر عنهم هبا اخلطايا‪.‬‬
‫‪4 )4‬إن االبتالء من اهلل عالمة عىل إرادة اهلل اخلريية ملن ابتاله‪.‬‬
‫‪5 )5‬ما قاله احلافظ ابن حجر حيث قال ((الفتح))‪" :‬يف هذه األحاديث بشارة عظيمة‬
‫لكل مؤمن؛ ألن اآلدمي ال ينفك غالب ًا من أمل بسبب مرض‪ ،‬أو هم‪ ،‬أو نحو‬
‫ذلك مما ذكر‪ ،‬وأن األمراض واألوجاع واآلالم بدنية كانت أو قلبية تكفر‬
‫(((‬
‫ذنوب من تقع له" اهـ‪.‬‬

‫((( ((فتح الباري))‪.123/10 :‬‬


‫(‪)51‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث اخلامس‬

‫الص َع ِة؛ إِن ََّم‬ ‫َق َال‪َ (( :‬ليس َّ ِ‬


‫الشديدُ بِ ُّ َ‬ ‫ْ َ‬
‫ول اهللِ‬
‫َأ َّن َر ُس َ‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ب)) متفق عليه‪.‬‬ ‫ك َن ْف َس ُه ِعنْدَ الغ ََض ِ‬ ‫الش ِديدُ ا َّل ِذي َي ْملِ ُ‬
‫َّ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث االول‪.‬‬ ‫أبو هريرة‬
‫املقصود من قولهم‪ :‬متفق عليه‪:‬‬
‫فم َرادهم ا ِّت َفاق َّ‬
‫الشيخني‪،‬‬ ‫صحته‪ُ ،‬‬
‫َّفق عليه‪ ،‬أو عىل َّ‬
‫صحيح ُمت ٌ‬
‫ٌ‬ ‫وإذا َقا ُلوا‪:‬‬
‫أي‪ :‬البخاري ومسلم‪ ،‬ال اتفاق األُمة‪.‬‬
‫الصالح‪" :‬لكن َيلزم من اتِّفاقهام اتِّفاق األمة عليه‪ ،‬لتلقيهم له بال َق ُبول"‪.‬‬
‫قال ابن َّ‬
‫الصحيحني))‬ ‫حل َرمني‪ :‬لو حلف إن َْسان بطالق امرأته‪َّ :‬‬
‫أن ما يف (( َّ‬ ‫وقد قال إمام ا َ‬
‫‪ ..‬ملا ألزمته ال َّطالق‪ ،‬إلمجاع ُعلامء املسلمني عىل‬ ‫ِمَّا حكام بصحته من قول النَّبي‬
‫(((‬
‫صحته‪.‬‬

‫™™الروايات التي ورد بها الحديث‪:‬‬


‫عند مسلم وأمحد‪:‬‬
‫ِ‬ ‫الش ِديدُ‬ ‫َأ َّن َأ َبا ُه َر ْي َر َة َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ول اهللِ‬
‫عة))‬ ‫بِ ُّ َ‬
‫الص َ‬ ‫ول‪َ (( :‬ل ْي َس َّ‬
‫َي ُق ُ‬

‫((( انظر‪(( :‬تدريب الراوي))‪.80/1 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)52‬‬

‫ك َن ْف َس ُه ِعنْدَ الغ ََض ِ‬


‫ب))‪.‬‬ ‫ول اهلل؟ َق َال‪(( :‬ا َّل ِذي َي ْملِ ُ‬
‫الش ِديدُ َأ ُّي َم ُه َو َيا َر ُس َ‬
‫َقا ُلوا‪َ :‬ف َّ‬

‫ويف رواية عند أمحد بلفظ‪َ (( :‬و َلكِ َّن)) بدل ((إِن ََّم))‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫الص َع ِة)) بضم الصاد املهملة وفتح الراء‪ :‬أي‬ ‫‪َ (( :‬ليس َّ ِ‬
‫الشديدُ بِ ُّ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫قوله‬
‫الذي يرصع الناس كثريا بقوته‪ ،‬وإلقائهم إىل األرض بقوة‪ ،‬واهلاء للمبالغة يف الصفة‬
‫الض ِح ُك ُض َح َك ًة‪ ،‬وا َّلذي َي ْك ُث ُر منه الن َّْو ُم ن َُو َم ًة‪.‬‬
‫والرصعة ك ََم يقال ل َّل ِذي َي ْك ُث ُر منه َّ‬
‫الصعة بضم الصاد وسكون الراء‪ :‬فهو الذي يرصعه الناس كثري ًا‪.‬‬
‫أما ُ ْ‬
‫واملعنى‪ :‬ليس الشديد املحمودة شديديته رشع ًا هو القوي الذي يقدر عىل‬
‫رصع األبطال من الرجال ويلقيهم إىل األرض بقوة‪.‬‬
‫ور ِة‬
‫الض َ‬ ‫الشدَّ ِة َع ْن ُّ ِ ِ‬
‫الص َعة‪َ ،‬فإ َّن ُه َي ْع َل ُم بِ َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫قال الباجي يف ((املنتقى))‪َ " :‬ل ْ ُي ِر ْد َن ْف َي ِّ‬
‫يت ََم ُل َأ َّن ُه َأ َرا َد َأ َّن ُه َل ْي َس بِالن َِّها َي ِة ِف‬
‫هلل َأ ْع َل ُم َأ َحدَ َأ ْم َر ْي ِن‪ْ ُ :‬‬
‫وا ُ‬ ‫ِشدَّ َت ُه‪َ ،‬وإِن ََّم َأ َرا َد‬
‫يت ََم ُل َأ ْن ُي ِريدَ بِ ِه َأ َّنَا ِشدَّ ٌة َل ْي َس‬ ‫ب‪َ ،‬و ُ ْ‬ ‫الشدَّ ِة‪َ ،‬و َأ َشدُّ ِمنْ ُه ا َّل ِذي َي ْم ِل ُك َن ْف َس ُه ِعنْدَ ال َغ َض ِ‬ ‫ِّ‬
‫ب‪،‬‬ ‫الشدَّ ُة ا َّلتِي َي ْم ِل ُك ِ َبا َن ْف َس ُه ِعنْدَ ال َغ َض ِ‬ ‫الشدَّ ُة ا َّلتِي ُينْ َت َف ُع ِ َبا ِّ‬
‫َلَا كَثِ ُري َمنْ َف َع ٍة‪َ ،‬وإِن ََّم ِّ‬
‫ات‬ ‫ف‪َ ،‬و َل ْ ُي ِر ْد بِ ِه َن ْف َي الك ََر ِم َع ْن َغ ْ ِي ِه‪َ ،‬وإِن ََّم ُي ِريدُ بِ ِه إ ْث َب َ‬ ‫وس ُ‬‫يم إِ َّل ُي ُ‬
‫َول َ َذا ُي َق ُال َل ك َِر َ‬
‫ِ‬

‫اع إِ َّل َع ِ ٌّل‪َ ،‬و َما‬ ‫ار َو َل ُش َج َ‬ ‫ف إِ َّل ُذو ال َف َق ِ‬ ‫َم ِز َّي ٍة َل ُه ِف الك ََر ِم‪َ ،‬وك ََذلِ َك َق ْو ُل ُ ْم َل َس ْي َ‬
‫(((‬
‫َج َرى َم ْ َرى َذلِ َك‪ ،‬واهللُ َأ ْع َل ُم" اهـ‪.‬‬
‫ب))‪.‬‬ ‫ك َن ْف َس ُه ِعنْدَ الغ ََض ِ‬ ‫الش ِديدُ )) حقيقة هو ((ا َّل ِذي َي ْملِ ُ‬ ‫((إِن ََّم َّ‬

‫قال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬والغضب بالتحريك لغة‪ :‬ضد الرضا‪ ،‬وسببه‬

‫((( ((املنتقى))‪.296/4 :‬‬


‫(‪)53‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫حصول خمالف ملراد اإلنسان ممن هو دونه وحتت يده‪ ،‬فيحصل منه تلك احلالة‬
‫(((‬
‫املقتضبة لفعل ما ال جيوز من قتل أو رضب أو سب" اهـ‪.‬‬
‫جل َس ِد‬ ‫س َإل َخ ِ‬
‫ار ِج ا َ‬ ‫قال يف ((سبل السالم))‪َ " :‬و َح ِقي َق ُة ال َغ َض ِ‬
‫ب َح َر َك ُة النَّ ْف ِ‬
‫(((‬
‫النْتِ َقا ِم" اهـ‪.‬‬
‫لراد ِة ِ‬
‫َِ َ‬
‫ِ‬

‫واملراد بالشديد هنا شدة القوة املعنوية‪ ،‬وهي جماهدة النفس وإمساكها عند‬
‫الرش‪ ،‬ومنازعتها للجوارح لالنتقام ممن أغضبها‪ ،‬فإن النفس يف حكم األعداء‬
‫الكثريين‪ ،‬وغلبتها عام تشتهيه يف حكم من هو شديد القوة يف غلبة اجلامعة الكثريين‬
‫فيام يريدونه منه‪ ،‬وفيه إشارة إىل أن جماهدة النفس أشد من جماهدة العدو؛ ألنه‬
‫جعل الذي يملك نفسه عند الغضب أعظم الناس قوة‪.‬‬
‫واملعنى‪ :‬أن حقيقة القوة فيمن يملك نفسه من الغضب وال ينفذ غضبه‬
‫يف غري حمله‪ ،‬قال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬فمن حفظ نفسه عن ذلك‪ ،‬وقادها بزمام‬
‫الرشيعة‪ ،‬وكظم غيظه‪ ،‬وعفا‪ ..‬فاز بالدرجة العليا‪ ،‬وكان حممود ًا رشع ًا‪ ،‬وإن انتقم‬
‫(((‬
‫بقدر ما أذن فيه الرشع من التأديب‪ ..‬فال بأس" اهـ‪.‬‬
‫وقال يف ((فيض القدير))‪" :‬أي‪ :‬إنام القوي َمن َك َظم غيظه عند ثوران الغضب‪،‬‬
‫وقاوم نفسه‪ ،‬وغلب عليها‪ ،‬فحول املعنى فيه من القوة الظاهرة إىل القوة الباطنة‪،‬‬
‫ومن ملك نفسه عنده ‪ ..‬فقد قهر أقوى أعدائه ورش خصومه؛ خلرب ((أعدى عدوك‬
‫نفسك التي بني جنبيك)) ‪ -‬أخرجه الديلمي عن أيب مالك األشعري ‪ -‬وهذا من‬
‫قبيل املجاز وفصيح الكالم؛ ألن الغضبان ملا كان بحال شديدة من الغيظ وقد‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.158/1 :‬‬


‫((( ((سبل السالم))‪ ،‬طبعة‪ :‬دار الغد اجلديد‪.199/4 :‬‬
‫((( ((دليل الفاحلني))‪.158/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)54‬‬

‫ثارت عليه سورة الغضب‪ ،‬وقهرها بحلمه‪ ،‬ورصعها بثباته ‪ ..‬كان كمن يرصع‬
‫(((‬
‫الرجال وال يرصعونه" اهـ‪.‬‬
‫ويف احلديث إشارة واضحة بينة إىل جماهدة النفس‪ ،‬والتي هي من أعظم‬
‫أن الذى يقوى عىل ملك نفسه عند الغضب ويردها‬ ‫أنواع اجلهاد‪ ،‬فأراد النبي‬
‫عنه ‪ ..‬هو القوى الشديد؛ بل النهاية يف الشدة؛ لغلبته هواه املردي الذى زينه له‬
‫الشيطان املغوي‪ ،‬فدل هذا عىل أن جماهدة النفس أشد من جماهدة العدو؛ ألن النبي‬
‫جعل للذي يملك نفسه عند الغضب من القوة والشدة ما ليس للذي يغلب‬
‫الناس ويرصعهم‪.‬‬
‫ألصحابه ملا عادوا من بعض الغزوات‪َ (( :‬ر َج ْعت ُْم ِم َن‬ ‫وقد قال النبي‬
‫اجله ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْب)) أخرجه البيهقي والديلمي‪ ،‬يعني به جهاد النفس‪.‬‬ ‫اد األَك َ ِ‬ ‫اجل َهاد األَ ْصغ َِر إِ َل ِ َ‬
‫ومن هذا احلديث أجاب احلسن البرصى حني سئل أي اجلهاد أفضل؟ فقال‪:‬‬
‫جهادك نفسك وهواك‪.‬‬

‫™™فائــدة‪:‬‬
‫ُوز َع ِف‬ ‫ان‪َ ،‬ف َم ْه َم ُق ِصدَ َأ ْو ن ِ‬ ‫اإلنْس ِ‬
‫ب َغ ِر َيز ٌة ِف ِ َ‬ ‫قال يف ((سبل السالم))‪" :‬ال َغ َض ُ‬
‫َان ِم ْن الدَّ ِم؛ ِلَ َّن‬ ‫ب و َثار ْت حتَّى َيمر الوجه‪ ،‬والعين ِ‬
‫ْ َ َّ َ ْ ُ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َار ال َغ َض ِ َ َ‬ ‫ض َما ْاش َت َع َل ْت ن ُ‬ ‫َغ َر ٍ‬
‫است َْش َع َر ال ُقدْ َر َة َع َل ْي ِه‪،‬‬ ‫ب َع َل َم ْن ُدو َن ُه َو ْ‬
‫ِ‬
‫ش َة َ ْتكي َل ْو َن َما َو َرا َء َها‪َ ،‬و َه َذا إ َذا َغض َ‬
‫ِ‬
‫ال َب َ َ‬
‫لب َف َي ْص َف ُّر‬ ‫ف ال َق ِ‬ ‫لد َإل جو ِ‬ ‫اجل ِ‬
‫اه ِر ِ‬ ‫اض الدَّ ِم ِمن َظ ِ‬ ‫َان ِم َّ ْن َف ْو َق ُه ت ََو َّلدَ ِمنْ ُه ان ِْق َب ُ‬
‫َوإِ ْن ك َ‬
‫َ ْ‬ ‫ْ‬
‫اض وانْبِس ٍ‬ ‫َان َع َل النَّظِ ِري تَردد الدَّ م ب َ ِ‬ ‫ال َّل ْو ُن َخ ْو ًفا‪َ ،‬وإِ ْن ك َ‬
‫اط َف َي ْح َم ُّر َو َي ْص َف ُّر‪،‬‬ ‫ي انْق َب ٍ َ َ‬ ‫َ َّ َ ُ َ ْ‬
‫اف‪،‬‬ ‫اه ِر َك َت َغ ِي ال َّلو ِن والرعْدَ ِة ِف األَ ْطر ِ‬ ‫وال َغ َضب ي َتتَّب َع َلي ِه َت َغي الباطِ ِن وال َّظ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ ُ ْ ُّ ُ َ‬ ‫َ‬

‫((( ((فيض القدير))‪.191/7 :‬‬


‫(‪)55‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫اخلل َق ِة َحتَّى َل ْو َر َأى ال َغ ْض َب ُ‬
‫ان َن ْف َس ُه ِف‬ ‫يب واستِحا َل ِة ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َع َل َغ ْ ِي ت َْرت ٍ َ ْ َ‬ ‫وج األَ ْف َع ِ‬
‫َو ُخ ُر ِ‬
‫حا َل ِة َغ َضبِ ِه َلس َكن َغ َضبه حياء ِمن ُقب ِح صورتِ ِه واستِحا َل ِة ِخل َقتِ ِه‪َ ،‬ه َذا ِف ال َّظ ِ‬
‫اه ِر‪،‬‬ ‫ُُ َ َ ً ْ ْ ُ َ َ ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫لب وإِضمر الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وء‬ ‫َو َأ َّما ِف ال َباط ِن َف ُق ْب ُح ُه َأ َشدُّ م ْن ال َّظاه ِر؛ لَ َّن ُه ُي َو ِّلدُ ح ْقد ًا ِف ال َق ِ َ ْ َ َ ُّ‬
‫اه ِر ِه ‪.‬‬
‫اع ِه بل ُقبح باطِنِ ِه م َت َقدِّ م َع َل َت َغ ِي َظ ِ‬
‫ُّ‬ ‫ُ ٌ‬
‫ِ‬ ‫َع َل ْ ِ ِ‬
‫اخت َلف َأن َْو َ ْ ُ َ‬
‫الشت ُْم َو َي ْظ َه ُر‬ ‫اه ِر َثمر ُة َت َغ ِي الباطِ ِن‪َ ،‬في ْظهر َع َل ال ِّلس ِ‬
‫ان ال ُف ْح ُش َو َّ‬ ‫َفإِ َّن َت َغي ال َّظ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ َ ُّ َ‬ ‫ُّ َ‬
‫(((‬
‫اس ِد" اهـ‪.‬‬‫ب‪ ،‬وال َقت ِْل و َغ ِي َذلِ َك ِمن ا َمل َف ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫الض ِ َ‬ ‫ِ‬
‫ف األَ ْف َعال بِ َّ ْ‬
‫ِ‬

‫حقيقة الغضب وحاله‪ ،‬فقال كام ورد عن أيب سعيد‬ ‫وقد بني النبي‬
‫ح َر ِة َع ْينَ ْي ِه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ج َر ٌة تُو َقدُ ِف َج ْوف ا ْب ِن آ َد َم‪َ ،‬أ َل ت ََر ْو َن إِ َل ُ ْ‬ ‫ب َْ‬ ‫اخلدري‪َ (( :‬أ َل إِ َّن الغ ََض َ‬
‫ك‪َ ..‬فاألَ ْر َض األَ ْر َض‪َ ،‬أ َل إِ َّن َخ ْ َي‬ ‫اج ِه‪َ ،‬فإِ َذا َو َجدَ َأ َحدُ ك ُْم َش ْيئ ًا ِم ْن َذلِ َ‬
‫َوانْتِ َفاخِ َأ ْو َد ِ‬
‫يع الر َضا‪َ ،‬و َش الر َج ِ‬ ‫ال من ك َ ِ‬
‫ب‬ ‫يع الغ ََض ِ‬ ‫س َ‬‫َان َ ِ‬
‫ال َم ْن ك َ‬ ‫َّ ِّ‬ ‫س َ ِّ‬ ‫ب َ ِ‬ ‫يء الغ ََض ِ‬ ‫َان َبط َ‬ ‫الر َج ِ َ ْ‬ ‫ِّ‬
‫يع‬‫س َ‬ ‫ب َو َ ِ‬ ‫يع الغ ََض ِ‬ ‫س َ‬‫يء ال َف ْي ِء‪َ ،‬و َ ِ‬ ‫َان الرج ُل بطِيء الغ ََض ِ ِ‬
‫ب َبط َ‬ ‫الر َضا‪َ ،‬فإِ َذا ك َ َّ ُ َ َ‬ ‫يء ِّ‬
‫َبط َ‬
‫ِ‬

‫ال َف ْي ِء ‪َ ..‬فإِ َّنَا ِ َبا)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬


‫يع‬
‫س َ‬ ‫الر ُج ُل َ ِ‬ ‫ُون َّ‬ ‫ويف رواية عند اإلمام أمحد‪ُ (( :‬ث َّم َذك ََر األَ ْخ َل َق َف َق َال‪َ :‬يك ُ‬
‫يء ال َف ْيئ َِة‪َ ،‬ف َه ِذ ِه ِ َب ِذ ِه‪،‬‬ ‫ُون بطِيء الغ ََض ِ ِ‬
‫ب َبط َ‬
‫ِِ ِِ‬
‫يب ال َف ْيئَة‪َ ،‬ف َهذه ِ َبذه‪َ ،‬و َيك ُ َ َ‬
‫ِ‬
‫ب َق ِر َ‬ ‫الغ ََض ِ‬
‫يء ال َف ْيئ َِة‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫ب َبط ُ‬
‫سيع الغ ََض ِ ِ‬
‫ش ُه ْم َ ِ ُ‬
‫ِ‬
‫يع ال َف ْيئَة‪َ ،‬و َ ُّ‬ ‫س ُ‬ ‫ب َ ِ‬‫يء الغ ََض ِ‬ ‫ِ‬
‫َفخَ ْ ُي ُه ْم َبط ُ‬
‫اج ِه‪،‬‬‫ح َر ِة َع ْينَ ْي ِه‪َ ،‬وانْتِ َفاخِ َأ ْو َد ِ‬ ‫ج َر ٌة ِف َق ِ‬
‫لب ا ْب ِن آ َد َم َتت ََو َّقدُ ‪َ ،‬أ َل ْ ت ََر ْوا إِ َل ُ ْ‬ ‫ب َْ‬ ‫َوإِ َّن الغ ََض َ‬
‫لص ْق بِاألَ ْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫َفإِ َذا َو َجدَ َأ َحدُ ك ُْم َذلِ َ‬
‫ض))‪.‬‬ ‫ك ‪َ ..‬فل َي ْجل ْس‪َ ،‬أ ْو َق َال‪َ :‬فل َي َ‬
‫وقد وردت أحاديث كثرية تتحدث عن هذا املعنى وحقيقة الشدة والقوة‪،‬‬
‫وما أعده اهلل ملن مل ينفذ غضبه‪ ،‬فمنها‪:‬‬

‫((( ((سبل السالم))‪.199/4 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)56‬‬

‫ون‬‫قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪َ (( :‬ما َت ُعدُّ َ‬ ‫ما ورد عن عبداهلل بن مسعود‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر َج ُال‪َ .‬ق َال‪َ :‬ق َال‪َ (( :‬ل‪َ ،‬و َلك ْن ُّ َ‬
‫الص َع ُة‬ ‫ص ُع ُه ِّ‬ ‫الص َع َة؟)) َق َال‪ُ :‬قلنَا ا َّلذي َل َي ْ َ‬
‫فيك ُْم ُّ َ‬
‫ب)) أخرجه مسلم وأمحد وأبو داود‪.‬‬ ‫ك َن ْف َس ُه ِعنْدَ الغ ََض ِ‬‫ا َّل ِذي َي ْملِ ُ‬

‫اد ٌر َع َل َأ ْن ُين ِْف َذ ُه ‪َ ..‬د َعا ُه اهلل َت َب َار َك‬


‫ومنها قوله ‪(( :‬من َك َظم َغيظ ًا وهو َق ِ‬
‫َ ْ َ ُ َ‬ ‫َ ْ‬
‫احل ِ‬ ‫اخل َلئِ ِق حتَّى ُ َ ِ‬
‫اء )) أخرجه أمحد وأبو داود‬ ‫ور َش َ‬ ‫ي ُ‬ ‫ي ِّ َي ُه م ْن َأ ِّ‬ ‫َ‬ ‫وس َ‬ ‫َو َت َع َال َع َل ُر ُء ِ‬
‫والرتمذي وابن ماجة‪.‬‬
‫ظ َيكْظِ ُم َها‬
‫ِمن جرع ِة َغي ٍ‬
‫ْ َْ َ ْ‬ ‫وقوله ‪َ (( :‬ما َ َت َّر َع َع ْبدٌ َج ْر َع ًة َأ ْف َض َل ِعنْدَ اهلل‬
‫َاء َو ْج ِه اهللِ َت َع َال)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ا ْبتغ َ‬
‫ظ َيكْظِ ُم َها َع ْبدٌ ‪،‬‬
‫‪(( :‬وما ِمن جرع ٍة َأحب إِ َل ِمن جرع ِة َغي ٍ‬
‫َ َ ْ َ ْ َ َ ُّ َّ ْ َ ْ َ ْ‬ ‫وقوله‬
‫َما َك َظ َم َها َع ْبدٌ هللِ ‪ ..‬إِ َّل َم َ َ‬
‫ل اهلل َج ْو َف ُه إِ َيمنًا)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬
‫وسيأيت معنا إن شاء اهلل تعاىل يف احلديث السادس ما ورد من وصيته‬
‫للرجل بعدم الغضب‪.‬‬

‫™™عالج الغضب‪:‬‬
‫إن الرشيعة املطهرة مل تدع شيئ ًا إال واخربتنا به‪ ،‬ومن ذلك عالج الغضب‪،‬‬
‫فكام حذرنا الرشع املصون من إنفاذ الغضب يف غري حمله‪ ..‬أوجد لنا عالج ًا‬
‫ان‬‫الش ْي َط َ‬ ‫ب ِم ْن َّ‬
‫الش ْي َط ِ‬
‫ان‪َ ،‬وإِ َّن َّ‬ ‫أنه قال‪(( :‬إِ َّن الغ ََض َ‬ ‫للغضب‪ ،‬فمنه ما ورد عنه‬
‫ب َأ َحدُ ك ُْم ‪َ ..‬فل َيت ََو َّض ْأ)) أخرجه‬ ‫ِ‬ ‫َّار‪ ،‬وإِنَّم ُت ْط َف ُأ النَّار بِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الـمء‪َ ،‬فإِ َذا َغض َ‬
‫ُ َ‬ ‫ُخل َق م ْن الن َ َ‬
‫أمحد وأبو داود‪.‬‬
‫َق َال‪:‬‬ ‫اذ‬‫وكذلك االستعاذة من الشيطان تذهب الغضب‪ ،‬فعن مع ٍ‬
‫َ ْ َُ‬
‫َخ َّي ُل إِ َ َّل َأ َّن َأ ْن َف ُه َل َيت ََم َّز ُع‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ها َحتَّى َأ َّن ُه َل ُيت َ‬ ‫َب َر ُج َلن عنْدَ النَّبِ ِّي ‪َ ،‬ف َغض َ‬
‫ب َأ َحدُ ُ َ‬ ‫است َّ‬
‫ْ‬
‫(‪)57‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ان َل َذ َه َ‬
‫ب‬ ‫ول اهللِ ‪(( :‬إِ ِّن َلَ ْع َل ُم كَلِ َم ًة َل ْو َي ُق َُ‬
‫ولا َه َذا الغ َْض َب ُ‬ ‫ب‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫ِم ْن ال َغ َض ِ‬
‫الر ِجي ِم)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫ان َّ‬ ‫ك ِم ْن َّ‬
‫الش ْي َط ِ‬ ‫ب‪ :‬ال َّل ُه َّم إِ ِّن َأ ُعو ُذ بِ َ‬
‫َعنْ ُه الغ ََض ُ‬
‫وذلك أن الشيطان هو الذى يزين لإلنسان الغضب وكل ما ال حتمد عاقبته؛‬
‫لريديه ويغويه ويبعده عن رضا اهلل تعاىل‪ ،‬فاالستعاذة باهلل تعاىل منه من أقوى‬
‫السالح عىل دفع كيده‪.‬‬
‫َق َال‬ ‫ول اهللِ‬
‫َق َال‪ :‬إِ َّن َر ُس َ‬ ‫ومن عالج الغضب ما ورد َع ْن َأ ِب َذ ٍّر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ‪َ ..‬وإِ َّل‬
‫ب َعنْ ُه الغ ََض ُ‬ ‫ب َأ َحدُ ك ُْم َو ُه َو َقائ ٌم ‪َ ..‬فل َي ْجل ْس‪َ ،‬فإِ ْن َذ َه َ‬
‫َلنَا‪(( :‬إِ َذا َغض َ‬
‫ج ْع)) أخرجه أمحد وأبو داود‪.‬‬ ‫َفل َي ْض َط ِ‬

‫ومما يعني عىل ترك الغضب ‪ ..‬استحضار ما جاء يف كظم الغيظ من الفضل‪،‬‬
‫وما جاء يف عاقبة الغضب من الوعيد‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪" :‬وقال الطويف‪ :‬أقوى األشياء يف دفع الغضب‬
‫استحضار التوحيد احلقيقي‪ ،‬وهو أن ال فاعل إال اهلل‪ ،‬وكل فاعل غريه فهو آلة له‪،‬‬
‫فمن توجه إليه بمكروه من جهة غريه فاستحرض أن اهلل لو شاء مل يمكّن ذلك الغري‬
‫منه ‪ ..‬اندفع غضبه؛ ألنه لو غضب واحلالة هذه كان غضبه عىل ربه جل وعال‪ ،‬وهو‬
‫الذي غضب بأن يستعيذ من‬ ‫خالف العبودية‪ ،‬قلت‪ :‬وهبذا يظهر الرس يف أمره‬
‫الشيطان؛ ألنه إذا توجه إىل اهلل يف تلك احلالة باالستعاذة به من الشيطان ‪ ..‬أمكنه‬
‫استحضار ما ذكر‪ ،‬وإذا استمر الشيطان متلبس ًا متمكن ًا من الوسوسة ‪ ..‬مل يمكنه من‬
‫(((‬
‫استحضار يشء من ذلك‪ ،‬واهلل أعلم" اهـ‪.‬‬

‫((( ((فتح الباري))‪.586/10 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)58‬‬

‫تنبيـــه‪:‬‬
‫كل ما تقدم ذكره هو عن الغضب املذموم‪ ،‬أما الغضب املحمود ‪ ..‬فقد يكون‬
‫واجب ًا‪ ،‬كالغضب من أجل اهلل‪ ،‬أي‪ :‬إذا انتهكت حرمات اهلل‪ ،‬وقد يكون غري ذلك‬
‫كام سيأيت معنا إن شاء اهلل تعاىل يف احلديث التايل من كالم اإلمام الباجي‪ ،‬وقد‬
‫يغضب من أجل اهلل‪ ،‬وقد وردت األحاديث الكثرية يف ذلك‪،‬‬ ‫كان رسول اهلل‬
‫فمنها‪:‬‬
‫ِق ْس َم ًة‪،‬‬ ‫ما ورد عن أيب َو ِائ ٍل َق َال َس ِم ْع ُت َع ْبدَ اهللِ َي ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬ق َّس َم َر ُس ُ‬
‫ول اهللِ‬
‫الق ْس َم َة َما ُي َرا ُد ِ َبا َو ْج ُه اهلل ‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َأ َت ْي ُت النَّبِ َّي‬ ‫َف َق َال رج ٌل ِمن ال َقو ِم‪ :‬إِ َّن ه ِذ ِه ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وسى‬ ‫ب ِف َو ْج ِهه‪َ ،‬ف َق َال‪َ (( :‬ي ْر َح ُم اهلل ُم َ‬ ‫ب َحتَّى َر َأ ْي ُت ال َغ َض َ‬ ‫َف َحدَّ ْث ُت ُه‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َغض َ‬
‫ب)) أخرجه البخاري أمحد‪.‬‬ ‫ك َف َص َ َ‬ ‫ي بِ َأ ْك َث َر ِم ْن َذلِ َ‬ ‫ِ‬
‫َقدْ ُأوذ َ‬
‫نَاس ًا‬ ‫َي آ َث َر َر ُس ُ‬
‫ول اهللِ‬ ‫ويف رواية ملسلم‪َ :‬ع ْن َع ْب ِداهللِ َق َال‪ََّ :‬لا ك َ‬
‫َان َي ْو ُم ُحن ْ ٍ‬
‫اإلبِ ِل‪َ ،‬و َأ ْع َطى ُع َي ْينَ َة ِم ْث َل َذلِ َك‪،‬‬
‫س ِما َئ ًة ِم ْن ِ‬ ‫الق ْس َم ِة‪َ ،‬ف َأ ْع َطى األَ ْق َر َع ْب َن َحابِ ٍ‬ ‫ِف ِ‬

‫الق ْس َم ِة‪َ ،‬ف َق َال َر ُج ٌل‪َ :‬واهللِ إِ َّن‬ ‫ب وآ َثرهم يوم ِئ ٍذ ِف ِ‬


‫شاف ال َع َر ِ َ َ ُ ْ َ ْ َ‬
‫و َأ ْع َطى ُأنَاس ًا ِمن َأ ْ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ول‬ ‫ب َّن َر ُس َ‬ ‫ِ‬
‫لت‪َ :‬واهلل َلُ ْخ ِ َ‬ ‫‪،‬و َما ُأ ِريدَ فِ َيها َو ْج ُه اهللِ ‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف ُق ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫َهذه َلق ْس َم ٌة َما ُعد َل ف َيها َ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫َان كَالص ِ‬ ‫ب ُت ُه بِ َم َق َال‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َت َغ َّ َي َو ْج ُه ُه َحتَّى ك َ‬ ‫ِ‬
‫ف‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫ِّ ْ‬ ‫اهلل ‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َأ َت ْي ُت ُه َف َأ ْخ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وسى َقدْ‬ ‫َق َال‪َ (( :‬ف َم ْن َي ْعد ُل إِ ْن َل ْ َي ْعدل اهلل َو َر ُسو ُل ُه))‪َ .‬ق َال‪ُ :‬ث َّم َق َال‪َ (( :‬ي ْر َح ُم اهلل ُم َ‬
‫وذ ِ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ب))‪.‬‬ ‫ي بأ ْك َث َر م ْن َه َذا َف َص َ َ‬ ‫ُأ َ‬
‫استعمل‬ ‫ومنها ما ورد عن عبداهلل بن أيب بكر عن أبيه‪ :‬أن رسول اهلل‬
‫رجال من بني عبد األشهل عىل الصدقة‪ ،‬فلام ‪ ..‬قدم سأله إب ً‬
‫ال من الصدقة‪ ،‬فغضب‬
‫حتى ُع ِرف الغضب يف وجهه‪ ،‬وكان مما يعرف به الغضب يف وجهه‬ ‫رسول اهلل‬
‫(‪)59‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫الر ُج َل َل َي ْس َأ ُلنِي َما َل َي ْص ُل ُح ِ ْل َو َلْ َل ُه‪ ،‬فِإِ ْن َمنَ ْع ُت ُه‬
‫أن حتمر عيناه‪ ،‬ثم قال‪(( :‬إِ َّن َّ‬
‫ت ا َملن َْع‪َ ،‬وإِ ْن َأ ْع َط ْي ُت ُه َأ ْع َط ْي ُت ُه َم ْا َلْ َي ْص ُل ُح ِ ْل َو َلْ َل ُه))‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬يا رسول اهلل‬
‫ك َِر ْه ُ‬
‫ال أسألك منها شيئ ًا أبدا‪ .‬أخرج اإلمام مالك يف ((املوطأ))‪.‬‬

‫َذ َ‬
‫ات َي ْو ٍم‬ ‫ول اهللِ‬ ‫ب َع ْن َأبِ ِيه َع ْن َجدِّ ِه َق َال‪َ :‬خ َر َج َر ُس ُ‬ ‫و َع ْن َع ْم ِرو ْب ِن ُش َع ْي ٍ‬
‫ب‪.‬‬ ‫ان ِم ْن ال َغ َض ِ‬ ‫ون ِف ال َقدَ ِر‪َ .‬ق َال‪ :‬وك ََأنَّم َت َف َّق َأ ِف وج ِه ِه حب الرم ِ‬
‫َ ُّ ُّ َّ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َّاس َي َت َك َّل ُم َ‬
‫َوالن ُ‬
‫ض ِ َب َذا َه َل َ‬ ‫َاب اهللِ َب ْع َض ُه بِ َب ْع ٍ‬ ‫َضب َ ِ‬
‫َان‬
‫ك َم ْن ك َ‬ ‫ون كت َ‬ ‫َق َال‪َ :‬ف َق َال َل ُ ْم‪َ (( :‬ما َلك ُْم ت ْ ِ ُ‬
‫َق ْب َلك ُْم)) أخرجه اإلمام أمحد وابن ماجة‪.‬‬
‫اب النَّبِ ِّي ‪َ ،‬ف َق َال‬ ‫ويف رواية عند اإلمام أمحد أيض ًا‪َ :‬أ َّن َن َفر ًا كَانُوا ُج ُلوس ًا بِ َب ِ‬
‫َب ْع ُض ُه ْم‪َ :‬أ َل ْ َي ُقل اهلل ك ََذا َوك ََذا‪َ ،‬و َق َال َب ْع ُض ُه ْم‪َ :‬أ َل ْ َي ُقل اهلل ك ََذا َوك ََذا‪َ ،‬ف َس ِم َع َذلِ َك‬
‫ان‪َ ،‬ف َق َال‪َ ِ (( :‬ب َذا ُأ ِم ْرت ُْم؟ َأ ْو‬‫ول اهللِ ‪َ ،‬ف َخرج ك ََأنَّم ُف ِقئ ِف وج ِه ِه حب الرم ِ‬
‫َ ُّ ُّ َّ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫ت األُ َم ُم َق ْب َلك ُْم ِف ِم ْث ِل‬ ‫ض‪ ،‬إِن ََّم َض َّل ْ‬ ‫َاب اهللِ َب ْع َض ُه بِ َب ْع ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َب َذا ُب ِع ْثت ُْم؟ َأ ْن ت ْ ِ‬
‫َض ُبوا كت َ‬
‫ش ٍء ا ْن ُظ ُروا ا َّل ِذي ُأ ِم ْرت ُْم بِ ِه َفا ْع َم ُلوا بِ ِه‪َ ،‬وا َّل ِذي ُ ِنيت ُْم‬ ‫َه َذا‪ ،‬إِ َّنك ُْم َل ْست ُْم ِمَّا َه ُ ِ‬
‫اهنَا ف َ ْ‬
‫َعنْ ُه َفا ْنت َُهوا))‪.‬‬
‫وغريها من األحاديث واألخبار‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن القوة ليست برصع الرجال‪ ،‬وإنام بملك النفس عند الغضب‪.‬‬
‫‪2 .2‬عدم إنفاذ الغضب يف غري حمله‪.‬‬
‫‪3 .3‬جهاد النفس هو أعظم أنواع اجلهاد‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪4 .4‬أن الرجولة يف امتثال أمر اهلل والسري عىل منهج رسول اهلل‬
‫‪5 .5‬تزكية النفس من األمور التي اهتم هبا الرشع املصون‪ ،‬وحث عليها‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)60‬‬

‫احلديث السادس‬

‫ب))‬
‫َتغ َْض ْ‬ ‫‪َ :‬أ ْو ِصنِي‪َ .‬ق َال‪َ (( :‬ل‬ ‫ال َق َال لِلنَّبِ ِّي‬
‫َأ َّن َر ُج ً‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ِ‬
‫ب)) رواه البخاري‪.‬‬ ‫َف َر َّد َد م َر ًارا‪َ .‬ق َال‪َ (( :‬ل َتغ َْض ْ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫هذا احلديث الرشيف من جوامع الكلم التي أوتيها النبي ‪ ،‬وقد ورد‬
‫ت بِ َج َو ِام ِع الكَلِمِ‪،‬‬ ‫ول‪ُ (( :‬ب ِع ْث ُ‬
‫َي ُق ُ‬ ‫ول اهللِ‬‫َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬ ‫عن أيب ُه َر ْي َر َة‬
‫ِ‬
‫ت ِف َيدي))‬ ‫ض‪َ ،‬ف ُو ِض َع ْ‬ ‫يت بِ َم َفاتِيحِ َخزَائِ ِن األَ ْر ِ‬
‫ب‪َ ،‬و َب ْينَا َأنَا نَائِ ٌم ُأتِ ُ‬ ‫ِ‬
‫الر ْع ِ‬‫ُص ُت بِ ُّ‬ ‫َون ْ‬
‫أخرجه البخاري ومسلم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي َم ُع األُ ُم َ‬
‫ور‬ ‫َق َال َأ ُبو َع ْبداهلل البخاري‪َ :‬و َب َل َغني َأ َّن َج َوام َع الكَل ِم َأ َّن اهللَ َ ْ‬
‫اح ِد َواألَ ْم َر ْي ِن َأ ْو ن َْح َو َذلِ َك‬
‫ُب َقب َله ِف األَم ِر الو ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َب ِف ال ُكت ِ ْ ُ‬ ‫الكَثِ َري َة ا َّلتِي كَان ْ‬
‫َت ُت ْكت ُ‬
‫وقد سبق الكالم يف احلديث السابق عن معنى الغضب وقول أهل العلم فيه‪،‬‬
‫حديث ًا من أهم األحاديث التي قومت‬ ‫ويف هذا احلديث يروي لنا أبو هريرة‬
‫سلوك اإلنسان وصريته عبد ًا هلل ال للهوى وال للنفس‪.‬‬
‫الس ْع ِد ُّي‪ ،‬فقد أخرج‬ ‫"‪ ،‬هو َج ِ‬
‫ار َي ٌة ْب ُن ُقدَ ا َم َة َّ‬ ‫ال َق َال لِلنَّبِ ِّي‬
‫قوله‪َ " :‬أ َّن َر ُج ً‬
‫(‪)61‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫س َع ْن َع ٍّم ُي َق ُال َل ُه َج ِ‬
‫ار َي ُة‬ ‫اإلمام أمحد واحلاكم وابن أيب شيبة َع ِن األَحن ِ‬
‫َف ْب ِن َق ْي ٍ‬ ‫ْ‬
‫ول اهللِ ُقل ِل َق ْوالً َينْ َف ُعنِي‪،‬‬ ‫َف َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫الس ْع ِد ُّي َأ َّن ُه َس َأ َل َر ُس َ‬
‫ول اهللِ‬
‫ْب ُن ُقدَ ا َم َة َّ‬
‫ب)) َف َأ َعا َد َع َل ْي ِه ِم َرار ًا‪ ،‬ك ُُّل‬ ‫و َأ ْق ِلل َع َل َلع ِّل َأ ِع ِيه‪َ ،‬ف َق َال رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ‪َ (( :‬ل َتغ َْض ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬
‫ب))‪.‬‬ ‫ول‪َ (( :‬ل َتغ َْض ْ‬ ‫َذلِ َك َي ُق ُ‬

‫وذكر أبو نعيم يف كتابه ((معرفة الصحابة)) أن الرجل الذي سأل النبي‬
‫هو سفيان بن عبداهلل الثقفي‪ ،‬فقال‪" :‬حدثنا سليامن بن أمحد‪ ،‬ثنا حييى بن عثامن‪،‬‬
‫ثنا عيل بن معبد‪ ،‬ثنا خالد بن حيان‪ ،‬عن سليامن بن أيب داود‪ ،‬عن سامل بن عجالن‬
‫األفطس‪ ،‬عن عروة بن الزبري‪ ،‬عن سفيان بن عبداهلل الثقفي‪ ،‬قال‪ :‬قلت للنبي ‪ :‬يا‬
‫ب))‪،‬‬‫نبي اهلل‪ ،‬قل يل قوال أنتفع به‪ ،‬وأقلل لعيل أعقله‪ :‬فقال نبي اهلل ‪َ (( :‬ل َتغ َْض ْ‬
‫‪َ (( :‬ل َتغ َْض ْ‬
‫ب))" اهـ‪.‬‬ ‫فعاوده مرارا يسأله عن ذلك يقول له نبي اهلل‬
‫قوله‪َ " :‬أ ْو ِصنِي"‪ :‬ويف رواية يف ((املوطأ))‪" :‬علمني كلامت أعيش هبن وال تكثر‬
‫اعدُ ِن ِم ْن َغ َض ِ‬
‫ب اهللِ "‪ ،‬وعنده أيض ًا‪ُ " :‬م ْر ِن‬ ‫عيل فأنسى"‪ ،‬وعند أمحد‪" :‬ما َذا يب ِ‬
‫َ َُ‬
‫بِ َأ ْم ٍر َو َل ُتكْثِ ْر َع َ َّل َحتَّى َأ ْع ِق َل ُه"‪ ،‬ويف رواية عند أمحد أيض ًا‪ُ " :‬قل ِل َق ْوالً َو َأ ْق ِلل َع َ َّل‬
‫َل َع ِّل َأ ْع ِق ُل ُه"‪ ،‬وعند الرتمذي‪َ " :‬ع ِّل ْمنِي َش ْيئ ًا َو َل ُتكْثِ ْر َع َ َّل َل َع ِّل َأ ِع ِيه"‪.‬‬
‫ومجيع الروايات تدل عىل حرص الرجل عىل االستفادة‪ ،‬والرغبة يف سلوك‬
‫طريق احلق واهلداية‪ ،‬والوصول إىل اهلل‪.‬‬
‫قال األزهري‪ :‬اإليصاء من الوصية‪ ،‬وهي مصدر وصيت اليشء بكذا وصلته‬
‫(((‬
‫إليه‪ ،‬فاملعنى‪ :‬صلني إىل ما ينفعني دين ًا ودنيا‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫من هذا الرجل كثرة الغضب‪،‬‬ ‫‪َ (( :‬ل َتغ َْض ْ‬
‫ب))‪َّ :‬ملا علم النبي‬ ‫قوله‬

‫((( انظر‪(( :‬دليل الفاحلني))‪.86/3 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)62‬‬

‫وهو طبيب يف الدين يعالج كال بمرضه املخصوص ‪ ..‬خصه هبذه الوصية‪:‬‬
‫‪(( :‬ال تغضب)) عىل أقوال‪:‬‬ ‫((ال تغضب)‪ ،‬وقد اختلف أهل العلم يف معنى قوله‬
‫ ‪-‬قال اخلطايب‪ :‬معناه اجتنب أسباب الغضب‪ ،‬وال تتعرض ملا جيلبه‪ ،‬وأما نفس‬
‫الغضب ‪ ..‬فال يتأتى النهي عنه؛ ألنه أمر طبيعي ال يزول من اجلب ِّلة‪.‬‬
‫ ‪-‬وقال آخرون‪ :‬ما كان من قبيل الطبع احليواين ‪ ..‬ال يمكن دفعه‪ ،‬فال يدخل يف‬
‫النهي؛ ألنه من تكليف املحال‪ ،‬وما كان من قبيل ما يكتسب بالرياضة ‪ ..‬فهو‬
‫املراد‪.‬‬
‫ ‪-‬وقال بعضهم‪ :‬ال تغضب؛ ألن أعظم ما ينشأ عنه الغضب الكرب؛ لكونه يقع‬
‫عند خمالفة أمر يريده‪ ،‬فيحمله الكرب عىل الغضب‪ ،‬فالذي يتواضع حتى يذهب‬
‫عنه عزة النفس ‪ ..‬يسلم من رش الغضب‪.‬‬
‫ ‪-‬وقيل‪ :‬معناه ال تفعل ما يأمرك به الغضب‪.‬‬
‫ ‪-‬وقال بن حبان‪ :‬أراد ال تعمل بعد الغضب شيئا مما هنيت عنه‪ ،‬ال أنه هناه عن‬
‫يشء ُجبِ َل عليه وال حيلة له يف دفعه‪.‬‬
‫" َف َر َّد َد" الرجل " ِم َر ًارا"‪ ،‬أي ردد السؤال يلتمس أنفع من ذلك‪ ،‬أو أبلغ‪،‬‬
‫أو أعم‪ ،‬فلم يزده عىل ذلك؛ بل أعاد عليه القول‪ ،‬فقال‪َ (( :‬ل َتغ َْض ْ‬
‫ب))‪.‬‬
‫ب)) ثالث مرات‪،‬‬ ‫قال ابتدأ‪َ (( :‬ل َت ْغ َض ْ‬ ‫ويف رواية عند ابن أيب شيبة أنه‬
‫ُي ِعيدُ الك َِل َم َة‬ ‫ول اهللِ‬
‫َان َر ُس ُ‬
‫َق َال‪ :‬ك َ‬ ‫َس ْب ِن َمالِ ٍك‬
‫وقد أخرج الرتمذي َع ْن َأن ِ‬
‫َث َلث ًا لِ ُت ْع َق َل َعنْ ُه‪.‬‬
‫َما َق َال‬ ‫الر ُج ُل َف َفك َّْر ُت ِح َ‬
‫ني َق َال النَّبِ ُّي‬ ‫ويف زيادة عند اإلمام أمحد‪َ :‬ق َال َّ‬
‫الش ُك َّل ُه‪.‬‬
‫ي َم ُع َّ َّ‬ ‫َفإِ َذا ال َغ َض ُ‬
‫ب َْ‬
‫(‪)63‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫يفتي‬ ‫عىل هذا اللفظ؛ ألن السائل كان غضوب ًا‪ ،‬وكان‬ ‫وإنام اقترص‬
‫كل واحد بام هو أوىل به‪ ،‬كام أسلفنا‪.‬‬
‫يف قوله‪(( :‬ال تغضب)) خري الدنيا واآلخرة؛ ألن‬ ‫قال بن التني‪ :‬مجع‬
‫يؤذي املغضوب عليه‪،‬‬‫الغضب يؤول إىل التقاطع ومنع الرفق‪ ،‬وربام آل إىل أن ِ‬
‫(((‬
‫فينتقص ذلك من الدين‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫وقال البيضاوي‪ :‬لعله ملا رأى أن مجيع املفاسد التي تعرض لإلنسان إنام هي‬
‫من شهوته ومن غضبه‪ ،‬وكانت شهوة السائل مكسورة‪ ،‬فلام سأل عام حيرتز به عن‬
‫القبائح ‪ ..‬هناه عن الغضب الذي هو أعظم رضر ًا من غريه‪ ،‬وأنه إذا ملك نفسه عند‬
‫(((‬
‫حصوله ‪ ..‬كان قد قهر أقوى أعدائه‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪ :‬وحيتمل أن يكون من باب التنبيه باألعىل عىل األدنى؛‬
‫ألن أعدى عدو للشخص شيطانه ونفسه‪ ،‬والغضب إنام ينشأ عنهام‪ ،‬فمن جاهدمها‬
‫حتى يغلبهام مع ما يف ذلك من شدة املعاجلة ‪ ..‬كان لقهر نفسه عن الشهوة أيضا‬
‫(((‬
‫أقوى‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫ب ُي ْف ِسدُ‬ ‫ِ‬
‫وقال الباجي يف ((املنتقى))‪َ " :‬و َم ْعنَى َذل َك ‪ -‬واهللُ َأ ْع َل ُم ‪َ -‬أ َّن ال َغ َض َ‬
‫ت َغ َضبِ ِه ِم ْن ال َق ْو ِل‬ ‫ين؛ ِلَ َّنه ي َؤدي إِ َل َأ ْن ي ْؤ ِذي وي ْؤ َذى‪ ،‬و َأ ْن ي ْأ ِت ِف و ْق ِ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫ُ َ َُ‬ ‫ُ ُ ِّ‬ ‫كَثِري ًا ِم ْن الدِّ ِ‬
‫حلالِ َق ُة‪،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ب إِ َل البِ ْغ َضة ا َّلتي ُقلنَا َّإنَا ا َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوالف ْع ِل َما َي ْأ َث ُم بِه َو ُي ْؤث ُم َغ ْ َي ُه َو ُي َؤ ِّدي ال َغ ْص ُ‬
‫(((‬
‫ب َأ ْيض ًا َي ْمنَ ُع ُه كَثِري ًا ِم ْن َمنَافِ ِع ُد ْن َيا ُه" اهـ‪.‬‬‫َوال َغ َض ُ‬

‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.585/10 :‬‬


‫((( املرجع السابق‪.585/10 :‬‬
‫((( املرجع السابق‪.585/10 :‬‬
‫((( ((املنتقى))‪.295/4 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)64‬‬

‫™™تنبيـــه‪:‬‬
‫قد سبق الكالم يف احلديث السابق عن املراد بنوع الغضب يف األحاديث‪،‬‬
‫وأنه الغضب الدنيوي ال األخروي‪ ،‬وهلذا قال اإلمام الباجي يف ((املنتقى))‪َ (" :‬ف ْر ٌ‬
‫ع)‬

‫ب ِف َم َع ِان ُد ْن َيا ُه َو ُم َعا َم َلتِ ِه‪َ ،‬و َأ َّما فِ َيم ُي َعا ُد إِ َل‬ ‫ا ْمتِنَا َع ُه ِم ْن ال َغ َض ِ‬ ‫َوإِن ََّم َأ َرا َد النَّبِ ُّي‬
‫ار‪َ ،‬وا ُمل َبا َل َغ ُة فِ ِيه ْم‬‫ب َع َل ال ُك َّف ِ‬ ‫اجب ًا َو ُه َو ال َغ َض ُ‬ ‫ب فِ ِيه َقدْ َيك ُ‬
‫ُون َو ِ‬ ‫حل ِّق َفال َغ َض ُ‬
‫ِ‬
‫الق َيا ِم بِا َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بِ ِ ِ‬
‫وز‪َ ،‬و َقدْ َيك ُ‬
‫ُون‬ ‫ي ُ‬ ‫ب َع َل َأ ْه ِل ال َباط ِل‪َ ،‬وإِ ْنك ُ‬
‫َار ُه َع َل ْي ِه ْم بِ َم َ ُ‬ ‫اجل َهاد‪َ ،‬وك ََذل َك ال َغ َض ُ‬
‫ب َع َل ا ُمل ْخطِ ِئ إِ َذا َع ِل ْمت َأ َّن ِف إ ْبدَ ِاء َغ َضبِك َع َل ْي ِه َر ْدع ًا َل ُه‬ ‫ِ‬
‫َمنْدُ وب ًا إِ َل ْيه‪َ ،‬و ُه َو ال َغ َض ُ‬
‫ََّلا َس َأ َل ُه َر ُج ٌل‬ ‫ول اهللِ‬ ‫جل َهنِ ُّي َأ َّن َر ُس َ‬ ‫ٍِ‬
‫حل ِّق‪َ ،‬و َقدْ َر َوى َز ْيدُ ْب ُن َخالد ا ُ‬ ‫َو َباعث ًا َع َل ا َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َع ْن َضا َّل ِة ِ‬
‫ب‬ ‫اح َّر َو ْج ُه ُه َو َق َال َمال ٌك َو َلَا َو َغض َ‬ ‫اح َّر ْت َو ْجنَتَا ُه َأ ْو ْ َ‬
‫ب َحتَّى ْ َ‬ ‫اإلبِ ِل َغض َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول اهللِ‬
‫يت ََم ُل‬ ‫الص َلة‪َ ،‬و ُ ْ‬ ‫ََّلا َشكَا إِ َل ْيه َر ُج ٌل ُم َعا َذ ْب َن َج َب ٍل َأ َّن ُه ُي َط ِّو ُل ِبِ ْم ِف َّ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫َان كَثِ َري‬ ‫َأ َّن ُه ك َ‬ ‫ب)) َقدْ َع ِل َم النَّبِ ُّي‬ ‫ِ‬
‫ُون َه َذا ا َّلذي َق َال النَّبِ ُّي ‪َ (( :‬ل َتغ َْض ْ‬ ‫َأ ْن َيك َ‬
‫ص ِف ِدينِ ِه َو َحالِ ِه‬ ‫ِ‬
‫َان َيدْ ُخ ُل َع َل ْيه َن ْق ٌ‬ ‫َان َما ك َ‬ ‫لك لِنَ ْف ِس ِه ِعنْدَ ُه‪َ ،‬وإِ ْن ك َ‬ ‫ب َق ِل َيل املِ ِ‬ ‫ال َغ َض ِ‬
‫(((‬
‫ب َف َخ َّص ُه بِالن َّْه ِي َع ْن َذلِ َك‪ ،‬واهللُ َأ ْع َل ُم" اهـ‪.‬‬ ‫ِم ْن ِج َه ِة ال َغ َض ِ‬

‫™™أضــرار الغضب‪:‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪" :‬وقال بعض العلامء‪ :‬خلق اهلل الغضب من النار‪،‬‬
‫وجعله غريزة يف اإلنسان‪ ،‬فمهام قصد أو نوزع يف غرض ما ‪ ..‬اشتعلت نار‬
‫الغضب‪ ،‬وثارت حتى حيمر الوجه والعينان من الدم؛ ألن البرشة حتكي لون‬
‫ما وراءها‪ ،‬وهذا إذا غضب عىل من دونه واستشعر القدرة عليه‪ ،‬وإن كان ممن فوقه‬
‫‪ ..‬تولد منه انقباض الدم من ظاهر اجللد إىل جوف القلب‪ ،‬فيصفر اللون حزنا‪،‬‬
‫وإن كان عىل النظري ‪ ..‬تردد الدم بني انقباض وانبساط‪ ،‬فيحمر ويصفر‪ ،‬ويرتتب‬

‫((( ((املنتقى))‪.295/4 :‬‬


‫(‪)65‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫عىل الغضب تغري الظاهر والباطن كتغري اللون‪ ،‬والرعدة يف األطراف‪ ،‬وخروج‬
‫األفعال عن غري ترتيب‪ ،‬واستحالة اخللقة‪ ،‬حتى لو رأى الغضبان نفسه يف حال‬
‫غضبه لكان غضبه حياء من قبح صورته‪ ،‬واستحالة خلقته‪ ،‬هذا كله يف الظاهر‪،‬‬
‫وأما الباطن ‪ ..‬فقبحه أشد من الظاهر؛ ألنه يولد احلقد يف القلب واحلسد‪ ،‬وإضامر‬
‫السوء عىل اختالف أنواعه؛ بل أوىل يشء يقبح منه باطنه وتغري ظاهره ثمرة تغري‬
‫باطنه‪ ،‬وهذا كله أثره يف اجلسد‪ ،‬وأما أثره يف اللسان ‪ ..‬فانطالقه بالشتم والفحش‬
‫الذي يستحي منه العاقل‪ ،‬ويندم قائله عند سكون الغضب‪ ،‬ويظهر أثر الغضب‬
‫أيض ًا يف الفعل بالرضب‪ ،‬أو القتل‪ ،‬وإن فات ذلك هبرب املغضوب عليه ‪ ..‬رجع‬
‫إىل نفسه‪ ،‬فيمزق ثوب نفسه‪ ،‬ويلطم خده‪ ،‬وربام سقط رصيع ًا‪ ،‬وربام أغمى عليه‪،‬‬
‫وربام كرس اآلنية‪ ،‬ورضب من ليس له يف ذلك جريمة‪ ،‬ومن تأمل هذه املفاسد ‪..‬‬
‫‪(( :‬ال تغضب)) من‬ ‫عرف مقدار ما اشتملت عليه هذه الكلمة اللطيفة من قوله‬
‫احلكمة واستجالب املصلحة يف درء املفسدة مما يتعذر احصاؤه‪ ،‬والوقوف عىل‬
‫(((‬
‫هنايته‪ ،‬وهذا كله يف الغضب الدنيوي ال الغضب الديني" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن للغضب أرضار كبرية عىل دين املرء ودنياه‪.‬‬
‫‪2 .2‬ال ينفذ املسلم غضبه يف غري ما يريض اهلل‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن الغضب ال ينبغي إال هلل تعاىل‪.‬‬
‫جامعة شاملة ملا فيه اخلري للمسلم‪.‬‬ ‫‪4 .4‬كانت وصية النبي‬
‫‪.‬‬ ‫‪5 .5‬أن هذا احلديث من جوامع الكلم التي ُأتيها النبي‬
‫((( ((فتح الباري))‪.585/10 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)66‬‬

‫احلديث السابع‬

‫َار َو َغ ْ َي ُة اهللِ َأ ْن َي ْأ ِ َت‬


‫َأ َّن ُه َق َال‪((:‬إِ َّن اهللَ َيغ ُ‬ ‫َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ا ُمل ْؤ ِم ُن َما َح َّر َم اهللُ)) متفق عليه‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫َار))‪ :‬ورد احلديث بروايات‪ ،‬فعند اإلمام مسلم وأمحد‬ ‫قوله ‪(( :‬إِ َّن اهللَ َيغ ُ‬
‫َار‪َ ،‬وإِ َّن ا ُمل ْؤ ِم َن‬
‫َار‪ ،‬واهللُ َأ َشدُّ َغ ْ ًيا))‪ ،‬وكذلك‪(( :‬إِ َّن اهللَ َيغ ُ‬
‫ِ‬
‫والرتمذي‪(( :‬ا ُمل ْؤم ُن َيغ ُ‬
‫يغَار‪ ،‬و َغي ُة اهللِ َأ ْن ي ْأ ِت ا ُمل ْؤ ِمن ما حرم ِ‬
‫ع َل ْيه))‬ ‫ُ َ َ َّ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ َ َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َار‪ ،‬ا ُمل ْؤم ُن َيغ ُ‬
‫َار‪،‬‬ ‫َار‪ ،‬ا ُمل ْؤم ُن َيغ ُ‬ ‫وعند اإلمام أمحد عدة رايات وهي‪(( :‬ا ُمل ْؤم ُن َيغ ُ‬
‫َار‪ ،‬واهللُ َأ َشدُّ َغ ْ ًيا))‪،‬‬ ‫َار َيغ ُ‬ ‫َي َأ ْو َث َلث ًا) َيغ ُ‬ ‫واهللُ َأ َشدُّ َغ ْيا))‪(( ،‬ا ُمل ْؤ ِم ُن ا ُمل ْؤ ِم ُن ( َم َّرت ْ ِ‬
‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َار‪َ ،‬وم ْن َغ ْ َية اهلل َأ ْن َي ْأ ِ َت ا ُمل ْؤم ُن َش ْيئ ًا َح َّر َم اهللُ))‪َّ (( ،‬‬ ‫ِ‬
‫إن اهللَ‬ ‫َار‪ ،‬واهللُ َيغ ُ‬ ‫((ا ُمل ْؤم ُن َيغ ُ‬
‫َار‪َ ،‬وإِ َّن ا ُمل ْؤ ِم َن‬
‫َيغ ُ‬ ‫َار‪َ ،‬و ِم ْن َغ ْ َي ِة اهللِ َأ ْن َي ْأ ِ َت ا ُمل ْؤ ِم ُن َما ُح ِّر َم َع َل ْي ِه))‪(( ،‬إِ َّن اهللَ‬ ‫َيغ ُ‬
‫َار‪َ ،‬و َغ ْ َي ُة اهللِ َأ ْن َي ْأ ِ َت ا ُمل ْؤ ِم ُن َما َح َّر َم َع َل ْي ِه))‪.‬‬
‫َيغ ُ‬

‫™™معنى ال َغ ْي َرةِ‪:‬‬
‫ال َغ ْ َية بفتح الغني عرفها اإلمام النووي‪ ،‬فقال‪َ " :‬ق َال ال ُع َل َمء ال َغ ْ َية بِ َفت ِْح‬
‫(‪)67‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫َعه ْم ِم ْن ال َّت َع ُّلق بِ َأ ْجنَبِ ٍّي بِنَ َظ ٍر‬
‫الر ُجل َغ ُيور َع َل َأ ْهله‪َ ،‬أ ْي‪َ :‬ي ْمن ُ‬ ‫ال َغ ْي‪َ ،‬و َأ ْص َ‬
‫لها ا َملنْع‪َ ،‬و َّ‬
‫(((‬
‫َأ ْو َح ِديث َأ ْو َغ ْيه‪َ ،‬وال َغ ْ َية ِص َفة ك ََم ِل" اهـ‪.‬‬
‫وقال احلافظ ابن حجر يف تعريفها‪" :‬الغرية بفتح الغني املعجمة‪ ،‬وهي يف‬
‫(((‬
‫اللغة‪ :‬تغري حيصل من احلم ّية واألَنفة‪ ،‬وأصلها يف الزوجني واألهلني" اهـ‪.‬‬
‫وقال القايض عياض‪" :‬الغرية هي‪ :‬مشتقة من تغري القلب‪ ،‬وهيجان الغضب‬
‫بسبب املشاركة فيام به االختصاص‪ ،‬وأشد ما يكون ذلك بني الزوجني‪ ،‬هذا يف حق‬
‫(((‬
‫اآلدمي" اهـ‪.‬‬
‫إذا فالغرية يف حق الناس يقارهنا تغري حال اإلنسان وانزعاجه‪ ،‬وهذا كله‬
‫مستحيل يف حق اهلل تعاىل؛ ألنه منزه عن كل تغري ونقص‪ ،‬فيتعني محله عىل املجاز‪،‬‬
‫يف بقية احلديث فقال‪َ (( :‬و َغ ْ َي ُة اهللِ‪َ :‬أ ْن َي ْأ ِ َت ا ُمل ْؤ ِم ُن َما َح َّر َم اهللُ))‪،‬‬ ‫وهو ما بينه‬
‫وقد أختلف أهل العلم يف تفسري معنى غرية اهلل عىل أقوال منها‪:‬‬
‫ ‪-‬قال القايض عياض‪" :‬حيتمل أن تكون الغرية يف حق اهلل اإلشارة إىل تغري حال‬
‫(((‬
‫فاعل ذلك" اهـ‪.‬‬
‫ ‪-‬وقال بن العريب‪" :‬التغري حمال عىل اهلل بالداللة القطعية‪ ،‬فيجب تأويله بالزمه‬
‫(((‬
‫كالوعيد‪ ،‬أو إيقاع العقوبة بالفاعل‪ ،‬ونحو ذلك" اهـ‪.‬‬
‫ ‪-‬وقال بن فورك‪" :‬غرية اهلل ما يغري من حال العايص بانتقامه منه يف الدنيا‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.249/10 :‬‬


‫((( ((فتح الباري))‪.596/2 :‬‬
‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.364/9 :‬‬
‫((( املرجع السابق‪.364/9 :‬‬
‫((( املرجع السابق‪.364/9 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)68‬‬

‫واآلخرة‪ ،‬أو يف إحدامها‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬


‫ﯕ ﯖ ﱸ [الرعد‪.]11 :‬‬
‫ ‪-‬وقال بن دقيق العيد‪" :‬أهل التنزيه يف مثل هذا عىل قولني‪ :‬إما ساكت‪ ،‬وإما‬
‫مؤول عىل أن املراد بالغرية شدة املنع واحلامية‪ ،‬فهو من جماز املالزمة"‪.‬‬
‫ ‪-‬وقيل‪" :‬غرية اهلل كراهة اتيان الفواحش‪ ،‬أي‪ :‬عدم رضاه هبا‪ ،‬ال التقدير الزم‬
‫الغرية‪ ،‬والزم الغضب إرادة إيصال العقوبة‪ .‬كام يف ((الفتح))"‪.‬‬
‫ ‪-‬وقيل‪" :‬الغرية هي الغضب"‪ ،‬كام تقدم يف تعريف الغرية للقايض عياض‪،‬‬
‫وحديث الباب واضح يف تفسري معنى غرية اهلل‪.‬‬
‫ ‪-‬وقال يف ((عمدة القاري))‪" :‬غرية اهلل هي كراهيته اإلتيان بالفواحش‪ ،‬أي‪ :‬عدم‬
‫رضاه به‪ ،‬ال عدم إرادته‪ ،‬وقيل‪ :‬الغضب الزم الغرية‪ ،‬أي‪ :‬غضبه عليها‪ ،‬ثم‬
‫(((‬
‫الزم الغضب إرادة إيصال العقوبة عليها"‪.‬اهـ‬
‫ ‪-‬وقال اإلمام النووي‪َ " :‬أنا منْعه سبحانه و َتع َال النَّاس ِمن ال َفو ِ‬
‫احش"‪.‬‬ ‫ْ َ‬ ‫َّ َ َ ُ ْ َ َ َ‬
‫ ‪-‬قال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬ومعنى غرية اهلل تعاىل‪ :‬منعه الناس من الفواحش‪،‬‬
‫(((‬
‫أي‪ :‬وسائر املحرمات" اهـ‪.‬‬
‫ب ا ُمل ِغ َري ِة َع ْن‬‫اد كَاتِ ِ‬‫يف حديث آخر‪َ ،‬فعن ور ٍ‬
‫َ ْ َ َّ‬ ‫وقد بني ذلك رسول اهلل‬
‫ال مع امر َأ ِت َل َضب ُته بِالسي ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ف َغ ْ َي‬ ‫َ ْ ُ َّ ْ‬ ‫ا ُملغ َرية َق َال‪َ :‬ق َال َس ْعدُ ْب ُن ُع َبا َدةَ‪َ :‬ل ْو َر َأ ْي ُت َر ُج ً َ َ ْ َ‬
‫ون ِم ْن َغ ْ َي ِة َس ْع ٍد َواهللِ َلَنَا َأ ْغ َ ُي‬
‫َف َق َال‪َ (( :‬أ َت ْع َج ُب َ‬ ‫ُم ْص َف ٍح‪َ ،‬ف َب َل َغ َذلِ َك َر ُس َ‬
‫ول اهللِ‬

‫اح َش َما َظ َه َر ِمن َْها َو َما َب َط َن‪،‬‬ ‫ِمنْه‪ ،‬واهللُ َأ ْغي ِمنِّي‪ ،‬و ِمن َأج ِل َغي ِة اهللِ حرم ال َفو ِ‬
‫َ َّ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫َُ‬ ‫ُ‬

‫((( ((عمدة القاري))‪.340/20 :‬‬


‫((( ((دليل الفاحلني))‪.197/1 :‬‬
‫(‪)69‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ِ‬ ‫ب إِ َل ْي ِه ال ُع ْذ ُر ِم ْن اهللِ‪َ ،‬و ِم ْن َأ ْج ِل َذلِ َ‬
‫ين َوا ُملنْذ ِر َ‬
‫ين‪،‬‬ ‫ش َ‬‫ث ا ُمل َب ِّ ِ‬‫ك َب َع َ‬ ‫َو َل َأ َحدَ َأ َح ُّ‬
‫اجلنَّ َة)) أخرجه البخاري‬ ‫ك َو َعدَ اهلل َ‬ ‫ب إِ َل ْي ِه املِدْ َح ُة ِم ْن اهللِ‪َ ،‬و ِم ْن َأ ْج ِل َذلِ َ‬ ‫َو َل َأ َحدَ َأ َح ُّ‬
‫ومسلم‪.‬‬
‫اح َش َما َظ َه َر ِمن َْها َو َما َب َط َن)) يبني هذا‬
‫فقوله‪(( :‬و ِمن َأج ِل َغي ِة اهللِ حرم ال َفو ِ‬
‫َ َّ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ ْ‬
‫ك حرم ال َفو ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اح َش‬ ‫املعنى‪ ،‬وقد جاء يف رواية أخرى‪َ (( :‬ل َأ َحدٌ َأ ْغ َ َي م ْن اهلل‪َ ،‬ول َذل َ َ َّ َ َ‬
‫َما َظ َه َر ِمن َْها َو َما َب َط َن)) أخرجه البخاري ومسلم وأمحد‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن إتيان العبد ما حرم اهلل عليه سبب يف غضب اهلل وعقابه‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن اهلل تعاىل منزه عن مماثلة اخللق باإلطالق‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن غضب اهلل يف معصيته مهام قلت أو صغرت إذ هي خمالفة اخلالق‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)70‬‬

‫احلديث الثامن‬

‫‪ِ (( :‬م ْن ُح ْس ِن إِ ْس َل ِم ا َمل ْر ِء ت َْر ُك ُه َما َل‬ ‫ول اهللِ‬


‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫َي ْعن ِ ِيه)) حديث حسن رواه الرتمذي وغريه‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث االول من الكتاب‪.‬‬ ‫هو سيدنا أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫أخرج احلديث أيض ًا اإلمام مالك‪ ،‬واإلمام أمحد بنفس اللفظ عن سيدنا عيل‬
‫ي ْب ِن َع ِ ٍّل َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ول‬ ‫‪ ،‬ويف لفظ‪َ :‬ع ْن احلُ َس ْ ِ‬ ‫ابن احلسني عن أبيه احلسني‬
‫اهللِ ‪(( :‬إِ َّن ِم ْن ُح ْس ِن إِ ْس َل ِم ا َمل ْر ِء ِق َّل َة الك ََل ِم فِ َيم َل َي ْعن ِ ِيه)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬
‫واحلديث حيتوي عىل أساس عظيم يف السلوك إىل اهلل‪ ،‬والتحقق بحقيقة‬
‫اإلسالم‪ ،‬وقد قال أهل العلم أنه ثلث اإلسالم‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬هو ربع اإلسالم‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫قال اإلمام النووي يف ((رشحه عىل صحيح اإلمام مسلم))‪َ " :‬ق ْوله‬
‫مه َّن كَثِري ِم ْن النَّاس ‪ )).....‬إِ َل‬ ‫نهم ُم ْش َتبِ َهات َل َي ْع َل ُ‬ ‫احل َلل َب ِّي َو َ‬
‫احل َرام َب ِّي َو َب ْي َ‬ ‫(( َ‬
‫حل ِديث‪َ ،‬و َك ْث َرة َف َو ِائده‪َ ،‬ق َال َ َ‬
‫جا َعة‪ُ :‬ه َو‬ ‫ِ‬
‫ج َع ال ُع َل َمء َع َل ع َظم َو ْقع َه َذا ا َ‬
‫ِ‬
‫آخره ‪َ ..‬أ ْ َ‬
‫اإل ْس َلم َيدُ ور َع َل ْي ِه‪َ ،‬و َع َل َح ِديث‪(( :‬األَ ْع َمل بِالنِّ َّي ِة))‪َ ،‬و َح ِديث‪:‬‬ ‫اإل ْس َلم‪َ ،‬و َأ َّن ِ‬
‫ُث ُلث ِ‬
‫(( ِم ْن ُح ْسن إِ ْس َلم ا َمل ْرء ت َْركه َما َل َي ْعنِيه))"‪.‬‬
‫(‪)71‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫اديث‪َ :‬ه ِذ ِه ال َّث َل َثة‪َ ،‬و َح ِديث‪:‬‬ ‫و َق َال َأبو داود الس ْختِي ِان‪" :‬يدُ ور َع َل َأربعة َأح ِ‬
‫ََْ َ‬ ‫ُ َ ُ َ ِّ َ ّ َ‬ ‫َ‬
‫ب لِنَ ْف ِس ِه)) َو ِق َيل‪َ :‬ح ِديث ((اِز َْهدْ ِف الدُّ ْن َيا‬ ‫ِ‬ ‫(( َل ي ْؤ ِمن َأحدكُم حتَّى ُيِ ِ ِ ِ‬
‫ب لَخيه َما ُي ّ‬
‫ّ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ُ‬
‫(((‬
‫ُيِ ّبك اللَّ‪َ ،‬واز َْهدْ َما ِف َأ ْي ِدي النَّاس ُيِ ّبك النَّاس))"‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫اض ِع َياض كام يف ((رشح سنن النسائي)) لإلمام السيوطي‪ُ " :‬ر ِو َي‬ ‫و َق َال ال َق ِ‬
‫َ‬
‫سمئ َِة َألف َح ِديث‬ ‫خ ِ‬ ‫َْ‬ ‫َعن َأ ِب داود الس ِجست َِان َق َال َك َتبت َعن رسول اهللِ‬
‫ْ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ َ ِّ ْ ّ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الص َلة‬ ‫ال َّثابِت من َْها َأ ْر َب َعة َآلف َحديث‪َ ،‬وه َي ت َْر ِجع إِ َل َأ ْر َب َعة َأ َحاديث َق ْوله َع َل ْيه َّ‬
‫ِ‬
‫ك ُه َما َل َي ْعنيه))‬ ‫ات)) َو َق ْوله‪ِ (( :‬م ْن ُح ْس ِن إِ ْس َل ِم ا َمل ْر ِء ت َْر ُ‬ ‫والس َلم‪(( :‬إِنَّم األَعم ُل بِالنِّي ِ‬
‫َّ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫ي)) َو َق ْوله‪َ (( :‬ل َيكُون ا َمل ْرء ُم ْؤ ِمن ًا َحتَّى َي ْر َض ِلَ ِخ ِيه‬ ‫ي َو َ‬
‫احل َرا ُم َب ِّ ٌ‬ ‫َو َق ْوله‪َ (( :‬‬
‫احل َل ُل َب ِّ ٌ‬
‫حل ِديث" اهـ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َما َي ْر َض لنَ ْفسه)) َو ُر ِو َي َمكَان َه َذا ((از َْهدْ ِف الدُّ ْن َيا ُي َّبك اهلل)) ‪ ...‬ا َ‬
‫(((‬

‫َي َف َق َال‪:‬‬‫اهر ْبن ُم ْف ِرز ِف َب ْيت ْ ِ‬‫و َقدْ َن َظم َه َذا َأبو احلسن َط ِ‬
‫ُ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ـــر َ ِ‬
‫الب َّي ْه‬ ‫ين ِعنْدَ نَـــا ك َِل َم ٌت َأ ْر َب ٌع ِمـــ ْن ك ََل ِم َخ ْ ِ‬ ‫ُع ْمـــدَ ُة الدِّ ِ‬
‫يـــك َوا ْع َمل َن بِنِ َّي ْه‬ ‫ات َو ْاز َهدْ َو َد ْع َما َل ْي َس َي ْعنِ َ‬ ‫الشـــبه ِ‬
‫َّـــق ُّ ُ َ‬ ‫اِت ِ‬

‫خ َس ِة‬
‫ور َع َل َ ْ‬ ‫ِ‬
‫وروي عن أيب داود أيضا كام يف ((طرح الترتيب))‪" :‬الف ْق ُه َيدُ ُ‬
‫اجتَن ِ ُبو ُه)‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ي))‪َ ،‬و((األَ ْع َم ُل بِالنِّ َّيات))‪َ ،‬و(( َما َنَ ْي ُتك ُْم َعنْ ُه َف ْ‬ ‫يث‪َ (( :‬‬
‫احل َل ُل َب ِّ ٌ‬ ‫اد َ‬‫َأح ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ض َار)) اهـ‪.‬‬ ‫ض َر َو َل َ‬‫َو(( َما أ َم ْر ُتك ُْم بِه َفأتُوا منْ ُه َما ْاس َت َط ْعت ُْم)‪َ ،‬و(( َل َ َ‬
‫(((‬

‫قوله ‪ِ (( :‬م ْن ُح ْس ِن إِ ْس َل ِم ا َمل ْر ِء))‪ :‬من تبعيضية‪ ،‬أو بيانية‪ ،‬أي‪ :‬من مجلة‬
‫حماسن إسالم اإلنسان وكامل إيامنه؛ ألن حسن اإلسالم عبارة عن كامله‪ ،‬وهو أن‬
‫تستقيم نفسه يف اإلذعان ألمر اهلل تعاىل واالستسالم ألحكامه‪ ،‬وهو عالمة رشح‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.20/11 :‬‬


‫((( ((رشح السنن))‪.136/6 :‬‬
‫((( ((طرح التثريب))‪.153/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)72‬‬

‫الصدر بنور اهلل‪.‬‬


‫قال اهلل تعاىل‪ :‬ﱹ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﱸ [لقامن‪ ،]22 :‬واإلسالم هو االستسالم واالنقياد‬
‫لألحكام الرشعية‪ ،‬وهو غري اإليامن؛ ألن اإليامن هو ما وقر يف القلب وصدقه‬
‫العمل؛ لذلك قال اهلل تعاىل‪ :‬ﱹ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﱸ [احلجرات‪ ،]14 :‬لكن إذا أطلق لفظ اإلسالم فهو شامل‬
‫لإليامن واإلحسان كذلك‪.‬‬
‫واملسلمون ينقسمون إىل قسمني كام دل عليه احلديث‪ ،‬وهم‪:‬‬
‫ ) أاملحسنون يف إسالمهم‪.‬‬
‫ ) باملسيئون يف إسالمهم‪.‬‬
‫فمن قام بحق اإلسالم ظاهرا وباطنا ‪ ..‬فهو املحسن‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﱸ [النساء‪.]125 :‬‬
‫وجيوز أن يكون معنى حسن إسالم املرء حسن تسليمه‪ ،‬وذلك أن اهلل تعاىل قال‪:‬‬
‫ﱹ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﱸ [التوبة‪،]111 :‬‬
‫فقد اشرتى اهلل منهم نفوسهم‪ ،‬فعليهم تسليم املبيع‪ ،‬وقد باع البائع اليشء‪ ،‬ويلتوي‬
‫يف تسليم املبيع‪ ،‬حتى ينتزعه املشرتي منه بحق البائع‪ ،‬فأما من حسن تسليمه ‪ ..‬س ّلم‬
‫املبيع أوفر ما كان وأمته يف سعة من صدره‪ ،‬وطيبة من نفسه‪ ،‬خاصة إذا علم أنه استحق‬
‫من الثمن أضعاف أضعاف القيمة‪ ،‬فمتى حسن إسالم املرء ‪ ..‬حسن تسليم نفسه‬
‫‪ ،‬غري ملتو وال مرتبص‪ ،‬قال اهلل تعاىل خلليله إبراهيم صلوات اهلل عليه‪:‬‬ ‫إىل اهلل‬
‫(‪)73‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ﱹ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﱸ [البقرة‪ ،]131 :‬وقال أيض ًا‪ :‬ﱹ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﱸ [البقرة‪.]132 :‬‬
‫((ت َْر ُك ُه َما َل َي ْعن ِ ِيه))‪ :‬أي‪ :‬ما ال هيمه وال يريده‪ ،‬وال يعود عليه بالنفع ال يف‬
‫الدنيا وال يف اآلخرة؛ بل قد يرضه كأمثال الذنوبوالسيئات‪ ،‬فيشتغل هذا املحسن‬
‫بام يعنيه‪ ،‬مما جيب عليه تركه من املعايص والسيئات‪ ،‬ومما ينبغي له تركه كاملكروهات‪،‬‬
‫تفوت عليه اخلري‪.‬‬
‫وفضول املباحات التي ال مصلحة له فيها؛ بل ِّ‬
‫ومن تركه ما ال يعنيه ‪ ..‬تركه لفضول الكالم‪ ،‬فال يتكلم إال فيام يعنيه من غري‬
‫ب ك ََل َم ُه ِم ْن َع َملِ ِه‬
‫كام ورد عن أيب ذر‪َ (( :‬و َم ْن َح َس َ‬ ‫تكثري يف الكالم‪ ،‬وقد قال‬
‫‪َ ..‬ق َّل ك ََل ُم ُه إِ َّل فِ ْي ِم ُي ْعن ِ ْي ِه)) أخرجه ابن حبان‪.‬‬
‫وذكر مالك‪" :‬أنه بلغه أنه قيل للقامن‪" :‬ما بلغ بك ما نرى" يريدون الفضل"‪،‬‬
‫فقال‪" :‬صدق احلديث‪ ،‬وأداء األمانة‪ ،‬وترك ما ال يعنيني"‪.‬‬
‫وروي عن احلسن أنه قال‪" :‬من عالمة إعراض اهلل تعاىل عن العبد أن جيعل‬
‫شغله فيام ال يعنيه"‪.‬‬
‫قال يف ((دليل الفاحلني))‪((" :‬تركه ما ال يعنيه)) أي‪ :‬ما ال يريده وال حيتاج إليه‪،‬‬
‫وال رضورة إليه فيه‪ ،‬وال ينفعه بكون عيشه بدونه ممكن ًا‪ ،‬وذلك يشمل األفعال‬
‫الزائدة‪ ،‬واألقوال الفاضلة‪ ،‬فينبغي أال يشتغل إال بام فيه صالحه معاش ًا ومعاد ًا‬
‫بتحصيل ما البد منه يف قوام البدن وبقاء النوع اإلنساين‪ ،‬ثم بالسعي يف الكامالت‬
‫العلمية‪ ،‬والفضائل العلية‪ ،‬التي هي وسيلة لنيل السعادة األبدية‪ ،‬والفوز بالنعم‬
‫الرسمدية‪ ،‬وأن يعرض عام عدا ذلك‪ :‬وذلك إنام يكون باملراقبة ومعرفة أنه فيام‬
‫يأتيه بمرأى ومسمع من اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وأنه ال خيفى عليه يشء من شأنه‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)74‬‬

‫ال بام ال يعنيه‪ّ ،‬‬


‫فإن من اشتغل‬ ‫قال معروف‪ :‬عالمة مقت اهلل للعبد أن تراه مشتغ ً‬
‫بام ال يعنيه ‪ ..‬فاته ما يعنيه‪ .‬وقال الغزايل‪ :‬حدّ ما ال يعنيك يف الكالم أن تتكلم بام‬
‫تترضر حاالً وال مآالً‪ ،‬قال‪ :‬فإن ُشغلت بام ال يعنيك ‪..‬‬
‫ّ‬ ‫سكت عنه مل تأثم وال‬
‫َّ‬ ‫لو‬
‫فإنك مضيع زمانك‪ ،‬وحماسب عىل عمل لسانك‪ ،‬إذ تستبدل الذي هو أدنى بالذي‬
‫هو خري‪ ،‬ولو رصفته يف الذكر والدعاء ربام انفتح لك من نفحات اهلل ما يعظم‬
‫جدواه‪ ،‬ومن قدر عىل أن يأخذ كنز ًا من كنوز اجلنة وأخذ بدله بدرة ‪ ..‬كان خارس ًا‪،‬‬
‫وما أحسن ما قيل‪:‬‬
‫ــــل إذا كنت فارغ ًا مسرتحي ًا‬ ‫اغتنم ركعتـــن يف ظلمة الليـ‬
‫طـــل فاجعل مكانه تســـبيح ًا‬ ‫وإذا ما مهمت باحلوض يف البا‬

‫وقول احلافظ أيب إسامعيل البخاري كام عزاه إليه احلاكم يف تارخيه‪.‬‬
‫فعســـى أن يكون موتك بغته‬ ‫اغتنم يف الفـــراغ فضل ركوع‬
‫ذهبت نفســـه الصحيحة فلته‬ ‫كم صحيح تراه من غري ســـقم‬

‫وقلت يف املعنى‪:‬‬
‫طاعـــة اهلل كي تفـــوز بقربه‬ ‫واغتنم يف احلياة حسب اقتدار‬
‫مات يف احلـــال من تقلب قلبه‬ ‫تســـوف إىل غد كم صحيح‬
‫ّ‬ ‫ال‬
‫(((‬
‫انتهى كالم صاحب ((دليل الفاحلني))‪.‬‬
‫وحيتمل قوله‪(( :‬تركه ما ال يعنيه)) من أوصاف الناس‪ ،‬وأقواهلم‪ ،‬فال يكاد‬
‫يذكرهم‪ ،‬وال ينظر إىل عيوهبم‪ ،‬وال يعرتض عليهم يف أخالقهم؛ ألنه قد أسلمهم‬
‫هو الذي يطالبهم بصدقهم يف أفعاهلم‪ ،‬وصحة أعامهلم‪،‬‬ ‫إىل اهلل تعاىل‪ ،‬فيكون اهلل‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.205/1 :‬‬


‫(‪)75‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ويقيم أمر اهلل تعاىل فيهم‪ ،‬ويشفق عليهم‪ ،‬وينصح هلم‪ ،‬ويقبل منهم ظواهرهم‪،‬‬
‫ويوكل رسائرهم إىل اهلل تعاىل‪ ،‬فإهنا ليست مما يعنيه‪ ،‬فإذا كان كذلك ‪ِ ..‬‬
‫سلم‬
‫املسلمون من لسانه ويده‪ ،‬فهو املسلم‪ ،‬واإلسالم له صفة‪ ،‬واحلسن إلسالمه صفة‪،‬‬
‫فهو ملا َح ُس َن إسالمه يف إسالم خلق اهلل تعاىل إىل اهلل ‪ ..‬ت ََر َك ما ال يعنيه من البحث‬
‫عن رسائرهم‪ ،‬ومطالبة الصدق إذا صلحت ظواهرهم‪ ،‬واإلعراض عن خمتلف‬
‫أحواهلم إال فيام يلزمه فرض أمر بمعروف‪ ،‬أو هني عن منكر يف رقة هبم‪ ،‬وشفقة‬
‫عليهم‪ ،‬وإرادة الصالح هلم‪.‬‬
‫ومن حسن تسليمه ‪ ..‬أن ال يعرتض عىل اهلل تعاىل يف أحكامه عليه‪ ،‬وقضاياه‬
‫فيام شاء‪ ،‬ورسيان االعرتاض منه عىل اهلل تعاىل يف تسخط قضائه‪ ،‬والتأيت ملعقول‬
‫أحكامه هو الذي ال يعنيه؛ ألن املشرتي إذا أحدث فيام اشرتاه من هدم بناء فيه‪،‬‬
‫أو تغيري يشء منه‪ ،‬أو نقض فيه‪ ،‬أو إبرام‪ ،‬فاعرتض البائع فيه مما ال يعنيه من قوله‪:‬‬
‫مل فعلت‪ ،‬وأال صنعت كذا‪ ،‬ولو فعلت كذا‪ ،‬وليتك صنعت كل ذلك ‪ ..‬مما ال‬
‫يعنيه‪ ،‬فحصل معنى قوله ‪ِ (( :‬م ْن ُح ْس ِن إِ ْس َل ِم ا َمل ْر ِء ت َْر ُك ُه َما َل َي ْعن ِ ِيه))‪ ،‬عىل هذا‬
‫املوضع الرضا بأحكام اهلل تعاىل‪ ،‬والتلقي بالبرش‪ ،‬والرسور‪ ،‬ثم القضاء والصرب‬
‫حتت أثقال ما يكرهه‪ ،‬واالستسالم واالنقياد ببذل العبودية للملك القهار فيام جيريه‬
‫من أحكامه يف مجيع خلقه من أرضه وسامئه‪ ،‬ويف نفس العبد مما يؤمله ّ‬
‫ويلذه‪ ،‬أو‬
‫يرسه‪ ،‬وحيزنه‪ .‬كام يف ((بحر الفوائد)) املسمى بـ((معاين األخيار)) للكال باذي‬
‫قال ابن رجب يف ((فتح الباري))‪" :‬إحسان اإلسالم تفرس بمعنيني‪ :‬أحدمها‪:‬‬
‫بإكامل واجتناب حمرماته‪ ،‬ومنه احلديث املشهور املروي يف ((السنن))‪ِ (( :‬م ْن ُح ْس ِن‬
‫إِ ْس َل ِم ا َمل ْر ِء ت َْر ُك ُه َما َل َي ْعن ِ ِيه))‪ ،‬فكامل حسن إسالمه ‪ -‬حينئذ ‪ -‬برتك ما ال يعنيه وفعل‬
‫ما يعنيه‪ ،‬ومنه حديث ابن مسعود الذي خرجاه يف ((الصحيحني)) أن النبي‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)76‬‬

‫اخ ْذ بِ َم‬ ‫سئل‪ :‬أنؤاخذ بأعاملنا يف اجلاهلية ؟ فقال‪َ (( :‬م ْن َأ ْح َس َن ِف ا ِ‬


‫إل ْس َل ِم ‪َ ..‬ل ْ ُي َؤ َ‬
‫إلس َل ِم ‪ُ ..‬أ ِخ َذ بِاألَو ِل و ِ‬ ‫ع ِم َل ِف َ ِ ِ ِ‬
‫اآلخ ِر))‪ ،‬فإن املراد بإحسانه‬ ‫َّ َ‬ ‫اء ِف ا ِ ْ‬
‫اجلاهل َّية‪َ ،‬و َم ْن َأ َس َ‬ ‫َ‬
‫يف اإلسالم‪ :‬فعل واجباته واالنتهاء عن حمرماته‪ ،‬وباإلساءة يف اإلسالم‪ :‬ارتكاب‬
‫(((‬
‫بعض حمظوراته التي كانت ترتكب يف اجلاهلية" اهـ‪.‬‬
‫قال يف ((حتفة األحوذي))‪" :‬قال بن رجب احلنبيل يف كتاب ((جامع العلوم‬
‫واحلكم)) يف رشح هذا احلديث ما لفظه‪ :‬معنى هذا احلديث أن من حسن إسالمه‬
‫تركه ما ال يعنيه من قول وفعل‪ ،‬واقتصاره عىل ما يعنيه من األقوال واألفعال‪،‬‬
‫ومعنى يعنيه أنه يتعلق عنايته به‪ ،‬ويكون من مقصده ومطلوبه‪ ،‬والعناية شدة‬
‫االهتامم باليشء‪ ،‬يقال عناه يعنيه إذا اهتم به وطلبه ‪،‬وإذا حسن اإلسالم ‪ ..‬اقتىض‬
‫ترك ما ال يعني كله من املحرمات واملشتبهات واملكروهات‪ ،‬وفضول املباحات‬
‫التي ال حيتاج إليها‪ ،‬فإن هذا كله ال يعنيه املسلم إذا كمل إسالمه‪ .‬انتهى خمترصا ‪.‬‬
‫قال القارئ يف معنى تركه ما ال يعنيه‪ :‬أي ما ال هيمه‪ ،‬وال يليق به قوالً وفع ً‬
‫ال‬
‫ونظر ًا وفكر ًا‪ ،‬وقال‪ :‬وحقيقة ما ال يعنيه ‪ ..‬ما ال حيتاج إليه يف رضورة دينه ودنياه‪،‬‬
‫وال ينفعه يف مرضاة مواله؛ بأن يكون عيشه بدونه ممكنا‪ ،‬وهو يف استقامة حاله‬
‫بغريه متمكنا‪ ،‬وذلك يشمل األفعال الزائدة‪،‬واألقوال الفاضلة‪.‬‬
‫قال الغزايل‪ :‬وحد ما يعنيك ‪ ..‬أن تتكلم بكل ما لو سكت عنه مل تأثم ومل تترضر‬
‫يف حال وال مال‪ ،‬ومثاله أن جتلس مع قوم فتحكي معهم أسفارك‪ ،‬وما رأيت فيها‬
‫من جبال وأهنار‪ ،‬وما وقع لك من الوقائع‪ ،‬وما استحسنته من األطعمة والثياب‪،‬‬
‫وما تعجبت منه من مشايخ البالد ووقائعهم‪ ،‬فهذه أمور لو سكت عنها مل تأثم ومل‬
‫تترضر‪ ،‬وإذا بالغت يف االجتهاد حتى مل يمتزج بحكايتك زيادة وال نقصان‪ ،‬وال‬
‫((( ((فتح الباري)) البن رجب‪.79/1 :‬‬
‫(‪)77‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫تزكية نفس من حيث التفاخر بمشاهدة األحوال العظيمة‪ ،‬وال اغتياب لشخص‪،‬‬
‫وال مذمة ليشء مما خلقه اهلل تعاىل ‪ ..‬فأنت مع ذلك كله مضيع زمانك‪ ،‬وحماسب‬
‫عىل عمل لسانك؛ إذ تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خري؛ ألنك لو رصفت زمان‬
‫الكالم يف الذكر والفكر ربام ينفتح لك من نفحات رمحة اهلل تعاىل ما يعظم جدواه‪،‬‬
‫ولو سبحت اهلل ‪ ..‬بنى لك هبا قرص يف اجلنة‪ ،‬وهذا عىل فرض السالمة من الوقوع‬
‫(((‬
‫يف كالم املعصية‪ ،‬وأن ال تسلم من اآلفات التي ذكرناها" اهـ‪.‬‬
‫وهذا الذي ذكرناه هو منطوق احلديث أما مفهوم احلديث فهو‪:‬‬
‫أن من مل يرتك ما ال يعنيه ‪ ..‬فإنه ميسء يف إسالمه‪ ،‬وذلك شامل لألقوال‬
‫هني حتري ٍم‪ ،‬أو هني كراهة ‪.‬‬
‫واألفعال املنهي عنها َ‬
‫فهذا احلديث يعد من الكلامت العامة اجلامعة؛ ألهنا قسمت هذا التقسيم‬
‫احلارص‪ ،‬وبينت األسباب التي يتم هبا حسن اإلسالم‪ ،‬وهو االشتغال بام يعني‪،‬‬
‫وترك ما ال يعني من قول وفعل‪ ،‬واألسباب التي يكون هبا العبد مسيئ ًا‪ ،‬وهي ضد‬
‫هذه احلالة‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن حسن إسالم املرء يف تركه لكل أمر ال منفعة له فيه‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن من قبح إسالم املرء أخذه بام ال يعنيه وهو املسمى بالفضول‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن املسلم يشتغل بربه وما يقربه منه‪ ،‬وهو عالمة عىل حسن إسالمه‪.‬‬
‫‪4 .4‬اخلوض فيام ال يعني هنايته الندامة‪ ،‬والوصول إىل الزلل‪.‬‬

‫((( ((حتفة االحوذي))؛ طبعة‪ :‬رشكة القدس‪.327/5 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)78‬‬

‫احلديث التاسع‬

‫ول‪(( :‬ال َّل ُه َّم إِ ِّن َأ ْس َأ ُل َ‬


‫ك‬ ‫َأ َّن ُه ك َ‬
‫َان َي ُق ُ‬ ‫َعن َعب ِداهللِ ب ِن مسع ٍ‬
‫ود َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫ْ َ ْ ُ‬ ‫ْ ْ‬
‫اف و ِ‬
‫الغنَى)) رواه مسلم‪.‬‬ ‫الـهدَ ى‪َ ،‬وال ُّت َقى‪َ ،‬وال َع َف َ َ‬
‫ُ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمـــه‬
‫الصحايب اجلليل عبداهلل بن مسعود بن غافل ‪ -‬بالغني املعجمة والفاء ‪-‬‬
‫شمخ بن خمزوم اهلذيل‪ ،‬يكنى أبا عبدالرمحن‪ ،‬وكان يعرف بأمه وهي‬
‫ابن حبيب بن ْ‬
‫أم عبد بنت عبد ود بن سواء بن قريم بن صاهلة من بني هذيل أيض ًا وأمها زهرية‬
‫قيلة بنت احلارث بن زهرة‪.‬‬
‫دار األرقم‪ ،‬ويقال‪ :‬كان سادسا يف اإلسالم‪،‬‬ ‫أسلم قبل دخول رسول اهلل‬
‫وهاجر إىل احلبشة اهلجرتني‪ ،‬وشهد بدر ًا واملشاهد كلها‪ ،‬فعن القاسم بن عبدالرمحن‬
‫عن أبيه قال‪ :‬قال عبداهلل بن مسعود‪ :‬لقد رأيتني سادس ستة وما عىل وجه األرض‬
‫مسلم غرينا‪.‬‬
‫قصة إسالمه‪:‬‬
‫حيث قال‪" :‬كنت يف غنم آلل أيب معيط‬ ‫وقصة إسالمه ما حكاه عن نفسه‬
‫‪(( :‬يا غالم‪،‬‬ ‫ومعه أبوبكر بن أيب قحافة‪ ،‬فقال النبي‬ ‫أرعاها‪ ،‬فجاءين النبي‬
‫هل عندك لبن تسقينا؟))‪ ،‬فقلت‪ :‬نعم‪ ،‬ولكني مؤمتن‪ ،‬قال‪(( :‬فهل عندك شاة شصوم‬
‫(‪)79‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫مل ينز عليها الفحل؟))‪ ،‬قلت‪ :‬نعم‪ ،‬فأتيته بشاة شصوم ‪ -‬قال‪ :‬سالم‪ :‬مل ينز عليها‬
‫مكان الرضع وما هبا رضع‪،‬‬ ‫الفحل وهي التي ليس هلا رضع ‪ -‬فمسح النبي‬
‫فإذا رضع حافل((( مملوء لبنا‪ ،‬وأتيته بصخرة منقعرة‪ (((،‬فاحتلب‪ ،‬فسقى أبا بكر‪،‬‬
‫وسقاين‪ ،‬ثم رشب‪ ،‬ثم قال للرضع‪(( :‬اقلص))‪ ،‬فرجع كام كان‪ ،‬قال‪ :‬فأنا رأيت هذا‬
‫‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬علمني‪ ،‬فمسح برأيس‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫بعيني من رسول اهلل‬
‫((بارك اهلل فيك‪ ،‬فإنك غالم معلم))‪ ،‬فأسلمت‪ .‬أخرجه ابن أيب شيبة وأبو يعىل‪.‬‬
‫ما ورد في فضله‪:‬‬
‫قصري ًا جد ًا طوله نحو ذراع‪ ،‬خفيف اللحم شديد‬ ‫كان ابن مسعود‬
‫وسى َقا َل ْت‬ ‫األدمة وكان من أجود الناس ثوبا ومن أطيب الناس رحيا‪ ،‬ف َع ْن ُأ ِّم ُم َ‬
‫ود َف َص ِعدَ َع َل َش َج َر ٍة َأ َم َر ُه َأ ْن‬‫ابن مسع ٍ‬
‫ْ َ َ ْ ُ‬ ‫ول‪َ :‬أ َم َر النَّبِ ُّي‬‫َي ُق ُ‬ ‫َس ِم ْع ُت َع ِل ّي ًا‬
‫ني َص ِعدَ َّ‬ ‫ي ْأتِيه ِمنْها بِ ٍ‬
‫الش َج َرةَ‪،‬‬ ‫ود ِح َ‬‫اق َعب ِداهللِ ب ِن مسع ٍ‬
‫ْ َ ْ ُ‬ ‫شء‪َ ،‬فنَ َظ َر َأ ْص َحا ُب ُه إِ َل َس ِ ْ‬ ‫َ َُ َ َ ْ‬
‫ُون؟ َل ِرج ُل عب ِداهللِ‬ ‫ول اهللِ ‪َ (( :‬ما ت َْض َحك َ‬ ‫وش ِة َسا َق ْي ِه‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬‫ح َ‬ ‫َف َض ِحكُوا ِم ْن ُ ُ‬
‫ْ َْ‬
‫الق َي َام ِة ِم ْن ُأ ُح ٍد)) أخرجه اإلمام أمحد يف مسنده‪.‬‬ ‫َان يوم ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ ْث َق ُل ِف امليز ِ َ ْ َ‬
‫ووسادته وسواكه ونعليه‬ ‫وكان ابن مسعود صاحب رس رسول اهلل‬
‫يف هديه ودله وسمته‪.‬‬ ‫وطهوره يف السفر‪ ،‬وكان يشبه بالنبي‬
‫وكان من رآه ومل يعرفه يظنه من أهل البيت من كثرة تردده عىل بيوت النبي‬
‫َق َال‪َ " :‬ق ِد ْم ُت َأنَا َو َأ ِخي ِم ْن ال َي َم ِن‪َ ،‬ف ُكنَّا ِحين ًا َو َما ن َُرى‬ ‫وسى‬ ‫‪ ،‬ف َع ْن َأ ِب ُم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول اهللِ‬
‫ت رس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ن َك ْث َرة ُد ُخول ْم َو ُل ُزوم ِه ْم َل ُه"‬ ‫م ْ‬ ‫ا ْب َن َم ْس ُعود َو ُأ َّم ُه إِ َّل م ْن َأ ْه ِل َب ْي َ ُ‬
‫أخرجه مسلم‪.‬‬

‫((( احلافل‪ :‬الكثرية اللبن‪.‬‬


‫((( منقعرة‪ :‬ذات قعر تشبه اإلناء‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)80‬‬

‫نعليه‪ ،‬ثم‬ ‫وعن القاسم بن عبدالرمحن قال‪ :‬كان عبداهلل ُيلبس رسول اهلل‬
‫يميش أمامه بالعصا حتى إذا أتى جملسه ‪ ..‬نزع نعليه فادخلهام يف ذراعيه‪ ،‬واعطاه‬
‫أن يقوم ‪ ..‬البسه نعليه‪ ،‬ثم مشى بالعصا أمامه حتى‬ ‫العصا‪ ،‬فإذا أراد رسول اهلل‬
‫‪.‬‬ ‫يدخل احلجرة َق ْب َل رسول اهلل‬
‫إذا‬ ‫أنه كان يوقظ رسول اهلل‬ ‫وعن أيب املليح عن عبداهلل بن مسعود‬
‫نام‪ ،‬ويسرته إذا اغتسل‪ ،‬ويميش معه يف األرض وحش ًا‪.‬‬
‫الكثري من األخبار‪ ،‬وناهيك‬ ‫وقد ورد يف فضل سيدنا عبداهلل بن مسعود‬
‫‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬ ‫عام قاله فيه رسول اهلل‬
‫‪(( :‬رضيت ألمتي ما ريض هلا ابن أم عبد‪ ،‬وسخطت هلا ما سخط هلا‬ ‫ ‪-‬قوله‬
‫ابن أم عبد)) أخرجه احلاكم وابن أيب شيبة‪.‬‬
‫متسكوا بعهد ابن أم عبد)) أخرجه احلاكم‬
‫بقوله‪ّ (( :‬‬ ‫ ‪-‬ومنها وصيته ألصحابه‬
‫وابن أيب شيبة‪.‬‬
‫ني ِم ْن الكُو َف ِة‬ ‫َف َق َال‪ِ :‬ج ْئ ُت َيا َأ ِم َري ا ُمل ْؤ ِمنِ َ‬ ‫س ْب ِن َم ْر َو َ‬
‫ان َأ َّن ُه َأتَى ُع َم َر‬ ‫ ‪-‬و َع ْن َق ْي ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال يم ِل ا َملص ِ‬
‫ب َوا ْن َت َف َخ َحتَّى كَا َد َي ْم َ ُ‬
‫ل‬ ‫ف َع ْن َظ ْه ِر َقلبِه‪َ ،‬ف َغض َ‬ ‫اح َ‬ ‫َ‬ ‫ْت ِ َبا َر ُج ً ُ ْ‬ ‫َوت ََرك ُ‬
‫ود‪َ ،‬ف َم َز َال‬ ‫ي ُشعبتَي الرح ِل‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ومن هو و ْي َك؟ َق َال‪َ :‬عبدُ اهلل بن مسع ٍ‬
‫ْ ُ َ ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ ُ َ َ َ‬ ‫َما َب ْ َ ْ َ ْ َّ ْ‬
‫ي َك‬ ‫َان َع َل ْي َها‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ :‬و ْ َ‬ ‫ب َحتَّى َعا َد إِ َل َحالِ ِه ا َّلتِي ك َ‬ ‫سى َعنْ ُه ال َغ َض ُ‬ ‫ُي ْط َف ُأ َو ُي َ َّ‬
‫َّاس َأ َحدٌ ُه َو َأ َح ُّق بِ َذلِ َك ِمنْ ُه‪َ ،‬و َس ُأ َحدِّ ُث َك َع ْن َذلِ َك‪،‬‬ ‫َواهللِ َما َأ ْع َل ُم ُه َب ِق َي ِم ْن الن ِ‬
‫اك ِف األَ ْم ِر‬ ‫ال َّل ْي َل َة ك ََذ َ‬ ‫َل َي َز ُال َي ْس ُم ُر ِعنْدَ َأ ِب َبك ٍْر‬ ‫ول اهللِ‬‫َان َر ُس ُ‬ ‫ك َ‬
‫ول اهللِ‬‫ات َل ْي َل ٍة َو َأنَا َم َع ُه‪َ ،‬ف َخ َر َج َر ُس ُ‬ ‫ني‪َ ،‬وإِ َّن ُه َس َم َر ِعنْدَ ُه َذ َ‬ ‫ِم ْن َأ ْم ِر ا ُمل ْس ِل ِم َ‬
‫َي ْست َِم ُع‬ ‫ول اهللِ‬ ‫َو َخ َر ْجنَا َم َع ُه‪َ ،‬فإِ َذا َر ُج ٌل َق ِائ ٌم ُي َص ِّل ِف ا َمل ْس ِج ِد‪َ ،‬ف َقا َم َر ُس ُ‬
‫(‪)81‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫آن‬‫س ُه َأ ْن َي ْق َر َأ ال ُق ْر َ‬ ‫ِقراء َته‪َ ،‬ف َلم ِكدْ نَا َأ ْن َنع ِر َفه ‪َ ..‬ق َال رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ‪َ (( :‬م ْن َ َّ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ َ ُ َّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫الر ُج ُل َيدْ ُعو‪،‬‬ ‫َر ْطب ًا ك ََم ُأن ِْز َل ‪َ ..‬فل َي ْق َر ْأ ُه َع َل ق َر َاءة ا ْب ِن ُأ ِّم َع ْبد))‪َ .‬ق َال‪ُ :‬ث َّم َج َل َس َّ‬
‫ول َل ُه‪َ (( :‬سل ُت ْع َط ْه‪َ ،‬سل ُت ْع َط ْه))‪.‬‬ ‫َي ُق ُ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫َف َج َع َل َر ُس ُ‬

‫ش َّن ُه‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َغدَ ْو ُت إِ َل ْي ِه‬ ‫لت َواهللِ َلَ ْغدُ َو َّن إِ َل ْي ِه َف َ ُ‬
‫ل َب ِّ َ‬ ‫‪ُ :‬ق ُ‬ ‫َق َال ُع َم ُر‬
‫ش ُه‪َ ،‬و َل َواهللِ َما َس َب ْق ُت ُه إِ َل َخ ْ ٍي‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ش ُه ‪َ ..‬ف َو َجدْ ُت َأ َبا َبك ٍْر َقدْ َس َب َقني إ َل ْيه َف َب َّ َ‬ ‫لُ َب ِّ َ‬
‫َق ُّط إِ َّل َو َس َب َقنِي إِ َل ْي ِه‪ .‬أخرجه اإلمام أمحد يف ((مسنده))‪.‬‬
‫‪ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫ومنها ما حدَّ ث عن نفسه‬
‫ول اهللِ أ ْق َر ُأ َع َل ْي َك َو َع َل ْي َك ُأن ِْز َل؟ َق َال‪:‬‬
‫لت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫Š Š َق َال ِل النَّبِ ُّي ‪(( :‬ا ْق َر ْأ َع َ َّل)) ُق ُ‬
‫ت إِ َل َه ِذ ِه اآل َي ِة ﱹﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬ ‫ِ‬
‫ور َة الن َِّساء َحتَّى َأ َت ْي ُ‬ ‫(( َن َع ْم)) َف َق َر ْأ ُت ُس َ‬
‫اآلن))‪،‬‬
‫ك َ‬ ‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﱸ [النساء‪َ ]41 :‬ق َال‪َ (( :‬ح ْس ُب َ‬
‫َفال َت َف ُّت إِ َلي ِه َفإِ َذا َعينَاه ت َْذ ِر َف ِ‬
‫ان‪ .‬أخرجه البخاري وأمحد‪.‬‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫لت‬‫آن))‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف ُق ُ‬ ‫ول اهللِ ‪(( :‬ا ْق َر ْأ َع َ َّل ال ُق ْر َ‬ ‫Š Šويف رواية ملسلم‪َ :‬ق َال ِل َر ُس ُ‬
‫ول اهللِ َأ ْق َر ُأ َع َل ْي َك َو َع َل ْي َك ُأن ِْز َل؟ َق َال‪(( :‬إِ ِّن َأ ْشت َِهي َأ ْن َأ ْس َم َع ُه ِم ْن‬ ‫َيا َر ُس َ‬
‫ت ﱹﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬ ‫َغ ْ ِيي))‪َ ،‬ف َق َر ْأ ُت الن َِّسا َء َحتَّى إِ َذا َب َل ْغ ُ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﱸ [النساء‪َ ]41 :‬ر َف ْع ُت َر ْأ ِس َأ ْو َغ َم َز ِن َر ُج ٌل إِ َل‬
‫َجنْبِي‪َ ،‬ف َر َف ْع ُت َر ْأ ِس َف َر َأ ْي ُت ُد ُمو َع ُه ت َِس ُيل‪.‬‬
‫من حتدثه بالنعمة حيث قال‪" :‬واهلل ما نزل من‬ ‫Š Šومن ذلك ما ورد عنه‬
‫القرآن يشء اال وأنا أعلم يف أي يشء نزل‪ ،‬وما أحد أعلم بكتاب اهلل مني‪،‬‬
‫ولو أعلم أحدا متتطى اليه االبل أعلم مني بكتاب اهلل ألتيته‪ ،‬وما أنا بخريكم"‪.‬‬
‫اب‪َ ،‬و َأ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ول اهللِ‬
‫ُك َع َ َّل َأ ْن ت َْر َف َع احل َج َ‬
‫‪(( :‬إِ ْذن َ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫Š Šو َعنْه‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)82‬‬
‫تَست َِمع ِسو ِ‬
‫ادي َحتَّى َأ ْنَ َ‬
‫اك)) أخرجه أمحد وابن ماجة‪.‬‬ ‫ْ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫سي‪َ .‬ق َال َأذ َن َل ُه َأ ْن َي ْس َم َع َّ‬
‫س ُه‪.‬‬ ‫س َوادي‪ِّ :‬‬
‫احلجاب‪ ،‬وتَسمع ِسو ِ‬
‫ِ‬ ‫Š Šويف رواية عند اإلمام أمحد‪َ (( :‬قدْ َأ ِذن ُ‬
‫ادي‬ ‫ك َأ ْن ت َْر َف َع َ َ َ ْ َ َ َ‬
‫ْت َل َ‬
‫َحتَّى َأ ْنَ َ‬
‫اك))‪.‬‬
‫قال‪:‬‬ ‫‪ ،‬فعن أنس‬ ‫بني ابن مسعود والزبري‬ ‫وقد آخى النبي‬
‫بني بن مسعود والزبري‪ .‬أخرجه البخاري يف األدب‪.‬‬ ‫آخى النبي‬
‫‪.‬‬ ‫آخى بني ابن مسعود وأنس‬ ‫وورد عن ابن عباس بسند صحيح أن النبي‬
‫بشهادة عظيمة‪ ،‬فقد قال عنه أمري املؤمنني‬ ‫وقد شهد له أصحاب النبي‬
‫‪" :‬لقد ملئ فقها"‪.‬‬ ‫عمر‬
‫فيه‪" :‬ال تسألونا عن يشء ما دام هذا احلرب‬ ‫وقال أبو موسى األشعري‬
‫فيكم"‪.‬‬
‫ومل يكن َس ْب ُق ُه يف القرآن والفقه موضع الثناء فحسب ‪ ..‬بل كان كذلك أيضا‬
‫َس ْب ُق ُه يف الورع والتقى‪.‬‬
‫يقول عنه حذيفة‪" :‬ما رأيت أحد ًا أشبه برسول اهلل يف هديه‪ ،‬ود ّله‪ ،‬وسمته‬
‫من ابن مسعود"‪.‬‬
‫وجاء يف ((تاريخ املدينة املنورة)) أليب زيد عمر بن شبه النمريي البرصي‪ :‬وملا‬
‫مات ابن مسعود نعي إىل أيب الدرداء فقال‪ :‬ما ترك بعده مثله‪.‬‬
‫روايته للحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬فقد روى ثامنامئة‬ ‫من مكثري الرواية عن النبي‬ ‫يعد ابن مسعود‬
‫(‪)83‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وثامنية وأربعون حديث ًا (‪ ،)848‬اتفقا منها البخاري ومسلم عىل أربعة وستني (‪،)64‬‬
‫وانفرد البخاري بأحد وعرشين (‪ ،)21‬ومسلم بخمسة وثالثني (‪.)35‬‬
‫وأبو موسى األشعري‪،‬‬ ‫روى عنه أنس بن مالك‪ ،‬وأبو رافع موىل النبي‬
‫وغريهم من الصحابة والتابعني‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتــــــه‬
‫‪ ،‬وصدر ًا من خالفة‬ ‫وأرضاه قضاء الكوفة وبيت املال لعمر‬ ‫ويل‬
‫‪ ،‬ثم صار إىل املدينة فامت هبا سنة اثنتني وثالثني‪ ،‬وقيل‪ :‬تويف سنة ثالثة‬ ‫عثامن‬
‫‪.‬‬ ‫وثالثني‪ ،‬ودفن بالبقيع وهو ابن بضع وستني‪ ،‬وصىل عليه سيدنا عثامن بن عفان‬
‫وقيل‪ :‬تويف بالكوفة‪.‬‬
‫وقال البخاري‪" :‬مات قبل قتل عمر‪ ،‬وقال أبو نعيم وغريه‪ :‬مات باملدينة سنة‬
‫اثنتني وثالثني‪ ،‬وقيل‪ :‬مات سنة ثالث‪ ،‬وقيل‪ :‬مات بالكوفة واألول أثبت"‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫الـهدَ ى))‪ ،‬أي‪ :‬اهلداية إىل الرصاط املستقيم‪،‬‬
‫ك ُ‬ ‫‪(( :‬ال َّل ُه َّم إِ ِّن َأ ْس َأ ُل َ‬ ‫قوله‬
‫رصاط الذين أنعمت عليهم‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬أن اهلدى هو العلم النافع‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هو الرشاد‪.‬‬
‫(( َوال ُّت َقى))‪ ،‬أي‪ :‬التقوى‪ ،‬وهي اخلوف من اهلل‪ ،‬وامتثال أمره‪ ،‬واجتناب هنيه‪.‬‬
‫قال الطيبي‪" :‬أطلق اهلدى والتقى؛ ليتناول كل ما ينبغي أن هيتدي إليه من أمر‬
‫املعاش واملعاد ومكارم األخالق‪ ،‬وكل ما جيب أن يتقي منه من الرشك واملعايص‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)84‬‬
‫(((‬
‫ورذائل األخالق" اهـ‪.‬‬
‫اف))‪ ،‬أي العفة كام يف رواية ابن أيب شيبة‪ ،‬قال اإلمام النووي يف‬ ‫(( َوال َع َف َ‬
‫((رشحه عىل صحيح اإلمام مسلم))‪َ " :‬أما (الع َفاف و ِ‬
‫الع َّفة ) َف ُه َو‪ :‬ال َّتن َُّزه َع َّم ُي َباح‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬
‫(((‬
‫َف َعنْ ُه" اهـ‪.‬‬
‫َوالك ّ‬
‫عم يف أيدي الناس‪ ،‬وعدم‬
‫والعفاف‪ :‬هو الصيانة عن مطامع الدنيا‪ ،‬والتنزه ّ‬
‫تعلق القلب هبم‪ ،‬فينبغي للمؤمن أن يستعفف‪ ،‬أي‪ :‬يطلب العفاف وجياهد نفسه‬
‫ف ‪ُ ..‬ي ِع َّف ُه‬
‫عليه‪ ،‬فإن صدق يف طلبه ‪ ..‬وهبه اهلل إياه‪ ،‬فقد قال ‪َ (( :‬و َم ْن َي ْس َت ْع ِف ْ‬
‫اهللُ)) أخرجه البخاري ومسلم وأمحد وغريهم‪.‬‬
‫اح ‪ُ ..‬ي ِع َّف ُه‬
‫حل ِ‬
‫اإل َ‬
‫قال الباجي يف ((املنتقى))‪ُ " :‬ي ِريدُ َأ َّن ُه م ْن ُيم ِس ْك َع ْن الس َؤ ِ‬
‫ال َو ِ‬ ‫ُّ‬ ‫َ ْ‬
‫(((‬
‫َع ْن َذلِ َك" اهـ‪.‬‬ ‫اهلل‪َ ،‬أ ْي‪َ :‬ي ُصنْ ُه اهلل‬
‫وقال السيوطي يف ((رشحه لسنن النسائي))‪َ " :‬أ ْي‪َ :‬م ْن َي ْط ُلب ال َع َفاف‪َ ،‬و ُه َو‬
‫(((‬
‫ت َْرك ا َمل ْس َأ َلة" اهـ‪.‬‬
‫وقال يف ((عمدة القاري))‪" :‬وهو طلب العفة‪ ،‬وهي الكف عن احلرام‪،‬‬
‫والسؤال من الناس‪ ،‬وقيل‪ :‬االستعفاف الصرب والنزاهة عن اليشء‪.‬‬
‫(((‬
‫قوله‪ُ (( :‬ي ِع َّف ُه اهللُ)) بضم الياء من اإلعفاف‪ ،‬ومعناه يصريه عفيف ًا" اهـ‪.‬‬
‫اف ي َؤدي َإل الع َف ِ‬
‫ِ‬
‫اف‪.‬‬ ‫َ‬ ‫الر َض بِال َك َف ُ ِّ‬
‫قال بعض احلكامء‪ِّ :‬‬
‫((( ((فيض القدير))‪.442/2 :‬‬
‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.29/17 :‬‬
‫((( ((املنتقى))‪.471/4 :‬‬
‫((( ((رشح السنن))‪.72/4 :‬‬
‫((( ((عمدة القاري))‪.260/7 :‬‬
‫(‪)85‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫((و ِ‬
‫الغنَى))‪ ،‬أي‪ :‬غنى النفس‪ ،‬واالستغناء عن الناس‪ ،‬وعام يف أيدهيم‪ ،‬فاملؤمن‬ ‫َ‬
‫غني برزق اهلل وعطائه‪ ،‬وإذا استغنى املؤمن باهلل عن خلق اهلل ‪ ..‬أغناه اهلل كام قال‬ ‫ٌ‬
‫‪َ (( :‬و َم ْن َي ْس َتغ ِْن ‪ُ ..‬يغْن ِ ِه اهللُ)) أخرجه البخاري ومسلم وأمحد وغريهم‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر يف ((الفتح))‪َ ((" :‬و َم ْن َي ْس َتغ ِْن))‪ ،‬أي‪ :‬باهلل عمن سواه‪،‬‬
‫وقوله (( ُيغْن ِ ِه))‪ ،‬أي‪ :‬فإنه يعطيه ما يستغني به عن السؤال‪ ،‬وخيلق يف قلبه الغنى‪ ،‬فإن‬
‫(((‬
‫الغنى غنى النفس" اهـ‪.‬‬
‫وقال الباجي يف ((املنتقى))‪َ ((" :‬و َم ْن َي ْس َتغ ِْن ‪ُ ..‬يغْن ِ ِه اهلل)) ُي ِريدُ ‪ -‬واهللُ َأ ْع َل ُم ‪-‬‬
‫يت َِم ُل‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َم ْن َي ْستَع ْن بِ َم عنْدَ ُه م ْن ال َيس ِري َع ْن ا َمل ْس َأ َلة ‪َ ..‬ي ُمدَّ ُه اهلل بِالغنَى م ْن عنْده‪َ ،‬و َ ْ‬
‫(((‬
‫َأ ْن ُي ِريدَ ُي ْغنِي اهلل ُس ْب َحا َن ُه َن ْف َس ُه" اهـ‪.‬‬
‫وقال ال َّت ْي ِم ُّي كام يف ((رشح السنن للسيوطي))‪َ " :‬أ ْي‪َ :‬م ْن َي ْط ُلب ال َع َفاف َو ُه َو‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َْرك ا َمل ْس َأ َلة ‪ُ ..‬ي ْعطيه اهلل ال َع َفاف‪َ ،‬و َم ْن َي ْط ُلب الغنَى م ْن اهلل ‪ُ ..‬ي ْعطه‪َ ،‬و َق َال َب ْع ْ‬
‫ضهم‪:‬‬
‫ال ْستِ ْغنَاء ‪ُ ..‬ي ِع ّف ُه اهللُ‪َ ،‬أ ْي‪:‬‬‫الع َّفة َعن الس َؤال‪ ،‬و َل ي ْظ ِهر ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫ْ ُّ‬
‫معنَاه من َط َلب ِمن َن ْفسه ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َْ ُ َ ْ‬
‫ال ْستِ ْغنَاء َع ْن‬‫يصيه َع ِفيف ًا‪ ،‬ومن تَر َّقى ِمن ه ِذ ِه ا َملر َتبة إِ َل ما هو َأ ْع َل‪ ،‬وهو إِ ْظهار ِ‬
‫َ ُ َ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫ُ َ ِّ ُ‬
‫(((‬
‫اخلَلق ‪َ ..‬ي ْم َل اهللُ َقلبه ِغنى؛ َل ِك ْن إِ ْن ُأ ْعطِ َي َش ْيئ ًا َل ْ َي ُر ّد ُه" اهـ‪.‬‬
‫وقال أبو الطيب يف ((عون املعبود رشح سنن أيب داود))‪َ ((" :‬و َم ْن َي ْس َتغ ِْن))‪،‬‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ي َسب ُه‬
‫الس َؤال َحتَّى َ ْ‬ ‫َأ ْي‪ُ :‬ي ْظ ِهر الغنَى بِال ْست ْغنَاء َع ْن َأ ْم َوال النَّاس‪َ ،‬وال َّت َع ُّفف َع ْن ُّ‬
‫لب؛ ِلَ َّن ِ‬ ‫ي َعل ُه َغنِ ّي ًا‪َ ،‬أ ْي‪ :‬بِال َق ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الغنَى َل ْي َس‬ ‫اجلَاهل َغن ّي ًا م ْن ال َّت َع ُّفف‪ُ ((.‬يغْنه اهللُ))‪َ ،‬أ ْي‪ْ َ :‬‬
‫(((‬
‫َع ْن َك ْث َرة ال َع َرض إِن ََّم ِغنَى النَّ ْفس" اهـ‪.‬‬
‫((( ((فتح الباري))‪.342/11 :‬‬
‫((( ((املنتقى))‪.471/4 :‬‬
‫((( ((رشح السنن))‪.72/4 :‬‬
‫((( ((عون املعبود))‪.206/3 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)86‬‬

‫الغنَى َع ْن َك ْث َر ِة ال َع َر ِ‬
‫ض‪،‬‬ ‫َق َال‪َ (( :‬ليس ِ‬
‫َع ْن النَّبِ ِّي‬
‫ْ َ‬ ‫و َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫س)) أخرجه البخاري ومسلم وأمحد والرتمذي وابن ماجة‬ ‫الغنَى ِغنَى النَّ ْف ِ‬ ‫و َلكِن ِ‬
‫َ َّ‬
‫وغريهم‪.‬‬
‫فقري وقلبه غني ‪ ..‬فهو الغني‪ ،‬ولو عاش‬
‫ولو عاش اإلنسان طيلة عمره ٌ‬
‫غني ًا طامع ًا فيام يف أيدي الناس ‪ ..‬فهو الفقري‪ ،‬واألول صاحب فقر حممود‪ ،‬والثاين‬
‫صاحب فقر مذموم وإن فهم الناس عكس ذلك‪ ،‬قال اإلمام املاوردي يف ((أدب‬
‫َأ َّن ُه َق َال‪ِ :‬م ْن ُن ْب ِل ال َف ْق ِر َأنَّك َل‬ ‫الدنيا والدين))‪َ " :‬و ُر ِو َي َع ْن ُع َم َر ْب ِن اخلَ َّط ِ‬
‫اب‬
‫تدُ َأ َحد ًا َي ْع ِص اهللَ لِ َي ْفت َِق َر ‪.‬‬
‫َِ‬

‫الو َّر ُاق َف َق َال‪:‬‬‫َف َأ َخ َذ ُه َم ْ ُمو ٌد َ‬


‫ِ‬ ‫ـــر َأ َل ت َْز َد ِج ْر‬
‫ـــب ال َف ْق ِ‬ ‫ِ‬
‫ـــو َت ْعت ِ ْ‬
‫َب‬ ‫ـــب ال َغن ِّي َأ ْك َث ُر َل ْ‬
‫َع ْي ُ‬ ‫َيا َعائ َ‬
‫إن َص َّح ِمنْك النَّ َظ ْر‬ ‫الغنَى ْ‬‫َع َل ِ‬ ‫ـــر َو ِم ْن َف ْض ِل ِه‬
‫ف ال َف ْق ِ‬ ‫ِمن َش ِ‬
‫ْ َ‬
‫ـــت َت ْع ِص اهللَ ك َْي َت ْفت َِق ْر‬ ‫َو َل ْس َ‬ ‫الغنَى‬ ‫َـــال ِ‬‫ـــص لِ َتن َ‬
‫ِ‬ ‫َأنَّـــك َت ْع‬

‫َو َق َال ا ْب ُن ا ُمل َق َّف ِع ‪:‬‬


‫ـــر ِم ْن ا ُمل ْث ِري‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َأ َّن َقل َيل ا َملال َخ ْ ٌ‬
‫دلِي ُلك َأ َّن ال َف ْقر َخـــر ِمن ِ‬
‫الغنَى‬ ‫ٌْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ـــى اهللَ بِال َف ْق ِر‬ ‫اؤك َم ْ ُلوق ًا َعـــى اهللَ بِ ِ‬ ‫لِ َق ُ‬
‫َـــر َم ْ ُلوق ًا َع َ‬
‫َو َل ْ ت َ‬ ‫الغنَى‬ ‫َ‬

‫حل ُال إن ََّم ت َِص ُّح َلِ ْن ن ََص َح َن ْف َس ُه َف َأ َطا َع ْت ُه‪َ ،‬و َصدَّ َق َها َف َأ َجا َب ْت ُه‪َ ،‬حتَّى َل َن‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َهذه ا َ‬
‫ان ِعنَا ُد َها ‪.‬‬‫ِق َيا ُد َها‪َ ،‬و َه َ‬
‫ِ‬ ‫َو َع ِل َم ْت َأ َّن َم ْن َل ْ َي ْقن َْع بِال َق ِل ِ‬
‫ص ُّي َإل‬ ‫حل َس ُن ال َب ْ ِ‬ ‫َب ا َ‬ ‫يل َل ْ َي ْقن َْع بِالكَث ِري‪ ،‬ك ََم َكت َ‬
‫اس َت ْغنَى باهللِ ا ْك َت َفى‪َ ،‬و َم ْن ا ْن َق َط َع َإل َغ ْ ِي ِه‬ ‫‪َ :‬يا َأخي‪َ ،‬م ْن ْ‬
‫ِ‬ ‫ُع َم َر ْب ِن َع ْب ِدال َع ِز ِيز‬
‫ي َم ُع‪َ ،‬ف َع َل ْيك ِمن َْها‬ ‫ِِ ِ‬
‫يل الدُّ ْن َيا َل َي ْش َب ُع‪َ ،‬ل ْ ُي ْغنه من َْها َك ْث َر ُة َما َ ْ‬‫َان ِم ْن َق ِل ِ‬ ‫َت َعنَّى‪َ ،‬و َم ْن ك َ‬
‫(‪)87‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ول‪َ ،‬فإِ َّن ِح َسا َب ُه َي ُط ُ‬
‫ول ‪.‬‬ ‫ج َع ال ُف ُض ِ‬ ‫اف‪ ،‬و َأ َلزم َن ْفسك الع َف ِ‬
‫اف‪َ ،‬وإِ َّي َ‬
‫اك َو َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫بِال َك َف ِ‬

‫إن َل ْ ُي ْقنِ ْعك َما َح َو ْيت ‪.‬‬ ‫ات ِمنْك ِ‬ ‫ِ‬


‫الغنَى ْ‬ ‫َو َق َال َب ْع ُض ا ُ‬
‫حلك ََمء‪َ :‬ه ْي َه َ‬
‫ج َح ْت بِ ِه َع ْن َقنَا َع ِة ُز ْه ِد ِه‪َ ،‬ف َل ْي َس‬‫ول ن ُْص ِح ِه‪َ ،‬و َ َ‬ ‫َف َأما م ْن َأ ْعر َض ْت َن ْفس ُه َع ْن َق ُب ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬
‫اض ِة َوا ُمل ُرو َء ِة ‪.‬‬ ‫لح ْم ِل َع َل ْي َها َو ْج ٌه َّإل بِ ِّ‬
‫الر َي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َإل إك َْراه َها َسبِ ٌيل‪َ ،‬و َل ل َ‬
‫اس َت َق َّر ْت َع َل ْي ِه ‪َ ..‬أن َْز َلَا َإل َما‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َأ ْن َي ْس َتن ِْز َلَا َإل ال َيس ِري ا َّلذي َل َتنْف ُر منْ ُه‪َ ،‬فإِ َذا ْ‬
‫اض ِة َوالت َّْم ِر ِ‬
‫ين َع َل‬ ‫الر َي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُه َو َأ َق ُّل ِمنْ ُه؛ لِ َتنْت َِه َي بِالتَّدْ ِر ِ‬
‫يج َإل ال َغا َية ا َمل ْط ُلو َبة‪َ ،‬وت َْستَق ُّر بِ ِّ‬
‫(((‬
‫ال ا َمل ْح ُبو َب ِة" اهـ‪.‬‬ ‫احل ِ‬
‫َ‬
‫َاء َخ ْ ٍي ِم ْن َد َع ٍة‪.‬‬ ‫قال بعض األدباء‪ :‬يا رب ضي ٍق َأ ْفض ِل ِمن سع ٍة‪ ،‬وعن ٍ‬
‫ْ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َّ َ ِّ‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬اخلضوع واللجأ للكريم الوهاب يف سائر األحوال‪.‬‬
‫‪2 .2‬فيه رشف هذه اخلصال األربع‪.‬‬
‫‪3 .3‬املؤمن حريص عىل حتصيل كل ما يقربه من اهلل ‪،‬والبعد عن كل ما حيجبه عنه‬
‫تعاىل‪.‬‬
‫‪4 .4‬اإلستعانة باهلل عىل فعل الطاعة وترك املعصية‪.‬‬
‫‪5 .5‬مهام بلغ اإلنسان من مرتبة يف القرب ال يستغني عن طاعة اهلل وامتثال أمره‬
‫واجتناب هنيه‪.‬‬

‫((( ((أدب الدنيا والدين))‪.270/1 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)88‬‬

‫احلديث العاشر‬

‫ول‪َ (( :‬ل ْو َأ َّنك ُْم َتت ََو َّك ُل َ‬


‫ون َع َل‬ ‫َي ُق ُ‬ ‫َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ول اهللِ‬ ‫َع ْن ُع َم َر‬
‫وح بِ َطانًا)) رواه الرتمذي‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل َح َّق ت ََوكُّله َل َر َز َقك ُْم ك ََم َي ْرز ُُق ال َّط ْ َي‪َ ،‬ت ْغدُ و خَاص ًا‪َ ،‬وت َُر ُ‬
‫وقال حديث حسن‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمـــه‬
‫هو الصحايب اجلليل أمري املؤمنني اخلليفة العادل أبو حفص الفاروق عمر بن‬
‫اخلطاب بن نفيل بن عبدالعزى بن رياح((( ‪ -‬وقيل‪ :‬رباح ‪ ((( -‬بن عبداهلل بن قرط‬
‫ابن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القريش العدوي‪.‬‬
‫وأمه‪ :‬حنتمة بنت هاشم بن املغرية بن عبداهلل بن عمر بن خمزوم‪.‬‬
‫وروى أبو نعيم من طريق ابن إسحاق أهنا بنت هشام أي أهنا أخت أيب جهل‬
‫كام نقل ذلك يف اإلصابة‪.‬‬
‫لكن قال يف ((االستيعاب))‪" :‬وقالت طائفة يف أم عمر‪ :‬حنتمة بنت هشام‬
‫ابن املغرية‪ .‬ومن قال ذلك فقد أخطأ‪ ،‬ولو كانت كذلك لكانت أخت أيب جهل بن‬
‫هشام‪ ،‬واحلارث بن هشام بن املغرية وليس كذلك‪ ،‬وإنام هي ابنة عمهام‪ ،‬فإن هاشم‬

‫((( كام يف ((اإلصابة)) للحافظ ابن حجر‪.‬‬


‫((( كام يف ((االستيعاب)) البن عبدالرب‪.‬‬
‫(‪)89‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ابن املغرية وهشام بن املغرية أخوان‪ ،‬فهاشم والد حنتمة أم عمر وهشام والد احلارث‬
‫(((‬
‫وأيب جهل‪ ،‬وهاشم بن املغرية هذا جد عمر ألمه كان يقال له ذو الرحمني" اهـ‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫مولـــده‬
‫بعد عام الفيل بثالث عرشة سنة‪ ،‬وروى أسامة بن زيد‬ ‫ولد سيدنا عمر‬
‫ابن أسلم عن أبيه عن جده قال‪ :‬سمعت عمر يقول‪ :‬ولدت بعد الفجار األعظم‬
‫بأربع سنني‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫سبب إسالمه‬
‫يدعو بإسالم أحد العمرين عمر بن اخلطاب وعمرو بن‬ ‫كان النبي‬
‫َق َال‪(( :‬ال َّل ُه َّم َأ ِع َّز ا ِ‬
‫إل ْس َل َم‬ ‫ول اهللِ‬‫َأ َّن َر ُس َ‬ ‫هشام (أبوجهل)‪ ،‬ف َع ْن ا ْب ِن ُع َم َر‬
‫َان َأحبهم إِ َل اهللِ‬ ‫ك بِ َأ ِب َج ْه ٍل َأ ْو بِ ُع َم َر ْب ِن َ‬
‫اب)) َفك َ َ ُّ ُ َ‬ ‫اخل َّط ِ‬ ‫الر ُج َل ْ ِ‬
‫ي إِ َل ْي َ‬ ‫ب َه َذ ْي ِن َّ‬ ‫بِ َأ َح ِّ‬
‫اب‪ .‬اخرجه أمحد والرتمذي‪.‬‬ ‫ُع َم َر ْب َن اخلَ َّط ِ‬

‫دعا لسيدنا عمر بن اخلطاب خاصة‪ ،‬ف َع ْن َع ِائ َش َة‬ ‫ويف رواية أنه‬
‫اص ًة)) أخرجه‬ ‫اب َخ َّ‬‫اخل َّط ِ‬ ‫‪(( :‬ال َّل ُه َّم َأ ِع َّز ا ِ‬
‫إل ْس َل َم بِ ُع َم َر ْب ِن َ‬ ‫ول اهللِ‬
‫َقا َل ْت‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ابن ماجة‪.‬‬
‫وقد ذكروا يف قصة إسالمه روايتني‪:‬‬
‫‪ ،‬فقد َق َال ُع َم ُر ْب ُن اخلَ َّط ِ‬
‫اب‬ ‫الرواية األوىل‪ :‬وهي ما حتدث هبا عن نفسه‬
‫َق ْب َل َأ ْن ُأ ْس ِل َم‪َ ،‬ف َو َجدْ ُت ُه َقدْ َس َب َقنِي إِ َل‬ ‫ول اهللِ‬‫‪َ :‬خ َر ْج ُت َأ َت َع َّر ُض َر ُس َ‬
‫يف ال ُقر ِ‬ ‫لت َأ ْعجب ِمن ت َْألِ ِ‬ ‫حلا َّق ِة‪َ ،‬ف َج َع ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫آن‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫اس َت ْفت ََح ُس َ‬
‫ور َة ا َ‬ ‫ا َمل ْسجد‪َ ،‬ف ُق ْم ُت َخل َف ُه‪َ ،‬ف ْ‬
‫ت ُق َر ْي ٌش‪َ .‬ق َال َف َق َر َأ‪ :‬ﱹ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬ ‫لت ه َذا واهللِ َش ِ‬
‫اع ٌر ك ََم َقا َل ْ‬ ‫َق َال‪َ :‬ف ُق ُ َ َ‬

‫((( ((االستيعاب))‪.354/1 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)90‬‬
‫لت ك ِ‬
‫َاه ٌن‪َ .‬ق َال‪ :‬ﱹ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬ ‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﱸ َق َال‪ُ :‬ق ُ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇﮈﮉ ﮊ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮒﮓ ﮔﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫اإل ْس َل ُم ِف َقلبِي ك َُّل َم ْو ِقعٍ‪ .‬أخرجه‬
‫ور ِة‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َو َق َع ِ‬ ‫ِ‬
‫ﮚ ﱸ [احلاقة‪ ]40 :‬إِ َل آخ ِر ُّ‬
‫الس َ‬
‫أمحد والطرباين‪.‬‬
‫الرواية الثانية‪ :‬وهي املعروفة املشهورة‪:‬‬
‫‪ :‬أن رجال من بنى زهرة لقي عمر قبل أن يسلم‬ ‫عن أنس بن مالك‬
‫و هو متقلد بالسيف‪ ،‬فقال‪ :‬إىل أين تعمد؟ قال‪ :‬أريد أن أقتل حممدا‪ .‬قال‪ :‬أفال‬
‫أدلك عىل العجب يا عمر إن ختنك سعيدا و أختك قد صبوا و تركا دينهام الذي‬
‫مها عليه‪ .‬قال‪ :‬فمشى عمر إليهم ذامر ًا حتى إذا دنا من البابقال‪ :‬وكان عندمها‬
‫رجل يقال له‪ :‬خباب يقرئهام سورة طه‪ ،‬فلام سمع خباب بحس عمر ‪ ..‬دخل حتت‬
‫رسير هلام‪ ،‬فدخل عمر فقال‪ :‬ما هذه اهلينمة التي رأيتها عندكام؟ قاال‪ :‬ما عدا حديثا‬
‫حتدثناه بيننا‪ .‬قال‪ :‬لعلكام صبومتا و تركتام دينكام الذي أنتام عليه‪ ،‬فقال له ختنه‬
‫سعيد بن زيد‪ :‬يا عمر أرأيت إن كان احلق يف غري دينك؟ فأقبل عىل ختنه فوطئه‬
‫وطئا شديدا‪ .‬قال‪ :‬فدفعته أخته عن زوجها‪ ،‬فرضب وجهها فأدمى وجهها‪ ،‬فقالت‬
‫وهي غضبى‪ :‬يا عمر أرأيت إن كان احلق يف غري دينك؟ اشهد أن ال إله إال اهلل‪،‬‬
‫واشهد أن حممدا رسول اهلل قال‪ :‬فلام يئس عمر قال‪ :‬أعطوين هذا الكتاب الذي‬
‫عندكم فأقرأه‪ ،‬فقالت أخته‪ :‬إنك رجس و ال يمسه إال املطهرون‪ ،‬قم فاغتسل‬
‫أو توضأ‪ ،‬فقام فتوضأ‪ ،‬ثم أخذ الكتاب‪ ،‬فقرا طه حتى انتهى إىل قوله‪ :‬ﱹ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﱸ [طه‪ ،]14 :‬فقال عمر‪ :‬دلوين عىل‬
‫حممد‪ ،‬فلام سمع خباب قول عمر ‪ ..‬خرج من البيت‪ ،‬فقال ابرش يا عمر‪ ،‬فإين أرجو‬
‫(‪)91‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫لك ليلة اخلميس‪(( :‬اللهم أعز اإلسالم بعمر بن‬ ‫أن تكون دعوة رسول اهلل‬
‫يف الدار التي يف أصل الصفا‪،‬‬ ‫اخلطاب أو بعمرو بن هشام))‪ ،‬قال‪ :‬ورسول اهلل‬
‫فانطلق عمر حتى أتى الدار‪ ،‬قال‪ :‬وعىل الباب محزة وطلحة وناس من أصحاب‬
‫‪ ،‬فلام رأى محزة وجل الناس من عمر ‪ ..‬قال محزة‪ :‬نعم هذا عمر‪،‬‬ ‫رسول اهلل‬
‫‪ ،‬وإن يرد غري ذلك ‪ ..‬يكن قتله علينا‬ ‫فإن يرد اهلل بعمر خريا‪ ..‬يسلم ويتبع النبي‬
‫حتى أتى عمر‪،‬‬ ‫داخل يوحى إليه‪ .‬قال‪ :‬فقام رسول اهلل‬ ‫هينا‪ .‬قال‪ :‬والنبي‬
‫فأخذ بمجامع ثوبه ومحائل السيف‪ ،‬فقال‪(( :‬ما أنت منتهيا يا عمر حتى ينزل اهلل‬
‫‪ -‬يعني بك‪ -‬من اخلزي والنكال ما نزل بالوليد بن املغرية‪ ،‬اللهم هذا عمر بن‬
‫اخلطاب‪ ،‬اللهم أعز الدين بعمر بن اخلطاب))‪ ،‬فقال عمر‪ :‬أشهد أنك رسول اهلل‬
‫فأسلم‪ ،‬وقال‪ :‬أخرج يا رسول اهلل‪ .‬أخرجه احلاكم‪.‬‬
‫قال أهل السري‪ :‬أسلم عمر وهو ابن ست وعرشين سنة بعد أربعني رجالً‪،‬‬
‫وقال سعيد بن املسيب‪ :‬بعد أربعني رجال‪ ،‬وعرش نسوة‪.‬‬
‫وقال عبداهلل بن ثعلبة بن صعري‪ :‬بعد مخسة وأربعني رج ً‬
‫ال وإحدى عرشة‬
‫امرأة‪.‬‬
‫فقال‪:‬‬ ‫وعن داود بن احلصني والزهري قاال‪ :‬ملا أسلم عمر نزل جربيل‬
‫يا حممد استبرش أهل السامء بإسالم عمر‪.‬‬
‫وقال ابن مسعود‪ :‬ما زلنا أعزة مند أسلم عمر‪.‬‬
‫وقال صهيب‪ :‬ملا أسلم عمر ‪ ..‬جلسنا حول البيت حلق ًا وطفن ًا وانتصفنا ممن‬
‫غلظ علينا‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)92‬‬

‫‪:‬‬ ‫ما ورد في فضله‬


‫أبيض اللون أمهق تعلوه محرة‪ ،‬طوي ً‬
‫ال أصلع‪ ،‬أجلح‬ ‫كان أمري املؤمنني‬
‫شديد محرة العني يف عارضه خفة‪.‬‬
‫وقال وهب‪ :‬صفته يف التوراة "قرن من حديد أمري شديد"‪.‬‬
‫َان فِ َيم َم َض َق ْب َلك ُْم‬
‫َق َال‪(( :‬إِ َّن ُه َقدْ ك َ‬ ‫َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫و َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫اب)) أخرجه‬ ‫َان ِف ُأ َّمتِي َه ِذ ِه ِمن ُْه ْم َفإِ َّن ُه ُع َم ُر ْب ُن َ‬
‫اخل َّط ِ‬ ‫ون‪َ ،‬وإِ َّن ُه إِ ْن ك َ‬ ‫ِم ْن األُ َم ِم ُمَدَّ ُث َ‬
‫البخاري‪.‬‬
‫ُون‬
‫َان َيك ُ‬ ‫ول‪َ (( :‬قدْ ك َ‬ ‫َأ َّن ُه ك َ‬
‫َان َي ُق ُ‬ ‫َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫ويف رواية َع ْن َع ِائ َش َة‬
‫م))‬
‫اخل َّط ِ ِ‬
‫ون َفإِ ْن َيك ُْن ِف ُأ َّمتِي ِمن ُْه ْم َأ َحدٌ َفإِ َّن ُع َم َر ْب َن َ‬‫ِف األُ َم ِم َق ْب َلك ُْم ُمَدَّ ُث َ‬
‫اب من ُْه ْ‬
‫أخرجه مسلم‪.‬‬
‫ون َفإِ ْن َيك ُْن ِم ْن‬
‫َان ِف األُ َم ِم ُمَدَّ ُث َ‬
‫ويف لفظ هلا عند اإلمام أمحد‪َ (( :‬ق َال َقدْ ك َ‬
‫ُأ َّمتِي َف ُع َم ُر))‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫ول اهللِ‬ ‫‪ ،‬فقد َق َال َل ُه َر ُس ُ‬ ‫وقد كان الشيطان يفرق من ظل عمر‬
‫ك َف ّج ًا َغ ْ َي َف ِّج َ‬
‫ك))‪.‬‬ ‫ان َق ُّط َسالِك ًا َف ّج ًا إِ َّل َس َل َ‬
‫الش ْي َط ُ‬
‫ك َّ‬‫(( َوا َّل ِذي َن ْف ِس بِ َي ِد ِه َما َل ِق َي َ‬
‫أخرجه البخاري ومسلم وأمحد‪.‬‬
‫منه الدعاء‪ ،‬ف َع ِن ا ْب ِن‬ ‫ويكفيه من الفخر والرشف أن يطلب رسول اهلل‬
‫ش ْكنَا ِف‬ ‫ِف ال ُع ْم َر ِة َف َأ ِذ َن َل ُه َف َق َال‪َ (( :‬يا َأ ِخي َأ ْ ِ‬ ‫است َْأ َذ َن النَّبِ َّي‬
‫َأ َّن ُع َم َر ْ‬ ‫ُع َم َر‬
‫ك َو َل َتن َْسنَا)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫َصالِحِ ُد َعائِ َ‬

‫اجلن َِّة)) أخرجه‬ ‫س ْا ُج َأ ْه ِل َ‬‫اب َ‬


‫اخل َّط ِ ِ‬ ‫وقد قال فيه رسول اهلل ‪ُ (( :‬ع َم ُر ْب ُن َ‬
‫(‪)93‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫احلاكم وابو نعيم وابن عساكر‪.‬‬
‫‪َ (( :‬أ ْر َح ُم ُأ َّمتِي بِ ُأ َّمتِي َأ ُبو َبك ٍْر‪،‬‬ ‫ول اهللِ‬
‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َس ْب ِن َمالِ ٍك‬
‫و َع ْن َأن ِ‬
‫َو َأ َشدُّ ُه ْم ِف َأ ْم ِر اهللِ ُع َم ُر)) أخرجه الرتمذي والنسائي‪.‬‬
‫ني ِف‬ ‫ت النَّاس ُ ْ ِ ِ‬ ‫َق َال‪َ (( :‬ر َأ ْي ُ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫َأ َّن َر ُس َ‬ ‫و َع ْن َع ْب ِداهللِ بن عمر‬
‫متَمع َ‬ ‫َ‬
‫ف واهللُ َيغ ِْف ُر َل ُه‪ُ ،‬ث َّم‬
‫ض َنز ِْع ِه َض ْع ٌ‬ ‫ي َو ِف َب ْع ِ‬ ‫ص ِع ٍ‬
‫يد‪َ ،‬ف َقا َم َأ ُبو َبك ٍْر َفنَز ََع َذنُوب ًا َأ ْو َذنُو َب ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ض َب‬ ‫َّاس َي ْف ِري َف ِر َّي ُه َحتَّى َ َ‬‫ت بِ َي ِد ِه َغ ْرب ًا َف َل ْم َأ َر َع ْب َق ِر ّي ًا ِف الن ِ‬ ‫َأ َخ َذ َها ُع َم ُر َف ْ‬
‫است ََحا َل ْ‬
‫َّاس بِ َع َط ٍن)) أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫الن ُ‬
‫َي ْف ِري َف ِر َّي ُه‪ :‬أي يعمل عمله البالغ‪،‬‬
‫َّاس بِ َع َط ٍن‪ :‬هو مناخ اإلبل إذا رشبت ثم صدرت‪.‬‬
‫ض َب الن ُ‬
‫وحتَّى َ َ‬
‫َ‬
‫يت‬ ‫َق َال‪َ (( :‬ب ْينَا َأنَا نَائِ ٌم ُأتِ ُ‬ ‫و َع ْن َع ْب ِداهللِ ْب ِن ُع َم َر َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ول اهللِ‬

‫ت َف ْض ِل ُع َم َر‬ ‫ي ُر ُج ِف َأ ْظ َف ِ‬
‫اري‪ُ ،‬ث َّم َأ ْع َط ْي ُ‬ ‫ي َْ‬ ‫ت َحتَّى إِ ِّن َلَ َرى ِّ‬
‫الر َّ‬ ‫ش ْب ُ‬ ‫بِ َقدَ حِ َل َب ٍن َف َ ِ‬
‫ِ‬ ‫اب)) َقا ُلوا‪َ :‬فم َأول َته يا رس َ ِ‬ ‫اخل َّط ِ‬‫ْب َن َ‬
‫لم))‪ .‬أخرجه البخاري وأمحد‪.‬‬ ‫ول اهلل‪َ .‬ق َال‪(( :‬الع َ‬ ‫َ َّ ُ َ َ ُ‬
‫سبب تسميته بذلك كام يف‬ ‫بالفاروق‪ ،‬وقد ذكر‬ ‫وقد سامه رسول اهلل‬
‫رواية أيب نعيم حني ذكر قصة إسالمه وفيها‪" :‬فقلت‪ :‬يا رسول اهلل ألسنا عىل احلق‬
‫إن متنا وإن حيينا؟ قال‪(( :‬بىل والذى نفيس بيده إنكم عىل احلق إن متم وإن حييتم))‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ففيم االختفاء؟ والذى بعثك باحلق لتخرجن‪ ،‬فأخرجناه يف صفني‪ :‬محزة يف‬
‫أحدمها‪ ،‬وأنا يف اآلخر‪ ،‬له كديد ككديد الطحني حتى دخلنا املسجد‪ ،‬فنظرت إ ّيل‬
‫يومئذ‬ ‫قريش وإىل محزة‪ ،‬فأصابتهم كآبة مل يصبهم مثلها‪ ،‬فسامنى رسول اهلل‬
‫الفاروق‪ ،‬وفرق اهلل يب بني احلق والباطل))‪.‬‬
‫وأرضاه‪،‬‬ ‫وقد نزل القرآن بموافقة ما قاله أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)94‬‬
‫‪ :‬وا َف ْق ُت رب ِف َث َل ٍ‬
‫ث‪َ ،‬ف ُق ُ‬
‫لت‪:‬‬ ‫اب‬‫َس ْب ِن َمالِ ٍك َق َال‪َ :‬ق َال ُع َم ُر ْب ُن اخلَ َّط ِ‬‫ف َع ْن َأن ِ‬
‫َ ِّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يا رس َ ِ‬
‫ت‪ :‬ﱹ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬ ‫ول اهلل َل ْو َّات َْذنَا م ْن َم َقا ِم إِ ْب َراه َ‬
‫يم ُم َصلًّ ‪َ ،‬فن ََز َل ْ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ﯧ ﱸ [البقرة‪.]125 :‬‬
‫ول اهللِ َل ْو َأمر َت نِساء َك َأ ْن َيت ِ‬
‫َج ْب َن‪َ ،‬فإِ َّن ُه ُي َك ِّل ُم ُه َّن‬ ‫لت‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫اب‪ُ ،‬ق ُ‬ ‫احل َج ِ‬ ‫وآي ُة ِ‬
‫َ َ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬
‫لت‬ ‫ِف ال َغ ْ َي ِة َع َل ْي ِه‪َ ،‬ف ُق ُ‬ ‫اجت ََم َع نِ َسا ُء النَّبِ ِّي‬ ‫احل َج ِ‬
‫اب َو ْ‬
‫اجر‪َ ،‬فن ََز َل ْت آي ُة ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الب َوال َف ُ‬
‫َ ُّ‬
‫َل ُ َّن‪ :‬ﱹ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﱸ [التحريم‪َ ]5 :‬فن ََز َل ْت َه ِذ ِه اآل َي ُة‪.‬‬
‫أخرجه البخاري‪.‬‬
‫مبارشة‪ ،‬قال محزة بن‬ ‫وقد توىل اخلالفة بعد سيدنا أيب بكر الصديق‬
‫عمرو‪ :‬تويف أبوبكر مساء ليلة الثالثاء لثامن بقني من مجادى اآلخرة من سنة ثالث‬
‫عرشة‪ ،‬فاستقبل عمر بخالفته يوم الثالثاء صبيحة موت أيب بكر‪.‬‬
‫ٍ‬
‫رجل من‬ ‫وقد قام فيها بالعدل و َأ ْح َس ِن ِس ْ َي ٍة‪ ،‬وأنزل نفسه من مال اهلل بمنزلة‬
‫الناس‪.‬‬
‫قال‪ :‬أن عمر رس َد الصوم‬ ‫وكان زاهد ًا متواضع ًا عابد ًا‪ ،‬فعن ابن عمر‬
‫قبل موته بسنتني‪ .‬أخرجه ابن أيب شيبة‬
‫وعن سعيد بن املسيب قال‪ :‬كان عمر حيب الصالة يف جوف الليل‪ ،‬يعني يف‬
‫وسط الليل‪.‬‬
‫وله من املناقب والفضائل ما تعجز األقالم عن كتابتها‪ ،‬واألوراق عن سعتها‪.‬‬
‫وقد ذكر أهل العلم‪ :‬أنه ملا أسلم عمر عز اإلسالم‪ ،‬وهاجر جهر ًا‪ ،‬وشهد‬
‫بدر ًا وأحد ًا واملشاهد كلها‪ ،‬وهو أول خليفة دعي بأمري املؤمنني‪ ،‬وأول من كتب‬
‫التاريخ للمسلمني‪ ،‬و أول من مجع القرآن يف املصحف‪ ،‬وأول من مجع الناس عىل‬
‫(‪)95‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫صالة الرتاويح‪ ،‬و أول من عس يف عمله‪ ،‬ومحل الدرة وأدب هبا‪ ،‬وفتح الفتوح‪،‬‬
‫ودون الديوان‪ ،‬وفرض‬
‫ومص األمصار‪ ،‬واستقىص القضاة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ووضع اخلراج‪،‬‬
‫وأرضاه‪.‬‬ ‫األعطية‪ ،‬وحج بأزواج رسول اهلل يف آخر حجة حجها‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتــــــه‬
‫وأرضاه‪ ،‬ف َع ْن َع ْم ِرو ْب ِن‬ ‫ولنذكر ما ورد يف الصحيح من قصة وفاته‬
‫ف َع َل‬ ‫اب بِ َأ َّيا ٍم بِا َمل ِدين َِة َو َق َ‬ ‫َق ْب َل َأ ْن ُي َص َ‬ ‫اب‬ ‫ون َق َال‪َ :‬ر َأ ْي ُت ُع َم َر ْب َن اخلَ َّط ِ‬ ‫ميم ٍ‬
‫َُْ‬
‫ف َفعلتُم َأ َتَا َف ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫حلت َُم‬ ‫ان َأ ْن َتكُونَا َقدْ َ َّ‬ ‫ُح َذ ْي َف َة ْب ِن ال َي َمن َو ُع ْث َم َن ْب ِن ُحنَ ْيف َق َال‪َ :‬ك ْي َ َ َ‬
‫َاها َأ ْمر ًا ِه َي َل ُه ُمطِي َق ٌة َما فِ َيها كَبِ ُري َف ْض ٍل‪َ .‬ق َال‪ :‬ا ْن ُظ َرا‬ ‫حلن َ‬ ‫األَ ْر َض َما َل تُطِ ُيق؟ َق َال َ َّ‬
‫حلت َُم األَ ْر َض َما َل تُطِ ُيق؟ َق َال‪َ :‬ق َال َل‪َ ،‬ف َق َال ُع َم ُر‪َ :‬ل ِئ ْن َس َّل َمنِي اهلل‬ ‫َأ ْن َتكُونَا َ َّ‬
‫َت َع َل ْي ِه إِ َّل‬ ‫يت َْج َن إِ َل َر ُج ٍل َب ْع ِدي َأ َبدً ا‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َم َأت ْ‬ ‫ِ ِ‬
‫َلَ َد َع َّن َأ َرام َل َأ ْه ِل الع َراق َل َ ْ‬
‫ِ‬

‫يب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اس َغدَ ا َة ُأص َ‬ ‫يب‪َ .‬ق َال‪ :‬إِ ِّن َل َق ِائ ٌم َما َب ْينِي َو َب ْينَ ُه إِ َّل َع ْبدُ اهللِ ْب ُن َع َّب ٍ‬ ‫ِ‬
‫َرابِ َع ٌة َحتَّى ُأص َ‬
‫ِ‬ ‫الص َّف ْ ِ‬
‫َب‪،‬‬‫‪،‬حتَّى إِ َذا َل ْ َي َر ف ِيه َّن َخ َل ًل ‪َ ..‬ت َقدَّ َم َفك َّ َ‬ ‫است َُووا َ‬ ‫ي َق َال‪ْ :‬‬ ‫ي َّ‬ ‫َان إِ َذا َم َّر َب ْ َ‬
‫َوك َ‬
‫يت َِم َع‬ ‫ول‪َ ،‬حتَّى َ ْ‬ ‫الر ْك َع ِة األُ َ‬ ‫ِ‬
‫ف‪َ ،‬أ ْو الن َّْح َل‪َ ،‬أ ْو ن َْح َو َذل َك ِف َّ‬ ‫وس َ‬ ‫ور َة ُي ُ‬ ‫َو ُر َّب َم َق َر َأ ُس َ‬
‫ني َط َعنَ ُه‪،‬‬ ‫َلب‪ِ ،‬ح َ‬ ‫ِ‬
‫ول‪َ :‬ق َت َلني َأ ْو َأ َك َلني الك ُ‬
‫ِ‬ ‫َب ‪َ ..‬ف َس ِم ْع ُت ُه َي ُق ُ‬ ‫َّاس‪َ ،‬ف َم ُه َو إِ َّل َأ ْن ك َّ َ‬ ‫الن ُ‬
‫ي‪ ،‬لَ َي ُم ُّر َع َل َأ َح ٍد َي ِمين ًا َولَ ِش َم ًال إِلَّ َط َعنَ ُه‪َ ،‬حتَّى‬ ‫ات َط َر َف ِ ْ‬ ‫العلج((( بِ ِسك ٍِّني َذ ِ‬
‫ُ‬
‫َف َطار ِ‬
‫َ‬
‫ني ‪َ ..‬ط َر َح‬ ‫ات ِمن ُْه ْم َس ْب َع ٌة‪َ ،‬ف َل َّم َر َأى َذلِ َك َر ُج ٌل ِم ْن ا ُمل ْس ِل ِم َ‬ ‫ال َم َ‬ ‫ش َر ُج ً‬ ‫َط َع َن َث َل َث َة َع َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ح ِن‬ ‫الر َ ْ‬ ‫َاو َل ُع َم ُر َيدَ َع ْبد َّ‬ ‫‪،‬و َتن َ‬ ‫لج َأ َّن ُه َم ْأ ُخو ٌذ ‪ ..‬ن ََح َر َن ْف َس ُه َ‬ ‫َع َل ْيه ُب ْرن ًُسا‪َ (((،‬ف َل َّم َظ َّن الع ُ‬
‫احي ا َمل ْس ِج ِد ‪َ ..‬فإِ َّنُ ْم َل‬ ‫ف َف َقدَّ مه‪َ ،‬فمن ي ِل ُعمر َف َقدْ ر َأى ا َّل ِذي َأرى‪ ،‬و َأما نَو ِ‬
‫َ َ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َُ َ ْ َ‬
‫ب ِن َعو ٍ‬
‫ْ ْ‬
‫ان اهلل‪َ ،‬ف َص َّل‬ ‫ان اهلل ُس ْب َح َ‬ ‫ون ُس ْب َح َ‬ ‫ون َغ ْ َي َأ َّنُ ْم َقدْ َف َقدُ وا َص ْو َت ُع َم َر َو ُه ْم َي ُقو ُل َ‬ ‫َيدْ ُر َ‬

‫((( العلج‪ :‬القوي الضخم‪ ،‬وهو أبو لؤلؤة املجويس فريوز غالم املغرية بن شعبة‪.‬‬
‫((( وهي قلنسوة طويلة وقيل كساء جيعله الرجل يف رأسه‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)96‬‬

‫اس ا ْن ُظ ْر َم ْن َق َت َلنِي‪،‬‬ ‫ْص ُفوا ‪َ ..‬ق َال‪َ :‬يا ا ْب َن َع َّب ٍ‬ ‫ِ‬


‫ح ِن َص َل ًة َخفي َف ًة‪َ ،‬ف َل َّم ان َ َ‬ ‫ِبِ ْم َع ْبدُ َّ‬
‫الر ْ َ‬
‫الصن َُع؟((( َق َال‪َ :‬ن َع ْم‪َ .‬ق َال‪َ :‬قا َت َل ُه‬ ‫ِ ِ‬
‫َف َج َال َسا َع ًة‪ُ ،‬ث َّم َجا َء َف َق َال‪ُ :‬غ َل ُم ا ُملغ َرية‪َ .‬ق َال‪َّ :‬‬
‫اإل ْس َل َم‪،‬‬ ‫ي َعل ِميتَتِي بِ َي ِد َر ُج ٍل َيدَّ ِعي ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫حل ْمدُ هلل ا َّلذي َل ْ َ ْ‬
‫ِ‬
‫اهلل َل َقدْ َأ َم ْر ُت بِه َم ْع ُرو ًفا‪ ،‬ا َ‬
‫اس َأ ْك َث َر ُه ْم َر ِقي ًقا‪،‬‬ ‫َان ال َع َّب ُ‬ ‫وج بِا َمل ِدين َِة‪َ ،‬وك َ‬ ‫ْت و َأب َ ِ ِ‬
‫وك ُت َّبان َأ ْن َت ْك ُث َر ال ُع ُل ُ‬ ‫َقدْ ُكن َْت َأن َ َ ُ‬
‫لت؟ َأ ْي إِ ْن ِش ْئ َت َقتَلنَا‪َ .‬ق َال‪ :‬ك ََذ ْب َت َب ْعدَ َما َت َك َّل ُموا بِ ِل َسانِك ُْم‪،‬‬ ‫َف َق َال‪ :‬إِ ْن ِش ْئ َت َف َع ُ‬
‫ِِ‬ ‫وص َّلوا ِقب َل َتكُم‪ ،‬وحجوا حجكُم‪َ ،‬ف ِ‬
‫َّاس َل ْ‬ ‫احتُم َل إِ َل َب ْيته‪َ ،‬فا ْن َط َل ْقنَا َم َع ُه‪َ ،‬وك ََأ َّن الن َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ ْ ْ َ َ ُّ َ َّ ْ‬
‫ِ‬ ‫ول‪َ :‬ل َب ْأ َس‪َ ،‬و َق ِائ ٌل َي ُق ُ‬ ‫ت ُِص ْب ُه ْم ُم ِصي َب ٌة َق ْب َل َي ْو َم ِئ ٍذ‪َ ،‬ف َق ِائ ٌل َي ُق ُ‬
‫ت‬ ‫اف َع َل ْيه‪َ ،‬ف ُأ ِ َ‬ ‫ول‪َ :‬أ َخ ُ‬
‫ش َب ُه‪َ ،‬ف َخ َر َج ِم ْن ُج ْر ِح ِه‪َ ،‬ف َع ِل ُموا َأ َّن ُه‬ ‫ت بِ َل َب ٍن َف َ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ش َب ُه‪َ ،‬ف َخ َر َج م ْن َج ْوفه‪ُ ،‬ث َّم ُأ ِ َ‬ ‫يذ َف َ ِ‬ ‫بِنَبِ ٍ‬

‫اب َف َق َال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ُون َع َل ْيه‪َ ،‬و َجا َء َر ُج ٌل َش ٌّ‬ ‫َّاس‪َ ،‬ف َج َع ُلوا ُي ْثن َ‬ ‫َم ِّي ٌت‪َ ،‬فدَ َخلنَا َع َل ْيه‪َ ،‬و َجا َء الن ُ‬
‫ول اهللِ ‪َ ،‬و َقدَ ٍم ِف ِ‬ ‫ني بِ ُب ْشى اهللِ َل َك ِم ْن ُص ْح َب ِة رس ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإل ْس َل ِم‬ ‫َ ُ‬ ‫ش َيا َأم َري ا ُمل ْؤمن َ َ‬ ‫َأ ْب ْ‬
‫اف َل َع َ َّل َو َل‬ ‫لت‪ُ ،‬ث َّم َش َها َدةٌ‪َ .‬ق َال‪َ :‬و ِد ْد ُت َأ َّن َذلِ َك َك َف ٌ‬ ‫يت َف َعدَ َ‬ ‫َما َقدْ َع ِل ْم َت‪ُ ،‬ث َّم َولِ َ‬
‫ِل‪َ ،‬ف َل َّم َأ ْد َب َر إِ َذا إِ َز ُار ُه َي َم ُّس األَ ْر َض‪َ .‬ق َال ُر ُّدوا َع َ َّل ال ُغ َل َم‪َ .‬ق َال‪َ :‬يا ا ْب َن َأ ِخي ْار َف ْع‬
‫َث ْو َب َك‪َ ،‬فإِ َّن ُه َأ ْب َقى لِ َث ْوبِ َك َو َأ ْت َقى لِ َر ِّب َك‪َ ،‬يا َع ْبدَ اهللِ ْب َن ُع َم َر ا ْن ُظ ْر َما َع َ َّل ِم ْن الدَّ ْي ِن‪،‬‬
‫آل ُع َم َر َف َأ ِّد ِه ِم ْن‬ ‫ني َألف ًا َأ ْو ن َْح َو ُه‪َ .‬ق َال‪ :‬إِ ْن َو َف َل ُه م ُال ِ‬
‫َ‬ ‫َف َح َس ُبو ُه َف َو َجدُ و ُه ِس َّت ًة َو َث َمنِ َ‬
‫ش‪،‬‬ ‫َف َأ ْم َو ُال ُ ْم ‪َ ..‬ف َسل ِف ُق َر ْي ٍ‬ ‫ب‪َ ،‬فإِ ْن َل ت ِ‬ ‫ال ْم‪َ ،‬وإِ َّل‪َ ..‬ف َسل ِف َبنِي َع ِد ِّي ْب ِن َك ْع ٍ‬ ‫َأمو ِ‬
‫ْ‬ ‫َْ‬
‫ني‪َ ،‬ف ُقل‪َ :‬ي ْق َر ُأ‬ ‫َو َل َت ْعدُ ُه ْم إِ َل َغ ْ ِي ِه ْم‪َ ،‬ف َأ ِّد َعنِّي َه َذا ا َمل َال‪ ،‬ا ْن َط ِل ْق إِ َل َع ِائ َش َة ُأ ِّم ا ُمل ْؤ ِمنِ َ‬
‫ني َأ ِم ًريا‪َ ،‬و ُقل‪:‬‬ ‫لم ْؤ ِمنِ َ‬ ‫ِ‬
‫ني َفإِ ِّن َل ْس ُت ال َي ْو َم ل ُ‬ ‫الس َل َم‪َ ،‬و َل َت ُقل‪َ :‬أ ِم ُري ا ُمل ْؤ ِمنِ َ‬ ‫ِ‬
‫َع َل ْيك ُع َم ُر َّ‬
‫است َْأ َذ َن‪ُ ،‬ث َّم َد َخ َل َع َل ْي َها‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫َي ْست َْأ ِذ ُن ُع َم ُر ْب ُن اخلَ َّط ِ‬
‫اب َأ ْن ُيدْ َف َن َم َع َصاح َب ْيه‪َ ،‬ف َس َّل َم َو ْ‬
‫الس َل َم‪َ ،‬و َي ْست َْأ ِذ ُن َأ ْن‬ ‫اب َّ‬ ‫اعدَ ًة َت ْب ِكي‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ي ْق َر ُأ َع َل ْي ِك ُع َم ُر ْب ُن اخلَ َّط ِ‬ ‫َفوجدَ ها َق ِ‬
‫َ َ َ‬
‫اح َب ْي ِه‪َ ،‬ف َقا َل ْت‪ُ :‬كن ُْت ُأ ِريدُ ُه لِنَ ْف ِس‪َ ،‬و َلُوثِ َر َّن بِ ِه ال َي ْو َم َع َل َن ْف ِس‪َ ،‬ف َل َّم‬ ‫يدْ َفن مع ص ِ‬
‫ُ َ َ َ َ‬

‫((( أي‪ :‬الصانع احلاذق يف صناعته‪.‬‬


‫(‪)97‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ون‪َ ،‬ف َأ ْسنَدَ ُه َر ُج ٌل إِ َل ْي ِه‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ما‬
‫َأ ْق َب َل ‪ِ ..‬ق َيل َه َذا َع ْبدُ اهللِ ْب ُن ُع َم َر َقدْ َجا َء‪َ .‬ق َال‪ْ :‬ار َف ُع ِ‬
‫ش ٍء َأ َه ُّم‬ ‫َت‪َ .‬ق َال‪ :‬احلمدُ هللِ ما ك َ ِ‬
‫َان م ْن َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ني َأ ِذن ْ‬
‫ب َيا َأ ِم َري ا ُمل ْؤ ِمنِ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫َلدَ ْي َك؟ َق َال‪ :‬ا َّلذي ُت ُّ‬
‫اب‪،‬‬ ‫ون‪ُ ،‬ث َّم َس ِّل ْم َف ُقل‪َ :‬ي ْست َْأ ِذ ُن ُع َم ُر ْب ُن اخلَ َّط ِ‬ ‫احِ ُل ِ‬‫إِ َ َّل ِم ْن َذلِ َك‪َ ،‬فإِ َذا َأنَا َق َض ْي ُت ‪َ ..‬ف ْ‬
‫ني‪َ ،‬و َجا َء ْت ُأ ُّم‬ ‫ون إِ َل َم َقابِ ِر ا ُمل ْس ِل ِم َ‬
‫ون‪َ ،‬وإِ ْن َر َّدتْنِي ‪ُ ..‬ر ُّد ِ‬ ‫َت ِل ‪َ ..‬ف َأ ْد ِخ ُل ِ‬ ‫َفإِ ْن َأ ِذن ْ‬
‫َت ِعنْدَ ُه‬ ‫ل ْت َع َل ْي ِه َف َبك ْ‬ ‫َاها ‪ُ ..‬ق ْمنَا‪َ ،‬ف َو َ َ‬
‫ِ‬
‫ني َح ْف َص ُة َوالن َِّسا ُء تَس ُري َم َع َها‪َ ،‬ف َل َّم َر َأ ْين َ‬ ‫ا ُمل ْؤ ِمنِ َ‬
‫ال َلم‪َ ،‬فس ِمعنَا بكَاءها ِمن الدَّ ِ‬ ‫ِ‬
‫اخ ِل‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪:‬‬ ‫ل ْت َداخ ً ُ ْ َ ْ ُ َ َ ْ‬ ‫الر َج ُال‪َ ،‬ف َو َ َ‬ ‫است َْأ َذ َن ِّ‬ ‫َسا َع ًة‪َ ،‬و ْ‬
‫ف‪َ .‬ق َال‪َ :‬ما َأ ِجدُ َأ َحد ًا َأ َح َّق ِ َب َذا األَ ْم ِر ِم ْن َه ُؤ َل ِء النَّ َف ِر‬ ‫َخ ِل ْ‬ ‫است ْ‬ ‫ني ْ‬‫ص َيا َأ ِم َري ا ُمل ْؤ ِمنِ َ‬ ‫َأ ْو ِ‬
‫اض‪َ ،‬ف َس َّمى َع ِل ّي ًا َو ُع ْث َم َن َو ُّ‬
‫الز َب ْ َي‬ ‫َو ُه َو َعن ُْه ْم َر ٍ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫ط ا َّل ِذي َن ت ُُو ِّ َف َر ُس ُ‬ ‫َأو الره ِ‬
‫ْ َّ ْ‬
‫ح ِن‪َ ،‬و َق َال َي ْش َهدُ ك ُْم َع ْبدُ اهللِ ْب ُن ُع َم َر َو َل ْي َس َل ُه ِم ْن األَ ْم ِر‬ ‫الر ْ َ‬‫لح َة َو َس ْعد ًا َو َع ْبدَ َّ‬ ‫َو َط َ‬
‫اك‪َ ،‬وإِ َّل ‪َ ..‬فل َي ْست َِع ْن بِ ِه‬ ‫اإل ْم َر ُة َس ْعدً ا ‪َ ..‬ف ُه َو َذ َ‬‫ش ٌء ك ََه ْي َئ ِة ال َّت ْع ِز َي ِة َل ُه‪َ ،‬فإِ ْن َأ َصا َب ْت ِ‬ ‫َ ْ‬
‫وص اخلَ ِلي َف َة ِم ْن َب ْع ِدي‬ ‫َأيكُم ما ُأمر‪َ ،‬فإِ ِّن َل َأ ْع ِزله َعن َعج ٍز‪ ،‬و َل ِخيان ٍَة‪ ،‬و َق َال‪ُ :‬أ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ ْ َ ِّ َ‬
‫ار‬ ‫وص ِيه بِاألَن َْص ِ‬ ‫ف َلم ح َّقهم و َي َف َظ َلم حرمتَهم و ُأ ِ‬
‫ُْ ُْ َ ُ ْ َ‬ ‫ني َأ ْن َي ْع ِر َ ُ ْ َ ُ ْ َ ْ‬ ‫اج ِري َن األَ َّولِ َ‬ ‫بِا ُمل َه ِ‬
‫َخ ْ ًيا ﱹ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﱸ [احلرش‪.]9 :‬‬
‫ار َخ ْ ًيا‪،‬‬ ‫وص ِيه بِ َأ ْه ِل األَ ْم َص ِ‬ ‫َأ ْن ي ْقب َل ِمن ُم ْ ِسنِ ِهم‪ ،‬و َأ ْن يع َفى َعن م ِس ِيئ ِهم‪ ،‬و ُأ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ َ ُْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬
‫ال‪َ ،‬و َغ ْي ُظ ال َعدُ ِّو‪َ ،‬و َأ ْن َل ُي ْؤ َخ َذ ِمن ُْه ْم إِ َّل َف ْض ُل ُه ْم َع ْن‬ ‫اإلس َل ِم‪َ ،‬و ُج َبا ُة ا َمل ِ‬
‫َفإِ َّنُ ْم ِر ْد ُء ِ ْ‬
‫ب‪َ ،‬و َما َّد ُة ِ‬
‫اإل ْس َل ِم‪َ ،‬أ ْن ُي ْؤ َخ َذ‬ ‫اب َخ ْ ًيا‪َ ،‬فإِ َّنُ ْم َأ ْص ُل ال َع َر ِ‬ ‫وص ِيه بِاألَ ْع َر ِ‬ ‫اهم‪ ،‬و ُأ ِ‬
‫ِر َض ُ ْ َ‬
‫وص ِيه بِ ِذ َّم ِة اهللِ َو ِذ َّم ِة َر ُسولِ ِه ‪َ ،‬أ ْن‬ ‫الم‪ ،‬ويرد َع َل ُف َقر ِائ ِهم‪ ،‬و ُأ ِ‬
‫َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْن َح َواش َأ ْم َو ْ َ ُ َ َّ‬
‫ِ‬

‫وف َل ُ ْم بِ َع ْه ِد ِه ْم‪َ ،‬و َأ ْن ُي َقات ََل ِم ْن َو َر ِائ ِه ْم‪َ ،‬و َل ُي َك َّل ُفوا إِ َّل َطا َقت َُه ْم‪َ ،‬ف َل َّم ُقبِ َض ‪..‬‬ ‫ُي َ‬
‫اب‪.‬‬ ‫َخ َر ْجنَا بِ ِه‪َ ،‬فا ْن َط َل ْقنَا ن َْم ِش‪َ ،‬ف َس َّل َم َع ْبدُ اهللِ ْب ُن ُع َم َر‪َ .‬ق َال‪َ :‬ي ْست َْأ ِذ ُن ُع َم ُر ْب ُن اخلَ َّط ِ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجت ََم َع‬ ‫َقا َل ْت‪َ :‬أ ْدخ ُلو ُه َف ُأ ْدخ َل‪َ ،‬ف ُوض َع ُهنَال َك َم َع َصاح َب ْيه‪َ ،‬ف َل َّم ُف ِر َغ م ْن َد ْفنه‪ْ ..‬‬
‫ِ‬
‫اج َع ُلوا َأ ْم َرك ُْم إِ َل َث َل َث ٍة ِمنْك ُْم‪َ ،‬ف َق َال ُّ‬
‫الز َب ْ ُي‪:‬‬ ‫ح ِن‪ْ :‬‬ ‫الر ْه ُط‪َ ،‬ف َق َال َع ْبدُ َّ‬
‫الر ْ َ‬ ‫َه ُؤ َلء َّ‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)98‬‬

‫لت َأ ْم ِري إِ َل ُع ْث َم َن‪َ ،‬و َق َال َس ْعدٌ ‪َ :‬قدْ‬ ‫ِ‬


‫لح ُة‪َ :‬قدْ َج َع ُ‬ ‫لت َأ ْم ِري إِ َل َع ٍّل‪َ ،‬ف َق َال َط َ‬ ‫َقدْ َج َع ُ‬
‫َب َأ ِم ْن َه َذا األَ ْم ِر‬ ‫ح ِن‪َ :‬أ ُّيك َُم ت َ َّ‬
‫ٍ‬
‫ح ِن ْب ِن َع ْوف‪َ ،‬ف َق َال َع ْبدُ َّ‬
‫الر ْ َ‬ ‫الر ْ َ‬ ‫ِ‬
‫لت َأ ْم ِري إِ َل َع ْبد َّ‬ ‫َج َع ُ‬
‫الشي َخ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َفن َْج َع ُل ُه إِ َل ْي ِه‪ ،‬واهللُ َع َل ْي ِه َو ِ‬
‫ان‪،‬‬ ‫اإل ْس َل ُم َل َينْ ُظ َر َّن َأ ْف َض َل ُه ْم ِف َن ْفسه‪َ ،‬ف ُأ ْسك َت َّ ْ‬
‫ح ِن‪َ :‬أ َفت َْج َع ُلو َن ُه إِ َ َّل؟ واهللُ َع َ َّل َأ ْن َل ُآل َع ْن َأ ْف َض ِلك ُْم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ن َع ْم‪،‬‬ ‫َف َق َال َع ْبدُ َّ‬
‫الر ْ َ‬
‫اإل ْس َل ِم َما َقدْ‬ ‫ول اهللِ ‪َ ،‬وال َقدَ ُم ِف ِ‬ ‫َف َأ َخ َذ بِ َي ِد َأ َح ِد ِها‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ل َك َقرا َب ٌة ِم ْن رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُك َل َت ْع ِد َل َّن‪َ ،‬و َل ِئ ْن َأ َّم ْر ُت ُع ْث َم َن َلت َْس َم َع َّن َو َلتُطِي َع َّن‪ُ ،‬ث َّم‬‫َع ِل ْم َت‪َ ،‬فاهللِ َع َل ْي َك َل ِئ ْن َأ َّم ْرت َ‬
‫اق ‪َ ..‬ق َال ْار َف ْع َيدَ َك َيا ُع ْث َم ُن‪َ ،‬ف َبا َي َع ُه‪،‬‬ ‫اآلخ ِر‪َ ،‬ف َق َال َل ُه‪ِ :‬م ْث َل َذلِ َك‪َ ،‬ف َل َّم َأ َخ َذ املِي َث َ‬ ‫َخ َل بِ َ‬
‫َف َبا َي َع َل ُه َع ِ ٌّل‪َ ،‬و َو َل َج َأ ْه ُل الدَّ ِار َف َبا َي ُعو ُه‪ .‬أخرجه البخاري‪.‬‬
‫‪ :‬طعن عمر يوم األربعاء ألربع ليال بقني من‬ ‫قال سعد بن أيب وقاص‬
‫ذي احلجة سنة ثالث وعرشين‪ ،‬ودفن يوم األحد صبيحة هالل املحرم‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫وصىل بالناس عليه سيدنا صهيب‬
‫وعن جعفر بن حممد عن أبيه قال‪ :‬ملا غسل عمر‪ ،‬وكفن ومحل عىل رسيره‬
‫‪ ،‬فقال‪ :‬واهلل ما عىل األرض رجل أحب إيل إن ألقى اهلل‬ ‫‪ ..‬وقف عليه عيل‬
‫بصحيفته من هذا املسجى بالثوب‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫وقال سليامن بن يسار‪ :‬ناحت اجلن عىل عمر‬
‫يوم وفاته عىل أقوال‪:‬‬ ‫واختلفوا يف سنه‬
‫وسن أيب بكر‬ ‫فقال الشعبي‪ :‬تويف وهو ابن ثالث وستني سنة كسن النبي‬
‫حني توفيا‪.‬‬
‫قال‪ :‬تويف عمر وهو ابن‬ ‫وروى عبيداهلل بن عمر عن نافع عن ابن عمر‬
‫‪.‬‬ ‫بضع ومخسني سنة‪ ،‬ومثله عن سامل بن عبداهلل بن عمر‬
‫(‪)99‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫‪ :‬كان عمر ابن ست وستني‪.‬‬ ‫وقال ابن عباس‬
‫وقال أمحد بن حنبل عن هشيم عن عيل بن زيد عن سامل بن عبداهلل‪ :‬أن عمر‬
‫قبض وهو ابن مخس ومخسني‪.‬‬
‫وقال الزهري‪ :‬تويف وهو ابن أربع ومخسني سنة‪.‬‬
‫وقال قتادة‪ :‬تويف وهو ابن اثنني ومخسني‪ ،‬كام يف ((االستيعاب)) البن عبدالرب‪.‬‬
‫ويف ((صفة الصفوة)) البن اجلوزي‪ :‬قال قتادة‪ :‬تويف وهو ابن إحدى وستني‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬مات وهو ابن ستني‪.‬‬
‫فريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬ومجعنا به يف مستقر رمحته آمني اللهم آمني‪.‬‬

‫™™الروايات التي ورد بها الحديث‪:‬‬


‫ون َع َل اهللِ َح َّق ت ََوكُّلِ ِه َل َر َز َقك ُْم ك ََم َي ْرز ُُق‬
‫ورد قوله ‪َ (( :‬ل ْو َأ َّنك ُْم َتت ََو َّك ُل َ‬
‫وح بِ َطانًا))‪ ،‬وهذا اللفظ عند اإلمام أمحد وليس عند اإلمام‬ ‫ِ‬
‫ال َّط ْ َي َت ْغدُ و خَاص ًا َوت َُر ُ‬
‫الرتمذي‪ ،‬أما لفظ اإلمام الرتمذي وهو عند أمحد كذلك ‪ ..‬فهو‪َ (( :‬ل ْو َأ َّنك ُْم ُكنْت ُْم‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫وح بِ َطانًا))‪.‬‬ ‫ون َع َل اهللِ َح َّق ت ََوكُّله َل ُر ِز ْقت ُْم ك ََم ُي ْرز َُق ال َّط ْ ُي َت ْغدُ و خَاص ًا َوت َُر ُ‬
‫ت ََو َّك ُل َ‬
‫ويف لفظ عن أمحد وابن ماجة ‪َ (( :‬ل ْو َأ َّنك ُْم ت ََوكَّلت ُْم َع َل اهللِ َح َّق ت ََوكُّلِ ِه َل َر َز َقك ُْم‬
‫وح بِ َطانًا))‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ك ََم َي ْرز ُُق ال َّط ْ َي َت ْغدُ و خَاص ًا َوت َُر ُ‬
‫ون َع َل اهللِ َح َّق ت ََوكُّلِ ِه َل َر َز َقك ُْم ك ََم َي ْرز ُُق‬
‫ويف لفظ عند ابن حبان‪َ (( :‬ل ْو ت ََو َّك ُل َ‬
‫ال َّط ْ َي َت ْغدُ و ِخَاص ًا َو َت ُع ْو ُد بِ َ‬
‫طانًا))‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)100‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬

‫‪َ (( :‬ل ْو َأ َّنك ُْم َتت ََو َّك ُل َ‬


‫ون َع َل اهلل))‪:‬‬ ‫قوله‬
‫ذكر أهل العلم معنى التوكل بألفاظ كثرية منها‪:‬‬
‫التوكل‪ :‬تفويض األمر إىل اهلل تعاىل يف ترتيب املسببات عىل األسباب‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬عدم االلتفات إىل سواه‪.‬‬
‫وكلها بمعنى (االعتامد عىل اهلل وحده)‬

‫فاملعنى‪ :‬لو حتقق أنكم تتوكلون عىل اهلل‪.‬‬


‫(( َح َّق ت ََوكُّلِ ِه))‪ :‬أي حقيقة التوكل‪ ،‬بأن تعتمدوا عليه يف سائر األحوال‪،‬‬
‫وترون أن اخلري بيده ومن عنده ‪ ..‬لكفاكم أمور ًا كثريةً‪ ،‬ويدل هذا عىل أن التوكل‬
‫له صورة وله حقيقة‪ ،‬فصورة التوكل‪ :‬أن يدعي اعتامده عىل اهلل‪ ،‬ثم يلتفت إىل من‬
‫سواه‪ ،‬أو يتطرقه الشك يف اهلل‪ ،‬أو يظن يف اهلل الظنون‪.‬‬
‫صدق اعتامد القلب عىل اهلل‬ ‫ُ‬ ‫وحقيقة التوكل كام قال ابن رجب احلنبيل‪ :‬هو‬
‫يف استجالب املصالح‪ ،‬ودف ِع املضار من أمور الدنيا واآلخرة ُك ِّلها‪ِ ،‬‬
‫وك َل ُة األمور‬ ‫ِّ‬
‫رض وال ينفع سواه ‪.‬‬ ‫ك ّلها إليه‪ ،‬وحتقيق اإليامن بأنه ال ُيعطي وال ُ‬
‫يمنع وال َي ُّ‬
‫وقال اإلمام القشريي‪ :‬الصدق يف التوكل‪ :‬هو عدم االنزعاج عند الفقد‪،‬‬
‫وزوال االستبشار بالوجود‪.‬‬
‫وقال سعيدُ ب ُن جبري‪ :‬التوكل ِجاع اإليامن‪ .‬أخرجه ابن أيب شيبة وأبو نعيم‪.‬‬
‫وقال وهب بن ُمن ِّبه‪ :‬الغاية القصوى التوكل‪ .‬أخرجه ابن عساكر‪.‬‬
‫يعلم أن اهلل هو ثقته‪ .‬أخرجه ابن ايب الدنيا‪.‬‬
‫أن َ‬ ‫إن َ‬
‫توكل العبد عىل ر ِّبه ْ‬ ‫وقال احلسن‪َّ :‬‬
‫(‪)101‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ك ِصدْ َق التَّوك ُِّل‬
‫أنَّه كان يقول يف دعائه‪(( :‬اللهم ِّإن َأ ْس َأ ُل َ‬ ‫وروي عنه‬
‫َع َل ْي َ‬
‫ك)) أخرجه ابن أيب شيبة وأبو نعيم‪.‬‬
‫(( َل َر َز َقك ُْم))‪ ،‬أي‪ :‬هليأ لكم الرزق َو ُس ُب َل ُه من حيث مل حتتسبوا؛ بل من أعظم‬
‫ُ‬
‫الرزق هو التوكل عىل اهلل قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﮧ ﮨ ﮩ‬ ‫األسباب التي ُيستجلب هبا‬
‫َي ْت ُلو َع َ َّل‬ ‫ول اهللِ‬‫َق َال‪َ :‬ج َع َل َر ُس ُ‬ ‫ﮪ ﮫ ﮬ ﱸ [الطالق‪ ،]3 :‬و َع ْن َأ ِب َذ ٍّر‬
‫َه ِذ ِه اآل َي َة‪ :‬ﱹ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﱸ [الطالق‪َ ]2 :‬حتَّى َف َر َغ ِم ْن اآل َي ِة‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪:‬‬
‫َّاس ُك َّل ُه ْم َأ َخ ُذوا ِ َبا َل َك َفت ُْه ْم)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬
‫(( َيا َأ َبا َذ ٍّر َل ْو َأ َّن الن َ‬
‫يعني‪ :‬لو أهنم ح َّققوا التَّقوى والتوكل ‪ ..‬الك َت َفوا بذلك يف مصالح دينهم‬
‫ودنياهم‪.‬‬
‫((ك ََم َي ْرز ُُق ال َّط ْ َي))‪ :‬متثي ً‬
‫ال بالطري يف توكلها عىل رهبا‪ ،‬و(أل) يف الطري للجنس‪،‬‬
‫أي‪ :‬جنس الطري‪.‬‬
‫(( َت ْغدُ و))‪ ،‬أي‪:‬تذهب أول النهار؛ ألن الغدو هو الذهاب أول النهار‪.‬‬
‫َاصا))‪ ،‬مجع مخيص‪ :‬وهو الضامر البطن‪ ،‬ومخاص ًا حال‪ :‬أي‪ :‬خالية‬ ‫ِ‬
‫((خ ً‬
‫األجواف من القوت‪ ،‬بمعنى جائعة‪.‬‬
‫وح))‪ ،‬أي‪ :‬ترجع آخر النهار؛ ألن الراوح هو الرجوع آخر النهار‪.‬‬
‫(( َوت َُر ُ‬
‫((بِ َطانًا))‪ ،‬مجع بطني‪ :‬وهو العظيم البطن‪ ،‬وهو حال‪ ،‬أي‪ :‬ممتلئة البطن‪.‬‬
‫التوكل يف الطري‪ ،‬ومعلوم أن الطري‬ ‫وربام قال القائل‪ :‬ملا مثل النبي‬
‫ال توكل هلا؟‬
‫فاجلواب‪ :‬نعم؛ الطري ال توكل هلا‪ ،‬ولكنها ال تلتفت إىل فوات أو نيل‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)102‬‬

‫™™هل األخذ باألسباب يتعارض مع التوكل‪:‬‬


‫ربام يظن بعض اجلهلة أن معنى التوكل ترك األسباب‪ ،‬وأن األخذ باألسباب‬
‫ذكر يف احلديث الطري تغدو‪،‬‬ ‫يتعارض مع التوكل‪ ،‬وهذا خطأ حمض؛ ألن النبي‬
‫أي‪ :‬تتحرك وال جتلس‪ ،‬فهي تطلب الرزق‪ ،‬ففي احلديث ما يؤيد طلب الرزق‪ ،‬وهلذا‬
‫احل َل ِل َف ِر ْي َض ٌة َب ْعدَ ال َف ِر ْي َض ِة)) أخرجه‬
‫ب َ‬‫طلب احلالل فقال‪َ (( :‬ط َل ُ‬ ‫ذكر لنا النبي‬
‫ب َع َل ك ُِّل ُم ْسلِ ٍم)) أخرجه الطرباين‪.‬‬ ‫احل َل ِل َو ْا ِج ٌ‬
‫ب َ‬ ‫الطرباين‪ ،‬وقال ‪َ (( :‬ط َل ُ‬
‫احل َل ِل ِج َها ٌد)) أخرجه أبو نعيم‪.‬‬ ‫ب َ‬ ‫وقال ‪َ (( :‬ط َل ُ‬
‫قال يف ((دليل الفاحلني))‪ ،‬ومثله يف ((شعب اإليامن)) للبيهقي‪" :‬ليس يف هذا‬
‫احلديث داللة عىل القعود عن الكسب؛ بل فيه ما يدل عىل طلب الرزق؛ ألن الطري‬
‫إذا غدت فإهنا تغدو لطلب الرزق‪ ،‬وإنام أراد ‪ -‬واهلل أعلم ‪ :-‬لو توكلوا عىل اهلل‬
‫تعاىل يف ذهاهبم وجميئهم وترصفهم‪ ،‬ورأوا أن اخلري بيده ومن عنده ‪ ..‬مل ينرصفوا‬
‫إال ساملني غانمني‪ ،‬كالطري تغدو مخاص ًا وتعود بطان ًا؛ لكنهم يعتمدون عىل قوهتم‬
‫(((‬
‫ويغشون ويكذبون وال ينصحون‪ ،‬وهذا خالف التوكل" اهـ‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫وج َل ِد ِهم‪،‬‬
‫َ‬
‫وقال املناوي عند ذكر احلديث‪" :‬أي تغدو بكرة وهي جياع‪ ،‬وتروح عشاء‬
‫وهي ممتلئة األجواف‪ ،‬فالكسب ليس برازق؛ بل الرازق هو اهلل تعاىل‪ ،‬فأشار بذلك‬
‫التوصل بنوع من السبب؛ ألن‬
‫ّ‬ ‫إىل أن التوكل ليس التب ّطل والتع ّطل؛ بل البد فيه من‬
‫الطري ت ُْر َز ُق بالسعي والطلب؛ وهلذا قال أمحد‪ :‬ليس يف احلديث ما يدل عىل ترك‬
‫الكسب؛ بل فيه ما يدل عىل طلب الرزق‪ ،‬وإنام أراد لو توكلوا عىل اهلل يف ذهاهبم‬
‫وجميئهم وترصفهم‪ ،‬وعلموا أن اخلري بيده ‪ ..‬مل ينرصفوا إال غانمني ساملني كالطري؛‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.229/1 :‬‬


‫(‪)103‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(((‬
‫لكن اعتمدوا عىل قوهتم وكسبهم وذلك ينايف التوكل" اهـ‪.‬‬
‫وقال اإلمام الغزايل‪" :‬وقد ُيظن أن معنى التوكل ترك الكسب بالبدن‪ ،‬وترك‬
‫التدبري بالقلب‪ ،‬والسقوط عىل األرض كاخلرقة امللقاة‪ ،‬أو كلحم عىل وضم‪ ،‬وهذا‬
‫ظن اجلهال‪ ،‬فإن ذلك حرام يف الرشع‪ ،‬والرشع قد أثنى عىل املتوكلني‪ ،‬فكيف ينال‬
‫مقام ًا من مقامات الدين حمظور من حمظورات الدين؛ بل نكشف عن احلق فيه‪،‬‬
‫(((‬
‫فنقول‪ :‬إنام يظهر تأثري التوكل يف حركة العبد وسعيه بعمله إىل مقاصده" اهـ‪.‬‬
‫وقال اإلمام الغزايل كذلك‪" :‬وليس معنى التوكل التباعد عن األسباب‬
‫بالكلية‪ ،‬ولو كان كذلك لبطل التوكل بطلب الدلو واحلبل ونزع املاء من البئر‪،‬‬
‫ولوجب أن يصرب ليسخر اهلل له ملك ًا أو شخص ًا آخر حتى يصب املاء يف فيه‪ ،‬فإن‬
‫كان حفظ الدلو واحلبل ال يقدح فيه‪ ،‬وستأيت حقيقة التوكل يف موضعها فإنه يلتبس‬
‫(((‬
‫إال عىل املحققني من علامء الدين" اهـ‪.‬‬
‫وقال االمام أبو القاسم القشريي‪" :‬اعلم أن التوكل حمله القلب‪ ،‬وأما احلركة‬
‫بالظاهر ‪ ..‬فال تنايف التوكل بالقلب بعد ما حيقق العبد أن الرزق من ِقبل اهلل تعاىل‪،‬‬
‫(((‬
‫فإن تعرس يشء‪ ..‬فبتقديره‪ ،‬وإن تيرس يشء‪ ..‬فبتيسريه" اهـ‪.‬‬
‫السعي يف‬ ‫وقال ابن رجب احلنبيل‪" :‬واعلم‪َّ :‬‬
‫أن حتقيق التوكل ال ُينايف َّ‬
‫األسباب التي قدَّ ر اهلل سبحانه املقدورات هبا‪ ،‬وجرت ُسنَّته يف خلقه بذلك‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫عي يف األسباب باجلوارح‬
‫فالس ُ‬
‫اهلل تعاىل أمر بتعاطي األسباب مع أمره بالتوكُّل‪َّ ،‬‬

‫((( انظر‪(( :‬حتفة األحوذي))‪.350/5 :‬‬


‫((( ((إحياء علوم الدين))‪.266/8 :‬‬
‫((( ((إحياء علوم الدين))‪.373/4 :‬‬
‫((( انظر‪(( :‬حتفة األحوذي))‪.351/5 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)104‬‬

‫طاع ٌة له‪ ،‬والتوك ُُّل بالقلب عليه ٌ‬


‫إيامن به‪ ،‬كام قال اهلل تعاىل‪ :‬ﱹ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﱸ [النساء‪ .]71 :‬وقال‪ :‬ﱹ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﱸ‪[ ،‬األنفال‪ ]60 :‬وقال‪ :‬ﱹ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﱸ [اجلمعة‪.]10 :‬‬
‫وقال سهل الت َ ِ‬
‫ُّستي‪ :‬من طعن يف احلركة ‪ -‬يعني‪ :‬يف السعي والكسب ‪ -‬فقد‬
‫َّبي‬ ‫السنة‪ ،‬ومن طعن يف التوكل ‪ ..‬فقد طعن يف اإليامن‪ ،‬فالتوكل ُ‬
‫حال الن ِّ‬ ‫طعن يف ُّ‬
‫(((‬
‫‪ ،‬والكسب سنَّتُه‪ ،‬فمن عمل عىل حاله‪ ،‬فال يرتك ّن سنته" اهـ‪.‬‬
‫وقال يف ((عمدة القاري))‪" :‬والتوكل تفويض األمر إىل اهلل وقطع النظر عن‬
‫األسباب‪ ،‬وليس التوكل ترك السبب واالعتامد عىل ما جييء من املخلوقني؛ ألن‬
‫عن رجل جلس‬ ‫ذلك قد جير إىل ضد ما يراد من التوكل‪ ،‬وقد سئل اإلمام أمحد‬
‫يف بيته أو يف مسجد وقال ال أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي؟ فقال‪ :‬هذا رجل جهل‬
‫العلم‪ ،‬فقد قال النبي‪(( :‬إن اهلل جعل رزقي حتت ظل رحمي))‪ (((،‬وقال‪(( :‬لو توكلتم‬
‫عىل اهلل حق توكله لرزقكم كام يرزق الطري تغدو مخاصا وتروح بطانا))‪ ،‬فذكر أهنا‬
‫َّجرون ويعملون يف‬ ‫يت ِ‬ ‫تغدو وتروح يف طلب الرزق‪ .‬قال‪ :‬وكانت الصحابة‬
‫(((‬
‫ختيلهم والقدوة هبم" اهـ‪.‬‬
‫َس ْب ِن َمالِ ٍك‬
‫ما يدل عىل ذلك‪ ،‬فعن َأن ِ‬ ‫ونجد يف توجيهات النبي‬

‫(( ( ((جامع العلوم واحلكم))؛ طبعة‪ :‬دار الفجر للرتاث‪.702 :‬‬


‫َار َع َل‬
‫الصغ ُ‬ ‫مي َو ُج ِع َل ِّ‬
‫الذ َّل ُة َو َّ‬ ‫ت ظِ ِّل ُر ِ ْ‬ ‫((( ونص احلديث‪َ :‬ع ْن ا ْب ِن ُع َم َر َع ْن النَّبِ ِّي ‪ُ (( :‬ج ِع َل ِرز ِْقي ْ َت َ‬
‫ول اهللِ‬‫ف َأ ْم ِري)) أخرجه البخاري‪ ،‬ويف رواية عند اإلمام أمحد َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َم ْن َخا َل َ‬
‫َار َع َل َم ْن‬
‫الصغ ُ‬ ‫ْت ظِ ِّل ُر ْ ِمي َو ُج ِع َل ِّ‬
‫الذ َّل ُة َو َّ‬ ‫يك َل ُه َو ُج ِع َل ِرز ِْقي َت َ‬‫ش َ‬ ‫ف َحتَّى ُي ْع َبدَ اهللِ َل َ ِ‬ ‫ت بِالسي ِ‬ ‫ِ‬
‫(( ُبع ْث ُ َّ ْ‬
‫ف َأ ْم ِري َو َم ْن ت ََش َّب َه بِ َق ْو ٍم َف ُه َو ِمن ُْه ْم))‪.‬‬
‫َخا َل َ‬
‫((( ((عمدة القاري))‪.31/19 :‬‬
‫(‪)105‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اهللِ َأ ْعق ُل َها َو َأت ََوك َُّل؟ َأ ْو ُأ ْط ِل ُق َها َو َأت ََوك َُّل؟ َق َال‪(( :‬ا ْعق َ‬
‫لها‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُج ٌل َيا َر ُس َ‬
‫َوت ََوكّل)) أخرجه الرتمذي‪ ،‬فهنا َأ َم َر ُه بإقامة السبب والتوكل مع ًا مما يدل عىل أنه‬
‫ال تعارض بينهام‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪ 1 .1‬فضيلة التوكل‪ ،‬وأنه من أعظم األسباب التي هبا يستجلب الرزق‪.‬‬
‫‪ 2 .2‬ال تعارض بني التوكل وإقامة األسباب‪ّ ،‬‬
‫وأن ترك األسباب ليس من التوكل‪.‬‬
‫‪3 .3‬عىل املؤمن أن يسعى‪ ،‬فإن يف السعي خري وبركة‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)106‬‬

‫احلديث احلادي عشر‬

‫ول اهللِ ‪َ (( :‬م ْن َق َال ‪َ -‬ي ْعنِي إِ َذا َخ َر َج ِم ْن‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َع ْن َأن ِ‬
‫َس‬
‫يت‬‫يت َوك ُِف َ‬ ‫َّلت َع َل اهللِ َل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل باهللِ ‪ُ ..‬ي َق ُال َل ُه‪ُ :‬ه ِد َ‬
‫َب ْيتِ ِه ‪ -‬بِ ْس ِم اهللِ ت ََوك ُ‬
‫ان))‪ .‬رواه أبو داود والرتمذي والنسائي وغريهم‪ ،‬وقال‬ ‫الش ْي َط ُ‬ ‫َو ُو ِق َ‬
‫يت َو َتن ََّحى َع ْن ُه َّ‬
‫الرتمذي حديث حسن‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمـــه‬
‫هو الصحايب اجلليل أنس بن مالك بن النرض بن ضمضم بن زيد بن حرم‬
‫ابن جندب بن عامر ابن غنم بن عدي بن النجار بن ثعلبة بن عمرو بن اخلزرج بن‬
‫‪.‬‬ ‫حارثة األنصاري اخلزرجي النجاري البرصي خادم رسول اهلل‬
‫يكنى بأيب محزة‪ ،‬وقد سمي باسم عمه أنس بن النرض‪.‬‬
‫ان‪.‬‬‫أمه‪ُ :‬أم س َليم بِنْت ِملح ِ‬
‫َ‬ ‫ّ ُ ْ‬
‫ف يف اسمها‪ ،‬قال اإلمام النووي يف ((رشحه عىل صحيح اإلمام‬ ‫وقد ُأخت ُِل َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫مسلم))‪ُ " :‬أ ّم ُس َل ْي ٍم‪َ ،‬و ِه َي ُأ ّم َأنَس ْبن َمالِك‪َ ،‬و ْ‬
‫مها َس ْه َلة‪،‬‬
‫مها‪َ ،‬فق َيل‪ :‬ا ْس َ‬ ‫اخ َت َل ُفوا ِف ا ْس َ‬
‫َت ِم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوق َيل‪ُ :‬م َل ْيكَة‪َ ،‬وق َيل‪َ :‬رمي َثة‪َ ،‬وق َيل‪َ :‬أني َفة‪َ ،‬و ُي َقال‪ُّ :‬‬
‫الر َم ْي َصا َوال ُغ َم ْي َصا‪َ ،‬وكَان ْ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(((‬
‫" اهـ‪.‬‬ ‫لح َ‬
‫ان‬ ‫وراهت َّن‪َ ،‬وه َي ُأ ْخت ُأ ّم َح َرام بِنْت م َ‬ ‫الص َحابِ َّيات َو َم ْش ُه َ‬
‫َفاض َلت َّ‬
‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.154/3 :‬‬
‫(‪)107‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫عرش سنني‪ ،‬وقيل‪:‬‬ ‫إىل املدينة و ُع ْم ُر سيدنا أنس‬ ‫قدم رسول اهلل‬
‫ات َو َأنَا‬ ‫ا َمل ِدينَ َة َو َأنَا ا ْب ُن َع ْ ٍ‬
‫ش َو َم َ‬ ‫عن نفسه‪َ :‬ق ِد َم النَّبِ ُّي‬ ‫متان سنني‪ ،‬فقد قال‬
‫ا ْب ُن ِع ْ ِ‬
‫شي َن‪ .‬أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬
‫حينام قدم املدينة ليترشف‬ ‫وقد قدمت به أمه أم سليم إىل رسول اهلل‬
‫قال‪َ :‬أ َخ َذ ْت ُأ ُّم ُس َل ْي ٍم بِ َي ِدي َم ْقدَ َم النَّبِ ِّي‬ ‫بخدمة اجلناب النبوي ‪ ،‬فعنه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول اهللِ ‪َ ،‬ف َقا َل ْت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫َت ِب َر ُس َ‬ ‫ا َمل ِدينَ َة‪َ ،‬ف َأت ْ‬
‫ب‪.‬‬‫ول اهللِ َه َذا ا ْبني َو ُه َو ُغ َل ٌم كَات ٌ‬
‫ش ٍء َق ُّط َصنَ ْع ُت ُه َأ َس ْأ َت َأ ْو بِ ْئ َس َما َصنَ ْع َت‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َق َال‪َ :‬ف َخدَ ْم ُت ُه تِ ْس َع ِسنِ َ‬
‫ني‪َ ،‬ف َم َق َال ِل ل َ ْ‬
‫أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬
‫املدينة وأنا ابن ثامن سنني‪،‬‬ ‫‪ :‬قال‪ :‬قدم رسول اهلل‬ ‫ويف رواية عنه‬
‫فقالت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إنه مل‬ ‫فأخذت أمي بيدي فانطلقت يب إىل رسول اهلل‬
‫يبق رجل وال امرأة من األنصار إال قد أحتفتك بتحفة‪ ،‬وإين ال أقدر عىل ما أحتفك‬
‫عرش سنني‪،‬‬ ‫به‪ ،‬إال ابني هذا فخذه فليخدمك ما بدا لك‪ ،‬فخدمت رسول اهلل‬
‫فام رضبني رضبة‪ ،‬وال سبني سبة‪ ،‬وال انتهرين وال عبس يف وجهي‪ ،‬وكان أول ما‬
‫أوصاين به أن قال‪(( :‬يا بني‪ ،‬اكتم رسي تك مؤمنا))‪ ،‬فكانت أمي وأزواج النبي‬
‫فال أخربهم به‪ ،‬وما أنا بمخرب رس رسول اهلل‬ ‫يسألنني عن رس رسول اهلل‬
‫أحدا أبدا‪ .‬أخرجه الطرباين وأبو يعىل واللفظ له‪.‬‬
‫تسع أو عرش سنني‪ ،‬وما رأى‬ ‫وأرضاه بخدمة احلبيب‬ ‫فقد ترشف‬
‫إال كامل األخالق‪ ،‬والزمه أكمل املالزمة منذ هاجر إىل أن‬ ‫من رسول اهلل‬
‫مات‪ ،‬وغزا معه غري مرة‪ ،‬وبايع حتت الشجرة‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)108‬‬

‫‪:‬‬ ‫فضائلـــه‬
‫من الصحبة أي استفادة‪ ،‬ونال الدعوة‬ ‫استفاد سيدنا أنس بن مالك‬
‫َع َل ْينَا‪َ ،‬و َما ُه َو إِ َّل َأنَا‬ ‫َق َال‪َ :‬د َخ َل النَّبِ ُّي‬ ‫العظيمة من النبي ‪ ،‬ف َع ْن َأن ٍ‬
‫َس‬
‫ت َص َل ٍة))(((‪َ ،‬ف َص َّل‬ ‫لص ِّل بِكُم ِف َغ ِي و ْق ِ‬
‫ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو ُأ ِّمي َو ُأ ُّم َح َرا ٍم َخا َلتي‪َ ،‬ف َق َال‪ُ (( :‬قو ُموا َف ُ َ َ ْ‬
‫ت‪َ :‬أ ْي َن َج َع َل َأنَس ًا ِمنْ ُه؟ َق َال َج َع َل ُه َع َل َي ِمينِ ِه‪ُ ،‬ث َّم َد َعا َلنَا َأ ْه َل‬‫بِنَا‪َ ،‬ف َق َال رج ٌل لِ َثابِ ٍ‬
‫َ ُ‬
‫ول اهللِ ُخ َو ْي ِد ُم َك ا ْد ُع‬ ‫اآلخ َر ِة‪َ ،‬ف َقا َل ْت ُأ ِّمي‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ت بِك ُِّل َخ ٍي ِمن َخ ِي الدُّ ْنيا و ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ ْ ْ‬
‫البي ِ‬
‫َْ‬
‫آخ ِر َما َد َعا ِل بِ ِه َأ ْن َق َال‪(( :‬ال َّل ُه َّم َأكْثِ ْر َما َل ُه‬‫َان ِف ِ‬
‫اهللَ َل ُه‪َ .‬ق َال‪َ :‬فدَ َعا ِل بِك ُِّل َخ ْ ٍي‪َ ،‬وك َ‬
‫ار ْك َل ُه فِ ِيه)) أخرجه مسلم وأمحد واللفظ ملسلم‪.‬‬ ‫َو َو َلدَ ُه َو َب ِ‬

‫‪َ :‬قدْ َد َفن ُْت‬‫واستجاب اهلل هلذه الدعوات املباركة حتى قال سيدنا أنس‬
‫ار َر ُج ٌل َأ ْك َث َر ِمنِّي َماالً‪ .‬أخرجه‬ ‫ِم ْن ُصلبِي بِ ْضع ًا َوتِ ْس ِع َ‬
‫ني‪َ ،‬و َما َأ ْص َب َح ِف األَن َْص ِ‬
‫اإلمام أمحد‪.‬‬
‫وعند ابن حبان‪ :‬دفنت من صلبي إىل مقدم احلجاج البرصة بضع ًا وعرشين‬
‫ومائة‪.‬‬
‫زاد الطرباين يف ((املعجم الكبري))‪ :‬وإن أريض ليثمر يف السنة مرتني‪ ،‬وما يف‬
‫البلد يشء يثمر مرتني غريها‪.‬‬
‫قال أبو اليقظان‪ :‬مات ألنس يف طاعون اجلارف ثامنون ابنا‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬سبعون‪.‬‬
‫وكان طاعون اجلارف بالبرصة سنة ‪ 69‬هـ‪ ،‬قال املدائني‪ :‬حدثني من أدرك‬
‫ذلك‪ ،‬قال‪ :‬كان ثالثة أيام‪ ،‬فامت نحو مئتي ألف نفس‪.‬‬
‫((( أي‪ :‬ليست صالة مفروضة‪.‬‬
‫(‪)109‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وقال غريه‪ :‬مات يف طاعون اجلارف ألنس من أوالده وأوالدهم سبعون‬
‫نفسا‪.‬‬
‫قال يف ((االستيعاب))‪" :‬ويقال‪ :‬إنه ولد ألنس بن مالك ثامنون ولد ًا‪ ،‬منهم‬
‫(((‬
‫ثامنية وسبعون ذكر ًا‪ ،‬والبنتان الواحدة تسمى حفصة‪ ،‬والثانية تكنى أم عمرو" اهـ‪.‬‬
‫ول اهللِ‬
‫َق َال‪َ :‬كن َِّان َر ُس ُ‬ ‫بأيب محزة‪ ،‬فعنه‬ ‫وقد كنّاه رسول اهلل‬
‫بِ َب ْق َل ٍة ُكن ُْت َأ ْجتَنِ َيها‪ .‬أخرجه أمحد والرتمذي‪.‬‬
‫والبقلة‪ :‬واحدة البقل وهو نبات عشبي يتغذى به اإلنسان دون أن يصنع‪.‬‬
‫قال األزهري‪" :‬البقلة التي جناها أنس كان يف طعمها لذع‪ ،‬فسميت محزة‬
‫لفعلها‪ ،‬يقال رمانة حامزة‪ ،‬أي‪ :‬فيها محوضة"‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫قال‪َ :‬ق َال ِل‬ ‫يامزحه ويناديه بيا ذا األذنني‪ ،‬فعنه‬ ‫وكان رسول اهلل‬
‫َيا َذا األُ ُذن ْ ِ‬
‫َي‪ .‬أخرجه أمحد وأبو داود والرتمذي‪.‬‬ ‫ول اهللِ‬
‫َر ُس ُ‬

‫ال ْستِ َمع َلِا ُي َقال‬


‫قال يف ((عون املعبود))‪" :‬معنَاه‪ :‬احل ّض وال َّتنْبِيه َع َل حسن ِ‬
‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ َ‬
‫َي و َغ َف َل و َل ُ ِ‬ ‫َله؛ ِلَ َّن السمع بِح ِ‬
‫الو ْعي ‪َ ..‬ل ْ‬ ‫يسن َ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫اسة األُ ُذن‪َ ،‬و َم ْن َخ َل َق اهللُ َل ُه األُ ُذن ْ ِ َ‬ ‫َّ ْ َ َّ‬ ‫ُ‬
‫(((‬
‫َو َلطِيف َأ ْخ َلقه" اهـ‪.‬‬ ‫ُي ْع َذر‪َ ،‬و ِق َيل‪ :‬إِ َّن َه َذا ال َق ْول ِم ْن ُ ْ‬
‫ج َلة ُمدَ ا َع َباته‬
‫‪،‬‬ ‫غزوة بدر‪ ،‬وكان خيدم النبي‬ ‫مع النبي‬ ‫وقد حرض سيدنا أنس‬
‫فعن حممد بن عبداهلل األنصاري عن أبيه عن موىل ألنس بن مالك قال‪ :‬قلت ألنس‬
‫ابن مالك‪ :‬أشهدت بدر ًا؟ قال‪ :‬ال أم لك‪ ،‬و أين أغيب عن بدر‪.‬‬
‫حني توجه إىل بدر و هو غالم‬ ‫قال األنصاري‪ :‬خرج أنس مع رسول اهلل‬

‫((( ((االستيعاب))‪.35/1 :‬‬


‫((( ((عون املعبود))؛ طبعة‪ :‬رشكة القدس‪.141/8 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)110‬‬

‫‪ .‬أخرجه احلاكم يف ((املستدرك))‪.‬‬ ‫خيدم رسول اهلل‬


‫مل ُيعد يف البدرين‪ ،‬والسبب يف ذلك ما‬ ‫غري أننا نالحظ أن سيدنا أنس‬
‫قد ذكره احلافظ ابن حجر يف ((اإلصابة)) حيث قال‪" :‬وإنام مل يذكروه يف البدريني‬
‫(((‬
‫ألنه مل يكن يف سن من يقاتل" اهـ‪.‬‬
‫وقال عيل بن اجلعد عن شعبة عن ثابت قال أبو هريرة‪ :‬ما رأيت أحد ًا أشبه‬
‫من بن أم سليم يعني أنس ًا‪ .‬أخرجه البغوي يف اجلعديات‪.‬‬ ‫صالة برسول اهلل‬
‫وأخرج الطرباين يف ((املعجم األوسط)) عن عبيداهلل بن عمرو األصبحي عن‬
‫الص َل ِة‪.‬‬ ‫ك َ ِ‬
‫َان ُيش ُري ِف َّ‬ ‫أيب هريرة قال أخربين أنس بن مالك‪َ :‬أ َّن النَّبِ َّي‬
‫قال‪ :‬ال نعلم أن أبا هريرة روى عن أنس غري هذا احلديث‪.‬‬
‫وقد أخرجه غريه كاإلمام أمحد وأبو داود وابن حبان وابن خزيمة والدار‬
‫الز ْه ِر ِّي َع ْن َأن ٍ‬
‫َس‪.‬‬ ‫قطني عن َم ْع َم ٍر َع ْن ُّ‬
‫وعن ثابت البناين قال‪ :‬شكا قثم ألنس بن مالك يف أرضه العطش‪ ،‬فصىل‬
‫أنس فدعا‪ ،‬فثارت سحابة حتى غشيت أرضه‪ ،‬ثم مألت صهرجيه‪ ،‬فأرسل غالمه‪،‬‬
‫فقال‪ :‬انظر اين بلغت هذه‪ ،‬فنظر فإذا هي مل تعد أرضه‪.‬‬
‫وأرضاه كثري العبادة‪ ،‬فعن ثامنة بن عبد اهلل بن أنس قال‪ :‬كان‬ ‫وكان‬
‫أنس يصيل فيطيل القيام حتى تقطر قدماه دم ًا‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪ ،‬فقد‬ ‫من مكثري الرواية عن النبي‬ ‫كان سيدنا أنس بن مالك‬
‫ألفني ومئتن وستة وثامنني حديث ًا‬ ‫كان مالزما له وخادم ًا له‪ ،‬وقد روى عنه‬
‫((( ((اإلصابة))‪.90/1 :‬‬
‫(‪)111‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(‪ ،)2286‬اتفق له البخاري ومسلم عىل مئة وثامنني حديثا (‪ ،)180‬وانفرد البخاري‬
‫بثامنني حديثا (‪ ،)80‬ومسلم بتسعني (‪.)90‬‬
‫وذكر يف ((فتح الباري)) أن ما رواه البخاري عن أنس بن مالك األنصاري‬
‫هي مئتان وثامنية وستون حديثا (‪.)268‬‬
‫وقال يف ((عمدة القاري))‪" :‬روي له عن رسول اهلل الفا حديث ومائتا حديث‬
‫وست وثامنون حديثا‪ ،‬اتفقا عىل مائة وثامنية وستني حديثا منها‪ ،‬وانفرد البخاري‬
‫(((‬
‫بثالثة وثامنني حديثا ومسلم بأحد وتسعني حديثا" اهـ‪.‬‬
‫وقال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬اتفق الشيخان منها عىل مائة وثامنية وستني‬
‫حديث ًا‪ ،‬وانفرد البخاري بثامنية ومسلم بسبعني" اهـ‪ (((،‬فكان االتفاق عىل عدد‬
‫‪ ،‬واالختالف يف عدد ما اتفق عليه البخاري ومسلم‬ ‫عن النبي‬ ‫ما رواه‬
‫‪.‬‬ ‫وما رواه كل واحد منهام عنه‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتـــه‬
‫عىل أقوال‪:‬‬ ‫اختلف أهل العلم يف سنة وفاته‬
‫فقيل‪ :‬سنة تسعني للهجرة‪ ،‬فقد قال جرير بن حارم قلت‪ :‬لشعيب بن‬
‫احلبحاب متى مات أنس؟ قال‪ :‬سنة تسعني‪ .‬أخرجه ابن شاهني‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إحدى وتسعني‪ ،‬وهو قول محيد‪ ،‬وكذا أرخه قتادة‪ ،‬واهليثم بن عدي‪،‬‬
‫وسعيد بن عفري‪ ،‬وأبو عبيد‪ .‬كام يف ((سري أعالم النبالء))‪ ،‬و((اإلصابة يف متييز‬
‫الصحابة))‪.‬‬

‫((( ((عمدة القاري))‪.194 - 193/1 :‬‬


‫((( ((دليل الفاجلني))‪.73/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)112‬‬

‫وقيل‪ :‬سنة اثنتني وتسعني‪ ،‬وهو مروي عن بن عيسى‪ ،‬عن ابن ألنس بن‬
‫مالك‪ ،‬وتابعه الواقدي‪ .‬كام يف ((سري أعالم النبالء))‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ثالث وتسعني‪ ،‬قاله ابن علية‪ ،‬وسعيد بن عامر‪ ،‬واملدائني‪ ،‬وأبو نعيم‬
‫الكويف‪ ،‬وخليفة‪ ،‬والفالس‪ ،‬وقعنب‪ ،‬وهو األصح كام قاله الذهبي يف ((سري أعالم‬
‫النبالء))‪.‬‬
‫كام اختلفوا يف سنه يوم موته عىل أقوال‪:‬‬

‫ ‪-‬فعن محيد‪ :‬أن أنس ًا َّ‬


‫عمر مائة سنة إال سنة‪.‬‬
‫ ‪-‬وقيل‪ :‬أنه مات وهو ابن مائة سنة وسنة‪ ،‬حكاه ابن شاهني عن حييى بن بكري‪،‬‬
‫كام يف ((اإلصابة))‪.‬‬
‫ ‪-‬وقيل‪ :‬أنه مات ابن مائة وثالث سنني‪ ،‬ويكون بذلك عند من قال بأنه تويف‬
‫سنة ثالث وتسعني‪.‬‬
‫ ‪-‬قال األنصاري‪ :‬اختلف علينا يف سن أنس‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬بلغ مئة وثالث‬
‫سنني‪ .‬لكن جاء يف ((املستدرك)) عند احلاكم‪ :‬قال أبو حاتم‪ :‬فسألنا األنصاري‪:‬‬
‫كم كان أنس بن مالك يوم مات؟ فقال‪ :‬ابن مائة سنة وسبع سنني‪.‬‬
‫ ‪-‬وروى البغوي عن عمر بن شبة عن حممد بن عبد اهلل األنصاري‪ :‬أن أنس ًا‬
‫مات ابن مائة وسبع سنني‪ ،‬كام يف ((اإلصابة))‪.‬‬
‫ ‪-‬وقيل‪ :‬إنه ابن مائة وتسع سنني‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫بالبرصة‪ ،‬وهو آخر من مات من أصحاب النبي‬ ‫وكان موته‬
‫وقال معتمر عن أبيه‪ :‬سمعت أنس بن مالك يقول مل يبق أحد صىل القبلتني غريي‪.‬‬
‫(‪)113‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫هو أبو الطفيل عامر‬ ‫لكن قال أبو عمر‪ :‬أن آخر من مات ممن رأى النبي‬
‫‪ ،‬وآخر من مات من‬ ‫ابن وائلة‪ ،‬وللجمع يكون آخر من مات بالبرصة هو أنس‬
‫؛ وهلذا قال ابن عبدالرب يف ((االستيعاب))‪" :‬قال‬ ‫مجيع الصحابة هو أبو الطفيل‬
‫‪ ،‬وما أعلم‬ ‫أبو عمر‪ :‬يقال‪ :‬إنه آخر من مات بالبرصة من أصحاب رسول اهلل‬
‫(((‬
‫إال أبا الطفيل عامر بن وائلة" اهـ‪.‬‬ ‫أحد ًا مات بعده ممن رأى رسول اهلل‬
‫قال عيل بن املديني‪ :‬كان آخر الصحابة موت ًا بالبرصة‪.‬‬
‫وأرضاه ومجعنا به يف أعىل فراديس اجلنان‪ .‬آمني اللهم آمني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫جاء احلديث بألفاظ متعددة‪ ،‬فقد جاء يف رواية أيب داود بلفظ‪(( :‬إِ َذا َخ َر َج‬
‫الر ُج ُل ِم ْن َب ْيتِ ِه َف َق َال‪ :‬بِ ْس ِم اهللِ ت ََوك ُ‬
‫َّلت َع َل اهللِ َل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل باهللِ ‪َ ..‬ق َال‪ُ :‬ي َق ُال‬ ‫َّ‬
‫ك‬ ‫ف َل َ‬ ‫آخ ُر َك ْي َ‬
‫ان َ‬‫ول َل ُه َش ْي َط ٌ‬ ‫ني ‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬‫يت َف َت َتنَحى َله َّ ِ‬ ‫يت َو ُو ِق َ‬‫يت َوك ُِف َ‬ ‫ِحينَئِ ٍذ ُه ِد َ‬
‫الش َياط ُ‬ ‫َّ ُ‬
‫ي َوك ُِف َي َو ُو ِق َي))‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بِ َر ُج ٍل َقدْ ُهد َ‬
‫َّلت ع َل اهللِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫وعند الرتمذي‪َ (( :‬م ْن َق َال ‪َ -‬ي ْعني إِ َذا َخ َر َج م ْن َب ْيته ‪ -‬بِ ْس ِم اهلل ت ََوك ُ َ‬
‫الش ْي َط ُ‬
‫ان))‪.‬‬ ‫يت َو ُو ِق َ‬
‫يت َو َتن ََّحى َعنْ ُه َّ‬ ‫َل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل باهللِ ‪ُ ..‬ي َق ُال َل ُه‪ :‬ك ُِف َ‬
‫َّلت ع َل اهللِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫الر ُج ُل م ْن َب ْيته َق َال بِ ْس ِم اهلل ت ََوك ُ َ‬ ‫وعند النسائي‪(( :‬إِ َذا َخ َر َج َّ‬
‫ت))‪.‬‬ ‫يت َوك ُِف ْي َ‬
‫يت َو ُو ِق َ‬ ‫ك ُه ِد َ‬ ‫َل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل باهللِ ‪َ ..‬ف ُي َق ُال َل ُه َح ْس ُب َ‬

‫ن َب ْيته))‪ :‬لفظ (يعني إذا خرج من بيته)‬


‫قوله ‪(( :‬من َق َال ‪ -‬يعنِي إِ َذا َخرج ِم ِ ِ‬
‫َ َ ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ‬
‫هو من قول الراوي‪ ،‬ويف رواية أيب داود والنسائي كام تقدم‪( :‬قال إذا خرج الرجل‬
‫‪.‬‬ ‫من بيته) وجعله من كالم النبي‬
‫((( ((االستيعاب))‪.35/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)114‬‬

‫واملراد حال اخلروج من البيت‪.‬‬


‫((بِ ْس ِم اهلل))‪ ،‬أي‪ :‬أحتصن باهلل وبسمه تعاىل من كل ما يؤذي‪.‬‬
‫َّلت َع َل اهلل))‪ ،‬أي‪ :‬فوضت أموري كلها إليه‪ ،‬وعولت يف سائر أحوايل‬
‫((ت ََوك ُ‬
‫عليه‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬املراد من ((توكلت عىل اهلل)) ‪ ..‬طلب االستعالء باهلل تعاىل عىل كل‬
‫مقصود؛ لتصحبه إعانته ولطفه‪ ،‬وحتفظه من غري قصور‪.‬‬
‫وقد تقدم يف احلديث السابق معنى التوكل والكالم عنه‪.‬‬
‫(( َل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل باهللِ))‪ ،‬أي‪ :‬ال حول يل عن املعايص إال بعصمة اهلل‬
‫التنصل عن احلول‬
‫ّ‬ ‫وحفظه‪ ،‬وال قوة يل عىل الطاعة إال بإعانة اهلل وتوفيقه‪ ،‬ففيه‬
‫والقوة إال باهلل تعاىل يف عاله‪ ،‬وإظهار العجز واملسكنة والعبودية هلل تعاىل‪.‬‬
‫‪ ،‬فقال له‬ ‫عندما قاهلا ابن مسعود‬ ‫وقد فرسها بذلك نبينا حممد‬
‫رسول اهلل ‪(( :‬تَدْ ِري َما َت ْف ِس ُري َها؟)) قال‪ :‬اهللُ َو َر ُسوله َأ ْع َلم‪َ .‬ق َال‪َ (( :‬ل َح ْول‬
‫َع ْن َم ْع ِص َي ِة اهللِ إِ َّل بِ ِع ْص َم ِة اهللِ‪َ ،‬و َل ُق َّو َة َع َل َطا َعة اهللِ إِ َّل بِ َع ْو ِن اهللِ)) أخرجه البزار‬
‫والبيهقي‪.‬‬
‫وقال اإلمام النووي يف ((رشحه عىل صحيح مسلم))‪َ " :‬ق َال اهل َ َر ِو ُّي‪َ :‬ق َال‬
‫حل َركَة‪َ ،‬أ ْي‪َ :‬ل َح َركَة َو َل اِ ْستِ َطا َعة إِ َّل بِ َم ِشي َئ ِة اهللِ‪َ .‬وك ََذا َق َال‬ ‫حل ْول)‪ :‬ا َ‬ ‫َأ ُبو اهل َ ْي َثم‪( :‬ا َ‬
‫ش‪َ ،‬و َل ُق َّوة ِف َ ْت ِصيل َخ ْي إِ َّل باهللِ‪َ ،‬و ِق َيل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ون‪َ ،‬وق َيل‪َ :‬ل َح ْول ف َد ْفع َ ٍّ‬
‫آخر َ ِ‬
‫َث ْع َلب َو َ ُ‬
‫َل َح ْول َع ْن َم ْع ِص َية اهللِ إِ َّل بِ ِع ْص َمتِ ِه‪َ ،‬و َل ُق َّوة َع َل َطا َعته إِ َّل بِ َم ُعونَتِ ِه‪َ ،‬و ُح ِك َي َه َذا‬
‫(((‬
‫" اهـ‪.‬‬ ‫َع ْن اِ ْبن َم ْس ُعود‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.228/4 :‬‬


‫(‪)115‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫إذا خرج من بيته‪ ،‬ففيه اخلري‬ ‫وينبغي للمؤمن أن حيافظ عىل ما كان يقوله‬
‫ِم ْن َب ْيتِي َق ُّط إِ َّل َر َف َع‬ ‫الكبري‪ ،‬واحلظ التام له‪ ،‬ف َع ْن ُأ ِّم َس َل َم َة َقا َل ْت‪َ :‬ما َخ َر َج النَّبِ ُّي‬
‫الس َم ِء َف َق َال‪(( :‬ال َّل ُه َّم َأ ُعو ُذ بِ َ‬
‫ك َأ ْن َأ ِض َّل َأ ْو ُأ َض َّل‪َ ،‬أ ْو َأ ِز َّل َأ ْو ُأز ََّل‪َ ،‬أ ْو َأ ْظلِ َم‬ ‫َط ْر َف ُه إِ َل َّ‬
‫ي َه َل َع َ َّل)) أخرجه أبو داود وابن ماجة واللفظ أليب داود‪.‬‬ ‫َأ ْو ُأ ْظ َل َم‪َ ،‬أ ْو َأ ْج َه َل َأ ْو ُ ْ‬
‫ي ُر ُج ِم ْن‬‫ول اهللِ ‪َ (( :‬ما ِم ْن ُم ْسلِ ٍم َ ْ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫و َع ْن ُع ْث َم َن ْب ِن َع َّف َ‬
‫ان‬
‫ْت باهللِ ا ْعت ََص ْم ُ‬
‫ي ُر ُج‪ :‬بِ ْس ِم اهللِ َآمن ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َّلت‬
‫ت باهللِ ت ََوك ُ‬ ‫َب ْيته ُي ِريدُ َس َفر ًا َأ ْو َغ ْ َي ُه َف َق َال ح َ‬
‫ني َ ْ‬
‫ك‬ ‫ش َذلِ َ‬‫ف َعنْ ُه َ ُّ‬ ‫ص َ‬ ‫َع َل اهللِ َل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل باهللِ ‪ ..‬إِ َّل ُر ِز َق َخ ْ َي َذلِ َ‬
‫ك ا َملخْ َرجِ َو ُ ِ‬
‫ا َملخْ َرجِ )) أخرجه اإلمام أمحد يف مسنده‪.‬‬

‫™™تنبيــه‪:‬‬
‫اشتهر كثري ًا عىل ألسن الناس أن خيتموا هذا القول وهو‪( :‬ال حول وال قوة‬
‫إال باهلل) بقوهلم (العيل العظيم)‪ ،‬والوارد يف الصحيح أن هذه الكلمة ختتم (بالعزيز‬
‫احلكيم) وهبا ختم اإلمام النووي مقدمته لكتابه ((رياض الصاحلني))‪ ،‬قال يف ((دليل‬
‫الفاحلني)) بعد أن تكلم عن كلمة (ال حول وال قوة إالباهلل)‪(" :‬إال باهلل العزيز احلكيم)‬

‫هذا هو الوارد يف ختم هذه الكلمة يف ((الصحيح)) دون ما اشتهر من ختمها بالعيل‬
‫(((‬
‫العظيم‪ ،‬وإن جاء يف رواية كام يؤذن به بعض نسخ احلصن احلصني" اهـ‪.‬‬
‫ول اهللِ ‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫اب إِ َل رس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ب ْب ِن َس ْعد َع ْن َأبِيه َق َال‪َ :‬جا َء َأ ْع َر ِ ٌّ َ ُ‬ ‫و َع ْن ُم ْص َع ِ‬
‫ْب َكبِري ًا‬ ‫َ‬
‫يك َل ُه اهلل أك َ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫َع ِّل ْمنِي ك ََلم ًا َأ ُقو ُل ُه‪َ ،‬ق َال‪ُ (( :‬قل َل إِ َل َه إِ َّل اهلل َو ْحدَ ُه َل َ ِ‬
‫م))‬ ‫احلكِي ِ‬‫ني َل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل باهللِ ال َع ِز ِيز َ‬ ‫ِ‬ ‫احل ْمدُ هللِ كَثِري ًا ُس ْب َح َ‬
‫ان اهللِ َر ِّب ال َعا َل َ‬ ‫َو َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َق َال‪َ :‬فه ُؤ َل ِء لِرب‪َ ،‬فم ِل؟ َق َال‪ُ (( :‬قل ال َّلهم ا ْغ ِفر ِل وار ِ‬
‫ار ُز ْقني))‬ ‫حني َو ْاهد ِن َو ْ‬ ‫َ ْ َْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ ِّ َ‬ ‫َ‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.32/1 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)116‬‬

‫أخرجه مسلم وأمحد‪.‬‬

‫‪ُ (( :‬ي َق ُال َل ُه‪ُ :‬ه ِد َ‬


‫يت))‪ ،‬أي‪ :‬باستعانتك باهلل تعاىل‪ ،‬وتوكلك عليه‪،‬‬ ‫قوله‬
‫البي‪ ،‬وإىل طريق احلق‪.‬‬
‫والتنصل عن احلول والقوة ‪ُ ..‬هديت إىل الرصاط املستقيم ّ‬
‫والقائل إما احلق سبحانه وتعاىل أو ملك من مالئكته بأمره تعاىل‪.‬‬

‫((ك ُِف َ‬
‫يت))‪ ،‬أي‪ :‬كفيت كل ما هيمك من أمور الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫(( َو ُو ِق َ‬
‫يت))‪ ،‬أي‪ :‬حفظت من كل رش ومن كل ٍّ‬
‫عدو‪ ،‬بسبب تفويضك مجيع‬
‫أمورك هلل‪ ،‬وختليك عن احلول والقوة وإثباهتا هلل تعاىل‪.‬‬

‫الش ْي َط ُ‬
‫ان))‪ ،‬أي‪ :‬مال عن طريقه وعن وجهته‪ ،‬فال يستطيع‬ ‫(( َو َتن ََّحى َع ْن ُه َّ‬
‫عدو‪ ،‬والشيطان أحدهم‪.‬‬
‫ووقي من كل ّ‬
‫الوصول إليه لكونه ُهدي وكُفي ُ‬
‫ِ‬
‫ك بِ َر ُج ٍل َقدْ ُهد َ‬
‫ي‬ ‫ف َل َ‬
‫آخ ُر َك ْي َ‬ ‫ول َل ُه َش ْي َط ٌ‬
‫ان َ‬ ‫وزاد أبو داود يف روايته‪َ (( :‬ف َي ُق ُ‬
‫َوك ُِف َي َو ُو ِق َي))‪ ،‬بمعنى أن هذا الشيطان مل يسمع ما قاله املؤمن من الذكر‪ ،‬أو أنه‬
‫سمعه لكنه أراد أن يتمر َّد ويغوي صاحب الذكر‪ ،‬فيقول له شيطان آخر‪ :‬كيف‬
‫ووقي‪ ،‬أي‪ :‬عنده هذه األوصاف‬
‫يتيرس لك أن تظفر بإغواء رجل قد ُهدي وكُفي ُ‬
‫التي متنعه منك‪ ،‬فال تقدر عليه‪.‬‬
‫وربام قائل القائل‪ :‬كيف علم الشيطان بأن اهلل تعاىل أو ا َمللك قد قال له ذلك؟‬
‫فاجلواب‪ :‬أن علم الشيطان حصول هذا املعنى لقائل هذا الذكر من األمر‬
‫العام‪ ،‬وهو أن َم ْن ذكره تعاىل هبذه الكلامت املرغب فيها منه ‪ ..‬أعطي ذلك‪ ،‬بمعنى‬
‫أنه يعلم أنه من قال ذلك أعطي هذا الفضل‪ ،‬أو بسامعه من امللك إن كان هو القائل‬
‫لذلك‪.‬‬
‫(‪)117‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬
‫‪1 .1‬أن األمر هلل من قبل ومن بعد‪ ،‬وأن املؤمن بتخليه عن حوله وقوته وإثباهتا هلل‬
‫ينال عنايته‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن الذاكرين هلل حمفوظني يف مجيع أحواهلم‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن الذاكرين هلل ليس للشيطان عليهم سلطان‪.‬‬
‫فالح الدارين‪.‬‬ ‫‪4 .4‬يف املحافظة عىل سنن النبي‬
‫‪5 .5‬ال ينبغي للمؤمن أن يغفل عن ذكر اهلل‪ ،‬وأن من غفل عن ذكره استهوته‬
‫الشياطني‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)118‬‬

‫احلديث الثاني عشر‬

‫ول اهللِ‬
‫لت َيا َر ُس َ‬ ‫َق َال‪ُ :‬ق ُ‬ ‫ان ب ِن َعب ِداهللِ‬
‫عن أيب عمرو‪ ،‬وقيل‪ :‬أيب عمرة ُس ْف َي َ ْ ْ‬
‫ْت باهللِ‪ُ ،‬ث َّم ْاست َِق ْم))‪.‬‬
‫إل ْس َل ِم َق ْوالً َل َأ ْس َأ ُل َعنْ ُه َأ َحد ًا َغ ْ َي َك َق َال‪ُ (( :‬قل َآمن ُ‬
‫ُقل ِل ِف ا ِ‬
‫رواه مسلم‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمـــه‬
‫هو الصحايب اجلليل سفيان بن عبداهلل بن أيب ربيعة بن احلارث بن مالك بن‬
‫حطيط بن جشم الثقفي الطائفي‪.‬‬
‫أسلم مع الوفد‪ ،‬وهو معدود من أهل الطائف‪.‬‬
‫يكنى أبا عمرو‪ ،‬وقيل‪ :‬أبو عمرة‪ ،‬وكان عام ً‬
‫ال لسيدنا عمر بن اخلطاب عىل‬
‫الطائف‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪ ،‬فقد كانت له روايات قليلة‪.‬‬ ‫من مكثري الرواية عن النبي‬ ‫مل يكن‬
‫روى عنه‪ :‬عروة بن الزبري‪ ،‬وابنه‪ :‬هشام‪ ،‬وروى له‪ :‬مسلم حديثا واحدا‪،‬‬
‫وهو هذا احلديث الذي نحن بصدده‪ ،‬وروى له‪ :‬الرتمذي‪ ،‬وابن ماجة‪ ،‬والنسائي‪.‬‬
‫(‪)119‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫ورد احلديث بعدة ألفاظ ومل يكن عند مسلم بلفظ‪(( :‬ثم استقم)) بل كان‬
‫ول اهللِ ُقل ِل ِف ِ‬
‫اإل ْس َل ِم َق ْوالً َل َأ ْس َأ ُل َعنْ ُه َأ َحد ًا َب ْعدَ َك‪َ ،‬و ِف‬ ‫لت َيا َر ُس َ‬
‫لفظه‪ُ :‬ق ُ‬
‫است َِق ْم))‪.‬‬
‫ْت باهلل َف ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َْ‬
‫ح ِد ِ‬
‫يث َأ ِب ُأسام َة َغي َك‪َ ،‬ق َال‪ُ (( :‬قل آمن ُ ِ‬
‫َ‬
‫وعند أمحد روايات‪:‬‬
‫اإل ْس َل ِم‬‫ول اهللِ ُقل ِل ِف ِ‬ ‫لت َيا َر ُس َ‬ ‫ان ْب ِن َع ْب ِداهللِ ال َّث َق ِف ِّي َق َال‪ُ :‬ق ُ‬
‫Š Šاألوىل‪َ :‬ع ْن ُس ْف َي َ‬
‫ْت باهللِ ُث َّم‬‫او َي َة َب ْعدَ َك‪َ .‬ق َال‪ُ (( :‬قل َآمن ُ‬ ‫َق ْوالً َل َأ ْس َأ ُل َعنْ ُه َأ َحد ًا َغ ْي َك‪َ ،‬ق َال َأ ُبو ُم َع ِ‬
‫َ‬
‫ْاست َِق ْم))‪.‬‬
‫ب ِن َأ ْمر ًا‬ ‫ال َق َال‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ول اهلل َأ ْخ ِ ْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ان َع ْن َأبِ ِيه َأ َّن َر ُج ً‬ ‫Š Šالثانية‪َ :‬ع ْن َع ْب ِداهللِ ْب ِن ُس ْف َي َ‬
‫ْت باهللِ ُث َّم ْاست َِق ْم))‪َ .‬ق َال‪:‬‬ ‫اإل ْس َل ِم َل َأ ْس َأ ُل َعنْ ُه َأ َحد ًا َب ْعدَ َك‪َ .‬ق َال‪ُ (( :‬قل َآمن ُ‬ ‫ِف ِ‬
‫ش ٍء َأت َِّقي؟ َق َال‪َ :‬ف َأ َش َار بِ َي ِد ِه إِ َل لِ َسانِ ِه‪.‬‬ ‫يا رس َ ِ‬
‫ول اهلل َف َأ َّي َ ْ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ول اهلل‪َ ،‬و َقدْ‬ ‫ال َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫ان ال َّث َق ِف ِّي َع ْن َأبِ ِيه َأ َّن َر ُج ً‬
‫Š Šالثالثة‪َ :‬ع ْن َع ْب ِداهللِ ْب ِن ُس ْف َي َ‬
‫اإل ْس َل ِم بِ َأ ْم ٍر َل َأ ْس َأ ُل َعنْ ُه َأ َحد ًا َب ْعدَ َك‪.‬‬ ‫ول اهللِ ُم ْر ِن ِف ِ‬ ‫لت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫َق َال ُه َش ْي ٌم ُق ُ‬
‫لت َف َم َأت َِّقي؟ َف َأ ْو َم َأ إِ َل لِ َسانِ ِه‪.‬‬ ‫ْت باهللِ ُث َّم ْاست َِق ْم)) َق َال‪ُ :‬ق ُ‬ ‫َق َال‪ُ (( :‬قل َآمن ُ‬
‫ول اهللِ َحدِّ ْثنِي بِ َأ ْم ٍر َأ ْعت َِص ُم بِ ِه‪َ .‬ق َال‪ُ (( :‬قل َر ِّ َب اهلل ُث َّم‬
‫لت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫Š Šالرابعة‪ُ :‬ق ُ‬
‫َاف َع َل؟ َق َال‪َ :‬ف َأ َخ َذ بِ ِلس ِ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫ف َما َت ُ َّ‬ ‫ول اهللِ َما َأ ْخ َو ُ‬ ‫لت َيا َر ُس َ‬‫ْاست َِق ْم)) َق َال‪ُ :‬ق ُ‬
‫َن ْف ِس ِه‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ (( :‬ه َذا))‪.‬‬
‫ول اهللِ َحدِّ ْثنِي‬ ‫ان ْب ِن َع ْب ِداهللِ ال َّث َق ِف ِّي َق َال‪ُ :‬ق ُ‬
‫لت َيا َر ُس َ‬ ‫وعند الرتمذي‪َ :‬ع ْن ُس ْف َي َ‬
‫ول اهللِ َما َأ ْخ َو ُ‬
‫ف‬ ‫بِ َأ ْم ٍر َأ ْعت َِص ُم بِ ِه‪َ .‬ق َال‪ُ ((:‬قل َر ِّ َب اهلل ُث َّم ْاست َِق ْم))‪ُ .‬ق ُ‬
‫لت‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ان َن ْف ِس ِه‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ ((:‬ه َذا))‪.‬‬ ‫َاف َع َل؟ َف َأ َخ َذ بِ ِلس ِ‬
‫َ‬ ‫َما َت ُ َّ‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)120‬‬

‫ول اهللِ َحدِّ ْثنِي‬


‫لت َيا َر ُس َ‬‫ان ْب َن َع ْب ِداهللِ ال َّث َق ِف َّي َق َال‪ُ :‬ق ُ‬
‫وعند ابن ماجة‪َ :‬أ َّن ُس ْف َي َ‬
‫ول اهللِ َما َأ ْك َث ُر َما َت ُ‬
‫َاف‬ ‫لت‪َ :‬يا َر ُس َ‬‫بِ َأ ْم ٍر َأ ْعت َِص ُم بِ ِه‪َ .‬ق َال‪ُ ((:‬قل َر ِّ َب اهلل ُث َّم ْاست َِق ْم))‪ُ .‬ق ُ‬
‫ان َن ْف ِس ِه‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ ((:‬ه َذا))‪.‬‬ ‫بِ ِلس ِ‬
‫َ‬
‫ول اهللِ‬
‫َع َ َّل؟ َف َأ َخ َذ َر ُس ُ‬

‫‪ُ " :‬ق ُ‬


‫لت"‪ ،‬أي‪ :‬سفيان بن عبداهلل الثقفي‪ ،‬ويف روايتني عند اإلمام‬ ‫قوله‬
‫هو رجل آخر‪.‬‬ ‫أمحد أن الذي سأل النبي‬
‫ب ِن"‪،‬‬
‫إل ْس َل ِم"‪ ،‬أي‪ :‬يف دينه ورشيعته‪ ،‬ويف رواية عند أمحد‪َ " :‬أ ْخ ِ ْ‬‫" ُقل ِل ِف ا ِ‬
‫ويف رواية عند أمحد أيض ًا‪ُ " :‬م ْر ِن"‪ ،‬ويف رواية عند الرتمذي‪" :‬حدثني"‪.‬‬
‫" َق ْو ًل" ويف رواية عند أمحد‪َ " :‬أ ْم ًرا"‪ ،‬وعنده وعند الرتمذي وابن ماجة‪ٍ " :‬‬
‫بأمر"‪.‬‬
‫" َل َأ ْس َأ ُل َعنْ ُه َأ َحد ًا َغ ْ َي َك"‪ ،‬ويف رواية "بعدك"‪ ،‬أي‪ :‬قل يل وعلمني قوالً‬
‫جامع ًا ملعاين اإلسالم‪ ،‬واضح ًا بين ًا ال إشكال فيه‪ ،‬حتى أعمل به فأنجوا من املهالك‬
‫وأتقي غضب ريب‪ ،‬وال أحتاج بعده أن أسأل أحد ًا غريك؛ بل أكتفي بام تعلمني إياه؛‬
‫ملا فيه من اإلحاطة والبديع وحسن البيان وهناية اإليضاح‪.‬‬
‫ويف رواية عند أمحد والرتمذي وابن ماجة‪َ " :‬حدِّ ْثنِي بِ َأ ْم ٍر َأ ْعت َِص ُم بِ ِه"‪ ،‬أي‪:‬‬
‫يكون يل عصمة مما أخاف وأحذر‪.‬‬
‫ْت باهللِ))‪ ،‬أي‪ :‬جدد إيامنك باهلل ذكر ًا‬
‫معل ًام له‪ُ (( :‬قل َآمن ُ‬ ‫فقال النبي‬
‫بقلبك ونطق ًا بلسانك‪ ،‬واستحرض مجيع تفاصيل معاين اإليامن الرشعي‪ ،‬والذي هو‬
‫التصديق القلبي بكل ما علم بالرضورة جميء الرسول به مع النطق اللساين للقادر‬
‫عليه وظواهر الرشع‪.‬‬
‫ويكون ذلك التجديد بذكر اهلل تعاىل واإلكثار من قول ال إله إال اهلل‪ ،‬وقد ّبي‬
‫ول اهللِ ‪َ (( :‬جدِّ ُدوا إِ َيم َنك ُْم))‪.‬‬
‫قال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫ذلك‪ ،‬ف َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬ ‫النبي‬
‫(‪)121‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ف ن َُجدِّ ُد إِ َيم َننَا؟ َق َال‪َ (( :‬أكْثِ ُروا ِم ْن َق ْو ِل َل إِ َل َه إِ َّل اهللُ)) أخرجه‬ ‫ِق َيل‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ول اهللِ َو َك ْي َ‬
‫اإلمام أمحد‪.‬‬
‫ويف رواية الرتمذي وابن ماجة‪ُ (( :‬قل َر ِّ َب اهللُ))‪ ،‬أي‪ :‬أظهر إيامنك واعرتافك‬
‫بأن اهلل ربك‪.‬‬
‫(( ُث َّم ْاست َِق ْم))‪ ،‬أي‪ :‬استقم والتزم بعمل الطاعات واالنتهاء عن املنهيات‪ ،‬فإنه‬
‫ال يستقيم اإليامن مع االعوجاج‪ ،‬فاالعوجاج ضده‪.‬‬
‫وهذا احلديث من األحاديث التي عليها مدار اإلسالم‪ ،‬وهو من جوامع‬
‫هباتني الكلمتني عىل‬ ‫‪ ،‬فقد َّ‬
‫دل رسول اهلل‬ ‫الكلم التي أوتيها رسول اهلل‬
‫الصاط املستقيم‪،‬‬ ‫ُ‬
‫سلوك ِّ‬ ‫الدين كله‪ .‬قال ابن رجب احلنبيل‪" :‬واالستقامة‪ :‬هي‬
‫وهو الدِّ ي ُن الق ِّيم من غري تعريج عنه َيمن ًة وال َيرسةً‪ ،‬ويشمل ذلك َ‬
‫فعل ال َّطاعات‬
‫َ‬
‫وترك املنهيات ُك ِّلها كذلك‪ ،‬فصارت هذه الوصي ُة جامع ًة‬ ‫ك ّلها‪ ،‬الظاهرة والباطنة‪،‬‬
‫(((‬
‫خلصال الدِّ ين ُك ِّلها" اهـ‪.‬‬
‫َه َذا ِم ْن َج َو ِامع ك َِلمه‬ ‫اض ِع َياض‬ ‫وقال اإلمام النووي‪َ " :‬ق َال ال َق ِ‬

‫َو ُه َو ُم َطابِق لِ َق ْولِ ِه َت َع َال‪ :‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﱸ [فصلت‪،]30 :‬‬


‫ييدُ وا َع ْن الت َّْو ِحيد‪َ ،‬والت ََز ُموا َطا َعته‬ ‫َأي وحدُ وا اهللَ‪ ،‬وآمنُوا بِ ِه‪ُ ،‬ثم اِس َت َقاموا َف َلم َ ِ‬
‫ْ‬ ‫َّ ْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ َّ‬
‫الص َحا َبة‬ ‫سبحانه و َتع َال إِ َل َأ ْن تُو ُّفوا َع َل َذلِ َك‪ ،‬و َع َل ما َذكَرنَاه َأ ْك َثر ا ُمل َف ِ ِ‬
‫سي َن م ْن َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ َ َ َ‬
‫آخر ك ََلم ال َق ِ‬ ‫دهم‪َ ،‬و ُه َو َم ْعنَى احلَ ِديث إِ ْن َشا َء اهللِ َت َع َال‪َ .‬ه َذا َ‬
‫اض ‪.‬‬ ‫َف َم ْن َب ْع ْ‬
‫ال‪ :‬ﱹ ﮉ ﮊ ﮋ ﱸ [هود‪]112 :‬‬ ‫ِف َق ْول اهللِ َت َع َ‬ ‫َو َق َال اِ ْبن َع َّباس‬
‫ِف َجِيع ال ُق ْرآن آ َية َأ َشدّ َو َل َأ َش ُّق َع َل ْي ِه ِم ْن َه ِذ ِه اآل َية‪،‬‬ ‫ما ن ََز َل ْت َع َل رسول اهللِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬

‫((( ((جامع العلوم واحلكم))‪.)336( :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)122‬‬

‫الش ْيب‪َ ،‬ف َق َال‪َ (( :‬ش َّي َبتْنِي ُهود‬ ‫س َع إِ َل ْيك َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫لَ ْص َحابِه حني َقا ُلوا‪َ :‬قدْ َأ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫َولِ َذلِ َك َق َال‬
‫ال ْستِ َقا َمة َد َر َجة ِ َبا‬ ‫اسم ال ُق َش ِيي ِف (( ِرسا َلته))‪ِ " :‬‬
‫َ‬ ‫ْ ُّ‬
‫و َأ َخواهتا))‪َ .‬ق َال األُستَاذ َأبو ال َق ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫امها‪َ ،‬و َم ْن َل ْ َي ُك ْن ُم ْست َِقي ًام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫امها‪َ ،‬وبِ ُو ُجود َها ُح ُصول اخلَ ْ َيات َون َظ َ‬ ‫ك ََم ُل األُ ُمور َو َت َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يقها إِ َّل األَكَابِر؛‬ ‫اب َج ْهده‪َ .‬ق َال‪َ :‬وق َيل‪ :‬ال ْست َقا َمة َل ُيط َ‬ ‫اع َس ْعيه َو َخ َ‬‫ِف َحا َلته ‪َ ..‬ض َ‬
‫الق َيام َب ْي َي ِدي اهللِ َت َع َال‬ ‫ِلَنا اخلروج َعن ا َملعهودات وم َفار َقة الرسوم والعادات‪ ،‬و ِ‬
‫َ‬ ‫ُّ ُ َ َ َ‬ ‫ْ ُْ َ َ ُ َ‬ ‫َّ َ ُ ُ‬
‫اسطِ ُّي‪:‬‬ ‫َع َل ح ِقي َقة الصدْ ق‪ .‬ولِ َذلِ َك َق َال ‪(( :‬اِست َِقيموا و َلن ُ ْتصوا))‪ (((.‬و َق َال الو ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫اسن" اهـ‪.‬‬ ‫اسن‪ ،‬وبِ َف ْق ِدها َقبح ْت ا َملح ِ‬ ‫اخلص َلة ا َّلتِي ِبا كَم َل ْت ا َملح ِ‬
‫(((‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫وقال تعاىل‪ :‬ﱹﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﱸ [فصلت‪.]30 :‬‬
‫وقال أيض ًا‪ :‬ﱹ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ‬
‫ﰐ ﱸ [األحقاف‪.]13 :‬‬
‫َق َر َأ‪ :‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬ ‫ول اهللِ‬
‫َأ َّن َر ُس َ‬ ‫َس ْب ِن َمالِ ٍك‬
‫و َع ْن َأن ِ‬
‫َّاس‪ُ ،‬ث َّم َك َف َر َأ ْك َث ُر ُه ْم‪َ ،‬ف َم ْن َم َ‬
‫ات َع َل ْي َها‬ ‫ﭖ ﭗﱸ [فصلت‪َ .]30 :‬ق َال‪َ (( :‬قدْ َق َال الن ُ‬
‫‪َ ..‬ف ُه َو ِم َّ ْن ْاس َت َقا َم)) أخرجه الرتمذي‪.‬‬
‫ات َع َل ْي َها ‪َ ..‬ف ُه َو‬
‫َّاس ‪ُ ،‬ث َّم َك َف َروا‪َ ،‬ف َم ْن َم َ‬ ‫ويف رواية عند النسائي‪َ (( :‬قدْ َق َ‬
‫الا الن ُ‬
‫االستِ َق َام ِة))‪.‬‬ ‫ِ‬
‫من َأ ْه ِل ْ‬
‫وقد ذكر الطربي قول بعض الصحابة والتابعني يف معنى قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭖ‬
‫ﭗﱸ [فصلت‪ ،]30 :‬فذكر قول سيدنا أيب بكر الصديق وقال‪:‬‬

‫((( أخرجه مالك وأمحد وابن ماجة عن ثوبان‪.‬‬


‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.187/2 :‬‬
‫(‪)123‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ .‬قال‪ :‬ثنا عبدالرمحن‪ ،‬قال‪ :‬ثنا سفيان‪ ،‬عن أيب إسحاق‪ ،‬عن‬
‫عامر بن سعد‪ ،‬عن سعيد بن عمران‪ ،‬قال‪ :‬قد قرأت عند أيب بكر الصديق‬
‫هذه اآلية‪ :‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﱸ [فصلت‪ .. ]30 :‬قال‪ :‬هم الذين مل‬
‫يرشكوا باهلل شيئا‪.‬‬
‫‪،‬‬ ‫حدثنا ابن وكيع‪ .‬قال‪ :‬ثنا أيب‪ ،‬عن سفيان بإسناده‪ ،‬عن أيب بكر الصديق‬
‫مثله‪.‬‬
‫قال ثنا جرير بن عبداحلميد‪ .‬وعبداهلل بن إدريس عن الشيباين‪ ،‬عن أيب بكر‬
‫أنه قال ألصحابه‪ :‬ﱹ ﭑ‬ ‫بن أيب موسى‪ ،‬عن األسود بن هالل‪ ،‬عن أيب بكر‬
‫‪ ..‬قال‪ :‬قالوا‪ :‬ربنا اهلل ثم عملوا‬ ‫[فصلت‪]30 :‬‬ ‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﱸ‬
‫هبا‪ ،‬قال‪ :‬لقد محلتموها عىل غري املحمل ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﱸ‬
‫[فصلت‪ :]30 :‬الذين مل يعدلوها برشك وال غريه‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب وأبو السائب قاال ثنا إدريس‪ ،‬قال‪ :‬أخربنا الشيباين‪ ،‬عن‬
‫أيب بكر بن أيب موسى‪ ،‬عن األسود بن هالل املحاريب‪ ،‬قال‪ :‬قال أبوبكر‪ :‬ما تقولون‬
‫يف هذه اآلية‪ :‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﱸ [فصلت‪]30 :‬؟ قال‪ :‬ربنا اهلل ثم‬
‫استقاموا من ذنب‪ ،‬قال‪ :‬فقال أبوبكر‪ :‬لقد محلتم عىل غري املحمل‪ ،‬قالوا‪ :‬ربنا اهلل‬
‫ثم استقاموا فلم يلتفتوا إىل إله غريه‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫يف قوله تعاىل‪:‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬ ‫وقال سيدنا عمر بن اخلطاب‬
‫ﭖ ﭗﱸ [فصلت‪ .. ]30 :‬استقاموا واهلل عىل طاعته ومل يروغوا روغان الثعلب‪.‬‬
‫وقال جماهد‪ :‬أسلموا ثم مل يرشكوا به حتى حلقوا به‪.‬‬
‫وقال قتادة‪ :‬استقاموا عىل طاعة اهلل‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)124‬‬

‫وقال ابن عباس‪ :‬عىل أداء الفرائض‪.‬‬


‫باالستقامة‪ ،‬فقال تعاىل‪ :‬ﱹ ﮉ ﮊ ﮋ‬ ‫وقد جاء األمر من اهلل لنبيه‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﱸ [هود‪ ،]112 :‬وقال كذلك‪ :‬ﱹ ﯦ‬
‫ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﱸ [الشورى‪ ،]15 :‬وقال أيض ًا‪ :‬ﱹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﱸ‬
‫‪ -‬ﱹ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﱸ [فصلت‪ .. ]6 :‬إشار ٌة‬ ‫[فصلت‪ ،]6 :‬ويف قوله ‪-‬‬
‫جب ذلك باالستغفار املقتيض‬ ‫تقصري يف االستقامة املأمور هبا‪ ،‬ف ُي َ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫إىل أنَّه ال ُبدَّ من‬
‫ملعاذ‪ ،‬ويف رواية أليب ذر‪:‬‬ ‫َّبي‬
‫والرجوع إىل االستقامة‪ ،‬فهو كقول الن ِّ‬ ‫للتَّوبة ُّ‬
‫ْت َو َأ ْتبِ ْع َّ‬
‫الس ِّي َئ َة َ‬
‫احل َسنَ َة َت ْ ُح َها)) أخرجه أمحد والرتمذي‪ .‬وقد أخرب‬ ‫((ات َِّق اهللَ َح ْي ُث َم ُكن َ‬
‫خرجه اإلمام‬ ‫أن الناس لن ُيطيقوا االستقامة حق االستقامة‪ ،‬كام َّ‬ ‫‪َّ -‬‬ ‫َّبي ‪-‬‬
‫الن ُّ‬
‫يموا َو َل ْن ُ ْت ُصوا‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫قال‪ْ ((:‬استَق ُ‬ ‫َّبي‬
‫ثوبان‪ ،‬عن الن ِّ‬ ‫أمحد‪ ،‬وابن ماجه من حديث‬
‫ٍ‬
‫رواية‬ ‫وء إِ َّل ُم ْؤ ِم ٌن))‪ ،‬ويف‬ ‫واع َلموا َأ َّن َخي َأعملِكُم الص َل ُة و َلن ُيافِ َظ ع َل الو ُض ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ْ َ ْ َ ْ َّ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫لإلمام أمحد‪َ (( :‬سدِّ ُدوا َو َق ِ‬
‫ار ُبوا َوا ْع َم ُلوا َو َخ ِّ ُيوا َوا ْع َل ُموا َأ َّن َخ ْ َي َأ ْع َملك ُْم َّ‬
‫الص َل ُة‬
‫وء إِ َّل ُم ْؤ ِم ٌن))‪.‬‬
‫و َل ُيافِ ُظ ع َل الو ُض ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫‪ -‬قال‪َ (( :‬سدِّ ُدوا‬ ‫َّبي ‪-‬‬
‫ويف ((الصحيحني)) عن أيب هريرة‪ ،‬عن الن ِّ‬
‫َو َق ِ‬
‫ار ُبوا))‪.‬‬
‫َاف‬ ‫ول اهللِ َما َأ ْخ َو ُ‬
‫ف َما َت ُ‬ ‫لت‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫زاد اإلمام الرتمذي يف رواية احلديث‪ُ :‬ق ُ‬
‫ان َن ْف ِس ِه‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ ((:‬ه َذا))‪.‬‬
‫َع َل؟ َف َأ َخ َذ بِ ِلس ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ش ٍء َأت َِّقي؟ َق َال‪َ :‬ف َأ َش َار بِ َي ِد ِه إِ َل‬ ‫ويف لفظ اإلمام أمحد‪َ :‬ق َال‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ول اهلل َف َأ َّي َ ْ‬ ‫َ َ ُ‬
‫لِ َسانِ ِه‪.‬‬
‫(‪)125‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫لت َف َم َأت َِّقي؟ َف َأ ْو َم َأ إِ َل لِ َسانِ ِه‪.‬‬
‫ويف رواية عنده أيض ًا‪َ :‬ق َال‪ُ :‬ق ُ‬
‫ول اهللِ َما َأ ْك َث ُر َما َت ُ‬
‫َاف َع َ َّل؟ َف َأ َخ َذ‬ ‫لت‪َ :‬يا َر ُس َ‬‫ويف لفظ اإلمام ابن ماجة‪ُ :‬ق ُ‬
‫ان َن ْف ِس ِه‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ ((:‬ه َذا))‪.‬‬
‫بِ ِلس ِ‬
‫َ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫ول اهللِ‬
‫واملعنى‪ :‬ما اليش الذي ختاف عيل منه أكثر من غريه يا رسول اهلل حتى أتقيه‬
‫وأجتنبه؟‬
‫له‪ :‬اللسان‪ ،‬أي‪ :‬أخوف ما أخاف عليك هو اللسان؛‬ ‫فكان جواب النبي‬
‫بعد أن حتدث مع سيدنا‬ ‫ألنه يورد املهالك‪ ،‬ويف احلديث الصحيح أن النبي‬
‫س األَ ْم ِر‬ ‫ب َك بِ َر ْأ ِ‬ ‫َ ُ‬
‫عم يدخله اجلنة ويبعده عن النار ‪ ..‬قال له‪(( :‬أ َل أ ْخ ِ ُ‬ ‫ّ‬ ‫معاذ‬
‫ول اهلل‪َ .‬ق َال‪َ (( :‬ر ْأ ُس األَ ْم ِر َو َع ُمو ُد ُه‬ ‫لت‪َ :‬ب َل َيا َر ُس َ‬ ‫ود ِه َو ُذ ْر َو ِة َسن َِام ِه؟)) َف ُق ُ‬‫وعم ِ‬
‫َ َ ُ‬
‫لت‪:‬‬ ‫ك ُك ِّل ِه؟))‪َ ،‬ف ُق ُ‬ ‫ب َك بِ ِم َل ِك َذلِ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الص َل ُة َوذ ْر َو ُة َسنَامه اجل َها ُد))‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪(( :‬أ َل أ ْخ ِ ُ‬ ‫َّ‬
‫ول اهللِ‬ ‫لت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫ك َه َذا))‪َ ،‬ف ُق ُ‬ ‫ُف َع َل ْي َ‬ ‫َل ُه َب َل َيا نَبِ َّي اهلل‪َ ،‬ف َأ َخ َذ بِ ِل َسانِ ِه‪َ ،‬ف َق َال‪((:‬ك َّ‬
‫َّاس َع َل‬ ‫ُب الن َ‬ ‫ك َيا ُم َعا ُذ‪َ ،‬و َهل َيك ُّ‬ ‫ْك ُأ ُّم َ‬ ‫ون بِ َم َن َت َك َّل ُم بِ ِه؟ َف َق َال‪َ (( :‬ثكِ َلت َ‬ ‫َوإِنَّا ُمل َؤ َ‬
‫اخ ُذ َ‬
‫لسنَتِ ِه ْم)) أخرجه أمحد‬ ‫َاخ ِر ِهم ‪ -‬إِ َّل حصائِدُ َأ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫َّار ‪َ -‬أو َق َال ع َل من ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫وج ِ‬
‫وه ِه ْم ِف الن ِ‬ ‫ُ ُ‬
‫والرتمذي وابن ماجة والنسائي‪.‬‬
‫عىل سيدنا أيب بكر الصديق‬ ‫ولقد دخل سيدنا عمر بن اخلطاب‬
‫يبِ ُذلسانه‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬مه غفر اهلل لك‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬إن هذا أوردين املوارد‪.‬‬
‫وهو َ ْ‬
‫أخرجه اإلمام مالك يف املوطأ‪.‬‬
‫واجلبذ هو‪ :‬الشد واجلذب بقوة‪.‬‬
‫ويف رواية عند ابن أيب شيبة‪ :‬دخل عمر عىل أيب بكر وهو آخذ بلسانه هكذا‬
‫يقول‪ :‬ها إن ذا أوردين املوارد‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)126‬‬

‫ويف رواية عنده أيض ًا‪ :‬دخل عمر عىل أيب بكر وهو آخذ بلسانه ينضنضه‪،‬‬
‫فقال له عمر‪ :‬اهلل اهلل يا خليفة رسول اهلل‪ ،‬وهو يقول‪ :‬هاه إن هذا أوردين املوارد‪.‬‬
‫ناض‪ :‬هو حتريك اللسان‪.‬‬
‫الن َّْض ُ‬
‫ويف رواية البيهقي وأيب يعىل‪ :‬أن عمر بن اخلطاب‪ ،‬اطلع عىل أيب بكر وهو‬
‫يمد لسانه‪ ،‬قال‪ :‬ما تصنع يا خليفة رسول اهلل ؟ قال‪ :‬إن هذا الذي أوردين املوارد‪،‬‬
‫ان َع َل ِحدَ تِه))‪.‬‬
‫اجل َس ِد إِ َّل َي ْشك ُْو َذ ْر َب اللِ َس ِ‬
‫شء ِم َن َ‬
‫قال‪َ (( :‬ل ْي َس َ ٌْ‬ ‫إن رسول اهلل‬
‫والذرب هو‪ :‬فساد اللسان وبذاؤه‪.‬‬
‫ول اهللِ َأ ُّي ِ‬
‫اإل ْس َل ِم َأ ْف َض ُل؟ َق َال‪:‬‬ ‫َف َق َال َيا َر ُس َ‬ ‫وهلذا سأل رجل رسول اهلل‬
‫ك َو َي ِد َك)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫ون ِم ْن لِ َسانِ َ‬
‫(( َأ ْن َي ْس َل َم ا ُمل ْسلِ ُم َ‬
‫َأ ُّي ا ُمل ْس ِل ِم َ‬
‫ني َخ ْ ٌي؟ َق َال‪َ (( :‬م ْن‬ ‫ول اهللِ‬ ‫ويف رواية ملسلم‪ :‬إِ َّن َر ُج ً‬
‫ال َس َأ َل َر ُس َ‬
‫ون ِمن لِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سانه َو َيده))‪.‬‬ ‫َسل َم ا ُمل ْسل ُم َ ْ َ‬
‫ون ِم ْن لِ َسانِ ِه َو َي ِد ِه)) أخرجه‬
‫وقال يف احلديث اآلخر‪(( :‬ا ُمل ْسلِ ُم َم ْن َسلِ َم ا ُمل ْسلِ ُم َ‬
‫البخاري ومسلم وأمحد‪.‬‬
‫لسانه‬ ‫قال أبو حاتم كام يف ((صحيح ابن حبان))‪ :‬املعنى يف أخذ النبي‬
‫بيده وقال ‪((:‬هذا))‪ ،‬وقد أمكنه أن يقول‪ :‬اللسان‪ ،‬من غري أن يأخذ لسانه ‪ ..‬أنه‬
‫كان عاملا بالعلم الذي كان يعلم الناس‪ ،‬فأراد أن يسبق نفسه إىل العمل بالعلم الذي‬
‫استعلم‪ ،‬فعلم بأنه أخرب السائل بأن أخوف ما خياف عليه أن يورد صاحبه املوارد‪،‬‬
‫بام كان يعلمه أوال‪ ،‬حتى يفصل‬ ‫وأمره أن يقبض عليه‪ ،‬وال يطلقه‪ ،‬فعمل‬
‫مواضع العلم والتعليم‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫(‪)127‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬
‫‪1 .1‬أن اإليامن يثبت باالستقامة‪.‬‬
‫‪2 .2‬األمر باالستقامة ملا فيها من صالح الدارين‪ ،‬وأن أهل االستقامة هم أهل‬
‫الكرامة يوم القيامة‪.‬‬
‫‪3 .3‬جتديد اإليامن بذكر اهلل تعاىل بالقلب واللسان‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)128‬‬

‫احلديث الثالث عشر‬

‫ت إِ ْن ُقتِ ُ‬
‫لت َف َأ ْي َن َأنَا؟‬ ‫َي ْو َم ُأ ُح ٍد‪َ :‬أ َر َأ ْي َ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُج ٌل لِل َّنبِ ِّي‬ ‫عن َجابِ َر‬
‫ات ِف َي ِد ِه‪ُ ،‬ث َّم َقات ََل َحتَّى ُقتِ َل‪ .‬متفق عليه‪.‬‬ ‫اجلن َِّة))‪َ ،‬ف َأل َقى َتر ٍ‬
‫ََ‬ ‫َق َال‪ِ (( :‬ف َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمـــه‬
‫هو الصحايب اجلليل جابر بن عبداهلل بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن‬
‫كعب بن غنم بن كعب بن سلمة‪ ،‬االنصاري‪ ،‬اخلزرجي‪ ،‬السلمي‪ ،‬املدين‪ ،‬الفقيه‬
‫االمام الكبري‪ ،‬املجتهد احلافظ‪.‬‬
‫وأمه‪ :‬نسيبة بنت عقبة بن عدي بن سنان بن أيب بن زيد بن حرام بن كعب‬
‫ابن غنم‪.‬‬
‫واخت ُِلف يف كنيته‪ ،‬والصحيح أهنا أبو عبداهلل‪ ،‬وقيل‪ :‬ابو عبدالرمحن‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫فضائلــــه‬
‫وأرضاه من أهل بيعة الرضوان‪ ،‬وكان آخر من شهد‬ ‫كان سيدنا جابر‬
‫ليلة العقبة الثانية موت ًا‪.‬‬
‫‪ ،‬وعن عمر‪ ،‬وعيل‪ ،‬وأيب بكر‪ ،‬وأيب عبيدة‪،‬‬ ‫ِعل ًام كثري ًا عن النبي‬ ‫روى‬
‫ومعاذ بن جبل‪ ،‬والزبري‪ ،‬وطائفة‪.‬‬
‫(‪)129‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وكان مفتي املدينة يف زمانه‪.‬‬
‫عاش بعد ابن عمر أعوام ًا‪ ،‬وتفرد‪.‬‬
‫مل يشهد ُأحد ًا‪ ،‬فقد أطاع أباه‪ ،‬وجلس ألجل إخوانه ثم شهد اخلندق وبيعة‬
‫الشجرة‪.‬‬
‫وكان أبوه قد استشهد يف أحد‪ ،‬وقد أحياه اهلل وخاطبه بال واسطة‪ ،‬ف َع ْن َجابِ ٍر‬
‫اك‪َ ،‬ف َق َال‬ ‫ول اهللِ ‪َ (( :‬يا َجابِ ُر َأ َما َعلِ ْم َ‬
‫ت َأ َّن اهللَ َأ ْح َيا َأ َب َ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال ِل َر ُس ُ‬
‫احلك َْم َأ َّنُ ْم إِ َل ْي َها‬
‫ت ُ‬‫َل ُه‪َ :‬ت َ َّن َع َ َّل‪َ ،‬ف َق َال ُأ َر ُّد إِ َل الدُّ ْن َيا َف ُأ ْقت َُل َم َّر ًة ُأ ْخ َرى‪َ ،‬ف َق َال إِ ِّن َق َض ْي ُ‬
‫ون)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫َل ُي ْر َج ُع َ‬
‫وقيل أنه شهد بدرا‪ ،‬لكن حتدث هو عن نفسه أنه مل حيرضها فقال‪َ :‬غ َز ْو ُت َم َع‬
‫ش َة َغ ْز َوةً‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ول اهللِ‬
‫رس ِ‬
‫ت ْس َع َع ْ َ‬ ‫َ ُ‬
‫َق َال َجابِ ٌر‪َ :‬ل ْ َأ ْش َهدْ َبدْ ر ًا َو َل ُأ ُحد ًا‪َ ،‬منَ َعنِي َأ ِب َق َال‪َ :‬ف َل َّم ُقتِ َل َع ْبدُ اهللِ َي ْو َم ُأ ُح ٍد‬
‫ِف َغ ْز َو ٍة َق ُّط‪ .‬أخرجه مسلم وأمحد‪.‬‬ ‫ول اهللِ‬‫ف َع ْن رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َل ْ َأ َ َ‬
‫ت َّل ْ‬
‫قال ابن سعد‪ :‬شهد جابر العقبة مع السبعني‪ ،‬وكان أصغرهم‪.‬‬
‫وكان مهتام حريص ًا عىل كسب احلديث مهام كانت املتاعب‪ ،‬وقد رحل إىل‬
‫يل‬‫الشام ليتلقى حديث ًا واحد ًا عليه رضوان اهلل تعاىل‪ ،‬ف َع ْن َع ْب ِداهللِ ْب ِن ُم َ َّم ِد ْب ِن َع ِق ٍ‬
‫ول اهللِ ‪،‬‬ ‫يث َع ْن ر ُج ٍل س ِم َع ُه ِم ْن رس ِ‬ ‫ول‪َ :‬ب َل َغنِي َح ِد ٌ‬ ‫َأ َّن ُه َس ِم َع َجابِ َر ْب َن َع ْب ِداهللِ َي ُق ُ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الشا َم‪،‬‬ ‫س ُت إِ َل ْي ِه َش ْهر ًا َحتَّى َق ِد ْم ُت َع َل ْي ِه َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ت ْي ُت َبع ًريا‪ُ ،‬ث َّم َشدَ ْد ُت َع َل ْيه َر ْحل‪َ ،‬ف ْ‬
‫ِ‬
‫اش َ َ‬‫َف ْ‬
‫لت‬ ‫اب‪َ ،‬ف َق َال ا ْب ُن َع ْب ِداهلل؟ ُق ُ‬ ‫اب‪ُ :‬قل َل ُه َجابِ ٌر َع َل ال َب ِ‬ ‫لت لِل َب َّو ِ‬
‫س‪َ ،‬ف ُق ُ‬ ‫َفإِ َذا َع ْبدُ اهللِ ْب ُن ُأ َن ْي ٍ‬
‫لت‪َ :‬ح ِديث ًا َب َل َغنِي َعن َْك َأن ََّك َس ِم ْع َت ُه‬ ‫َن َع ْم‪َ ،‬ف َخ َر َج َي َط ُأ َث ْو َب ُه‪َ ،‬فا ْع َتنَ َقنِي َوا ْع َتنَ ْق ُت ُه‪َ ،‬ف ُق ُ‬
‫وت َق ْب َل َأ ْن َأ ْس َم َع ُه‪َ .‬ق َال‪:‬‬ ‫وت َأ ْو َأ ُم َ‬ ‫يت َأ ْن َت ُ َ‬ ‫اص‪َ ،‬ف َخ ِش ُ‬ ‫الق َص ِ‬ ‫ِف ِ‬ ‫ِم ْن رس ِ‬
‫ول اهللِ‬
‫َ ُ‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)130‬‬

‫الع َبا ُد ُع َرا ًة ُغ ْرالً‬‫القيام ِة‪َ ،‬أو َق َال ِ‬ ‫ِ‬ ‫َي ُق ُ‬ ‫ول اهللِ‬‫َس ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫َّاس َي ْو َم َ َ ْ‬ ‫ش الن ُ‬ ‫يَُ‬ ‫ول‪ْ ُ (( :‬‬
‫ت َي ْس َم ُع ُه ِم ْن‬ ‫َادهيِم بِصو ٍ‬ ‫ِ‬
‫ش ٌء‪ُ ،‬ث َّم ُين ْ َ ْ‬ ‫ُ ْب ًم))‪َ .‬ق َال‪ُ :‬قلنَا َو َما ُ ْب ًم؟ َق َال‪َ (( :‬ل ْي َس َم َع ُه ْم َ ْ‬
‫َّار َأ ْن َيدْ ُخ َل الن ََّار َو َل ُه ِعنْدَ‬
‫ان‪َ ،‬و َل َي ْن َب ِغي ِلَ َح ٍد ِم ْن َأ ْه ِل الن ِ‬ ‫ك َأنَا الدَّ َّي ُ‬‫ب‪َ :‬أنَا ا َمللِ ُ‬ ‫ُق ْر ٍ‬
‫اجلن َِّة َأ ْن َيدْ ُخ َل َ‬
‫اجلنَّ َة‬ ‫اجلن َِّة َح ٌّق َحتَّى َأ ُق َّص ُه ِمنْ ُه‪َ ،‬و َل َينْ َب ِغي ِلَ َح ٍد ِم ْن َأ ْه ِل َ‬
‫َأ َح ٍد ِم ْن َأ ْه ِل َ‬
‫َّار ِعنْدَ ُه َح ٌّق َحتَّى َأ ُق َّص ُه ِم ْن ُه َحتَّى ال َّل ْط َم ُة)) َق َال‪ُ :‬قلنَا َك ْي َ‬
‫ف َوإِنَّا إِن ََّم‬ ‫َو ِلَ َح ٍد ِم ْن َأ ْه ِل الن ِ‬
‫َات))‪ .‬أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫َات والسيئ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُع َرا ًة ُغ ْرالً ُ ْب ًم؟ َق َال‪(( :‬بِ َ‬ ‫ن َْأ ِت اهللَ‬
‫احل َسن َ َّ ِّ‬
‫وروى ابن عجالن‪ ،‬عن عبيداهلل بن مقسم‪ ،‬قال‪ :‬رحل جابر بن عبداهلل يف‬
‫آخر عمره إىل مكة يف أحاديث سمعها‪ ،‬ثم انرصف إىل املدينة‪.‬‬
‫باخلريية مع من حرض احلديبية‪ ،‬ف َع ْن َجابِ ٍر ْب ِن‬ ‫وقد شهد له رسول اهلل‬
‫ض))‪،‬‬ ‫حلدَ ْيبِ َي ِة‪َ (( :‬أ ْنت ُْم َخ ْ ُي َأ ْه ِل األَ ْر ِ‬
‫َي ْو َم ا ُ‬
‫ول اهللِ‬‫َق َال‪َ :‬ق َال َلنَا َر ُس ُ‬ ‫َعب ِداهللِ‬
‫ْ‬
‫الش َج َر ِة‪ .‬أخرجه البخاري‬ ‫َان َّ‬ ‫ص ال َي ْو َم َلَ َر ْي ُتك ُْم َمك َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫َو ُكنَّا َألف ًا َو َأ ْر َب َع مائَة َو َل ْو ُكن ُْت ُأ ْب ُ‬
‫ومسلم‪.‬‬
‫يض َل َأ ْع ِق ُل‪َ (((،‬فت ََو َّض َأ‬ ‫َي ُعو ُد ِن َو َأنَا َم ِر ٌ‬ ‫ول اهللِ‬
‫قال‪َ :‬جا َء َر ُس ُ‬ ‫وعنه‬
‫ول اهللِ َلِ ْن املِ َري ُ‬
‫اث إِن ََّم َي ِر ُثنِي ك ََل َل ٌة؟‬ ‫لت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫وئ ِه‪َ ،‬ف َع َق ُ‬
‫لت‪َ ،‬ف ُق ُ‬ ‫وصب َع َل ِمن و ُض ِ‬
‫َ َ َّ َّ ْ َ‬
‫ض‪ .‬أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫َفن ََز َل ْت آ َي ُة ال َف َر ِائ ِ‬
‫و َأبوبك ٍْر ِف بنِي س ِلم َة م ِ‬
‫اش َي ْ ِ‬
‫ي‪،‬‬ ‫ويف رواية عند البخاري‪َ :‬عا َد ِن النَّبِ ُّي‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫َل َأ ْع ِق ُل َش ْي ًئا‪َ ،‬فدَ َعا بِ َم ٍء‪َ ،‬فت ََو َّض َأ ِمنْ ُه‪ُ ،‬ث َّم َر َّش َع َ َّل َف َأ َف ْق ُت‪،‬‬ ‫َف َو َجدَ ِن النَّبِ ُّي‬
‫ت‪ :‬ﱹ ﮓ ﮔ ﮕ‬ ‫ول اهلل؟ َفن ََز َل ْ‬ ‫لت‪َ :‬ما ت َْأ ُم ُر ِن َأ ْن َأ ْصن ََع ِف َم ِال َيا َر ُس َ‬ ‫َف ُق ُ‬
‫ﮖ ﱸ[النساء‪.]11 :‬‬

‫((( أي‪ :‬مغمى عيل‪.‬‬


‫(‪)131‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وقد كان يقدُ م إليه طالب العلم ألخذ العلم عنه‪ ،‬فقد قال يف ((اإلصابة))‪:‬‬
‫"ويف مصنف وكيع عن هشام بن عروة قال‪ :‬كان جلابر بن عبداهلل حلقة يف املسجد‬
‫(((‬
‫يعني النبوي يؤخذ عنه العلم" اهـ‪.‬‬

‫™™روايته للحديث‪:‬‬
‫من مكثري الرواية عن النبي‬ ‫يعد سيدنا جابر بن عبداهلل األنصاري‬
‫ألفا ومخس مئة وأربعني حديثا (‪ ،)1540‬اتفق له‬ ‫‪ ،‬فقد روى عن النبي‬
‫الشيخان عىل ثامنية ومخسني حديثا (‪ ،)58‬وانفرد له البخاري بستة وعرشين حديثا‬
‫(‪ ،)26‬ومسلم بمئة وستة وعرشين حديثا (‪.)116‬‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫قد كف برصه يف آخر حياته‬ ‫جاء يف األخبار أن سيدنا جابر بن عبداهلل‬
‫كام ُذكر ذلك يف احلديث املتقدم قريبا يف البخاري واملتحدث عن أهل احلديبية‪.‬‬
‫واخت ُِل َ‬
‫ف يف سنة انتقاله عليه رضوان اهلل عىل أقول‪:‬‬
‫‪y y‬قال الواقدي وحييى بن بكري وخارجة بن احلارث وطائفة‪ :‬مات سنة ثامن‬
‫وسبعني للهجرة‪ ،‬وهو األقرب‪.‬‬
‫‪y y‬وقال أبو نعيم‪ :‬سنة سبع وسبعني‪.‬‬
‫‪y y‬وقيل‪ :‬سنة ثالث وسبعني‪.‬‬
‫‪y y‬وقيل‪ :‬أربع وسبعني‪ ،‬كام يف االستيعاب البن عبد الرب‪ ،‬وهو قول اهليثم بن عدي‪.‬‬
‫وقد تويف وهو ابن أربع وتسعني سنة‪ ،‬فعىل هذا‪ ،‬كان عمره يوم بدر ثامين‬

‫((( ((اإلصابة))‪.279/1 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)132‬‬

‫‪.‬‬ ‫عرشة سنة‬


‫قال الواقدي وعيل بن املديني‪ :‬مات جابر بعد أن ُع ِّم َر‪ ،‬فأوىص أال يصيل‬
‫عليه احلجاج‪.‬‬
‫ٍ‬
‫يومئذ‪.‬‬ ‫فصىل عليه أبان بن عثامن وهو وايل املدينة‬
‫موت ًا‬ ‫ومن طريق أيب هالل عن قتادة قال كان آخر أصحاب رسول اهلل‬
‫باملدينة جابر‪.‬‬
‫قال البغوي‪ :‬هو وهم وآخرهم سهل بن سعد‪.‬‬
‫وأرضاه ومجعنا به يف أعىل فراديس اجلنان‪ ،‬آمني اللهم آمني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫وح ْب ِن َز ْي ِد ْب ِن َح َرا ٍم‬ ‫حل َم ِم ْب ِن ا َ‬
‫جل ُم ِ‬ ‫" هو َع ْم ُرو ْب ُن ا ُ‬ ‫قول‪َ " :‬ق َال َر ُج ٌل لِلنَّبِ ِّي‬
‫الس َل ِم ُّي‪.‬‬ ‫األَن َْص ِ‬
‫ار ُّي ُّ‬
‫وقيل‪ :‬أنه أول من ُقتِ َل من األنصار يف اإلسالم‪ ،‬قتله َخالِدُ ْب ُن األَ ْع َل ِم ال ُع َق ْي ِ ُّل‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬بل أول قتيل من األنصار هو حارثة بن رساقة‪.‬‬
‫قوله‪َ " :‬ي ْو َم ُأ ُح ٍد"‪ ،‬وهنا دقيقة‪ ،‬وهي أن بعضهم خيلط بني هذه القصة وما وقع‬
‫وموا إِ َل‬ ‫ول اهللِ ‪ُ (( :‬ق ُ‬ ‫يف يوم بدر لتشابه احلكاية‪ ،‬وفيها أي‪ :‬قصة بدر‪َ :‬ف َق َال َر ُس ُ‬
‫ار ُّي َيا َر ُس َ‬ ‫حل َم ِم األَن َْص ِ‬ ‫ات َواألَ ْر ُض)) َق َال‪َ :‬ي ُق ُ‬ ‫ٍ‬
‫ول‬ ‫ول ُع َم ْ ُي ْب ُن ا ُ‬ ‫َجنَّة َع ْر ُض َها َّ‬
‫الس َم َو ُ‬
‫ول اهللِ‬ ‫ات َواألَ ْر ُض؟ َق َال‪َ (( :‬ن َع ْم))‪َ .‬ق َال َب ٍخ َب ٍخ‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫ِ‬
‫اهلل َجنَّ ٌة َع ْر ُض َها َّ‬
‫الس َم َو ُ‬
‫ول اهللِ إِ َّل َر َجا َء َة َأ ْن‬ ‫ك َبخٍ َبخٍ ؟)) َق َال‪َ :‬ل َواهللِ َيا َر ُس َ‬ ‫ك َع َل َق ْولِ َ‬ ‫ي ِم ُل َ‬
‫‪َ (( :‬ما َ ْ‬
‫ات ِم ْن َق َرنِ ِه‪َ ،‬ف َج َع َل َي ْأك ُُل‬‫َّك ِمن َأهلِها))‪َ ،‬ف َأ ْخرج َتر ٍ‬ ‫َأك َ ِ‬
‫َ َ ََ‬ ‫ُون م ْن َأ ْه ِل َها‪َ ،‬ق َال‪َ (( :‬فإِن َ ْ ْ َ‬
‫(‪)133‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِمن ُْه َّن‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ :‬ل ِئ ْن َأنَا َح ِي ُ‬
‫يت َحتَّى آك َُل َت َ َر ِات َهذه إِ َّنَا َ َ‬
‫ل َيا ٌة َط ِوي َل ٌة‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َر َمى بِ َم‬
‫َان َم َع ُه ِم ْن الت َّْم ِر‪ُ ،‬ث َّم َقا َت َل ُه ْم َحتَّى ُقتِ َل‪ .‬أخرجه مسلم وأمحد‪.‬‬ ‫ك َ‬

‫حلام ِم‪ ،‬وبعضهم ضعف رواية‬


‫وهلذا نجد البعض يقول أن الرجل هو ُع َم ْ ُي ْب ُن ا ُ‬
‫الشيخني؛ ألن القصة وقعت يوم بدر‪ ،‬ومها ذكرا القصة يف يوم أحد‪ ،‬وهو خطأ‪،‬‬
‫(((‬
‫ألن الضعيف هو تفسري هذه هبذه‪ ،‬وكل منها صحيحة‪ ،‬ومها قصتان لشخصني‪.‬‬
‫قال يف ((فتح الباري))‪" :‬وزعم بن بشكوال أنه عمري بن احلامم‪ ،‬وهو بضم‬
‫املهملة وختفيف امليم‪ ،‬وسبقه إىل ذلك اخلطيب‪ ،‬واحتج بام أخرجه مسلم من حديث‬
‫أنس أن عمري بن احلامم أخرج مترات فجعل يأكل منهن‪ ،‬ثم قال‪ :‬لئن أنا أحييت‬
‫حتى آكل مترايت هذه إهنا حلياة طويلة‪ ،‬ثم قاتل حتى قتل‪ ،‬قلت‪ :‬لكن وقع الترصيح‬
‫يف حديث أنس أن ذلك كان يوم بدر والقصة التي يف الباب‪ ..‬وقع الترصيح يف‬
‫حديث جابر أهنا كانت يوم أحد‪ ،‬فالذي يظهر أهنام قصتان وقعتا لرجلني‪ ،‬واهلل‬
‫(((‬
‫أعلم" اهـ‪.‬‬

‫ت إِ ْن ُقتِ ُ‬
‫لت َف َأ ْي َن َأنَا؟"‪ ،‬أي‪ :‬أخربين يا رسول اهلل إن أنا قتلت يف‬ ‫قوله‪َ " :‬أ َر َأ ْي َ‬
‫سبيل اهلل فأين أكون‪ ،‬وتكون عاقبتي؟‬
‫‪.‬‬ ‫(( َق َال‪ )):‬رسول اهلل‬
‫اجلن َِّة))‪ ،‬أي‪ :‬تكون يف اجلنة‪.‬‬
‫(( ِف َ‬

‫ات ِف َي ِد ِه))‪ ،‬وكانت التمرات قليلة‪.‬‬


‫(( َف َأل َقى)) الرجل (( َتر ٍ‬
‫ََ‬
‫(( ُث َّم َقات ََل َحتَّى ُقتِ َل))‪ ،‬ونال الشهادة‪ ،‬وقد قال اهلل تعاىل‪ :‬ﱹ ﯲ ﯳ ﯴ‬

‫((( انظر‪(( :‬طرح التثريب))‪.1930 - 1929/6 :‬‬


‫((( ((فتح الباري))‪.399/7 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)134‬‬

‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﱸ [النساء‪ ،]74 :‬وقال تعاىل‪ :‬ﱹﭑ ﭒ‬


‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﱸ [البقرة‪ ،]154 :‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫ﱹﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﱸ [آل عمران‪.]169 :‬‬
‫فقال‪ :‬يا رسول اهلل إين رجل‬ ‫‪ :‬أن رجال أسود ًا أتى النبي‬ ‫وعن أنس‬
‫أسود منتن الريح قبيح الوجه ال مال يل فإن أنا قاتلت هؤالء حتى أقتل فأين أنا؟‬
‫ك‪،‬‬ ‫فقال‪َ (( :‬قدْ َب َّي َض اهللُ َو ْج َه َ‬ ‫اجلن َِّة)) فقاتل حتى قتل‪ ،‬فأتاه النبي‬ ‫قال‪ِ (( :‬ف َ‬
‫ت ز َْو َج َت ُه ِم َن ُ‬
‫احل ْو ِر‬ ‫ك))‪ ،‬و قال هلذا أو لغريه‪َ (( :‬ل َقدْ َر َأ ْي ُ‬ ‫ك‪َ ،‬و َأ ْك َث َر َم ْا َل َ‬
‫ي َ‬‫ب ِر ْ َ‬ ‫َو َط َّي َ‬
‫ي ُج َّبتِ ِه))‪ .‬أخرجه احلاكم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ي َن ْا ِز َع ْت ُه ُج َّب ًة َل ُه م ْن ُص ْوف تَدْ ُخ ُل بِ ْينَ ُه َو َب ْ َ‬‫الع ْ ِ‬‫ِ‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬ثبوت اجلنة للشهيد الذي يقاتل يف سبيل اهلل‪.‬‬
‫‪2 .2‬املؤمن يبادر باخلري‪ ،‬وال يشتغل عنه بحظوظ النفس‪.‬‬
‫عىل حب كبري لنرصة اإلسالم‪ ،‬ورغبة عالية يف‬ ‫‪3 .3‬كان أصحاب النبي‬
‫الشهادة ابتغاء مرضاة اهلل‪.‬‬
‫(‪)135‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث الرابع عشر‬

‫يه َم كَثِ ٌري ِم ْن‬


‫ون فِ ِ‬ ‫‪(( :‬نِ ْع َمت ِ‬
‫َان َم ْغ ُب ٌ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال ال َّنبِ ُّي‬ ‫َع ْن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫اس‬
‫الص َّح ُة َوال َف َرا ُغ)) رواه البخاري‪.‬‬ ‫الن ِ‬
‫َّاس‪ِّ :‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمـــه‬
‫هو الصحايب اجلليلفخر الفخار‪ ،‬وبدر األحبار‪ ،‬البحر الزخار‪ ،‬والعني‬
‫املتفرس احلساس‪ ،‬والويضء اللباس‪ ،‬مكرم‬
‫اخلرار‪ ،‬مفرس التنزيل‪ ،‬ومبني التأويل‪ّ ،‬‬
‫‪.‬‬ ‫ّ‬
‫اجللس‪ ،‬ومطعم الناس‪ ،‬عبداهلل بن عباس‬
‫وأمه‪ :‬هي أم الفضل لبابة بنت احلارث بن حزن بن بجري اهلاللية‪ ،‬من هالل‬
‫ابن عامر‪.‬‬
‫ِ‬
‫بيسري‪ ،‬وذلك قبل‬ ‫ولد يف ِّ‬
‫الشعب وبنو هاشم حمصورون قبل خروجهم منه‬
‫اهلجرة بثالث سنني‪.‬‬
‫السجاد‪ ،‬والفضل‪ ،‬وحممد‪ ،‬و ُعبيداهلل‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وكان له من الولد‪ :‬العباس‪ ،‬وعيل‬
‫و ُلبابة‪ ،‬وأسامء‪.‬‬
‫يكنى‪ :‬أبا العباس‪ ،‬وهو َح ْب االمة وعاملها وترمجان القرآن‪ ،‬ويسمى البحر‬
‫لغزارة علمه‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)136‬‬

‫انتقل مع أبويه إىل دار اهلجرة سنة الفتح‪ ،‬وقد أسلم قبل ذلك‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫عرش سنني‪ ،‬فقد قال‬ ‫وعمر ابن عباس‬ ‫وقد تويف رسول اهلل‬
‫ش ِسنِ َ‬
‫ني‪ .‬أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫َو َأنَا ا ْب ُن َع ْ ِ‬ ‫ول اهللِ‬
‫ت ُُو ِّ َف َر ُس ُ‬
‫ش َة َسنَ ًة‪.‬‬ ‫َو َأنَا ا ْب ُن َ ْ‬ ‫ول اهللِ‬
‫ويف رواية عند اإلمام أمحد‪ :‬ت ُُو ِّ َف َر ُس ُ‬
‫خ َس َع ْ َ‬
‫ويف اجلمع بني الروايات قال احلافظ ابن حجر العسقالين يف ((فتح الباري))‪:‬‬
‫"املحفوظ الصحيح أنه ولد بالشعب وذلك قبل اهلجرة بثالث سنني‪ ،‬فيكون له عند‬
‫الوفاة النبوية ثالث عرشة سنة‪ ،‬وبذلك قطع أهل السري‪ ،‬وصححه ابن عبدالرب‪،‬‬
‫وأورد بسند صحيح عن ابن عباس أنه قال‪ :‬ولدت وبنو هاشم يف الشعب‪ ،‬وهذا‬
‫ال ينايف قوله‪( :‬ناهزت االحتالم) وال قوله‪( :‬وكانوا ال خيتنون الرجل حتى يدرك؛‬
‫الحتامل أن يكون أدرك‪ ،‬فختن قبل الوفاة النبوية وبعد حجة الوداع)‪ ،‬وأما قوله‪:‬‬
‫عرشة)‬ ‫(وأنا ابن عرش) فمحمول عىل إلغاء الكرس‪ ،‬ورواية أمحد (وأنا ابن مخس‬
‫يمكن ردها إىل رواية ثالث عرشة بأن يكون ابن ثالث عرشة ويشء‪ ،‬وولد يف أثناء‬
‫السنة‪ ،‬فجرب الكرسين‪ ،‬بأن يكون ولد مثال يف شوال‪ ،‬فله من السنة االوىل ثالثة‬
‫يف ربيع‪ ،‬فله من السنة األخرية ثالثة‬ ‫أشهر‪ ،‬فأطلق عليها سنة‪ ،‬وقبض النبي‬
‫أخرى‪ ،‬وأكمل بينهام ثالث عرشة‪ ،‬فمن قال‪( :‬ثالث عرشة) ألغى الكرسين‪ ،‬ومن‬
‫(((‬
‫قال‪( :‬مخس عرشة) جربمها‪ ،‬واهلل أعلم" اهـ‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫فضائلـــه‬
‫ومن الذي يستطيع أن يعد قطرات املطر‪ ،‬فإن حلرب األمة وترمجان القرآن‬
‫من الفضائل اجلمة ما يعجز اللسان عن ذكرها‪،‬‬ ‫سيدنا عبداهلل بن عباس‬
‫والقلم عن كتابتها‪ ،‬غري أننا سنذكر بعض ًا منها‪.‬‬
‫((( ((فتح الباري))‪.99/11 :‬‬
‫(‪)137‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫له‪ ،‬فقد كان‬ ‫وأرضاه فخر ًا ورشف ًا دعوة احلبيب األعظم‬ ‫ويكفيه‬
‫يبيت كثري ًا وهو صغري يف بيت خالته أم املؤمنني ميمونة‬ ‫ابن عباس‬
‫فعن‬ ‫حتى جاءت الليلة التي فتح له فيها الباب بربكة أم املؤمنني ميمونة‬
‫قال‪ :‬كنت يف بيت ميمونة ابنة احلارث‪َ ،‬ف َو َض ْع ُت لرسول اهلل‬ ‫ابن عباس‬
‫طهوره‪ ،‬فقال‪َ (( :‬م ْن َو َض َع َه َذا)) فقالت ميمون ُة‪ :‬عبداهلل‪ ،‬فقال‪(( :‬ال ّل ُه َم َف ِّق ْه ُه ِف‬
‫الدِّ ْي ِن َو َع ِّل ْم ُه الت َّْأ ِو ْي َل)) أخرجه احلاكم وابن أيب شيبة وابن حبان‪.‬‬
‫ويف رواية عند الطرباين‪ :‬فقال النبي ‪َ (( :‬م ْن َو َض َع ُه))؟ قال ابن عباس‪ :‬أنا‪،‬‬
‫ين َو َع ِّل ْم ُه الت َّْأ ِو َ‬
‫يل))‪.‬‬ ‫اللهم َف ِّق ْه ُه ِف الدِّ ِ‬
‫فرضب عىل منكبي وقال‪َّ (( :‬‬
‫َأ َّن َر ُس َ‬
‫ول اهلل‬ ‫اس‬ ‫ويف روية اإلمام أمحد‪َ :‬عن س ِع ِ‬
‫يد ْب ِن ُج َب ْ ٍي َع ِن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬ ‫ْ َ‬
‫اللهم َف ِّق ْه ُه ِف الدِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ين‬ ‫َو َض َع َيدَ ُه َع َل كَتفي َأ ْو َع َل َمنْكبِي َش َّك َسعيدٌ ُث َّم َق َال‪َّ (( :‬‬
‫يل))‪.‬‬‫َو َع ِّل ْم ُه الت َّْأ ِو َ‬
‫اللهم َف ِّق ْه ُه ِف الدِّ ِ‬
‫ين))‪.‬‬ ‫ويف رواية اإلمام البخاري َق َال‪َّ (( :‬‬
‫َق َال َض َّمنِي َر ُس ُ‬
‫ول اهلل‬ ‫ويف رواية البخاري وأمحد َع ْن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫اس‬
‫ِ‬
‫اللهم َع ِّل ْم ُه الكت َ‬
‫َاب))‪.‬‬ ‫َو َق َال‪َّ (( :‬‬
‫ِ‬
‫اللهم َع ِّل ْم ُه احلك َ‬
‫ْم َة))‪.‬‬ ‫ويف رواية عند البخاري أيض ًا‪َّ (( :‬‬
‫ويف رواية عند مسلم َق َال‪َّ (( :‬‬
‫اللهم َف ِّق ْه ُه))‪.‬‬
‫وحقق اهلل هذه الدعوات‪ ،‬وبرز علمه وظهر‪ ،‬وعم املشارق واملغارب‪ ،‬وقد‬
‫يأذن له بالدخول مع أهل بدر‪ ،‬فعنه‬ ‫كان أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب‬
‫اب َي ْأ َذ ُن ِلَ ْه ِل َبدْ ٍر َو َي ْأ َذ ُن ِل َم َع ُه ْم‪َ ،‬ف َق َال َب ْع ُض ُه ْم‪َ :‬ي ْأ َذ ُن ِل َ َذا‬
‫َان ُع َم ُر ْب ُن اخلَ َّط ِ‬
‫َق َال‪ :‬ك َ‬
‫ال َفتَى َم َعنَا َو ِم ْن َأ ْبن َِائنَا َم ْن ُه َو ِم ْث ُل ُه؟ َف َق َال ُع َم ُر‪ :‬إِ َّن ُه َم ْن َقدْ َع ِل ْمت ُْم‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َأ ِذ َن َل ُ ْم‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)138‬‬

‫ور ِة ﱹ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﱸ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ات َي ْو ٍم‪َ ،‬و َأذ َن ِل َم َع ُه ْم‪َ ،‬ف َس َأ َل ُ ْم َع ْن َهذه ُّ‬
‫الس َ‬ ‫َذ َ‬
‫ُوب إِ َل ْي ِه‪َ ،‬ف َق َال ِل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إِ َذا ُفت َح َع َل ْيه َأ ْن َي ْس َت ْغف َر ُه َو َيت َ‬ ‫[النرص‪َ ،]1 :‬ف َقا ُلوا‪َ :‬أ َم َر نَبِ َّي ُه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب نَبِ َّي ُه َع َل ْيه َّ‬
‫الص َلة‬ ‫لت‪َ :‬ل ْي َس ْت ك ََذل َك‪َ ،‬و َلكنَّ ُه َأ ْخ َ َ‬ ‫اس؟ َق َال ُق ُ‬ ‫ول َيا ا ْب َن َع َّب ٍ‬ ‫َما َت ُق ُ‬
‫ور َأ َج ِل ِه َف َق َال‪:‬‬ ‫الس َل ُم بِ ُح ُض ِ‬‫َو َّ‬
‫ﱹ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﱸ [النرص‪َ ]1 :‬فت ُْح َم َّك َة‪.‬‬
‫ﱹ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﱸ [النرص‪َ ،]2 :‬ف َذلِ َك َع َل َم ُة‬
‫َم ْوتِ َك‪.‬‬
‫ﱹﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﱸ [النرص‪َ ،]3 :‬ف َق َال َل ُ ْم‪َ :‬ك ْي َ‬
‫ف‬
‫َت ُلو ُم ِ‬
‫ون َع َل َما ت ََر ْو َن‪ .‬أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬
‫َاج ِيه‪.‬‬ ‫َق َال‪ُ :‬كن ُْت م َع َأ ِب ِعنْدَ النَّبِي ‪َ ،‬و ِعنْدَ ُه ر ُج ٌل ُين ِ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫و َع ِن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫اس‬
‫اس‪َ ،‬ف َخ َر ْجنَا ِم ْن ِعن ِْد ِه‪َ ،‬ف َق َال َأ َل ْ ت ََر إِ َل ا ْب ِن َع ِّم َك‬‫ض َع ْن ال َع َّب ِ‬ ‫ان‪َ :‬و ُه َو كَا ُمل ْع ِر ِ‬ ‫َق َال َع َّف ُ‬
‫َان ِعنْدَ ُه‬
‫ان‪َ :‬ف َق َال َأ َو ك َ‬ ‫َاج ِيه‪َ .‬ق َال َع َّف ُ‬ ‫َان ِعنْدَ ُه ر ُج ٌل ُين ِ‬
‫َ‬ ‫لت‪ :‬إِ َّن ُه ك َ‬
‫ض َعنِّي‪َ ،‬ف ُق ُ‬ ‫كَا ُمل ْع ِر ِ‬
‫َان ِعنْدَ َك َأ َحدٌ ؟ َفإِ َّن‬ ‫ول اهللِ َهل ك َ‬ ‫لت‪َ :‬ن َع ْم‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َر َج َع إِ َل ْي ِه‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫َأ َحدٌ ؟ ُق ُ‬
‫َاج ِيه‪َ .‬ق َال‪َ (( :‬هل َر َأ ْي َت ُه َيا َع ْبدَ اهلل؟)) َق َال‪َ :‬ن َع ْم‪َ .‬ق َال‪:‬‬ ‫ال ُتن ِ‬ ‫ب ِن َأ َّن ِعنْدَ َك َر ُج ً‬ ‫ِ‬
‫َع ْبدَ اهلل َأ ْخ َ َ‬
‫ْك)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫يل َو ُه َو ا َّل ِذي َش َغ َلنِي َعن َ‬ ‫اك ِج ْ ِب ُ‬ ‫(( َذ َ‬

‫وعيل ثياب بيض‪ ،‬وهو‬ ‫َّ‬ ‫قال‪ :‬مررت برسول اهلل‬ ‫ويف رواية عنه‬
‫وأنا ال أعلم‪ ،‬فلم ُأ َس ِّلم‪ ،‬فقال‬ ‫يناجي دحية بن خليفة الكلبي‪ ،‬وهو جربيل‬
‫جربيل‪ :‬يا حممد من هذا؟ قال‪َ (( :‬ه َذا ا ْب ُن َع ِّم ْي َه َذا ا ْب ُن َع َّب ٍ‬
‫اس))‪ .‬قال‪ :‬ما أشد‬
‫وضح ثيابه‪ ،‬أما إن ذريته ستسود بعده‪ ،‬لو سلم علينا رددنا عليه‪ ،‬فلام رجعت ‪..‬‬
‫ك َأ ْن ت َُس ِّل َم؟)) قلت‪ :‬بأيب أنت وأمي‬ ‫قال يل رسول اهلل ‪َ (( :‬يا ا ْب َن َع َّب ٍ‬
‫اس َم ْا َمنَ َع َ‬
‫(‪)139‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫رأيتك تناجي دحية بن خليفة‪ ،‬فكرهت أن تنقطع عليكام مناجاتكام‪ .‬قال‪َ (( :‬و َقدْ‬
‫ك))‪ .‬أخرجه‬ ‫ك ِف َم ْوتِ َ‬
‫ص َك َو ُي َر ُّد َع َل ْي َ‬ ‫َر َأ ْي َت ُه؟)) قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪َ (( :‬أ َما إِ َّن ُه َس َي ْذ َه ُ‬
‫ب َب َ ُ‬
‫الطرباين‪.‬‬
‫خلري‬ ‫موجه‬‫بام ينفعه يف الدارين‪ ،‬فكان خري ِ‬ ‫وقد وجهه رسول اهلل‬
‫لف رس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ان َع ْن َع ْب ِداهللِ ْب ِن َع َّب ٍ‬ ‫َش َّ ِ‬
‫ول‬ ‫ب َخ َ َ ُ‬ ‫اس َأ َّن ُه َحدَّ َث ُه َأ َّن ُه َرك َ‬ ‫الصنْ َع ِّ‬ ‫موجه‪ ،‬ف َع ْن َحن ٍ‬ ‫َ‬
‫اح َف ْظ اهللَ‬ ‫ول اهللِ ‪(( :‬يا ُغ َلم إِن مع ِّلم َ ِ ٍ‬ ‫َي ْو ًما‪َ ،‬ف َق َال َل ُه َر ُس ُ‬ ‫اهللِ‬
‫ك كَل َمت ْ‬ ‫ُ ِّ ُ َ ُ‬ ‫َ‬
‫است َِع ْن‬‫ْت َف ْ‬ ‫لت َفلت َْس َأل اهللَ‪َ ،‬وإِ َذا ْاس َت َعن َ‬ ‫ك‪َ ،‬وإِ َذا َس َأ َ‬ ‫اه َ‬ ‫تدْ ُه ُ َت َ‬‫اح َف ْظ اهللَ َ ِ‬ ‫ك‪ْ ،‬‬ ‫ي َف ْظ َ‬ ‫َْ‬
‫ش ٍء َقدْ َك َت َب ُه اهلل‬ ‫وك إِ َّل بِ َ ْ‬ ‫وك َل ْ َينْ َف ُع َ‬ ‫اجت ََم ُعوا َع َل َأ ْن َينْ َف ُع َ‬ ‫ِ‬
‫باهلل‪َ ،‬وا ْع َل ْم َأ َّن األُ َّم َة َل ْو ْ‬
‫ت‬ ‫ك‪ُ ،‬رفِ َع ْ‬ ‫ش ٍء َقدْ َك َت َب ُه اهلل َع َل ْي َ‬ ‫وك إِ َّل بِ َ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫وك َل ْ َي ُ ُّ‬
‫ض َ‬ ‫َ‬
‫اجت ََم ُعوا َع َل أ ْن َي ُ ُّ‬ ‫ك‪َ ،‬و َل ْو ْ‬ ‫َل َ‬
‫ف)) أخرجه أمحد والرتمذي‪.‬‬ ‫الص ُح ُ‬ ‫ت ُّ‬ ‫األَ ْق َل ُم َو َج َّف ْ‬
‫وأرضاه وسيام‪ ،‬مجيال‪ ،‬مديد القامة‪ ،‬مهيب ًا‪ ،‬كامل العقل‪ ،‬ذكي‬ ‫وكان‬
‫ال مرشب ًا بصفرة جسي ًام‬
‫النفس‪ ،‬من رجال الكامل‪ ،‬قال ابن منده‪ :‬كان أبيض ًا طوي ً‬
‫وسي ًام صبيح الوجه‪ ،‬له وفرة‪ ،‬خيضب باحلناء‪.‬‬
‫وعن عكرمة‪ ،‬قال‪ :‬كان ابن عباس إذا مر يف الطريق‪ ،‬قلن النساء عىل احليطان‪:‬‬
‫َأ َم َّر املسك‪ ،‬أم َم َّر ابن عباس ؟‬
‫وقال ابن جريج‪ :‬كنا جلوس ًا مع عطاء يف املسجد احلرام‪ ،‬فتذاكرنا ابن عباس‪،‬‬
‫فقال عطاء‪ :‬ما رأيت القمر ليلة أربع عرشة إال ذكرت وجه ابن عباس‪.‬‬
‫وعن الزهري قال‪ :‬قال املهاجرون لعمر بن اخلطاب‪ :‬أدع أبناءنا كام تدعو‬
‫ابن عباس قال‪ :‬ذاكم فتى الكهول‪ ،‬إن له لسان ًا َس ُؤالً‪ ،‬وقلب ًا عقوال‪ .‬أخرجه احلاكم‬
‫والطرباين وابن أيب شيبة‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)140‬‬

‫عن عبيداهلل بن عبداهلل بن عتبة قال‪ :‬كان ابن عباس قد فات الناس بخصال‪:‬‬
‫بعلم ما سبقه‪ ،‬وفقه فيام احتيج إليه من رأيه‪ ،‬وحلم‪ ،‬ونسب‪ ،‬ونائل‪ ،‬وما رأيت‬
‫منه‪ ،‬وال أعلم بقضاء أيب بكر‬ ‫أحدا كان أعلم بام سبقه من حديث رسول اهلل‬
‫وعمر وعثامن منه‪ ،‬وال أفقه يف رأي منه‪ ،‬وال أعلم بشعر وال عربية وال بتفسري‬
‫القرآن وال بحساب وال بفريضة منه‪ ،‬وال أعلم بام مىض وال أثقف رأيا فيام احتيج‬
‫إليه منه‪ ،‬ولقد كان جيلس يوما ما يذكر فيه إال الفقه‪ ،‬ويوما التأويل‪ ،‬ويوما املغازي‪،‬‬
‫ويوما الشعر‪ ،‬ويوما أيام العرب‪ ،‬وما رأيت عاملا قط جلس إليه إال خضع له وما‬
‫رأيت سائال قط سأله إال وجد عنده علام‪ .‬أخرجه ابن سعد يف الطبقات‪.‬‬
‫وعن جماهد قال‪ :‬ما رأيت مثل ابن عباس قط‪ ،‬ولقد مات يوم مات وهو حرب‬
‫هذه األمة‪ .‬أخرجه احلاكم‪.‬‬
‫وقال جماهد‪ :‬كان ابن عباس يسمى البحر لكثرة علمه‪ .‬أخرجه احلاكم‪.‬‬
‫وقال حممد بن عيل يوم مات ابن عباس‪ :‬اليوم مات رباين هذه األمة‪ .‬أخرجه‬
‫احلاكم‪.‬‬
‫وعن مرسوق قال‪ :‬كنت إذا رأيت ابن عباس‪ ،‬قلت‪ :‬أمجل الناس‪ ،‬فإذا نطق‪،‬‬
‫قلت‪ :‬أفصح الناس‪ ،‬فإذا حتدث‪ ،‬قلت‪ :‬أعلم الناس‪.‬‬
‫وأرضاه كثري البكاء هلل‪ ،‬فعن أيب رجاء‪ ،‬قال‪ :‬رأيت ابن عباس‬ ‫وكان‬
‫وأسفل من عينيه مثل الرشاك البايل من البكاء‪.‬‬
‫دورة في درء الفتنة‪:‬‬
‫وأرضاه ما قام به من دور عظيم لرد الكثري من الناس‬ ‫ويكفي ابن عباس‬
‫عن الفتنة الصامء العمياء حينام خرجوا عىل أمري املؤمنني سيدنا عيل بن أيب طالب‬
‫(‪)141‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫كرم اهلل وجهه‪ ،‬حيث أقنعهم بالعلم واحلكمة التي أعطاه اهلل أياها حتى رجعوا‬
‫عن ضالهلم‪ ،‬فعن عكرمة بن عامر ثنا أبو زميل احلنفي ثنا عبداهلل بن عباس قال‪ :‬ملا‬
‫اعتزلت حروراء وكانوا يف دار عىل ِحدهتم ‪ ..‬قلت لعيل‪ :‬يا أمري املؤمنني أبرد عىل‬
‫الصالة َلعيل آيت هؤالء القوم فأكلمهم‪ ،‬قال‪ :‬فإين أختوفهم عليك‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬كال‬
‫إن شاء اهلل‪ ،‬قال‪ :‬فلبست أحسن ما أقدر عليه من هذه اليامنية‪ ،‬ثم دخلت عليهم‬
‫وهم قائلون يف نحر الظهرية‪ ،‬فدخلت عىل قوم مل أر قوما قط أشد اجتهاد ًا منهم‪،‬‬
‫أيدهيم كأهنا ثفن األبل‪ ،‬ووجوهم معلبة من آثار السجود‪ ،‬قال‪ :‬فدخلت‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫مرحبا بك يا ابن عباس ما جاء بك؟ قال‪ :‬جئت أحدثكم عن أصحاب رسول اهلل‬
‫نزل الوحي وهم أعلم بتأويله‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬ال حتدثوه‪ ،‬وقال بعضهم‪:‬‬
‫لنحدثنه‪ ،‬قال‪ :‬قلت أخربوين ما تنقمون عىل ابن عم رسول اهلل وختنه وأول من‬
‫معه؟ قالوا‪ :‬ننقم عليه ثالثا‪ .‬قلت ما هن ؟ قالوا‪:‬‬ ‫آمن به‪ ،‬وأصحاب رسول اهلل‬
‫أوهلن أنه حكم الرجال يف دين اهلل‪ ،‬وقد قال اهلل‪ :‬ﱹ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﱸ [األنعام‪،]57 :‬‬
‫ب‪ ،‬ومل يغنم‪ ،‬لئن كانوا كفار ًا‪ ..‬لقد حلت له‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬وماذا ؟ قالوا‪ :‬وقاتل ومل َي ْس ُ‬
‫أمواهلم‪ ،‬ولئن كانوا مؤمنني ‪ ..‬لقد حرمت عليه دماؤهم‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬وماذا؟ قالوا‪:‬‬
‫وحما نفسه من أمري املؤمنني‪ ،‬فإن مل يكن أمري املؤمنني فهو أمري الكافرين‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪:‬‬
‫ماال‬ ‫أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب اهلل املحكم‪ ،‬وحدثتكم من سنة نبيكم‬
‫تنكرون أترجعون ؟ قالوا‪ :‬نعم قال‪ :‬قلت أما قولكم إنه حكم الرجال يف دين اهلل‬
‫‪ ..‬فإنه يقول‪ :‬ﱹ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﱸ‪ ،‬إىل قوله‪ :‬ﱹ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﱸ [املائدة‪ ،]95 :‬وقال يف املرأة وزوجها‪ :‬ﱹ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﱸ [النساء‪ ،]35 :‬أنشدكم اهلل أحكم الرجال يف حقن‬
‫دمائهم وأنفسهم وصالح ذات بينهم أحق‪ ،‬أم يف أرنب ثمنها ربع درهم؟ قالوا‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)142‬‬

‫اللهم يف حقن دمائهم وصالح ذات بينهم‪ .‬قال‪ :‬خرجت من هذه ؟ قالوا‪ :‬اللهم‬
‫نعم‪ ،‬وأما قولكم إنه قاتل ومل يسب ومل يغنم ‪ ..‬أتسبون أمكم أم تستحلون منها‬
‫ما تستحلون من غريها؟ فقد كفرتم‪ ،‬وإن زعمتم أهنا ليست بأمكم‪ ..‬فقد كفرتم‬
‫يقول‪ :‬ﱹ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ‬ ‫وخرجتم من اإلسالم‪ ،‬إن اهلل‬
‫ﯟ ﱸ [األحزاب‪ ،]6 :‬فأنتم ترتددون بني ضاللتني‪ ،‬فاختاروا أهيام شئتم؟ أخرجت‬
‫من هذه؟ قالوا‪ :‬اللهم نعم‪ ،‬قال‪ :‬وأما قولكم إنه حما نفسه من أمري املؤمنني ‪ ..‬فإن‬
‫دعا قريش ًا يوم احلديبية عىل أن يكتب بينه وبينهم كتاب ًا‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫رسول اهلل‬
‫اكتب هذا ما قاىض عليه حممد رسول اهلل‪ ،‬فقالوا‪ :‬واهلل لو كنا نعلم أنك رسول اهلل‬
‫ما صددناك عن البيت وال قاتلناك‪ ،‬ولكن اكتب حممد بن عبداهلل‪ ،‬فقال‪ :‬واهلل إين‬
‫لرسول اهلل وإن كذبتموين‪ ،‬اكتب يا عيل حممد بن عبداهلل‪ ،‬فرسول اهلل كان أفضل‬
‫من عيل‪ ،‬أخرجت من هذه؟ قالوا‪ :‬اللهم نعم‪ ،‬فرجع منهم عرشون ألفا‪ ،‬وبقي‬
‫منهم أربعة آالف فقتلوا‪ .‬أخرجه الطرباين يف ((املعجم الكبري))‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫تلقى سيدنا ابن عباس العلم عن ُأيب‪ ،‬وزيد‪.‬‬
‫وقرأ عليه جماهد‪ ،‬وسعيد بن جبري‪ ،‬وطائفة‪.‬‬
‫وروى عنه‪ ،‬ابنه عيل‪ ،‬وابن أخيه عبداهلل بن معبد‪ ،‬ومواليه‪ ،‬عكرمة‪ ،‬ومقسم‪،‬‬
‫وكريب‪ ،‬وأبو معبد نافذ‪ ،‬وأنس بن مالك‪ ،‬وأبو الطفيل‪ ،‬وأبو أمامة بن سهل‪،‬‬
‫وأخوه كثري بن العباس‪ ،‬وعروة بن الزبري‪ ،‬وعبيداهلل بن عبداهلل‪ ،‬وطاووس‪،‬‬
‫وأبو الشعثاء جابر‪ ،‬وعيل بن احلسني‪ ،‬وسعيد بن جبري‪ ،‬وجماهد بن جرب‪ ،‬والقاسم‬
‫ابن حممد‪ ،‬وأبو صالح السامن‪ ،‬وأبو رجاء العطاردي‪ ،‬وأبو العالية‪ ،‬وعبيد بن عمري‪،‬‬
‫وابنه عبداهلل‪ ،‬وعطاء بن يسار‪ ،‬وإبراهيم بن عبداهلل بن معبد‪ ،‬وأربدة التميمي‬
‫(‪)143‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫صاحب التفسري‪ ،‬وأبو صالح باذام‪ ،‬وطليق بن قيس احلنفي‪ ،‬وعطاء بن أيب رباح‪،‬‬
‫والشعبي‪ ،‬واحلسن‪ ،‬وابن سريين‪ ،‬وحممد بن كعب القرظي‪ ،‬وشهر بن حوشب‪،‬‬
‫وابن أيب مليكة‪ ،‬وعمرو بن دينار‪ ،‬وعبيداهلل بن أيب يزيد‪ ،‬وأبو مجرة نرص بن عمران‬
‫الضبعي‪ ،‬والضحاك بن مزاحم‪ ،‬وأبو الزبري املكي‪ ،‬وبكر بن عبداهلل املزين‪ ،‬وحبيب‬
‫ابن أيب ثابت‪ ،‬وسعيد بن أيب احلسن‪ ،‬وإسامعيل السدي‪ ،‬وخلق سواهم‪.‬‬
‫ويف ((التهذيب))‪ :‬من الرواة عنه مئتان سوى ثالثة أنفس‪.‬‬
‫من مكثري‬ ‫ويعد حرب األمة وترمجان القرآن سيدنا عبداهلل بن عباس‬
‫فقد روى عنه ألف ًا وست مئة وستني حديث ًا (‪.)1660‬‬ ‫الرواية عن النبي‬
‫وله من ذلك يف ((الصحيحني)) مخسة وسبعون (‪.)75‬‬
‫وتفرد البخاري له بمئة وعرشين حديث ًا (‪ ،)120‬وتفرد مسلم بتسعة أحاديث (‪.)9‬‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫تويف حرب األمة وترمجان القرآن نور األغالس سيدنا عبداهلل بن عباس‬
‫بالطائف‪ ،‬وقد اتفقوا عىل ذلك‪ ،‬واختلفوا يف سنة وفاته عىل أقوال‪:‬‬
‫Š Šفقيل‪ :‬سنة ثامن ومخسني‪ ،‬وهو قول الواقدي‪ ،‬واهليثم‪ ،‬وأبو نعيم‪ ،‬وهو‬
‫الصحيح يف قول اجلمهور كام يف ((اإلصابة))‪.‬‬
‫Š Šوقيل‪ :‬سنة مخس وثامنني‪.‬‬
‫Š Šوقيل‪ :‬سنة سبع وثامنني‪.‬‬
‫واختلفوا يف سنه يوم تويف عىل أقوال‪:‬‬
‫‪y y‬فقيل‪ :‬ابن إحدى وسبعني‪ ،‬وهو األقوى كام يف ((اإلصابة))‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)144‬‬

‫‪y y‬وقيل‪ :‬ابن اثنني وسبعني‪.‬‬


‫‪y y‬وقيل‪ :‬ابن أربع وسبعني‪.‬‬
‫جابر بن عبداهلل وفا ُة ابن عباس صفق بإحدى يديه عىل األخرى‬
‫وملا بلغ َ‬
‫وقال‪ :‬مات أعلم الناس وأحلم الناس‪ ،‬ولقد أصيبت به هذه األمة مصيبة ال تُرتَق‪.‬‬
‫‪ ،‬وقال بعد أن سووا عليه الرتاب‪ :‬مات واهلل‬ ‫وصىل عليه أبن احلنفية‬
‫اليوم حرب هذه األمة‪.‬‬
‫وأخرج احلاكم عن ميمون بن مهران قال‪ :‬ملا مات ابن عباس وأدرج ىف أكفانه ‪..‬‬
‫انفض طائر أبيض فأتى بني أكفانه‪ ،‬و ُطلب فلم يوجد‪ ،‬فقال عكرمة موىل ابن عباس‪:‬‬
‫أن يرد عليه يوم وفاته‪.‬‬ ‫أمحقى أنتم؟ هذا برصه الذى وعده رسول اهلل‬
‫وقيل‪ :‬هو علمه‪ ،‬كام يف ((اإلصابة))‪.‬‬
‫ويف رواية عند الطرباين‪ :‬طائر أبيض يقال له‪ :‬الغرنوق‪.‬‬
‫وملا سووا عليه الرتاب سمعوا صوت ًا‪ ،‬قالوا‪ :‬نسمع صوته وال نرى شخصه يتلوا‬
‫قوله تعاىل‪ :‬ﱹﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﱸ [الفجر‪.]30 - 28 :‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪(( :‬نِ ْع َمت ِ‬
‫َان))‪ :‬مثنى نعمة‪ ،‬وهي‪ :‬احلالة احلسنة‪ ،‬أو النفع املفعول عىل‬ ‫قوله‬
‫(((‬
‫وجه اإلحسان للغري‪.‬‬
‫(((‬
‫وقال ابن اخلازن‪ :‬أي ما يتنعم به اإلنسان‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬فيض القدير))‪ ،383/8 :‬و((دليل الفاحلني))‪.259/1 :‬‬


‫((( انظر‪(( :‬دليل الفاحلني))‪.259/1 :‬‬
‫(‪)145‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫كالمه هبام‪.‬‬ ‫وهاتان النعمتان عظيمتان؛ هلذا ابتدأ النبي‬
‫ون فِ ِ‬
‫يه َم))‪ :‬والغبن بالسكون وبالتحريك‪.‬‬ ‫(( َم ْغ ُب ٌ‬
‫معنى الغنب‪:‬‬
‫ ‪-‬وهو بسكون الباء البخس والنقص يف البيع‪ ،‬وبفتحها النقص يف الرأي‪.‬‬
‫ ‪-‬قال اإلمام فخر الدين‪" :‬النعمة عبارة عن املنفعة املفعولة عىل جهة اإلحسان‬
‫إىل الغري‪ ،‬قوله‪( :‬مغبون) إما مشتق من الغ ْبن بسكون الباء‪ ،‬وهو النقص يف‬
‫البيع‪ ،‬وإما من الغ َبن بفتح الباء‪ ،‬وهو النقص يف الرأي"‪.‬‬
‫ ‪-‬وقال اجلوهري‪" :‬هو يف البيع بالسكون‪ ،‬ويف الرأي بالتحريك‪ ،‬وعىل هذا‬
‫فيصح كل منهام يف هذا اخلرب‪ ،‬فإن من ال يستعملهام فيام ينبغي ‪ ..‬فقد غبن‬
‫(((‬
‫لكونه باعهام ببخس ومل حيمد رأيه يف ذلك"‪.‬‬
‫‪(( :‬كَثِ ٌري ِم ْن الن ِ‬
‫َّاس))‪ ،‬أي‪ :‬يف مقابلة القليل‪ ،‬ودل ذلك عىل أنه ليس‬ ‫قوله‬
‫مجيع الناس؛ بل يوجد من الناس من يستغل هاتني النعمني فيام يقربه من اهلل تعاىل‪،‬‬
‫ويعود بالنفع عليه يف دنياه وآخرته‪.‬‬
‫الص َّح ُة َوال َف َرا ُغ)) والصحة‪ :‬أي يف البدن‪ ،‬والفراغ‪ :‬أي من العوائق عن‬
‫(( ِّ‬
‫الطاعة برأس املال؛ ألهنام من أسباب األرباح ومقدمات نيل النجاح‪ ،‬فمن عامل‬
‫اهلل تعاىل بامتثال أوامره وابتدر الصحة والفراغ ‪ ..‬يربح‪ ،‬ومن ال ‪ ..‬ضاع رأس‬
‫ماله‪ ،‬وال ينفعه الندم‪.‬‬
‫ويف ذلك تنبيه ألمته عىل مقدار عظيم نعمة اهلل عىل عباده يف الصحة والكفاية؛‬
‫ألن املرء ال يكون فارغ ًا حتى يكون مكفي ًا مؤنة العيش يف الدنيا‪ ،‬فمن أنعم اهلل عليه‬

‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.257/11 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)146‬‬

‫هبام فليحذر أن يغبنهام‪.‬‬


‫قال يف ((حتفة األحوذي))‪" :‬واملعنى‪ :‬ال يعرف قدر هاتني النعمتني كثري‬
‫من الناس حيث ال يكسبون فيهام من األعامل كفاية ما حيتاجون إليه يف معادهم‪،‬‬
‫فيندمون عىل تضييع أعامرهم عند زواهلا ‪،‬وال ينفعهم الندم‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﯵ ﯶ‬
‫ٍ‬ ‫ﯷ ﱸ [التغابن‪ ،]9 :‬وقال ‪َ (( :‬ليس يتَحس َأه ُل َ ِ‬
‫اجلنَّة إِ َّل َع َل َس ْا َعة َم َّر ْت ِبِ ْم َو َل ْ‬ ‫ْ َ َ َ َّ ُ ْ‬
‫َي ْذك ُُر ْوا اهللَ فِ ْي َها))‪ (((،‬ويف ((حاشية السيوطي)) ‪ :‬قال العلامء معناه أن االنسان‬
‫ال يتفرغ للطاعة إال إذا كان مكفي ًا صحيح البدن‪ ،‬فقد يكون مستغني ًا وال يكون‬
‫صحيح ًا‪ ،‬وقد يكون صحيح ًا وال يكون مستغني ًا‪ ،‬فال يكون متفرغ ًا للعلم والعمل‬
‫لشغله بالكسب‪ ،‬فمن حصل له األمران وكسل عن الطاعة ‪ ..‬فهو املغبون‪ ،‬أي‬
‫(((‬
‫اخلارس يف التجارة" اهـ‪.‬‬
‫وقال احلافظ ابن حجر يف ((الفتح))‪" :‬قال بن بطال‪ :‬معنى احلديث أن املرء‬
‫ال يكون فارغ ًا حتى يكون مكفي ًا صحيح البدن‪ ،‬فمن حصل له ذلك‪ ..‬فليحرص‬
‫ومن ُشك ِْر ِه‪ :‬امتثال أوامره‬
‫عىل أن ال يغبن‪ ،‬بأن يرتك شكر اهلل عىل ما أنعم به عليه‪ِ ،‬‬

‫واجتناب نواهيه‪ ،‬فمن فرط يف ذلك ‪ ..‬فهو املغبون ‪،‬وأشار بقوله‪(( :‬كثري من‬
‫الناس)) إىل أن الذي يوفق لذلك قليل‪.‬‬
‫وقال بن اجلوزي‪ :‬قد يكون اإلنسان صحيح ًا وال يكون متفرغ ًا لشغله‬
‫باملعاش‪ ،‬وقد يكون مستغني ًا وال يكون صحيح ًا‪ ،‬فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل‬
‫عن الطاعة ‪ ..‬فهو املغبون ‪،‬ومتام ذلك أن الدنيا مزرعة اآلخرة‪ ،‬وفيها التجارة التي‬
‫يظهر ربحها يف اآلخرة‪ ،‬فمن استعمل فراغه وصحته يف طاعة اهلل ‪ ..‬فهو املغبوط‪،‬‬

‫((( أخرجه الطرباين والبيهقي‪.‬‬


‫((( ((حتفة األحوذي))‪.314/5 :‬‬
‫(‪)147‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ومن استعملهام يف معصية اهلل ‪ ..‬فهو املغبون؛ ألن الفراغ يعقبه الشغل‪ ،‬والصحة‬
‫يعقبها السقم‪ ،‬ولو مل يكن اال اهلرم كام قيل‪:‬‬
‫فكيف ترى طول الســـامة يفعل‬ ‫يرس الفتى طول الســـامة والبقا‬
‫ينـــوء إذا رام القيـــام وحيمـــل‬ ‫يرد الفتى بعد اعتـــدال وصحة‬

‫للمكلف مث ً‬
‫ال بالتاجر الذي له رأس مال‪،‬‬ ‫وقال الطيبي‪ :‬رضب النبي‬
‫فهو يبتغي الربح مع سالمة رأس املال‪ ،‬فطريقة يف ذلك أن يتحرى فيمن يعامله‪،‬‬
‫ويلزم الصدق واحلذق؛ لئال يغبن‪ ،‬فالصحة والفراغ رأس املال‪ ،‬وينبغي له أن‬
‫يعامل اهلل باإليامن وجماهدة النفس وعدو الدين لريبح خريي الدنيا واآلخرة‪،‬‬
‫وقريب منه قول اهلل تعاىل‪ :‬ﱹ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﱸ‬
‫[الصف‪ .]10 :‬اآليات‪ ،‬وعليه أن جيتنب مطاوعة النفس ومعاملة الشيطان؛ لئال يضيع‬
‫رأس ماله مع الربح" اهـ‪)(.‬‬

‫™™فائـــدة‪:‬‬
‫قال القايض أبوبكر بن العريب‪ :‬اختلف يف أول نِ َع ِم اهلل عىل العبد‪ ،‬فقيل‪:‬‬
‫اإليامن‪ ،‬وقيل‪ :‬احلياة‪ ،‬وقيل‪ :‬الصحة‪ ،‬واألول أوىل؛ فإنه نعمة مطلقة‪ ،‬وأما احلياة‬
‫والصحة ‪ ..‬فإهنام نعمة دنيوية‪ ،‬وال تكون نعمة حقيقة إال إذا صاحبت اإليامن‪،‬‬
‫وحينئذ يغبن فيها كثري من الناس‪ ،‬أي‪ :‬يذهب ربحهم أو ينقص‪ ،‬فمن اسرتسل‬
‫مع نفسه االمارة بالسوء اخلالدة إىل الراحة‪ ،‬فرتك املحافظة عىل احلدود واملواظبة‬
‫عىل الطاعة ‪ ..‬فقد غبن‪ ،‬وكذلك إذا كان فارغ ًا‪ ،‬فان املشغول قد يكون له معذرة‬
‫(((‬
‫بخالف الفارغ فإنه يرتفع عنه املعذرة وتقوم عليه احلجة‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫((( ((فتح الباري))‪. 257/11 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)148‬‬

‫ك َق ْب َل َه َر ِمك‪َ ،‬و ِص َّحتَك َق ْب َل‬ ‫وقد قال ‪(( :‬ا ْغتَن ِ ْم َخ َْس ًا َق ْب َل َخ ٍ‬
‫ْس‪َ :‬ش َبا َّب َ‬
‫ك َق ْب َل ُشغْلِك‪َ ،‬و َح َياتَك َق ْب َل َم ْوتِك)) أخرجه‬ ‫قرك‪َ ،‬و َف َرا َغ َ‬ ‫َس َق ِمك‪َ ،‬و ِغن َ‬
‫َاك َق ْب َل َف ِ‬
‫احلاكم والبيهقي وابن أيب شيبة‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬ينبغي عىل املؤمن اغتنام النعم‪ ،‬ورصفها فيام خلقت ألجلها‪.‬‬
‫‪2 .2‬إذا مل يغتنم املؤمن النعم ‪ ..‬فهو مغبون وخارس‪.‬‬
‫مكمل لآلخر‪ ،‬وإذا اجتمعا ومل يغتنمهام املؤمن ‪..‬‬
‫‪3 .3‬الصحة والفراغ كل منهام ّ‬
‫كانت عليه خسارة عظمى‪.‬‬
‫(‪)149‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث اخلامس عشر‬

‫الشهو ِ‬ ‫َق َال‪ُ (( :‬ح ِ‬ ‫ول اهللِ‬


‫ات‪،‬‬ ‫ت الن َُّار بِ َّ َ َ‬
‫ج َب ْ‬ ‫َأ َّن َر ُس َ‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫َار ِه)) متفق عليه‪.‬‬
‫اجلنَّ ُة بِا َملك ِ‬
‫ت َ‬ ‫َو ُح ِ‬
‫ج َب ْ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫الصحايب اجلليل أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫ورد احلديث بروايات عديدة‪ ،‬فلفظ احلديث الذي نحن بصدده هو‬
‫ت َ‬
‫اجلنَّ ُة‬ ‫للبخاري‪ ،‬وقد أخرجه مسلم عن أيب هريرة وعن أنس أيض ًا بلفظ‪ُ (( :‬ح َّف ْ‬
‫الشهو ِ‬ ‫َار ِه َو ُح َّف ْ‬
‫بِا َملك ِ‬
‫ات))‪ ،‬وأخرجه هبذا اللفظ أيضا اإلمام أمحد بن حنبل‬ ‫ت الن َُّار بِ َّ َ َ‬
‫عن أنس وعن أيب هريرة كذلك‪ ،‬وأخرجه بنفس اللفظ اإلمام الرتمذي عن أنس‬
‫ابن مالك‪.‬‬
‫ِ‬‫اجلنَّ ُة بِا َملك ِ‬
‫َاره))‬ ‫ت َ‬ ‫ِ‬ ‫ت الن َُّار بِ َّ‬
‫الش َه َوات َو ُح َّف ْ‬ ‫ويف رواية عند اإلمام أمحد‪ُ (( :‬ح َّف ْ‬
‫بعكس رواية اإلمام مسلم واإلمام الرتمذي‪ ،‬حيث قدم النار عىل اجلنة هنا‪.‬‬
‫ومل خيرجه بلفظ‪(( :‬حجبت)) إال اإلمام البخاري‪.‬‬
‫ت))‪ ،‬أي‪ :‬من‬‫ت الن َُّار))‪ ،‬أي‪ :‬غطيت‪ ،‬ويف لفظ‪ُ (( :‬ح َّف ْ‬ ‫‪ُ (( :‬ح ِ‬
‫ج َب ْ‬ ‫قوله‬
‫احلفاف وهو ما حييط باليشء حتى ال يتوصل إليه اال بتخطيه‪ ،‬فاجلنة ال يتوصل‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)150‬‬

‫إليها اال بقطع مفاوز املكاره‪ ،‬والنار ال ينجو منها اال برتك الشهوات‪.‬‬
‫الشهو ِ‬
‫ات))‪ ،‬والشهوات هي‪ :‬ما يستلذ من أمور الدنيا مما منع الرشع من‬ ‫((بِ َّ َ َ‬
‫تعاطيه‪ ،‬إما باألصالة‪ ،‬وإما لكون فعله يستلزم ترك يشء من املأمورات‪ ،‬ويلتحق‬
‫بذلك الشبهات واالكثار مما أبيح خشية أن يوقع يف املحرم‪.‬‬
‫ت َ‬
‫اجلنَّ ُة))‪ ،‬ويف رواية‪ُ (( :‬ح َّف ْ‬
‫ت))‪.‬‬ ‫(( َو ُح ِ‬
‫ج َب ْ‬
‫َار ِه))‪ ،‬املراد باملكاره هنا ما ُأمر املكلف بمجاهدة نفسه فيه فعال وترك ًا‬
‫((بِا َملك ِ‬
‫كاإلتيان بالعبادات عىل وجهها‪ ،‬واملحافظة عليها‪ ،‬واجتناب املنهيات قوالً وفعالً‪،‬‬
‫وأطلق عليها املكاره ملشقتها عىل العامل وصعوبتها عليه‪ ،‬ومن مجلتها الصرب عىل‬
‫املصيبة‪ ،‬والتسليم ألمر اهلل فيها‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر يف ((الفتح))‪" :‬فكأنه قال‪ :‬ال يوصل إىل اجلنة إال‬
‫بارتكاب املشقات املعرب عنها باملكروهات‪ ،‬وال إىل النار اال بتعاطي الشهوات‪،‬‬
‫ومها حمجوبتان‪ ،‬فمن هتك احلجاب ‪ ..‬اقتحم‪ ،‬وحيتمل أن يكون هذا اخلرب وإن‬
‫(((‬
‫كان بلفظ اخلرب فاملراد به النهي" اهـ‪.‬‬
‫‪َ (( :‬أ َل إِ َّن ِسلع َة اهللِ َغالِي ٌة َأ َل إِ َّن ِسلع َة اهللِ‬ ‫ويف هذا املعنى يقول احلبيب‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫اجلنَّ ُة)) أخرجه الرتمذي‪.‬‬
‫وهذا احلديث الذي نحن بصدده يعد من جوامع الكلم التي ُأتيها احلبيب‬
‫‪ ،‬إذ فيه بديع بالغته يف ذم الشهوات التي متيل إليها النفوس البرشية‬ ‫األعظم‬
‫وترغب فيها‪ ،‬وذلك بألفاظ بسيطة ذات معاين كثرية‪.‬‬
‫وقال اإلمام النووي‪َ " :‬ق َال ال ُع َل َمء‪َ :‬ه َذا ِم ْن َب ِديع الك ََلم َو َف ِصيحه َو َج َو ِامعه‬

‫((( ((فتح الباري))‪.361/11 :‬‬


‫(‪)151‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫َاره‪،‬‬‫َاب ا َملك ِ‬‫جلنَّة إِ َّل بِ ْارتِك ِ‬
‫وصل ا َ‬ ‫حل َسن‪َ ،‬و َم ْعنَا ُه‪َ :‬ل ُي َ‬
‫ِ‬
‫م ْن الت َّْمثيل ا َ‬
‫ِ‬ ‫ا َّلتِي ُأوتِ َي َها‬
‫َان ِبِم‪َ ،‬فمن هت ََك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احل َجاب َو َص َل إِ َل‬ ‫ها َم ْ ُجو َبت ِ َ َ ْ َ‬ ‫الش َه َوات‪َ ،‬وك ََذل َك ُ َ‬ ‫َوالنَّار بِ َّ‬
‫َاره‪َ ،‬و َهتْك ِح َجاب النَّار بِ ْارتِك ِ‬
‫َاب‬ ‫جلنَّة بِا ْقتِ َحا ِم ا َملك ِ‬ ‫ِ‬
‫ا َمل ْح ُجوب‪َ ،‬ف َهتْك ح َجاب ا َ‬
‫الجتِهاد ِف ِ‬ ‫َاره َفيدْ ُخل فِيها ِ‬
‫الع َبا َدات‪َ ،‬وا ُمل َوا َظ َبة َع َل ْي َها‪،‬‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫الش َه َوات‪َ ،‬ف َأ َّما ا َملك ِ َ‬ ‫َّ‬
‫اإل ْح َسان إِ َل ا ُمل ِسء‬ ‫الصدَ َقة َو ِ‬ ‫ِ‬
‫الص ْب َع َل َم َشا ّق َها‪َ ،‬و َك ْظم ال َغ ْيظ‪َ ،‬وال َع ْفو َواحللم َو َّ‬ ‫َو َّ‬
‫الشهوات ا َّلتِي النَّار َم ْ ُفو َفة ِبا‪َ ،‬فال َّظ ِ‬ ‫ِ‬
‫اهر‬ ‫َ‬ ‫الش َه َوات‪َ ،‬ون َْحو َذل َك‪َ .‬و َأ َّما َّ َ َ‬ ‫الص ْب َع ْن َّ‬ ‫َو َّ‬
‫استِ ْع َمل ا َمل َل ِهي‬ ‫ِ‬
‫الزنَا َوالنَّ َظر إِ َل األَ ْجنَبِ َّية َوالغي َبة َو ْ‬
‫الش َه َوات ا ُمل َح َّر َمة كَاخلَ ْم ِر َو ِّ‬ ‫َأ َّنَا َّ‬
‫اإل ْك َثار ِمن َْها َمَا َفة‬ ‫احة َف َل تَدْ ُخل ِف َه ِذ ِه َل ِك ْن ُيك َْره ِ‬ ‫الش َه َوات ا ُمل َب َ‬‫َون َْحو َذلِ َك‪َ .‬و َأ َّما َّ‬
‫ال ْعتِنَاء‬ ‫َأ ْن َير إِ َل ا ُملحرمة‪َ ،‬أو ي َقس ال َقلب‪َ ،‬أو ي ْش َغل َعن ال َّطا َعات َأو ُي ِوج إِ َل ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َّ َ ْ ُ ِّ‬ ‫ُّ‬
‫(((‬
‫ف فِ َيها َون َْحو َذلِ َك"‪ .‬اهـ‬ ‫يل الدُّ ْنيا لِلص ِ‬
‫َ َّ ْ‬ ‫بِت َْح ِص ِ‬

‫وقال اإلمام القرطبي‪" :‬هو من الكالم البليغ الذي انتهى يف البالغة هنايته‪،‬‬
‫وذلك أنه م ّثل املكاره باحلفاف‪ :‬أي يف رواية مسلم اآلتية‪ ،‬وبمعناها احلجاب‪ ،‬وهو‬
‫الدائر باليشء املحيط به الذي ال يتوصل إىل ذلك اليشء إال بعد أن يتخطى‪ ،‬وفائدة‬
‫هذا التمثيل أن اجلنة ال تنال إال بقطع مفاوز املكاره وبالصرب عليها‪ ،‬وأن النار‬
‫(((‬
‫ال ينجي منها إال برتك الشهوات وفطام النفس عنها" اهـ‪.‬‬
‫هذا املعنى يف حديثة اآلخر الذي أخرجه اإلمام أمحد‪،‬‬ ‫وقد بني النبي‬
‫اجلنَّ َة َوالن ََّار ‪َ ..‬أ ْر َس َل‬ ‫ول اهللِ ‪ََّ (( :‬لا َخ َل َق اهلل َ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫فعن أيب هريرة‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِج ْ ِب َ‬
‫يل‪َ .‬ق َال‪ :‬ا ْن ُظ ْر إِ َل ْي َها َوإِ َل َما َأ ْعدَ ْد ُت لَ ْهل َها ف َيها‪َ ،‬ف َج َ‬
‫اء َفنَ َظ َر إِ َل ْي َها َوإِ َل َما َأ َعدَّ‬
‫ك َل َي ْس َم ُع ِ َبا َأ َحدٌ إِ َّل َد َخ َل َها‪َ ،‬ف َأ َم َر ِ َبا‬ ‫اهلل ِلَ ْهلِ َها فِ َيها‪َ ،‬ف َر َج َع إِ َل ْي ِه َق َال‪َ :‬و ِعزَّتِ َ‬

‫((( ((رشح النووي عىل صحيح مسلم))‪.109/17 :‬‬


‫((( انظر‪(( :‬دليل الفاحلني))‪. 264/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)152‬‬

‫َار ِه‪َ .‬ق َال‪ْ :‬ار ِج ْع إِ َل ْي َها َفا ْن ُظ ْر إِ َل ْي َها َوإِ َل َما َأ ْعدَ ْد ُت ِلَ ْهلِ َها فِ َيها‪َ .‬ق َال‪:‬‬ ‫ت بِا َملك ِ‬ ‫ج َب ْ‬ ‫َف ُح ِ‬
‫يت َأ ْن‬ ‫ك َقدْ َخ ِش ُ‬ ‫َار ِه‪َ ،‬ف َر َج َع إِ َل ْي ِه َق َال‪َ :‬و ِعزَّتِ َ‬
‫ت بِا َملك ِ‬ ‫َف َر َج َع إِ َل ْي َها َوإِ َذا ِه َي َقدْ ُح ِ‬
‫ج َب ْ‬
‫َّار َفا ْن ُظ ْر إِ َل ْي َها َوإِ َل َما َأ ْعدَ ْد ُت ِلَ ْهلِ َها فِ َيها‪َ ،‬فإِ َذا‬
‫ب إِ َل الن ِ‬ ‫َل َيدْ ُخ َل َها َأ َحدٌ ‪َ .‬ق َال ا ْذ َه ْ‬
‫يت َأ ْن َل َي ْس َم َع ِ َبا َأ َحدٌ‬ ‫ك َل َقدْ َخ ِش ُ‬ ‫َب َب ْع ُض َها َب ْع ًضا‪َ ،‬ف َر َج َع َق َال‪َ :‬و ِعزَّتِ َ‬ ‫ه َي َي ْرك ُ‬
‫ِ‬

‫يت َأ ْن َل َين ُْج َو ِمن َْها‬‫ك َل َقدْ َخ ِش ُ‬ ‫ات‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬و ِعزَّتِ َ‬ ‫الشهو ِ‬
‫ت بِ َّ َ َ‬ ‫َف َيدْ ُخ َل َها‪َ ،‬ف َأ َم َر ِ َبا َف ُح َّف ْ‬
‫َأ َحدٌ إِ َّل َد َخ َل َها))‪.‬‬
‫وقد يكون الفعل البسيط يف نظر الشخص هو سبب لدخول اجلنة أو لدخول‬
‫النار‪ ،‬ويف هذا املعنى يقول النبي ‪(( :‬إِ َّن ال َع ْبدَ َل َي َت َك َّل ُم بِالكَلِ َم ِة ِم ْن ِر ْض َو ِ‬
‫ان اهللِ َل‬
‫ط اهللِ َل ي ِ‬‫ات وإِ َّن العبدَ َلي َت َك َّلم بِالكَلِم ِة ِمن سخَ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫لقي‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َْ َ ُ‬ ‫ُيلقي َلا َباالً َي ْر َف ُع ُه اهلل ِ َبا َد َر َج َ‬
‫َلا َباالً َ ْي ِوي ِ َبا ِف َج َهن ََّم)) أخرجه البخاري وأمحد‪.‬‬

‫™™فائـــدة‪:‬‬
‫ذهب بعض أهل العلم إىل أن الشهوات جعلت عىل حفايف النار وهي‬
‫جوانبها‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬أن الشهوات عىل جانب النار من خارج‪.‬‬
‫وقد ذهب إىل القول األول ابن عريب‪ ،‬حيث قال‪" :‬معنى احلديث أن الشهوات‬
‫جعلت عىل حفايف النار‪ ،‬وهي جوانبها‪ ،‬وتوهم بعضهم أهنا رضب هبا املثل فجعلها‬
‫ال صحيح ًا‪ ،‬وإنام هي من داخل‪،‬‬
‫يف جوانبها من خارج‪ ،‬ولو كان ذلك ‪ ..‬ما كان مث ً‬
‫وهذه صورهتا‪:‬‬

‫الشهوات‬ ‫املكاره‬
‫(‪)153‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫فمن اطلع احلجاب ‪ ..‬فقد واقع ما وراءه‪ ،‬وكل من تصورها من خارج ‪..‬‬
‫فقد ضل عن معنى احلديث"‪ ،‬ثم قال‪" :‬فإن قيل‪ :‬فقد جاء يف البخاري ((حجبت‬
‫النار بالشهوات)) ‪ ..‬فاجلواب‪ :‬أن املعنى واحد؛ ألن األعمى عن التقوى الذي‬
‫الشهوات سمعه وبرصه ‪ ..‬يراها وال يرى النار التي هي فيها؛ وذلك‬
‫ُ‬ ‫قد َأخذت‬
‫الستيالء اجلهالة والغفلة عىل قلبه‪ ،‬فهو كالطائر يرى احلبة يف داخل الفخ وهي‬
‫(((‬
‫حمجوبة به‪ ،‬وال يرى الفخ؛ لغلبة شهوة املحبة عىل قلبه وتعلق باله هبا" اهـ‪.‬‬
‫ومل يقبل احلافظ ابن حجر العسقالين اعرتاضه عىل اآلخرين‪ :‬فقال كام يف‬
‫((الفتح))‪" :‬قلت‪ :‬بالغ كعادته يف تضليل من محل احلديث عىل ظاهره‪ ،‬وليس ما قاله‬
‫غريه ببعيد وأن الشهوات عىل جانب النار من خارج فمن واقعها وخرق احلجاب‬
‫(((‬
‫دخل النار كام أن الذي قاله القايض حمتمل‪ ،‬واهلل اعلم" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن طريق اجلنة حمفوف باملتاعب واملجاهدات والصرب عىل الطاعة وعن‬
‫املعصية؛ ألهنا غالية ال تُنال بالنوم‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن اتباع الشهوات وامللذات طريق يسوق إىل نار جهنم‪.‬‬
‫‪3 .3‬ينبغي للمؤمن أن جياهد نفسه عىل فعل األوامر وإن كرهت النفس ذلك‪ ،‬كام‬
‫أنه جياهدها عىل االبتعاد عن الشهوات وإن رغبت هي فيها‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.361/11 :‬‬


‫((( ((فتح الباري))‪. 361/11 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)154‬‬

‫احلديث السادس عشر‬

‫َان‪َ ،‬و َي ْب َقى‬ ‫ْ‬ ‫ول اهللِ ‪َ (( :‬ي ْت َب ُع ا َمل ِّي َ‬


‫ت َث َل َث ٌة‪َ ،‬ف َي ِج ُع ا ْثن ِ‬ ‫َع ْن رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َع ْن َأن ََس‬
‫معه و ِ‬
‫احدٌ ‪َ ،‬ي ْت َب ُع ُه َأ ْه ُل ُه‪َ ،‬و َما ُل ُه‪َ ،‬و َع َم ُل ُه‪َ ،‬ف َ ْي ِج ُع َأ ْه ُل ُه‪َ ،‬و َما ُل ُه‪َ ،‬و َي ْب َقى َع َم ُل ُه))‪ .‬متفق عليه‪.‬‬ ‫َ َُ َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد سبقت ترمجته يف احلديث‬ ‫الصحايب اجلليل أنس بن مالك‬
‫احلادي عرش‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫ورد عند اإلمام الرتمذي من غري لفظ (( َم َع ُه))‪ ،‬وجاء عند اإلمام أمحد بلفظ‪:‬‬
‫َان ويب َقى و ِ‬
‫احدٌ َأ ْه ُل ُه َو َما ُل ُه َو َي ْب َقى‬ ‫ث َأ ْه ُل ُه َو َما ُل ُه َو َع َم ُل ُه َف َ ْي ِج ُع ا ْثن ِ َ َ ْ َ‬ ‫(( َي ْت َب ُع ا َمل ِّي َ‬
‫ت َث َل ٌ‬
‫َع َم ُل ُه))‪.‬‬

‫‪َ (( :‬ي ْت َب ُع ا َمل ِّي َ‬


‫ت َث َل َث ٌة))‪ ،‬أي‪ :‬يذهب معه من منزله إىل قربه الذي‬ ‫قوله‬
‫يدفن فيه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫(( َف َي ِج ُع ا ْثن ِ‬
‫َان‪َ ،‬و َي ْب َقى َم َع ُه َواحدٌ ))‪ ،‬وهنا أمجله‪ ،‬ثم فصله؛ ليكون ّ‬
‫أقر‬ ‫ْ‬
‫يف النفس وأمكن؛ ألن النفس يصل إليها التفصيل وقد طلبته واشتاقت له بعد‬
‫اإلمجال‪ ،‬فيكون له وقع‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫(( َي ْت َب ُع ُه َأ ْه ُل ُه))‪ ،‬واملراد هبم‪ ،‬أقاربه‪ ،‬ومن يعدون يف حياته كأهله‪ ،‬كأوالده‪،‬‬
‫(‪)155‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وأقاربه‪ ،‬وأهل صحبته ومعرفته‪.‬‬
‫(( َو َما ُل ُه))‪،‬أي‪ :‬الذي كان ماله قبل موته‪ ،‬وليس املقصود مجيع ماله بل بعضه‬
‫كالعبيد‪ ،‬أو الدابة أو السيارة‪.‬‬
‫واملراد‪ :‬من يتبع جنازته من أهله ورفقته ودوابه عىل ما جرت به عادة العرب‪.‬‬
‫قال الطيبي‪" :‬اتِّباع األهل احلقيقة‪ ،‬واتِّباع املال عىل االتِّساع‪ ،‬فإن املال حينئذ‬
‫له نوع تعلق بامليت من التجهيز والتكفني ومؤنة الغسل واحلمل والدفن‪ ،‬فإذا دفن‬
‫(((‬
‫‪ ..‬انقطع تعلقه بالكلية" اهـ‪.‬‬
‫(( َو َع َم ُل ُه))‪ ،‬الذي كان يعمله يف الدنيا‪ ،‬وهنا احتامالن ومها‪:‬‬
‫ ‪-‬األول‪ :‬حيتمل أن الذي يذهب معه مجيع العمل الذي كان يعمله يف الدنيا‬
‫دون استثناء‪ ،‬وهذا ما يومئ إليه لفظ احلديث‪.‬‬
‫ ‪-‬الثاين‪ :‬حيتمل أن الذي يذهب معه من عمله هو العمل الذي يتعلق به‬
‫ٍ‬
‫فضل إهلي‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫عمل صالح أو‬ ‫جزاء دون ما كفر من أعامله بنحو توبة أو‬
‫فيكون اللفظ عام ًا أريد به اخلاص‪.‬‬
‫وهذا يقع يف الغالب‪ ،‬وإال ُفر ّب ميت ال يتبعه إال عمله فقط‪ ،‬كمن ال أهل‬
‫وال مال له‪ ،‬أو له أهل بعيدون عنه‪ ،‬أو تركوه وهجروه‪.‬‬
‫(( َف َ ْي ِج ُع َأ ْه ُل ُه َو َما ُل ُه))‪،‬أي‪ :‬إذا انقىض أمر احلزن عليه رجعوا سواء اقاموا بعد‬
‫الدفن أم ال‪.‬‬
‫(( َو َي ْب َقى َع َم ُل ُه)) مرهتن به كام قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﱸ [املدثر‪،]38 :‬‬

‫((( انظر‪(( :‬حتفة األحوذي))‪.380/5 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)156‬‬

‫فبه يكون الثواب والعقاب‪ ،‬ومعنى بقاء العمل أنه يدخل معه قربه كام صح يف‬
‫احلديث الطويل عند اإلمام أمحد يف صفة املسألة يف القرب عن الرباء بن عازب‪،‬‬
‫الريحِ ‪،‬‬ ‫ب ِّ‬ ‫اب َط ِّي ُ‬ ‫الو ْج ِه َح َس ُن ال ِّث َي ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وفيه عند ذكر العبد املؤمن‪َ (( :‬و َي ْأتيه َر ُج ٌل َح َس ُن َ‬
‫ْت؟‬ ‫ول َل ُه‪َ :‬م ْن َأن َ‬ ‫ْت تُو َعدُ ‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫ك ا َّل ِذي ُكن َ‬ ‫س َك َه َذا َي ْو ُم َ‬ ‫ِ‬
‫ش بِا َّلذي َي ُ ُّ‬
‫َفي ُق ُ َ ِ‬
‫ول‪ :‬أ ْب ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫الصالِ ُح‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫اخل ْ ِي‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫السا َع َة‬‫ول‪َ :‬ر ِّب َأق ْم َّ‬ ‫ك َّ‬ ‫ول‪َ :‬أنَا َع َم ُل َ‬ ‫يء بِ َ‬ ‫الو ْج ُه َيِ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫َف َو ْج ُه َ‬
‫ِ ِ‬ ‫َحتَّى َأ ْر ِج َع إِ َل َأ ْه ِل َو َم ِ‬
‫يح‬‫ال))‪ ،‬ثم قال عند ذكر العبد الكافر‪َ (( :‬و َي ْأتيه َر ُج ٌل َقبِ ُ‬
‫ك ا َّل ِذي‬ ‫وء َك‪َ ،‬ه َذا َي ْو ُم َ‬ ‫ِ‬
‫ش بِا َّلذي َي ُس ُ‬
‫اب‪ ،‬منْتِن الريحِ ‪َ ،‬في ُق ُ َ ِ‬
‫ول‪ :‬أ ْب ْ‬ ‫َ‬ ‫يح ال ِّث َي ِ ُ ُ ِّ‬
‫ِ‬
‫الو ْجه‪َ ،‬قبِ ُ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ول‪َ :‬أنَا َع َم ُل َ‬ ‫الش‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫الو ْج ُه َيِ ُ‬
‫يء بِ َّ ِّ‬ ‫ك َ‬ ‫ْت؟ َف َو ْج ُه َ‬ ‫ول‪َ :‬م ْن َأن َ‬ ‫ْت تُو َعدُ ‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫ُكن َ‬
‫ِ‬ ‫اخلبِ ُ‬ ‫َ‬
‫السا َع َة))‪.‬‬‫ول‪َ :‬ر ِّب َل تُق ْم َّ‬ ‫يث‪َ :‬ف َي ُق ُ‬

‫™™مسألـــة‪:‬‬
‫هل يعذب امليت ببكاء أهله؟ فإن قلنا نعم ‪ ..‬فكيف يكون ذلك وهو ليس‬
‫من عمله‪ ،‬ويف احلديث أن الذي يبقى هو عمله فقط؟‬
‫فاجلواب‪ :‬أن يف املسألتني قولني‪:‬‬
‫‪y y‬األول‪ :‬ذهب بعض أهل العلم إىل أنه يعذب؛ وذلك ملا قد ورد يف احلديث‬
‫َاء َأ ْهلِ ِه َع َل ْي ِه)) أخرجه‬
‫ت َليع َّذب بِبك ِ‬
‫قال‪(( :‬إِ َّن ا َمل ِّي َ ُ َ ُ ُ‬ ‫الصحيح أن النبي‬
‫البخاري ومسلم‪.‬‬
‫يح َع َل ْي ِه)) َو ِف‬‫ِ‬
‫احل ّي))) َو ِف ِر َوا َية (( ُي َع َّذب ِف َق ْبه بِ َم ن َ‬
‫‪y y‬و ِف ِرواية ((بِبك ِ‬
‫َاء َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ك َع َل ْي ِه ُي َع َّذب))‪ ،‬وهذه الروايات من رواية سيدنا عمر بن‬ ‫ِرواية ((من يب ِ‬
‫َ َ َ ْ َْ‬
‫‪.‬‬ ‫اخلطاب وابنه عبداهلل‬
‫وقد ذكروا أن الباء هنا تبعيضية‪ ،‬أي‪ :‬ببعض بكاء أهله‪ ،‬كام يف الرواية‬
‫(‪)157‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ض ُبكَاء َأ ْهله َع َل ْي ِه)) واختلفوا يف املقصود من احلديث عىل أقوال‪،‬‬
‫األخرى‪(( :‬بِ َب ْع ِ‬
‫وهي‪:‬‬
‫ِ‬
‫يوص‬ ‫‪1 )1‬وهو رأي اجلمهور‪ ،‬هو حممول عىل من أوىص بالبكاء والنوح‪ ،‬أو مل‬
‫برتكهام‪ ،‬فمن أوىص هبام أو أمهل الوصية بالرتك يعذب‪ ،‬أما من وىص بالرتك‬
‫‪ ..‬فإنه ال يعذب؛ ألنه ال ينسب إليه يشء‪ ،‬ومل يفرط يف يشء‪ ،‬ويؤخذ من ذلك‬
‫ف‬ ‫اخ َت َل َ‬‫وجوب الوصية برتكهام‪ ،‬قال اإلمام النووي يف ((رشح مسلم))‪َ " :‬و ْ‬
‫جل ْم ُهور َع َل َم ْن َو َّص بِ َأ ْن ُي ْبكَى َع َل ْي ِه َو ُينَاح‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ال ُع َل َمء ِف َهذه األَ َحاديث َفت ََأ َّو َلَا ا ُ‬
‫حهم؛ ِلَ َّن ُه بِ َس َببِ ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َب ْعد َم ْوته َفنُ ِّف َذ ْت َوص َّيته‪َ ،‬ف َه َذا ُي َع َّذب بِ ُبكَاء َأ ْهله َع َل ْيه َون َْو ْ‬
‫َو َمن ُْسوب إِ َل ْي ِه" اهـ‪.‬‬
‫َاء َوالن َّْوح َأ ْو‬ ‫وقال أيض ًا‪" :‬و َقا َلت َط ِائ َفة‪ :‬هو ممول ع َل من َأوص بِالبك ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ ْ ْ َ‬ ‫ُ َ َُْ‬ ‫َ ْ‬
‫ت ِك ِه َم ُي َع َّذب ِبِ َم لِ َت ْف ِريطِ ِه‬ ‫وص بِ َت ِك ِهم‪َ ،‬فمن َأوص ِبِم َأو َأ ْه َل ِ‬
‫الوص َّية بِ َ ْ‬
‫َ ْ َ َ‬ ‫َل ْ ُي ِ ْ َ َ ْ ْ َ‬
‫ت ِك ِه َم َف َل ُي َع َّذب ِبِ َم إِ ْذ َل ُصنْع َل ُه‬ ‫ال الو ِصية بِ َ ِ‬
‫تك ِه َم َف َأ َّما َم ْن َو َّص بِ َ ْ‬‫َ َّ ْ‬
‫بِإِ ْه ِ‬
‫َ‬
‫اصل ه َذا ال َقول إِجياب الو ِصية بِ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تك ِه َم‪َ ،‬و َم ْن َأ ْ َ‬
‫ه َل ُه َم‬ ‫َ َّ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ف ِيه َم َو َل َت ْف ِريط منْ ُه‪َ .‬و َح ِ َ‬
‫(((‬
‫ُع ِّذ َب ِبِ َم" اهـ‪.‬‬
‫وقال احلافظ ابن حجر يف ((الفتح))‪" :‬وتقييد ذلك بمن كانت تلك سنَّته‪،‬‬
‫أو أمهل النهي عن ذلك‪ ،‬فاملعنى عىل هذا أن الذي يعذب ببعض بكاء أهله من‬
‫(((‬
‫كان راضي ًا بذلك بأن تكون تلك طريقته" اهـ‪.‬‬
‫وكام ذكر اإلمام النووي أنه لو أوىص فهو بسببه ومنسوب إليه‪ ،‬أي‪ :‬من‬
‫عمله هلذا يعذب به‪.‬‬
‫((( ((رشح مسلم)) للنووي‪.162/6 :‬‬
‫((( ((فتح الباري))‪. 170/3 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)158‬‬

‫وقد كان من عادة العرب الوصية بالبكاء عليهم بعد موهتم‪ ،‬ومن ذلك‬
‫قول طرفة بن العبد‪:‬‬
‫جل ْيب َيا اِ ْبنَة َم ْع َبد‬
‫َو ُش ِّقي َع َ َّل ا َ‬ ‫ـــت َفان ِْعينِي بِ َم َأنَا َأ ْهله‬
‫إِ َذا ِم ُّ‬

‫‪2 )2‬أهنم كانوا ينوحون بذكر شامئل هي مستقبحة يف الرشع؛ هلذا يعذب هبا‪ .‬قال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون َع َل ا َمل ِّيت‬ ‫اإلمام النووي‪َ " :‬قا َل ْت َطائ َفة‪َ :‬م ْعنَى األَ َحاديث َأ َّنُ ْم كَانُوا َين ُ‬
‫ُوح َ‬
‫ِ ِ‬ ‫لك َّ ِ‬ ‫مهم‪َ ،‬وتِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َينْدُ ُبو َن ُه بِ َت ْعديد َش َمئله َو َمَاسنه ِف َز ْع ْ‬
‫الش َمئل َق َبائح ف َّ ْ‬
‫الشع‬
‫الولدَ ان و ُمَرب العمر ِ‬
‫ان‬ ‫َُْ‬ ‫َ ِّ‬ ‫ان‪َ ،‬و ُم ْؤتِ ّم ِ‬ ‫ون‪ :‬يا م َؤيد النِّسو ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ُي َع َّذب ِ َبا ك ََم كَانُوا َي ُقو ُل َ َ ُ ِّ‬
‫ِ ِ‬
‫شع ًا" اهـ‪.‬‬ ‫َو ُم َف ِّرق األَ ْخدَ ان‪َ ،‬ون َْحو َذل َك مَّا َي َر ْو َن ُه َش َجا َعة َو َف ْخر ًا َو ُه َو َح َرام َ ْ‬
‫‪3 )3‬أنه يعذب بسامع بكاء أهله‪ ،‬وأنه يرق هلم‪ .‬قال اإلمام النووي‪َ " :‬و َقا َل ْت َط ِائ َفة‪:‬‬
‫ِِ‬
‫ب ُم َ َّمد ْبن َج ِرير‬ ‫َم ْعنَا ُه َأ َّن ُه ُي َع َّذب بِ َس َمعه ُبكَاء َأ ْهله َو َي ِر ّق َل ُ ْم‪َ ،‬وإِ َل َه َذا َذ َه َ‬
‫اض ِعياض‪ :‬وهو َأو َل األَ ْقوال‪ ،‬واحتَجوا بِح ِد ٍ‬
‫يث‬ ‫ال َّط ِبي و َغيه‪ .‬و َق َال ال َق ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُّ َ ْ‬
‫َز َج َر اِ ْم َر َأة َع ْن ال ُبكَاء َع َل َأبِ َيها َو َق َال‪(( :‬إِ َّن َأ َحدك ُْم إِ َذا َبكَى‬ ‫فِ ِيه َأ َّن النَّبِ ّي‬
‫ب َل ُه ُص َو ْيِبه َف َيا ِع َباد اهللِ َل ُت َع ِّذ ُبوا إِ ْخ َوانك ُْم))" اهـ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ا ْس َت ْع َ َ‬
‫والصحيح من هذه األقوال األول الذي هو رأي اجلمهور‪ ،‬قال اإلمام‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الصحيح م ْن َهذه األَ ْق َوال َما َقدَّ ْمنَا ُه َع ْن ا ُ‬
‫جل ْم ُهور" اهـ‪.‬‬ ‫النووي‪َ " :‬و َّ‬

‫™™تنبيـــه‪:‬‬
‫املراد بالبكاء هنا ما كان فيه نياحة وصوت ال جمرد دمع العني‪ ،‬فإن دمع العني‬
‫هم َع َل اِ ْختِ َلف‬
‫ج ُعوا ُك ّل ْ‬ ‫ال يعذب به‪ ،‬وهذا بإمجاع املذاهب‪ ،‬قال اإلمام النووي‪َ " :‬و َأ ْ َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(((‬
‫احة َل ُم َ َّرد َد ْمع ال َع ْي" اهـ‪.‬‬ ‫بهم َع َل َأ َّن ا ُمل َراد بِال ُبكَاء ُهنَا ال ُبكَاء بِ َص ْوت َون َي َ‬
‫َم َذاه ْ‬

‫((( انظر مجيع أقوال اإلمام النووي يف هذه املسألة يف ((رشح صحيح مسلم))‪.162/6 :‬‬
‫(‪)159‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫الثاين من األقوال‪ :‬قال آخرون أن امليت ال يعذب ببكاء أهله‪ ،‬واستدلوا بقوله‬
‫تعاىل‪ :‬ﱹ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﱸ [األنعام‪ ،]164 :‬ومنهم السيدة عائشة حيث ردت‬
‫كام ورد يف البخاري ومسلم‪،‬‬ ‫الروايات السابقة عن سيدنا عمر وابنه عبداهلل‬
‫فعن َع ْب ِداهللِ ْب ُن ُع َب ْي ِداهللِ ْب ِن َأ ِب ُم َل ْي َك َة َق َال‪:‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ت ُُو ِّف َي ْت ا ْبنَ ٌة لِ ُع ْث َم َن‬
‫اس‬ ‫بِ َم َّك َة‪َ ،‬وج ْئنَا لن َْش َهدَ َها‪َ ،‬و َح َ َ‬
‫ض َها ا ْب ُن ُع َم َر َوا ْب ُن َع َّب ٍ‬
‫اآلخ ُر َف َج َل َس إِ َل َجنْبِي‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫‪ ،‬وإِ ِّن َ ِ‬
‫ها‪ُ ،‬ث َّم َجا َء َ‬‫لال ٌس َب ْين َُه َم‪َ ،‬أ ْو َق َال َج َل ْس ُت إِ َل َأ َحد َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ول اهللِ‬‫َاء‪َ ،‬فإِ َّن َر ُس َ‬ ‫لِعم ِرو ب ِن ع ْثم َن‪َ :‬أ َل َتنْهى عن البك ِ‬ ‫َف َق َال َع ْبدُ اهللِ ْب ُن ُع َم َر‬
‫َ َ ْ ُ‬ ‫َْ ْ ُ َ‬
‫َاء َأ ْهلِ ِه َع َل ْي ِه))‪.‬‬
‫ت َليع َّذب بِبك ِ‬
‫َق َال‪(( :‬إِ َّن ا َمل ِّي َ ُ َ ُ ُ‬
‫ث‬ ‫ول َب ْع َض َذلِ َك‪ُ ،‬ث َّم َحدَّ َ‬ ‫َي ُق ُ‬ ‫‪َ :‬قدْ ك َ‬
‫َان ُع َم ُر‬ ‫َف َق َال ا ْب ُن َع َّب ٍ‬
‫اس‬
‫ْب َ ْت َت‬ ‫ِم ْن َم َّك َة َحتَّى إِ َذا ُكنَّا بِال َب ْيدَ ِاء ‪ ..‬إِ َذا ُه َو بِ َرك ٍ‬ ‫َق َال‪َ :‬صدَ ْر ُت َم َع ُع َم َر‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ب‪،‬‬ ‫ْب‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فنَ َظ ْر ُت‪َ ،‬فإِ َذا ُص َه ْي ٌ‬ ‫الرك ُ‬ ‫ب َفا ْن ُظ ْر َم ْن َه ُؤ َلء َّ‬ ‫ظ ِّل َس ُم َرة‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ا ْذ َه ْ‬
‫ني‪،‬‬ ‫حل ْق َأ ِم َري ا ُمل ْؤ ِمنِ َ‬ ‫ِ‬
‫لت‪ْ :‬ار َتل َفا َ‬ ‫ب‪َ ،‬ف ُق ُ‬ ‫ب ُت ُه‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ا ْد ُع ُه ِل‪َ ،‬ف َر َج ْع ُت إِ َل ُص َه ْي ٍ‬ ‫َف َأ ْخ َ ْ‬
‫ول‪ :‬وا َأ َخاه وا ص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪:‬‬ ‫اح َبا ُه‪َ ،‬ف َق َال ُع َم ُر‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ب َي ْبكي َي ُق ُ َ‬ ‫يب ُع َم ُر ‪َ ..‬د َخ َل ُص َه ْي ٌ‬ ‫َف َل َّم ُأص َ‬
‫َاء َأ ْهلِ ِه‬
‫ض بك ِ‬
‫ت ُي َع َّذ ُب بِ َب ْع ِ ُ‬ ‫ول اهللِ ‪(( :‬إِ َّن ا َمل ِّي َ‬ ‫ب َأ َت ْب ِكي َع َ َّل َو َقدْ َق َال َر ُس ُ‬ ‫َيا ُص َه ْي ُ‬
‫‪،‬‬ ‫‪َ ..‬ذك َْر ُت َذلِ َك لِ َع ِائ َش َة‬ ‫ات ُع َم ُر‬‫‪َ :‬ف َل َّم َم َ‬ ‫َع َل ْي ِه)) َق َال ا ْب ُن َع َّب ٍ‬
‫اس‬
‫إِ َّن اهللَ َليع ِّذب ا ُملؤ ِمن بِبك ِ‬
‫َاء‬ ‫ول اهللِ‬ ‫ث َر ُس ُ‬ ‫َف َقا َل ْت‪َ :‬ر ِح َم اهلل ُع َم َر‪َ ،‬واهللِ َما َحدَّ َ‬
‫َُ ُ ْ َ ُ‬
‫َاء َأهلِ ِه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َأ ْه ِل ِه َع َل ْي ِه‪َ ،‬و َل ِك َّن َر ُس َ‬
‫ول اهللِ‬
‫ع َل ْيه))‬ ‫َق َال‪(( :‬إِ َّن اهللَ َل َي ِزيدُ الكَاف َر َع َذاب ًا بِ ُبك ْ َ‬
‫َو َقا َل ْت َح ْس ُبك ُْم ال ُق ْر ُ‬
‫آن ﱹ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﱸ [األنعام‪.]164 :‬‬
‫ِعنْدَ َذلِ َك‪َ :‬واهللُ ﱹ ﰙ ﰚ ﰛ ﱸ [النجم‪َ .]43 :‬ق َال‬ ‫َق َال ا ْب ُن َع َّب ٍ‬
‫اس‬
‫َش ْي ًئا‪ .‬أخرجه البخاري ومسلم واللفظ‬ ‫ا ْب ُن َأ ِب ُم َل ْي َك َة‪َ :‬واهللِ َما َق َال ا ْب ُن ُع َم َر‬
‫للبخاري‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)160‬‬

‫لت َع َل َع ِائ َش َة‪َ ،‬ف َحدَّ ْثت َُها بِ َم َق َال ا ْب ُن ُع َم َر‪،‬‬


‫ويف رواية مسلم‪َ " :‬ف ُق ْم ُت َفدَ َخ ُ‬
‫َاء َأ َح ٍد))‪َ ،‬و َل ِكنَّ ُه‬
‫ت يع َّذب بِبك ِ‬
‫َق ُّط‪((( :‬إِ َّن ا َمل ِّي َ ُ َ ُ ُ‬
‫ول اهللِ‬
‫َف َقا َل ْت‪َ :‬ل َواهللِ َما َقا َل ُه َر ُس ُ‬
‫َاء َأ ْهلِ ِه َع َذاب ًا))‪َ ،‬وإِ َّن اهللَ َل ُ َو ﱹ ﰚ ﰛ ﱸ [النجم‪.]43 :‬‬ ‫َق َال‪(( :‬إِ َّن الكَافِر ي ِزيدُ ه اهلل بِبك ِ‬
‫َ َ ُ ُ‬
‫ﱹ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﱸ [األنعام‪.]164 :‬‬
‫اس ُم ْب ُن ُم َ َّم ٍد َق َال‪ََّ :‬لا َب َل َغ َع ِائ َش َة‬
‫َق َال َأيوب‪َ :‬ق َال ابن َأ ِب م َلي َك َة‪ :‬حدَّ َثنِي ال َق ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ُّ ُ‬
‫ي َو َل ِك َّن‬
‫ي َو َل ُمك ََّذ َب ْ ِ‬ ‫ون َعن َغ ِي ك ِ‬
‫َاذ َب ْ ِ‬ ‫َق ْو ُل ُع َم َر َوا ْب ِن ُع َم َر ‪َ ..‬قا َل ْت‪ :‬إِ َّنك ُْم َلت َُحدِّ ُث ِّ ْ ْ‬
‫الس ْم َع ُيْطِ ُئ"‪.‬‬ ‫َّ‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن الدنيا وما فيها ال يغني عن اإلنسان شيئ ًا‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن األهل واألقارب منفعتهم حمدودة يف الدنيا فقط‪.‬‬
‫‪3 .3‬ينبغي عىل املؤمن أن يعمل الصاحلات ويستزيد منها فهي النافعة له يف آخرته‪.‬‬
‫(‪)161‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث السابع عشر‬

‫اجل َّن ُة َأ ْق َر ُب إِ َل َأ َح ِدك ُْم‬


‫‪َ (( :‬‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال النَّبِ ُّي‬ ‫َعن َعب ِد اهللِ ب ِن مسع ٍ‬
‫ود‬ ‫ْ َ ْ ُ‬ ‫ْ ْ‬
‫ك)) رواه البخاري‪.‬‬ ‫اك َن ْعلِ ِه‪َ ،‬والن َُّار ِم ْث ُل َذلِ َ‬
‫ِمن ِش ِ‬
‫ْ َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث‬ ‫هو الصحايب اجلليل عبداهلل بن مسعود‬
‫التاسع‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫أخرج احلديث أيض ًا اإلمام أمحد يف مسنده‪.‬‬
‫اك َن ْعلِ ِه‬
‫ويف رواية عند اإلمام أمحد بلفظ‪َ (( :‬للج َّن ُة َأ ْقرب إِ َل َأح ِدكُم ِمن ِش ِ‬
‫َ ْ ْ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫َوالن َُّار ِم ْث ُل َذلِ َ‬
‫ك))‪.‬‬
‫يف احلديث ترغيب عىل فعل الطاعة مهام قلت‪ ،‬وحتذير ًا من املعايص مهام‬
‫قلت كذلك‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫عن ذلك بالقربية‪ ،‬وذكر مثاالً تقريبا للفهم فقال‬ ‫وهلذا عرب النبي‬
‫اجلنَّ ُة َأ ْق َر ُب إِ َل َأ َح ِدك ُْم)) لو فقه وعمل الطاعة ‪.‬‬
‫(( َ‬

‫اك َن ْعلِ ِه))‪ :‬والرشاك هو‪:‬أحد سيور النعل التي تكون عىل وجهه‪،‬‬
‫(( ِمن ِش ِ‬
‫ْ َ‬
‫ّ‬
‫وخيتل امليش بفقده ‪،‬ويطلق أيضا عىل كل‬ ‫فهو السري الذي يدخل فيه أصبع الرجل‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)162‬‬

‫سري وقي به القدم‪.‬‬


‫ويف ذلك كناية أن قليل األعامل ربام يكون أجره كبري عند اهلل حتى أنه قد‬
‫يكون سببا لدخول اجلنة‪.‬‬
‫(( َوالن َُّار ِم ْث ُل َذلِ َ‬
‫ك)) أي يف األقربية ملن يفعل املعايص‪.‬‬

‫المثل بشراك النعل؟‬ ‫™™لما ضرب النبي‬


‫املثل برشاك النعل؛ ألن سبب حصول الثواب والعقاب‬ ‫رضب النبي‬
‫إنام هو سعي العبد‪ ،‬وجمرى السعي باألقدام وكل من عمل خري ًا ‪ ..‬استحق اجلنة‬
‫بوعده‪ ،‬ومن عمل رش ًا ‪ ..‬استحق النار بوعيده‪ ،‬وما وعد وأوعد منجزان‪ ،‬فكأهنام‬
‫حاصالن‪ ،‬كام قاله الطيبي‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬أراد أن سبب دخول اجلنة والنار مع صفة الشخص‪ ،‬وهو‬
‫العمل الصالح واليسء‪ ،‬وهو أقرب إليه من رشاك نعله؛ إذ هو جماوز له‪ ،‬والعمل‬
‫صفة قائمة به‪.‬‬
‫ووجه األقريبة كام قال ابن مالك‪ :‬أن يسري ًا من الطاعة قد يكون سبب ًا لدخول‬
‫اجلنة‪ ،‬ومثله من املعصية يف النار‪ ،‬فينبغي الرغبة يف كل أسباب اجلنة‪ ،‬وجتنب مجيع‬
‫أسباب النار‪ ،‬وعىل هذا فالقرب معنوي‪ ،‬وإال فاجلنة فوق الساموات السبع‪ .‬قال‬
‫تعاىل‪ :‬ﱹ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﱸ [النجم‪ ،]15 - 14 :‬وثبت أن سدرة‬
‫املنتهى فوق السامء‪.‬‬
‫قال ابن بطال‪ :‬فيه – أي‪ :‬احلديث ‪ -‬أن الطاعة موصلة إىل اجلنة‪ ،‬وأن املعصية‬
‫مقربة إىل النار‪ ،‬وأن الطاعة واملعصية قد تكون يف أيرس األشياء‪.‬‬
‫(‪)163‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ثم قال بعد ذلك‪ :‬فينبغي للمرء أن ال يزهد يف قليل من اخلري أن يأتيه‪ ،‬وال يف‬
‫قليل من الرش أن جيتنبه‪ ،‬فإنه ال يعلم احلسنة التي يرمحه اهلل هبا‪ ،‬وال السيئة التي‬
‫يسخط عليه هبا‪.‬‬
‫وقال ابن اجلوزي‪ :‬معنى احلديث‪ :‬أن حتصيل اجلنة سهل بتصحيح القصد‬
‫(((‬
‫وفعل الطاعة‪ ،‬والنار كذلك بموافقة اهلوى وفعل املعصية‪.‬‬
‫ولبعضهم فهم آخر يف احلديث‪ ،‬فقد قال السعد الكازروين يف ((رشح‬
‫املشارق))‪" :‬أراد قرب اجلنة ملن كان كافر ًا فأسلم‪ ،‬وقرب النار ملن عكس‪ ،‬وكذا‬
‫(((‬
‫ملن أتى بالكبائر"‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن املؤمن ال يستهني بأي عمل من الطاعات؛ فلربام كان هذا العمل هو السبب‬
‫يف نجاته من النار‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن قليل املعصية قد تؤدي بصاحبها إىل نار جهنم‪ ،‬فاحلديث ير ِّغب يف الطاعة‬
‫مهام قلت‪ ،‬وحيذر من املعايص مهام قلت كذلك‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن اهلل خبأ رضاه يف طاعته‪ ،‬وسخطه يف معصيته‪.‬‬
‫‪4 .4‬اجلنة قريبة من املؤمن‪ ،‬والنار كذلك‪.‬‬
‫‪5 .5‬املؤمن يرغب يف القرب من اهلل ومغفرته‪ ،‬وهيرب من غضب اهلل وعقوبته‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.362/11 :‬‬


‫((( انظر‪(( :‬دليل الفاحلني))‪.268/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)164‬‬

‫احلديث الثامن عشر‬

‫‪َ (( :‬خ ْ ُي الن ِ‬


‫َّاس‬ ‫ول اهللِ‬
‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َع ْن َأ ِب َص ْف َو ْا َن َع ْب ِداهللِ ْب ِن ُب ْ ٍ‬
‫س‬
‫َم ْن َط َال ُع ُم ُر ُه‪َ ،‬و َح ُس َن َع َم ُل ُه)) رواه الرتمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمـــه‬
‫هو الصحايب اجلليل‪َ :‬ع ْبداهللِ ْبن ُب ْس ‪ -‬بضم املوحدة وسكون املهملة – بن‬
‫صفوان األسلمي املزين‪ ،‬من مازن بن منصور‪ ،‬من مازن بن منصور أخو بني سليم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬من مازن األنصار‪ ،‬وهو قول ابن حبان‪ ،‬وهو مقتىض صنيع ابن منده‪،‬‬
‫فإنه قال فيه‪ :‬السلمي املازين‪.‬‬
‫قال يف ((اإلصابة))‪" :‬وعاب ذلك ابن األثري‪ ،‬ومل يفهم مراده؛ بل استبعد‬
‫اجتامع النسبة لشخص إىل بني سليم وإىل بني مازن‪ ،‬ولعل ابن منده إنام ذكره بفتح‬
‫السني نسبة إىل بني سلمة من األنصار؛ لكن يرد أيضا أن بني مازن األنصار ليسوا‬
‫(((‬
‫من بني سلمة" اهـ‪.‬‬
‫وأرضاه بأيب صفوان‪ ،‬وقيل‪ :‬أيب برس‪.‬‬ ‫ويكنى‬
‫والصمء صحبة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫وكان ألبويه وألخوه عطية‪ ،‬وأخته‬

‫((( ((اإلصابة يف متييز الصحابة))‪.377/2 :‬‬


‫(‪)165‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ما ورد فيه من الفضائل‪:‬‬
‫نال الصحايب اجلليل عبداهلل بن برس رشف الدعوة من النبي حيث دعا له‬
‫وبرشه بطول العمر‪ ،‬فعن أيب َعب ِداهللِ احلسن بن َأيوب احل ْض ِمي َقال‪َ :‬أر ِان َعبدُ اهللِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ْ ُ ُّ َ َ َ ُّ‬ ‫ْ‬
‫ُأ ْص ُب َع ُه‬ ‫س َشا َم ًة ِف َق ْرنِ ِه‪َ ،‬ف َو َض ْع ُت ُأ ْص ُب ِعي َع َل ْي َها‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬و َض َع َر ُس ُ‬
‫ول اهللِ‬ ‫ْب ُن ُب ْ ٍ‬
‫ج ٍة‪ .‬أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫َع َل ْي َها ُث َّم َق َال‪َ (( :‬ل َت ْب ُلغ ََّن َق ْرنًا))‪َ .‬ق َال َأ ُبو َع ْب ِداهلل‪َ :‬وك َ‬
‫َان َذا ُ َّ‬
‫وبلغ قرن ًا‪.‬‬ ‫وحقق اهلل ما قاله النبي‬
‫وزاد يف رواية ابن عساكر‪ :‬كان يف وجهه ثؤلول فقال‪" :‬ال يموت هذا الغالم‬
‫حتى يذهب هذا الثؤلول"‪ ،‬فلم يمت حتى ذهب الثؤلول من وجهه‪.‬‬
‫قال‪ :‬بعثتني‬ ‫وروى أبو احلسن بن الضحاك عن عبداهلل بن برس املازين‬
‫‪ ،‬فقال‬ ‫بقطف من عنب فأكلته‪ ،‬فسألت أمي رسول اهلل‬ ‫أمي إىل رسول اهلل‬
‫إذا رآين قال‪ُ (( :‬غدَ َر ُغدَ َر))‪.‬‬ ‫‪(( :‬ال))‪ ،‬فكان رسول اهلل‬ ‫رسول اهلل‬
‫ويعد سيدنا عبداهلل بن برس ممن صىل القبلتني من الصحابة كام ذكر ذلك أهل‬
‫الرتاجم‪.‬‬
‫روايته للحديث‪:‬‬
‫روى عنه احلديث مجاعة‪ ،‬منهم الشاميون‪ ،‬وهم‪ :‬حممد بن عبدالرمحن‬
‫اليحصبي‪ ،‬يزيد بن ُحري‪ ،‬وراشد بن سعد‪ ،‬وخالد بن معدان‪ ،‬وأبو الزاهرية‪ ،‬وسليم‬
‫ابن عامر‪ ،‬ولقامن بن عامر‪ ،‬وحممد بن زياد االهلاين‪ ،‬وحسان بن نوح‪ ،‬وصفوان بن‬
‫عمرو‪ ،‬وحريز بن عثامن‪.‬‬
‫وكذا عمرو بن قيس السكوين‪ ،‬واحلسن بن أيوب واحلكم بن الوليد‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)166‬‬

‫وحديثه يف الكتب السنة‪ ،‬وقد ذكروا أن له مخسني حديث ًا كام قاله الزركيل يف‬
‫((األعالم))‪ ،‬وقد أخرج له البخاري حديث ًا‪ ،‬ومسلم آخر ًا‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتـــه‬
‫‪ ،‬وقد‬ ‫قد أخرب أنه سيعيش قرن ًا‪ ،‬وهو كام أخرب النبي‬ ‫ذكرنا أن النبي‬
‫غزا جزيرة قربص مع معاوية يف دولة سيدنا عثامن‬
‫وأرضاه وهو يتوضأ‪ ،‬فقد قال حييى بن صالح الوحاظي‪ :‬حدثتنا‬ ‫وتويف‬
‫‪ ،‬كام يف‬ ‫أم هاشم الطائية قالت‪ :‬رأيت عبداهلل بن برس يتوضأ‪ ،‬فخرجت نفسه‬
‫((تاريخ دمشق)) أليب زرعة‪.‬‬
‫بالشام بحمص‪ ،‬وهو آخر من تويف من الصحابة‬ ‫وكانت وفاته‬
‫بالشام‪ .‬قال البخاري يف ((التاريخ))‪" :‬قال عيل بن عبداهلل‪ :‬سمعت سفيان‪ ،‬قلت‬
‫لألحوص‪ :‬أكان أبو أمامة آخر من مات عندكم من الصحابة قال‪ :‬كان بعده‬
‫عبداهلل بن برس"‪.‬‬
‫واختلفوا يف تاريخ وفاته‪ ،‬والصحيح ما قاله الواقدي‪ ،‬وهو أنه تويف سنة ثامن‬
‫وثامنني للهجرة (‪88‬هـ)‪،‬‬
‫وقال عبدالصمد بن سعيد احلافظ‪" :‬تويف سنة ست وتسعني‪ ،‬أي يف خالفة‬
‫سليامن بن عبدامللك"‪.‬‬
‫وقال أبو زرعة الدمشقي‪" :‬مات قبل سنة مئة"‪.‬‬
‫وقال يزيد بن عبدربه اجلرجيس‪" :‬تويف يف إمرة سليامن بن عبدامللك ومل حيدد‬
‫التاريخ"‪.‬‬
‫(‪)167‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫واختلفوا يف عمره يوم وفاته‪:‬‬
‫ ‪-‬فقال بعضهم‪ :‬ابن أربع وتسعني سنة (‪. )94‬‬
‫ ‪-‬وقال الزركيل يف ((األعالم))‪ :‬وله مخس وتسعني سنة‪.‬‬
‫ ‪-‬ويف ((معرفة الصحابة)) أليب نعيم‪ :‬كان له يوم فاته مائة سنة‪ ،‬وهو األقرب‬
‫له‪.‬‬ ‫للصواب لتناسبه مع دعوة النبي‬
‫فريض اهلل عنه وأرضاه ومجعنا به يف أعىل فراديس اجلنان‪ ،‬آمني اللهم آمني‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫َ‬
‫احلديث يف ((رياض الصاحلني)) باالختصار‪ ،‬ونقله‬ ‫ذكر اإلمام النووي‬
‫عنه شيخنا العالمة احلبيب عمر بن حممد بن حفيظ حفظه اهلل يف ((قطوف الفاحلني))‬

‫كام هو باختصاره‪ ،‬ونص احلديث كام ً‬


‫ال كام أخرجه الرتمذي وأمحد هو‪:‬‬
‫ول اهللِ َم ْن َخ ْ ُي الن ِ‬
‫َّاس؟ َق َال‪َ (( :‬م ْن َط َال ُع ُم ُر ُه َو َح ُس َن‬ ‫َأ َّن َأ ْع َرابِ ّي ًا َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫َع َم ُل ُه))‪.‬‬
‫ح ِن ْب ِن َأ ِب َبك َْر َة َع ْن َأبِ ِيه َأ َّن َر ُج ً‬
‫ال َق َال‪:‬‬ ‫الر ْ َ‬ ‫ِ‬
‫ويف رواية أخرى عندمها‪َ :‬ع ْبد َّ‬
‫َّاس‬ ‫ول اهللِ َأ ُّي الن ِ‬
‫َّاس َخ ْ ٌي؟ َق َال‪َ (( :‬م ْن َط َال ُع ُم ُر ُه َو َح ُس َن َع َم ُل ُه)) َق َال‪َ :‬ف َأ ُّي الن ِ‬ ‫َيا َر ُس َ‬
‫ش؟ َق َال‪َ (( :‬م ْن َط َال ُع ُم ُر ُه َو َس َ‬
‫اء َع َم ُل ُه))‪.‬‬ ‫َ ٌّ‬
‫ويف رواية عند اإلمام أمحد‪ :‬أن َع ْبدَ اهللِ ْب َن ُب ْ ٍ‬
‫س َي ُق ُ‬
‫ول‪:‬‬
‫ول اهللِ َأ ُّي الن ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس َخ ْ ٌي؟‬ ‫َجا َء َأ ْع َرابِ َّيان إِ َل َر ُسول اهلل ‪َ ،‬ف َق َال َأ َحدُ ُ َ‬
‫ها‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ش ِائ َع ِ‬
‫اإل ْس َل ِم‬ ‫اآلخ ُر‪َ :‬يا َر ُس َ ِ ِ‬
‫ول اهلل إ َّن َ َ‬ ‫َق َال‪َ (( :‬م ْن َط َال ُع ْم ُر ُه َو َح ُس َن َع َم ُل ُه)) َو َق َال َ‬
‫ُك َر ْطب ًا بِ ِذك ِْر اهلل ))‪.‬‬
‫َقدْ َك ُث َر ْت َع َ َّل‪َ ،‬ف ُم ْر ِن بِ َأ ْم ٍر َأ َت َث َّب ُت بِ ِه‪َ ،‬ف َق َال‪َ (( :‬ل َيز َُال لِ َسان َ‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)168‬‬

‫‪َ (( :‬خ ْ ُي الن ِ‬


‫َّاس))‪ ،‬أي‪ :‬أفضلهم‪ ،‬فقد نال اخلريية بمعنى األفضلية‬ ‫قوله‬
‫‪.‬‬ ‫بشهادة النبي‬
‫(( َم ْن َط َال ُع ْم ُر ُه‪َ ،‬و َح ُس َن َع َم ُل ُه))‪ ،‬أي‪ :‬اكتسب من طول أيام بقائه يف الدنيا‬
‫ما يقربه من مواله‪ ،‬ويبلغه رضاه‪ ،‬واملراد من حسن العمل‪ :‬اإلتيان به مستوفي ًا‬
‫للرشوط واألركان واملكمالت‪.‬‬
‫فاملؤمن كلام امتد عمره ‪ ..‬كثر أجره‪ ،‬وضوعفت درجاته‪ ،‬ففي احلياة زيادة‬
‫األجور بزيادة األعامل‪ ،‬ولو مل يكن يف زيادة العمر إال زيادة االستمرار يف اإليامن‬
‫لكفى ذلك من خري‪ ،‬وأي يشء أعظم منه‪.‬‬
‫وربام يقول قائل‪ :‬أن اإليامن قد يسلب منه‪ ،‬فكيف يكون خري له؟‬
‫واجلواب هو‪ :‬إن سبق له يف علم اهلل خامتة السوء ‪ ..‬فالبد من وقوع ذلك‬
‫طال عمره أم قرص‪ ،‬فزيادة عمره زيادة يف حسناته‪ ،‬ورفع يف درجاته كثرت أو قلت‪.‬‬
‫ش؟ َق َال‪َ (( :‬م ْن‬ ‫ويكون مقابل ذلك ما ورد يف الرواية األخرى‪َ :‬ف َأ ُّي الن ِ‬
‫َّاس َ ٌّ‬
‫َط َال ُع ُم ُر ُه َو َس َ‬
‫اء َع َم ُل ُه)) أخرجه أمحد والرتمذي‪.‬‬

‫™™مسألـــة‪:‬‬
‫طول العمر قد يكون فيه خري للعايص وللكافر‪ ،‬وقد يكون فيه سوء هلام‪،‬‬
‫فإن اهلل سبحانه وتعاىل قد يطيل عمر العايص أو الكافر ليعطيه فرصة للتوبة والندم‬
‫والرجوع إليه‪ ،‬فهذا طول العمر له خري‪ ،‬وقد يطيل اهلل عمر العايص أو الكافر‬
‫ليزداد إثام إىل إثمه حتى إذا أخذه‪ ..‬أخذه أخذ عزيز مقتدر‪ ،‬كام قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﭪ‬
‫ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﱸ [القلم‪ ،]45 :‬وقوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﱸ [لقامن‪ ،]24 :‬أي‪ :‬نبقيهم يف الدنيا ليزدادوا إث ًام إىل إثمهم‪ ،‬ويف احلديث َع ْن‬
‫(‪)169‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫َ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ول اهللِ ‪(( :‬إِ َّن اهللَ‬
‫ُي ْمل لل َّظالِ َفإِ َذا أ َخ َذ ُه َل ْ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َأ ِب ُم َ‬
‫وسى‬
‫ُي ْفلِ ْت ُه)) ُث َّم َق َر َأ‪ :‬ﱹ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﱸ [هود‪ ]102 :‬أخرجه‬
‫مسلم وابن ماجة‪.‬‬
‫قال يف ((فيض القدير))‪(" :‬تنبيه) قال عيل‪ :‬موت اإلنسان بعد أن كرب وعرف‬
‫(((‬
‫ربه ‪ ..‬خري من موته طف ً‬
‫ال بال حساب يف اآلخرة‪ .‬ذكره الطيبي" اهـ‪.‬‬
‫‪" :‬إن األوقات والساعات كرأس املال للتاجر‪ ،‬فينبغي أن‬ ‫وقال الطيبي‬
‫يتجر فيام يربح فيه‪ ،‬وكلام كان رأس ماله كثري ًا كان الربح أكثر‪ ،‬فمن انتفع من عمره‬
‫بأن حسن عمله ‪ ..‬فقد فاز وأفلح‪ ،‬ومن أضاع رأس ماله ‪ ..‬مل يربح‪ ،‬وخرس خرسانا‬
‫(((‬
‫مبينا‪ .‬اهـ‬
‫‪َ (( :‬أ َل ُأ َن ِّب ُئك ُْم‬ ‫ول اهللِ‬ ‫أنه َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫وقد ورد َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ول اهللِ‪َ .‬ق َال‪ِ (( :‬خ َي ُارك ُْم َأ ْط َو ُلك ُْم َأ ْع َمر ًا َو َأ ْح َسنُك ُْم‬
‫بِخَ ْ ِيك ُْم)) َقا ُلوا‪َ :‬ن َع ْم َيا َر ُس َ‬
‫َأ ْع َمالً)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن املؤمن يستغل كل حلظة من عمره يف زيادة قربه من ربه‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن توفيق اهلل للمؤمن بالعمل الصالح يف عمره دليل إرادة اخلريية له منه‬
‫سبحانه‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن من طال عمره‪ ،‬وحسن عمله‪ ..‬هو خري الناس ملا يناله من مراتب عاليات‪،‬‬
‫ومن طال عمره‪ ،‬ومل يوفق لفعل اخلريات ‪ ..‬هو رش الناس‪.‬‬

‫((( ((فيض القدير))‪.514/5 :‬‬


‫((( انظر‪(( :‬حتفة األحوذي))‪.338/5 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)170‬‬

‫‪4 .4‬طول العمر قد يكون نعمة‪ ،‬وقد يكون نقمه‪.‬‬


‫‪5 .5‬اخلريية مربوطة بالعمل الصالح‪.‬‬
‫(‪)171‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث التاسع عشر‬

‫ات َع َل ْي ِه)) رواه‬


‫ث ك ُُّل َع ْب ٍد َع َل َما َم َ‬
‫‪ُ (( :‬ي ْب َع ُ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال النَّبِ ُّي‬ ‫َع ْن َجابِ ٍر‬
‫مسلم‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫الصحايب اجلليل جابر بن عبداهلل األنصاري‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث‬
‫الثالث عرش‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪ُ (( :‬ي ْب َع ُ‬
‫ث))‪ ،‬والبعث هو‪ :‬إخراج أجساد املوتى بعد مجع األجزاء‬ ‫قوله‬
‫األصلية من القبور‪ ،‬واملراد باألصلية‪ :‬هي التي من شأهنا البقاء من أول العمر إىل‬
‫آخره يف الغالب‪ ،‬ولو ق ِّطعت قبل موته‪ ،‬بخالف التي ليس من شأهنا ذلك‪ ،‬كالظفر‬
‫َ‬
‫والشعر مثالً‪.‬‬
‫مل خيص املؤمنني هنا‪ ،‬بل جعل‬ ‫((ك ُُّل َع ْب ٍد)) مؤمن أو كافر‪ ،‬حيث أنه‬
‫األمر عاما فقال‪(( :‬كل عبد))‪ ،‬إال أنه متعلق باملكلف رجل كان أو امرأة‪.‬‬
‫ات َع َل ْي ِه))‪ ،‬أي‪ :‬عىل احلالة التي مات عليها‪ ،‬واملراد هنا احلال‬
‫(( َع َل َما َم َ‬
‫الذي يرتتب عليه ثواب وعقاب‪ ،‬وليس كل حال‪ ،‬فمن مات وهو نائم ‪ ..‬ال يبعث‬
‫وهو نائم‪ ،‬ومن مات وهو يف السيارة ‪ ..‬ال يبعث يف سيارة‪ ،‬لكن من مات وهو‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)172‬‬

‫يقوم بعمل فيه يرتتب عليه ثواب وعقاب بعث عىل تلك احلالة‪ ،‬فلهذا حيرص‬
‫املؤمن عىل فعل اخلريات وما يقربه من اهلل؛ حتى إذا جاءه املوت كان عىل حالة‬
‫ما يبني هذا املعنى يف حق من مات وهو‬ ‫مرضية‪ ،‬وحتسن خامتته‪ ،‬فقد ورد عنه‬
‫بِ َع َر َف َة ‪ ..‬إِ ْذ َو َق َع‬ ‫َق َال‪َ :‬ب ْينَا َر ُج ٌل َو ِاق ٌ‬
‫ف َم َع النَّبِ ِّي‬ ‫ُم ْ ِر ٌم‪ ،‬ف َع ْن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫اس‬
‫اح َلتِ ِه‪َ ،‬ف َو َق َص ْت ُه‪َ ،‬أ ْو َق َال‪َ :‬ف َأ ْو َق َص ْت ُه‪َ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي ‪(( :‬ا ْغ ِس ُلو ُه بِ َم ٍء َو ِسدْ ٍر‪،‬‬ ‫َعن ر ِ‬
‫ْ َ‬
‫ي‪َ ،‬و َل َت َ ُّسو ُه طِيب ًا‪َ ،‬و َل ُ َت ِّم ُروا َر ْأ َس ُه‪َ ،‬و َل ُ َتنِّ ُطو ُه‪َ ،‬فإِ َّن اهللَ َي ْب َع ُث ُه َي ْو َم‬‫َو َك ِّفنُو ُه ِف َث ْو َب ْ ِ‬
‫الق َي َام ِة ُم َل ِّب ًيا)) أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ِ‬

‫َع ْن‬ ‫أن مدار األمر كله عىل نية املرء‪ ،‬ف َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬ ‫وقد بني النبي‬
‫اتِ ْم)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫َّاس َع َل نِ َّي ِ‬
‫ث الن ُ‬ ‫َق َال‪ُ (( :‬ي ْب َع ُ‬ ‫النَّبِ ِّي‬
‫ف ِبِ ْم‪َ ،‬ف َقا َل ْت ُأ ُّم‬ ‫جل ْي َش ا َّل ِذي ُي َْس ُ‬ ‫ا َ‬ ‫‪َ :‬ذك ََر النَّبِ ُّي‬ ‫و َع ْن ُأ ِّم َس َل َم َة‬
‫اتِ ْم)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫ون َع َل نِ َّي ِ‬
‫َس َل َم َة‪َ :‬ل َع َّل فِ ِيه ْم ا ُملك َْر َه‪َ ،‬ف َق َال‪(( :‬إِ َّنُ ْم ُي ْب َع ُث َ‬
‫ول اهللِ ‪َ (( :‬ي ْغزُو َج ْي ٌش ال َك ْع َب َة‪َ ،‬فإِ َذا‬ ‫َقا َل ْت‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫وعن َع ِائ َش َة‬
‫ف‬ ‫ول اهللِ َك ْي َ‬ ‫لت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫آخ ِر ِه ْم))‪َ .‬قا َل ْت‪ُ :‬ق ُ‬ ‫ف بِ َأو ِلم و ِ‬
‫ي َس ُ َّ ْ َ‬ ‫ض ُْ‬ ‫كَانُوا بِ َب ْيدَ َاء ِم ْن األَ ْر ِ‬
‫ف بِ َأ َّو ِل ْم‬‫ي َس ُ‬ ‫آخ ِر ِه ْم َوفِ ِيه ْم َأ ْس َوا ُق ُه ْم‪َ ،‬و َم ْن َل ْي َس ِمن ُْه ْم؟ َق َال‪ْ ُ (( :‬‬ ‫ف بِ َأو ِلم و ِ‬
‫ُي َْس ُ َّ ْ َ‬
‫اتِ ْم)) أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫ون َع َل نِ َّي ِ‬
‫آخ ِر ِه ْم ُث َّم ُي ْب َع ُث َ‬
‫و ِ‬
‫َ‬
‫يل اهللِ واهللُ َأ ْع َل ُم‬‫َق َال‪َ (( :‬م ْن كُلِ َم ِف َسبِ ِ‬ ‫‪َ ،‬ع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫و َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫الق َي َام ِة ُج ْر ُح ُه ك ََه ْيئَتِ ِه َي ْو َم ُج ِر َح‪َ ،‬ل ْو ُن ُه َل ْو ُن َدمٍ‪،‬‬
‫بِمن ي ْك َلم ِف سبِيلِ ِه ‪َ ..‬يِيء يوم ِ‬
‫ُ ََْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ ُ‬
‫ك)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫و ِرحيه ِريح ِمس ٍ‬
‫َ ُُ ُ ْ‬
‫ول اهللِ ‪َ (( :‬م ْن ُج ِر َح ُج ْرح ًا ِف َسبِ ِ‬
‫يل اهلل‬ ‫أيض ًا َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫و َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ك)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫القيام ِة كَهيئَتِ ِه‪َ ،‬لو ُنه َلو ُن الدَّ مِ‪ ،‬و ِرحيه ِريح املِس ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ُُ ُ ْ‬ ‫ْ ُ ْ‬ ‫اء َي ْو َم َ َ َ ْ‬ ‫‪َ ..‬ج َ‬
‫(‪)173‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ِ‬
‫ع َل ْيه))‬
‫ٍ‬
‫ث ك ُُّل َع ْبد َع َل َما َم َ‬
‫‪ُ (( :‬ي ْب َع ُ‬
‫ات َ‬ ‫وقد قال بعضهم‪ :‬أن املراد من قوله‬
‫‪ ..‬أي‪ :‬االكفان‪ ،‬حيث يبعثون يف أكفاهنم؛ وهذا معنى بعيد جدا وال يصح؛ ألن‬
‫الكفن إنام يكون بعد املوت ال قبله‪ ،‬واحلديث واضح يف أنه يتحدث عن احلالة التي‬
‫مات عليها‪ ،‬وليس عىل ما بعد املوت‪ ،‬ويثبت هذا املعنى ما ورد َع ْن َع ْب ِداهللِ ْب ِن‬
‫اد َوال َغ ْز ِو‪َ ،‬ف َق َال‪َ (( :‬يا َع ْبدَ اهللِ ْب َن َع ْم ٍرو إِ ْن‬‫اجله ِ‬ ‫َعم ٍرو َق َال‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ب ِن َع ْن ِ َ‬ ‫ول اهلل َأ ْخ ِ ْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ك‬ ‫َلت ُم َرائِي ًا ُمكَاثِ ًرا ‪َ ..‬ب َع َث َ‬
‫مت َِس ًبا‪َ ،‬وإِ ْن َقات َ‬ ‫ك اهلل َصابِر ًا ُ ْ‬ ‫مت َِس ًبا ‪َ ..‬ب َع َث َ‬
‫َلت َصابِر ًا ُ ْ‬‫َقات َ‬
‫ك اهلل َع َل‬ ‫َلت‪َ ،‬أ ْو ُقتِ َ‬
‫لت ‪َ ..‬ب َع َث َ‬ ‫ال َقات َ‬ ‫ي َح ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل ُم َرائي ًا ُمكَاثر ًا‪َ ،‬يا َع ْبدَ اهلل ْب َن َع ْم ٍرو َع َل َأ ِّ‬
‫ال)) أخرجه ابو داود‪.‬‬ ‫احل ِ‬
‫لك َ‬ ‫تِ َ‬

‫ومن ساءت خامتته عند موته ‪ ..‬بعث عىل احلالة التي مات عليها كذلك‪ ،‬ف َع ْن‬
‫َق َال‪َ (( :‬م ْن ت ََر َّدى ِم ْن َج َب ٍل َف َقت ََل َن ْف َس ُه ‪َ ..‬ف ُه َو ِف ن ِ‬
‫َار‬ ‫‪َ ،‬ع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫م َّلد ًا فِ َيها َأ َبدً ا‪َ ،‬و َم ْن َ َت َّسى ُس ّ ًم َف َقت ََل َن ْف َس ُه ‪َ ..‬ف ُس ُّم ُه ِف َي ِد ِه‬
‫ت َّدى فِ ِيه َخالِد ًا ُ َ‬ ‫َج َهن ََّم َي َ َ‬
‫م َّلد ًا فِ َيها َأ َبدً ا‪َ ،‬و َم ْن َقت ََل َن ْف َس ُه بِ َح ِديدَ ٍة ‪َ ..‬ف َح ِديدَ ُت ُه ِف‬‫َار َج َهن ََّم َخالِد ًا ُ َ‬ ‫َيت ََح َّسا ُه ِف ن ِ‬
‫م َّلد ًا فِ َيها َأ َبدً ا)) أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫َار َج َهن ََّم َخالِد ًا ُ َ‬ ‫ي ُأ ِ َبا ِف َب ْطن ِ ِه ِف ن ِ‬ ‫ِِ‬
‫َيده َ َ‬
‫وذهب بعض أهل العلم إىل أن املراد من احلديث أيض ًا أن يبعث عىل الصورة‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ض ُه‬ ‫الظاهرية التي مات عليها‪ ،‬واستدلوا بحديث َأ ِب َسعيد اخلُدْ ر ِّي َأ َّن ُه ََّلا َح َ َ‬
‫ول‪(( :‬إِ َّن‬‫َي ُق ُ‬ ‫اب ُجدُ ٍد‪َ ،‬ف َلبِ َس َها‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ول اهللِ‬ ‫ا َمل ْو ُت ‪َ ..‬د َعا بِثِ َي ٍ‬
‫وت فِ َيها)) أخرجه أبو داود واحلاكم‪.‬‬ ‫ث ِف ثِ َيابِ ِه ا َّلتِي َي ُم ُ‬ ‫ا َمل ِّي َ‬
‫ت ُي ْب َع ُ‬

‫وقد ر َّد هذا القول بعضهم ومل يرتضه‪ ،‬وقال اإلمام البيهقي يف ((شعب‬
‫اإليامن)) رد ًا عىل هذا احلديث‪" :‬حيتمل أن يكون املراد يف أعامله التي عليها من خري‬
‫أو رش" اهـ‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)174‬‬

‫يت َِم ُل‬ ‫وقال احلافظ العراقي يف ((طرح التثريب)) نقال عن ابن عبدالرب‪َ " :‬و َ ْ‬
‫يد‪َ ،‬فت ََأ َّو َل ُه َع َل ال ُع ُمو ِم‪َ ،‬و َيك ُ‬ ‫الش ِه ِ‬ ‫يث ِف َّ‬ ‫حل ِد َ‬ ‫ِ ٍ ِ‬
‫ُون ا َمل ِّي ُت‬ ‫ُون َأ ُبو َسعيد َسم َع ا َ‬ ‫َأ ْن َيك َ‬
‫الش ِهيدَ ا َّل ِذي َأ َم َر َأ ْن ُي َز َّم َل بِثِ َيابِ ِه‪َ ،‬و ُيدْ َف َن فِ َيها‪َ ،‬و َل ُي ْغ َس َل َعنْ ُه‬
‫ُور ِف َح ِديثِ ِه ُه َو َّ‬ ‫ا َمل ْذك ُ‬
‫ش ٌء ِم ْن َحالِ ِه" اهـ‪.‬‬‫َد ُم ُه‪َ ،‬و َل ُي َغ َّ َي َ ْ‬
‫اس ٍة‬ ‫ِ ِ‬ ‫اب ا َّلتِي كَان ْ‬
‫َت َع َل ْيه لن ََج َ‬ ‫إن ََّم ن ََز َع ال ِّث َي َ‬
‫ثم قال‪" :‬و َيت َِم ُل َأ َّن َأبا س ِع ٍ‬
‫يد‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫(((‬
‫اب ُم َ َّق َق ِة ال َّط َه َار ِة" اهـ‪.‬‬
‫ُون بِثِ َي ٍ‬
‫فِ َيها إ َّما ُم َ َّق َق ٌة‪َ ،‬وإِ َّما َم ْشكُو َك ٌة َف َأ َرا َد َأ ْن َيك َ‬

‫الر ُج َل َل َي ْع َم ُل بِ َع َم ِل‬‫وقد ورد أن األعامل بخواتيمها‪ ،‬فقد قال ‪َ (( :‬فإِ َّن َّ‬
‫َاب‪َ ،‬ف َي ْع َم ُل بِ َع َم ِل َأ ْه ِل‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َأ ْه ِل الن ِ‬
‫اع َف َي ْسبِ ُق َع َل ْيه الكت ُ‬‫ُون َب ْينَ ُه َو َب ْين ََها إِ َّل ذ َر ٌ‬
‫َّار َحتَّى َما َيك ُ‬
‫اجلن َِّة‪َ ،‬حتَّى َما َيك ُ‬
‫ُون َب ْينَ ُه َو َب ْين ََها‬ ‫الر ُج َل َل َي ْع َم ُل بِ َع َم ِل َأ ْه ِل َ‬ ‫اجلن َِّة‪َ ،‬ف َيدْ ُخ ُل َ‬
‫اجلنَّ َة‪َ ،‬وإِ َّن َّ‬ ‫َ‬
‫َاب‪َ ،‬ف َي ْع َم ُل بِ َع َم ِل َأ ْه ِل الن ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّار‪َ ،‬ف َيدْ ُخ ُل الن ََّار)) أخرجه‬ ‫اع‪َ ،‬ف َي ْسبِ ُق َع َل ْيه الكت ُ‬ ‫إِ َّل ذ َر ٌ‬
‫البخاري ومسلم‪ ،‬واللفظ للبخاري‪.‬‬

‫™™فائـــدة‪:‬‬
‫ينبغي للعبد أن حيسن الظن باملوىل تعاىل‪ ،‬وخصوصا عند املوت فال يموت‬
‫َق ْب َل َو َفاتِ ِه‬ ‫َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت النَّبِ َّي‬ ‫إال وهو حيسن الظن باهلل تعاىل‪ ،‬ف َع ْن َجابِ ٍر‬
‫ي ِس ُن باهللِ ال َّظ َّن)) أخرجه مسلم وأمحد‪.‬‬ ‫ول‪َ (( :‬ل َي ُموت ََّن َأ َحدُ ك ُْم إِ َّل َو ُه َو ُ ْ‬
‫بِ َث َل ٍ‬
‫ث َي ُق ُ‬

‫وهلذا قال الشافعية‪ :‬ينبغي للعبد أن يساوي يف حياته بني اخلوف والرجاء‪،‬‬
‫فال يزيد أحدمها عىل اآلخر؛ ألن اخلوف إذا زاد ‪ ..‬أوصل صاحبه إىل القنوط من‬
‫رمحة اهلل‪ ،‬والرجاء إذا زاد ‪ ..‬أوصل صاحبه إىل األمن من مكر اهلل‪ ،‬أما عند حضور‬
‫امليت فينبغي زيادة الرجاء عىل اخلوف‪ ،‬حتى يموت العبد وهو حمسن الظن باهلل‪،‬‬

‫((( ((طرح التثريب))‪.1922/6 :‬‬


‫(‪)175‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫َق َال‪َ :‬أنَا ِعنْدَ َظ ِّن‬ ‫ول اهللِ ‪َ (( :‬أ َّن اهللَ‬
‫‪َ ،‬ع ْن رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫فقد ورد َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ِ‬
‫َع ْبدي ِب إِ ْن َظ َّن ِب َخ ْي ًا َف َل ُه َوإِ ْن َظ َّن َ ّ‬
‫ش ًا َف َل ُه)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬
‫ي ِس ُن باهللِ‬ ‫قال اإلمام النووي عند ذكر حديث (( َل َي ُموت ََّن َأ َحدُ ك ُْم إِ َّل َو ُه َو ُ ْ‬
‫اتَة‪َ ،‬و َقدْ‬ ‫ال َّظن))‪َ " :‬ق َال الع َلمء‪ :‬ه َذا َ ْت ِذير ِمن ال ُقنُوط‪ ،‬وح ّث َع َل الرجاء ِعنْد اخل ِ‬
‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َّ‬
‫اآلخر َق ْوله ُس ْب َحانه َو َت َع َال‪َ (( :‬أنَا ِعنْد َظ ّن َع ْب ِدي ِب))‪َ ،‬ق َال ال ُع َل َمء‪:‬‬ ‫حل ِديث َ‬ ‫َس َب َق ِف ا َ‬
‫َم ْعنَى (( ُح ْسن ال َّظ ّن باهللِ َت َع َال)) َأ ْن َي ُظ ّن َأ َّن ُه َي ْر َح ُه َو َي ْع ُفو َعنْ ُه‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬و ِف َحا َلة‬
‫َت‬ ‫َان َس َواء‪َ ،‬و ِق َيل‪َ :‬يكُون اخلَ ْوف َأ ْر َجح‪َ ،‬فإِ َذا َدن ْ‬ ‫اجيا‪ ،‬ويكُون ِ‬ ‫ِ‬
‫الص َّحة َيكُون َخائف ًا َر ِ ً َ َ‬ ‫ِّ‬
‫اص‬ ‫ْك َفاف َعن ا َملع ِ‬ ‫الن ِ‬‫َأمارات ا َملوت َغ َلب الرجاء َأو َمْضه؛ ِلَ َّن م ْقصود اخلوف‪ِ :‬‬
‫ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َّ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫اإل ْك َثار ِم ْن ال َّطا َعات َواألَ ْع َمل‪َ ،‬و َقدْ َت َع َّذ َر َذلِ َك َأ ْو ُم ْع َظمه‬ ‫احل ْرص َع َل ِ‬ ‫وال َقب ِائح‪ ،‬و ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫اإل ْذ َعان‬ ‫ار إِ َل اهللِ َت َع َال‪َ ،‬و ِ‬ ‫ب إِ ْح َسان ال َّظ ّن ا ُملت ََض ِّمن ل ِل ْفتِ َق ِ‬ ‫ِ‬
‫استُح َّ‬ ‫حلال‪َ ،‬ف ْ‬ ‫ِف َه َذا ا َ‬
‫ات َع َل ْي ِه))‪َ ،‬و ِل َ َذا َع َّق َب ُه‬ ‫حل ِديث ا َمل ْذكُور َب ْعده (( ُي ْب َعث ك ُّل َع ْبد َع َل َما َم َ‬ ‫َل ُه‪َ ،‬و ُي َؤ ِّيد ُه ا َ‬
‫ات َع َل ْي َها‪،‬‬ ‫حلا َلة ا َّلتِي َم َ‬ ‫لحديث األَ َّول‪َ .‬ق َال ال ُع َل َمء‪َ :‬م ْعنَا ُه‪ُ :‬ي ْب َعث َع َل ا َ‬
‫مس ِلم لِ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حل ِديث َ‬ ‫ِ‬
‫اهتم))" اهـ‪.‬‬ ‫اآلخر َب ْعده (( ُث َّم ُبع ُثوا َع َل ن َّي ْ‬ ‫َوم ْثله ا َ‬
‫(((‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬التحريض عىل عمل اخلري‪ ،‬واالستزادة منه‪.‬‬
‫‪2 .2‬االستعداد لنزول املوت يف أي حلظه باألعامل الصاحلة واإلكثار منها‪،‬‬
‫وخصوص ًا عند كرب السن ويف حالة املرض‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن األعامل بخواتيمها‪.‬‬

‫((( ((رشح مسلم)) للنووي‪.137/17 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)176‬‬

‫احلديث العشرون‬

‫‪َ (( :‬ل َ ْت ِقر َّن ِمن ا َملعر ِ‬


‫وف َش ْيئ ًا َو َل ْو َأ ْن‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال ِ َل النَّبِ ُّي‬ ‫َع ْن َأ ِب َذ ٍّر‬
‫ْ ُْ‬ ‫َ‬
‫لق)) رواه مسلم‪.‬‬ ‫اك بِ َو ْج ٍه َط ٍ‬‫تَل َقى َأ َخ َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمـــه‬
‫هو الصحايب اجلليل أبو ذر الغفاري‪ ،‬وقد ُأ ْخت ُِل َ‬
‫ف كثري ًا يف اسمه عىل أقوال‪،‬‬
‫ومنها‪:‬‬
‫ ‪-‬جندب بن جنادة‪ ،‬وهو أصحها‪.‬‬
‫ ‪-‬وقيل‪ :‬برير بن جنادة‪.‬‬
‫ ‪-‬وقيل‪ :‬برير بن عبد اهلل‪.‬‬
‫ ‪-‬وقيل‪ :‬جندب بن سكن‪.‬‬
‫ ‪-‬وقيل‪ :‬جندب بن عبداهلل‪.‬‬
‫ ‪-‬وقيل‪ :‬يزيد بن جنادة‪ ،‬قاله أمحد بن الربقي‪.‬‬
‫قال يف ((سري أعالم النبالء))‪" :‬ونبأين الدمياطي‪ :‬أنه جندب بن جنادة بن‬
‫سفيان بن عبيد بن حرام بن ‪ -‬غفار أخي ثعلبة ‪ -‬ابني مليل بن ضمرة‪ ،‬أخي ليث‬
‫(‪)177‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(((‬
‫والديل‪ ،‬أوالد بكر‪ ،‬أخي مرة‪ ،‬والد مدلج بن مرة‪ ،‬ابني عبد مناة بن كنانة" اهـ‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫يف كنانة‪ ،‬وهو غفاري‬ ‫فهو جيتمع مع النبي‬
‫قال يف ((اإلصابة))‪" :‬وهذا االختالف يف اسمه واسم أبيه أسنده كله ابن عساكر‬
‫(((‬
‫إىل قائليه‪ ،‬وقال‪ :‬هو إن برير ًا تصحيف بريق‪ ،‬وكذا زيد ويزيد وعرفة" اهـ‪.‬‬
‫واسم أمه‪ :‬رملة بنت الوقيعة‪ ،‬غفارية أيض ًا ‪،‬ويقال‪ :‬إنه أخو عمرو بن عبسة‬
‫ألمه‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬كان آدم ًا طوي ً‬
‫ال ضخ ًام جسي ًام‪ ،‬كث اللحية‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬كان نحيف ًا كام يف اإلصابة‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫إسالمـــه‬
‫من السابقني‬ ‫‪،‬وكان‬ ‫يتعبد قبل مبعث النبي‬ ‫كان سيدنا أبو ذر‬
‫األولني إىل اإلسالم‪ ،‬ويروى أنه قال‪" :‬أنا رابع اإلسالم"‪ ،‬وقال بعضهم أنه (خامس‬
‫‪ ،‬فقد‬ ‫اإلسالم)‪ ،‬والذي ورد يف األحاديث أن رابع اإلسالم هو عمرو بن عبسة‬
‫أخرج الطرباين يف ((املعجم األوسط)) أنه – أي‪ :‬عمروبنعبسة – قال‪ :‬أتيت رسول‬
‫اهلل أو ملا بعث‪ ،‬وهو يومئذ مستخف‪ ،‬فقلت‪ :‬ما أنت‪ .‬قال‪(( :‬أنا نبي))‪ .‬قلت‪ :‬وما‬
‫نبي؟ قال‪(( :‬رسول اهلل))‪ .‬قلت‪ :‬فاهلل أرسلك؟ قال‪(( :‬نعم))‪ .‬قلت‪ :‬بم أرسلك؟‬
‫قال‪(( :‬بأن تعبدوا اهلل‪ ،‬وتكرسوا األوثان‪ ،‬وتصلوا األرحام))‪ .‬قلت‪ :‬نعم‪ ،‬أرسلك‬
‫فمن تبعك عىل هذا؟ قال‪(( :‬حر وعبد)) ‪ -‬يعني أبا بكر وبالال ‪ -‬فكان عمرو بن‬
‫عبسة يقول‪ :‬أنا رابع اإلسالم‪ ،‬فأسلمت‪.‬‬

‫((( ((سري أعالم النبالء))‪.281/2 :‬‬


‫((( ((اإلصابة))‪.81/4 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)178‬‬
‫وأما قصة إسالم سيدنا أيب ذر الغفاري فهو حيدثنا عن نفسه‪ ،‬فعن َعب ِداهللِ‬
‫َ ْ ْ‬ ‫ٍّ‬
‫ار‪ ،‬وكَانُوا ُ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫حل َرا َم‪،‬‬ ‫الش ْه َر ا َ‬ ‫ون َّ‬ ‫ي ُّل َ‬ ‫ْب ِن َصامت َق َال‪َ :‬ق َال َأ ُبو َذ ٍّر‪َ :‬خ َر ْجنَا م ْن َق ْومنَا غ َف ٍ َ‬
‫ال َو ِذي َه ْي َئ ٍة‪َ ،‬ف َأك َْر َمنَا‬ ‫ال َلنَا ِذي م ٍ‬
‫َ‬
‫َأنَا َو َأ ِخي ُأ َن ْي ٌس َو ُأمنَا‪َ ،‬فا ْن َط َل ْقنَا َحتَّى ن ََزلنَا َع َل َخ ٍ‬
‫ُّ‬
‫َخا ُلنَا َف َأ ْح َس َن إِ َل ْينَا‪َ ،‬ف َح َسدَ نَا َق ْو ُم ُه‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪ :‬إِن ََّك إِ َذا َخ َر ْج َت َع ْن َأ ْه ِل َك َخ َل َف َك إِ َل ْي ِه ْم‬
‫لت َأ َّما َما َم َض ِم ْن َم ْع ُروفِ َك ‪َ ..‬ف َقدْ‬ ‫ُأ َن ْي ٌس‪َ ،‬ف َجا َءنَا َخا ُلنَا‪َ ،‬فنَ َثا َع َل ْي ِه َما ِق َيل َل ُه‪َ ،‬ف ُق ُ‬
‫احت ََملنَا َع َل ْي َها‪َ ،‬و َت َغ َّطى َخا ُلنَا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َكدَّ ْر َت ُه‪َ ،‬و َل ِ َ‬
‫ص َم َتنَا‪َ ،‬ف ْ‬‫اع َلنَا ف َيم َب ْعدُ ‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َق َّر ْبنَا ْ‬ ‫ج َ‬
‫ض ِة َم َّك َة‪َ .‬ق َال‪َ :‬فنَا َف َر ُأ َن ْي ٌس َر ُج ً‬ ‫ِ‬
‫ال َع ْن‬ ‫َث ْو َب ُه‪َ ،‬و َج َع َل َي ْبكي‪َ .‬ق َال‪َ :‬فا ْن َط َل ْقنَا َحتَّى ن ََزلنَا بِ َح ْ َ‬
‫ص َمتِنَا َو ِم ْث ِل َها‪َ ،‬و َقدْ َص َّل ْي ُت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ص َمتنَا َو َع ْن م ْثل َها‪َ ،‬ف َأ َت َيا الكَاه َن‪َ ،‬ف َخ َّ َي ُأ َن ْي ًسا‪َ ،‬ف َأتَانَا بِ ْ‬
‫ِ ِ‬
‫ْ‬
‫لت َلِ ْن؟ َق َال‪ :‬هللِ‪.‬‬ ‫ني‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف ُق ُ‬ ‫ث ِسنِ َ‬ ‫َث َل َ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫َيا ا ْب َن َأ ِخي َق ْب َل َأ ْن َأل َقى َر ُس َ‬
‫لت َف َأ ْي َن ت ََو َّج ُه؟ َق َال‪َ :‬ح ْي ُث َو َّج َهنِي اهللُ ‪َ .‬ق َال‪َ :‬و ُأ َص ِّل ِع َشا ًء َحتَّى إِ َذا ك َ‬
‫َان‬ ‫َق َال‪ُ :‬ق ُ‬
‫َّض‪َ ،‬ق َال ُس َل ْي َم ُن‪ :‬ك ََأ ِّن ِخ َفا ٌء‬ ‫يت ك ََأ ِّن ِخ َفا ٌء‪َ .‬ق َال َأ ِب‪َ :‬ق َال َأ ُبو الن ْ ِ‬ ‫آخ ِر ال َّل ْي ِل ‪ُ ..‬أ ِلق ُ‬ ‫ِمن ِ‬
‫ْ‬
‫اج ًة بِ َم َّك َة‪َ ،‬فاك ِْفنِي َحتَّى آتِ َي َك‪َ .‬ق َال‪:‬‬ ‫الش ْم ُس‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َق َال ُأ َن ْي ٌس إِ َّن ِل َح َ‬ ‫َحتَّى َت ْع ُل َو ِن َّ‬
‫ال َي ْز ُع ُم َأ َّن اهللَ‬‫يت َر ُج ً‬ ‫لت‪َ :‬ما َح َب َس َك؟ َق َال ‪َ :‬ل ِق ُ‬ ‫َان‪َ ،‬ف ُق ُ‬ ‫اث َع َل‪ُ ،‬ث َّم َأت ِ‬
‫َفا ْن َط َل َق َف َر َ َّ‬
‫اعر وس ِ‬ ‫ِ‬ ‫َأ ْر َس َل ُه َع َل ِدينِ َك‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف ُق ُ‬
‫اح ٌر‬ ‫ون إِ َّن ُه َش ٌ َ َ‬ ‫َّاس َل ُه؟ َق َال‪َ :‬ي ُقو ُل َ‬ ‫ول الن ُ‬ ‫لت َما َي ُق ُ‬
‫اعرا‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َق َال َقدْ س ِمع ُت َقو َل الكُه ِ‬ ‫ِ‬ ‫وك ِ‬
‫ول‬ ‫ان‪َ ،‬ف َم َي ُق ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َان ُأ َن ْي ٌس َش ً‬ ‫َاه ٌن‪َ .‬ق َال‪َ :‬وك َ‬ ‫َ‬
‫ان َأ َح ٍد َأ َّن ُه ِش ْع ٌر‪،‬‬ ‫الش ْع ِر‪َ ،‬فواهللِ َما َيلتَا ُم لِ َس ُ‬ ‫بِ َق ْو ِل ْم‪َ ،‬و َقدْ َو َض ْع ُت َق ْو َل ُه َع َل َأ ْق َر ِاء ِّ‬
‫َاف َحتَّى َأ ْن َط ِل َق َف َأ ْن ُظ َر؟‬ ‫اد ٌق‪ ،‬وإِنم َلك ِ‬ ‫واهللِ إِ َّنه َلص ِ‬
‫ْت ك ِ َّ‬ ‫لت َل ُه َهل َأن َ‬ ‫ون‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف ُق ُ‬ ‫َاذ ُب َ‬ ‫َ َّ ُ ْ‬ ‫ُ َ‬
‫ان‬‫َق َال‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ف ُك ْن ِم ْن َأ ْه ِل َم َّك َة َع َل َح َذ ٍر َفإِ َّنُ ْم َقدْ َشنِ ُفوا َل ُه َو َ َت َّه ُموا َل ُه َو َق َال َع َّف ُ‬
‫َّض‪َ :‬ش َف ْوا َل ُه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فا ْن َط َل ْق ُت َحتَّى َق ِد ْم ُت‬ ‫ِشي ُفوا َل ُه َو َق َال َ ْب ٌز َس َب ُقوا َل ُه َو َق َال َأ ُبو الن ْ ِ‬
‫الصابِ َئ؟ َق َال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ال ِمن ُْه ْم‪َ ،‬ف ُق ُ‬
‫الر ُج ُل ا َّلذي تَدْ ُعو َن ُه َّ‬ ‫لت‪َ :‬أ ْي َن َه َذا َّ‬ ‫َم َّك َة‪َ ،‬فت ََض َّع ْف ُت َر ُج ً‬
‫ادي َع َ َّل بِك ُِّل َمدَ َر ٍة َو َع ْظ ٍم َحتَّى َخ َر ْر ُت‬ ‫َف َأ َشار إِ َل‪َ .‬ق َال‪ :‬الصابِئ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فم َل َأه ُل الو ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َ َّ‬
‫(‪)179‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ش ْب ُت ِم ْن‬ ‫ح ُر‪َ ،‬ف َأ َت ْي ُت َز ْم َز َم َف َ ِ‬ ‫ب َأ ْ َ‬ ‫ني ْار َت َف ْع ُت ك ََأ ِّن ن ُُص ٌ‬ ‫َم ْغ ِش ّي ًا َع َ َّل‪َ ،‬ف ْار َت َف ْع ُت ِح َ‬
‫ني‬ ‫َار َها‪َ ،‬ف َلبِ ْث ُت بِ ِه ا ْب َن َأ ِخي َث َلثِ َ‬ ‫ي ال َك ْع َب ِة َو َأ ْست ِ‬ ‫لت َب ْ َ‬ ‫لت َعنِّي الدَّ َم‪َ ،‬فدَ َخ ُ‬ ‫َم ِائ َها َو َغ َس ُ‬
‫َس ْت ُع َك ُن َب ْطنِي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْن َب ْي َي ْو ٍم َو َل ْي َلة َو َما ِل َط َعا ٌم إ َّل َما ُء َز ْم َز َم‪َ ،‬ف َسمن ُْت َحتَّى َتك َّ َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وما وجدْ ُت َع َل كَبِ ِدي س ْخ َف َة جوعٍ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فبينَا َأ ْه ُل م َّك َة ِف َلي َل ٍة َقمراء َأ ْض ِحي ٍ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫ْ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫ض َب اهللُ‬ ‫َّض ‪َ -‬ف َ َ‬ ‫ان‪َ ،‬وك ََذلِ َك َق َال‪َ :‬أ ُبو الن ْ ِ‬ ‫خي ٍ‬ ‫ِ‬
‫ان‪َ :‬أ ْصخ َيان ‪َ -‬و َق َال َ ْب ٌز‪َ :‬أ ْص َ‬
‫ِ ٍ‬ ‫‪َ -‬و َق َال َع َّف ُ‬
‫ان إِ َس َ‬ ‫َي‪َ ،‬ف َأ َتتَا َع َل و ُها تَدْ ُعو ِ‬ ‫ت َغ ْي ا ْم َر َأت ْ ِ‬ ‫وف بِالبي ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اف‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َع َل َأ ْصم َخة َأ ْه ِل َم َّك َة‪َ ،‬ف َم َي ُط ُ َ ْ‬
‫لت‪:‬‬ ‫َاها َذلِ َك‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َأ َتتَا َع َ َّل‪َ ،‬ف ُق ُ‬ ‫اآلخ َر‪َ ،‬ف َم َثن ُ َ‬ ‫ها َ‬ ‫لت َأنْك ُحوا َأ َحدَ ُ َ‬
‫ون َِائ َل‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف ُق ُ ِ‬
‫َ‬
‫اهنَا َأ َحدٌ‬ ‫َان َه ُ‬ ‫ول ِن َل ْو ك َ‬ ‫لو َل ِن َو َت ُق َ‬ ‫َو َه ٌن ِم ْث ُل اخلَ َش َب ِة َغ ْي َأ ِّن َل ُأ َك ِّن‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فا ْن َط َل َقتَا ت َُو ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫ِم ْن َأ ْن َف ِ‬
‫جل َب ِل‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫ها َهابِ َطان م ْن ا َ‬ ‫َو َأ ُبو َبك ٍْر َو ُ َ‬ ‫اس َت ْق َب َل ُه َم َر ُس ُ‬ ‫ارنَا‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف ْ‬
‫َار َها‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ما َق َال َلك َُم؟ َقا َلتَا‪َ :‬ق َال َلنَا‬ ‫ي ال َك ْع َب ِة َو َأ ْست ِ‬ ‫الصابِ ُئ َب ْ َ‬ ‫(( َما َلك َُم)) َف َقا َلتَا‪َّ :‬‬
‫ِ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫ك َِل َم ًة َت ْ َ ُ‬
‫اف‬ ‫حل َج َر‪َ ،‬ف َط َ‬ ‫اس َت َل َم ا َ‬
‫ُه َو َو َصاح ُب ُه َحتَّى ْ‬ ‫ل ال َف َم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َجا َء َر ُس ُ‬
‫اإل ْس َل ِم‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫َح َّي ِة َأ ْه ِل ِ‬ ‫ت‪ُ ،‬ثم ص َّل‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َأ َتي ُته‪َ ،‬ف ُكن ُْت َأو َل من حياه بِت ِ‬
‫َّ َ ْ َ َّ ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َّ َ‬
‫بِالبي ِ‬
‫َْ‬
‫ار‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َأ ْه َوى بِ َي ِد ِه َف َو َض َع َها َع َل‬ ‫لت ِم ْن ِغ َف ٍ‬ ‫ْت؟)) َق َال‪ُ :‬ق ُ‬ ‫ح ُة اهللِ‪ِ ،‬م َّ ْن َأن َ‬ ‫ك َو َر ْ َ‬ ‫(( َع َل ْي َ‬
‫آخ َذ بِ َي ِد ِه‪،‬‬ ‫ار‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َأ َر ْد ُت َأ ْن ُ‬ ‫لت ِف َن ْف ِس ك َِر َه َأ ِّن ا ْنت ََم ْي ُت إِ َل ِغ َف ٍ‬ ‫َج ْب َهتِ ِه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف ُق ُ‬
‫اهنَا‬ ‫اهنَا)) َق َال‪ُ :‬كن ُْت َه ُ‬ ‫ْت َه ُ‬ ‫َان َأ ْع َل َم بِ ِه ِمنِّي‪َ ،‬ق َال‪َ (( :‬متَى ُكن َ‬ ‫اح ُب ُه‪َ ،‬وك َ‬ ‫َف َق َذ َعنِي ص ِ‬
‫َ‬
‫َان ِل َط َعا ٌم‬ ‫لت‪َ :‬ما ك َ‬ ‫ك)) ُق ُ‬ ‫َان ُي ْط ِع ُم َ‬ ‫ي َل ْي َل ٍة َو َي ْو ٍم‪َ ،‬ق َال‪َ (( :‬ف َم ْن ك َ‬ ‫ني ِم ْن َب ْ ِ‬ ‫ُمن ُْذ َث َلثِ َ‬
‫َس ُع َك ُن َب ْطنِي َو َما َو َجدْ ُت َع َل كَبِ ِدي ُس ْخ َف َة‬ ‫ِ‬
‫إ َّل َما ُء َز ْم َز َم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َسمن ُْت َحتَّى َتك َّ َ‬
‫ِ‬
‫ول اهللِ ‪(( :‬إِ َّنَا ُم َب َار َك ٌة‪َ ،‬وإِ َّنَا َط َعا ُم ُط ْع ٍم)) َق َال َأ ُبو َبك ٍْر‪ :‬ائ َْذ ْن‬ ‫ُجوعٍ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهللِ ِف َط َع ِام ِه ال َّل ْي َل َة‪َ .‬ق َال‪َ " :‬ف َف َع َل" َق َال‪َ :‬فا ْن َط َل َق النَّبِ ُّي ‪َ ،‬وا ْن َط َل َق‬ ‫ِل َيا َر ُس َ‬
‫ف‪،‬‬ ‫يب ال َّط ِائ ِ‬ ‫َأ ُبو َبك ٍْر‪َ ،‬وا ْن َط َل ْق ُت َم َع ُه َم َحتَّى َفت ََح َأ ُبو َبك ٍْر َباب ًا‪َ ،‬ف َج َع َل َي ْقبِ ُض َلنَا ِم ْن َزبِ ِ‬
‫ول اهللِ ‪:‬‬ ‫َان َذلِ َك َأ َّو َل َط َعا ٍم َأكَل ُت ُه ِ َبا‪َ ،‬ف َلبِ ْث ُت َما َلبِ ْث ُت‪ُ ،‬ث َّم َق َال َر ُس ُ‬ ‫َق َال‪َ :‬فك َ‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)180‬‬

‫ْت ُم َب ِّلغٌ َعنِّي‬ ‫ات َنخْ ٍل‪َ ،‬و َل َأ ْح َس ُب َها إِ َّل َي ْث ِر َب‪َ ،‬ف َهل َأن َ‬ ‫ت إِ َ َّل َأ ْر ٌض َذ ُ‬ ‫((إِ ِّن َقدْ ُو ِّج َه ْ‬
‫يه ْم)) َق َال‪َ :‬فا ْن َط َل ْق ُت َحتَّى َأ َت ْي ُت ُأ َن ْيس ًا‬ ‫ك َو َي ْأ ُج َر َك فِ ِ‬ ‫ك؟ َل َع َّل اهللَ َأ ْن َينْ َف َع ُه ْم بِ َ‬ ‫َق ْو َم َ‬
‫لت إِ ِّن َصنَ ْع ُت َأ ِّن َأ ْس َل ْم ُت َو َصدَّ ْق ُت‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ق َال َف َم‬ ‫َق َال‪َ :‬ف َق َال ِل َما َصنَ ْع َت‪َ .‬ق َال‪ُ :‬ق ُ‬
‫ِل َر ْغ َب ٌة َع ْن ِدينِ َك إِ ِّن َقدْ َأ ْس َل ْم ُت َو َصدَّ ْق ُت‪ُ ،‬ث َّم َأ َت ْينَا ُأ َّمنَا‪َ ،‬ف َقا َل ْت‪َ :‬ف َم ِب َر ْغ َب ٌة َع ْن‬
‫ِدينِك َُم‪َ ،‬فإِ ِّن َقدْ َأ ْس َل ْم ُت َو َصدَّ ْق ُت‪َ ،‬فت ََح َّملنَا َحتَّى َأ َت ْينَا َق ْو َمنَا ِغ َفار ًا‪َ ،‬ف َأ ْس َل َم َب ْع ُض ُه ْم‬
‫ا َمل ِدينَ َة‪َ ،‬و َق َال‪َ - :‬ي ْعنِي َي ِزيدَ بِ َب ْغدَ ا َد ‪َ ،-‬و َق َال َب ْع ُض ُه ْم‪:‬‬ ‫ول اهللِ‬‫َق ْب َل َأ ْن َي ْقدَ َم َر ُس ُ‬
‫اف ْب ُن إِ َيم ِء‬ ‫َان َي ُؤ ُّم ُه ْم ُخ َف ُ‬
‫َّض‪َ ،‬وك َ‬ ‫إِ َذا َق ِد َم‪َ ،‬ف َق َال َ ْب ٌز‪ :‬إِ ْخ َوا ُننَا ن ُْس ِل ُم‪َ ،‬وك ََذا َق َال َأ ُبو الن ْ ِ‬
‫ول اهللِ‬ ‫َان َس ِّيدَ ُه ْم َي ْو َم ِئ ٍذ‪َ ،‬و َق َال‪َ :‬ب ِق َّيت ُُه ْم إِ َذا َق ِد َم َر ُس ُ‬
‫ار ُّي‪َ ،‬وك َ‬ ‫ب ِن رح َض َة ِ‬
‫الغ َف ِ‬ ‫ْ َ َ‬
‫ا َمل ِدينَ َة‪َ ،‬ف َأ ْس َل َم َب ِق َّيت ُُه ْم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬و َجا َء ْت َأ ْس َل ُم‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪:‬‬ ‫ول اهللِ‬ ‫َأ ْس َل ْمنَا‪َ ،‬ف َق ِد َم َر ُس ُ‬
‫ول اهللِ‬ ‫ول اهللِ إِ ْخ َوا ُننَا ن ُْس ِل ُم َع َل ا َّل ِذي َأ ْس َل ُموا َع َل ْي ِه‪َ ،‬ف َأ ْس َل ُموا‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫َيا َر ُس َ‬
‫َان َي ُؤ ُّم ُه ْم إِ َيم ُء ْب ُن َر َح َض َة‪،‬‬‫‪ِ (( :‬غ َف ٌار َغ َف َر اهللُ َلا‪َ ،‬و َأ ْس َل ُم َسا َل َها اهللُ )) َو َق َال َ ْب ٌز‪َ :‬وك َ‬
‫َّض إِ َيم ٌء‪ .‬أخرجه مسلم وأمحد واللفظ له‪.‬‬ ‫َف َق َال َأ ُبو الن ْ ِ‬

‫بك ُْم بِإِ ْس َل ِم َأ ِب َذ ٍّر؟ َق َال‪ُ :‬قلنَا َب َل‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫قال‪َ :‬أ َل ُأ ْخ ِ ُ‬ ‫وعن ابن عباس‬
‫ال َقدْ َخ َر َج بِ َم َّك َة َي ْز ُع ُم َأ َّن ُه نَبِ ٌّي‪،‬‬ ‫ار‪َ ،‬ف َب َل َغنَا َأ َّن َر ُج ً‬ ‫ال ِم ْن ِغ َف ٍ‬ ‫َق َال َأ ُبو َذ ٍّر‪ُ :‬كن ُْت َر ُج ً‬
‫الر ُج ِل َك ِّل ْم ُه‪َ ،‬و ْأتِنِي بِ َخ َ ِب ِه‪َ ،‬فا ْن َط َل َق‪َ ،‬ف َل ِق َي ُه‪ُ ،‬ث َّم َر َج َع‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َف ُق ُ ِ ِ‬
‫لت لَخي‪ :‬ا ْن َطل ْق إِ َل َه َذا َّ‬
‫لت‬‫الش‪َ ،‬ف ُق ُ‬ ‫ِ‬
‫ال َي ْأ ُم ُر بِاخلَ ْي َو َين َْهى َع ْن َّ ِّ‬ ‫لت‪َ :‬ما ِعنْدَ َك؟ َف َق َال‪ :‬واهللِ َل َقدْ َر َأ ْي ُت َر ُج ً‬ ‫َف ُق ُ‬
‫لت َل َأ ْع ِر ُف ُه‪،‬‬ ‫لت إِ َل َم َّك َة‪َ ،‬ف َج َع ُ‬ ‫َل ُه‪َ :‬ل ْ ت َْش ِفنِي ِم ْن اخلَ َ ِب‪َ ،‬ف َأ َخ ْذ ُت ِج َراب ًا َو َعص ًا‪ُ ،‬ث َّم َأ ْق َب ُ‬
‫ُون ِف ا َمل ْس ِج ِد‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َم َّر ِب َع ِ ٌّل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪،‬و َأك ُ‬ ‫ش ُب م ْن َماء َز ْم َز َم َ‬ ‫َو َأك َْر ُه َأ ْن َأ ْس َأ َل َعنْ ُه‪َ ،‬و َأ ْ َ‬
‫لت َن َع ْم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فا ْن َط ِل ْق إِ َل ا َملن ِْز ِل‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فا ْن َط َل ْق ُت‬ ‫يب‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ق ُ‬ ‫الر ُج َل َغ ِر ٌ‬ ‫َف َق َال‪ :‬ك ََأ َّن َّ‬
‫ب ُه‪َ ،‬ف َل َّم َأ ْص َب ْح ُت ‪َ ..‬غدَ ْو ُت إِ َل ا َمل ْس ِج ِد ِلَ ْس َأ َل‬ ‫معه َل يس َأ ُلنِي عن َ ٍ‬
‫شء‪َ ،‬و َل ُأ ْخ ِ ُ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫ََُ َْ‬
‫ف‬‫ش ٍء‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َم َّر ِب َع ِ ٌّل‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬أ َما ن ََال لِ َّلر ُج ِل َي ْع ِر ُ‬ ‫ْبن َعنْ ُه بِ َ ْ‬
‫َعنْ ُه‪َ ،‬و َل ْي َس َأ َحدٌ ُي ِ ُ ِ‬
‫(‪)181‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫لت َل‪َ ،‬ق َال‪ :‬ا ْن َط ِل ْق َم ِعي‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َق َال َما َأ ْم ُر َك؟ َو َما َأ ْقدَ َم َك َه ِذ ِه‬ ‫َمن ِْز َل ُه َب ْعدُ ؟ َق َال‪ُ :‬ق ُ‬
‫لت َل ُه َب َل َغنَا‬‫ُك‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فإِ ِّن َأ ْف َع ُل‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ق ُ‬ ‫بت َ‬ ‫لت َل ُه إِ ْن َكت َْم َت َع َ َّل َأ ْخ َ ْ‬ ‫ال َبلدَ ةَ؟ َق َال‪ُ :‬ق ُ‬
‫لت َأ ِخي لِ ُي َك ِّل َم ُه‪َ ،‬ف َر َج َع َو َل ْ َي ْش ِفنِي‬ ‫َأ َّن ُه َقدْ َخ َر َج َها ُهنَا َر ُج ٌل َي ْز ُع ُم َأ َّن ُه نَبِ ٌّي‪َ ،‬ف َأ ْر َس ُ‬
‫ِم ْن اخلَ َ ِب‪َ ،‬ف َأ َر ْد ُت َأ ْن َأل َقا ُه‪َ ،‬ف َق َال َل ُه‪َ :‬أ َما إِن ََّك َقدْ َر َشدْ َت‪َ ،‬ه َذا َو ْج ِهي إِ َل ْي ِه َفاتَّبِ ْعنِي‬
‫ط ك ََأ ِّن ُأ ْص ِل ُح‬ ‫اد ُخل حي ُث َأد ُخ ُل‪َ ،‬فإِ ِّن إِ ْن ر َأي ُت َأحد ًا َأ َخا ُفه َع َلي َك ‪ُ ..‬قم ُت إِ َل احل ِائ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َْ ْ‬ ‫ْ‬
‫لت َم َع ُه َع َل النَّبِ ِّي ‪،‬‬ ‫ْت َف َم َض‪َ ،‬و َم َض ْي ُت َم َع ُه َحتَّى َد َخ َل َو َد َخ ُ‬ ‫ض َأن َ‬ ‫َن ْع ِل َوا ْم ِ‬
‫َان‪َ ،‬ف َق َال ِل‪َ (( :‬يا َأ َبا َذ ٍّر ا ْكت ُْم‬ ‫اإل ْس َل َم‪َ ،‬ف َع َر َض ُه‪َ ،‬ف َأ ْس َل ْم ُت َمك ِ‬ ‫لت َل ُه‪ :‬ا ْع ِر ْض َع َ َّل ِ‬ ‫َف ُق ُ‬
‫لت‪َ :‬وا َّل ِذي َب َع َث َك‬ ‫ورنَا ‪َ ..‬ف َأ ْقبِل)) َف ُق ُ‬ ‫َك ُظ ُه ُ‬ ‫َه َذا األَ ْم َر‪َ ،‬و ْار ِج ْع إِ َل َب َل ِد َك‪َ ،‬فإِ َذا َب َلغ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ش‬ ‫ي َأ ْظ ُه ِره ْم‪َ ،‬ف َجا َء إ َل ا َمل ْسجد َو ُق َر ْي ٌش فيه‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬يا َم ْع َ َ‬ ‫ص َخ َّن ِ َبا َب ْ َ‬ ‫حل ِّق َلَ ْ ُ‬ ‫بِا َ‬
‫ش إِ ِّن َأ ْش َهدُ َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل اهللُ‪َ ،‬و َأ ْش َهدُ َأ َّن ُم َ َّمد ًا َع ْبدُ ُه َو َر ُسو ُل ُه‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪ُ :‬قو ُموا‬ ‫ُق َر ْي ٍ‬
‫َب َع َ َّل‪ُ ،‬ث َّم َأ ْق َب َل‬ ‫اس‪َ ،‬ف َأك َّ‬
‫ِ‬
‫وت‪َ ،‬ف َأ ْد َركَني ال َع َّب ُ‬ ‫ض ْب ُت ِلَ ُم َ‬ ‫الصابِ ِئ‪َ ،‬ف َقا ُموا‪َ ،‬ف ُ ِ‬ ‫إِ َل َه َذا َّ‬
‫ال ِم ْن ِغ َف َار‪َ ،‬و َمت َْج ُرك ُْم َو َم َ ُّرك ُْم َع َل ِغ َف َار‪َ ،‬ف َأ ْق َل ُعوا‬ ‫ون َر ُج ً‬ ‫َع َل ْي ِه ْم َف َق َال‪َ :‬و ْي َلك ُْم َت ْق ُت ُل َ‬
‫س‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪ُ :‬قو ُموا‬ ‫لت بِاألَ ْم ِ‬ ‫لت ِم ْث َل َما ُق ُ‬ ‫َعنِّي‪َ ،‬ف َل َّم َأ ْن َأ ْص َب ْح ُت ال َغدَ ‪َ ..‬ر َج ْع ُت‪َ ،‬ف ُق ُ‬
‫ِ‬ ‫الصابِ ِئ‪َ ،‬ف ُصنِ َع ِب ِم ْث َل َما ُصنِ َع بِاألَ ْم ِ‬
‫َب َع َ َّل‪،‬‬ ‫اس‪َ ،‬ف َأك َّ‬ ‫س‪َ ،‬و َأ ْد َركَني ال َع َّب ُ‬ ‫إِ َل َه َذا َّ‬
‫أخرجه البخاري‬ ‫َان َه َذا َأ َّو َل إِ ْس َل ِم َأ ِب َذ ٍّر‬ ‫س‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فك َ‬ ‫َو َق َال ِم ْث َل َم َقا َلتِ ِه بِاألَ ْم ِ‬
‫ومسلم واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫غزوة بدر وأحد واخلندق‪ ،‬فلم يدركها؛ ألن اهلجرة إىل املدينة‬ ‫وقد فاتته‬
‫مل تتهيأ له إال بعد ذلك‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫فضائلـــه‬
‫وردت الكثري من الفضائل يف حق هذا الصحايب اجلليل‪ ،‬ما تبني لنا منزلته‬
‫الق َيا َم ِة ِم ْن‬
‫عن نفسه فقال‪ :‬إِ ِّن َلَ ْقربكُم يوم ِ‬
‫َُ ْ َْ َ‬ ‫ومكانته وفضله‪ ،‬فقد حدث هو‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)182‬‬

‫الق َي َام ِة َم ْن‬


‫ول‪(( :‬إِ َّن َأ ْقربكُم ِمنِّي يوم ِ‬
‫ََْ‬ ‫ََ ْ‬ ‫َي ُق ُ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫ول اهللِ ‪ ،‬إِ ِّن َس ِم ْع ُت َر ُس َ‬ ‫رس ِ‬
‫َ ُ‬
‫َخ َر َج ِم ْن الدُّ ْن َيا ك ََه ْيئَتِ ِه َي ْو َم ت ََر ْك ُت ُه َع َل ْي ِه))‪َ ،‬وإِ َّن ُه واهللِ َما ِمنْك ُْم ِم ْن َأ َح ٍد إِ َّل َو َقدْ ت ََش َّب َث‬
‫ش ٍء َغ ْ ِيي‪ .‬أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫من َْها بِ َ ْ‬
‫ِ‬

‫‪:‬‬ ‫ول اهللِ‬ ‫بنفسه أنه حيبه‪ ،‬ف َع ْن َأ ِب َذ ٍّر َق َال‪َ :‬ق َال ِل َر ُس ُ‬ ‫وقد أخربه النبي‬
‫ب لِنَ ْف ِس‪َ ،‬ف َل ت ََأ َّم َر َّن َع َل ا ْثن ْ ِ‬
‫َي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ك َما ُأح ُّ‬ ‫ب َل َ‬ ‫ِ‬ ‫((يا َأبا َذر إِن َأر َ ِ‬
‫اك َضعيف ًا‪َ ،‬وإِ ِّن ُأح ُّ‬ ‫َ َ ٍّ ِّ َ‬
‫ي َم َال َيتِي ٍم)) أخرجه مسلم وأبو داود‪.‬‬ ‫َو َل ت ََو َّل َ َّ‬
‫الر ُج ُل‬ ‫َأ َّنه َق َال‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ول اهلل َّ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫أنه معه‪ ،‬فعنه‬ ‫وقد برشه رسول اهلل‬
‫ْت َيا َأ َبا َذ ٍّر َم َع َم ْن َأ ْح َب ْب َ‬ ‫يع َأ ْن َي ْع َم َل َك َع َم ِل ِه ْم‪َ .‬ق َال‪َ (( :‬أن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت))‪.‬‬ ‫ب ال َق ْو َم َو َل َي ْستَط ُ‬ ‫ُي ُّ‬
‫ِ‬
‫ت)) َق َال‪َ :‬ف َأ َعا َد َها َأ ُبو َذ ٍّر‪،‬‬ ‫َّك َم َع َم ْن َأ ْح َب ْب َ‬
‫ب اهللَ َو َر ُسو َل ُه‪َ .‬ق َال‪َ (( :‬فإِن َ‬ ‫َق َال‪َ :‬فإِ ِّن ُأح ُّ‬
‫ول اهللِ ‪ .‬أخرجه أبو داود‪.‬‬ ‫َف َأ َعا َد َها َر ُس ُ‬

‫عيل كرم اهلل‬


‫بتحية اإلسالم‪ ،‬وقال سيدنا ّ‬ ‫النبي‬
‫أول من حيا َّ‬ ‫وهو‬
‫(((‬
‫وجهه يف حقه‪" :‬وعاء مىلء عل ًام‪ ،‬ثم أوكىء عليه‪ ،‬فلم خيرج من يشء حتى قبض"‪.‬‬
‫‪ ،‬فعن‬ ‫حريص ًا عىل عدم التخلف عن رسول اهلل‬ ‫ذر‬
‫وقد كان أبو ٍّ‬
‫إىل تبوك ‪ ..‬جعل ال يزال‬ ‫قال‪ :‬ملا سار رسول اهلل‬ ‫عبداهلل بن مسعود‬
‫ك فِ ْي ِه ‪..‬‬‫يتخلف الرجل‪ ،‬فيقولون‪ ،‬يا رسول اهلل ختلف فالن‪ ،‬فيقول‪َ (( :‬د ُع ْو ُه إِ ْن َي ُ‬
‫احك ُُم اهللُ ِمنْ ُه)) حتى قيل‪:‬‬ ‫ك ‪َ ..‬ف َقدْ َأ َر َ‬ ‫ك َغ ْ َي َذلِ َ‬ ‫َخي َفسي ِ‬
‫لح َق ُه اهللُ بِك ُْم‪ِ ،‬و َإ ْن َي ُ‬ ‫ٌْ َ ُ‬
‫ك فِ ْي ِه ‪..‬‬
‫يا رسول اهلل ختلف أبو ذر‪ ،‬و أبطأ به بعريه‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪َ (( :‬د ُع ْو ُه إِ ْن َي ُ‬
‫ِ‬ ‫لح َق ُه اهللُ بِك ُْم‪ِ ،‬و َإ ْن َيكُن َغ ْ َي َذلِ َ‬
‫َخي َفسي ِ‬
‫فتلوم أبو ذر‬ ‫احك ُُم اهللُ منْ ُه)) ّ‬ ‫ك ‪َ ..‬ف َقدْ َأ َر َ‬ ‫ٌْ َ ُ‬
‫عىل بعريه‪ ،‬فأبطأ عليه‪ ،‬فلام أبطأ عليه ‪ ..‬أخذ متاعه‪ ،‬فجعله عىل ظهره‪ ،‬فخرج‬

‫((( انظر‪(( :‬دليل الفاحلني))‪.190/1 :‬‬


‫(‪)183‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫يف بعض منازله‪ ،‬ونظر ناظر من‬ ‫ماشيا‪ ،‬و نزل رسول اهلل‬ ‫يتبع رسول اهلل‬
‫‪:‬‬ ‫املسلمني فقال‪ :‬يا رسول اهلل هذا رجل يميش عىل الطريق‪ ،‬فقال رسول اهلل‬
‫((كن أبا ذر)) فلام تأمله القوم‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل هو واهلل أبو ذر‪ ،‬فقال رسول اهلل‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ث َو ْحدَ ُه)) أخرجه احلاكم‪.‬‬ ‫ش َو ْحدَ ُه َو َي ُم ْو ُت َو ْحدَ ُه َو ُي ْب َع ُ‬ ‫‪َ (( :‬رح َم اهللُ أ َبا َذ ٍّر َي ْم ْ‬
‫ح ِن ب ِن َغنْ ٍم َأ َّنه َزار َأبا الدَّ رد ِاء بِ ِحمص‪َ ،‬فمك َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪،‬‬‫َث عنْدَ ُه َل َي ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫الر ْ َ ْ‬ ‫وعن َع ْبد َّ‬
‫س َج‪،‬‬ ‫ف‪َ ،‬ف َق َال َأ ُبو الدَّ ْر َد ِاء‪َ :‬ما َأ َر ِان إِ َّل ُمتَّبِ َع َك‪َ ،‬ف َأ َم َر بِ ِح َم ِر ِه َف ُأ ْ ِ‬ ‫وك َ‬‫و َأمر بِ ِحم ِر ِه‪َ ،‬ف ُأ ِ‬
‫َ ََ َ‬
‫جلابِ َي ِة‪،‬‬
‫او َي َة بِا َ‬‫س ِعنْدَ ُم َع ِ‬ ‫جل ُم َع َة بِاألَ ْم ِ‬ ‫ال َش ِهدَ ا ُ‬ ‫ح َار ْيِ َم‪َ ،‬ف َل ِق َيا َر ُج ً‬‫َف َس َارا َجِيع ًا َع َل ِ َ‬
‫آخ ُر‬ ‫ب َ‬ ‫الر ُج َل َق َال‪َ :‬و َخ َ ٌ‬ ‫َّاس‪ُ ،‬ث َّم إِ َّن َّ‬ ‫ب الن ِ‬ ‫ها َخ َ َ‬ ‫بَُ‬ ‫الر ُج ُل‪َ ،‬و َل ْ َي ْع ِر َفا ُه‪َ ،‬ف َأ ْخ َ َ‬ ‫َف َع َر َف ُه َم َّ‬
‫بك َُم ُأ َراك َُم َتك َْر َهانِ ِه‪َ ،‬ف َق َال َأ ُبو الدَّ ْر َد ِاء‪َ :‬ف َل َع َّل َأ َبا َذ ٍّر ن ُِف َي؟ َق َال‪َ :‬ن َع ْم‬ ‫ك َِر ْه ُت َأ ْن ُأ ْخ ِ َ‬
‫ات‪ُ ،‬ث َّم َق َال َأ ُبو الدَّ ْر َد ِاء‪:‬‬ ‫ش مر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َج َع َأ ُبو الدَّ ْر َداء َو َصاح ُب ُه َق ِريب ًا م ْن َع ْ ِ َ َّ‬ ‫اس َ ْ‬
‫ِ‬
‫َواهلل‪َ ،‬ف ْ‬
‫الله َّم إِ ْن ك ََّذ ُبوا َأ َبا َذ ٍّر ‪َ ..‬فإِ ِّن َل ُأك َِّذ ُب ُه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اب النَّا َقة‪ُ ،‬‬ ‫ب ك ََم ِق َيل ِلَ ْص َح ِ‬ ‫اص َط ِ ْ‬
‫ِ‬
‫ْارتَق ْب ُه ْم َو ْ‬
‫اس َت َغ ُّشو ُه ‪َ ..‬فإِ ِّن َل َأ ْست َِغ ُّش ُه‪َ ،‬فإِ َّن‬ ‫ات ُمو ُه ‪َ ..‬فإِ ِّن َل َأ َّتِ ُم ُه‪ُ ،‬‬
‫الله َّم َوإِ ْن ْ‬ ‫الله َّم َوإِ ْن َّ َ‬ ‫ُ‬
‫س إِ َل َأ َح ٍد‪َ ،‬أ َما‬ ‫ِ‬
‫ني َل ُي ُّ‬ ‫س إِ َل ْي ِه ِح َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني َل َي ْأ َت ُن َأ َحد ًا َو ُي ُّ‬ ‫َان َي ْأ َتِنُ ُه ِح َ‬‫ك َ‬ ‫ول اهللِ‬‫َر ُس َ‬
‫َوا َّل ِذي َن ْف ُس َأ ِب الدَّ ْر َد ِاء بِ َي ِد ِه َل ْو َأ َّن َأ َبا َذ ٍّر َق َط َع َي ِمينِي َما َأ ْب َغ ْض ُت ُه َب ْعدَ ا َّل ِذي َس ِم ْع ُت‬
‫َب ُاء ِم ْن ِذي َْل َج ٍة َأ ْصدَ َق‬ ‫ت الغ ْ َ‬ ‫ض ُاء َو َل َأ َق َّل ْ‬ ‫ت َ‬
‫اخل ْ َ‬ ‫ول‪َ (( :‬ما َأ َظ َّل ْ‬ ‫َي ُق ُ‬ ‫ول اهللِ‬‫َر ُس َ‬
‫ِم ْن َأ ِب َذ ٍّر)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬
‫ول اهللِ‬
‫‪َ (( :‬ما َأ َظ َّل ْ‬
‫ت‬ ‫اص َق َا َل‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫وعن َع ْب ِداهللِ ْب َن َع ْم ِرو ْب ِن ال َع ِ‬
‫َب ُاء ِم ْن َر ُج ٍل َأ ْصدَ َق َل َج ًة ِم ْن َأ ِب َذ ٍّر)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫ض ُاء‪َ ،‬و َل َأ َق َّل ْ‬
‫ت الغ ْ َ‬ ‫َ‬
‫اخل ْ َ‬
‫ض ُاء‪َ ،‬و َل‬ ‫اخل ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ول اهللِ ‪َ (( :‬ما َأ َظ َّل ْ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال ِل َر ُس ُ‬ ‫و َع ْن َأ ِب َذ ٍّر‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َأ َق َّل ْ‬
‫))‬ ‫يسى ا ْب ِن َم ْر َي َم‬ ‫َب ُاء م ْن ذي َل َجة َأ ْصدَ َق‪َ ،‬و َل َأ ْو َف م ْن َأ ِب َذ ٍّر ش ْبه ع َ‬ ‫ت الغ ْ َ‬
‫ف َذلِ َك َل ُه؟ َق َال‪َ (( :‬ن َع ْم‪،‬‬ ‫ول اهللِ َأ َف َت ْع ِر ُ‬ ‫اس ِد َيا َر ُس َ‬
‫اب‪ :‬كَاحل ِ‬
‫َ‬ ‫َف َق َال ُع َم ُر ْب ُن اخلَ َّط ِ‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)184‬‬

‫َفا ْع ِر ُفو ُه َل ُه)) أخرجه الرتمذي‪.‬‬


‫عن مالك بن دينار‪ :‬أن النبي‬ ‫زاد ابن سعد يف الطبقات قبل كالم النبي‬
‫ي ُأ َف ْا ِر ُق ُه َع َل ْي ِه ؟)) فقال أبو ذر‪ :‬أنا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫احل ْا ِل ا َّلذ ْ‬
‫قال‪َ (( :‬أ ُيك ُْم َيل َق ْا ِن َع َل َ‬

‫ْت َي ِزيدَ ‪َ ،‬أ َّن‬ ‫وحيدثه‪ ،‬فعن َأسمء بِن ِ‬ ‫ذر‬


‫َْ َ‬ ‫جيلس إىل أيب ٍّ‬ ‫وقد كان النبي‬
‫َان‬‫َان َيْدُ ُم النَّبِ َّي ‪َ ،‬فإِ َذا َف َر َغ ِم ْن ِخدْ َمتِ ِه ‪َ ..‬آوى إِ َل ا َمل ْس ِج ِد‪َ ،‬فك َ‬ ‫ار َّي ك َ‬ ‫َأبا َذر ِ‬
‫الغ َف ِ‬ ‫َ ٍّ‬
‫ا َمل ْس ِجدَ َل ْي َل ًة‪َ ،‬ف َو َجدَ َأ َبا َذ ٍّر ن َِائ ًام ُمن َْج ِدالً‬ ‫ول اهللِ‬ ‫ُه َو َب ْي ُت ُه َي ْض َط ِج ُع فِيه‪َ ِ،‬فدَ َخ َل َر ُس ُ‬
‫ول اهللِ‬ ‫است ََوى َجالِس ًا‪َ ،‬ف َق َال َل ُه َر ُس ُ‬ ‫ِِ‬
‫بِ ِر ْجله َحتَّى ْ‬ ‫ِف ا َمل ْس ِج ِد‪َ ،‬فنَ َك َت ُه َر ُس ُ‬
‫ول اهللِ‬

‫ت َغ ْ ُي ُه؟‬ ‫ول اهللِ َف َأين َأنَام؟ هل ِل ِمن بي ٍ‬


‫ْ َْ‬ ‫ْ َ ُ َ‬ ‫اك نَائِ ًام)) َق َال َأ ُبو َذ ٍّر‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫‪َ (( :‬أ َل َأ َر َ‬
‫وك ِمنْ ُه؟)) َق َال‪ :‬إِ َذ ْن‬ ‫ْت إِ َذا َأ ْخ َر ُج َ‬ ‫ف َأن َ‬ ‫ول اهللِ ‪َ ،‬ف َق َال َل ُه‪َ (( :‬ك ْي َ‬ ‫َف َج َل َس إِ َل ْي ِه َر ُس ُ‬
‫ش‪ ،‬و َأرض األَنْبِي ِ‬
‫اء‪َ ،‬ف َأك ُ‬
‫ُون‬ ‫َ‬ ‫اهل ْج َر ِة‪َ ،‬و َأ ْر ُض ا َمل ْح َ ِ َ ْ ُ‬ ‫الشام َأر ُض ِ‬
‫الشا ِم‪َ ،‬فإِ َّن َّ َ ْ‬ ‫حل َق بِ َّ‬‫َأ َ‬
‫الشامِ؟))‪َ ،‬ق َال‪ :‬إِ َذ ْن َأ ْر ِج َع‬ ‫وك ِم ْن َّ‬ ‫ْت إِ َذا َأ ْخ َر ُج َ‬ ‫ف َأن َ‬ ‫ال ِم ْن َأ ْه ِل َها‪َ ،‬ق َال َل ُه‪َ (( :‬ك ْي َ‬ ‫َر ُج ً‬
‫وك ِمنْ ُه ال َّثانِ َي َة؟)) َق َال‪:‬‬ ‫ْت إِ َذا َأ ْخ َر ُج َ‬ ‫ف َأن َ‬ ‫ُون ُه َو َب ْيتِي َو َمن ِْز ِل‪َ ،‬ق َال َل ُه‪َ (( :‬ك ْي َ‬ ‫إِ َل ْي ِه‪َ ،‬ف َيك َ‬
‫ول اهللِ ‪َ ،‬ف َأ ْث َب َت ُه‬ ‫َش إِ َل ْي ِه َر ُس ُ‬
‫وت‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فك َّ َ‬ ‫آخ َذ َس ْي ِفي َف ُأ َقاتِ َل َعنِّي َحتَّى َأ ُم َ‬ ‫إِ َذ ْن ُ‬
‫ْت َو ُأ ِّمي َيا نَبِ َّي اهللِ‪َ ،‬ق َال‬ ‫ك؟)) َق َال‪َ :‬ب َل بِ َأ ِب َأن َ‬ ‫ك َع َل َخ ْ ٍي ِم ْن َذلِ َ‬ ‫بِ َي ِد ِه‪َ ،‬ق َال‪َ (( :‬أ ُد ُّل َ‬
‫وك َحتَّى تَل َق ِان‬ ‫ث َسا ُق َ‬ ‫اق َُل ْم َح ْي ُ‬ ‫وك‪َ ،‬و َتن َْس ُ‬ ‫ث َقا ُد َ‬ ‫ول اهللِ ‪َ (( :‬تنْ َقا ُد َُل ْم َح ْي ُ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫ك)) أخرجه اإلمام أمحد يف مسنده‪.‬‬ ‫ْت َع َل َذلِ َ‬ ‫َو َأن َ‬
‫‪.‬‬ ‫فتح القدس مع أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب‬ ‫ذر‬
‫وقد شهد أبو ٍّ‬
‫‪:‬‬ ‫زهـــــده‬
‫رأسا يف الزهد‪ ،‬والصدق‪،‬‬ ‫‪ ..‬فحدث وال حرج‪ ،‬فقد كان‬ ‫أما زهده‬
‫والعلم والعمل‪ ،‬قواال باحلق‪ ،‬ال تأخذه يف اهلل لومة الئم‪ ،‬عىل حدة فيه‪.‬‬
‫(‪)185‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫فكم قد ورد يف زهده من القصص ما يقف العقل عندها حريان ًا‪ ،‬فعن جعفر‬
‫ابن سليامن قال‪ :‬دخل رجل عىل أيب ذر‪ ،‬فجعل يقلب برصه يف بيته‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا ذر‬
‫أين متاعكم؟ قال‪ :‬لنا بيت نوجه إليه صالح متاعنا‪.‬‬
‫قال‪ :‬إنه البد لك من متاع ما دمت هاهنا‪.‬‬
‫قال‪ :‬إن صاحب املنزل ال يدعنا فيه‪.‬‬
‫وعن عبدالرمحن بن أيب ليىل عن أيب ذر قال‪ :‬واهلل لو تعلمون ما أعلم‬
‫خلقني‬ ‫ما انبسطتم إىل نسائكم‪ ،‬وال تقاررتم عىل فرشكم‪ ،‬واهلل لوددت أن اهلل‬
‫يوم خلقني شجرة تعضد ويؤكل ثمرها‪.‬‬
‫وروى ابن سريين قال قدم أبو ذر املدينة‪ ،‬فقال عثامن كن عندي تغدو عليك‬
‫وتروع اللقاح‪ ،‬قال‪ :‬ال حاجة يل يف دنياكم‪ ،‬ثم قال‪ :‬ائذن يل حتى أخرج إىل الربذة‪،‬‬
‫فأذن له فخرج‪.‬‬
‫والربذة‪ :‬من قرى املدينة عىل ثالثة أميال قريبة من ذات عرق عىل طريق‬
‫احلجاز إذا رحلت من فيد تريد مكة‪.‬‬
‫وعن عطاء بن حممد قال‪ :‬إبراهيم التيمي قال أيب‪ :‬خرجنا حجاج ًا‪ ،‬فوجدنا‬
‫أبا ذر بالربذة قائام يصيل‪ ،‬فانتظرناه حتى فرغ من صالته‪ ،‬ثم أقبل علينا بوجهه‪،‬‬
‫هلم إىل األخ الناصح الشفيق‪ ،‬ثم بكى فاشتد بكاؤه‪ ،‬وقال ‪:‬قتلني حب يوم‬
‫فقال‪ّ :‬‬
‫ال أدركه‪.‬‬
‫قيل‪ :‬وما يوم ال تدركه؟‬
‫قال‪ :‬طول االمل‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)186‬‬

‫‪:‬‬ ‫روايته للحديث‬


‫الكثري من الصحابة وغريهم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ذر الغفاري‬ ‫َ‬
‫احلديث عن سيدنا أيب ٍّ‬ ‫روى‬
‫فمنهم‪:‬‬
‫حذيفة بن أسيد الغفاري‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وأنس بن مالك‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وجبري‬
‫ابن نفري‪ ،‬وأبو مسلم اخلوالين‪ ،‬وزيد بن وهب‪ ،‬وأبو االسود الدئيل‪ ،‬وربعي بن‬
‫حراش‪ ،‬واملعرور بن سويد‪ ،‬وزر بن حبيش‪ ،‬وأبو سامل اجليشاين سفيان بن هانئ‪،‬‬
‫وعبدالرمحن بن غنم‪ ،‬واالحنف بن قيس‪ ،‬وقيس بن عباد‪ ،‬وعبداهلل بن الصامت‪،‬‬
‫وأبو عثامن النهدي‪ ،‬وسويد بن غفلة‪ ،‬وأبو مراوح‪ ،‬وأبو إدريس اخلوالين‪ ،‬وسعيد‬
‫ابن املسيب‪ ،‬وعبدالرمحن بن متيم‪ ،‬وخرشة بن احلر‪ ،‬وزيد بن ظبيان‪ ،‬وصعصعة‬
‫ابن معاوية‪ ،‬وخالد بن وهبان بن خالة أيب ذر‪ ،‬ويقال‪ :‬ابن أهبان‪ ،‬وقيل‪ :‬بن أخيه‪،‬‬
‫وامرأة أيب ذر‪ ،‬وأبو السليل رضيب بن نفري‪ ،‬وعبداهلل بن شقيق‪ ،‬وعبدالرمحن بن‬
‫أيب ليىل‪ ،‬وعبيد بن عمري‪ ،‬وغضيف بن احلارث‪ ،‬وعبدالرمحن بن حجرية‪ ،‬وعبدالرمحن‬
‫ابن شامسة‪ ،‬وعاصم بن سفيان‪ ،‬وعبيد بن اخلشخاش‪ ،‬وأبو مسلم اجلذمي‪ ،‬وعطاء بن‬
‫يسار‪ ،‬وموسى بن طلحة‪ ،‬وأبو الشعثاء املحاريب‪ ،‬ومورق العجيل‪ ،‬ويزيد بن رشيك‬
‫التيمي‪ ،‬وأبو االحوص املدين شيخ ‪ -‬للزهري ‪ -‬وأبو أسامء الرحبي‪ ،‬وأبو برصة‬
‫الغفاري‪ ،‬وأبو العالية الرياحي‪ ،‬وابن احلوتكية‪ ،‬وجرسة بنت دجاجة‪.‬‬
‫مئتان وأحد وثامنني (‪ )281‬حديث ًا‬ ‫ذر الغفاري‬
‫وقد روى سيدنا أبو ٍّ‬
‫‪ ،‬اتفقا البخاري ومسلم عىل اثني عرش حديث ًا منها‪ ،‬وانفرد البخاري‬ ‫عن النبي‬
‫بحديثني‪ ،‬ومسلم بتسعة عرش حديث ًا‪ ،‬وقال بعضهم بسبعة عرش‪.‬‬
‫فقيها يفتي يف خالفة أيب بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثامن‪.‬‬ ‫وكان‬
‫(‪)187‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫قال‪َ (( :‬رح َم اهللُ أ َبا َذ ٍّر َي ْم ْ‬
‫ش َو ْحدَ ُه َو َي ُم ْو ُت َو ْحدَ ُه‬ ‫ذكرنا سابق ًا أن النبي‬
‫َو ُي ْب َع ُ‬
‫ث َو ْحدَ ُه))‪ .‬أخرجه احلاكم‪.‬‬
‫يم ْب َن األَ ْش َ ِت َع ْن َأبِ ِيه‪َ :‬أ َّن‬ ‫ِ‬
‫ف َع ْن إِ ْب َراه َ‬ ‫وقد حتقق ما قاله رسول اهلل‬
‫يك؟ َقا َل ْت‪َ :‬أ ْب ِكي‬ ‫َت امر َأ ُته‪َ ،‬ف َق َال ما يب ِك ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫الر َب َذة‪َ ،‬ف َبك ْ ْ َ ُ‬
‫ِ‬
‫ض ُه ا َمل ْو ُت َو ُه َو بِ َّ‬ ‫َأ َبا َذ ٍّر َح َ َ‬
‫َل َيدَ ِل بِنَ ْف ِس َك‪َ ،‬و َل ْي َس ِعن ِْدي َث ْو ٌب َي َس ُع َك َك َفن ًا‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ل َت ْب ِكي‪َ ،‬فإِ ِّن َس ِم ْع ُت‬
‫ول‪َ (( :‬ل َي ُموت ََّن َر ُج ٌل ِمنْك ُْم بِ َف َل ٍة ِم ْن‬ ‫ات َي ْو ٍم َو َأنَا ِعنْدَ ُه ِف َن َف ٍر َي ُق ُ‬ ‫َذ َ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫َر ُس َ‬
‫َان َم ِعي ِف َذلِ َك ا َمل ْج ِل ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األَ ْر ِ‬
‫ات‬ ‫س َم َ‬ ‫ني)) َق َال‪َ :‬فك ُُّل َم ْن ك َ‬ ‫ض َي ْش َهدُ ُه ع َصا َب ٌة م ْن ا ُمل ْؤمن َ‬
‫وت‪َ ،‬ف َر ِاقبِي ال َّط ِر َيق‬ ‫جا َع ٍة َو ُف ْر َق ٍة‪َ ،‬ف َل ْم َي ْب َق ِمن ُْه ْم َغ ْ ِيي‪َ ،‬و َقدْ َأ ْص َب ْح ُت بِال َف َل ِة َأ ُم ُ‬ ‫ِف َ َ‬
‫ول‪َ ،‬فإِ ِّن واهللِ َما ك ََذ ْب ُت‪َ ،‬و َل ك ُِذ ْب ُت‪َ ،‬قا َل ْت‪َ :‬و َأنَّى َذلِ َك َو َقدْ‬ ‫ف ت ََر ْي َن َما َأ ُق ُ‬ ‫َّك َس ْو َ‬ ‫َفإِن ِ‬

‫تدُّ ِبِ ْم‬ ‫اج‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ر ِاقبِي ال َّط ِر َيق‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َب ْينَا ِه َي ك ََذلِ َك‪ ..‬إِ َذا ِه َي بِال َق ْو ِم َ ُ‬ ‫حل ُّ‬ ‫ا ْن َق َط َع ا َ‬
‫الر َخ ُم‪َ ،‬ف َأ ْق َب َل ال َق ْو ُم َحتَّى َو َق ُفوا َع َل ْي َها‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪َ :‬ما َل ِك؟ َقا َل ْت‪ :‬ا ْم ُر ٌؤ‬ ‫ِ‬
‫َر َواح ُل ُه ْم ك ََأ َّنُ ْم َّ‬
‫ون فِ ِيه؟ َقا ُلوا‪َ :‬و َم ْن ُه َو؟ َقا َل ْت‪َ :‬أ ُبو َذ ٍّر‪َ ،‬ف َفدَ ْو ُه بِآ َب ِائ ِه ْم‬ ‫ني ُت َك ِّفنُو َن ُه َوت ُْؤ َج ُر َ‬ ‫ِم ْن ا ُمل ْس ِل ِم َ‬
‫شوا َأ ْنت ُْم النَّ َف ُر ا َّل ِذي َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات ْم‪َ ،‬و َو َض ُعوا س َيا َط ُه ْم ف ن ُُحور َها َي ْبتَد ُرو َن ُه‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬أ ْب ُ‬ ‫َو ُأ َّم َه ِ ِ‬
‫ول‪َ (( :‬ما ِم ْن‬ ‫َي ُق ُ‬ ‫ول اهللِ‬‫شوا َس ِم ْع ُت َر ُس َ‬ ‫ِ‬
‫فيك ُْم َما َق َال‪َ ،‬أ ْب ُ‬
‫ِ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫َق َال َر ُس ُ‬
‫احت ََس َبا َو َص َبا َف َي َي ِ‬
‫ان الن ََّار َأ َبدً ا)) ُث َّم َقدْ‬ ‫ان َأ ْو َث َل َث ٌة َف ْ‬ ‫ك َب ْين َُهم َو َلدَ ِ‬ ‫ي َه َل َ‬‫ْام َر َأ ْي ِن ُم ْسلِ َم ْ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫َأ ْص َب ْح ُت ال َي ْو َم َح ْي ُث ت ََر ْو َن‪َ ،‬و َل ْو َأ َّن َث ْوب ًا ِم ْن ثِ َي ِاب َي َس ُعنِي َل ْ ُأ َك َّف ْن إِ َّل فِ ِيه‪َ ،‬ف َأن ُْشدُ ك ُْم‬
‫َان َقدْ ن ََال‬ ‫َان َأ ِمري ًا َأ ْو َع ِريف ًا َأ ْو َب ِريد ًا‪َ ،‬فك ُُّل ال َق ْو ِم ك َ‬ ‫اهللَ َأ ْن َل ُي َك ِّفنَنِي َر ُج ٌل ِمنْك ُْم ك َ‬
‫ان ِف َع ْي َبتِي‬ ‫احب َك‪َ ،‬ثوب ِ‬
‫َْ‬
‫ِ‬
‫َان َم َع ال َق ْو ِم َق َال‪َ :‬أنَا َص ُ‬ ‫ار ك َ‬ ‫تى ِم ْن األَن َْص ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫م ْن َذل َك َش ْيئ ًا إِ َّل َف ً‬
‫ْت ص ِ‬ ‫ِ‬
‫احبِي َف َك ِّفنِّي‪ .‬أخرجه‬ ‫ب َه َذ ْي ِن ال َّل َذ ْي ِن َع َ َّل ‪َ ،‬ق َال َأن َ َ‬ ‫م ْن َغ ْز ِل ُأ ِّمي‪َ ،‬و َأ ِجدُ َث ْو َ َّ‬
‫اإلمام أمحد‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)188‬‬

‫يف احلديث الطويل املتقدم وفيه‪ :‬فلام حرضه املوت‬ ‫وعن ابن مسعود‬
‫أوىص امرأته و غالمه إذا مت فاغسالين‪ ،‬و كفناين‪ ،‬ثم امحالين‪ ،‬فضعاين عىل قارعة‬
‫الطريق‪ ،‬فأول ركب يمرون بكم ‪ ..‬فقولوا‪ :‬هذا أبو ذر‪ ،‬فلام مات ‪ ..‬فعلوا به‬
‫كذلك‪ ،‬فاطلع ركب‪ ،‬فام علموا به حتى كادت ركائبهم تطأ رسيره‪ ،‬فإذا ابن مسعود‬
‫يف رهط من أهل الكوفة‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما هذا؟ فقيل‪ :‬جنازة أيب ذر‪ ،‬فاستهل ابن مسعود‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫يبكي‪ ،‬فقال‪ :‬صدق رسول اهلل ‪َ (( :‬ي َرح َم اهللُ أ َبا َذ ٍّر َي ْم ْ‬
‫ش َو ْحدَ ُه َو َي ُم ْو ُت‬
‫ث َو ْحدَ ُه))‪ ،‬فنزل‪ ،‬فوليه بنفسه حتى أجنه‪ .‬أخرجه احلاكم‪.‬‬ ‫َو ْحدَ ُه َو ُي ْب َع ُ‬

‫بالربذة كام ذكرنا يف األحاديث الصحيحة‪.‬‬ ‫وكانت وفاته‬


‫سنة‪ :‬اثنني وثالثني من اهلجرة‪.‬‬ ‫وكانت وفاته‬
‫وقيل‪ :‬سنة إحدى وثالثني‪.‬‬
‫كام ذكرنا ذلك يف‬ ‫وصىل عليه الصحايب اجلليل عبداهلل بن مسعود‬
‫األحاديث الصحيحة املتقدمة‪.‬‬
‫فريض اهلل عنه وأرضاه ومجعنا به يف اعىل فراديس اجلنان آمني اللهم آمني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫ورد احلديث بعدة روايات عند اإلمام أمحد يف مسنده‪ ،‬فمنها‪:‬‬
‫وف َش ْيئ ًا َو َل ْو َأ ْن ُت ْعطِ َي ِص َل َة َ‬
‫احل ْب ِل َو َل ْو َأ ْن‬ ‫قوله ‪َ (( :‬ل َ ْت ِقر َّن ِمن ا َملعر ِ‬
‫ْ ُْ‬ ‫َ‬
‫الش َء ِم ْن‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُت ْعطِ َي ِش ْس َع النَّ ْع ِل َو َل ْو َأ ْن َتن ِْز َع ِم ْن َد ِ ِ‬
‫لو َك ف إِنَاء ا ُمل ْست َْسقي َو َل ْو أ ْن ُتن َِّح َي َّ ْ‬
‫اك‬‫ك إِ َل ْي ِه ُم ْن َطلِ ٌق َو َل ْو َأ ْن تَل َقى َأ َخ َ‬ ‫َّاس ُي ْؤ ِذهيِ ْم َو َل ْو َأ ْن تَل َقى َأ َخ َ‬
‫اك َو َو ْج ُه َ‬ ‫يق الن ِ‬ ‫َط ِر ِ‬
‫يك‬ ‫ش ٍء َي ْع َل ُم ُه فِ َ‬
‫ك َر ُج ٌل بِ َ ْ‬ ‫ض َوإِ ْن َس َّب َ‬ ‫ان ِف األَ ْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َفت َُس ِّل َم َع َل ْيه َو َل ْو َأ ْن ت ُْؤن َس ُ‬
‫الو ْح َش َ‬
‫(‪)189‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫َك َأ ْن ت َْس َم َع ُه‬
‫س ُأ ُذن َ‬ ‫ِ‬ ‫ُون َأ ْج ُر ُه َل َ ِ‬‫ْت َت ْع َل ُم فِ ِيه ن َْح َو ُه َف َل ت َُس َّب ُه َف َيك َ‬
‫َو َأن َ‬
‫ك َووز ُْر ُه َع َل ْيه َو َما َ َّ‬
‫اجتَن ِ ْب ُه))‪.‬‬
‫َك َأ ْن ت َْس َم َع ُه َف ْ‬
‫اء ُأ ُذن َ‬ ‫ِ‬
‫َفا ْع َمل بِه َو َما َس َ‬
‫ول اهللِ إِنَّا‬ ‫لت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫َف ُق ُ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫َو َع ْن َأ ُب ُج َر ٍّى اهل ُ َج ْي ِم ِّي َق َال‪َ :‬أ َت ْي ُت َر ُس َ‬
‫اد َي ِة‪َ ،‬ف َع ِّل ْمنَا َش ْيئ ًا َينْ َف ُعنَا اهللُ َت َب َار َك َو َت َع َال بِ ِه‪َ .‬ق َال‪َ (( :‬ل َ ْت ِق َر َّن ِم ْن‬ ‫َقوم ِمن َأه ِل الب ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ٌ ْ ْ‬
‫ك‬ ‫اك َو َو ْج ُه َ‬ ‫َاء ا ُمل ْست َْس ِقي َو َل ْو َأ ْن ُت َك ِّل َم َأ َخ َ‬ ‫لو َك ِف إِن ِ‬ ‫وف َش ْيئ ًا َو َل ْو َأ ْن ُت ْف ِر َغ ِم ْن َد ِ‬ ‫ا َملعر ِ‬
‫ُْ‬
‫اخل َي َل ُء َل ُيِ ُّب َها اهللُ َوإِ ْن ْام ُرؤٌ‬ ‫اخل َي َل ِء َو ُ‬ ‫َار َفإِ َّن ُه ِم ْن ُ‬
‫إلز ِ‬ ‫يل ا ِ‬ ‫اك َوت َْسبِ َ‬‫إِ َل ْي ِه ُمنْ َب ِس ٌط َوإِ َّي َ‬
‫ك َو َو َبا َل ُه َع َل َم ْن َقا َل ُه))‪.‬‬ ‫يك َف َل ت َُس َّب ُه بِ َم َت ْع َل ُم فِ ِيه َفإِ َّن َأ ْج َر ُه َل َ‬‫ك بِ َم َي ْع َل ُم فِ َ‬ ‫َس َّب َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َع ْن النَّبِ ِّي‬
‫َأ َّن ُه َق َال‪َ (( :‬ل َ ْتق َر َّن م ْن ا َمل ْع ُروف َش ْيئ ًا َفإِ ْن َل ْ‬ ‫َع ْن َأ ِب َذ ٍّر‬
‫لق))‪.‬‬ ‫اك بِ َو ْج ٍه َط ٍ‬‫الق َأ َخ َ‬ ‫َِ‬
‫تدْ َف َ‬
‫يف احلديث‪َ (( :‬ل َ ْت ِق َر َّن))‪ ،‬أي‪ :‬ال تستثقل‪ ،‬وال تستحقر أو تستهني‪.‬‬ ‫قوله‬
‫(( ِمن ا َملعر ِ‬
‫وف))‪ ،‬أي‪ :‬من فعل املعروف واخلري‪.‬‬ ‫ْ ُْ‬
‫قال الراغب‪ :‬املعروف‪ :‬اسم كل فعل يعرف حسنة بالرشع والعقل مع ًا‪.‬‬
‫وقال بن أيب مجرة‪ :‬يطلق اسم املعروف عىل ما عرف بأدلة الرشع أنه من أعامل‬
‫(((‬
‫الرب سواء جرت به العادة أم ال‪.‬‬
‫قال الطيبي‪" :‬املعروف‪ :‬اسم جامع لكل ما عرف من طاعة اهلل تعاىل‬
‫واإلحسان إىل الناس‪ ،‬وهو من الصفات الغالبة‪ ،‬أي‪ :‬أمر معروف بني الناس إذا‬
‫رأوه مل ينكروه‪ ،‬ومن املعروف النصفة‪ ،‬وحسن الصحبة مع األهل وغريهم‪ ،‬وتلقي‬
‫(((‬
‫الناس بوجه طلق" اهـ‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.504/10 :‬‬


‫((( ((حتفة األحوذي))‪.457/4 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)190‬‬

‫(( َش ْيئ ًا))‪ ،‬أي‪ ،‬مهام كانت قلته‪ ،‬فتستقله وترتكه لقلته‪ ،‬فقد يكون سبب‬
‫َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫الوصول إىل مرضاة اهلل تعاىل كام ورد يف احلديث َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫لقي َلا َباالً َي ْر َف ُع ُه اهللُ ِ َبا‬ ‫ان اهللِ َل ي ِ‬
‫َق َال‪(( :‬إِ َّن ال َع ْبدَ َل َي َت َك َّل ُم بِالكَلِ َم ِة ِم ْن ِر ْض َو ِ‬
‫ُ‬
‫ات)) أخرجه البخاري وأمحد‪.‬‬ ‫درج ٍ‬
‫ََ َ‬
‫(( َو َل ْو))‪ :‬بيان للمعروف الذي يراه الناس قليالً‪ ،‬أي‪ :‬ولو كان هذا املعروف‪.‬‬
‫(( َأ ْن تَل َقى َأ َخ َ‬
‫اك))‪ ،‬أي‪ :‬تراه وجتتمع به‪.‬‬
‫((بِ َو ْج ٍه َط ٍ‬
‫لق))‪ ،‬ويف رواية ((طليق))‪ ،‬واملعنى‪ :‬بوجه ضاحك مستبرش َس ْه ٍل‬
‫ط‪.‬‬‫منْب ِس ٍ‬
‫ُ َ‬
‫وال َطلق‪ :‬ضد العبوس‪ ،‬وهو الذي فيه البشاشة والرسور‪،‬‬
‫وذلك ملا يف طالقة الوجه من إيناس األخ املسلم‪ ،‬واندفاع اإلحياش عنه‬
‫وجرب خاطره‪ ،‬وبذلك حيصل التأليف املطلوب بني املؤمنني‪ ،‬وتزداد املحبة بينهم‪.‬‬
‫وبطالقة الوجه يصل إىل قلب املسلم رسور‪ ،‬وال شك أن إيصال الرسور إىل قلب‬
‫املسلم حسنة‪.‬‬
‫وباملقابِل عبوس الوجه قد يكون سبب ًا للتنافر‪ ،‬والوحشة يف قلب ا ُمل َقا َبل‪.‬‬
‫حل ّث َع َل َف ْضل ا َمل ْع ُروف‪َ ،‬و َما‬ ‫ِ ِ‬
‫قال اإلمام النووي‪" :‬فيه – أي‪ :‬احلديث ‪ -‬ا َ‬
‫(((‬
‫الو ْجه ِعنْد ال ِّل َقاء" اهـ‪.‬‬
‫‪،‬حتَّى َط َل َقة َ‬
‫َتي ِ‬
‫س منْ ُه َوإِ ْن َق َّل َ‬
‫َ َّ َ‬
‫وللحديث مفهوم وهو أن ال حتقرن من الرش شيئ ًا‪ ،‬فإن املعصية واملخالفة‬
‫ول اهللِ‬‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫مهام ق ّلت قد تكون سبب ًا للعذاب الشديد‪ ،‬ف َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َّار))‬ ‫الر ُج َل َل َي َت َك َّل ُم بِالكَل َمة َل َي َرى ِ َبا َب ْأس ًا َ ْي ِوي ِ َبا َس ْبع َ‬
‫ني َخ ِريف ًا ِف الن ِ‬ ‫‪(( :‬إِ َّن َّ‬
‫((( ((رشح النووي عىل صحيح مسلم))‪.268/16 :‬‬
‫(‪)191‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫أخرجه أمحد والرتمذي‪.‬‬
‫الر ُج َل َل َي َت َك َّل ُم بِالكَلِ َم ِة َما َي َرى َأ ْن َت ْب ُلغَ َح ْي ُ‬
‫ث َب َلغ ْ‬
‫َت‬ ‫ويف رواية أخرى‪(( :‬إِ َّن َّ‬
‫ني َخ ِري ًفا)) أخرجه أمحد‪.‬‬ ‫ي ِوي ِبا ِف الن ِ ِ‬
‫َّار َس ْبع َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ي َما فِ َيها ي ِوي ِ َبا ِف الن ِ‬
‫َّار َأ ْب َعدَ‬ ‫ِ ِ‬
‫ويف رواية‪(( :‬إِ َّن ال َع ْبدَ َل َي َت َك َّل ُم بِالكَل َمة َما َي َت َب َّ ُ‬
‫َْ‬
‫ب)) أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫ش ِق َوا َملغ ِْر ِ‬
‫ي ا َمل ْ ِ‬
‫َما َب ْ َ‬
‫ي فِ َيها َي ِز ُّل ِ َبا ِف‬ ‫ِ ِ‬
‫ويف رواية عند البخاري‪(( :‬إِ َّن ال َع ْبدَ َل َي َت َك َّل ُم بِالكَل َمة َما َي َت َب َّ ُ‬
‫ش ِق))‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الن ِ‬
‫َّار َأ ْب َعدَ مَّا َب ْ َ‬
‫ي ا َمل ْ ِ‬

‫فاحلق سبحانه وتعاىل خبأ عفوه ورمحته يف طاعته‪ ،‬وسخطه وغضبه يف‬
‫معصيته‪ ،‬فال يستهني املؤمن بيشء من اخلري فيرتكه‪ ،‬وال بيشء من الرش فيفعله‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن املسلم ال يستثقل شيئ ًا من اخلري مهام كان‪.‬‬
‫ال من الرش قد يكون سبب ًا‬
‫ال من اخلري قد يكون سبب ًا ملرضاة اهلل‪ ،‬وإن قلي ً‬
‫‪2 .2‬أن قلي ً‬
‫لسخط اهلل تعاىل‪ ،‬فإن اهلل خبأ عفوه يف طاعته‪ ،‬وسخطه يف معصيته‬
‫‪3 .3‬لقاء املسلم بأخيه املسلم أمر اهتمت به الرشيعة؛ ملا فيه ألفة القلوب أو تنافرها‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)192‬‬

‫احلديث احلادي والعشرون‬

‫اح َأ َعدَّ اهللُ َل ُه ِف‬ ‫‪(( :‬من َغدَ ا إِ َل ا َملس ِ ِ‬


‫جد َأ ْو َر َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫َ ِ‬
‫اح)) متفق عليه‪.‬‬ ‫اجلنَّة ُن ُزالً ُك َّل َم َغدَ ا َأ ْو َر َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫سيدنا أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫هذا اللفظ الذي ذكرناه هو لفظ اإلمام مسلم‪ ،‬ولفظ اإلمام البخاري‪َ (( :‬م ْن‬
‫ج ِد وراح َأعدَّ اهللُ َله ُن ُز َله ِمن َ ِ‬
‫اح))‪ ،‬وعند اإلمام أمحد‬ ‫اجلنَّة ُك َّل َم َغدَ ا َأ ْو َر َ‬ ‫ُ ُ ْ‬ ‫َغدَ ا إِ َل ا َمل ْس ِ َ َ َ َ‬
‫اح َأ َعدَّ اهللُ َل ُه َ‬ ‫بلفظ‪(( :‬من َغدَ ا إِ َل ا َملس ِ ِ‬
‫اجلنَّ َة ُنز ًُل ُك َّل َم َغدَ ا َو َر َ‬
‫اح))‪.‬‬ ‫جد َو َر َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫‪(( :‬من َغدَ ا إِ َل ا َملس ِ ِ‬
‫جد َأ ْو َر َ‬
‫اح))‪ :‬قد ذكرنا يف رشح احلديث العارش‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫قوله‬
‫أن الغدو هو الذهاب أول النهار‪ ،‬وأن الراوح هو الرجوع آخر النهار‪ ،‬واألصل يف‬
‫الغدو املىض من بكرة النهار‪ ،‬والرواح بعد الزوال‪ ،‬ثم قد يستعمالن يف كل ذهاب‬
‫ورجوع توسع ًا‪.‬‬
‫قال يف ((عمدة القاري))‪" :‬ويف ((الصحاح)) الغدوة ما بني صالة الغداة وبني‬
‫طلوع الشمس‪ ،‬والغدو نقيض الرواح‪ ،‬وزعم ابن قرقول أنه قد استعمل الغدوة‬
‫والرواح يف مجيع النهار‪،‬ويف ((املحكم)) الرواح العيش‪ ،‬وقيل‪ :‬من لدن زوال‬
‫(‪)193‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫الشمس إىل الليل‪ ،‬ورحنا رواحا وتروحنا رسنا يف ذلك الوقت‪ ،‬أو عملنا‪ ،‬ويف‬
‫((الصحاح)) الرواح نقيض الصباح‪ ،‬وهو اسم للوقت ‪،‬ويقال‪ :‬الغدو السري يف أول‬
‫النهار إىل زوال الشمس‪ ،‬والرواح من الزوال إىل آخر النهار‪ ،‬ويقال‪ :‬غدا خرج‬
‫(((‬
‫مبكر ًا‪ ،‬وراح رجع‪ ،‬وقد يستعمالن يف اخلروج والرجوع مطلقا توسع ًا" اهـ‪.‬‬
‫ج ِد))‪ ،‬أي‪ :‬طلب ًا ألداء صالة فيه أو اعتكاف أو قراءة أو‬
‫‪(( :‬إِ َل ا َمل ْس ِ‬ ‫وقوله‬
‫درس علم طلب ًا ملرضاة اهلل‪ ،‬ويؤيد ذلك ما أخرجه الطرباين عن أيب أمامةعن النبي‬
‫قال‪(( :‬من غدا إىل املسجد ال يريد إال أن يتعلم خريا أو يعلمه كان له كأجر‬
‫حاج تاما حجته))‪.‬‬
‫قال يف ((فتح الباري))‪" :‬وظاهر احلديث حصول الفضل ملن أتى املسجد‬
‫(((‬
‫مطلق ًا؛ لكن املقصود منه اختصاصه بمن يأتيه للعبادة‪ ،‬والصالة رأسها" اهـ‪.‬‬
‫(( َأ َعدَّ اهللُ َل ُه))‪ :‬أي هيأ اهلل له ثواب عمله الذي يعمله‪ ،‬وذلك من حمض فضله‬
‫سبحانه وتعاىل ال استحقاق للعبد‪.‬‬
‫اجلن َِّة))‪.‬‬
‫اجلن َِّة))‪ ،‬أي‪ :‬وسط اجلنة‪ ،‬ويف رواية‪ِ (( :‬م ْن َ‬
‫(( ِف َ‬

‫(( ُن ُزالً))‪ :‬وهي بضم النون والزاي املكان الذي هييأ للنزول فيه‪ ،‬وبسكون‬
‫الزاي ما هييأ للقادم من الضيافة ونحوها‪ ،‬فعىل هذا حرف (من) يف الرواية الثانية‬
‫اجلن َِّة)) يكون للتبعيض عىل األول‪ ،‬وهو ضم النون والزاي‪،‬‬
‫(( ِم ْن َ‬ ‫من قوله‬
‫وللتبيني عىل الثاين وهو سكون الزاي‪.‬‬

‫(( ُك َّل َم َغدَ ا َأ ْو َر َ‬


‫اح))‪ ،‬أي‪ :‬بكل غدوة وروحة‪.‬‬

‫((( ((عمدة القاري))‪.395/4 :‬‬


‫((( ((فتح الباري))‪.168/2 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)194‬‬

‫™™تنبيـــه‪:‬‬
‫جاء يف رواية اإلمام أمحد بواو العطف يف قوله (( ُك َّل َم َغدَ ا َو َر َ‬
‫اح))‪ ،‬وعند‬
‫اح))‪ ،‬ويف األمرين فرق‪ ،‬فبواو العطف البد له من‬ ‫الشيخني بأو(( ُك َّل َم َغدَ ا َأ ْو َر َ‬
‫األمرين الغدو والرواح حتى ُيعد له الن ُُزل‪ ،‬وعىل رواية ((أو)) يكفي أحدمها يف‬
‫اإلعداد‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬الغدو والرواح يف احلديث كالبكرة والعيش يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫ﱹ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﱸ [مريم‪ ]62 :‬يراد هبا الديمومة ال الوقتان املعينان‪.‬‬
‫قال الشيخ أكمل الدين يف ((رشح املشارق))‪" :‬عادة الناس تقديم طعام ملن‬
‫دخل بيتهم‪ ،‬واملسجد بيت اهلل تعاىل‪ ،‬فمن دخله أي وقت كان من ليل أو هنار أعطاه‬
‫(((‬
‫اهلل تعاىل أجره من اجلنة؛ ألنه أكرم األكرمني وال يضيع أجر املحسنني" اهـ‪.‬‬
‫َق َال‪َ (( :‬م ْن َم َشى إِ َل َص َل ٍة َم ْكتُو َب ٍة َو ُه َو‬ ‫َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫و َع ْن َأ ِب ُأ َما َم َة‬
‫َان َل ُه ك ََأ ْج ِر‬
‫الض َحى ‪ ..‬ك َ‬ ‫اج ا ُمل ْح ِرمِ‪َ ،‬و َم ْن َم َشى إِ َل ُس ْب َح ِة ُّ‬ ‫َان َل ُه ك ََأ ْج ِر َ‬
‫احل ِّ‬ ‫ُم َت َط ِّه ٌر ‪ ..‬ك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َاب ِف ع ِّل ِّي َ‬
‫ني))‬ ‫ا ُمل ْعتَم ِر‪َ ،‬و َص َل ٌة َع َل إِ ْث ِر َص َلة َل َلغ َْو َب ْين َُه َم كت ٌ‬
‫اد ِف َسبِ ِ‬ ‫اجله ِ‬ ‫و َق َال َأبو ُأمام َة‪ :‬ال ُغدُ و والرواح إِ َل ه ِذ ِه ا َملس ِ ِ ِ‬
‫يل اهلل‪.‬‬ ‫اجد م ْن ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ َ َّ َ ُ‬ ‫ُ َ َ‬
‫أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬فضل املسجد والتكرر عليه‪.‬‬
‫‪2 .2‬احلض عىل شهود اجلامعات‪ ،‬ومواظبة املساجد للصلوات؛ ألنه إذا أعد اهلل له‬
‫نزله يف اجلنة بالغدو والرواح‪ ،‬فام ظنك بام ُي ِعدُّ له ويتفضل عليه بالصالة يف‬
‫((( انظر‪(( :‬دليل الفاحلني))‪.479/3 :‬‬
‫(‪)195‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫اجلامعة واحتساب أجرها واإلخالص فيها هلل تعاىل‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن اهلل ذو فضل عظيم‪ ،‬هيب عىل العمل القليل األجر العظيم‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)196‬‬

‫احلديث الثاني والعشرون‬

‫‪(( :‬يا نِساء ا ُملسلِم ِ‬


‫ت َل َ ْت ِق َر َّن َج َار ٌة‬ ‫ول اهللِ‬
‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫َ َ َ ْ َ‬
‫َِل َار ِ َتا َو َل ْو فِ ْر ِس َن َش ٍاة)) متفق عليه‪.‬‬

‫™™رواي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫سيدنا أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫اء‬ ‫ِ‬
‫أخرج احلديث بنفس اللفظ اإلما ُم أمحد‪ ،‬وأخرجه كذلك بلفظ‪َ (( :‬يا ن َس َ‬
‫اع َش ٍاة ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫م َر ٌق))‪.‬‬ ‫ا ُمل ْؤمنَات َل َ ْتق َر َّن إِ ْحدَ اك َُّن َِل َار ِ َتا َو َل ْو ك َُر ُ‬
‫ت))‪ ،‬ويف رواية ((يا نِساء ا ُمل ْؤ ِمن ِ‬
‫َات))‪ ،‬ويف إعراب‬ ‫‪(( :‬يا نِساء ا ُملسلِم ِ‬ ‫قوله‬
‫َ َ َ‬ ‫َ َ َ ْ َ‬
‫((يانساء املسلامت)) وضبطها ثالثة أوجه ذكرها القايض عياض‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪1 )1‬أصحها وأشهرها‪ :‬بنصب نساء‪ ،‬وجر املسلامت‪ ،‬عىل اإلضافة‪َ ،‬ق َال ال َب ِ‬
‫اج ّي‪:‬‬
‫ش ِق" اهـ‪ (((.‬وهي رواية املشارقة من إضافة‬ ‫" َو ِ َب َذا ُر ِّوينَا ُه َع ْن َجِيع ُش ُيوخنَا بِا َمل ْ ِ‬
‫اليشء إىل نفسه‪ ،‬واملوصوف إىل صفته‪ ،‬واألعم إىل األخص كمسجد اجلامع‪،‬‬
‫وجانب الغريب‪ ،‬وقوله تعال‪ :‬ﱹ ﮬ ﮭ ﱸ [يوسف‪ ،]109 :‬وكذا قوله‪:‬‬
‫ﱹﮧ ﮨ ﱸ [البينة‪ ،]5 :‬وهو عند الكوفيني ال حذف فيه اكتفاء بتغاير اللفظني‬

‫((( انظر‪(( :‬رشح مسلم)) للنووي‪.83/7 :‬‬


‫(‪)197‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وهو جائز عىل ظاهره‪ ،‬وعند البرصيني يقدرون فيه حمذوف ًا‪ ،‬أي‪ :‬مسجد‬
‫املكان اجلامع‪ ،‬وجانب املكان الغريب‪ ،‬ولِدار احلياة اآلخرة‪ ،‬فتقدر هنا‪ :‬يا نسا َء‬
‫األنفس املسلامت‪ ،‬أو اجلامعات املؤمنات‪ ،‬وقيل‪ :‬تقديره‪ :‬يافضالت املؤمنات‪،‬‬
‫كام يقال هؤالء رجال القوم‪ ،‬أي‪ :‬سادهتم وأفاضلهم‪ ،‬وقال احلافظ ابن حجر‬
‫يف ((الفتح))‪" :‬وقال ابن رشيد‪ :‬توجيهه أنه خاطب نساء بأعياهنن‪ ،‬فأقبل بندائه‬
‫عليهن‪ ،‬فصحت اإلضافة عىل معنى املدح هلن‪ ،‬فاملعنى‪ :‬يا خريات املؤمنات‪،‬‬
‫كام يقال رجال القوم‪ ،‬وتعقب بأنه مل خيصصهن به؛ ألن غريهن يشاركهن يف‬
‫(((‬
‫احلكم‪ ،‬وأجيب‪ :‬بأهنن يشاركنهن بطريق اإلحلاق" اهـ‪.‬‬
‫لكن قال ابن ب ّطال يف ((رشح البخاري)) بعد أن ذكر الوجه الذي ذكرناه‪:‬‬
‫"وقال الزجاج وغريه‪ :‬معناه دار احلال اآلخرة؛ ألن للناس حالني‪ ،‬حال الدنيا‬
‫وحال اآلخرة‪ ،‬ومثله صالة األوىل‪ ،‬واملراد صالة الفريضة األوىل‪ ،‬والسعة األوىل؛‬
‫ألهنا أول ما فرض من الصلوات‪ ،‬ومعنى قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮧ ﮨ ﱸ [البينة‪]5 :‬‬

‫دين امللة القيمة‪ ،‬وهلذا وقع التأنيث‪ ،‬لكنه خيرج (يا نساء املؤمنات) عىل تقدير‬
‫بعيد‪ ،‬وهو أن جتعل املؤمنات نعت ًا ليشء حمذوف غري النساء‪ ،‬كأنه قال‪ :‬يا نساء‬
‫األنفس املؤمنات‪ ،‬واملراد باألنفس الرجال‪ ،‬وفيه ُب ْعدٌ لفساد املعنى؛ ألن النبي‬
‫إنام خاطب النساء بذلك عىل وجه الفضيلة هلن والتخصيص‪ ،‬وعىل هذا‬
‫الوجه‪ ،‬ال فضيلة هلن ىف ذلك‪ ،‬إال أن يراد باألنفس الرجال والنساء مع ًا‪ ،‬فيكون‬
‫تقديره‪ :‬يا نساء من األنفس املؤمنات‪ ،‬عىل تقدير إضافة البعض إىل الكل‪ ،‬كام‬
‫تقول‪ :‬أخذت دراهم مال زيد‪ ،‬ومال واقع عىل الدراهم وغريها" اهـ‪.‬‬
‫(((‬

‫((( ((فتح الباري))‪.211/5 :‬‬


‫((( املرجع السابق‪.211/5 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)198‬‬

‫‪2 )2‬رفع النساء ورفع املسلامت أيض ًا‪ ،‬عىل معنى النداء والصفة‪ ،‬أي‪ :‬يا أيتها النساء‬
‫(((‬
‫املسلامت‪ .‬قال الباجي‪َ " :‬و َهك ََذا َي ْر ِويه َأ ْهل َب َل ِدنَا" اهـ‪.‬‬
‫‪3 )3‬رفع النساء وكرس التاء من املسلامت‪ ،‬عىل أنه منصوب عىل أنه الصفة عىل‬
‫ِ (((‬ ‫الوضع‪ ،‬كام يقال‪ :‬يا َزيدُ الع ِ‬
‫اق َل بِ َر ْف ِع َز ْيد َون َْصب ال َعاقل‪.‬‬ ‫َ ْ َ‬
‫قال‪(( :‬يا نِساء ا ُملسلِم ِ‬
‫ت)) ثالث مرات‪.‬‬ ‫ويف رواية عند اإلمام أمحد أنه‬
‫َ َ َ ْ َ‬
‫(( َل َ ْت ِق َر َّن َج َار ٌة َِل َار ِ َتا))؛ أي‪ :‬ال متنع جارة من الصدقة واهلدية جلارهتا‪،‬‬
‫باستقالهلا واحتقارها‪ ،‬أي‪ :‬استقالل واحتقار الصدقة أواهلدية‪ ،‬فال تعطيعها منها‬
‫شيئ ًا لكوهنا قليل؛ بل جتود عليها بام تيرس‪.‬‬
‫‪َ (( :‬ج َار ٌة َِل َار ِ َتا)) احتاملني‪:‬‬ ‫ويف قوله‬
‫ ‪-‬األول‪ :‬أن مراده بجارهتا‪ :‬املرأة التي جتاور املرأة التي تسمى جارة‪.‬‬
‫ ‪-‬الثاين‪ :‬أن املراد بجارهتا رضهتا‪ ،‬أي‪ :‬الزوجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة لزوجها‪.‬‬
‫اة؛ أي‪:‬‬‫((و َلو فِر ِسن َش ٍاة))‪ :‬ويف رواية عند الرتمذي‪ :‬و َلو ِش َّق فِر ِس ِن َش ٍ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ ْ َ‬
‫والف ْر ِس ُن بكرس الفاء والشني‪ :‬هو ال ِّظلف‪،‬‬‫جتود بالقليل ولو كان فرسن شاة‪ِ ،‬‬

‫وأصله يف األبل‪ ،‬وهو فيها مثل القدم يف اإلنسان‪ ،‬ثم استعري للغنم‪ ،‬قال يف ((فتح‬
‫الباري))‪" :‬هو عظيم قليل اللحم‪ ،‬وهو للبعري موضع احلافر للفرس‪ ،‬ويطلق عىل‬
‫(((‬
‫الشاة جماز ًا" اهـ‪.‬‬
‫ويف ((املحكم)) هو‪ :‬طرف خف البعري‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬رشح مسلم)) للنووي‪.83/7 :‬‬


‫((( املرجع السابق‪.83/7 :‬‬
‫((( ((فتح الباري))‪.211/5 :‬‬
‫(‪)199‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫قال ابن دريد‪ :‬هو ظاهر اخلف‪.‬‬
‫ويف ((اجلامع))‪ :‬هو من البعري بمنزلة الظفر من اإلنسان‪.‬‬
‫ويف ((املغيث)) هوعظم قليل اللحم‪ ،‬وهو للشاة والبعري بمنزلة احلافر للدابة‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬هو خف البعري‪.‬‬
‫(((‬
‫وقال األصمعي‪ :‬الفرسن ما دون الرسغ من يد البعري‪ ،‬وهي مؤنثة‪.‬‬
‫هنا اإلشارة إىل املبالغة يف اهداء اليشء اليسري وقبوله ال إىل حقيقة‬ ‫وأراد‬
‫َق َال‪:‬‬ ‫َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫الفرسن؛ ألنه مل جتر العادة بإهدائه‪ ،‬و َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫الصدْ ِر‪َ ،‬و َل َ ْت ِق َر َّن َج َار ٌة َِل َار ِ َتا َو َل ْو ِش َّق فِ ْر ِس ِن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(( َ َتا َد ْوا َفإِ َّن َاهلد َّي َة ت ُْذه ُ‬
‫ب َو َح َر َّ‬
‫َش ٍاة)) أخرجه الرتمذي؛ وألن الكثري قد ال يتيرس كل وقت‪ ،‬وإذا تواصل اليسري‬
‫صار كثريا‪.‬‬
‫باملخا َطب يف احلديث احتامالن‪ ،‬ومها‪:‬‬
‫ويف املراد َ‬

‫‪y y‬األول‪ :‬أنه متعلق باملعطي‪ ،‬أي‪ :‬ال متنع جارة من الصدقة واهلدية جلارهتا‪،‬‬
‫باستقالهلا واحتقارها‪ ،‬أي‪ :‬استقالل واحتقار الصدقة أواهلدية‪ ،‬فال‬
‫تعطيعها منها شيئ ًا لكوهنا قليل؛ بل جتود عليها بام تيرس‪ ،‬كام أسلفنا؛‬
‫ألن اجلود بحسب املوجود‪ ،‬واملوجود خري من املعدم‪ ،‬وقد قال تعاىل‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫ﱹ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﱸ [الزلزلة‪ ،]7 :‬وقد قال‬
‫يف‬ ‫((ا َّت ُقوا الن ََّار َو َل ْو بِ ِش ِّق َت ْ َر ٍة)) أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬وقال‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اء ا ُمل ْؤمنَات َل َ ْتق َر َّن إِ ْحدَ اك َُّن َِل َار ِ َتا َو َل ْو ك َُر ُ‬
‫اع‬ ‫احلديث اآلخر‪َ (( :‬يا ن َس َ‬
‫م َر ٌق)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫َش ٍاة ُ ْ‬

‫((( ((عمدة القاري))‪.31/11 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)200‬‬

‫وهذا هو الظاهر يف املعنى كام قاله القايض‪.‬‬


‫للم ْع َطاة‪ ،‬أن حتتقر ما أعطيت من الصدقة أو اهلدي؛ بل‬ ‫‪y y‬الثاين‪ :‬أنه هني ُ‬
‫تقبله وتشكر اهلل عليه‪ ،‬ويف احلديث‪َ (( :‬ل َي ْشك ُُر اهللَ َم ْن َل َي ْشك ُُر الن َ‬
‫َّاس))‬
‫ِ‬
‫ي‬‫أخرجه أمحد وأبو داود‪ ،‬وإىل هذا املعنى أشار النبي بقوله‪َ (( :‬ل ْو ُأ ْهد َ‬
‫ت)) أخرجه البخاري‪،‬‬ ‫يت إِ َل ك َُرا ٍع ‪َ ..‬لَ َج ْب ُ‬ ‫لت‪َ ،‬و َل ْو ُد ِع ُ‬ ‫ِ‬
‫إِ َ َّل ذ َر ٌ‬
‫اع ‪َ ..‬ل َقبِ ُ‬
‫ويف رواية عند مسلم‪(( :‬إِ َذا ُد ِعيت ُْم إِ َل ك َُرا ٍع ‪َ ..‬ف َأ ِجي ُبوا))‪.‬‬
‫وحيتمل أن يراد اجلميع‪.‬‬
‫اع ٍل) َع ْن‬ ‫اهره النَّهي لِلمه ِدي (اسم َف ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫قال يف ((سبل السالم))‪َ " :‬و َظ ُ ُ ْ ُ ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ار ما ي ِديه بِحي ُث يؤدي َإل تَر ِك ِ ِ‬ ‫ْ ِ ِ‬
‫لم ْهدَ ى‬ ‫يت ََم ُل َأ َّن ُه ل ُ‬
‫اإل ْهدَ اء‪َ ،‬و ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ُ َ ِّ‬ ‫است ْح َق َ ُ ْ‬
‫يت ََم ُل َإرا َد ُة‬ ‫إ َلي ِه‪ ،‬وا ُملراد َل َي ِقر َّن ما ُأه ِدي إ َلي ِه‪ ،‬و َلو ك َ ِ‬
‫َان َحق ًريا‪َ ،‬و ُ ْ‬ ‫ْ َ َ ْ َ ْ َ ْ‬ ‫ْ َ َ ُ‬
‫(((‬
‫جل ِمي ِع" اهـ‪.‬‬
‫ا َ‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬احلض عىل التهادي ولو باليسري؛ ملا فيه من استجالب املودة‪ ،‬وإذهاب‬
‫الشحناء؛ وملا فيه من التعاون عىل أمر املعيشة‪.‬‬
‫‪2 .2‬االستمرار يف العطاء ولو باليسري؛ ألن املواصلة باليسري تكون كالكثري‪.‬‬
‫‪3 .3‬اهلدية إذا كانت يسرية‪ ..‬فهي أدل عىل املودة‪ ،‬وأسقط للمؤنة‪ ،‬وأسهل عىل‬
‫املهدي الطراح التكلف‪ ،‬والكثري قد ال يتيرس كل وقت‪.‬‬
‫‪4 .4‬قبول اهلدية والصدقة مهام كانت قليلة‪ ،‬والشكر عليها‪.‬‬
‫‪5 .5‬احلث عىل الصدقة‪ ،‬وتفقد اجلريان‪.‬‬
‫((( ((سبل السالم))‪.159/3 :‬‬
‫(‪)201‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث الثالث والعشرون‬

‫ون َأ ْو بِ ْض ٌع‬
‫إل َيم ُن بِ ْض ٌع َو َس ْب ُع َ‬
‫َق َال‪(( :‬ا ِ‬ ‫َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫يق‪،‬‬‫َاها إِ َما َط ُة األَ َذى َع ْن ال َّط ِر ِ‬ ‫َو ِست َ‬
‫ُّون ُش ْع َب ًة‪َ ،‬ف َأ ْف َض ُل َها‪َ :‬ق ْو ُل َل إِ َل َه إِ َّل اهللُ‪َ ،‬و َأ ْدن َ‬
‫إل َيم ِن)) متفق عليه‪.‬‬ ‫اء ُش ْع َب ٌة ِم ْن ا ِ‬ ‫َو َ‬
‫احل َي ُ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو هريرة‬

‫™™الروايات التي ورد بها الحديث‪:‬‬


‫ورد احلديث بعدة ألفاظ‪ ،‬فالرواية املذكورة هي لفظ اإلمام مسلم‪ ،‬وورد‬
‫ون َبا ًبا َأ ْدن َ‬
‫َاها إِ َما َط ُة‬ ‫ُّون َأ ْو َس ْب ُع َ‬ ‫إل َيم ُن بِ ْض ٌع َو ِست َ‬ ‫عند ابن ماجة بعكس اللفظ‪(( :‬ا ِ‬
‫اء ُش ْع َب ٌة ِم ْن ا ِ‬
‫إل َيم ِن))‪.‬‬ ‫األَ َذى َع ْن ال َّط ِر ِ‬
‫يق َو َأ ْر َف ُع َها َق ْو ُل َل إِ َل َه إِ َّل اهللَ َو َ‬
‫احل َي ُ‬
‫اء ُش ْع َب ٌة ِم ْن ا ِ‬
‫إل َيم ِن))‪.‬‬ ‫احل َي ُ‬‫ون ُش ْع َب ًة َو َ‬ ‫إل َيم ُن بِ ْض ٌع َو َس ْب ُع َ‬ ‫وملسلم والنسائي‪(( :‬ا ِ‬

‫ون ُش ْع َب ًة َأ ْف َض ُل َها َل إِ َل َه إِ َّل اهللَ‬


‫إل َيم ُن بِ ْض ٌع َو َس ْب ُع َ‬ ‫ويف لفظ عند النسائي‪(( :‬ا ِ‬
‫إل َيم ِن))‪.‬‬ ‫اء ُش ْع َب ٌة ِم ْن ا ِ‬ ‫يق َو َ‬
‫احل َي ُ‬ ‫َو َأ ْو َض ُع َها إِ َما َط ُة األَ َذى َع ْن ال َّط ِر ِ‬

‫إل َيم ُن بِ ْض ٌع‬


‫َق َال‪((:‬ا ِ‬ ‫‪َ .‬ع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫وورد عند البخاري َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫إل َيم ِن))‪.‬‬ ‫اء ُش ْع َب ٌة ِم ْن ا ِ‬ ‫َو ِست َ‬
‫ُّون ُش ْع َب ًة َو َ‬
‫احل َي ُ‬
‫ون َبا ًبا َف َأ ْدنَا ُه إِ َما َط ُة األَ َذى َع ْن‬
‫إل َيم ُن بِ ْض ٌع َو َس ْب ُع َ‬
‫ويف لفظ للبخاري أيض ًا‪(( :‬ا ِ‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)202‬‬

‫يق َو َأ ْر َف ُع َها َق ْو ُل َل إِ َل َه إِ َّل اهللَ))‪ ،‬وهو لفظ اإلمام أمحد كذلك‪ ،‬ويف لفظ عند‬ ‫ال َّط ِر ِ‬
‫ون َبا ًبا َأ ْف َض ُل َها َل إِ َل َه إِ َّل اهللَ َو َأ ْدن َ‬
‫َاها إِ َما َط ُة‬ ‫إل َيم ُن بِ ْض ٌع َو َس ْب ُع َ‬
‫اإلمام أمحد أيض ًا‪(( :‬ا ِ‬
‫اء ُش ْع َب ٌة ِم ْن ا ِ‬
‫إل َيم ِن))‪.‬‬ ‫ال َع ْظ ِم َع ْن ال َّط ِر ِ‬
‫يق َو َ‬
‫احل َي ُ‬
‫ون َأ ْف َض ُل َها َق ْو ُل َل إِ َل َه إِ َّل اهللَ‬
‫إل َيم ُن بِ ْض ٌع َو َس ْب ُع َ‬
‫وعند أيب داؤد والرتمذي‪(( :‬ا ِ‬
‫اء ُش ْع َب ٌة ِم ْن ا ِ‬
‫إل َيم ِن))‪.‬‬ ‫َو َأ ْدن َ‬
‫َاها إِ َما َط ُة ال َع ْظ ِم َع ْن ال َّط ِر ِ‬
‫يق َو َ‬
‫احل َي ُ‬
‫وأرضاه‪.‬‬ ‫ومجيع الروايات هي عن أيب هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫التصديق بجمي ِع‬
‫ُ‬ ‫إل َيم ُن))‪ ،‬وهو لغة‪ُ :‬مط َل ُق التصديق‪ْ .‬‬
‫ورشع ًا‪:‬‬ ‫((ا ِ‬ ‫قوله‬
‫ور ِة‪.‬‬
‫بالرض َ‬
‫ُ‬ ‫مما ُع ِل َم ِم َن الدِّ ِ‬
‫ين‬ ‫ما جاء به النبي حممد‬
‫الفرق بني اإلميان واإلسالم‪:‬‬
‫قال اإلمام النووي يف ((رشحه عىل صحيح اإلمام مسلم))‪َ " :‬ق َال ِ‬
‫اإل َمام‬
‫الشافِ ِع ّي ا ُمل َح ِّقق‬ ‫اب ال ُب ْستِ ّي ال َف ِقيه األَ ِديب َّ‬ ‫ِ‬
‫حد ْبن ُم َ َّمد ْبن إِ ْب َراهيم اخلَ َّط ِ ُّ‬
‫َأ ُبو ُس َل ْي َمن َأ ْ َ‬
‫َّاس ِف َه ِذ ِه ا َمل ْس َأ َلة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ِ - -‬ف كتَابه (( َم َعال ُّ‬
‫السنَن))‪َ :‬ما َأ ْك َث َر َما َي ْغ َل ُط الن ُ‬
‫احت ََّج بِاآل َي ِة َي ْعنِي‬ ‫اإل ْس َلم الك َِل َمة‪َ ،‬و ِ‬
‫اإل َيمن ال َع َمل‪َ ،‬و ْ‬ ‫الز ْه ِر ّي َف َق َال‪ِ :‬‬
‫َف َأ َّما ُّ‬
‫َق ْوله ُس ْب َحانه َو َت َع َال‪ :‬ﱹ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫اإليمن َشء و ِ‬ ‫ب َغ ْيه إِ َل َأ َّن ِ‬
‫احد‪،‬‬ ‫ْ َ‬ ‫اإل ْس َلم َو ِ َ‬ ‫ﮙ ﮚ ﮛ ﱸ [احلجرات‪َ ،]14 :‬و َذ َه َ‬
‫احت ََّج بِ َق ْول ِ ِه َت َع َال‪ :‬ﱹ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬ ‫َو ْ‬
‫ﭷ ﱸ [الذاريات‪.]36- 35 :‬‬
‫َق َال اخل َّط ِاب‪ :‬و َقدْ َت َك َّلم ِف ه َذا الباب رج َل ِن ِمن كُباء َأهل ِ‬
‫العلم‪َ ،‬و َص َار‬ ‫ْ ََ ْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُّ َ‬
‫(‪)203‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫َّف َع َل ْي ِه ِكتَا ًبا‬
‫اآلخ ُر ِمن ُْه َم َع َل ا ُمل َت َقدِّ م‪َ ،‬و َصن َ‬
‫احد ِمن ُْه َم إِ َل َق ْول ِم ْن َه َذ ْي ِن‪َ .‬و َر َّد َ‬ ‫ك ُّل و ِ‬
‫َ‬
‫َي ْب ُل ُغ عَدَ ُد َأ ْو َر ِاق ِه املِ َئ ْ ِ‬
‫ي‪.‬‬
‫الص ِحيح ِم ْن َذلِ َك َأ ْن ُي َق َّيد الك ََلم ِف َه َذا‪َ ،‬و َل ُي ْط َلق؛ َو َذلِ َك‬ ‫اب‪َ :‬و َّ‬ ‫َق َال اخلَ َّط ِ ُّ‬
‫ضها‪َ .‬وا ُمل ْؤ ِمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ َّن ا ُمل ْسلم َقدْ َيكُون ُم ْؤمنًا ِف َب ْعض األَ ْح َوال‪َ ،‬و َل َيكُون ُم ْؤمنًا ِف َب ْع َ‬
‫ِ‬

‫حلت‬ ‫ُم ْس ِلم ِف َجِيع األَ ْح َوال؛ َفك ُُّل ُم ْؤ ِم ٍن ُم ْس ِل ٌم َو َل ْي َس ك ُُّل ُم ْس ِل ٍم ُم ْؤ ِمنًا‪َ .‬وإِ َذا َ َ‬
‫شء ِمن َْها‪.‬‬ ‫األَمر َع َل َه َذا اِس َت َقام َلك ت َْأ ِويل اآليات‪ ،‬وا ْعتَدَ َل ال َقول فِيها‪ ،‬و َل َ ْ ِ‬
‫يتَلف َ ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬
‫الن ِْق َياد؛ َف َقدْ َيكُون‬ ‫الستِس َلم و ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اإل ْس َلم‪ْ ْ :‬‬ ‫اإل َيمن‪ :‬الت َّْص ِديق‪َ ،‬و َأ ْصل ِ‬ ‫َو َأ ْصل ِ‬
‫اد ًقا ِف ال َباطِن َغ ْ َي‬ ‫اد ِف الباطِن‪ ،‬و َقدْ يكُون ص ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫اهر‪َ ،‬غي منْ َق ٍ‬
‫َْ ُ‬
‫ا َملرء مستَس ِلم ِف ال َّظ ِ‬
‫ْ ُ ْ ْ ً‬
‫(((‬
‫اهر" اهـ‪.‬‬ ‫منْ َق ٍ‬
‫اد ِف ال َّظ ِ‬
‫ُ‬
‫الشافِ ِع ّي عند ذكر حديث‬ ‫اإل َمام َأ ُبو ُم َ َّمد احلُ َس ْي ْبن َم ْس ُعود ال َب َغ ِو ُّي َّ‬ ‫َو َق َال ِ‬
‫اإل َيمن اِ ْس ًم َلِا‬ ‫اإل ْس َل َم اِ ْس ًم َلِا َظ َه َر ِم ْن األَ ْع َمل‪َ ،‬و َج َع َل ِ‬
‫ِ‬ ‫جربيل‪َ " :‬ج َع َل النَّبِ ُّي‬
‫لب‬ ‫ال ْعتِ َقاد؛ َو َل ْي َس َذلِ َك ِلَ َّن األَ ْع َم َل َل ْي َس ْت ِم ْن ِ‬
‫اإل َيم ِن‪َ ،‬والت َّْص ِد َيق بِال َق ِ‬ ‫ب َطن ِمن ِ‬
‫َ َ ْ‬
‫اإلس َل ِم؛ بل َذلِ َك َت ْف ِص ٌيل ِلم َل ٍة ِهي ُك ُّلها َشء و ِ‬
‫احدٌ ‪َ ،‬و ِ َ‬ ‫ِ‬
‫اعها الدِّ ين‪،‬‬ ‫ج َ‬ ‫َ َ ْ ٌ َ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫َل ْي َس م ْن ِ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َولِ َذلِ َك َق َال ‪َ (( :‬ذ َ‬
‫اك ِج ْ ِب ُ‬
‫يل َأتَاك ُْم ُي َع ِّل ُمك ُْم دينَك ُْم)) َوالت َّْصد ُيق َوال َع َم ُل َي َتن َ‬
‫َاو ُل ُ َم‬
‫اإل ْس َل ِم َجِي ًعا؛ َيدُ ّل َع َل ْي ِه َق ْوله ‪ُ -‬س ْب َحانه َو َت َع َال ‪ -‬ﱹ ﭸ ﭹ ﭺ‬ ‫اِ ْس ُم ِ‬
‫اإل َيم ِن َو ِ‬
‫ﭻ ﭼ ﱸ [آل عمران‪ ]19 :‬ﱹ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﱸ [املائدة‪َ ]3 :‬و ﱹ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ب ُس ْب َحانه َو َت َع َال َأ َّن الدِّ ين ا َّل ِذي‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﱸ [آل عمران‪َ ،]85 :‬ف َأ ْخ َ َ‬
‫اإل ْس َلم‪َ ،‬و َل َيكُون الدِّ ين ِف َم َ ّل ال َق ُبول َو ِّ‬
‫الر َضا إِ َّل‬ ‫َر ِض َي ُه َو َي ْق َبل ُه ِم ْن ِع َباده ُه َو ِ‬
‫(((‬
‫بِان ِْض َم ِم الت َّْص ِديق إِ َل ال َع َمل" اهـ‪.‬‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.108/1 :‬‬


‫((( املرجع السابق‪.108/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)204‬‬

‫‪((:‬بِ ْض ٌع))‪:‬بكرس الباء وحكي فتحها لغة‪ ،‬والبضع هو عدد مبهم‪،‬‬ ‫قوله‬
‫وقد أختلف اهل العلم يف تقييد هذا العدد عىل أقوال‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ ‪-‬بني الثالث إىل التسع كام جزم به القزاز‪.‬‬
‫ ‪-‬بني الثالثة والعرشة‪ ،‬قاله بن سيده‪.‬‬
‫ ‪-‬من واحد إىل تسعة‪.‬‬
‫ ‪-‬من اثنني إىل عرشة‪.‬‬
‫ ‪-‬من أربعة إىل تسعة‪.‬‬
‫ ‪-‬البضع السبع‪ ،‬وهو عن اخلليل‪.‬‬
‫والراحج هو األول‪ ،‬وهو ما جزم به القزاز‪ ،‬وهو ما اتفق عليه املفرسون يف‬
‫قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﱸ [يوسف‪ ،]42 :‬قال جماهد‪ :‬عن جماهد‪:‬‬
‫(بضع سنني)‪ ،‬قال‪ :‬ما بني الثالث إىل التسع‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫وقال ابن عباس‪( :‬بضع سنني)‪ ،‬دون العرشة‪.‬اهـ‪.‬‬
‫الرو ُم َع َل َف ِ‬ ‫ون ُ ِ‬‫َان ا ُمل ْس ِل ُم َ‬ ‫و َع ِن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫ار َس؛‬ ‫ون َأ ْن َت ْظ َه َر ُّ‬
‫ي ُّب َ‬ ‫َق َال‪ :‬ك َ‬ ‫اس‬
‫الرو ِم؛ ِلَ َّنُ ْم َأ ْه ُل‬ ‫ار ُس َع َل ُّ‬ ‫ون َأ ْن َت ْظ َه َر َف ِ‬
‫ي ُّب َ‬‫ُون ُ ِ‬
‫شك َ‬ ‫َان ا ُمل ْ ِ‬
‫َاب‪َ ،‬وك َ‬ ‫ِلَ َّنُ ْم َأ ْه ُل ِكت ٍ‬
‫ول اهلل ‪َ ،‬ف َق َال‬ ‫ون ِلَ ِب َبك ٍْر‪َ ،‬ف َذكَر َأ ُبو َبك ٍْر َذلِ َك لِرس ِ‬ ‫ان‪َ ،‬ف َذك ََر َذلِ َك ا ُمل ْس ِل ُم َ‬ ‫َأو َث ٍ‬
‫ْ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫َل ُه النَّبِ ُّي ‪َ (( :‬أ َما إِ َّنُ ْم َس َي ْه ِز ُم َ‬
‫اج َعل َب ْينَنَا‬ ‫ون))‪َ ،‬ف َذك ََر َذل َك َأ ُبو َبك ٍْر َل ُ ْم‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪ْ :‬‬
‫َان َلنَا ك ََذا َوك ََذا‪،‬‬‫َان َل َك ك ََذا َوك ََذا‪َ ،‬وإِ ْن َظ َه ْرنَا ‪ ..‬ك َ‬ ‫َو َب ْين ََك َأ َج ًل‪َ ،‬فإِ ْن َظ َه ُروا ‪ ..‬ك َ‬
‫ني‪َ ،‬ف َل ْم َي ْظ َه ُروا‪َ ،‬ف َذك ََر َذلِ َك َأ ُبو َبك ٍْر لِلنَّبِ ِّي ‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫خ َس ِسنِ َ‬ ‫َف َج َع َل َب ْين َُه ْم َأ َج ًل َ ْ‬
‫ش‪َ .‬ق َال‪:‬‬ ‫ش))‪َ .‬ق َال‪َ :‬و َق َال َس ِعيدٌ ‪ :‬البِ ْض ُع َما ُد َ‬
‫ون ال َع ْ ِ‬ ‫ون ال َع ْ ِ‬ ‫(( َأ َل َج َعل َت ُه ُأ َرا ُه َق َال ُد َ‬
‫(‪)205‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫الرو ُم َب ْعدَ َذل ِ َك‪َ ،‬ف َذل ِ َك َق ْو ُل ُه َت َع َال‪ :‬ﱹ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫َف َظ َه َر ْت ُّ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﱸ [الروم‪.]4- 1 :‬‬
‫ت َب ْعدُ ‪َ .‬ق َال‪ :‬ﱹ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ‬
‫الرو ُم َب ْعدُ ‪ُ ،‬ث َّم َغ َل َب ْ‬ ‫ِ‬
‫َق َال‪َ :‬ف ُغل َب ْت ُّ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﱸ [الروم‪.]5 -4 :‬‬
‫َق َال‪َ :‬ي ْف َر ُح ا ُمل ْؤ ِمن َ‬
‫ُون بِن ْ ِ‬
‫َص اهلل‪ .‬أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬

‫ار ْب ِن ُمك َْر ٍم األَ ْس َل ِم ِّي َق َال‪ََّ :‬لا ن ََز َل ْ‬


‫ت ﱹﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬ ‫و َع ْن نِ َي ِ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﱸ [الروم‪.. ]4- 1 :‬‬
‫ون ُ ِ‬ ‫اه ِري َن لِ ُّلرو ِم‪َ ،‬وك َ‬
‫َان ا ُمل ْس ِل ُم َ‬ ‫ارس يوم ن ََز َل ْت َه ِذ ِه اآلي ُة َق ِ‬
‫ور‬‫ون ُظ ُه َ‬ ‫ي ُّب َ‬ ‫َ‬ ‫َت َف ِ ُ َ ْ َ‬ ‫َفكَان ْ‬
‫َاب‪َ ،‬و ِف َذل ِ َك َق ْو ُل اهلل َت َع َال‪ :‬ﱹ ﯥ ﯦ‬ ‫اه ْم َأ ْه ُل ِكت ٍ‬ ‫ِ‬
‫الرو ِم َع َل ْي ِه ْم‪،‬لَ َّنُ ْم َوإِ َّي ُ‬
‫ُّ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﱸ [الروم‪،]5- 4 :‬‬
‫َاب و َل إِيم ٍن بِبع ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ور َف ِ‬ ‫ِ‬
‫ث‪،‬‬ ‫اه ْم َل ْي ُسوا بِ َأ ْه ِل كت ٍ َ َ َ ْ‬ ‫ار َس؛ لَ َّنُ ْم َوإِ َّي ُ‬ ‫ب ُظ ُه َ‬ ‫َت ُق َر ْي ٌش ُت ُّ‬ ‫َوكَان ْ‬
‫ي ِصيح ِف نَو ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫احي َم َّك َة‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َف َل َّم َأن َْز َل اهللُ َت َع َال َهذه اآل َي َة ‪َ ..‬خ َر َج َأ ُبو َبك ٍْر ِّ‬
‫الصدِّ ُيق‬
‫ﱹﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ش ِلَ ِب َبك ٍْر‪َ :‬ف َذلِ َك َب ْينَنَا َو َب ْينَك ُْم‪،‬‬ ‫َاس ِم ْن ُق َر ْي ٍ‬ ‫ﯛ ﯜ ﱸ [الروم‪َ .]4- 1 :‬ق َال ن ٌ‬
‫اهن َُك َع َل َذلِ َك؟‬ ‫ني‪َ ،‬أ َف َل نُر ِ‬
‫َ‬ ‫ار َس ِف بِ ْض ِع ِسنِ َ‬ ‫ب َف ِ‬ ‫ِ‬
‫الرو َم َس َت ْغل ُ‬
‫ِ‬
‫َز َع َم َصاح ُب َك َأ َّن ُّ‬
‫ان‪،‬‬‫الر َه َ‬ ‫شك َ‬ ‫ان‪َ ،‬ف ْار َ َت َن َأ ُبو َبك ٍْر َوا ُمل ْ ِ‬‫َق َال‪ :‬ب َل‪ ،‬و َذلِ َك َقب َل َ ْت ِري ِم الر َه ِ‬
‫اض ُعوا ِّ‬ ‫ُون َوت ََو َ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ني‪َ ،‬ف َس ِّم َب ْينَنَا َو َب ْين ََك‬ ‫ني إِ َل تِ ْس ِع ِسنِ َ‬ ‫ث ِسنِ َ‬ ‫َو َقا ُلوا ِلَ ِب َبك ٍْر ك َْم َ ْت َع ُل‪ ،‬البِ ْض ُع َث َل ُ‬
‫الس ُّت ِسنِ َ‬
‫ني َق ْب َل َأ ْن‬ ‫ني‪َ .‬ق َال َف َم َض ْت ِّ‬ ‫َو َس ًطا َتنْت َِهي إِ َل ْي ِه‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َس َّم ْوا َب ْين َُه ْم ِس َّت ِسنِ َ‬
‫السابِ َع ُة َظ َه َر ْت ُّ‬
‫الرو ُم‬ ‫ُون َر ْه َن َأ ِب َبك ٍْر‪َ ،‬ف َل َّم َد َخ َل ْت َّ‬
‫السنَ ُة َّ‬ ‫شك َ‬ ‫َي ْظ َه ُروا‪َ ،‬ف َأ َخ َذ ا ُمل ْ ِ‬
‫ني؛ ِلَ َّن اهللَ َت َع َال َق َال ِف‬ ‫ون َع َل َأ ِب َبك ٍْر ت َْس ِم َي َة ِس ِّت ِسنِ َ‬ ‫اب ا ُمل ْس ِل ُم َ‬‫ار َس‪َ ،‬ف َع َ‬ ‫َع َل َف ِ‬
‫َاس كَثِ ٌري‪ .‬أخرجه الرتمذي‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني‪َ ،‬و َأ ْس َل َم عنْدَ َذل َك ن ٌ‬ ‫بِ ْض ِع ِسنِ َ‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)206‬‬

‫™™فائـــدة‪:‬‬
‫نقل الصغاين يف ((العباب) أن البضع خاص بام دون العرشة وبام دون‬
‫العرشين‪ ،‬فإذا جاوز العرشين‪ ..‬أمتنع‪ ،‬فيقال‪ :‬بضعة عرش وبضع عرشة‪ ،‬وأجاز‬
‫أبو زيد الزيادة عىل العرشين‪ ،‬فقال‪ :‬يقال بضعة وعرشون رجال‪ ،‬وبضع وعرشون‬
‫امرأة‪ .‬وقال الفراء‪ :‬وهو خاص بالعرشات إىل التسعني‪ ،‬وال يقال بضع ومائة‬
‫وال بضع وألف‪ ،‬لكن يمكن أن يقول بضع عرشة مائة‪ ،‬أو بضع عرشة ألف‪ ،‬كام‬
‫ش َة ِما َئ ًة ِم ْن‬ ‫َعا َم ا ُ ِ ِ‬
‫حلدَ ْيبِ َية ف بِ ْض َع َع ْ َ‬ ‫ورد عند اإلمام أمحد‪َ " :‬خ َر َج َر ُس ُ‬
‫ول اهلل‬
‫ِ ِ (((‬
‫َأ ْص َحابه"‪.‬‬

‫ون‪َ ،‬أ ْو بِ ْض ٌع َو ِست َ‬


‫ُّون))‪ ،‬هذا الرتدد وقع يف رواية‬ ‫‪(( :‬بِ ْض ٌع َو َس ْب ُع َ‬ ‫قوله‬
‫مسلم من طريق سهيل بن أيب صالح عن عبداهلل بن دينار‪ ،‬وكذا وقع الرتدد يف‬
‫رواية ابن ماجة‪ ،‬ورواه أصحاب السنن الثالثة من طريقه فقالوا‪ :‬بضع وسبعون‬
‫من غري شك‪.‬‬
‫ولفظ اإلمام البخاري‪ :‬بضع وستون‪.‬‬
‫َي َف َق َال ال َق ِ‬
‫الر َوا َيت ْ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اض‬ ‫الراج َحة م ْن ِّ‬ ‫ف ال ُع َل َمء ِف َّ‬ ‫اخ َت َل َ‬
‫قال اإلمام النووي‪َ " :‬و ْ‬
‫الر َواة بِ ْضع َو ِست َ‬
‫ُّون َو َق َال‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الص َواب َما َو َق َع ِف َسائر األَ َحاديث َول َسائ ِر ُّ‬ ‫ع َياض‪َّ :‬‬
‫ِ‬

‫الو ِاقع ِف ِر َوا َية ُس َه ْيل ُه َو ِم ْن ُس َه ْيل‪.‬‬ ‫الش ُّك َ‬ ‫الص َلح ‪َ :‬ه َذا َّ‬ ‫الش ْيخ َأ ُبو َع ْمرو ْبن َّ‬ ‫َّ‬
‫ون ِم ْن َغ ْي‬‫ك ََذا‪َ .‬قا َل ُه احلَافِظ َأ ُبو َبكْر ال َب ْي َه ِق ُّي ‪َ .‬و َقدْ ُر ِو َي َع ْن ُس َه ْيل بِ ْضع َو َس ْب ُع َ‬
‫َش ٍّك‪َ .‬و َأ َّما ُس َل ْي َمن ْبن بِ َلل َفإِ َّن ُه َر َوا ُه َع ْن َع ْمرو ْبن ِدينَار َع َل ال َق ْطع ِم ْن َغ ْي َش ٍّك‬
‫ي)) َغ ْي َأ َّنَا فِ َيم ِعنْدنَا ِم ْن ِكتَاب‬ ‫يح ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫الصح َ‬ ‫اها ِف (( َّ‬ ‫يحة َأ ْخ َر َج َ‬
‫ِ‬
‫الصح َ‬
‫ِ‬
‫الر َوا َية َّ‬
‫ِ‬
‫َوه َي ِّ‬
‫ار ِّي)) بِ ْضع َو ِست َ‬
‫ُّون ‪.‬‬ ‫ون َوفِ َيم ِعنْدنَا ِم ْن (( ِكتَاب ال ُب َخ ِ‬ ‫ُم ْس ِلم بِ ْضع َو َس ْب ُع َ‬
‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.59/1 :‬‬
‫(‪)207‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ي َو َل إِ ْشكَال ِف َأ َّن ك ُّل‬ ‫احد ِمن ِ‬
‫الكتَا َب ْ ِ‬ ‫احدَ ة َعن ك ُّل و ِ‬
‫و َقدْ َن َقلت ك ُّل و ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الت ِجيح‬ ‫اخ َت َل ُفوا ِف َّ ْ‬‫حل ِديث َو ْ‬ ‫ِ ِ‬
‫َواحدَ ة من ُْه َم ِر َوا َية َم ْع ُرو َفة ِف ُط ُرق ِر َوا َيات َه َذا ا َ‬
‫ال ْحتِ َياط ت َْر ِجيح ِر َوا َية األَ َق ّل‪َ .‬ق َال‪َ :‬و ِمن ُْه ْم َم ْن َر َّج َح‬
‫ان و ِ‬ ‫َق َال‪ :‬واألَ ْشبه بِ ِ ِ‬
‫اإل ْت َق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫از ًما‬ ‫حلكْم َلِ ْن َح ِف َظ ِّ‬
‫الز َيا َدة َج ِ‬ ‫ِرواية األَ ْك َثر‪ ،‬وإِياها اِ ْختَار َأبو َعبداهلل ا ِ ِ‬
‫حلليم ُّي؛ َفإِ َّن ا ُ‬
‫َ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫َ َ‬
‫(((‬
‫ِ َبا" اهـ‪.‬‬
‫((شعبة))‪ :‬وهي القطعة من اليشء‪ ،‬فمراد احلديث بضع وسبعون خصلة‪.‬‬
‫(( َف َأ ْف َض ُل َها))‪ ،‬ويف رواية ((أرفعها))‪ ،‬أي‪ :‬افضل وأرفع هذه الشعب املتفاوته‪.‬‬
‫(( َق ْو ُل َل إِ َل َه إِ َّل اهلل))‪ ،‬وهو التوحيد املتعني عىل كل واحد‪ ،‬والذي ال يصح‬
‫يشء من الشعب إال بعد صحته‪.‬‬
‫َاها إِ َما َط ُة األَ َذى َع ْن ال َّط ِر ِ‬
‫يق))‪ ،‬أي إبعاده‪ ،‬واملراد باألذى كل ما يؤذي‬ ‫(( َو َأ ْدن َ‬
‫الناس من حجر أو مدر أو شوك أو غريه‪.‬‬
‫اء ُش ْع َب ٌة ِم ْن ا ِ‬
‫إل َيم ِن))‪ :‬احلياء باملد هو يف اللغة‪ :‬تغري وانكسار يعرتى‬ ‫(( َو َ‬
‫احل َي ُ‬
‫اإلنسان من خوف ما يعاب به‪ ،‬وقد يطلق عىل جمرد ترك اليشء بسبب‪ ،‬والرتك إنام‬
‫هو من لوازمه‪.‬‬
‫ويف الرشع‪ُ :‬خلق يبعث عىل اجتناب القبيح ويمنع من التقصري يف حق ذي‬
‫اء‬ ‫ول اهلل ‪َ (( :‬‬
‫احل َي ُ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫ي‬ ‫احلق‪ (((،‬وقد ورد عن ِع ْم َر َ‬
‫ان ْب َن ُح َص ٍ ْ‬
‫َخ ْ ٌي ُك ُّل ُه)) أخرجه مسلموأمحد‪.‬‬
‫ش ٍء َق ُّط إِ َّل‬ ‫ِ‬
‫َان ال ُف ْح ُش ف َ ْ‬
‫‪َ (( :‬ما ك َ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهلل‬ ‫و َع ْن َأن ٍ‬
‫َس‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.184/2 :‬‬


‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.60/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)208‬‬

‫ش ٍء َق ُّط إِ َّل زَا َن ُه)) أخرجه أمحد والرتمذي‪.‬‬ ‫احل َي ُ ِ‬


‫اء ف َ ْ‬ ‫َان َ‬
‫َشا َن ُه‪َ ،‬و َل ك َ‬
‫اء‬ ‫ب َ‬ ‫ِ‬ ‫‪(( :‬إِ َّن اهللَ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫و َع ْن َي ْع َل ْب ِن ُأ َم َّي َة‬
‫احل َي َ‬ ‫ُي ُّ‬ ‫ول اهلل‬
‫ت)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬
‫الس ْ َ‬
‫َو َّ‬
‫اء َل َي ْأ ِت إِ َّل‬ ‫َق َال‪َ (( :‬‬
‫احل َي ُ‬
‫َع ْن رس ِ‬
‫ول اهلل‬ ‫َ ُ‬ ‫ي‬ ‫وعن ِع ْم َر َ‬
‫ان ْب َن ُح َص ْ ٍ‬
‫بِخَ ْ ٍي)) أخرجه البخاري ومسلم وأمحد‪.‬‬

‫™™تنبيـــه‪:‬‬
‫قد يقال أن احلياء غريزة‪ ،‬فكيف ُجعل شعبة من اإليامن؟‬
‫أجيب بأنه قد يكون غريزة‪ ،‬وقد يكون ختلق ًا‪ ،‬ولكن استعامله عىل وفق الرشع‬
‫حيتاج إىل اكتساب وعلم ونية‪ ،‬فهو من اإليامن هلذا؛ ولكونه باعث ًا عىل فعل الطاعة‬
‫وحاجز ًا عن فعل املعصية‪ ،‬وال يقال رب حياء يمنع عن قول احلق أو فعل اخلري؛‬
‫ألن ذاك ليس رشعي ًا‪ ،‬فاملراد هنا استعامل هذا اخللق عىل قاعدة الرشع‪.‬‬
‫واختصه بالذكر هنا؟‬ ‫فإن قيل ملاذا أفرده النبي‬
‫أجيب أن احلياء هو الداعي إىل باقي ُ‬
‫الشعب‪ ،‬إذ احليي خياف فضيحة الدنيا‬
‫(((‬
‫واآلخرة‪ ،‬فيأمتر وينزجر‪.‬‬
‫قال أهل اللغة‪ :‬االستحياء من احلياة‪ ،‬واستحيا الرجل‪ :‬من قوة احلياة فيه‬
‫لشدة علمه بمواقع العيب‪ ،‬فاحلياء من قوة احلس ولطفه وقوة احلياة ‪.‬‬
‫وقد يشكل عىل بعض الناس كون احلياء خري ًا كله‪ ،‬من حيث إن صاحب‬
‫احلياء قد يستحيي أن يواجه باحلق من جيله‪ ،‬فيرتك أمره باملعروف وهنيه عن املنكر‪،‬‬

‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.60/1 :‬‬


‫(‪)209‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وقد حيمله احلياء عىل اإلخالل ببعض احلقوق وغري ذلك مما هو معروف يف العادة‪.‬‬
‫وجواب هذا‪ :‬ما أجاب به مجاعة من األئمة منهم الشيخ أبو عمرو بن الصالح‬
‫أن هذا املانع الذي ذكرناه ليس بحياء حقيقة؛ بل هو عجز‪ ،‬وخور‪ ،‬ومهانة‪ ،‬وإنام‬
‫تسميته حياء من إطالق بعض أهل العرف أطلقوه جمازا ملشاهبته احلياء احلقيقي‪،‬‬
‫وإنام حقيقة احلياء خلق يبعث عىل ترك القبيح‪ ،‬ويمنع من التقصري يف حق ذي‬
‫(((‬
‫احلق‪ ،‬ونحو هذا‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫™™مباحث مهمة متعلقة بالحديث‪:‬‬


‫تقييد شعب اإليامن هبذا العدد؟‬ ‫أوالً‪ :‬هل مراد النبي‬
‫قال اإلمام السيوطي يف ((رشحه للسنن))‪َ " :‬و ُه َو ِكنَا َية َع ْن ال َك ْث َرة َفإِ َّن َأ ْس َمء‬
‫الش َعب ُمْت َِلف ًا‪َ ،‬وا ُمل َراد‬ ‫تيء ك ََذلِ َك‪َ ،‬ف َل ُي َر ّد َأ َّن ال َعدَ د َقدْ َجا َء َب َيان ُّ‬ ‫ال َعدَ د كَثِريا ما َ ِ‬
‫ً َ‬
‫يد َف َق ْط َل ِك ْن َع ْن‬ ‫الشهادة بِالتَّو ِح ِ‬
‫ْ‬ ‫َي َع ْن صدْ ق َقلب َأ ْو َّ َ َ‬
‫ِ‬ ‫الش َها َدت ْ ِ‬
‫بِ َل إِ َله إِ َّل اللَّ َم ْ ُموع َّ‬
‫(((‬
‫الر َسا َل ِة ُش ْع َبة ُأ ْخ َرى" اهـ‪.‬‬ ‫ِصدْ ق َقلبه َع َل َأ َّن َّ‬
‫الش َها َدة بِ ِّ‬
‫وقال يف ((عمدة القاري))‪" :‬اإليامن يف اللغة‪ :‬التصديق‪ ،‬ويف عرف الرشع‪:‬‬
‫تصديق القلب واللسان‪ ،‬ومتامه وكامله بالطاعات‪ ،‬فحينئذ اإلخبار عن اإليامن بأنه‬
‫بضع وستون شعبة أو بضع وسبعون ونحو ذلك يكون من باب إطالق األصل‬
‫عىل الفرع‪ ،‬وذلك ألن اإليامن هو األصل‪ ،‬واألعامل فروع منه‪ ،‬وإطالق اإليامن‬
‫عىل األعامل جماز؛ ألهنا تكون عن اإليامن‪ ،‬وقد اتفق أهل السنة من املحدثني‬
‫والفقهاء واملتكلمني عىل أن املؤمن الذي حيكم بإيامنه‪ ،‬وأنه من أهل القبلة‪ ،‬وال‬
‫خيلد يف النار هو الذي يعتقد بقلبه دين اإلسالم اعتقاد ًا جازما خالي ًا من الشكوك ‪،‬‬
‫((( انظر‪(( :‬رشح صحيح مسلم)) لإلمام النووي‪.186/2 :‬‬
‫((( ((رشح السنن))‪.416/6 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)210‬‬

‫ونطق بالشهادتني فإن اقترص عىل أحدمها ‪ ..‬مل يكن من أهل القبلة إال إذا عجز عن‬
‫النطق‪ ،‬فإنه يكون مؤمن ًا؛ إال ما حكاه القايض عياض يف ((كتاب الشفاء)) يف أن من‬
‫اعتقد دين اإلسالم بقلبه‪ ،‬ومل ينطق بالشهادتني من غري عذر منعه من القول ‪ ..‬إن‬
‫ذلك نافعه يف الدار اآلخرة عىل قول ضعيف‪ ،‬وقد يكون فائز ًا؛ لكنه غري املشهور ‪،‬‬
‫(((‬
‫واهلل أعلم" اهـ‪.‬‬
‫لها الت َّْو ِحيد ا ُمل َت َع ِّي َع َل ك ُّل‬ ‫َع َل َأ َّن َأ ْف َض َ‬ ‫وقال اإلمام النووي‪َ " :‬و َقدْ َن َّب َه‬
‫ِِ‬ ‫شء ِم ْن ُّ‬ ‫ِ‬
‫ضره‬ ‫َاها َما ُيت ََو َّقع َ َ‬ ‫الش َعب إِ َّل َب ْعد ِص َّحته‪َ .‬و َأ ْدن َ‬ ‫ِ‬
‫َأ َحد‪َ ،‬و َا َّلذي َل َيص ّح َ ْ‬
‫ي َأعْدَ اد َل ْو‬ ‫يقهم‪َ .‬و َب ِق َي َب ْي َه َذ ْي ِن ال َّط َر َف ْ ِ‬
‫ني م ْن إِ َما َطة األَ َذى َع ْن َط ِر ْ‬
‫بِا ُملس ِل ِم َ ِ‬
‫ْ‬
‫يلها بِ َغ َل َب ِة ال َّظ ِّن‪َ ،‬و ِشدَّ ة ال َّت َت ُّبع َلَ ْم َكنَ ُه‪َ .‬و َقدْ َف َع َل َذلِ َك َب ْعض‬
‫تص َ‬
‫ف ا ُملجت َِهد َ ْ ِ‬
‫َت َك َّل َ ْ‬
‫(((‬
‫َم ْن َت َقدَّ َم" اهـ‪.‬‬
‫وقال احلافظ ابن حجر‪ :‬مل يتفق من عد الشعب عىل نمط واحد‪.‬‬
‫ان حيث قال‪َ " :‬ت َت َّب ْعت‬ ‫اإل َمام احلَافِظ َأ ُبو َحاتِم ْبن ِح َّب َ‬ ‫ولعل األقرب ما َقا َله ِ‬
‫حل ِديث ُمدَّ ة‪َ ،‬وعَدَ ْدت ال َّطا َعات َفإِ َذا ِه َي ت َِزيد َع َل َه َذا ال َعدَ د َش ْي ًئا‬ ‫َم ْعنَى َه َذا ا َ‬
‫اإل َيمن‬ ‫ِم ْن ِ‬ ‫السنَن َف َعدَ ْدت ك ُّل َطا َعة عَدَّ َها َر ُسول اهلل‬ ‫ِ‬
‫كَث ًريا‪َ ،‬ف َر َج َع ْت إِ َل ُّ‬
‫ني‪َ ،‬ف َر َج َع ْت إِ َل ِكتَاب اهلل َت َع َال َف َق َر َأ ْت ُه بِالتَّدَ ُّب ِر‬ ‫الس ْب ِع َ‬ ‫ِ‬
‫َفإِ َذا ه َي َتنْ ُقص َع ْن البِ ْضع َو َّ‬
‫ني‪،‬‬ ‫الس ْب ِع َ‬ ‫ِ‬
‫اإل َيمن َفإِ َذا ه َي َتنْ ُقص َع ْن البِ ْضع َو َّ‬ ‫َوعَدَ ْدت ك ُّل َطا َعة عَدَّ َها اهلل َت َع َال ِم ْن ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شء عَدَّ ُه اهلل َت َع َال َونَبِ ّيه‬ ‫َف َض َم ْمت الكتَاب إِ َل ُّ‬
‫السنَن‪َ ،‬و َأ ْس َق َط ْت ا ُمل َعاد َفإ َذا ك ُّل َ ْ‬
‫ون ُش ْع َبة َل َي ِزيد َع َل ْي َها َو َل َتنْ ُقص‪َ ،‬ف َع ِل َم ْت َأ َّن ُم َراد النَّبِ ّي‬ ‫اإل َيمن تِ ْسع َو َس ْب ُع َ‬‫ِم ْن ِ‬

‫((( ((عمدة القاري))‪.176/1 :‬‬


‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.185/2 :‬‬
‫(‪)211‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ِ‬
‫َأ َّن َه َذا ال َعدَ د ِف الكتَاب َو ُّ‬
‫السنَن"‪.‬‬
‫(((‬

‫ِ‬
‫يرتض اإلمام السيوطي ذلك فقال يف ((حاشية سنن أيب داود))‪" :‬ومقصود‬ ‫ومل‬
‫احلديث أن األعامل الرشعية تسمى إيامن ًا‪ ،‬وأهنا منحرصة يف ذلك العدد؛ غري أن‬
‫الرشع مل يعني ذلك العدد لنا وال فضله‪ ،‬وقد تكلف بعض املتأخرين ذلك‪ ،‬فتصفح‬
‫خصال الرشيعة وعددها حتى انتهى هبا يف زعمه إىل ذلك العدد‪ ،‬وال يصح له ذلك؛‬
‫ألنه يمكن الزيادة عىل ما ذكره والنقصان منه ببيان التداخل‪ ،‬والصحيح ما صار‬
‫إليه أبو سليامن اخلطايب وغريه أهنا منحرصة يف علم اهلل وعلم رسوله‪ ،‬وموجودة‬
‫يف الرشيعة مفصلة فيها‪ ،‬غري أن الرشع مل يوقفنا عىل أشخاص تلك األبواب‪ ،‬وال‬
‫عني لنا عددها وال كيفية انقسامها‪ ،‬وذلك ال يرضنا يف علمنا بتفاصيل ما كلفنا به‬
‫من رشيعتنا ‪،‬وال يف عملنا كل مفصل مبني يف مجلة الرشيعة‪ ،‬فام أمرنا بالعمل به ‪..‬‬
‫(((‬
‫عملنا‪ ،‬وما هنينا عنه ‪ ..‬انتهينا وإن مل نحط بحرص أعداد ذلك" اهـ‪.‬‬
‫وقال ابن رجب يف ((رشحه عىل صحيح البخاري))‪" :‬قيل‪ :‬يمكن أن جياب‬
‫عن هذا بأجوبة ‪:‬‬
‫كان منحرصا يف‬ ‫أحدها‪ :‬أن يقال‪ :‬إن عد خصال اإليامن عند قول النبي‬
‫هذا العدد‪ ،‬ثم حدثت زيادة فيه بعد ذلك حتى كملت خصال اإليامن يف آخر حياة‬
‫‪.‬‬ ‫النبي‬
‫والثاين‪ :‬أن تكون خصال اإليامن كلها تنحرص يف بضع وسبعني نوعا‪ ،‬وإن‬
‫كان أفراد كل نوع تتعد كثريا‪ ،‬وربام كان بعضها ال ينحرص‪ .‬وهذا أشبه‪ .‬وإن كان‬
‫املوقوف عىل ذلك يعرس أو يتعذر ‪.‬‬
‫((( انظر‪(( :‬رشح صحيح مسلم))‪ :‬للنووي‪.185/2 :‬‬
‫((( انظر‪(( :‬دليل الفاحلني))‪.303/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)212‬‬

‫والثالث‪ :‬أن ذكر السبعني عىل وجه التكثري للعدد‪ ،‬ال عىل وجه احلرص كام يف‬
‫قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﱸ [التوبة‪ ،]80 :‬واملراد تكثري‬
‫التعداد من غري حصوله هذا يف العدد‪ ،‬ويكون ذكره للبضع يشعر بذلك كأنه يقول‪:‬‬
‫هو يزيد عىل السبعني املقتضية لتكثري العدد وتضعيفه‪ .‬و هذا ذكره أهل احلديث من‬
‫املتقدمني‪ ،‬وفيه نظر ‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬أن هذه البضع وسبعني هي أرشف خصال اإليامن وأعالها وهو‬
‫(((‬
‫الذي تدعو إليه احلاجة منها" اهـ‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬ذكر صاحب عمدة القاري تفصيل هذه الشعب فقال‪" :‬إن أصل اإليامن‬
‫هو التصديق بالقلب واإلقرار باللسان؛ ولكن اإليامن الكامل التام هو التصديق‬
‫واإلقرار والعمل‪ ،‬فهذه ثالثة أقسام‪ ،‬فاألول يرجع إىل االعتقاديات‪ ،‬وهي تتشعب‬
‫إىل ثالثني شعبة‪:‬‬
‫Š Šاألوىل‪ :‬اإليامن باهلل تعاىل‪ ،‬ويدخل فيه اإليامن بذاته وصفاته وتوحيده بأن ليس‬
‫كمثله يشء‪.‬‬
‫Š Šالثانية‪ :‬اعتقاد حدوث ما سوى اهلل تعاىل‪.‬‬
‫Š Šالثالثة‪ :‬اإليامن بمالئكته‪.‬‬
‫Š Šالرابعة‪ :‬اإليامن بكتبه‪.‬‬
‫Š Šاخلامسة‪ :‬اإليامن برسله‪.‬‬
‫Š Šالسادسة‪ :‬اإليامن بالقدر خريه ورشه‪.‬‬

‫((( ((فتح الباري)) البن رجب‪.15/1 :‬‬


‫(‪)213‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫Š Šالسابعة‪ :‬اإليامن باليوم اآلخر‪ ،‬ويدخل فيه السؤال بالقرب‪ ،‬وعذابه‪ ،‬والبعث‪،‬‬
‫والنشور‪ ،‬واحلساب‪ ،‬وامليزان‪ ،‬والرصاط‪.‬‬
‫Š Šالثامنة‪ :‬الوثوق عىل وعد اجلنة‪ ،‬واخللود فيها‪.‬‬
‫Š Šالتاسعة‪ :‬اليقني بوعيد النار‪ ،‬وعذاهبا‪ ،‬وأهنا ال تفنى‪.‬‬
‫Š Šالعارشة‪ :‬حمبة اهلل تعاىل‪.‬‬
‫Š Šاحلادية عرش‪ :‬احلب يف اهلل والبغض يف اهلل‪ ،‬ويدخل فيه حب الصحابة املهاجرين‬
‫‪.‬‬ ‫واألنصار‪ ،‬وحب آل الرسول‬
‫‪ ،‬ويدخل فيه الصالة عليه‪ ،‬واتباع سنته‪.‬‬ ‫Š Šالثانية عرش‪ :‬حمبة النبي‬
‫Š Šالثالثة عرش‪ :‬اإلخالص‪ ،‬ويدخل فيه ترك الرياء‪ ،‬والنفاق‪.‬‬
‫Š Šالرابعة عرش‪ :‬التوبة‪ ،‬والندم‪.‬‬
‫Š Šاخلامسة عرش‪ :‬اخلوف‪.‬‬
‫Š Šالسادسة عرش‪ :‬الرجاء‪.‬‬
‫Š Šالسابعة عرش‪ :‬ترك اليأس والقنوط‪.‬‬
‫Š Šالثامنة عرش‪ :‬الشكر‪.‬‬
‫Š Šالتاسعة عرش‪ :‬الوفاء‪.‬‬
‫Š Šالعرشون‪ :‬الصرب‪.‬‬
‫Š Šاحلادية والعرشون‪ :‬التواضع‪ ،‬ويدخل فيه توقري األكابر‪.‬‬
‫Š Šالثانية والعرشون‪ :‬الرمحة‪ ،‬والشفقة‪ ،‬ويدخل فيه الشفقة عىل األصاغر‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)214‬‬

‫Š Šالثالث والعرشون‪ :‬الرضاء بالقضاء‪.‬‬


‫Š Šالرابعة والعرشون‪ :‬التوكل‪.‬‬
‫Š Šاخلامسة والعرشون‪ :‬ترك العجب والزهو‪ ،‬ويدخل فيه ترك مدح نفسه‬
‫وتزكيتها‪.‬‬
‫Š Šالسادسة والعرشون‪ :‬ترك احلسد‪.‬‬
‫Š Šالسابعة والعرشون‪ :‬ترك احلقدوالضغن‪.‬‬
‫Š Šالثامنة والعرشون‪ :‬ترك الغضب‪.‬‬
‫Š Šالتاسعة والعرشون‪ :‬ترك الغش‪ ،‬ويدخل فيه الظن السوء‪ ،‬واملكر‪.‬‬
‫Š Šالثالثون‪ :‬ترك حب الدنيا‪ ،‬ويدخل فيه ترك حب املال‪ ،‬وحب اجلاه‪ ،‬فإذا‬
‫وجدت شيئا من أعامل القلب من الفضائل والرذائل خارجا عام ذكر بحسب‬
‫الظاهر‪ ..‬فإنه يف احلقيقة داخل يف فصل من الفصول‪ ،‬يظهر ذلك عند التأمل‪.‬‬
‫والقسم الثاين يرجع إىل أعامل اللسان‪ ،‬وهي تتشعب إىل سبع شعب‪:‬‬
‫€األوىل‪ :‬التلفظ بالتوحيد‪.‬‬ ‫€‬

‫€الثانية‪ :‬تالوة القرآن‪.‬‬ ‫€‬

‫€الثالثة‪ :‬تعلم العلم‪.‬‬ ‫€‬

‫€الرابعة‪ :‬تعليم العلم‪.‬‬ ‫€‬

‫€اخلامسة‪ :‬الدعاء‪.‬‬ ‫€‬

‫€السادسة‪ :‬الذكر‪ ،‬ويدخل فيه االستغفار‪.‬‬ ‫€‬

‫€السابعة‪ :‬اجتناب اللغو‪.‬‬ ‫€‬


‫(‪)215‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫والقسم الثالث يرجع إىل أعامل البدن‪ ،‬وهي تتشعب إىل أربعني شعبة‪ ،‬وهي‬
‫عىل ثالثة أنواع‪:‬‬
‫األول‪ :‬ما خيتص باألعيان‪ ،‬وهي ستة عرش شعبة‪:‬‬
‫‪y y‬األوىل‪ :‬التطهر‪ ،‬ويدخل فيه طهارة البدن‪ ،‬والثوب‪ ،‬واملكان‪ ،‬ويدخل‬
‫يف طهارة البدن الوضوء من احلدث‪ ،‬واالغتسال من اجلنابة واحليض‬
‫والنفاس‪.‬‬
‫‪y y‬الثانية‪ :‬إقامة الصالة‪ ،‬ويدخل فيها الفرض‪ ،‬والنفل‪ ،‬والقضاء‪.‬‬
‫‪y y‬الثالثة‪ :‬أداء الزكاة‪ ،‬ويدخل فيها الصدقة‪ ،‬ويدخل فيها أداء الزكاة‪ ،‬ويدخل‬
‫فيها صدقة الفطر‪ ،‬ويدخل يف هذا الباب اجلود‪ ،‬وإطعام الطعام‪ ،‬وإكرام‬
‫الضيف‪.‬‬
‫‪y y‬الرابعة‪ :‬الصوم فرضا ونفالً‪.‬‬
‫‪y y‬اخلامسة‪ :‬احلج‪ ،‬ويدخل فيه العمرة‪.‬‬
‫‪y y‬السادسة االعتكاف‪ ،‬ويدخل فيه التامس ليلة القدر‪.‬‬
‫‪y y‬السابعة‪ :‬الفرار بالدين‪ ،‬ويدخل فيه اهلجرة من دار الرشك‪.‬‬
‫‪y y‬الثامنة‪ :‬الوفاء بالنذر‪.‬‬
‫‪y y‬التاسعة‪ :‬التحري يف اإليامن‪.‬‬
‫‪y y‬العارشة‪ :‬أداء الكفارة‪.‬‬
‫‪y y‬احلادية عرش‪ :‬سرت العورة يف الصالة وخارجها‪.‬‬
‫‪y y‬الثانية عرشة‪ :‬ذبح الضحايا‪ ،‬والقيام هبا إذا كانت منذورة‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)216‬‬

‫‪y y‬الثالثة عرش‪ :‬القيام بأمر اجلنائز‪.‬‬


‫‪y y‬الرابعة عرش‪ :‬أداء الدَّ ين‪.‬‬
‫‪y y‬اخلامسة عرش‪ :‬الصدق يف املعامالت‪ ،‬واالحرتاز عن الرياء‪.‬‬
‫‪y y‬السادسة عرش‪ :‬أداء الشهادة باحلق‪ ،‬وترك كتامهنا‪.‬‬
‫النوع الثاين ما خيتص باالتِّباع‪ ،‬وهو ست شعب‪:‬‬
‫€ €األوىل‪ :‬التعفف بالنكاح‪.‬‬
‫€ €الثانية‪ :‬القيام بحقوق العيال‪ ،‬ويدخل فيه الرفق باخلدم‪.‬‬
‫€ €الثالثة‪ :‬بر الوالدين‪ ،‬ويدخل فيه االجتناب عن العقوق‪.‬‬
‫€ €الرابعة‪ :‬تربية األوالد‪.‬‬
‫€ €اخلامسة‪ :‬صلة الرحم‪.‬‬
‫€ €السادسة‪:‬طاعة املوايل‪.‬‬
‫النوع الثالث ما يتعلق بالعامة‪ ،‬وهو ثامين عرشة شعبة‪:‬‬
‫ ‪-‬األوىل‪ :‬القيام باإلمارة مع العدل‪.‬‬
‫ ‪-‬الثانية‪ :‬متابعة اجلامعة‪.‬‬
‫ ‪-‬الثالثة‪ :‬طاعة أويل األمر‪.‬‬
‫ ‪-‬الرابعة‪ :‬اإلصالح بني الناس‪ ،‬ويدخل فيه قتال اخلوارج‪ ،‬والبغاة‪.‬‬
‫ ‪-‬اخلامسة‪ :‬املعاونة عىل الرب‪.‬‬
‫ ‪-‬السادسة‪ :‬األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪.‬‬
‫(‪)217‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ ‪-‬السابعة‪ :‬إقامة احلدود‪.‬‬
‫ ‪-‬الثامنة‪ :‬اجلهاد‪ ،‬ويدخل فيه املرابطة‪.‬‬
‫ ‪-‬التاسعة‪ :‬أداء األمانة‪ ،‬ويدخل فيه أداء اخلمس‪.‬‬
‫ ‪-‬العارشة‪ :‬القرض مع الوفاء به‪.‬‬
‫ ‪-‬احلادية عرشة‪ :‬إكرام اجلار‪.‬‬
‫ ‪-‬الثانية عرشة‪ :‬حسن املعاملة‪ ،‬ويدخل فيه مجع املال من حله‪.‬‬
‫ ‪ -‬الثالثة عرش‪ :‬إنفاق املال يف حقه‪ ،‬ويدخل فيه ترك التبذير واإلرساف‪.‬‬
‫ ‪-‬الرابعة عرش‪ :‬رد السالم‪.‬‬
‫ ‪-‬اخلامسة عرش‪ :‬تشميت العاطس‪.‬‬
‫ ‪-‬السادسة عرش‪ :‬كف الرضر عن الناس‪.‬‬
‫ ‪-‬السابعة عرش‪ :‬اجتناب اللهو‪.‬‬
‫ ‪-‬الثامنة عرش‪ :‬إماطة األذى عن الطريق‪.‬‬
‫فهذه سبع وسبعون شعبة" اهـ‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬هل اإليامن يزيد وينقص؟‬
‫وعن أصحابه وكثري من العلامء وهو اختيار إمام‬ ‫روي عن أيب حنيفة‬
‫احلرمني أنه ال يزيد وال ينقص؛ ألنه اسم للتصديق البالغ حد اجلزم واإلذعان‪ ،‬وال‬
‫يتصور فيه الزيادة والنقصان‪ ،‬واملصدق إذا ضم الطاعات إليه وارتكب املعايص‬
‫فتصديقه بحاله مل يتغري أصالً‪ ،‬وإنام يتغري إذا كان اس ًام للطاعات املتفاوتة قلة وكثرة‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)218‬‬

‫ومعتمد أهل السنة واجلامعة أن اإليامن قول وعمل يزيد وينقص‪ ،‬فيزيد‬
‫بالطاعات وينقص باملعايص واستدلوا بآيات تدل عىل زيادة اإليامن‪ ،‬فإن َقبِ َل الزيادة‬
‫‪ ..‬قبل النقصان‪ ،‬قال اإلمام النووي يف ((رشح صحيح مسلم))‪َ " :‬و َق َال ِ‬
‫اإل َمام َأ ُبو‬
‫ار ّي))‪َ :‬م ْذ َهب‬ ‫ب ِف (( َشح َص ِحيح ال ُب َخ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫حل َسن َع ّل ْبن َخ َلف ْبن َب َّطال ا َملالك ّي ا َمل ْغ ِر ِ ّ‬
‫ا َ‬
‫ْ‬
‫السنَّة ِم ْن َس َلف األُ َّمة َو َخ َل ِف َها‪َ :‬أ َّن ِ‬
‫اإل َيمن َق ْول َو َع َمل َي ِزيد َو َينْ ُقص‪،‬‬ ‫جا َعة َأ ْهل ُّ‬
‫ََ‬
‫ار ّي ِم ْن اآل َيات‪َ ،‬ي ْعنِي َق ْوله ‪:‬‬ ‫حل َّجة َع َل ِز َيا َدته َو ُن ْق َصانه‪َ :‬ما َأ ْو َر َد ُه ال ُب َخ ِ‬
‫َوا ُ‬
‫ﱹ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﱸ [الفتح‪َ ،]4 :‬و َق ْوله َت َع َال‪ :‬ﱹ ﯜ ﯝ ﱸ [الكهف‪،]13 :‬‬
‫َو َق ْوله َت َع َال‪ :‬ﱹ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﱸ [مريم‪َ ،]76 :‬و َق ْوله َت َع َال‪ :‬ﱹ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﱸ [حممد‪َ ،]17 :‬و َق ْوله َت َع َال‪ :‬ﱹ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﱸ [املدثر‪،]31 :‬‬
‫َو َق ْوله َت َع َال‪ :‬ﱹ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﱸ [التوبة‪َ ،]124 :‬و َق ْوله َت َع َال‪ :‬ﱹ ﯿ‬
‫ﰀ ﰁ ﱸ‪[ ،‬آل عمران‪َ ،]173 :‬و َق ْوله َت َع َال‪ :‬ﱹ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﱸ‪،‬‬
‫ص‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فإِ ْن ِق َيل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫[األحزاب‪َ ]22 :‬ق َال اِ ْبن َب َّطال‪َ :‬فإِ َيمن َم ْن َل ْ َ ْت ُصل َل ُه ِّ‬
‫الز َيا َد ُة نَاق ٌ‬
‫ات ُك ِّل َها‪َ ،‬ف َم اِ ْز َدا َد‬
‫اإليمن ِف ال ُّل َغة التَّص ِديق‪َ ،‬فاجلواب‪َ :‬أ َّن التَّص ِديق يكْم ُل بِال َّطا َع ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫ِ َ‬
‫اإليمن وبِنُ ْقص ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫انَا َينْ ُقص‪،‬‬ ‫جل ْم َلة َي ِزيد ِ َ َ َ‬ ‫َان إِ َيم ُن ُه َأك َْم َل‪َ ،‬و ِ َبذه ا ُ‬
‫الب ك َ‬ ‫ا ُمل ْؤمن م ْن َأ ْع َمل ِ ّ‬
‫اإل َيمن ك ََم ًل‪َ .‬ه َذا‬ ‫اإل َيمن‪َ ،‬و َمتَى َزا َد ْت َزا َد ِ‬ ‫ص ك ََم ُل ِ‬ ‫الب َن َق َ‬‫َف َمتَى َن َق َص ْت َأ ْع َمل ِ ّ‬
‫اإل َيمن‪َ ،‬و َأ َّما الت َّْص ِديق بِ َاهللِ َت َع َال َو َر ُسوله ‪َ :‬ف َل َينْ ُقص َولِ َذلِ َك‬ ‫ت ََو ُّس ُط ال َق ْو ِل ِف ِ‬
‫ِ‬ ‫تَو َّق َ ِ‬
‫يوز ُن ْق َصان‬ ‫الر َوا َيات َع ْن ال َق ْول بِالنُّ ْق َصان؛ إِ ْذ َل َ ُ‬ ‫ف َمال ٌك ‪ِ - -‬ف َب ْعض ِّ‬ ‫َ‬
‫ص َص َار َشكًّا‪َ ،‬و َخ َر َج َع ْن اِ ْسم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإل َيمن ‪.‬‬ ‫الت َّْصديق؛ لَ َّن ُه إِ َذا َن َق َ‬
‫ف مالِك َعن ال َقول بِنُ ْقص ِ‬
‫اإل َيمن َخ ْش َية َأ ْن ُيت ََأ َّول‬‫ان ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ضهم إِن ََّم ت ََو َّق َ َ‬
‫َو َق َال َب ْع ْ‬
‫ُوب‪َ ،‬و َقدْ‬ ‫الذن ِ‬ ‫اص ِم ْن ا ُمل ْؤ ِمنِ َ‬
‫ني بِ ُّ‬ ‫ون َأهل ا َملع ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َع َل ْيه ُم َوا َف َق ُة اخلَ َو ِار ِج ا َّلذي َن ُي َك ِّف ُر َ ْ‬
‫دالر َّزاق‪َ :‬س ِم ْعت‬ ‫السنَّة‪َ .‬ق َال َع ْب َّ‬ ‫جا َعة َأ ْهل ُّ‬‫اإل َيمن ِم ْثل َق ْول َ َ‬
‫ان ِ‬ ‫َق َال مالِك بِنُ ْقص ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪)219‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫َم ْن َأ ْد َركْت ِم ْن ُش ُيوخنَا َو َأ ْص َحابنَا ُس ْف َيان ال َّث ْو ِر ّي َو َمالِك ْبن َأنَس‪َ ،‬و ُع َب ْيداهلل‬
‫اعي‪ ،‬ومعمر بن ر ِ‬ ‫ِ‬
‫ون‪:‬‬ ‫اشد َوا ْبن ُج َر ْي ٍج‪َ ،‬و ُس ْف َيان ْبن ُع َي ْينَ َة‪َ ،‬ي ُقو ُل َ‬ ‫ْبن ُع َمر‪َ ،‬واألَ ْو َز ّ َ َ ْ َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫حل َس ِن‬ ‫اإل َيمن َق ْول َو َع َمل َي ِزيد َو َينْ ُقص َو َه َذا َق ْو ُل ا ْبن َم ْس ُعود َو ُح َذ ْي َف َة َوالن ََّخع ِّي َوا َ‬ ‫ِ‬
‫َح ّق بِ ِه‬ ‫اه ٍد‪ ،‬و َعبداهلل بن ا ُملبارك‪َ .‬فا َملعنَى ا َّل ِذي يست ِ‬ ‫س‪ ،‬و ُم َ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ال َب ْ ِ‬
‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫او ٍ َ‬ ‫ص ِّي‪َ ،‬و َع َطاء‪َ ،‬و َط ُ‬
‫لب‪،‬‬ ‫ني ُه َو إِ ْت َيانه ِ َب ِذ ِه األُ ُمور ال َّث َل َثة‪ :‬الت َّْص ِديق بِال َق ِ‬ ‫الو َل َية ِم ْن ا ُمل ْؤ ِمنِ َ‬ ‫ال َع ْبدُ ا َملدْ َح َو ِ‬
‫جل ِميع‪َ :‬أ َّن ُه َل ْو َأ َق َّر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جل َو ِار ِح‪َ ،‬و َذل َك َأ َّن ُه َل خ َلف َب ْي ا َ‬
‫ِ‬
‫اإل ْق َرار بِال ِّل َسان‪َ ،‬وال َع َمل بِا َ‬ ‫َو ِ‬
‫َح ّق اِ ْسم ُم ْؤ ِمن‪َ .‬و َل ْو َع َر َف ُه‪َ ،‬و َع ِم َل‪،‬‬ ‫و َع ِم َل َع َل َغي ِعل ٍم ِمنْه ومع ِر َف ٍة بِرب ِه‪َ ،‬ل يست ِ‬
‫َْ‬ ‫َ ِّ‬ ‫ُ َ َْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َح ّق اِ ْسم ُم ْؤ ِمن‪َ ،‬وك ََذلِ َك إِ َذا‬ ‫ف ِمن التَّو ِحيد‪َ ،‬ل يست ِ‬
‫َْ‬ ‫َو َج َحدَ بِل َسانه‪َ ،‬وك ََذ َب َما َع َر َ ْ ْ‬
‫ِ ِِ‬

‫ض‪،‬‬ ‫ني ‪َ -‬و َل َي ْع َمل بِال َف َر ِائ ِ‬ ‫ج ِع َ‬‫َأ َق َّر بِ َاهللِ َت َع َال َوبِ ُر ُس ِل ِه ‪َ -‬ص َل َوات اللَّ َو َس َلمه َع َل ْي ِه ْم َأ ْ َ‬
‫ْ‬
‫َان ِف ك ََلم ال َع َرب ُي َس َّمى ُم ْؤ ِمنًا بِالت َّْص ِد ِيق َف َذلِ َك‬ ‫اإل ْط َل ِق َوإِ ْن ك َ‬ ‫َل ُي َس َّمى ُم ْؤ ِمنًا بِ ِ‬
‫لل َت َع َال؛ ل ِ َق ْول ِ ِه ‪ :‬ﱹ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬ ‫َغ ْي ُم ْست ََح ّق ِف ك ََلم ا َّ‬
‫ﭮﭯﭰﭱﭲ ﭳﭴ ﭵﭶ ﭷﭸﭹﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﱸ [األنفال‪َ ،]2 :‬ف َأ ْخ َ َ‬
‫بنَا ُس ْب َحانه‬
‫(((‬
‫َت َه ِذ ِه ِص َفته" اهـ‪.‬‬
‫َو َت َع َال‪َ :‬أ َّن ا ُمل ْؤ ِمن َم ْن كَان ْ‬
‫وذلك‪ :‬أن‬ ‫وقال حممد بن احلسني‪ :‬ما أحسن ما قال حممد بن عيل‬
‫اإليامن يزيد وينقص‪ ،‬يزيد بالطاعة‪ ،‬وينقص باملعصية‪ ،‬واإلسالم ال جيوز أن يقال‪:‬‬
‫يزيد وينقص‪ .‬اهـ‬
‫ويدل عىل ذلك أيض ًا ما ورد من األحاديث الرشيفة الظاهرة‪:‬‬
‫ني َيز ِْن َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال النَّبِي ‪َ (( :‬ل يز ِْن الز ِ ِ‬
‫َّان ح َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ف َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫س ُق َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن َو َل‬ ‫ني َي ْ ِ‬ ‫اخلمر ِحني ي ْشب وهو م ْؤ ِمن و َل ي ِ ِ‬
‫س ُق ح َ‬ ‫َ َ َ ُ َ ُ َ ُ ٌ َ َْ‬ ‫ش ُب َ ْ َ‬ ‫َو َل َي ْ َ‬
‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.109/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)220‬‬

‫ني َينْت َِه ُب َها َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن))‪ .‬أخرجه البخاري‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫َّاس إِ َل ْيه ف َيها َأ ْب َص َار ُه ْم ح َ‬ ‫َينْت َِه ُ‬
‫ب ُنْ َب ًة َي ْر َف ُع الن ُ‬
‫ني َيز ِْن‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل ‪َ (( :‬ل َيز ِْن ال َع ْبدُ ح َ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫و َع ْن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫اس‬
‫ش ُب َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن‬‫ني َي ْ َ‬
‫ِ‬
‫ش ُب ح َ‬
‫ِ‬ ‫ني َي ْ ِ‬
‫س ُق َو ُه َو ُم ْؤم ٌن َو َل َي ْ َ‬
‫وهو م ْؤ ِمن و َل ي ِ ِ‬
‫س ُق ح َ‬ ‫َ ُ َ ُ ٌ َ َْ‬
‫َو َل َي ْقت ُُل َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن))‪.‬‬

‫اإل َيم ُن ِمنْ ُه؟ َق َال‪َ :‬هك ََذا‪َ ،‬و َش َّب َك َب ْ َ‬


‫ي‬ ‫ف ُين َْز ُع ِ‬ ‫اس َك ْي َ‬ ‫لت ِل ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫َق َال ِعك ِْر َم ُة‪ُ :‬ق ُ‬
‫ي َأ َصابِ ِع ِه‪ .‬أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫َاب َعا َد إِ َل ْي ِه َهك ََذا َو َش َّب َك َب ْ َ‬ ‫ِِ‬
‫َأ َصابِعه‪ُ ،‬ث َّم َأ ْخ َر َج َها‪َ ،‬فإِ ْن ت َ‬
‫وغريها كثري‪.‬‬
‫لكن احلق أن النزاع بني الفريقني لفظي‪.‬‬
‫قال الرازي‪ :‬هذا املبحث نزاع لفظي‪ ،‬ألن املراد إن كان هو التصديق فال‬
‫يقبلهام‪ ،‬وإن كان الطاعات فيقبلهام‪.‬‬
‫ثم ذهب إىل التوفيق بني املذهبني فقال‪ :‬الطاعات مكملة التصديق‪ ،‬فكل‬
‫ما دل عىل أن اإليامن ال يقبل الزيادة والنقصان يكون مرصوف ًا إىل أصل اإليامن‪،‬‬
‫ال هلام كان مرصوف ًا إىل املكمالت جماز ًا‪ ،‬فحينئذ تكون الزيادة‬
‫وما دل عىل كونه قاب ً‬
‫الواردة يف قوله تعاىل مرصوف ًا إىل املكمالت ال إىل حقيقة اإليامن‪ .‬اهـ‬
‫يدل عىل‬ ‫[املائدة‪]3 :‬‬ ‫فإن قيل‪ :‬إن قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﱸ‬
‫أن اإليامن كان قبل ذلك اليوم ناقص ًا وزاد يف هذا اليوم‪ ،‬فثبت أنه يقبل الزيادة‬
‫والنقصان‪.‬‬
‫أجيب عنه بوجهني‪ :‬األول أن معنى قوله‪ :‬ﱹ ﭼﱸ أظهرت‪ ،‬حتى قدرتم‬
‫عىل إظهاره‪ ،‬والثاين‪ :‬أن متامه وكامله باألمن عن العدو‪ ،‬كن يقتل عدوه من امللوك‬
‫ويقول‪ :‬اليوم تم ملكي وسلطنتي وعزيت‪.‬‬
‫(‪)221‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫™™تنبيـــه‪:‬‬
‫كل ماذكر من زيادة اإليامن ونقصة هو يف حق األمة برش ًا وجن ًا غري األنبياء‬
‫وغري املالئكة‪ ،‬فأما األنبياء فإيامهنم يزيد وال ينقص؛ ألن الكامل يقبل الكامل‬
‫فحسب‪ .‬وال يرد أن األنبياء حيصل هلم جتل عظيم يف بعض األحيان‪ ،‬كام كان يف‬
‫ليلة املعراج‪ ،‬فاإليامن بعده ليس بمنزلته قبله‪ ،‬ألن هذا ال يستلزم تفاوت ًا يف إيامهنم‪.‬‬
‫وإيامن املالئكة ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وهو املشهور؛ ألن إيامهنم جبيل بأصل‬
‫الطبيعة ال يتفاوت‪ ،‬وذكر الشيخ عبد الرب األجهوري أنه يزيد وال ينقص‪ ،‬فجعله‬
‫كإيامن األنبياء‪.‬‬
‫فتلخص أن األقسام الثالثة‪ :‬يزيد وينقص (وهو إيامن األمة‪ ،‬إنس ًا وجن ًا)‪،‬‬
‫وال يزيد وال ينقص (وهو إيامن املالئكة عىل املشهور)‪ ،‬ويزيد وال ينقص (وهو إيامن‬
‫(((‬
‫األنبياء)‪ ،‬وزاد بعضهم قس ًام رابع ًا‪ :‬وهو الذي ينقص وال يزيد وهو إيامن الفساق‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬إثبات التفاضل يف اإليامن‪ ،‬وتباين املؤمنني يف درجاته‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن ال يستصغر املؤمن اخلري مهام كان قيليالً‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن احلياء ال يأيت إال بخري‪.‬‬
‫‪4 .4‬أن شعب اإليامن كثرية ال تعدُّ ‪.‬‬
‫‪5 .5‬أن املؤمن حريص عىل فعل اخلري لريقى به يف مراقي اإليامن‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬رشح اجلوهرة)) لإلمام البيجوري (‪.)80‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)222‬‬

‫احلديث الر ابع والعشرون‬

‫اخل ْم ُس‪َ ،‬و ُ‬


‫اجل ْم َع ُة‬ ‫ات َ‬
‫الص َل َو ُ‬
‫َق ْا َل‪َّ (( :‬‬ ‫عن رس ِ‬
‫ول اهلل‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫َ ُ‬
‫ت ال َك َبائِ َر)) رواه مسلم‪.‬‬ ‫ات ما بينَهن إِ َذا اجتُنِب ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ان إِ َل َر َم َض َ‬
‫ان ُم َك ِّف َر ٌ َ َ ْ ُ َّ‬ ‫اجل ْم َع ِة َو َر َم َض ُ‬
‫إِ َل ُ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجة يف احلديث األول‪.‬‬ ‫الصحايب اجلليل أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫ات َ‬
‫اخل ْم ُس))‪ ،‬أي‪ :‬املفروضة‪ ،‬إذا أ ّداها بحقها ورشوطها‬ ‫الص َل َو ُ‬
‫‪َّ (( :‬‬ ‫قوله‬
‫واجتناب مبطالهتا‪ ،‬فإهنا بذلك تكون ارجى للقبول‪.‬‬
‫اجل ْم َع ِة))‪ ،‬أي‪ :‬من فريضة اجلمعة إىل فريضة اجلمعة التي تليها‪.‬‬
‫اجل ْم َع ُة إِ َل ُ‬
‫(( َو ُ‬

‫ان إِ َل َر َم َض َ‬
‫ان))‪ ،‬وذلك ألن العبد وإن توقى البد له من تدنيسه‬ ‫(( َو َر َم َض ُ‬
‫بالذنوب‪ ،‬وهو تعاىل قدوس ال يقربه إال قديس طاهر‪ ،‬فجعل أداء الفرائض‬
‫تطهري ًا له من أدناسه ﱹ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﱸ [هود‪ ،]114 :‬فإذا تطهر العبد‬
‫(((‬
‫هبذه الطهارة ‪ ..‬صلح لدار الطهارة وقرب القدوس‪.‬‬

‫(( ُم َك ِّف َر ٌ‬
‫ات َما َب ْين َُه َّن)) ومعنى مكفرات‪ :‬سرته أو حمو أثره املرتتب عليه من‬
‫استحقاق العقوبة‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬فيض القدير))‪.446/5 :‬‬


‫(‪)223‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫™™ما الذي يكفر من الذنوب‪:‬‬
‫اختلف أهل العلم يف ذلك إىل أقوال‪:‬‬
‫األول‪ :‬والذي عليه أكثر أهل العلم أن الذي يكفر هي الذنوب الصغائر املتعلقة‬
‫بحق اهلل تعاىل ال الكبائر كام يبينه احلديث‪ ،‬قال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬قال‬
‫احلافظ و ّيل الدين العراقي‪ :‬استند العلامء يف تقييد الذنوب املكفرة بالعمل‬
‫الصالح بالصغائر هلذا احلديث‪ ،‬فجعلوا التقييد فيه مقيد ًا لإلطالق يف‬
‫(((‬
‫غريه" اهـ‪.‬‬
‫فالذي عليه مجهور العلامء أن صالح العمل ال يكفر الكبائر؛ إنام تكفرها‬
‫التوبة‪ ،‬أو فضل اهلل تعاىل‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أنه قد تغفر الصغائر والكبائر‪ ،‬وإىل هذا ذهب اإلمام القرطبي وابن العريب‪،‬‬
‫قال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬وقال القرطبي‪ :‬البد يف أن يكون بعض األشخاص‬
‫تغفر له الكبائر والصغائر بحسب ما حيرضه من اإلخالص ويراعيه من‬
‫اإلحسان واآلداب‪ ،‬وذلك فضل اهلل يؤتيه من يشاء اهـ‪ .‬قلت‪ :‬وقد سبق‬
‫إىل ذلك ابن العريب وجزم به فقال‪ :‬لو وقعت الطهارة باطن ًا بتطهري القلب‬
‫عن أوصاب املعصية‪ ،‬وظاهر ًا باستعامل املاء عىل اجلوارح برشط الرشع‪،‬‬
‫جرد فيها القلب عن عالئق الدنيا وطر اخلواطر‪ ،‬واجتمع‬
‫واقرتنت به صالة ّ‬
‫واستمر احلال حتى خرج‬
‫ّ‬ ‫الفكر عىل آخر العبادة كام انعقد عليه إحرامها‬
‫(((‬
‫بالتسليم عنها ‪ ..‬فإن الكبائر تغفر‪ ،‬وكذلك كان وضوء السلف" اهـ‪.‬‬
‫الكبائر‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫األعامل تُك ِّف ُر‬ ‫وذهب قو ٌم من أهل احلديث وغريهم إىل َّ‬
‫أن هذه‬
‫((( ((دليل الفاحلني))‪.308/1 :‬‬
‫((( ((دليل الفاحلني))‪.308/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)224‬‬

‫ومنهم‪ :‬ابن حزم الظاهري‪.‬‬


‫وقد رده اإلمام ابن عبد الرب‪ ،‬وإياه عنى بالرد عليه يف (التمهيد) – أي‪:‬‬
‫أرغب بنفيس عن الكالم يف هذا‬‫ُ‬ ‫كنت‬
‫عنى ابن حزم برده ‪ -‬حيث قال‪ :‬قد ُ‬
‫ِ‬
‫فينهم َك يف‬ ‫ٌ‬
‫جاهل‪،‬‬ ‫رت به‬ ‫وخشيت ْ‬ ‫الباب‪ ،‬لوال ُ‬
‫أن يغ َّ‬ ‫ُ‬ ‫قول ذلك القائل‪،‬‬
‫دون الندم واالستغفار والتوبة‪،‬‬‫الصلوات َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املوبقات‪ ،‬اتِّكاالً عىل َّأنا تك ِّف ُرها‬
‫والتوفيق اهـ‪.‬‬
‫َ‬ ‫واهلل نسأ ُله العصمة‬
‫قلت‪ :‬وقد وقع ُ‬
‫مثل هذا‬ ‫قال ابن رجب احلنبيل معقب ًا عىل ذلك‪ُ " :‬‬
‫يف كالم طائفة من أهل احلديث يف الوضوء ونحوه‪ ،‬ووقع مث ُله يف كالم‬
‫ابن املنذر يف قيام ليلة القدر‪ ،‬قال‪ُ :‬يرجى ملن قامها ْ‬
‫أن يغفر له مجيع ذنوبه‬
‫رص‬
‫أن َم ْن أتى بفرائض اإلسالم وهو ُم ٌّ‬ ‫فإن كان مرادهم َّ‬‫صغريها وكبريها‪ْ .‬‬
‫باطل قطع ًا‪ُ ،‬ي ْع َل ُم بالرضورة من‬
‫الكبائر قطع ًا ‪ ..‬فهذا ٌ‬
‫ُ‬ ‫عىل الكبائر تغفر له‬
‫الدِّ ين بطالنه"‪.‬‬
‫باألو ِل‬
‫َّ‬ ‫أساء يف اإلسالم ُأ ِخ َذ‬
‫َ‬ ‫‪َ (( :-‬م ْن‬ ‫َّبي ‪-‬‬ ‫وقد سبق ُ‬
‫قول الن ِّ‬
‫حيتاج‬
‫َ‬ ‫أظهر من ْ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫واآلخر)) يعني‪ :‬بعمله يف اجلاهلية واإلسالم‪ ،‬وهذا‬
‫ِ‬
‫الكبائر‪ ،‬وحافظ‬ ‫اإلرصار عىل‬ ‫أن من ترك‬ ‫ُ‬
‫القائل َّ‬ ‫إىل ٍ‬
‫بيان‪ْ ،‬‬
‫وإن أرا َد هذا‬
‫َ‬
‫عىل الفرائض من غري توبة وال ند ٍم عىل ما سلف منه‪ُ ،‬ك ِّف َرت ذنوبه ك ُّلها‬
‫َّ‬
‫واستدل بظاهر قوله‪ :‬ﱹ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬ ‫بذلك‪،‬‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﱸ [النساء‪ ،]31 :‬وقال‪ :‬السيئات‬
‫الصغائر تُك َّف ُر باجتناب الكبائر من غري‬
‫َ‬ ‫الكبائر والصغائر‪ ،‬فكام َّ‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫تشمل‬
‫يستدل لذلك َّ‬
‫بأن اهلل وعد املؤمنني‬ ‫ُّ‬ ‫الكبائر‪ ،‬وقد‬
‫ُ‬ ‫قصد وال ن َّي ٍة‪ ،‬فكذلك‬
‫مذكور يف غري موضع من القرآن‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫الس ِّيئات‪ ،‬وهذا‬
‫واملتقني باملغفرة وبتكفري َّ‬
‫(‪)225‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫واجتناب‬
‫ُ‬ ‫الكبائر‪،‬‬
‫َ‬ ‫واجتنب‬
‫َ‬ ‫الفرائض‪،‬‬
‫َ‬ ‫وقد صار هذا من املتَّقني‪ ،‬فإنَّه فعل‬
‫ُ‬
‫القول يمكن ْ‬
‫أن ُيقال يف اجلملة ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وقصد‪ ،‬فهذا‬ ‫حيتاج إىل ن َّي ٍة‬ ‫الكبائر ال‬
‫ُ‬
‫إن الكبائر ال تُك َّف ُر بدون التوبة؛ َّ‬
‫ألن التوبة‬ ‫والصحيح قول اجلمهور‪َّ :‬‬
‫َّ‬
‫(((‬
‫فرض عىل العباد" اهـ‪.‬‬
‫ٌ‬
‫الثالث‪ :‬حكى ابن التني فيه خالف ًا فقال‪ :‬اختُلف هل يغفر اهلل له هبذه املذكورات‬
‫يرص عليها أم ال يغفر له سوى الصغائر؟ قال‪ :‬وهذا كله‬
‫الكبائر إذا مل ّ‬
‫ال يدخل فيه مظامل العباد‪.‬‬

‫™™تنبيـــه‪:‬‬
‫من أن الوضوء يك ِّفر‪،‬وذلك‬ ‫قد يشكل عىل البعض ما ورد عن النبي‬
‫يف قوله ‪َ (( :‬م ْن ت ََو َّض َأ َهك ََذا ‪ُ ..‬غ ِف َر َل ُه َما َت َقدَّ َم ِم ْن َذ ْنبِ ِه‪َ ،‬وكَان ْ‬
‫َت َص َل ُت ُه َو َم ْش ُي ُه‬
‫ج ِد نَافِ َل ًة)) أخرجه مسلم‪ ،‬فيقول‪ :‬إذا كفر الوضوء فامذا تكفر الصالة وإذا‬ ‫إِ َل ا َمل ْس ِ‬
‫كفرت الصالة فامذا تكفر اجلمعات ورمضان وكذا صيام عرفة يكفر سنتني ويوم‬
‫عاشوراء كفارة سنة وإذا وافق تأمينة تأمني املالئكة غفر له ما تقدم من ذنبه‪.‬‬
‫واجلواب‪ :‬ما أجابه العلامء أن كل واحد من هذه املذكورات صالح للتكفري‪،‬‬
‫فإن وجد ما يكفره من الصغائر ‪ ..‬كفره‪ ،‬وإن مل يصادف صغرية وال كبرية ‪ ..‬كتبت‬
‫به حسنات‪ ،‬ورفعت به درجات‪ ،‬وإن صادفت كبرية أو كبائر ومل يصادف صغرية‬
‫(((‬
‫‪ ..‬رجونا أن خيفف من الكبائر‪.‬‬
‫وقال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬واعرتضه ابن سيد الناس يف قوله‪( :‬رجونا) الخ‬

‫((( ((جامع العلوم واحلكم))‪. 280 :‬‬


‫((( انظر‪(( :‬رشح مسلم))‪.81/3 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)226‬‬
‫(((‬
‫بأن هذا موقوف عىل التوقيف ال جمال فيه لغريه" اهـ‪.‬‬
‫َب ال َك َب ِائ َر)‪ ،‬وال ُيفهم‬ ‫ِ‬ ‫((إِ َذا ِ ِ‬
‫اجتُن َبت ال َك َبائ َر))‪ ،‬واللفظ يف مسلم إنام ه‪:‬و(إِ َذا ْ‬
‫اج َتن َ‬ ‫ْ‬
‫من احلديث أن اجتناب الكبائر رشط لتكفري الصغائر‪ ،‬فهذا فهم خاطئ؛ ألن‬
‫عدم غفران الكبائر بغري‬ ‫الصغائر تكفر هبذه األعامل الصاحلة‪ ،‬إنام قصد النبي‬
‫الذنُوب‬ ‫التوبة‪ ،‬ال اشرتاط جتنبها حتى تغفر الصغائر‪ ،‬قال اإلمام النووي‪َ " :‬م ْعنَا ُه َأ َّن ُّ‬
‫ُك ّل َها ُت ْغ َفر إِ َّل ال َك َب ِائر َفإِ َّنَا َل ُت ْغ َفر‪َ ،‬و َل ْي َس ا ُمل َراد َأ َّن ُّ‬
‫الذنُوب ُت ْغ َفر َما َل ْ َت ُك ْن كَبِ َرية‪،‬‬
‫َان ُمْتَم ًل َف ِسياق األَح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اديث‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الص َغائر‪َ ،‬فإِ َّن َه َذا َوإِ ْن ك َ َ‬ ‫شء م ْن َّ‬ ‫َان َل ُي ْغ َفر َ ْ‬ ‫َفإِ ْن ك َ‬
‫(((‬
‫َي ْأ َبا ُه" اهـ‪.‬‬

‫™™تنبيـــه‪:‬‬
‫قد يظهر إشكال صعب وهو أن الصغائر بنص القرآن مكفرة باجتناب‬
‫الكبائر كام يف قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﱸ [النساء‪ ،]31 :‬فام الذي يكفره الصلوات؟‬
‫اجلواب ما قاله اإلمام البلقيني وهو‪ :‬أن معنى ﱹ ﮒ ﮓ ﱸ‪ :‬املوافاة عىل‬
‫هذه احلال من اإليامن‪ ،‬أو التكليف إىل املوت‪ ،‬والذي يف احلديث أن الصلوات‬
‫اخلمس تكفر ما بينها‪ ،‬أي‪ :‬يف يومها إذا اجتنبت الكبائر يف ذلك اليوم‪ ،‬فالسؤال‬
‫غري وارد‪ ،‬وبفرض وروده ‪ ..‬فالتخلص منه أنه ال يتم اجتناب الكبائر إال بفعل‬
‫اخلمس‪ ،‬فمن مل يفعلها ‪ ..‬مل جيتنب؛ ألن تركها من الكبائر‪ ،‬فيتوقف التكفري عىل‬
‫فعلها‪ ،‬وأحوال املكلف بالنسبة ملا يصدر منه من صغرية وكبرية مخسة‪:‬‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.309/1 :‬‬


‫((( ((رشح مسلم))‪.80/3 :‬‬
‫(‪)227‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫أحدها‪ :‬أن ال يصدر منه يشء‪ ،‬فهذا ترفع درجاته‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬يأيت بصغائر بال إرصار‪ ،‬فهذا يكفر عنه جزم ًا‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬مثله لكن مع اإلرصار‪ ،‬فال يكفر؛ ألن اإلرصار كبرية‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬يأيت بكبرية واحدة وصغائر‪.‬‬
‫اخلامسة‪ :‬يأيت بكبائر وصغائر‪ ،‬وفيه نظر‪ ،‬حيتمل إذا مل جيتنب أن تكفر الصغائر‬
‫(((‬
‫فقط‪ ،‬واألرجح ال تكفر أصال إذ مفهوم املخالفة إذا مل يتعني جهته ال يعمل به‪.‬‬
‫وقال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬قال السيوطي‪ :‬استشكل بأن الصغائر مكفرة‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ فام الذي تكفره الصلوات؟ والتحقيق يف اجلواب ما أشار‬ ‫باجتناب الكبائر‪،‬‬
‫إليه البلقيني أن الناس أقسام‪ :‬من ال ذنب له مطلق ًا وهذا له رفع الدرجات؛ ومن‬
‫له صغائر بال إرصار فهي املكفرة باجتناب الكبائر إىل موافاة املوت عىل اإليامن‪،‬‬
‫ومن له صغائر مع اإلرصار فهي التي تكفر بصالح األعامل؛ ومن له كبائر وصغائر‬
‫فاملكفر بصالح العمل الصغائر فقط؛ ومن له كبائر فقط فيكفر منها عىل قدر ما كان‬
‫(((‬
‫يكفر من الصغائر" اهـ‪.‬‬
‫ومما يكفر اهلل به اخلطايا‪ :‬املصائب‪ ،‬فإنه ال يصيب املؤمن من هم وال غم وال أذى‪،‬‬
‫يب ا ُمل ْسلِ َم‬ ‫ِ‬
‫حتى الشوكة يشاكها‪ ،‬إال كفر اهلل عنه هبا خطاياه‪ ،‬فقد قال ‪َ (( :‬ما ُيص ُ‬
‫الش ْوك َِة ُي َشاك َُها‬
‫ب َو َل َه ٍّم َو َل ُحز ٍْن َو َل َأ ًذى َو َل َغ ٍّم َحتَّى َّ‬ ‫ِم ْن ن ََص ٍ‬
‫ب َو َل َو َص ٍ‬
‫إِ َّل َك َّف َر اهللُ ِ َبا ِم ْن َخ َطا َيا ُه)) أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وهي إما فوات حمبوب‪ ،‬أو حصول مكروهبدين‪ ،‬أو قلبي‪ ،‬أو مايل‪ ،‬داخيل‬

‫((( انظر‪(( :‬فيض القدير))‪.446/5 :‬‬


‫((( ((دليل الفاحلني))‪.309/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)228‬‬

‫أو خارجي‪ ،‬لكن املصائب بغري فعل العبد‪،‬فلهذا أمره بام هو من فعله‪ ،‬وهو أن يتبع‬
‫احلسنة السيئة ‪.‬‬

‫™™وهل يشترط الرضا لحصول المغفرة؟‬


‫اختلف أهل العلم يف ذلك فمنهم من اشرتط الرضا‪ ،‬فقد قال الشيخ‬
‫عز الدين بن عبدالسالم‪ :‬ظن بعض اجلهلة أن املصاب مأجور‪ ،‬وهو خطأ رصيح‪،‬‬
‫فإن الثواب والعقاب إنام هو عىل الكسب‪ ،‬واملصائب ليست منها بل األجر عىل‬
‫الصرب والرضا‪.‬‬
‫وذهب آخرون إىل أن الرضا ليس برشط‪ ،‬ومنهم احلافظ ابن حجر حيث‬
‫تعقب كالم العز بن عبدالسالم فقال يف ((فتح الباري))‪" :‬إن األحاديث الصحيحة‬
‫رصحية يف ثبوت األجر بمجرد حصول املصيبة‪ ،‬وأما الصرب والرضا ‪ ..‬فقدر زائد‬
‫يمكن أن يثاب عليهام زيادة عىل ثواب املصيبة‪ ،‬قال القرايف‪ :‬املصائب كفارات‬
‫جزم ًا‪ ،‬سواء اقرتن هبا الرضا أم ال؛ لكن إن اقرتن هبا الرضا ‪ ..‬عظم التكفري‪ ،‬وإال‬
‫‪ ..‬قل‪ ،‬كذا قال‪ ،‬والتحقيق أن املصيبة كفارة لذنب يوازهيا‪ ،‬وبالرضا يؤجر عىل‬
‫ذلك‪ ،‬فإن مل يكن للمصاب ذنب عوض عن ذلك من الثواب بام يوازيه‪ ،‬وزعم‬
‫القرايف أنه ال جيوز ألحد أن يقول للمصاب جعل اهلل هذه املصيبة كفارة لذنبك؛‬
‫ألن الشارع قد جعلها كفارة‪ ،‬فسؤال التكفري طلب لتحصيل احلاصل‪ ،‬وهو إساءة‬
‫أدب عىل الشارع كذا قال‪ ،‬وتعقب بام ورد من جواز الدعاء بام هو واقع كالصالة‬
‫‪ ،‬وسؤال الوسيلة له‪ ،‬وأجيب عنه بأن الكالم فيام مل يرد فيه يشء‪،‬‬ ‫عىل النبي‬
‫(((‬
‫وأما ما ورد ‪ ..‬فهو مرشوع ليثاب من امتثل األمر فيه" اهـ‪.‬‬

‫((( ((فتح الباري))‪.119/10 :‬‬


‫(‪)229‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬
‫‪1 .1‬ينبغي للمؤمن املحافظة عىل الطاعات وخصوصا الفرائض‪.‬‬
‫‪2 .2‬احلرص عىل اجتناب الكبائر‪.‬‬
‫‪3 .3‬عدم اإلرصار عىل الصغائر‪ ،‬فإن اإلرصار عىل الصغرية كبرية‪.‬‬
‫‪4 .4‬املسارعة إىل التوبة كلام وقع العبد يف معصية حتى ال يؤاخذه اهلل هبا‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)230‬‬

‫احلديث اخلامس والعشرون‬

‫ول اهللِ‬
‫وسى األَ ْش َع ِر ِّي َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫الب َد ْي ِن ‪..‬‬
‫‪َ (( :‬م ْن َص َّل َ ْ‬ ‫َع ْن َأ ِب ُم َ‬
‫َد َخ َل َ‬
‫اجلنَّ َة)) متفق عليه‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫هو الصحايب اجلليل أبو موسى األشعري‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث‬
‫الثالث‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫الب َد ْي ِن))‪ ،‬أي‪ :‬صاليت الصبح والعرص‪،‬واملراد أداؤمها‬
‫‪َ (( :‬م ْن َص َّل َ ْ‬ ‫قوله‬
‫(((‬
‫وقت االختيار‪ ،‬قاله املناوي‪.‬‬
‫وسا‬ ‫ول‪ُ :‬كنَّا ُج ُل ً‬ ‫از ٍم َق َال َس ِم ْع ُت َج ِر َير ْب َن َع ْب ِداهلل َو ُه َو َي ُق ُ‬ ‫فعن َق ْي َس ْب ِن َأ ِب َح ِ‬
‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِعنْدَ رس ِ‬
‫إ ْذ َن َظ َر إ َل ال َق َمر َل ْي َل َة ال َبدْ ر‪َ ،‬ف َق َال‪(( :‬أ َما إ َّنك ُْم َس َ َ‬
‫ت ْو َن َر َّبك ُْم ك ََم‬ ‫ول اهلل‬ ‫َ ُ‬
‫ون ِف ُرؤْ َيتِ ِه‪َ ،‬فإِ ْن ْاس َت َط ْعت ُْم َأ ْن َل ُت ْغ َل ُبوا َع َل َص َل ٍة َق ْب َل‬ ‫ت ََر ْو َن َه َذا ال َق َم َر َل ت َُض ُّام َ‬
‫ص َوال َف ْج َر‪ُ ،‬ث َّم َق َر َأ َج ِر ٌير‪ :‬ﱹ ﮊ ﮋ‬ ‫ِ‬
‫وبا)) َي ْعني ال َع ْ َ‬ ‫س َو َق ْب َل ُغ ُر ِ َ‬
‫الش ْم ِ‬
‫ُط ُلو ِع َّ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﱸ [طه‪ .]130 :‬أخرجه مسلم‪.‬‬
‫قال اخلطايب‪ :‬سميتا بردين ألهنام تصليان يف بردى النهار ومها طرفاه حني‬

‫((( انظر‪(( :‬فيض القدير))‪.156/8 :‬‬


‫(‪)231‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(((‬
‫يطيب اهلواء وتذهب سورة احلر‪ .‬اهـ‬
‫وقال يف ((عمدة القاري))‪" :‬وقال السفاقيس عن أيب عبيدة‪ :‬املراد الصبح‬
‫والعرص واملغرب‪ ،‬وفيه نظر؛ ألن املذكور تثنية ومع هذا مل يتبعه عىل هذا أحد‪،‬‬
‫وزعم القزاز أنه اجتهد يف متييز هذين الوقتني لعظم فائدهتام‪ ،‬فقال‪ :‬إن اهلل تعاىل‬
‫أدخل اجلنة كل من صىل تلك الصالة ممن آمن به يف أول دعوته‪ ،‬وبرش هبذا اخلرب أن‬
‫من صالمها معه يف أول فرضه إىل أن نسخ ليلة اإلرساء أدخلهم اهلل اجلنة كام بادروا‬
‫(((‬
‫إليه من اإليامن تفضال منه تعاىل" اهـ‪.‬‬
‫ثم قال صاحب ((عمدة القاري)) معقب ًا ومعرتض ًا عىل هذا القول‪" :‬قلت‪:‬‬
‫كالمه يؤدي إىل أن هذا خمصوص ألناس معينني‪ ،‬وال عموم فيه‪ ،‬وأنه منسوخ‪،‬‬
‫وليس كذلك من وجوه‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن راويه أبا موسى سمعه يف آواخر اإلسالم‪ ،‬وأنه فهم العموم‪ ،‬وكذا غريه‬
‫فهم ذلك؛ ألنه خري فضل ملحمد وألمته‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن الفضائل ال تنسخ‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن كلمة (( َم ْن)) رشطية‪ ،‬وقوله‪((:‬دخل اجلنة)) جواب الرشط‪ ،‬فكل من أتى‬
‫بالرشط فقد استحق املرشوط؛ لعموم كلمة الرشط‪ ،‬وال يقال إن مفهومه‬
‫يقتيض أن من مل يصلها ‪ ..‬مل يدخل اجلنة؛ ألنا نقول‪ :‬املفهوم ليس بحجة‪،‬‬
‫وأيضا فإن قوله‪(( :‬دخل اجلنة)) خرج خمرج الغالب؛ ألن الغالب أن من‬
‫صالمها وراعامها ‪ ..‬انتهى عام ينافيهام من فحشاء ومنكر؛ ألن الصالة‬

‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.60/2 :‬‬


‫((( ((عمدة القاري))‪.248/4 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)232‬‬
‫(((‬
‫تنهى عن الفحشاء واملنكر‪ ،‬أو يكون آخر أمره دخول اجلنة" اهـ‪.‬‬

‫هاتين الصالتين؟‬ ‫™™لِما اختص النبي‬


‫قال احلافظ ابن حجر يف ((الفتح))‪" :‬وقال البزار‪ :‬يف توجيه اختصاص هاتني‬
‫الصالتني بدخول اجلنة دون غريمها من الصلوات ما حمصله‪ :‬إن (( َم ْن)) موصولة‬
‫ال رشطية‪ ،‬واملراد الذين صلومها أول ما فرضت الصالة‪ ،‬ثم ماتوا قبل فرض‬
‫الصلوات اخلمس؛ ألهنا فرضت أوال ركعتني بالغداة وركعتني بالعيش‪ ،‬ثم فرضت‬
‫الصلوات اخلمس‪ ،‬فهو خرب عن ناس خمصوصني ال عموم فيه‪ ،‬قلت‪ :‬وال خيفى‬
‫(((‬
‫ما فيه من التكلف‪ ،‬واألوجه أن (( َم ْن)) يف احلديث رشطية" اهـ‪.‬‬
‫وقال يف ((عمدة القاري))‪" :‬وأما وجه التخصيص هبام ‪ ..‬فهو لزيادة رشفهام‪،‬‬
‫وترغيبا يف حفظهام لشهود املالئكة فيهام كام تقدم‪ ،‬وقد مىض ما رواه الطرباين فيه‪،‬‬
‫موقوف ًا‪(( :‬ينادي مناد‬ ‫وروى أبو القاسم بن اجلوزي من حديث ابن مسعود‬
‫عند صالة الصبح‪ :‬يا بني آدم قوموا فاطفئوا ما أوقدتم عىل أنفسكم‪ ،‬وينادي عند‬
‫(((‬
‫العرص كذلك‪ ،‬فيتطهرون‪ ،‬ويصلون‪ ،‬وينامون وال ذنب هلم))" اهـ‬
‫وقال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬أن وقت الصبح يكون عند النوم ولذته‪ ،‬ووقت‬
‫العرص يكون عند االشتغال بتتامت أعامل النهار وجتارته وهتيئة العشاء‪ ،‬ففي صالته‬
‫هلام مع ذلك دليل عىل خلوص النفس من الكسل وحمبتها للعبادة‪ ،‬ويلزم من ذلك‬
‫إتيانه بجميع الصلوات األخر‪ ،‬وأنه إذا حافظ عليهام ‪ ..‬كان أشد حمافظة عىل‬
‫غريمها‪ ،‬فاالقتصار عليهام ملا ذكر ال إلفادة أن من اقترص عليهام بأن أتى هبام دون‬

‫((( ((عمدة القاري))‪.248/4 :‬‬


‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.60/2 :‬‬
‫((( ((عمدة القاري))‪.248/4 :‬‬
‫(‪)233‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(((‬
‫باقي اخلمس حيصل له ذلك؛ ألنه خالف النصوص" اهـ‬
‫وقال يف ((فيض القدير))‪" :‬وخصهام لزيادة رشفهام‪ ،‬أو ألهنام مشهودتان‬
‫تشهدمها مالئكة الليل والنهار‪ ،‬أو لكوهنام ثقيلتان مشقتان عىل النفوس؛ لكوهنام‬
‫وقت التشاغل والتثاقل‪ ،‬ومن راعامها ‪ ..‬راعى غريمها باألوىل‪ ،‬ومن حافظ عليهام‬
‫‪ ..‬فهو عىل غريمها أشد حمافظة‪ ،‬وما عسى يقع منه تفريط‪ ،‬فباحلرى أن يقع مكفر ًا‪،‬‬
‫(((‬
‫فيغفر له ويدخل اجلنة‪ ،‬ذكره القايض" اهـ‪.‬‬
‫وقد يكون املراد بذلك أنه ال يدخل اجلنة من صىل قبل طلوع الشمس وقبل‬
‫غروهبا كام ورد يف احلديث عند مسلم وأمحد وغريمها َع ْن ِع َم َر َة ْب ِن ُر َو ْي َب َة َق َال‪:‬‬
‫س َو َق ْب َل‬ ‫الش ْم ِ‬ ‫ول (( َل ْن َيلِ َج الن ََّار َأ َحدٌ َص َّل َق ْب َل ُط ُلو ِع َّ‬
‫َي ُق ُ‬ ‫َس ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ول اهلل‬
‫ُغ ُر ِ َ‬
‫وبا))‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬املراد بالربدين الصبح والعشاء‪.‬‬
‫ووجه ختصيص العشاء‪ :‬أن يف وقتها يكثر النعاس‪ ،‬فيثقل البدن بواسطته مع‬
‫ٍ‬
‫حينئذ مشقة ظاهرة‪ ،‬فمن‬ ‫االمتالء بالعشاء فتتعطل احلركة فتشق الصالة‪ ،‬وأسباهبا‬
‫(((‬
‫صالها مع ذلك استحق دخول اجلنة من غري سابقة عذاب‪.‬‬
‫‪َ (( :‬د َخ َل َ‬
‫اجلنَّ َة))‪ :‬أي استحق دخول اجلنة‪ ،‬وحيتمل أن يراد مع‬ ‫قوله‬
‫الناجني‪ :‬أي إذا مل يقرتف الكبائر‪ ،‬أو اقرتفها وتاب منها‪ ،‬أو مل يتب وجتاوزها اهلل‬
‫له‪ ،‬وحيتمل أن يراد دخلها بعد املجازاة‪ ،‬ففيه إيامء إىل حسن خامتة مصليهام بوفاته‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.311/1 :‬‬


‫((( ((فيض القدير))‪.156/8 :‬‬
‫((( انظر‪(( :‬دليل الفاحلني))‪.311/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)234‬‬
‫(((‬
‫عىل اإلسالم‪ ،‬إذ ال يدخلها إال من مات مسل ًام‪.‬‬
‫قال املناوي‪((" :‬دخل اجلنة)) مفهومه‪ :‬أن من مل يصلهام ‪ ..‬ال يدخلها‪ ،‬وهو‬
‫حممول عىل املستحل‪ ،‬أو أراد دخوهلا ابتداء من غري عذاب‪ ،‬وعرب باملايض عن‬
‫(((‬
‫املضارع ‪ ..‬ملزيد التأكيد بجعل متحقق الوقوع كالواقع" اهـ‪.‬‬
‫الص ْب َح ‪َ ..‬ف ُه َو ِف ِذ َّم ِة اهللِ‪َ ،‬ف َل َي ْط ُل َبنَّك ُْم اهللُ ِم ْن‬
‫وقد قال‪َ (( : :‬م ْن َص َّل ُّ‬
‫َار َج َهن ََّم)) أخرجه مسلم‪ ،‬ويف لفظ عند الرتمذي‪:‬‬ ‫ِذ َّمتِ ِه بِ َش ٍء‪َ ،‬ف ُيدْ ِر َك ُه‪َ ،‬ف َي ُك َّب ُه ِف ن ِ‬
‫ْ‬
‫الص ْب َح ‪َ ..‬ف ُه َو ِف ِذ َّم ِة اهللِ‪َ ،‬ف َل ُ ْت ِف ُروا اهللَ ِف ِذ َّمتِ ِه))‪ ،‬ويف رواية عنده أيض ًا‬ ‫(( َم ْن َص َّل ُّ‬
‫ش ٍء ِم ْن‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫الص ْب َح ‪َ ..‬ف ُه َو ف ذ َّمة اهلل‪َ ،‬ف َل ُي ْتبِ َعنَّك ُْم اهللُ بِ َ ْ‬
‫‪َ (( :‬م ْن َص َّل ُّ‬ ‫عن أيب هريرة‬
‫ِذ َّمتِ ِه))‪.‬‬
‫الص ْب َح ‪َ ..‬ف ُه َو ِف ِذ َّم ِة اهللِ‪َ ،‬ف َل ُ ْت ِف ُروا اهللَ‬
‫ويف رواية عند ابن ماجه‪َ (( :‬م ْن َص َّل ُّ‬
‫َّار َع َل َو ْج ِه ِه))‪.‬‬
‫ِف َع ْه ِد ِه‪َ ،‬ف َم ْن َق َت َل ُه ‪َ ..‬ط َل َب ُه اهللُ َحتَّى َي ُك َّب ُه ِف الن ِ‬

‫وقد قد أختلف العلامء من الصحابة فمن بعدهم يف الصالة الوسطى املذكورة يف‬
‫قوله تعاىل‪ :‬ﱹﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﱸ [البقرة‪،]238 :‬‬
‫عيل‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬وأبو أيوب‪ ،‬وابن عمر‪،‬‬
‫فقالت مجاعة‪ :‬هي ال َعرص‪ ،‬ومنهم‪ّ :‬‬
‫وابن عباس‪ ،‬وأبو سعيد اخلدري‪ ،‬وأبو هريرة‪ ،‬و َعبيدة السلامين‪ ،‬واحلسن البرصي‪،‬‬
‫وإبراهيم النخعي‪،‬وقتادة‪ ،‬والضحاك‪ ،‬والكلبي‪ ،‬ومقاتل‪ ،‬وأبو حنيفة‪ ،‬وأمحد‪،‬‬
‫وداود‪ ،‬وابن املنذر‪ ،‬وغريهم‪.‬‬
‫وقال الرتمذي‪ :‬هو قول أكثر العلامء من الصحابة فمن بعدهم‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬دليل الفاحلني))‪.474/3 :‬‬


‫((( ((فيض القدير))‪.156/8 :‬‬
‫(‪)235‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫قال املاوردي‪ :‬هذا مذهب الشافعي لصحة األحاديث فيه‪.‬‬
‫الصبح؛ ونقل ذلك عن ُعمر بناخلطاب‪ ،‬ومعاذ بن جبل‪،‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬هي ُ‬
‫وابن عباس‪ ،‬وابن ُعمر‪ ،‬وجابر‪ ،‬وعطاء‪ ،‬وعكرمة‪ ،‬وجماهد‪ ،‬والربيع بن أنس‪،‬‬
‫ومالك بن أنس‪ ،‬والشافعي‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬غري هاتني الصالتني‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬فضل صالة العرص والفجر‪.‬‬
‫‪2 .2‬أكثر أقوال أهل العلم يف الصالة الوسطى يف هاتني الصالتني‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن املحافظ عىل الصلوات موعود بدخول اجلنة والتنعم فيها‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)236‬‬

‫احلديث السادس والعشرون‬

‫‪(( :‬إِ َذا َم ِر َض ال َع ْبدُ َأ ْو َسا َف َر ‪..‬‬‫ول اهللِ‬


‫وسى األَ ْش َع ِر ِّي َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫َع ْن َأ ِب ُم َ‬
‫َان يعم ُل م ِقي ًام ص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حيح ًا)) رواه البخاري‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ب َل ُه م ْث ُل َما ك َ َ ْ َ ُ‬
‫كُت َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫هو الصحايب اجلليل أبو موسى األشعري‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث‬
‫الثالث‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪(( :‬إِ َذا َم ِر َض ال َع ْبدُ ))‪ ،‬أي‪ :‬سقم‪ ،‬ويف ((املصباح))‪ :‬مرض احليوان‬ ‫قوله‬
‫مرض ًا من باب تعب‪ ،‬واملرض حال خارجة عن الطبع ّ‬
‫ضار بالطبع‪ ،‬ويعلم من هذا‬
‫(((‬
‫أن اآلالم واألورام أعراض عن املرض‪ ،‬وليست مرض‪.‬‬
‫(( َأ ْو َسا َف َر)) يف غري معصية‪ ،‬أما من سافر يف معصية فال يدخل ضمن هذا األجر‪،‬‬
‫قال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬قال اجلوهري‪ :‬السفر قطع املسافة ويف ((املصباح))‪ :‬سفر‬
‫الرجل سفر ًا من باب رضب‪ ،‬فهو سافر‪ ،‬واجلمع سفر مثل راكب وركب‪ ،‬واالسم‬
‫السفر بفتحتني‪ :‬وهو قطع املسافة‪ ،‬يقال إذا خرج لالرحتال أو لقصد موضع فوق‬
‫مسافة العدوى سفر‪ ،‬وقال بعض املصنفني‪ :‬أقل السفر يوم"‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬دليل الفاحلني))‪.312/1 :‬‬


‫(‪)237‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫واحلديث شامل لطويل السفر وقصريه بأن خيرج لضيعة أو إىل مكان‬
‫ال تلزمه فيه اجلمعة لعدم سامعه النداء‪ ،‬وال خيالف قول ((املصباح)) إن أهل العرف‬
‫(((‬
‫ال يسمونه سفر ًا‪ ،‬فإن املراد سفر ًا طوي ً‬
‫ال " اهـ‪.‬‬
‫واملراد‪ :‬حصل له مانع رشعي يمنعه عام كان يقوم به‪.‬‬
‫قال البلقيني وغريه‪" :‬وهذا مقيد بام إذا اتفق له ذلك ومل يعتده‪ ،‬وبأن ال يكون‬
‫(((‬
‫سفر معصية‪ ،‬وأن ال يكون املرض بفعله" اهـ‪.‬‬
‫ب َل ُه))‪ ،‬أي‪ :‬قدر‪ ،‬أو أمر امللك أن يكتب يف اللوح املحفوظ‬ ‫ِ‬
‫‪(( :‬كُت َ‬ ‫قوله‬
‫أو الصحيفة‪.‬‬
‫َان)) أي قدر ثواب الذي كان (( َي ْع َم ُل)) حال كونه (( ُم ِقي ًام)) وحال‬
‫(( ِم ْث ُل َما ك َ‬
‫حيح ًا))‪ ،‬وقوله ‪(( :‬مثل ما كان يعمل مقيام صحيحا)) فيه اللف والنرش‬ ‫كونه ((ص ِ‬
‫َ‬
‫املقلوب‪ ،‬فإن قوله‪ :‬مقيام‪ ..‬يقابل قوله‪ :‬أو سافر‪ ،‬وقوله‪ :‬صحيحا ‪ ..‬يقابل قوله‪ :‬إذا‬
‫مرض‪.‬‬
‫وهذا كله فيمن كان يعمل طاعة فمنع منها‪ ،‬وكانت نيته لوال املانع أن يدوم‬
‫َغ ْ َي َم َّر ٍة‬ ‫وسى َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت النَّبِ َّي‬ ‫عليها‪ ،‬ويدل عىل ذلك ما روي َع ْن َأ ِب ُم َ‬
‫َان العبدُ يعم ُل عم ًل ص ًِ‬
‫الا‪َ ،‬ف َش َغ َل ُه َعنْ ُه َم َر ٌض‪َ ،‬أ ْو َس َف ٌر ‪..‬‬ ‫َو َل َم َّرت ْ ِ‬
‫ول‪(( :‬إِ َذا ك َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ‬ ‫َي َي ُق ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب َل ُه ك ََصالِحِ َما ك َ‬ ‫ِ‬
‫يم)) أخرجه أبو داود‪.‬‬ ‫َان َي ْع َم ُل َو ُه َو َصح ٌ‬
‫يح ُمق ٌ‬ ‫كُت َ‬
‫ول اهلل ‪(( :‬إِ َّن ال َع ْبدَ إِ َذا‬ ‫و َع ْن َع ْب ِداهلل ْب ِن َع ْم ِرو ْب ِن ال َع ِ‬
‫اص َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ُب َل ُه ِم ْث َل‬ ‫ِ‬ ‫يل لِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ٍ‬
‫َان َع َل َط ِري َقة َح َسنَة م ْن الع َبا َدة‪ُ ،‬ث َّم َم ِر َض ‪ ..‬ق َ َ‬
‫لم َلك ا ُمل َوك َِّل بِه‪ :‬ا ْكت ْ‬ ‫ك َ‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.312/1 :‬‬


‫((( انظر‪(( :‬فيض القدير))‪.13/2 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)238‬‬

‫َان َطلِي ًقا َحتَّى ُأ ْطلِ َق ُه َأ ْو َأك ِْف َت ُه إِ َ َّل)) أخرجه اإلمام أمحد وغريه‪.‬‬
‫َع َملِ ِه إِ َذا ك َ‬
‫ول اهلل ‪(( :‬إِ َذا ا ْبت ََل اهللُ ال َع ْبدَ ا ُمل ْسلِ َم‬ ‫َس ْب ِن َمالِ ٍك َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫وعن َأن ِ‬
‫َان َي ْع َم ُل ُه‪َ ،‬فإِ ْن َش َفا ُه ‪..‬‬‫ُب َل ُه َصالِ َح َع َملِ ِه ا َّل ِذي ك َ‬ ‫ِِ‬
‫بِ َب َلء ِف َج َسده ‪َ ..‬ق َال اهللُ‪ :‬ا ْكت ْ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ح ُه)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫َغ َس َل ُه َو َط َّه َر ُه‪َ ،‬وإِ ْن َق َب َض ُه ‪َ ..‬غ َف َر َل ُه َو َر َ‬
‫وعند الطرباين‪(( :‬إن اهلل يكتب للمريض أفضل ما كان يعمل يف صحته ما دام‬
‫يف وثاقه وللمسافر أفضل ما كان يعمل ىف حرضه))‪.‬‬
‫وأخرج بن أيب شيبة عن عبداهلل بن السائب عن زاذان قال‪ :‬قال سلامن‪(( :‬إذا‬
‫مرض العبد ‪ ..‬قال امللك‪ :‬يا رب ابتليت عبدك بكذا‪ ،‬فيقول‪ :‬ما دام يف وثاقي اكتبوا‬
‫له مثل عمله الذي كان يعمل))‪.‬‬
‫ُون َل ُه َص َل ٌة ِم ْن ال َّل ْي ِل‬
‫َق َال‪َ (( :‬ما ِم ْن ْام ِر ٍئ َيك ُ‬ ‫َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫و َع ْن َع ِائ َش َة‬
‫ب َل ُه َأ ْج ُر َص َلتِ ِه)) أخرجه اإلمام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َيغْلِ ُب ُه َع َل ْي َها ن َْو ٌم إِ َّل ك َ‬
‫َان ن َْو ُم ُه َع َل ْيه َصدَ َق ًة‪َ ،‬وكُت َ‬
‫أمحد‪.‬‬
‫فكل هذه األحاديث تدل عىل أن املراد‪ :‬من كان يعمل طاعة‪ ،‬فمنع منها‪،‬‬
‫وكانت نيته لوال املانع أن يدوم عليها‪ ،‬فالعربة بالنية‪.‬‬

‫™™وهل هذا متعلق بالنوافل فقط أم مع الفرائض؟‬


‫قال ابن ب ّطال‪ :‬وهذا كله يف النوافل‪ ،‬وأما صالة الفرائض ‪ ..‬فال تسقط‬
‫بالسفر واملرض‪.‬‬
‫وتعقبه بن املنري بأنه حتجر واسع ًا‪ ،‬وال مانع من دخول الفرائض يف ذلك‬
‫بمعنى أنه إذا عجز عن اإلتيان هبا عىل اهليئة الكاملة أن يكتب له أجر ما عجز عنه‬
‫(‪)239‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫كصالة املريض جالسا يكتب له أجر القائم‪.‬‬
‫وتعقبه غري صحيح إذ ان ابن بطال يتحدث عن عدم سقوط الفريضة من‬
‫أصلها‪ ،‬بينام هو يتكلم عن العجز عن اإلتيان هبا عىل اهليئة املطلوبة‪ ،‬وهلذا قال‬
‫احلافظ ابن حجر يف ((فتح الباري))‪" :‬وليس اعرتاضه بجيد؛ ألهنام مل يتواردا عىل‬
‫(((‬
‫حمل واحد" اهـ‪.‬‬

‫™™هل األعذار المرخصة لترك الجماعة تكون محصلة للفضيلة؟‬


‫بأن األعذار املرخصة لرتك اجلامعة تسقط الكراهة‬ ‫جزم اإلمام النووي‬
‫واإلثم خاصة من غري أن تكون حمصلة للفضيلة‪.‬‬
‫وجزم اإلمام الروياين عليه رمحة اهلل بأن األعذار املرخصة لرتك اجلامعة‬
‫مسقطة للكراهة واإلثم وحمصلة للفضيلة‪ (((،‬واألحاديث املار ذكرها تشهد له‬
‫ول اهلل ‪َ (( :‬م ْن ت ََو َّض َأ‬ ‫بذلك‪ ،‬كام يشهد له ما ورد َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫َّاس َقدْ َص َّل ْوا ‪َ ..‬أ ْع َطا ُه اهللُ ِم ْث َل َأ ْج ِر َم ْن َص َّل َها‬ ‫َف َأ ْح َس َن ُو ُض َ‬
‫وء ُه‪ُ ،‬ث َّم َر َ‬
‫اح َف َو َجدَ الن َ‬
‫ور ِه ْم َش ْيئًا)) أخرجه أمحد‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬والنسائي‪.‬‬ ‫ك ِم ْن ُأ ُج ِ‬‫ض َها َل َينْ ُق ُص َذلِ َ‬
‫أ ْو َح َ َ‬
‫َ‬

‫وقال السبكي الكبري يف ((احللبيات))‪" :‬من كانت عادته أن يصيل مجاعة‪،‬‬


‫فتعذر فانفرد ‪ ..‬كتب له ثواب اجلامعة‪ ،‬ومن مل تكن له عادة؛ لكن أراد اجلامعة‪،‬‬
‫فتعذر فانفرد ‪ ..‬يكتب له ثواب قصده ال ثواب اجلامعة؛ ألنه وأن كان قصده‬
‫اجلامعة لكنه قصدٌ جمرد‪ ،‬ولو كان يتنزل منزلة من صىل مجاعة كان دون من مجع‬
‫(((‬
‫واألُوىل سبقها فعل" اهـ‪.‬‬
‫((( ((فتح الباري))‪.147/6 :‬‬
‫((( املرجع السابق‪.147/6 :‬‬
‫((( املرجع السابق‪.147/6 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)240‬‬

‫ويدل عىل األول وهو أن من كانت عادته أن يصيل مجاعة‪ ،‬فتعذر فانفرد ‪..‬‬
‫كتب له ثواب اجلامعة ‪ ..‬حديث الباب الذي نحن بصدده‪.‬‬
‫ويدل عىل الثاين وهو أن من مل تكن له عادة؛ لكن أراد اجلامعة‪ ،‬فتعذر فانفرد ‪..‬‬
‫يكتب له ثواب قصده ال ثواب اجلامعة ‪ ..‬أن أجر الفعل يضاعف وأجر القصد‬
‫ال يضاعف بدليل من هم بحسنة كتبت له حسنة واحدة‪.‬‬
‫وقال السبكي‪ :‬ويمكن أن يقال‪ :‬أن الذي صىل منفردا ولو كتب له أجر‬
‫صالة اجلامعة لكونه اعتادها‪ ،‬فيكتب له ثواب صالة منفرد باألصالة‪ ،‬وثواب جممع‬
‫(((‬
‫بالفضل‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫قال املناوي‪(" :‬تنبيه) أخذ من احلديث أن احلائض والنفساء تثاب عىل ترك‬
‫الصالة يف زمن احليض قياس ًا عىل املريض واملسافر‪ ،‬ورد بالفرق بأن املريض‬
‫أو املسافر كان يفعلها بنية الدوام مع أهليته هلا‪ ،‬واحلائض غري ذلك؛ بل نيتها‬
‫ترك الصالة يف وقت احليض؛ بل حترم عليها نية الصالة زمن احليض‪ ،‬وإن كانت‬
‫(((‬
‫ال تقضيها" اهـ‪.‬‬
‫وقد قال أهل التفسري يف قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﱸ [التني‪ :]6 :‬غري منقوص وال مكدر‪ ،‬جتري هلم احلسنات بعد اهلرم واملوت‪،‬‬
‫فأيام رجل كان يعمل عمال صاحلا وهو قوي شاب‪ ،‬فعجز عنه ‪ ..‬جرى له أجر‬
‫ذلك العمل حتى يموت‪ ،‬كام يف تفسري ابن عباس وغريه‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.148/6 :‬‬


‫((( ((فيض القدير))‪.14/2 :‬‬
‫(‪)241‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬
‫‪1 .1‬أن فضل اهلل واسع‪ ،‬وهو أكرم األكرمني‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن اهلل تعاىل جيري األجر ملن عجز عن القيام بالعمل إن وجدت النية للقيام به‬
‫لو عدم املانع‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن املريض واملسافر إذا تكلف العمل كان أفضل من عمله وهو صحيح مقيم‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)242‬‬

‫احلديث السابع والعشرون‬

‫ٍ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫َع ْن َجابِ ِر ْب ِن َع ْب ِد اهلل‬


‫‪(( :‬ك ُُّل َم ْع ُروف َ‬
‫صدَ َق ٌة))‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫‪.‬‬ ‫رواه البخاري‪ ،‬ورواه مسلم من رواية حذيفة‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف‬ ‫هو الصحايب اجلليل جابر بن عبداهلل االنصاري‬
‫احلديث الثالث عرش‪.‬‬
‫وراوي احلديث يف رواية اإلمام مسلم هو الصحايب اجلليل حذيفة بن اليامن‬
‫‪ ،‬وستأيت ترمجته إن شاء اهلل تعاىل يف احلديث التاسع والثالثني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪(( :‬ك ُُّل معر ٍ‬
‫وف))‪ ،‬قال الراغب‪ :‬املعروف اسم كل فعل يعرف‬ ‫قوله‬
‫َ ُْ‬
‫حسنه بالرشع والعقل مع ًا‪ ،‬ويطلق عىل االقتصاد؛ لثبوت النهي عن الرسف‪.‬‬
‫وقال بن أيب مجرة‪ :‬يطلق اسم املعروف عىل ما عرف بأدلة الرشع أنه من أعامل‬
‫(((‬
‫الرب سواء جرت به العادة أم ال‪.‬‬
‫وقال القايض‪ :‬املعروف يف اصطالح الشارع ما عرف حسنه بالرشع وبإزائه‬
‫املنكر‪ ،‬وهو ما أنكره وحرمه‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.504/10 :‬‬


‫(‪)243‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وقال احلرايل‪ :‬هو ما يشهد عيانه بموافقته وقبول موقعه بني األنفس‪ ،‬فال‬
‫(((‬
‫يلحقها منه تنكر‪ ،‬وقال يف موضع آخر‪ :‬هو ما تقبله األنفس وال جتد منه نكري ًا‪.‬‬
‫قوله ‪َ (( :‬صدَ َق ٌة))‪ ،‬أي‪ :‬ثوابه كثواب الصدقة‪،‬قال يف ((فتح الباري)) نقال‬
‫اح ُب ُه َج ْزم ًا‪َ ،‬وإِ َّل‬‫عن أيب مجرة‪" :‬واملراد بالصدقة الثواب‪َ ،‬فإِ ْن َقار َن ْته النِّي ُة ‪ُ ..‬أ ِجر ص ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫(((‬
‫احتِ َم ٌل" اهـ‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫‪َ ..‬ففيه ْ‬
‫الصدَ َق ُة ِه َي‪َ :‬ما ُي ْعطِ ِيه املت ََصدِّ ُق هلل َت َع َال‪َ ،‬ف َي ْش َم ُل‬
‫قال يف ((سبل السالم))‪َ " :‬و َّ‬
‫اب الت َّْشبِ ِيه ال َب ِليغِ‪َ ،‬و ُه َو ْ‬
‫إخ َب ٌار بِ َأ َّن‬ ‫اإل ْخ َب ُار َعنْ ُه بِ َأ َّن ُه َصدَ َق ٌة ِم ْن َب ِ‬ ‫الو ِ‬
‫اج َب َة َوا َملنْدُ و َب َة‪َ ،‬و ِ‬ ‫َ‬
‫(((‬
‫اب" اهـ‪.‬‬ ‫الصدَ َق ِة ِف ال َّث َو ِ‬
‫َل ُه ُحك ُْم َّ‬
‫قال يف ((فيض القدير))‪" :‬وسميت صدقة؛ ألهنا من تصديق الوعد بنفع‬
‫(((‬
‫الطاعة عاجالً‪ ،‬وثواهبا آج ً‬
‫ال" اهـ‪.‬‬
‫ففي احلديث إشارة إىل أن ال حيتقر من املعروف شيئ ًا‪ ،‬قال اإلمام النووي‪َ " :‬وفِ ِيه‪:‬‬
‫(((‬
‫ي ِض ُه" اهـ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َأ َّنه َل َ ِ‬
‫يتَقر َش ْي ًئا م ْن ا َمل ْع ُروف‪َ ،‬و َأ َّن ُه َينْ َبغي َأ َّل َي ْب َخل بِه‪َ ،‬بل َينْ َبغي َأ ْن ُ ْ‬
‫ُ ْ‬

‫™™هل الصدقة تنحصر في المحسوس منه؟‬


‫املعتمد أن الصدقة ال تنحرص يف املحسوس منه؛ بل هي أوسع من ذلك‪،‬‬
‫وهي ال ختتص بأهل اليسار فقط؛ بل كل واحد قادر عليها‪ ،‬قال يف ((فتح الباري))‬

‫بعد أن ساق ما ذكره أهل العلم يف املقصود من الصدقة يف احلديث‪" :‬ويف هذا‬

‫((( انظر‪(( :‬فيض القدير))‪.290/6 :‬‬


‫((( ((فتح الباري))‪.504/10 :‬‬
‫((( ((سبل السالم))‪.278/4 :‬‬
‫((( ((فيض القدير))‪.291/6 :‬‬
‫((( ((رشح مسلم)) للنووي‪.64/7 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)244‬‬

‫الكالم إشارة إىل أن الصدقة ال تنحرص يف األمر املحسوس منه‪ ،‬فال ختتص بأهل‬
‫(((‬
‫اليسار مثالً؛ بل كل واحد قادر عىل أن يفعلها يف أكثر األحوال بغري مشقة" اهـ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ص‬ ‫الصدَ َق َة َل َتن َْح ُ‬ ‫وقال يف ((سبل السالم))‪َ " :‬و ِف األَ َحاديث َإش َار ٌة َإل َأ َّن َّ‬
‫ار‬‫َص بِ َأ ْه ِل ال َي َس ِ‬ ‫تت ُّ‬ ‫ان ِم ْن َمالِ ِه ُم َت َط ِّو ًعا َف َل َ ْ‬
‫اإلن َْس ُ‬‫فِ َيم ُه َو َأ ْص ُل َها‪َ ،‬و ُه َو َما َأ ْخ َر َج ُه ِ‬
‫ش ٍء َي ْف َع ُل ُه‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫َبل ك ُُّل َأ َحد َقاد ٌر َع َل َأ ْن َي ْف َع َل َها ف َأ ْك َث ِر األَ ْح َوال م ْن َغ ْي َم َش َّقة‪َ ،‬فإ َّن ك َُّل َ ْ‬
‫(((‬
‫َب َل ُه بِ ِه َصدَ َق ٌة" اهـ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ان َأ ْو َي ُقو ُل ُه م ْن اخلَ ْ ِي ُي ْكت ُ‬ ‫ِ‬
‫اإلن َْس ُ‬

‫قال اإلمام املناوي‪" :‬وملا تكرر األمر بالصدقة يف الكتاب والسنة ‪ ..‬مالت‬
‫إليها القلوب‪ ،‬فأخربهم بأن كل طاعة من قول أو فعل أو بذل صدقة يشرتك فيها‬
‫(((‬
‫املتصدقون؛ حث ًا منه للكافة عىل املبادرة إىل فعل املرء طاقته" اهـ‪.‬‬
‫‪ ،‬ومنها احلديث‬ ‫ويشهد لذلك األحاديث الصحيحة الواردة عن النبي‬
‫الذي نحن بصدده‪ ،‬فلفظ ((كل معروف)) عام‪.‬‬
‫قال ابن بطال‪ :‬دل احلديث عىل أن كل شئ يفعله اإلنسان‪ ،‬أو يقوله يكتب‬
‫(((‬
‫له به صدقة‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫وقد أخرج احلديث أيضا اإلمام أمحد وزاد فيه‪(( :‬و ِمن ا َملعر ِ‬
‫وف َأ ْن تَل َقى‬ ‫َ ْ ُْ‬
‫لو َك ِف إِنَائِ ِه))‪.‬‬
‫لق‪َ ،‬و َأ ْن ُت ْف ِر َغ ِم ْن َد ِ‬
‫اك بِ َو ْج ٍه َط ٍ‬
‫َأ َخ َ‬

‫اك بِ َو ْج ٍه‬
‫الق َأ َخ َ‬
‫تدْ َف َ‬ ‫ْ‬
‫ويف احلديث اآلخر‪َ (( :‬ل َ ْت ِقر َّن ِمن ا َملعر ِ‬
‫وف َش ْيئًا َفإِ ْن َل َ ِ‬ ‫ْ ُْ‬ ‫َ‬
‫َط ٍ‬
‫لق)) أخرجه مسلم‪.‬‬

‫((( ((فتح الباري))‪.504/10 :‬‬


‫((( ((سبل السالم))‪.278/4 :‬‬
‫((( ((فيض القدير))‪.291/6 :‬‬
‫((( ((فتح الباري))‪.504/10 :‬‬
‫(‪)245‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ومنها‪ :‬قوله ‪َ (( :‬ع َل ك ُِّل ُم ْسلِ ٍم َصدَ َق ٌة))‪َ .‬قا ُلوا‪َ :‬فإِ ْن َل َ ِ‬
‫يدْ ؟ َق َال‪َ ((:‬ف َي ْع َم ُل‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني َذا‬‫بِ َيدَ ْيه‪َ ،‬ف َينْ َف ُع َن ْف َس ُه‪َ ،‬و َيت ََصدَّ ُق))‪َ .‬قا ُلوا‪َ :‬فإِ ْن َل ْ َي ْستَط ْع‪َ ،‬أ ْو َل ْ َي ْف َعل؟ َق َال‪َ ((:‬ف ُيع ُ‬
‫اخل ِي‪َ ،‬أو َق َال بِا َملعر ِ‬ ‫احل ِ‬
‫وف))‪.‬‬ ‫ُْ‬ ‫وف))‪َ .‬قا ُلوا‪َ :‬فإِ ْن َل ْ َي ْف َعل؟ َق َال‪َ (( :‬ف َي ْأ ُم ُر بِ َ ْ ْ‬ ‫له َ‬ ‫اجة ا َمل ُ‬ ‫َ َ‬
‫الش‪َ ،‬فإِ َّن ُه َل ُه َصدَ َق ٌة)) أخرجه البخاري‪،‬‬ ‫ك َع ْن َّ ِّ‬ ‫َق َال‪َ :‬فإِ ْن َل ْ َي ْف َعل؟ َق َال‪َ (( :‬ف ُي ْم ِس ُ‬
‫إمساكه عن الرش صدقة‪.‬‬ ‫فجعل‬

‫™™تنبيـــه‪:‬‬
‫قال املاوردي‪ :‬املعروف نوعان‪ :‬قول‪ ،‬وعمل‪.‬‬
‫فالقول طِيب الكالم‪ ،‬وحسن البِرش‪ ،‬والتودد بجميل القول‪ ،‬والباعث عليه‬
‫حسن اخللق‪ ،‬ورقة الطبع؛ لكن ال يرسف فيه‪ ،‬فيكون ملق ًا مذموم ًا‪ ،‬وإن توسط‬
‫واقتصد ‪ ..‬فهو بِر حممود‪ ،‬ويف منثور احلكم‪( :‬من قل حياؤه ‪ ..‬قل أحباؤه)‪.‬‬
‫والعمل بذل اجلاه‪ ،‬واإلسعاف بالنفس‪ ،‬واملعونة يف النائبة‪ ،‬والباعث عليه‬
‫حب اخلري للناس‪ ،‬وإيثار الصالح هلم‪ ،‬وليس يف هذه األمور رسف‪ ،‬واللغايتها‬
‫حد‪ ،‬بخالف األوىل‪ ،‬فإهنا وإن كثرت أفعال تعود بنفعني‪ ،‬نفع عىل فاعلها يف‬
‫اكتساب األجر ومجيل الذكر‪ ،‬ونفع عىل املعان هبا يف التخفيف واملساعدة؛ فلذلك‬
‫(((‬
‫سامه هنا صدقة‪ .‬اهـ‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬كرم اهلل وسعة جوده‪ ،‬وإرادته اخلري خللقه‪ ،‬حيث فتح هلم أبواب اخلري بأسهل األعامل‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن الصدقة أمر واسع ال ينحرص يف املحسوسات فقط‪ ،‬وال يف بذل األموال فحسب‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن ال حيتقر املؤمن شيئ ًا من أعامل اخلري‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬فيض القدير))‪.292/6 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)246‬‬

‫احلديث الثامن والعشرون‬

‫َفكَان ْ‬
‫َت‬ ‫ْت ُأ َص ِّل َم َع ال َّنبِ َّي‬
‫َق َال‪ُ (( :‬كن ُ‬ ‫َع ْن َأ ِب َع ْب ِداهلل َجابِ ِر ْب ِن َس ُم َر َة‬
‫َص َل ُت ُه َق ْصد ًا َو ُخ ْط َب ُت ُه َق ْصد ًا)) رواه مسلم‪.‬‬

‫™™رواي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمـــه‬
‫هو الصحايب اجلليل جابر بن َس ُمرة بن جنادة بن جندب بن حجري بن‬
‫رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة العامري السوائي‪ ،‬كام ذكره يف‬
‫(((‬
‫((اإلصابة))‪.‬‬
‫وقال يف ((االستيعاب))‪" :‬جابر بن سمرة بن عمرو بن جندب بن حجري بن‬
‫رياب بن حبيب ابن سواءة وقيل جابر بن سمرة بن جنادة بن جندب بن عمرو‬
‫ابن جندب ابن حجري بن رياب السوائي ومنهم من يسقط حبيب ًا من نسبه فيقول‬
‫جابر بن سمرة بن عمرو بن جندب بن حجري بن رياب بن سواءة السوائي من بني‬
‫(((‬
‫سواءة بن عامر بن صعصعه حليف بنى زهرة" اهـ‪.‬‬
‫ويكنى بأيب عبداهلل‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬أبو خالد‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬اإلصابة))‪.276/1 :‬‬


‫((( ((االستيعاب))‪.67/1 :‬‬
‫(‪)247‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وأمه هي‪ :‬خالدة بنت أيب وقاص‪ ،‬أخت الصحايب اجلليل سعد بن أيب وقاص‬
‫أمجعني‪.‬‬
‫وأرضاه الكوفة وابتنى هبا دار ًا يف بني سواءة‪.‬‬ ‫نزل‬
‫‪:‬‬ ‫فضائلـــه‬
‫‪ ،‬وكفى هبا‬ ‫وأرضاه فقد صحب احلبيب‬ ‫له العديد من الفضائل‬
‫يك َع ْن ِس َم ٍك َع ْن َجابِ ِر ْب ِن َس ُم َر َة َق َال‪:‬‬ ‫ش ٌ‬ ‫منزلة ال تضاهيها منزلة‪ ،‬وقد روى َ ِ‬
‫َأ ْك َث َر ِم ْن ِمائ َِة َم َّر ٍة" أخرجه الرتمذي‪.‬‬ ‫" َجا َل ْس ُت النَّبِ َّي‬
‫ول‪ُ ،‬ث َّم َخ َر َج إِ َل َأ ْه ِل ِه‪،‬‬‫َص َل َة األُ َ‬ ‫ول اهلل‬ ‫َق َال‪َ " :‬ص َّل ْي ُت م َع رس ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫وعنه‬
‫احدً ا و ِ‬ ‫ان‪َ ،‬فجع َل يمسح َخدَّ ي َأح ِد ِهم و ِ‬
‫احدً ا‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ َ‬ ‫اس َت ْق َب َل ُه ِولدَ ٌ َ َ َ ْ َ ُ‬ ‫َو َخ َر ْج ُت َم َع ُه‪َ ،‬ف ْ‬
‫َو َأ َّما َأنَا َف َم َس َح َخدِّ ي‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َو َجدْ ُت لِ َي ِد ِه َب ْرد ًا‪َ ،‬أ ْو ِرحي ًا ك ََأن ََّم َأ ْخ َر َج َها ِم ْن ُج ْؤن َِة‬
‫َع َّط ٍ‬
‫ار" أخرجه مسلم‪.‬‬
‫(((‬
‫وج ْؤن َِة ال َع َّطار هي‪ :‬السقط الذي فيه متاع العطار‪.‬‬
‫ُ‬
‫وقد شهد فتح املدائن‪ ،‬وخلف من األوالد‪ ،‬خالدا‪ ،‬وطلحة‪ ،‬وساملا‪.‬‬
‫روايته للحديث‪:‬‬
‫مائةحديثوستةوأربعون(‪)146‬حديث ًا‪،‬‬ ‫روىسيدناجابربنسمرةعنالنبي‬
‫اتفق البخاري ومسلم منها عىل حديثني‪ ،‬وانفرد مسلم بستة وعرشين (‪ )26‬حديث ًا‬
‫كام يف (عمدة القاري)‪،‬ويف (دليل الفاحلني) انفرد مسلم بثالثة وعرشين (‪ )23‬حديث ًا‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫وأرضاه بالكوفة‪ ،‬واختلف يف سنة وفاته عىل أقوال‪ ،‬فقيل‪ :‬سنة ست‬ ‫تويف‬

‫((( انظر‪(( :‬رشح النووي عىل صحيح مسلم))‪.58/15 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)248‬‬

‫وستني من اهلجرة (‪66‬هـ)‪ ،‬كام يف ((االستيعاب)) حيث ذكر أنه مات يف أيام املختار‬
‫ابن أيب عبيد وهو قول أيب عبيد القاسم بن سالم‪ ،‬وقيل‪ :‬سنة ثالث وسبعني (‪73‬هـ)‪،‬‬
‫وقيل سنة أربع وسبعني (‪74‬هـ) كام يف ((اإلصابة))‪ ،‬وال((الثقات)) البن حبان‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬سنة ست وسبعني (‪76‬هـ)‪،‬‬
‫وذكر ابن سعد يف ((الطبقات))‪ ،‬وابن حجر يف ((اإلصابة)) أنه مات يف والية‬
‫برش بن مروان عىل العراق‪ ،‬وعىل هذا القول فلن تكون وفاته سنة ست وستني‪،‬‬
‫وال ثالث وسبعني مطلق ًا؛ ألن والية برش ابن مروان كانت سنة أربع وسبعني‪.‬‬
‫و((الثقات))‬ ‫وصىل عليه عمرو بن حريث‪ ،‬كام يف ((اإلصابة)) البن حجر‪،‬‬
‫البن حبان‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫يف احلديث املبارك يرشح ويبني لنا الصحايب اجلليل جابر بن سمرة‬
‫وصالته‪ ،‬وهذا النقل والبيان واإليضاح عن معاينة‬ ‫كيف كانت خطبة النبي‬
‫ْت ُأ َص ِّل َم َع النَّبِ َّي ))‪ ،‬أي‪ :‬خلف النبي ‪ ،‬وقد‬
‫ال عن سامع؛ فلذلك قال‪ُ " :‬كن ُ‬
‫‪ ،‬فقد أخرج الطرباين عنه أنه قال‪" :‬أن‬ ‫وأرضاه صلوات كثرية خلفه‬ ‫صىل‬
‫كان خيطب قائ ًام‪ ،‬ثم جيلس‪ ،‬ثم يقوم‪ ،‬فيخطب قائ ًام‪ ،‬فمن نبأك أنه خيطب‬ ‫النبي‬
‫جالس ًا أو قاعد ًا ‪ ..‬فقد كذب‪ ،‬فقد واهلل صليت معه أكثر من ألفي مرة"‪.‬‬
‫َّخ ِفيف ا َمل ِ‬ ‫َت ص َل ُته َقصد ًا))‪َ ،‬أي‪ :‬بي ال ُّطول ال َّظ ِ‬
‫احق‪،‬‬ ‫اهر‪َ ،‬والت ْ‬ ‫ْ َْ‬ ‫قوله‪َ (( :‬فكَان ْ َ ُ ْ‬
‫فيأيت بمكمالهتا ومسنوهنا من غري طول وال قرص‪.‬‬
‫(( َو ُخ ْط َب ُت ُه)) للجمعة ولغريها (( َق ْصد ًا)) كذلك بني الطول والقرص‪ ،‬وقصد‬
‫متوسطة بني اإلفراط والتفريط‬ ‫كل يشء حتسينه‪ ،‬وقد كانت صالته وخطبته‬
‫(‪)249‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫من التقصري والتطويل‪.‬‬

‫™™تنبيـــه‪:‬‬
‫فيام أخرجه‬ ‫قد يظن الواحد أن هناك تعارض بني هذا احلديث وبني قوله‬
‫ِ‬ ‫ِِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الص َلةَ‪،‬‬‫ص ُخ ْط َبته َمئنَّ ٌة م ْن ف ْق ِهه‪َ ،‬ف َأطي ُلوا َّ‬ ‫الر ُج ِل َوق َ َ‬‫ول َص َلة َّ‬ ‫مسلم‪(( :‬إِ َّن ُط َ‬
‫ان ِس ْحر ًا))‪ ،‬واحلقيقة أنه ال تعارض بينهام‪ ،‬قال اإلمام‬ ‫اخل ْط َب َة‪َ ،‬وإِ َّن ِم ْن ال َب َي ِ‬‫صوا ُ‬ ‫َوا ْق ُ ُ‬
‫ورة ِف األَ ْمر‬ ‫النووي عن هذا احلديث‪" :‬و َليس ه َذا احل ِديث ُمَالِف ًا لِ َ ِ ِ‬
‫أل َحاديث ا َمل ْش ُه َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫ِ ِِ‬ ‫بِت ْ ِ ِ‬
‫َت َص َلته َق ْصد ًا َو ُخ ْط َبته َق ْصد ًا"؛‬ ‫الص َلة؛ ل َق ْوله ِف ِّ‬
‫الر َوا َية األُ ْخ َرى‪" :‬وكَان ْ‬ ‫َخفيف َّ‬
‫الص َلة َتكُون َط ِوي َلة بِالن ِّْس َب ِة إِ َل اخلُ ْط َبة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِلَ َّن ا ُملراد بِا ِ ِ ِ‬
‫حلديث ا َّلذي ن َْح ُن فيه َأ َّن َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ني‪َ ،‬و ِه َي ِحين َِئ ٍذ َق ْصدٌ ‪َ ،‬أ ْي‪ُ :‬م ْعت َِد َلة‪َ ،‬واخلُ ْط َبة َق ْصدٌ‬
‫وم َ‬ ‫ال ي ُش ّق َع َل ا َمل ْأم ِ‬
‫ُ‬ ‫َل َت ْط ِوي ً َ‬
‫ِ‬
‫(((‬
‫عها" اهـ‪.‬‬ ‫بِالن ِّْس َبة إِ َل َو ْض َ‬
‫وقال يف ((حتفة األحوذي))‪" :‬قال القارئ يف ((املرقاة)) ال تنايف بينهام‪ ،‬فإن‬
‫األول دل عىل االقتصاد فيهام‪ ،‬والثاين عىل اختيار املزية يف الثانية منهام" اهـ‪ ،‬ثم قال‬
‫بعد ذلك بقليل‪" :‬وقال العراقي يف ((رشح الرتمذي))‪ :‬أو حيث احتيج إىل التطويل‬
‫إلدراك بعض من ختلف‪ ،‬قال‪ :‬وعىل تقدير تعذر اجلمع بني احلديثني يكون األخذ‬
‫(((‬
‫يف حقنا بقوله ألنه أول ال بفعله الحتامل التخصيص" اهـ‪.‬‬

‫™™تنبيه آخر‪:‬‬
‫قد يظن البعض أيض ًا أن هناك تعارض بني احلديث الذي نحن بصدده وبني‬
‫ب حيث َق َال‪َ :‬ص َّل بِنَا َر ُس ُ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ال َف ْج َر‬ ‫ول اهلل‬ ‫حديث َأ ِب َز ْيد َي ْعني َع ْم َرو ْب َن َأ ْخ َط َ‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.111/6 :‬‬


‫((( ((حتفة األحوذي))‪.271/2 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)250‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ض ْت ال ُّظ ْه ُر‪َ ،‬فن ََز َل َف َص َّل‪ُ ،‬ث َّم َصعدَ املن َ َ‬
‫ْب‪َ ،‬ف َخ َط َبنَا‬ ‫ْب‪َ ،‬ف َخ َط َبنَا َحتَّى َح َ َ‬ ‫َو َصعدَ املن َ َ‬
‫ِ ِ‬
‫الش ْم ُس‪،‬‬ ‫ص‪ُ ،‬ث َّم ن ََز َل َف َص َّل‪ُ ،‬ث َّم َصعدَ املن َ َ‬
‫ْب‪َ ،‬ف َخ َط َبنَا َحتَّى َغ َر َب ْت َّ‬ ‫ض ْت ال َع ْ ُ‬ ‫َحتَّى َح َ َ‬
‫َان‪ ،‬وبِم هو ك ِ‬
‫َائ ٌن‪َ ،‬ف َأ ْع َل ُمنَا َأ ْح َف ُظنَا" أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫بنَا بِ َم ك َ َ َ ُ َ‬ ‫َف َأ ْخ َ َ‬
‫وال تعارض كذلك بينهام‪ ،‬قال يف ((حتفة األحوذي))‪" :‬قلت‪ :‬ال تنايف بينهام؛‬
‫لورود ما يف حديث أيب زيد نادرا اقتضاه الوقت‪ ،‬ولكونه بيانا للجواز‪ ،‬وكأنه كان‬
‫(((‬
‫واعظ ًا‪ ،‬والكالم يف اخلطب املتعارفة‪ ،‬قاله القارىء" اهـ‪.‬‬
‫ملا أويت من‬ ‫وليس يف قوله "قصد ًا" ما يدل عىل اإلخالل مطلق ًا؛ ألنه‬
‫جوامع الكلم كان جيمع املعاين الكثرية يف األلفاظ اليسرية‪ ،‬ومل يبالغ يف اإلجياز؛ ألنه‬
‫بصدد البيان‪ ،‬واملبالغة فيه تؤدي إىل خالف ما هو بصدده غالب ًا‪.‬‬
‫(((‬
‫قال اإلمام املناوي‪" :‬وقرص اخلطبة مندوب‪ ،‬وأوجبه الظاهرية" اهـ‪.‬‬
‫وينبغي للخطيب أن ال يطيل عىل الناس يف اخلطبة فيملوا حديثة‪َ ،‬ف َع ْن َش ِق ٍيق‬
‫َان َع ْبدُ اهلل ‪ -‬يعني ابن مسعود ‪ُ -‬ي َذك ُِّرنَا ك َُّل َي ْو ِم َخِ ٍ‬
‫يس‪َ ،‬ف َق َال َل ُه‬ ‫َأ ِب َو ِائ ٍل َق َال‪ :‬ك َ‬
‫ب َح ِدي َث َك‪َ ،‬ون َْشت َِه ِيه‪َ ،‬و َل َو ِد ْدنَا َأن ََّك َحدَّ ْث َتنَا ك َُّل َي ْو ٍم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ح ِن إِنَّا نُح ُّ‬
‫ِ‬
‫َر ُج ٌل‪َ :‬يا َأ َبا َع ْبد َّ‬
‫الر ْ َ‬
‫َخ َّو ُلنَا‬ ‫ك َ‬
‫َان َيت َ‬ ‫ول اهلل‬ ‫اه َي ُة َأ ْن ُأ ِم َّلك ُْم‪ ،‬إِ َّن َر ُس َ‬
‫َف َق َال‪ :‬ما يمنَعنِي َأ ْن ُأحدِّ َثكُم إِ َّل كَر ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ ُ‬
‫السآ َم ِة َع َل ْينَا‪ .‬أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫بِا َمل ْوع َظة ِف األَ َّيا ِم ك ََراه َي َة َّ‬
‫الس َو ِائ ِّي َق َال‪" :‬ك َ‬
‫َان َر ُس ُ‬
‫ول اهلل‬ ‫ويف حديث أيب داؤد َع ْن َجابِ ِر ْب ِن َس ُم َر َة ُّ‬
‫ات"‪.‬‬ ‫جل ُم َع ِة إِن ََّم ُه َّن ك َِل َم ٌت َي ِس َري ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َل ُيط ُيل ا َمل ْوع َظ َة َي ْو َم ا ُ‬
‫كام ينبغي لإلمام أن ال يطيل الصالة‪ ،‬فإن خلفه الكبري يف السن واملريض‪،‬‬

‫((( ((حتفة االحوذي))‪.271/2 :‬‬


‫((( ((فيض القدير))‪.226/3 :‬‬
‫(‪)251‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫اري َق َال‪َ :‬أ ْقب َل رج ٌل بِن ِ‬
‫َاض َح ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ي‪َ ،‬و َقدْ َجن ََح ال َّل ْي ُل‪َ ،‬ف َوا َف َق‬ ‫َ َ ُ‬ ‫نص ِ َّ‬ ‫فعن َجابِ َر ْب َن َع ْبداهلل األَ َ‬
‫اذ‪َ ،‬ف َقر َأ بِسور ِة الب َقر ِة َأو النِّس ِ‬ ‫َاضحه و َأ ْقب َل إِ َل مع ٍ‬ ‫ِ‬
‫اء‪َ ،‬فا ْن َط َل َق‬ ‫َ ُ َ َ َ ْ َ‬ ‫َُ‬ ‫ت َك ن َ ُ َ َ‬ ‫ُم َعا ًذا ُي َص ِّل‪َ ،‬ف َ َ‬
‫الر ُج ُل‪َ ،‬و َب َل َغ ُه َأ َّن ُم َعا ًذا ن ََال ِمنْ ُه‪َ ،‬ف َأتَى النَّبِ َّي ‪َ ،‬ف َشكَا إِ َل ْي ِه ُم َعا ًذا‪َ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي ‪:‬‬ ‫َّ‬
‫الش ْم ِ‬
‫س‬ ‫ك‪َ ،‬و َّ‬ ‫ت بِ َس ِّبحِ ْاس َم َر ِّب َ‬ ‫ث ِم َر ٍار‪َ ،‬ف َل ْو َل َص َّل ْي َ‬
‫ْت‪َ ،‬أ ْو َأ َفاتِ ٌن َث َل َ‬
‫َّان َأن َ‬ ‫(( َيا ُم َعا ُذ َأ َفت ٌ‬
‫احل ِ‬ ‫الض ِع ُ‬
‫اها‪َ ،‬وال َّل ْي ِل إِ َذا َيغ َْشى‪َ ،‬فإِ َّن ُه ُي َص ِّل َو َر َاء َك ال َكبِ ُري‪َ ،‬و َّ‬
‫اجة))‬ ‫يف‪َ ،‬و ُذو َ َ‬ ‫َو ُض َح َ‬
‫أخرجه البخاري‪.‬‬
‫(((‬
‫وقد اشرتط الفقهاء جلواز تطويل اإلمام يف الصالة رشوط ًا وهي‪:‬‬
‫ ) أإن أ ّم حمصورين‪.‬‬
‫ ) بإن رضوا بالتطويل‪ ،‬واعتربالشيخ ابن حجر رضاهم بالنطق ‪ ،‬وقال الشيخ‬
‫الرميل‪ :‬يكفي الظن‪.‬‬
‫ ) جإذا كانت اجلامعة بمسجد غري مطروق‪.‬‬
‫ ) دأن ال يطرأ عليهم غريهم وإن قل حضوره‪.‬‬
‫ ) هأن ال يتعلق بعينهم حق كأجراء إجارة عني عىل عمل ناجز‪ ،‬و أر ّقاء أو‬
‫حليالت‪.‬‬
‫أنه قرأ سورة معينة يف صالة‬ ‫وهذا فيام مل يرد فيه نص‪ ،‬أي‪ :‬فيام مل يرد عنه‬
‫كان يقرأ بالسجدة واإلنسان‪ ،‬فإن‬ ‫معينه‪ ،‬كام يف صبح اجلمعة حيث ورد أنه‬
‫ورد ‪ ..‬فال حيتاج إىل هذه الرشوط‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬بغية املسرتشدين))‪ ،)77( :‬و((حاشية اجلمل))‪ ،71/2 :‬و((برشى الكريم))‪.)232( :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)252‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬مراعاة املسلمني والرفق هبم‪.‬‬
‫‪2 .2‬اإلطالة يف اليشء توصل إىل السئامة‪.‬‬
‫ال لفظه كثري ًا معناه‪.‬‬
‫‪3 .3‬خري الكالم ما كان قلي ً‬
‫(‪)253‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث التاسع والعشرون‬

‫‪َ (( :‬يا َع ْبدَ اهلل‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال ِل َر ُس ُ‬


‫ول اهلل‬ ‫َع ْبدُ اهلل ْب ُن َع ْم ِرو ْب ِن ال َع ِ‬
‫اص‬
‫ت َك ِق َيا َم ال َّل ْي ِل)) متفق عليه‪.‬‬ ‫َل َتك ُْن ِم ْث َل ُف َل ٍن ك َ‬
‫َان َي ُقو ُم ال َّل ْي َل َف َ َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمـــه‬
‫هو الصحايب اجلليل اخلاشع الزاهد العابد عبداهلل بن عمرو بن العاص بن‬
‫وائل بن هاشم بن سع ّيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي‬
‫ابن غالب القريش السهمي‪.‬‬
‫(((‬
‫بعبداهلل‪.‬‬ ‫ويقال‪ :‬كان اسمه العاص‪ ،‬فلام أسلم غريه النبي‬
‫‪:‬‬ ‫إسالمـــه‬
‫قبل إسالم أبيه‪ ،‬وكان بينه‬ ‫أسلم سيدنا عبداهلل بن عمرو بن العاص‬
‫(((‬
‫وبني أبيه ثنتا عرشة سنة‪ ،‬وقيل إحدى عرشة سنة‪ ،‬كام يف ((سري أعالم النبالء))‪.‬‬
‫يكنى بأيب حممد‪ ،‬وقيل‪ :‬أيب عبدالرمحن‪ .‬وقيل أبو نصري حكاه أبو نعيم‪ ،‬وهي‬
‫غريبة كام يف ((االستيعاب))‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬سري أعالم النبالء))‪ ،145/3 :‬و((اإلصابة))‪.471/2 :‬‬


‫((( انظر‪(( :‬سري أعالم النبالء))‪.145/3 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)254‬‬
‫(((‬
‫قال ابن معني‪ :‬كنيته أبو عبدالرمحن‪ ،‬واألشهر أبو حممد‪.‬‬
‫وأمه هي‪ :‬رائطة بنت احلجاج بن منبه السهمية كام يف ((سري أعالم النبالء))‬

‫ويف ((االستيعاب))‪ ،‬و((اإلصابة)) أن اسمها ريطة بنت منبه بن احلجاج السهمية‪.‬‬


‫‪:‬‬ ‫صفته وما جاء في فضله‬
‫قال قتادة‪ :‬كان رجال سمينا‪.‬‬
‫وروى محاد بن سلمة‪ ،‬عن عيل بن زيد‪ ،‬عن العريان بن اهليثم‪ ،‬قال‪" :‬وفدت‬
‫مع أيب إىل يزيد‪ ،‬فجاء رجل طوال‪ ،‬أمحر عظيم البطن‪ ،‬فجلس‪ ،‬فقلت‪ :‬من هذا؟‬
‫قيل‪ :‬عبداهلل بن عمرو"‪ .‬أخرجه ابن عساكر‪ ،‬وابن سعد‪.‬‬
‫وعن سليامن بن الربيع قال‪" :‬انطلقت يف رهط من نساك أهل البرصة إىل‬
‫مكة‪.‬‬
‫‪ ،‬فدللنا عىل عبداهلل بن‬ ‫فقلنا‪ :‬لو نظرنا رجال من أصحاب رسول اهلل‬
‫عمرو‪ ،‬فأتينا منزله‪ ،‬فإذا قريب من ثالث مئة راحلة‪.‬‬
‫فقلنا‪ :‬عىل كل هؤالء حج عبداهلل بن عمرو؟ قالوا‪ :‬نعم‪.‬‬
‫هو ومواليه وأحباؤه‪.‬‬
‫قال‪ :‬فانطلقنا إىل البيت‪ ،‬فإذا نحن برجل أبيض الرأس واللحية‪ ،‬بني بردين‬
‫قطريني‪ ،‬عليه عاممة وليس عليه قميص"‪ .‬أخرجه ابن سعد يف ((الطبقات))‪.‬‬
‫يكثر من البكاء‪ ،‬يغلق عليه بابه‪ ،‬ويبكي حتى رمصت عيناه‪.‬‬ ‫كان‬
‫األخبار الكثرية‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬ ‫ولقد وردت يف فضله‬

‫((( انظر‪(( :‬االستيعاب))‪.292/1 :‬‬


‫(‪)255‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ول‪(( :‬نِ ْع َم َأ ْه ُل‬
‫َي ُق ُ‬ ‫‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ول اهلل‬ ‫لح ُة ْب ُن ُع َب ْي ِد اهلل‬ ‫َق َال َط َ‬
‫ت َع ْبدُ اهلل َو َأ ُبو َع ْب ِداهلل َو ُأ ُّم َع ْب ِداهلل)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬
‫البي ِ‬
‫َْ‬
‫يرو أحد مثله عنه النبي‬ ‫ويكفيه شهادة ما قاله عنه الصحايب اجلليل الذي مل ِ‬
‫‪َ " :‬ما ِم ْن‬ ‫حيث قال يف سيدنا عبداهلل بن عمر‬ ‫سيدُ نا أبو هريرة‬
‫َان ِم ْن َع ْب ِداهلل ْب ِن َع ْم ٍرو َفإِ َّن ُه‬
‫َأ َحدٌ َأ ْك َث َر َح ِدي ًثا َعنْ ُه ِمنِّي إِ َّل َما ك َ‬ ‫اب النَّبِ ِّي‬ ‫َأ ْص َح ِ‬
‫َان َأ َحدٌ‬‫ُب" أخرجه البخاري‪ ،‬ويف لفظ عند اإلمام أمحد‪َ " :‬ما ك َ‬ ‫ُب َو َل َأ ْكت ُ‬ ‫ك َ‬
‫َان َي ْكت ُ‬
‫ُب‬ ‫َان َي ْكت ُ‬‫َان ِم ْن َع ْب ِداهلل ْب ِن َع ْم ٍرو َفإِ َّن ُه ك َ‬
‫ِمنِّي إِ َّل َما ك َ‬ ‫ول اهلل‬‫يث رس ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َأ ْع َل َم بِ َحد َ ُ‬
‫ِف‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ول اهلل‬ ‫ُب بِ َيدي َو ْ‬
‫است َْأ َذ َن َر ُس َ‬ ‫بِ َيده َو َيعيه بِ َقلبِه َو ُكن ُْت َأعيه بِ َقلبِي َو َل َأ ْكت ُ‬
‫َاب َعنْ ُه َف َأ ِذ َن َل ُه"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الكت ِ‬

‫يف بداية اإلسالم قد هنى الصحابة عن كتابة احلديث‬ ‫وكان رسول اهلل‬
‫عنه خوف أن خيتلط عليهم احلديث بالقرآن‪ ،‬ومل يأذن هلم إال بكتابة القرآن‪َ ،‬ف َع ْن‬
‫َأ َّن َر ُس َ‬ ‫َأ ِب س ِع ٍ‬
‫يد اخلُدْ ِر ِّي‬
‫َب َعنِّي‬ ‫َق َال‪َ (( :‬ل َت ْك ُت ُبوا َعنِّي َو َم ْن َكت َ‬ ‫ول اهلل‬ ‫َ‬
‫َغ ْي ال ُق ْر ِ‬
‫آن َفل َي ْم ُح ُه)) أخرجه مسلم‪ ،‬وأمحد‪.‬‬ ‫َ‬
‫هلم أن يكتبوا عنه احلديث‪ ،‬وكان ممن أذن هلم سيدنا‬ ‫ثم أذن رسول اهلل‬
‫‪ ،‬فعن صفوان بن سليم عن عبداهلل بن عمرو‬ ‫عبداهلل بن عمرو بن العاص‬
‫يف كتابة ما سمعت منه فأذن يل فكتبته فكان عبداهلل يسمي‬ ‫قال‪ :‬استاذنت النبي‬
‫صحيفته الصادقة‪.‬‬
‫ألف مثل‪ .‬أخرجه أبو يعىل‪.‬‬ ‫حفظت عن النبي‬ ‫وقد قال‬
‫قال‪ :‬حفظت‬ ‫وأرضاه ذا مهة قعساء يف العبادة والذكر فعنه‬ ‫وكان‬
‫‪(( :‬اقرأه يف شهر))‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪:‬‬ ‫القرآن فقرأت به يف ليلة‪ ،‬فقال له رسول اهلل‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)256‬‬

‫يا رسول اهلل‪ ،‬دعني أستمتع من قويت وشبايب‪ ،‬قال‪(( :‬اقرأه يف عرش))‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪:‬‬
‫يا رسول اهلل‪ ،‬دعني أستمتع من قويت وشبايب‪ ،‬قال‪(( :‬اقرأه يف سبع))‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪:‬‬
‫يا رسول اهلل‪ ،‬دعني أستمتع من قويت وشبايب‪ ،‬قال‪ :‬فأبى‪ .‬أخرجه ابن حبان‪.‬‬
‫ورع ًا شديد الورع‪ ،‬فعن هارون بن رئاب قال‪ :‬ملا حرضت‬ ‫وكان‬
‫عبداهلل بن عمرو الوفاة قال‪ :‬أنه كان خطب إيل ابنتي رجل من قريش وقد كان مني‬
‫بثلث النفاق اشهدوا اين قد زوجتها إياه‪.‬‬ ‫إليه شبيه بالوعد‪ ،‬فواهلل ال ألقى اهلل‬
‫أخرجه ابن عساكر‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫يف سيدنا عبداهلل بن عمرو‪،‬‬ ‫قد ذكرنا ما قاله الصحايب اجلليل أبو هريرة‬
‫عن كثري من الصحابة فمنهم‪:‬‬ ‫وقد روى‬
‫أيب بكر الصديق‪ ،‬وعمر بن اخلطاب‪ ،‬ومعاذ بن جبل‪ ،‬ورساقة بن مالك‪،‬‬
‫أمجعني‪.‬‬ ‫وأبيه عمرو‪ ،‬وعبدالرمحن بن عوف‪ ،‬وأيب الدرداء‬
‫وحدث عنه كثريون‪ ،‬فمنهم‪:‬‬
‫داود)) و((الرتمذي))‬ ‫ابنه حممد عىل نزاع يف ذلك‪ ،‬ورواية حممد عنه يف ((أيب‬
‫و((النسائي))‪ ،‬ومواله أبو قابوس‪ ،‬وحفيده شعيب بن حممد‪ ،‬فأكثر عنه‪ ،‬وخدمه‬
‫ولزمه‪ ،‬وتربى يف حجره‪ ،‬ألن أباه حممدا مات يف حياة والده عبداهلل‪ ،‬وحدث عنه‬
‫أيضا‪ :‬مواله إسامعيل‪ ،‬ومواله سامل‪ ،‬وأنس بن مالك‪ ،‬وأبو أمامة بن سهل‪ ،‬وجبري‬
‫بن نفري‪ ،‬وسعيد بن املسيب‪ ،‬وعروة‪ ،‬وأبو سلمة بن عبدالرمحن‪ ،‬وزر بن حبيش‪،‬‬
‫ومحيد بن عبدالرمحن بن عوف‪ ،‬وخيثمة بن عبدالرمحن اجلعفي‪ ،‬وأبو العباس‬
‫السائب بن فروخ الشاعر‪ ،‬والسائب الثقفي والد عطاء‪ ،‬وطاووس والشعبي‪،‬‬
‫(‪)257‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وعكرمة وعطاء‪ ،‬والقاسم‪ ،‬وجماهد‪ ،‬ويزيد بن الشخري‪ ،‬وأبو املليح بن أسامة‪،‬‬
‫واحلسن البرصي‪ ،‬وأبو اجلوزاء أوس الربعي‪ ،‬وعيسى بن طلحة‪ ،‬وابن أخيه‬
‫إبراهيم بن حممد بن طلحة‪ ،‬وبرش بن شغاف‪ ،‬وجنادة بن أيب أمية‪ ،‬وربيعة بن سيف‪،‬‬
‫ورحيان بن يزيد العامري‪ ،‬وسامل بن أيب اجلعد‪ ،‬وأبو السفر سعيد بن حيمد‪ ،‬وسلامن‬
‫االغر‪ ،‬شفعة السمعي‪ ،‬وشفي بن ماتع‪ ،‬وشهر بن حوشب‪ ،‬وطلق بن حبيب‪،‬‬
‫وعبداهلل بن باباه‪ ،‬وعبداهلل بن بريدة‪ ،‬وعبداهلل بن رباح األنصاري‪ ،‬وعبداهلل بن‬
‫صفوان بن أمية‪ ،‬وابن أيب مليكة‪ ،‬وعبداهلل بن فريوز الديلمي‪ ،‬وأبو عبدالرمحن‬
‫احلبيل‪ ،‬وعبدالرمحن بن جبري‪ ،‬وعبدالرمحن بن حجرية‪ ،‬وعبدالرمحن بن رافع قايض‬
‫إفريقية‪ ،‬وعبدالرمحن بن شامسة‪ ،‬وعبدالرمحن بن عبد رب الكعبة‪ ،‬وعبدة بن أيب لبابة‬
‫ومل يدركه‪ ،‬وعطاء بن يسار‪ ،‬وعطاء العامري‪ ،‬وعقبة بن أوس‪ ،‬وعقبة بن مسلم‪،‬‬
‫وعامرة بن عمرو بن حزم‪ ،‬وعمر بن احلكم بن رافع‪ ،‬وأبو عياض عمرو بن االسود‬
‫العنيس‪ ،‬وعمرو بن أوس الثقفي‪ ،‬وعمرو بن حريش الزبيدي‪ ،‬وعمرو بن دينار‪،‬‬
‫وعمرو بن ميمون االودي‪ ،‬وعمران بن عبداملعافري‪ ،‬وعيسى بن هالل الصديف‪،‬‬
‫والقاسم ابن ربيعة الغطفاين‪ ،‬والقاسم بن خميمرة‪ ،‬وقزعة بن حييى‪ ،‬وكثري بن مرة‪،‬‬
‫وحممد بن هدية الصديف‪ ،‬وأبو اخلري اليزين‪ ،‬ومسافع بن شيبة احلجبي‪ ،‬ومرسوق‬
‫ابن االجدع‪ ،‬وأبو حييى مصدع‪ ،‬وناعم موىل أم سلمة‪ ،‬ونافع بن عاصم بن عروة‬
‫ابن مسعود الطائفي‪ ،‬وأخوه يعقوب‪ ،‬وأبو العريان اهليثم النخعي‪ ،‬والوليد بن‬
‫عبدة‪ ،‬ووهب بن جابر اخليواين‪ ،‬ووهب بن منبه وحييى بن حكيم بن صفوان بن‬
‫أمية‪ ،‬ويوسف بن ماهك‪ ،‬وأبو أيوب املراغي‪ ،‬وأبو بردة بن أيب موسى‪ ،‬وأبو حازم‬
‫االعرج ومل يلقه‪ ،‬وأبو حرب ابن أيب االسود‪ ،‬وأبو راشد احلرباين‪ ،‬وأبو الزبري‬
‫املكي‪ ،‬وأبو زرعة بن عمرو بن حريز‪ ،‬وأبو سامل اجليشاين‪ ،‬وأبو فراس موىل والده‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)258‬‬

‫عمرو‪ ،‬وأبوقبيالملعافري‪ ،‬وأبو كبشة السلويل‪ ،‬وأبو كثري الزبيدي‪ ،‬وأبو املليح بن‬
‫أسامة‪.‬‬
‫سبعامئة (‪ )700‬حديث ًا‪ ،‬اتفق له‬ ‫وأرضاه عن النبي‬ ‫وقد روى‬
‫البخاري ومسلم عىل سبعة عرشحديث كام يف ((دليل الفاحلني))‪ ،‬وقيل‪ :‬سبعة كام‬
‫يف ((سري أعالم النبالء))‪ ،‬وانفرد البخاري بثامنية‪ ،‬ومسلم بعرشين‪.‬‬
‫للحديث قليلة بالنسبة للصحايب اجلليل أيب هريرة‬ ‫ونجد هنا أن روايته‬
‫رغم أنه كان يكتب‪ ،‬وكان أبو هريرة ال يكتب‪ ،‬والسبب يف ذلك أن سيدنا‬
‫سكن مرص‪ ،‬وكان الواردون إليها ألخذ العلم قليلني‪ ،‬بخالف‬ ‫عبداهلل بن عمر‬
‫فإنه استوطن املدينة وهي مقصد املسلمني من كل جهة‪.‬‬ ‫أيب هريرة‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتـــه‬
‫إىل أقوال وهي‪:‬‬ ‫اختلف يف موطن موت سيدنا عبداهلل بن عمرو‬
‫(((‬
‫بالشام‪ :‬وهو قول حممد بن عمر‪ ،‬والواقدي‪ ،‬وجزم به ابن يونس‪.‬‬
‫(((‬
‫وقال حييى بن عبداهلل بن بكري‪ :‬مات بأرضه بالسبع من فلسطني‪.‬‬
‫(((‬
‫وقال ابن أيب عاصم‪ :‬مات بمكة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬تويف بالطائف‪ ،‬وهو قول خليفة‪.‬‬
‫والصحيح‪ :‬أنه تويف بمرص‪ ،‬ودفن يف داره‪.‬‬
‫واختلفوا يف سنة وفاته‪ ،‬فقال أمحد بن حنبل‪ :‬مات عبداهلل بن عمرو بن‬

‫((( انظر‪(( :‬صفة الصفوة))؛ طبعة‪ :‬مكتبة مرزوق‪ ،298/1 :‬و((اإلصابة))‪.472/2 :‬‬
‫((( انظر‪(( :‬االستيعاب))‪.293/1 :‬‬
‫((( انظر‪(( :‬اإلصابة))‪.472/2 :‬‬
‫(‪)259‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫العاص ليايل احلرة يف والية يزيد بن معاوية‪ ،‬وكانت احلرة يوم األربعاء لليلتني بقيتا‬
‫(((‬
‫من ذي احلجة سنة ثالث وستني للهجرة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ست وستني‪ ،‬وقيل‪ :‬مخس ومخسني‪ ،‬وقيل‪ :‬ثامن وستني‪ ،‬وقيل‪ :‬ثالث‬
‫وسبعني وهو ضعيف‪.‬‬
‫وحكى البخاري قوال آخر‪ :‬إنه مات سنة تسع وستني‪.‬‬
‫وهو ابن اثنتني وسبعني سنة‪.‬‬ ‫وتويف‬
‫وأرضاه ومجعنا به يف أعىل فراديس اجلنان آمني اللهم آمني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫هذا اللفظ ورد عند اإلمام البخاري‪ ،‬ولفظ اإلمام مسلم‪َ (( :‬ل َتك ُْن بِ ِم ْث ِل‬
‫ت َك ِق َيا َم ال َّل ْي ِل))‪ ،‬ويف لفظ عند اإلمام أمحد‪َ (( :‬ل َتكُون ََّن ِم ْث َل‬ ‫ُف َل ٍن ك َ‬
‫َان َي ُقو ُم ال َّل ْي َل َف َ َ‬
‫ت َك ِق َيا َم ال َّل ْي ِل))‪.‬‬ ‫ُف َل ٍن ك َ‬
‫َان َي ُقو ُم ال َّل ْي َل َف َ َ‬
‫وجه اخلطاب له‪،‬‬
‫به حيث ّ‬ ‫‪َ (( :‬يا َع ْبدَ اهلل))؛ يدل عىل اهتاممه‬ ‫قوله‬
‫عىل قيام الليل‪.‬‬ ‫وذلك لعمله بمحافظة سيدنا عبداهلل‬
‫(( َل َتك ُْن ِم ْث َل ُف َل ٍن))‪ :‬مل يدر من هو‪ ،‬وفيه احتامالت‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أن اإلهبام من أحد الرواة‪ ،‬وهو الظاهر كام قاله يف ((عمدة القاري))‪.‬‬
‫إن اإلهبام لقصد السرت عليه‪.‬‬
‫مل يقصد شيخا معينا وإنام أراد ترغيب عبداهلل بن عمرو‬ ‫أن يكون النبي‬
‫يف قيام الليل حتى ال يكون مثل من كان قائام منه ثم تركه‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬االستيعاب))‪.293/1 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)260‬‬

‫قال احلافظ ابن حجر يف ((الفتح))‪" :‬مل اقف عىل تسميته يف يشء من الطرق‪،‬‬
‫وكان إهبام مثل هذا لقصد السرته عليه كالذي تقدم قريبا يف الذي نام حتى أصبح‪،‬‬
‫مل يقصد شخصا معينا‪ ،‬وإنام أراد تنفري عبداهلل بن عمرو‬ ‫وحيتمل أن يكون النبي‬
‫(((‬
‫من الصنيع املذكور" اهـ‪.‬‬
‫ِ‬
‫يرتض صاحب ((عمدة القاري)) االحتاملني األخريين‪ ،‬فقال بعد أن‬ ‫ومل‬
‫ساقهام‪" :‬قلت‪ :‬كل ذلك غري موجه‪ ،‬أما قوله‪( :‬السرت عليه) فغري سديد؛ ألن قيام‬
‫الليل مل يكن فرض ًا عىل فالن املذكور‪ ،‬فال يكون برتكه عاصيا حتى يسرت عليه‪ ،‬وأما‬
‫قوله‪( :‬وحيتمل إىل آخره) فأبعد من األول عىل ما ال خيفى؛ ألن الشخص إذا مل يكن‬
‫معينا كيف ينفر غريه من صنيعه‪ ،‬وأما قوله‪(:‬أراد تنفري عبد اهلل) فكان األحسن فيه‬
‫أن يقال‪ :‬أراد ترغيب عبد اهلل يف قيام الليل حتى ال يكون مثل من كان قائام منه ثم‬
‫(((‬
‫تركه" اهـ‪.‬‬
‫والصواب‪ :‬أن تنفريه من ترك القيام هو ترغيب له فيه‪ ،‬فال فرق أصالً‪.‬‬
‫وقد قال بعض املحققني‪ :‬ال ينبغي الفحص عمن أهبم يف مثل هذا املقام‪،‬‬
‫فالسرت عن أويل التقصري من شأن الناقد البصري‪.‬‬
‫َان َي ُقو ُم ال َّل ْي َل))‪ ،‬أي‪ :‬لصالة التهجد‪ ،‬غالب الليل أو كله‪.‬‬
‫((ك َ‬
‫ت َك ِق َيا َم ال َّل ْي ِل))‪ ،‬أي‪ :‬تركه من أصله‪ ،‬حني ثقل عليه‪ ،‬فيكون املراد ترغيبه‬
‫(( َف َ َ‬
‫يف األستمرار عىل الطاعة‪ ،‬وعدم قطعها‪ ،‬وقد يكون املراد ال تزد أنت يف القيام أيض ًا‬
‫فترتكه‪.‬‬

‫((( ((فتح الباري))‪.42/3 :‬‬


‫((( ((عمدة القاري))‪.251/6 :‬‬
‫(‪)261‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وإنام كره منه ذلك ملا يؤذن به من قلة االكرتاث بأمر الطاعة واالحتفال؛ إذ لو‬
‫كان مكرتث ًا حمتف ً‬
‫ال به حلياة قلبه ملا وقع منه ذلك‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪.‬‬ ‫‪1 .1‬ينبغي سرت املؤمن وعدم إظهار النقص فيه‪ ،‬فهذه أوصاف احلبيب‬
‫‪2 .2‬أن قيام الليل ليس بواجب إذ لو كان واجبا ‪ ..‬مل يكتف لتاركه هبذا القدر بل‬
‫كان يذمه أبلغ الذم‪.‬‬
‫‪3 .3‬استحباب الدوام عىل ما اعتاده املرء من خري من غري تفريط‪.‬‬
‫‪4 .4‬كراهة قطع العبادة وإن مل تكن واجبة‪.‬‬
‫‪5 .5‬ذم قطع ما يعتاده اإلنسان من عمل الرب؛ ولذا أمر اإلنسان أال يفعل من الرب‬
‫إال ما يطيق إدامته‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)262‬‬

‫احلديث الثالثون‬

‫اجل َّن َة إِ َّل َم ْن‬ ‫َق َال‪(( :‬ك ُُّل ُأ َّمتِي َيدْ ُخ ُل َ‬
‫ون َ‬ ‫ول اهلل‬ ‫َأ َّن َر ُس َ‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ول اهلل؟ َق َال‪َ (( :‬م ْن َأ َطا َعنِي َد َخ َل َ‬
‫اجلنَّ َة‪َ ،‬و َم ْن َع َص ِان َف َقدْ‬ ‫َأ َبى)) ِق ْي َل‪َ :‬و َم ْن َي ْأ َبى َيا َر ُس َ‬
‫َأ َبى)) رواه البخاري‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫اجلنَّ َة))‪ :‬ظاهره أن العموم مستمر؛ ألن ك ً‬
‫ال‬ ‫‪(( :‬ك ُُّل ُأ َّمتِي َيدْ ُخ ُل َ‬
‫ون َ‬ ‫قوله‬
‫منهم ال يمتنع من دخول اجلنة‪ ،‬واملراد باألمة هنا أمة الدعوة‪ ،‬فيدخل يف ذلك‬
‫املؤمن والكافر‪ ،‬أي‪ :‬من كان كافرا ثم أسلم‪ ،‬أما من مات عىل كفره ‪ ..‬فهو يف النار؛‬
‫وبي ذلك يف آخر احلديث أن الكافر الذي يأبى الدخول يف‬
‫ّ‬ ‫فصل‬
‫ولذلك ّ‬
‫اإلسالم ويموت عىل كفره ال يدخل اجلنة‪ ،‬وقيل‪ :‬أمة اإلجابة‪ ،‬وهم من استجاب‬
‫لإلسالم‪.‬‬
‫((إِ َّل َم ْن َأ َبى))‪ ،‬قال اإلمام املناوي‪" :‬إال من أبى‪ :‬بفتح اهلمزة واملوحدة‬
‫بامتناعه عن قبول الدعوى‪ ،‬أو برتكه الطاعة التي هي سبب لدخوهلا؛ ألن من ترك‬
‫ما هو سبب يشء ال يوجد بغريه فقد أبى‪ ،‬أي‪ :‬امتنع‪ ،‬واملراد أمة الدعوة‪ ،‬فاآليب‬
‫هو الكافر بامتناعه عن قبول الدعوة‪ ،‬وقيل‪ :‬أمة اإلجابة‪ ،‬فاآليب هو العايص منهم‪،‬‬
‫(‪)263‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(((‬
‫استثناهم تغليظ ًا وزجر ًا عن املعايص" اهـ‪.‬‬
‫ول‬ ‫ال منهم ال يمتنع من دخول اجلنة (( ِق ْي َل)) له‬
‫‪َ (( :‬و َم ْن َي ْأ َبى َيا َر ُس َ‬ ‫وألن ك ً‬
‫‪:‬م ْن َأ َطا َعنِي)) بقبول اإلسالم وامتثال أمري‪،‬‬
‫اهلل؟))‪ ،‬أي‪ :‬من يمتنع من دخوهلا‪َ (( ،‬ق َال َ‬
‫اجلنَّ َة‪َ ،‬و َم ْن َع َص ِان))بعدم التصديق يب أصالً‪ ،‬أو‬
‫فانقاد وأذعن ملا جئت به ‪َ (( ..‬د َخ َل َ‬
‫هنيت عنه ‪َ (( ..‬ف َقدْ َأ َبى))‪ ،‬فبني بذلك أن إسناد االمتناع إليهم عن الدخول‬ ‫بفعل ما ُ‬
‫‪.‬‬ ‫جماز عن االمتناع عن سببه‪ ،‬أي‪ :‬سبب الدخول‪ ،‬وهو عصيان الرسول‬
‫ولربام قال القائل‪ :‬أن العايص يدخل اجلنة أيض ًا‪ ،‬إذ ال يبقى خملد ًا يف النار‪،‬‬
‫ال يدخل اجلنة؟‬ ‫بمعنى أنه يدخل اجلنة‪ ،‬بينام احلديث يقول أنه من عصاه‬
‫فاجلواب‪ :‬إما أن املراد باإلباء عدم قبول اإلسالم‪ ،‬ويف هذه احلالة زال‬
‫اإلشكال‪ ،‬أو أن املراد به كذلك العايص ويكون املعنى‪ :‬أنه ال يدخل يف أول احلال‪،‬‬
‫قال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬واملوصوف باإلباء وهو االمتناع‪ ،‬إن كان عن أصل‬
‫الدخول يف اإلسالم ‪ ..‬فكافر ال يدخل اجلنة البتة‪ ،‬وإن كان بعد الدخول فيه ‪..‬‬
‫(((‬
‫فاملراد منعه عن الدخول فيها من الفائزين" اهـ‪.‬‬
‫وقال يف ((فيض القدير))‪" :‬واملوصوف باإلباء إن كان كافر ًا ‪ ..‬ال يدخل اجلنة‬
‫(((‬
‫أصالً‪ ،‬أو مسل ًام ‪ ..‬مل يدخلها مع السابقني األولني" اهـ‪.‬‬
‫هي طاعة اهلل تعاىل‪ ،‬غذ هو من أرسله وجعل طاعته‬ ‫وطاعة الرسول‬
‫‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ :‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ‬ ‫من طاعة رسوله‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﱸ [النساء‪ ،]80 :‬وقال تعاىل‪ :‬ﱹ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬

‫((( ((فيض القدير))‪.254/6 :‬‬


‫((( ((دليل الفاحلني))‪.353/1 :‬‬
‫((( ((فيض القدير))‪.254/6 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)264‬‬

‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﱸ [احلرش‪.]7 :‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫جاء داعيا إىل اجلنة‪ ،‬حمذر ًا من النار‪.‬‬ ‫‪1 .1‬أن الرسول‬
‫‪2 .2‬أن دخول اجلنة مرشوط بطاعة اهلل ورسوله‪ ،‬وهو حمرم عىل من كفر‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن طاعة الرسول من طاعة اهلل‪.‬‬
‫(‪)265‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث احلادي والثالثون‬

‫‪َ :‬أ َّن َر ُج ًل‬ ‫اس َس َل َم َة ْب ِن َع ْم ٍ‬


‫رو ْب ِن األَك َْو ِع‬ ‫عن أيب مسلم‪ ،‬وقيل‪ :‬أيب إِ َي ٍ‬
‫ِ‬ ‫بِ ِش َملِ ِه‪َ ،‬ف َق َال‪(( :‬كُل بِ َي ِمين ِ َ‬ ‫َأك ََل ِعنْدَ رس ِ‬
‫يع‪َ .‬ق َال‪َ (( :‬ل‬ ‫ك)) َق َال‪َ :‬ل َأ ْستَط ُ‬ ‫ول اهلل‬ ‫َ ُ‬
‫ب‪َ ،‬ف َم َر َف َع َها إِ َل فِ ِيه‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت)) َما َم َن َع ُه إ َّل الك ْ ُ‬‫ْاس َت َط ْع َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمـــه‬
‫هو الصحايب اجلليل الشجاع الرامي سلمة بن عمرو بن األكوع‪ ،‬واسم‬
‫(((‬
‫األكوع‪ :‬سنان بن عبداهلل ابن قشريبن خزيمة بن مالك بن سالمان بن أسلم‬
‫األسلمي‪.‬‬
‫(((‬
‫وقيل‪ :‬اسم أبيه وهب‪ ،‬وقيل غري ذلك‪.‬‬
‫يكنى بأيب إياس‪ ،‬وهو ابنه‪ ،‬وعليه األكثرون‪ ،‬وقيل‪ :‬بأيب مسلم كام يف رواية‬
‫البخاري وأمحد اآلتية إن شاء اهلل تعاىل عند ذكر فضائله‪ ،‬وقيل‪ :‬أيب عامر‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫قصة إسالمه‬
‫وهي قصة غريبة ذكرها ابن عبدالرب يف (االستيعاب) عن أبن اسحاق‪ ،‬حيث‬
‫قال ابن عبدالرب‪" :‬قال ابن إسحاق‪ :‬وقد سمعت أن الذي كلمه الذئب سلمة بن‬

‫((( ويف ((االستيعاب)) البن عبدالرب‪ :‬ابن األفىص‬


‫((( انظر‪(( :‬اإلصابة))‪.90/2 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)266‬‬

‫األكوع‪ .‬قال سلمة‪ :‬رأيت الذئب قد أخذ ظبي ًا فطلبته حتى نزعته منه‪ ،‬فقال‪ :‬وحيك!‬
‫مايل ولك عمدت إىل رزق رزقنيه اهلل ليس من مالك تنتزعه مني؟ قال‪ :‬قلت أيا‬
‫عباد اهلل إن هذا لعجب ذئب يتكلم‪ ،‬فقال الذئب‪ :‬أعجب من هذا أن النبي‬
‫يف أصول النخل يدعوكم إىل عبادة اهلل‪ ،‬وتأبون إال عبادة األوثان ‪ ..‬قال‪ :‬فلحقت‬
‫فأسلمت‪ .‬فاهلل أعلم أي ذلك كان‪ .‬ذكر ذلك ابن إسحاق بعد ذكر‬ ‫برسول اهلل‬
‫(((‬
‫رافع بن عمرية الذي كلمه الذئب" اهـ‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫ما ورد في فضله‬
‫يعد الصحايب اجلليل سلمة بن األكوع من أشجع الصحابة وأرماهم‬
‫‪ ،‬وبايع‬ ‫وأسخاهم‪ ،‬شهد بيعة الرضوان باحلديبية‪ ،‬وكانت أول مشاهده‬
‫يومئذ ثالث مرات يف أول الناس وأوسطهم وآخرهم‪ ،‬وقد غزا‬ ‫ٍ‬ ‫رسول اهلل‬
‫سبع غزوات‪َ ،‬ف َع ْن َي ِزيدَ ْب ِن َأ ِب ُع َب ْي ٍد َق َال َس ِم ْع ُت َس َل َم َة ْب َن األَك َْو ِع‬ ‫مع النبي‬
‫وث تِ ْس َع‬
‫ات‪ ،‬و َخرج ُت فِيم يبع ُث ِمن البع ِ‬
‫ْ ُُ‬ ‫َ ََْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫سبع َغ َزو ٍ‬
‫َ َْ َ‬ ‫ول‪َ (( :‬غ َز ْو ُت َم َع النَّبِ ِّي‬ ‫َي ُق ُ‬
‫ات‪َ ،‬م َّر ًة َع َل ْينَا َأ ُبو َبك ٍْر َو َم َّر ًة َع َل ْينَا ُأ َسا َم ُة))‪.‬‬ ‫َغ َزو ٍ‬
‫َ‬
‫اث‪َ :‬حدَّ َثنَا َأ ِب َع ْن َي ِزيدَ ْب ِن َأ ِب ُع َب ْي ٍد َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت‬
‫ص ب ِن ِغي ٍ‬
‫َو َق َال ُع َم ُر ْب ُن َح ْف ِ ْ َ‬
‫ث‬‫ات‪ ،‬و َخرج ُت فِيم يبع ُث ِمن البع ِ‬ ‫سبع َغ َزو ٍ‬ ‫ول‪َ (( :‬غ َز ْو ُت َم َع النَّبِ ِّي‬‫َس َل َم َة َي ُق ُ‬
‫ْ َْ‬ ‫َ ََْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ َْ َ‬
‫ات‪َ ،‬ع َل ْينَا َم َّر ًة َأ ُبو َبك ٍْر َو َم َّر ًة ُأ َسا َم ُة)) أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫تِسع َغ َزو ٍ‬
‫ْ َ َ‬
‫َس ْب َع‬ ‫ويف رواية عند البخاري أيض ًا عنه أنه قال‪َ (( :‬غ َز ْو ُت َم َع النَّبِ ِّي‬
‫اس َت ْع َم َل ُه َع َل ْينَا))‪.‬‬ ‫َغ َزو ٍ‬
‫ات‪َ ،‬و َغ َز ْو ُت َم َع ا ْب ِن َح ِ‬
‫ار َث َة ْ‬ ‫َ‬
‫ويفروايةعندالبخاريوأمحد َع ْن َي ِزيدَ َع ْنس َلم َة َق َال‪َ ((:‬غ َز ْو ُتم َعرس ِ‬
‫ولاهلل‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ َ‬

‫((( ((االستيعاب))‪.193/1 :‬‬


‫(‪)267‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ب‪َ .‬ق َال َي ِزيدُ‬ ‫ِ‬ ‫حلدَ ْيبِ َي َة‪َ ،‬و َي ْو َم ُحن ْ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َي‪َ ،‬و َي ْو َم ال َق َرد‪َ ،‬و َي ْو َم َخ ْي َ َ‬ ‫َس ْب َع َغ َز َوات))‪َ ،‬ف َذك ََر ا ُ‬
‫يت َب ِق َّيت َُه َّن‪.‬‬
‫َون َِس ُ‬
‫حيث قال‪َ (( :‬خ ْ ُي ُف ْر َسانِنَا ال َي ْو َم‬ ‫منزلة ما قاله فيه رسول اهلل‬ ‫ويكفيه‬
‫َأ ُبو َقتَا َدةَ‪َ ،‬و َخ ْ ُي َر َّجا َلتِنَا َس َل َم ُة)) أخرجه مسلم‪.‬‬
‫عىل املوت‪َ ،‬ف َع ْن َي ِزيدَ ْب ِن َأ ِب ُع َب ْي ٍد َع ْن َس َل َم َة ْب ِن‬ ‫رسول اهلل‬ ‫وقد بايع‬
‫َّاس َع ْن‬ ‫ف الن ُ‬ ‫لت إِ َل ظِ ِّل َش َج َر ٍة‪َ ،‬ف َل َّم َخ َّ‬‫‪ُ ،‬ث َّم عَدَ ُ‬ ‫ول اهلل‬ ‫األَك َْو ِع َق َال‪َ :‬با َي ْع ُت َر ُس َ‬
‫‪َ ..‬ق َال‪َ (( :‬يا ا ْب َن األَك َْو ِع َأ َل ُت َب ِاي ُع))‪ُ .‬ق ُ‬
‫لت‪َ :‬قدْ َبا َي ْع ُت َيا َر ُس َ‬
‫ول اهلل‪.‬‬ ‫ول اهلل‬ ‫رس ِ‬
‫َ ُ‬
‫َق َال‪َ ((:‬و َأ ْيض ًا))‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َبا َي ْع ُت ُه ال َّثانِ َي َة‪.‬‬
‫ون يوم ِئ ٍذ‪َ .‬ق َال‪َ :‬ع َل ا َملو ِ‬ ‫َق َال ي ِزيدُ ‪َ :‬ف ُقلت‪ :‬يا َأبا مس ِل ٍم ع َل َأي َ ٍ‬
‫ت‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫شء ُت َب ِاي ُع َ َ ْ َ‬
‫ِّ ْ‬ ‫ُ َ َ ُ ْ َ‬ ‫َ‬
‫أخرجه البخاري‪ ،‬وأمحد‪.‬‬
‫قال‪:‬‬ ‫حيبه ويردفه معه عىل مركوبه‪ ،‬فعنه‬ ‫وقد كان رسول اهلل‬
‫عىل ناقته حتى دخلنا املدينة)) أخرجه الطرباين يف املعجم‬ ‫((أردفني رسول اهلل‬
‫الكبري‪.‬‬
‫قال‪(( :‬أردفني‬ ‫ويف رواية عند الطرباين أيض ًا يف ((املعجم الكبري)) عنه‬
‫مرارا ومسح برأيس واستغفر يل ولذريتي عدد ما بيدي من األصابع))‪.‬‬ ‫النبي‬
‫ممن يفتي باملدينة‪ ،‬فقد أخرج ابن سعد عن زياد بن ميناء أنه قال‪:‬‬ ‫وكان‬
‫كان ابن عباس‪ ،‬وأبو هريرة‪ ،‬وجابر‪ ،‬ورافع بن خديج‪ ،‬وسلمة بن االكوع مع أشباه‬
‫هلم يفتون باملدينة‪ ،‬وحيدثون من لدن تويف عثامن إىل أن توفوا‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫عن أيب بكر وعمر وغريمها‪ ،‬وروى عنه ابنه إياس‬ ‫روى سيدنا سلمة‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)268‬‬

‫واحلسن بن حممد بن احلنفية وزيد بن أسلم ويزيد بن أيب عبيد مواله وآخرون‪.‬‬
‫سبعة وسبعون حديث ًا‪ ،‬اتفق البخاري ومسلم‬ ‫روي له عن رسول اهلل‬
‫عىل ستة عرش‪ ،‬وانفرد البخاري بخمسة‪ ،‬ومسلم بتسعة‪.‬‬
‫(((‬
‫قال يف ((سري أعالم النبالء))‪ :‬وحديثه من عوايل ((صحيح البخاري))‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫وأرضاه املدينة املنورة‪ ،‬ثم خرج منها بعد مقتل سيدنا عثامن بن‬ ‫سكن‬
‫يف حياته باخلروج إىل‬ ‫إىل الربذة‪ ،‬وكان قد استأذن من رسول اهلل‬ ‫عفان‬
‫اج‪،‬‬ ‫‪َ :‬أ َّن ُه َد َخ َل َع َل احلَ َّج ِ‬ ‫البدو فأذن له‪ ،‬ثم عاد إىل املدينة قبل وفاته ٍ‬
‫بليال‪ ،‬فعنه‬
‫ول اهلل‬‫َف َق َال‪َ :‬يا ا ْب َن األَك َْو ِع ْارتَدَ ْد َت َع َل َع ِق َب ْي َك َت َع َّر ْب َت‪َ .‬ق َال‪َ :‬ل‪َ ،‬و َل ِك َّن َر ُس َ‬
‫َأ ِذ َن ِل ِف ال َبدْ ِو‪.‬‬
‫ان َخ َر َج َس َل َم ُة ْب ُن األَك َْو ِع‬‫َو َع ْن َي ِزيدَ ْب ِن َأ ِب ُع َب ْي ٍد َق َال‪ََّ :‬لا ُقتِ َل ُع ْث َم ُن ْب ُن َع َّف َ‬
‫وت‬ ‫الر َب َذ ِة‪َ ،‬وت ََز َّو َج ُهن َ‬
‫َاك ا ْم َر َأةً‪َ ،‬و َو َلدَ ْت َل ُه َأ ْو َلد ًا‪َ ،‬ف َل ْم َي َزل ِ َبا َحتَّى َق ْب َل َأ ْن َي ُم َ‬ ‫إِ َل َّ‬
‫ال‪َ ،‬فن ََز َل ا َمل ِدينَ َة‪ .‬أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫بِ َل َي ٍ‬

‫يف احلديث‬ ‫وقد تقدم الكالم عن الربذة يف ترمجة سيدنا أيب ذر الغفاري‬
‫العرشين‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر يف ((الفتح))‪" :‬ويستفاد من هذه الرواية مدة سكنى‬
‫سلمة البادية وهي نحو األربعني سنة؛ ألن قتل عثامن كان يف ذي احلجة سنة مخس‬
‫(((‬
‫وثالثني‪ ،‬وموت سلمة سنة أربع وسبعني عىل الصحيح" اهـ‪.‬‬

‫((( ((سري أعالم النبالء))‪.274/3 :‬‬


‫((( ((فتح الباري))‪.47/13 :‬‬
‫(‪)269‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫‪ -‬كام ذكر احلافظ ‪ -‬سنة أربع وسبعني (‪74‬هـ)‪ ،‬باملدينة‬ ‫وكانت وفاته‬
‫(((‬
‫املنورة‪ ،‬وقيل‪ :‬مات سنة أربع وستني‪.‬‬
‫ِ‬
‫يرتض ذلك احلافظ‬ ‫وكان عمره عند موته ثامنني سنة‪ ،‬كام قاله الواقدي‪ ،‬ومل‬
‫ابن حجر حيث قال يف ((اإلصابة))‪" :‬وزعم الواقدي ومن تبعه أنه عاش ثامنني‬
‫سنة‪ ،‬وهو عىل القول األول – أي‪ :‬القول بموته سنة أربع وسبعني – باطل؛ إذ‬
‫يلزم منه أن يكون له يف احلديبية نحو من عرش سنني‪ ،‬ومن يكون يف تلك السن‬
‫ال يبايع عىل املوت‪ ،‬ثم رأيت عند ابن سعد أنه مات يف آخر خالفة معاوية‪ ،‬وكذا‬
‫(((‬
‫ذكر البالذري" اهـ‪.‬‬
‫وقال يف ((سري أعالم النبالء))‪" :‬كان من أبناء التسعني" اهـ‪ (((،‬وهذا يوافق‬
‫ما ذكره احلافظ ابن حجر‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫بِ ِش َملِ ِه))‪ ،‬أي‪ :‬بيده الشامل دون عذر‪ ،‬قال‬ ‫(( َأ َّن ر ُج ًل َأك ََل ِعنْدَ رس ِ‬
‫ول اهلل‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ني ا ُملهم َلة‪ ،‬اِبن ر ِ‬
‫اعي ال َع ْي‪،‬‬ ‫ْ َ‬ ‫الس ِ ْ َ‬ ‫الر ُجل ُه َو ( ُب ْس ) بِ َض ِّم ال َباء َوبِ ِّ‬
‫اإلمام النووي‪َ " :‬ه َذا َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‪َ ،‬وا ْبن‬ ‫بِ َفت ِْح ال َع ْي َوبِا ُمل َثنَّاة‪ ،‬األَ ْش َجع ّي‪ ،‬ك ََذا َذك ََر ا ْبن َمنْدَ ْه َو َأ ُبو ُن َع ْيم األَ ْص َب َه ّ‬
‫ون وهو صح ِاب م ْشهور عَدَّ ه ه ُؤ َل ِء و َغي ِ‬ ‫َماك َ‬
‫‪،‬‬ ‫الص َحا َبة‬
‫هم م ْن َّ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫آخ ُر َ َ ُ َ َ َ ّ َ ُ‬ ‫ُول َو َ‬
‫‪ :-‬إِ َّن َقوله‪ :‬ما منَعه إِ َّل ِ‬
‫الك ْب‪َ ،‬يدُ ّل َع َل َأ َّن ُه ك َ‬
‫َان‬ ‫ْ َ َ َُ‬ ‫اض ِع َياض ‪-‬‬ ‫و َأما َقول ال َق ِ‬
‫َ َّ ْ‬
‫الك ْب َوا ُمل َخا َل َفة َل َي ْقت َِض النِّ َفاق َوال ُك ْفر‪َ ،‬ل ِكنَّ ُه‬ ‫يح‪َ ،‬فإِ َّن ُمَرد ِ‬
‫َّ‬ ‫ُمنَافِ ًقا‪َ ،‬ف َل ْي َس بِ َص ِح ٍ‬

‫((( انظر‪(( :‬اإلصابة))‪.90/2 :‬‬


‫((( املرجع السابق‪.90/2 :‬‬
‫((( ((سري أعالم النبالء))‪.274/3 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)270‬‬
‫(((‬
‫جياب" اهـ‪.‬‬ ‫َم ْع ِص َية إِ ْن ك َ‬
‫َان األَ ْمر َأ ْمر إِ َ‬
‫ملا رآه يأكل بشامله ((كُل بِ َي ِمين ِ َ‬
‫ك))‪ ،‬ويف ذلك أمر من رسول‬ ‫(( َف َق َال)) له‬
‫ينبغي امتثاله مبارشة‪ ،‬إذ أن الرجل مل يكن معذور ًا باألكل بشامله‪ ،‬وإال ملا‬ ‫اهلل‬
‫أمره النبي باألكل باليمني لو كان معذورا‪.‬‬
‫ِ‬
‫(( َقال)) الرجل‪َ (( :‬ل َأ ْستَط ُ‬
‫يع))‪ ،‬أي‪ :‬األكل هبا لعلة متنع من إعامهلا‪ ،‬ويف ذلك‬
‫‪ ،‬وخمالفة ألمره‪.‬‬ ‫كذب ًا عىل النبي‬
‫أن ال يستطيع‬ ‫‪َ (( :‬ل ْاس َت َط ْع َ‬
‫ت))‪ ،‬أي‪ :‬دعا عليه النبي‬ ‫(( َق َ‬
‫ال))‬

‫حتريكها؛ ألنه مل يكن له عذر‪.‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مع كامل‬ ‫(( َما َمنَ َع ُه إ َّل الك ْ ُ‬
‫ب))‪ ،‬هي مجلة مستأنفة لبيان سبب دعائه عليه‬
‫رمحته ومزيد عفوه وصفحه‪ ،‬أي‪ :‬فلام علم أن املانع له عن االنقياد كربه عن احلق‬
‫ودفعه له ‪ ..‬دعا عليه‪.‬‬
‫‪،‬‬ ‫وال يدل الكرب عىل النفاق أو الكفر؛ بل هو معصية ملخالفة أمر النبي‬
‫الرشاح للحديث يذكرون أنه معصية إن كان االمر يف قوله‬
‫وإن كان بعض ّ‬
‫((كل بيمينك)) للوجوب‪ ،‬والذي ينبغي اعتامده أنه معصية قطع ًا سواء كان قوله‬
‫‪،‬‬ ‫وجهه وأمره‪ ،‬فلم يمتثل أمر النبي‬
‫َّ‬ ‫للوجوب أو للندب؛ ألن النبي‬
‫ليس بمعصية‪ ،‬وكل ذلك مع ترصيح‬ ‫فكيف يقال أن عدم امتثال أمر النبي‬
‫الراوي أنه ما منعه إال الكرب‪ ،‬والكرب يف حد ذاته معصية أصالً‪.‬‬
‫فيتبني لنا من ذلك أن الرجل وقع يف املعصية دون شك؛ نعم ال نحكم‬
‫بنفاقه وال كفره والعياذ باهلل؛ لكن نحكم بمعصيته‪ ،‬قال اإلمام النووي‪َ " :‬و َأ َّما َق ْول‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.127/13 :‬‬


‫(‪)271‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫َان ُمنَافِ ًقا‪،‬‬
‫الك ْب‪َ ،‬يدُ ّل َع َل َأ َّن ُه ك َ‬ ‫‪ :-‬إِ َّن َقوله‪ :‬ما منَعه إِ َّل ِ‬
‫َ َ َُ‬ ‫ْ‬ ‫اض ِع َياض ‪-‬‬ ‫ال َق ِ‬

‫الك ْب َوا ُمل َخا َل َفة َل َي ْقت َِض النِّ َفاق َوال ُك ْفر‪َ ،‬ل ِكنَّ ُه َم ْع ِص َية إِ ْن‬
‫يح‪َ ،‬فإِ َّن ُمَرد ِ‬
‫َّ‬ ‫َف َل ْي َس بِ َص ِح ٍ‬
‫َان األَ ْمر َأ ْمر إِ َ‬
‫جياب" اهـ‪.‬‬ ‫ك َ‬
‫(((‬

‫‪ ،‬فش ّلت يد الرجل‬ ‫(( َف َم َر َف َع َها إِ َل فِ ِيه))‪ ،‬حيث استجاب اهلل دعوة نبيه‬
‫اليمنى من حينه‪ ،‬ومل يستطع رفعها إىل فيه؛ عقوبة له من اهلل‪.‬‬

‫™™حكم األكل باليد اليمنى‪:‬‬


‫اختلف أهل العلم يف حكم األكل باليمني‪ ،‬واختالفهم مبني عىل اختالف‬
‫‪(( :‬كل بيمينك))‪ ،‬فمن قال منهم أن االمر للندب ‪..‬‬ ‫يف نوع االمر يف قوله‬
‫جعل األكل باليمني سنة‪ ،‬وخمالفته باألكل بالشامل مكروه‪ ،‬ومن قال منهم أن األمر‬
‫للوجوب ‪ ..‬جعل األكل باليمني واجب‪ ،‬وخمالفته باألكل بالشامل حرام‪.‬‬
‫وكل هذا إن كان من غري عذر‪ ،‬أما مع العذر ‪ ..‬فال حرمة وال كراهة‪.‬‬
‫وممن قال أن األمر باليمنى للندب اإلمام الغزايل واإلمام النووي‪ ،‬قال احلافظ‬
‫ابن حجر‪" :‬قوله‪(( :‬وكل بيمينك‪ ،‬ومما يليك)) قال شيخنا يف ((رشح الرتمذي))‪:‬‬
‫(((‬
‫محله أكثر الشافعية عىل الندب‪ ،‬وبه جزم الغزايل‪ ،‬ثم النووي" اهـ‪.‬‬
‫وكذلك قال بالندب ابن ّ‬
‫علن يف ((دليل الفاحلني)) حيث قال‪((" :‬كل بيمينك))‪:‬‬
‫أمر ندب عىل املعتمد والدعاء اآليت عليه لقصده خمالفة السنة النبوية" اهـ‪ (((،‬وقال‬
‫(((‬
‫يف موضع آخر‪((" :‬كل بيمينك))‪ ،‬أي‪ :‬كام هو األدب املندوب املحبوب" اهـ‪.‬‬
‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.127/13 :‬‬
‫((( ((فتح الباري))‪.591/9 :‬‬
‫((( ((دليل الفاحلني))‪.354/1 :‬‬
‫((( املرجع السابق‪.64/3 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)272‬‬

‫وممن قال بالوجوب مستدال باحلديث الذي نحن بصدده احلافظ ابن حجر‬
‫حيث قال يف ((فتح الباري))‪" :‬قلت‪ :‬ويدل عىل وجوب األكل باليمني ورود الوعيد‬
‫يف األكل بالشامل‪ ،‬ففي ((صحيح مسلم)) من حديث سلمة بن األكوع أن النبي‬
‫رأى رجال يأكل بشامله‪ ،‬فقال‪(( :‬كل بيمينك))‪ .‬قال‪ :‬ال أستطيع‪ .‬قال‪(( :‬ال استطعت))‬

‫فام رفعها إىل فيه بعد‪ ،‬وأخرج الطرباين من حديث سبيعة األسلمية من حديث عقبة‬
‫رأى سبيعة األسلمية تأكل بشامهلا‪ ،‬فقال‪(( :‬أخذها داء غزة))‬ ‫ابن عامر أن النبي‬
‫(((‬
‫فقال‪ :‬أن هبا قرحة‪ .‬قال‪((:‬وإن))‪ ،‬فمرت بغزة‪ ،‬فأصاهبا طاعون فامتت" اهـ‪.‬‬
‫ب‪َ ،‬و َأ َّما ك َْو ُن‬ ‫الو ِ‬
‫اج َ‬ ‫َّإل َع َل َم ْن ت ََر َك َ‬ ‫قال يف ((سبل السالم))‪َ " :‬و َل َيدْ ُعو‬
‫َب ِه َف ُه َو ُمْت ََم ٌل َأ ْي ًضا‪َ ،‬و َل ُين َِاف َأ َّن الدُّ َعا َء َع َل ْي ِه لِ َ‬
‫أل ْم َر ْي ِن َم ًعا" اهـ‪.‬‬ ‫الدُّ ع ِ‬
‫اء لِ َتك ُّ ِ‬
‫(((‬
‫َ‬
‫وقال يف ((حتفة االحوذي))‪" :‬قوله ((ال يأكل أحدكم بشامله وال يرشب بشامله))‬

‫قال الشوكاين‪ :‬فيه النهي عن األكل والرشب بالشامل‪ ،‬والنهي حقيقة يف التحريم‬
‫كام تقرر يف األصول‪ ،‬وال يكون ملجرد الكراهة فقط إال جمازا مع قيام صارف‪.‬‬
‫قال النووي‪ :‬وهذا إذا مل يكن عذر فإن كان عذر يمنع األكل والرشب باليمني‬
‫من مرض أو جراحة أو غري ذلك ‪ ..‬فال كراهة يف الشامل‪ ،‬وقال فيه استحباب‬
‫األكل والرشب باليمني وكراهتهام بالشامل ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬بل يف هذا احلديث وجوب األكل والرشب باليمني كام قال الشوكاين‪،‬‬
‫‪(( :‬إذا أكل أحدكم ‪ ..‬فليأكل بيمينه‪ ،‬وإذا رشب‬ ‫ويدل عىل الوجوب قوله‬
‫لعمر بن أيب سلمة‪(( :‬كل بيمينك)) فإن‬ ‫‪ ..‬فليرشب بيمينه)) احلديث‪ ،‬وقوله‬
‫األصل يف األمر الوجوب‪.‬‬
‫((( ((فتح الباري))‪.591/9 :‬‬
‫((( ((سبل السالم))‪.277/3 :‬‬
‫(‪)273‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫قال احلافظ‪ :‬قال شيخنا يعني احلافظ العراقي يف رشح الرتمذي‪ :‬محله‬
‫أكثر الشافعية عىل الندب‪ ،‬وبه جزم الغزايل‪ ،‬ثم النووي؛ لكن نص الشافعي يف‬
‫الرسالة ويف موضع آخر من األم عىل الوجوب‪ .‬قال‪ :‬ويدل عىل وجوب األكل‬
‫باليمني ورود الوعيد يف األكل بالشامل‪ ،‬ففي ((صحيح مسلم)) من حديث سلمة‬
‫رأى رجال يأكل بشامله‪ ،‬فقال‪(( :‬كل بيمينك))‪ .‬قال‪:‬‬ ‫ابن األكوع أن النبي‬
‫(((‬
‫ال أستطيع‪ .‬قال‪(( :‬ال استطعت)) فام رفعها إىل فيه بعد" اهـ‪.‬‬
‫ومنهم أيضا القايض عياض حيث حكم بنفاق الرجل كام تقدم‪.‬‬
‫واستدلوا عىل وجوب األكل باليمني بام ورد من أحاديث تنهى عن األكل‬
‫َأ َّن ُه َق َال‪َ (( :‬م ْن َأك ََل‬ ‫َع ْن رس ِ‬
‫ول اهلل‬ ‫َ ُ‬ ‫بالشامل‪ ،‬فمن ذلك ما ورد َع ْن َع ِائ َش َة‬
‫ان)) أخرجه‬ ‫الش ْي َط ُ‬
‫ش َب َم َع ُه َّ‬ ‫ش َب بِ ِش َملِ ِه ‪ِ َ ..‬‬
‫ان‪َ ،‬و َم ْن َ ِ‬ ‫بِ ِش َملِ ِه ‪َ ..‬أك ََل َم َع ُه َّ‬
‫الش ْي َط ُ‬
‫اإلمام أمحد‪.‬‬
‫األمر‪ ،‬أما وقد توجه‬ ‫وهذا االختالف يف غري الرجل الذي وجه له النبي‬
‫مبارشة فهو يف حقه واجب حيرم خمالفته‪.‬‬ ‫األمر للرجل من النبي‬
‫معنى أكل الشيطان‪:‬‬
‫اختلف أهل العلم يف معنى أكل الشيطان عىل قولني‪ ،‬ومها‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنه عىل غري ظاهره‪ ،‬فقال الطيبي‪ :‬معنى قوله‪(( :‬إن الشيطان يأكل بشامله))‬

‫أي حيمل أولياءه من اإلنس عىل ذلك ليضاد به عباد اهلل الصاحلني‪ ،‬وقال‬
‫كذلك‪ :‬وحتريره ال تأكلوا بالشامل‪ ،‬فإن فعلتم ‪ ..‬كنتم من أولياء الشيطان‪،‬‬
‫(((‬
‫فإن الشيطان حيمل أولياءه عىل ذلك‪.‬‬

‫((( ((حتفة األحوذي))‪.425/4 :‬‬


‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.592/9 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)274‬‬

‫الثاين‪ :‬أنه عىل حقيقته‪ ،‬قال احلافظ ابن حجر يف رده عىل كالم الطيبي السابق‪:‬‬
‫"وفيه عدول عن الظاهر‪ ،‬واألوىل محل اخلرب عىل ظاهره‪ ،‬وأن الشيطان يأكل‬
‫حقيقة؛ ألن العقل ال حييل ذلك‪ ،‬وقد ثبت اخلرب به‪ ،‬فال حيتاج إىل تأويله‪،‬‬
‫(((‬
‫وحكى القرطبي يف ذلك احتاملني‪ ،‬ثم قال‪ :‬والقدرة صاحلة" اهـ‪.‬‬
‫وقال يف ((عون املعبود))‪" :‬فِ ِيه إِ َش َارة إِ َل َأ َّن ُه َينْ َب ِغي اِ ْجتِنَاب األَ ْف َعال ا َّلتِي ت ُْشبِه‬
‫ِ‬ ‫الش ْي َطان‪َ ،‬و َأ َّن لِ َّ‬
‫لش ْي َطان َيدَ ْي ِن‪َ ،‬و َأ َّن ُه َي ْأكُل َو َي ْ َ‬
‫شب‪َ ،‬و َقدْ َت َقدَّ َم َأ َّن ُه َم ْ ُمول َع َل‬ ‫َأ ْف َعال َّ‬
‫(((‬
‫حل ِقي َقة" اهـ‪.‬‬
‫ا َ‬
‫وذكر العيني يف ((عمدة القاري)) تفصي ً‬
‫ال فقال‪" :‬قلت‪ :‬للناس فيه ثالثة‬
‫أقوال‪ ،‬أحدها‪ :‬أن صنفا منهم – أي‪ :‬من الشياطني ‪ -‬يأكلون ويرشبون‪ ،‬والثاين‪:‬‬
‫(((‬
‫أن صنفا منه ال يأكلون وال يرشبون‪ :،‬أن مجيعهم يأكلون وال يرشبون" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬جواز الدعاء عىل من خالف احلكم الرشعي بال عذر‪.‬‬
‫‪2 .2‬األمر باملعروف والنهي عن املنكر ينبغي أن يكون يف كل حال حتى يف حال‬
‫األكل‪.‬‬
‫‪3 .3‬استحباب تعليم اآلكل آداب االكل إذا خالفه‪.‬‬
‫واالقتداء به‪ ،‬فإن يف ذلك الربكة الكاملة‪.‬‬ ‫‪4 .4‬احلرص عىل متابعة النبي‬
‫ينبغي أن خيالف كل فعل يفعله أو حيبه الشيطان‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.592/9 :‬‬


‫((( ((عون املعبود))‪.217/6 :‬‬
‫((( ((عمدة القاري))‪.395/12 :‬‬
‫(‪)275‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث الثاني والثالثون‬

‫َي ُق ُ‬
‫ول‪:‬‬ ‫َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ول اهلل‬ ‫ب َع ْب ِداهللِ النُّ ْع َم َن ْب ِن َب ِش ٍري‬
‫َع ْن َأ ِ ْ‬
‫وهك ُْم)) متفق عليه‪.‬‬ ‫(( َلتُسو َّن ص ُفو َفكُم‪َ ،‬أو َليخَ الِ َفن اهللُ بي وج ِ‬
‫َّ َ ْ َ ُ ُ‬ ‫ْ ْ ُ‬ ‫َ ُّ ُ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمـــه‬
‫هو الصحايب اجلليل النعامن بن بشريبن سعد بن ثعلبة‪ ،‬بن جالس بضم اجليم‬
‫وختفيف الالم كذا قيده عبدالغني املقديس وغريه‪ .‬وقال ابن ماكوال‪ :‬هو خالس‬
‫بفتح اخلاء املعجمة وتشديد الالم ابن بدربن مالكبن ثعلبةبن كعب بن احلارث‬
‫وأرضاه‪.‬‬ ‫ابن اخلزرج األنصاري‪،‬‬
‫يكنى بأيب عبداهلل‪ ،‬وقيل‪ :‬أيب حممد‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ :‬هي‪ :‬عمرة بنت رواحة أخت الصحايب اجلليل عبداهلل بن رواحة‬ ‫أمه‬
‫‪:‬‬ ‫مولـــده‬
‫(((‬
‫بعد اهلجرة بأربعة عرش شهر ًا كام يف ((اإلصابة))‪،‬‬ ‫ولد النعامن‬
‫ولد سنة اثنتني للهجرة‪ (((،‬وهو يؤيد ما يف‬ ‫ويف ((سري أعالم النبالء)) أنه‬
‫((اإلصابة))‪ ،‬وأيده كذلك ابن عبدالرب حيث قال يف ((االستيعاب))‪" :‬ولد قبل وفاة‬

‫((( انظر‪(( :‬اإلصابة))‪.738/3 :‬‬


‫((( انظر‪(( :‬سري أعالم النبالء))‪.314/3 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)276‬‬

‫بثامن سنني‪ ،‬وقيل‪ :‬بست سنني واألول أصح إن شاء اهلل تعاىل؛ ألن‬ ‫النبي‬
‫األكثر يقولون إنه ولد هو وعبداهلل بن الزبري عام اثنني من اهلجرة يف ربيع اآلخر‬
‫(((‬
‫باملدينة" اهـ‪.‬‬ ‫عىل رأس أربعة عرش شهر ًا من مقدم رسول اهلل‬
‫(((‬
‫وقال ابن عالّن‪ :‬ولد عىل رأس أربعة أشهر من اهلجرة‪.‬‬
‫وقال البخاري‪ :‬ولد عام اهلجرة‪ (((،‬وهو أول مولود من األنصار بعد اهلجرة‪،‬‬
‫‪ :‬كان‬ ‫أما أول مولود من املهاجرين فهو عبداهلل بن الزبري‪ ،‬وقد قال بن الزبري‬
‫النعامن بن بشري أكرب مني بستة أشهر‪ ،‬كام يف ((اإلصابة))‪ ،‬و((االستيعاب)) عن الطربي‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وصفـــه‬
‫أمري ًا عىل الكوفة ملعاوية سبعة أشهر‪ ،‬ثم أمري ًا عىل‬ ‫كان سيدنا النعامن‬
‫‪،‬‬ ‫محص ملعاوية‪ ،‬ثم ليزيد‪ ،‬فلام مات يزيد ‪ ..‬صار زبريي ًا‪ ،‬وخطب البن الزبري‬
‫وهذا كان سبب قتله كام سنذكره إن شاء اهلل تعاىل‪ ،‬قال احلافظ ابن حجر يف‬
‫((اإلصابة))‪" :‬وقال أبو مسهر عن شعبة بن عبدالعزيز‪ :‬كان قايض دمشق بعد فضالة‬
‫ابن عبيد وقال سامك بن حرب‪ :‬استعمله معاوية عىل الكوفة‪ ،‬وكان من أخطب من‬
‫سمعت‪ .‬وقال اهليثم‪ :‬نقله معاوية من إمرة الكوفة إىل إمرة محص وضم الكوفة إىل‬
‫عبيداهلل بن زياد‪ ،‬وكان بالشام ملا مات يزيد بن معاوية‪ ،‬وملا استخلف معاوية بن‬
‫يزيد ومات عن قرب ‪ ..‬دعا النعامن إىل بن الزبري‪ ،‬ثم دعا إىل نفسه فواقعه مروان‬
‫(((‬
‫ابن احلكم بعد أن واقع الضحاك بن قيس" اهـ‪.‬‬

‫((( ((االستيعاب))‪.471/1 :‬‬


‫((( انظر‪(( :‬دليل الفاحلني))‪.355/1 :‬‬
‫((( انظر‪(( :‬سري أعالم النبالء))‪.314/3 :‬‬
‫((( ((اإلصابة))‪.738/3 :‬‬
‫(‪)277‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫كري ًام جواد ًا شاعر ًا‪ ،‬فريوى أن أعشى مهدان تعرض ليزيد بن‬ ‫وكان‬
‫معاوية فحرمه‪ ،‬فمر بالنعامن بن بشري األنصاري وهو عىل محص فقال له‪ :‬ما عندي‬
‫ما أعطيك ولكن معي عرشون ألف ًا من أهل اليمن فإن شئت سألتهم لك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫قد شئت‪ ،‬فصعد النعامن املنرب‪ ،‬واجتمع إليه أصحابه‪ ،‬فحمد اهلل‪ ،‬وأثنى عليه‪ ،‬ثم‬
‫ذكر أعشى مهدان‪ ،‬فقال‪ :‬إن أخاكم أعشى مهدان قد أصابته حاجة‪ ،‬ونزلت به‬
‫جائحة‪ ،‬وقد عمد إليكم‪ ،‬فام ترون؟‪ .‬قالوا‪ :‬دينار دينار‪ .‬فقال‪ :‬ال ولكن بني اثنني‬
‫دينار‪ ،‬فقالوا‪ :‬قد رضينا‪ .‬فقال‪ :‬إن شئتم عجلتها له من بيت املال من عطائكم‪،‬‬
‫وقاصصتكم إذا أخرجت عطاياكم‪ .‬قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬فأعطاه النعامن عرشة آالف دينار‬
‫من أعطياهتم‪ ،‬فقبضها األعشى‪ ،‬وأنشأ يقول‪:‬‬
‫كنعـــان النـــدى ابـــن بشـــر‬ ‫مل أر للحاجـــات عند انكامشـــها‬
‫كعـــدل إىل األقـــوام حبل غرور‬ ‫إذا قـــال أوىف باملقـــال ومل يكن‬
‫ثوى ما ثـــوى مل ينقلـــب بنقري‬ ‫فلوال أخـــو األنصار كنت كنازل‬
‫وال خـــر فيمن مل يكن بشـــكور‬ ‫متـــى أكفر النعامن مل أك شـــاكر ًا‬

‫والنعامن بن بشري هو القائل فيام زعم أهل األخبار ورواة األشعار‪(((:‬‬


‫وإين ألعطي املال من ليس سائ ً‬
‫ال وأدرك للمـــوىل املعانـــد بالظلم‬
‫فام بيننا عند الشـــدائد من رصم‬ ‫وإين متـــى ما يلقنـــي صارم ًا له‬
‫ولكنام املوىل رشيـــكك يف العدم‬ ‫فال تعـــدد املوىل رشيكك يف الغنى‬
‫وغشك واستغنى فليس بذي رحم‬ ‫إذا مت ذو القربـــى إليك برمحه‬
‫أذاك ومن يرمي العدو الذي ترمي‬ ‫ومن ذاك للموىل الذي يســـتخفه‬

‫((( انظر‪(( :‬االستيعاب))‪.472/1 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)278‬‬

‫‪:‬‬ ‫روايته للحديث‬


‫قال ابن عبدالرب يف ((االستيعاب))‪" :‬ال يصحح بعض أهل احلديث سامعه‬
‫وهو عندي صحيح؛ ألن الشعبي يقول عنه‪ :‬سمعت رسول اهلل‬ ‫من رسول اهلل‬
‫(((‬
‫يف حديثني أو ثالثة" اهـ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫عن خالد بن عبداهلل بن رواحة وعمر وعائشة‬ ‫وقد روى‬
‫وروى عنه‪ :‬ابنه حممد‪ ،‬ومواله سامل‪ ،‬وعروة‪ ،‬والشعبي والسبيعي‪ ،‬ومحيد بن‬
‫عبدالرمحن الزهري‪ ،‬وأبو قالبة وخيثمة بن عبدالرمحن وسامك بن حرب‪ ،‬وأبو سالم‬
‫ممطور‪ ،‬وأبو إسحاق اهلمداين‪.‬‬
‫مئة وأربعة عرش (‪ )114‬حديث ًا‪ ،‬اتفق له البخاري ومسلم‬ ‫روى عن النبي‬
‫عىل مخسة‪ ،‬وانفرد البخاري بحديث‪ ،‬ومسلم بأربعة‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتـــه‬
‫كان أمري ًا عىل الكوفة ملعاوية‪ ،‬ثم أمري ًا‬ ‫ذكرنا سابقا أن سيدنا النعامن‬
‫عىل محص ملعاوية أيض ًا‪ ،‬ثم ليزيد‪ ،‬ثم بعد موت يزيد طلب من الناس مبايعة‬
‫الضح َ‬
‫اك بن قيس‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫مروان بن احلكم‬ ‫‪ ،‬فخالفه أهل محص‪ ،‬وقتل‬ ‫ابن الزبري‬
‫من محص فسار ليلة متحري ًا ال يدري أين يأخذ‪ ،‬فاتبعه خالد‬ ‫فهرب النعامن‬
‫ابن عدي الكاليب فيمن خف معه من أهل محص‪ ،‬فلحقه وقتله‪ ،‬واحتز رأسه وبعث‬
‫هبا إىل مروان‪.‬‬
‫قال ابن عبدالرب يف (االستيعاب)‪" :‬وذكر املدائني عن يعقوب بن داود الثقفي‪،‬‬
‫ومسلمة بن حمارب وغريمها قالوا‪ :‬ملا قتل الضحاك بن قيس بمرج راهط‪ ،‬وذلك‬

‫((( ((االستيعاب))‪.472/1 :‬‬


‫(‪)279‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫للنصف من ذي احلجة سنة أربع وستني يف أيام مروان ‪ ..‬أراد النعامن بن بشري أن‬
‫هيرب من محص‪ ،‬وكان عام ً‬
‫ال عليها‪ ،‬فخاف ودعا البن الزبري‪ ،‬فطلبه أهل محص‪،‬‬
‫فقتلوه‪ ،‬واحتزوا رأسه‪ ،‬فقالت امرأته الكلبية‪ :‬ألقوا رأسه يف حجري‪ ،‬فأنا أحق به‪،‬‬
‫وكانت قبله عند معاوية بن أيب سفيان‪ ،‬فقال المرأته ميسون أم يزيد‪ :‬اذهبي فانظري‬
‫إليها فأتتها فنظرت ثم رجعت فقالت‪ :‬ما رأيت مثلها‪ ،‬ثم قالت‪ :‬لقد رأيتها ورأيت‬
‫خاالً حتت رسهتا ليوضعن رأس زوجها يف حجرها‪ ،‬فتزوجها حبيب بن سلمة‪ ،‬ثم‬
‫طلقها فتزوجها النعامن بن بشري‪ ،‬فلام قتل وضعوا رأسه يف حجرها‪.‬‬
‫قال املسعودي‪ :‬كان النعامن بن بشري والي ًا عىل محص‪ ،‬قد خطب البن الزبري‬
‫ممالئ ًا للضحاك بن قيس‪ ،‬فلام بلغه وقعة راهط وهزيمة الزبريية‪ ،‬وقتل الضحاك ‪..‬‬
‫خرج عن محص هارب ًا‪ ،‬فسار ليلة متحري ًا ال يدري أين يأخذ‪،‬فاتبعه خالد بن عدي‬
‫الكاليب فيمن خف معه من أهل محص‪ ،‬فلحقه وقتله‪ ،‬وبعث برأسه إىل مروان"‬
‫(((‬
‫اهـ‪.‬‬
‫يف ذي احلجة آخر سنة أربع وستني من اهلجرة‪.‬‬ ‫وكان موته‬
‫ويف ((اإلصابة)) أنه ُقتل سنة مخس وستني‪.‬‬
‫(((‬
‫وقال ابن أيب خيثمة‪ :‬سنة ستني‪.‬‬
‫رمحة االبرار ومجعنا به يف دار القرار آمني اللهم آمني‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪َ (( :‬لت َُس ُّو َّن ُص ُفو َفك ْ‬
‫ُم))‪ ،‬أي‪ :‬يف الصالة‪ ،‬والالم يف قوله‪(( :‬لتسون))‬ ‫قوله‬

‫((( ((االستيعاب))‪.473/1 :‬‬


‫((( انظر‪(( :‬دليل الفاحلني))‪.355/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)280‬‬

‫للتأكيد‪ ،‬وقال البيضاوي‪ :‬هذه الالم هي التي يتلقى هبا القسم‪ ،‬والقسم هنا مقدر؛‬
‫(((‬
‫وهلذا أكده بالنون املشددة‪.‬‬
‫والنون فيه عالمة اجلمع‪ ،‬فلام دخلت عليه نون التأكيد الثقيلة ‪ ..‬حذفت نون‬
‫اجلمع وإحدى الواوين اللتقاء الساكنني‪ ،‬فاملحذوف هو واو اجلمع‪ ،‬أو واو الكلمة‬
‫فيه خالف‪ ،‬ويف رواية املستميل لتسوون‪ ،‬فالنون عىل هذه الرواية نون اجلمع‪.‬‬
‫واملراد بتسوية الصفوف اعتدال القائمني هبا عىل سمت واحد‪ ،‬أو يراد هبا‬
‫(((‬
‫سد اخللل الذي يف الصف‪.‬‬
‫ِ‬
‫ي‬‫(( َأ ْو))‪ :‬عاطفة‪ ،‬أو للتنويع‪ ،‬أي‪ :‬ليكونن منكم التسوية أو (( َل ُيخَ ال َف َّن اهللُ َب ْ َ‬
‫وهك ُْم)) إن مل تسووا صفوفكم‪ ،‬وقد اختلف أهل العلم يف معنى أن خيالف اهلل‬ ‫وج ِ‬
‫ُ ُ‬
‫بني الوجه عىل أقوال‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ي َشى َأ َحدُ ك ُْم َأ ْو َل‬ ‫رها‪ ،‬وذلك لقوله ‪َ (( :‬أ َما َ ْ‬ ‫ي ِّوهلَا َع ْن ُص َو َ‬ ‫‪َ 1 )1‬ي ْم َس َ‬
‫خها َو ُ َ‬
‫ح ٍ‬ ‫ِ‬
‫ار َأ ْو َ ْ‬
‫ي َع َل‬ ‫ي َع َل اهللُ َر ْأ َس ُه َر ْأ َس َ‬
‫إل َما ِم َأ ْن َ ْ‬
‫ي َشى َأ َحدُ ك ُْم إِ َذا َر َف َع َر ْأ َس ُه َق ْب َل ا ِ‬‫َْ‬
‫ار)) أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬واللفظ للبخاري‪ ،‬وقال‬ ‫ح ٍ‬ ‫ِ‬
‫ور َة َ‬ ‫ور َت ُه ُص َ‬ ‫اهللُ ُص َ‬
‫احلافظ ابن حجر يف ((الفتح))‪" :‬واختلف يف الوعيد املذكور‪ ،‬فقيل‪ :‬هو عىل‬
‫حقيقته‪ ،‬واملراد تسوية الوجه بتحويل خلقه عن وضعه بجعله موضع القفا‪،‬‬
‫أو نحو ذلك‪ ،‬فهو نظري ما تقدم من الوعيد فيمن رفع رأسه قبل اإلمام أن‬
‫جيعل اهلل رأسه رأس محار‪ ،‬وفيه من اللطائف وقوع الوعيد من جنس اجلناية‬
‫وهي املخالفة‪ ،‬وعىل هذا فهو واجب‪ ،‬والتفريط فيه حرام" اهـ‪ (((،‬ويؤيد هذا‬

‫((( انظر‪(( :‬عمدة القاري))‪.491/4 :‬‬


‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.235/2 :‬‬
‫((( ((فتح الباري))‪.235/2 :‬‬
‫(‪)281‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وف َأ ْو َل ُت ْط َم َس َّن‬ ‫القول ما ورد يف الرواية األخرى عنه ‪َ (( :‬لت َُس ُّو َّن ُّ‬
‫الص ُف َ‬
‫وهك ُْم َو َل ُتغ ِْم ُض َّن َأ ْب َص َارك ُْم َأ ْو َلتُخْ َط َف َّن َأ ْب َص ُارك ُْم)) أخرجه اإلمام أمحد‪،‬‬
‫ُو ُج ُ‬
‫وقد قال احلافظ ابن حجر‪:‬ويف إسناده ضعف‪ ،‬وقال بن اجلوزي‪ :‬الظاهر‬
‫أنه مثل الوعيد املذكور يف قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫(((‬
‫ﮕ ﱸ‪.‬‬
‫‪ُ 2 )2‬ي َغ ِّي ِص َفا َهتا‪.‬‬
‫‪3 )3‬وهو ما قاله القرطبي‪ :‬معناه تفرتقون‪ ،‬فيأخذ كل واحد وجها غري الذي أخذ‬
‫صاحبه؛ ألن تقدم الشخص عىل غريه مظنة الكرب املفسد للقلب الداعي إىل‬
‫(((‬
‫القطيعة‪.‬‬
‫‪4 )4‬وهو األظهر كام قاله اإلمام النووي حيث قال‪َ " :‬واألَ ْظ َهر‪َ ،‬و َاللَّ َأ ْع َلم‪َ ،‬أ َّن‬
‫اختِ َلف ال ُق ُلوب‪ ،‬ك ََم ُي َقال َت َغ َّ َي َو ْجه‬ ‫وقع َب ْينك ُْم ال َعدَ َاوة َوال َب ْغ َضاء َو ْ‬ ‫معنَاه‪ :‬ي ِ‬
‫َْ ُ ُ‬
‫تهم ِف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُف َلن َع َ َّل َأ ْي َظ َه َر ِل م ْن َو ْجهه ك ََر َاهة ِل َو َت َغ َّ َي َقلبه َع َ َّل لَ َّن ُمَا َل َف ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫اختِ َلف ال َّظو ِ‬ ‫ِ‬
‫اهر َس َبب ل ْخت َلف ال َب َواطن"‬ ‫َ‬ ‫رهم‪َ ،‬و ْ‬‫الص ُفوف ُمَا َل َفة ِف َظ َواه ْ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم َّن‬‫ل ًثا َواهلل َلتُق ُ‬ ‫يموا ُص ُفو َفك ُْم َث َ‬ ‫‪َ (( :‬أق ُ‬ ‫اهـ‪ (((،‬ويؤيد هذا ما ورد عنه‬
‫ِ‬
‫ي ُق ُلوبِك ُْم)) أخرجه أمحد‪ ،‬وأبو داود‪.‬‬ ‫ُص ُفو َفك ُْم َأ ْو َل ُيخَ ال َف َّن اهللُ َب ْ َ‬
‫قال احلافظ ابن حجر العسقالين يف كتابه ((فتح الباري))‪" :‬واحلاصل‪ :‬أن‬
‫املراد بالوجه إن محل عىل العضو اخلصوص ‪ ..‬فاملخالفة إما بحسب الصورة‬
‫اإلنسانية‪ ،‬أو الصفة‪ ،‬أو جعل القدم وراء‪ ،‬وأن محل عىل ذات الشخص ‪..‬‬

‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.235/2 :‬‬


‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.235/2 :‬‬
‫((( ((رشح مسلم)) للنووي‪.274/4 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)282‬‬

‫فاملخالفة بحسب املقاصد‪ ،‬أشار إىل ذلك الكرماين‪ ،‬وحيتمل أن يراد باملخالفة‬
‫(((‬
‫يف اجلزاء‪ ،‬فيجازياملسوي بخري‪ ،‬ومن ال يسوي برش" اهـ‪.‬‬

‫™™حكم تسوية الصفوف في الصالة‪:‬‬


‫ِ‬ ‫ف ِف الص َل ِة‪َ ،‬فإِ َّن إِ َقام َة الص ِّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ف م ْن ُح ْس ِن َّ‬
‫الص َلة))‬ ‫َ َّ‬ ‫َّ‬ ‫الص َّ‬ ‫قال ‪َ (( :‬أق ُ‬
‫يموا َّ‬
‫أخرجه مسلم‪.‬‬

‫استِ َوا ُء ال َق ِائ ِم َ‬


‫ني َع َل‬ ‫ف ْ‬‫الص ِّ‬ ‫ِ‬
‫قال يف ((طرح التثريب))‪َ " :‬و َيدْ ُخ ُل ِف إ َقا َمة َّ‬
‫ُون بينَهم َخ َل ٌل و َتت ِْميم الص ُف ِ‬ ‫اق َب ْع ِض ِه ْم لِ َب ْع ٍ‬
‫اح ٍد َوالتِ َص ُ‬
‫تو ِ‬ ‫ٍ‬
‫وف‬ ‫ُ ُّ‬ ‫َ‬ ‫ض بِ َح ْي ُث َل َيك ُ َ ْ ُ ْ‬ ‫َس ْم َ‬
‫(((‬
‫ا ُمل َقدَّ َم ِة َأ َّو ًل َف َأ َّو ًل" اهـ‪.‬‬
‫ومن هذا احلديث اختلف أهل العلم يف حكم تسوية الصفوف عىل قولني‪،‬‬
‫وهي‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أهنا سنة وليست بواجبة‪ ،‬وقالوا أن االمر بإقامة الصفوف‬
‫ف ِم ْن‬ ‫الص ِّ‬ ‫يف تعليله‪َ (( :‬فإِ َّن إِ َق َام َة َّ‬ ‫لالستحباب ال للوجوب‪ ،‬بدليل قوله‬
‫ال‪َ :‬ه َذا َيدُ ُّل َع َل َأ َّن إ َقا َم َة‬ ‫الص َل ِة))‪،‬قال يف ((طرح التثريب))‪َ " :‬ق َال ا ْب ُن َب َّط ٍ‬ ‫ُح ْس ِن َّ‬
‫الش ِء‬ ‫ِ ِ‬
‫الص َلة؛ لَ َّن ُح ْس َن َّ ْ‬
‫ِ‬
‫ي َعل ُه م ْن ُح ْس ِن َّ‬ ‫وف ُسنَّ ٌة؛ ِلَ َّن ُه َل ْو ك َ‬
‫َان َف ْر ًضا ‪َ ..‬ل ْ َ ْ‬
‫الص ُف ِ‬
‫ُّ‬
‫وب‪َ .‬ق َال ود َّل ه َذا َع َل َأ َّن َقو َله ِف ح ِد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫يث‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫الو ُج ِ‬ ‫ِز َيا َد ٌة َع َل َتَامه‪َ ،‬و َذل َك ِز َيا َد ٌة َع َل ُ‬
‫السن َِّة َك َم َت َق ُع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َس‪(( :‬تَس ِوي ُة الص ِّ ِ‬
‫الصلَة َت َق ُع َع َل ُّ‬ ‫الص َلة))((( َأ َّن إ َقا َم َة َّ‬ ‫ف م ْن إ َق َامة َّ‬ ‫ْ َ َّ‬ ‫َأن ٍ‬
‫ِ‬ ‫ال ِف َق ْو ِل َأن ٍ‬ ‫يض ِة؛ َلِا َق َال ا ْب ُن َب َّط ٍ‬ ‫َع َل ال َف ِر َ‬
‫ون‬‫يم َ‬ ‫َس‪َ :‬ما َأ ْنك َْرت َش ْي ًئا َّإل َأ َّنك ُْم َل تُق ُ‬
‫اع ُل َها ا َملدْ َح َع َل ْي َها ‪َ ..‬د َّل‬ ‫َح ُّق َف ِ‬
‫ف ِمن السن َِّة ا َّلتِي يست ِ‬
‫َْ‬ ‫الص ِّ ْ ُّ‬ ‫َان ت َْس ِو َي ُة َّ‬ ‫وف؛ َلِا ك َ‬ ‫الص ُف َ‬ ‫ُّ‬
‫((( ((فتح الباري))‪.235/2 :‬‬
‫((( ((طرح التثريب))‪.527/2 :‬‬
‫((( هذا لفظ البخاري‪.‬‬
‫(‪)283‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ِ‬ ‫َاركَها يست ِ‬ ‫ِ‬
‫وف‬‫الص ُف َ‬ ‫َغ ْ َي َأ َّن َم ْن َل ْ ُيق ْم ُّ‬ ‫ْب‪ ،‬ك ََم َق َال َأن ٌَس‬ ‫الذ َّم َوال َعت َ‬ ‫َح ُّق َّ‬ ‫َذل َك َأ َّن ت ِ َ َ ْ‬
‫(((‬
‫الص َل ِة" اهـ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َل إ َعا َد َة َع َل ْيه‪َ ،‬أ َل ت ََرى َأ َّن َأن ًَسا َل ْ َي ْأ ُم ْر ُه ْم بِإِ َعا َدة َّ‬
‫ف ِم ْن‬ ‫الص ِّ‬ ‫وجاء يف لفظ عند مسلم وأمحد‪َ (( :‬س ُّووا ُص ُفو َفك ُْم َفإِ َّن ت َْس ِو َي َة َّ‬
‫ش ِح‬ ‫ين ف (( َ ْ‬
‫الش ْي ُخ ت َِق ُّي الدِّ ِ ِ‬ ‫الص َل ِة))‪ ،‬قال يف ((طرح التثريب)) أيض ًا‪َ " :‬و َق َال َّ‬ ‫َتَا ِم َّ‬
‫ب ِلَ َّن ُه َل ْ َي ْذك ُْر َأ َّن ُه ِم ْن‬ ‫ِ‬
‫الص َلة) َأ َّن ُه ُم ْست ََح ٌّ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ُع ْمدَ ة))‪َ :‬قدْ ُي ْؤ َخ ُذ م ْن َق ْوله‪( :‬م ْن َتَا ِم َّ‬
‫ِ‬

‫الش ِء َأ ْم ٌر َز ِائدٌ َع َل َح ِقي َقتِ ِه ا َّلتِي َل َيت ََح َّق ُق َّإل ِ َبا ِف‬ ‫اتا َو َتَا ُم َّ ْ‬
‫ِ ِ‬
‫َأ ْركَانَا َو َل َواج َب َ‬
‫ِ‬

‫حل ِقي َق ُة َّإل‬ ‫ِ‬


‫ض َما َل تَت ُّم ا َ‬ ‫الو ْض ِع َع َل َب ْع ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ال ْصطِ َل ِح َق َال َو َقدْ َينْ َط ِل ُق بِ َح َس ِ‬ ‫ور ِ‬ ‫َم ْش ُه ِ‬
‫(((‬
‫بِ ِه" اهـ‪.‬‬
‫ف فِ ِيه َأ َّنه ِمن سن َِن اجلم َع ِ‬
‫ات"‪.‬‬ ‫اض ِع َي ٌ‬
‫اض‪َ " :‬و َل ُ ْ‬
‫ي َت َل ُ‬ ‫َق َال ال َق ِ‬
‫ُ ْ ُ‬
‫(((‬
‫ََ‬
‫وهذا القول هو مذهب السلف واخللف‪ ،‬وهو قول األئمة األربعة‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أن تسوية الصفوف واجبة‪ ،‬وهو قول ابن حزم الظاهري‪،‬‬
‫‪َ (( :‬لت َُس ُّو َّن ُص ُفو َفك ُْم‪،‬‬
‫واستدل باحلديث الذي نحن بصدد رشحه‪ ،‬وهو قوله‬
‫َأو َليخَ الِ َفن اهللُ بي وج ِ‬
‫وهك ُْم))‪ ،‬وقال هذا وعيد شديد‪ ،‬والوعيد ال يكون إال يف‬ ‫َْ َ ُ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْ ُ‬
‫كبرية من الكبائر‪.‬‬
‫واستدل كذلك بالزيادة التي يف رواية اإلمام البخاري السابقة‪ ،‬وهي‪َ (( :‬فإِ َّن‬
‫الص َل ِة))‪ ،‬وقال‪ :‬إذا كان من إقامة الصالة فهو فرض؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الص ُفوف م ْن إِ َق َامة َّ‬
‫ت َْس ِو َي َة ُّ‬
‫ألن إقامة الصالة فرض‪ ،‬وما كان من الفرض فهو فرض‪.‬‬

‫((( ((طرح التثريب))‪..528/2 :‬‬


‫((( املرجع السابق‪.529/2 :‬‬
‫((( انظر‪(( :‬نيل األوطار))؛ طبعة‪ :‬رشكة القدس‪.193/2 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)284‬‬

‫يث َث َب َت‬ ‫حل ِد َ‬ ‫إن ا َ‬ ‫اب َع ْن َه َذا ال َي ْع ُم ِر ُّي‪َ ،‬ف َق َال‪َّ :‬‬ ‫قال يف ((نيل األوطار))‪َ " :‬و َأ َج َ‬
‫اإل َقا َم ِة‪،‬‬
‫ظ ِ‬ ‫ظ التَّم ِم َإل َل ْف ِ‬
‫َ‬
‫الستِدْ َلل َّإل بِرد َل ْف ِ‬
‫َ ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ظ ِ ِ‬
‫اإل َقا َمة َوبِ َل ْفظ الت ََّم ِم‪َ ،‬و َل َيت ُّم َل ُه ْ‬
‫بِ َل ْف ِ‬

‫الص َل ِة‬ ‫الص َلة َف ْر ٌض َفإِ َقا َم ُة َّ‬


‫ِ‬
‫ْس‪َ .‬ق َال‪َ :‬و َأ َّما َق ْو ُل ُه َوإِ َقا َم ُة َّ‬ ‫َو َل ْي َس َذلِ َك بِ َأ ْو َل ِم ْن ال َعك ِ‬
‫لص َل ِة ا َّلتِي ت َِل الت َّْأ ِذي َن‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اإل َقا َم ُة ل َّ‬ ‫الص َل ِة‪َ ،‬و ُت ْط َل ُق َو ُي َرا ُد ِ َبا ِ‬ ‫ِ‬
‫ُت ْط َل ُق َو ُي َرا ُد ِ َبا ف ْع ُل َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫الص ُفوف َي ْع ُق ُ‬ ‫َو َل ْي َس َإرا َد ُة األَ َّو ِل ك ََم َز َع َم بِ َأ ْو َل م ْن َإرا َدة ال َّث ِان؛ إ ْذ األَ ْم ُر بِت َْس ِو َية ُّ‬
‫الص َل ِة َغالِ ًبا‪َ .‬ق َال‪:‬‬ ‫يم َّ‬
‫ِ‬
‫اإل َما ُم‪َ ،‬و ُه َو ُمق ُ‬ ‫اإل َقا َم َة‪َ ،‬و ُه َو ِم ْن فِ ْع ِل ِ‬
‫اإل َما ِم‪َ ،‬أ ْو َم ْن ُي َو ِّك ُل ُه ِ‬ ‫ِ‬
‫اإل َقا َم ِة ا َّلتِي‬‫اإل َقا َم ِة َع َل ِ‬ ‫ي َم ُل َل ْف ُظ ِ‬ ‫اب َأ ْو َل‪َ ،‬و ُ ْ‬ ‫ال ْستِ ْح َب ِ‬
‫فِيم َذهب إ َلي ِه اجلمهور ِمن ِ‬
‫َ َ َ ْ ُُْ ُ ْ‬
‫الص َل ِة‪َ ،‬و َتنْتَظِ ُم بِ ِه َأ ْع َم ُل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وف َت ْقد ُير ُه م ْن َتَا ِم إ َقا َمة َّ‬
‫ت َِل الت َّْأ ِذين‪َ ،‬أو ي َقدَّ ر َله َم ْ ُذ ٌ ِ‬
‫َ ْ ُ ُ ُ‬
‫ود َح ِقي َقتِ ِه َف َل ْف ُظ (( ِم ْن‬ ‫الش ِء َز ِائدٌ َع َل وج ِ‬ ‫ِ‬ ‫اظ ِ ِ ِ ِ‬ ‫األَل َف ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫الوار َدة ف َذل َك ُك ِّل َها؛ لَ َّن ْإتَا َم َّ ْ‬ ‫َ‬
‫الو ُج ِ‬ ‫ِ‬
‫وب ‪.‬‬ ‫الص َلة)) َيدُ ُّل َع َل عَدَ ِم ُ‬ ‫َتَا ِم َّ‬
‫يح مس ِل ٍم)) مر ُفو ًعا بِ َل ْف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ظ‪َ (( :‬فإِ َّن إ َق َام َة‬ ‫َْ‬ ‫َو َقدْ َو َر َد م ْن َحديث َأ ِب ُه َر ْي َر َة ِف (( َصح ِ ُ ْ‬
‫الص َل ِة)) اهـ‪ (((،‬وبنفس هذا اللفظ هي عند البخاري كذلك‪.‬‬ ‫ف م ْن ُح ْس ِن َّ‬
‫الص َّ ِ‬
‫َّ‬
‫َان َأ َحدُ نَا‬
‫‪" :‬ك َ‬ ‫واستدل ابن حزم كذلك عىل الوجوب بقول سيدنا أنس‬
‫احبِ ِه َو َقدَ َم ُه بِ َقدَ ِم ِه" أخرجه البخاري‪.‬‬
‫بص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُي ِ‬
‫لز ُق َمنْك َب ُه بِ َمنْك ِ َ‬
‫َس‪:‬‬ ‫قال يف ((طرح التثريب)) عن استدالل ابن حزم هبذا‪ُ " :‬ث َّم َذك ََر َق ْو َل َأن ٍ‬
‫ار ِّي‪،‬‬ ‫يح ال ُب َخ ِ‬ ‫احبِ ِه‪َ ،‬و َقدَ َم ُه بِ َقدَ ِم ِه)) َو ُه َو ِف َص ِح ِ‬ ‫بص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لز ُق َمنْك َب ُه بِ َمنْك ِ َ‬ ‫َان َأ َحدُ نَا ُي ِ‬
‫((ك َ‬
‫ف ال َّطيب‪ ،‬روينَا بِ َأصح إسن ٍ‬
‫َاد‬ ‫الس َل ُ‬ ‫اع ِمن ُْه ْم‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ :‬وبِ َق ْولِنَا َي ُق ُ‬ ‫ُث َّم َق َال‪َ :‬ه َذا ْ َ‬
‫َ ِّ ْ‬ ‫ِّ ُ َ َ ْ‬ ‫ول َّ‬ ‫إج ٌ‬
‫اب َقدَ مه ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫الص ِّ‬ ‫ل َقا َمة َّ‬ ‫ض َب ُع َم ُر ْب ُن اخلَ َّط ِ َ ُ‬ ‫يم ْن َ َ‬ ‫َع ْن َأ ِب ُع ْث َم َن الن َّْهد ِّي َق َال‪ُ :‬كنْت ف َ‬
‫ش ًة ُم َ َّر َم ًة َع َل ْي ِه‬
‫يح َب َ َ‬‫ض َب َأ َحدً ا َو َي ْستَبِ َ‬ ‫لِ َي ْ ِ‬ ‫الص َل ِة‪َ ،‬ق َال ا ْب ُن َح ْز ٍم‪َ :‬ما ك َ‬
‫َان‬ ‫ِف َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫َع َل َغ ْ ِي َف ْر ٍ‬
‫َب‬‫َر ُج ًل ل َذل َك‪َ ،‬و َأ َّن ُه َل ُيك ِّ ُ‬ ‫ض‪ُ ،‬ث َّم َحكَى ا ْب ُن َح ْز ٍم‪َ :‬ب َع َث ُع ْث َم َن‬
‫((( ((نيل األوطار))‪.193/2 :‬‬
‫(‪)285‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫الص َحا َب ِة َل ُيَالِ ُف ُه ْم ِف‬ ‫َي بِح ْ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫حتَّى ُي ِْبوه بِ ِ ِ‬
‫ضة َّ‬ ‫است َوائ َها‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ :‬ف َه َذا ف ْع ُل اخلَلي َفت ْ َ َ‬ ‫ُ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ول اهلل‬ ‫َان بِ َل ٌل ُه َو م َؤ ِّذ ُن رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َذلِ َك َأ َحدٌ ِمن ُْه ْم‪ُ ،‬ث َّم َحكَى َع ْن ُس َو ْيد ْب ِن َغ َف َل َة َق َال‪ :‬ك َ‬
‫ض َب‬ ‫َان لِ َي ْ ِ‬ ‫ضب َأ ْقدَ امنَا ِف الص َل ِة ويسوي من ِ‬
‫َاك َبنَا‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ :‬ف َه َذا بِ َل ٌل َما ك َ‬ ‫َ ُ َ ِّ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َي ْ ِ ُ‬
‫َان َع َل‬ ‫ض‪ُ ،‬ث َّم َحكَى َق ْو َل ُ ْم ِلَن ِ‬
‫َس ْب ِن َمالِ ٍك‪َ :‬أ ُتن ِْك ُر َش ْي ًئا ِمَّا ك َ‬ ‫َأ َحدً ا َع َل َغ ْ ِي ال َف ْر ِ‬
‫ِ‬ ‫َع ْه ِد رس ِ‬
‫وف‪َ ،‬ق َال ا ْب ُن َح ْز ٍم‪ :‬ا ُمل َب ُ‬
‫اح‬ ‫الص ُف َ‬
‫ون ُّ‬ ‫يم َ‬ ‫َف َق َال َل‪َّ ،‬إل َأ َّنك ُْم َل تُق ُ‬ ‫ول اهلل‬ ‫َ ُ‬
‫َل ْي َس ُمنْك ًَرا ا ْنت ََهى‪.‬‬
‫وب‪َ ،‬ف َب َّو َب َع َل ْي ِه ِف‬ ‫الو ُج ِ‬ ‫َس َه َذا َع َل ُ‬ ‫ار ُّي بِك ََل ِم َأن ٍ‬ ‫استَدَ َّل ال ُب َخ ِ‬‫َو َقدْ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ب‪َ :‬ه َذا‬ ‫وف‪َ ،‬و َق َال ال َقاض َأ ُبو َبك ِْر ْب ُن ال َع َر ِ ِّ‬ ‫اب إ ْث ِم َم ْن َل ْ ُيت َّم ُّ‬
‫الص ُف َ‬ ‫(( َصحيحه))‪َ ،‬ب َ‬
‫َان َي ْقت َِض‬ ‫ب‪َ ،‬و َه َذا ك َ‬ ‫اج ٍ‬ ‫ُون َّإل ِف تَر ِك َو ِ‬
‫ْ‬ ‫يث النُّ ْع َم ِن َل َيك ُ‬‫الو ِعيدُ يعنِي ا َّل ِذي ِف ح ِد ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫(((‬
‫الش َع َس َم َح ِف َذلِ َك" اهـ‪.‬‬ ‫وب َّإل َأ َّن َّ ْ‬‫الو ُج َ‬
‫ُ‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫عىل تسوية الصف‪.‬‬ ‫‪1 .1‬حرص النبي‬
‫‪2 .2‬يف تسوية الصفوف الظاهرة تسوية للقلوب‪ ،‬ويف خمالفتها خمالفة للقلوب‪.‬‬
‫بقوة‪ ،‬وحيمل نفسه عىل القيام هبا‪،‬‬ ‫‪3 .3‬ينبغي للمؤمن أن يأخذ توجيهات نبيه‬
‫وعدم خمالفتها‪.‬‬

‫((( ((طرح التثريب))‪.529/2 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)286‬‬

‫احلديث الثالث والثالثون‬

‫ث ِف َأ ْم ِرنَا َه َذا َما‬


‫‪َ (( :‬م ْن َأ ْحدَ َ‬ ‫َقا َل ْت‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهلل‬ ‫َع ْن َع ِائ َش َة‬
‫َل ْي َس فِ ِيه َف ُه َو َر ٌّد)) متفق عليه‪.‬‬

‫™™راوية الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمهـــــا‬
‫هي أم املؤمنني الطاهرة العفيفة‪ ،‬صاحبة املنزلة الرفيعة‪ ،‬السيدة عائشة بنت‬
‫أيب بكر بن أيب قحافة بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب‬
‫ابن لؤي بن غالب بن فهر‪.‬‬
‫واسم أيب بكر ‪ ..‬عبداهلل واسم أبيه عثامن ويكنى بأيب قحافه‪.‬‬
‫‪ :‬وأمها وأ ُّمشقيقهاعبدالرمحن‪ :‬أم رومان ‪ -‬قال اإلمام‬ ‫اسم أمها‬
‫ِ‬
‫الراء َوإِ ْسكَان َ‬
‫الواو‪َ ،‬و َه َذا‬ ‫النووي يف ((رشحه عىل صحيح مسلم))‪َ " :‬وه َي بِ َض ِّم َّ‬
‫ال ْستِي َعاب)) َض ّم‬
‫هو ا َمل ْشهور‪ ،‬و َل ي ْذكُراجلمهور َغيه‪ .‬وحكَى اِبن َعبدالب ِف (( ِ‬
‫ْ ْ َّ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ُُْ‬ ‫َ َْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫ْحها‪َ ،‬ور َّج َح ال َفتْح َو َل ْي َس ُه َو بِر ِ‬
‫اج ٍح" اهـ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫الراء َو َفت َ َ‬
‫َّ‬
‫وأم رومان هي زينب بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن ُأ َذ ْينَ َة‬
‫ابن سبيع بن دمهان بن احلارث بن غنم بن مالك بن كنانة‪.‬‬
‫احلو ِر ِ‬
‫الع ْ ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ي‬ ‫س ُه َأ ْن َينْ ُظ َر إِىل ْام َر َأة م َن ُ ْ‬
‫‪َ (( :‬م ْن َ َّ‬ ‫وهي التي قال فيها النبي‬
‫(‪)287‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫َفل َينْ ُظ ْر إِ َل ُأ ِّم ُر ْو َمان)) أخرجه أبو نعيم وابن سعد‪.‬‬
‫عند موهتا‪(( :‬اللهم مل خيف عليك ما لقيت أم رومان فيك ويف‬ ‫وقال‬
‫رسولك))‪.‬‬
‫منها‪:‬‬ ‫زواجه‬
‫حزينا وحيد ًا‪.‬‬ ‫بقي رسول اهلل‬ ‫ملا توفيت أم املؤمنني خدجية‬
‫يتجرع مرارة احلزن ومتر به ذكريات زوجته خدجية‬ ‫ويف ليلة كان احلبيب‬
‫‪ ،‬ويقلب نظره يف بناته األيتام اجلالسات بجواره وعليهن آثار‬ ‫بنت خويلد‬
‫احلزن مثله‪ ،‬وكانت رقية وأم كلثوم قد طلقتا من عتبة بن أيب هلب زوج رقية‪ ،‬ومن‬
‫أخيه عتيبة بن أيب هلب‪ ،‬بعد أن نزل قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﱸ [املسد‪]1 :‬‬

‫وقد أمرمها أبومها أبو هلب بمفارقتهام ففعال ومل يكونا دخال هبام‪ ،‬كل ذلك كان‬
‫غري أنه سيد املحتسبني هلل وإمام املتوكلني عليه‪ ،‬يف تلك‬ ‫مؤثرا عىل رسول اهلل‬
‫للزواج غري أنه‬ ‫الساعات كان الصحابة رضوان اهلل عليهم يفكرون يف حاجته‬
‫حول األمر‪ ،‬تقديرا لذكرى الطاهرة خدجية‬ ‫مل يكن أحد ليتجرأ عىل مفاحتته‬
‫‪.‬‬ ‫بنت خويلد‬
‫وكانت هناك امرأة فاضلة من الصحابيات وهي خولة بنت حكيم زوجة‬
‫‪ ،‬وكانا من أوائل من هاجر إىل احلبشة‬ ‫الصحايب الصادق عثامن بن مظعون‬
‫ومن أوائل العائدين منها ليقفا بثبات بجانب إخواهنم من أهل اإليامن‪.‬‬
‫‪ ،‬فلم تطق صربا بل‬ ‫تعلم مقدار ما يعانيه رسول اهلل‬ ‫كانت خولة‬
‫‪ ،‬وأخذت تتحدث معه حول السيدة خدجية‬ ‫توجهت مبارشة إىل رسول اهلل‬
‫وأطالت احلديث معه لترسي عنه‪ ،‬ثم عرجت يف حديثها إىل أمور احلياة‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)288‬‬

‫ملن يعتني ببناته‪ ،‬ثم وجهت إليه سؤاالً بكل شجاعة ‪:‬‬ ‫والبيت وحاجته‬
‫ول اهلل َأ َل ت ََز َّو ُج؟ َق َال‪َ (( :‬م ْن؟)) َقا َل ْت‪ :‬إِ ْن ِش ْئ َت بِك ًْرا َوإِ ْن ِش ْئ َت‬ ‫َقا َل ْت َي َار ُس َ‬
‫لق اهلل إِ َل ْي َك َع ِائ َش ُة بِن ُْت َأ ِب َبك ٍْر‪،‬‬‫ب َخ ِ‬ ‫َث ِّي ًبا‪َ ،‬ق َال‪َ (( :‬ف َم ْن البِك ُْر؟)) َقا َل ْت‪ :‬ا ْبنَ ُة َأ َح ِّ‬
‫ب؟)) َقا َل ْت‪َ :‬س ْو َد ُة ا ْبنَت َز ْم َع َة َقدْ آ َمن َْت بِ َك َوا َّت َب َعت َْك َع َل َما َت ُق ُ‬
‫ول‪.‬‬ ‫َق َال‪َ (( :‬و َم ْن ال َّث ِّي ُ‬
‫ان‬‫ف َق َال‪َ (( :‬فا ْذ َهبِي َفا ْذك ُِرهيِ َم َع َ َّل))‪َ ،‬فدَ َخ َل ْت َب ْي َت َأ ِب َبك ٍْر‪َ ،‬ف َقا َل ْت‪َ :‬يا ُأ َّم ُرو َم َ‬
‫ول‬ ‫اك؟ َقا َل ْت َأ ْر َس َلنِي َر ُس ُ‬ ‫البك َِة‪َ ،‬قا َل ْت‪َ :‬و َما َذ َ‬ ‫ِ‬
‫َع َل ْيك ُْم م ْن اخلَ ْ ِي َو َ َ‬ ‫َما َذا َأ ْد َخ َل اهلل‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ت‪َ ،‬ف َجا َء َأ ُبو َبك ٍْر‪،‬‬ ‫ب َع َل ْيه َعائ َش َة‪َ .‬قا َل ْت‪ :‬ا ْنتَظ ِري َأ َبا َبك ٍْر َحتَّى َي ْأ ِ َ‬ ‫َأ ْخ ُط ُ‬ ‫اهلل‬
‫اك؟ َقا َل ْت‪:‬‬ ‫البك َِة‪َ ،‬ق َال‪َ :‬و َما َذ َ‬ ‫ِ‬
‫َف َقا َل ْت‪َ :‬يا َأ َبا َبك ٍْر َما َذا َأ ْد َخ َل اهلل َع َل ْيك ُْم م ْن اخلَ ْ ِي َو َ َ‬
‫ب َع َل ْي ِه َع ِائ َش َة‪َ .‬ق َال‪َ :‬و َهل ت َْص ُل ُح َل ُه إِن ََّم ِه َي ا ْبنَ ُة‬ ‫َأ ْخ ُط ُ‬ ‫ول اهلل‬ ‫َأ ْر َس َلنِي َر ُس ُ‬
‫ول‬ ‫ول اهلل ‪َ ،‬ف َذك ََر ْت َل ُه َذلِ َك‪َ ،‬ق َال‪ْ (( :‬ار ِج ِعي إِ َل ْي ِه َف ُق ِ‬ ‫َأ ِخ ِيه‪َ ،‬فر َج َع ْت إِ َل رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ُك ت َْص ُل ُح ِل)) َف َر َج َع ْت‪َ ،‬ف َذك ََر ْت َذلِ َك‬ ‫إل ْس َلمِ‪َ ،‬وا ْبنَت َ‬ ‫ْت َأ ِخي ِف ا ِ‬ ‫وك َو َأن َ‬ ‫َل ُه َأنَا َأ ُخ َ‬
‫َان َذك ََر َها َع َل‬ ‫ان‪ :‬إِ َّن ُم ْط ِع َم ْب َن َع ِد ٍّي َقدْ ك َ‬ ‫َل ُه‪َ ،‬ق َال‪ :‬ا ْنتَظِ ِري‪َ ،‬و َخ َر َج‪َ ،‬قا َل ْت ُأ ُّم ُرو َم َ‬
‫ا ْبنِ ِه – ُج َب ْ ٍي ‪َ -‬ف َواهلل َما َوعَدَ َم ْو ِعدً ا َق ُّط َف َأ ْخ َل َف ُه ِلَ ِب َبك ٍْر‪َ ،‬فدَ َخ َل َأ ُبو َبك ٍْر َع َل ُم ْط ِع ِم‬
‫ب‬ ‫ْب ِن َع ِد ٍّي َو ِعنْدَ ُه ا ْم َر َأ ُت ُه ُأ ُّم ال َفتَى َف َقا َل ْت ‪ -‬مبارشة ‪َ -‬يا ا ْب َن َأ ِب ُق َحا َف َة َل َع َّل َك ُم ْص ٍ‬
‫لم ْط ِع ِم ْب ِن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اح َبنَا ُمدْ ِخ ُل ُه ِف ِدينِ َك ا َّل ِذي َأن َ‬
‫ْت َع َل ْيه إِ ْن ت ََز َّو َج إِ َل ْي َك‪َ ،‬ق َال َأ ُبو َبك ٍْر ل ُ‬
‫ص ِ‬
‫َ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ول؟ َق َال‪ :‬إِنا َت ُق ُ ِ‬ ‫َع ِد ٍّي‪ :‬آ َق ْو َل َه ِذ ِه َت ُق ُ‬
‫ب اهلل‬ ‫ول َذل َك‪َ ،‬ف َخ َر َج م ْن عنْده َو َقدْ َأ ْذ َه َ‬ ‫َّ َ‬
‫ول اهلل‬ ‫َان ِف َن ْف ِس ِه ِم ْن ِعدَ تِ ِه ا َّلتِي َوعَدَ ُه‪َ ،‬ف َر َج َع‪َ ،‬ف َق َال ِلَ ْو َلة‪َ :‬ا ْد ِع ِيل َر ُس َ‬ ‫َما ك َ‬
‫ني" أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫َفدَ َع ْت ُه َف َز َّو َج َها إِ َّيا ُه‪َ ،‬و َع ِائ َش ُة َي ْو َم ِئ ٍذ بِن ُْت ِس ِّت ِسنِ َ‬
‫‪(( :‬ر َأيت ِ‬
‫ُك‬ ‫َقا َل ْت‪َ :‬ق َال ِل َر ُس ُ‬
‫ول اهلل‬ ‫ويف رواية يف البخاري َع ْن َع ِائ َش َة‬
‫َ ْ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِف ا َملنَام َِيِيء بِ ِ‬
‫والس َق َة بفتح السني‬ ‫س َقة م ْن َح ِر ٍير ‪َ َ -‬‬ ‫ك ‪ -‬أي جربيل ‪ -‬ف َ َ‬ ‫ك ا َمل َل ُ‬ ‫ُ‬
‫والراء والقاف َو ِه َي قطعة القامش األبِيض ِم ْن احلَ ِرير ‪َ -‬ف َق َال ِل‪َ :‬ه ِذ ِه ْام َر َأت َ‬
‫ُك‬
‫(‪)289‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ك َه َذا ِم ْن ِعن ِْد اهلل ُي ْم ِض ِه))‪.‬‬ ‫ْت ِه َي َف ُق ُ‬
‫لت إِ ْن َي ُ‬ ‫ك ال َّثوب َفإِ َذا َأن ِ‬
‫ْ َ‬
‫ت عن وج ِه ِ‬
‫َفك ََش ْف ُ َ ْ َ ْ‬
‫ُك ِف‬ ‫ول اهلل ‪ُ (( :‬أ ِريت ِ‬ ‫ويف رواية للبخاري ِأيض ًا َع ْن َع ِائ َش َة َقا َل ْت‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ُك َف َأك ِْش ُف َها َفإِ َذا ِه َي‬ ‫ول َه ِذ ِه ْام َر َأت َ‬
‫س َق ِة َح ِر ٍير َف َي ُق ُ‬ ‫َي إِ َذا َر ُج ٌل َ ْ ِ ِ ِ‬
‫يم ُلك ف َ َ‬
‫ا َملنَام َِم َّرت ْ ِ‬
‫ول إِ ْن َيك ُْن َه َذا ِم ْن ِعن ِْد اهلل ُي ْم ِض ِه))‪.‬‬ ‫ْت َف َأ ُق ُ‬‫َأن ِ‬

‫س َق ٍة‬‫كف َ َ‬
‫ك ا َمل َل ُ ِ‬ ‫ال جاء ِن بِ ِ‬ ‫ُك ِف ا َملنَام ِ َث َل َ ٍ‬
‫ث َل َي َ َ‬
‫ويف رواية اإلمام مسلم‪ُ ((:‬أ ِريت ِ‬

‫ك َه َذا‬ ‫ول إِ ْن َي ُ‬ ‫ْت ِه َي َف َأ ُق ُ‬ ‫ك َفإِ َذا َأن ِ‬ ‫ف عن وج ِه ِ‬


‫ُك َف َأكْش ُ َ ْ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ول َه ِذ ِه ْام َر َأت َ‬ ‫ِم ْن َح ِر ٍير َف َي ُق ُ‬
‫ِم ْن ِعن ِْد اهلل ُي ْم ِض ِه))‪.‬‬
‫ويف رواية للرتمذي قال‪َ (( :‬أ َّن ِج ِب َيل جاء بِص ِ ِ ِ ِ‬
‫ضا َء‬ ‫ور َتا ف خ ْر َقة َح ِر ٍير َخ ْ َ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫ْ‬
‫اآلخ َر ِة))‪.‬‬
‫ُك ِف الدُّ ْنيا و ِ‬
‫َ َ‬ ‫َف َق َال‪ :‬إِ َّن َه ِذ ِه ز َْو َجت َ‬ ‫إِ َل النَّبِ ِّي‬
‫ني َف َق ِد ْمنَا‬‫َو َأنَا بِن ُْت ِس ِّت ِسنِ َ‬ ‫َقا َل ْت‪" :‬ت ََز َّو َجنِي النَّبِ ُّي‬ ‫و َع ْن َع ِائ َش َة‬
‫ج ْي َم ًة ‪ -‬أي‬ ‫ْت َفت ََم َّر َق َش َع ِري َف َو َف ُ َ‬ ‫ث ْب ِن َخ ْز َر ٍج َف ُو ِعك ُ‬ ‫ار ِ‬
‫ا َمل ِدينَ َة َفن ََزلنَا ِف َبنِي احلَ ِ‬
‫ِ‬ ‫ان وإِ ِّن َل ِفي ُأرج ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َخ ْت ِب‬ ‫ب ِل َف َ َ‬ ‫وحة َو َمعي َص َواح ُ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫كمل‪َ -‬ف َأ َتتْني ُأ ِّمي ُأ ُّم ُرو َم َ َ‬
‫اب الدَّ ِار َوإِ ِّن َلَ ْنَ ُج‬ ‫َف َأ َت ْيت َُها َل َأ ْد ِري َما ت ُِريدُ ِب َف َأ َخ َذ ْت بِ َي ِدي َحتَّى َأ ْو َق َفتْنِي َع َل َب ِ‬
‫اء َف َم َس َح ْت بِ ِه َو ْج ِهي َو َر ْأ ِس ُث َّم‬ ‫حتَّى س َكن بعض َن َف ِس ُثم َأ َخ َذت َشيئا ِمن م ٍ‬
‫ْ ًْ ْ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َْ ُ‬ ‫َ‬
‫البك َِة َو َع َل َخ ْ ِي‬ ‫ِ‬
‫ار ِف ال َب ْيت َف ُقل َن َع َل اخلَ ْ ِي َو َ َ‬ ‫َأ ْد َخ َلتْنِي الدَّ َار َفإِ َذا نِ ْس َو ٌة ِم ْن األَن َْص ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الش‪َ ،‬وا ُمل َراد ُهنَا َع َل َأ ْف َضل‬ ‫حل ّظ م ْن اخلَ ْي َو َّ ّ‬ ‫حل ّظ فالطائر ُي ْط َلق َع َل ا َ‬ ‫َطائ ٍر ‪ -‬أي‪ :‬ا َ‬
‫ول اهلل صىل‬ ‫َح ّظ َو َب َركَة ‪َ -‬ف َأ ْس َل َمتْنِي إِ َل ْي ِه َّن َف َأ ْص َل ْح َن ِم ْن َش ْأ ِن َف َل ْم َي ُر ْعنِي إِ َّل َر ُس ُ‬
‫ني"‪ .‬أخرجه البخاري‬ ‫اهللُ َع َل ْي ِه َو َس َّل َم ُض ًحى َف َأ ْس َل َمتْنِي إِ َل ْي ِه َو َأنَا َي ْو َم ِئ ٍذ بِن ُْت تِ ْس ِع ِسنِ َ‬
‫(((‬
‫ومسلم‪.‬‬
‫((( وقد أفردت بالتأليف كتابا يتحدث بإسهاب عن أمهات املؤمنني ريض اهلل عنهن‪ ،‬وقد تعرضت فيه‬
‫بنسائه‪ ،‬وخصوص ًا سن =‬ ‫لكثري من األمور املهمة‪ ،‬ومن أهم ذلك رد الشبهات التي تثار حول زواجه‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)290‬‬

‫‪:‬‬ ‫فضائلهـــا‬
‫من‬ ‫ومن الذي يستطيع عد قطرات املطر‪ ،‬فإن ألم املؤمنني عائشة‬
‫الفضائل ما ال حترصه الكتب‪ ،‬وال ختطه األقالم عليها رضوان اهلل‪ ،‬ولو مل يرد إال‬
‫يد َع َل َسائِ ِر ال َّط َعا ِم)) أخرجه‬
‫اء َك َف ْض ِل ال َّث ِر ِ‬
‫‪(( :‬إِ َّن َف ْض َل عائِ َش َة ع َل النِّس ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قوله‬
‫البخاري ومسلم عن أيب موسى‪ ،‬وأخرجه أمحد عن أنس كام أخرجه عن أيب موسى‬
‫أيضا ‪ ..‬لكفاها فخر ًا ومنزلة ومقاما‪ ،‬ولوجب عىل األمة أن تعرف فضلها ومكانته‬
‫الذي ال ينطق عن اهلوى ﱹ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﱸ [النجم‪،]4 :‬‬ ‫العالية‪ ،‬فإنه قوله‬
‫فكيف وقد ورد فيها الكثري‪.‬‬
‫أهنا قالت ‪" :‬يا رسول اهلل‪ ،‬من أزواجك يف اجلنة؟ قال‪(( :‬أما‬ ‫فعنها‬
‫فخ ِّي َل إ َّيل أن ذاك أنه مل يتزوج بكرا غريي" أخرجه احلاكم‬
‫إنك منهن))»‪ ،‬قالت‪ُ :‬‬
‫والطرباين وابن حبان‪.‬‬
‫ذكر فاطمة‪ ،‬قالت‪ :‬فتكلمت أنا‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫وعن عائشة‪ ،‬أن رسول اهلل‬
‫((أما ترضني أن تكوين زوجتي يف الدنيا واآلخرة؟))‪ ،‬قلت‪ :‬بىل واهلل‪ ،‬قال‪(( :‬فأنت‬
‫زوجتي يف الدنيا واآلخرة)) أخرجه ابن حبان واحلاكم‪.‬‬
‫‪(( :‬عائشة زوجتى ىف اجلنة)) أخرجه ابن أيب شيبة‪.‬‬ ‫وقد قال‬
‫ليهون عيل املوت أين أريتك‬
‫‪((:‬إنه ّ‬ ‫قالت‪ :‬قال يل رسول اهلل‬ ‫وعنها‬
‫زوجتي يف اجلنة)) أخرجه الطرباين‪.‬‬

‫زواج السيدة عائشة عليها رضوان اهلل‪ ،‬والذي حياول الكثري التشكيك فيه‪ ،‬كام حياول ورد األحاديث‬ ‫= ‬
‫وبني سيدنا عيل كرم اهلل وجهه‪ ،‬وقد‬ ‫الصحيحة الواردة يف ذلك‪ ،‬كام تعرضت ملا جرى بينها‬
‫أسميته‪(( :‬النور املبني يف سرية أمهات املؤمنني))‪ ،‬فلريجع إليه من أراد االستزادة‪.‬‬
‫(‪)291‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ورواه ابن عساكر بلفظ‪(( :‬ما أبايل باملوت‪ ،‬وقدعلمت أنك زوجتي يف اجلنة))‪.‬‬
‫َف َعائِ َش َة‬
‫اض ك ِّ‬ ‫َق َال‪((:‬إِ َّن ُه َل ُي َه ِّو ُن َع َ َّل َأ ِّن َر َأ ْي ُ‬
‫ت َب َي َ‬ ‫َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫و َعنْها‬
‫اجلن َِّة)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬
‫ِف َ‬

‫قال‪(( :‬قد‬ ‫ويف رواية عن مصعب بن إسحاق بن طلحة أن رسول اهلل‬


‫أريت عائشة يف اجلنة ليهون عيل بذلك مويت كأين أرى كفها))أخرجه ابن أيب شيبة‪.‬‬
‫ب َأ َّن َر ُج ًل ن ََال ِم ْن َع ِائ َش َة ِعنْدَ َع َّم ِر ْب ِن َي ِ ٍ‬
‫اس َف َق َال‪:‬‬ ‫و َع ْن َع ْم ِر و ْب ِن َغالِ ٍ‬
‫أخرجه الرتمذي واحلاكم‪.‬‬ ‫وحا َأت ُْؤ ِذي َحبِي َب َة رس ِ‬
‫ول اهللِ‬
‫وحا َمنْ ُب ً‬‫( َأ ْغ ِر ْب َم ْق ُب ً‬
‫َ ُ‬
‫قالت‪:‬‬ ‫خيصها بالدعوات املباركات‪ ،‬فعنها‬ ‫ولقد كان رسول اهلل‬
‫طيب نفس‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬ادع اهلل يل‪ ،‬فقال‪(( :‬اللهم‬ ‫ملا رأيت من النبي‬
‫اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر‪ ،‬ما أرست وما أعلنت))‪ ،‬فضحكت عائشة‬
‫‪(( :‬أيرسك‬ ‫حتى سقط رأسها يف حجرها من الضحك‪ ،‬قال هلا رسول اهلل‬
‫‪(( :‬واهلل إهنا لدعائي ألمتي يف‬ ‫دعائي؟))‪ ،‬فقالت‪ :‬وما يل اليرسين دعاؤك‪ ،‬فقال‬
‫كل صالة))‪ .‬أخرجه ابن حبان والبزار‪.‬‬
‫وقد علمها وأرشدها إىل الدعوات الطيبة التي انتفعت هبا األمة بعدها‪ ،‬فعنها‬
‫ول اهللِ‪َ :‬أ َر َأ ْي َت َل ْو َأ ِّن َع ِل ْم ُت َل ْي َل َة ال َقدْ ِر َما ُكن ُْت َأ ْد ُعو بِ ِه َر ِّب‬
‫لت َيا َر ُس َ‬ ‫َقا َل ْت‪ُ :‬ق ُ‬
‫ِ‬ ‫اللهم إِن َ‬ ‫َأ ْو َما ُكن ُْت َأ ْس َأ ُل ُه‪َ ،‬ق َال‪ُ (( :‬ق ِ‬
‫ف َعنِّي)) أخرجه‬ ‫ب ال َع ْف َو َفا ْع ُ‬ ‫َّك َع ُف ٌّو ُت ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ول‬
‫اإلمام أمحد والرتمذي والنسائي‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫علمها وفقهها‬
‫أما علمها فقد وعت من بيت النبوة اليشء الكثري‪ ،‬وتعلمت من رسول اهلل‬
‫ما جعلها مرجعا لكبار الصحابة يف ٍ‬
‫كثري من أمور الدين‪ ،‬فقد كانت متابعة‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)292‬‬

‫فوعت عنه ما يؤهلها لذلك‪ ،‬وقد كانت بمثابة الواسطة بني النساء‬ ‫لرسول اهلل‬
‫‪ ،‬فصارت بذلك‬ ‫حيث أن النساء ك َّن يسألنها لتسأل رسول اهلل‬ ‫ورسول اهلل‬
‫مرجعا يف الفقه واحلديث‪ ،‬فعن هشام عن أبيه قال‪" :‬مارأيت أحدا أعلم بفريضة‪،‬‬
‫والأعلم بفقه وال بشعر من عائشة" أخرجه ابن أيب شيبة‪.‬‬
‫وعن هشام بن عروة أيض ًا عن أبيه قال‪" :‬ما رأيت أحدا أعلم بالقرآن وال‬
‫بفريضة وال بحالل وال بحرام وال بفقه‪ ،‬وال بطب‪ ،‬وال بشعر‪ ،‬وال بحديث العرب‬
‫"‪ .‬أخرجه الطرباين واحلاكم‪.‬‬ ‫وال بنسب من عائشة‬
‫وقال عطاء بن أيب رباح‪" :‬كانت عائشة أفقه الناس‪ ،‬وأعلم الناس‪ ،‬وأحسن‬
‫الناس رأيا يف العامة"‪.‬‬
‫وعلم‬ ‫الزهري‪" :‬لو ُجع علم عائشة إىل علم مجيع أزواج النبي‬
‫ُّ‬ ‫وقال‬
‫مجيع النساء لكان علم عائشة أفضل"‪ .‬أخرجه الطرباين‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫روايتها للحديث‬
‫الكثري الطيب‪ ،‬وروت أيض ًا عن‬ ‫عن النبي‬ ‫روت أم املؤمنني عائشة‬
‫أبيها‪ ،‬وعن عمر‪ ،‬وفاطمة‪ ،‬وسعد بن أيب وقاص‪ ،‬وأسيد بن حضري‪ ،‬وجذامة بنت‬
‫وهب‪ ،‬ومحزة بنت عمرو‪.‬‬
‫وروى عنها من الصحابة‪ :‬عمر‪ ،‬وابنه عبداهلل‪ ،‬وأبو هريرة‪ ،‬وأبو موسى‪،‬‬
‫وزيد بن خالد‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وربيعة بن عمرو اجلريش‪ ،‬والسائب بن يزيد‪ ،‬وصفية‬
‫بنت شيبة‪ ،‬وعبداهلل بن عامر بن ربيعة‪ ،‬وعبداهلل بن احلارث بن نوفل‪ ،‬وغريهم‪.‬‬
‫ومن آل بيتها‪ :‬أختها أم كلثوم‪ ،‬وأخوها من الرضاعة عوف بن احلارث‪ ،‬وابن‬
‫أخيها القاسم‪ ،‬وعبداهلل بن حممد بن أيب بكر‪ ،‬وبنت أخيها اآلخر حفصة ‪ ،‬وأسامء‬
‫(‪)293‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫بنت عبدالرمحن بن أيب بكر‪ ،‬وحفيده عبداهلل بن أيب عتيق حممد بن عبدالرمحن‪،‬‬
‫وأبناء أختها‪ :‬عبد اهلل‪ ،‬وعروة‪ ،‬أبناء الزبري بن العوام من أسامء بنت أيب بكر‪،‬‬
‫وحفيدا أسامء عباد‪ ،‬وحبيب‪ ،‬ولدا عبداهلل بن الزبري‪ ،‬وحفيد عبداهلل عباد بن محزة‬
‫ابن عبداهلل بن الزبري‪ ،‬وبنت أختها عائشة بنت طلحة من أم كلثوم بنت أيب بكر‪،‬‬
‫ومواليها‪ :‬أبو عمر‪ ،‬وذكوان‪ ،‬وأبو يونس‪ ،‬وابن فروخ‪.‬‬
‫ومن كبار التابعني‪ :‬سعيد بن املسيب‪ ،‬وعمرو بن ميمون‪ ،‬وعلقمة بن قيس‪،‬‬
‫ومرسوق‪،‬وعبداهللبنحكيم‪،‬واألسودبنيزيد‪،‬وأبوسلمةبنعبدالرمحن‪،‬وأبووائل‪،‬‬
‫وآخرون كثريون‪.‬‬
‫‪ ،‬فقد روت عن‬ ‫من مكثري الرواية عن النبي‬ ‫وتعدُّ السيدة عائشة‬
‫ألفا حديث ومائتان وعرشة (‪ )2210‬وقيل‪ :‬ألف وعرشة (‪ ،)1010‬اتفق‬ ‫النبي‬
‫البخاري ومسلم منها عىل مائة وأربعة وسبعني (‪ ،)194‬وانفرد البخاري بأربعة‬
‫وستني (‪ ،)64‬ومسلم بثامنية وستني (‪.)68‬‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتها‬
‫تسع سنوات‪،‬‬ ‫مع رسول اهلل‬ ‫عاشت أم املؤمنني السيدة عائشة‬
‫فتويف عنها وهي يف الثامنة عرش من عمرها‪ ،‬كام ورد َع ْن ُع ْر َو َة قال‪" :‬ت ََز َّو َج النَّبِ ُّي‬
‫ني وبنَى ِبا و ِهي َبِن ُْت تِس ٍع وم َك َث ْ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت عنْدَ ُه ت ْس ًعا"‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َعائ َش َة َوه َي بِن ُْت س ِّت سن َ َ َ‬
‫أخرجه البخاري‪.‬‬
‫وبقيت عليها رضوان اهلل كالبحر الزاخر يزج بالعطاء والنفع لألمة مما تلقته‬
‫‪،‬‬ ‫من بيت النبوة ومن املعني العذب الصايف حتى انتقلت إىل جوار رهبا ونبيها‬
‫فأسلمت روحها الطاهرة لبارهيا‪ ،‬وكان ذلك ليلة الثالثاء لسبع عرشة مضني من‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)294‬‬

‫رمضان‪ ،‬وقد اختلفوا يف سنة وفاته عىل قولني‪:‬‬


‫األول‪ :‬أهنا سنة سبع ومخسني من اهلجرة‪ ،‬ذكره املدائني عن سفيان بن عيينة‬
‫عن هشام بن عروة عن أبيه‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أهنا سنة ثامنية ومخسني كام رواه ابن أيب خيثمة عن عيينة‪ ،‬وجزم به‬
‫املدائني‪ ،‬وبه قال الواقدي‪.‬‬
‫وقد بلغت السادسة والستني من عمرها‪.‬‬
‫أهنا قالت يوم ماتت عائشة‪" :‬اليوم مات‬ ‫وروي أيضا عن أم سلمة‬
‫ثم قالت‪ :‬استغفر اهلل ما خال أباها"‪.‬‬ ‫أحب شخص كان يف الدنيا إىل رسول اهلل‬
‫أخرجه الطرباين‪.‬‬
‫وأمرت أن تدفن ليالً‪ ،‬فدفنت بعد الوتر بالبقيع‪ ،‬وصىل عليها الصحايب‬
‫اجلليل أبو هريرة‪ ،‬وقيل‪ :‬سعيد بن زيد‪ُ ،‬‬
‫فشيعت جنازهتا يف الليل إىل البقيع حتت‬
‫ٍ‬
‫جريد مغموس يف الزيت‪ ،‬وكان الناس وراء اجلنازة‬ ‫أنوار املشاعل املصنوعة من‬
‫باكني‪ ،‬فلم ت َُر ليلة يف املدينة أكثر ناس ًا من تلك الليلة‪ ،‬وقيل أنه نزل يف قربها مخسة‪:‬‬
‫عبداهلل وعروة ابنا الزبري‪ ،‬والقاسم بن حممد‪ ،‬وعبداهلل بن حممد بن أيب بكر‪ ،‬وعبداهلل‬
‫ابن عبدالرمحن بن أيب بكر‪.‬‬
‫فرمحها اهلل رمحة األبرار وريض عنها ومجعنا هبا يف أعىل فراديس اجلنان مع‬
‫النبي العدنان آمني اللهم آمني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪َ (( :‬م ْن َأ ْحدَ َ‬
‫ث))‪ ،‬أي‪ :‬اخرتع‪ ،‬قال ابن الكامل‪" :‬اإلحداث‪ :‬إجياد‬ ‫قوله‬
‫(‪)295‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(((‬
‫يشء مسبوق بزمان" اهـ‪.‬‬
‫(( ِف َأ ْم ِرنَا َه َذا))‪ ،‬أي‪ :‬ديننا هذا‪ ،‬وهو دين اإلسالم‪ ،‬قال اإلمام املناوي‪" :‬عرب‬
‫عنه باألمر؛ تنبيها عىل أن هذا الدين هو أمرنا الذي هنتم به ونشتغل به‪ ،‬بحيث‬
‫(((‬
‫ال خيلو عنه يشء من أقوالنا وال من أفعالنا" اهـ‪.‬‬
‫(( َما َل ْي َس فِ ِيه))‪ ،‬أي‪ :‬ما ليس يف الدين‪ ،‬بمعنى ال ينطوي حتت أصل من‬
‫أصوله‪ ،‬قال يف ((عمدة القاري))‪" :‬اإلحداث يف أمر النبي هو اخرتاع يشء يف دينه‬
‫(((‬
‫بام ليس فيه مما ال يوجد يف الكتاب والسنة" اهـ‪.‬‬
‫(( َف ُه َو َر ٌّد))‪ ،‬أي‪ :‬مردود عليه‪ ،‬وهو باطل غري مقبول منه‪.‬‬
‫ف ُيفهم من ذلك‪ :‬أن املردود هو ما ال يشهد له اصل من أصول الدين‪ ،‬أما‬
‫ما انطوى حتت أصل من أصول الدين فهو مقبول وغري مردود‪.‬‬
‫وقد يفهم بعض اجلهلة هذا احلديث فه ًام خاطئ ًا‪ ،‬فينزلونه عىل كل يشء مل‬
‫‪ ،‬ومع‬ ‫‪ ،‬وليس هو كذلك‪ ،‬فإن كثري ًا من األمور مل يفعلها النبي‬ ‫يفعله النبي‬
‫ذلك قد فعلها الصحابة ومن بعدهم من التابعني ومل خترج عن أصل صحيح من‬
‫أصول الدين‪ ،‬وإنام املردود ما كان فيه خمالفة رصحية ألمر الرشع والدين‪ ،‬أو كان‬
‫فيه حكم بغري ما أنزل اهلل‪ ،‬وهذا الذي يثبته سبب هذا احلديث وهو ما أخرجه‬
‫َق َال‪َ :‬جا َء َأ ْع َر ِ ٌّ‬
‫اب‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫جل َهنِ ِّي‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬
‫اإلمام البخاري َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة َو َز ْيد ْب ِن َخالد ا ُ‬
‫ض َب ْينَنَا بِ ِكت ِ‬
‫َاب‬ ‫َاب اهلل‪َ ،‬ف َقا َم َخ ْص ُم ُه‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬صدَ َق ا ْق ِ‬ ‫ض َب ْينَنَا بِ ِكت ِ‬ ‫ول اهلل ا ْق ِ‬ ‫َيا َر ُس َ‬
‫َان َع ِسي ًفا َع َل َه َذا‪َ ،‬ف َزنَى بِا ْم َر َأتِ ِه‪َ ،‬ف َقا ُلوا ِل َع َل ا ْبنِ َك‬
‫اب‪ :‬إِ َّن ا ْبنِي ك َ‬ ‫اهلل‪َ ،‬ف َق َال األَ ْع َر ِ ُّ‬
‫((( انظر‪(( :‬فيض القدير))‪.557/7 :‬‬
‫((( املرجع السابق‪.557/7 :‬‬
‫((( ((عمدة القاري))‪.226/11 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)296‬‬
‫لت َأه َل ِ‬
‫العل ِم‪َ ،‬ف َقا ُلوا إِن ََّم‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الر ْج ُم‪َ ،‬ف َفدَ ْي ُت ا ْبني منْ ُه بِ ِمئَة م ْن ال َغنَ ِم َو َوليدَ ة‪ُ ،‬ث َّم َس َأ ُ ْ‬ ‫َّ‬
‫َاب اهلل‪َ ،‬أ َّما‬ ‫ي َب ْينَك َُم بِكِت ِ‬ ‫ِ‬
‫يب َعا ٍم‪َ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي ‪َ (( :‬لَ ْقض َ َّ‬
‫ِ ٍ‬
‫َع َل ا ْبن َك َجلدُ مائَة َو َت ْغ ِر ُ‬
‫ِ‬

‫ْت َيا ُأ َن ْي ُس‬ ‫يب َعامٍ‪َ ،‬و َأ َّما َأن َ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ك‪َ ،‬و َع َل ا ْبن ِ َ‬ ‫الولِيدَ ُة َوال َغن َُم ‪َ ..‬ف َر ٌّد َع َل ْي َ‬
‫ك َجلدُ مائَة َو َتغ ِْر ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ج َها))‪ ،‬فهذا األعرايب‬ ‫ج َها‪َ ،‬ف َغدَ ا َع َل ْي َها ُأ َن ْي ٌس َف َر َ َ‬‫‪ -‬ل َر ُج ٍل‪َ -‬فا ْغدُ َع َل ْام َر َأة َه َذا َف ْار ُ ْ‬
‫ث ِف‬ ‫أراد تغري حكم اهلل‪ ،‬إحداث شيئ ليس هو من الدين فقال ‪َ (( :‬م ْن َأ ْحدَ َ‬
‫َأ ْم ِرنَا َه َذا َما َل ْي َس فِ ِيه َف ُه َو َر ٌّد))‪ ،‬فرتد العقود التي يتعاقد هبا الناس والتي ال تنطوي‬
‫حتت أصل من أصول الدين‪.‬‬
‫ويف رشح ابن بطال عىل البخاري ما نصه‪" :‬وفيه‪َ :‬ع ِائ َش َة‪َ ،‬قا َل ْت‪َ :‬ق َال النبي‬
‫ث ِف َأ ْم ِرنَا َه َذا َما َل ْي َس فِ ِيه َف ُه َو َر ٌّد))"‪.‬‬
‫‪َ (( :‬م ْن َأ ْحدَ َ‬

‫يف هذه القصة بكتاب اهلل ‪ ..‬فهو رد الغنم‬ ‫قال املؤلف‪ :‬أما قضاء النبي‬
‫واجلارية اللذين أخذا بالباطل‪ ،‬وقد هنى اهلل عباده عن ذلك فقال‪ :‬ﱹ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﱸ [البقرة‪ ،]188 :‬ومل جيز هذا الصلح؛ الشرتاء حدود اهلل ببعض‬
‫عرض الدنيا‪ ،‬وحدود اهلل ال تسقط وال تباع وال تشرتى‪ ،‬وأمجع العلامء أنه ال جيوز‬
‫الصلح املنعقد عىل غري السنة وأنه منتقض‪ ،‬أال ترى أنه رد الغنم والوليدة وألزم‬
‫ابنه من احلد ما ألزمه اهلل‪ ،‬فقال‪(( :‬من أحدث يف أمرنا ما ليس منه فهو رد))‪ ،‬وبذلك‬
‫كتب عمر بن اخلطاب إىل أبى موسى األشعري يف رسالته إليه يعلمه القضاء فقال‪:‬‬
‫(((‬
‫صلحا أحل حرا ًما أو حرم حالال" اهـ‪.‬‬
‫ً‬ ‫والصلح جائز بني املسلمني إال‬
‫أما من أحدث يف الدين شيئ ًا هو منه‪ ،‬أي‪ :‬يدخل ضمن أصل من أصوله ‪ ..‬فليس‬
‫يف حياته وبعد موته ‪ ،‬ومن ذلك ما ورد َع ْن ِر َفا َع َة‬ ‫برد‪ ،‬كام فعل الصحابة‬
‫الزر ِقي َق َال‪ُ :‬كنَّا ن َُص ِّل َي ْوما َوراء رس ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل‬‫ول اهلل ‪َ ،‬ف َل َّم َر َف َع َر ُس ُ‬ ‫ً َ َ َ ُ‬ ‫ا ْب ِن َراف ٍع ُّ َ ِّ‬
‫((( ((رشح ابن بطال))‪.93/15 :‬‬
‫(‪)297‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حل ْمدُ َحْدً ا‬‫الر ْك َعة ‪َ ..‬ق َال‪َ (( :‬سم َع اهللُ َل ْن َحدَ ُه)) َق َال َر ُج ٌل َو َرا َء ُه‪َ :‬ر َّبنَا َل َك ا َ‬ ‫َر ْأ َس ُه م ْن َّ‬
‫‪َ ..‬ق َال‪َ (( :‬م ْن ا ُمل َت َك ِّل ُم))؟ َق َال‪:‬‬ ‫ف َر ُس ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل‬ ‫كَث ًريا َط ِّي ًبا ُم َب َاركًا فيه‪َ ،‬ف َل َّم ان َ َ‬
‫ْص َ‬
‫ك ُت ُب َها َأ َّو ُل))‬
‫ونَا َأ ُّ ُي ْم َي ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول اهلل ‪َ (( :‬ر َأ ْي ُ‬
‫ت بِ ْض َع ًة َو َث َلث َ‬
‫ني َم َلكًا َي ْبتَد ُر َ‬ ‫َأنَا‪َ ،‬ق َال َر ُس ُ‬
‫أخرجه البخاري‪.‬‬
‫ول اهلل‬ ‫َق َال‪َ :‬ب ْينَم ن َْح ُن ن َُص ِّل م َع رس ِ‬ ‫ومن ذلك ما ثبت َع ْن ا ْب ِن ُع َم َر‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫حل ْمدُ لَِّ كَثِ ًريا‪َ ،‬و ُس ْب َح َ‬
‫ان اهلل ُبك َْر ًة‬ ‫ْب كَبِ ًريا‪َ ،‬وا َ‬
‫ِ‬
‫‪ ..‬إِ ْذ َق َال َر ُج ٌل م ْن ال َق ْو ِم‪ :‬اهللُ َأك َ ُ‬
‫ول اهلل ‪َ (( :‬م ْن ال َقائِ ُل كَلِ َم َة ك ََذا َوك ََذا)) َق َال َر ُج ٌل ِم ْن ال َق ْو ِم‪:‬‬ ‫َو َأ ِص ًيل‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬
‫الس َم ِء)) أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫اب َّ‬ ‫ت َلا َأ ْب َو ُ‬‫ت َلا ُفتِ َح ْ‬ ‫ول اهلل‪َ .‬ق َال‪َ (( :‬ع ِ‬
‫ج ْب ُ‬ ‫َأنَا َيا َر ُس َ‬

‫أنكام أتيتام بيش يف الدين؛ ولكنه‬ ‫ففي هاتني الروايتني مل يقل هلام النبي‬
‫أقرمها؛ ألن ما جاءا به هو داخل ضمن أصل من أصول الذين وهو الذكر‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪َ ،‬فدَ َعا بِ َل ًل‪،‬‬ ‫ول اهلل‬ ‫ول‪َ :‬أ ْص َب َح َر ُس ُ‬ ‫ومن ذلك أيض ًا ما ورد عن َأ ِب ُب َر ْيدَ َة َي ُق ُ‬
‫َك‬ ‫ت َخ ْشخَ َشت َ‬ ‫اجلنَّ َة َق ُّط إِ َّل َس ِم ْع ُ‬ ‫لت َ‬ ‫اجلن َِّة‪َ ،‬ما َد َخ ُ‬ ‫َف َق َال‪َ (( :‬يا بِ َل ُل بِ َم َس َب ْقتَنِي إِ َل َ‬
‫ب‬ ‫ص ِم ْن َذ َه ٍ‬ ‫ت َع َل َق ْ ٍ‬ ‫َك‪َ ،‬ف َأ َت ْي ُ‬
‫ت َخ ْشخَ َشت َ‬ ‫اجلنَّ َة َف َس ِم ْع ُ‬ ‫ار َح َة َ‬ ‫َأ َم ِامي‪ ،‬إِ ِّن َد َخ ُ‬
‫لت ال َب ِ‬
‫لت‪َ :‬أنَا َع َر ِ ٌّب‪،‬‬ ‫ص؟ َقا ُلوا‪ :‬لِ َر ُج ٍل ِم ْن ال َع َر ِ‬ ‫ف‪َ ،‬ف ُق ُ ِ‬ ‫ش ٍ‬‫ُم ْرت َِف ٍع ُم ْ ِ‬
‫ب‪ُ ،‬ق ُ‬ ‫لت‪َ :‬ل ْن َه َذا ال َق ْ ُ‬
‫م َّمدٌ ‪َ ،‬ل ِ ْن َه َذا‬‫لت‪َ :‬ف َأنَا ُ َ‬ ‫م َّم ٍد‪ُ ،‬ق ُ‬ ‫ني ِم ْن ُأ َّم ِة ُ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص؟ َقا ُلوا‪ :‬ل َر ُج ٍل م ْن ا ُمل ْسلم َ‬ ‫َل ْن َه َذا ال َق ْ ُ‬
‫ُك َيا ُع َم ُر‬ ‫ول اهلل ‪َ (( :‬ل ْو َل َغ ْ َيت َ‬ ‫اب))‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫ص؟ َقا ُلوا‪ :‬لِ ُع َم َر ْب ِن َ‬
‫اخل َّط ِ‬ ‫ال َق ْ ُ‬
‫ول اهلل َما ُكن ُْت ِلَ َغ َار َع َل ْي َك‪َ .‬ق َال‪َ :‬و َق َال لِبِ َل ٍل‪(( :‬بِ َم‬ ‫ص))‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫لت ال َق ْ َ‬‫َلدَ َخ ُ‬
‫ول‬ ‫َي‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫اجلن َِّة؟)) َق َال‪َ :‬ما َأ ْحدَ ْث ُت ‪ ..‬إِ َّل ت ََو َّض ْأ ُت‪َ ،‬و َص َّل ْي ُت َر ْك َعت ْ ِ‬ ‫َس َب ْقتَنِي إِ َل َ‬
‫اهلل ‪َ ِ (( :‬ب َذا)) أخرجه مسلم‪.‬‬
‫‪ ،‬ولربام قال القائل‪:‬‬ ‫فتأمل هنا‪ ،‬جتد أن بالال قد أحدث شيئ ًا مل يفعله النبي‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)298‬‬

‫يقره أحد!‬
‫أقره عىل فعله فال مشكلة‪ ،‬بينام اليوم لن ّ‬
‫أن النبي قد ّ‬
‫‪ ،‬إنام يف إقدام‬ ‫واجلواب عىل ذلك‪ :‬أن القضية ليست يف إقرار النبي‬
‫؛ بل األدهى من ذلك أنه أحدث‬ ‫عىل فعل يشء مل يفعله رسول اهلل‬ ‫بالل‬
‫أنت مبتدع‪،‬‬ ‫موجود‪ ،‬فاألمر أكرب‪ ،‬ومع ذلك مل يقل له النبي‬ ‫شيئ ًا والنبي‬
‫مل حيدث شيئ ًا ليس‬ ‫أو كيف تفعل شيئ ًا مل آمرك به وأنا بني أظهركم؛ ألن بالالً‬
‫من الدين‪ ،‬بل هو من الدين‪.‬‬
‫ومن ذلك أيضا ًما ورد عن عبدالرمحن بن عبدالقارئ أنه قال‪ :‬خرجت مع‬
‫عمر بن اخلطاب يف رمضان إىل املسجد‪ ،‬فإذا الناس أوزاع متفرقون يصىل الرجل‬
‫لنفسه‪ ،‬ويصىل الرجل فيصيل بصالته الرهط‪ ،‬فقال عمر‪" :‬واهلل إين ألراين لو مجعت‬
‫هؤالء عىل قارئ واحد لكان أمثل" فجمعهم عىل أيب بن كعب‪ .‬قال‪ :‬ثم خرجت‬
‫معه ليلة أخرى والناس يصلون بصالة قارئهم‪ ،‬فقال عمر‪" :‬نعمت البدعة هذه‪،‬‬
‫والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون" يعني آخر الليل‪ ،‬وكان الناس يقومون‬
‫أوله‪ .‬أخرجه اإلمام مالك يف املوطأ‪.‬‬
‫أضف إىل ذلك مجعهم للقرآن‪ ،‬وقصته مشهورة‪.‬‬
‫أن املردود هو ما مل‬ ‫فهموا من حديث النبي‬ ‫كل ذلك ألن الصحابة‬
‫ينطوي حتت أصل من أصول الرشع‪ ،‬أما ما انطوى حتت أصل منه ‪ ..‬فليس كذلك‪.‬‬
‫قال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬ليس منه‪ :‬بأن مل يشهد له أصل من أصوله‪ ،‬فال‬
‫(((‬
‫ينايف ما تقدم من أن من البدع ما هو واجب ومنها ما هو مندوب" اهـ‪.‬‬
‫وقال يف ((فيض القدير))‪" :‬ما ليس منه‪ :‬أي رأيا ليس له يف الكتاب أو السنة‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.370/1 :‬‬


‫(‪)299‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(((‬
‫عاضد ظاهر أو خفي‪ ،‬ملفوظ أو مستنبط" اهـ‪.‬‬
‫اهر َأ ْو َخ ِف ّي‬
‫وقال يف ((عون املعبود))‪" :‬ما َليس فِ ِيه‪َ :‬أي َشي ًئا َل ي ُكن َله سنَد َظ ِ‬
‫ْ ْ َْ ْ ُ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫السنَّة" اهـ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْن الكتَاب َو ُّ‬
‫(((‬

‫وقال احلافظ ابن حجر يف ((فتح الباري))‪" :‬وهذا احلديث معدود من أصول‬
‫اإلسالم‪ ،‬وقاعدة من قواعده‪ ،‬فإن معناه من اخرتع يف الدين ما ال يشهد له أصل‬
‫(((‬
‫من أصوله ‪ ..‬فال يلتفت إليه" اهـ‪.‬‬
‫ِم ْن‬ ‫شء َنَى َعنْ ُه َر ُسول اللَّ‬ ‫حلديث َب َيان َأ َّن ك ُّل َ ْ‬
‫َق َال اخل َّط ِاب‪ِ " :‬ف ه َذا ا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُّ‬
‫مها ِم ْن ال ُع ُقود‪َ ،‬فإِ َّن ُه َمنْ ُقوض َم ْر ُدود؛ ِلَ َّ‬
‫ن َق ْوله‪َ (( :‬ف ُه َو َر ّد))‬
‫ِ‬
‫َع ْقد نكَاح َو َب ْيع َو َغ ْي َ‬
‫اهر‪،‬‬ ‫اهره إِ ْفساده وإِب َطاله؛ إِ َّل َأ ْن ي ُقوم الدَّ لِيل َع َل َأ َّن ا ُملراد بِ ِه َغي ال َّظ ِ‬ ‫وجب َظ ِ‬ ‫ُي ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫(((‬
‫َف َين ِْزل الك ََلم َع َل ْيه؛ِ لِ ِق َيا ِم الدَّ لِيل فِ ِيه" اهـ‪.‬‬
‫اعد ِ‬
‫اإل ْس َلم‪َ ،‬و ُه َو‬ ‫اعدَ ة َعظِيمة ِمن َقو ِ‬ ‫وقال اإلمام النووي‪" :‬وه َذا احل ِديث َق ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫(((‬
‫ت َعات" اهـ‪.‬‬ ‫صيح ِف َر ّد ك ُّل البِدَ ع َوا ُمل ْخ َ َ‬‫َفإِ َّن ُه َ ِ‬ ‫ِم ْن َج َو ِامع ك َِلمه‬
‫استِ ْع َمله ِف إِ ْب َطال ا ُملنْك ََرات‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقال كذلك‪" :‬وه َذا ا ِ‬
‫حلديث مَّا َينْ َبغي ح ْفظه َو ْ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫(((‬
‫ال ْستِدْ َلل بِ ِه" اهـ‪.‬‬
‫وإِ َشا َعة ِ‬
‫َ‬
‫يث‪َ :‬ح ِد ُ‬
‫يث ((األَ ْع َم ُل‬ ‫اإلس َل ِم َع َل َث َل َث ِة َأح ِ‬
‫اد َ‬ ‫َ‬ ‫ول ِ ْ‬
‫وقد قال اإلمام أمحد‪ُ " :‬أ ُص ُ‬

‫((( ((فيض القدير))‪.557/7 :‬‬


‫((( ((عون املعبود))‪.400/7 :‬‬
‫((( ((فتح الباري))‪.324/5 :‬‬
‫((( ((عون املعبود))‪.400/7 :‬‬
‫((( ((رشح صحيح مسلم)) للنووي‪.166/12 :‬‬
‫((( املرجع السابق‪.166/12 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)300‬‬

‫ث ِف َأ ْم ِرنَا َه َذا َما َل ْي َس ِمنْ ُه َف ُه َو َر ٌّد))‪َ ،‬و َح ِد ُ‬


‫يث‬ ‫بِالنِّ َّي ِة))‪َ ،‬و َح ِد ُ‬
‫يث َع ِائ َش َة‪َ (( :‬م ْن َأ ْحدَ َ‬
‫(((‬
‫ي)) اهـ‪.‬‬ ‫ي‪َ ،‬و َ‬
‫احل َرا ُم َب ِّ ٌ‬ ‫النُّ ْع َم ِن ْب ِن َب ِش ٍري‪َ (( :‬‬
‫احل َل ُل َب ِّ ٌ‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬رد كل حمدثة يف الدين ال توافق الرشع‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن كل ما شهد له يشء من أدلة الرشع أو قواعده العامة ليس يرد؛ بل هو‬
‫مقبول‪.‬‬
‫‪3 .3‬إبطال مجيع العقود املنهي عنها‪ ،‬وعدم نفع ثمراهتا املرتتبة عليها‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬طرح التثريب))‪.152/1 :‬‬


‫(‪)301‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث الرابع والثالثون‬

‫َق َال‪َ (( :‬ل ْي َس ِم ْن َن ْف ٍ‬


‫س ُت ْقت َُل ُظ ًلم إِ َّل ك َ‬
‫َان‬ ‫َأ َّن النَّبِ َّي‬ ‫َع ِن اب ِن مسع ٍ‬
‫ود‬ ‫ْ َ ْ ُ‬
‫َع َل ا ْب ِن آ َد َم األَ َّو ِل كِ ْف ٌل ِمن َْها؛ ِلَ َّن ُه َأ َّو ُل َم ْن َس َّن ال َقت َْل)) متفق عليه‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫هو الصحايب اجلليل عبداهلل بن مسعود‪ ،‬وقد تقدمت ترمجة يف احلديث‬
‫التاسع‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‬
‫‪َ (( :‬ل ْي َس ِم ْن)) زائدة لتأكيد استغراق النفي‪.‬‬ ‫قوله‬
‫(( َن ْف ٍ‬
‫س ُت ْقت َُل ُظ ًلم))‪ ،‬أي‪ :‬بغري حق‪.‬‬
‫َان َع َل ا ْب ِن آ َد َم األَ َّو ِل كِ ْف ٌل ِمن َْها))‪ ،‬أي‪ :‬حظ ونصيب منها‪َ ،‬و َق َال‬
‫((إِ َّل ك َ‬
‫اخلَ ِليل‪ُ :‬ه َو ِّ‬
‫الض ْعف‪ ،‬أي‪ :‬من إثمها‪ ،‬أو إثم دمها‪.‬‬
‫واملراد بابن آدم األول هو قابيل وهذا هو املشهور‪ ،‬وقيل‪ :‬قني بن آدم‪،‬‬
‫وبعضهم يقول‪ :‬هو قاين بن آدم‪ ،‬والذي قتل أخاه هابيل‪ ،‬وسبب القتل هو ما ذكره‬
‫صاحب ((عمدة القاري)) حيث قال‪" :‬قلت‪ :‬حكى السدي عن أشياخه عن جماهد‬
‫قالوا‪ :‬كانت حواء تلد توأما‬ ‫وسعيد بن جبري وعطاء وغريهم عن ابن عباس‬
‫يف كل بطن غالم ًا وجارية‪ ،‬إال شيثا‪ ،‬فإهنا ولدته مفردا‪ ،‬فلام كان بعد مائة سنة من‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)302‬‬

‫إىل الدنيا ‪ ..‬ولدت قابيل وتوأمته أقليام‪ ،‬ثم هابيل وتوأمته ليوذا‪،‬‬ ‫هبوط آدم‬
‫وكان ابن آدم يزوج ابنه أخته التي مل تكن توأمته‪ ،‬فلام بلغ قابيل وهابيل ‪ ..‬أمر اهلل‬
‫أن يزوج قابيل ليوذا أخت هابيل‪ ،‬ويزوج هابيل إقليام أخت قابيل‪،‬‬ ‫تعاىل آدم‬
‫وكانت من أمجل النساء قامة‪ ،‬وأمجلهن وأحسنهن صورة‪ ،‬فلم يرض قابيل‪ ،‬وقال‬
‫أنا أحق بأختي‪ ،‬أنا وأختي من أوالد اجلنة‪ ،‬وهابيل وأخته من أوالد الدنيا‪ ،‬فقال‬
‫آدم‪ :‬قربا قربان ًا‪ ،‬وكان قابيل صاحب زرع‪ ،‬وهابيل صاحب غنم‪ ،‬فقرب قابيل‬
‫صربة من طعام من أردى زرعه‪ ،‬وأضمر يف نفسه وقال‪ :‬ما أبايل أتقبل مني أم ال‬
‫بعد أن يتزوج هابيل أختي‪ ،‬وقرب هابيل كبشا سمينا من خيار غنمه‪ :‬ولبن ًا وزبد ًا‪،‬‬
‫وأضمر يف نفسه الرضا باهلل تعاىل‪ ،‬وكان القربان إذا قبل تنزل من السامء نار بيضاء‬
‫فتأكله‪ ،‬فنزلت نار‪ ،‬فأكلت قربان هابيل‪ ،‬ومل تأكل من قربان قابيل شيئ ًا فأخذ قابيل‬
‫(((‬
‫يف نفسه حتى قتل هابيل" اهـ‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﱸ [املائدة‪.]27 :‬‬
‫واختلفوا يف أي موضع كان القربان‪ ،‬فعامة العلامء عىل أنه كان باهلند‪.‬‬
‫و ُقتل هابيل وله عرشون سنة‪ ،‬وألخيه القاتل مخس وعرشون سنة وتفسري‬
‫هابيل هبة اهلل وملا قتل هابيل وحزن عليه آدم ولد له بعد ذلك شيث‪ ،‬ومعناه عطية اهلل‪،‬‬
‫ومنه انترشت ذرية آدم‪.‬‬
‫وقال الثعلبي‪ :‬ذكر أهل العلم بالقرآن أن حواء ولدت آلدم أربعني نفسا يف‬
‫عرشين بطنا أوهلم قابيل وأخته أقليام‪ ،‬وأخرهم عبد املغيث وأمة املغيث‪ ،‬ثم مل يمت‬

‫((( ((عمدة القاري))‪.435/12 :‬‬


‫(‪)303‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫حتى بلغ ولده وولد ولده أربعني ألفا‪ ،‬وهلكوا كلهم فلم يبق بعد الطوفان إال ذرية‬
‫نوح وهو من نسل شيث‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ :‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﱸ [الصافات‪،]77 :‬‬
‫وكان معه يف السفينة ثامنون نفس ًا‪ ،‬وهم املشار إليهم بقوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫(((‬
‫ﮊ ﮋ ﱸ [هود‪ ،]40 :‬ومع ذلك فام بقي إال نسل نوح‪ ،‬فتوالدوا حتى ملؤا األرض‪.‬‬
‫وطريقة قتله ألخيه هي ما ورد عن السدى‪ ،‬حيث قال‪ :‬شدخ قابيل رأس‬
‫أخيه بحجر فامت‪.‬‬
‫وعن بن جريج‪ :‬متثل له إبليس‪ ،‬فأخذ بحجر‪ ،‬فشدخ به رأس طري‪ ،‬ففعل‬
‫ذلك قابيل‪.‬‬
‫وعن ابن عباس‪ :‬رماه بحجر فقتله‪ ،‬وروى جماهد عنه أنه رضخ رأسه‬
‫بصخرة‪ ،‬وعن الربيع‪ :‬أنه اغتاله فقتله‪ ،‬وقيل‪ :‬خنقه‪ ،‬وقيل‪ :‬رضبه بحديدة فقتله‪.‬‬
‫وكان ذلك عىل جبل ثور‪ ،‬وقيل‪ :‬عىل عقبة حراء‪ ،‬وقيل‪ :‬باهلند‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫بموضع املسجد األعظم بالبرصة‪ ،‬قال يف ((عمدة القاري))‪" :‬واختلفوا أيضا يف‬
‫عىل جبل ثور‪ ،‬وعن جعفر الصادق بالبرصة‬ ‫موضع مرصعه‪ ،‬فعن ابن عباس‬
‫مكان اجلامع‪ ،‬وعن الطربي عىل عقبة حراء‪ ،‬وعن املسعودي قتله بدمشق‪ ،‬وكذا‬
‫قاله احلافظ ابن عساكر يف ((تاريخ دمشق))‪ ،‬فقال‪ :‬كان قابيل يسكن خارج باب‬
‫اجلابية‪ ،‬وأنه قتل أخاه عىل جبل قاسيون عند مغارة الدم‪ ،‬وقال‪ :‬كعب الدم الذي‬
‫عىل قاسيون هو دم ابن آدم‪.‬‬
‫وقال سبط ابن اجلوزي‪ :‬والعجب من هذه األقوال‪ ،‬وقد اتفق أرباب السري‬
‫أن الواقعة كانت باهلند‪ ،‬وأن قابيل اغتنم غيبة أبيه بمكة‪ ،‬فام الذي أتى به إىل جبل‬

‫((( انظر‪(( :‬عمدة القاري))‪.436 - 435/12 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)304‬‬

‫ثور وحراء‪ ،‬ومها بمكة وما الذي أتى به إىل البرصة ومل تكن أسست‪ ،‬وأين اهلند‬
‫ودمشق واجلابية‪ ،‬وهل وضعت التواريخ إال ليتميز الصحيح والسقيم‪ ،‬والسامل‬
‫والسليم‪ ،‬اللهم غفر ًا‪.‬‬
‫(((‬
‫قلت روي عن ابن عباس أنه قتله عىل جبل نوذ باهلند‪ ،‬وهذا هو الصحيح" اهـ‪.‬‬
‫وكان من شأنه يف دفنه ما قصه اهلل يف كتابه حيث قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯪ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬
‫ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﱸ [املائدة‪.]31 - 30 :‬‬
‫وقد أخرج الطربي عن احلسن أن هابيل وقابيل مل يكونا من صلب آدم‬
‫وإنام كانا من بني إرسائيل‪ ،‬وهذا غري صحيح‪ ،‬فاملشهور أهنام من صلبه ويدل عىل‬
‫ذلك احلديث الذي نحن بصدده حيث قال فيه ‪َ (( :‬ع َل ا ْب ِن آ َد َم األَ َّو ِل))‪ ،‬فدل‬
‫ذلك عىل أنه من صلبه‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه مل يولد يف اجلنة آلدم غريه وغري توأمته‪ ،‬ومن‬
‫ثم فخر عىل أخيه هابيل‪ ،‬فقال‪ :‬نحن من أوالد اجلنة‪ ،‬وأنتام من أوالد األرض ذكر‬
‫(((‬
‫ذلك بن إسحاق يف املبتدأ‪.‬‬
‫فكل نفس تقتل يف األرض ظل ًام يكون عىل ابن آدم األول‪ ،‬وهو قابيل كفل‬
‫منها؛ (( ِلَ َّن ُه َأ َّو ُل َم ْن َس َّن ال َقتْل))‪ ،‬أي‪ :‬أول من أحدث القتل عىل وجه األرض‪،‬‬
‫وهلذا كل من كان سبب ًا يف حرام فهو رشيك فيه‪ ،‬كام أن من كان سببا يف اخلري كان‬
‫‪َ (( :‬م ْن َس َّن ِف ا ِ‬
‫إل ْس َل ِم ُسنَّ ًة َح َسنَ ًة ‪َ ..‬ف َل ُه‬ ‫رشيك ًا فيه؛ وهلذا قال رسول اهلل‬
‫ِ ُ ِ ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ش ٌء‪َ ،‬و َم ْن َس َّن‬ ‫أ ْج ُر َها‪َ ،‬وأ ْج ُر َم ْن َعم َل ِ َبا َب ْعدَ ُه م ْن َغ ْي أ ْن َينْ ُق َص م ْن أ ُجوره ْم َ ْ‬
‫((( ((عمدة القاري))‪.436 - 435/12 :‬‬
‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.216/12 :‬‬
‫(‪)305‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫َان َع َل ْي ِه ِوز ُْر َها‪َ ،‬و ِوز ُْر َم ْن َع ِم َل ِ َبا ِم ْن َب ْع ِد ِه ِم ْن َغ ْ ِي َأ ْن‬ ‫ِف ا ِ‬
‫إل ْس َل ِم ُسنَّ ًة َس ِّي َئ ًة ‪ ..‬ك َ‬
‫ِ َ ِ ِ‬
‫ش ٌء)) أخرجه مسلم‪ ،‬وهذا حممول عىل من مل يتب من الذنب‪.‬‬ ‫َينْ ُق َص م ْن أ ْوزَاره ْم َ ْ‬
‫اعلِ ِه)) اخرجه مسلم‪ ،‬وسيأيت إن‬ ‫وقال ‪(( :‬من د َّل ع َل َخ ٍي َف َله ِم ْث ُل َأج ِر َف ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫شاء اهلل تعاىل ذكره يف احلديث الذي ييل هذا‪.‬‬
‫اإل ْس َلم‪َ ،‬و ُه َو‪َ :‬أ َّن ك ُّل َم ْن‬ ‫اعد ِ‬ ‫قال اإلمام النووي‪" :‬وه َذا احل ِديث ِمن َقو ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َان َع َل ْي ِه ِم ْثل ِو ْزر ك ُّل َم ْن اِ ْقتَدَ ى بِ ِه ِف َذلِ َك ال َع َمل ِم ْثل َع َمله‬ ‫الش ك َ‬ ‫ِ‬
‫ا ْبتَدَ َع َش ْي ًئا م ْن َّ ّ‬
‫ِ‬

‫َان َل ُه ِم ْثل َأ ْجر ك ُّل َم ْن َي ْع َمل بِ ِه إِ َل‬


‫الق َيا َمة‪َ ،‬و ِم ْثله َم ْن اِ ْبتَدَ َع َش ْي ًئا ِم ْن اخلَ ْي ك َ‬
‫إِ َل يوم ِ‬
‫َْ‬
‫الص ِحيح‪َ (( :‬م ْن َس َّن ُسنَّة َح َسنَة َو َم ْن َس َّن ُسنَّة‬ ‫لحديث َّ‬
‫القيامة‪ ،‬وهو موافِق لِ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َي ْوم َ َ َ ُ َ ُ َ‬
‫ِ‬

‫يث‬‫اعله))‪ ،‬ولِلح ِد ِ‬ ‫يث الص ِحيح‪(( :‬من د َّل ع َل َخي َف َله ِم ْثل َأجر َف ِ‬ ‫سيئَة))‪ ،‬ولِلح ِد ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ِّ‬
‫(((‬
‫الص ِحيح‪َ (( :‬ما ِم ْن َدا ٍع َيدْ ُعو إِ َل ُهدً ى َو َما ِم ْن َدا ٍع َيدْ ُعو إِ َل َض َل َلة))" اهـ‪.‬‬ ‫َّ‬

‫™™تنبيـــه‪:‬‬
‫سن)) بمعنى أحيا‪ ،‬وهذا‬
‫خي ِّبط البعض عىل عوام الناس بقوهلم أن كلمة (( َّ‬
‫بي واضح يف احلديث الذي نحن بصدد رشحه‪،‬‬
‫باطل‪ ،‬فمعنى س ّن‪ :‬أحدث‪ ،‬وهذا ّ ٌ‬
‫فلم يكن قبل قتل قابيل هلابيل عىل ظهر األرض ٌ‬
‫قتل‪ ،‬فكيف يكون بمعنى أحيا؟‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن قتل النفس من ابشع اجلرائم التي حرمها اإلسالم وهنى عنها‪ ،‬وتوعد صاحبها‬
‫بالعذاب الشديد‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﱸ [النساء‪.]93 :‬‬

‫((( ((رشح مسلم)) للنووي‪.111/11 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)306‬‬

‫‪2 .2‬أن من سن شيئ ًا ‪ ..‬كتب له أو عليه‪ ،‬وهو أصل يف أن املعونة عىل ما ال حيل‬
‫حرام‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن املؤمن يبتعد عن كل يشء جيعله سبب ًا يف انتشار الرشور مهام كانت قلته‪،‬‬
‫فإن من كان سبب ًا يف احلرام ‪ ..‬كان شؤيك ًا فيه‪ ،‬كام أن من كان سبب ًا يف اخلري ‪..‬‬
‫كان رشيك ًا فيه‪.‬‬
‫(‪)307‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث اخلامس والثالثون‬

‫‪:‬‬ ‫ار ِّي ال َبدْ ِر ِّي َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬


‫ول اهلل‬ ‫َعن َأ ِب مسع ٍ‬
‫ود ُع ْق َب َة ْب ِن َع ْم ٍرو األَن َْص ِ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫اعلِ ِه)) رواه مسلم‪.‬‬ ‫((من د َّل ع َل َخ ٍي َف َله ِم ْث ُل َأج ِر َف ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ ْ َ َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمـــه‬
‫هو الصحايب اجلليل عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسرية ‪ -‬بفتح األلف‪،‬‬
‫وكرس السني ‪ ،-‬وقيل‪ :‬بضمها وقيل يسرية بضم أوله‪ ،‬ابن عسرية ‪ -‬بفتح العني‬
‫وكرس السني ‪ -‬ابن عطية بنجدارة ‪ -‬بكرس اجليم‪ ،-‬وقال ابن عبدالرب‪ :‬بضم اخلاء‬
‫املعجمة‪ ،‬ابن عوف بن اخلزرج البدري‪.‬‬
‫يكنى‪ :‬بأيب مسعود‪.‬‬
‫شهد العقبة مع السبعني‪ ،‬وكان أصغرهم‪ ،‬وشهد أحد ًا وما بعدها من‬
‫املشاهد‪ ،‬واختلفوا يف بدر هل شهدها ام ال؟ واجلمهور عىل أنه مل يشهد بدر‪ ،‬وإنام‬
‫سمي البدري؛ ألنه سكن بدر ًا‪ ،‬وقال بعضهم أنه شهدها‪ ،‬قال اإلمام النووي‪َ " :‬ق َال‬
‫الز ْه ِر ّي‪َ ،‬وا َ‬
‫حلكَم‪َ ،‬و ُم َ َّمد‬ ‫جل ْم ُهور‪َ :‬س َك َن َبدْ ًرا َو َل ْ َي ْش َهدْ َها َم َع النَّبِ ّي ‪َ .‬و َق َال ُّ‬‫ا ُ‬
‫(((‬ ‫ون‪َ ،‬وال ُب َخ ِ‬
‫ار ّي‪َ :‬ش ِهدَ َها" اهـ‪.‬‬ ‫ا ْبن إِ ْس َحاق التَّابِ ِع ُّي َ‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم)) للنووي‪.104/1 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)308‬‬

‫يعدُّ سيدنا عقبة بن عمرو من علامء الصحابة‪ (((،‬وقد سكن الكوفة‪،‬‬


‫كرم اهلل وجه عىل الكوفة حني‬
‫واستخلفه أمري املؤمنني سيدنا عيل بن ايب طالب َّ‬
‫(((‬
‫خرج للقاء القوم‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫روى عن سيدنا عقبة بن عمر الكثري‪ ،‬فمنهم‪:‬‬
‫ولده بشري‪ ،‬عبداهلل بن يزيد اخلطمي‪ ،‬وأوس بن ضمعج‪ ،‬وعلقمة بنقيس‪،‬‬
‫وأبو وائل‪ ،‬وقيس ابن أيب حازم‪ ،‬وربعي بن حراش‪ ،‬وعبدالرمحن بن يزيد‪ ،‬وعمرو‬
‫ابن ميمون‪ ،‬والشعبي‪ ،‬وغريهم‪.‬‬
‫مائة حديث وحديثان (‪ ،)102‬اتفق البخاري‬ ‫وروى هو عن رسول اهلل‬
‫ومسلم منها عىل تسعة‪ ،‬وتفرد البخاري بحديث‪ ،،‬لكن يف ((فتح الباري)) أن جمموع‬
‫ما أخرجه البخاري له أحد عرش حديثا‪ ،‬وتفرد مسلم بسبعة أحاديث‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫‪ ،‬فقيل‪ :‬بالكوفة‪ ،‬وهو قول‬ ‫اختلف أهل العلم والسري يف مكان وفاته‬
‫حييى بن القطان حيث قال‪ :‬مات أبو مسعود أيام قتل عيل بالكوفة‪ ،‬وقيل‪ :‬باملدينة‪،‬‬
‫وهو قول الواقدي‪.‬‬
‫كام اختلفوا أيض ًا يف سنة وفاته عىل أقوال‪:‬‬
‫ ‪-‬قال خليفة‪ :‬مات أبو مسعود قبل االربعني‪ ،‬قيل‪ :‬سنة إحدى وثالثني‪.‬‬
‫ ‪-‬وقال ابن قانع‪ :‬سنة تسع وثالثني‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬سري أعالم النبالء))‪.42/3 :‬‬


‫((( انظر‪(( :‬اإلصابة))‪ ،)55/2 :‬و((سري أعالم النبالء))‪.43/3 :‬‬
‫(‪)309‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ ‪-‬وقال املدائني وغريه‪ :‬سنة أربعني‪.‬‬
‫ ‪-‬وقيل سنة إحدى أو اثنتني وأربعني‪ ،‬وهو قول ابن عبدالرب يف ((االستيعاب))‬

‫حيث قال‪" :‬مات أبو مسعود سنة إحدى أو اثنتني وأربعني‪ .‬قيل‪ :‬مات‬
‫‪ .‬وقيل‪ :‬بل كانت وفاته باملدينة يف خالفة معاوية وكان قد‬ ‫أيام عيل‬
‫(((‬
‫نزل الكوفة وسكنها" اهـ‪.‬‬
‫ ‪-‬قال يف ((اإلصابة))‪" :‬قال خليفة‪ :‬مات قبل سنة أربعني‪ ،‬وقال املدائني‪:‬‬
‫مات سنة أربعني "‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والصحيح أنه مات بعدها فقد ثبت أنه أدرك إمارة املغرية عىل‬
‫الكوفة‪ ،‬وذلك بعد سنة أربعني قطع ًا‪ ،‬قيل‪ :‬مات بالكوفة وقيل‪ :‬مات‬
‫(((‬
‫باملدينة" اهـ‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫َف َق َال‪ :‬إِ ِّن ُأ ْب ِد َع ِب‬ ‫أصل احلديث وسببه‪ ،‬هو أنه َجا َء َر ُج ٌل إِ َل النَّبِ ِّي‬
‫ي ِم ُل ُه‪َ ،‬ف َق َال‬
‫ول اهلل َأنَا َأ ُد ُّل ُه َع َل َم ْن َ ْ‬ ‫احِلنِي‪َ ،‬ف َق َال‪َ (( :‬ما ِعن ِْدي))‪َ ،‬ف َق َال َر ُج ٌل‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫َف ْ‬
‫اعلِ ِه))‪.‬‬
‫ول اهلل ‪(( :‬من د َّل ع َل َخ ٍي َف َله ِم ْث ُل َأج ِر َف ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫َر ُس ُ‬

‫ُأ ْب ِد َع‪ :‬أي هلكت راحلتي‪ ،‬وانقطع يب‪.‬‬


‫قوله ‪َ (( :‬م ْن َد َّل))‪ ،‬أي‪ :‬بالقول أو الفعل أو اإلشارة أو الكتابة‪ ،‬أو بأي‬
‫اإل َش َار ِة‬
‫ُون بِ ِ‬
‫نوع من أنواع الداللة واإلرشاد‪،‬قال يف ((سبل السالم))‪َ " :‬والدَّ َل َل ُة َتك ُ‬
‫س اخل ِي َع َل َأ َّنه ي ْط ُلبه ِمن ُف َل ٍن‪ ،‬والو ْع ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ظ‪،‬‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ ُُ ْ‬ ‫َع َل ال َغ ْ ِي بِف ْع ِل اخلَ ْ ِي‪َ ،‬و َع َل ْإر َشاد ُملتَم ِ َ ْ‬

‫((( ((االستيعاب))‪.331/1 :‬‬


‫((( ((اإلصابة))‪.655/2 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)310‬‬
‫(((‬
‫يف ال ُع ُلو ِم النَّافِ َع ِة" اهـ‪.‬‬
‫والت َّْذ ِك ِري‪ ،‬وت َْألِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫(( َع َل َخ ْ ٍي))‪ ،‬أي نوع من أنواع اخلري‪ ،‬سواء كان علم أو عمل مما فيه أجر‬
‫وثواب‪.‬‬
‫ولفظ خري يشمل الداللة عىل خري الدنيا واآلخرة‪ ،‬كام يشمل مجيع اخلصال‬
‫احلميدة‪.‬‬
‫(( َف َل ُه))‪ ،‬أي‪ :‬للدال‪.‬‬
‫اعلِ ِه)) من غري أن ينقص من أجره يشء‪ ،‬قال اإلمام النووي‪:‬‬ ‫(( ِم ْث ُل َأج ِر َف ِ‬
‫ْ‬
‫اع ِل ِه َث َوا ًبا‪َ ،‬و َل َي َلزم َأ ْن‬
‫الفعل كَم َأ َّن لِ َف ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫" َوا ُمل َراد بِم ْث ِل َأ ْجر َفاعله‪َ :‬أ َّن َل ُه َث َوا ًبا بِ َذل َك ْ َ‬
‫َيكُون َقدْ ر َث َو َ‬
‫اهبم َس َواء" اهـ‪.‬‬
‫(((‬

‫وهل املثلية في أصل الثواب دون التضعيف املزيد للعامل‪ ،‬أم فيه أيض ًا؟‬
‫اختلف أهل العلم يف ذلك‪ ،‬فمنهم من قال إنام املثلية يف أصل الثواب فقط‪.‬‬
‫قال األيب‪ :‬ظاهر احلديث املساواة‪ ،‬وقاعدة أن الثواب عىل قدر املشقة يقتيض‬
‫خالفه؛ إذ مشقة من أنفق عرشة دراهم ليس كمن دل‪ ،‬ويدل عليه أن من دل إنسانا‬
‫(((‬
‫عىل قتل آخر يعذر وال يقتص منه‪.‬‬
‫واختار القرطبي أنه مثله حتى يف التبعيض قال‪ :‬ألن الثواب عىل األعامل إنام‬
‫أي يشء صدر منه‪ ،‬خصوص ًا إذا صحت‬
‫هو بفضل من اهلل فيعطيه ملن يشاء عىل ّ‬
‫النية التي هي أصل األعامل يف طاعة عجز عن فعلها ملانع منع منها‪ ،‬فال بعد يف‬

‫((( ((سبل السالم))‪.282 - 281/4 :‬‬


‫((( ((رشح مسلم))‪.27/13 :‬‬
‫((( انظر‪(( :‬فيض القدير))‪.618/4 :‬‬
‫(‪)311‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(((‬
‫مساواة أجر ذلك العامل ألجر ذلك القادر الفاعل أو يزيد عليه‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬فضيلة الدال عىل اخلري والتنبيه عليه‪ ،‬واملساعدة لفاعله‪.‬‬
‫‪2 .2‬فضيلة تعليم العلم ووظائف العبادات‪ ،‬ال س َّيام ملن يعمل هبا من املتعبدين‬
‫وغريه‪.‬‬
‫مثله؛‬ ‫‪3 .3‬أن كل ما حيصل من خري يف األمة سابق ًا أو الحق ًا يكون لنبينا حممد‬
‫ألنه هو من دلنا عىل هذا اخلري ولواله ما عرفنا اخلري‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬دليل الفاحلني))‪.379/1 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)312‬‬

‫احلديث السادس والثالثون‬

‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬


‫ول اهلل ‪َ (( :‬م ْن‬ ‫جل َهنِ ِّي‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬
‫ح ِن َز ْيد ْب ِن َخالد ا ُ‬
‫ِ‬
‫َع ْن َأ ِب َع ْبد َّ‬
‫الر ْ َ‬
‫يل اهلل َف َقدْ َغزَا َو َم ْن َخ َل َف ُه ِف َأ ْهلِ ِه بِخَ ْ ٍي َف َقدْ َغزَا)) متفق عليه‪.‬‬
‫از ًيا ِف َسبِ ِ‬‫َج َّه َز َغ ِ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمــــه‬
‫هو الصحايب اجلليل زيد بن خالد اجلهني ‪ -‬بضم اجليم وفتح اهلاء والنون ‪-‬‬
‫منسوب إىل جهينة بن زيد بن لوث بن سود بن أسلم ‪ -‬بضم الالم ‪ -‬بن احلاف بن قضاعة‪.‬‬
‫(((‬
‫قال يف ((عمدة القاري))‪" :‬وليس يف الصحابة زيد بن خالد سواه" اهـ‪.‬‬
‫لح َة‪َ ،‬و ِق َيل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ح ِن‪َ ،‬وق َيل‪َ :‬أ َبا َط َ‬
‫ِ‬
‫واختلف يف كنيته‪ :‬فقيل‪ُ :‬ي َكنَّى َأ َبا َع ْبد َّ‬
‫الر ْ َ‬
‫َأ َبا ُز ْر َع َة‪.‬‬
‫شهد احلديبية‪ ،‬وكان معه لواء جهينة يوم الفتح‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫عن عثامن ابن عفان‪ ،‬وعن أيب طلحة‪ ،‬وعن أم املؤمنني عائشة‬ ‫روى‬
‫أمجعني‪.‬‬
‫وروى عنه مجاعة‪ ،‬منهم‪ :‬ابناه‪ :‬خالد وأبو حرب‪ ،‬وعطاء بن يسار‪ ،‬وعبيداهلل‬

‫((( ((عمدة القاري))‪.66/2 :‬‬


‫(‪)313‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ابن عبداهلل‪ ،‬وأبو سلمة بن عبدالرمحن‪.‬‬
‫أحد وثامنون حديثا‪ ،‬ذكر البخاري منها مخسة‪.‬‬ ‫وروى عن النبي‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫اختلف يف مكان وفاته‪ ،‬فقيل‪ :‬بمرص‪ ،‬وقيل‪ :‬بالكوفة‪ ،‬وقيل‪ :‬باملدينة‪.‬‬
‫كام اختلف يف سنة وفاته اختالف ًا كثري ًا‪:‬‬
‫ ‪-‬فقيل‪:‬سنةثامنوسبعنيباملدينة‪،‬ولهمخسوثامنونسنة‪،‬وبهقالابنعبدالرب‪،‬‬
‫(((‬
‫وابن الربقي‪.‬‬
‫ ‪-‬وقيل‪ :‬سنة ثامن وستني‪.‬‬
‫ ‪-‬وقيل‪ :‬سنة مخسني بمرص‪ ،‬وهو ابن ثامن وسبعني سنة‪.‬‬
‫ ‪-‬وقيل‪ :‬سنة اثنني وسبعني‪ ،‬وهو ابن ثامنني سنة‪.‬‬
‫اختِ َل ًفا كَثِ ًريا‪َ ،‬ف َق َال ا ْب ُن‬ ‫ف ِف َو َفاتِ ِه ْ‬ ‫ ‪-‬قال يف ((طرح التثريب))‪ُ " :‬ا ْخت ُِل َ‬
‫ُون َسنَ ًة‪َ ،‬و ِق َيل‪:‬‬ ‫خ ٌس َو َث َمن َ‬ ‫ني بِا َمل ِدين َِة‪َ ،‬و َل ُه َ ْ‬ ‫الب‪ِ :‬ف َسن َِة َث َم ٍن َو َس ْب ِع َ‬ ‫ِ‬
‫َع ْبد َ ِّ‬
‫خ ِس َ ِ‬ ‫الب ك ََل َم ُه‪َ ،‬و ِق َيل‪َ :‬سنَ َة َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫سنَ َة َثم ٍن و ِست َ ِ‬
‫ص‪،‬‬ ‫ني بِم ْ َ‬ ‫ِّني‪َ ،‬وبِه َصدَّ َر ا ْب ُن َع ْبد َ ِّ‬ ‫َ َ َ‬
‫ني‬‫ني‪َ ،‬و ُه َو ا ْب ُن َث َمنِ َ‬ ‫َي َو َس ْب ِع َ‬ ‫ني َسنَ ًة‪َ ،‬و ِق َيل‪َ :‬سنَ َة ا ْثنَت ْ ِ‬ ‫َو ُه َو ا ْب ُن َث َم ٍن َو َس ْب ِع َ‬
‫(((‬
‫او َي َة" اهـ‪.‬‬ ‫آخ ِر ِخ َل َف ِة ُم َع ِ‬ ‫ات بِالكُو َف ِة ِف ِ‬ ‫َسنَ ًة‪َ ،‬و ِق َيل‪ :‬إ َّن ُه َم َ‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫از ًيا ِف َسبِ ِ‬
‫يل اهلل))‪ ،‬أي‪ :‬هيأ له أسباب السفر والغزو‪،‬‬ ‫‪َ (( :‬م ْن َج َّه َز َغ ِ‬ ‫قوله‬
‫وهل يشرتط أن هييأ له كل ما حيتاجه إليه يف جهاده‪ ،‬أو يكفي ولو بعضه؟‬

‫((( انظر‪(( :‬اإلصابة))‪.749/1 :‬‬


‫((( ((طرح التثريب))‪.42/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)314‬‬

‫قال بعضهم‪ :‬البد من متام التجهيز‪ ،‬وهو ما قاله احلافظ ابن حجر كام سيأيت‬
‫قريب ًا يف كالمه‪.‬‬
‫قال بعضهم‪ :‬بل حتى ببعض األشياء دون بعض‪ ،‬قال اإلمام النووي‪َ " :‬ق ْوله‬
‫از ًيا َف َقدْ َغزَا‪َ ،‬و َم ْن َخ َل َف ُه ِف َأ ْهله بِخَ ْ ٍي َف َقدْ َغزَا))‪.‬‬
‫(( َم ْن َج َّه َز َغ ِ‬

‫ي ُصل بِك ُِّل ِج َهاد‪َ ،‬و َس َواء‬ ‫ب ال َغ ْزو‪َ ،‬و َه َذا األَ ْجر َ ْ‬ ‫َأ ْي‪َ :‬ح َص َل َل ُه َأ ْجر بِ َس َب ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َقليله َوكَثريه‪َ ،‬ولك ُِّل َخالف َل ُه ِف َأ ْهله بِ َخ ْ ٍي م ْن َق َضاء َح َ‬
‫اجة َل ُ ْم‪َ ،‬وإِ ْن َفاق َع َل ْي ِه ْم‪،‬‬
‫(((‬
‫يت َِلف َقدْ ر ال َّث َواب بِ ِق َّل ِة َذلِ َك َو َك ْث َرته" اهـ‪.‬‬ ‫هتم ِف َأ ْم ْ‬
‫رهم‪َ ،‬و َ ْ‬ ‫َأ ْو ُم َساعَدَ ْ‬
‫واستدل القائلون بأنه يكفي ولو ببعض األشياء بام أخرجه الطرباين يف‬
‫‪(( :‬ما من أهل بيت‬ ‫((األوسط)) عن واثلة بن األسقع قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫ال يغزو منهم غاز‪ ،‬أو جيهز غازيا بسلك أو بإبرة‪ ،‬أو ما يعدهلا من الورق‪ ،‬أو خيلفه‬
‫يف أهله بخري ‪ ..‬إال أصاهبم اهلل بقارعة قبل يوم القيامة))‪.‬‬
‫وقد أجيب عن هذا بأنه حديث ضعيف‪ ،‬وقد أخرج اإلمام أمحد عن عمر ابن‬
‫َان َل ُه ِم ْث ُل َأ ْج ِر ِه َحتَّى‬
‫از ًيا َحتَّى َي ْست َِق َّل ك َ‬
‫قال‪َ (( :‬م ْن َج َّه َز َغ ِ‬ ‫أنه‬ ‫اخلطاب‬
‫وت)) زاد ابن ماجه يف روايته‪َ (( :‬أ ْو َي ْر ِج َع))‪ ،‬واالستقالل ال يكون إال بتامم التجهيز‪،‬‬
‫َي ُم َ‬
‫وقال يف ((عمدة القاري))‪" :‬قوله‪(( :‬من جهز)) بتشديد اهلاء من التجهيز‪ ،‬وقد ذكرنا أن‬
‫معناه من هيأ أسباب سفره من يشء قليل أو كثري‪ ،‬أال يرى يف حديث واثلة املذكور‬
‫آنفا قال‪ :‬بسلك أو بإبرة‪ ،‬فإن قلت‪ :‬ذكر يف حديث ابن ماجه املذكور حتى يستقل‬
‫واالستقالل ال يكون إال بتامم التجهيز ‪ ..‬قلت‪ :‬حديث واثلة ضعيف كام ذكرنا‪ ،‬ولئن‬
‫(((‬
‫سلمنا صحته‪ ..‬فإنه وعيد يف ترك التجهيز أصالً‪ ،‬وال يعارض غريه" اهـ‪.‬‬
‫((( ((رشح مسلم)) للنووي‪.28/13 :‬‬
‫((( ((عمدة القاري))‪.446/11 :‬‬
‫(‪)315‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(( َف َقدْ َغزَا))‪ ،‬أي‪َ :‬أ َّن ُه ِم ْث ُل ُه ِف األَ ْج ِر َوإِ ْن َل ْ َي ْغ ُز َح ِقي َق ًة‪ ،‬كام قاله ابن حبان‪ ،‬وقد‬
‫أخرجه بلفظ‪(( :‬كتب له مثل أجره‪ ،‬غري أنه ال ينقص من أجره يشء))‪ ،‬وقد تقدم‬
‫َان َل ُه ِم ْث ُل َأ ْج ِر ِه))‪ ،‬قال احلافظ ابن‬
‫ذكر حديث اإلمام أمحد وابن ماجة والذي فيه‪(( :‬ك َ‬
‫حجر يف ((فتح الباري)) بعد أن ساق رواية ابن ماجه‪" :‬وأفادت فائدتني‪ ،‬إحدامها‪:‬‬
‫أن الوعد املذكور مرتب عىل متام التجهيز‪ ،‬وهو املراد بقوله‪( :‬حتى يستقل)‪.‬ثانيهام‪:‬‬
‫(((‬
‫أنه يستوي معه يف األجر إىل أن تنقيض تلك الغزوة" اهـ‪.‬‬

‫™™تنبيـــه‪:‬‬
‫ول اهلل‬ ‫قد يشكل عىل بعضهم ما اخرجه مسلم َعن َأ ِب س ِع ٍ‬
‫يد اخلُدْ ِر ِّي َأ َّن َر ُس َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ها‪،‬‬ ‫ث ِم ْن ك ُِّل َر ُج َل ْ ِ‬
‫ي َأ َحدُ ُ َ‬ ‫ان ِم ْن ُه َذ ْي ٍل‪َ ،‬ف َق َال‪(( :‬لِ َي ْن َب ِع ْ‬ ‫ِ‬
‫َب َع َث َب ْع ًثا إِ َل َبني َ ْ‬
‫ل َي َ‬
‫ار َج ِف‬ ‫اخل ِ‬
‫ف َ‬ ‫اع ِد‪َ (( :‬أ ُّيك ُْم َخ َل َ‬
‫واألَجر بينَهم))‪ ،‬ويف رواية ملسلم أيض ًا‪ُ :‬ثم َق َال لِل َق ِ‬
‫َّ‬ ‫َ ْ ُ َْ َُ‬
‫اخل ِ‬ ‫َان َله ِم ْث ُل نِص ِ‬ ‫ِِ ِِ‬
‫ارجِ ))‪ ،‬إذ أ‪ ،‬فيام سبق له مثل أجره‪ ،‬وهنا‬ ‫ف َأ ْج ِر َ‬ ‫ْ‬ ‫َأ ْهله َو َماله بِخَ ْ ٍي ك َ ُ‬
‫االجر بينهام؟!‬
‫فاجلواب‪ :‬ما قاله احلافظ ابن حجر يف ((فتح الباري))‪ ،‬وهو‪" :‬وأما ما أخرجه‬
‫بعث بعثا وقال‪(( :‬ليخرج من كل‬ ‫مسلم من حديث أيب سعيد أن رسول اهلل‬
‫رجلني رجل واألجر بينهام)) ويف رواية له‪ :‬ثم قال للقاعد‪(( :‬وأيكم خلف اخلارج‬
‫يف أهله وماله بخري كان له مثل نصف أجر اخلارج)) ‪ ..‬ففيه إشارة إىل أن الغازي إذا‬
‫جهز نفسه‪ ،‬أو قام بكفاية من خيلفه بعده ‪ ..‬كان له األجر مرتني‪ ،‬وقال القرطبي‪:‬‬
‫لفظة نصف يشبه أن تكون مقحمة‪ ،‬أي‪ :‬مزيدة من بعض الرواة‪ ،‬وقد احتج هبا من‬
‫ذهب إىل أن املراد باألحاديث التي وردت بمثل ثواب الفعل حصول أصل األجر‬

‫((( ((فتح الباري))‪.55/6 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)316‬‬

‫له بغري تضعيف‪ ،‬وأن التضعيف خيتص بمن بارش العمل‪ ،‬قال القرطبي‪ :‬وال حجة‬
‫له يف هذا احلديث لوجهني‪ ،‬أحدمها‪ :‬أنه ال يتناول حمل النزاع؛ ألن املطلوب إنام هو‬
‫أن الدال عىل اخلري مثال هل له مثل أجر فاعله مع التضعيف‪ ،‬أو بغري تضعيف؟‬
‫وحديث الباب إنام يقتيض املشاركةواملشاطرة‪ ،‬فافرتقا‪.‬‬
‫ثانيهام‪ :‬ما تقدم من احتامل كون لفظة نصف زائدة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وال حاجة لدعوى زيادهتا بعد ثبوهتا يف الصحيح‪ ،‬والذي يظهر يف‬
‫توجيهها أهنا أطلقت بالنسبة إىل جمموع الثواب احلاصل للغازي واخلالف له بخري‪،‬‬
‫فإن الثواب إذا انقسم بينهام نصفني ‪ ..‬كان لكل منهام مثل ما لآلخر‪ ،‬فال تعارض‬
‫بني احلديثني‪ ،‬وأما من وعد بمثل ثواب العمل وإن مل يعمله إذا كانت له فيه داللة‬
‫أو مشاركة أو نية صاحلة ‪ ..‬فليس عىل إطالقه يف عدم التضعيف لكل أحد‪ ،‬ورصف‬
‫اخلرب عن ظاهره حيتاج إىل مستند‪ ،‬وكأن مستند القائل أن العامل يبارش املشقة‬
‫بنفسه‪ ،‬بخالف الدال ونحوه؛ لكن من جيهز الغازي بامله مثال‪ ،‬وكذا من خيلفه فيمن‬
‫يرتك بعده ‪ ..‬يبارش شيئا من املشقة أيضا‪ ،‬فإن الغازي ال يتأتى منه الغزو إال بعد‬
‫أن يكفي ذلك العمل‪ ،‬فصار كأنه يبارش معه الغزو‪ ،‬بخالف من اقترص عىل النية‬
‫(((‬
‫مثال‪ ،‬واهلل أعلم" اهـ‪.‬‬
‫وقال يف ((عمدة القاري)) بعد أن ساق روايات اإلمام مسلم‪" :‬قال القرطبي‪:‬‬
‫ال حجة يف هذا احلديث لوجهني‪ ،‬أحدمها‪ :‬أنَّا نقول بموجبه‪ ،‬وذلك أنه مل يتناول‬
‫حمل النزاع‪ ،‬فإن املطلوب إنام هو أن الناوي للخري املعوق عنه هل له مثل أجر‬
‫الفاعل من غري تضعيف؟ وهذا احلديث إنام اقتىض مشاركة ومشاطرة يف املضاعف‪،‬‬
‫فانفصال‪ ،‬وثانيهام‪ :‬أن القائم عىل مال الغازيوعىل أهله ‪ ..‬نائب عن الغازي يف عمل‬
‫((( ((فتح الباري))‪.55/6 :‬‬
‫(‪)317‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ال يتأتى للغازي غزوة إال بأن يكفي ذلك العمل‪ ،‬فصار كأنه مبارش معه الغزو‪،‬‬
‫فليس مقترصا عىل النية فقط؛ بل هو عامل يف الغزو‪ ،‬وملا كان كذلك ‪ ..‬كان له مثل‬
‫أجر الغازي كامال وافرا مضاعفا‪ ،‬بحيث إذا أضيف ونسب إىل أجر الغازي ‪ ..‬كان‬
‫نصفا له‪ ،‬وهبذا جيتمع معنى قوله‪(( :‬من خلف غازيا يف أهله بخري فقد غزا))‪ ،‬وبني‬
‫معنى قوله يف اللفظ األول‪(( :‬فله مثل نصف أجر الغازي‪ ،‬ويبقى للغازي النصف))‬

‫فإن الغازي مل يطرأ عليه ما يوجب تنقيصا لثوابه‪ ،‬وإنام هذا كام قال‪(( :‬من فطر صائام‬
‫(((‬
‫كان له مثل أجر الصائم ال ينقصه من أجره يشء))" اهـ‪.‬‬
‫‪َ (( :‬و َم ْن َخ َل َف ُه ِف َأ ْهلِ ِه َخ ْ ٍي ‪َ ..‬ف َقدْ َغزَا))‪ ،‬أي‪ :‬صار خليفة له ونائبا‬ ‫قوله‬
‫عنه يف قضاء حوائجهم حتى يرجع‬
‫وقال‪(( :‬بخري)) احرتازا عن اخليانة يف األهل بسوء النظر‪.‬‬
‫ِ‬
‫َق َال ال َقاض‪ُ " :‬ي َقال‪َ :‬خ َل َف ُه ِف َأ ْهله إِ َذا َقا َم َم َقامه ِف إِ ْص َلح َح ْ‬
‫اهلم َو ُمَا َف َظة‬
‫َاب َمنَابه ِف ُم َرا َعاة َأ ْهله َز َمان َغ ْي َبته َش َار َك ُه ِف‬
‫ازي َون َ‬ ‫رهم َأ ْي َم ْن ت ََو َّل َأ ْمر ال َغ ِ‬
‫َأ ْم ْ‬
‫(((‬
‫ال َّث َواب" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫احلث عىل اإلحسان إىل من َف َعل مصلحة للمسلمني‪ ،‬أو أقام بأمر من مهامهتم‪.‬‬
‫احلث عىل املسارعة إىل اخلري بقدر املستطاع‪.‬‬
‫أن من مل يقدر عىل الغزو بنفسه‪ ..‬فليغزو بامله‪ ،‬ومن مل يقدر عىل اخلروج إىل‬
‫الغزو‪ ..‬فليخلف الغازي يف أهله‪ ،‬فهم سواء يف األجر‪.‬‬
‫((( ((عمدة القاري))‪.446/11 :‬‬
‫((( انظر‪(( :‬حتفة األحوذي))‪.236/4 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)318‬‬

‫احلديث السابع والثالثون‬

‫ِ‬ ‫َأ َّن النَّبِ َّي‬ ‫َع ْن َأ ِب ُر َق َّي َة َتِي ٍم ْب ِن َأ ْو ِ‬


‫س الدَّ ِار ِّي‬
‫يح ُة))‪،‬‬ ‫َق َال‪(( :‬الدِّ ُ‬
‫ين النَّص َ‬
‫ني‪َ ،‬و َع َّامتِ ِه ْم)) رواه مسلم‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُقلنَا‪َ :‬ل ْن؟ َق َال‪((:‬هللِ‪َ ،‬ولكتَابِه‪َ ،‬ول َر ُسوله‪َ ،‬و ِلَئ َّمة ا ُمل ْسلم َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمــــه‬
‫هو الصحايب اجلليل متيم بن أوس بن خارجة بن سود((( بن َجذيمة بن ذراع‬
‫ابن عدي ابن عبدالدار الداري‪.‬‬
‫ف فِ ِيه ُر َواة‬ ‫قال اإلمام النووي‪َ " :‬و َأ َّما َتِيم الدَّ ِار ّي َفك ََذا ُه َو ِف ُم ْس ِلم‪َ ،‬و ْ‬
‫اخ َت َل َ‬
‫اء‪َ ،‬و ِف ِر َوا َية ال َق ْعنَبِ ّي‬ ‫ا ُملو َّطأ َف ِفي ِرواية ييى وابن يكَي و َغيمها (الدِّ ِيري ) بِالي ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ ََْ َ ْ ُ ْ َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫اسم و َأ ْك َثرهم (الدَّ ِاري) بِاألَلِ ِ‬ ‫وابن ال َق ِ‬
‫ب؛ َف َق َال‬ ‫ف ال ُع َل َمء ِف َأ َّن ُه إِ َل َما نُس َ‬ ‫اخ َت َل َ‬
‫ف‪َ ،‬و ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫ار َجة ْبن‬ ‫جل ْم ُهور‪ :‬إِ َل َجدّ ِم ْن َأ ْجدَ اده‪َ ،‬و ُه َو الدَّ ار ْبن َهانِئ َفإِ َّن ُه َتِيم ْبن َأ ْوس اِ ْبن َخ ِ‬ ‫ا ُ‬
‫الذال ا ُمل ْع َج َمة اِ ْبن ِذ َراع ْبن َع ِد ّي‬ ‫َس َّ‬ ‫اجليم َوك ْ ِ‬ ‫يمة بِ َفت ِْح ِ‬ ‫ِ‬
‫ني ا ْبن َجذ َ‬
‫ور بِ َضم الس ِ ِ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ُس ٍ‬
‫اِ ْبن الدَّ ار ْبن َهانِئ ْبن َحبِيب ْبن نِ َم َرة ْبن َلْم َو ُه َو َمالِك ْبن َع ِد ّي ‪.‬‬
‫اإل ْس َلم َوك َ‬
‫َان‬ ‫َان َتِيم فِ ِيه َق ْبل ِ‬ ‫َو َأ َّما َم ْن َق َال‪ :‬الدَّ ْي ِر ّي َف ُه َو نِ ْس َبة إِ َل َد ْي ٍر ك َ‬
‫الشافِ ِعي)) بِإِسن ِ‬
‫َاد ِه‬ ‫َاقب َّ‬ ‫نَصانِيا‪ ،‬هك ََذا رواه َأبو احلسن الر ِازي ِف ِكتَابه ((من ِ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َّ ّ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ ُ ُ‬ ‫ْ َ ًّ َ‬

‫((( هكذا يف ((سري أعالم النبالء)) للذهبي‪ ،‬و((رشح أيب داود)) للعيني‪ ،‬ويف ((رشح مسلم)) بالراء كام سيأيت‬
‫إن شاء اهلل قريب ًا‪.‬‬
‫(‪)319‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫َي‪َ :‬ما َذك َْرنَا ُه‪َ .‬و َع َل َه َذا َأ ْك َث ُر ال ُع َل َمء‪َ .‬و ِمن ُْه ْم‬ ‫الشافِ ِع ّي َأ َّن ُه َق َال ِف الن ِّْس َبت ْ ِ‬
‫الص ِحيح َع ْن َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الس ُفن‪ ،‬ك َ‬
‫َان‬ ‫َم ْن َق َال الدَّ ِار ّي بِاألَلف إِ َل َد َار ْي ِن َو ُه َو َمكَان عنْد ال َب ْح َر ْي ِن َو ُه َو َم َ ّط ُّ‬
‫اء نِ ْس َبة‬ ‫ار د ِاري‪ .‬و ِمنْهم من جع َله بِالي ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ي َلب إِ َل ْيه الع ْطر م ْن اهلنْد‪َ ،‬ول َذل َك ق َيل لل َع َّط ِ َ ّ َ ُ ْ َ ْ َ َ ُ َ‬ ‫ُْ‬
‫ب ا َمل َطالِعِ‪َ ،‬ق َال َو َص َّو َب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إِ َل َقبِي َلة َأ ْي ًضا‪َ .‬و ُه َو َبعيد َشا ٌّذ‪َ .‬حكَا ُه َوا َّلذي َق ْب َل ُه َصاح ُ‬
‫ف وإِ َل الدَّ ي ِر بِالي ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء؛‬ ‫ْ َ‬ ‫ب إِ َل ال َقبِي َلة بِاألَل َ‬ ‫ها َص َواب‪َ ،‬فنُس َ‬ ‫ضهم الدَّ ْي ِر ّي ُقلت‪َ :‬وك َل ُ َ‬ ‫َب ْع ْ‬
‫يح ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِلجتِم ِع الوص َف ِ ِ ِ‬
‫طأ))‬ ‫ي)) َو((ا ُمل َو َّ‬ ‫الصح َ‬ ‫ي فيه‪َ .‬ق َال َصاحب ا َمل َطالع‪َ :‬و َل ْي َس ِف (( َّ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫(((‬
‫َد ِار ّي َو َل إِ َّل َتِيم" اهـ‪.‬‬
‫بأيب رقية‪.‬‬ ‫ويكنى‬
‫‪:‬‬ ‫إسالمــــه‬
‫كان نرصاني ًا ثم أسلم‪ ،‬وكان إسالمه‬ ‫مر يف كالم اإلمام النووي أنه‬
‫َّ‬
‫سنة تسع للهجرة (‪9‬هـ)‪ ،‬وكان باملدينة ثم انتقل إىل الشام بعد مقتل سيدنا‬
‫أقطعه هبا‬ ‫بعد قتل عثامن‪ ،‬وسكن فلسطني‪ ،‬وكان النبي‬ ‫عثامن بن عفان‬
‫قرية عينون‪ ،‬وهي من قرى بيت املقدس‪ ،‬فعن عكرمة قال‪ :‬ملا أسلم متيم الداري‬
‫قال‪ :‬يا رسول اهلل إن اهلل مظهرك عىل األرض كلها‪ ،‬فهب يل قريتي من بيت حلم‪،‬‬
‫قال‪(( :‬هي لك)) وكتب له هبا‪ ،‬فلام استخلف عمر فظهر عىل الشام ‪ ..‬جاءه متيم‬
‫‪ ،‬فقال عمر‪ :‬أنا شاهد ذلك‪ ،‬فأعطاه إياها‪ .‬أخرجه ابن عساكر‪.‬‬ ‫بكتاب النبي‬
‫قال له‪(( :‬ليس لك أن تبيع))‪.‬‬ ‫وذكر الليث أن النبي‬
‫‪:‬‬ ‫فضائلــــه‬
‫كثري العبادة‪ ،‬وكثرية املجاهدة من أجل اهلل‪ ،‬فقد كان‬ ‫كان سيدنا متيم‬
‫وأرضاه خيتم القرآن يف ركعة واحدة‪ ،‬وكان ربام ردد اآلية الواحدة الليل كله إىل‬
‫((( ((رشح صحيح مسلم)) للنووي‪.106/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)320‬‬

‫الصباح‪ ،‬فعن حممد بن سريين قال‪ :‬كان متيم الداري يقرأ القرآن يف ركعة‪.‬‬
‫وعن مرسوق قال‪ :‬قال يل رجل من أهل مكة‪ :‬هذا مقام أخيك متيم الداري‬
‫صىل ليلة حتى أصبح‪ ،‬أو قرب أن يصبح يقرأ آية ويرددها ويبكي‪ :‬ﱹ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﱸ [اجلاثية‪.]21 :‬‬
‫وعن أيب قالبة قال‪" :‬كان متيم الداري خيتم القرآن يف سبع ليال"‪.‬‬
‫وعن صفوان بن سليم قال‪ :‬قام متيم الداري يف املسجد بعد أن صىل العشاء‬
‫فمر هبذه اآلية ﱹ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﱸ [املؤمنون‪ ،]104 :‬فام خرج منها‬
‫حتى سمع اذان الصبح‪.‬‬
‫وعن حممد بن املنكدر‪" :‬أن متي ًام الداري نام ليلة مل يقم يتهجد فيها حتى‬
‫(((‬
‫أصبح‪ ،‬فقام سنة مل ينم فيها عقوبة للذي صنع"‪.‬‬
‫أنه يتزين هلا‪ ،‬فعن ثابت‪ :‬أن متي ًام الداري‬ ‫وكان من تعظيمه ألمر الصالة‬
‫كانت له حلة قد ابتاعها بألف درهم وكان يلبسها يف الليلة التي ترجى فيها ليلة‬
‫(((‬
‫القدر"‪.‬‬
‫‪ -‬حلة‬ ‫وعن محاد بن زيد قال‪" :‬ثنا أيوب عن حممد‪ :‬اشرتى – أي‪ :‬متيم‬
‫(((‬
‫بألف خيرج فيها إىل الصالة"‪.‬‬
‫وعن معاوية بن حرمل‪ ،‬قال‪ :‬قدمت املدينة‪ ،‬فلبثت يف املسجد ثالثا ال أطعم‪،‬‬

‫((( انظر كل ذلك يف ((صفوة الصفوة))‪.338/1 :‬‬


‫((( انظر‪(( :‬صفوة الصفوة))‪.337/1 :‬‬
‫((( انظر‪(( :‬فيض القدير))‪.27/3 :‬‬
‫(‪)321‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫فأتيت عمر‪ ،‬فقلت‪ :‬تائب من قبل أن تقدر عليه‪.‬‬
‫قال‪ :‬من أنت؟ قلت‪ :‬معاوية بن حرمل‪.‬‬
‫قال‪ :‬اذهب إىل خري املؤمنني‪ ،‬فانزل عليه‪.‬‬
‫قال‪ :‬وكان متيم الداري إذا صىل ‪ ..‬رضب بيديه عىل يمينه وشامله‪ ،‬فذهب‬
‫برجلني‪ ،‬فصليت إىل جنبه‪ ،‬فأخذين‪ ،‬فأتينا بطعام‪ ،‬فبينا نحن ذات ليلة‪ ،‬إذ خرجت‬
‫نار باحلرة‪ ،‬فجاء عمر إىل متيم‪ ،‬فقال‪ :‬قم إلىهذه النار‪.‬‬
‫فقال‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬ومن أنا! وما أنا! فلم يزل به حتى قام معه‪ ،‬وتبعتهام‪،‬‬
‫فانطلقا إىل النار‪ ،‬فجعل متيم حيوشها بيده حتى دخلت الشعب‪ ،‬ودخل متيم خلفها‪،‬‬
‫(((‬
‫فجعل عمر يقول‪ :‬ليس من رأى كمن مل ير! قاهلا ثالثا‪.‬‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫س َج ِف ا َمل َساجد َت ٌ‬
‫يم الدَّ ِار ُّي" أخرجه‬ ‫ِ‬
‫و َع ْن َأ ِب َسعيد اخلُدْ ر ِّي َق َال‪َ " :‬أ َّو ُل َم ْن َأ ْ َ‬
‫ابن ماجه‪.‬‬
‫له رشف املشاركة يف مجع القرآن‪ ،‬فقد روى قرة عن ابن سريين‪،‬‬ ‫وكان‬
‫قال‪ :‬مجع القرآن عىل عهد رسول اهلل‪ :‬أيب‪ ،‬وعثامن‪ ،‬وزيد‪ ،‬ومتيم الداري‪ .‬أخرجه‬
‫ابن سعد‪.‬‬
‫ص‬ ‫ب ْب ِن َي ِزيدَ ‪َ :‬أ َّن ُه َل ْ َي ُك ْن ُي َق ُّ‬ ‫الس ِائ ِ‬
‫قص القصص‪ ،‬ف َع ِن َّ‬ ‫أول من َّ‬ ‫وهو‬
‫ِ‬ ‫َع َل َع ْه ِد رس ِ‬
‫است َْأ َذ َن ُع َم َر‬‫يم الدَّ ِار ُّي ْ‬ ‫ص َت ٌ‬ ‫َو َل َأ ِب َبك ٍْر‪َ ،‬وك َ‬
‫َان َأ َّو َل َم ْن َق َّ‬ ‫ول اهلل‬ ‫َ ُ‬
‫َّاس َق ِائ ًم‪َ ،‬ف َأ ِذ َن َل ُه ُع َم ُر‪ .‬أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫ا ْب َن اخلَ َّط ِ‬
‫اب َأ ْن َي ُق َّ‬
‫ص َع َل الن ِ‬

‫وعند عبدالرزاق يف ((مصنفه)) عن معمر عن الزهري قال‪ :‬أول من قص متيم‬


‫الداري عىل عهد عمر‪ ،‬أستأذنه يف كل مجعة مقاما‪ ،‬فأذن له‪ ،‬فكان يقوم‪ ،‬قال‪ :‬ثم‬
‫((( انظر‪(( :‬سري أعالم النبالء))‪.20/3 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)322‬‬

‫استزاده مقاما آخرا‪ ،‬فزاده‪ ،‬فلام كان عثامن ‪ ..‬استزاده مقاما آخرا‪ ،‬فكان يقص يف‬
‫اجلمعة ثالث مرات‪.‬‬
‫قال معمر‪ :‬وسمعت غري الزهري يقول‪ :‬كان عمر إذا مر به وهو يقص ‪ ..‬أمر‬
‫عىل حلقه السيف‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫روى عنه ابن عباس‪ ،‬وأنس بن مالك‪ ،‬وعبداهلل بن موهب‪ ،‬وكثري ابن مرة‪،‬‬
‫وسليم بن عامر‪ ،‬ورشحبيل بن مسلم‪ ،‬وقبيضة بن ذؤيب‪ ،‬وعطاء بن يزيد الليثي‪،‬‬
‫وزرارة بن أوىف‪ ،‬وشهر بن حوشب‪.‬‬
‫كثري ًا من األحاديث‪ ،‬فقد بلغ ما رواه عن النبي‬ ‫عن النبي‬ ‫ومل ِ‬
‫يرو‬
‫من األحاديث ثامنية عرش حديثا‪ ،‬منها واحد يف ((صحيح مسلم))‪ ،‬وهو‬
‫احلديث الذي نحن بصدد رشحه‪ ،‬وروى عنه باقي الستة إال البخاري‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتــــــه‬
‫وأرضاه بالشام‪ ،‬وقربه ببيت جربين من بالد فلسطني‪ ،‬وذكر‬ ‫تويف‬
‫الذهبي يف ((سري أعالم النبالء)) أنه يقال‪ :‬وجد عىل بالطة قرب متيم الداري‪ :‬مات‬
‫سنة أربعني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫يح ُة))‪ ،‬والدِّ ي ُن لغة‪:‬الطاعة والعبادة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ين النَّص َ‬
‫‪(( :‬الدِّ ُ‬ ‫قوله‬
‫رشع ًا اإلسال ُم‪.‬‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ورشع ًا‪ :‬ما رش َع ُه اهللُ عىل لسان نب ّيه م َن األحكام‪ ،‬و ُيرادفه ْ‬
‫ْ‬
‫والنصيحة هي‪ :‬مشتقة من نصحت العسل إذا صفيته‪ ،‬يقال‪ :‬نصح اليشء‬
‫(‪)323‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫إذا خلص‪ ،‬ونصح له القول إذا اخلصه له‪ ،‬أو مشتقة من النصح‪ ،‬وهي اخلياطة‬
‫املنصحة‪ ،‬وهي االبرة‪ ،‬واملعنى‪ :‬أنه يلم شعث أخية بالنصح كام تلم املنصحة‪ ،‬ومنه‬
‫(((‬ ‫التوبة النصوح‪َّ ،‬‬
‫كأن الذنب يمزق الدين‪ ،‬والتوبة ختيطه‪ ،‬قاله املازري"‪.‬‬
‫يح ُة ك َِل َم ٌة‬ ‫ِ‬ ‫وقال اإلمام النووي‪َ " :‬ف َق َال ِ‬
‫اب ‪ :‬النَّص َ‬ ‫اإل َمام َأ ُبو ُس َل ْي َمن اخلَ َّط ِ ُّ‬
‫وح َل ُه‪َ .‬ق َال‪َ :‬و ُي َقال‪ُ :‬ه َو ِم ْن َو ِجيز األَ ْس َمء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫حل ِّظ ل َ‬
‫لمن ُْص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َجام َع ٌة َم ْعن َ‬
‫َاها ح َي َازة ا َ‬
‫و ُمْتَص الك ََلم‪ ،‬و َليس ِف ك ََلم العرب ك َِلمة م ْفردة يستَو َف ِبا ِ‬
‫الع َب َارة َع ْن َم ْعنَى‬ ‫َ ُ َ َ ُْ ْ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫جع ِل ِي الدُّ ْنيا و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اآلخ َرة‬ ‫َ َ‬ ‫َهذه الكَل َمة‪ .‬ك ََم َقا ُلوا ِف ال َف َلح َل ْي َس ِف ك ََلم ال َع َرب كَل َمة َأ ْ َ َ ْ‬
‫(((‬
‫ِمنْ ُه" اهـ‪.‬‬
‫‪(( :‬الدين النصيحة)) حيتمل أن حيمل عىل املبالغة‪ ،‬أي‪ :‬معظم‬ ‫وقوله‬
‫الدين النصيحة كام قيل يف حديث ((احلج عرفة))‪ ،‬وحيتمل أن حيمل عىل ظاهره؛‬
‫(((‬
‫ألن كل عمل مل يرد به عامله اإلخالص فليس من الدين‪.‬‬
‫وقال يف ((عمدة القاري))‪" :‬قوله (الدين النصيحة) فيه حذف تقديره‪ :‬عامد‬
‫الدين وقوامه النصيحة‪ ،‬كام يقال‪((:‬احلج عرفة))‪ ،‬أي‪ :‬عامد احلج وقوامه وقوف‬
‫عرفة‪ ،‬والتقدير معظم أركان الدين النصيحة‪ ،‬كام يقال‪(( :‬احلج عرفة))‪ ،‬أي‪ :‬معظم‬
‫(((‬
‫أركان احلج وقوف عرفة" اهـ‪.‬‬
‫وقال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬أي‪ :‬هي عامد الدين وقوامه‪ ،‬كقوله ((احلج عرفة))‬

‫فهو من احلرص املجازي دون احلقيقي‪ :‬أي إنه أريد املبالغة يف مدح النصيحة حتى‬

‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.161/1 :‬‬


‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.208/2 :‬‬
‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.161/1 :‬‬
‫((( ((عمدة القاري))‪.437/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)324‬‬
‫(((‬
‫جعلت كل الدين‪ ،‬وإن كان الدين مشتم ً‬
‫ال عىل خصال كثرية غريها" اهـ‪.‬‬
‫اإل ْس َلم‪،‬‬ ‫جا َعات ِم ْن ال ُع َل َمء َأ َّن ُه َأ َحد َأ ْر َباع ِ‬
‫قال اإلمام النووي‪َ " :‬و َأ َّما َما َقا َل ُه َ َ‬
‫ور ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإل ْس َلم ‪َ ..‬ف َل ْي َس ك ََم َقا ُلو ُه؛ َبل ا َملدَ ُار‬ ‫َأ ْي‪َ :‬أ َحد األَ َحاديث األَ ْر َب َعة ا َّلتي َ ْت َمع ُأ ُم َ‬
‫(((‬
‫َع َل َه َذا َو ْحدَ ُه" اهـ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫(( ُقلنَا))‪ ،‬أي‪ :‬أصحاب النبي حممد‬
‫(( َل ِ ْن؟))‪ ،‬أي‪ :‬ملن تكون النصيحة؟ويؤخذ من ذلك مراجعة املتعلم للعامل‬
‫عند اإلهبام وااللتباس‪.‬‬
‫مبين ًا ملن تكون النصيحة‪:‬‬ ‫(( َق ْا َل))‬

‫((هللِ))‪ ،‬أي‪ :‬تكون النصيحة هلل‪ ،‬ومعنى النصيحة هلل‪ :‬وصفه تعاىل بام يليق‪،‬‬
‫وتنزهيه عام ال يليق‪ ،‬واخلضوع له وطاعته وقربه‪ ،‬وترك معصية وموجبات سخطه‪،‬‬
‫والسعي يف رد العاصني إليه‪ ،‬قال احلافظ ابن حجر‪" :‬فالنصيحة هلل‪ :‬وصفه بام هو‬
‫له أهل‪،‬واخلضوع له ظاهر ًا وباطن ًا‪ ،‬والرغبة يف حمابه بفعل طاعته‪ ،‬والرهبة من‬
‫مساخطه برتك معصيته‪ ،‬واجلهاد يف رد العاصني إليه‪.‬‬
‫وروى الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عن أيب ثاممة صاحب عيل قال‪ :‬قال‬
‫‪ :‬يا روح اهلل من الناصح هلل؟ قال‪ :‬الذي يقدم حق اهلل عىل‬ ‫احلواريون لعيسى‬
‫(((‬
‫حق الناس" اهـ‪.‬‬
‫يحة هللِ‪ِ :‬ص َّحة‬ ‫ِ‬
‫وقال السيوطي يف ((رشحه عىل سنن النسائي))‪َ " :‬و َم ْعنَى النَّص َ‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.489/1 :‬‬


‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.207/2 :‬‬
‫((( ((فتح الباري))‪.161/1 :‬‬
‫(‪)325‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(((‬
‫ال ْعتِ َقاد ِف َو ْحدَ انِ ّيته‪َ ،‬وإِ ْخ َلص النِّ َّية ِف ِع َبا َدته" اهـ‪.‬‬
‫ِ‬

‫اإل َيمن بِ ِه‪،‬‬‫ف إِ َل ِ‬ ‫ْص ٌ‬ ‫َاها ُمن َ ِ‬ ‫يحة هللِ َت َع َال َف َم ْعن َ‬ ‫ِ‬
‫وقال اإلمام النووي‪َ " :‬أ َّما النَّص َ‬
‫ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يك َعنْ ُه‪َ ،‬وت َْر ِك ِ‬ ‫الش ِ‬
‫جل َلل ُك ّل َها‪،‬‬ ‫حلاد ِف ص َفاته َو َو ْصفه بِص َفات الك ََمل َوا َ‬ ‫اإل َ‬ ‫َو َن ْف ِي َّ ِ‬
‫اجتِنَاب َم ْع ِص َيته‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َتن ِْزهيه ُس ْب َحانه َو َت َع َال م ْن َجيع النَّ َقائص‪َ ،‬والق َيام بِ َطا َعته‪َ ،‬و ْ‬
‫ب فِ ِيه‪َ ،‬وال ُب ْغض فِ ِيه‪َ ،‬و ُم َو َالة َم ْن َأ َطا َع ُه‪َ ،‬و ُم َعا َداة َم ْن َع َصا ُه‪َ ،‬و ِج َهاد َم ْن َك َف َر‬ ‫حل ّ‬
‫َوا ُ‬
‫اإل ْخ َلص ِف َجِيع األُ ُمور‪َ ،‬والدُّ َعاء إِ َل‬ ‫تاف بِنِ ْع َمتِ ِه‪َ ،‬و ُشكْره َع َل ْي َها‪َ ،‬و ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫بِه‪َ ،‬وال ْع َ‬
‫ِ‬

‫حل ّث َع َل ْي َها‪َ ،‬وال َّت َل ُّطف ِف َ ْ‬ ‫ِ‬


‫جع النَّاس‪َ ،‬أ ْو َم ْن َأ ْم َك َن‬ ‫ُورة‪َ ،‬وا َ‬ ‫َجيع األَ ْو َصاف ا َمل ْذك َ‬
‫اج َعة إِ َل ال َع ْبد ِف ن ُْصحه‬ ‫اإل َضا َفة ر ِ‬
‫َ‬ ‫اب ‪َ :‬و َح ِقي َق ُة َه ِذ ِه ِ‬ ‫من ُْه ْم َع َل ْي َها‪َ .‬ق َال اخلَ َّط ِ ُّ‬
‫ِ‬

‫َّاصح" اهـ‪.‬‬ ‫َن ْفسه‪َ ،‬ف َاهلل َتع َال َغنِي َعن نُص ِح الن ِ‬
‫(((‬
‫ٌّ ْ ْ‬ ‫َ‬
‫(( َولِكِتَابِ ِه))‪ ،‬أي‪ :‬والنصيحة لكتابه تعاىل‪ ،‬ومعنى النصيحة لكتابه‪:‬‬
‫اإليامن بأنه كالم اهلل القديم األزيل‪ ،‬وأنه ال يشاهبه وال يامثله كالم‪ ،‬وتعلمه‬
‫وحفظه وتعليمه‪ ،‬وتالوته مع التعظيم الكامل‪ ،‬وتكلف اخلشوع‪ ،‬وإقامة حدوده‪،‬‬
‫والعمل بام فيه‪ ،‬وقرأته قراءة جيدة‪ ،‬والدفاع عنه‪ ،‬وحفظه من التحريف يف اللفظ‬
‫أو املعنى‪ ،‬وعدم انزال آياته عىل غري معناها الصحيح‪ ،‬وعدم حتريف أحكامه عىل‬
‫حسب اهلوى‪ ،‬قال احلافظ ابن حجر‪" :‬والنصيحة لكتاب اهلل‪ :‬تعلمه وتعليمه‪،‬‬
‫وإقامة حروفه يف التالوة‪ ،‬وحتريرها يف الكتابة‪ ،‬وتفهم معانيه‪ ،‬وحفظ حدوده‪،‬‬
‫(((‬
‫والعمل بام فيه‪ ،‬وذب حتريف املبطلني عنه" اهـ‪.‬‬
‫يحة لِ ِكتَابِ ِه ُس ْب َحانه َو َت َع َال َف ِ‬
‫اإل َيمن بِ َأ َّن ُه‬ ‫ِ‬
‫وقال اإلمام النووي‪َ " :‬و َأ َّما النَّص َ‬

‫((( ((رشح السنن))‪.489/5 :‬‬


‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.208/2 :‬‬
‫((( ((فتح الباري))‪.161/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)326‬‬

‫ش ٌء ِم ْن ك ََلم اخلَلق‪َ ،‬و َل َي ْق ِدر َع َل ِم ْثله َأ َحد‬ ‫ك ََلم اللَّ َت َع َال َو َتن ِْزيله‪َ ،‬ل ُي ْشبِه ُه َ ْ‬
‫ْدها‪َ ،‬وإِ َقا َمة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْن اخلَلق‪ُ ،‬ث َّم َت ْعظيمه َوت َل َوته َح ّق ت َل َوته‪َ ،‬و َ ْتسين َُها َواخلُ ُشوع عن َ‬
‫ني‪َ ،‬والت َّْص ِديق بِ َم‬ ‫اعنِ َ‬
‫ني و َتعرض ال َّط ِ‬ ‫ِ‬
‫يل ا ُمل َح ِّرف َ َ َ ُّ‬ ‫الذ ّب َعنْ ُه لِت َْأ ِو ِ‬
‫ُح ُروفه ِف الت َِّل َوة‪َ ،‬و َّ‬
‫اعظِ ِه‪َ ،‬وال َّت َفكُّر ِف‬
‫ال ْعتِبار بِمو ِ‬
‫َ ََ‬
‫فِ ِيه‪ ،‬والو ُقوف مع َأحكَامه‪ ،‬و َت َفهم ُع ُلومه و َأم َثاله‪ ،‬و ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ُّ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ ُ‬
‫َع َج ِائبه‪َ ،‬وال َع َمل بِ ُم ْحك َِم ِه‪َ ،‬والت َّْس ِليم ُلِت ََش ِابِ ِه‪َ ،‬وال َب ْحث َع ْن ُع ُمومه َو ُخ ُصوصه‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يحته" اهـ‪.‬‬ ‫َونَاسخه َو َمن ُْسوخه‪َ ،‬ون َْش ُع ُلومه‪َ ،‬والدُّ َعاء إِ َل ْيه َوإِ َل َما َذك َْرنَا م ْن نَص َ‬
‫‪:‬‬ ‫ومعنى النصيحة للرسول‬ ‫(( َولِ َر ُسولِ ِه))‪ ،‬أي‪ :‬والنصيحة لرسوله‬
‫‪ ،‬وتصديقه‪ ،‬واتِّباعه واالقتداء به يف أقواله وأفعاله‪ ،‬وصدق‬ ‫اإليامن به‬
‫حمبته وحمبة آل بيته وأصحابه وأتباعه‪ ،‬ونرصته‪ ،‬ومعاداة من عاداه‪ ،‬ومواالة من‬
‫وااله‪ ،‬وإحياء سننه وآدابه وسريته‪ ،‬ونرشها بني أمته‪ ،‬وتوقريه وتعظيمه وإجالله‪،‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪" :‬والنصيحة لرسوله تعظيمه ونرصه حيا وميتا‪ ،‬وإحياء سنته‬
‫(((‬
‫بتعلمها وتعليمها‪ ،‬واالقتداء به يف أقواله وأفعاله‪ ،‬وحمبته‪ ،‬وحمبة أتباعه" اهـ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫يحة لِرس ِ‬
‫ول اهللِ‬ ‫ِ‬
‫الر َسا َلة‪،‬‬
‫َفت َْصديقه َع َل ِّ‬ ‫وقال اإلمام النووي‪َ " :‬و َأ َّما النَّص َ َ ُ‬
‫ُصتِ ِه َح ًّيا َو َم ِّيتًا‪َ ،‬و ُم َعا َداة َم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإل َيمن بِ َجمي ِع َما َجا َء بِه‪َ ،‬و َطا َعته ف َأ ْم ِره َو َنْيه‪َ ،‬ون ْ َ‬ ‫َو ِ‬
‫َعا َدا ُه‪َ ،‬و ُم َو َالة َم ْن َو َال ُه‪َ ،‬وإِ ْع َظام َح ّقه‪َ ،‬وت َْو ِقريه‪َ ،‬وإِ ْح َياء َط ِري َقته َو ُسنَّته‪َ ،‬و َب ّث‬
‫ِ‬ ‫شيعته‪ ،‬و َن ْفي التُّهمة َعنْها‪ ،‬و ِ‬
‫يها‪،‬‬ ‫ومها‪َ ،‬وال َّت َف ُّقه ِف َم َعان َ‬ ‫است َث َارة ُع ُل َ‬‫َ َ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َش َ ِ َ َ‬ ‫َد َع ْوته‪َ ،‬ون ْ ِ‬
‫امها‪َ ،‬وإِ ْج َلهلَا‪َ ،‬والت ََّأ ُّدب ِعنْد‬ ‫يمها‪َ ،‬وإِ ْع َظ َ‬
‫ِ‬
‫مها َو َت ْعل َ‬ ‫َوالدُّ َعاء إِ َل ْي َها‪َ ،‬وال َّت َل ُّطف ِف َت َع ُّل َ‬
‫لها ِلنْتِ َس ِابِ ْم إِ َل ْي َها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإل ْم َساك َع ْن الك ََلم ف َيها بِ َغ ْ ِي علم‪َ ،‬وإِ ْج َلل َأ ْه َ‬ ‫ِق َرا َء َهتا‪َ ،‬و ِ‬
‫َّخ ُّلق بِ َأ ْخ َل ِق ِه‪َ ،‬والت ََّأ ُّدب بِآ َدابِ ِه‪َ ،‬و َم َ َّبة َأ ْهل َب ْيته َو َأ ْص َحابه‪َ ،‬و ُمَا َن َبة َم ْن اِ ْبتَدَ َع ِف‬
‫َوالت َ‬

‫((( ((فتح الباري))‪.161/1 :‬‬


‫(‪)327‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(((‬
‫ُسنَّته‪َ ،‬أ ْو َت َع َّر َض ِلَ َح ٍد ِم ْن َأ ْص َحابه‪َ ،‬ون َْحو َذلِ َك" اهـ‪.‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫(( َو ِلَئ َّمة ا ُمل ْسلم َ‬
‫ني))‪ ،‬أي‪ :‬والنصيحة ألئمة املسلمني‪ ،‬وتكون النصيحة ألئمة‬
‫املسلمني‪:‬‬
‫بإعانتهم عىل ما محلوا من أمانة املسلمني‪ ،‬وإعانتهم عىل احلق‪ ،‬وطاعتهم فيه‪،‬‬
‫وتوجيههم‪ ،‬وتقديم النصيحة هلم‪ ،‬ورد القلوب النافرة إليهم‪ ،‬ور ّدهم عن الباطل‪،‬‬
‫ودفعهم عن الظلم بالتي هي أحسن‪ ،‬وهي أعظم أنواع النصيحة هلم‪ ،‬وهذا عىل‬
‫أن املقصود بأئمة املسلمني هم اخللفاء‪ ،‬لكن قد يدخل معهم أئمة االجتهاد‪،‬‬
‫وتكون النصيحة هلم بنرش علومهم‪ ،‬واالقتداء هبم وبعلومهم‪ ،‬وحسن الظن هبم‪،‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪" :‬والنصيحة الئمة املسلمني‪:‬إعانتهم عىل ما محلوا القيام به‪،‬‬
‫وتنبيههم عند الغفلة‪ ،‬وسد خلتهم عند اهلفوة‪ ،‬ومجع الكلمة عليهم‪ ،‬ورد القلوب‬
‫النافرة إليهم‪ ،‬ومن أعظم نصيحتهم دفعهم عن الظلم بالتي هي أحسن‪ ،‬ومن مجلة‬
‫أئمة املسلمني أئمة االجتهاد‪ ،‬وتقع النصيحة هلم ببث علومهم‪ ،‬ونرش مناقبهم‪،‬‬
‫(((‬
‫وحتسني الظن هبم" اهـ‪.‬‬
‫يحة ِلَ ِئ َّم ِة‬ ‫ِ‬
‫وقال اإلمام النووي يف ((رشحه عىل صحيح مسلم))‪َ " :‬و َأ َّما النَّص َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ا ُمل ْس ِل ِم َ‬
‫يههم َوت َْذك ْ‬
‫ريهم‬ ‫حل ّق‪َ ،‬و َطا َعت ُُه ْم فيه‪َ ،‬و َأ ْم ُر ُه ْم بِه‪َ ،‬و َتنْبِ ْ‬ ‫َتهم َع َل ا َ‬
‫اون ْ‬ ‫ني َف ُم َع َ‬
‫ني‪َ ،‬وت َْرك‬ ‫غه ْم ِم ْن ُح ُقوق ا ُمل ْس ِل ِم َ‬ ‫ٍ‬
‫بِ ِر ْف ٍق َو ُل ْطف‪َ ،‬وإِ ْع َل ْ‬
‫مهم بِ َم َغ َف ُلوا َعنْ ُه َو َل ْ َي ْب ُل ُ‬
‫اخلُ ُروج َع َل ْي ِه ْم‪َ ،‬وت ََأ ُّلف ُق ُلوب النَّاس لِ َطا َعتِ ِه ْم‪.‬‬
‫لفهم‪َ ،‬و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجل َهاد َم َع ُه ْم‪َ ،‬و َأ َداء‬ ‫الص َلة َخ ْ‬ ‫يحة َل ُ ْم َّ‬ ‫اب ‪َ :‬وم ْن النَّص َ‬ ‫َق َال اخلَ َّط ِ ُّ‬
‫ف َأ ْو ُسو ُء‬ ‫ف َع َل ْي ِه ْم إِ َذا َظ َه َر ِمن ُْه ْم َح ْي ٌ‬ ‫الصدَ َقات إِ َلي ِهم‪ ،‬وتَرك اخلروج بِالسي ِ‬
‫َّ ْ‬ ‫ُُ‬ ‫ْ ْ َ ْ‬ ‫َّ‬
‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.208/2 :‬‬
‫((( ((فتح الباري))‪.161/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)328‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شة‪َ ،‬و َأ ْن َل ُي َغ ُّروا بِال َّثنَاء الكَاذب َع َل ْي ِه ْم‪َ ،‬و َأ ْن ُيدْ َعى َل ُ ْم بِ َّ‬
‫الص َل ِح‪َ .‬و َه َذا ُك ُّل ُه‬ ‫عَْ‬
‫ني ِم ْن َأ ْص َحاب‬ ‫ور ا ُمل ْس ِل ِم َ‬
‫هم ِم َّ ْن َي ُقوم بِ ُأ ُم ِ‬ ‫َع َل َأ َّن ا ُمل َراد بِ َأ ِئ َّم ِة ا ُمل ْس ِل ِم َ‬
‫ني اخلُ َل َفاء َو َغ ْي ْ‬
‫اب‪ُ .‬ث َّم َق َال‪َ :‬و َقدْ ُيت ََأ َّول َذلِ َك َع َل‬‫الو َل َيات‪َ .‬و َه َذا ُه َو ا َمل ْش ُهور‪َ .‬و َحكَا ُه َأ ْي ًضا اخلَ َّط ِ ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يدهم ِف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تهم َق ُبول َما َر َو ْو ُه‪َ ،‬و َت ْقل ْ‬ ‫يح ْ‬ ‫األَئ َّمة ا َّلذي َن ُه ْم ُع َل َمء الدِّ ين‪َ ،‬و َأ َّن م ْن نَص َ‬
‫(((‬
‫األَ ْحكَام‪َ ،‬وإِ ْح َسان ال َّظ ِّن ِبِ ْم" اهـ‪.‬‬
‫(( َو َع َّامتِ ِه ْم))‪ ،‬أي‪ :‬والنصيحة لعامة املسلمني‪ ،‬وتكون النصيحة هلم‪:‬‬
‫بالشفقة عليهم‪ ،‬والسعي يف خدمتهم‪ ،‬وتعليمهم ما جيهلونه‪ ،‬وتوجيههم‬
‫بلطف ورمحة‪ ،‬وكف األذى عنهم‪ ،‬وأن حيب هلم اخلري الذي حيبه لنفسه‪ ،‬ويكره هلم‬
‫الرش الذي يكرهه لنفسه‪ ،‬وأن ال يغشهم وال خيدعهم‪ ،‬والدفاع عنهم وعن أمواهلم‬
‫وأعراضهم‪ ،‬قال احلافظ ابن حجر‪" :‬والنصيحة لعامة املسلمني الشفقة عليهم‬
‫والسعي فيام يعود نفعه عليهم وتعليمهم ما ينفعهم وكف وجوه األذى عنهم وأن‬
‫(((‬
‫حيب هلم ما حيب لنفسه ويكره هلم ما يكره لنفسه" اهـ‪.‬‬
‫ني َو ُه ْم َم ْن عَدَ ا ُو َلة األَ ْمر‬ ‫يحة َعا َّمة ا ُمل ْس ِل ِم َ‬ ‫ِ‬
‫وقال اإلمام النووي‪َ " :‬و َأ َّما نَص َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ي َه ُلو َن ُه‬ ‫َف األَ َذى َعن ُْه ْم َف ُي َع ِّل ُ‬
‫مه ْم َما َ ْ‬ ‫اه ْم‪َ ،‬وك ّ‬ ‫ادهم َل َصال ِه ْم ِف آخ َر ْ‬
‫هتم َو ُد ْن َي ُ‬ ‫َفإِ ْر َش ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫هتم‪َ ،‬و َد ْفع‬ ‫اهتم‪َ ،‬و َسدّ َخ َّل ْ‬ ‫ينه ْم َع َل ْيه بِال َق ْول َوالف ْعل‪َ ،‬وس ْت َع ْو َر ْ‬ ‫ينهم‪َ ،‬و ُيع ُ‬ ‫م ْن د ْ‬
‫يهم َع ْن ا ُملنْكَر بِ ِر ْف ٍق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رهم بِا َمل ْع ُروف‪َ ،‬و َنْ ْ‬ ‫ا َمل َض ّار َعن ُْه ْم‪َ ،‬و َجلب ا َملنَافع َل ُ ْم‪َ ،‬و َأ ْم ْ‬
‫هلم بِا َمل ْو ِع َظ ِة‬
‫ريهم‪َ ،‬و َت َُّو ْ‬ ‫حة َصغ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الش َف َقة َع َل ْي ِه ْم‪َ ،‬وت َْوقري كَبِ ْ‬
‫ريهم‪َ ،‬و َر ْ َ‬ ‫ص‪َ ،‬و َّ‬ ‫َوإِ ْخ َل ٍ‬
‫ب لِنَ ْف ِس ِه ِم ْن اخلَ ْي‪َ ،‬و َيك َْره‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َل ُ ْم َما ُي ُّ‬ ‫احلَ َسنَة‪َ ،‬وت َْرك غ ِّش ِه ْم َو َح َسده ْم‪َ ،‬و َأ ْن ُي َّ‬
‫اضهم‪َ ،‬و َغ ْي َذلِ َك ِم ْن‬ ‫ْ‬ ‫اهلم َو َأ ْع َر‬
‫الذ ّب َع ْن َأ ْم َو ْ‬ ‫َل ُ ْم َما َيك َْره لِنَ ْف ِس ِه ِم ْن ا َملك ُْروه‪َ ،‬و َّ‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.208/2 :‬‬


‫((( ((فتح الباري))‪.162/1 :‬‬
‫(‪)329‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يحة‪،‬‬ ‫َّخ ُّلق بِ َجمي ِع َما َذك َْرنَا ُه م ْن َأن َْواع النَّص َ‬ ‫اهلم بِال َق ْول َوالف ْعل‪َ ،‬و َح ّث ْ‬
‫هم َع َل الت َ‬ ‫َأ ْح َو ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يحة إِ َل‬
‫َم ْن َت ْب ُلغ بِه النَّص َ‬ ‫َان ِف َّ‬
‫الس َلف‬ ‫ه ِه ْم إِ َل ال َّطا َعات‪َ .‬و َقدْ ك َ‬
‫َو َتنْشيط َ ِّ‬
‫(((‬
‫ضار بِدُ ْن َيا ُه" اهـ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اإل ْ َ‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن مدار الصالح يف الدين قائم عىل النصيحة‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن النصيحة هي عامد الدين‪.‬‬
‫‪3 .3‬ينبغي للمسلم ان ال يرتك النصيحة‪ ،‬والعمل هبا إذا وجهت إليه‪ ،‬قال اإلمام‬
‫يحة ت َُس َّمى ِدينًا‬ ‫ِ‬
‫حلديث‪َ :‬أ َّن النَّص َ‬
‫النووي‪َ " :‬ق َال اِبن ب َّطال ‪ِ - -‬ف ه َذا ا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫ِ‬
‫يحة َف ْر ٌض‬ ‫َوإِ ْس َل ًما َو َأ َّن الدِّ ين َي َقع َع َل ال َع َمل ك ََم َي َقع َع َل ال َق ْول‪َ .‬ق َال‪َ :‬والنَّص َ‬
‫يحة َل ِز َمة َع َل َقدْ ر‬ ‫ِ‬ ‫َي ِزي فِ ِيه من َقام بِ ِه‪ ،‬ويس ُقط َعن الب ِ‬
‫ني‪َ .‬ق َال‪َ :‬والنَّص َ‬ ‫اق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ََْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ْ‬
‫َّاص ُح َأ َّن ُه ُي ْق َبل ن ُْصحه‪َ ،‬و ُي َطاع َأ ْم ُر ُه‪َ ،‬و َأ ِم َن َع َل َن ْفسه ا َملك ُْروه‪.‬‬
‫ال َّطا َقة إِ َذا َع ِلم الن ِ‬
‫َ‬
‫(((‬
‫ش َع َل َن ْفسه َأ ًذى َف ُه َو ِف َس َع ٍة" اهـ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َفإ ْن َخ َ‬
‫ِ‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.209/2 :‬‬


‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.209/2 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)330‬‬

‫احلديث الثامن والثالثون‬

‫ول‪َ (( :‬م ْن َر َأى‬ ‫َي ُق ُ‬ ‫ول اهلل‬ ‫َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬ ‫يد اخلُدْ ِر ِّي‬ ‫َعن َأ ِب س ِع ٍ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫َي ُه بِ َي ِد ِه‪َ ،‬فإِ ْن َل ْ َي ْستَطِ ْع ‪َ ..‬فبِلِ َسانِ ِه‪َ ،‬فإِ ْن َل ْ َي ْستَطِ ْع ‪َ ..‬فبِ َقلبِ ِه‪،‬‬
‫منْك ُْم ُمنْكَر ًا ‪َ ..‬فل ُيغ ِّ ْ‬
‫ِ‬

‫إل َيم ِن)) رواه مسلم‪.‬‬ ‫فا ِ‬ ‫ك َأ ْض َع ُ‬‫َو َذلِ َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمــــه‬
‫هو الصحايب اجلليل الفقيه مفتي املدينة سعد (اخلدري) بن مالك بن سنان‬
‫ابن عبيد بن ثعلبة بن األبجر‪ ،‬واألبجر‪ :‬هو خدرة بن عوف بن احلارث بن اخلزرج‬
‫(((‬
‫األنصاري‪ ،‬وقيل‪ :‬بل خدرة هي أم األبجر‪.‬‬
‫يكنى بأيب سعيد‪ ،‬ومل يشهد أحد ًا ألنه كان صغريا فر َّد‪ ،‬وقد قال عن نفسه‬
‫وأنا ابن ثالث عرشة‪ ،‬فجعل أيب يأخذ‬ ‫‪ :‬عرضت يوم أحد عىل النبي‬
‫بيدي ويقول‪ :‬يا رسول اهلل ! إنه عبل العظام‪.‬‬
‫وجعل نبي اهلل يصعد يف النظر‪ ،‬ويصوبه‪ ،‬ثم قال‪ :‬رده‪ ،‬فردين‪.‬‬
‫حني رجع من أحد‪ ،‬فنظر إليه رسول‬ ‫فيمن يتلقى رسول اهلل‬ ‫فخرج‬
‫وقال‪(( :‬سعد بن مالك؟)) قال‪ :‬قلت نعم بأيب وأمي أنت‪ .‬قال‪ :‬فدنوت‬ ‫اهلل‬

‫((( انظر‪(( :‬سري اعالم النبالء))‪.188/3 :‬‬


‫(‪)331‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫منه‪ ،‬فقبلت ركبتيه‪ ،‬فقال‪(( :‬آجرك اهلل يف أبيك))‪ ،‬وكان قد قتل يومئذ شهيدا‪ ،‬ثم‬
‫شهد سعد بن مالك اخلندق وما بعدها‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫فضائلـــه‬
‫من أهل الصرب واملجاهدة حتى عده‬ ‫كان سيدنا ابو سعيد اخلدري‬
‫بعضهم من أهل الصفة كأيب عبيد القاسم بن سالم‪ ،‬وحاله قريب من حال أهل‬
‫الصفة وإن كان أنصاري الدار؛ إليثاره التصرب واختياره للفقر والتعفف‪.‬‬
‫‪َ :‬أ ْر َس َلنِي َأ ْه ِل‬ ‫‪ ،‬وقد قال‬ ‫وقد كان يربط احلجر عىل بطنه من اجلوع‬
‫ول‪:‬‬ ‫ب‪َ ،‬ف َس ِم ْع ُت ُه َي ُق ُ‬
‫ي ُط ُ‬ ‫َو ُه َو َ ْ‬ ‫َأ ْس َأ ُل ُه َط َعا ًما‪َ ،‬ف َأ َت ْي ُت النَّبِ َّي‬ ‫ول اهلل‬‫إِ َل رس ِ‬
‫َ ُ‬
‫ف ُي ِع َّف ُه اهللُ‪َ ،‬و َما ُر ِز َق ال َع ْبدُ‬
‫ب ُه اهللُ‪َ ،‬و َم ْن َي ْس َتغ ِْن ُيغْن ِ ِه اهللُ‪َ ،‬و َم ْن َي ْست َِع َّ‬ ‫(( َم ْن َي ْص ِ ْ‬
‫ب ُي َص ِّ ْ‬
‫ِ‬
‫الص ْ ِب)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫ِر ْز ًقا َأ ْو َس َع َل ُه م ْن َّ‬
‫وروى حنظلة بن أيب سفيان‪ ،‬عن أشياخه‪ :‬أنه مل يكن أحد من أحداث أصحاب‬
‫أعلم من أيب سعيد اخلدري‪ .‬أخرجه بن سعد يف ((الطبقات))‪.‬‬ ‫رسول اهلل‬
‫‪:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫كان سيدنا أبو سعيد اخلدري أحد الفقهاء املجتهدين‪ ،‬وقد روى عن سيدنا‬
‫أيب بكر الصديق‪ ،‬وسيدنا عمر بن اخلطاب‪ ،‬وسيدنا عثامن بن عفان‪ ،‬وسيدنا عيل‬
‫أمجعني‪.‬‬ ‫ابن أيب طالب‪ ،‬وسيدنا زيد بن ثابت‪ ،‬وغريهم‬
‫ورى عنه مجاعة من الصحابة ومن كبار التابعني‪ :‬ابن عباس‪ ،‬وابن عمر‪،‬‬
‫وجابر‪ ،‬وحممود بن لبيد‪ ،‬وأبو أمامة بن سهل‪ ،‬وأبو الطفيل‪ ،‬وعطاء بن يسار‪،‬سعيد‬
‫ابن املسيب‪ ،‬وأبو عثامن النهدي‪ ،‬وطارق بن شهاب‪ ،‬وعبيد بن عمري‪ ،‬وعطاء بن‬
‫يزيد الليثي‪ ،‬وعياض بن عبداهلل بن أيب رسح‪ ،‬وبرش بن سعيد‪ ،‬وجماهد‪ ،‬وأبو املتوكل‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)332‬‬

‫الناجي‪ ،‬ومعبد بن سريين‪ ،‬وعبد اهلل بن حمرييز‪ ،‬وعامر ابن سعد‪ ،‬وعمرو بن سليم‪،‬‬
‫وأبو سلمة بن عبدالرمحن‪ ،‬ونافع العمري‪ ،‬وبرش بن حرب النديب‪ ،‬وأبو الصديق‬
‫الناجي‪ ،‬وأبو الوداك‪ ،‬وأبو نرضة العبدي‪ ،‬وأبو صالح السامن‪ ،،‬وعبداهلل بن خباب‪،‬‬
‫وعبدالرمحن بن أيب سعيد اخلدري‪ ،‬وعبدالرمحن بن أيب نعم‪ ،‬وعبيداهلل بن عبداهلل‬
‫ابن عتبة‪ ،‬وعطية العويف‪ ،‬وأبو هارون العبدي‪ ،،‬وقزعة بن حييى‪ ،‬وحممد بن عيل‬
‫الباقر‪ ،‬وأبو اهليثم سليامن بن عمرو العتواري‪ ،‬وسعيد بن جبري‪ ،‬واحلسن البرصي‪،‬‬
‫أمجعني‪.‬‬ ‫وأبو سلمة بن عبدالرمحن‪ ،‬وغريهم كثري‬
‫‪ ،‬قال الذهبي‪" :‬وقد روى بقي‬ ‫من مكثري الرواية عن النبي‬ ‫ويعد‬
‫ابن خملد يف ((مسنده الكبري)) أليب سعيد اخلدري باملكرر ألف حديث ومئة وسبعني‬
‫(((‬
‫حديثا" اهـ‪.‬‬
‫وقال يف موضع آخر‪" :‬مسند أيب سعيد (‪ )1170‬ألف ومئة وسبعون حديثا‪،‬‬
‫ففي البخاري ومسلم ثالثة وأربعون‪ ،‬وانفرد البخاري بستة عرش حديثا‪ ،‬ومسلم‬
‫(((‬
‫باثنني ومخسني" اهـ‪.‬‬
‫(((‬
‫لكن يف ((دليل الفاحلني)) أن ما اتفق عليه البخاري ومسلم ستة وأربعني‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫وأرضاه باملدينة املنورة يوم اجلمعة‪،‬‬ ‫تويف سيدنا أبو سعيد اخلدري‬
‫ودفن يف البقيع‪ ،‬واختلف يف سنة وفاته‪ ،‬عىل أقوال‪:‬‬
‫ ‪-‬فقيل‪ :‬سنة أربع وستني‪.‬‬
‫((( ((سري اعالم النبالء))‪.189/3 :‬‬
‫((( املرجع السابق‪.190/3 :‬‬
‫((( انظر‪(( :‬دليل الفاحلني))‪.83/1 :‬‬
‫(‪)333‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ ‪-‬وقيل‪ :‬سنة ثالث وستني‪ ،‬وهو قول املدائني‪ ،‬قال يف ((سري أعالم‬
‫النبالء))‪" :‬والبن املديني مع جاللته يف وفاة أيب سعيد قوالن شذ هبام‬
‫ووهم‪ ،‬فقال إسامعيل القايض‪ :‬سمعته يقول‪ :‬مات سنة ثالث وستني"‪.‬‬
‫(((‬
‫ ‪-‬وقال البخاري‪" :‬قال عيل‪ :‬مات بعد احلرة بسنة" اهـ‪.‬‬
‫ ‪-‬وقيل‪ :‬سنة أربع وسبعني‪ ،‬وهو قول الواقدي‪ ،‬وعليه األكثرون‪ ،‬وبه قال‬
‫احلاكم يف ((مستدركه))‪.‬‬
‫(((‬
‫ ‪-‬وقيل‪ :‬سنة مخس وستني‪ ،‬وهو قول العسكري‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫وسبب احلديث ظاهر يف بدايتة هذا احلديث كام يف ((صحيح مسلم)) َع ْن‬
‫ان‪َ ،‬ف َقا َم إِ َل ْي ِه‬ ‫الص َل ِة َم ْر َو ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب قال‪َ :‬أ َّو ُل َم ْن َبدَ َأ بِاخلُ ْط َبة َي ْو َم العيد َق ْب َل َّ‬ ‫ار ِق ْب ِن ِش َه ٍ‬ ‫َط ِ‬
‫يد‪َ :‬أ َّما َه َذا‬ ‫رج ٌل َف َق َال‪ :‬الص َل ُة َقب َل اخل ْطب ِة‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬قدْ ت ُِر َك ما هنَالِ َك‪َ ،‬ف َق َال َأبو س ِع ٍ‬
‫ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ‬
‫َي ُه بِ َي ِد ِه‪،‬‬ ‫َ‬
‫ول‪َ (( :‬م ْن َرأى ُمنْكَر ًا ‪َ ..‬فل ُيغ ِّ ْ‬ ‫َي ُق ُ‬ ‫ول اهلل‬‫َف َقدْ َق َض َما َع َل ْي ِه‪َ ،‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ن))‬ ‫إليم ِ‬
‫فا ِ َ‬ ‫ك َأ ْض َع ُ‬‫َفإِ ْن َل ْ َي ْستَطِ ْع ‪َ ..‬فبِلِ َسانِ ِه‪َ ،‬فإِ ْن َل ْ َي ْستَطِ ْع ‪َ ..‬فبِ َقلبِ ِه‪َ ،‬و َذلِ َ‬

‫قوله ‪َ (( :‬م ْن َر َأى))‪ ،‬أي‪ :‬من علم وتيقن‪.‬‬


‫(( ِمنْك ُْم))‪ ،‬أي‪ :‬يا معرش املكلفني من أهل اإلسالم‪.‬‬
‫ال وقوالً‪ ،‬ولو صغري ًا‪.‬‬
‫(( ُم ْنكَر ًا))‪ ،‬وهو‪ :‬اليشء الذي قبحه الرشع فع ً‬

‫(( َفل ُيغ ِّ ْ‬


‫َي ُه))‪ ،‬أي‪ :‬يزيله‪ ،‬هو أمر إجياب بإمجاع األمة‪ ،‬قال اإلمام النووي‪:‬‬

‫((( ((سري اعالم النبالء))‪.189/3 :‬‬


‫((( ((اإلصابة))‪.48/2 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)334‬‬
‫جا ِع األُمة‪ ،‬و َقدْ َت َطاب َق َع َل وجوب األَمر بِا َملعر ِ‬ ‫اب بِإِ ْ َ‬
‫وف‬ ‫ُْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫جي ٍ‬‫َي ُه)) َف ُه َو َأ ْمر إِ َ‬
‫"(( َفل ُيغ ِّ ْ‬
‫يحة ا َّلتِي ِه َي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اع األُ َّمة َو ُه َو َأ ْي ًضا م ْن النَّص َ‬ ‫ج ُ‬ ‫السنَّة َوإِ ْ َ‬ ‫ِ‬
‫َوالن َّْهي َع ْن ا ُملنْكَر الكتَاب َو ُّ‬
‫خ َلفِ ِه ْم ك ََم َق َال ِ‬
‫اإل َمام‬ ‫الدِّ ين‪ ،‬و َل ُيَالِف ِف َذلِ َك إِ َّل بعض الرافِ َضة‪ ،‬و َل يعتَدّ بِ ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫َّ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ‬
‫ون َع َل ْي ِه َق ْبل‬
‫جع ا ُمل ْس ِل ُم َ‬‫خ َلفِ ِه ْم ِف َه َذا‪َ ،‬ف َقدْ َأ ْ َ‬ ‫ي‪َ :‬ل يك َْتث بِ ِ‬
‫ُ َ‬ ‫حل َر َم ْ ِ‬
‫َأ ُبو ا َمل َع ِال إِ َمام ا َ‬
‫لم ْعت َِز َل ِة" اهـ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الش ِع َل بِال َع ْق ِل خ َل ًفا ل ُ‬ ‫َأ ْن َينْ ُبغ َه ُؤ َلء‪َ ،‬و ُو ُجوبه بِ َّ ْ‬
‫(((‬

‫((بِ َي ِد ِه))‪ ،‬إن أمكنه ذلك كأن كانت له سلطة أو والية‪ ،‬وكان املنكر مما يمكن‬
‫تغيريه باليد‪ ،‬ككرس آنية اخلمر‪.‬‬
‫(( َفإِ ْن َل ْ َي ْستَطِ ْع))‪ ،‬إنكاره؛ لكون فاعله أقوى منه‪ ،‬أو كان إنكاره سيؤدي إىل‬
‫منكر آخر‪ ،‬أو كان يلحقه باإلنكار رضر‪ ،‬كام سنبينه قريب ًا إن شاء اهلل تعاىل يف رشوط‬
‫األمر باملعروف والنهي عن املنكر ‪.‬‬
‫(( َفبِلِ َسانِ ِه))‪ ،‬أي‪ :‬فليغريه بلسانه‪ ،‬بالقول‪ ،‬والتذكري‪ ،‬والوعظ‪ ،‬والتوبيخ‪،‬‬
‫والتخويف من اهلل‪.‬‬
‫(( َفإِ ْن َل ْ َي ْستَطِ ْع)) إزالته بلسانه؛ لوجود مانع كخوف فتنة‪ ،‬أو خوف رضر عىل‬
‫نفسه‪.‬‬
‫(( َفبِ َقلبِ ِه))‪ ،‬أي‪ :‬فلينكره وجوب ًا بقلبه‪ ،‬بأن يكره ويتمنى زواله‪ ،‬ويعزم أن لو‬
‫أمكنه ألزاله‪.‬‬
‫(( َو َذلِ َ‬
‫ك)) اإلنكار بالقلب‪.‬‬
‫إل َيم ِن))‪ ،‬أي‪ :‬أقل ثمرة من ثمرات اإليامن‪.‬‬ ‫(( َأ ْض َع ُ‬
‫فا ِ‬

‫ال يقول‪َ :‬ه َل َك َم ْن مل يأمر‬


‫قال ابن رجب احلنبيل‪" :‬وسمع ابن مسعود رج ً‬
‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.197/2 :‬‬
‫(‪)335‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫باملعروف ومل ينه عن املنكر‪ ،‬فقال اب ُن مسعود‪ :‬هلك من مل يعرف بقلبه املعروف‬
‫فرض ال يسقط عن أحد‪ ،‬فمن‬ ‫ِ‬
‫واملنكر بالقلب ٌ‬ ‫ِ‬
‫املعروف‬ ‫واملنكر‪ ،‬يشري إىل َّ‬
‫أن معرفة‬
‫(((‬
‫مل يعرفه َه َل َك" اهـ‪.‬‬

‫™™مباحث مهمة متعلقة بالحديث‪:‬‬


‫اعلم وفقني اهلل وإياك أن هناك مباحث كثرية ذكرها أهل العلم متعلقة‬
‫ومستنبطة من هذا احلديث‪ ،‬وغريه من األحاديث املتكلمة يف األمر باملعروف‬
‫والنهي عن املنكر؛ هلذا أحببت التعرض لبعض منها هنا‪.‬‬
‫حكم األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪:‬‬
‫أمجعت األمة عىل وجوب األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬وذلك ظاهر‬
‫جيل من قول النبي ‪(( :‬فليغريه))‪ ،‬وقد قال اإلمام النووي ‪َ " :‬و َأ َّما َق ْوله‬
‫جا ِع األُمة‪ ،‬و َقدْ َت َطاب َق َع َل وجوب األَمر بِا َملعر ِ‬ ‫اب بِإِ ْ َ‬
‫وف‬ ‫ُْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َي ُه)) َف ُه َو َأ ْمر إِ َ‬
‫جي ٍ‬ ‫(( َفل ُيغ ِّ ْ‬
‫يحة ا َّلتِي ِه َي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اع األُ َّمة َو ُه َو َأ ْي ًضا م ْن النَّص َ‬ ‫ج ُ‬ ‫السنَّة َوإِ ْ َ‬ ‫ِ‬
‫َوالن َّْهي َع ْن ا ُملنْكَر الكتَاب َو ُّ‬
‫خ َلفِ ِه ْم ك ََم َق َال ِ‬
‫اإل َمام‬ ‫الدِّ ين‪ .‬و َل ُيَالِف ِف َذلِ َك إِ َّل بعض الرافِ َضة‪ ،‬و َل يعتَدّ بِ ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫َّ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ‬
‫ون َع َل ْي ِه َق ْبل‬
‫جع ا ُمل ْس ِل ُم َ‬ ‫خ َلفِ ِه ْم ِف َه َذا‪َ ،‬ف َقدْ َأ ْ َ‬ ‫ي‪َ :‬ل يك َْتث بِ ِ‬
‫ُ َ‬ ‫حل َر َم ْ ِ‬
‫َأ ُبو ا َمل َع ِال إِ َمام ا َ‬
‫لم ْعت َِز َل ِة" اهـ‪.‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الش ِع َل بِال َع ْق ِل خ َل ًفا ل ُ‬ ‫َأ ْن َينْ ُبغ َه ُؤ َلء‪َ .‬و ُو ُجوبه بِ َّ ْ‬
‫(((‬

‫واألصل يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر أنه فرض كفاية إذا قام به‬
‫بعض الناس ‪ ..‬سقط اإلثم عن الباقني‪ ،‬وإذا تركه الكل ‪ ..‬أثم من منه وال عذر‬
‫لديه وال خوف‪.‬‬

‫((( ((جامع العلوم واحلكم)‪.)524( :‬‬


‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.197/2 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)336‬‬

‫وقد يتعني عليه األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬كأن كان يف مكان ال يعلم‬
‫باملنكر سواه‪ ،‬أو ال يتمكن من إزالته إال هو‪ ،‬أو كان رأى زوجته أو ولده أو من له‬
‫وف‬ ‫والية عليه واقع يف منكر أو يف تقصري‪ ،‬قال اإلمام النووي‪ُ " :‬ثم إِ َّن األَمر بِا َملعر ِ‬
‫ُْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ني‪َ ،‬وإِ َذا‬ ‫والنَّهي َعن ا ُملنْكَر َفرض ِك َفاية إِ َذا َقام بِ ِه بعض النَّاس س َق َط احلرج َعن الب ِ‬
‫اق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫جل ِميع َأثِ َم ك ُّل َم ْن َت َ َّك َن ِمنْ ُه بِ َل ُع ْذ ٍر َو َل َخ ْوف‪ُ .‬ث َّم إِ َّن ُه َقدْ َي َت َع َّي ك ََم إِ َذا ك َ‬
‫َان‬ ‫ت ََر َك ُه ا َ‬
‫ِف َم ْو ِض ٍع َل َي ْع َلم بِ ِه إِ َّل ُه َو َأ ْو َل َيت ََم َّك ُن ِم ْن إِ َزا َلته إِ َّل ُه َو‪َ ،‬وك ََم ْن َي َرى َز ْو َجته َأ ْو‬
‫(((‬
‫َو َلده َأ ْو ُغ َلمه َع َل ُمنْكَر َأ ْو َت ْق ِصري ِف ا َمل ْع ُروف" اهـ‪.‬‬
‫تنبيـــــه‪:‬‬
‫قد يشكل عىل البعض يف وجوب األمر باملعروف والنهي عن املنكر قوله‬
‫تعاىل‪ :‬ﱹ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﱸ [املائدة‪،]105 :‬‬
‫وقد أجاب اإلمام النووي عىل هذا اإلشكال فقال‪َ " :‬و َأ َّما َق ْول اهلل ‪ :‬ﱹ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﱸ [املائدة‪َ .. ]105 :‬ف َل ْي َس ُمَالِ ًفا‬
‫ني ِف َم ْعنَى اآل َية َأ َّنك ُْم إِ َذا َف َعلت ُْم َما‬ ‫الص ِحيح ِعنْد ا ُمل َح ِّق ِق َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َلا َذك َْرنَا ُه؛ لَ َّن ا َمل ْذ َهب َّ‬
‫ضك ُْم َت ْق ِصري َغ ْيك ُْم‪ِ ،‬م ْثل َق ْوله َت َع َال‪ :‬ﱹ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﱸ‬ ‫ِ‬
‫ُك ِّل ْفت ُْم بِه ‪َ ..‬ف َل َي ُ ُّ‬
‫وف َوالن َّْه ُي َع ْن ا ُملنْكَر‪َ ،‬فإِ َذا‬ ‫ف بِ ِه األَمر بِا َملعر ِ‬ ‫َان ك ََذلِ َك ‪َ ..‬ف ِم َّم ُك ِّل َ‬
‫[اإلرساء‪َ ،]15 :‬وإِ َذا ك َ‬
‫ُْ ُْ‬
‫اعل لِك َْونِ ِه َأ َّدى َما َع َل ْي ِه‪َ ،‬فإِن ََّم‬
‫َفع َله و َل يمتَثِل ا ُمل َخا َطب ‪َ ..‬ف َل َعتْب بعد َذلِ َك َع َل ال َف ِ‬
‫َ َْ‬ ‫َ ُ َ َْ ْ‬
‫(((‬
‫َع َل ْي ِه األَ ْمر َوالن َّْهي َل ال َق ُبول" اهـ‪.‬‬
‫شرط اآلمر باملعروف والناهي عن املنكر‪:‬‬
‫ليس كل شخص يمكنه األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬إذ هي مهمة‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.198/2 :‬‬


‫((( املرجع السابق‪.197/2 :‬‬
‫(‪)337‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫تفتقر إىل املعرفة والعلم‪ ،‬فيشرتط فيمن يأمر باملعروف أو ينهى عن املنكر أن يكون‬
‫عامل ًا بام يأمر به وينهى عنه‪ ،‬وذلك خيتلف باختالف ما يأمر به أو ينهى عنه‪ ،‬فإن كان‬
‫ما يأمر به أو ينهى عنه من الواجبات الظاهرة‪ ،‬واملحرمات املشهورة التي ال ختفى‬
‫عىل عوام املسلمني كالصالة والصيام فإنه ال خيفى عىل مسلم كوهنا واجبة‪ ،‬وكالزنا‬
‫واخلمر‪ ،‬فإنه ال خيفى عىل املسلم كوهنا حمرمة‪ ،‬فكل املسلمني علامء بذلك‪ ،‬فإن كان‬
‫كذلك ‪ ..‬فكل مسلم يأمر بالواجب منها وينهى عن املحرم منها‪.‬‬
‫فإن كان ما يأمر به أو ينهى عنه من دقائق األفعال واألقوال‪ ،‬ومما يتع َّلق‬
‫باالجتهاد ‪ ..‬مل يكن لعوام املسلمني مدخل فيها‪ ،‬وال إنكارها؛ بل ذلك للعلامء‬
‫الِا بِ َم َي ْأ ُمر‬
‫َان َع ً‬ ‫العارفني هبا‪ ،‬قال اإلمام النووي‪ُ " :‬ث َّم إِ َّن ُه إِن ََّم َي ْأ ُمر َو َين َْهى َم ْن ك َ‬
‫اه َرة‪،‬‬ ‫اجبات ال َّظ ِ‬
‫الو ِ َ‬
‫الشء؛ َفإِ ْن ك َ ِ‬
‫َان م ْن َ‬ ‫اخت َلف َّ ْ‬
‫يت َِلف بِ ْ ِ ِ‬ ‫بِ ِه َو َين َْهى َعنْ ُه؛ َو َذلِ َك َ ْ‬
‫ني‬ ‫وها‪َ ،‬فك ُّل ا ُمل ْس ِل ِم َ‬ ‫الزنَا َواخلَ ْمر َون َْح َ‬ ‫الص َيام َو ِّ‬ ‫ِ‬
‫َالص َلة َو ِّ‬
‫ورة ك َّ‬ ‫َوا ُمل َح َّر َمات ا َمل ْش ُه َ‬
‫اد َل ْ َي ُك ْن لِل َع َوا ِّم‬‫الجتِه ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َان م ْن َد َقائق األَ ْف َعال َواألَ ْق َوال َومَّا َي َت َع َّلق بِ ْ َ‬
‫ُع َلمء ِبا‪ ،‬وإِ ْن ك َ ِ‬
‫َ َ َ‬
‫(((‬
‫َمدْ َخل فِ ِيه‪َ ،‬و َل َل ُ ْم إِ ْنكَاره؛ َبل َذلِ َك لِل ُع َل َم ِء" اهـ‪.‬‬
‫هل يشترط في اآلمر باملعروف والناهي عن املنكر كمال احلال‪:‬‬
‫ربام ظن البعض أن األمر باملعروف والنهي عن املنكر ال يصلح إال من‬
‫شخص يتصف بكامل احلال فيام يأمر به وينهى عنه‪ ،‬بحيث يكون ممتث ً‬
‫ال ملا يأمر به‪،‬‬
‫وجمتنب ًا ملا ينهى عنه‪ ،‬وهذا االعتقاد عطل واجب األمر باملعروف والنهي عن املنكر‬
‫عند كثري من املسلمني‪ ،‬والصحيح أنه ال يشرتط كامل احلال عند اآلمر باملعروف‬
‫والناهي عن املنكر؛ بل جيب عليه أن يأمر باملعروف وإن كان ّ‬
‫خمل به‪ ،‬أن ينهى عىل‬
‫املنكر وإن كان متلبس ًا به؛ ألنه جيب عىل املؤمن شيئان‪ :‬األول منها‪ :‬أن يأمر نفسه‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.198/2 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)338‬‬

‫بالواجبات‪ ،‬وأن ينهاها عن املحرمات‪ ،‬والثاين منها‪ :‬أن يأمر غريه بالواجبات‪ ،‬وأن‬
‫ينهاه عن املحرمات‪ ،‬فإذا أخل بأحدمها ‪ ..‬كيف يباح اإلخالل باآلخر؟!‬
‫َامل‬ ‫َّاهي َأ ْن يكُون ك ِ‬ ‫اآلمر والن ِ‬ ‫قال اإلمام النووي‪َ " :‬ق َال الع َلمء‪ :‬و َل ي ْش َتط ِف ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ ُ َ‬
‫َان ُ ِملًّ بِ َم َي ْأ ُمر بِ ِه‪،‬‬
‫حلال ُمْتَثِ ًل َما َي ْأ ُمر بِ ِه ُمْتَنِ ًبا َما َين َْهى َعنْ ُه‪َ ،‬بل َع َل ْي ِه األَ ْمر َوإِ ْن ك َ‬ ‫ا َ‬
‫اها‪،‬‬ ‫يب َع َلي ِه َشي َئ ِ‬
‫ان َأ ْن َي ْأ ُمر َن ْفسه َو َين َْه َ‬ ‫َان ُم َت َل ِّب ًسا بِ َم َين َْهى َعنْ ُه؛ َفإِ َّن ُه َ ِ‬
‫َوالن َّْهي َوإِ ْن ك َ‬
‫ْ ْ‬
‫ِ ِ‬
‫اآلخ ِر؟" اهـ‪.‬‬ ‫اإل ْخ َلل بِ َ‬ ‫ها َك ْيف ُي َباح َل ُه ِ‬ ‫َو َي ْأ ُمر َغ ْيه َو َين َْها ُه‪َ ،‬فإِ َذا َأ َخ َّل بِ َأ َحد َ‬
‫(((‬

‫وقال احلافظ ابن حجر يف ((الفتح))‪" :‬وقال الطربي‪ :‬اختلف السلف يف األمر‬
‫باملعروف‪ ،‬فقالت طائفة‪ :‬جيب مطلق ًا واحتجوا بحديث طارق بن شهاب رفعه‪:‬‬
‫((أفضل اجلهاد كلمة حق عند سلطان جائر))‪ ،‬وبعموم قوله‪(( :‬من رأى منكم منكرا‬
‫‪ ..‬فليغريه بيده)) احلديث‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬جيب إنكار املنكر؛ لكن رشطه أن ال يلحق‬
‫املنكر بالء ال ِق َبل له به من قتل ونحوه‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬ينكر بقلبه حلديث أم سلمة‬
‫ِ‬

‫مرفوعا‪(( :‬يستعمل عليكم أمراء بعدي‪ ،‬فمن كره ‪ ..‬فقد برئ‪ ،‬ومن أنكر ‪ ..‬فقد‬
‫سلم‪ ،‬ولكن من ريض))‪ ،‬وتابع احلديث‪ ،‬قال‪ :‬والصواب اعتبار الرشط املذكور‪،‬‬
‫ويدل عليه حديث‪(( :‬ال ينبغي ملؤمن أن يذل نفسه))‪ ،‬ثم فرسه بأن يتعرض من‬
‫البالء ملا ال يطيق‪ .‬انتهى ملخصا‪ ،‬وقال غريه‪ :‬جيب األمر باملعروف ملن قدر عليه ومل‬
‫خيف عىل نفسه منه رضرا‪ ،‬ولو كان اآلمر متلبسا باملعصية ؛ألنه يف اجلملة يؤجر عىل‬
‫األمر باملعروف‪ ،‬وال سيام إن كان مطاعا‪ ،‬وأما إثمه اخلاص به ‪ ..‬فقد يغفره اهلل له‪،‬‬
‫وقد يؤاخذه به‪ ،‬وأما من قال ال يأمر باملعروف اال من ليست فيه وصمة ‪ ..‬فإن أراد‬
‫(((‬
‫أنه األوىل ‪ ..‬فجيد‪ ،‬وإال ‪ ..‬فيستلزم سد باب األمر إذا مل يكن هناك غريه" اهـ‪.‬‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.198/2 :‬‬


‫((( ((فتح الباري))‪.60/13 :‬‬
‫(‪)339‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫هل يختص األمر باملعروف والنهي عن املنكر بأصحاب الواليات؟‬
‫اعتقاد كثري من املسلمني أن األمر باملعروف والنهي عن املنكر هو من‬
‫اختصاص أصحاب الواليات فقط جعلهم يقعون يف ترك هذه الفريضة العظيمة‬
‫التي يستقيم عليها الكثري من أمور الدين‪ ،‬ويف احلديث الذي نحن بصدده ما يدل‬
‫من أنواع النصيحة النصيحة‬ ‫عىل أن ذلك ال خيتص هبم‪ ،‬فقد جعل رسول اهلل‬
‫ألئمة املسلمني‪ ،‬وقد ذكرنا أن من نصيحتهم توجيههم وردهم عن الباطل‪ ،‬ويف‬
‫ذلك دليل عىل أن األمر والنهي ال خيتص هبم لوحدهم؛ بل جيوز ذلك آلحاد‬
‫املسلمني إن توفر فيه الرشط السابق‪ ،‬وقد أمجع املسلمون عىل ذلك‪ ،‬قال اإلمام‬
‫وف َوالن َّْهي َع ْن ا ُملنْكَر بِ َأ ْص َح ِ‬ ‫يتَص األَمر بِا َملعر ِ‬
‫اب‬ ‫ُْ‬ ‫ْ‬ ‫النووي ‪َ " :‬ق َال ال ُع َل َمء‪َ :‬و َل َ ْ ُّ‬
‫جاع‬ ‫ي‪َ :‬والدَّ لِيل َع َل ْي ِه إِ ْ َ‬ ‫حل َر َم ْ ِ‬
‫ني‪َ .‬ق َال إِ َمام ا َ‬ ‫اد ا ُمل ْس ِل ِم َ‬
‫الو َليات بل َذلِ َك ج ِائز ِلح ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ َ‬
‫الو َلة‬ ‫ون ُ‬ ‫الصدْ ر األَ َّول‪َ ،‬وال َع ْص ا َّل ِذي َي ِليه كَانُوا َي ْأ ُم ُر َ‬ ‫الو َلة ِف َّ‬‫ني؛ َفإِ َّن َغ ْي ُ‬ ‫ا ُمل ْس ِل ِم َ‬
‫يخهم َع َل‬ ‫ْ‬ ‫اه ْم‪َ ،‬وت َْر ِك ت َْوبِ‬ ‫وف‪َ ،‬و َين َْه ْو َنُ ْم َع ْن ا ُملنْكَر‪َ ،‬م َع َت ْق ِرير ا ُمل ْس ِل ِم َ‬
‫ني إِ َّي ُ‬
‫بِا َملعر ِ‬
‫ُْ‬
‫(((‬
‫وف َوالن َّْهي َع ْن ا ُملنْكَر ِم ْن َغ ْي ِو َل َية" اهـ‪.‬‬ ‫الت ََّشا ُغل بِاألَم ِر بِا َملعر ِ‬
‫ُْ‬ ‫ْ‬
‫هل يترك األمر والنهي إن غلب على ظنه عدم القبول‪:‬‬
‫ال يرتك األمر باملعروف والنهي عن املنكر وإن غلب عىل ظنه عدم القبول‪،‬‬
‫ألنه مأمور بذلك وبالتذكري‪ ،‬وقد قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﱸ‬
‫[الذاريات‪ ،]55 :‬وإنام عليه األمر والنهي ال القبول كام قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫‪َ :‬و َل َي ْس ُقط َع ْن‬ ‫ﭩ ﭪ ﱸ [النور‪ ،]54 :‬قال اإلمام النووي‪َ " :‬ق َال ال ُع َل َمء‬
‫وف َوالن َّْهي َع ْن ا ُملنْكَر لِك َْونِ ِه َل ُي ِفيد ِف َظن ِِّه َبل َ ِ‬
‫يب َع َل ْي ِه فِ ْع ُل ُه‬ ‫ا ُمل َك َّلف األَمر بِا َملعر ِ‬
‫ُْ‬ ‫ْ‬
‫ﱹ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﱸ [الذاريات‪َ ،]55 :‬و َقدْ َقدَّ ْمنَا َأ َّن ا َّل ِذي َع َل ْي ِه األَ ْمر َوالن َّْهي‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.198/2 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)340‬‬

‫َل ال َق ُبول‪َ .‬وك ََم َق َال اهلل ‪ :‬ﱹ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﱸ [النور‪َ ،]54 :‬و َم َّث َل‬
‫ض ال َع ْو َر ِة َون َْحو َذلِ َك" اهـ‪.‬‬ ‫ال ُع َل َم ُء َه َذا بِ َم ْن َي َرى إِن َْسانًا ِف احلَ َّمم َأ ْو َغ ْيه َمك ُْش َ‬
‫وف َب ْع ِ‬

‫شروط األمر باملعروف النهي عن املنكر‪:‬‬


‫هناك رشوط لألمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬فال يكون ذلك عىل إطالقه‪،‬‬
‫وهذه الرشوط هي‪:‬‬
‫ ) أوهو أمها‪ ،‬أن يكون ما يأمر به أو ينهى عنه مما أمجع عىل حرمته‪ ،‬أما ما كان‬
‫كل جمتهد مصيب‪ ،‬قال اإلمام‬ ‫خمتلفا فيه ‪ ..‬فال جيوز إنكاره؛ ألن عىل املذهبني ٌّ‬
‫ون َما ُأ ْجِ َع َع َل ْي ِه َأ َّما ا ُمل ْخ َت َلف فِ ِيه َف َل إِ ْنكَار فِ ِيه‬‫النووي‪ُ " :‬ث َّم ال ُع َل َمء إِن ََّم ُين ِْك ُر َ‬
‫يب‪َ ،‬و َه َذا ُه َو ا ُمل ْختَار ِعنْد كَثِ ِريي َن ِم ْن‬ ‫ٍ ِ‬
‫ي ك ُّل ُمْت َِهد ُمص ٌ‬ ‫ِلَ َّن َع َل َأ َحد ا َمل ْذ َه َب ْ ِ‬
‫احد َوا ُمل ْخطِئ َغ ْي ُم َت َع َّي‬ ‫اآلخر ا ُمل ِصيب و ِ‬
‫َ‬ ‫رهم‪َ ،‬و َع َل ا َمل ْذ َهب َ‬ ‫ني َأ ْو َأ ْك َث ْ‬ ‫ا ُمل َح ِّق ِق َ‬
‫يحة إِ َل اخلُ ُروج ِم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإل ْثم َم ْر ُفوع َعنْ ُه‪َ ،‬لك ْن إِ ْن نَدَ َب ُه َع َل ِج َهة النَّص َ‬ ‫َلنَا‪َ ،‬و ِ‬
‫ون َع َل‬ ‫اخل َلف َف ُه َو َح َسن َم ْ ُبوب َمنْدُ وب إِ َل فِ ْع ِل ِه بِ ِر ْف ٍق؛ َفإِ َّن ال ُع َل َمء ُمت َِّف ُق َ‬ ‫ِ‬

‫اخل َلف إِ َذا َل ْ َي َلزم ِمنْ ُه إِ ْخ َلل بِ ُسن ٍَّة َأ ْو ُو ُقو ٍع ِف ِخ َلف‬ ‫احل ّث َع َل اخلروج ِمن ِ‬
‫ْ‬ ‫ُُ‬ ‫َ‬
‫(((‬
‫آخر" اهـ‪.‬‬ ‫َ‬

‫ ) بأن ال يغلب عىل ظنه أن إنكاره سيؤدي إىل منكر آخر؛ وإال حرم اإلنكار‪،‬‬
‫وهلذا كان التدريج يف احلديث النبوي‪ ،‬قال اإلمام النووي نقال عن القايض‬
‫ب ُمنْك ًَرا َأ َشدّ ِمنْ ُه ِم ْن َقتْله َأ ْو‬ ‫ِ ِ‬
‫ب َع َل َظنّه َأ َّن َت ْغ ِي َري ُه بِ َيده ُي َس ِّب ُ‬ ‫عياض‪َ " :‬فإِ ْن َغ َل َ‬
‫َّخ ِويف‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الو ْعظ َوالت ْ‬ ‫َص َع َل ال َق ْول بِال ِّل َسان َو َ‬ ‫َف َيدَ ُه‪َ ،‬وا ْقت َ َ‬ ‫ب ك َّ‬ ‫َقتْل َغ ْيه بِ َس َب ٍ‬
‫َان ِف َس َعة‪َ ،‬و َه َذا ُه َو ا ُمل َراد‬ ‫اف َأ ْن ُي َس ِّبب َق ْوله ِم ْثل َذلِ َك َغ َّ َي بِ َقلبِ ِه‪َ ،‬وك َ‬ ‫َفإِ ْن َخ َ‬
‫ني بِ ِه َع َل َذلِ َك اِ ْس َت َع َ‬
‫ان َما َل ْ ُي َؤ ِّد‬ ‫لل َت َع َال‪َ ،‬وإِ ْن َو َجدَ َم ْن َي ْست َِع ُ‬ ‫يث إِ ْن َشا َء ا َّ‬ ‫بِاحل ِد ِ‬
‫َ‬
‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.198/2 :‬‬
‫(‪)341‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫َان ا ُملنْكَر ِم ْن‬
‫لي َفع َذلِ َك إِ َل َم ْن َل ُه األَ ْمر إِ ْن ك َ‬ ‫َذلِ َك إِ َل إِ ْظ َهار ِس َل ٍح َو َح ْر ٍ‬
‫ب‪َ ،‬و َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يها‬‫َغ ْيه‪َ ،‬أ ْو َي ْقتَص َع َل َت ْغ ِيريه بِ َقلبِه‪َ .‬ه َذا ُه َو ف ْقه ا َمل ْس َأ َلة‪َ ،‬و َص َواب ال َع َمل ف َ‬
‫ال َوإِ ْن ُقتِ َل‬
‫يح بِك ُِّل َح ٍ‬ ‫َّص ِ‬ ‫ني ِخ َل ًفا َلِ ْن َر َأى ِ‬
‫اإل ْنكَار بِالت ْ ِ‬ ‫ِعنْد ال ُع َل َمء َوا ُمل َح ِّق ِق َ‬
‫(((‬
‫َونِيل ِمنْ ُه ك ُّل َأ َذى" اهـ‪.‬‬
‫ ) جأن يرفق يف أمره باملعروف وهنيه عىل املنكر‪ ،‬وخصوص ًا باجلاهل وبذي العزة‬
‫الظامل املخوف من رشه‪ ،‬فإن ذلك أدعى إىل القبول‪ ،‬ويستحب أن يكون متويل‬
‫آلم ِر بِا َملعر ِ‬
‫وف‬ ‫ذلك من أهل الصالح والفهم‪ ،‬قال اإلمام النووي‪" :‬وينْب ِغي لِ ِ‬
‫ُْ‬ ‫ََ َ‬
‫ُون َأ ْق َرب إِ َل َ ْت ِصيل ا َمل ْط ُلوب‪َ .‬ف َقدْ َق َال ِ‬
‫اإل َمام‬ ‫َّاهي َع ْن ا ُملنْكَر َأ ْن َي ْر ُفق لِ َيك َ‬ ‫والن ِ‬
‫َ‬
‫سا ‪َ ..‬ف َقدْ ن ََص َح ُه َو َزا َن ُه‪َ ،‬و َم ْن َو َع َظ ُه َع َلنِ َية‬ ‫ِ‬
‫‪َ ( :‬م ْن َو َع َظ َأ َخا ُه ًّ‬ ‫الشافِ ِع ُّي‬
‫َّ‬
‫(((‬
‫‪َ ..‬ف َقدْ َف َض َح ُه َو َشا َن ُه" اهـ‪.‬‬
‫وقال القايض عياض ‪َ " :‬ه َذا احلَ ِديث َأ ْصل ِف ِص َفة ال َّت ْغ ِيري َف َح ُّق ا ُمل َغ ِّي‬
‫َان َأ ْو فِ ْع ًل؛ َف َيك ِْس َآلت ال َباطِل‪،‬‬ ‫َأ ْن ُي َغ ِّي ُه بِك ُِّل َو ْجه َأ ْم َكنَ ُه َز َواله بِ ِه َق ْو ًل ك َ‬
‫وب َو َي ُر َّد َها إِ َل َأ ْص َحا َهبا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َو ُي ِريق ا ُمل ْسكر بِنَ ْفسه‪َ ،‬أ ْو َي ْأ ُمر َم ْن َي ْف َعل ُه‪َ ،‬و َين ِْزع ال ُغ ُص َ‬
‫ال‬‫الع َّزة ال َّظ ِ‬‫اه ِل وبِ ِذي ِ‬ ‫بِنَ ْف ِس ِه‪َ ،‬أو بِ َأم ِر ِه إِ َذا َأم َكنَه وير ُفق ِف ال َّت ْغ ِيري جهده بِاجل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ ُ ََْ‬ ‫ْ ْ‬
‫ب َأ ْن َيكُون ُمت ََو ِّل َذلِ َك‬ ‫ِ‬
‫شه؛ إِ ْذ َذل َك َأ ْد َعى إِ َل َق ُبول َق ْوله‪ .‬ك ََم ُي ْست ََح ُّ‬ ‫ا َمل ُخوف َ ّ‬
‫سف‬ ‫الص َلح َوال َف ْضل ِل َ َذا ا َمل ْعنَى‪َ .‬و ُي ْغ ِلظ َع َل ا ُملت ََم ِدي ِف َغ ّيه‪َ ،‬وا ُمل ْ ِ‬ ‫م ْن َأ ْهل َّ‬
‫ِ‬

‫ِف َب َطا َلته؛ إِ َذا َأ ِم َن َأ ْن ُي َؤ ِّثر إِ ْغ َل ُظه ُمنْك ًَرا َأ َشدّ ِمَّا َغ َّ َي ُه لِك َْو ِن َجانِبه َم ْ ِم ًّيا َع ْن‬
‫ال‪.‬انتهىكالم القايض‪.‬‬ ‫س ْطوة ال َّظ ِ‬
‫َ َ‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.199/2 :‬‬


‫((( املرجع السابق‪.199/2 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)342‬‬

‫تنبيه مهم‪:‬‬
‫مما يقع فيه كثري من أهل اجلهل بالدين وممن يظن نفسه عاملا بالدين تتبع‬
‫العورات‪ ،‬والبحث عام ال يظهر من املحرمات‪ ،‬وهذا أمر حمرم ال جيوز‪ ،‬ف َع ْن‬
‫ت َرفِيعٍ‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫املِنْب َفنَادى بِصو ٍ‬
‫َ ْ‬ ‫ََ َ‬ ‫ول اهلل‬ ‫َق َال‪َ :‬ص ِعدَ َر ُس ُ‬ ‫ا ْب ِن ُع َم َر‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ش َم ْن َأ ْس َل َم بِلِ َسانِ ِه َو َل ْ ُي ْف ِ‬
‫وه ْم‪،‬‬ ‫ني‪َ ،‬و َل ُت َع ِّ ُي ُ‬ ‫إل َيم ُن إِ َل َقلبِه َل ت ُْؤ ُذوا ا ُمل ْسلم َ‬ ‫ضا ِ‬ ‫(( َيا َم ْع َ َ‬
‫َو َل َت َّتبِ ُعوا َع ْو َر ِاتِ ْم‪َ ،‬فإِ َّن ُه َم ْن َت َت َّب َع َع ْو َر َة َأ ِخ ِيه ا ُمل ْسلِ ِم ‪َ ..‬ت َت َّب َع اهللُ َع ْو َر َت ُه‪َ ،‬و َم ْن َت َت َّب َع‬
‫ف َر ْحلِ ِه)) أخرجه الرتمذي‪ ،‬ويف لفظ عند اإلمام‬ ‫اهللُ عور َته ‪ ..‬ي ْف َضحه و َلو ِف جو ِ‬
‫ْ ُ َ ْ َ ْ‬ ‫ََْ ُ َ‬
‫َحتَّى َأ ْس َم َع ال َع َواتِ َق‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫ول اهلل‬ ‫أمحد َع ْن َأ ِب َب ْر َز َة األَ ْس َل ِم ِّي َق َال‪ :‬نَا َدى َر ُس ُ‬
‫ني‪َ ،‬و َل َت َّتبِ ُعوا‬ ‫ِِ‬ ‫ش َم ْن َآم َن بِلِ َسانِ ِه‪َ ،‬و َل ْ َيدْ ُخل ا ِ‬
‫إل َيم ُن َقل َب ُه َل َت ْغتَا ُبوا ا ُمل ْسلم َ‬ ‫(( َيا َم ْع َ َ‬
‫َع ْو َر ِاتِ ْم‪َ ،‬فإِ َّن ُه َم ْن َي َّتبِ ْع َع ْو َر َة َأ ِخ ِيه ‪َ ..‬ي َّتبِ ْع اهللُ َع ْو َر َت ُه َحتَّى َي ْف َض َح ُه ِف َب ْيتِ ِه))‪.‬‬
‫والتقص إال يف حاالت ذكرها أقىض القضاة املاوردي حيث‬ ‫ّ‬ ‫فال جيوز البحث‬
‫ِ‬ ‫لم ْحت َِس ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َع َل ال َّظ ِّن‬ ‫ب َأ ْن َي ْب َحث َع َّم َل ْ َي ْظ َهر م ْن ا ُمل َح َّر َمات‪َ .‬فإِ ْن َغ َل َ‬ ‫قال‪َ " :‬ل ْي َس ل ُ‬
‫ان ‪.‬‬ ‫اِستِسار َقوم ِبا ِلَمارة وآ َثار َظهر ْت‪َ ،‬ف َذلِ َك َضب ِ‬
‫َْ‬ ‫ََ‬ ‫ْ َ َ َ َ‬ ‫ْ َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اكها‪ ،‬م ْثل َأ ْن ُي ِ َ‬
‫ْب ُه َم ْن‬ ‫مها‪َ :‬أ ْن َيكُون َذل َك ِف ا ْنت ََهاك ُح ْر َمة َي ُفوت ا ْستدْ َر َ‬ ‫َأ َحد َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫حلال‬ ‫َيث َق بِصدْ قه َأ َّن َر ُج ًل َخ َل بِ َر ُج ٍل ل َي ْقتُل ُه َأ ْو بِا ْم َر َأة ل َي ْز ِ َن ِ َبا َف َي ُجوز َل ُه ِف م ْثل َه َذا ا َ‬
‫َأ ْن َيت ََج َّس َس‪َ ،‬و ُي ْق ِدم َع َل الك َْشف َوال َب ْحث َح َذ ًرا ِم ْن َف َوات َما َل ُي ْستَدْ َرك‪َ .‬وك ََذا‬
‫اإل ْنكَار ‪.‬‬ ‫اإل ْقدَ ام َع َل الك َْشف َو ِ‬ ‫ب ِم ْن ا ُمل َت َط ِّو َعة َج َاز َل ُ ْم ِ‬ ‫ف َذلِ َك َغ ْ ُي ا ُمل ْحت َِس ِ‬ ‫َل ْو َع َر َ‬
‫يوز الت ََّج ُّسس َع َل ْي ِه‪َ ،‬و َل ك َْشف‬ ‫الر ْت َبة َف َل َ ُ‬
‫ِ ِ‬
‫ص َع ْن َهذه ُّ‬ ‫ِ‬
‫الضب ال َّثان‪َ :‬ما َق ُ َ‬ ‫َّ ْ‬
‫ارج الدَّ ار َل ْ َ ْي ُجم‬ ‫األَ ْستَار َعنْ ُه‪َ .‬فإِ ْن َس ِم َع َأ ْص َوات ا َمل َل ِهي ا ُملنْك ََرة ِم ْن َد ٍار َأ ْنك ََر َها َخ ِ‬
‫(((‬
‫اهر َو َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْن َيك ِْشف َع ْن ال َباطِن" اهـ‪.‬‬ ‫ول ِلَ َّن ا ُملنْكَر َظ ِ‬ ‫َع َل ْي َها بِالدُّ ُخ ِ‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.200/2 :‬‬


‫(‪)343‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ ) دأن ال يؤدي غنكاره إىل منكر آخر‪ ،‬او زيادة املنكر الواقع‪ ،‬وإال ‪ ..‬امتنع اإلنكار‪.‬‬
‫شبهة قد تثار‪:‬‬
‫قد تثار شبهة حول سكوت سيدنا أيب سعيد اخلدري حيث أنه رأى مروان‬
‫قدم اخلطبة عىل الصالة فلم ينكر عليه حتى أنكر عليه الرجل‪ ،‬وذلك يعد تقصريا‬
‫يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر منه‪ ،‬ويف رد هذه الشبهة قال اإلمام النووي‬
‫َع ْن إِ ْنكَار َه َذا ا ُملنْكَر َحتَّى َس َب َق ُه‬ ‫عليه رمحة اهلل‪َ " :‬قدْ ُي َقال َك ْيف ت ََأ َّخ َر َأ ُبو َس ِعيد‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ش َع َم ْر َوان‬ ‫اضا َأ َّول َما َ َ‬ ‫يت ََمل َأ َّن َأ َبا َسعيد َل ْ َي ُك ْن َح ً‬ ‫الر ُجل ؟ َو َج َوابه َأ َّن ُه ُ ْ‬ ‫إِ َل ْيه َه َذا َّ‬
‫ها ِف الك ََلم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ُجل‪ُ ،‬ث َّم َد َخ َل َأ ُبو َسعيد َو ُ َ‬ ‫ِف َأ ْس َباب َت ْقديم اخلُ ْط َبة‪َ ،‬ف َأ ْنك ََر َع َل ْيه َّ‬
‫اف َع َل َن ْفسه َأ ْو َغ ْيه ُح ُصول‬ ‫اضا ِم ْن األَ َّول َو َل ِكنَّ ُه َخ َ‬ ‫و ُيتَمل َأ َّن َأبا س ِعيد ك َ ِ‬
‫َان َح ً‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ور‬‫اد ِه بِ ُظ ُه ِ‬
‫َف َذلِ َك الرجل َشي ًئا ِل ْعتِ َض ِ‬
‫ْ‬ ‫َّ ُ‬ ‫اإل ْنكَار‪َ ،‬و َل ْ َي ْ‬ ‫ب إِ ْنكَاره َف َس َق َط َعنْ ُه ِ‬ ‫فِ ْتنَة بِ َس َب ِ‬
‫اف َو َخا َط َر بِنَ ْف ِس ِه َو َذلِ َك َج ِائز ِف ِم ْثل َه َذا‪َ ،‬بل‬ ‫َع ِش َريته‪َ ،‬أ ْو َغ ْي َذلِ َك‪َ ،‬أ ْو َأ َّن ُه َخ َ‬
‫الر ُجل‪َ ،‬ف َع َّضدَ ُه َأ ُبو َس ِعيد‪َ .‬و َاللَّ‬ ‫اإل ْنك ِ‬
‫َار َف َبدَ َر ُه َّ‬ ‫يت ََمل َأ َّن َأ َبا َس ِعيد َه َّم بِ ِ‬ ‫ب‪َ .‬و ُ ْ‬ ‫ُم ْست ََح ّ‬
‫َأ ْع َلم‪.‬‬
‫َع َل إِ ْخ َراجه‬ ‫اآلخر ا َّل ِذي اِ َّت َف َق ال ُب َخ ِ‬
‫ار ُّي َو ُم ْس ِل ٌم‬ ‫حل ِديث َ‬ ‫ُث َّم َجا َء ِف ا َ‬
‫العيد َأ َّن َأ َبا َس ِعيد ُه َو ا َّل ِذي َج َذ َب بِ َي ِد َم ْر َوان ِحني َرآ ُه َي ْص َعد املِن َْب‪،‬‬
‫ِف باب ص َلة ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وكَانَا جاءا معا َفرد َع َلي ِه مروان بِ ِم ْث ِل ما رد ُهنَا َع َل الرجل‪َ .‬فيحتَمل َأنم َق ِضيت ِ‬
‫َان‬ ‫َّ‬ ‫ُ ْ َ َّ ُ َ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َ َ ّ‬ ‫َ َ َ ً َ َّ ْ َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ض ِة َأ ِب َس ِعيد‪َ .‬و َاللَّ َأ ْع َلم" اهـ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إِحدَ ُ ِ‬
‫اها لَ ِب َسعيد َواألُ ْخ َرى ل َّلر ُج ِل بِ َح ْ َ‬ ‫ْ َ‬
‫(((‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬وجوب تغيري املنكر بكل ما أمكنه مما ذكر‪ ،‬فال يكفي الوعظ ملن يمكنه إزالته‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.197/2 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)344‬‬

‫بيده‪ ،‬وال القلب ملن يمكنه إزالته باللسان‪.‬‬


‫‪2 .2‬إن إنكار املنكر إنام يتعلق بتحقق وجود املنكر دون تتبع للعورات‪ ،‬وليس عىل‬
‫اآلمر باملعروف والناهي عن املنكر اقتحام الدور بالظنون‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن من قدر عىل خصلة من خصال اإليامن‪ ،‬و َف َع َل َها أفضل ممن تركها عجز ًا‪.‬‬
‫(‪)345‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث التاسع والثالثون‬

‫َق َال‪((:‬وا َّل ِذي َن ْف ِس بِي ِد ِه َلت َْأمر َّن بِا َملعر ِ‬
‫وف‬ ‫َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫َع ْن ُح َذ ْي َف َة‬
‫ُْ‬ ‫ُُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ث َع َل ْيك ُْم ِع َقا ًبا ِمنْ ُه‪ُ ،‬ث َّم تَدْ ُعو َن ُه َف َل‬ ‫وشك ََّن اهللُ َأ ْن َي ْب َع َ‬ ‫و َل َتنْهو َّن عن ا ُملنْك َِر‪َ ،‬أو َلي ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫َ َ ُ َ ْ‬
‫اب َلك ُْم)) رواه الرتمذي‪ ،‬وقال حديث حسن‪.‬‬ ‫ُي ْست ََج ُ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمــــه‬
‫ُح َذ ْي َف ُة بن ال َي َمن‪ ،‬واسم‬ ‫هو الصحايب اجلليل حامل رس رسول اهلل‬
‫اليامن‪ :‬حسيل بكرس املهملة األوىل وسكون الثانية‪ ،‬ويقال له‪ :‬حسييل بالتصغري‪،‬‬
‫ويقال‪ :‬حسيل ابن جابر بن عمرو بن ربيعة بن جروة بن احلارث بن مازن بن قطيعة‬
‫ابن عبس‪.‬‬
‫ولقب باليامن حللفه األنصار وهم من اليمن‪ ،‬وإال فهو عبيس بفتح املهملة‬
‫فسكون املوحدة نسبة إىل عبس بن يعيص((( بن بنت غطفان(((‪ ،‬ثم ابن قيس عيالن‬
‫‪ -‬باملهملة ‪ -‬ابن مرض‪.‬‬
‫قال يف ((سري أعالم النبالء))‪" :‬وكان والده حسل قد أصاب دما يف قومه‪،‬‬
‫فهرب إىل املدينة‪ ،‬وحالف بني عبداالشهل‪ ،‬فسامه قومه اليامن حللفه لليامنية‪ ،‬وهم‬

‫((( كام يف ((دليل الفاحلني))‪ ،265/1 :‬ويف ((االستيعاب))‪ :‬بن بغيض‪.‬‬


‫((( كام يف ((دليل الفاحلني))‪ ،265/1 :‬ويف ((االستيعاب))‪ :‬ريث بن غطفان‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)346‬‬
‫(((‬
‫األنصار" اهـ‪.‬‬
‫ويف ((االستيعاب)) البن عبدالرب أن الذي أصاب دم ًا هو جده جروة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"وإنام قيل ألبيه حسيل اليامن؛ ألنه من ولد اليامن جروة بن احلارث بن قطيعة بن‬
‫عبس‪ ،‬وكان جروة بن احلارث أيض ًا يقال له اليامن؛ ألنه أصاب يف قومه دم ًا‪ ،‬فهرب‬
‫(((‬
‫إىل املدينة‪ ،‬فحالف بني عبداألشهل‪ ،‬فسامه قومه اليامن؛ ألنه حالف اليامنية" اهـ‪.‬‬
‫يومئذ بأيدي املسلمني غلط ًا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أسلم حذيفة وأبوه وشهدا أحد ًا وقتل اليامن‬
‫يس َل ْعنَ ُة‬ ‫ِ‬
‫ص َخ إِ ْبل ُ‬
‫ُون‪َ ،‬ف َ َ‬‫شك َ‬ ‫َان َي ْو َم ُأ ُح ٍد ‪ُ ..‬ه ِز َم ا ُمل ْ ِ‬
‫َقا َل ْت‪ََّ :‬لا ك َ‬ ‫ف َع ْن َع ِائ َش َة‬
‫ص‬ ‫ِ‬
‫اج َت َلدَ ْت ه َي َو ُأ ْخ َر ُاه ْم‪َ ،‬ف َب ُ َ‬ ‫ول ُه ْم‪َ ،‬ف ْ‬‫اهلل َع َل ْي ِه َأ ْي ِع َبا َد اهلل ُأ ْخ َراك ُْم‪َ ،‬ف َر َج َع ْت ُأ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احت ََج ُزوا‬ ‫ُح َذ ْي َف ُة َفإِ َذا ُه َو بِ َأبِيه ال َي َمن‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬أ ْي ع َبا َد اهلل َأ ِب َأ ِب‪َ .‬ق َال‪َ :‬قا َل ْت َف َواهلل َما ْ‬
‫َحتَّى َق َت ُلو ُه‪َ ،‬ف َق َال ُح َذ ْي َف ُة‪َ :‬ي ْغ ِف ُر اهللُ َلك ُْم‪َ .‬ق َال ُع ْر َوةُ‪َ :‬ف َواهلل َما َزا َل ْت ِف ُح َذ ْي َف َة َب ِق َّي ُة‬
‫َخ ْ ٍي َحتَّى َِل َق بِاهلل ‪ .‬أخرجه البخاري‪.‬‬
‫حيث‬ ‫بدر ًا والسبب ما حدث به عن نفسه‬ ‫ومل يشهد هو وأبوه‬
‫قال‪َ :‬ما َمنَ َعنِي َأ ْن َأ ْش َهدَ َبدْ ًرا إِ َّل َأ ِّن َخ َر ْج ُت َأنَا َو َأ ِب ُح َس ْي ٌل‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َأ َخ َذنَا ُك َّف ُار‬
‫ون ُم َ َّمدً ا‪َ ،‬ف ُقلنَا َما ن ُِريدُ ُه َما ن ُِريدُ إِ َّل ا َمل ِدينَ َة‪َ ،‬ف َأ َخ ُذوا ِمنَّا‬ ‫ش‪َ .‬قا ُلوا إِ َّنك ُْم ت ُِريدُ َ‬ ‫ُق َر ْي ٍ‬
‫بنَا ُه‬‫َف َأ ْخ َ ْ‬ ‫ول اهلل‬ ‫ْص َف َّن إِ َل ا َمل ِدين َِة‪َ ،‬و َل ُن َقاتِ ُل َم َع ُه‪َ ،‬ف َأ َت ْينَا َر ُس َ‬
‫َع ْهدَ اهلل َو ِمي َثا َق ُه َلنَن َ ِ‬
‫ني اهللَ َع َل ْي ِه ْم)) أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اخلب‪َ ،‬ف َق َال‪((:‬ان ِ ِ‬
‫ْص َفا نَفي َُل ْم بِ َع ْهده ْم‪َ ،‬ون َْستَع ُ‬ ‫َ‬ ‫َََ‬
‫هي‪ :‬الرباب بنت كعب بن عدي بن عبد األشهل األنصارية‪،‬‬ ‫وأمه‬
‫من النساء‪ .‬وقال بن سعد‪:‬‬ ‫ذكرها بن سعد وابن حبيب فيمن بايع رسول اهلل‬
‫ولدت لليامن حذيفة‪ ،‬وسعد ًا‪ ،‬وصفوان‪ ،‬ومدجل ًا‪ ،‬وليىل‪.‬‬
‫((( ((سري أعالم النبالء))‪.428/2 :‬‬
‫((( ((االستيعاب))‪.99/1 :‬‬
‫(‪)347‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫‪:‬‬ ‫فضائلـــه‬
‫وأرضاه كثرية مجة ال حيرصها الورق وال تستطيع خطها‬ ‫وفضائله‬
‫عىل رسه‪،‬‬ ‫‪ ،‬فقد ائتمنه النبي‬ ‫األقالم‪ ،‬ويكفي أنه أمني رس رسول اهلل‬
‫وذلك يبني مقامه ومنزلته‪ ،‬وقد أخربه بأسامء املنافقني‪ ،‬وبالفتن الكائنة يف األمة‪،‬‬
‫َائنَ ٌة فِ َيم‬
‫َّاس بِك ُِّل فِ ْتن ٍَة ِهي ك ِ‬
‫َ‬ ‫قال‪َ :‬واهلل إِ ِّن َلَ ْع َل ُم الن ِ‬ ‫فال أعرف بالفتن منه‪ ،‬فعنه‬
‫ِ‬ ‫السا َع ِة‪َ ،‬و َما ِب إِ َّل َأ ْن َيك َ‬ ‫َب ْينِي َو َب ْ َ‬
‫س إِ َ َّل ِف َذل َك َش ْي ًئا َل ْ ُ َ‬
‫يدِّ ْث ُه‬ ‫َأ َ َّ‬ ‫ول اهلل‬ ‫ُون َر ُس ُ‬ ‫ي َّ‬
‫الفت َِن َف َق َال َر ُس ُ‬ ‫ث َم ْ ِلسا َأنَا فِ ِيه َعن ِ‬ ‫َغ ْ ِيي‪َ ،‬و َل ِك ْن َر ُس ُ‬
‫ول‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َق َال َو ُه َو ُ َ‬
‫يدِّ ُ‬ ‫ول اهلل‬
‫ث َل َي َكدْ َن َي َذ ْر َن َش ْيئًا‪َ ،‬و ِمن ُْه َّن فِت ٌَن ك َِر َياحِ‬ ‫الفتَن‪ِ (( :‬من ُْه َّن َث َل ٌ‬ ‫وهو يعدُّ ِ‬
‫َ ُ َ َُ‬ ‫اهلل‬
‫َار‪َ ،‬و ِمن َْها كِ َب ٌار))‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الص ْيف‪ ،‬من َْها صغ ٌ‬ ‫َّ‬
‫الر ْه ُط ُك ُّل ُه ْم َغ ْ ِيي‪ .‬أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ب ُأو َلئ َك َّ‬
‫َق َال ُح َذ ْي َف ُة‪َ :‬ف َذ َه َ‬
‫ينظر إليه عند موت من مات‪ ،‬فإن مل‬ ‫وكان سيدنا عمر بن اخلطاب‬
‫جنازته ‪ ..‬مل يشهدها عمر؛ لعلمه بأنه يعلم أسامء املنافقني‪.‬‬ ‫يشهد حذيفة‬
‫فتح اجلزائروهناوند‪ ،‬فلام قتل النعامن بن مقرن ‪..‬‬ ‫وشهد سيدنا حذيفة‬
‫‪ ،‬وكانت‬ ‫والر ِّي والدينور((( عىل يد حذيفة‬
‫أخذ الراية‪ ،‬وكان فتح مهذان َّ‬
‫فتوحه كلها سنة اثنتني وعرشين‪ (((،‬وواله سيدنا عمر عىل املدائن‪.‬‬
‫ويف ((عمدة القاري)) وغريه أن الذي افتتح الري هو الرباء بن عازب‬
‫سنة أربع وعرشين‪.‬‬

‫((( والري‪ :‬مرص كام يف مصنف أبن أيب شيبة‪ ،‬ويف ((فيض القدير))‪ :‬الري مدينة كبرية مشهورة من بالد الديلم‪.‬‬
‫ودينور‪ :‬مدينة من أهم مدن اجلبال قرب قرميسني‪ ،‬بينها وبني مهذان نيف وعرشون فرسخا‪.‬‬ ‫ ‬
‫((( انظر‪(( :‬االستيعاب))‪.99/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)348‬‬

‫بني اهلجرة والنرصة فاخرتت النرصة‪.‬‬ ‫‪ :‬خريين رسول اهلل‬ ‫وقال‬


‫أخرجه أبو نعيم‪ ،‬وابن عساكر‪.‬‬
‫ف َع َل ْيك ُْم‬‫َخ َل ْف َت‪َ .‬ق َال‪(( :‬إِ ْن َأ ْستَخْ لِ ْ‬ ‫ول اهلل َل ْو ْ‬
‫است ْ‬ ‫َق َال‪َ :‬قا ُلوا َيا َر ُس َ‬ ‫وعنه‬
‫َف َع َص ْيت ُُمو ُه ‪ُ ..‬ع ِّذ ْبت ُْم‪َ ،‬و َلكِ ْن َما َحدَّ َثك ُْم ُح َذ ْي َف ُة َف َصدِّ ُقو ُه)) أخرجه الرتمذي‪.‬‬
‫َع ْن اخلَ ْ ِي‪َ ،‬و ُكن ُْت َأ ْس َأ ُل ُه‬ ‫ول اهلل‬ ‫ون َر ُس َ‬‫َّاس َي ْس َأ ُل َ‬‫َان الن ُ‬‫ول‪ :‬ك َ‬ ‫َي ُق ُ‬ ‫وكان‬
‫ش‪َ ،‬ف َجا َءنَا‬ ‫ِِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫الش َمَا َف َة َأ ْن ُيدْ ِركَنِي‪َ ،‬ف ُق ُ‬
‫ول اهلل إنَّا ُكنَّا ف َجاهل َّية َو َ ٍّ‬ ‫َع ْن َّ ِّ‬
‫لت‪َ :‬و َهل َب ْعدَ َذلِ َك‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ش؟ َق َال‪َ (( :‬ن َع ْم))‪ُ .‬ق ُ‬ ‫اهللُ ِ َب َذا اخلَ ْي‪َ ،‬ف َهل َب ْعدَ َه َذا اخلَ ْي م ْن َ ٍّ‬
‫َي‬‫ون بِغ ْ ِ‬ ‫لت‪َ :‬و َما َد َخنُ ُه؟ َق َال‪َ (( :‬ق ْو ٌم َ ْيدُ َ‬ ‫الش ِم ْن َخ ْ ٍي؟ َق َال‪َ (( :‬ن َع ْم‪َ ،‬وفِ ِيه َد َخ ٌن)) ُق ُ‬ ‫َّ ِّ‬
‫ش؟ َق َال‪َ (( :‬ن َع ْم ُد َعا ٌة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫لت‪َ :‬ف َهل َب ْعدَ َذل َك اخلَ ْي م ْن َ ٍّ‬ ‫ف ِمن ُْه ْم َو ُتنْكِ ُر))‪ُ .‬ق ُ‬ ‫َهدْ يِي‪َ ،‬ت ْع ِر ُ‬
‫ول اهلل ِص ْف ُه ْم َلنَا‪.‬‬ ‫لت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫اب ْم إِ َل ْي َها ‪َ ..‬ق َذ ُفو ُه فِ َيها)) ُق ُ‬ ‫اب َج َهن ََّم‪َ ،‬م ْن َأ َج َ ُ‬ ‫إِ َل َأ ْب َو ِ‬
‫لت‪َ :‬ف َم ت َْأ ُم ُر ِن إِ ْن َأ ْد َركَنِي َذلِ َك؟‬ ‫لسنَتِنَا))‪ُ .‬ق ُ‬ ‫ون بِ َأ ِ‬
‫َف َق َال‪ُ (( :‬ه ْم ِم ْن ِجلدَ تِنَا‪َ ،‬و َي َت َك َّل ُم َ‬
‫جا َع ٌة َو َل إِ َما ٌم؟ َق َال‪:‬‬ ‫لت‪َ :‬فإِ ْن َل ْ َي ُك ْن َل ُ ْم َ َ‬ ‫ني َوإِ َم َام ُه ْم))‪ُ .‬ق ُ‬ ‫ِِ‬
‫جا َع َة ا ُمل ْسلم َ‬
‫َق َال‪(( :‬تَل َز ُم َ َ‬
‫ْت‬ ‫َك ا َمل ْو ُت َو َأن َ‬ ‫الف َر َق ُك َّل َها‪َ ،‬و َل ْو َأ ْن َت َع َّض بِ َأ ْص ِل َش َج َر ٍة َحتَّى ُيدْ ِرك َ‬ ‫لك ِ‬ ‫(( َفا ْعت َِزل تِ َ‬
‫ك)) أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫َع َل َذلِ َ‬
‫له رشف انقاذ األمة من االختالف يف الكتاب‪،‬فعن َأن ٍ‬
‫َس‬ ‫وقد كان‬
‫الش ْأ ِم ِف‬
‫ازي َأ ْه َل َّ‬ ‫َأ َّن ُح َذ ْي َف َة ْب َن ال َي َم ِن َق ِد َم َع َل ُع ْث َم َن‪َ ،‬وك َ‬
‫َان ُي َغ ِ‬ ‫ا ْب ِن َمالِ ٍك‬
‫الق َرا َء ِة‪َ ،‬ف َق َال‬
‫اختِ َل ُفهم ِف ِ‬
‫ُ ْ‬ ‫الع َر ِاق‪َ ،‬ف َأ ْف َز َع ُح َذ ْي َف َة ْ‬‫ان مع َأه ِل ِ‬
‫يج َ َ َ ْ‬
‫ِ ِ‬
‫َفت ِْح إِ ْرمين َي َة َو َأ ْذ َربِ َ‬
‫ف‬‫اختِ َل َ‬ ‫َاب ْ‬ ‫يت َِل ُفوا ِف ِ‬
‫الكت ِ‬ ‫ني َأ ْد ِر ْك َه ِذ ِه األُ َّم َة َق ْب َل َأ ْن َ ْ‬ ‫ُح َذ ْي َف ُة لِ ُع ْث َم َن‪َ :‬يا َأ ِم َري ا ُمل ْؤ ِمنِ َ‬
‫ف َنن َْس ُخ َها ِف‬ ‫ود والنَّصارى‪َ ،‬ف َأرس َل ُع ْثم ُن إِ َل ح ْفص َة َأ ْن َأر ِس ِل إِ َلينَا بِالصح ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ال َي ُه َ َ َ‬
‫ف‪ُ ،‬ث َّم ن َُر ُّد َها إِ َل ْي ِك‪َ ،‬ف َأ ْر َس َل ْت ِ َبا َح ْف َص ُة إِ َل ُع ْث َم َن‪ .‬أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫اح ِ‬‫ا َملص ِ‬
‫َ‬
‫(‪)349‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ليلة االحزاب‬ ‫هو الذي أرسله رسول اهلل‬ ‫وسيدنا حذيفة بن اليامن‬
‫يم ال َّت ْي ِم ِّي َع ْن َأبِ ِيه َق َال‪ُ :‬كنَّا ِعنْدَ ُح َذ ْي َف َة‪َ ،‬ف َق َال‬ ‫ِ‬
‫ليجس له خرب العدو‪ ،‬فعن َع ْن إِ ْب َراه َ‬
‫ْت ُكن َْت‬ ‫َلت َم َع ُه َو َأ ْب َل ْي ُت‪َ ،‬ف َق َال ُح َذ ْي َف ُة‪َ :‬أن َ‬ ‫‪َ ..‬قات ُ‬ ‫ول اهلل‬ ‫ْت َر ُس َ‬ ‫َر ُج ٌل‪َ :‬ل ْو َأ ْد َرك ُ‬
‫يح َش ِديدَ ٌة‬ ‫اب‪َ ،‬و َأ َخ َذ ْتنَا ِر ٌ‬ ‫َل ْي َل َة األَ ْح َز ِ‬ ‫ول اهلل‬ ‫َت ْف َع ُل َذلِ َك؟! َل َقدْ ر َأ ْي ُتنَا م َع رس ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫القي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫امة))‬ ‫ول اهلل ‪َ (( :‬أ َل َر ُج ٌل َي ْأتيني بِخَ َ ِب ال َق ْو ِم َج َع َل ُه اهللُ َمعي َي ْو َم َ َ‬ ‫َو ُق ٌّر‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬
‫ي ْب ُه ِمنَّا َأ َحدٌ ‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ (( :‬أ َل َر ُج ٌل َي ْأتِينَا بِخَ َ ِب ال َق ْو ِم َج َع َل ُه اهللُ َم ِعي َي ْو َم‬ ‫َف َس َك ْتنَا‪َ ،‬ف َل ْم ُ ِ‬
‫ي ْب ُه ِمنَّا َأ َحدٌ ‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ (( :‬أ َل َر ُج ٌل َي ْأتِينَا بِخَ َ ِب ال َق ْو ِم َج َع َل ُه اهللُ‬ ‫الق َي َام ِة))‪َ ،‬ف َس َك ْتنَا‪َ ،‬ف َل ْم ُ ِ‬ ‫ِ‬

‫ي ْب ُه ِمنَّا َأ َحدٌ ‪َ ،‬ف َق َال‪ُ (( :‬ق ْم َيا ُح َذ ْي َف ُة‪َ ،‬ف ْأتِنَا بِخَ َ ِب‬ ‫الق َي َام ِة))‪َ ،‬ف َس َك ْتنَا‪َ ،‬ف َل ْم ُ ِ‬ ‫م ِعي يوم ِ‬
‫َ ََْ‬
‫ب َف ْأتِنِي بِخَ َ ِب ال َق ْومِ‪،‬‬ ‫اسمي َأ ْن َأ ُقو َم‪َ .‬ق َال‪(( :‬ا ْذ َه ْ‬
‫ال َقو ِم)) َف َلم َأ ِجدْ بدًّ ا إِ ْذ د َع ِان بِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫حا ٍم‪َ ،‬حتَّى َأ َت ْيت ُُه ْم‪،‬‬ ‫لت ك ََأن ََّم َأ ْم ِش ِف َ َّ‬ ‫َو َل ت َْذ َع ْر ُه ْم َع َ َّل)) َف َل َّم َو َّل ْي ُت ِم ْن ِعن ِْد ِه ‪َ ..‬ج َع ُ‬
‫س‪َ ،‬ف َأ َر ْد ُت َأ ْن‬ ‫ان َي ْص ِل َظ ْه َر ُه بِالن َِّار‪َ ،‬ف َو َض ْع ُت َس ْه ًم ِف كَبِ ِد ال َق ْو ِ‬ ‫َف َر َأ ْي ُت َأ َبا ُس ْف َي َ‬
‫ول اهلل ‪َ (( :‬و َل ت َْذ َع ْر ُه ْم َع َ َّل)) َو َل ْو َر َم ْي ُت ُه ‪َ ..‬لَ َص ْب ُت ُه‪،‬‬ ‫َأر ِم َي ُه‪َ ،‬ف َذكَر ُت َق ْو َل رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ُت ُه بِ َخ َ ِب ال َق ْو ِم َو َف َر ْغ ُت ‪ُ ..‬ق ِر ْر ُت‪،‬‬ ‫َف َر َج ْع ُت َو َأنَا َأ ْمش ِف م ْث ِل ا َ‬
‫حل َّم ِم‪َ ،‬ف َل َّم َأ َت ْي ُت ُه َف َأ ْخ َ ْ‬
‫َت َع َل ْي ِه ُي َص ِّل فِ َيها‪َ ،‬ف َل ْم َأ َزل ن َِائ ًم َحتَّى‬ ‫ِم ْن َف ْض ِل َع َبا َء ٍة كَان ْ‬ ‫ول اهلل‬ ‫َف َأل َب َسنِي َر ُس ُ‬
‫َأ ْص َب ْح ُت‪َ ،‬ف َل َّم َأ ْص َب ْح ُت ‪َ ..‬ق َال‪ُ (( :‬ق ْم َيا ن َْو َم ُ‬
‫ان)) أخرجه مسلم‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫الكثري‪ ،‬فمنهم‪ :‬أبو وائل؛ وزر بن حبيش‪ ،‬وزيد بن وهب‪،‬‬ ‫روى عنه‬
‫وربعي بن حراش‪ ،‬وصلة بن زفر‪ ،‬وثعلبة بن زهدم‪ ،‬وأبو العالية الرياحي‪،‬‬
‫وعبدالرمحن بن أيب ليىل‪ ،‬ومسلم بن نذير‪ ،‬وأبو إدريس اخلوالين‪ ،‬وقيس بن عباد‪،‬‬
‫وأبو البخرتي الطائي‪ ،‬ونعيم بن أيب هند‪ ،‬ومهام بن احلارث‪ ،‬وغريهم‪.‬‬
‫مائة حديث ونيف ًا‪ ،‬اتفق البخاري ومسلم منها‬ ‫وروى عن رسول اهلل‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)350‬‬

‫عىل اثني عرش‪ ،‬وانفرد البخاري بثامنية‪ ،‬ومسلم بسبعة عرش‪.‬‬


‫‪:‬‬ ‫وفاتـــــه‬
‫بأربعني ليلة‪،‬‬ ‫وأرضاه باملدائن بعد مقتل أمري املؤمنني عثامن‬ ‫تويف‬
‫كرم اهلل وجهه‪.‬‬
‫يف بداية عهد أمري املؤمنني عيل بن أيب طالب َّ‬
‫ست وثالثني ‪.‬‬
‫وكانت وفاته سنة ّ‬

‫و ُقتل صفوان وسعيد ابنا حذيفة بصفني‪ ،‬وكانا قد بايعا سيدنا عيل ّ‬
‫كرم اهلل‬
‫وجهه بوصية أبيهام‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫بيده هو‬ ‫‪َ (( :‬وا َّل ِذي َن ْف ِس بِ َي ِد ِه))‪ ،‬الواو للقسم‪ ،‬والذي نفسه‬ ‫قوله‬
‫اهلل تعاىل يف عاله‪،‬فهو قسم باهلل تعاىل‪ ،‬وقد أيت به لتأكيد األمر بعده‪ ،‬وال يقسم‬
‫إال عىل يشء عظيم‪ ،‬فدل هذا القسم عىل عظيم ما سيتحدث عنه‬ ‫احلبيب‬
‫وخطورته‪ ،‬والقسم يسن ملثل ذلك‪.‬‬
‫(( َلت َْأمر َّن بِا َملعر ِ‬
‫وف َو َل َتن َْه ُو َّن َع ْن ا ُملنْك َِر))‪ ،‬أي‪ :‬إما أن تقوموا بفريضة األمر‬ ‫ُْ‬ ‫ُُ‬
‫باملعروف والنهي عن املنكر بتاممها وبرشوطها املارة يف رشح احلديث السابق‪،‬‬
‫واخلطاب ألمتة املوجودين حقيقة‪ ،‬ومن سيأيت بطريق التبع‪.‬‬
‫(( َأ ْو)) عاطفة‪ ،‬واملعنى أي‪ :‬ليكون أحد األمرين‪ :‬إما امتثال ما أمرتم به من‬
‫األمر والنهي‪ ،‬أو وقوع ما أنذرتم به‪.‬‬
‫(( َلي ِ‬
‫وشك ََّن اهللُ))‪ ،‬أي‪ :‬ليرسعن‪ ،‬وهي مضارع أوشك من أفعال املقاربة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫(( َأ ْن َي ْب َع َ‬
‫ث))‪ ،‬أي‪ :‬يرسل‪.‬‬
‫(‪)351‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(( َع َل ْيك ُْم ِع َقا ًبا ِمنْ ُه)) لرتككم األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬وهذا العقاب‬
‫إما أن يكون مبارش ًا كالزالزل‪ ،‬أو الصيحة أو غريها‪ ،‬وإما أن يكون غري مبارش‬
‫كجور الوالة‪ ،‬أو تسلط االعداء‪ ،‬أو غريها من االبتالءات‪.‬‬
‫(( ُث َّم تَدْ ُعو َن ُه)) لرفع ما حل بكم من البالء والعقاب‪.‬‬

‫(( َف َل ُي ْست ََج ُ‬


‫اب َلك ُْم))؛ لكون احلكمة اإلهلية جعلت هذا العقاب جزاء ملا‬
‫فرطم فيه من ترك فريضة األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬ويف ذلك داللة عىل‬
‫عم شؤمه وباله فاعله وغريه‪ ،‬وإن إنكاره له عىل قدر استطاعته‬
‫أن املنكر إذا مل ُينكر َّ‬
‫دافع لذلك البالء‪.‬‬
‫وخالصة املعنى للحديث‪ :‬واهلل أن أحد األمرين واقع‪ ،‬إما األمر والنهي‬
‫منكم‪ ،‬وإما إنزال العذاب من ربكم‪ ،‬ثم عدم استجابة الدعاء له يف دفعه عنكم‬
‫بحيث ال جيتمعان وال يرتفعان‪ ،‬فإن كان األمر والنهي ‪ ..‬مل يكن عذاب‪ ،‬وإن مل‬
‫يكونا ‪ ..‬كان عذاب عظيم‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن األمر باملعروف والنهي عن املنكر به يستدفع البالء‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن ترك األمر باملعروف والنهي عن املنكر سبب لنزول البالء‪.‬‬
‫عم شؤمه وباله الفاعل وغريه‪ ،‬وال ينفع الدعاء لرفعه بعد‬
‫‪3 .3‬املنكر إذا مل ينكر َّ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)352‬‬

‫احلديث األربعون‬

‫اد كَلِ َم ُة َعدْ ٍل‬


‫اجله ِ‬
‫َق َال‪َ (( :‬أ ْف َض ُل ِ َ‬
‫َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫َعن َأ ِب س ِع ٍ‬
‫يد اخلُدْ ِر ِّي‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ان َجائِ ٍر)) رواه أبو داود‪ ،‬و الرتمذي‪ ،‬وقال حديث حسن‪.‬‬ ‫ِعنْدَ ُسل َط ٍ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫هو الصحايب اجلليل أبو سعيد اخلدري‪ ،‬وقد تقدمت ترمجتة يف احلديث‬
‫الثامن والثالثني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫اجله ِ‬
‫اد))‪ ،‬أي من أفضل أنواع اجلهاد باملعنى اللغوي العام‬ ‫قوله ‪َ (( :‬أ ْف َض ُل ِ َ‬
‫بدليل رواية الرتمذي‪(( :‬إِ َّن ِم ْن َأ ْع َظم ِ‬
‫اجل َهاد)) أي‪ :‬من حيث زيادة الثواب‪.‬‬
‫((كَلِ َم ُة َعدْ ٍل))‪ ،‬أي‪ :‬حق‪ ،‬من أمر بمعروف أو هني عن منكر أو ر ّد عن حمرتم‬
‫من نفس أو مال أو نحو ذلك‪ ،‬وأراد بالكلمة الكالم وما يقوم مقامه كاخلط‪.‬‬
‫ان َجائِ ٍر))‪ ،‬أي ظامل‪ ،‬واملراد بالسلطان‪ :‬من له سالطة وقهر‪ ،‬وجاء‬ ‫(( ِعنْدَ ُسل َط ٍ‬
‫يف رواية أيب داود زيادة‪َ (( :‬أ ْو َأ ِم ٍري َجائِ ٍر))‪.‬‬
‫قال يف ((دليل الفاحلني)) مبين ًا سببا كونه من افضل اجلهاد‪" :‬وإنام كان أفضل‬
‫اجلهاد؛ ألنه يدل عىل كامل يقني فاعله‪ ،‬وقوة إيامنه‪ ،‬وشدة إيقانه حيث تكلم بتلك‬
‫الكلمة عند ذلك األمري اجلائر املهلك عادة بجوره وظلمه‪ ،‬ومل خيف منه وال من‬
‫(‪)353‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫جوره وبطشه‪ ،‬بل باع نفسه من اهلل‪ ،‬وقدَّ م أمر اهلل وحقه عىل حق نفسه‪ ،‬وهذا‬
‫بخالف املجاهد للقرن‪ ،‬فإنه ليس يف املخاطرة كمخاطرة من تكلم بكلمة حق عند‬
‫(((‬
‫سلطان جائر" اهـ‪.‬‬
‫وقال اإلمام املناوي يف ((فيض القدير))‪" :‬ألن جماهد العدو مرتدد بني رجاء‬
‫وخوف‪ ،‬وصاحب السلطان إذا أمره بمعروف تعرض للتلف فهو أفضل من جهة‬
‫غلبة خوفه‪ ،‬وألن ظلم السلطان يرسي إىل جم غفري فإذا كفه فقد أوصل النفع إىل‬
‫(((‬
‫خلق كثري بخالف قتل كافر" اهـ‪.‬‬
‫وقال اخلطايب‪" :‬وإنام صار ذلك أفضل اجلهاد؛ ألن من جاهد العدو كان‬
‫يغلب أو ُيغلب‪ ،‬وصاحب السلطان‬ ‫مرتدد ًا بني الرجاء واخلوف ال يدري هل ِ‬

‫مقهور يف يده‪ ،‬فهو إذا قال احلق وأمره باملعروف ‪ ..‬فقد تعرض للتلف‪ ،‬وأهدف‬
‫(((‬
‫نفسه للهالك‪ ،‬فصار ذلك أفضل أنواع اجلهاد من أجل غلبة اخلوف" اهـ‪.‬‬
‫تنبيـــــه‪:‬‬
‫إن خيش رضر ًا عىل املسلمني بإنكاره ‪ ..‬امتنع عنه اإلنكار‪ ،‬وإن خيش عىل‬
‫(((‬
‫نفسه ‪ ..‬فله اإلنكار ولكن يسقط الوجوب‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن نصح األمراء وتوجيههم هو من باب األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن كلمة احلق عند السلطان الظامل هي من أفضل أنواع اجلهاد ملا فيها من‬
‫((( ((دليل الفاحلني))‪.410/1 :‬‬
‫((( ((فيض القدير))‪.265/2 :‬‬
‫((( انظر ذلك يف ((حتفة األحوذي))‪.170/5 :‬‬
‫((( ((عمدة القاري))‪.271/6 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)354‬‬

‫تعريض نفسه للهالك وتقديمها هلل‪ ،‬ودفع رضر عن الناس لو استجاب له‬
‫السلطان‪.‬‬
‫‪3 .3‬ال ينبغي السكوت عن السلطان الظامل؛ بل جيب توجيهه وإنكار املنكر منه‪،‬‬
‫إال إن خاف رضر ًا عىل املسلمني من إنكاره ‪ ..‬فال ينكر‪ ،‬وإن خاف رضر ًا عىل‬
‫نفسه فله اإلنكار؛ لكن يسقط عنه الوجوب فيه‪.‬‬
‫‪+‬‬
‫بضاعة الناصحين‬
‫شرح‬
‫قطوف الفالحين‬
‫‪+‬‬
‫تأليـــــف‬
‫السيد علوي بن عبداهلل بن حسني العيدروس‬
‫العلوي احلسيين‬

‫الجزء الثاني‬
‫(‪)357‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث احلادي واألربعون‬

‫ث‬ ‫َق َال‪(( :‬آ َي ُة ا ُملنَافِ ِق َث َل ٌ‬


‫ث‪ :‬إِ َذا َحدَّ َ‬ ‫َأ َّن َر ُس َ‬
‫ول اهلل‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ف‪َ ،‬وإِ َذا اؤْ ُت ِ َن َخ َ‬
‫ان)) متفق عليه‪.‬‬ ‫ك ََذ َب‪َ ،‬وإِ َذا َو َعدَ َأ ْخ َل َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪(( :‬آ َي ُة ا ُملنَافِ ِق))‪،‬اآلية‪ :‬العالمة‪ ،‬وإفراد اآلية إما عىل إرادة اجلنس‪،‬‬ ‫قوله‬
‫أو أن العالمة إنام حتصل باجتامع الثالث‪ ،‬واألول أظهر وأليق‪ ،‬وقد رواه أبو عوانة‬
‫يف ((صحيحه)) بلفظ عالمات املنافق‪ ،‬وسميت آية القرآن آية؛ ألهنا عالمة انقطاع‬
‫(((‬
‫كالم عن كالم‪.‬‬
‫واملنافق‪ :‬هو من يظهر خالف ما يبطن‪ ،‬واملعنى‪ :‬عالمة نفاقه ّ‬
‫الدال عىل قبح‬
‫نيته وفساد طويته‪.‬‬
‫ث))‪ ،‬ظاهره احلرص‪ ،‬فإن قيل‪ :‬كيف وقد ورد يف رواية َع ْن َع ْب ِداهلل‬ ‫قوله‪َ (( :‬ث َل ٌ‬
‫َان ُمنَافِ ًقا َخالِ ًصا‪َ ،‬و َم ْن‬ ‫ْب ِن َع ْم ٍرو عند البخاري ومسلم بلفظ‪َ (( :‬أ ْر َب ٌع َم ْن ك َُّن فِ ِيه ك َ‬
‫ان‪،‬‬‫اق َحتَّى َيدَ َع َها‪ ،‬إِ َذا اؤْ ُت ِ َن َخ َ‬
‫َت فِ ِيه َخ ْص َل ٌة ِم ْن النِّ َف ِ‬
‫َت فِ ِيه َخ ْص َل ٌة ِمن ُْه َّن ‪ ..‬كَان ْ‬
‫كَان ْ‬

‫((( انظر‪(( :‬عمدة القاري))‪.299/1 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)358‬‬

‫اهدَ َغدَ َر‪َ ،‬وإِ َذا َخ َ‬


‫اص َم َف َج َر)) ‪ ..‬فاجلواب ما قال احلافظ‬ ‫ث ك ََذ َب‪َ ،‬وإِ َذا َع َ‬
‫َوإِ َذا َحدَّ َ‬
‫ابن حجر يف ((فتح الباري)) حيث قال‪" :‬فإن قيل‪ :‬ظاهره احلرص يف الثالث‪ ،‬فكيف‬
‫جاء يف احلديث اآلخر بلفظ‪(( :‬أربع من كن فيه)) احلديث ‪ ..‬أجاب القرطبي‪:‬‬
‫من العلم بخصاهلم ما مل يكن عنده‪ ،‬وأقول‪ :‬ليس بني‬ ‫باحتامل أنه استجد له‬
‫احلديثني تعارض؛ ألنه ال يلزم من عد اخلصلة املذمومة الدالة عىل كامل النفاق‬
‫كوهنا عالمه عىل النفاق؛ الحتامل أن تكون العالمات داالت عىل أصل النفاق‪،‬‬
‫واخلصلة الزائدة إذا اضيفت إىل ذلك ‪ ..‬كمل هبا خلوص النفاق‪ ،‬عىل أن يف‬
‫رواية مسلم من طريق العالء بن عبدالرمحن عن أبيه عن أيب هريرة ما يدل عىل‬
‫إرادة عدم احلرص‪ ،‬فإن لفظه‪(( :‬من عالمة املنافق ثالث))‪ ،‬وكذا أخرج الطرباين يف‬
‫((األوسط)) من حديث أيب سعيد اخلدري‪ ،‬وإذا ُحل اللفظ األول عىل هذا ‪ ..‬مل يرد‬
‫السؤال‪ ،‬فيكون قد أخرب ببعض العالمات يف وقت وببعضها يف وقت آخر‪ ،‬وقال‬
‫القرطبي أيضا والنووي‪ :‬حصل من جمموع الروايتني مخس خصال؛ ألهنام تواردتا‬
‫عىل الكذب يف احلديث‪ ،‬واخليانة يف االمانة‪ ،‬وزاد األول اخللف يف الوعد‪ ،‬والثاين‬
‫الغدر يف املعاهدة‪ ،‬والفجور يف اخلصومة‪ ،‬قلت‪ :‬ويف رواية مسلم الثاين بدل الغدر‬
‫َّ‬
‫فكأن بعض الرواة ترصف يف لفظه؛ ألن‬ ‫يف املعاهدة اخللف يف الوعد كام يف األول‪،‬‬
‫معنامها قد يتحد‪ ،‬وعىل هذا ‪ ..‬فاملزيد خصلة واحدة وهي الفجور يف اخلصومة‪،‬‬
‫والفجور‪ :‬امليل عن احلق واالحتيال يف رده‪ ،‬وهذا قد يندرج يف اخلصلة األوىل وهي‬
‫الكذب يف احلديث‪ ،‬ووجه االقتصار عىل هذه العالمات الثالث أهنا منبهة عىل ما‬
‫عداها؛ إذ أصل الديانة منحرص يف ثالث‪ :‬القول‪ ،‬والفعل‪ ،‬والنية‪ ،‬فنبه عىل فساد‬
‫القول بالكذب‪ ،‬وعىل فساد الفعل باخليانة‪ ،‬وعىل فساد النية باخللف؛ ألن خلف‬
‫الوعد ال يقدح اال إذا كان العزم عليه مقارنا للوعد‪ ،‬أما لو كان عازم ًا‪ ،‬ثم عرض له‬
‫(‪)359‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫مانع‪ ،‬أو بدا له رأي ‪ ..‬فهذا مل توجد منه صورة النفاق‪ ،‬قاله الغزايل يف ((األحياء))‪،‬‬
‫ويف الطرباين يف حديث طويل ما يشهد له‪ ،‬ففيه من حديث سلامن‪(( :‬إذا وعد وهو‬
‫حيدث نفسه أنه خيلف)) وكذا قال يف باقي اخلصال‪ ،‬وإسناده ال بأس به‪ ،‬ليس فيهم من‬
‫أمجع عىل تركه‪ ،‬وهو عند أيب داود والرتمذي من حديث زيد بن أرقم خمترص بلفظ‪:‬‬
‫(((‬ ‫((إذا وعد الرجل أخاه‪ ،‬ومن نيته أن يفي له‪ ،‬فلم ِ‬
‫يف ‪ ..‬فال إثم عليه))(((" اهـ‪.‬‬
‫ول‪َ (( :‬أ ْر َب ٌع َم ْن ك َُّن فِ ِيه‬
‫الر َوا َي ِة األُ َ‬
‫ِف ِّ‬ ‫وقال اإلمام النووي‪َ " :‬و َأ َّما َق ْوله‬
‫الر َوا َية األُ ْخ َرى‪(( :‬آ َية ا ُملنَافِق َث َلث)) َف َل ُمنَا َفاة َب ْي َ ِ‬ ‫ك َ ِ‬
‫َان ُمنَاف ًقا)) َو ِف ِّ‬
‫الشء‬ ‫نهم َفإ َّن َّ ْ‬
‫لك‬ ‫احدَ ة ِمن ُْه َّن َ ْت ُصل ِ َبا ِص َفته‪ُ ،‬ث َّم َقدْ َتكُون تِ َ‬
‫احد َقدْ َتكُون َله َع َلمات ك ُّل و ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الو ِ‬
‫َ‬
‫الع َلمة َشي ًئا و ِ‬
‫احدً ا‪َ ،‬و َقدْ َتكُون َأ ْش َياء" اهـ‪.‬‬
‫(((‬
‫َ َ ْ َ‬
‫وهل يشرتط اجتامع هذه اخلصال للحكم بنفاقه؟‬
‫َان ُمنَافِ ًقا‬
‫ورد يف احلديث املتقدم عند البخاري ومسلم‪َ (( :‬أ ْر َب ٌع َم ْن ك َُّن فِ ِيه ك َ‬
‫َت فِ ِيه َخ ْص َل ٌة ِم ْن النِّ َف ِ‬
‫اق َحتَّى َيدَ َع َها))‪،‬‬ ‫َت فِ ِيه َخ ْص َل ٌة ِمن ُْه َّن‪ ..‬كَان ْ‬
‫َخالِ ًصا‪َ ،‬و َم ْن كَان ْ‬
‫ففي احلديث جواب هذا السؤال‪.‬‬
‫((إِ َذا َحدَّ َ‬
‫ث ‪ ..‬ك ََذ َب))‪ ،‬والكذب‪ :‬هو اإلخبار بغري الواقع‪ ،‬فكل من أخر بعري‬
‫الواقع ‪ ..‬فقد كذب‪ ،‬قال احلافظ ابن حجر يف ((الفتح))‪" :‬وأما الكذب يف احلديث‬
‫‪ ..‬فحكى بن التني عن مالك أنه سئل عمن جرب عليه كذب‪ ،‬فقال‪ :‬أي نوع من‬
‫الكذب؟ لعله حدث عن عيش له سلف فبالغ يف وصفه‪ ،‬فهذا ال يرض‪ ،‬وإنام يرض‬

‫لميع ِ‬
‫اد ‪..‬‬ ‫((( ونص احلديث يف لفظ أيب داود‪(( :‬إِ َذا وعدَ الرج ُل َأ َخاه و ِمن نِيتِ ِه َأ ْن ي ِفي َله‪َ ،‬ف َلم ي ِ‬
‫ف‪ ،‬و ْل ِ ِ ِ‬
‫ي ْئ ل َ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ َ ُ ْ َ‬ ‫ُ َ ْ َّ‬ ‫َ َ َّ ُ‬
‫َف َل إِ ْث َم َع َل ْي ِه))‪.‬‬
‫((( ((فتح الباري))‪.104/1 :‬‬
‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.215/2 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)360‬‬
‫(((‬
‫من حدث عن األشياء بخالف ما هي عليه قاصد ًا الكذب" اهـ‪.‬‬
‫وهذه اخلصلة أقبح الثالث‪.‬‬
‫(( َوإِ َذا َو َعدَ ‪َ ..‬أ ْخ َل َ‬
‫ف))‪ ،‬واملراد بالوعد يف احلديث‪ :‬الوعد يف اخلري‪ ،‬أما الوعيد‬
‫بالرش ‪ ..‬فيستحب إخالفه؛ بل قد جيب ما مل يرتتب عىل ترك انفاذه مفسدة‪ ،‬وخلف‬
‫الوعد ال يقدح إال إذا عزم عليه مقارنا بوعده أما إذا كان عازما ثم عرض له مانع‬
‫أو بدا له رأي ‪ ..‬فهذا مل توجد فيه صفة النفاق‪ ،‬كام تقدم يف كالم احلافظ ابن حجر‬
‫َق َال‪(( :‬إِ َذا‬ ‫َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫أول رشح احلديث‪ ،‬ويشهد هلذا ما رواه َز ْيدُ ْب ُن َأ ْر َق َم‬
‫اد ‪َ ..‬ف َل إِ ْثم ِ‬‫لميع ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫ع َل ْيه))‬
‫َ َ‬ ‫الر ُج ُل َأ َخا ُه‪َ ،‬وم ْن ن َّيته َأ ْن َيف َي َل ُه‪َ ،‬ف َل ْم َيف‪َ ،‬و َل ْ َيِ ْئ ل َ‬
‫َو َعدَ َّ‬
‫أخرجه أبو دواد‪.‬‬
‫وقال العلامء من الشافعية يستحب الوفاء بالوعد باهلبة وغريها استحباب ًا‬
‫مؤكد ًا‪ ،‬ويكره إخالفه كراهة تنزيه ال حتريم‪ ،‬ويستحب أن يعقب الوعد باملشيئة؛‬
‫ليخرج عن صورة الكذب‪ ،‬فيقول إذا وعد‪( :‬إن شاء اهلل تعاىل)‪ ،‬ويستحب إخالف‬
‫الوعيد بالرش‪ ،‬إذا كان التوعد به جائز ًا وال يرتتب عىل تركه مفسدة‪ ،‬كام تقدم‪.‬‬
‫ربام قال القائل‪ :‬ما وجه املغايرة بني خلف الوعد والكذب‪ ،‬أليس خلف‬
‫الوعد كذب ًا؟‬
‫فاجلواب‪ :‬أن وجه املغايرة بني هذه وما قبلها أن اإلخالف قد يكون بالفعل‬
‫وهو غري الكذب الذي هو وصف القول‪ ،‬ثم حمله فيمن عزم عىل اخللف حال‬
‫الوعد‪ ،‬أما لو عزم عىل الوفاء حال الوعد‪ ،‬فال ينطبق عليه احلكم‪ ،‬كام أسلفنا‪.‬‬
‫(( َوإِ َذا اؤْ ُت ِ َن))‪ ،‬أي‪ :‬جعل أمينا‪.‬‬

‫((( ((فتح الباري))‪.105/1 :‬‬


‫(‪)361‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ان)) يف أمانته‪ ،‬أي‪ :‬ترصف فيها عىل خالف الرشع‪ ،‬ونقص ما ائتمن‬
‫(( َخ َ‬
‫عليه‪ ،‬ومل يؤده كام هو‪.‬‬
‫قال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬وخص هذه اخلصال بالذكر؛ الشتامهلا عىل املخالفة‬
‫الرس العلن‪ ،‬والكذب اإلخبار عىل خالف الواقع‪،‬‬
‫التي عليها مبني النفاق من خمالفة ّ‬
‫وحق األمانة أن تؤدي إىل أهلها‪ ،‬واخليانة خمالفة هلا‪ ،‬واإلخالف يف الوعد ظاهر‪،‬‬
‫(((‬
‫ولذا رصح بأخلف" اهـ‪.‬‬
‫تنبيه مهم جداً‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫قد ُيتوهم من هذا احلديث وحديث‪َ (( :‬أ ْر َب ٌع َم ْن ك َُّن فيه ك َ‬
‫َان ُمنَاف ًقا َخال ً‬
‫صا))‬

‫أن صاحبها منافق خارج عن الدين خملد يف النار‪ ،‬وهذا خطأ كبري‪ ،‬فليس هذا هو‬
‫املقصود‪ ،‬وقد بني أهل العلم املعنى من احلديث ورد هذا اإلشكال‪ ،‬فقال اإلمام‬
‫جا َعة ِم ْن‬ ‫يف ((رشحه عىل صحيح مسلم))‪َ " :‬ه َذا احلَ ِديث ِمَّا عَدَّ ُه َ َ‬ ‫النووي‬
‫ُوجد ِف ا ُمل ْس ِلم ا ُمل َصدِّ ق ا َّل ِذي َل ْي َس فِ ِيه‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ال ُع َل َمء ُم ْشك ًل م ْن َح ْي ُث إِ َّن َهذه اخل َصال ت َ‬
‫َان مصدِّ ًقا بِ َقلبِ ِه ولِسانه و َفع َل ه ِذ ِه ِ‬
‫اخل َصال‬ ‫َ َ َ َ َ‬ ‫جع ال ُع َل َمء َع َل َأ َّن َم ْن ك َ ُ َ‬ ‫َش ٌّك‪َ ،‬و َقدْ َأ ْ َ‬
‫ج ُعوا‬ ‫ََ‬ ‫وسف‬ ‫ي َّلد ِف النَّار؛ َفإِ َّن إِ ْخ َوة ُي ُ‬ ‫يك َُم َع َل ْي ِه بِ ُك ْف ٍر‪َ ،‬و َل ُه َو ُمنَافِق ُ َ‬ ‫َل ُ ْ‬
‫الس َلف َوال ُع َل َمء َب ْعض َه َذا َأ ْو ُك ّله‪َ ،‬و َه َذا احلَ ِديث‬ ‫ض َّ‬ ‫اخل َصال‪َ ،‬وك ََذا ُو ِجدَ لِ َب ْع ِ‬ ‫ه ِذ ِه ِ‬
‫َ‬
‫ف ال ُع َل َمء ِف َم ْعنَا ُه‪َ ،‬ف َا َّل ِذي َقا َل ُه‬ ‫َل ْي َس فِ ِيه بِ َح ْم ِد اللَّ َت َع َال إِ ْشكَال‪َ ،‬و َل ِك ْن اِ ْخ َت َل َ‬
‫اخل َصال ِخ َصال‬ ‫ون وهو الص ِحيح ا ُمل ْختَار‪َ :‬أ َّن معنَاه َأ َّن ه ِذ ِه ِ‬
‫َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫ون َواألَ ْك َث ُر َ َ ُ َ َّ‬ ‫ا ُمل َح ِّق ُق َ‬
‫َخ ِّلق بِ َأ ْخ َل ِق ِه ْم‪َ ،‬فإِ َّن النِّ َفاق ُه َو‬
‫اخل َصال‪َ ،‬و ُمت َ‬ ‫احبها َشبِيه بِا ُملنَافِ ِق ِف ه ِذ ِه ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ن َفاق‪َ ،‬و َص َ‬
‫ِ‬

‫اخل َصال‪َ ،‬و َيكُون نِ َفاقه‬ ‫احب ه ِذ ِه ِ‬


‫َ‬
‫إِ ْظهار ما يبطِن ِخ َلفه‪ ،‬وه َذا ا َملعنَى موجود ِف ص ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ُْ‬
‫اهدَ ُه ِم ْن النَّاس‪َ ،‬ل َأ َّن ُه ُمنَافِق ِف‬ ‫اص َم ُه‪َ ،‬و َع َ‬ ‫ِف َح ّق َم ْن َحدَّ َث ُه‪َ ،‬و َوعَدَ ُه‪َ ،‬وا ْئت ََمنَ ُه‪َ ،‬و َخ َ‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.319/1 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)362‬‬

‫ِ َب َذا َأ َّن ُه ُمنَافِق نِ َفاق ال ُك َّفار‬ ‫اإل ْس َلم َف ُي ْظ ِه ُر ُه َو ُه َو ُي ْبطِ ُن ال ُك ْفر‪َ ،‬و َل ْ ُي ِر ْد النَّبِ ُّي‬
‫ِ‬
‫ا ُمل َخ َّل ِدي َن ِف الدَّ ْرك األَ ْس َفل ِم ْن النَّار‪.‬‬
‫ب َه ِذ ِه‬ ‫الش َبه بِا ُملنَافِ ِق َ‬
‫ني بِ َس َب ِ‬ ‫َان ُمنَافِ ًقا َخالِ ًصا)) َم ْعنَا ُه َش ِديد َّ‬ ‫((ك َ‬ ‫َو َق ْوله‬
‫اخل َصال َغالِ َبة َع َل ْي ِه‪َ ،‬ف َأ َّما َم ْن‬ ‫َت ه ِذ ِه ِ‬
‫يم ْن كَان ْ َ‬
‫ِ‬
‫اخل َصال‪َ .‬ق َال َب ْعض ال ُع َل َمء‪َ :‬و َه َذا ف َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫حل ِديث‪َ .‬و َقدْ َن َق َل ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫يسى‬ ‫اإل َمام َأ ُبو ع َ‬ ‫َينْدُ ر َف َل ْي َس َداخ ًل فيه‪َ ،‬ف َه َذا ُه َو ا ُمل ْختَار ِف َم ْعنَى ا َ‬
‫اق‬ ‫العلم نِ َف ُ‬ ‫معنَاه َعن الع َلمء م ْط َل ًقا َف َق َال‪ :‬إِنَّم معنَى ه َذا ِعنْد َأهل ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫َْ ُ ْ ُ َ ُ‬ ‫الت ِم ِذ ُّي‬
‫ِّ ْ‬
‫ون ا َّل ِذي َن كَانُوا ِف َز َمن النَّبِ ّي‬ ‫جا َعة ِم ْن ال ُع َل َمء‪ :‬ا ُمل َراد بِ ِه ا ُملنَافِ ُق َ‬ ‫ال َع َمل‪َ ،‬و َق َال َ َ‬
‫ينهم َف َخانُوا‪َ ،‬و َوعَدُ وا ِف َأ ْمر الدِّ ين َون َْصه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َف َحدَّ ُثوا بِإِ َيم ِن ْم‪َ ،‬وك ََذ ُبوا‪َ ،‬و ُا ْؤ ُتنُوا َع َل د ْ‬
‫اهتم‪َ ،‬و َه َذا َق ْول َس ِعيد ْبن ُج َب ْي‪َ ،‬و َع َطاء ْبن َأ ِب َر َباح‪،‬‬ ‫َف َأ ْخ َل ُفوا‪َ ،‬و َف َج ُروا ِف ُخ ُصو َم ْ‬
‫َان َع َل ِخ َلفه‪َ ،‬و ُه َو َم ْر ِو ٌّي َع ْن اِ ْبن َع َّباس‬ ‫ص ُّي َب ْعد َأ ْن ك َ‬ ‫حل َسن ال َب ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َر َج َع إِ َل ْيه ا َ‬
‫َوإِ َل ْي ِه َمال‬ ‫اض ِع َياض‬ ‫َق َال ال َق ِ‬ ‫َو َر َو َيا ُه َأ ْي ًضا َع ْن النَّبِ ّي‬ ‫َوا ْبن ُع َمر‬
‫لم ْس ِل ِم َأ ْن َي ْعتَاد‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫آخر َأ َّن َم ْعنَا ُه الت َّْحذير ل ُ‬ ‫َق ْو ًل َ‬ ‫كَثري م ْن َأئ َّمتنَا‪َ ،‬و َحكَى اخلَ َّط ِ ُّ‬
‫اب‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َهذه اخل َصال ا َّلتي ُيَاف َع َل ْيه َأ ْن ُت ْفض بِه إِ َل َحقي َقة النِّ َفاق‪َ ،‬و َحكَى اخلَ َّط ِ ُّ‬
‫اب‬
‫هه ْم‬‫اج ُ‬ ‫َل ُي َو ِ‬ ‫َان النَّبِ ّي‬ ‫حل ِديث َو َر َد ِف َر ُجل بِ َع ْينِ ِه ُمنَافِق َوك َ‬ ‫ضهم َأ َّن ا َ‬
‫َأ ْي ًضا َع ْن َب ْع ْ‬
‫(( َما َبال َأ ْق َوام‬ ‫َان ُي ِشري إِ َش َارة َك َق ْولِ ِه‬
‫يح ال َق ْول‪َ ،‬ف َي ُقول‪ُ :‬ف َلن ُمنَافِق‪َ ،‬وإِن ََّم ك َ‬ ‫ص ِ‬ ‫بِ َ ِ‬
‫(((‬
‫ون ك ََذا؟)) َو َاللَّ َأ ْع َلم" اهـ‪.‬‬ ‫َي ْف َع ُل َ‬

‫وقال احلافظ ابن حجر بعد أن ذكر جواب اإلمام النووي‪" :‬قلت‪ :‬وحمصل‬
‫هذا اجلواب احلمل يف التسمية عىل املجاز‪ ،‬أي‪ :‬صاحب هذه اخلصال كاملنافق‪ ،‬وهو‬
‫بناء عىل أن املراد بالنفاق نفاق الكفر‪ ،‬وقد قيل يف اجلواب عنه‪ :‬أن املراد بالنفاق‬
‫نفاق العمل كام قدمناه‪ ،‬وهذا ارتضاه القرطبي‪ ،‬واستدل له بقول عمر حلذيفة‪:‬‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.213/2 :‬‬


‫(‪)363‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫هل تعلم يف شيئا من النفاق‪ ،‬فإنه مل ُيرد بذلك نفاق الكفر‪ ،‬وإنام أراد نفاق العمل‪،‬‬
‫ويؤيده وصفه باخلالص يف احلديث الثاين بقوله‪(( :‬كان منافق ًا خالص ًا))‪ ،‬وقيل‪ :‬املراد‬
‫بإطالق النفاق اإلنذار والتحذير عن ارتكاب هذه اخلصال‪ ،‬وأن الظاهر غري مراد‪،‬‬
‫وهذا ارتضاه اخلطايب‪ ،‬وذكر أيض ًا أنه حيتمل أن املتصف بذلك هو من اعتاد ذلك‪،‬‬
‫وصار له ديدن ًا‪ ،‬قال‪ :‬ويدل عليه التعبري بإذا‪ ،:‬فإهنا تدل عىل تكرر الفعل‪ ،‬كذا قال‪،‬‬
‫واألوىل ما قال الكرماين أن حذف املفعول من حدث ‪ ..‬يدل عىل العموم‪ ،‬أي‪ :‬إذا‬
‫حدث يف كل يشء ‪ ..‬كذب فيه‪ ،‬أو يصري قارص ًا‪ ،‬أي‪ :‬إذا وجد ماهية التحديث ‪..‬‬
‫كذب‪ ،‬وقيل‪ :‬هو حممول عىل من غلبت عليه هذه اخلصال‪ ،‬وهتاون هبا‪ ،‬واستخف‬
‫بأمرها‪ ،‬فإن من كان كذلك ‪ ..‬كان فاسد االعتقاد غالب ًا‪ ،‬وهذه األجوبة كلها مبنيه‬
‫عىل أن الالم يف املنافق للجنس‪ ،‬ومنهم من ادعى أهنا للعهد‪ ،‬فقال‪ :‬أنه ورد يف حق‬
‫‪ ،‬ومتسك هؤالء بأحاديث‬ ‫شخص معني‪ ،‬أو يف حق املنافقني يف عهد النبي‬
‫ضعيفة جاءت يف ذلك لو ثبت يشء منها‪ ..‬لتعني املصري إليه‪ ،‬وأحسن األجوبة‬
‫(((‬
‫ما ارتضاه القرطبي" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن املؤمن الصادق ال يكذب‪ ،‬وال خيلف الوعد‪ ،‬وال خيون األمانة‪.‬‬
‫‪2 .2‬من وقع يف هذه اخلصال‪ ،‬أو يف واحدة منها فقد تشبه باملنافقني‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن املراد بالنفاق هنا هو النفاق يف العمل‪ ،‬ال النفاق املخرج عن الدين‪.‬‬

‫((( ((فتح الباري))‪.105/1 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)364‬‬

‫احلديث الثاني واألربعون‬

‫وق إِ َل َأ ْهلِ َها َي ْو َم‬ ‫َق َال‪َ (( :‬لت َُؤ ُّد َّن ُ‬
‫احل ُق َ‬ ‫َأ َّن َر ُس َ‬
‫ول اهلل‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫الش ِاة ال َقرن ِ‬
‫اء ِم ْن َّ‬
‫اجللح ِ‬ ‫القيام ِة‪ ،‬حتَّى ي َقاد لِ َّ ِ‬‫ِ‬
‫َاء)) رواه مسلم‬ ‫ْ‬ ‫لشاة َ َ‬ ‫َ َ َ ُ َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫ّ‬
‫ليؤدن اهلل احلقوق‪ ،‬التي عليكم‪.‬‬ ‫وق))‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫‪َ (( :‬لت َُؤ ُّد َّن ُ‬
‫احل ُق َ‬ ‫قوله‬
‫الق َي َام ِة))‪ ،‬أي‪ :‬إىل أصحاهبا ومستحقيها ممن ظلمتموهم‪ ،‬ويوم‬
‫((إِ َل َأهلِها يوم ِ‬
‫ْ َ ََْ‬
‫القيامة هو يوم الفصل بني اخلالئق‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ :‬ﱹ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﱸ‬
‫[املرسالت‪ ،]38 :‬وقال تعاىل‪ :‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﱸ [الدخان‪.]40 :‬‬
‫(( َحتَّى))‪ :‬غاية لبيان العدل اإلهلي‪.‬‬
‫(( ُي َقا َد))‪ ،‬أي‪ُ :‬يقتص‪.‬‬
‫اجللح ِ‬ ‫((لِ َّ ِ‬
‫اء)) بفتح اجليم وسكون الالم بعدها مهملة وبعدها ألف‬ ‫لشاة َ َ‬
‫اجلمء التي ال قرن هلا‪.‬‬
‫ممدودة‪ :‬هي ّ‬
‫الش ِاة ال َقرن ِ‬
‫َاء))‪ ،‬أي‪ :‬التي هلا قرون‪ ،‬وقد نطحت اجللحاء يف الدين‪.‬‬ ‫(( ِم ْن َّ‬
‫ْ‬
‫(‪)365‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫فائــــدة‪:‬‬
‫يف احلديث ترصيح عىل أن البهائم حترش يوم القيامة‪ ،‬قال اإلمام النووي عند‬
‫القيامة‪ ،‬وإِ َعادهتا يوم ِ‬
‫الق َيا َمة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َصيح بِ َح ْ ِ‬ ‫رشحه هلذا احلديث‪َ " :‬ه َذا ت ْ ِ‬
‫ش ال َب َهائم َي ْوم َ َ َ َ َ َ ْ‬
‫ني‪َ ،‬وك ََم ُي َعاد األَ ْط َفال َوا َمل َجانِني َو َم ْن َل ْ َت ْب ُلغ ُه‬ ‫ك ََم ُي َعاد َأ ْهل ال َّتك ِْليف ِم ْن اآل َد ِم ِّي َ‬
‫ِ‬
‫السنَّة‪َ .‬ق َال اللَّ َت َع َال‪ :‬ﱹ ﭡ ﭢ‬ ‫اه َر ْت َد َلئل ال ُق ْرآن َو ُّ‬ ‫َد ْع َوة‪َ ،‬و َع َل َه َذا َت َظ َ‬
‫الشع‪ ،‬و َل يمنَع ِمن إِجر ِائ ِه َع َل َظ ِ‬
‫اهره َع ْقل‬ ‫ْ َْ‬ ‫ﭣ ﱸ [التكوير‪َ ،]5 :‬وإِ َذا َو َر َد َل ْفظ َّ ْ َ ْ َ ْ‬
‫اإل َعا َدة ِف‬ ‫حل ْش َو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شط ا َ‬ ‫حله َع َل َظاهره‪َ .‬ق َال ال ُع َل َمء‪َ :‬و َل ْي َس م ْن َ ْ‬ ‫ب َْ‬ ‫شع َو َج َ‬ ‫َو َل َ ْ‬
‫القصاص ِمن ال َقرنَاء لِلجلح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء َف َل ْي َس ُه َو‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫الق َيا َمة ا ُمل َج َازاة َوالع َقاب َوال َّث َواب‪َ ،‬و َأ َّما َ‬
‫(((‬
‫ِم ْن ِق َصاص ال َّتك ِْليف؛ إِ ْذ َل َتك ِْليف َع َل ْي َها‪َ ،‬بل ُه َو ِق َصاص ُم َقا َب َلة" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬إن اهلل يمهل وال هيمل‪.‬‬
‫‪2 .2‬ال تضيع احلقوق عند اهلل‪.‬‬
‫‪3 .3‬يقتص اهلل من الظامل للمظلوم يوم القيامة مهام كان صغر احلق الذي عليه‪.‬‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.242/16 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)366‬‬

‫احلديث الثالث واألربعون‬

‫َق َال‪َ (( :‬م ْن َظ َل َم ِقيدَ ِش ْ ٍب ِم ْن األَ ْر ِ‬


‫ض ‪..‬‬ ‫َأ َّن َر ُس َ‬
‫ول اهلل‬ ‫َع ْن َع ِائ َش َة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُط ِّو َق ُه م ْن َس ْب ِع َأ َرض َ‬
‫ني)) متفق عليه‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫هي أم املؤمنني الطاهرة الصدِّ يقة بنت الصدِّ يق عائشة بنت أيب بكر‬
‫وقد تقدمت ترمجتها يف احلديث الثالث والثالثني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪َ (( :‬م ْن َظ َل َم))‪،‬والظلم‪ :‬أخذ حق الغري دون وجه حق‪.‬‬ ‫قوله‬
‫(( ِقيدَ )) بكرس القاف وسكون التحتية وبالدال املهملة‪ :‬أي قدر‪.‬‬
‫(( ِش ْ ٍب ِم ْن األَ ْر ِ‬
‫ض))‪ ،‬والشرب ما بني طريف اخلنرص واإلهبام بالتفريج املعتاد‪،‬‬
‫وكأنه ذكر الشرب إشارة إىل استواء القليل والكثري يف الوعيد‪.‬‬
‫ودل عىل ذلك الوعيد بقوله‪ُ (( :‬ط ِّو َق ُه)) بالبناء للمجهول‪ ،‬ويف رواية عروة‬
‫َّ‬
‫فإنه يطوقه‪ ،‬أي‪ :‬طوقه اهلل‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫((م ْن َس ْب ِع َأ َرض َ‬
‫ني))‪ ،‬قال يف ((عمدة القاري))‪" :‬ومعنى التطويق‪ :‬أن خيسف‬
‫اهلل به األرض‪ ،‬فتصري البقعة املغصوبة منها يف عنقه يوم القيامة كالطوق‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫هو أن يطوق محلها يوم القيامة‪ ،‬أي‪ :‬يكلف ال من طوق التقليد؛ بل من طوق‬
‫(‪)367‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(((‬
‫التكليف" اهـ‪.‬‬
‫وقال اخلطايب‪ :‬قوله طوقه له وجهان‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬أن معناه كلف نقل ما ظلم منها يف القيامة إىل املحرش‪ ،‬ويكون‬
‫كالطوق يف عنقه ال أنه طوق حقيقة‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أن معناه أنه يعاقب باخلسف إىل سبع أرضني‪ ،‬فيكون كل أرض يف‬
‫(((‬
‫تلك احلالة طوق ًا يف عنقه‪ .‬اهـ‬
‫وبالوجه األول جزم أبو الفتح القشريي‪ ،‬وصححه البغوي‪.‬‬
‫ولفظه‪:‬‬ ‫حديث ابن عمر‬ ‫ُ‬ ‫وقال بالوجه الثاين احلافظ ابن حجر ويؤيده‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َي ح ِّق ِه ‪ُ ..‬خ ِس َ ِ‬ ‫(( َم ْن َأ َخ َذ ِم ْن األَ ْر ِ‬
‫ف بِه َي ْو َم الق َي َامة إِ َل َس ْب ِع َأ َرض َ‬
‫ني))‬ ‫ض َش ْيئًا بِغ ْ ِ َ‬
‫أخرجه البخاري‪.‬‬
‫وقيل أن هناك وجه ثالث‪ :‬وهو أن معناه كاألول؛ لكن بعد أن ينقل مجيعه‬
‫‪ ..‬جيعل كله يف عنقه طوقا‪ ،‬ويعظم قدر عنقه حتى يسع ذلك كام ورد يف غلظ جلد‬
‫الكافر ونحو ذلك‪ ،‬وقد أخرج اإلمام أمحد والطرباين وابن حبان من حديث َي ْع َل‬
‫با ِم ْن األَ ْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫َي ُق ُ َ‬ ‫ا ْب ِن ُم َّر َة َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت النَّبِ َّي‬
‫ض ‪َ ..‬ك َّل َف ُه‬ ‫ول‪(( :‬أ َّيام َر ُج ٍل َظ َل َم ش ْ ً‬
‫الق َي َام ِة َحتَّى ُي ْق َض‬
‫آخر سب ِع َأر ِضني‪ُ ،‬ثم ي َطو َقه إِ َل يو ِم ِ‬ ‫ِ‬
‫يف َر ُه َحتَّى َي ْب ُلغَ َ َ ْ َ َ َّ ُ َّ ُ َ ْ‬
‫اهلل َأ ْن َ ِ‬
‫ْ‬
‫ي الن ِ‬
‫َّاس))‪.‬‬ ‫َب ْ َ‬
‫وروى الطرباين يف ((املعجم الكبري)) عن احلكم بن احلارث السلمي مرفوع ًا‪:‬‬
‫ِ‬ ‫((من َأ َخ َذ ِمن َطري ِق ا ُملسلِ ِمي ِشبا ج ْاء بِ ِه َ ِ ِ‬
‫يم َل َه م ْن َس ْب ِع َأ َرض َ‬
‫ني))‪.‬‬ ‫ْ َْ ًْ َ َ ْ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َ ْ‬

‫((( ((عمدة القاري))‪.304/12 :‬‬


‫((( ((دليل الفاحلني))‪.442/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)368‬‬

‫وحيتمل وجه رابع‪ :‬وهو أن يكون املراد بقوله يطوقه‪ :‬يكلف أن جيعله له‬
‫طوقا وال يستطيع ذلك فيعذب بذلك كام جاء يف حق من كذب يف منامه كلف أن‬
‫َق َال‪َ (( :‬م ْن َ َت َّل َم بِ ُحل ٍم َل ْ َي َر ُه ‪..‬‬ ‫َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫يعقد شعرية‪َ ،‬ف َع ْن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫اس‬
‫َي)) أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫ي َش ِعريت ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ف َأ ْن َي ْعقدَ َب ْ َ‬
‫ُك ِّل َ‬
‫َ‬
‫وحيتمل وجه خامس‪ :‬وهو أن يكون التطويق تطويق اإلثم‪ ،‬واملراد به‬
‫أن الظلم املذكور الزم له يف عنقه لزوم اإلثم‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﱸ [اإلرساء‪.]13 :‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر يف ((فتح الباري))‪" :‬وحيتمل‪ :‬أن تتنوع هذه الصفات‬
‫لصاحب هذه اجلناية‪ ،‬أو تنقسم أصحاب هذه اجلناية‪ ،‬فيعذب بعضهم هبذا‪،‬‬
‫(((‬
‫وبعضهم هبذا بحسب قوة املفسدة وضعفها" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬حتريم الظلم والغصب‪ ،‬وتغليظ عقوبته‪.‬‬
‫‪2 .2‬يستوي يف الظلم القليل والكثري من حيث املؤاخذة ورد املظامل ألهلها‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن من ملك أرض ًا ‪ ..‬ملك أسفلها إىل منتهى األرض‪ ،‬وله أن يمنع من َح َف َر‬
‫حتتها رسب ًا‪ ،‬أو بئر ًا بغري رضاه‪.‬‬
‫‪4 .4‬أن من ملك ظاهر األرض ‪ ..‬ملك باطنها بام فيه من حجارة ثابتة وأبنية‬
‫ومعادن وغري ذلك‪ ،‬وأن له أن ينزل باحلفر ما شاء ما مل يرض بمن جياوره‪.‬‬
‫‪5 .5‬أن األرضني السبع مرتاكمة مل يفتق بعضها من بعض؛ ألهنا لو فتقت ‪ ..‬الكتفى‬

‫((( ((فتح الباري))‪.112/5 :‬‬


‫(‪)369‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫يف حق هذا الغاصب بتطويق التي غصبها النفصاهلا عام حتتها‪.‬‬
‫‪6 .6‬أن األرضني السبع طباق كالسموات‪ ،‬وهو ظاهر قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﰈ ﰉ‬
‫ِ‬
‫ﰊ ﱸ [الطالق‪ ]12 :‬خالفا ملن قال‪ :‬أن املراد بقوله‪َ (( :‬س ْب ِع َأ َرض َ‬
‫ني)) سبعة‬
‫أقاليم؛ ألنه لو كان كذلك‪ ..‬مل يطوق الغاصب شرب ًا من إقليم آخر‪ ،‬كام قاله‬
‫ابن التني‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)370‬‬

‫احلديث الرابع واألربعون‬

‫‪(( :‬إِ َّن اهللَ َل ُي ْم ِل لِل َّظ ِالِ َحتَّى إِ َذا‬


‫وسى‬ ‫َع ْن َأ ِب ُم َ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهلل‬
‫َأ َخ َذ ُه ‪َ ..‬ل ْ ُي ْفلِ ْت ُه))‪ُ ،‬ث َّم َق َر َأ‪ :‬ﱹ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﱸ [هود‪ ]102 :‬متفق عليه‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو موسى األشعري‬
‫احلديث الثالث‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪(( :‬إِ َّن اهللَ َل ُي ْم ِل))‪،‬من اإلمالء‪ ،‬وهواإلمهال‪ ،‬والتأخري وإطالة العمر‬ ‫قوله‬
‫أي‪ :‬ليمهل‪ ،‬والالم فيه للتأكيد‪.‬‬
‫((لِل َّظ ِالِ))‪ ،‬والظلم هو أخذ حق الغري من وجه استحقاق كام تقدم وذلك‬
‫اإلمالء زيادة يف استدراجه؛ ليطول عمره‪ ،‬ويكثر ظلمه‪ ،‬فيزداد عقابه‪ ،‬كام قال‬
‫تعاىل‪ :‬ﱹ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﱸ [آل عمران‪.]178 :‬‬
‫(( َحتَّى إِ َذا َأ َخ َذ ُه))‪ ،‬أي‪ :‬أنزل به نقمته‪.‬‬
‫(( َل ْ ُي ْفلِ ْت ُه))‪ ،‬أي‪ :‬مل خيلصه‪.‬‬
‫وقد يكون املعنى‪ :‬إذا أهلكه ‪ ..‬مل يرفع عنه اهلالك‪ ،‬إذا ُفرس الظلم بالرشك‪،‬‬
‫(‪)371‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪" :‬قوله‪(( :‬حتى إذا أخذه مل يفلته)) بضم أوله من الرباعي‪ ،‬أي‪:‬‬
‫مل خيلصه‪ ،‬أي‪ :‬إذا أهلكه مل يرفع عنه اهلالك‪ ،‬وهذا عىل تفسري الظلم بالرشك عىل‬
‫إطالقة‪ ،‬وإن ُفرس بام هو أعم ‪ ..‬فيحمل كل عىل ما يليق به‪ ،‬وقيل‪ :‬معنى مل يفلته مل‬
‫يؤخره‪ ،‬وفيه نظر؛ ألنه يتبادر منه أن الظامل إذا رصف عن منصبه وأهني ‪ ..‬ال يعود‬
‫(((‬
‫إىل عزه‪ ،‬واملشاهد يف بعضهم بخالف ذلك‪ ،‬فاألوىل محله عىل ما قدمته" اهـ‪.‬‬
‫وقال املناوي يف ((فيض القدير))‪((" :‬حتى إذا أخذه))‪ ،‬أي‪ :‬أنزل به نقمته‪(( ،‬مل‬
‫يفلته))‪ ،‬أي‪ :‬مل يفلت منه‪ ،‬أو مل يفلته منه أحد‪ ،‬أي‪ :‬مل خيلصه أبد ًا؛ بل هيلكه لكثرة‬
‫(((‬
‫ظلمه بالرشك‪ ،‬فإن كان مؤمن ًا ‪ ..‬مل خيلصه مدة طويلة بقدر جنايته" اهـ‪.‬‬
‫(( ُث َّم َق َر َأ)) مستدالً عىل ذلك بقوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭪ ﱸ‪ ،‬أي‪ :‬ومثل ذلك‬
‫األخذ العظيم‪ ،‬ﱹ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﱸ ‪ ،‬أي‪ :‬أخذ أهلها‪ ،‬ﱹﮓ ﮔﮕ ﱸ حال‬
‫من القرى‪ ،‬وهي يف احلقيقة ألهلها لكنها مل أقيمت مقامه أجريت عليها‪ ،‬وفائدهتا‬
‫اإلشعار بأهنم أخذوا لظلمهم وإنذار كل ظامل لنفسه أو غريه من وخامة الظلم‪،‬‬
‫مرجو اخلالص عنه‪ ،‬وهو مبالغة وحممول عىل‬
‫ّ‬ ‫ﱹ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﱸ موجع غري‬
‫التهديد والتحذير‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن اهلل يمهل وال هيمل‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن اهلل يطيل للظامل يف عمره ليزداد إث ًام فوق إثمه‪ ،‬ثم يشدد عليه العذاب‪.‬‬
‫‪3 .3‬ال يفلت الظامل من عقوبة اهلل‪.‬‬

‫((( ((فتح الباري))‪.404/8 :‬‬


‫((( ((فيض القدير))‪.640/2 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)372‬‬

‫احلديث اخلامس واألربعون‬

‫َي ُق ْو ُل‪:‬‬ ‫َقا َلت‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬


‫ول اهلل‬ ‫ار َّي ِة‬
‫ْت َث ِام ٍر األَن َْص ِ‬
‫َعن َخو َل َة بِن ِ‬
‫ْ ْ‬
‫الق َي َام ِة)) رواه البخاري‪.‬‬
‫َي ح ٍّق‪َ ،‬ف َلهم النَّار يوم ِ‬
‫ُ ْ ُ ََْ‬ ‫ال اهلل بِغ ْ ِ َ‬ ‫ون ِف م ِ‬
‫((إِ َّن ِر َج ًال َيتَخَ َّو ُض َ َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫هي الصحابية اجلليلة خولة ‪ ،‬ويقال هلا‪ :‬خويلة‪ ،‬بنت ثامر األنصارية‪ ،‬وهي‬
‫‪ ،‬وخلف عليها بعد استشهاد سيدنا محزة‬ ‫زوجة سيدنا محزة بن عبداملطلب‬
‫بأحد النعامنبن عجالن األنصاري الذرقي‪ ،‬وقيل‪ :‬أن زوجة محزة إنام هي خولة‬
‫بنت قيس بن قهد ‪ -‬بالقاف ‪ -‬بن قيس بن ثعلبة بن عبيد بن ثعلبة ابن غنم بن‬
‫مالك بن النجار األنصارية‪ ،‬ولكن قال عيل بن املديني‪ ،‬وابو عمر أن قيس هو‬
‫لقب لثامر‪ ،‬وعىل هذا فخولة بنت قيس هي نفسها خولة بنت ثامر‪ ،‬قال يف ((فتح‬
‫الباري))‪" :‬قلت‪ :‬فرق غري واحد بني خولة بنت ثامر‪ ،‬وبني خولة بنت قيس‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫أن قيس بن قهد بالقاف لقبه ثامر‪ ،‬وبذلك جزم عيل بن املديني‪ ،‬فعىل هذا ‪ ..‬فهي‬
‫(((‬
‫واحدة" اهـ‪.‬‬
‫وأرضاها بأم حممد‪ ،‬وقيل‪ :‬بأم حبيبة‪.‬‬ ‫تكنى‬
‫ليس هلا إال حديث ًا واحد ًا يف البخاري‪ ،‬وهو هذا احلديث الذي نحن بصدد‬
‫ِ‬
‫لو ٌة َم ْن‬ ‫رشحه‪ ،‬وأخرج اإلمام أمحد والرتمذي عنه ‪(( :‬إِ َّن َه َذا ا َمل َال َخ َ‬
‫ض ٌة ُح َ‬

‫((( ((فتح الباري))‪.235/6 :‬‬


‫(‪)373‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ال اهلل َو َر ُسولِ ِه َل ْي َس‬
‫ض فِيم َشاء ْت َن ْفس ُه ِم ْن م ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َ‬
‫أ َصا َب ُه بِ َح ِّقه ُبور َك َل ُه فيه َو ُر َّب ُمتَخَ ِّو ٍ َ‬
‫الق َي َام ِة إِ َّل الن َُّار))‪ ،‬ولكن أخرجاه عن خولة بنت قيس‪ ،‬فعىل قول من قال أهنا‬ ‫َله يوم ِ‬
‫ُ ََْ‬
‫واحدة فيكون هلا أيض ًا هذا احلديث‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪(( :‬إِ َّن ِر َج ًال َيتَخَ َّو ُض َ‬
‫ون))‪،‬أي يترصفون‪ ،‬ويتخوضون من اخلوض‪،‬‬ ‫قوله‬
‫وهو امليش يف املاء وحتريكه‪ ،‬ثم استعمل يف التلبس باألمر والترصف فيه‪،‬والتخوض‬
‫تفعل منه‪ ،‬وباب التفعل فيه التكلف‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هو التخليط يف حتصيله من غري وجهه كيف أمكن‪.‬‬
‫(( ِف م ِ‬
‫ال اهلل بِغ ْ ِ‬
‫َي َح ٍّق))‪ ،‬أي‪ :‬يف مال املسلمني الذي جعله اهلل ملصاهلم من نحو‬ ‫َ‬
‫يفء وغنيمة وغريها‪ ،‬وبغري حق‪ :‬أي بالباطل‪ ،‬وهو أعم ممن قال أن املراد بغري حق‪:‬‬
‫بغري قسمة‪،‬ومع أنه أعم من أن يكون بقسمة أو غريها؛ لكن ختصيصه بالقسمة هو‬
‫ما دلت عليه أخبار أخر‪.‬‬
‫الق َي َام ِة))‪ ،‬عقوبة من اهلل هلم‪ ،‬وهو حكم مرتب عىل الوصف‬
‫(( َف َلهم النَّار يوم ِ‬
‫ُ ْ ُ ََْ‬
‫املناسب‪ ،‬وهو اخلوض يف مال اهلل ففيه اشعار بالغلبة‪.‬‬
‫ال‬‫َح َّق َش ْي ًئا ِم ْن م ِ‬ ‫قال يف ((سبل السالم))‪" :‬دلِ ٌيل َع َل َأ َّنه َيرم َع َل من َل يست ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َْْ‬ ‫ُ ُْ ُ‬ ‫َ‬
‫ف ا َّلتِي َع َّين ََها اهللُ َت َع َال َأ ْن َي ْأ ُخ َذ ُه َو َيت ََم َّل َك ُه‪َ ،‬و َأ َّن َذلِ َك‬‫ار ِ‬
‫ُون ِم ْن ا َمل َص ِ‬ ‫اهلل بِ َأ ْن َل َيك َ‬
‫ون)) َد َل َل ٌة َع َل َأ َّن ُه ُي َق ِّب ُح ت ََو ُّس َع ُه ْم‬‫وج َب ِة لِلن َِّار‪َ ،‬و ِف َق ْولِ ِه‪َ (( :‬يتَخَ َّو ُض َ‬ ‫اص ا ُمل ِ‬ ‫ِمن ا َملع ِ‬
‫ْ َ‬
‫ون‪َ ،‬فإِ ْن كَانُوا ِم ْن ُو َل ِة األَم َو ِ‬ ‫ِ‬
‫َاجو َن ُه‬
‫يت ُ‬‫يح َل ُ ْم َقدْ َر َما َ ْ‬ ‫ال ‪ُ ..‬أبِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َاج َ‬ ‫يت ُ‬ ‫منْ ُه ِز َيا َد ًة َع َل َما َ ْ‬
‫(((‬
‫ِلَ ْن ُف ِس ِه ْم ِم ْن َغ ْ ِي ِز َيا َد ٍة" اهـ‪.‬‬

‫((( ((سبل السالم))‪.312/4 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)374‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬حرمة الترصف يف أموال املسلمني بغري حق‪.‬‬
‫‪2 .2‬من أخذ من مال املسلمني ماال يستحق مهام كان صغره ‪ ..‬حوسب عليه يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وعوقب بالنار‪.‬‬
‫‪3 .3‬املؤمن يتورع ويتنزه عام ال حيق من أموال‪.‬‬
‫(‪)375‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث السادس واألربعون‬

‫لم ْؤ ِم ِن كَال ُب ْن َي ِ‬
‫ان َي ُشدُّ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪(( :‬ا ُمل ْؤم َن ل ُ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهلل‬ ‫وسى‬ ‫َع ْن َأ ِب ُم َ‬
‫ي َأ َصابِ ِع ِه‪ .‬متفق عليه‪.‬‬ ‫َب ْع ُض ُه َب ْع ًضا)) َو َش َّب َك َب ْ َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو موسى األشعري‬
‫احلديث الثالث‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫لم ْؤ ِم ِن))‪ ،‬أي‪ :‬مثل املؤمن للمؤمن‪ ،‬والالم يف املؤمن‬‫ِ ِ‬
‫‪(( :‬ا ُمل ْؤم َن ل ُ‬ ‫قوله‬
‫للجنس‪ ،‬واملراد بعض املؤمنني للبعض‪.‬‬
‫((كَال ُبنْ َي ِ‬
‫ان))‪ ،‬أي‪ :‬البيت املبني‪.‬‬
‫(( َي ُشدُّ َب ْع ُض ُه َب ْع ًضا))‪ ،‬مجلة استئنافية املقصود منها بيان وجه التشبيه‪ ،‬وقد‬
‫تكون اجلملة حال أو صفة‪ ،‬واألول أظهر‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر يف ((فتح الباري))‪" :‬قال بن بطال‪ :‬واملعاونة يف أمور اآلخرة‪،‬‬
‫وكذا يف األمور املباحة من الدنيا مندوب إليها وقد ثبت حديث أيب هريرة‪َ (( :‬واهللُ ِف‬
‫َان ال َع ْبدُ ِف َع ْو ِن َأ ِخ ِيه)) اهـ‪ (((.‬واحلديث أخرجه مسلم يف ((صحيحه))‪.‬‬
‫َع ْو ِن ال َع ْب ِد َما ك َ‬

‫((( ((فتح الباري))‪.507/10 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)376‬‬

‫حل ّق ا َّل ِذي ُه َو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫وقال السيوطي‪َ " :‬وا ُمل َراد َأ َّن م ْن َش ْأن ا ُمل ْؤمن َأ ْن َيكُون َع َل ا َ‬
‫ِ‬ ‫اإل َيمن َو َي َلزم ِمنْ ُه ت ََوا ُفق ا ُمل ْؤ ِمنِ َ‬
‫هم َوت َْأ ِييد َب ْع ْ‬
‫ضهم‬ ‫َاص ْ‬ ‫ني َع َل َذل َك ا َ‬
‫حل ّق َو َتن ُ‬ ‫ُم ْقت ََض ِ‬
‫(((‬ ‫لِ َب ْع ٍ‬
‫ض" اهـ‪.‬‬
‫ضهم‬
‫ني َب ْع ْ‬ ‫صيح ِف َت ْعظِيم ُح ُقوق ا ُمل ْس ِل ِم َ‬ ‫وقال اإلمام النووي عن احلديث‪ِ َ " :‬‬
‫اضد ِف َغ ْي إِ ْثم َو َل َمك ُْروه‪َ ،‬وفِ ِيه‬ ‫احم َوا ُمل َل َط َفة َوال َّت َع ُ‬ ‫َع َل َب ْعض‪َ ،‬و َح ّث ْ‬
‫هم َع َل َّ َ‬
‫الت ُ‬
‫(((‬ ‫ضب األَ ْم َثال لِ َت ْق ِر ِ‬
‫يب ا َمل َع ِان إِ َل األَ ْف َهام" اهـ‪.‬‬ ‫َج َواز الت َّْشبِيه َو َ ْ‬
‫وقال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬قال القرطبي‪ :‬هذا متثيل يفيد احلض عىل معاونة‬
‫املؤمن للمؤمن ونرصته‪ ،‬وأن ذلك أمر متأكد البد منه‪ ،‬فإن البناء ال يتم وال حتصل‬
‫فائدته إال بأن يكون بعضه يمسك بعض ًا ويقويه‪ ،‬وإن مل يكن ذلك انحلت أجزاؤه‬
‫وخرب بناؤه‪ ،‬وكذا املؤمن ال يشتغل بأمر دنياه ودينه إال بمعاونة أخيه ومعاضدته‬
‫ومنارصته‪ ،‬فإن مل يكن ذلك عجز عن القيام بكل مصاحله وعن مقاومة مضا ّدة‪،‬‬
‫(((‬ ‫ٍ‬
‫فحينئذ ال يتم له نظام دنيا وال دين ويلحق باهلالكني" اهـ‪.‬‬
‫‪ ،‬وحيتمل أن يكون الذي‬ ‫ي َأ َصابِ ِع ِه))‪ ،‬والذي شبك هو النبي‬ ‫(( َو َش َّب َ‬
‫ك َب ْ َ‬
‫شبك هو الراوي‪ ،‬وهو بيان وتقريب لوجه الشبه كذلك وبيان للتداخل‪ ،‬أي‪ :‬يشد‬
‫بعضهم بعضا مثل هذا الشد‪.‬‬
‫ومعنى التشبيك‪ :‬أن يدخل ّ‬
‫الشخص أصابع إحدى يديه بني أصابع األخرى‪.‬‬
‫قال املناوي يف ((فيض القدير))‪" :‬أي‪ :‬يشد بعضهم بعض ًا مثل هذا الشد‪،‬‬
‫فوقع التشبيك تشبيها لتعاضد املؤمنني بعضهم ببعض كام أن البنيان املمسك بعضه‬
‫((( ((رشح السنن))‪.46/4 :‬‬
‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.244/16 :‬‬
‫((( ((دليل الفاحلني))‪.6/2 :‬‬
‫(‪)377‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ببعض يشد بعضه بعض ًا؛ وذلك ألن أقواهم هلم ركن‪،‬وضعيفهم مستند لذلك‬
‫(((‬
‫الركن القوي‪ ،‬فإذا وااله ‪َ ..‬ق ِو َي بام بباطنه ويعاتبه ذكره احلرايل" اهـ‪.‬‬
‫وقال احلافظ بن حجر‪" :‬ويستفاد منه‪ :‬أن الذي يريد املبالغة يف بيان أقواله‬
‫(((‬
‫يمثلها بحركاته ليكون أوقع يف نفس السامع" اهـ‪.‬‬
‫بيان حكم التشبيك‪:‬‬
‫قال يف ((عمدة القاري))‪" :‬فيه جواز تشبيك األصابع سواء يف املسجد أو‬
‫غريه؛ إلطالق احلديث؛ ولكن العلامء اختلفوا يف تشبيك األصابع يف املسجد ويف‬
‫الصالة‪ ،‬وكره إبراهيم ذلك يف الصالة‪ ،‬وهو قول مالك‪ ،‬ورخص يف ذلك ابن عمر‬
‫وابنه سامل‪ ،‬فكان يشبكان بني أصابعهام يف الصالة ذكره ابن أيب شيبة‪ ،‬وكان احلسن‬
‫البرصي يشبك بني أصابعه يف املسجد‪ ،‬وقال مالك‪ :‬إهنم لينكرون تشبيك األصابع‬
‫(((‬
‫يف املسجد وما به بأس‪ ،‬وإنام يكره يف الصالة" اهـ‪.‬‬
‫اب َع َل ك ََر َاه ِة‬ ‫وقال الشيخ الرشبيني يف ((مغني املحتاج))‪" :‬ا َّت َف َق األَ ْص َح ُ‬
‫جل ُم َع ِة َو َغ ْ ِي ِه‪َ ،‬وك ََذا َس ِائ ُر‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ت َْشبِيك األَ َصابِ ِع ِف َط ِريقه َإل ا َمل ْسجد َو ِف ا َمل ْسجد َي ْو َم ا ُ‬
‫ِ‬

‫الص َل ِة َأ ْو ُمنْتَظِ ُر َها ِلَ َّن ُه ِف َص َل ٍة‪َ ،‬و َر َوى ُم ْس ِل ٌم َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬ ‫ِ‬
‫َأن َْوا ِع ال َع َبث َما َدا َم ِف َّ‬
‫(((‬
‫الص َل ِة))" اهـ‪.‬‬ ‫َان َي ْع َمدُ َإل َّ‬‫إن َأ َحدَ ك ُْم ِف َص َل ٍة َما ك َ‬ ‫َق َال‪َّ (( :‬‬ ‫َأ َّن النَّبِ َّي‬
‫وقد يعرتض البعض للحديث الذي رواه أبو هريرة حيث قال‪َ :‬ق َال َص َّل‬
‫ش‪َ ،‬ق َال ا ْب ُن ِس ِريي َن‪َ :‬س َّم َها َأ ُبو ُه َر ْي َرةَ‪َ ،‬و َل ِك ْن‬ ‫ِ‬
‫إِ ْحدَ ى َص َل َ ْ‬
‫ت ال َع ِّ‬ ‫بِنَا َر ُس ُ‬
‫ول اهلل‬

‫((( ((فيض القدير))‪.316/8 :‬‬


‫((( ((فتح الباري))‪.507/10 :‬‬
‫((( ((عمدة القاري))‪.94/4 :‬‬
‫((( ((مغني املحتاج))؛ طبعة‪ :‬دار الفكر‪.403/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)378‬‬

‫وض ٍة ِف ا َمل ْس ِج ِد‪،‬‬ ‫َي‪ُ ،‬ث َّم َس َّل َم‪َ ،‬ف َقا َم إِ َل َخ َش َب ٍة َم ْع ُر َ‬ ‫يت َأنَا‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َص َّل بِنَا َر ْك َعت ْ ِ‬ ‫ن َِس ُ‬
‫ي َأ َصابِ ِع ِه‪،‬‬ ‫سى‪َ ،‬و َش َّب َك َب ْ َ‬ ‫ان‪َ ،‬و َو َض َع َيدَ ُه ال ُي ْمنَى َع َل ال ُي ْ َ‬ ‫َفا َّتك ََأ َع َل ْي َها ك ََأنَّه َغ ْض َب ُ‬
‫اب ا َمل ْس ِج ِد‪،‬‬‫ان ِم ْن َأ ْب َو ِ‬ ‫الس َع ُ‬‫سى‪َ ،‬و َخ َر َج ْت َّ َ‬
‫ِ‬
‫َو َو َض َع َخدَّ ُه األَ ْي َم َن َع َل َظ ْه ِر َك ِّفه ال ُي ْ َ‬
‫الص َلةُ‪َ ،‬و ِف ال َق ْو ِم َأ ُبو َبك ٍْر َو ُع َم ُر‪َ ،‬ف َها َبا َأ ْن ُي َك ِّل َم ُه‪َ ،‬و ِف ال َق ْو ِم َر ُج ٌل‬ ‫ص ْت َّ‬ ‫َف َقا ُلوا َق ُ َ‬
‫الص َلةُ؟ َق َال‪:‬‬ ‫ص ْت َّ‬ ‫يت َأ ْم َق ُ َ‬ ‫ول اهلل َأن َِس َ‬ ‫ول ُي َق ُال َل ُه ُذو ال َيدَ ْي ِن‪َ ،‬ق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫ِف َيدَ ْي ِه ُط ٌ‬
‫ول ُذو ال َيدَ ْي ِن)) َف َقا ُلوا‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ف َت َقدَّ َم‪َ ،‬ف َص َّل ‪...‬‬ ‫ص))‪َ ،‬ف َق َال‪َ (( :‬أك ََم َي ُق ُ‬ ‫َ‬
‫(( َل ْ أن َْس‪َ ،‬و َل ْ ُت ْق َ ْ‬
‫احلديث أخرجه البخاري‪.‬‬
‫فقد أجاب عن ذلك الشيخ اخلطيب الرشبيني حيث قال‪َ " :‬فإِ ْن ِق َيل َر َوى‬
‫َي‬‫الص َل ِة َع ْن َر ْك َعت ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ي َأ َصابِعه ِف ا َمل ْس ِجد َب ْعدَ َما َس َّل َم م ْن َّ‬ ‫َش َّب َك َب ْ َ‬ ‫ال ُب َخ ِ‬
‫ار ُّي ( َأ َّن ُه‬
‫ِف ِق َّص ِة ِذي ال َيدَ ْي ِن َو َش َّب َك ِف َغ ْ ِي ِه)‪.‬‬
‫َان ِمنْ ُه‬
‫الص َل ِة‪َ ،‬و َه َذا ك َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يب‪ :‬بِ َأ َّن الك ََر َاه َة إن ََّم ه َي ِف َح ِّق ا ُمل َص ِّل َو َقاصد َّ‬ ‫ُأ ِج َ‬
‫(((‬
‫اد ِه" اهـ‪.‬‬ ‫بعدَ ها ِف ا ْعتِ َق ِ‬
‫َْ َ‬
‫وقال يف ((عون املعبود))‪َ " :‬فإِ ْن ُقلت‪ِ :‬ف َح ِديث َأ ِب ُه َر ْي َرة ِف ِق َّصة ِذي ال َيدَ ْي ِن‬
‫الص َلة ِف َظنّه َف ُه َو ِف‬ ‫ِ ِ‬
‫َو ُه َو ِف َّ‬
‫الص َلة‪ُ ،‬قلت إِن ََّم َو َق َع َب ْعد انْق َضاء َّ‬ ‫َو َق َع ت َْشبِيكه‬
‫(((‬
‫الص َلة" اهـ‪.‬‬ ‫ُحكْم ا ُملن َ ِ‬
‫ْصف َع ْن َّ‬
‫ويف ((املوسوعة الفقهية الكويتية)) ما نصه‪" :‬أمجع الفقهاء عىل ّ‬
‫أن تشبيك‬
‫( ّ‬
‫أن رسول اهلل‬ ‫الصالة مكروه‪ ،‬ملا روي عن كعب بن عجرة‬
‫األصابع يف ّ‬
‫بني أصابعه)"‪.‬‬ ‫ففرج رسول اهلل‬
‫الصالة‪ّ ،‬‬
‫رأى رجال قد ش ّبك أصابعه يف ّ‬

‫((( ((مغني املحتاج))‪.403/1 :‬‬


‫((( ((عون املعبود))‪.589/1 :‬‬
‫(‪)379‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫يف ا ّلذي ّ‬
‫يصل وهو يش ّبك أصابعه "تلك صالة املغضوب‬ ‫وقال ابن عمر‬
‫عليهم"‪.‬‬
‫وأ ّما تشبيكها يف املسجد يف غري صالة‪ ،‬ويف انتظارها أي حيث جلس ينتظرها‪،‬‬
‫والشافع ّية واحلنابلة بكراهة التّشبيك حينئذ؛ ّ‬
‫ألن‬ ‫أو ماشيا إليها ‪ ..‬فقد قال احلنف ّية ّ‬
‫الصحيحني))‪َ (( :‬ل َيز َُال َأ َحدُ ك ُْم ِف‬ ‫الصالة؛ حلديث (( ّ‬ ‫الصالة هو يف حكم ّ‬ ‫انتظار ّ‬
‫الص َل ُة َ ْتبِ ُس ُه)) وملا روى أمحد وأبو داود وغريمها مرفوعا‪(( :‬إِ َذا‬ ‫ت َّ‬ ‫َص َل ٍة َما َد َام ْ‬
‫ي َيدَ ْي ِه‪،‬‬
‫ك َب ْ َ‬‫ج ِد ‪َ ..‬ف َل ُي َش ِّب ْ‬
‫وء ُه‪ُ ،‬ث َّم َخ َر َج َع ِامدً ا إِ َل ا َمل ْس ِ‬
‫ت ََو َّض َأ َأ َحدُ ك ُْم‪َ ،‬ف َأ ْح َس َن ُو ُض َ‬
‫َان َأ َحدُ ك ُْم‬ ‫قال‪(( :‬إِ َذا ك َ‬ ‫ّبي‬‫أن الن ّ‬ ‫اخلدري ّ‬ ‫ّ‬ ‫الص َل ِة)) وما روى أبو سعيد‬ ‫َفإِ َّن ُه ِف َّ‬
‫ان‪َ ،‬وإِ َّن َأ َحدَ ك ُْم َل َيز َُال ِف َص َل ٍة‬ ‫الش ْي َط ِ‬ ‫يك ِم ْن َّ‬ ‫ج ِد َف َل ُي َش ِّبك ََّن‪َ ،‬فإِ َّن الت َّْشبِ َ‬ ‫ِف ا َمل ْس ِ‬
‫(((‬
‫ي ُر َج ِمنْ ُه))‪.‬‬
‫ج ِد َحتَّى َ ْ‬ ‫َما َدا َم ِف ا َمل ْس ِ‬

‫يقول‪(( :‬إِ َذا ت ََو َّض َأ‬ ‫قال‪ :‬سمعت رسول اهلل‬ ‫وعن كعب بن عجرة‬
‫(((‬
‫ي َيدَ ْي ِه‪َ ،‬فإِ َّن ُه ِف َص َل ٍة))(((" اهـ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َأ َحدُ ك ُْم‪ُ ،‬ث َّم َخ َر َج َعامدً ا إِ َل الصالة‪َ ..‬ف َل ُي َش ِّبك ََّن َب ْ َ‬
‫قال اإلمام النووي يف ((املجموع))‪" :‬يكره تفقيع االصابع وتشبيكها يف‬
‫الصالة‪ ،‬ويستحب ملن خرج إىل الصالة أن ال يعبث يف طريقه وأن ال يشبك‬
‫(((‬
‫أصابعه" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬املؤمن يف حاجة أخيه املؤمن‪ ،‬فال يستغني عنه‪.‬‬

‫((( أخرجه اإلمام أمحد يف ((مسنده))‪.‬‬


‫((( أخرجه أبو داود والرتمذي‪.‬‬
‫((( ((املوسوعة الفقهية))‪.4164/2 :‬‬
‫((املجموع رشح املهذب))‪)105/4 :‬‬ ‫((( ‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)380‬‬

‫‪2 .2‬جيب عىل املؤمن تعظيم حقوق املسلمني‪.‬‬


‫‪3 .3‬احلث عىل الرتاحم والتعاون بني املؤمنني فيام ليس بمكروه وال حرام‪.‬‬
‫(‪)381‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث السابع واألربعون‬

‫ني ِف‬ ‫ِِ‬ ‫َع ْن النُّ ْع َم ِن ْب ِن َب ِشري‬


‫‪َ (( :‬م َث ُل ا ُمل ْؤمن َ‬ ‫ول اهلل‬‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫اجل َس ِد‪ ،‬إِ َذا ْاش َتكَى ِمنْ ُه ُع ْض ٌو ‪ ..‬تَدَ ا َعى َل ُه َسائِ ُر‬
‫ت ََوا ِّد ِه ْم َوت ََر ُاحِ ِه ْم َو َت َعا ُط ِف ِه ْم‪َ ،‬م َث ُل َ‬
‫الس َه ِر َو ُ‬ ‫َ ِ‬
‫احل َّمى)) متفق عليه‪.‬‬ ‫اجل َسد بِ َّ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث‬ ‫هو الصحايب اجلليل النعامن بن بشري‬
‫الثاين والثالثني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫ِِ‬
‫ني)) هكذا عند مسلم‪ ،‬ويف لفظ البخاري‪(( :‬ت ََرى‬ ‫‪َ (( :‬م َث ُل ا ُمل ْؤمن َ‬ ‫قوله‬
‫ِِ‬
‫(((‬
‫ني))‪ ،‬قال بن أيب مجرة‪ :‬املراد من يكون إيامنه كامالً‪.‬‬ ‫ا ُمل ْؤمن َ‬
‫(( ِف ت ََوا ِّد ِه ْم)) بتشديد الدال‪ ،‬واألصل التوادد فأدغم‪،‬والتوادد تفاعل من‬
‫املودة‪ ،‬والود والوداد بمعنى‪ ،‬وهو تقرب شخص من آخر بام حيب‪.‬‬
‫قال القرطبي‪ :‬ووقع يف رواية توادهم بغري ((يف)) ويصح ذلك ويكون خمفوض ًا‬
‫(((‬
‫عىل أنه بدل اشتامل من املؤمنني‪ .‬اهـ‬

‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.495/10 :‬‬


‫((( انظر‪(( :‬دليل الفاحلني))‪.7/2 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)382‬‬

‫(( َوت ََر ُاحِ ِه ْم))‪ ،‬أي‪ :‬تالطفهم‪ ،‬وقدم البخاري يف اللفظ‪ ،‬فقال‪(( :‬ت ََر ُاحِ ِه ْم‬
‫َوت ََوا ِّد ِه ْم))‪.‬‬
‫(( َو َت َعا ُط ِف ِه ْم))‪ ،‬قال بن أيب مجرة‪" :‬الذي يظهر أن الرتاحم والتوادد والتعاطف‬
‫وإن كانت متقاربة يف املعنى لكن بينها فرق لطيف‪ ،‬فأما الرتاحم ‪ ..‬فاملراد به أن‬
‫يرحم بعضهم بعض ًا بأخوة اإليامن ال بسبب يشء آخر‪ ،‬وأما التوادد ‪ ..‬فاملراد به‬
‫التواصل اجلالب للمحبة كالتزاور والتهادي‪ ،‬وأما التعاطف ‪ ..‬فاملراد به إعانة‬
‫(((‬
‫بعضهم بعض ًا كام يعطف الثوب عليه ليقويه" اهـ‪.‬‬
‫اح ٍد‪،‬‬
‫ُون كَرج ٍل و ِ‬ ‫ِ‬
‫وجاء يف رواية عند مسلم وأمحد عن النعامن كذلك‪(( :‬ا ُمل ْؤمن َ َ ُ َ‬
‫الس َه ِر))‪.‬‬ ‫اجل َس ِد بِ ُ‬
‫احل َّمى َو َّ‬ ‫إِ ْن ْاش َتكَى َر ْأ ُس ُه ‪ ..‬تَدَ ا َعى َل ُه َسائِ ُر َ‬
‫اجل َس ِد))‪ ،‬أي‪ :‬بالنسبة إىل مجيع أعضائه‪ ،‬ووجه التشبيه فيه التوافق يف‬
‫(( َم َث ُل َ‬
‫التعب والراحة‪ ،‬كام بينه بعد ذلك بقوله‪:‬‬
‫اجل َس ِد))‪ ،‬أي‪ :‬دعا بعضه بعض ًا إىل‬
‫((إِ َذا ْاش َتكَى ِمنْ ُه ُع ْض ٌو ‪ ..‬تَدَ ا َعى َل ُه َسائِ ُر َ‬
‫املشاركة يف األمل‪ ،‬يقال تداعت احليطان‪ :‬أي تساقطت أو كادت‪.‬‬
‫الس َه ِر َو ُ‬
‫احل َّمى))‪ ،‬الظرف متعلق بتداعى‪ ،‬أما السهر ‪ ..‬فألن األمل يمنع‬ ‫((بِ َّ‬
‫عرف حذاق األطباء احلمى بأهنا‬
‫النوم‪ ،‬وأما احلمى ‪ ..‬فألن فقد النوم يثريها‪ ،‬وقد ّ‬
‫حرارة غريزية تشتعل يف القلب‪ ،‬فتشب منه يف مجيع البدن‪ ،‬فتشتعل اشتعاالً يرض‬
‫(((‬
‫باألفعال الطبيعية‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر يف ((فتح الباري))‪" :‬قال القايض عياض‪ :‬فتشبيهه‬
‫املؤمنني باجلسد الواحد متثيل صحيح‪ ،‬وفيه تقريب للفهم‪ ،‬وإظهار للمعاين يف‬

‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.495/10 :‬‬


‫((( املرجع السابق‪.‬‬
‫(‪)383‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫الصور املرئية‪ ،‬وفيه تعظيم حقوق املسلمني‪ ،‬واحلض عىل تعاوهنم‪ ،‬ومالطفة‬
‫بعضهم بعض ًا‪.‬‬
‫اإليامن باجلسد‪ ،‬وأهله باألعضاء؛ ألن‬ ‫وقال بن أيب مجرة‪ :‬شبه النبي‬
‫اإليامن أصل‪ ،‬وفروعه التكاليف‪ ،‬فإذا أخل املرء بيشء من التكاليف ‪ ..‬شأن ذلك‬
‫االخالل األصل‪ ،‬وكذلك اجلسد أصل كالشجرة‪ ،‬وأعضاؤه كاألغصان‪ ،‬فإذا‬
‫اشتكى عضو من األعضاء ‪ ..‬اشتكت األعضاء كلها كالشجرة إذا رضب غصن‬
‫(((‬
‫من أغصاهنا ‪ ..‬اهتزت األغصان كلها بالتحرك واالضطراب" اهـ‪.‬‬
‫قال ابن رجب احلنبيل‪" :‬وهذا ُّ‬
‫يدل عىل َّ‬
‫أن املؤم َن يسوؤه ما يسو ُء أخاه‬
‫(((‬
‫وي ِزنُه ما ُيزنه" اهـ‪.‬‬
‫املؤمن‪ُ ،‬‬
‫وقال املناوي يف ((فيض القدير))‪" :‬ثم لفظ احلديث خرب‪ ،‬ومعناه أمر‪ ،‬أي‪ :‬كام أن‬
‫الرجل إذا تأمل بعض جسده ‪ ..‬رسى ذلك األمل إىل مجيع جسده‪ ،‬فكذا املؤمنون ليكونوا‬
‫كنفس واحدة‪ ،‬إذا أصاب أحدهم مصيبة ‪ ..‬يغتم مجيعهم ويقصدوا إزالتها" اهـ‪.‬‬
‫(((‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬تعظيم حقوق املسلمني واحلض عىل معاونتهم ومالطفة بعضهم بعض ًا‪.‬‬
‫‪2 .2‬املؤمن يتفقد أحوال أخيه املؤمن ليكون عون ًا له‪ ،‬فإنه يتأثر بام يتأثر به أخوه‪.‬‬
‫وي ِزنُه ما ُيزنه‪ ،‬كام يفرحه ما يفرحه‪.‬‬
‫‪3 .3‬املؤم َن يسوؤه ما يسو ُء أخاه املؤمن‪ُ ،‬‬

‫((( ((فتح الباري))‪.495/10 :‬‬


‫((( ((جامع العلوم واحلكم))‪.)196( :‬‬
‫((( ((فيض القدير))‪.470/7 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)384‬‬

‫احلديث الثامن واألربعون‬

‫َّاس َل‬
‫‪َ (( :‬م ْن َل َي ْر َح ْم الن َ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهلل‬ ‫َع ْن َج ِر ِير ْب ِن َع ْب ِداهلل‬
‫ح ُه اهللُ)) متفق عليه‪.‬‬
‫َي ْر َ ْ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمــــه‬
‫هو الصحايب اجلليل املشهور جرير بن عبداهلل بن جابر وهو الشليل بن مالك‬
‫ابن نرضة بن ثعلبة ابن جشم بن عويف بن خزيمة بن حرب بن عيل بن مالك بن‬
‫سعد ابن نذير بن قرس وهو مالك بن عبقر بن أنامر بن إراش بن عمرو بن الغوث‬
‫البجيل‪.‬‬
‫قال يف ((االستيعاب)) بعد أن ساق نسبه الذي ذكرناه‪" :‬واختلف يف بجيلة‪،‬‬
‫فقيل‪ :‬ما ذكرنا‪ ،‬وقيل‪ :‬إهنم من ولد أنامر بن نزار عىل ما ذكرناه يف كتاب القبائل‪،‬‬
‫ومل خيتلفوا أن بجيلة أمهم نسبوا إليها‪ ،‬وهي بجيلة بنت صعب بن عيل بن سعد‬
‫العشرية‪ ،‬قال ابن إسحاق‪ :‬جرير بن عبداهلل البجيل سيد قبيلتهم ‪ -‬يعني بجيلة ‪-‬‬
‫قال‪ :‬وبجيلة هو ابن أنامر بن نزار بن معد بن عدنان‪ ،‬وقال مصعب‪ :‬أنامر بن نزار‬
‫(((‬
‫ابن معد بن عدنان منهم بجيلة" اهـ‪.‬‬
‫وأرضاه بأيب عمرو‪ ،‬وقيل‪ :‬أيب عبداهلل‪.‬‬ ‫يكنى‬

‫((( ((االستيعاب))‪.70/1 :‬‬


‫(‪)385‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(((‬
‫وليس يف الصحابة جرير بن عبداهلل البجيل إال هذا‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫إسالمــــه‬
‫‪ ،‬واختلفوا يف‬ ‫وأرضاه يف العام الذي تويف فيه رسول اهلل‬ ‫أسلم‬
‫زمن إسالمه‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬أسلم يف رمضان يف السنة العارشة من اهلجرة كام يف‬
‫بأربعني يوم ًا‪ ،‬وقد‬ ‫((عمدة القاري))‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬إنه أسلم قبل وفاة النبي‬
‫بأربعني يوما" أخرجه‬ ‫حكى هو ذلك عن نفسه فقال‪" :‬أسلمت قبل وفاة النبي‬
‫ابن خزيمة‪.‬‬
‫‪َ :‬أ َّن‬ ‫قال احلافظ ابن حجر يف ((فتح الباري)) عند ذكر حديث جرير‬
‫َّاس‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ل ت َْر ِج ُعوا َب ْع ِدي ُك َّف ًارا‬ ‫الو َداعِ‪ْ (( :‬اس َتن ِْص ْ‬
‫ت الن َ‬
‫ِ‬
‫َق َال َل ُه ِف َح َّجة َ‬ ‫النَّبِ َّي‬
‫ض)) أخرجه البخاري‪ ،‬قال احلافظ‪" :‬جزم بن عبدالرب‬ ‫ض ُب َب ْع ُضك ُْم ِر َق َ‬
‫اب َب ْع ٍ‬ ‫َي ْ ِ‬
‫بأربعني يوم ًا‪ ،‬وما جزم به يعارضه قول البغوي‬ ‫بأنه أسلم قبل موت النبي‬
‫وبن حبان أنه أسلم يف رمضان سنة عرش‪ ،‬ووقع يف رواية املصنف هلذا احلديث يف‬
‫قال جلرير‪ ،‬وهذا ال حيتمل التأويل‪ ،‬فيقوى ما قال‬ ‫باب حجة الوداع بأن النبي‬
‫(((‬
‫البغوي‪ ،‬واهلل أعلم" اهـ‪.‬‬
‫((األوسط))‬ ‫وقال يف ((اإلصابة))‪" :‬اختلف يف وقت إسالمه‪ ،‬ففي الطرباين‬
‫من طريق حصني بن عمر األمحيس عن إسامعيل بن أيب خالد عن قيس بن أيب حازم‬
‫أتيته فقال‪(( :‬ما جاء بك؟)) قلت‪ :‬جئت ألسلم‪،‬‬ ‫عن جرير قال‪ :‬ملا بعت النبي‬
‫فألقى إيل كساءه وقال‪(( :‬إذا أتاكم كريم قوم ‪ ..‬فأكرموه)) ‪.‬‬
‫حصني فيه ضعف‪ ،‬ولو صح ‪ ..‬حلمل عىل املجاز‪ ،‬أي‪ :‬ملا بلغنا خرب بعث‬
‫((( انظر‪(( :‬عمدة القاري))‪.439/1 :‬‬
‫((( ((فتح الباري))‪.256/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)386‬‬

‫‪ ،‬ثم دعا إىل اهلل‪ ،‬ثم قدم املدينة‪،‬‬ ‫‪ ،‬أو عىل احلذف‪ ،‬أي‪ :‬ملا بعث النبي‬ ‫النبي‬
‫ثم حارب قريش ًا وغريهم‪ ،‬ثم فتح مكة‪ ،‬ثم وفدت عليه الوفود‪.‬‬
‫بأربعني يوم ًا‪ ،‬وهو غلط‪،‬‬ ‫وجزم بن عبدالرب عنه بأنه أسلم قبل وفاة النبي‬
‫قال له‪(( :‬استنصت الناس يف حجة الوداع)) ‪.‬‬ ‫ففي ((الصحيحني)) عنه أن النبي‬
‫يف شهر رمضان سنة عرش‪ ،‬وأن بعثه‬ ‫وجزم الواقدي بأنه وفد عىل النبي‬
‫حجة الوداع من عامه‪.‬‬ ‫إىل ذي اخللصة كان بعد ذلك‪ ،‬وأنه وايف مع النبي‬
‫وفيه عندي نظر؛ ألن رشيك ًا حدث عن الشيباين عن الشعبي عن جرير‬
‫‪(( :‬إن أخاكم النجايش قد مات‪ ))...‬احلديث أخرجه‬ ‫قال‪ :‬قال لنا رسول اهلل‬
‫الطرباين‪ ،‬فهذا يدل عىل أن إسالم جرير كان قبل سنة عرش؛ ألن النجايش مات قبل‬
‫(((‬
‫ذلك" اهـ‪.‬‬
‫ويف مسلم‪ ،‬وأمحد‪ ،‬وأيب داود‪ ،‬والرتمذي‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬وغريهم‪ :‬أن إسالمه‬
‫كان بعد نزول املائدة‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫فضائلـــه‬
‫ُمن ُْذ‬ ‫قال‪َ :‬ما َح َج َبنِي النَّبِ ُّي‬ ‫حيبه وجيله‪ ،‬فعنه‬ ‫كان رسول اهلل‬
‫َأ ْس َل ْم ُت‪َ ،‬و َل َر ِآن إِ َّل َت َب َّس َم ِف َو ْج ِهي‪َ ،‬و َل َقدْ َشك َْو ُت إِ َل ْي ِه إِ ِّن َل َأ ْث ُب ُت َع َل اخلَ ْي ِل‪،‬‬
‫اد ًيا َم ْه ِد ًّيا)) أخرجه البخاري‬ ‫َف َضب بِي ِد ِه ِف صدْ ِري‪ ،‬و َق َال‪((:‬ال َّلهم َثب ْته‪ ،‬واجعله ه ِ‬
‫ُ َّ ِّ ُ َ ْ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ومسلم‪.‬‬
‫وقد شهد له رسول اهلل ‪ ،‬وأي شهادة يف اخللق أعظم من شهادته‬
‫اح َلتِي‪،‬‬
‫َخ ُت ر ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫قال حيدث عن مقدمه إىل املدينة‪ََّ :‬لا َدن َْو ُت م ْن ا َملدينَة َأن ْ َ‬ ‫فعنه‬

‫((( ((اإلصابة))‪.303/1 :‬‬


‫(‪)387‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ب‪َ ،‬ف َر َم ِان‬
‫ي ُط ُ‬
‫َْ‬ ‫ول اهلل‬ ‫لت‪َ ،‬فإِ َذا َر ُس ُ‬ ‫لت َع ْي َبتِي‪ُ ،‬ث َّم َلبِ ْس ُت ُح َّلتِي‪ُ ،‬ث َّم َد َخ ُ‬ ‫ُث َّم َح َل ُ‬
‫ول اهلل ؟ َق َال‪َ :‬ن َع ْم َذك ََر َك‬ ‫يس‪َ :‬يا َع ْبدَ اهلل َذك ََر ِن َر ُس ُ‬ ‫لت ِل ِل ِ‬ ‫َّاس بِا ِ‬
‫حلدَ ق‪َ ،‬ف ُق ُ َ‬ ‫َ‬ ‫الن ُ‬
‫ب إِ ْذ َع َر َض َل ُه ِف ُخ ْط َبتِ ِه‪َ ،‬و َق َال‪َ ((:‬يدْ ُخ ُل َع َل ْيك ُْم ِم ْن‬
‫ي ُط ُ‬ ‫آنِ ًفا بِ َأ ْح َس ِن ِذك ٍْر‪َ ،‬ف َب ْين ََم ُه َو َ ْ‬
‫اب‪َ ،‬أو ِمن ه َذا ال َفج ِمن َخ ِي ِذي يم ٍن إِ َّل َأ َّن ع َل وج ِه ِه مسح َة م َل ٍ‬
‫ك))‪.‬‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫ِّ ْ ْ‬ ‫َه َذا ال َب ِ ْ ْ َ‬
‫َع َل َما َأ ْب َل ِن‪ .‬أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫َق َال َج ِر ٌير‪َ :‬ف َح ِمدْ ُت اهللَ‬
‫عىل هيئة عالية من اجلامل واحلسن حتى سامه سيدنا عمر بن‬ ‫وكان‬
‫اخلطاب يوسف هذه األمة‪ ،‬فعن إبراهيم بن جرير‪ :‬أن عمر بن اخلطاب قال إن‬
‫جريرا يوسف هذه األمة‪ .‬أخرجه بن سعد‪.‬‬
‫يعجب من عقل جرير ومجاله‪.‬‬ ‫وعن عيسى بن يزيد‪ :‬كان النبي‬
‫(((‬
‫ال يصل إىل سنام البعري‪ ،‬وكان نعله ذراع ًا‪.‬‬
‫طوي ً‬ ‫وكان‬
‫ومن طريق إبراهيم بن إسامعيل الكهييل قال‪ :‬كان طول جرير ستة أذرع‪ ،‬كام‬
‫(((‬
‫يف ((اإلصابة))‪.‬‬
‫ات ا ُمل ِغ َري ُة‬
‫ول ‪َ -‬ي ْو َم َم َ‬ ‫اد ْب ِن ِع َل َق َة َق َال َس ِم ْع ُت َج ِر َير ْب َن َع ْب ِداهلل َي ُق ُ‬ ‫و َعن ِزي ِ‬
‫ْ َ‬
‫يك َل ُه‪،‬‬ ‫ش َ‬ ‫اء اهلل َو ْحدَ ُه َل َ ِ‬ ‫ابن ُشعب َة ‪َ -‬قام َفح ِمدَ اهللَ و َأ ْثنَى ع َلي ِه‪ ،‬و َق َال‪ :‬ع َليكُم بِا ِّت َق ِ‬
‫َ ْ ْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ُ َْ‬
‫اس َت ْع ُفوا ِلَ ِم ِريك ُْم؛‬ ‫اآلن‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪ْ :‬‬‫الس ِكين َِة َحتَّى َي ْأتِ َيك ُْم َأ ِم ٌري‪َ ،‬فإِن ََّم َي ْأتِيك ُْم َ‬ ‫ار َو َّ‬‫الو َق ِ‬
‫َو َ‬
‫لت‪ُ :‬أ َب ِاي ُع َك َع َل‬ ‫ب ال َع ْف َو‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ :‬أ َّما َب ْعدُ ‪َ :‬فإِ ِّن َأ َت ْي ُت النَّبِ َّي ‪ُ .‬ق ُ‬ ‫َفإِ َّنه ك َ ِ‬
‫َان ُي ُّ‬ ‫ُ‬
‫ش َط َع َ َّل َوالن ُّْص ِح لِك ُِّل ُم ْس ِل ٍم‪َ ،‬ف َبا َي ْع ُت ُه َع َل َه َذا‪َ ،‬و َر ِّب َه َذا ا َمل ْس ِج ِد إِ ِّن‬ ‫اإل ْس َل ِم‪َ ،‬ف َ َ‬ ‫ِ‬
‫اس َت ْغ َف َر َون ََز َل" أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َلنَاص ٌح َلك ُْم ُث َّم ْ‬

‫((( انظر‪(( :‬دليل الفاحلني))‪.374/1 :‬‬


‫((( انظر‪(( :‬اإلصابة))‪.304/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)388‬‬

‫الس ْم ِع َوال َّطا َع ِة‪َ ،‬ف َل َّقنَنِي فِ َيم‬


‫َع َل َّ‬ ‫قال‪َ " :‬با َي ْع ُت النَّبِ َّي‬ ‫ويف لفظ أنه‬
‫اس َت َط ْع ُت َوالن ُّْص ِح لِك ُِّل ُم ْس ِل ٍم" أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ْ‬
‫‪" :‬يرمحك اهلل‪ ،‬نعم السيد كنت يف‬ ‫وقد قال سيدنا عمر بن اخلطاب‬
‫(((‬
‫اجلاهلية‪ ،‬ونعم السيد أنت يف اإلسالم"‪.‬‬
‫قال ابن سعد‪ :‬وقال يزيد بن جرير عن أبيه‪:‬إن عمر قال له والناس يتحامون‬
‫العراق وقتال االعاجم‪ :‬رس بقومك‪ ،‬فام غلبت عليه فلك ربعه‪ ،‬فلام مجعت الغنائم‬
‫غنائم جلوالء ‪ ..‬إدعى جرير أن له ربع ذلك كله‪ ،‬فكتب سعد إىل عمر بن اخلطاب‬
‫بذلك‪ ،‬فكتب عمر‪ :‬صدق جرير‪ ،‬قد قلت ذلك له‪ .‬قال‪ :‬فإن شاء أن يكون‬
‫قات ََل هو وقومه عىل ُجعل ‪ ..‬فاعطوه ُجعله‪ ،‬وإن يكن إنام قاتل هلل ولدينه وجنته‪،‬‬
‫فهو رجل من املسلمني له ما هلم وعليه ما عليهم‪.‬‬
‫فلام قدم الكتاب عىل سعد ‪ ..‬أخرب جريرا بذلك‪ ،‬فقال جرير‪ :‬صدق أمري‬
‫املؤمنني‪ ،‬ال حاجة يل بذلك‪ ،‬أنا رجل من املسلمني‪.‬‬
‫‪ ،‬ألقى له‬ ‫وعن عدي بن حاتم‪ ،‬قال‪ :‬ملا دخل ‪ -‬يعني جريرا ‪ -‬عىل النبي‬
‫‪(( :‬أشهد أنك ال تبغي علوا يف االرض‬ ‫وسادة‪ ،‬فجلس عىل األرض‪ ،‬فقال النبي‬
‫وال فسادا)) فأسلم‪.‬‬
‫يم َق ْو ٍم َف َأك ِْر ُمو ُه)) أخرجه ابن ماجه‬
‫بعد ذلك‪(( :‬إِ َذا َأتَاك ُْم ك َِر ُ‬ ‫ثم قال النبي‬
‫عن ابن عمر‪.‬‬
‫كرم اهلل وجهه‪" :‬جرير منا أهل البيت ظهرا‬
‫وقد قال سيدنا عيل بن ايب طالب ّ‬
‫لبطن)) قاهلا ثالث‪ .‬أخرجه الطرباين يف املعجم الكبري‪.‬‬

‫((( أوردها ابن اجلوزي يف ((صفة الصفوة))‪ ،339/1 :‬والذهبي يف ((سري أعالم النبالء))‪.64/3 :‬‬
‫(‪)389‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫للتخلص من ذي اخللصة‪ ،‬فقد حكى‬ ‫الذي بعثه رسول اهلل‬ ‫وهو‬
‫اخل َل َص ِة؟))‪َ ،‬وك َ‬
‫َان‬ ‫حينِي ِم ْن ِذي َ‬ ‫ول اهلل ‪َ (( :‬أ َل ت ُِر ُ‬ ‫فقال‪َ :‬ق َال ِل َر ُس ُ‬ ‫ذلك‬
‫ح َس‪،‬‬ ‫س ِم ْن َأ ْ َ‬ ‫ار ٍ‬‫ني َو ِمائ َِة َف ِ‬ ‫خ ِس َ‬‫َب ْيتًا ِف َخ ْث َع َم ُي َس َّمى َك ْع َب َة ال َي َمنِ َي ِة‪َ .‬ق َال‪َ :‬فا ْن َط َل ْق ُت ِف َ ْ‬
‫ض َب ِف َصدْ ِري َحتَّى‬ ‫اب َخ ْي ٍل‪َ .‬ق َال‪َ :‬و ُكن ُْت َل َأ ْث ُب ُت َع َل اخلَ ْي ِل‪َ ،‬ف َ َ‬ ‫َوكَانُوا َأ ْص َح َ‬
‫اد ًيا َم ْه ِد ًّيا)) َفا ْن َط َل َق إِ َل ْي َها‬
‫ر َأي ُت َأ َثر َأصابِ ِع ِه ِف صدْ ِري‪ ،‬و َق َال‪(( :‬ال َّلهم َثب ْته واجعله ه ِ‬
‫ُ َّ ِّ ُ َ ْ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ول َج ِر ٍير‪َ :‬وا َّل ِذي‬ ‫ْب ُه‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫ُي ِ ُ‬ ‫ول اهلل‬‫َفكَس َها َو َحر َق َها‪ُ ،‬ثم َب َع َث إِ َل رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ََ‬
‫ف‪َ ،‬أ ْو َأ ْج َر ُب‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َب َار َك ِف‬ ‫ج ٌل َأ ْج َو ُ‬ ‫حل ِّق َما ِج ْئت َُك َحتَّى ت ََر ْكت َُها ك ََأ َّنَا َ َ‬ ‫َب َع َث َك بِا َ‬
‫خس مر ٍ‬ ‫ِ‬
‫ات‪ .‬أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ح َس َو ِر َجالَا‪َّ َ َ ْ َ ،‬‬ ‫َخ ْي ِل َأ ْ َ‬
‫َق َال‪:‬‬ ‫َس ْب ِن َمالِ ٍك‬
‫ال متواضعا منكرسا‪َ ،‬ف َع ْن َأن ِ‬ ‫رج ً‬ ‫وقد كان‬
‫ْب ِم ْن َأن ٍ‬
‫َس"‪َ .‬ق َال َج ِر ٌير‪" :‬إِ ِّن‬ ‫ِ‬ ‫" َص ِح ْب ُت َج ِر َير ْب َن َع ْب ِداهلل‪َ ،‬فك َ‬
‫َان َيْدُ ُمني‪َ ،‬و ُه َو َأك َ ُ‬
‫ون َش ْي ًئا َل َأ ِجدُ َأ َحدً ا ِمن ُْه ْم إِ َّل َأك َْر ْم ُت ُه" أخرجه البخاري‬
‫َر َأ ْي ُت األَن َْص َار َي ْصنَ ُع َ‬
‫ومسلم‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫حدث عنه كثريون‪ ،‬فمنهم‪ :‬أنس‪ ،‬وقيس بن أيب حازم‪ ،‬وأبو وائل‪ ،‬والشعبي‪،‬‬
‫ومهامابناحلارث‪،‬والشعبي‪،‬وأوالدهاالربعة‪:‬املنذر‪،‬وعبيداهلل‪،‬وإبراهيم‪-‬مليدركه‪-‬‬
‫وأيوب‪ ،‬وشهر بن حوشب‪ ،‬وزياد بن عالقة‪ ،‬وحفيده أبو زرعة بن عمرو بن‬
‫جرير‪ ،‬وأبو إسحاق السبيعي؛ ومجاعة‪.‬‬
‫مئة حديث‪ ،‬اتفق له الشيخان عىل ثامنية‬ ‫وقد روى عن رسول اهلل‬
‫أحاديث وانفرد البخاري بحديثني‪ ،‬ومسلم بستة‪.‬‬
‫وقال يف ((عمدة القاري))‪" :‬له مائة حديث‪ ،‬اتفقا منها عىل ثامنية‪ ،‬وانفرد‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)390‬‬

‫البخاري بحديث‪ ،‬ومسلم بستة كذا يف ((رشح قطب الدين)) ويف ((رشح النووي))‬

‫له مائتا حديث انفرد البخاري بحديث وقيل بستة ولعل صوابه ومسلم بستة بدل‬
‫وقيل بستة وقال الكرماين يف ((رشحه)) جلرير عن رسول اهلل مائة حديث ذكر‬
‫(((‬
‫البخاري منها تسعة وهذا غلط رصيح" اهـ‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫حتول عنها إىل قرقيسيا((( وهبا تويف‪.‬‬
‫الكوفة‪ ،‬ثم ّ‬ ‫نزل سيدنا جرير‬
‫سنة إحدى ومخسني للهجرة‪ ،‬وهو قول اهليثم‪ ،‬وخليفة‬ ‫وكانت وفاته‬
‫واألكثرون‪.‬‬
‫وقال ابن الكلبي‪ :‬مات سنة أربع ومخسني‪ ،‬وذكره ابن عبدالرب يف ((االستيعاب))‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬مات بالرساة يف والية الضحاك بن قيس عىل الكوفة ملعاوية‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪َ (( :‬م ْن َل َي ْر َح ْم الن َ‬
‫َّاس))‪ ،‬أي‪ :‬يعطف عليهم ويتعامل معهم بالرمحة‬ ‫قوله‬
‫والشفقة‪ ،‬وخص الناس بالذكر اهتامم ًا هبم‪ ،‬وإال فالرمحة مطلوبة لسائر املخلوقات‬
‫َق َال‪َ (( :‬ب ْينَا‬ ‫ول اهلل‬ ‫َأ َّن َر ُس َ‬ ‫الدواب والبهائم‪ ،‬فقد روى أبو ُه َر ْي َر َة‬ ‫ّ‬ ‫حتى‬
‫ش َب ِمن َْها‪ُ ،‬ث َّم َخ َر َج‪َ ،‬فإِ َذا ُه َو بِك ٍ‬
‫َلب‬ ‫اشتَدَّ َع َل ْي ِه ال َع َط ُش‪َ ،‬فنَز ََل بِئ ًْرا َف َ ِ‬
‫َر ُج ٌل َي ْم ِش‪َ ،‬ف ْ‬
‫ل ُخ َّف ُه‪،‬‬ ‫ش‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ل َقدْ َب َلغَ َه َذا ِم ْث ُل ا َّل ِذي َب َلغَ ِب‪َ ،‬ف َم َ َ‬ ‫ث َي ْأك ُُل ال َّث َرى ِم ْن ال َع َط ِ‬ ‫له ُ‬ ‫َي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ول اهلل‬ ‫َلب‪َ ،‬ف َشك ََر اهللُ َل ُه‪َ ،‬ف َغ َف َر َل ُه))‪َ .‬قا ُلوا‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫ُث َّم َأ ْم َس َك ُه بِفيه‪ُ ،‬ث َّم َرق َي َف َس َقى الك َ‬

‫((( ((عمدة القاري))‪.439/1 :‬‬


‫((( وهي بلدة باجلزيرة عىل الفرات عىل ستة فراسخ من رحبة مالك بن طوق قريبة من الرقة‪ ،.‬كام يف‬
‫((األنساب)) للسمعاين‪.‬‬
‫(‪)391‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫َوإِ َّن َلنَا ِف ال َب َه ِائ ِم َأ ْج ًرا؟! َق َال‪ِ (( :‬ف ك ُِّل َكبِ ٍد َر ْط َب ٍة َأ ْج ٌر)) أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫(( َل َي ْر َ ْ‬
‫ح ُه اهللُ))‪ ،‬أي‪ :‬ال تناله مغفرة اهلل وال رضاه‪ ،‬وال تصله نعمه‪ ،‬وهي‬
‫مغايرة للرمحة التي يف اإلنسان؛ إذ احلق سبحانه وتعاىل ال يامثله يشء‪ ،‬قال اهلل‬
‫تعاىل‪ :‬ﱹ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﱸ [الشورى‪ ،]11 :‬قال يف ((دليل‬
‫الفاحلني))‪" :‬قال العاقويل‪ :‬الرمحة بمعنى التعطف والرقة‪ ،‬فهي من اخللق باملعنى‪،‬‬
‫ومن اهلل باملعنى الغائي وهو الرىض عنه وإيصال النعم إليه‪.‬‬
‫قال الدماميني يف ((مصابيح اجلامع الصحيح))‪ :‬اعلم أنه جيوز عند املتكلمني‬
‫يف تأويل ما ال يسوغ نسبته إىل اهلل تعاىل عىل حقيقته اللغوية وجهان‪ :‬أحدمها احلمل‬
‫عىل اإلرادة‪ ،‬فيكون من صفات الذات‪ ،‬واآلخر احلمل عىل فعل اإلكرام‪ ،‬فيكون‬
‫من صفات األفعال كالرمحة‪ ،‬فإهنا يف اللغة مشتقة من الرحم‪ ،‬وحاصلها رقة طبيعية‬
‫وميل جبيل‪ ،‬وهذا مستحيل يف حق الباري‪ ،‬فمنهم من حيملها عىل إرادة اخلري‪،‬‬
‫ومنهم من حيملها عىل فعله‪ ،‬ثم بعد ذلك يتعني أحد التأويلني يف بعض السياقات‬
‫ملانع يمنع اآلخر كحديث ((خلق اهلل الرمحة يوم خلقها))‪ ،‬فيتعني تأويل الرمحة بفعل‬
‫اخلري؛ لتكون صفة فعل‪ ،‬فتكون حادثة عند األشعري‪ ،‬فيتسلط عليها اخللق‪ ،‬وال‬
‫يصح تأويلها فيه باإلرادة؛ ألهنا إذ ذاك من صفات الذات‪ ،‬فتكون قديمة‪ ،‬فيمتنع‬
‫تعلق اخللق هبا‪ ،‬ويتعني تأويلها باإلرادة يف قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﱸ [هود‪]43 :‬؛ ألنك لو محلتها عىل الفعل ‪ ..‬لكان العصمة بعينها‪،‬‬
‫فيكون استثناء اليشء من نفسه‪ ،‬وكأنك قلت‪ :‬ال عاصم إال العاصم‪ ،‬فتكون الرمحة‬
‫اإلرادة‪ ،‬والعصمة عىل باهبا لفعل املنع من املكروهات‪ ،‬كأنه قال‪ :‬ال يمنع املحذور‬
‫(((‬
‫إال من أراد له السالمة‪ ،‬فتأمل" اهـ‪.‬‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.11/2 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)392‬‬

‫قال يف ((فيض القدير))‪" :‬قال الطيبي‪ :‬الرمحة الثانية حقيقة‪ ،‬واألوىل جمازية؛‬
‫إذ الرمحة من اخللق العطف والرأفة‪ ،‬وهو ال جيوز عىل اهلل‪ ،‬ومن اهلل الرضا عمن‬
‫رمحه؛ ألن من رق له القلب ‪ ..‬فقد عرض له اإلنعام‪ ،‬أو إرادته‪ ،‬واجلزاء من جنس‬
‫(((‬
‫" اهـ‪.‬‬ ‫العمل‪ ،‬فمن رحم خلق اهلل‬
‫وينبغي للمؤمن أن يمتلئ قلبه بالرمحة حتى عىل البهائم كام يظهر من هذا‬
‫احلديث ومن نظرائه من األحاديت الصحيحة‪ ،‬قال ابن بطال يف ((رشحه عىل‬
‫صحيح البخاري))‪" :‬يف هذه األحاديث احلض عىل استعامل الرمحة للخلق كلهم‬
‫كافرهم ومؤمنهم وجلميع البهائم والرفق هبا‪ ،‬وأن ذلك مما يغفر اهلل به الذنوب‬
‫ويكفر به اخلطايا‪ ،‬فينبغي لكل مؤمن عاقل أن يرغب يف األخذ بحظه من الرمحة‪،‬‬
‫ويستعملها يف أبناء جنسه وىف كل حيوان‪ ،‬فلم خيلقه اهلل عب ًثا‪ ،‬وكل أحد مسئول‬
‫عام اسرتعيه وملكه من إنسان أو هبيمة التقدر عىل النطق وتبيني ماهبا من الرض‪،‬‬
‫وكذلك ينبغي أن يرحم كل هبيمة وإن كانت يف غري ملكه‪ ،‬أال ترى أن الذى سقى‬
‫الكلب الذى وجده بالفالة مل يكن له ملكًا فغفر اهلل له بتكلفة النزول يف البئر‬
‫وإخراجه املاء يف خفه وسقيه إياه‪ ،‬وكذلك كل مايف معنى السقي من اإلطعام‪ ،‬اال‬
‫َان َل ُه‬ ‫(( َما ِم ْن ُم ْسلِ ٍم َغ َر َس َغ ْر ًسا َف َأك ََل ِمنْ ُه إِن َْس ٌ‬
‫ان َأ ْو َدا َّب ٌة‪ ..‬إِ َّل ك َ‬ ‫ترى قوله‬
‫بِ ِه َصدَ َق ٌة))‪(((،‬مما يدخل يف معنى سقي البهائم وإطعامها التخفيف عنها يف أمحاهلا‬
‫وتكليفها ماتطيق محله‪ ،‬فذلك من رمحتها واإلحسان اليها‪ ،‬ومن ذلك ترك التعدي‬
‫يف رضهبا وأذاها وتسخريها يف الليل وىف غري أوقات السخرة‪ ،‬وقد هنينا يف العبيد‬
‫أن نكلفهم اخلدمة يف الليل فإن هلم الليل وملواليهم النهار‪ ،‬والدواب ومجيع البهائم‬

‫((( ((فيض القدير))‪.294/8 :‬‬


‫((( أخرجه البخاري‪.‬‬
‫(‪)393‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫داخلون يف هذا املعنى‪.‬‬
‫َان‬ ‫(( َما ِم ْن ُم ْسلِ ٍم َغ َر َس َغ ْر ًسا َف َأك ََل ِمنْ ُه إِن َْس ٌ‬
‫ان َأ ْو َدا َّب ٌة‪ ..‬إِ َّل ك َ‬ ‫ويف قوله‬
‫(((‬
‫َل ُه بِ ِه َصدَ َق ٌة)) دليل عىل أن ماذهب من مال املسلم بغري علمه أنه يؤجر عليه)) اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬احلض واحلرص عىل الرتاحم‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن الرمحة يف الدنيا موجبة للرمحة يف اآلخرة‪ ،‬ومن تركها يف الدنيا مل يستحقها‬
‫يف اآلخرة‪.‬‬
‫‪3 .3‬املؤمن يرحم مجيع املخلوقات لينال الرمحة من اهلل‪.‬‬

‫((( ((رشح ابن بطال))‪.266/17 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)394‬‬

‫احلديث التاسع واألربعون‬

‫َق َال‪(( :‬إِ َذا َص َّل َأ َحدُ ك ُْم لِلن ِ‬


‫َّاس‬ ‫َأ َّن َر ُس َ‬
‫ول اهلل‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫يم َوال َكبِ َري‪َ ،‬وإِ َذا َص َّل َأ َحدُ ك ُْم لِنَ ْف ِس ِه َفل ُي َط ِّول‬ ‫يف و ِ‬
‫الضع َ َ َّ‬
‫السق َ‬
‫يهم َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ف‪َ ،‬فإِ َّن ف ِ ْ‬ ‫َفل ُيخَ ِّف ْ‬
‫َما َش َ‬
‫اء)) متفق عليه‪.‬‬

‫™™رواي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث‬ ‫هو الصحايب اجلليل سيدنا أبو هريرة‬
‫األول‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫َّاس))‪ ،‬أي‪ :‬صىل إمام ًا للناس‪ ،‬أو ألجل‬ ‫قوله ‪(( :‬إِ َذا َص َّل َأ َحدُ ك ُْم لِلن ِ‬
‫ثواب الناس‪ ،‬أو خلريهم احلاصل من اجلامعة‪ ،‬ويف رواية ملسلم‪(( :‬إِ َذا َأ َّم َأ َحدُ ك ُْم‬
‫َّاس))‪ ،‬وهل الكالم يتعلق باإلمام الذي نص ّبه احلاكم أو أي إمام كان؟‬
‫الن َ‬
‫قال اإلمام زين الدين العراقي يف ((طرح التثريب))‪َ " :‬ما ا ُمل َرا ُد بِ َص َلتِ ِه لِلن ِ‬
‫َّاس؟‬
‫اإل َما ِم األَ ْع َظ ِم‪َ ،‬أ ْو ِم ْن ِج َه ِة نَاظِ ِر ا َمل ْس ِج ِد‬ ‫إل َما َم ِة ِم ْن ِج َه ِة ِ‬ ‫ُون إ َما ًما َمن ُْصو ًبا لِ ِ‬ ‫َأ ْن َيك َ‬
‫اإل َما َم ِة ِف َذلِ َك ا َمل َح ِّل َأ ْو َأ َع َّم ِم ْن َذلِ َك‬ ‫ا َّل ِذي ُي َص ِّل بِ ِه بِ َح ْي ُث َل َيت ََم َّك ُن َغ ْ ُي ُه ِم ْن ِ‬
‫إل َما َم ِة ِ ِب ْم بِ َح ْي ُث َل ْو َشا ُءوا َل َغ َّ ُيو ُه َو َأ َقا ُموا َغ ْ َي ُه ِف‬ ‫َو ِم ْن ك َْو ِن َأ ْه ِل ا َمل َح َّل ِة ن ََص ُبو ُه لِ ِ‬
‫إل َما َم ِة بِ َغ ْ ِي َت ْق ِدي ِم َأ َحد‪َ ٍ،‬أ ْو ك َْو ُن ُه َص َار إ َما ًما‬‫َذلِ َك‪َ ،‬أ ْو َأ َع َّم ِم ْن َذلِ َك َو ِم ْن َأ ْن َي َت َقدَّ َم لِ ِ‬
‫يم لِ َذلِ َك ِم ْن األَ َّو ِل؛ َبل َت َقدَّ َم لِ ُي َص ِّ َل ُمنْ َف ِر ًدا‪َ ،‬فتَا َب َع ُه َغ ْ ُي ُه‪َ ،‬فن ََوى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َل ْو َل ْ َي ْقصدْ ال َّت ْقد َ‬
‫(‪)395‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫الئْتِ َم َم َف َق ْط؛ ِلَ َّن ُه َي ِص ُري بِ َذلِ َك‬ ‫اإلمام َةبِ ِه بل نَوى ا َمل ْأموم ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫اإل َما َم َة بِه‪َ ،‬أ ْو َو َل ْو َل ْ َين ِْو ِ َ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي ُص ُل َل ُه َف ِضي َل ُة‬ ‫جا َع ٍة إ َما ًما َو َل ْو َل َين ِْو ُه َو ِ‬
‫اإل َما َم َة‪َ ،‬غا َي ُت ُه َأ َّن ُه َل َ ْ‬ ‫الشافِ ِع ِّي َو َ َ‬
‫ِعنْدَ َّ‬
‫ْ‬
‫الرابِ ُع‪َ ،‬ف َمتَى َص َار‬ ‫ِ ِ‬ ‫احتِ َم َل ٌت َ ْ‬ ‫ِ ِ‬ ‫جل َم َع ِة إ َذا َل َين ِْو ِ‬
‫خ َس ٌة‪َ ،‬و َأ ْر َج ُح َها عنْدي َّ‬ ‫اإل َما َم َة‪َ ،‬هذه ْ‬ ‫ْ‬ ‫ا َ‬
‫َّخ ِف ُ‬
‫يف‪َ ،‬و َأ َّما إ َذا َل ْ َين ِْو ُه َو‬ ‫ب َل ُه الت ْ‬ ‫ٍ‬ ‫إماما بنَيتِ ِه لِ ِ ِ‬
‫إل َما َمة َع َل َأ ِّي َو ْجه َت َقدَّ َم ‪ُ ..‬ي ْست ََح ُّ‬ ‫َ ً ُ َّ‬
‫(((‬
‫يف بِا ْقتِدَ ِاء َغ ْ ِي ِه بِ ِه‪ ،‬واهللُ َأ ْع َل ُم" اهـ‪.‬‬ ‫َّخ ِف ُ‬
‫ب َل ُه الت ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإل َما َم َة ‪َ ..‬فال َّظاه ُر َأ َّن ُه َل ُي ْست ََح ُّ‬
‫(( َفل ُيخَ ِّف ْ‬
‫ف)) صالته‪.‬‬
‫ضابط التخفيف في الصالة‪:‬‬
‫أختلف أهل العلم يف ضابط التخفيف يف الصالة فقال يف ((دليل الفاحلني))‪:‬‬
‫"بأن يقترص عىل أواسط املفصل وصغاره‪ ،‬ويف التسبيح يف الركوع والسجود عىل‬
‫(((‬
‫ثالث مرات‪ ،‬ويأيت بكامل التشهد والصالة عىل النبي" اهـ‪.‬‬
‫وقال ابن دقيق العيد‪" :‬التطويل والتخفيف من األمور اإلضافية‪ ،‬فقد يكون‬
‫(((‬
‫اليشء خفيفا بالنسبة إىل عادة قوم‪ ،‬طويال بالنسبة لعادة آخرين"‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫وقال احلافظ ابن حجر‪" :‬قلت‪ :‬وأوىل ما أخذ حد التخفيف من احلديث الذي‬
‫قال له‪(( :‬أنت‬ ‫أخرجه أبو داود والنسائي عن عثامن بن أيب العاص أن النبي‬
‫إمام قومك واقدر القوم بأضعفهم))((( إسناده حسن وأصله يف مسلم" اهـ‪ (((،‬ويف‬
‫َّاس بِ َأ ْض َع ِف ِه ْم‪َ ،‬فإِ َّن فِ ِ‬
‫يه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لفظ عند ابن ماجه‪َ (( :‬يا ُع ْث َم ُن َ َت َاو ْز ِف َّ‬
‫الص َلة‪َ ،‬وا ْقد ْر الن َ‬

‫((( ((طرح التثريب))‪.552/2 :‬‬


‫((( ((دليل الفاحلني))‪.12/2 :‬‬
‫((( ((فتح الباري))‪.226/2 :‬‬
‫ْت إِ َم ُام ُه ْم‪َ ،‬وا ْقت َِد بِ َأ ْض َع ِف ِه ْم))‪.‬‬
‫((( ونص احلديث عند أمحد‪ ،‬وأيب داود‪ ،‬والنسائي‪َ (( :‬أن َ‬
‫((( ((فتح الباري))‪.226/2 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)396‬‬

‫اج ِة))‪.‬‬ ‫يم‪َ ،‬وال َب ِعيدَ ‪َ ،‬و َذا َ‬


‫احل َ‬
‫ال َكبِري‪ ،‬والص ِغري‪ ،‬و ِ‬
‫السق َ‬
‫َ َ َّ َ َ َّ‬
‫اإل ْخ َل َل‬‫يف ا َّل ِذي َل َي ْب ُل ُغ ِ‬ ‫َّخ ِف ِ‬
‫وقال الباجي يف ((املنتقى))‪َ " :‬و َم ْعنَى َذلِ َك الت ْ‬
‫الص َل ُة إِ َّل بِ ِه َوالدَّ لِ ُيل‬ ‫يف ِما َزاد َع َل ال َفر ِ ِ‬
‫ض ا َّلذي َل ُ ْت ِز ُئ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َّخف ُ َّ َ‬
‫ض وإِنَّم هو الت ْ ِ‬
‫بِال َف ْر ِ َ َ ُ َ‬
‫(((‬
‫الص َل َة َو ُيك ِْم ُل َها" اهـ‪.‬‬
‫ُي َؤ ِّخ ُر َّ‬ ‫َان النَّبِ ُّي‬ ‫َع َل َذلِ َك َما ُر ِو َي َع ْن َأن ٍ‬
‫َس ك َ‬

‫واخلالصة أن التخفيف والتطويل خيتلف باختالف األحوال كام قاله اإلمام‬


‫الص َل ِة ُأ ِريدُ َأ ْن ُأ َط ِّو َل فِ َيها‪َ ،‬ف َأ ْس َم ُع‬
‫النووي فقد ورد عنه أنه قال‪(( :‬إِ ِّن َلَ ُقو ُم ِف َّ‬
‫اه َي َة َأ ْن َأ ُش َّق َع َل ُأ ِّم ِه)) أخرجه البخاري‪ ،‬ويف‬ ‫بكَاء الصبِي‪َ ،‬ف َأ َ َتو ُز ِف ص َل ِت كَر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َ َّ ِّ‬
‫الصبِ ِّي‪َ ،‬ف َأ َ َت َّو ُز‬ ‫ِ‬
‫َاء َّ‬‫الص َلة َف ُأ ِريدُ إِ َطا َلت ََها‪َ ،‬ف َأ ْس َم ُع ُبك َ‬
‫رواية له أيضا‪(( :‬إِ ِّن َلَ ْد ُخ ُل ِف َّ‬
‫ِمَّا َأ ْع َل ُم ِم ْن ِشدَّ ِة َو ْج ِد ُأ ِّم ِه ِم ْن ُبكَائِ ِه))‪ ،‬كام سيأيت إن شاء اهلل تعاىل رشحه يف احلديث‬
‫احلادي واخلمسني‪.‬‬
‫َأ َّن‬ ‫فاملهم يف ذلك أن ال خيل التخفيف بالصالة‪ ،‬فقد ورد َع ْن َأن ٍ‬
‫َس‬
‫َّاس َص َل ًة ِف َتَا ٍم‪ .‬أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫َان ِم ْن َأ َخ ِّ‬
‫ف الن ِ‬ ‫ك َ‬ ‫َر ُس َ‬
‫ول اهلل‬
‫قال احلافظ العراقي يف ((طرح التثريب))‪َ " :‬ق َال َأ ْص َحا ُبنَا َو َغ ْ ُي ُه ْم‪ :‬ا ُمل َرا ُد‬
‫يح ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الص َل ِة َأ ْن َيك َ‬ ‫بِت ْ ِ ِ‬
‫ي))‬ ‫الصح َ‬ ‫ُون بِ َح ْي ُث َل ُي ُّل بِ ُسنَن َها َو َم َقاصد َها‪َ ،‬و ِف (( َّ‬ ‫َخفيف َّ‬
‫ات‪َ ،‬و َب َّو َب‬ ‫يف‪ ،‬وي ُؤمنَا بِالصا َّف ِ‬ ‫َّخ ِف ِ‬
‫َي ْأ ُم ُرنَا بِالت ْ‬ ‫ول اهلل‬ ‫َان َر ُس ُ‬ ‫َس َق َال‪ :‬ك َ‬ ‫َع ْن َأن ٍ‬
‫َّ‬ ‫َ َ ُّ‬
‫َّخ ِف ِ‬ ‫يل بعدَ َذك َِر ِه َأح ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يف‪،‬‬ ‫يث الت ْ‬ ‫اد َ‬ ‫َ‬ ‫الر ْخ َص ُة ِف ال َّت ْط ِو ِ َ ْ‬ ‫الن ََّسائ ّي َع َل َحديث ا ْب ِن ُع َم َر ُّ‬
‫ور بِ ِه‪َ ،‬و َق َال ا ْب ُن َح ْز ٍم‬ ‫يف ا َمل ْأ ُم ِ‬‫َّخ ِف ِ‬
‫ان لِلت ْ‬ ‫يت ََم ُل َأ َّن َه َذا َل ْي َس َت ْط ِو ًيل‪َ ،‬وإِن ََّم ُه َو َب َي ٌ‬ ‫َو ُ ْ‬
‫اص‪َ (( :‬وا ْقت َِد بِ َأ ْض َع ِف ِه ْم))‪:‬‬ ‫يث ُع ْثم َن ب ِن َأ ِب الع ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫ِف ح ِد ِ‬
‫َ‬ ‫اه ِر ُّي ََّلا َذك ََر َق ْو َل ُه‬ ‫ال َّظ ِ‬

‫اج ًة ِم ْن‬ ‫ف َم ْن َخل َف ُه َو َأ َم ُّس ُه ْم َح َ‬ ‫يت َِم ُل َأ ْض َع ُ‬ ‫َّخفيف‪َ ،‬و ُه َو َأ ْن َينْ ُظ َر َما َ ْ‬
‫ه َذا حدُّ الت ْ ِ ِ‬
‫َ َ‬

‫((( ((املنتقى))‪.313/1 :‬‬


‫(‪)397‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ب َذلِ َك‪ .‬ا ْنت ََهى‪.‬‬ ‫وف والركُو ِع والسج ِ‬
‫ود‪َ ،‬فل ُي َص ِّل َع َل َح َس ِ‬ ‫َ ُّ ُ‬ ‫َ ُّ‬
‫الو ُق ِ‬
‫ُ‬
‫ات‬ ‫يف ِمن تَسبِيح ِ‬ ‫وهو ِعن ِْدي حسن؛ َل ِكن َضب َط َأصحابنَا ما َيص ُل بِ ِه الت ْ ِ‬
‫َّخف ُ ْ ْ َ‬ ‫ْ َ ْ َ ُ َ ْ ُ‬ ‫َ َ ٌ‬ ‫َ ُ َ‬
‫ها بِ َم َقدَّ ْمنَا فِ َيم َذك ََر ُه ا ْب ُن َح ْز ٍم ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس ُجود َو َغ ْ ِي َ‬ ‫الركُو ِع َو ُّ‬ ‫ُّ‬
‫س‪،‬‬ ‫خ ٍ‬ ‫ات‪َ ،‬و ِق َيل‪ْ َ :‬‬‫ث تَسبِيح ٍ‬
‫ْ َ‬
‫ود َع َل َث َل ِ‬ ‫َف َقا ُلوا‪ :‬إ َّنه ي ْقت َِص ِف الركُو ِع والسج ِ‬
‫َ ُّ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ َ ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫جدْ ت)‬ ‫الركُوعِ‪َ ،‬و َل (ال َّل ُه َّم َلك َس َ‬ ‫َو َل َي ُض ُّم إ َل ْيه‪( :‬ال َّل ُه َّم َلك َر َك ْعت) َإل آخ ِره ِف ُّ‬
‫ِ‬ ‫ون‪َ ،‬و َر ُضوا بِال َّت ْط ِو ِ‬ ‫ص ا َمل ْأ ُمو ُم َ‬ ‫آخ ِر ِه ِف السج ِ‬ ‫َإل ِ‬
‫َص‬ ‫يل‪َ ،‬و َأ َّن ُه َي ْقت ُ‬ ‫إن ان َْح َ َ‬ ‫ود‪َّ ،‬إل ْ‬ ‫ُّ ُ‬
‫ض َو ِمل َء‬ ‫ات َو ِمل َء األَ ْر ِ‬ ‫ال َع َل َقولِ ِه‪( :‬ربنَا َلك احلمدُ ِملء السمو ِ‬
‫َ َّ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫ال ْعتِدَ ِ‬ ‫ِف ِ‬
‫آخ ِر ِه‪َّ ،‬إل ْ‬ ‫َاء وا َملج ِد) َإل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ما ِشئت ِمن َ ٍ‬
‫ص‬ ‫إن ان َْح َ َ‬ ‫شء َب ْعدُ )‪َ ،‬و َل َي ُض ُّم إ َل ْيه ( َأ ْه َل ال َّثن َ ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫يل‪.‬‬ ‫ون‪َ ،‬و َر ُضوا بِال َّت ْط ِو ِ‬ ‫ا َمل ْأ ُمو ُم َ‬

‫ب َل ُه ِّ‬ ‫ب)) َع ْن األَ ْص َح ِ‬


‫اب َأ َّن ُه َل ُي ْست ََح ُّ‬ ‫ش ِح ا ُمل َه َّذ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الز َيا َد ُة‬ ‫َن َق َل الن ََّوو ُّي ف (( َ ْ‬
‫اإل َما ُم َب ْعدَ الت ََّش ُّه ِد‬
‫ُون َما َي ْأ ِت بِ ِه ِ‬
‫ب َأ ْن َيك َ‬ ‫حل ْمدُ )‪َ ،‬و َقا ُلوا‪ُ :‬ي ْست ََح ُّ‬
‫ِِ‬
‫َع َل َق ْوله‪َ ( :‬ر َّبنَا َلك ا َ‬
‫ص ِمن ُْه َم" اهـ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الص َل ِة َع َل النَّبِ ِّي‬
‫(((‬
‫م ْن الدُّ َعاء َأ ْن َق َ‬ ‫َو َّ‬
‫وقد يشكل عىل البعض أن الفقهاء ذكروا أن اإلمام ال يزيد عىل ثالث‬
‫أكثر من ذلك مع أمره‬ ‫تسبيحات يف الركوع والسجود‪ ،‬وأن املروي عن النبي‬
‫بالتخفيف‪.‬‬
‫واجلواب ما قاله احلافظ العراقي‪ ،‬حيث قال‪" :‬و َقدْ َق َال بعض ال ُف َقه ِ‬
‫اء إ َّن ُه‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ‬
‫ود‪َ ،‬وا َملر ِو ُّي َع ْن رس ِ‬ ‫ات ِف الركُو ِع والسج ِ‬ ‫ث تَسبِيح ٍ‬ ‫اإلمام َع َل َث َل ِ‬
‫ول اهلل‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُّ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َل َي ِزيدُ ِ َ ُ‬
‫الص َحا َب ِة ِلَ ْج ِل ِشدَّ ِة‬ ‫ِ ِ‬ ‫َأ ْك َثر ِمن َذلِ َك مع َأم ِر ِه بِالت ْ ِ ِ‬
‫َّخفيف‪َ ،‬وك ََأ َّن َذل َك لَ َّن َعا َد َة َّ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ُ ْ‬
‫َذلِ َك‬ ‫َان فِ ْع ُل النَّبِ ِّي‬
‫ُون َذلِ َك َط ِو ًيل‪َ ،‬ه َذا إ َذا ك َ‬
‫َر ْغ َبتِ ِه ْم ِف اخلَ ْ ِي َت ْقت َِض َأ ْن َل َيك َ‬

‫((( ((طرح التثريب))‪.552/2 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)398‬‬

‫ُون ِلَ َّن ُأو َل ِئ َك‬


‫اصا بِ َب ْع ِض َها ‪َ ..‬ف ُي ْحت ََم ُل َأ ْن َيك َ‬ ‫َان َخ ًّ‬ ‫َعا ًّما ِف َص َلتِ ِه َأ ْو َأ ْك َث ِر َها‪َ ،‬وإِ ْن ك َ‬
‫ب َما َي ْقت َِض ِيه‬ ‫ُون َط ِو ًيل بِ َس َب ِ‬‫ي َأ ْن َل َيك َ‬ ‫ون ال َّت ْط ِو َيل‪َ ،‬و ُه َو ُم َ َ‬
‫ت ِّد ٌد َب ْ َ‬ ‫ني ُي ْؤثِ ُر َ‬
‫وم َ‬‫ا َمل ْأم ِ‬
‫ُ‬
‫اهر احل ِد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي َأ ْن َيكُون َط ِو ًيل َل ِك َّن َس َب َب ُه إي َث ُار ا ُمل ْؤ ِمنِ َ‬ ‫الص َحا َب ِة‪َ ،‬و َب ْ َ‬
‫يث‬ ‫ني َل ُه‪َ ،‬و َظ ُ َ‬ ‫َح ُال َّ‬
‫(((‬
‫ض َص َلتِ ِه " اهـ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ا َمل ْر ِو ِّي َل َي ْقتَض اخلُ ُص َ‬
‫وص بِ َب ْع ِ‬

‫يخص صالة بعينها؟‬ ‫وهل األمر منه‬


‫‪(( :‬إِ َذا َص َّل َأ َحدُ ك ُْم لِلن ِ‬
‫َّاس))‪ ،‬عام مل يذكر فيها صالة‬ ‫اجلواب‪ :‬أن قوله‬
‫بعينها‪ ،‬فتناول قوله مجيع الفرائض‪ ،‬وكذا النوافل التي يسن هلا اجلامعة كالعيد‬
‫والرتاويح ونحوها؛ ألن حذف املعمول يدل عىل العموم بدليل صحة االستثناء‪،‬‬
‫فإنه معيار العموم؛ نعم يستثنى من ذلك صالة الكسوف؛ ملرشوعية تطويل القراءة‬
‫فيها‪ ،‬فال يسن النقص عن املرشوع يف ذلك وكأنه لندرهتا واالهتامم بشأهنا لألمر‬
‫العارض‪ ،‬وسيأيت إن شاء اهلل تعاىل الكالم عن الصالة التي ال يسن تطويلها‪.‬‬
‫وقد غضب النبي حينام علم بمن يطيل الصالة عىل الناس فعن َأ ِب مسع ٍ‬
‫ود‬ ‫َ ْ ُ‬
‫الص َل ِة ِف ال َف ْج ِر ِمَّا ُيطِ ُيل بِنَا‬
‫ول اهلل إِ ِّن َلَت ََأ َّخ ُر َع ْن َّ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُج ٌل‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫َان َأ َشدَّ َغ َض ًبا ِمنْ ُه‬
‫ب ِف َم ْو ِض ٍع ك َ‬ ‫ِ‬
‫َما َر َأ ْي ُت ُه َغض َ‬ ‫ول اهلل‬‫ب َر ُس ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُف َل ٌن ف َيها‪َ ،‬ف َغض َ‬
‫ين‪َ ،‬ف َأ ُّيك ُْم َما َص َّل بِالن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬
‫َّاس ‪َ ..‬فل َيت ََج َّوزْ‪،‬‬ ‫َي ْو َمئذ‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ (( :‬يا َأ ُّ َيا الن ُ‬
‫َّاس إِ َّن منْك ُْم ُمنَ ِّف ِر َ‬
‫اج ِة)) أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫احل َ‬‫يف َوال َكبِ َري َو َذا َ‬ ‫الض ِع َ‬ ‫يه ْم َّ‬ ‫َفإِ َّن فِ ِ‬

‫وال خيفى ما يف التطويل من فتنة‪ ،‬فإن املصيل إذا تعب بسبب التطويل حدث‬
‫نفسه‪ ،‬وربام تكلم بكالم عىل اإلمام يف نفسه‪ ،‬وصار تفكريه يف طول صالة اإلمام‪،‬‬
‫ومتى ستنتهي‪ ،‬فهنا تكون الفتنة حيث خرج عن حضوره مع اهلل يف الصالة‪،‬‬
‫ي‪َ ،‬و َقدْ‬ ‫َق َال‪َ :‬أ ْقب َل رج ٌل بِن ِ‬
‫َاض َح ْ ِ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫فقد وردعن َجابِ َر ْب َن َع ْب ِداهلل األَن َْص ِ‬
‫ار َّي‬
‫((( ((طرح التثريب))‪.553/2 :‬‬
‫(‪)399‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ور ِة ال َب َق َر ِة‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ت َك نَاض َح ُه َو َأ ْق َب َل إِ َل ُم َعاذ‪َ ،‬ف َق َر َأ بِ ُس َ‬ ‫َجن ََح ال َّل ْي ُل‪َ ،‬ف َوا َف َق ُم َعا ًذا ُي َص ِّل‪َ ،‬ف َ َ‬
‫الر ُج ُل‪َ ،‬و َب َل َغ ُه َأ َّن ُم َعا ًذا ن ََال ِمنْ ُه‪َ ،‬ف َأتَى النَّبِ َّي ‪َ ،‬ف َشكَا إِ َل ْي ِه‬ ‫ِ‬
‫َأ ْو الن َِّساء‪َ ،‬فا ْن َط َل َق َّ‬
‫ث ِم َر ٍار)‪َ ،‬ف َل ْو َل َص َّل ْي َت‬ ‫ْت‪َ ،‬أ ْو َأ َفاتِ ٌن ( َث َل َ‬ ‫َّان َأن َ‬
‫ُم َعا ًذا‪َ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي ‪َ (( :‬يا ُم َعا ُذ َأ َفت ٌ‬
‫اها‪َ ،‬وال َّل ْي ِل إِ َذا َي ْغ َشى‪َ ،‬فإِ َّن ُه ُي َص ِّل َو َرا َء َك الكَبِ ُري‬
‫س َو ُض َح َ‬ ‫الش ْم ِ‬ ‫اس َم َر ِّب َك‪َ ،‬و َّ‬ ‫بِ َس ِّب ِح ْ‬
‫اج ِة)) أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫يف َو ُذو ا َ‬
‫حل َ‬ ‫الض ِع ُ‬ ‫َو َّ‬
‫يه ْم))‪ ،‬أي‪ :‬يف املصلني ممن جيب أن يؤخذ بعني االعتبار من قبل اإلمام‪،‬‬ ‫(( َفإِ َّن فِ ِ‬
‫يف))‪ ،‬أي‪ :‬يف خلقته كالنحيف الذي ال يقوى عىل طول الصالة‪ ،‬واملسن‪.‬‬ ‫الض ِع َ‬ ‫(( َّ‬
‫يم))‪ ،‬أي‪ :‬املريض‪ ،‬والفرق بني الضعيف والسقيم ‪ ..‬أن الضعيف‬ ‫((و ِ‬
‫السق َ‬
‫َ َّ‬
‫أعم من السقيم؛ ألن السقيم من استقام وهو املرض‪ ،‬والضعيف من الضعف‪،‬‬
‫وهو خالف القوة‪ ،‬فال يلزم أن يكون ضعيف القوة سقيام كالشيخ الصحيح‪ ،‬فإنه‬
‫ضعيف القوة غري سقيم‪.‬‬
‫الس ِقي ِم‬ ‫ف َّ ِ ِ‬
‫الضعيف َع َل َّ‬
‫لت‪ :‬ما َف ِائدَ ُة َع ْط ِ‬
‫إن ُق َ َ‬ ‫وقال يف ((طرح التثريب))‪ْ " :‬‬
‫ف‬ ‫ف ِخ َل ٌ‬ ‫جل ْو َه ِر ُّي َو َغ ْ ُي ُه َأ َّن َّ‬
‫الض ْع َ‬ ‫لت‪َ :‬ل ْي َس بِ َم ْعنَا ُه‪َ ،‬ف َقدْ َذك ََر ا َ‬
‫َو ُه َو بِ َم ْعنَا ُه؟ ُق ُ‬
‫ُون ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ان‬‫اإلن َْس ُ‬ ‫ف َأ َع ُّم م ْن َّ‬
‫الس َق ِم‪َ ،‬ف َقدْ َيك ُ‬ ‫الس َق َم ا َمل َر ُض‪َ ،‬فدَ َّل َع َل َأ َّن َّ‬
‫الض ْع َ‬ ‫لل ُق َّوة‪َ ،‬و َأ َّن َّ‬
‫(((‬
‫اخلل َق ِة َل ِم ْن َس َق ٍم َع َر َض َل ُه" اهـ‪.‬‬ ‫َق ِل َيل ال ُقو ِة ِمن َأص ِل ِ‬
‫َّ ْ ْ‬
‫(( َوال َكبِ َري))‪ ،‬أي‪ :‬يف السن‪ ،‬فإن َ‬
‫قلت‪ :‬ما الفرق بني الكبري والضعيف‪،‬‬
‫فاجلواب أن اإلنسان قد يكون ضعيف ًا من اخللقة وهو ليس بكبري يف السن‪ ،‬وقد‬
‫يكون كبري ًا يف السن وهو قوي مل يضعف‪.‬‬
‫(( َوإِ َذا َص َّل َأ َحدُ ك ُْم لِنَ ْف ِس ِه))‪ ،‬أي‪ :‬منفرد ًا‪.‬‬

‫((( ((طرح التثريب))‪.555/2 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)400‬‬

‫(( َفل ُي َط ِّول َما َش َ‬


‫اء))‪ ،‬لعدم ترضر غريه بتطويله‪ ،‬ويف رواية مسلم‪َ (( :‬فل ُي َص ِّل‬
‫اء))‪ ،‬أي‪ :‬خمفف ًا أو مطوالً‪ ،‬وهل هذا لالستحباب أو أمر إباحة وترخيص؟‬ ‫ف َش َ‬
‫َك ْي َ‬
‫ت َّج ُح ال َّث ِان؛ لِ َت ْع ِل ِيق ِه‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ت َّج ُح األَ َّو ُل؛ لك َْونه َأ ْم ًرا ِف ع َبا َدة‪َ ،‬و َي َ َ‬
‫قال احلافظ العراقي‪َ " :‬ي َ َ‬
‫يت ََم ُل ُهنَا َأ ْن َيك َ‬ ‫ِِ ِِ‬ ‫َان ل ِل ْستِ ْح َب ِ‬
‫بِ َم ِشي َئ ِة ا ُمل َص ِّل‪َ ،‬و َل ْو ك َ‬
‫ُون‬ ‫اب ‪َ ..‬ل ْ ُي َع َّل ْق َلشي َئته‪َ ،‬و َل ُ ْ‬
‫وب ك ََم ِق َيل بِ ِه ِف األَ ْم ِر ا َّل ِذي َق ْب َل ُه" اهـ‪ ،‬أي‪ :‬يف التخفيف كام سنذكره إن شاء‬ ‫لو ُج ِ‬ ‫ل ُ‬
‫ِ‬

‫اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وقد بني احلافظ العراقي أيض ًا مقدار التطويل املسموح به‪ ،‬وذلك رد ًا عىل‬
‫الص َل ِة ا َّلتِي ت َِل ا َّلتِي‬‫يل َما َل ْ َي ُْر ْج َو ْق ُت َّ‬ ‫ابن حزم‪ ،‬فقال‪َ " :‬ق َال ا ْب ُن َح ْز ٍم‪َ :‬حدُّ ال َّت ْط ِو ِ‬
‫ت ا َّل ِذي َص َّل‬ ‫ص َّل ال ُّظهر ِف الو ْق ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ول اهلل‬ ‫استَدَ َّل َع َل َذلِ َك بِ َأ َّن َر ُس َ‬ ‫ِ‬
‫ُه َو ف َيها‪ُ ،‬ث َّم ْ‬
‫ص‬ ‫ت ال َع ْ ِ‬ ‫الش ْم ُس‪َ ،‬و َو ْق ُ‬ ‫الص ْبحِ َما َل ْ َت ْط ُل ْع َّ‬ ‫(( َو ْق ُ‬ ‫ص بِاألَ ْم ِ‬
‫س‪َ ،‬و َق َال‬ ‫ِ ِ‬
‫ت ُّ‬ ‫فيه ال َع ْ َ‬
‫اآلخ َر ِة‬
‫اء ِ‬ ‫الع َش ِ‬‫ت ِ‬ ‫الش َف ِق‪َ ،‬و َو ْق ُ‬‫ُور َّ‬ ‫ب َما َل ْ َي ْس ُق ْط ن ُ‬ ‫ت ا َملغ ِْر ِ‬
‫الش ْم ُس‪َ ،‬و َو ْق ُ‬‫َما َل ْ َتغ ُْر ْب َّ‬
‫ف ال َّل ْي ِل))‪.‬‬‫َإل نِص ِ‬
‫ْ‬
‫اقيها ِف و ْق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫َق َال‪َ :‬ف َص َّح َيقينًا َأ َّن َم ْن َد َخ َل ِف َص َلة ِف آخ ِر َو ْقت َها َفإِن ََّم ُي َص ِّل َب َ َ‬
‫الص َل ِة إ َل ْي ِه َأ َص ًل‪َ ،‬و َقدْ َص َّح َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫األُ ْخ َرى‪َ ،‬أ ْو ِف َو ْقت َل ْي َس َل ُه ت َْأخ ُري ا ْبتدَ اء َّ‬
‫ت ُأ ْخ َرى)) ‪.‬‬
‫يط َأ ْن ت َُؤ ِّخ َر َص َل ًة َحتَّى َيدْ ُخ َل َو ْق ُ‬
‫‪َ (( :‬أ َّن ال َّت ْف ِر َ‬

‫الص َل ِة ِف َو ْقتِ َها َأ ْن ُي َط ِّو َل َما َشا َء َّإل َت ْط ِو ًيل َمن ََع‬ ‫َف َص َّح َأ َّن َل ُه إ َذا َد َخ َل ِف َّ‬
‫الص َل ُة التَّالِ َي ُة َلَا َف َق ْط ا ْنت ََهى ك ََل ُم ُه‪َ ،‬و ُه َو‬ ‫ِ‬
‫َّص منْ ُه‪َ ،‬و َل ْي َس َل ُه َأ ْن ُيط َيل َحتَّى َت ُفو َت ُه َّ‬
‫الن ِ‬
‫ُّ‬
‫الص َل ِة‬ ‫اح َأ َّن ُه َما َل ْ َي ُْر ْج َو ْق ُت َّ‬ ‫يف َو َا َّل ِذي َينْ َب ِغي َأ ْن ُي َق َال ِف َحدِّ ال َّت ْط ِو ِ‬
‫يل ا ُمل َب ِ‬ ‫َض ِع ٌ‬
‫ا َّلتِي ُه َو فِ َيها‪َ ،‬و َل ْو َج َّو ْزنَا َل ُه َأ ْن ُي ِْر َج ُج ْز ًءا ِمن َْها َع ْن َو ْقتِ َها َل ْ َي ُك ْن لِت َْو ِقيتِ َها َف ِائدَ ٌة َو َقدْ‬
‫ي َه َذ ْي ِن))‪.‬‬ ‫ت َما َب ْ َ‬ ‫الو ْق ُ‬
‫(( َ‬ ‫َق َال‬
‫(‪)401‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ت‬ ‫و َأما استِدْ َل ُله َع َل َذلِ َك بِ َأ َّنه َع َلي ِه الص َل ُة والس َلم ((ص َّل ال ُّظهر ِف الو ْق ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َّ ُ َ‬ ‫ُ ْ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ ْ‬
‫س))‪َ ..‬ف َقدْ َت َق َّر َر ت َْأ ِوي ُل ُه ِعنْدَ َأ ْك َث ِر ال ُع َل َم ِء َع َل َم ْعنَى َأ َّن ُه‬
‫ص بِاألَ ْم ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ا َّلذ َ‬
‫يص َّل فيه ال َع ْ َ‬
‫ص ِف ال َي ْو ِم‬ ‫ت ا َّل ِذي ا ْبتَدَ َأ فِ ِيه َص َل َة ال َع ْ ِ‬ ‫َفر َغ ِمن ص َل ِة ال ُّظه ِر ِف اليو ِم ال َّث ِان ِف الو ْق ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األَ َّول‪َ ،‬ف َق ْو ُل ُه‪َ ((:‬ص َّل ال ُّظ ْه َر)) َأ ْي‪ :‬ا ْبتَدَ َأ َها‪َ ،‬و َق ْو ُل ُه‪َ ((:‬ص َّل ال َع ْ َ‬
‫ص))‪َ ،‬أ ْي‪َ :‬ف َر َ‬
‫غ من َْها))‬

‫اهـ‪ ،‬ثم قال بعد ذلك بقليل‪َ (( :‬و َينْ َب ِغي َأ ْن َي َت َق َّيدَ ال َّت ْط ِو ُيل َأ ْي ًضا بِ َم إ َذا َل ْ ُي ِْر ْج َإل‬
‫ِف‬ ‫الشافِ ِع ُّي‬
‫َص َع َل َذلِ َك َّ‬ ‫َس ْه ٍو‪َ ،‬فال َّت ْط ِو ُيل ا ُمل َؤ ِّدي َإل َس ْه ٍو‪َ ..‬مك ُْرو ٌه‪َ ،‬و َقدْ ن َّ‬
‫الشافِ ِع ُّي‬
‫الص َل ِة‪َ ،‬ق َال َّ‬ ‫اس َع َل ْي ِه َغي ُه ِم ْن َأ ْف َع ِ‬ ‫ِ‬ ‫اء ا َّل ِذي ِف َ‬ ‫الدُّ ع ِ‬
‫ال َّ‬ ‫ُْ‬ ‫الص َلة‪َ ،‬و ُي َق ُ‬ ‫آخ ِر َّ‬ ‫َ‬
‫ِذك َْر اهلل‬ ‫الص َل ِة َع َل النَّبِ ِّي‬ ‫ِ‬
‫ب لك ُِّل ُم َص ٍّل َأ ْن َي ِزيدَ َع َل الت ََّش ُّهد َو َّ‬
‫ِف األُم‪ُ :‬أ ِح ِ‬
‫ُّ‬ ‫ِّ‬
‫إن ك َ‬
‫َان‬ ‫ُون ِز َيا َد ُت ُه َذلِ َك ْ‬ ‫َي‪َ ،‬و َأ َرى َأ ْن َتك َ‬ ‫َي األَ ِخريت ْ ِ‬
‫َ‬
‫الر ْك َعت ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪َ ،‬و َ ْتميدَ ُه‪َ ،‬و ُد َعا َء ُه ِف َّ‬
‫لف ِه‪،‬‬‫يف َعن َخ ِ‬
‫ْ‬ ‫الص َل ِة َع َل النَّبِ ِّي فِ ِيه َق ِل ًيل؛ لِلت ْ‬
‫َّخ ِف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إ َما ًما‪َ ..‬أ َق َّل م ْن َقدْ ِر الت ََّش ُّهد َو َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫َو َأ َرى َأ ْن َيك َ‬
‫َان َو ْحدَ ُه ‪ ..‬أ ْك َث َر م ْن َذل َك‪َ ،‬و َل أك َْر ُه َما أ َط َال َما َل ْ‬ ‫إن ك َ‬ ‫وس ُه ْ‬ ‫ُون ُج ُل ُ‬
‫َاف بِ ِه َس ْه ًوا‪ ،‬ا ْنت ََهى‪.‬‬ ‫ُي ِْر ْج ُه َذلِ َك َإل َس ْه ٍو‪َ ،‬و َي ُ‬
‫يل‬ ‫لمنْ َف ِر ِد َع َل َسبِ ِ‬ ‫إن األَمر بِال َّت ْط ِو ِ ِ‬
‫يل ل ُ‬
‫ِ‬
‫َاج إ َل ْيه إ َذا ُقلنَا َّ ْ َ‬ ‫يت ُ‬‫َو َه َذا ال َّت ْق ِييدُ إن ََّم ُ ْ‬
‫ي َفإِ ْن‬ ‫اح َة بِا ُمل ْست َِو َي ِة ال َّط َر َف ْ ِ‬ ‫سنَا ِ‬ ‫اإلب ِ‬
‫يل ِ َ َ‬ ‫اب َأ ْو ُقلنَا إ َّن ُه َع َل َسبِ ِ‬ ‫ال ْستِ ْح َب ِ‬ ‫ِ‬
‫اإل َب َ‬ ‫احة َو َف َّ ْ‬
‫َاج َإل َه َذا ال َق ْي ِد إ ْذ َل إ ْث َم ِف َذلِ َك ِف‬ ‫يت ُ‬ ‫اإل ْث ِم َف َل ُ ْ‬ ‫حل َر ِج َو ِ‬
‫َاها بِ َم ْعنَى َر ْف ِع ا َ‬ ‫سن َ‬ ‫َف َّ ْ‬
‫الص َحا َب ِة‬ ‫ِ ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫ورة َوإِن ََّم َغا َي ُت ُه الك ََر َاه ُة َو ُي َواف ُق َه َذا َما َت َقدَّ َم َع ْن َغ ْ ِي َواحد م ْن َّ‬
‫ه ِذ ِه الص ِ‬
‫ُّ َ‬ ‫َ‬
‫ص َوال َّت ْط ِو ُيل‬ ‫اس َو َع َل َه َذا َف َي ْخت َِل ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن َتع ِل ِ ِ ِ‬
‫ف ال َق ْ ُ‬ ‫الو ْس َو ِ‬ ‫الص َلة بِ ُم َبا َد َرة َ‬ ‫يل َتْفيف َّ‬ ‫ْ ْ‬
‫يع‬‫س َ‬ ‫َان َ ِ‬ ‫الو ْس َو َس ِة إ َل ْي ِه ْم َوت ََأ ُّخ ِر ِه َعن ُْه ْم َف َم ْن ك َ‬ ‫ِ‬
‫َّاس ِف ُم َبا َد َرة َ‬ ‫ف َعا َد ِة الن ِ‬ ‫اختِ َل ِ‬ ‫بِ ْ‬
‫اس َط َّو َل‪َ ،‬واهلل َأ ْع َل ُم" اهـ‪.‬‬ ‫الو ْس َو ِ‬ ‫اس َل ي َطو ُل ومن ك َ ِ‬
‫(((‬
‫َان َبطي َء َ‬ ‫الو ْس َو ِ ُ ِّ َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫وقال احلافظ ابن حجر‪" :‬قوله‪(( :‬فليطول ما شاء))‪ ،‬وملسلم‪(( :‬فليصل كيف‬

‫((( ((طرح التثريب))‪.555/2 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)402‬‬

‫شاء))‪ ،‬أي‪ :‬خمفف ًا أو مطوالً‪ ،‬واستدل به عىل جواز إطالة القراءة ولو خرج الوقت‪،‬‬
‫وهو املصحح عند بعض أصحابنا‪ ،‬وفيه نظر؛ ألنه يعارضه عموم قوله يف حديث‬
‫أيب قتادة‪(( :‬إنام التفريط أن يؤخر الصالة حتى يدخل وقت األخرى)) أخرجه‬
‫مسلم‪ ،‬وإذا تعارضت مصلحة املبالغة يف الكامل بالتطويل‪ ،‬ومفسدة إيقاع الصالة‬
‫(((‬
‫يف غري وقتها ‪ ..‬كانت مراعاة ترك املفسدة أوىل" اهـ‪.‬‬
‫بقي بعض املباحث املتعلقة باحلديث وهي مباحث فقهية‪ ،‬وهي مهمة أحببت‬
‫التعرض هلا‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫حكم التخفيف في الصالة‪:‬‬
‫اختلف أهل العلم يف حكم التخفيف يف الصالة بالنسبة لإلمام عىل قولني‪،‬‬
‫فمنهم من قال بالوجوب‪ ،‬ومنهم من قال باالستحباب‪.‬‬
‫القاري))‬ ‫القول األول (الوجوب)‪ :‬وممن قال بالوجوب العيني يف ((عمدة‬
‫فبعد أن ساق كالم اليعمري ‪ -‬والذي سيأيت إن شاء اهلل تعاىل معنا ‪ -‬قال مؤيد ًا‪:‬‬
‫"قلت‪ :‬يؤيد كالمه صيغة األمر بالتخفيف‪ ،‬فإنه أمر بعد الغضب الشديد وظاهره‬
‫(((‬
‫يقتيض الوجوب" اهـ‪.‬‬
‫ومنهم أيضا ابن ب ّطال حيث قال يف رشحه عىل ((صحيح البخاري))‪" :‬فيه‪:‬‬
‫(((‬
‫دليل أن أئمة اجلامعة يلزمهم التخفيف ألمر رسول اهلل هلم بذلك" اهـ‪.‬‬
‫ِ‬
‫ومنهم ابن عبدالرب املالكي‪ ،‬قال يف ((طرح التثريب))‪َ " :‬و َق َال ا ْب ُن َع ْبد َ ِّ‬
‫الب‬
‫يف ِلَ ْم ِر‬
‫َّخ ِف َ‬
‫جل َم َع ِة َي َلز ُم الت ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا َملالِ ِكي‪ِ :‬ف ه َذا ا ِ ِ‬
‫حلديث َأ ْو َض ُح الدَّ َلئ ِل َع َل َأ َّن َأئ َّم َة ا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫((( ((فتح الباري))‪.227/2 :‬‬
‫((( ((عمدة القاري))‪.475/4 :‬‬
‫((( ((رشح ابن ب ّطال))‪.412/3 :‬‬
‫(‪)403‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وز َل ُ ْم ال َّت ْط ِو ُيل؛ ِلَ َّن ِف األَ ْم ِر َل ُ ْم بِالت ْ‬
‫َّخ ِف ِ‬ ‫ِ‬ ‫رس ِ‬
‫يف َنْ ًيا‬ ‫ي ُ‬‫اه ْم بِ َذل َك َو َل َ ُ‬
‫إ َّي ُ‬ ‫ول اهلل‬ ‫َ ُ‬
‫(((‬ ‫َع ْن ال َّت ْط ِو ِ‬
‫يل" اهـ‪.‬‬
‫ومنهم ابن حزم الظاهري‪ ،‬قال احلافظ العراقي‪َ " :‬ق َال ابن ح ْز ٍم ال َّظ ِ‬
‫اه ِر ُّي‪:‬‬ ‫ْ ُ َ‬
‫(((‬
‫جا َع ًة َل َيدْ ِري َك ْي َ‬
‫ف َطا َقت ُُه ْم" اهـ‪.‬‬ ‫َّخ ِف ُ‬
‫يف إ َذا َأ َّم َ َ‬ ‫ب َع َل ِ‬
‫اإل َما ِم الت ْ‬ ‫َِ‬
‫ي ُ‬
‫القول الثاين (االستحباب)‪ :‬وهو املعتمد‪ :‬أن التخفيف يف الصالة لإلمام‬
‫َّخ ِفيف ك ََم َأ َم َر بِ ِه النَّبِ ّي‬ ‫جل ْم َلة‪ُّ :‬‬
‫السنَّة الت ْ‬ ‫مستحب‪ ،‬قال اإلمام النووي‪َ " :‬و َع َل ا ُ‬
‫(((‬
‫لع َّل ِة ا َّلتِي َب ْي َنها" اهـ‪.‬‬
‫لِ ِ‬

‫ص َح َأ ْص َحا ُبنَا َو َغ ْ ُي ُه ْم بِ َأ َّن ُه‬ ‫وقال احلافظ العراقي‪" :‬ه َذا األَمر بِالت ْ ِ ِ‬
‫َّخفيف َ َّ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬
‫(((‬ ‫ال ْستِ ْح َب ِ‬
‫اب" اهـ‪.‬‬ ‫يل ِ‬ ‫َع َل َسبِ ِ‬

‫جميع األركان؟‬
‫ُ‬ ‫هل يدخل في التطويل لو صلى منفرد ًا‬
‫قال احلافظ ابن حجر بدخول مجيع األركان يف الطويل لو صىل منفرد ًا حتى‬
‫االعتدال واجللوس بني السجدتني حيث قال يف ((فتح الباري))‪" :‬واستدل بعمومه‬
‫أيض ًا ‪ -‬أي‪ :‬قوله‪َ (( :‬فل ُي َط ِّول َما َش َ‬
‫اء)) ‪ -‬عىل جواز تطويل االعتدال واجللوس بني‬
‫(((‬
‫السجدتني" اهـ‪.‬‬
‫والصواب ما قاله اإلمام النووي‪ ،‬حيث قال يف ((رشح صحيح مسلم))‪" :‬إِ َذا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫الركُوع‪،‬‬ ‫َص َّل لنَ ْفسه ‪َ ..‬ط َّو َل َما َشا َء ِف األَ ْركَان ا َّلتي َ ْتتَمل ال َّت ْط ِو َ‬
‫يل‪،‬وه َي الق َيام‪َ ،‬و ُّ‬

‫((( ((طرح التثريب))‪.551/2 :‬‬


‫((( املرجع السابق‪.‬‬
‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.285/4 :‬‬
‫((( ((طرح التثريب))‪.551/2 :‬‬
‫((( ((فتح الباري))‪.227/2 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)404‬‬
‫الس ْجدَ ت ْ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َي" اهـ‪.‬‬ ‫جل ُلوس َب ْي َّ‬
‫الس ُجود‪َ ،‬والت ََّش ُّهد ُدون ال ْعتدَ ال َوا ُ‬
‫َو ُّ‬
‫(((‬

‫هل إذا زالت العلة لم يضر التطويل على قاعدة (احلكم يدور مع علته وجود ًا‬
‫وعدم ًا)؟‬
‫قال احلافظ ابن حجر يف ((فتح الباري))‪" :‬ومقتضاه‪ -‬أي‪ :‬احلديث ‪ -‬أنه متى مل‬
‫يكن فيهم متصف بصفة من املذكورات ‪ ..‬مل يرض التطويل‪ ،‬وقد قدمت ما يرد عليه‬
‫يف الباب الذي قبله من إمكان جميء من يتصف بإحداها‪ ،‬وقال اليعمري‪ :‬األحكام‬
‫إنام تناط بالغالب ال بالصورة النادرة‪ ،‬فينبغي لألئمة التخفيف مطلق ًا‪ ،‬قال‪ :‬وهذا‬
‫كام رشع القرص يف صالة املسافر‪ ،‬وعلل باملشقة‪ ،‬وهو مع ذلك يرشع ولو مل يشق‬
‫عمال بالغالب؛ ألنه ال يدري ما يطرأ عليه" اهـ‪ (((،‬وعىل هذا فإن التطويل مكروه‬
‫مطلق ًا إال إذا زالت العلة زواالً يأمن معه عدم عودها‪.‬‬
‫واحلاصل‪ :‬أنه يصح لإلمام التطويل يف الصالة يف حالتني‪:‬‬
‫احلالة األوىل‪ :‬إذا زالت العلة وأمن عدم عودها‪ ،‬وذلك إذا توفرت الرشوط‬
‫املارة‪ ،‬ونعيد ذكرها هنا للفائدة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪1 )1‬إن أ ّم حمصورين‪.‬‬
‫‪2 )2‬إن رضوا بالتطويل‪ ،‬واعتربالشيخ ابن حجر رضاهم بالنطق‪ ،‬وقال الشيخ‬
‫الرميل‪" :‬يكفي الظن"‪.‬‬
‫‪3 )3‬إذا كانت اجلامعة بمسجد غري مطروق‪.‬‬
‫‪4 )4‬أن ال يطرأ عليهم غريهم وإن قل حضوره‪.‬‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.293/4 :‬‬


‫((( ((فتح الباري))‪.226/2 :‬‬
‫(‪)405‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫‪5 )5‬أن ال يتعلق بعينهم حق كأجراء إجارة عني عىل عمل ناجز‪ ،‬و أر ّقاء أو‬
‫حليالت‪.‬‬
‫ُور َم َع ِع َّلتِ ِه‪،‬‬ ‫َّخفيف َم ْذك ٌ‬
‫قال احلافظ العراقي‪" :‬ه َذا احلكْم وهو األَمر بِالت ْ ِ ِ‬
‫ُ ُ َ ُ َ ُْ‬ ‫َ‬
‫يف والكَبِري‪َ ،‬فإِ ْن ا ْن َت َف ْت ه ِذ ِه ِ‬
‫الع َّل ُة‪َ ،‬ف َل ْم‬ ‫ني فِ ِيهم الس ِقيم و َّ ِ‬ ‫وهو كَو ُن ا َمل ْأم ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الضع ُ َ‬ ‫ْ َّ ُ َ‬ ‫وم َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ َ ْ‬
‫يل ‪َ ..‬ط َّو َل؛‬ ‫وري َن‪َ ،‬و َر ُضوا بِال َّت ْط ِو ِ‬ ‫ني َأ َحدٌ ِم ْن َه ُؤ َل ِء‪َ ،‬وكَانُوا َم ْ ُص ِ‬ ‫وم َ‬ ‫ي ُكن ِف ا َمل ْأم ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫ان ِف َه َذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫الب‪َ :‬قدْ َب َ‬ ‫ص َح َأ ْص َحا ُبنَا َو َغ ْ ُي ُه ْم‪َ ،‬و َق َال ا ْب ُن َع ْبد َ ِّ‬ ‫لنْت َفاء الع َّلة‪َ ،‬وبِ َذل َك َ َّ‬
‫جل َم َع ِة؛‬ ‫ٍ ِ ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫َّخفيف‪َ ،‬وه َي عنْدي َغ ْ ُي َم ْأ ُمونَة َع َل َأ َحد م ْن َأئ َّمة ا َ‬
‫وجب ُة لِلت ْ ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ا ِ ِ ِ‬
‫حلديث الع َّل ُة ا ُمل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ات َبنِي آ َد َم؛ َولِ َذلِ َك‬ ‫ث َلم ِمن آ َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يدُ ُ ُ ْ ْ‬ ‫لَ َّن ُه َوإِ ْن َعل َم ُق َّو َة َم ْن َخل َف ُه ‪َ ..‬فإِ َّن ُه َل َيدْ ِري َما َ ْ‬
‫اء))؛ ِلَ َّن ُه َي ْع َل ُم ِم ْن َن ْف ِس ِه َما َل َي ْع َل ُم‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َق َال‪َ (( :‬فإِ َذا َص َّل َأ َحدُ ك ُْم لنَ ْفسه ‪َ ..‬فل ُي َط ِّول َما َش َ‬
‫ول الص َل ِة ح ِ‬ ‫اه ِر ال ُقو ِة ومن يعر ُ ِ ِ‬ ‫ث لِ َظ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ث‬ ‫اد ٌ‬ ‫َ‬ ‫ص َع َل ُط ِ َّ‬ ‫ف منْ ُه احل ْر ُ‬ ‫َّ َ َ ْ ُ ْ َ‬ ‫يدُ ُ‬ ‫م ْن َغ ْ ِيه‪َ ،‬و َقدْ َ ْ‬
‫ث َو َب ْو ٍل‪َ ،‬أ ْو َغ ْ ِي ِه ا ْنت ََهى ‪.‬‬ ‫ار ٌض ِمن حاج ٍة‪ ،‬وآ َف ٌة ِمن حدَ ٍ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ َ َ َ‬ ‫ِم ْن ُش ْغ ٍل‪َ ،‬و َع ِ‬

‫ال ْحتِ َم َل‬ ‫يف‪َ ،‬فإِ َّن ِ‬ ‫ال‪َ ،‬ف َذك ََر ِم ْث َل َه َذا الك ََل ِم‪َ ،‬و ُه َو َض ِع ٌ‬ ‫َوتَبِ َع ُه َع َل َذلِ َك ا ْب ُن َب َّط ٍ‬
‫ون‪َ ،‬و َر ُضوا بِال َّت ْط ِو ِ‬ ‫ص ا َمل ْأ ُمو ُم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يل‬ ‫َّب َع َل ْيه ُحك ٌْم‪َ ،‬فإ َذا ان َْح َ َ‬ ‫تت ُ‬ ‫ا َّلذي َل ْ َي ُق ْم َع َل ْيه َدل ٌيل َل َي َ َ‬
‫يث َأ ِب َقتَا َد َة‬ ‫ض َل َدلِ َيل َع َل ْي ِه‪َ ،‬و َح ِد ُ‬ ‫ار ٍ‬ ‫يف ِل ْحتِ َم ِل َع ِ‬ ‫َّخ ِف ِ‬ ‫‪َ ..‬ل ن َْأ ُم ُر إ َما َم ُه ْم بِالت ْ‬
‫الص َل ِة َو َأنَا ُأ ِريدُ‬ ‫الس َل ُم َق َال‪ِّ ((:‬إن َلَ ُقو ُم ِف َّ‬
‫ِ‬
‫َي ُر ُّد َع َل َما َذك ََرا ُه‪َ ،‬فإِ َّن ُه َع َل ْيه َّ‬
‫الص َل ُة َو َّ‬
‫اه َي َة َأ ْن َأ ُش َّق َع َل ُأ ِّم ِه))‪.‬‬‫َأ ْن ُأ َطو َل فِيها َف َأسمع بكَاء الصبِي َف َأ َ َتو ُز كَر ِ‬
‫َّ َ‬ ‫َ ْ َ ُ ُ َ َّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الس َل ُم َأ َّو ًل ال َّت ْط ِو َيل ‪َ ..‬يدُ ُّل َع َل َج َو ِاز ِم ْث ِل َذلِ َك‪،‬‬
‫الص َل ُة َو َّ‬
‫ِ‬
‫َفإِ َرا َد ُت ُه َع َل ْيه َّ‬
‫الصبِ ِّي ا َّل ِذي َي ْش َغ ُل‬ ‫وم َ ِ‬
‫ني بِه‪َ ،‬و ُه َو ُبكَا ُء َّ‬
‫ض ا َمل ْأم ِ‬
‫َض ِر َب ْع ِ ُ‬ ‫يل َقا َم َع َل ت َ ُّ‬‫َو َما ت ََر َك ُه َّإل لِدَ لِ ٍ‬
‫(((‬
‫َخاطِ َر ُأ ِّم ِه‪َ ،‬واهلل َأ ْع َل ُم" اهـ‪.‬‬

‫((( ((طرح التثريب))‪.554/2 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)406‬‬

‫احلالة الثانية‪ :‬يف الصالة التي وردت فيها قراءة سورة معينة‪ ،‬كـسورة‬
‫(السجدة)‪ ،‬وسورة (اإلنسان) يف صبح اجلمعة‪ ،‬وسورة (ق) وسورة (القمر) يف‬
‫‪.‬‬ ‫يرض به القوم؛ اكتفاء بوروده من فعله‬
‫العيد‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فإنه يأيت به وإن مل َ‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬الرفق باملأمومني وسائر األتباع‪ ،‬ومراعاة مصاحلهم‪ ،‬وأن ال يدخل عليهم‬
‫ما شق عليهم وإن كان يسري ًا من غري رضورة‪.‬‬
‫بأمته‪.‬‬ ‫‪2 .2‬رمحة النبي‬
‫‪3 .3‬أن ما جاءت به الرشيعة ينبغي أن يراعى قبل كل يشء ملا فيه من مصلحة أهل‬
‫اإليامن‪.‬‬
‫(‪)407‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث اخلمسون‬

‫ب َأ ْن‬ ‫ِ‬ ‫َع ْن َع ِائ َش َة ‪َ á‬قا َل ْت‪(( :‬إِ ْن ك َ‬


‫َان َر ُس ُ‬
‫َل َيدَ ُع ال َع َم َل‪َ ،‬و ُه َو ُي ُّ‬
‫ول اهلل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َي ْع َم َل بِه؛ َخ ْش َي َة َأ ْن َي ْع َم َل بِه الن ُ‬
‫َّاس‪َ ،‬ف ُي ْف َر َض َع َل ْي ِه ْم)) متفق عليه‪.‬‬

‫™™رواي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجتها يف احلديث‬ ‫هي أم املؤمنني الطاهرة السيدة عائشة‬
‫الثالث والثالثني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫َل َيدَ ُع‬ ‫ول اهلل‬ ‫((إِ ْن)) خمففه من الثقيلة‪ ،‬أي‪ :‬إنّه ((ك َ‬
‫َان َر ُس ُ‬ ‫قوهلا‬
‫ال َع َم َل))‪ ،‬والالم يف ((ليدع)) للتأكيد‪ ،‬وهي الفارقة بني املخففة وإن النافية‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ليرتك العمل‪.‬‬
‫ب َأ ْن َي ْع َم َل بِ ِه))‪ ،‬أي‪ :‬هبذا العمل الذي يرتكه‪،‬واجلملة يف حمل‬ ‫ِ‬
‫(( َو ُه َو ُي ُّ‬
‫والتوسل إىل زيادة مراضيه‪.‬‬ ‫التقرب إىل اهلل‬
‫احلال‪ ،‬وحمبته للعمل ملا فيه من ّ‬
‫(( َخ ْش َي َة)) مفعول‪ ،‬أي‪ :‬خمافة‪.‬‬
‫ِ‬
‫لو فعله؛ ملا يف االقتداء به من جزيل‬ ‫(( َأ ْن َي ْع َم َل بِه الن ُ‬
‫َّاس)) اقتدا ًء به‬
‫يف كل أقواهلم أفعاهلم وأحواهلم‪.‬‬ ‫الفضل والقرب منه‪ ،‬واملؤمنون يقتدون به‬
‫بأمته‪ ،‬وقد‬ ‫(( َف ُي ْف َر َض َع َل ْي ِه ْم)) إذا هم عملوا به‪ ،‬وما ذلك إال شفقة منه‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)408‬‬

‫من متابعة أصحابه له واقتدائهم بصالته ما إن داوم عىل عمل من األعامل‬ ‫علم‬
‫‪ ..‬داوموا عليه ومل يرتكوه‪ ،‬وكان خيشى إذا داوموا عىل عبادة ‪ ..‬أن تفرض عليهم‪،‬‬
‫وكان حيب التخفيف عنهم من الفروض؛ ألن برتكها يقع العصيان‪ ،‬ومن ذلك‬
‫ات َلي َل ٍة ِمن جو ِ‬ ‫َّن َر ُس َ‬
‫ف‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫َخ َر َج َذ َ ْ‬ ‫ول اهلل‬ ‫ما ورد عن ام املؤمنني عائشة‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫اجت ََم َع‬ ‫َّاس َفت ََحدَّ ُثوا‪َ ،‬ف ْ‬ ‫ال َّل ْي ِل َف َص َّل ِف ا َمل ْس ِجد‪َ ،‬ف َص َّل ِر َج ٌال بِ َص َلته‪َ ،‬ف َأ ْص َب َح الن ُ‬
‫َّاس َفت ََحدَّ ُثوا‪َ ،‬ف َك ُث َر َأ ْه ُل ا َمل ْس ِج ِد ِم ْن ال َّل ْي َل ِة ال َّثالِ َث ِة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َأ ْك َث ُر من ُْه ْم َف َص َّل ْوا َم َع ُه‪َ ،‬ف َأ ْص َب َح الن ُ‬
‫الرابِ َع ُة ‪َ ..‬ع َج َز ا َمل ْس ِجدُ‬ ‫َت ال َّل ْي َل ُة َّ‬ ‫َف َص َّل ْوا بِ َص َلتِ ِه‪َ ،‬ف َل َّم كَان ْ‬ ‫ول اهلل‬ ‫َف َخ َر َج َر ُس ُ‬
‫الص ْب ِح‪َ ،‬ف َل َّم َق َض ال َف ْج َر ‪َ ..‬أ ْق َب َل َع َل الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َّاس‪َ ،‬فت ََش َّهدَ ‪،‬‬ ‫َع ْن َأ ْهله‪َ ،‬حتَّى َخ َر َج ل َص َلة ُّ‬
‫يت َأ ْن ُت ْف َر َض َع َل ْيك ُْم‪،‬‬ ‫ف َع َ َّل َمكَا ُنك ُْم‪َ ،‬لكِنِّي َخ ِش ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ُث َّم َق َال‪َ (( :‬أ َّما َب ْعدُ ‪َ ..‬فإِ َّن ُه َل ْ َ ْ‬
‫َف َت ْع ِ‬
‫جزُوا َعن َْها)) أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ت ا َّل ِذي َصنَ ْعت ُْم َو َل ْ َي ْمنَ ْعنِي‬
‫ويف رواية عند البخاري ومسلم أيض ًا‪َ (( :‬قدْ َر َأ ْي ُ‬
‫اخل ُروجِ إِ َل ْيك ُْم إِ َّل َأ ِّن َخ ِش ُ‬
‫يت َأ ْن ُت ْف َر َض َع َل ْيك ُْم)) َو َذلِ َك ِف َر َم َض َ‬
‫ان‪.‬‬ ‫ِم ْن ُ‬

‫‪ :‬قوله‪(( :‬فيفرض عليهم)) حيتمل عىل وجهني‪ ،‬أحدمها‪:‬‬ ‫وقال ابن اجلوزي‬
‫فيفرضه اهلل تعاىل‪ ،‬والثاين فيعملوا به اعتقاد ًا أنه مفروض‪.‬‬
‫قال ابن ب ّطال يف ((رشحه عىل صحيح البخاري))‪" :‬وحيتمل حديث عائشة‪،‬‬
‫يف وقت فرض‬ ‫واهلل أعلم‪ ،‬معنيني‪،‬أحدمها‪ :‬أنه يمكن أن يكون هذا القول منه‬
‫قيام الليل عليه دون أمته‪ ،‬لقوله يف احلديث‪َ (( :‬ل ْ َي ْمنَ ْعنِي ِم ْن ُ‬
‫اخل ُروجِ إِ َل ْيك ُْم إِ َّل َأ َّننَي‬
‫فرضا عليه وحده‪ ،‬وقد روي عن ابن عباس‬ ‫َخ ِش ُ‬
‫يت َأ ْن ُت ْف َر َض َع َل ْيك ُْم))‪ ،‬فدل أنه كان ً‬
‫فرضا عىل النبي ‪ ،‬ذكره ابن األدفوي‪ ،‬فيكون معنى قول‬ ‫أن قيام الليل كان ً‬
‫َل َيدَ ُع ال َع َم َل"‪ ،‬يعنى إن كان يدع إظهار عمله ألمته‬ ‫ول اهلل‬‫َان َر ُس ُ‬‫عائشة‪" :‬إِ ْن ك َ‬
‫ودعاءهم إىل فعله معه‪ ،‬ال أهنا أرادت أنه كان يدع العمل أصالً‪ ،‬وقد فرضه اهلل‬
‫(‪)409‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫تعاىل عليه‪ ،‬أو ندبه إليه؛ ألنه كان أتقى أمته هلل وأشدهم اجتها ًدا‪ ،‬أال ترى أنه ملا‬
‫اجتمع الناس من الليلة الثالثة‪ ،‬أو الرابعة مل خيرج إليهم‪ ،‬وال شك أنه صىل حزبه‬
‫تلك الليلة يف بيته‪.‬‬
‫يسوى اهلل تعاىل بينهم‬
‫فخيش إن خرج إليهم والتزموا معه صالة الليل أن ّ‬
‫وبينه يف حكمها‪ ،‬فيفرضها عليهم من أجل أهنا فرض عليه‪ ،‬إذ املعهود يف الرشيعة‬
‫مساواة حال اإلمام واملأموم يف الصالة‪ ،‬فام كان منها فريضة فاإلمام واملأموم فيها‬
‫سواء‪ ،‬وكذلك ما كان منها سنة أو نافلة‪.‬‬
‫واملعنى الثاين‪ :‬هو أن يكون خشى من مواظبتهم عىل صالة الليل معه أن‬
‫يضعفوا عنها‪ ،‬فيكون من تركها عاص ًيا هلل يف خمالفته لنبيه وترك اتباعه‪ ،‬متوعدً ا‬
‫بالعقاب عىل ذلك؛ ألن اهلل تعاىل فرض اتباعه‪ ،‬فقال‪ :‬ﱹ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﱸ [األعراف‪ ،]158 :‬وقال يف ترك اتباعه‪ :‬ﱹ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﱸ [النور‪ ،]63 :‬فخشى عىل تاركها أن‬
‫كطاعة اهلل‪ ،‬وكان‬ ‫يكون كتارك ما فرض اهلل عليه؛ ألن طاعة الرسول‬
‫رفي ًقا باملؤمنني ً‬
‫رحيم هبم" اهـ‪.‬‬
‫(((‬

‫ول اهلل‬ ‫َان َر ُس ُ‬‫وقال احلافظ العراقي يف ((طرح التثريب))‪َ " :‬ق ْو ُلَا َل َقدْ (ك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس‪َ ،‬ف ُي ْف َر َض َع َل ْي ِه ْم)‪َ .‬ق َال‬
‫ب َأ ْن َي ْع َم َل ُه َمَا َف َة َأ ْن َي ْس َت َّن بِه الن ُ‬‫ت ُك ال َع َم َل‪َ ،‬وإِ َّن ُه َل ُيح ُّ‬
‫َي ْ ُ‬
‫ب َع َل َم ْن َي ُظنُّ ُه لِ َذلِ َك‬ ‫ِ‬
‫لمدَ َاو َمة‪َ ،‬ف َي ِج ُ‬
‫ِ‬
‫إن َم ْعنَا ُه‪َ :‬ي ُظنُّو َن ُه َف ْر ًضا ل ُ‬‫اس ال ُق ْر ُطبِ ُّي‪َّ :‬‬
‫َأ ُبو ال َع َّب ِ‬
‫ب َع َل ْي ِه ال َع َم ُل بِ َذلِ َك‪َ ،‬و ِق َيل‪َّ :‬‬ ‫كَم إ َذا َظن ا ُملجت َِهدُ ِح َّل َ ٍ‬
‫إن النَّبِ َّي‬ ‫يم ُه‪َ ،‬و َج َ‬‫شء َأ ْو َ ْت ِر َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ ْ‬ ‫َ‬
‫َّاس بِ ِه ِف َذلِ َك‬ ‫ب‪َ ،‬وا ْقتَدَ ى الن ُ‬ ‫ش ٍء ِم ْن َأ ْع َم ِل ال ُق َر ِ‬‫َان ُحك ُْم ُه َأ َّن ُه إ َذا َث َب َت َع َل َ ْ‬ ‫ك َ‬
‫اخل ُروجِ إ َل ْيك ُْم َّإل َأ ِّن‬‫ان (( َل ْ َي ْمنَ ْعنِي ِم ْن ُ‬
‫ال َع َم ِل ‪ُ ..‬ف ِر َض َع َل ْي ِه ْم‪ ،‬ك ََم َق َال ِف ِق َيا ِم َر َم َض َ‬

‫((( ((رشح ابن ب ّطال))‪.128/5 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)410‬‬

‫َخ ِشيت َأ ْن ُت ْف َر َض َع َل ْيك ُْم)) َو ِف ِر َوا َي ٍة‪َ (( :‬و َلكِنِّي َخ ِشيت َأ ْن ُت ْف َر َض َع َل ْيك ُْم َف َت ْع َجزُوا‬
‫ي َأ َّن ا َملانِ َع‬ ‫اه ُر ِف ا َمل ْو ِض َع ْ ِ‬ ‫ان‪ ،‬وال َّظ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ها ال ُق ْر ُطبِ ُّي بِعيدَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َعن َْها))‪ُ .‬قلت‪ :‬ا َمل ْعنَ َيان ال َّل َذان َذك ََر ُ َ‬
‫ون‬‫ونَا‪َ ،‬و َي ْست َْس ِه ُل َ‬ ‫ِ‬ ‫َح ُّل َ‬ ‫َله َع َلي ِه الص َل ُة والس َلم َأ َّن النَّاس يست ِ‬
‫ون ُمتَا َب َع َت ُه َو َي ْس َت ْعذ ُب َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫ُ ْ َّ‬
‫وج ُب ُه اهللُ َع َل ْي ِه ْم‬ ‫ب فِ َيها‪َ ،‬فإِ َذا َف َع َل َأمرا ‪ ..‬س ُه َل َع َل ْي ِهم فِ ْع ُل ُه ُلِتَا َب َعتِ ِه‪َ ،‬ف َقدْ ُي ِ‬ ‫الص ْع َ‬ ‫َّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ًْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َل ُم ‪َ ..‬ز َال َعن ُْه ْم‬ ‫الص َل ُة َو َّ‬ ‫الو ْقت‪َ ،‬فإِ َذا ت ُُو ِّ َف َع َل ْيه َّ‬‫ل َعدَ ِم ا َمل َش َّقة َع َل ْي ِه ْم فيه ِف َذل َك َ‬
‫است َْس َه ُلو ُه‪َ ،‬ل َأ َّن ُه ُي ْف َر ُض‬ ‫ُور‪َ ،‬ف َش َّق َع َل ْي ِه ْم َما كَانُوا ْ‬ ‫اط‪َ ،‬و َح َص َل َل ُ ْم ال ُفت ُ‬ ‫َذلِ َك الن ََّش ُ‬
‫َع َل ْي ِه ْم‪َ ،‬و َل ُبدَّ ك ََم َق َال ال ُق ْر ُطبِ ُّي ِف َج َوابِ ِه ال َّث ِان‪َ ،‬و َغا َي ُت ُه َأ ْن َي ِص َري َذلِ َك األَ ْم ُر ُم ْر َت َق ًبا‬
‫ِم ْن َذلِ َك‪َ ،‬و َم َع‬ ‫وع ِه ُه َو ا َّل ِذي َمن ََع النَّبِ َّي‬‫متَو َّقعا َقدْ ي َقع و َقدْ َل ي َقع‪ ،‬واحتِم ُل و ُق ِ‬
‫َ ُ َ ْ َ ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ُ َ ً‬
‫(((‬
‫َاج َإل ِز َيا َد ِة َع َم ٍل َو َن َظ ٍر‪َ ،‬واهلل َأ ْع َل ُم" اهـ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َه َذا َفا َمل ْس َأ َل ُة ُم ْشك َل ٌة َ ْتت ُ‬
‫مسألــــــة‪:‬‬
‫قد يقال‪ :‬كيف جيوز أن تُكتب عليهم صالة الليل وقد أكملت الفرائض؟‬
‫فاجلواب‪ :‬ما قاله يف ((عمدة القاري)) حيث قال‪" :‬فإن قيل‪ :‬كيف جيوز أن‬
‫تكتب عليهم صالة الليل‪ ،‬وقد أكملت الفرائض؟ قيل له‪ :‬صالة الليل كانت مكتوبة‬
‫عىل النبي‪ ،‬وأفعاله التي تتصل بالرشيعة ‪ ..‬واجب عىل أمته االقتداء به فيها‪ ،‬وكان‬
‫أصحابه إذا رأوه يواظب عىل فعل يف وقت معلوم ‪ ..‬يقتدون به‪ ،‬ويرونه واجب ًا‪،‬‬
‫فالزيادة إنام يتصل وجوهبا عليهم من جهة وجوب االقتداء بفعله‪ ،‬ال من جهة‬
‫ابتداء فرض زائد عىل اخلمس‪ ،‬أو يكون أن اهلل تعاىل ملا فرض اخلمسني‪ ،‬وحطها‬
‫بشفاعته‪ ،‬فإذا عادت األمة فيام استوهبت والتزمت متربعة ما كانت استعفت منه ‪..‬‬
‫مل يستنكر ثبوته فرض ًا عليهم‪ ،‬وقد ذكر اهلل تعاىل فريق ًا من النصارى‪ ،‬وأهنم ابتدعوا‬
‫رهبانية ما كتبناها عليهم‪ ،‬ثم المهم ملا قرصوا فيها بقوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮜ ﮝ ﮞ‬

‫((( ((طرح التثريب))‪.680/2 :‬‬


‫(‪)411‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(((‬
‫ﮟ ﱸ [احلديد‪ ،]27 :‬فخيش أن يكونوا مثلهم‪ ،‬فقطع العمل شفقة عىل أمته" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫بأمته‪ ،‬وخوفه عليها‪.‬‬ ‫‪1 .1‬كامل شفقته‬
‫‪2 .2‬إذا تعارضتاملصالح‪ ..‬قدم أمهها‪ ،‬كام قاله اإلمام النووي‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪3 .3‬املؤمن حريص عىل االقتداء بنبيه‬

‫((( ((عمدة القاري))‪.105/6 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)412‬‬

‫احلديث احلادي واخلمسون‬

‫ول اهللِ ‪(( :‬إِ ِّن َلَ ُقو ُم‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫ث ْب ِن ِر ْب ِع ٍّي‬
‫ار ِ‬ ‫حل ِ‬
‫َع ْن َأ ِب َقتَا َد َة ا َ‬
‫إِ َل الص َل ِة‪ ،‬و ُأ ِريدُ َأ ْن ُأ َطو َل فِيها‪َ ،‬ف َأسمع بكَاء الصبِي‪َ ،‬ف َأ َ َتو ُز ِف ص َل ِت كَر ِ‬
‫اه َي َة َأ ْن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َ ُ ُ َ َّ ِّ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫َأ ُش َّق َع َل ُأ ِّم ِه)) رواه البخاري‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمــــه‬
‫هو الصحايب اجلليل احلارث بن ربعي بن بلدُ مة ‪ -‬بضم الباء والدال وفتحهام –‬
‫ويقال‪ :‬بلذمة بالذال املعجمة‪ ،‬بن خناس بن سنان بن ُعبيد بن عدي بن غنم بن‬
‫كعب بن ِ‬
‫سلمة ‪ -‬بكرس الالم ‪ -‬السلمي املدين‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن اسمه النعامن‪ ،‬وهو قول الكلبي‪ ،‬وابن عامرة‪ ،‬والواقدي‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬عمرو‪ ،‬واألول هو األشهر‪.‬‬
‫قال يف ((عمدة القاري))‪" :‬وليس يف الصحابة يف ((الصحيحني)) من اسمه‬
‫(((‬
‫احلارث غري احلارث بن ربعي أيب قتادة عىل أحد األقوال يف اسمه" اهـ‪.‬‬
‫يكنى بأيب قتادة‪.‬‬
‫هي‪ :‬كبشة بنت مطهر بن حرام بن سواد بن غنم‪.‬‬ ‫وأمه‬

‫((( ((عمدة القاري))‪.57/1 :‬‬


‫(‪)413‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وله أوالد‪ ،‬وهم‪ :‬عبداهلل‪ ،‬وعبدالرمحن وثابت‪ ،‬وعبيد‪ ،‬وأم البنني‪ ،‬وأم أبان‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫فضائلــــه‬
‫‪:‬‬ ‫‪ ،‬وقد قال فيه‬‫سمي بفارس النبي‬ ‫وأرضاه شجاع ًا حتى ّ‬ ‫كان‬
‫((خَ ْ َي ُف ْر َسانِنَا ال َي ْو َم َأ ُبو َقتَا َد َة)) أخرجه مسلم‪ ،‬وقد اتفقوا عىل أنه شهد أحد ًا وما بعدها من‬
‫املشاهد‪ ،‬واختلفوا يف حضوره غزوة بدر‪ ،‬فلم يذكره موسى بن عقبة‪ ،‬وال ابن إسحاق‬
‫يف من حرضوا‪ ،‬وقال الشعبي‪ :‬إنه بدري‪.‬‬
‫أنه حرس النبي‬ ‫وقد أخرج الطرباين ما يدل عىل أنه شهد بدر ًا‪ ،‬فعنه‬
‫‪(( :‬اللهم احفظ أبا قتادة كام حفظ نبيك هذه الليلة))‪،‬‬ ‫ليلة بدر‪ ،‬فقال رسول اهلل‬
‫ول اهلل‬‫َق َال‪َ :‬خ َط َبنَا َر ُس ُ‬ ‫لكن ورد يف روايات أخرى من غري ذكر بدر‪ ،‬ف َعنْه‬
‫اء اهللُ َغدً ا))‪َ ،‬فا ْن َط َل َق‬ ‫اء إِ ْن َش َ‬ ‫ُون ا َمل َ‬ ‫ون َع ِش َّي َتك ُْم َو َل ْي َل َتك ُْم‪َ ،‬وت َْأت َ‬‫َف َق َال‪(( :‬إِ َّنك ُْم ت َِس ُري َ‬
‫اب َّار‬ ‫ِ‬ ‫لوي َأ َحدٌ َع َل َأ َح ٍد‪َ ،‬ق َال َأ ُبو َقتَا َدةَ‪َ :‬ف َب ْين ََم َر ُس ُ‬ ‫َّاس َل َي ِ‬
‫َيس ُري َحتَّى ْ َ‬ ‫ول اهلل‬ ‫الن ُ‬
‫اح َلتِ ِه‪َ ،‬ف َأ َت ْي ُت ُه َفدَ َع ْم ُت ُه‬
‫ول اهلل ‪َ ،‬فم َل َعن ر ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ال َّل ْي ُل َو َأنَا إِ َل َجنْبِ ِه ‪َ ..‬ق َال‪َ :‬فنَ َع َس َر ُس ُ‬
‫اح َلتِ ِه‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ث َّم َس َار َحتَّى َ َت َّو َر ال َّل ْي ُل ‪َ ..‬م َال َع ْن‬ ‫وق َظه حتَّى ا ْعتَدَ َل َع َل ر ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫م ْن َغ ْ ِي َأ ْن ُأ ُ َ‬
‫ِ‬

‫اح َلتِ ِه‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ث َّم َس َار َحتَّى‬ ‫وق َظه حتَّى ا ْعتَدَ َل َع َل ر ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َراح َلته‪َ ،‬ق َال َفدَ َع ْم ُت ُه م ْن َغ ْ ِي َأ ْن ُأ ُ َ‬
‫ِ ِِ‬

‫ي َحتَّى كَا َد َين َْج ِف ُل‪،‬‬ ‫َي األُو َل َي ْ ِ‬‫الس َح ِر ‪َ ..‬م َال َم ْي َل ًة ِه َي َأ َشدُّ ِم ْن ا َمل ْي َلت ْ ِ‬ ‫إِ َذا ك َ ِ ِ‬
‫َان م ْن آخ ِر َّ‬
‫َان َه َذا‬ ‫لت‪َ :‬أ ُبو َقتَا َدةَ‪َ ،‬ق َال‪َ " :‬متَى ك َ‬ ‫َف َأ َت ْي ُت ُه َفدَ َع ْم ُت ُه‪َ ،‬ف َر َف َع َر ْأ َس ُه‪َ ،‬ف َق َال‪َ (( :‬م ْن َه َذا؟)) ُق ُ‬
‫ت بِ ِه‬ ‫ك اهللُ بِ َم َح ِف ْظ َ‬ ‫لت‪َ :‬ما َز َال َه َذا َم ِس ِريي ُمن ُْذ ال َّل ْي َل ِة‪َ ،‬ق َال‪َ (( :‬ح ِف َظ َ‬ ‫َم ِس َري َك ِمنِّي"‪ُ ،‬ق ُ‬
‫َنبِ َّي ُه)) أخرجه مسلم‪ ،‬الرواية ليس فيها ذكر بدر حتى ُيستدل هبا عىل حضوره فيها‪.‬‬
‫قال‪ :‬أدركني رسول اهلل‬ ‫‪ ،‬فعنه‬ ‫بركة دعاء النبي‬ ‫وقد نال‬
‫يوم ذي قرد‪ ،‬فنظر إيل فقال‪(( :‬اللهم بارك له يف شعره وبرشه))‪ ،‬وقال‪(( :‬أفلح‬
‫وجهك))‪ .‬قلت‪ :‬ووجهك يا رسول اهلل‪ .‬قال‪(( :‬قتلت مسعدة))‪ .‬قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)414‬‬

‫((فام هذا الذي بوجهك؟)) قلت‪ :‬سهم رميت به يا رسول اهلل قال‪(( :‬فادن))‪ ،‬فدنوت‬
‫منه‪ ،‬فبصق عليه‪ ،‬فام رضب عيل قط و ال قاح‪ .‬أخرجه احلاكم‪ ،.‬فامت أبو قتادة وهو‬
‫ابن سبعني سنة؛ وكأنه ابن مخس عرشة سنة‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫كثريون‪ ،‬فمنهم‪ :‬ابنه عبداهلل‪ ،‬وأنس بن مالك‪ ،‬وأبو سعيد‬ ‫حدث عنه‬
‫اخلدري‪ ،‬وجابر بن عبداهلل‪،‬وسعيد بن املسيب‪ ،‬وعطاء بن يسار‪ ،‬وعبداهلل بن ناقع‬
‫وعيل بن رباح‪ ،‬وعبد اهلل بن رباح االنصاري‪ ،‬وعبداهلل بن معبد الزماين‪ ،‬وعمرو‬
‫ابن سليم الزرقي‪ ،‬وأبو سلمة بن عبدالرمحن‪ ،‬ومعبد بن كعب بن مالك‪ ،‬ومواله‬
‫نافع؛ وآخرون‪.‬‬
‫(‪ )170‬مائة وسبعني حديث ًا‪ ،‬اتفق البخاري ومسلم‬ ‫وروى عن رسول اهلل‬
‫عىل أحد عرش حديث ًا منها‪ ،‬وانفرد البخاري بحديثني‪ ،‬ومسلم بثامنية أحاديث‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتــــــه‬
‫ُاختلف يف مكان وفاته فقال الكثريون أنه يف املدينة املنورة‪ ،‬وقيل‪ :‬أنه مات‬
‫(((‬
‫‪ ،‬وشهد معه حروبه كلها‪.‬‬ ‫بالكوفة يف خالفة سيدنا عيل‬
‫قال يف ((سري أعالم النبالء))‪" :‬وقال الواقدي‪ :‬مل أر بني ولد أيب قتادة وأهل‬
‫البلد عندنا اختالف أنه تويف باملدينة‪.‬‬
‫(((‬
‫قال‪ :‬وروى أهل الكوفة أنه تويف هبا‪ ،‬وأن عليا صىل عليه" اهـ‪.‬‬
‫‪ ،‬كام أسلفنا‪.‬‬ ‫وقد بلغ السبعني يوم موته‬

‫((( ((سبل السالم))‪.39/1 :‬‬


‫((( ((سري أعالم النبالء))‪.23/3 :‬‬
‫(‪)415‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫واختلفوا كذلك يف سنة وفاة‪ ،‬واألكثرون عىل أنه يف سنة أربع ومخسني‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬سنة مخس ومخسني‪.‬‬
‫وقيل‪:‬سنة ثامن وثالثني‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬سنة أربعني‪.‬‬
‫ويتفرع عن هذا االختالف‪ :‬هل صىل عليه أمري املؤمنني عيل بن أيب طالب‬
‫أم ال؟‬
‫وقد ذكرنا عن الذهبي قول الواقدي عن أهل الكوفة أن سيدنا عيل كرم اهلل‬
‫وجهه صىل عليه‪.‬‬
‫وقال يف ((اإلصابة))‪" :‬وروى أهل الكوفة أنه مات بالكوفة وعيل هبا سنة ثامن‬
‫وثالثني‪ ،‬وذكره البخاري يف ((األوسط)) فيمن مات بني اخلمسني والستني‪ ،‬وساق‬
‫بإسناد له أن مروان ملا كان والي ًا عىل املدينة من قبل معاوية ‪ ..‬أرسل إىل أيب قتادة‬
‫وأصحابه‪ ،‬فانطلق معه فأراه‪.‬‬ ‫لرييه مواقف النبي‬
‫ويدل عىل تأخره أيض ًا ما أخرجه عبدالرزاق عن معمر عن عبداهلل بن حممد‬
‫ابن عقيل أن معاوية ملا قدم املدينة ‪ ..‬تلقاه الناس‪ ،‬فقال أليب قتادة‪ :‬تلقاين الناس‬
‫(((‬
‫كلهم غريكم يا معرش األنصار" اهـ‪.‬‬
‫ج َع َأ ْهل الت ََّو ِاريخ َع َل َأ َّن َأ َبا َقتَا َد َة‬ ‫قال يف ((عون املعبود))‪َ " :‬ق َال ال َب ْي َه ِق ُّي‪َ :‬أ ْ َ‬
‫دها ُث َّم َر َوى ِم ْن َط ِريق‬ ‫خ ِس َ ِ‬
‫ني‪َ ،‬وق َيل َب ْع َ‬ ‫ار َت ْب َن ِر ْب ِع ٌّي َب ِق َي إِ َل َسنَة َأ ْر َبع َو َ ْ‬ ‫حل ِ‬
‫ا َ‬
‫ث ْب ُن ِر ْب ِع ِّي‬ ‫ار ُ‬ ‫ات َأ ُبو َقتَا َد َة احلَ ِ‬‫َي َق َال ال َّل ْي ُث َم َ‬ ‫ان َق َال‪َ :‬ق َال اِ ْب ُن ُبك ْ ٍ‬
‫وب ْب َن ُس ْف َي َ‬ ‫َي ْع ُق ِ‬
‫الت ِم ِذ ُّي فِ َيم َأ ْن َب َأنَا‬ ‫ِ‬
‫ني‪َ ،‬ق َال َوك ََذل َك َقا َل ُه ِّ ْ‬ ‫خ ِس َ‬ ‫ار ُّي َسنَة َأ ْر َبع َو َ ْ‬ ‫ا ْب ِن النُّ ْع َم ِن األَن َْص ِ‬

‫((( ((اإلصابة))‪.209/4 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)416‬‬

‫حلافِ ُظ َع ْن َأ ِب َح ِام ٍد ا ُمل ْق ِري َعنْ ُه‪َ ،‬وك ََذلِ َك َذك ََر ُه َأ ُبو َع ْب ِداهلل ْب ُن َمنْدَ ْه‬ ‫ِ‬
‫َأ ُبو َع ْبداهلل ا َ‬
‫ي َيى ْب ِن َع ْب ِداهلل‬ ‫ِِ‬
‫الواقد ُّي َع ْن َ ْ‬
‫ِ‬
‫الص َحا َبة))‪َ ،‬وك ََذل َك َذك ََر ُه َ‬
‫ِ‬
‫حلاف ُظ ِف كتَابه (( َم ْع ِر َفة َّ‬
‫ا ِ‬
‫َ‬
‫ني َسنَة‪،‬‬ ‫ني‪َ ،‬و ُه َو اِ ْبن َس ْب ِع َ‬ ‫خ ِس َ‬ ‫خس َو َ ْ‬ ‫ات بِا َمل ِدين َِة َسنَة َ ْ‬ ‫ْب ِن َأ ِب َقتَا َد َة َأ َّن َأ َبا َقتَا َد َة َم َ‬
‫ح ِن َو َع ْبدَ اهلل ْب َن َأ ِب َقتَا َد َة َو َع ْم َرو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ْ َ‬‫َق َال َوا َّلذي َيدُ ّل َع َل َه َذا َأ َّن َأ َبا َس َل َم َة ْب َن َع ْبد َّ‬
‫العلم‬ ‫ح ُلوا ِ‬ ‫ار َّي َر َو ْوا َع ْن َأ ِب َقتَا َدةَ‪َ ،‬وإِن ََّم َ َ‬ ‫اح األَن َْص ِ‬ ‫الز ْر ِق َّي َو َع ْبدَ اهلل ْب َن َر َب ٍ‬ ‫ْب َن ُس َل ْي ٍم ُّ‬
‫َب ْعد َأ َّيام َع ِ ٍّل َف َل ْم َي ْث ُبت َل ُ ْم َع ْن َأ َحد ِم َّ ْن ت ُُو ِّ َف ِف َأ َّيام َع ِ ٍّل َس َمع َو َر َو ْينَا َع ْن َم ْع َم ٍر َع ْن‬
‫ان ََّلا َق ِد َم ا َمل ِدينَة َت َل َّق ْت ُه األَن َْصار‪،‬‬ ‫او َي َة ْب َن َأ ِب ُس ْف َي َ‬ ‫َع ْب ِداهلل ْب ِن ُم َ َّم ِد ْب ِن ُع َق ْي ٍل ( َأ َّن ُم َع ِ‬
‫نهم َما َج َرى)‪َ .‬و َم ْع ُلوم َأ َّن ُم َع ِ‬
‫او َي َة إِن ََّم‬ ‫ِ‬
‫ف َأ ُبو َقتَا َد َة ُث َّم َد َخ َل َع َل ْيه َب ْعد َو َج َرى َب ْي َ‬ ‫ت َّل َ‬‫َو َ َ‬
‫ي))‬ ‫ار ِّ‬‫َاريخ ال ُب َخ ِ‬ ‫ني‪َ .‬و ِف ((ت ِ‬ ‫ول ِف ِخ َل َفته َسنَة َأ ْر َبع َو َأ ْر َب ِع َ‬ ‫اجا َقدْ َمته األُ َ‬ ‫َقد َم َها َح ًّ‬
‫ِ‬

‫ان ْب َن‬ ‫ب ْب ِن َمالِ ٍك‪َ ( :‬أ َّن َم ْر َو َ‬ ‫ح ِن ْب ِن َع ْب ِداهلل ْب ِن َك ْع ِ‬ ‫الر ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بِإِ ْسنَاده َع ْن َع ْبداهلل ْب ِن َع ْبد َّ‬
‫ِِ‬

‫حل َك ِم َأ ْر َس َل إِ َل َأ ِب َقتَا َد َة َو ُه َو َع َل ا َمل ِدينَة‪َ :‬أ ْن ُا ْغدُ َم ِعي َحتَّى ت ُِرينِي َم َو ِاقف النَّبِ ّي‬ ‫ا َ‬
‫ان إِن ََّم َو ِ َل ا َمل ِدينَة ِف َأ َّيام‬ ‫اجته) َو َم ْر َو ُ‬ ‫ان َحتَّى َق َض َح َ‬ ‫َو َأ ْص َحابه‪َ ،‬فا ْن َط َل َق َم َع َم ْر َو َ‬
‫اص‪ُ ،‬ث َّم ن ُِز َع‬ ‫اس ُت ْع ِم َل َع َل ْي َها َس ِعيدُ ْب ُن ال َع ِ‬ ‫ني‪َ ،‬و ْ‬ ‫او َي َة‪ُ ،‬ث َّم ن ُِز َع َعن َْها َسنَة َث َمن َو َأ ْر َب ِع َ‬ ‫ُم َع ِ‬
‫ان‪َ .‬ق َال الن ََّس ِائ ُّي ِف (( ُسنَنه))‪:‬‬ ‫ني َو ُأ ِّم َر َع َل ْي َها َم ْر َو ُ‬ ‫خ ِس َ‬ ‫اص َسنَة َأ ْر َبع َو َ ْ‬ ‫َس ِعيدُ ْب ُن ال َع ِ‬
‫بنَا اِ ْب ُن ُج َر ْي ٍج َق َال‪َ :‬س ِم ْعت نَافِ ًعا َي ْز ُعم‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الر َّزاق َأ ْخ َ َ‬
‫ِ‬
‫َحدَّ َثنَا ُم َ َّمدُ ْب ُن َراف ٍع َحدَّ َثنَا َع ْبدُ َّ‬
‫ون ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اإل َمام‪َ ،‬والن َِّساء‬ ‫الر َجال َي ُل َ‬ ‫( َأ َّن ا ْب َن ُع َم َر َص َّل َع َل َس ْبع َجنَائز َجي ًعا‪َ ،‬ف َج َع َل ِّ‬
‫احدً ا َو ُو ِض َع ْت ِجن ََازة ُأ ِّم كُل ُثو َم اِ ْبن َِة َع َل‪ ،‬اِ ْم َر َأ ُه ُع َم َر ْب ِن‬ ‫القب َلة َفص ّفهن ص ًّفا و ِ‬
‫َ َّ َ َ‬ ‫ني ْ‬
‫ي ِل َ ِ‬
‫َ‬
‫اص‪َ .‬و ِف‬ ‫اإل َمام َي ْو َم ِئ ٍذ َس ِعيدُ ْب ُن ال َع ِ‬ ‫اب َوا ْب ٍن َلَا ُي َقال َل ُه َز ْيدٌ ُو ِض َعا َجِي ًعا َو ِ‬ ‫اخلَ َّط ِ‬
‫اإل َمام‪،‬‬ ‫يد َو َأ ُبو َقتَا َدةَ‪َ ،‬م ْو ِضع ال ُغ َلم ِمَّا َي ِل ِ‬ ‫اس و َأبو هرير َة و َأبو س ِع ٍ‬
‫النَّاس ا ْب ُن َع َّب ٍ َ ُ ُ َ ْ َ َ ُ َ‬
‫ِ‬
‫اس و َأ ِب هرير َة و َأ ِب س ِع ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يد َو َأ ِب َقتَا َدةَ‪،‬‬ ‫َف َق َال َر ُجل َف َأ ْنك َْرت َذل َك َفنَ َظ ْرت إِ َل ا ْب ِن َع َّب ٍ َ ُ َ ْ َ َ َ‬
‫حل ِديث َو ِص َّحته َو َش َها َدة نَافِ ٍع‬ ‫السنَّة) َفت ََأ َّمل َسنَد َه َذا ا َ‬
‫ِ‬
‫َف ُقلت‪َ :‬ما َه َذا؟ َقا ُلوا ه َي ُّ‬
‫(‪)417‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫َت إِ ْم َرته‬ ‫مئ ٍذ َس ِعيدُ ْب ُن ال َع ِ‬
‫اص‪َ .‬وإِن ََّم كَان ْ‬ ‫اجلن ََازة‪ ،‬واألَ ِمري يو ِ‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ود َأ ِب َقتَا َد َة َه ِذ ِه ِ‬ ‫بِ ُشه ِ‬
‫ُ‬
‫ني ك ََم َقدَّ ْمنَا ُه‪َ .‬و َه َذا ِمَّا َل‬ ‫خ ِس َ‬ ‫ني إِ َل َسنَة َأ ْر َبع َو َ ْ‬ ‫او َي َة َسنَة َث َمن َو َأ ْر َب ِع َ‬ ‫ِف ِخ َل َفة ُم َع ِ‬
‫وسى ْب ُن‬ ‫تهم‪َ .‬فإِ ْن ِق َيل َف َم ت َْصنَ ُع َ‬
‫ون بِ َم َر َوا ُه ُم َ‬ ‫اص ْ‬
‫ِ ِ‬
‫َي ُش ّك فيه َع َوا ّم َأ ْهل النَّ ْقل َو َخ َّ‬
‫َب َع َل ْي ِه َس ْب ًعا َوك َ‬
‫َان َبدْ ِر ًّيا)؟ َوبِ َم َر َوا ُه‬ ‫ِ‬
‫َع ْبداهلل ْب ِن َي ِزيدَ ‪َ ( :‬أ َّن َعل ًّيا َص َّل َع َل َأ ِب َقتَا َد َة َفك َّ َ‬
‫ِ‬
‫الشعبِي َق َال‪( :‬ص َّل َع َل َأ ِب َقتَاد َة وكَب َع َلي ِه ِس ًّتا)؟ ُقلنَا‪َ :‬ل َ ُتوز معار َضة األَح ِ‬
‫اديث‬ ‫َ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ َ َّ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ ْ ُّ‬
‫َّاريخ ا ُملنْ َقطِ َعة ا َمل ْغ ُلو َطة‪َ ،‬و َقدْ َخ َّط َأ األَ ِئ َّم ُة‬ ‫ات الت ِ‬ ‫الص ِحيحة ا َملع ُلومة الصحة بِ ِرواي ِ‬
‫َ َ‬ ‫ِّ َّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫وسى َه ِذ ِه َو َم ْن تَا َب َع ُه َو َقا ُلوا ِه َي َغ َلط‪َ .‬قا َل ُه ال َب ْي َه ِق ُّي َو َغ ْيه‪َ .‬و َيدُ ّل َع َل َأ َّنَا‬ ‫ِر َوا َية ُم َ‬
‫َغ َلط ُو ُجوه‪:‬‬
‫ص َحة بِت َْأ ِخ ِري َو َفاته َو َب َقاء‬ ‫يحة ا ُمل َ ِّ‬ ‫الصح َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دها‪َ :‬ما َذك َْرنَا ُه م ْن األَ َحاديث َّ‬ ‫َأ َح َ‬
‫ُمدَّ ته َب ْعد َم ْوت َع ِ ٍّل ‪.‬‬
‫ال َّث ِان‪َ :‬أ َّن ُه َق َال ك َ‬
‫َان َبدْ ِر ًّيا‪َ ،‬و َأ ُبو َقتَا َد َة َل ُي ْع َرف َأ َّن ُه َش ِهدَ َبدْ ًرا‪َ .‬و َقدْ َذك ََر ُع ْر َو ُة ْب ُن‬
‫هم َأ َس ِامي َم ْن َش ِهدَ َبدْ ًرا‬ ‫اق َو َغ ْي ْ‬ ‫وسى ْب ُن ُع ْق َب َة َو ُم َ َّمدُ ْب ُن إِ ْس َح َ‬ ‫الز ْه ِر ُّي َو ُم َ‬‫الز َب ْ ِي َو ُّ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن الصحابة‪ ،‬و َليس ِف َ ِ ِ‬
‫يحة‬ ‫الصح َ‬ ‫الر َوا َيات َّ‬ ‫يوز َر ّد ِّ‬ ‫شء من َْها ذكْر َأ ِب َقتَا َدةَ‪َ ،‬ف َك ْيف َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َّ َ َ َ ْ َ‬
‫الشا َّذة ا َّلتِي َقدْ ُع ِل َم َخ َط ُؤ َها َي ِقينًا؟ إِ َّما ِف َق ْوله‬ ‫الر َوا َية َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا َّلتي َل َم ْط َعن ف َيها بِم ْث ِل َهذه ِّ‬
‫ِ‬

‫الش ْعبِ ِّي َف ُمنْ َقطِ َعة َأ ْي ًضا‬


‫َان َبدْ ِر ًّيا)‪َ .‬و َأ َّما ِر َوا َية َّ‬ ‫( َو َص َّل َع َل ْي ِه َع ِ ٌّل) َوإِ َّما ِف َق ْوله ( َوك َ‬
‫الر َواة َغ َلط ِم ْن ت َْس ِم َية َقتَا َد َة ْب ِن النُّ ْع َم ِن َأ ْو َغ ْيه إِ َل َأ ِب َقتَا َد َة‬ ‫َغ ْي َثابِتَة‪َ ،‬و َل َع َّل َب ْعض ُّ‬
‫(((‬
‫َفإِ َّن َقتَا َد َة ْب َن النُّ ْع َم ِن َبدْ ِر ٌّي َو ُه َو َق ِديم ا َمل ْوت" اهـ‪.‬‬
‫لكن تُعقب قول البيهقي‪ ،‬فتعقبه ابن الرتكامين‪ ،‬فقال يف حديث عيل أنه صىل‬
‫عىل أيب قتادة‪ ،‬فكرب سبعا‪ :‬رجاله ثقات‪ ،‬وأخرجه أيضا ابن أيب شيبة يف ((مصنفه))‪،‬‬
‫فرواه عن عبداهلل بن نمري ووكيع‪ ،‬قاال‪ :‬حدثنا إسامعيل بن أيب خالد‪ ،‬عن موسى‬
‫((( ((عون املعبود))‪.72/2 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)418‬‬

‫ابن عبداهلل بن يزيد أن عليا ‪ ...‬وقال أبو عمر يف ((االستيعاب))‪ :‬روي من وجوه عن‬
‫موسى بن عبداهلل بن يزيد االنصاري والشعبي أهنام قاال‪ :‬صىل عيل عىل أيب قتادة‪،‬‬
‫فكرب عليه سبعا‪.‬‬
‫وقال يف ((االستيعاب)) أيض ًا‪" :‬قيل‪ :‬تويف أبو قتادة باملدينة سنة أربع ومخسني‪،‬‬
‫(((‬
‫وهو الذي صىل عليه" اهـ‪.‬‬ ‫والصحيح أنه تويف بالكوفة يف خالفة عيل‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫الص َل ِة‪َ ،‬و ُأ ِريدُ َأ ْن ُأ َط ِّو َل فِ َيها))‪ ،‬تقدم الكالم عن‬
‫‪(( :‬إِ ِّن َلَ ُقو ُم إِ َل َّ‬ ‫قوله‬
‫أكثر ما يتعلق بالتخفيف يف الصالة عند ذكر احلديث التاسع واألربعني‪ ،‬وإرادته‬
‫ملا يناله من قرة عينة وأنسه بربه يف الصالة حيث قال ‪َ (( :‬و ُج ِع َل ُق َّر ُة َع ْينِي‬
‫الص َل ِة)) أخرجه أمحد والنسائي وغريمها‪.‬‬
‫ِف َّ‬
‫الر ِحم يسمى جنين ًا‪،‬‬
‫الصبِ ِّي))‪ ،‬أي‪ :‬املولود قريب ًا‪ ،‬فاإلنسان يف َّ‬ ‫(( َف َأ ْس َم ُع ُبك َ‬
‫َاء َّ‬
‫فإذا ولد ‪ ..‬سمي وليد ًا‪ ،‬فإذا مىض عليه زم ٌن ٌ‬
‫قليل ‪ ..‬سمي طفالً‪ ،‬وبعده يسمى‬
‫تسع عرش َة سنة‪ ،‬ثم منه شاب ًا إىل أرب ٍع‬
‫صبي ًا‪ ،‬وبعده مراهق ًة‪ ،‬وبعده غالم ًا إىل أن يبلغ َ‬
‫ال إىل إحدى ومخسني‪ ،‬ثم منه شيخ ًا إىل آخر العمر‪.‬‬
‫وثالثني‪ ،‬ثم منه كه ً‬
‫(((‬
‫وقيل‪ :‬الطفل من مىض عليه بعد والدته حوالن كامالن‪.‬‬
‫وقال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬قال احلافظ ابن حجر يف أواخر كتاب اهلبة‬
‫من ((الفتح))‪ :‬يطلق عىل الشخص قبل البلوغ أنه طفل وغالم‪ ،‬وختصيص بعض‬
‫(((‬
‫اللغويني بام ذكر أغلبي" اهـ‪.‬‬
‫((( ((االستيعاب))‪.86/1 :‬‬
‫((( ((عصيدة الشهدة))‪.)66( :‬‬
‫((( ((دليل الفاحلني))‪.15/2 :‬‬
‫(‪)419‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫قال البدر الدماميني يف ((حتفة الغريب عىل مغني اللبيب)) وقد كنت وقفت‬
‫عىل فصل لبعض اللغويني ذكر فيه صفات اإلنسان التي خيتص بإطالقها عليه‬
‫بحسب األزمنة املختلفة فقلت ناظ ًام هلا‪:‬‬
‫لتلتقـــط در ًا تقتنيـــه بديعـــا‬ ‫أصغ لصفات اآلدمي وضبطها‬
‫ومن بعـــد يدعى بالصبي رضيعا‬ ‫جنني إذا مـــا كان يف بطن أمه‬
‫كـــذا يافع للعرش قلـــه مطيعا‬ ‫وإن فطموه فالغالم لســـبعة‬
‫لتحســـن فيام تنتحيـــه صنيعا‬ ‫باجلزور ســـمه‬
‫ّ‬ ‫إىل مخس عرش‬
‫بذاك دعـــاه الفاضلون مجيعا‬ ‫فمـــد إىل مخس وعرشين حجة‬
‫ثالثني فاحفـــظ ال تعد مضيعا‬ ‫ومن بعد يدعـــي بالعطيطل ألهنا‬
‫بكهل إىل اخلمسني فادع سميعا‬ ‫صل حلـــد األربعـــن وبعده‬
‫هبا ثـــم مها للمـــات رسيعا‬ ‫وشـــيخ ًا إىل حد الثامنني فادعه‬

‫(( َف َأ َ َت َّو ُز ِف َص َل ِت))‪ ،‬أي‪ :‬أخفف‪ ،‬ويف رواية لإلمام مسلم بني فيها حمل‬
‫الصبِ ِّي َم َع ُأ ِّم ِه‬
‫َي ْس َم ُع ُبكَا َء َّ‬ ‫ول اهلل‬ ‫َان َر ُس ُ‬
‫‪" :‬ك َ‬ ‫التخفيف‪ ،‬ولفظها عن أنس‬
‫ور ِة ال َق ِص َري ِة"‪.‬‬‫الس َ‬
‫وهو ِف الص َل ِة‪َ ،‬في ْقر ُأ بِالس ِ ِ ِ‬
‫ورة اخلَفي َفة‪َ ،‬أ ْو بِ ُّ‬ ‫ُّ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ َ‬
‫قال يف ((عون املعبود))‪َ " :‬ق َال ِف ((املِ ْر َقاة))‪َ :‬أ ْي‪َ :‬أ ْخت َِص َو َأت ََر َّخص بِ َم َ ُتوز بِ ِه‬
‫الق َرا َءة َواألَ ْذكَار‪َ ،‬ق َال ال ِّطيبِ ُّي َأ ْي ُأ َخ ِّفف ك ََأ َّن ُه‬ ‫ال ْقتِصار وتَرك َت ْط ِويل ِ‬ ‫الص َلة ِمن ِ‬
‫َ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫الصبِ ّي‪َ .‬ق َال‪َ :‬و َم ْعنَى الت ََّج ُّوز َأ َّن ُه َق َط َع‬ ‫ِ‬
‫او َز َما َق َصدَ ُه َأ ْي َما َق َصدَ ف ْعله َل ْو َل ُبكَاء َّ‬ ‫َ َت َ‬
‫ورة َق ِص َرية َب ْعدَ َما َأ َرا َد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ش َع ِف ُس َ‬ ‫ورة َو َأ ْ ِ‬
‫س َع ف َأ ْف َعاله ا ْنت ََهى‪َ .‬واألَ ْظ َهر َأ َّن ُه َ َ‬‫َ‬ ‫الس َ‬ ‫ق َرا َءة ُّ‬
‫الش َف َقة‬ ‫اإل َطا َلة َو َّ‬‫ها َق ْصد ِ‬ ‫اصل َأ َّن ُه َح َاز َب ْي ال َف ِضي َلت ْ ِ‬
‫َي َو ُ َ‬
‫َأ ْن ي ْقرأ سورة َط ِوي َلة َفاحل ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ َ‬
‫(((‬
‫حة َوت َْرك ا َمل َل َلة َولِ َذا َو َر َد‪ :‬نِ َّية ا ُمل ْؤ ِمن َخ ْي ِم ْن َع َمله" اهـ‪.‬‬ ‫الر ْ َ‬
‫َو َّ‬

‫((( ((عون املعبود))‪.123/2 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)420‬‬

‫اه َي َة َأ ْن َأ ُش َّق َع َل ُأ ِّم ِه))‪ ،‬وكراهية‪:‬‬


‫‪(( :‬كَر ِ‬
‫َ‬ ‫ثم علل ذلك التخفيف بقوله‬
‫بتخفيف الياء مصدر كره‪ ،‬وهو مفعول له‪ ،‬أي‪ :‬لكراهة أن أشق عىل أمه؛ ألهنا تبقى‬
‫يف الصالة بسبب تطويلها مع بكاء طفلها‪.‬‬
‫الش ِديد‬
‫ح َل ُه ِم ْن األَ ْمر َّ‬
‫قال يف ((عون املعبود))‪ُ " :‬ي َقال‪َ :‬ش َّق َع َل ْي ِه‪َ ،‬أ ْي‪َ :‬ث ُق َل‪َ ،‬أ ْو َ َ‬
‫الصبِ ّي" اهـ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(((‬
‫َما َي ُش ّق َو َي ْشتَدّ َع َل ْيه‪َ ،‬وا َمل ْعنَى‪ :‬ك ََراه َية ُو ُقوع ا َمل َش َّقة َع َل ْي َها م ْن ُبكَاء َّ‬
‫وهل ذكر األم مقيد هبا؟‬
‫اجلواب‪ :‬ال؛ إنام ِذك ُْر األم خرج خمرج الغالب‪ ،‬وإال فمن يف معناها ملحق هبا‪،‬‬
‫يف و ِ‬ ‫يهم َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫بدليل قوله ‪(( :‬إِ َذا َص َّل َأ َحدُ ك ُْم لِلن ِ‬
‫يم‬ ‫الضع َ َ َّ‬
‫السق َ‬ ‫ف‪َ ،‬فإِ َّن ف ِ ْ‬
‫َّاس َفل ُيخَ ِّف ْ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫اء)) متفق عليه‪ ،‬فدل هذا احلديث أن‬ ‫َوال َكبِ َري‪َ ،‬وإِ َذا َص َّل َأ َحدُ ك ُْم لنَ ْفسه َفل ُي َط ِّول َما َش َ‬
‫حلق املأمومني‪ ،‬ويف احلديث‬
‫التخفيف لكل ذي حاجه‪ ،‬والتخفيف يف هذا احلديث ّ‬
‫الذي نحن بصدده ملصلحة غري املأمومني؛ لكن بحيث يتعلق بمن يرجع إليه‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر يف ((فتح الباري))‪" :‬قال بن بطال‪ :‬احتج به من قال جيوز‬
‫لألمام إطالة الركوع إذا سمع بحس داخل ليدركه‪ ،‬وتعقبه بن املنري بأن التخفيف‬
‫نقيض التطويل‪ ،‬فكيف يقاس عليه‪ ،‬قال‪ :‬ثم إن فيه مغايرة للمطلوب؛ ألن فيه‬
‫إدخال مشقة عىل مجاعة ألجل واحد‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫ويمكن أن يقال‪ :‬حمل ذلك ما مل يشق عىل اجلامعة‪ ،‬وبذلك قيده أمحد‪،‬‬
‫وإسحاق‪ ،‬وأبو ثور‪ ،‬وما ذكره بن بطال سبقه إليه اخلطايب‪ ،‬ووجهه بأنه إذا جاز‬
‫التخفيف حلاجة من حاجات الدنيا ‪ ..‬كان التطويل حلاجة من حاجات الدين‬
‫أجوز‪ ،‬وتعقبه القرطبي بأن يف التطويل هنا زيادة عمل يف الصالة غري مطلوب‪،‬‬

‫((( ((عون املعبود))‪.123/2 :‬‬


‫(‪)421‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫بخالف التخفيف فإنه مطلوب‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫ويف هذه املسألة خالف عند الشافعية وتفصيل‪ ،‬وأطلق النووي عن املذهب‬
‫استحباب ذلك‪ ،‬ويف ((التجريد)) للمحامىل نقل كراهيته عن اجلديد‪ ،‬وبه قال‬
‫األوزاعي‪ ،‬ومالك‪ ،‬وأبو حنيفة‪ ،‬وأبو يوسف‪ ،‬وقال حممد بن احلسن‪ :‬أخشى أن‬
‫(((‬
‫يكون رشكا" اهـ‪.‬‬
‫وقال يف ((عمدة القاري))‪" :‬استدل به بعضهم عىل جواز إدخال الصبي يف‬
‫املسجد‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬فيه نظر؛ الحتامل أن يكون الصبي كان خملف ًا يف بيت يقرب‬
‫من املسجد‪ ،‬قلت‪ :‬ليس هذا موضع النظر؛ ألن الظاهر أن الصبي ال يفارق أمه‬
‫غالب ًا‪ ،‬وفيه داللة عىل جواز صالة النساء مع الرجال‪ ،‬وفيه داللة عىل كامل شفقة‬
‫(((‬
‫النبي عىل أصحابه‪ ،‬ومراعاة أحوال الكبري منهم والصغري" اهـ‪.‬‬
‫فائــــدة‪:‬‬
‫انتظار الداخل يف الركوع ليدرك الركعة مع اإلمام‪ ،‬ويف التشهد األخري‬
‫ليدرك اجلامعة مستحب عند الشافعية برشوط‪ ،‬وهي(((‪:‬‬
‫ ) أأن يعتقد الداخل إدراك الركعة بالدخول وفضيلة اجلامعة بالتشهد‪ ،‬بخالف‬
‫ما إذا كان ال يعتقد ذلك ‪ ..‬فال ينتظره‪.‬‬
‫ ) بأن ال يعتاد الداخل البطء بتحرمه‪.‬‬
‫ ) جأن يظن اإلمام إتيان املأموم بالتحرم عىل الوجه الرشعي من كونه يف القيام‪،‬‬

‫((( ((فتح الباري))‪.230/2 :‬‬


‫((( ((عمدة القاري))‪.481/4 :‬‬
‫((( ((برشى الكريم))‪ ،)328( :‬و((هناية الزين))‪.)120( :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)422‬‬

‫واإلمام ليس بقيد بل مثله املنفرد‪ ،‬وإن كان ال يأيت فيه مجيع الرشوط‪.‬‬
‫ ) دأن يكون ذلك االنتظار يف ركوع غري ثان من صالة الكسوف‪ ،‬أو يف تشهد‬
‫أخري‪.‬‬
‫ ) هأن ال خيشى فوت الوقت‪.‬‬
‫ ) وأن يكون ا ُملنْ َت َظ ُر داخل حمل الصالة دون منه وخارجه‪.‬‬
‫ ) زأن ينتظره هلل تعاىل ال لتو ّدد‪ ،‬وإال ‪ ..‬كره‪.‬‬
‫بضم انتظار مأموم إىل آخر‪ ،‬وإال ‪ ..‬كره‪.‬‬
‫ ) حوأن اليبالغ يف االنتظار ولو ّ‬
‫ ) طأن ال يميز بني الداخلني فينتظر بعض ًا دون بعض‪.‬‬
‫ ) يأن يظ ّن أن يقتدي به ذلك الداخل‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬كامل شفقة النبي بأصحابه ومراعاة أحوال الكبري منهم والصغري‪.‬‬
‫‪2 .2‬مرشوعية الرفق باملأمومني‪ ،‬ومراعاة مصاحلهم‪ ،‬ودفع ما يشق عليهم‪ ،‬وإيثار‬
‫ختفيف الصالة ألي أمر حيدث‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن من قصد يف الصالة اإلتيان بيشء مستحب ال جيب عليه الوفاء به‪.‬‬
‫(‪)423‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث الثاني واخلمسون‬

‫ول اهللِ ‪َ (( :‬م ْن َص َّل َص َل َة‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َعن جنْدَ ب بن َعب ِد اهللِ‬
‫ْ ُ َ ْ َ ْ‬
‫ش ٍء‪َ ،‬فإِ َّن ُه َم ْن َي ْط ُل ْب ُه ِم ْن ِذ َّمتِ ِه‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫الص ْبحِ ‪َ ..‬ف ُه َو ف ذ َّمة اهلل‪َ ،‬ف َل َي ْط ُل َبنَّك ُْم اهللُ م ْن ذ َّمته بِ َ ْ‬ ‫ُّ‬
‫َار َج َهن ََّم)) رواه مسلم‪.‬‬ ‫بِ َش ٍء ‪ُ ..‬يدْ ِر ْك ُه‪ُ ،‬ث َّم َي ُك َّب ُه َع َل َو ْج ِه ِه ِف ن ِ‬
‫ْ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمــــه‬
‫هو الصحايب اجلليل جندب بن عبداهلل بن سفيان العلقي البجيل‪ ،‬ويقال له‬
‫جندب بن سفيان فينسب إىل جده‪.‬‬
‫قال اإلمام النووي‪ُ " :‬جنْدُ ب ْبن ُس ْف َيان‪َ ،‬و ُه َو ُجنْدُ ب ْبن َع ْبداهلل ْبن ُس ْف َيان‬
‫(((‬
‫َارة إِ َل َجدِّ ِه" اهـ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َارة إِ َل َأبِيه َوت َ‬
‫ُين َْسب ت َ‬
‫وقال يف ((عمدة القاري))‪" :‬جندب بن أيب سفيان وهو جندب بن عبداهلل بن‬
‫أيب سفيان‪ ،‬إال أنه تارة ينسب إىل أبيه‪ ،‬وتارة إىل جده‪ ،‬وال يظن أن جندب بن أيب سفيان‬
‫(((‬
‫غري جندب بن عبداهلل‪ ،‬فافهم" اهـ‪.‬‬
‫وهو بجيل من بجيلة‪ ،‬علقي وهو حي من بجيلة‪.‬‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.106/5 :‬‬


‫((( ((عمدة القاري))‪.198/6 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)424‬‬

‫قال يف ((االستيعاب))‪" :‬والعلق بطن من بجيلة‪ ،‬وهو علقة بن عبقر بن أنامر‬


‫(((‬
‫بن إراش بن عمرو بن الغوث أخو األزد بن الغوث" اهـ‪.‬‬
‫يكنى بأيب عبداهلل‬
‫‪:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫ص ْي ِن‪ ،‬فقد‬ ‫ِ‬
‫بالكوفة‪ ،‬ثم انتقل إىل البرصة؛ وهلذا روى عنه أهل امل ْ َ‬ ‫كان‬
‫روى عنه من أهل البرصة‪ :‬احلسن بن أيب احلسن‪ ،‬وحممد بن سريين‪ ،‬وأنس بن‬
‫سريين‪ ،‬وأبو السوار العدوي‪ ،‬وبكر بن عبداهلل املزين‪ ،‬ويونس بن جبري الباهيل‪،‬‬
‫وصفوان بن حمرز املازين‪ ،‬وأبو عمران اجلوين‪.‬‬
‫وروى عنه من أهل الكوفة‪ :‬عبدامللك بن عمري‪ ،‬واألسود بن قيس‪ ،‬وسلمة‬
‫ابن كهيل‪.‬‬
‫وروى عنه من أهل الشام‪ :‬شهر بن حوشب‪.‬‬
‫ثالثة وأربعون حديث ًا‪ ،‬أخرج له منها يف‬ ‫روي له عن رسول اهلل‬
‫((الصحيحني)) اثني عرش حديث ًا‪ ،‬اتفقا عىل سبعة منها‪ ،‬والباقي ملسلم‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫قال ابن رجب احلنبيل‪ :‬يقال‪ :‬أنه مات سنة أربع وستني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬

‫‪َ (( :‬م ْن َص َّل َص َل َة ُّ‬


‫الص ْبحِ ))‪ ،‬أي‪:‬يف مجاعة‪ ،‬كام قيتها الرواية األخرى‬ ‫قوله‬
‫يف مسلم كذلك‪.‬‬

‫((( ((االستيعاب))‪.76/1 :‬‬


‫(‪)425‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(( َف ُه َو ِف ِذ َّم ِة اهلل))‪ ،‬أي‪ :‬أمانه وعهده وضامنه‪ ،‬قال اإلمام النووي‪ِ " :‬ق َيل‪:‬‬
‫(((‬
‫الض َمن‪َ .‬و ِق َيل‪ :‬األَ َمان" اهـ‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫الذ َّمة ُهنَا َّ‬
‫وهل ُخ ّصت بذلك ألفضليتها أو ألمر آخر؟‬
‫اجلواب‪ :‬كأهنا ُخ ّصت بذلك ألهنا أول النهار الذي هو وقت ابتداء انتشار‬
‫الناس يف حوائجهم املحتاجني فيه ويف دوامه إىل أمن بعضهم من بعض ال ألفضليتها‪.‬‬
‫قال يف ((دليل الفاحلني)) بعد أن أجاب عىل هذا اجلواب‪" :‬قيل‪ :‬وهذا أوضح‬
‫مما قاله الطيبي من أهنا خصت بالذكر ملا فيها من الكلفة واملشقة‪ ،‬فكان أداؤها مظنة‬
‫خلوص الرجل ومئنة إيامنه‪ ،‬ومن كان مؤمن ًا فهو يف ذمة اهلل وعهده؛ وذلك ألن‬
‫ما قاله الطيبي جيري يف العرص‪ ،‬فكان ذكر ذلك فيها أوىل؛ لوجود هذا املعنى فيها‬
‫مع كوهنا أفضل‪ ،‬ويف العشاء؛ بل املشقة فيها أكثر‪ ،‬فلم يبق ما يميز الصبح عن‬
‫غريها من اخلمس إال ما ذكرناه" اهـ‪)((((.‬‬

‫وهذا عىل قول من قال أن الفجر من النهار وهو الصحيح‪ ،‬قال يف ((نيل‬
‫األوطار)) عندما كان يتحدث عن صالة الضحى وساق احلديث الذي نحن‬
‫الع َر ِاق ُّي‪َ :‬و َه َذا َينْ َبنِي َع َل َأ َّن الن ََّه َار َهل ُه َو ِم ْن ُط ُلوع ال َف ْج ِر َأ ْو‬
‫بصدده‪ ،‬فقال‪َ " :‬ق َال ِ‬

‫س؟‪.‬‬ ‫ِم ْن ُط ُلو ِع َّ‬


‫الش ْم ِ‬
‫ور َأ ْه ِل ال ُّل َغ ِة َو ُع َل َم ِء َّ ِ‬
‫الشي َع ِة َأ َّن ُه ِم ْن‬ ‫ور ا َّل ِذي َيدُ ّل َع َل ْي ِه ك ََلم ُ ْ‬
‫ج ُه ِ‬ ‫َوا َمل ْش ُه ُ‬
‫(((‬
‫ُط ُلوع ال َف ْج ِر" اهـ‪.‬‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.106/5 :‬‬


‫((( ((دليل الفاحلني))‪.16/2 :‬‬
‫((( ((نيل األوطار))‪.72/3 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)426‬‬

‫ش ٍء))‪ ،‬واهلاء يف ذمته يعود عىل اهلل‪ ،‬وحيتمل أنه‬ ‫ِ ِ ِِ‬


‫(( َف َل َي ْط ُل َبنَّك ُْم اهللُ م ْن ذ َّمته بِ َ ْ‬
‫يعود عىل من‪ ،‬كام قاله الطيبي‪.‬‬
‫‪" :‬قال ابن العريب‪ :‬هذا إشارة إىل أن احلفظ غري مستحيل‬ ‫قال املناوي‬
‫بقصد املؤذي إليه؛ لكن الباري سيأخذ حقه منه يف إخفار ذمته‪ ،‬فهو إخبار عن‬
‫(((‬
‫إيقاع اجلزاء‪ ،‬ال عن وقوع احلفظ من األذى" اهـ‪.‬‬
‫وقال البيضاوي‪ :‬ظاهره النهي عن مطالبته إياهم بيشء من عهده؛ لكن املراد‬
‫هنيهم عن التعرض ملا يوجب املطالبة يف نقض العهد واختفار الذمة‪ ،‬ال عىل نفس‬
‫(((‬
‫املطالبة‪ .‬اهـ‬
‫وقيل‪ :‬حيتمل أن املراد بالذمة الصالة املقتضية لألمان‪ ،‬فيكون املعنى‪:‬‬
‫ال ترتكوا صالة الصبح‪ ،‬فينتقض به العهد الذي بينكم وبني ربكم‪ ،‬فيطلبكم به‪.‬‬
‫(( َفإِ َّن ُه َم ْن َي ْط ُل ْب ُه))‪ ،‬أي‪ :‬اهلل (( ِم ْن ِذ َّمتِ ِه))‪ ،‬أي‪ :‬من عهده‪ ،‬بأن خفره فيه‪،‬‬
‫ش ٍء)) يسري جد ًا ‪ُ (( ..‬يدْ ِر ْك ُه))؛ أي ال يستطيع اهلرب‬
‫وتعرض ملن هو فيه‪ ،‬ولو ((بِ َ ْ‬
‫منه سبحانه؛ ألنه ال مهرب منه إال إليه‪.‬‬
‫(( ُث َّم)) إذا أدركه وأخذه ‪ ..‬فإنه (( َي ُك َّب ُه))‪ ،‬أي‪ :‬يلقيه (( َع َل َو ْج ِه ِه ِف ن ِ‬
‫َار َج َهن ََّم))‪،‬‬
‫ويف إشارة إىل عدم املباالة به‪.‬‬
‫قال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬واملعنى‪ :‬من صىل صالة الصبح ‪ ..‬فهو يف ذمة اهلل‪،‬‬
‫فال تتعرضوا له بيشء يسري‪ ،‬فإنكم إن تعرضتم له ‪ ..‬يدرككم اهلل‪ ،‬ولن تفوتوه‪ ،‬فيحيط‬
‫بكم من جوانبكم كام حييط املحيط باملحاط‪ ،‬فيكبكم يف نار جهنم‪ .‬قال ابن حجر‬

‫((( ((فيض القدير))‪.155/8 :‬‬


‫((( املرجع السابق‪.‬‬
‫(‪)427‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫التعرض بسوء ملن صىل الصبح‬
‫اهليتمي يف ((رشح املشكاة))‪ :‬وفيه غاية التحذير من ّ‬
‫والعذاب"‬ ‫املستلزمة لصالة بقية اخلمس‪ ،‬وأن يف التعرض له بسوء غاية اإلهانة‬
‫(((‬
‫اهـ‪.‬‬
‫وقيل أن احلجاج بن يوسف كان مع شدة بطشه إذا جيء له بأحد ‪ ..‬يسأله‬
‫هل صليت الصبح؟ فإن أجاب بنعم ‪ ..‬ترك التعرض له بسوء خوفا من هذا الوجه‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬رمحة احلق سبحانه وتعاىل بعبادة املتجلية يف سعة فضله‪.‬‬
‫‪2 .2‬ينبغي للمؤمن أن ال خيدش عبادته بيشء‪ ،‬وأن حيافظ عىل ذمة اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪3 .3‬ال ملجأ وال منجا من اهلل إال إليه‪.‬‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.16/2 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)428‬‬

‫احلديث الثالث واخلمسون‬

‫َق َال‪(( :‬ا ُمل ْسلِ ُم َأ ُخو ا ُمل ْسلِمِ‪َ ،‬ل َي ْظلِ ُم ُه‪،‬‬ ‫ول اهللِ‬
‫َأ َّن َر ُس َ‬ ‫َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر‬
‫اجتِ ِه‪َ ،‬و َم ْن َف َّر َج َع ْن ُم ْسلِ ٍم‬‫َان اهللُ ِف َح َ‬ ‫اج ِة َأ ِخ ِيه ‪ ..‬ك َ‬ ‫َان ِف َح َ‬ ‫َو َل ُي ْسلِ ُم ُه‪َ .‬م ْن ك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ُْر َب ًة ‪َ ..‬ف َّر َج اهللُ َع ْن ُه ك ُْر َب ًة م ْن ك ُُر َبات َي ْو ِم الق َي َامة‪َ ،‬و َم ْن َس َ َ‬
‫ت ُم ْسل ًم ‪َ ..‬س َ َ‬
‫ت ُه اهللُ َي ْو َم‬
‫الق َي َام ِة)) متفق عليه‪.‬‬ ‫ِ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمــــه‬
‫هو الصحايب اجلليل العامل الفقيه َع ْبدُ اهلل ْب ُن ُع َم َر ْب ِن اخلَ َّط ِ‬
‫اب بن نفيل بن‬
‫عبدالعزى بن رياح بن قرط بن رزاح‪ ،‬بن عدي‪ ،‬بن كعب بن لؤي بن غالب‬
‫القريش العدوي املكي‪.‬‬
‫ويكنى بأيب عبدالرمحن‪.‬‬
‫أمه وأم أخته حفصة‪ :‬زينب بنت مظعون اجلمحية‪ ،‬أخت عثامن بن مظعون‪.‬‬
‫سنة ثالث من املبعث النبوي‪ ،‬فيام جزم به الزبري بن بكار‪.‬‬ ‫ولد‬
‫وأسلم بمكة قديام مع أبيه وهو صغري‪ ،‬وهاجر معه‪ ،‬وال يصح قول من قال‬
‫(((‬
‫أنه أسلم قبل أبيه وهاجر قبله‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬عمدة القاري))‪.161/1 :‬‬


‫(‪)429‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(((‬
‫قال الزبري بن بكار‪ :‬هاجر وهو ابن عرش سنني‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫فضائلـــه‬
‫وله من الفضائل ما ال يستطيع معرب من البرش أن يعرب عنها‪ ،‬وهو صاحب‬
‫اهلمة القعساء والشجاعة الكربى واهلمة العالية‪ ،‬وقد خرج ليقاتل يف غزوة بدر مع‬
‫فاستصغر ورد‪ ،‬ثم يف أحد كذلك استصغر ورد‪ ،‬وأذن له رسول‬ ‫رسول اهلل‬
‫َأ َّن‬ ‫باملشاركة يف اخلندق وهو ابن مخس عرشة سنة‪ ،‬فعن ا ْب ِن ُع َم َر‬ ‫اهلل‬
‫َع َر َض ُه َي ْو َم ُأ ُح ٍد َو ُه َو ا ْب ُن َأ ْر َب َع َع ْش َة َسنَ ًة َف َل ْم ُ ِ‬
‫ي ْز ِن ُث َّم َع َر َضنِي َي ْو َم‬ ‫ول اهلل‬‫َر ُس َ‬
‫َ‬
‫ش َة َسنَ ًة َف َأ َج َاز ِن‪ .‬أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫خ َس َع ْ َ‬ ‫اخلَنْدَ ِق َو َأنَا ا ْب ُن َ ْ‬
‫الر ُج ُل ِف َح َي ِاة النَّبِ ِّي‬ ‫َق َال‪ :‬ك َ‬
‫َان َّ‬ ‫الٍ َع ْن َأبِ ِيه َع ْب ِداهلل ْب ِن ُع َم َر‬ ‫و َعن س ِ‬
‫ْ َ‬
‫ول اهلل ‪َ ،‬فت ََمنَّ ْي ُت َأ ْن َأ َرى ُر ْؤ َيا َف َأ ُق َّص َها‬ ‫إِ َذا ر َأى ر ْؤ َيا ‪َ ..‬ق َّص َها َع َل رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ول اهلل‬ ‫ول اهلل ‪َ ،‬و ُكن ُْت ُغ َلما َشا ًّبا‪َ ،‬و ُكن ُْت َأنَام ِف ا َملس ِج ِد َع َل َع ْه ِد رس ِ‬ ‫َع َل رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ ُ‬
‫َي َأ َخ َذ ِان‪َ ،‬ف َذ َه َبا ِب إِ َل الن َِّار‪َ ،‬فإِ َذا ِه َي َم ْط ِو َّي ٌة َك َط ِّي‬ ‫‪َ ،‬ف َر َأ ْي ُت ِف الن َّْو ِم ك ََأ َّن َم َلك ْ ِ‬
‫ول َأ ُعو ُذ بِاهلل ِم ْن الن َِّار‪،‬‬ ‫لت َأ ُق ُ‬‫َاس َقدْ َع َر ْفت ُُه ْم‪َ ،‬ف َج َع ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البِ ْئ ِر‪َ ،‬وإِ َذا َلَا َق ْرنَان‪َ ،‬وإِ َذا ف َيها ُأن ٌ‬
‫آخ ُر‪َ ،‬ف َق َال ِل‪َ :‬ل ْ ت َُر ْع‪َ ،‬ف َق َص ْصت َُها َع َل َح ْف َص َة‪َ ،‬ف َق َّصت َْها َح ْف َص ُة َع َل‬ ‫َق َال َف َل ِق َينَا َم َل ٌك َ‬
‫َان ُي َص ِّل ِم ْن ال َّل ْي ِل))‪َ ،‬فك َ‬
‫َان َب ْعدُ‬ ‫الر ُج ُل َع ْبدُ اهلل َل ْو ك َ‬ ‫ِ‬
‫َر ُسول اهلل ‪َ ،‬ف َق َال‪(( :‬ن ْع َم َّ‬
‫ِ‬
‫َل َينَا ُم ِم ْن ال َّل ْي ِل إِ َّل َق ِل ًيل‪ .‬أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وقد شهد له من ال ينطق عىل اهلوى بالصالح وكفى هبا منقبة عظمى‪ ،‬فعنه‬
‫َان ِف اجلَن َِّة‬
‫َق َال‪ :‬ر َأي ُت ِف ا َملنَا ِم ك ََأ َّن ِف ي ِدي س َق ًة ِمن ح ِر ٍير َل َأ ْه ِوي ِبا إِ َل مك ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫إِ َّل َط َار ْت ِب إِ َل ْي ِه‪َ ،‬ف َق َص ْصت َُها َع َل َح ْف َص َة‪َ ،‬ف َق َّصت َْها َح ْف َص ُة َع َل النَّبِ ِّي ‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬
‫اك َر ُج ٌل َصالِ ٌح‪َ ،‬أ ْو َق َال إِ َّن َع ْبدَ اهلل َر ُج ٌل َصالِ ٌح)) أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫((إِ َّن َأ َخ ِ‬

‫((( انظر‪(( :‬اإلصابة))‪.465/2 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)430‬‬

‫كثري اخلوف من اهلل تعاىل‪ ،‬فعن نافع قال دخل ابن عمر الكعبة‬ ‫وكان‬
‫فسمعته وهو ساجد يقول‪ :‬قد تعلم ما يمنعني من مزامحة قريش عىل هذه الدنيا إال‬
‫خوفك‪ .‬أخرجه احلاكم يف املستدرك‪.‬‬
‫وكان كثري الورع كثري العلم‪ ،‬فعن طاؤس قال‪ :‬ما رأيت رجال أورع من ابن عمر‪،‬‬
‫(((‬
‫وال رأيت رجال أعلم من ابن عباس‪.‬‬
‫وقال سعيد بن املسيب‪ :‬لو كنت شاهدا لرجل من أهل العلم أنه من أهل‬
‫اجلنة لشهدت لعبداهلل بن عمر‪ .‬أخرجه احلاكم يف ((املستدرك))‪.‬‬
‫ومع كثرة علمه إال أنه ال يتعجل اإلجابة من خوفه من ربه‪ ،‬فعن نافع أن‬
‫رجال سأل ابن عمر عن مسالة‪ ،‬فطأطأ رأسه‪ ،‬ومل جيبه حتى ظن الناس أنه مل يسمع‬
‫مسألته‪ ،‬فقال له‪ :‬يرمحك اهلل أما سمعت مسألتي؟ قال‪ :‬بىل‪ ،‬ولكنكم كأنكم ترون‬
‫أن اهلل تعاىل ليس بسائلنا عام تسألونا عنه‪ ،‬اتركنا رمحك اهلل حتى نتفهم يف مسألتك‪،‬‬
‫فإن كان هلا جواب عندنا‪ ،‬واال ‪ ..‬أعلمناك أنه ال علم لنا به‪.‬‬
‫وعن سعيد ابن املسيب قال‪ :‬كان أشبه ولد عمر بعمر عبداهلل‪ ،‬وأشبه ولد‬
‫عبداهلل بعبداهلل سامل‪.‬‬
‫‪ ،‬ثم كان بعد موته‬ ‫ال يتخلف عن الرسايا عىل عهد رسول اهلل‬ ‫وكان‬
‫مولع ًا باحلج قبل الفتنة ويف الفتنة إىل أن مات‪ ،‬ويقولون‪ :‬إنه كان من أعلم الصحابة‬
‫بمناسك احلج‪.‬‬
‫وكان كثري املجاهدة مسارع ًا إىل اخلريات‪ ،‬قال نافع‪ :‬كان ابن عمر ال يصوم‬
‫يف السفر‪ ،‬وال يكاد يفطر يف احلرض‪.‬‬

‫((( ذكره احلافظ بن حجر يف ((املطالب العالية))‪.‬‬


‫(‪)431‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وقال أيض ًا‪ :‬ما مات ابن عمر حتى أعتق ألف إنسان‪ ،‬أو يزيد‪ .‬أخرجه‬
‫أبو نعيم‪.‬‬
‫ومناقبه كثرية‪ ،‬ويف كتب الرتاجم شهرية نفعنا اهلل به يف الدارين‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫انتفع الكثري هبذا اإلمام العظيم وبعلمه‪ ،‬فقد روى ابن وهب عن مالك قال‪:‬‬
‫بلغ عبداهلل بن عمر ست ًا وثامنني سنة‪ ،‬وأفتى يف اإلسالم ستني سنة ونرش نافع عنه‬
‫عل ًام مج ًا‪.‬‬
‫‪ ،‬ومنهم‪ :‬أبوبكر‪،‬‬ ‫وأرضاه عن كثري من أصحاب النبي‬ ‫وقد روى‬
‫وعمر‪ ،‬وعثامن‪ ،‬وعيل‪ ،‬وأبو ذر‪ ،‬ومعاذ‪ ،‬وبالل‪ ،‬وصهيب‪ ،‬وعامر بن ربيعة‪ ،‬وزيد‬
‫ابن ثابت‪ ،‬وزيد عمه‪ ،‬وسعد‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬وعثامن بن طلحة‪ ،‬وأسلم‪ ،‬وعائشة‪،‬‬
‫وحفصة أخته‪.‬‬
‫وروى عنه من الصحابة‪ :‬جابر‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وغريمها‪ ،‬وبنوه‪ :‬سامل‪ ،‬وعبداهلل‪،‬‬
‫ومحزه‪ ،‬وبالل‪ ،‬وزيد وعبداهلل‪ ،‬وابن أخيه حفص‪ ،‬بن عامر‪.‬‬
‫ومن غريهم‪ :‬سعيد بن املسيب‪ ،‬وأسلم موىل عمر‪ ،‬وعلقمة بن وقاص‪،‬‬
‫وأبو عبدالرمحن النهدي‪ ،‬ومرسوق‪ ،‬وجبري بن نفري‪ ،‬وعبدالرمحن بن أيب ليىل‪،‬‬
‫وعبداهلل بن دينار‪ ،‬ونافع‪ ،‬وزيد‪ ،‬وخالد بن أسلم‪ ،‬ومصعب بن سعد‪ ،‬وموسى‬
‫ابن طلحة‪ ،‬وعروه بن الزبري‪ ،‬وبرش بن سعيد‪ ،‬وعطاء وطارق‪ ،‬وجماهد‪ ،،‬وصفوان‬
‫ابن حمرز‪ ،‬وآدم بن عيل‪ ،‬وإسامعيل بن عبدالرمحن بن أيب ذؤيب‪ ،‬وأمية بن عبداهلل‬
‫األموي‪ ،‬وأنس بن سريين‪ ،‬وبرس بن سعيد‪ ،‬وبرش بن حرب‪ ،‬وبرش بن عائذ‪ ،‬وبرش‬
‫ابن املحتفز‪ ،‬وبكر املزين‪ ،‬وبالل بن عبداهلل ابنه‪ ،‬ومتيم بن عياض‪ ،‬وثابت البناين‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)432‬‬

‫وثابت بن عبيد‪ ،‬وثابت بن حممد‪ ،‬وثوير بن أيب فاختة‪ ،‬وجبلة بن سحيم‪ ،‬وجبري بن‬
‫أيب سليامن‪ ،‬وجبري بن نفري‪ ،‬ومجيع بن عمري‪ ،‬وجنيد‪ ،‬وحبيب بن أيب ثابت‪ ،‬وحبيب‬
‫ابن أيب مليكة‪ ،‬واحلر بن الصياح‪ ،‬وحرملة موىل أسامة‪ ،‬وحريز أو أبو حريز‪ ،‬واحلسن‬
‫البرصي‪ ،‬واحلسن بن سهيل‪ ،‬وحسني بن احلارث اجلديل‪ ،‬وابن أخيه حفص بن‬
‫عاصم‪ ،‬واحلكم بن ميناء‪ ،‬وحكيم بن أيب حرة‪ ،‬ومحران موىل العبالت‪ ،‬وابنه محزة‬
‫بن عبداهلل‪ ،‬ومحيد بن عبدالرمحن الزهري‪ ،‬ومحيد بن عبدالرمحن احلمريي‪ ،‬وخالد‬
‫بن أسلم‪ ،‬وأخوه زيد‪ ،‬وخالد بن دريك وهذا مل يلقه‪ ،‬وخالد بن أيب عمران االفريقي‬
‫ومل يلحقه‪ ،‬وخالد بن كيسان‪ ،‬وداود بن سليك‪ ،‬وذكوان السامن‪ ،‬ورزين بن سليامن‬
‫االمحري‪ ،‬وأبو عمر زاذان‪ ،‬والزبري بن عريب‪ ،‬والزبري بن الوليد‪ ،‬شامي‪ ،‬وأبو عقيل‬
‫زهرة بن معبد‪ ،‬وزياد بن جبري الثقفي‪ ،‬وزياد بن صبيح احلنفي‪ ،‬وأبو اخلصيب‬
‫زياد القريش‪ ،‬وزيد بن جبري الطائي‪ ،‬وابنه زيد‪ ،‬وابنه سامل‪ ،‬وسامل بن أيب اجلعد‪،‬‬
‫والسائب والد عطاء‪ ،‬وسعد بن عبيدة‪ ،‬وسعد موىل أيب بكر‪ ،‬وسعد موىل طلحة‪،‬‬
‫وسعيد بن جبري‪ ،‬وسعيد بن احلارث األنصاري‪ ،‬وسعيد بن حسان‪ ،‬وسعيد بن‬
‫عامر‪ ،‬وسعيد بن عمرو األشدق‪ ،‬وسعيد بن مرجانة‪ ،‬وسعيد بن وهب اهلمداين‪،‬‬
‫وسعيد بن يسار‪ ،‬وسليامن بن أيب حييى‪ ،‬وسليامن بن يسار‪ ،‬وشهر بن حوشب‪،‬‬
‫وصدقة بن يسار‪ ،‬وصفوان بن حمرز‪ ،‬وطاووس‪ ،‬والطفيل بن أيب‪ ،‬وطيسلة بن‬
‫عيل‪ ،‬وطيسلة بن مياس‪ ،‬وعامر بن سعد‪ ،‬وعباس بن جليد‪ ،‬وعبداهلل بن بدر‬
‫الياممي‪ ،‬وعبداهلل بن بريدة‪ ،‬وأبو الوليد عبداهلل بن احلارث‪ ،‬وعبداهلل بن دينار‪،‬‬
‫وعبداهلل بن أيب سلمة املاجشون‪ ،‬وعبداهلل ابن شقيق‪ ،‬وعبداهلل بن عبداهلل بن جرب‪،‬‬
‫وابنه عبداهلل‪ ،‬وابن أيب مليكة‪ ،‬وعبداهلل بن عبيد بن عمري‪ ،‬وعبداهلل بن عصم‪،‬‬
‫وعبداهلل بن أيب قيس‪ ،‬وعبداهلل بن كيسان‪ ،‬وعبداهلل بن مالك اهلمداين‪ ،‬وعبداهلل‬
‫(‪)433‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ابن حممد بن عقيل‪ ،‬وعبداهلل بن مرة اهلمداين‪ ،‬وعبداهلل بن موهب الفلسطيني‪،‬‬
‫وحفيده عبداهلل بن واقد العمري‪ ،‬وعبدالرمحن بن التيلامين‪ ،‬وعبدالرمحن بن سعد‬
‫مواله‪ ،‬وعبدالرمحن بن سمري‪ ،‬وعبدالرمحن بن أيب نعم‪ ،‬وعبدالرمحن بن هنيدة‪،‬‬
‫وعبدالرمحن بن يزيد الصنعاين‪ ،‬وعبدالعزيز بن قيس‪ ،‬وعبدامللك بن نافع‪ ،‬وعبدة‬
‫ابن أيب لبابة‪ ،‬وابنه عبيداهلل بن عبداهلل‪ ،‬وعبيداهلل بن مقسم‪ ،‬وعبيد بن جريج‪ ،‬وعبيد‬
‫ابن حنني‪ ،‬وعبيد بن عمري‪ ،‬وعثامن بن احلارث‪ ،‬وعثامن بن عبداهلل بن موهب‪،‬‬
‫وعراك ابن مالك‪ ،‬وعروة بن الزبري‪ ،‬وعطاء بن أيب رباح‪ ،‬وعطية العويف‪ ،‬وعقبة‬
‫ابن حريث‪ ،‬وعكرمة بن خالد‪ ،‬وعكرمة العبايس‪ ،‬وعيل بن عبداهلل البارقي‪ ،‬وعيل‬
‫ابن عبدالرمحن املعاوي‪ ،‬وابنه عمر بن عبداهلل إن صح‪ ،‬وعمرو بن دينار‪ ،‬وعمران‬
‫ابن احلارث‪ ،‬وعمران بن حطان‪ ،‬وعمران األنصاري‪ ،‬وعمري بن هانئ‪ ،‬وعنبسة بن‬
‫عامر‪ ،‬وعون ابن عبداهلل بن عتبة‪ ،‬والعالء بن عرار‪ ،‬والعالء بن اللجالج‪ ،‬وعالج‬
‫ابن عمرو‪ ،‬وغطيف أو أبو غطيف اهلذيل‪ ،‬والقاسم بن ربيعة‪ ،‬والقاسم بن عوف‪،‬‬
‫والقاسم بن حممد‪ ،‬وقدامة بن إبراهيم‪ ،‬وقزعة بن حييى‪ ،‬وقيس ابن عباد‪ ،‬وكثري‬
‫ابن مجهان‪ ،‬وكثري بن مرة‪ ،‬وكليب بن وائل‪ ،‬وجماهد بن جرب‪ ،‬وجماهد بن رياح‪،‬‬
‫وحمارب بن دثار‪ ،‬وحفيده حممد بن زيد‪ ،‬وحممد ابن سريين‪ ،‬وحممد بن عباد بن‬
‫جعفر‪ ،‬وأبو جعفر الباقر‪ ،‬وابن شهاب الزهري‪ ،‬وحممد بن املنترش‪ ،‬ومروان بن سامل‬
‫املقفع‪ ،‬ومروان االصفر‪ ،‬ومرسوق‪ ،‬ومسلم بن جندب‪ ،‬ومسلم بن املثنى‪ ،‬ومسلم‬
‫ابن أيب مريم‪ ،‬ومسلم بن يناق‪ ،‬ومصعب بن سعد‪ ،‬واملطلب بن عبداهلل بن حنطب‪،‬‬
‫ومعاوية بن قرة‪ ،‬ومغراء العبدي‪ ،‬ومغيث بن سمي‪ ،‬ومغيث احلجازي‪ ،‬واملغرية‬
‫ابن سلامن‪ ،‬ومكحول االزدي‪ ،‬ومنقذ بن قيس‪ ،‬ومهاجر الشامي‪ ،‬ومورق العجيل‪،‬‬
‫وموسى بن دهقان‪ ،‬وموسى بن طلحة‪ ،‬وميمون بن مهران‪ ،‬ونابل صاحب العباء‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)434‬‬

‫ونافع مواله‪ ،‬ونسري بن ذعلوق‪ ،‬ونعيم املجمر‪ ،‬ونميلة أبو عيسى‪ ،‬وواسع بن حبان‪،‬‬
‫ووبرة بن عبدالرمحن‪ ،‬والوليد اجلريش‪ ،‬وأبو جملز ال حق‪ ،‬وحينس موىل آل الزبري‪،‬‬
‫وحييى بن راشد‪ ،‬وحييى بن عبدالرمحن بن حاطب‪ ،‬وحييى بن وثاب‪ ،‬وحييى بن يعمر‪،‬‬
‫وحييى البكاء‪ ،‬ويزيد بن أيب سمية‪ ،‬وأبو البزري يزيد بن عطارد‪ ،‬ويسار مواله‪،‬‬
‫ويوسف بن ماهك‪ ،‬ويونس بن جبري‪ ،‬وأبو أمامة التيمي‪ ،‬وأبو البخرتي الطائي‪،‬‬
‫وأبو بردة بن أيب موسى‪ ،‬وأبوبكر بن حفص‪ ،‬وأبوبكر بن سليامن بن أيب حثمة‪،‬‬
‫وحفيده أبوبكر بن عبداهلل‪ ،‬وأبو متيمة اهلجيمي‪ ،‬وأبو حازم األعرج ومل يلحقه‪،‬‬
‫وأبو حية الكلبي‪ ،‬وأبو الزبري‪ ،‬وأبو سعيد بن رافع‪ ،‬وأبو سلمة بن عبدالرمحن‪،‬‬
‫وأبو سهل‪ ،‬وأبو السوداء‪ ،‬وأبو الشعثاء املحاريب‪ ،‬وأبو شيخ اهلنائي‪ ،‬وأبو الصديق‬
‫الناجي‪ ،‬وأبو طعمة‪ ،‬وأبو العباس الشاعر‪ ،‬وأبو عثامن النهدي‪ ،‬وأبو العجالن‬
‫املحاريب‪ ،‬وأبو عقبة‪ ،‬وأبو غالب‪ ،‬وأبو الفضل‪ ،‬وأبو املخارق‪ ،‬وأبو املنيب اجلريش‪،‬‬
‫وأبو نجيح املكي‪ ،‬وأبو نوفل بن أيب عقرب‪ ،‬وأبو الوليد البرصي‪ ،‬وأبو يعفور‬
‫(((‬
‫العبدي‪ ،‬ورقية بنت عمرو بن سعيد‪.‬‬
‫‪ ،‬إذ مل‬ ‫من مكثري الرواية عن النبي‬ ‫ويعدُّ سيدنا عبداهلل بن عمر‬
‫‪ ،‬فهو أحد الستة الذين هم أكثر الصحابة رواية‬ ‫يفقه يف العدد أحد إال أبا هريرة‬
‫وأحد العبادلة األربعة فثانيهم ابن عباس‪ ،‬وثالثهم عبداهلل بن عمرو بن العاص‪،‬‬
‫(‪ )2630‬ألفي حديث وستامئة‬ ‫ورابعهم عبداهلل بن الزبري‪ ،‬وقد روى عن النبي‬
‫وثالثون حديثا‪ ،‬اتفق البخاري ومسلم منهام عىل (‪ )170‬مائة وسبعني حديثا‪،‬‬
‫وانفرد البخاري بأحد وثامنني ومسلم بأحد وثالثني‪.‬‬

‫((( انظر كل ذلك يف ((سري أعالم النبالء))‪.205/3 :‬‬


‫(‪)435‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫اختلف يف سنة وفاته عىل أقوال‪:‬‬
‫ ‪-‬فقيل‪ :‬سنة ثالث وسبعني‪ ،‬وبه قال ضمرة بن ربيعة‪ ،‬وجزم به مرة‪ ،‬وكذا أبو نعيم‬
‫وحييى بن بكري واجلمهور وزاد بعضهم يف ذي احلجة‪.‬‬
‫ ‪-‬وقيل‪ :‬سنة أربع وسبعني‪ ،‬وبه جزم خليفة وسعيد بن جبري وابن زبر‪ ،‬قيل‪:‬‬
‫بعد قتل ابن الزبري بثالثة أشهر‪ ،‬وقيل‪ :‬بستة‪.‬‬
‫ ‪-‬وقال الواقدي‪ :‬سنة أربع وثامنني‪.‬‬
‫سبعا وثامنني سنه‪.‬‬ ‫وقد بلغ‬
‫واختلفوا يف مكان موته‪ ،‬فقيل‪ :‬مات بفخ بالفاء واخلاء املعجمة موضع بقرب‬
‫مكة‪ ،‬وقيل‪ :‬بذي طوى‪.‬‬
‫وقال حييى بن بكري تويف بمكة بعد احلج ودفن باملحصب‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬برسف‪.‬‬
‫وكلها مواضع بقرب مكة بعضها أقرب إىل مكة من بعض ‪.‬‬
‫وصىل عليه احلجاج‪ ،‬قال ابن عبدالرب يف ((االستيعاب))‪" :‬قال أبو عمر‪ :‬مات‬
‫عبداهلل بن عمر بمكة سنة ثالث وسبعني ال خيتلفون يف ذلك بعد قتل ابن الزبري‬
‫بثالثة أشهر أو نحوها‪ ،‬وقيل لستة أشهر‪ ،‬وكان أوىص أن يدفن يف احلل‪ ،‬فلم يقدر‬
‫طوى يف مقربة املهاجرين‪ ،‬وكان احلجاج‬
‫ً‬ ‫عىل ذلك من أجل احلجاج‪ ،‬ودفن بذي‬
‫قد أمر رج ً‬
‫ال فسم زج رمح‪ ،‬وزمحه يف الطريق ووضع الزج يف ظهر قدمه وذلك أن‬
‫احلجاج خطب يوم ًا وأخر الصالة‪ ،‬فقال ابن عمر‪ :‬إن الشمس ال تنتظرك فقال له‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)436‬‬

‫احلجاج‪ :‬لقد مهمت أن أرضب الذي فيه عيناك‪ .‬قال‪ :‬إن تفعل فإنك سفيه مسلط‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إنه أخفى قوله ذلك عن احلجاج‪ ،‬ومل يسمعه وكان يتقدم يف املواقف بعرفة‬
‫وقف هبا فكان ذلك يعز عىل احلجاج فأمر‬ ‫وغريها إىل املواضع التي كان النبي‬
‫احلجاج رج ً‬
‫ال معه حربة يقال‪ :‬إهنا كانت مسمومة فلام دفع الناس من عرفة لصق‬
‫به ذلك الرجل فأمر احلربة عىل قدمه وهي يف غرز راحلته فمرض منها أيام ًا فدخل‬
‫عليه احلجاج يعوده‪ ،‬فقال له‪ :‬من فعل بك يا أبا الرمحن؟ فقال‪ :‬ما تصنع به؟ قال‪:‬‬
‫قتلني اهلل إن مل أقتله‪ .‬قال‪ :‬ما أراك فاع ً‬
‫ال أنت الذي أمرت الذي بخسني باحلربة‪.‬‬
‫فقال‪ :‬ال تفعل يا أبا عبدالرمحن‪ .‬وخرج عنه‪ .‬وروي أنه قال للحجاج إذ قال له‪:‬‬
‫من فعل بك قال‪ :‬أنت الذي أمرت بإدخال السالح يف احلرم فلبث أيام ًا ثم مات‬
‫(((‬
‫وصىل عليه احلجاج" اهـ‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫ِ‬
‫‪(( :‬ا ُمل ْسل ُم)) سواء كان ًّ‬
‫حرا أو عبدً ا بال ًغا أو ال‪.‬‬ ‫قوله‬
‫(( َأ ُخو ا ُمل ْسلِ ِم))‪ ،‬أي‪ :‬أخوة يف اإلسالم‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ :‬ﱹ ﯜ ﯝ ﯞ ﱸ‬
‫[احلجرات‪ .]10 :‬قال البيضاوي‪ :‬أي من حيث إهنم منسوبون إىل أصل‪ ،‬وهو اإليامن‬
‫(((‬
‫املوجب للحياة األبدية‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫وقال احلافظ ابن حجر‪" :‬قوله‪(( :‬املسلم أخو املسلم)) ‪ ..‬هذه إخوة اإلسالم‪،‬‬
‫فإن كل اتفاق بني شيئني يطلق بينهام اسم األخوة‪ ،‬ويشرتك يف ذلك احلر والعبد‬
‫(((‬
‫والبالغ واملميز" اهـ‪.‬‬

‫((( ((االستيعاب))‪.290/1 :‬‬


‫((( ((دليل الفاحلني))‪.17/2 :‬‬
‫((( ((فتح الباري))‪.104/5 :‬‬
‫(‪)437‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ورتب عىل هذه األخوة املقتضية ملزيد الشفقة والتنارص والتعاون قوله‪َ (( :‬ل‬
‫َي ْظ ِل ُم ُه))‪ ،‬وهو خرب بمعنى النهي؛ ألن ظلم املسلم للمسلم حرام‪ ،‬وذلك بأن ينقصه‬
‫من ماله أو من حقه بغصب أو نحوه‪.‬‬
‫(( َو َل ُي ْسلِ ُم ُه))‪ ،‬أي‪ :‬ال يرتكه مع من يؤذيه؛ بل حيميه‪،‬وينرصه‪ ،‬ويدفع عنه‪،‬‬
‫وهذا أخص من ترك الظلم‪ ،‬وقد يكون ذلك واجب ًا‪،‬وقد يكون مندوب ًا بحسب‬
‫اختالف األحوال‪ ،‬وزاد الطرباين يف روايته ((وال يسلمه يف مصيبة نزلت به))‪ ،‬وقال‬
‫يف ((عمدة القاري))‪" :‬وقال ابن التني‪ :‬ال يظلمه فرض‪ ،‬وال يسلمه مستحب‪ ،‬وظاهر‬
‫كالم الداودي أنه كظلمه‪ ،‬قال‪ :‬وفيه تفصيل الوجوب إذا فاجئه عدو‪ ،‬وشبه ذلك‪،‬‬
‫واالستحباب فيام كان من إعانة يف يشء من الدنيا‪ ،‬وقال ابن بطال‪ :‬نرص املظلوم‬
‫فرض كفاية‪ ،‬وتتعني فرضيته عىل السلطان‪ .‬قلت‪ :‬الوجوب واالستحباب بحسب‬
‫(((‬
‫اختالف األحوال" اهـ‪.‬‬
‫قال يف ((دليل الفاحلني))‪((" :‬وال يسلمه)) إىل عدوه‪ ،‬ومنه نفسه التي هي أمارة‬
‫بالسوء‪ ،‬والشيطان‪ ،‬كام قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﱸ [فاطر‪،]6 :‬‬
‫فيحول بينه وبني دواعي النفس من الشهوات والدعة املقتضية للنزول عن‬
‫مقام األخيار‪ ،‬واحللول يف مجلة األرشار‪ ،‬وبينه وبني الشيطان الذي يأمر بالسوء‬
‫(((‬
‫والفحشاء‪ ،‬وبينه وبني العدو الباغي عليهم عليه بالظلم واالعتداء" اهـ‪.‬‬
‫اج ِة َأ ِخ ِيه))‪ ،‬أي‪ :‬كل ما حيتاج إليه سواء كان حاالً أو مآالً‪.‬‬
‫َان ِف َح َ‬
‫(( َم ْن ك َ‬
‫اجتِ ِه))‪ ،‬أي‪ :‬أعانه عليها‪ ،‬ولطف به‪ ،‬وذلك جزاء وفاق ًا‪ ،‬قال اهلل‬
‫َان اهللُ ِف َح َ‬
‫((ك َ‬
‫تعاىل‪ :‬ﱹﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﱸ [الرمحن‪ ،]60 :‬ويف احلديث َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫((( ((عمدة القاري))‪.358/10 :‬‬
‫((( ((دليل الفاحلني))‪.17/2 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)438‬‬

‫َان ال َع ْبدُ ِف َع ْو ِن َأ ِخ ِيه)) أخرجه‬


‫أنه قال‪َ (( :‬واهللُ ِف َع ْو ِن ال َع ْب ِد َما ك َ‬ ‫عن رسول اهلل‬
‫مسلم‪.‬‬
‫وعن سفيان بن عيينة عن رجل قال‪" :‬قالوا البن املنكدر‪ :‬أي العمل أحب‬
‫إليك؟ قال‪ :‬إدخال الرسور عىل املؤمن‪ .‬قالوا‪ :‬فام بقي مما تستلذ؟ قال‪ :‬اإلفضال‬
‫عىل اإلخوان"‪ .‬أخرجه ابن أيب شيبة‪.‬‬
‫قال‪(( :‬إن أحب األعامل إىل اهلل بعد‬ ‫وعن بن عباس أن رسول اهلل‬
‫الفرائض إدخال الرسور عىل املسلم)) أخرجه الطرباين‪.‬‬
‫ويف احلديث اآلخر الذي أخرجه الطرباين كذلك‪(( :‬إن من موجبات املغفرة‬
‫إدخال الرسور عىل أخيك املسلم))‪.‬‬
‫(( َو َم ْن َف َّر َج َع ْن ُم ْسلِ ٍم ك ُْر َب ًة))‪ ،‬وهي الغم الذي يأخذ النفس‪ ،‬واملراد هنا من‬
‫(((‬
‫كرب الدنيا‪.‬‬
‫(( َف َّر َج اهللُ َعنْ ُه))‪ ،‬أي‪ :‬بتلك املرة من التفريج‪.‬‬
‫الق َي َام ِة))‪ ،‬وليس هناك مقارنة بني الكربتني‪ ،‬ولكن‬
‫ات يو ِم ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫((ك ُْر َب ًة م ْن ك ُُر َب َ ْ‬
‫ذلك من فضله وجوده ومنّه سبحانه‪.‬‬
‫ت ُم ْسلِ ًم)) من ذوي اهليئات ونحوهم ممن مل يعرف بأذى أو فساد‪،‬‬
‫(( َو َم ْن َس َ َ‬
‫ويف ذلك تفصيل‪:‬‬
‫‪y y‬إن رآه عىل معصية قد انقضت ‪ ..‬سرته ومل يظهر ذلك للناس‪ ،‬وليس يف هذا‬
‫ما يقتيض ترك اإلنكار عليه فيام بينه وبينه‪ ،‬أي‪ :‬ينكر عليه خفية‪ ،‬وذلك للندب؛‬

‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪ ،104/5 :‬و((إرشاد الساري))؛ طبعة‪ :‬دار الفكر‪.518/4 :‬‬
‫(‪)439‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫إذ لو رفع أمره للحاكم مل يأثم‪ ،‬قال يف ((دليل الفاحلني))‪((" :‬ومن سرت مسل ً‬
‫ام))‬

‫من ذوي اهليئات ونحوهم ممن مل يعرف بأذى أو فساد بأن علم منه معصية‬
‫فيام مضىف مل خيرب هبا حاك ًام وهذا للندب‪ ،‬إذ لو مل يسرته‪ .‬ورفعه حلاكم مل يأثم‬
‫إمجاع ًا‪ ،‬بل ارتكب خالف األوىل أو مكروه ًا‪ ،‬أما كشفها لغري احلاكم كالتحدث‬
‫(((‬
‫هبا فذلك غيبة شديدة اإلثم والوزر" اهـ‪.‬‬
‫‪y y‬لو رآه حال تلبسه هبا‪ .. ،‬وجب عليه اإلنكار مبارشة ولو أمام الناس‪ ،‬ونصحه‬
‫وتوجيهه‪ ،‬فإن انتهى‪ ،‬وإال ‪ ..‬رفع امره إىل احلاكم وخصوص ًا لوكان جماهر ًا‬
‫هبا‪ ،‬وليس ذلك من الغيبة املحرمة؛ بل من النصيحة الواجبة‪ ،‬وقد ورد عنه‬
‫أنه قال‪َ (( :‬أت َْر َعون عن ذكر الفاجر؟! اذكروه بام فيه يعرفه الناس)) أخرجه‬
‫الطرباين‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر يف ((فتح الباري))‪" :‬والذي يظهر أن السرت حمله يف‬
‫معصية قد انقضت‪ ،‬واإلنكار يف معصية قد حصل التلبس هبا‪ ،‬فيجب اإلنكار‬
‫عليه‪ ،‬وإال ‪ ..‬رفعه إىل احلاكم‪ ،‬وليس من الغيبة املحرمة؛ بل من النصيحة الواجبة‪،‬‬
‫(((‬
‫وفيه إشارة إىل ترك الغيبة؛ ألن من أظهر مساوئ أخيه ‪ ..‬مل يسرته" اهـ‪.‬‬
‫كام أن املسلم مأمور بأن يسترت إذا وقع منه يشء‪ ،‬ويندب ملن جاءه تائب‬
‫ماعز ًا‪ ،‬وكذا‬ ‫وأقر بجد ومل يفرسه أن ال يستفرسه؛ بل يأمره بسرت نفسه كام أمر‬
‫ّ‬
‫تندب الشفاعة فيمن ظهرت منه جريمة من ذوي اهليئات حتى ال يوصل إليه‪ ،‬إال‬
‫أنه قال‪َ (( :‬أ ِقي ُلوا َذ ِوي َاهليئ ِ‬
‫َات َع َث َر ِاتِ ْم إِ َّل‬ ‫يف احلدود فال شفاعة‪ ،‬فقد ورد عنه‬
‫ْ‬
‫ُ‬
‫احلدُ و َد)) أخرجه أبوداود والنسائي‪.‬‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.17/2 :‬‬


‫((( ((فتح الباري))‪.104/5 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)440‬‬

‫وقد يراد بسرت املسلم سرت عورته احلسية واملعنوية بإعانته عىل سرت دينه‪ ،‬كأن‬
‫يكون حمتاج ًا لنكاح فيتوصل له يف ّ‬
‫التزوج‪ ،‬أو الكسب فيتوصل له إىل بضاعة يتجر‬
‫فيها‪ ،‬أو نحو ذلك‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫ت ُه اهللُ َي ْو َم الق َي َامة))بأن ال يعاقبه عىل ما فرط منه ألنه تعاىل ّ‬
‫حيي كريم‪.‬‬ ‫(( َس َ َ‬
‫قال اإلمام النووي يف ((رشحه عىل صحيح مسلم))‪ِ " :‬ف َه َذا َف ْضل إِ َعانَة‬
‫ِ‬
‫جيها َم ْن‬ ‫ا ُمل ْسلم‪َ ،‬و َت ْف ِريج الك َُرب َعنْ ُه‪َ ،‬و َس ْت َز َّلته‪َ .‬و َيدْ ُخل ِف ك َْشف الك ُْر َبة َو َت ْف ِر َ‬
‫اهر َأ َّن ُه َيدْ ُخل فِ ِيه َم ْن َأ َز َالَا بِإِ َش َاراتِ ِه َو َر ْأيه‬ ‫اه ِه َأو مساعَدَ ته‪ ،‬وال َّظ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ُ َ‬
‫َأ َز َالا بِملِ ِه َأو ج ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس ْت َع َل َذ ِوي اهل َ ْي َئات َون َْح ْ‬
‫وهم‬ ‫الس ْت ا َملنْدُ وب إِ َل ْيه ُهنَا َفا ُمل َراد بِه َّ‬ ‫َو َد َل َلته‪َ .‬و َأ َّما َّ‬
‫ب َأ َّل ُي ْس َت َع َل ْي ِه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫م َّ ْن َل ْي َس ُه َو َم ْع ُرو ًفا بِاألَ َذى َوال َف َساد‪َ .‬ف َأ َّما ا َمل ْع ُروف بِ َذل َك َف ُي ْست ََح ّ‬
‫ِ‬

‫الس ْت َع َل َه َذا ُي ْط ِمع ُه‬ ‫ِ‬ ‫بل تُر َفع َق ِضيته إِ َل و ِل األَمر إِ ْن َل َي ْ ِ ِ‬
‫َف م ْن َذل َك َم ْف َسدَ ة؛ لَ َّن َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ ّ ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ‬
‫يذاء َوال َف َساد‪َ ،‬وا ْنت ََهاك احلُ ُر َمات‪َ ،‬و َج َس َارة َغ ْيه َع َل ِم ْثل فِ ْعله‪َ .‬ه َذا ُك ّله ِف‬ ‫اإل َ‬ ‫ِف ِ‬
‫َجب‬ ‫س ْت م ْع ِص َية َو َق َع ْت َوا ْن َق َض ْت‪َ ،‬و َأما م ْع ِص َية رآ ُه َع َل ْي َها‪َ ،‬و ُه َو َب ْعد م َت َل ِّبس ِبا‪َ ،‬فت ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ َ‬
‫ريها َفإِ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا ُمل َبا َد َرة بِإِ ْنك ِ‬
‫َار َها َع َل ْيه‪َ ،‬و َمنْعه من َْها َع َل َم ْن َقدَ َر َع َل َذل َك‪َ ،‬و َل َي ّل ت َْأخ َ‬
‫ِ‬
‫الر َواة‬ ‫َتتَّب َع َل َذل َك َم ْف َسدَ ة‪َ .‬و َأ َّما ُج ْرح ُّ‬ ‫عها إِ َل َو ِ ّل األَ ْمر إِ َذا َل ْ ت َ َ‬ ‫َع َج َز َل ِز َم ُه َر ْف َ‬
‫ِ‬
‫حهم‬‫وهم َف َيجب ُج ْر ْ‬ ‫الصدَ َقات َواألَ ْو َقاف َواألَ ْيتَام َون َْح ْ‬ ‫الش ُهود َواألُ َمنَاء َع َل َّ‬ ‫َو ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تهم‪َ ،‬و َل ْي َس َه َذا‬ ‫الس ْت َع َل ْي ِه ْم إِ َذا َر َأى من ُْه ْم َما َي ْقدَ ح ِف َأ ْهل َّي ْ‬ ‫اجة‪َ ،‬و َل َي ّل َّ‬ ‫حل َ‬ ‫عنْد ا َ‬
‫اجبة‪ ،‬وه َذا ُمْمع َع َلي ِه‪َ .‬ق َال الع َلمء ِف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الق ْسم‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫الو ِ َ َ َ‬ ‫يحة َ‬ ‫م ْن الغي َبة ا ُمل َح َّر َمة‪َ ،‬بل م ْن النَّص َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫السل َطان َون َْحوه َل ْ َي ْأ َثم‬ ‫الس ْت َمنْدُ وب‪َ ،‬ف َل ْو َر َف َع ُه إِ َل ُّ‬ ‫األَ َّول ا َّلذي ُي ْس َت فيه‪َ :‬ه َذا َّ‬
‫جاعِ‪َ ،‬ل ِك ْن َه َذا ِخ َلف األَ ْو َل‪َ ،‬و َقدْ َيكُون ِف َب ْعض ُص َوره َما ُه َو َمك ُْروه‪َ .‬و َاللَّ‬ ‫اإل ْ َ‬ ‫بِ ِ‬
‫(((‬
‫َأ ْع َلم" اهـ‪.‬‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.241/16 :‬‬


‫(‪)441‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬
‫‪1 .1‬أن املسلمني أخوة‪ ،‬وأخوهتم تقتيض عدم الظلم‪ ،‬وعدم ترك بعضهم بعض ًا‬
‫لألذى‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن يف إعانة املسلم أجر كبري عند اهلل حيث يتوىل اهلل بنفسه قضاء حاجته‪.‬‬
‫‪3 .3‬احلض عىل التعاون‪ ،‬وحسن التعارش واأللفة‪.‬‬
‫‪4 .4‬أن املجازاة تقع من جنس الطاعات‪.‬‬
‫عىل نفع األمة‪ ،‬ونرش املحبة بينها‪.‬‬ ‫‪5 .5‬حرص النبي‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)442‬‬

‫احلديث الرابع واخلمسون‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َس ْب ِن َمالِ ٍك‬


‫َق َال‪َ (( :‬ل ُي ْؤم ُن َأ َحدُ ك ُْم َحتَّى ُي َّ‬
‫ب‬ ‫َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫َع ْن َأن ِ‬
‫ب لِنَ ْف ِس ِه)) متفق عليه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫لَخيه َما ُي ُّ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث‬ ‫هو الصحايب اجلليل أنس بن مالك‬
‫احلادي عرش‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪َ (( :‬ل ُي ْؤ ِم ُن َأ َحدُ ك ُْم))‪ ،‬أي‪ :‬إيامن ًا كامالً‪ ،‬وليس املقصود نفي اإليامن‬ ‫قوله‬
‫بالكلية‪.‬‬
‫ب)) بالنصب؛ ألن حتى جاره‪ ،‬وأن بعدها مضمرة‪ ،‬وال جيوز الرفع‬ ‫ِ‬
‫(( َحتَّى ُي َّ‬
‫فتكون حتى عاطفة‪ ،‬فال يصح املعنى‪ ،‬إذ عدم اإليامن ‪ ..‬ليس سبب ًا للمحبة ‪.‬‬
‫(( ِلَ ِخ ِيه)) املسلم وكذا املسلمة‪ ،‬فاملراد هنا أخوة اإلسالم‪ ،‬وهي أوسع من‬
‫أخوة النسب‪ ،‬وقال اإلمام القسطالين يف ((إرشاد الساري))‪" :‬وحيتمل أن يكون قوله‪:‬‬
‫أيضا‪ ،‬بأن حيب له اإلسالم مثالً‪ ،‬ويؤيده حديث أيب هريرة‬ ‫للذمي ً‬‫ّ‬ ‫((أخيه)) شام ً‬
‫ال‬
‫قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬من ي ْأ ُخ ُذ عنِّي ه ُؤ َل ِء الكَلِم ِ‬
‫ت‪َ ،‬ف َي ْع َم ُل ِبِ َّن‪َ ،‬أ ْو ُي َع ِّل ُم َم ْن‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫خ ًسا‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫ول اهلل‪َ ،‬ف َأ َخ َذ بِ َي ِدي َف َعدَّ َ ْ‬
‫لت‪َ :‬أنَا َيا َر ُس َ‬
‫َي ْع َم ُل ِبِ َّن))‪َ ،‬ف َق َال َأ ُبو ُه َر ْي َرةَ‪ُ :‬ق ُ‬
‫(‪)443‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫َّاس‪َ ،‬و َأ ْح ِس ْن‬
‫ك َتك ُْن َأ ْغنَى الن ِ‬ ‫((ات َِّق ا َمل َح ِ‬
‫ار َم َتك ُْن َأ ْع َبدَ الن ِ‬
‫َّاس‪َ ،‬و ْار َض بِ َم َق َس َم َل َ‬
‫ك َتك ُْن ُم ْسلِ ًم)) احلديث رواه‬ ‫ب لِنَ ْف ِس َ‬ ‫ِ‬ ‫ب لِلن ِ‬
‫َّاس َما ُت ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إِ َل َج ِ‬
‫ار َك َتك ُْن ُم ْؤمنًا‪َ ،‬و َأح َّ‬
‫(((‬
‫الرتمذي وغريه من رواية احلسن عن أيب هريرة" اهـ‪.‬‬
‫وقال ابن العامد‪" :‬األوىل أن حيمل عىل عموم األخوة؛ حتى يشمل الكافر‪،‬‬
‫حيب للمسلم دوامه‪،‬‬
‫حيب لنفسه من دخوله يف اإلسالم كام ّ‬
‫فيحب ألخيه الكافر ما ُّ‬
‫ّ‬
‫(((‬
‫ومن ثم كان الدعاء باهلداية مستحب ًا"‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫ب لِنَ ْف ِس ِه))‪ ،‬أي‪ :‬مثل ما حيب لنفسه من اخلري كام يف رواية اإلمام‬ ‫ِ‬
‫(( َما ُي ُّ‬
‫أمحد‪ ،‬قال يف ((فتح الباري))‪" :‬واخلري كلمة جامعة تعم الطاعات واملباحات‬
‫الدنيويةواألخروية‪ ،‬وخترج املنهيات؛ ألن اسم اخلري ال يتناوهلا‪ ،‬واملحبة إرادة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‪،‬‬‫ما يعتقده خري ًا" اهـ‪ (((،‬وقد قال اإلمام النووي‪َ " :‬أ ْصل ا َمل َح َّبة ا َمل ْيل إِ َل َما ُي َوافق ا ُملح ِّ‬
‫الص ْوت َوال َّط َعام‬‫ورة َو َّ‬ ‫الص َ‬ ‫َح ْس ِن ُّ‬
‫ِ‬
‫اإلن َْسان‪َ ،‬و َي ْست َْحسن ُه ك ُ‬ ‫ُث َّم ا َمل ْيل َقدْ َيكُون َلِا َي ْست َِل ُّذ ُه ِ‬
‫ني َوال ُع َل َمء َو َأ ْهل ال َف ْضل‬ ‫ال َ‬ ‫ونَحوها و َقدْ يست َِل ُّذه بِع ْق ِل ِه لِلمع ِان الباطِنَة كَمحب ِة الص ِ‬
‫َ َ َّ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ َ َ َْ ُ َ‬
‫(((‬
‫َار َه َعنْ ُه" اهـ‪.‬‬ ‫ل ْح َسانِ ِه إِ َل ْي ِه‪َ ،‬و َد ْفعه ا َمل َض َّار َوا َملك ِ‬‫ُم ْط َل ًقا‪َ ،‬و َقدْ َيكُون ِ ِ‬

‫وهذا وارد مورد املبالغة‪ ،‬وإال فالبد من بقية األركان حتى يكمل إيامنه‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪" :‬واملراد بالنفي كامل اإليامن‪ ،‬ونفى اسم اليشء عىل معنى‬
‫نفي الكامل عنه ‪ ..‬مستفيض يف كالمهم‪ ،‬كقوهلم‪( :‬فالن ليس بإنسان)‪ ،‬فإن قيل‪:‬‬
‫فيلزم أن يكون من حصلت له هذه اخلصلة مؤمن ًا كامالً‪ ،‬وإن مل يأت ببقية األركان‪.‬‬

‫((( ((إرشاد الساري))‪.133/1 :‬‬


‫((( ((دليل الفاحلني))‪.23/2 :‬‬
‫((( ((فتح الباري))‪.66/1 :‬‬
‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.191/2 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)444‬‬
‫(((‬
‫املسلم))‬ ‫أجيب‪ :‬بأن هذا ورد مورد املبالغة‪ ،‬أو يستفاد من قوله‪(( :‬ألخيه‬
‫مالحظة بقية صفات املسلم‪ ،‬وقد رصح بن حبان من رواية بن أيب عدي عن حسني‬
‫املعلم باملراد‪ ،‬ولفظه‪(( :‬ال يبلغ عبد حقيقة اإليامن))‪ ،‬ومعنى احلقيقة هنا الكامل‪،‬‬
‫(((‬
‫رضورة أن من مل يتصف هبذه الصفة ‪ ..‬ال يكون كافر ًا" اهـ‪.‬‬
‫وقد بني العلامء املراد هبذه املحبة‪ ،‬فقال احلافظ ابن حجر‪" :‬وليس املراد أن‬
‫حيصل ألخيه ما حصل له ال مع سلبه عنه‪ ،‬وال مع بقائه بعينه له‪ ،‬إذ قيام اجلوهر أو‬
‫العرض بمحلني حمال وقال أبو الزناد بن رساج‪ :‬ظاهر هذا احلديث طلب املساواة‪،‬‬
‫وحقيقته تستلزم التفضيل؛ ألن كل أحد حيب أن يكون أفضل من غريه‪ ،‬فإذا أحب‬
‫ألخيه مثله ‪ ..‬فقد دخل يف مجلة املفضولني‪ .‬قلت‪ :‬أقر القايض عياض هذا‪ ،‬وفيه‬
‫نظر‪ ،‬إذ املراد الزجر عن هذه اإلرادة؛ ألن املقصود احلث عىل التواضع‪ ،‬فال حيب أن‬
‫يكون أفضل من غريه‪ ،‬فهو مستلزم للمساواة‪ ،‬ويستفاد ذلك من قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﱸ [القصص‪ ،]83 :‬وال يتم ذلك‬
‫(((‬
‫إال برتك احلسد‪ ،‬والغل‪ ،‬واحلقد‪ ،‬والغش‪ ،‬وكلها خصال مذمومة" اهـ‪.‬‬
‫الص َلح‪َ :‬و َه َذا َقدْ ُي َعدُّ ِم ْن‬ ‫الش ْيخ َأ ُبو َع ْمرو ْبن َّ‬ ‫وقال اإلمام النووي‪َ " :‬ق َال َّ‬
‫ب ِلَ ِخ ِيه ِف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الص ْعب ا ُمل ْمتَنع‪َ ،‬و َل ْي َس ك ََذل َك‪ ،‬إِ ْذ َم ْعنَا ُه َل َيك ُْمل إِ َيمن َأ َحدك ُْم َحتَّى ُي ّ‬
‫َّ‬
‫ب َل ُه ُح ُصول ِم ْثل َذلِ َك‬ ‫ِ‬
‫ي ُصل بِ َأ ْن ُي ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي ِ ِ ِ‬
‫ب لنَ ْفسه‪َ ،‬والق َيام بِ َذل َك َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإل ْس َلم م ْثل َما ُ ّ‬ ‫ِ‬
‫اح ُه فِ َيها‪ ،‬بِ َح ْي ُث َل َتنْ ُقص النِّ ْع َمة َع َل َأ ِخ ِيه َش ْي ًئا ِم ْن النِّ ْع َمة َع َل ْي ِه‪،‬‬
‫ِمن ِجه ٍة َل ي َز ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ َ‬
‫س َع َل ال َقلب الدَّ ِغل‪َ .‬عا َفانَا اللَّ َوإِ ْخ َوا َننَا‬ ‫َو َذلِ َك َس ْهل َع َل ال َقلب َّ ِ ِ‬
‫السليم‪ ،‬إن ََّم َي ْع ُ ُ‬

‫((( كام يف رواية عند أمحد‪ ،‬والنسائي‪.‬‬


‫((( ((فتح الباري))‪.66/1 :‬‬
‫((( املرجع السابق‪.67/1 :‬‬
‫(‪)445‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(((‬
‫ج ِع َ‬
‫ني" اهـ‪.‬‬ ‫َأ ْ َ‬
‫وهل يبغض ألخيه ما يبغضه لنفسه؟‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪" :‬فائدة‪ :‬قال الكرماين‪ :‬ومن اإليامن أيضا أن يبغض‬
‫ألخيه ما يبغض لنفسه من الرش‪ ،‬ومل يذكره ‪ -‬أي‪ :‬يف احلديث ‪ -‬ألن حب اليشء‬
‫(((‬
‫مستلزم لبغض نقيضه‪ ،‬فرتك التنصيص عليه اكتفاء" اهـ‪.‬‬
‫وقال يف ((عمدة القاري))‪" :‬وكذلك اإلنسان حيب أن ينتصف من حقه‬
‫(((‬
‫ومظلمته‪ ،‬فإذا كانت ألخيه عنده مظلمةأو حق ‪ ..‬بادر إىل اإلنصاف من نفسه" اهـ‪.‬‬
‫وقد تقدم يف رشح احلديث الثامن قول أيب داود ِّ ِ ِ‬
‫الس ْخت َي ّ‬
‫ان أن مدار الدين‬
‫عىل أربعة أحاديث وذكر أن أحدها هذا احلديث الذي نحن بصدده‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫حيب لنفسه من‬
‫حيب هلا ما ّ‬
‫‪1 .1‬أن املؤمن مع املؤمن كالنفس الواحدة‪ ،‬فينبغي أن ّ‬
‫حيث إهنا نفس واحدة‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن من كامل اإليامن أن حيب ألخيه ما حيبه لنفسه‪.‬‬
‫‪3 .3‬املؤمن حيمل اخلري لكل من يدب عىل ظهر األرض‪.‬‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.193/2 :‬‬


‫((( ((فتح الباري))‪.67/1 :‬‬
‫((( ((عمدة القاري))‪.195/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)446‬‬

‫احلديث اخلامس واخلمسون‬

‫بك ُْم‬ ‫َي ُق ُ َ ُ‬


‫ول‪(( :‬أ َل أ ْخ ِ ُ‬ ‫ول اهلل‬ ‫َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬ ‫ب‬ ‫َع ْن َح ِ‬
‫ار َث َة ْب ِن َو ْه ٍ‬
‫يف مت ََضع ٍ‬
‫ف‪َ ،‬ل ْو َأ ْق َس َم َع َل اهلل َلَ َب َّر ُه‪َ ،‬أ َل ُأ ْخ ِبك ُْم بِ َأ ْه ِل الن ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫بِ َأه ِل َ ِ‬
‫َّار؟‬ ‫ُ‬ ‫اجلنَّة؟ ك ُُّل َضع ُ ِّ‬ ‫ْ‬
‫ْب)) متفق عليه‪.‬‬ ‫اظ ُم ْس َتك ِ ٍ‬ ‫ك ُُّل عت ٍُّل جو ٍ‬
‫ُ َ َّ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمــــه‬
‫وأرضاه‪.‬‬ ‫هو الصحايب اجلليل حارثة بن وهب اخلزاعي‬
‫أمه‪ :‬أم كلثوم بنت جرول بن مالك اخلزاعية‪ ،‬وكانت حتت عمر بن اخلطاب‬
‫فولدت له عبيداهلل بن عمر‪ ،‬فهو أخوه من أمه‪.‬‬
‫روى عنه أبو إسحاق السبيعي ومعبد بن خالد اجلهني‪ ،‬ويعد يف الكوفيني‪.‬‬
‫وله يف ((الصحيحني)) أربعة أحاديث‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫َ ُ‬
‫‪(( :‬أ َل أ ْخ ِ ُ‬
‫بك ُْم))‪ ،‬فأال حرف استفتاح لتنبيه السامع للكالم اآليت‬ ‫قوله‬
‫بعده‪ ،‬فهو أسلوب جللب انتباه احلارضين‪ ،‬وحتفيزهم عىل سامع ما سيقول‪.‬‬
‫اجلن َِّة))‪ ،‬أي‪ :‬بمعظمهم‪ ،‬قال اإلمام النووي‪َ " :‬وا ُمل َراد َأ َّن َأ ْغ َلب َأ ْهل‬
‫((بِ َأ ْه ِل َ‬
‫ال ْستِي َعاب ِف‬ ‫اآلخر‪ ،‬و َليس ا ُملراد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جلنَّة َه ُؤ َلء‪ ،‬ك ََم َأ َّن ُم ْع َظم َأ ْهل النَّار الق ْسم َ َ ْ َ َ‬
‫ا َ‬
‫(‪)447‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(((‬ ‫ال َّط َر َف ْ ِ‬
‫ي" اهـ‪.‬‬
‫وسكت الراوي عن ذكر جواهبم؛ للعلم بوقوعه‪ :‬أي قالوا‪ :‬بىل‪.‬‬
‫فقال‪ :‬هم ((ك ُُّل َض ِع ٍ‬
‫يف))‪ :‬خرب ملبتدأ حمذوف‪ ،‬واجلملة بيان‪ ،‬ومعنى ضعيف‪:‬‬
‫أي نفسه ضعيفة لتواضعه‪ ،‬وضعف حاله يف الدنيا‪.‬‬
‫((مت ََضع ٍ‬
‫ف)) بكرس العني وبفتحها كام يف لفظ اإلمام أمحد‪ ،‬فبالكرس بمعنى‪:‬‬ ‫ُ ِّ‬
‫املتكب‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫املتجب‬
‫ِّ‬ ‫املتواضع اخلاضع هلل تعاىل‪ ،‬املذل نفسه له سبحانه وتعاىل‪ ،‬وهو ضد‬
‫وبالفتح بمعنى‪ :‬يستضعفه الناس‪ ،‬وحيتقرونه‪ ،‬ويتجربون عليه لضعف‬
‫حاله يف الدنيا‪ .‬قال اإلمام النووي‪َ " :‬ض َب ُطوا َق ْوله (( ُمت ََض َّعف)) بِ َفت ِْح ال َع ْي َوك َْس َها‬
‫يت َِق ُرو َن ُه‬ ‫ِ‬
‫ون َغ ْيه‪َ ،‬و َم ْعنَا ُه‪َ :‬ي ْست َْضعف ُه النَّاس َو َ ْ‬ ‫ا َمل ْش ُهور ال َفتْح‪َ ،‬و َل ْ َي ْذكُر األَ ْك َث ُر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ون َع َل ْيه ل َض ْعف َحاله ِف الدُّ ْن َيا‪ُ ،‬ي َقال‪ :‬ت ََض َّع َفه َو ْ‬
‫است َْض َع َف ُه‪َ ،‬و َأ َّما ِر َوا َية‬ ‫ب َ‬ ‫َو َيت ََج َّ ُ‬
‫(((‬
‫اضع ِم ْن َن ْفسه" اهـ‪.‬‬ ‫اضع مت ََذ ِّلل َخ ِامل و ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫َاها‪ :‬متَو ِ‬
‫الك َْس َف َم ْعن َ ُ َ‬
‫(( َل ْو َأ ْق َس َم َع َل اهلل))‪ ،‬أي‪ :‬لو حلف يمين ًا طمع ًا يف كرم اهلل بإبراره‪.‬‬
‫(( َلَ َب َّر ُه))‪ ،‬أي‪ :‬ألبر قسمه‪ ،‬بمعنى‪ :‬ألوجد ذلك إكرام ًا له بإجابة سؤاله‬
‫وصيانته من احلنث يف يمينه‪ ،‬وهذا لعظم منزلته عند اهلل تعاىل وإن كان حقري ًا عند‬
‫الناس‪.‬‬
‫أبر أجاب دعوته‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬معنى أقسم دعا‪ ،‬ومعنى ّ‬
‫ف‬‫(( َل ْو َأ ْق َس َم َع َل اللَّ َلَ َب َّر ُه)) َم ْعنَا ُه‪َ :‬ل ْو َح َل َ‬ ‫قال اإلمام النووي‪َ " :‬ق ْوله‬
‫َي ِمينًا َط َم ًعا ِف ك ََرم اللَّ َت َع َال بِإِ ْب َر ِار ِه ‪َ ..‬لَ َب َّر ُه‪َ ،‬و ِق َيل‪َ :‬ل ْو َد َعا ُه ‪َ ..‬لَ َجا َب ُه‪ُ ،‬ي َقال‪:‬‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.124/17 :‬‬


‫((( املرجع السابق‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)448‬‬
‫(((‬
‫َأ ْب َر ْرت َق َسمه َو َب َر ْرته‪َ ،‬واألَ َّول ُه َو ا َمل ْش ُهور" اهـ‪.‬‬
‫ار َي ٍة‪َ ،‬ف َط َل ُبوا‬‫الر َب ِّي َع َع َّم َت ُه ك ََس ْت َثنِ َّي َة َج ِ‬
‫َ‬ ‫َأ َّن ُّ‬ ‫ومن ذلك ما ورد َع ْن َأن ٍ‬
‫َس‬
‫ِ‬
‫اص‪،‬‬ ‫ول اهلل ‪َ ،‬و َأ َب ْوا إِ َّل الق َص َ‬ ‫إِ َل ْي َها ال َع ْف َو‪َ ،‬ف َأ َب ْوا‪َ ،‬ف َع َر ُضوا األَ ْر َش َف َأ َب ْوا‪َ ،‬ف َأت َْوا َر ُس َ‬
‫ْس َثنِ َّي ُة‬ ‫اص‪َ ،‬ف َق َال َأن َُس ْب ُن الن ْ ِ‬ ‫الق َص ِ‬ ‫بِ ِ‬ ‫َف َأ َم َر َر ُس ُ‬
‫ول اهلل َأ ُتك َ ُ‬ ‫َّض‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫ول اهلل‬
‫ول اهلل ‪َ (( :‬يا َأن َُس‬ ‫ْس َثنِ َّيت َُها‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫حل ِّق َل ُتك َ ُ‬
‫ِ‬
‫الر َب ِّيعِ؟ َل َوا َّلذي َب َع َث َك بِا َ‬ ‫ُّ‬
‫ول اهلل ‪(( :‬إِ َّن ِمن ِعب ِ‬ ‫ض ال َق ْو ُم َف َع َف ْوا‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اد اهلل‬ ‫ْ َ‬ ‫اص))‪َ ،‬ف َر َ‬ ‫َاب اهلل الق َص ُ‬ ‫كت ُ‬
‫َم ْن َل ْو َأ ْق َس َم َع َل اهلل َلَ َب َّر ُه)) أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫(( َأ َل ُأ ْخ ِبك ُْم بِ َأ ْه ِل الن ِ‬
‫َّار؟))‪ ،‬أي‪ :‬أغلبهم كام أسلفنا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫((ك ُُّل ُعت ٍُّل))‪ ،‬وهو اجلايف الشديد اخلصومة بالباطل‪ ،‬أو اجلايف ال ّف ّظ الغليظ‪،‬‬
‫أو الفاحش اآلثم‪ ،‬أو الغليظ العنيف‪ ،‬أو املجموع املنوع‪ ،‬أو القصري البطن‪ (((،‬وقال‬
‫احلافظ ابن حجر‪" :‬قال الفراء‪ :‬الشديد اخلصومة‪ ،‬وقيل‪ :‬اجلايف عن املوعظة‪ ،‬وقال‬
‫أبو عبيدة‪ :‬العتل الفظ الشديد من كل يشء‪ ،‬وهو هنا الكافر‪ ،‬وقال عبدالرزاق‬
‫عن معمر عن احلسن‪ :‬العتل الفاحش اآلثم‪ ،‬وقال اخلطايب‪ :‬العتل الغليظ العنيف‪،‬‬
‫وقال الداودي‪ :‬السمني العظيم العنق والبطن‪ ،‬وقال اهلروي‪ :‬اجلموع املنوع‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬القصري البطن‪ ،‬قلت‪ :‬وجاء فيه حديث عند أمحد من طريق عبدالرمحن بن‬
‫الزنِي ِم‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬
‫َع ْن ال ُعت ُِّل َّ‬ ‫غنم‪ ،‬وهو خمتلف يف صحته‪ ،‬قال‪ُ :‬س ِئ َل َر ُس ُ‬
‫ول اهلل‬
‫الش ِ‬
‫اب ال َّظ ُلو ُم‬ ‫ِ ِ‬ ‫لق ا ُمل َص َّح ُح األَك ُ‬ ‫الش ِديدُ َ‬
‫اخل ِ‬
‫الواجدُ لل َّط َعا ِم َو َّ َ‬
‫وب َ‬ ‫ُول َّ ُ‬
‫الش ُ‬ ‫(( ُه َو َّ‬
‫اجلو ِ‬ ‫َّاس ِ‬ ‫ِ‬
‫(((‬
‫ف))" اهـ‪.‬‬ ‫ب َ ْ‬ ‫للن ِ َ‬
‫الرح ْي ُ‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.124/17 :‬‬


‫((( ((إرشاد الساري))‪.546/8 :‬‬
‫((( ((فتح الباري))‪.763/8 :‬‬
‫(‪)449‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ْب))‪ ،‬وهو الكثري اللحم املختال يف مشيه‪ ،‬حكاه اخلطايب‪ ،‬وقال‬ ‫((جو ٍ‬
‫اظ ُم ْس َتك ِ ٍ‬ ‫َ َّ‬
‫اجل َّواظ)) بِ َفت ِْح‬
‫ابن فارس‪ :‬قيل‪ :‬هو األكول‪ ،‬وقيل‪ :‬الفاجر‪ .‬قال اإلمام النووي‪َ ((" :‬‬
‫جل ُموع ا َملنُوع‪َ ،‬و ِق َيل‪ :‬كَثِري ال َّل ْحم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الواو َوبِال َّظاء ا ُمل ْع َج َمة‪َ ،‬ف ُه َو‪ :‬ا َ‬ ‫اجليم َوت َْشديد َ‬
‫اء" اهـ‪ (((،‬وكل هذه‬ ‫اخر بِاخل ِ‬‫ا ُمل ْختَال ِف ِم ْشيته‪ ،‬و ِق َيل‪ :‬ال َق ِصري البطِني‪ ،‬و ِق َيل‪ :‬ال َف ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫األوصاف صحبها التكرب واالستعالء عىل الناس‪،‬والكرب تعظيم املرء نفسه‪،‬‬
‫واحتقاره غريه‪ ،‬واألنفة من مساواته‪.‬‬
‫وليس املعنى أن كل من وجدت فيه هذه األوصاف اخلَلقية يكون من أهل‬
‫النار؛ إذ ال يقول هبذا عاقل‪ ،‬بل هي أوصاف صحبها التكرب واالستعالء يف صاحبها‬
‫والعياذ باهلل‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬التواضع هلل وألهل ال إله اهلل عاقبته السعادة يف اآلخرة‪.‬‬
‫‪2 .2‬التكرب واالستعالء عىل الناس سبب لورود النار والعياذ باهلل‪.‬‬
‫‪3 .3‬وصف أهل اجلنة حسن التعامل‪ ،‬ولني اجلانب‪ ،‬ووصف أهل النار‪ ،‬الشدة‬
‫والغلظة‪.‬‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.124/17 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)450‬‬

‫احلديث السادس واخلمسون‬

‫يم‬‫ِ‬ ‫َق َال‪(( :‬إِ َّنه َلي ْأ ِت الرج ُل ِ‬ ‫َع ْن رس ِ‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ني ال َعظ ُ‬
‫السم ُ‬
‫َّ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ول اهلل‬ ‫َ ُ‬
‫وض ٍة)) متفق عليه‪.‬‬ ‫َاح َب ُع َ‬
‫اهلل َجن َ‬ ‫الق َي َام ِة َل َي ِز ُن ِعنْدَ‬
‫يوم ِ‬
‫ََْ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪(( :‬إِ َّن ُه َل َي ْأ ِت)) بفتح الالم‪ ،‬وهي املؤذنة بالقسم املقدر قبلها املأيت به‬ ‫قوله‬
‫لتأكيد األمروتقويته‪.‬‬
‫ني))‪ ،‬جس ًام‪.‬‬ ‫((الرج ُل ِ‬
‫السم ُ‬
‫َّ‬ ‫َّ ُ‬
‫يم)) يف الطول أو يف اجلاه يف الدنيا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫((ال َعظ ُ‬
‫الق َي َام ِة))‪ ،‬هو ظرف ليأيت‪.‬‬
‫((يوم ِ‬
‫ََْ‬
‫وض ٍة))‪ ،‬هي مجلة حالية من فاعل يأيت‪ ،‬واملعنى‪:‬‬ ‫ِ‬
‫(( َل َي ِز ُن عنْدَ اهلل َجن َ‬
‫َاح َب ُع َ‬
‫ال يعدله عند اهلل جناح بعوضة‪ ،‬أي‪ :‬ال قدر وال قيمة له‪.‬‬
‫وتتمة احلديث يف ((الصحيحني))‪َ ((" :‬و َق َال ا ْق َر ُءوا‪ :‬ﱹ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﱸ [الكهف‪ ،"]105 :‬القائل يف الظاهر هو الصحايب أو مرفوع من بقية احلديث‪،‬‬
‫مقدارا‪ ،‬أو ال نضع هلم ميزانًا توزن به أعامهلم؛ ألن‬
‫ً‬ ‫واملعنى‪:‬أي‪ :‬ال نجعل هلم‬
‫(‪)451‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫حلا وآخر سي ًئا‪ ،‬أو ال نقيم ألعامهلم وزنًا‬ ‫امليزان إنام ينصب للذين خلطوا ً‬
‫عمل صا ً‬
‫(((‬
‫حلقارهتا‪ ،‬قاله القسطالين‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن العربة باألعامل الصاحلة والقرب من اهلل ال باملظاهر والصور‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬إرشاد الساري))‪.315 - 314/8 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)452‬‬

‫احلديث السابع واخلمسون‬

‫ب َمدْ ُفو ٍع‬ ‫َق َال‪ُ (( :‬ر َّب َأ ْش َع َ َ‬ ‫َع ْن رس ِ‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ث أ ْغ َ َ‬ ‫ول اهلل‬ ‫َ ُ‬
‫اب َل ْو َأ ْق َس َم َع َل اهلل َلَ َب َّر ُه)) رواه مسلم‪.‬‬ ‫بِاألَ ْب َو ِ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪ُ (( :‬ر َّب))‪ ،‬قال ابن ّ‬
‫علن‪" :‬قال ابن هشام يف ((املغني))‪ :‬ليس معناها‬ ‫قوله‬
‫التقليل دائ ًام خالف ًا البن درستويه ومجاعة؛ بل ترد للتكثري كثري ًا‪ ،‬أو للتقليل قلي ً‬
‫ال‬
‫ومن األول قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﱸ [احلجر‪ ،]2 :‬ويف‬
‫(((‬
‫احلديث ((يا رب كاسية يف الدنيا عارية يوم القيامة))" اهـ‪.‬‬
‫(( َأ ْش َع َ‬
‫ث))‪ ،‬واألشعث هو‪ :‬املل َّبد الشعر ا ُمل َغ َّب غري مدهون َو َل ُم َر َّجل‪ .‬قال‬
‫العلقمي يف ((املصباح))‪" :‬شعث الشعر شعث ًا فهو شعث من باب تعب‪ :‬تغري وتلبد‬
‫لقلة تعهده بالدهن أي والرتجيل"‪ .‬اهـ‬
‫َ‬
‫((أ ْغ َ َ‬
‫ب))‪ ،‬قال يف ((املصباح))‪ :‬الغبار معروف وأغرب الرجل باأللف‪ :‬أثار‬
‫الغبار‪.‬‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.57/2 :‬‬


‫(‪)453‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وليس يف لفظ احلديث عند مسلم أغرب‪ ،‬وورد ذلك عند الرتمذي‪ ،‬ولفظه‪:‬‬
‫ب ِذي طِ ْم َر ْي ِن َل ُي ْؤ َب ُه َل ُه َل ْو َأ ْق َس َم َع َل اهلل َلَ َب َّر ُه))‪.‬‬ ‫((ك َْم ِم ْن َأ ْش َع َ َ‬
‫ث أ ْغ َ َ‬
‫(( َمدْ ُفو ٍع بِاألَ ْب َو ِ‬
‫اب))‪ ،‬أي‪ :‬ال قدر له عند الناس‪ ،‬فهم يدفعونه عن أبواهبم‪،‬‬
‫ويطردونه عنهم احتقار ًا له؛ لفقره ورثاثة ملبسه‪ ،‬فال يقبلون خطبته للزواج لو‬
‫خطب‪ ،‬وال شفاعته لو تشفع‪.‬‬
‫قال يف ((فيض القدير))‪" :‬أي‪ :‬يدفع عند إرادته الدخول عىل األعيان‪،‬‬
‫واحلضور يف املحافل‪ ،‬إما باللسان أو باليد واللسان؛ احتقارا له‪ ،‬فال يرتك أن يلج‬
‫(((‬
‫الباب فضال أن يقعد معهم‪ ،‬وجيلس بينهم" اهـ‪.‬‬
‫(( َل ْو َأ ْق َس َم َع َل اهلل))‪ ،‬أي‪ :‬حلف يمين ًا بحصول أمر طمع ًا يف كرم اهلل‪.‬‬
‫(( َلَ َب َّر ُه))‪ ،‬أي‪ :‬ألبر قسمه‪ ،‬وأوجد ذلك املحلوف إكرام ًا له‪ ،‬وقد مر الكالم‬
‫عن هذا مفص ً‬
‫ال يف احلديث اخلامس واخلامسني‪ ،‬فانظره‪.‬‬
‫ذلك؛ ليبرصك مراتب‬ ‫قال املناوي يف ((فيض القدير))‪" :‬إنام قال املصطفى‬
‫الشعث الغرب األصفياء األتقياء‪ ،‬ويرغبك يف طلب ما طلبوا‪ ،‬وينشطك تقديم‬
‫ما قدموا‪ ،‬ويثبطك عن الطمع الفارغ‪ ،‬والرجاء الكاذب‪ ،‬ويعلمك أن الزينة إنام هي‬
‫بلباس التقوى‪.‬‬
‫(تنبيه) قال يف ((املنن))‪ :‬من األخفياء الشعث من جياب دعاؤه كلام دعا؛ حتى أن‬
‫بعض السوقة كان كل من دعا عليه مات لوقته‪ ،‬وأراد مجاع زوجته‪ ،‬فقالت‪ :‬األوالد‬
‫متيقظون‪ ،‬فقال‪ :‬أماهتم اهلل‪ ،‬فكانوا سبعة‪ ،‬فصلوا عليهم بكرة النهار‪ ،‬فبلغ الربهان‬
‫(((‬
‫املتويل‪ ،‬فأحرضه‪ ،‬وقال‪ :‬أماتك اهلل‪ ،‬فامت‪ ،‬وقال‪ :‬لو بقي ألمات خلق ًا كثري ًا" اهـ‪.‬‬
‫((( ((فيض القدير))‪.32/5 :‬‬
‫((( املرجع السابق‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)454‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن ميزان الرشع ليس بامللبس وال باملظهر؛ بل باجلوهر‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن من عظم اهلل عظمه اهلل‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن اهلل قد أودع رسه يف أضعف خلقه‪.‬‬
‫(‪)455‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث الثامن واخلمسون‬

‫اعي َع َل األَ ْر َم َل ِة َوامل ِ ْسكِ ِ‬


‫ني‬ ‫َق َال‪(( :‬الس ِ‬
‫َّ‬ ‫َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ِ‬ ‫َالصائِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫اه ِد ِف َسبِ ِ‬ ‫كَا ُملج ِ‬
‫م َل ُي ْفط ُر))‬ ‫ت‪َ ،‬وك َّ‬ ‫يل اهلل))‪َ ،‬وأ ْحس ُب ُه َق َال‪َ (( :‬وكَال َقائ ِم َل َي ْف ُ ُ‬ ‫َ‬
‫متفق عليه‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫اعي))‪ ،‬وهو الذي يذهب وجييء يف حتصيل ما ينفقه‪ (((،‬وقال‬ ‫قوله ‪(( :‬الس ِ‬
‫َّ‬
‫(((‬ ‫اعي الك ِ‬
‫َاسب َل ُ َـم‪ :‬ال َع ِامل َلِ ُئونَتِ ِه َم" اهـ‪.‬‬ ‫اإلمام النووي‪" :‬ا ُملراد بِالس ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫(( َع َل األَ ْر َم َل ِة))‪ ،‬وهي من ال زوج هلا‪ .‬قال القسطالين‪" :‬األرملة التي ال زوج‬
‫هلا‪ ،‬سواء تزوجت قبل ذلك أم ال‪ ،‬أو هي التي فارقها زوجها‪ ،‬غنية كانت أو فقرية‪،‬‬
‫وقال ابن قتيبة‪ :‬سميت بذلك؛ ملا حيصل هلا من اإلرمال‪ ،‬وهو الفقر وذهاب الزاد‬
‫بفقد الزوج" اهـ‪ (((،‬ومثله يف ((رشح صحيح مسلم)) للنووي‪.‬‬
‫قال القارئ‪ :‬وهذا مأخذ لطيف يف إخراج الغنية من عموم األرملة‪ ،‬وإن كان‬
‫((( ((إرشاد الساري))‪.325/9 :‬‬
‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.207/18 :‬‬
‫((( ((إرشاد الساري))‪.221/10 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)456‬‬
‫(((‬
‫ظاهر إطالق احلديث يعم الغنية والفقرية‪ .‬اهـ‬
‫وقال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬قال اجلوهري‪ :‬التي ال زوج هلا‪ ،‬وقد أرملت‬
‫املرأة ‪ ..‬إذا مات عنها زوجها‪ ،‬قال ابن السكيت‪ :‬األرامل املساكني من نساء‬
‫ورجال‪ ،‬ويقال هلم وإن مل يكن فيهم نساء‪ ،‬ويقال‪ :‬قد جاءت أرملة من نساء‪،‬‬
‫(((‬
‫ورجال حمتاجني" اهـ‪.‬‬
‫(( َوامل ِ ْسكِ ِ‬
‫ني))‪ ،‬وهو من له مال أو كسب الئق به يقع موقع ًا من كفايته إن قرت‪،‬‬
‫حيصل فوق نصف ما يكفيه وال يبلغ احلد الذي يكفيه‪،‬‬
‫وال يكفيه إن توسط‪ ،‬بأن ِّ‬
‫كمن حيتاج إىل عرشة آالف وحيصل تسع آالف‪.‬‬
‫والفقري‪ :‬هو من ليس له مال وال كسب أصال و ال نفقة واجبة‪ ،‬أوله مال‬
‫ولكن ال يقع موقع ًا من كفايته مطع ًام وملبس ًا ومسكن ًا وغريها مما البد منه عىل‬
‫ما يليق به وبمن تلزمه نفقته‪ ،‬كمن حيتاج إىل عرشة آالف يف الشهر وال جيد ّإل‬
‫مخسةآالف فام دون‪.‬‬
‫وقد قال الفقهاء‪ :‬الفقري واملسكني إذا ذكرا مع ًا ‪ ..‬فهام خمتلفان بحسب ما مر‬
‫من تعريفهام‪ ،‬وإذا ذكر أحدمها دون اآلخر‪ ،‬كأن ذكر الفقري فقط ‪ ..‬فإنه يشمل‬
‫املسكني‪ ،‬وكذا العكس‪ ،‬كأن ذكر املسكني فقط ‪ ..‬فيشمل الفقري‪ ،‬ولذلك يقال‬
‫فيهام‪(( :‬إذا اجتمعا ‪ ..‬افرتقا‪ ،‬وإذا افرتقا ‪ ..‬اجتمعا))‪ ،‬أي إن اجتمعا يف اللفظ بأن‬
‫ذكر كل منهام ‪ ..‬اختلف معنامها ‪ ،‬وإن افرتقا‪ ،‬بمعنى ذكر أحدمها دون اآلخر ‪..‬‬
‫اجتمعا‪ ،‬أي‪ :‬صار اللفظ جامع للفقري واملسكني‪.‬‬

‫((( ((حتفة األحوذي))‪.579/4 :‬‬


‫((( ((دليل الفاحلني))‪.75/2 :‬‬
‫(‪)457‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وقال يف ((حتفة األحوذي))‪" :‬واملسكني هو من ال يشء له‪ ،‬وقيل‪ :‬من له بعض‬
‫(((‬
‫اليشء‪ ،‬وقد يقع عىل الضعيف‪ ،‬ويف معناه الفقري؛ بل باألوىل عند بعضهم" اهـ‪.‬‬
‫اه ِد ِف َسبِ ِ‬
‫يل اهلل))‪ ،‬أي‪ :‬ثواب القائم بأمرمها‪ ،‬وإصالح شأهنام‪،‬‬ ‫((كَا ُملج ِ‬
‫َ‬
‫واإلنفاق عليهام ‪ ..‬كثواب الغازي يف جهاده‪ ،‬فإن املال شقيق الروح‪ ،‬ويف بذلة‬
‫خمالفة النفس‪ ،‬ومطالبة رضا الرب‪.‬‬
‫قال ابن ّ‬
‫علن‪" :‬وشبه به؛ ألن القيام عىل املرأة بام يصلحها وحيفظها ويصوهنا‬
‫‪ ..‬ال يتصور الدوام عليه إال مع الصرب العظيم‪ ،‬وجماهدة النفس والشيطان‪ ،‬فإهنام‬
‫يكسالن عن ذلك‪ ،‬ويث ِّقالنه‪ ،‬ويفسدان النية فيه‪ ،‬وربام يدعوان بسبب ذلك إىل‬
‫السوء‪ ،‬ويسؤان له؛ ولذا قل من يدوم عىل ذلك العمل‪ّ ،‬‬
‫وقل من يسلم منه‪ ،‬فإذا‬
‫حصل ذلك العمل ‪ ..‬حصلت منه الفوائد‪ :‬كشف كرب الضعفاء‪ ،‬وإبقاء رمقهم‪،‬‬
‫(((‬
‫وسدّ خلتهم‪ ،‬وصون حرمتهم" اهـ‪.‬‬
‫قال َع ْبدُ اهلل ْب ُن َم ْس َل َم َة القعنبي ‪ -‬أحد رجال السند يف احلديث ‪َ (( :-‬و َأ ْح ِس ُب ُه‬
‫َق َال))‪ ،‬أي‪ :‬أحسب مالك ًا قال‪ ،‬وهو أحد رجال السند يف احلديث أيض ًا‪ ،‬فالشك‬
‫وقع للقعنبي كام يف رواية عند البخاري حيث قال فيها‪َ (( :‬ي ُش ُّك ال َق ْعنَبِ ُّي))‪.،‬‬
‫(( َوكَال َقائِ ِم))‪ ،‬أي‪ :‬الليل متهجد ًا‪.‬‬

‫(( َل َي ْف ُ ُ‬
‫ت))‪ ،‬أي‪ :‬ال يضعف عن التهجد‪.‬‬
‫َالصائِ ِم)) النهار‪.‬‬
‫(( َوك َّ‬
‫(( َل ُي ْفطِ ُر)) كقوهلم‪ :‬هناره صائم‪ ،‬وليله قائم‪ ،‬يريدون الديمومة عىل العبادة والطاعة‪.‬‬

‫((( ((حتفة األحوذي))‪.579/4 :‬‬


‫((( ((دليل الفاحلني))‪.75/2 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)458‬‬

‫ويف رواية عند البخاري وغريه من غري طريق القعنبي‪َ (( :‬أ ْو ال َقائِ ِم ال َّل ْي َل‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ار))‬ ‫الصائ ِم الن ََّه َ‬‫الصائ ِم الن ََّه َار))‪ ،‬ويف رواية عنده أي‪ :‬البخاري‪َ (( :‬أ ْو ال َقائ ِم ال َّل ْي َل‪َّ ،‬‬
‫َّ‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬فضل القيام عىل خدمة األرملة واملسكني بكسب ما يموهنام به ‪ ..‬ال يقل عن‬
‫ثواب وأجر املجاهد يف سبيل اهلل‪.‬‬
‫‪2 .2‬فضل تعاون املسلمني بعضهم لبعض‪.‬‬
‫‪3 .3‬اهتامم اإلسالم بالضعفاء وخدمتهم‪.‬‬
‫(‪)459‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث التاسع واخلمسون‬

‫ار َيت ْ ِ‬
‫َي َحتَّى َت ْب ُلغَا ‪َ ..‬ج َ‬
‫اء َي ْو َم‬ ‫َق َال‪َ (( :‬م ْن َع َال َج ِ‬ ‫َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫َع ْن َأن ِ‬
‫َس‬
‫َي))‪َ ،‬و َض َّم َأ َصابِ َع ُه‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬ ‫الق َي َام ِة َأنَا َو ُه َو ك ََهات ْ ِ‬
‫ِ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث‬ ‫هو الصحايب اجلليل أنس بن مالك‬
‫احلادي عرش‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪َ (( :‬م ْن َع َال))‪ ،‬أي‪ :‬قام عليهام املؤنة والرتبية ونحومها‪.‬‬ ‫قوله‬
‫َي))‪ ،‬أي‪ :‬بنتني‪ ،‬وال يقترص اخلرب عىل البنتني؛ ألن اجلارية يف اللغة‬ ‫ار َيت ْ ِ‬
‫(( َج ِ‬
‫ال ختتص بالبنت‪ ،‬وقد بينت رواية اإلمام أمحد ذلك‪ ،‬ولفظها‪َ (( :‬م ْن َع َال ا ْبنَت ْ ِ‬
‫َي‪،‬‬
‫ث َأ َخو ٍ‬
‫ات‪َ ،‬حتَّى َي ُمت َْن‪َ ،‬أ ْو َي ُم َ‬ ‫َي‪َ ،‬أ ْو َث َل َ‬ ‫َات‪َ ،‬أ ْو ُأ ْخت ْ ِ‬ ‫ث بن ٍ‬
‫ْت‬
‫وت َعن ُْه َّن ‪ُ ..‬كن ُ‬ ‫َ‬ ‫َأ ْو َث َل َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الو ْس َطى))‪ ،‬فدل هذا اللفظ عىل أن‬ ‫َي َو َأ َش َار‪ ،‬بِ ُأ ْص ُب َع ْيه َّ‬
‫الس َّبا َبة َو ُ‬ ‫َأنَا َو ُه َو ك ََهات ْ ِ‬
‫احلديث ال خيتص بالبنتني‪ .‬قال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬ثم فرس املصنف ((اجلاريتني))‬

‫املذكورتني يف اخلرب بقوله‪( :‬أي بنتني)‪ ،‬وال يظهر وجه قرص اجلاريتني يف اخلرب عىل‬
‫البنتني‪ ،‬فإن اجلارية يف اللغة ال ختتص بالبنت‪ ،‬قال يف ((املصباح))‪ :‬اجلارية السفينة‪،‬‬
‫سميت بذلك جلرهيا يف البحر‪ ،‬ومنه قيل لألمة جارية عىل التشبيه جلرهيا مسخرة‬
‫يف أشغال مواليها‪ ،‬واألصل فيها الشابة خلفتها‪ ،‬ثم توسعوا حتى سموا كل أمة‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)460‬‬

‫جارية وإن كانت عجوز ًا ال تقدر عىل السعي تسمية بام كانت عليه اهـ‪ .‬وأرصح منه‬
‫اجلري بوزن الويص الوكيل ألنه جيري يف أمور موكله‬
‫ّ‬ ‫ما يف ((املعرب)) للمطرزي‬
‫واجلمع أجرياء‪ ،‬ومنه اجلارية ألنثى الغالم خلفتها وجرياهنم بخالف العجوز‬
‫اهـ‪ .‬فال خيتص الفضل املذكور يف اخلرب بالبنتني بل يعمهام وغريمها‪ ،‬ففي ((مسند‬
‫الفردوس)) للديلمي عن أيب املحرب قال‪ :‬قال رسول اهلل‪(( :‬من عال بنتني أو أختني‬
‫(((‬
‫أو خالتني أو جدتني أو عمتني فهو معي يف اجلنة كهاتني))" اهـ‪.‬‬
‫(( َحتَّى َت ْب ُلغَا))‪ ،‬أي تصريا بالغتني‪ ،‬وللبلوغ ثالث عالمات متى وجدت‬
‫واحدة منها ‪ ..‬فقد حصل البلوغ‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ ) أمتام مخسة عرش سنة للذكر واألنثى‪.‬‬
‫ )بواالحتالم يف الذكر واألنثى لتسع سنني‪.‬‬
‫ )جواحليض يف األنثى لتسع سنني‪.‬‬
‫لكن هل املراد هنا ببلوغها وجود عالمة البلوغ عندها؟‬
‫اجلواب ما ذكره يف ((دليل الفاحلني)) حيث قال‪" :‬قال القرطبي‪ :‬ويعني‬
‫ببلوغهام‪ :‬وصوهلام إىل حال يستقالن بأنفسهام‪ ،‬وذلك إنام يكون يف النساء إىل أن‬
‫يدخل هبن أزواجهن‪ ،‬فال يعني به بلوغهام إىل أن حتيض وتكلف؛ إذ قد تتزوج‬
‫قبل ذلك فتستغني بالزوج عن قيام الكافل‪ ،‬وقد حتيض وهي غري مستقلة بيشء‬
‫من مصاحلها‪ ،‬ولو تركت لضاعت وفسدت أحواهلا؛ بل هي يف هذه احلالة أحق‬
‫بالصيانة واحلفظ‪ ،‬والقائم عليها لتكمل صيانتها فريغب يف تزوجيها؛ وهلذا املعنى‬
‫(((‬
‫قال علامؤنا ال تسقط النفقة عن والد الصبية ببلوغها بل بدخول الزوج هبا" اهـ‪.‬‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.78/2 :‬‬


‫((( املرجع السابق‪.76/2 :‬‬
‫(‪)461‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ويف ((اجلامع الصغري)) بلفظ‪(( :‬من عال جاريتني حتى يدركا ‪ ..‬دخلت أنا‬
‫وهو اجلنة كهاتني))‪.‬‬
‫الق َي َام ِة َأنَا َو ُه َو ك ََهات ْ ِ‬
‫َي))‪ ،‬لفظ ((كهاتني)) ليس يف مسلم أص ً‬
‫ال إنام‬ ‫((جاء يوم ِ‬
‫َ َ ََْ‬
‫هو مقدر‪ ،‬وقد رصح به يف روايات أخرى كرواية اإلمام أمحد املتقدمة‪ ،‬وكذلك‬
‫لت َأنَا َو ُه َو َ‬
‫اجلنَّ َة‬ ‫ار َيت ْ ِ‬
‫َي َد َخ ُ‬ ‫جاء عند الرتمذي عن أنس كذلك بلفظ‪َ (( :‬م ْن َع َال َج ِ‬
‫َي)) َو َأ َش َار بِ ُأ ْص ُب َع ْي ِه‪.‬‬
‫ك ََهات ْ ِ‬

‫وبي ذلك القرب ُ‬


‫قول الصحايب‪:‬‬ ‫واملعنى‪ :‬أنه قريب مني يوم القيامة‪َّ ،‬‬
‫(( َو َض َّم َأ َصابِ َع ُه))‪ ،‬أي‪ :‬السبابة والوسطى‪ ،‬كام بينت ذلك رواية اإلمام أمحد‬
‫املذكورة قريب ًا‪ ،‬وغريها من الروايات‪ ،‬وضم أصبعيه مشريا إىل قرب فاعل ذلك‬
‫منه‪ ،‬أي‪ :‬دخل مصاحبا يل قريبا مني‪ ،‬يعني أن ذلك الفعل مما يقرب فاعله إىل درجة‬
‫‪ ،‬قال ابن عباس‪ :‬هذا من كرائم احلديث وغرره‪.‬‬ ‫من درجات املصطفى‬
‫ويكفي يف إثبات قرب املنزلة من املنزلة أنه ليس بني الوسطى والسبابة أصبع‬
‫أخرى‪.‬‬
‫فائــــدة‪:‬‬
‫اديث َدلِيل َع َل ك َْون‬ ‫قال اإلمام النووي عند ذكر هذا احلديث‪ِ " :‬ف ه ِذ ِه األَح ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫از ِر ُّي‪َ :‬أ َّما‬ ‫جاع ا ُمل ْس ِل ِم َ‬
‫ني‪َ ،‬و َق َال ا َمل ِ‬ ‫جا َعة فِ ِيه ْم إِ ْ َ‬ ‫َأ ْط َفال ا ُمل ْس ِل ِم َ‬
‫ني ِف ا َ‬
‫جلنَّة َو َقدْ َن َق َل َ َ‬
‫جلنَّة‪َ ،‬أ َّما‬‫جاع ُمت ََح ِّقق َع َل َأ َّنُ ْم ِف ا َ‬ ‫َأ ْو َلد األَنْبِ َياء َص َل َوات اهللَ َو َس َلمه َع َل ْي ِه ْم َف ِ‬
‫اإل ْ َ‬
‫جا َعة‬ ‫جلن َِّة‪َ ،‬و َن َق َل َ َ‬ ‫ِ‬
‫ني َف َج َمهري ال ُع َل َمء َع َل ال َق ْطع َل ُ ْم بِا َ‬ ‫َأ ْط َفال َم ْن ِس َو ُاه ْم ِم ْن ا ُمل ْؤ ِمنِ َ‬
‫جلنَّة َق ْط ًعا ل ِ َق ْول ِ ِه َت َع َال‪ :‬ﱹ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬ ‫هنم م ْن َأ ْهل ا َ‬
‫جاع ِف كَو ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫ِ‬
‫اإل ْ َ‬
‫ني فِ َيها‪َ ،‬و َأ َش َار إِ َل َأ َّن ُه‬ ‫ف َب ْعض ا ُمل َت َك ِّل ِم َ‬ ‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﱸ [الطور‪َ ،]21 :‬وت ََو َّق َ‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)462‬‬
‫(((‬
‫َل ُي ْق َطع َل ُ ْم كَا ُمل َك َّل ِف َ‬
‫ني" اهـ‪.‬‬
‫وأما القول يف أوالد املرشكني ففيه مخسة مذاهب وقد بسطت الكالم عنها‬
‫يف كتايب ((القول املفيد رشح اجلوهر الفريد يف خالصة التوحيد))‪ ،‬فلريجع إليه من‬
‫أراد‪ ،‬والصحيح من هذه املذاهب والذي ذهب إليه املحققون‪ ،‬هو أهنم من أهل‬
‫يف‬ ‫حني رآه النبي‬ ‫اجلنة‪ ،‬و ُيستدل له بأشياء منها‪ :‬حديث اخلليل إبراهيم‬
‫اجلنة‪ ،‬وحوله أوالد الناس‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬وأوالد املرشكني؟ قال‪َ (( :‬و َأ ْو َل ُد‬
‫ني)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬‫ا ُمل ْ ِ ِ‬
‫شك َ‬
‫ومنها قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﱸ [اإلرساء‪ ،]15 :‬وال يتوجه‬
‫حتى يبلغ كام يف احلديث َع ْن َع ِ ٍّل‬ ‫عىل املولود التكليف‪َ ،‬و َي َلز ُم ُهقول الرسول‬
‫الص ِغ ِري َحتَّى‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ول‪ُ (( :‬رف َع ال َق َل ُم َع ْن َث َل َثة َع ْن َّ‬
‫َي ُق ُ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫قال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ف َعنْ ُه)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫اب َحتَّى ُيك َْش َ‬ ‫َي ْب ُلغَ َو َع ْن النَّائِ ِم َحتَّى َي ْس َت ْي ِق َظ َو َع ْن ا ُمل َص ِ‬
‫(((‬
‫وهذا متفق عليه كام قاله اإلمام النووي‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أجر من يعول الضعفاء وينتبه ألمورهم‪.‬‬
‫‪2 .2‬عظيم فضل الصرب‪ ،‬ومقداره عند اهلل‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪3 .3‬الصرب وحسن الرتبية يكون سبب ًا للقرب من النبي‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.272/16 :‬‬


‫((( ((رشح اإلمام النووي عىل صحيح مسلم))‪.290/16 :‬‬
‫(‪)463‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث الستون‬

‫الض َع َف َ‬
‫اء‬ ‫اب ُغ ِ‬
‫ون ُّ‬ ‫َي ُق ُ‬
‫ول‪ْ (( :‬‬ ‫َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ول اهلل‬ ‫َع ْن َأ ِب الدَّ ْر َد ِاء‬
‫ون بِ ُض َع َفائِك ُْم)) رواه أبوداود بإسناد جيد‪.‬‬
‫ْص َ‬ ‫َفإِن ََّم ت ُْر َز ُق َ‬
‫ون َو ُتن َ ُ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمــــه‬
‫هو الصحايب اجلليل العامل‪ ،‬قايض دمشق أبو الدرداء‪ ،‬وقد اختلف يف اسمه‬
‫كثريا فقالو‪ :‬هو عويمر بن زيد بن قيس‪ ،‬ويقال‪ :‬عويمر بن عامر‪ ،‬ويقال‪ :‬ابن عبداهلل‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ابن ثعلبة بن عبداهلل ‪ -‬األنصاري اخلزرجي‪.‬‬
‫وقال ابن أيب حاتم‪ :‬هو عويمر بن قيس بن زيد بن قيس بن أمية بن عامر بن‬
‫(((‬
‫عدي بن كعب بن اخلزرج‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويقال‪ :‬اسمه عامر بن مالك‪.‬‬
‫وقال البخاري‪ :‬سألت رجال من ولد أيب الدرداء‪ ،‬فقال‪ :‬اسمه عامر ابن مالك‪.‬‬
‫ولقبه‪ :‬عويمر‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫قصة إسالمه‬
‫قالاإلمامالذهبيحيكيقصةإسالمهيف((سريأعالمالنبالء))‪":‬قالأبوالزاهرية‪:‬‬

‫((( ((سري أعالم النبالء))‪.416/2 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)464‬‬

‫كان أبو الدرداء من آخر األنصار إسالما‪ (((،‬وكان يعبد صنام‪ ،‬فدخل ابن رواحة‪،‬‬
‫وحممد بن مسلمة بيته‪ ،‬فكرسا صنمه‪ ،‬فرجع فجعل جيمع الصنم‪ ،‬ويقول‪ :‬وحيك!‬
‫هال امتنعت! أال دفعت عن نفسك‪ ،‬فقالت أم الدرداء‪ :‬لو كان ينفع أو يدفع عن‬
‫أحد‪ ،‬دفع عن نفسه‪ ،‬ونفعها! فقال أبو الدرداء‪ :‬أعدي يل ماء يف املغتسل‪.‬‬
‫؛ فنظر إليه ابن رواحة مقبال‪،‬‬ ‫فاغتسل‪ ،‬ولبس حلته‪ ،‬ثم ذهب إىل النبي‬
‫فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬هذا أبو الدرداء‪ ،‬وما أراه إال جاء يف طلبنا ؟ فقال‪( :‬إنام جاء‬
‫(((‬
‫ليسلم‪ ،‬إن ريب وعدين بأيب الدرداء أن يسلم)(((" اهـ‪.‬‬
‫وقد تأخر إسالمه قليالً‪ ،‬فشهد ما بعد أحد من املشاهد‪ ،‬واختلف يف شهوده‬
‫أحد ًا‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫فضائله وما ورد في حقه‬
‫ال حكي ًام عامل ًا؛ بل حكيم هذه األ ّمة وس ّيد‬
‫يعدُّ سيدنا أبا الدرداء فقيه ًا عاق ً‬
‫باحلكمة‪ ،‬فقال ‪َ (( :‬ح َك ْي ُم ُأ َّمتِ ْي‬ ‫القراء بدمشق‪ ،‬وقد شهد له رسول اهلل‬ ‫ّ‬
‫ُع َو ْي ِمر)) أخرجه الطرباين‪.‬‬
‫كثري التفكر‪ ،‬فقد كان عون بن عبداهلل بن عتبة يقول‪ :‬سألت‬ ‫وكان‬
‫أم الدرداء ما كان أفضل عمل أيب الدرداء‪ ،‬قالت‪ :‬التفكر واالعتبار‪ .‬أخرجه‬
‫أو بعيم‪.‬‬
‫عامل ًا‪ ،‬فقد أخرج أبو نعيم عن القاسم بن حممد قال‪ :‬كان أبو الدرداء‬ ‫وكان‬
‫من الذين أوتوا العلم‪.‬‬
‫أخرجه أبو زرعة يف ((تارخيه))‬ ‫((( ‬
‫((( أخرجه ابن عساكر‪.‬‬
‫((( ((سري أعالم النبالء))‪.418/2 :‬‬
‫(‪)465‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫‪:‬‬ ‫وكان مع كثرة علمه كثري اخلوف من اهلل تعاىل‪ ،‬فقد كان يقول‬
‫اف َأ ْن ُي َق َال ِل َما َذا َع ِم َ‬
‫لت؟‪.‬‬ ‫اف َع َل َن ْف ِسى َأ ْن ُي َق َال ِل َما َع ِل ْم َت؟ َو َل ِك ْن َأ َخ ُ‬
‫َما َأ َخ ُ‬
‫أخرجه الدارمي‪.‬‬
‫يقول كام يف ((حلية األولياء)) أليب نعيم‪ :‬ثالث أحبهن‬ ‫وقد كان‬
‫ويكرههن الناس‪ :‬الفقر‪ ،‬واملرض‪ ،‬واملوت‪.‬‬
‫ويقول‪ :‬أحب املوت اشتياقا إىل ريب‪ ،‬وأحب الفقر تواضعا لريب‪ ،‬وأحب‬
‫املرض تكفريا خلطيئتي‪.‬‬
‫‪ ،‬ومل يبلغنا أبدا‬ ‫قال اإلمام الذهبي‪" :‬وهو معدود فيمن تال عىل النبي‬
‫‪ ،‬وتصدر‬ ‫أنه قرأ عىل غريه‪ ،‬وهو معدود فيمن مجع القرآن يف حياة رسول اهلل‬
‫(((‬
‫لإلقراء بدمشق يف خالفة عثامن‪ ،‬وقبل ذلك" اهـ‪.‬‬
‫آن َغ ْ ُي َأ ْر َب َع ٍة‪:‬‬ ‫َو َل ْ َ ْ‬
‫ي َم ْع ال ُق ْر َ‬ ‫َس ْب ِن َمالِ ٍك َق َال‪َ " :‬م َ‬
‫ات النَّبِ ُّي‬ ‫وعن َع ْن َأن ِ‬
‫ت‪َ ،‬و َأ ُبو َز ْي ٍد" أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫َأبو الدَّ رد ِاء‪ ،‬ومعا ُذ بن جب ٍل‪ ،‬و َزيدُ بن َثابِ ٍ‬
‫ْ َ َ َُ ْ ُ ََ َ ْ ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫وقيل‪ :‬إن الذين يف حلقة إقراء أيب الدرداء كانوا أزيد من ألف رجل‪ ،‬ولكل‬
‫عرشة منهم ملقن‪ ،‬وكان أبو الدرداء يطوف عليهم قائام‪ ،‬فإذا أحكم الرجل منهم‪،‬‬
‫حتول إىل أيب الدرداء يعني يعرض عليه‪.‬‬
‫قال‪(( :‬نعم الفارس‬ ‫فارس ًا شجاع ًا‪ ،‬فقد أخرج ابن عساكر أنه‬ ‫وكان‬
‫عويمر))‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫روى عنه خلق كثري‪ ،‬فمن الصحابة‪:‬‬

‫((( ((سري أعالم النبالء))‪.416/2 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)466‬‬

‫أم املؤمنني عائشة‪ ،‬وابن عمر ‪،‬وابن عباس‪ ،‬أنس بن مالك‪ ،‬وعبداهلل بن‬
‫عمرو بن العاص‪ ،‬وفضالة بن عبيد‪ ،‬وأبو أمامة‪ ،‬وغريهم‪.‬‬
‫وروى عنه من غريهم‪ :‬جبري ابن نفري‪ ،‬وزيد بن وهب‪ ،‬وأبو إدريس اخلوالين‪،‬‬
‫وعلقمة بن قيس‪ ،‬وقبيصة بن ذؤيب‪ ،‬وزوجته أم الدرداء العاملة‪ ،‬وابنه بالل‬
‫بن أيب الدرداء‪ ،‬وسعيد بن املسيب‪ ،‬وعطاء بن يسار‪ ،‬ومعدان بن أيب طلحة‪،‬‬
‫وأبو عبدالرمحن السلمي‪ ،‬وخالد بن معدان‪ ،‬وعبداهلل بن عامر اليحصبي‪.‬‬
‫(‪ )179‬مائة حديث وتسعة وسبعون حديث ًا‪ ،‬اتفق‬ ‫وروى عن رسول اهلل‬
‫البخاري ومسلم عىل حديثني منها‪ ،‬وانفرد البخاري بثالثة‪ ،‬ومسلم بثامنية‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫عن معاوية بن قرة أن أبا الدرداء اشتكى فدخل عليه أصحابه فقالوا‪:‬‬
‫ما تشتكي؟ قال‪ :‬أشتكي ذنويب‪ .‬قالوا‪ :‬فام تشتهي؟ قال‪ :‬أشتهي اجلنة‪ .‬قالوا‪ :‬أفال‬
‫ندعو لك طبيب ًا؟ قال‪ :‬هو الذي أضجعني‪.‬‬
‫وعن إسامعيل بن عبيداهلل ان أبا مسلم قال جئت أبا الدرداء وهو جيود‬
‫بنفسه‪ ،‬فقال‪ :‬أال رجل يعمل ملثل مرصعي هذا؟ أال رجل يعمل ملثل ساعتي هذه؟‬
‫‪.‬‬ ‫ثم قبض‬
‫وأرضاه يف الشام‪ ،‬واختلفوا يف سنة وفاته عىل أقوال‪:‬‬ ‫تويف‬
‫ ‪-‬فقيل‪ :‬سنة اثنتني وثالثني يف خالفة عثامن‪ ،‬وهو قول الواقدي‪ ،‬وأبو مسهر‪،‬‬
‫وابن نمري‪.‬‬
‫ ‪-‬وقيل‪ :‬سنة إحدى وثالثني‪ ،‬وهو قول خالد بن معدان‪ ،‬قال اإلمام الذهبي‪:‬‬
‫"فهذا خطأ؛ ألن الثوري روى عن األعمش‪ ،‬عن عامرة بن عمري‪ ،‬عن حريث‬
‫(‪)467‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ابن ظهري‪ ،‬قال‪ :‬ملا جاء نعي يعني ابن مسعود إىل أيب الدرداء‪ ،‬قال‪ :‬أما إنه مل‬
‫(((‬
‫خيلف بعده مثله ! ووافة عبداهلل يف سنة ‪ " 32‬اهـ‪.‬‬
‫قال يف ((اإلصابة))‪" :‬وقال ابن عبدالرب‪ :‬إنه مات بعد صفني واألصح عند‬
‫(((‬
‫أصحاب احلديث أنه مات يف خالفة عثامن" اهـ‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪(( :‬ا ْبغ ِ‬
‫ُون)) بكرس مهزة الوصل؛ ألنه من فعل ثالثي مكسور العني‪،‬‬ ‫قوله‬
‫أي‪ :‬اطلبوا يل طلبا حثيث ًا‪ ،‬يقال‪ :‬ابغني مطالبي‪ ،‬أي‪ :‬اطلبها يل‪ ،‬ويف رواية بالقطع‬
‫من الرباعي‪ ،‬فهو مفتوح اهلمزة‪ ،‬أي‪ :‬أعينوين عىل الطلب‪ ،‬يقال‪ :‬أبغيتك اليشء‪،‬‬
‫أي‪ :‬أعنتك عىل طلبه‪.‬‬

‫الض َع َف َ‬
‫اء))‪ ،‬يعني‪ :‬صعاليك املسلمني‪ ،‬وهم من يستضعفهم الناس لفقرهم‬ ‫(( ُّ‬
‫ورثاثة حاهلم‪.‬‬
‫ليكتبهم يف ديوان املجاهدين ويستعني هبم يف اجلهاد‪.‬‬ ‫وطلبهم‬
‫قال يف ((فيض القدير))‪" :‬قال القايض‪ :‬أي‪ :‬اطلبوا يل وتقربوا إيل بالتقرب‬
‫إليهم وتفقد حاهلم وحفظ حقوقهم واإلحسان إليهم قوال وفعال واستنصارا هبم‪.‬‬
‫قـال الراغـب‪ :‬والضعف يكـون يف البـدن ويف النفس ويف احلـال وهو املراد‬
‫(((‬
‫هنا" اهـ‪.‬‬
‫بقوله‪:‬‬ ‫ففي حضورهم فوائد أشار إليها‬

‫((( ((سري أعالم النبالء))‪.424/2 :‬‬


‫((( ((اإلصابة))‪.61/3 :‬‬
‫((( ((فيض القدير))‪.141/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)468‬‬

‫(( َفإِن ََّم ت ُْر َز ُق َ‬


‫ون))‪ ،‬أي‪ :‬ترزقون املطر والفيء وغريمها مما تنتفعون به‪ ،‬فتمكنون‬
‫من االنتفاع بام أخرجنا لكم‪.‬‬
‫ون))‪ ،‬عىل أعدائكم‪ ،‬فتعانون عليهم‪ ،‬و ُيدفع عنكم البالء واألذى‪.‬‬
‫ْص َ‬
‫(( َو ُتن َ ُ‬
‫(((‬
‫قال القايض‪ :‬والنرصة أخص من املعونة الختصاصها بدفع الرض‪.‬‬
‫((بِ ُض َع َفائِك ُْم))‪ ،‬أي بربكة وجودهم بني أظهركم‪ ،‬أو بسبب رعايتكم ذمامهم‪،‬‬
‫أو بربكة دعائهم‪ ،‬والضعيف إذا رأى عجزه‪ ،‬وعدم قوته ‪ ..‬تربأ عن احلول والقوة‬
‫بإخالص‪ ،‬واستعان باهلل‪ ،‬فكانت له الغلبة‪ ،‬وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثرية بإذن اهلل‪،‬‬
‫بخالف القوي‪ ،‬فإنه يظن أنه إنام يغلب الرجال بقوته‪ ،‬فتعجبه نفسه غالب ًا‪ ،‬وذلك‬
‫سبب للخذالن كام أخرب اهلل تعاىل عن بعض من شهد وقعة حنني‪.‬‬
‫قال يف ((عون املعبود)) نقال عن ا ُملن ِْذ ِر ِّي ‪َ " :‬و ِف َح ِديث الن ََّس ِائ ِّي ِز َيا َدة ُت َب ِّي‬
‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َص اللَّ َهذه األُ َّمة بِ َضعيف َها بِدَ ْع َو ِتِ ْم َو َص َل ْ‬
‫هتم‬ ‫َم ْعنَى احلَديث‪َ ،‬ق َال نَبِ ّي اهلل‪(( :‬إِن ََّم ن َ َ‬
‫وهبم ِم ْن‬ ‫وإِ ْخ َلصهم))‪ ،‬ومعنَاه َأ َّن ِعبادة الضع َفاء ودعاءهم َأ َشدّ إِ ْخ َلصا ِ ِ‬
‫ل َلء ُق ُل ْ‬ ‫ً َ‬ ‫َ َ ُّ َ َ ُ َ َ ُ ْ‬ ‫ْ َ َْ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(((‬
‫هلم" اهـ‪.‬‬ ‫َت َأ ْع َم ْ‬‫يب ُد َع ُاؤ ُه ْم‪َ ،‬و َزك ْ‬‫ه ُه ْم َواحد‪َ ،‬ف ُأ ِج َ‬
‫ال َّت َع ُّلق بِ ُز ْخ ُرف الدُّ ْن َيا‪َ ،‬و َج َع ُلوا َ َّ‬
‫وربام يقول القائل‪ :‬إن كنا ننرص بضعفائنا فلام أمرنا اهلل بالعدة يف قوله‬
‫تعاىل‪ :‬ﱹ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﱸ [األنفال‪]60 :‬؟‬
‫فاجلواب ما قاله بعض العارفني‪ ،‬وهو‪ :‬ومن حكمته تعاىل أنه أمر بالعدة‬
‫للعدو‪ ،‬وأخذه بالقوة‪ ،‬وأخرب أن النرص بعد ذلك يكون بالضعفاء؛ ل ُيعلم اخللق‬

‫((( ((فيض القدير))‪.141/1 :‬‬


‫((( ((عون املعبود))‪.405/4 :‬‬
‫(‪)469‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫فيام أمروا به من االستعداد وأخذ احلذر أن يرجعوا للحقيقة‪ ،‬ويعلموا أن النرص‬
‫من عند اهلل يلقيه عىل يد األضعف‪ ،‬فاالستعداد للعادة‪ ،‬والعلم بجهة النرص يف‬
‫(((‬
‫الضعيف للتوحيد‪ ،‬وأن األمر كله هلل عادة وحقيقة يدبره كيف شاء‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن النرص ليس بالقوة وال بكثرة العدد‪ ،‬وإن كنّا مأمورين بإقامة ذلك‪ ،‬إنام‬
‫بصدق تعلق القلب وارتباطه باهلل‪ ،‬والقرب منه‪.‬‬
‫‪2 .2‬عدم االستهانة بضعفاء املسلمني‪ ،‬فإنام حيصل النرص بربكة وجودهم بيننا‬
‫ودعوهتم لنا‪.‬‬
‫‪3 .3‬يف احلديث هني عن خمالطة األغنياء‪ ،‬وحتذير من التكرب عىل الفقراء‪ ،‬واملحافظة‬
‫(((‬
‫عىل جرب خواطرهم‪ ،‬كام قاله الطيبي‪.‬‬

‫((( ((فيض القدير))‪.142/1 :‬‬


‫((( املرجع السابق‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)470‬‬

‫احلديث احلادي والستون‬

‫ول‪َ (( :‬ل َي ْف َر ْك ُم ْؤ ِم ٌن ُم ْؤ ِم َن ًة‪،‬‬


‫َي ُق ُ‬
‫ول اهلل‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ض ِمن َْها َ‬
‫آخ َر))‪َ ،‬أ ْو َق َال‪َ (( :‬غ ْ َي ُه)) رواه مسلم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إِ ْن ك َِر َه من َْها ُخ ُل ًقا ‪َ ..‬ر َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪َ (( :‬ل َي ْف َر ْك))‪َ ،‬وال َف ْرك بِ َفت ِْح ال َفاء َوإِ ْسكَان َّ‬
‫الراء هو البغض‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫قوله‬
‫ال يبغض‪.‬‬
‫للتعميم‪ ،‬فال ختتص بالزوجني فقط‪ ،‬أي‪ :‬أي‬ ‫(( ُم ْؤ ِم ٌن ُم ْؤ ِم َن ًة))‪ ،‬ونكرمها‬
‫ال تبغض املؤمنة عىل كل حاهلا به شأن املؤمن معها‪.‬‬
‫((إِ ْن ك َِر َه ِمن َْها ُخ ُل ًقا)) كسوء اخللق مثالً‪.‬‬

‫ض ِمن َْها َ‬
‫آخ َر))‪ ،‬أي‪ :‬ريض منها خلق ًا آخر‪ ،‬فليست هي بالكاملة‪ ،‬كام أنه‬ ‫ِ‬
‫(( َر َ‬
‫ليس هو بالكامل كذلك‪.‬‬
‫وهل هذا احلديث للنهي أو للخرب؟‬
‫قال القايض عياض‪" :‬ليس هذا عىل النهي؛ بل هو خرب‪ :‬أي ال يقع منه بغض‬
‫تام هلا‪ ،‬قال‪ :‬وبغض الرجال للنساء بخالف بغضهن هلم‪ ،‬قال‪ :‬وهلذا قال‪ :‬إن كره‬
‫(‪)471‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(((‬
‫منها خلق ًا ريض منها آخر"‪ .‬اهـ‬
‫اض‬ ‫وخالفه اإلمام النووي فقال بعد أن ساق كالم القايض‪" :‬ه َذا ك ََلم ال َق ِ‬
‫َ‬
‫ضها‪ِ ،‬لَ َّن ُه إِ ْن َو َجدَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الص َواب َأ َّن ُه َنْي‪َ ،‬أ ْي‪َ :‬ينْ َبغي َأ ْن َل ُي ْبغ َ‬
‫ِ‬
‫َو ُه َو َضعيف َأ ْو َغ َلط‪َ ،‬بل َّ‬
‫ش َسة اخلُ ُلق َل ِكن ََّها َد ِّينَة َأ ْو َجِي َلة‬ ‫فِ َيها ُخ ُل ًقا ُيك َْره َو َجدَ فِ َيها ُخ ُل ًقا َم ْر ِض ًّيا بِ َأ ْن َتكُون َ ِ‬
‫ي‪:‬‬ ‫َأ ْو َع ِفي َفة َأ ْو َرفِي َقة بِ ِه َأ ْو ن َْحو َذلِ َك‪َ .‬و َه َذا ا َّل ِذي َذك َْرته ِم ْن َأ َّن ُه َني َي َت َع َّي لِ َو ْج َه ْ ِ‬
‫ْ‬
‫َان الكَاف َل بِ َر ْف ِع َها َو َه َذا َي َت َع َّي‬ ‫َأحدمها َأ َّن ا َملعروف ِف الروايات (( َل ي ْفر ْك)) بِإِسك ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ِّ َ َ‬ ‫ُْ‬ ‫َ َ‬
‫َان نيا بِ َل ْف ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ظ اخلَ َب ‪.‬‬ ‫فيه الن َّْهي َو َل ْو ُر ِو َي َم ْر ُفو ًعا َلك َ َ ْ ً‬
‫َوال َّث ِان َأ َّن ُه َقدْ َو َق َع ِخ َلفه َف َب ْعض النَّاس ُي ْب ِغض َز ْو َجته ُب ْغ ًضا َش ِديدً ا َو َل ْو ك َ‬
‫َان‬
‫(((‬
‫اض َع َل َه َذا ال َّت ْف ِسري" اهـ‪.‬‬ ‫ح َل ال َق ِ‬
‫با َل ْ َي َقع ِخ َلفه َو َه َذا َو ِاقع‪َ ،‬و َما َأ ْد ِري َما َ َ‬
‫َخ َ ً‬
‫قال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬واملراد من احلديث‪ :‬أن شأن املؤمن أن ال يبغض‬
‫املؤمنة بغض ًا كلي ًا حيمله عىل فراقها‪ :‬أي ينبغي له أن يغفر سيئتها حلسنتها‪ ،‬ويتغاىض‬
‫حيب‪ .‬قال القرطبي‪ :‬وأصل الفرك إنام يقال يف النساء‪ ،‬يقال‪ :‬فركت‬
‫عام يكره بام ّ‬
‫وجتوز ًا‪،‬‬
‫ال ّ‬ ‫املرأة زوجها‪ ،‬وأبغض الرجل امرأته‪ ،‬وقد استعمل الفرك يف الرجل قلي ً‬
‫(((‬
‫منه ما يف هذا احلديث" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬حسن العرشة للنساء‪ ،‬وحسن معاملتهن‪ ،‬والنهي عن البغض للزوجة بمجرد‬
‫كراهة ُخلق من أخالقها‪َّ ،‬‬
‫فإنا ال ختلو مع ذلك عن أمر يرضاه منه‪.‬‬

‫((( ((رشح مسلم)) للنووي‪.201/10 :‬‬


‫((( املرجع السابق‪.‬‬
‫((( ((دليل الفاحلني))‪.91/2 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)472‬‬

‫‪2 .2‬أن املؤمن ال يكمل‪ ،‬فإن وجد فيه ما يكره اآلخر‪ ..‬وجد كذلك ما حيب‪.‬‬
‫‪3 .3‬ينبغي للمؤمن أن ينظر للحسنات أكثر من نظره للسيئات‪.‬‬
‫(‪)473‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث الثاني والستون‬

‫ني إِ َيمنًا َأ ْح َسن ُُه ْم‬‫ِِ‬


‫ول اهلل ‪َ (( :‬أك َْم ُل ا ُمل ْؤمن َ‬
‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ُخ ُل ًقا‪َ ،‬و ِخ َي ُارك ُْم ِخ َي ُارك ُْم لِن ِ َسائِ ِه ْم ُخ ُل ًقا)) رواه الرتمذي وقال حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫ِِ‬
‫‪َ (( :‬أك َْم ُل ا ُمل ْؤمن َ‬
‫ني))‪ ،‬أي‪ :‬من أكمل املؤمنني‪.‬‬ ‫قوله‬
‫((إِ َيمنًا))‪ ،‬منصوب عىل التمييز‪.‬‬
‫(( َأ ْح َسن ُُه ْم ُخ ُل ًقا))‪ ،‬وحسن اخللق هو‪ :‬ملكة تبعث النفس عىل أفعال محيدة‬
‫واكتساب شيم رشيفة‪.‬‬
‫واختلف السلف يف بيان معنى حسن اخللق‪:‬‬
‫وكف األذى‬
‫ّ‬ ‫ ‪-‬فقال احلسن البرصي‪ :‬حقيقة حسن اخللق بذل املعروف‬
‫وطالقة الوجه‪.‬‬

‫ ‪-‬وقال الشعبي‪ :‬حسن اخللق البذلة والعطية والبِ ُ‬


‫رش احلسن‪ ،‬وقد كان‬
‫الشعبي كذلك‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)474‬‬

‫وكف األذى‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫بسط الوجه‪ُ ،‬‬
‫وبذل املعروف‪،‬‬ ‫ ‪-‬وقال ابن املبارك‪ :‬هو ُ‬

‫ب وال حتْتدَّ ‪ ،‬وعنه أنَّه قال‪:‬‬


‫َغض َ‬ ‫ ‪-‬وقال اإلما ُم أمحد‪ُ :‬حس ُن اخللق ْ‬
‫أن ال ت َ‬
‫ُ‬
‫يكون من الناس ‪.‬‬ ‫َ‬
‫حتتمل ما‬ ‫ُحس ُن اخللق ْ‬
‫أن‬
‫وأن ال تغضب‪ ،‬ونحو ذلك‬ ‫ِ‬
‫الوجه‪ْ ،‬‬ ‫ ‪-‬وقال إسحاق بن راهويه‪ :‬هو ُ‬
‫بسط‬
‫قال حممد بن نرص ‪.‬‬
‫ِ‬
‫الغيظ هلل‪ ،‬وإظهار الطالقة‬ ‫كظم‬
‫بعض أهل العلم‪ُ :‬حس ُن اخللق‪ُ :‬‬
‫ ‪-‬وقال ُ‬
‫الزالني إال تأديب ًا أو إقامة حدٍّ‬
‫والعفو عن َّ‬
‫ُ‬ ‫والبرش إال للمبتدع والفاجر‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بمظلمة‬ ‫تغيري منكر أو أخذ ًا‬ ‫معاه ٍد إال‬ ‫وكف األذى عن ّ‬
‫َ‬ ‫كل مسلم أو َ‬ ‫ُّ‬
‫(((‬
‫ملظلو ٍم من غري تعدٍّ ‪.‬‬
‫ ‪-‬قال الباجي‪ :‬وحتسني اخللق أن يظهر منه ملن جيالسه أو ير ّد عليه البِرش‬
‫واحللم واإلشفاق والصرب عىل التعليم والتودد إىل الصغري والكبري‪.‬‬
‫وهل حسن اخللق مكتسب أو غريزي؟‬
‫اختلف أهل العلم يف ذلك‪ ،‬فذهب مجاعة إىل أنه غريزي‪ ،‬قال املناوي يف‬
‫((فيض القدير)) مستدالً بحديث‪(( :‬إِ َذا َس ِم ْعت ُْم بِ َج َب ٍل ز ََال َع ْن َمكَانِ ِه َف َصدِّ ُقوا‪َ ،‬وإِ َذا‬
‫َي َع ْن ُخ ُل ِق ِه َف َل ت َُصدِّ ُقوا بِ ِه‪َ ،‬وإِ َّن ُه َي ِص ُري إِ َل َما ُجبِ َل َع َل ْي ِه)) أخرجه‬ ‫ِ‬
‫َسم ْعت ُْم بِ َر ُج ٍل َتغ َّ َ‬
‫أمحد‪ ،‬قال‪" :‬وهذا اخلرب رصيح يف أن حسن اخللق ال يمكن اكتسابه؛ لكنه منزل عىل‬
‫(((‬
‫تعبري القوة نفسها التي هي السجية ال عىل أساسها" اهـ‪.‬‬
‫وقال يف موضع آخر عند ذكر احلديث‪((" :‬أكمل املؤمنني)) أي من أمتهم‬

‫((( انظر ذلك كله يف ((جامع العلوم واحلكم))‪.)300( :‬‬


‫((( ((فيض القدير))‪.625/1 :‬‬
‫(‪)475‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫((إيامنا)) متييز ((أحسنهم خلقا)) بالضم؛ ألن هذا الدين مبني عىل السخاء وحسن‬
‫اخللق‪ ،‬وال يصلح إال هبام‪ ،‬فكامل إيامن اإلنسان ونقصه عىل قدر ذلك‪ ،‬وال يناقضه‬
‫ما سلف أنه جبيل غريزي؛ ألنه وإن كان سجية أصالة لكن يمكن اكتساب حتسينه‬
‫واحلكامء‪ ،‬ثم بتصفية النفس عن ذميم األوصاف‪،‬‬ ‫بنحو نظر يف أخالق املصطفى‬
‫وقبيح اخلصال‪ ،‬ثم برياضتها إىل حتليها بالكامل‪ ،‬ومعايل األحوال‪ ،‬وحينئذ فيثاب‬
‫(((‬
‫عىل تلك األخالق؛ لكوهنا من كسبه" اهـ‪.‬‬
‫‪(( :‬وإنام احللم‬ ‫وذهب آخرون إىل أنه مكتسب كام ورد يف حديث النبي‬
‫بالتحلم)) أخرجه الطرباين والدارقطني‪.‬‬
‫وقد مجع احلافظ ابن حجر بني القولني‪ ،‬قال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬وقد‬
‫اختلف فيه هل هو مكتسب أو غريزي؟ ومجع بني القولني بأنه غريزي باعتبار‬
‫أصله ويقوى وينمو بالكسب‪ .‬قال احلافظ يف ((الفتح))‪ :‬وحمصل ما أجاب العلامء‬
‫عن األحاديث املختلف فيها األجوبة بأن أفضل األعامل كذا أن اختالف اجلواب‬
‫الختالف حال السائلني بأن أعلم كال بام حيتاج إليه‪ ،‬أو بام هلم فيه رغبة‪ ،‬أو بام هو‬
‫الالئق‪ ،‬أو أن اختالفه باختالف األوقات بأن يكون العمل يف ذلك الوقت أفضل‬
‫منه يف غريه ‪ -‬فقد كان اجلهاد يف ابتداء اإلسالم أفضل األعامل ألنه الوسيلة إىل‬
‫القيام هبا والتمكن منها‪ ،‬وقد تظافرت األدلة عىل أن الصالة أفضل من الصدقة‪،‬‬
‫ومع ذلك ففي وقت مواساة املضطر تكون الصدقة أفضل‪ ،‬أو أن أفضل ليس عىل‬
‫بابه بل املراد الفضل املطلق‪ ،‬أو أن املراد من أفضل فحذفت من وهي مرادة كام ورد‬
‫((خريكم خريكم ألهله)) ومعلوم أنه ال يصري بذلك خري الناس مطلق ًا‪ ،‬فعىل هذا‬
‫‪ ..‬فأفضل األعامل عىل اإلطالق اإليامن‪ ،‬والباقيات متساوية يف كوهنا من أفضلها‪،‬‬

‫((( ((فيض القدير))‪.378/2 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)476‬‬
‫(((‬
‫وإن تفاوتت درجاهتا بام ورد فيها اهـ‪ .‬ملخص ًا" اهـ‪.‬‬
‫(( َو ِخ َي ُارك ُْم)) عند اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫(( ِخ َي ُارك ُْم)) يف الظاهر ((لِن ِ َسائِ ِه ْم ُخ ُل ًقا))‪ ،‬وذلك بالبشاشة وطالقة الوجه‪،‬‬
‫والصرب عىل األذى ونقصان عقلهن‪ ،‬واإلحسان إليهن‪ ،‬وكف األذى‪ ،‬وبذل‬
‫الندى‪ ،‬وحفظهن من مواقع الريب؛ وكل ذلك ألهنن حمل الرمحة لضعفهن‪.‬‬
‫ت‬ ‫اء‪َ ،‬فإِ َّن ا َمل ْر َأ َة ُخلِ َق ْ‬
‫بالنساء‪ ،‬فقال‪(( :‬استَوصوا بِالنِّس ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ ُ‬ ‫وقد أوصانا النبي‬
‫َس َت ُه‪َ ،‬وإِ ْن‬ ‫الض َل ِع َأع َله‪َ ،‬فإِ ْن َذهب َ ِ‬ ‫ش ٍء ِف ِّ‬ ‫َ‬ ‫ِ ِ‬
‫يم ُه ‪ ..‬ك َ ْ‬ ‫ت تُق ُ‬ ‫َْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫م ْن ض َلعٍ‪َ ،‬وإِ َّن أ ْع َو َج َ ْ‬
‫اء)) أخرجه البخاري‪ ،‬ويف رواية مسلم‪:‬‬ ‫تَر ْك َته ‪َ ..‬ل يزَل َأعوج‪َ ،‬فاستَوصوا بِالنِّس ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ُ‬
‫اء َخ ْ ًيا))‪.‬‬ ‫((استَوصوا بِالنِّس ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ ُ‬
‫ُون ِمن ُْه َّن‬ ‫ان َل ْي َس َتْلِك َ‬ ‫اء َخ ْيا‪َ ،‬فإِ َّنُ َّن ِعنْدَ ك ُْم َع َو ٍ‬
‫ً‬
‫وقال ‪(( :‬استَوصوا بِالنِّس ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َش ْيئًا َغ ْ َي َذلِ َ‬
‫اجعِ‪،‬‬ ‫وه َّن ِف ا َمل َض ِ‬ ‫اه ُج ُر ُ‬ ‫لن ‪َ ..‬ف ْ‬ ‫ك إِ َّل َأ ْن َي ْأت َ‬
‫ني بِ َفاح َشة ُم َب ِّينَة‪َ ،‬فإِ ْن َف َع َ‬
‫بحٍ ‪َ ،‬فإِ ْن َأ َط ْعنَك ُْم ‪َ ..‬ف َل َت ْبغُوا َع َل ْي ِه َّن َسبِ ًيل‪ ،‬إِ َّن َلك ُْم ِم ْن‬ ‫ض ًبا َغ ْ َي ُم َ ِّ‬ ‫وه َّن َ ْ‬‫اض ُب ُ‬ ‫َو ْ ِ‬
‫نِ َسائِك ُْم َح ًّقا‪َ ،‬ولِن ِ َسائِك ُْم َع َل ْيك ُْم َح ًّقا‪َ ،‬ف َأ َّما َح ُّقك ُْم َع َل نِ َسائِك ُْم ‪َ ..‬ف َل ُي َو ِّطئ ََّن ُف ُر َشك ُْم‬
‫ون‪َ ،‬أ َل َو َح ُّق ُه َّن َع َل ْيك ُْم َأ ْن ُ ْت ِسنُوا إِ َل ْي ِه َّن‬‫ون‪َ ،‬و َل َي ْأ َذ َّن ِف ُب ُيوتِك ُْم َل ِ ْن َتك َْر ُه َ‬‫َم ْن َتك َْر ُه َ‬
‫ِف كِ ْس َو ِتِ َّن َو َط َع ِام ِه َّن)) أخرجه ابن ماجه‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وإنام يبلغ املؤمن الدرجات العالية بحسن التعامل وحسن اخللق‪ ،‬قال‬
‫الصائِ ِم ال َقائِ ِم)) أخرجه أمحد‪ ،‬وابو داود‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫((إ َِّن ا ُمل ْؤم َن َل ُيدْ ِر ُك بِ ُح ْس ِن ُخ ُلقه َد َر َج َة َّ‬
‫أن أثقل ما يوضع يف امليزان هو حسن اخللق‪ ،‬فقال‪َ (( :‬ما ِم ْن‬ ‫وقد أخرب‬
‫اخل ُل ِق َل َي ْب ُلغُ بِ ِه‬ ‫ِ‬ ‫َان َأ ْث َق ُل ِم ْن ُح ْس ِن ُ‬
‫اخل ُل ِق‪َ ،‬وإِ َّن َصاح َ‬
‫ب ُح ْس ِن ُ‬ ‫وض ُع ِف املِيز ِ‬
‫ش ٍء ُي َ‬
‫َ ْ‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.95/2 :‬‬


‫(‪)477‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫الص َل ِة)) اخرجه الرتمذي‪.‬‬
‫الص ْو ِم َو َّ‬
‫ب َّ‬
‫درج َة ص ِ‬
‫اح ِ‬ ‫ََ َ َ‬
‫وأخرب كذلك بأن صاحب حسن اخللق يكون قريب ًا منه ‪ ،‬فقال‪َ (( :‬أ َل‬
‫الق َي َام ِة))‪َ ،‬ف َسك َ‬
‫َت ال َق ْو ُم‪َ ،‬ف َأ َعا َد َها‬ ‫ملِسا يوم ِ‬ ‫ِ‬
‫بك ُْم بِ َأ َح ِّبك ُْم إِ َ َّل‪َ ،‬و َأ ْق َربِك ُْم منِّي َ ْ ً َ ْ َ‬ ‫أ ْخ ِ ُ‬
‫ُ‬
‫ول اهلل‪َ .‬ق َال‪َ (( :‬أ ْح َسنُك ُْم ُخ ُل ًقا))أخرجه‬ ‫َي‪َ ،‬أ ْو َث َل ًثا‪َ ،‬ق َال ال َق ْو ُم‪َ :‬ن َع ْم َيا َر ُس َ‬ ‫َم َّرت ْ ِ‬
‫الق َي َام ِة‬
‫ملِسا يوم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أمحد‪ ،‬ويف رواية عند الرتمذي‪(( :‬إِ َّن م ْن َأ َح ِّبك ُْم إِ َ َّل َو َأ ْق َربِك ُْم منِّي َ ْ ً َ ْ َ‬
‫اسنَك ُْم َأ ْخ َل ًقا))‪.‬‬ ‫َأح ِ‬
‫َ‬
‫اجلن َِّة َل ِ ْن ت ََر َك امل ِ َر َاء َوإِ ْن ك َ‬
‫َان‬ ‫ض َ‬ ‫ت ِف َر َب ِ‬ ‫وقال كذلك ‪َ (( :‬أنَا ز َِعيم بِبي ٍ‬
‫ٌ َْ‬
‫اجلن َِّة‬
‫ت ِف َأ ْع َل َ‬ ‫ازحا‪ ،‬وبِبي ٍ‬
‫َان َم ِ ً َ َ ْ‬ ‫اجلن َِّة َل ِ ْن ت ََر َك الك َِذ َب َوإِ ْن ك َ‬
‫ط َ‬‫ت ِف وس ِ‬
‫َ َ‬
‫ُ ِم ًّقا‪ ،‬وبِبي ٍ‬
‫َ َْ‬
‫َل ِ ْن َح َّس َن ُخ ُل َق ُه)) أخرجه أبو داود‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬عظيم منزلة حسن اخللق عند اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪2 .2‬حسن املعارشة للنساء واالنتباه من أمورهن‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن اإلنسان ليبلغ بحسن اخللق مراتب أهل العبادة والطاعة‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)478‬‬

‫احلديث الثالث والستون‬

‫َق َال‪(( :‬الدُّ ْن َيا َمت ٌ‬


‫َاع‪،‬‬ ‫َأ َّن َر ُس َ‬
‫ول اهلل‬ ‫َع ْن َع ْب ِداهلل ْب ِن َع ْم ٍرو ْب ِن ال َع ِ‬
‫اص‬
‫ال ُة)) رواه مسلم‪.‬‬ ‫َاعها ا َملر َأ ُة الص َِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َو َخ ْ ُي َمت َ ْ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته‬ ‫هو الصحايب اجلليل عبداهلل بن عمرو بن العاص‬
‫يف احلديث التاسع والعرشين‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫َاع))‪ ،‬أي‪ :‬شيئ ًا يتمتع به حين ًا ما‪.‬‬
‫‪(( :‬الدُّ ْن َيا َمت ٌ‬ ‫قوله‬
‫ال ُة))‪ ،‬وقد فرس املرأة الصاحلة قول النبي‬ ‫َاعها ا َملر َأ ُة الص َِ‬ ‫ِ‬
‫‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫(( َو َخ ْ ُي َمت َ ْ‬
‫س ْت ُه‪َ ،‬وإِ َذا َأ َم َر َها ‪..‬‬ ‫(( َأ َل ُأ ْخ ِب َك بِخَ ِي ما يكْن ِ ُز ا َملرء‪ ،‬ا َملر َأ ُة الص َِ‬
‫ال ُة إِ َذا َن َظ َر إِ َل ْي َها ‪َّ َ ..‬‬ ‫َّ‬ ‫ْ ُ ْ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ُ‬
‫اب َعن َْها ‪َ ..‬ح ِف َظ ْت ُه)) أخرجه أبو داود‪.‬‬ ‫َأ َطا َع ْت ُه‪َ ،‬وإِ َذا َغ َ‬
‫قال املناوي يف ((فيض القدير))‪" :‬قال الطيبي‪ :‬املتاع من التمتع باليشء وهو‬
‫االنتفاع به‪ ،‬وكل ما ينتفع به من عروض الدنيا متاع‪ ،‬والظاهر أن املصطفى‬
‫أخربنا بأن االستمتاعات الدنيوية كلها حقرية وال يؤبه هبا‪ ،‬وذلك أنه تعاىل ملا ذكر‬
‫أصنافها ومالذها يف آية‪ :‬ﱹ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﱸ [آل عمران‪ . ]14 :‬أتبعه بقوله‪:‬‬
‫ﱹ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﱸ‪ ،‬ثم قال بعده‪ :‬ﱹ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﱸ اهـ‪.‬‬
‫(‪)479‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫قال احلرايل‪ :‬فيه ايامء إىل أهنا أطيب حالل يف الدنيا أي ألنه سبحانه زين الدنيا‬
‫بسبعة أشياء ذكرها بقوله‪ :‬ﱹ ﮠ ﮡ ﱸ اآلية‪ ،‬وتلك السبعة هي مالذها‪ ،‬وغاية‬
‫آمال طالهبا‪ ،‬وأعمها زينة‪ ،‬وأعظمها شهوة النساء؛ ألهنا حتفظ زوجها عن احلرام‪،‬‬
‫وتعينه عىل القيام باألمور الدنيوية والدينية‪ ،‬وكل لذة أعانت عىل لذات اآلخرة‬
‫فهي حمبوبة مرضية هلل‪ ،‬فصاحبها يلتذ هبا من جهة تنعمه وقرة عينه هبا‪ ،‬ومن وجهة‬
‫إيصاهلا له إىل مرضاة ربه‪ ،‬وإيصاله إىل لذة أكمل منها‪ .‬قال الطيبي‪ :‬وقيد بالصاحلة‬
‫إيذانا بأهنا رش املتاع لو مل تكن صاحلة‪ ،‬وقال األكمل‪ :‬املراد بالصاحلة النقية املصلحة‬
‫(((‬
‫حلال زوجها يف بيته املطيعة ألمره" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن الدنيا فانية وكل ما فيها يفنى‪ ،‬إنام هو متاع‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن خري متاع الدنيا املرأة الصاحلة‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن رش متاع الدنيا املرأة لو مل تكن صاحلة ومصلحة لزوجها‪.‬‬

‫((( ((فيض القدير))‪.639/4 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)480‬‬

‫احلديث الرابع والستون‬

‫الر ُج ُل ْام َر َأ َت ُه إِ َل‬


‫ول اهلل ‪(( :‬إِ َذا َد َعا َّ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ان َع َل ْي َها ‪َ ..‬ل َعنَت َْها ا َمل َلئِ َك ُة َحتَّى ت ُْصبِ َح)) متفق عليه‪.‬‬ ‫اش ِه‪َ ،‬ف َل ْم ت َْأتِ ِه‪َ ،‬ف َب َ‬
‫ات َغ ْض َب َ‬ ‫فِر ِ‬
‫َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫اش ِه))‪ ،‬كناية عن اجلامع‪ ،‬أي‪ :‬دعاها‬
‫قوله ‪(( :‬إِ َذا دعا الرج ُلمر َأ َته إِ َل فِر ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َّ ُ ْ َ ُ‬
‫اش)) أخرجه البخاري ومسلم‪،‬‬ ‫لف َر ِ‬‫إىل اجلامع‪ ،‬ويدل عىل ذلك قوله ‪(( :‬الو َلدُ لِ ِ‬
‫َ‬
‫والكناية عام يستحي من الترصيح به فاشية يف الكتاب والسنة‪.‬‬
‫(( َف َل ْم ت َْأتِ ِه))‪ ،‬أي‪ :‬أبت املجيء دون عذر رشعي‪ ،‬وليس احليض بعذر يف‬
‫االمتناع؛ إلن له احلق بالتمتع هبا فوق اإلزار‪.‬‬
‫ان َع َل ْي َها))؛ المتناعها دون عذر‪.‬‬ ‫(( َف َب َ‬
‫ات َغ ْض َب َ‬
‫(( َل َعنَت َْها ا َمل َلئِ َك ُة))‪ ،‬ويستمر ذلك اللعن من املالئكة إن استمرت عىل االمتناع‬
‫حل ِديث َأ َّن ال َّل ْعنَة ت َْست َِم ّر َع َل ْي َها َحتَّى‬
‫(( َحتَّى ت ُْصبِ َح))‪ ،‬قال اإلمام النووي‪َ " :‬و َم ْعنَى ا َ‬
‫الستِ ْغنَاء َعنْها‪َ ،‬أو بِتَوبتِها ورجوعها إِ َل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الف َراش" اهـ‪.‬‬ ‫َ ْ َْ َ َُ ُ َ‬ ‫ت َُزول ا َمل ْعص َية بِ ُط ُلو ِع ال َف ْجر َو ْ‬
‫(((‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.168/10 :‬‬


‫(‪)481‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ويف احلديث إخبار بوجوب إجابة املرأة لزوجها إذا دعاها‪ ،‬والدليل عىل‬
‫وجوب ذلك ‪ ..‬لعن املالئكة هلا؛ إذ ال يلعنون إال عن أمر اهلل‪ ،‬وال يكون إال عقوبة‪،‬‬
‫وال يكون عقوبة إال عىل ترك الواجب‪.‬‬

‫™™مباحث مهمة‪:‬‬
‫Š Šهل جيب عليها اإلجابة يف الليل فقط؟ كام أنه هل اللعن خمتص بعدم اإلجابة يف‬
‫الليل؟‬
‫قال احلافظ ابن حجر يف ((الفتح)) نقال عن ابن أيب مجرة‪" :‬وظاهر احلديث‬
‫َّ‬
‫وكأن الرس‬ ‫اختصاص اللعن بام إذا وقع منها ذلك ليالً؛ لقوله‪(( :‬حتى تصبح))‪،‬‬
‫تأكد ذلك الشأن يف الليل وقوة الباعث عليه‪ ،‬وال يلزم من ذلك أنه جيوز هلا‬
‫(((‬
‫االمتناع يف النهار‪ ،‬وانام خص الليل بالذكر؛ ألنه املظنة لذلك" اهـ‪،‬‬
‫وقد جاء يف رواية عند مسلم‪َ (( :‬وا َّل ِذي َن ْف ِس بِ َي ِد ِه َما ِم ْن َر ُج ٍل َيدْ ُعو ْام َر َأ َت ُه إِ َل‬
‫اخ ًطا َع َل ْي َها َحتَّى َي ْر َض َعن َْها))‪.‬‬ ‫َان ا َّل ِذي ِف السم ِء س ِ‬ ‫اش َها‪َ ،‬فت َْأ َبى َع َل ْي ِه ‪ ..‬إِ َّل ك َ‬
‫فِر ِ‬
‫َّ َ َ‬ ‫َ‬
‫وأخرج غري مقيد بالليل ابن خزيمة وابن حبان مرفوع ًا‪َ (( :‬ث َل َث ٌة َل ُت ْق َب ُل َُل ْم‬
‫ِ‬
‫ان‬
‫السك َْر ُ‬ ‫الس َمء َح َسنَ ٌة ‪ -‬ال َع ْبدُ اآلبِ ُق َحتَّى َي ْر ِج َع‪َ ،‬و َّ‬
‫َص َلةٌ‪َ ،‬و َل ت َْص َعدُ َُل ْم َإل َّ‬
‫اخ ُط َع َل ْي َها ز َْو ُج َها َحتَّى َي ْر َض))‪ ،‬وإن كان هذا يف‬ ‫حتَّى يصحو‪ ،‬وا َملر َأ ُة الس ِ‬
‫َّ‬ ‫َ َ ْ ُ َ َ ْ‬
‫سخطه مطلق ًا‪ ،‬ولو لعدم طاعتها يف غري اجلامع‪ ،‬وليس فيه لعن ‪ ..‬إال َّ‬
‫أن فيه‬
‫وعيد ًا شديد ًا يدخل فيه عدم طاعتها له يف مجاعها من ليل أو هنار‪.‬‬
‫تنبيــــه‪:‬‬
‫ان َع َل ْي َها)) يقتيض أن اللعن متعلق بغضبه عليها؛ ألهنا‬ ‫‪َ (( :‬ف َب َ‬
‫ات َغ ْض َب َ‬ ‫قوله‬

‫((( ((فتح الباري))‪.334/9 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)482‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ يتحقق تبوث املعصية عليها‪ ،‬أما إذا مل يغضب عليها من ذلك ‪ ..‬فال‬
‫لعن‪ ،‬ألنه إما أن يكون قد عذرها يف عدم إجابته‪ ،‬أو أنه ترك حقه من ذلك‪ .‬قال‬
‫احلافظ ابن حجر يف ((فتح الباري))‪" :‬زاد أبو عوانة عن األعمش كام تقدم يف‬
‫بدء اخللق ((فبات غضبان عليها))‪ ،‬وهبذه الزيادة يتجه وقوع اللعن؛ ألهنا حينئذ‬
‫يتحقق ثبوت معصيتها‪ ،‬بخالف ما إذا مل يغضب من ذلك‪ ،‬فإنه يكون أما ألنه‬
‫(((‬
‫عذرها‪ ،‬وأما ألنه ترك حقه من ذلك" اهـ‪.‬‬
‫Š Šوهل لو دعت املرأة زوجها فأبى‪ ..‬يوجب عليه اإلثم؟‬
‫قال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬القرطبي‪ :‬أما لو دعت املرأة زوجها فأبى ‪ ..‬فال‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪ ،‬والفرق بينهام‪ :‬أن‬ ‫إثم عليه ما مل يقصد باالمتناع املضارة هلا‪ ،‬فيحرم‬
‫الرجل لبذله ملاله هو املالك للبضع‪ ،‬والدرجة التي له بسبب سلطته عليها‬
‫بسبب ملكه أيض ًا‪ ،‬فقد ال ينشط يف وقت دعائها له‪ ،‬فال ينترش‪ ،‬وال يتهيأ له‬
‫(((‬
‫ذلك بخالفها" اهـ‪.‬‬
‫Š Šوهل جيوز لعن العايص أم ال؟‬
‫أجاز املهلب ذلك‪ ،‬ومل يرتضه احلافظ ابن حجر‪ ،‬فقال يف ((فتح الباري))‪:‬‬
‫"قال املهلب‪ :‬هذا احلديث يوجب أن منع احلقوق يف األبدان كانت أو يف‬
‫األموال مما يوجب سخط اهلل‪،‬إال أن يتغمدها بعفوه‪ ،‬وفيه جواز لعن العايص‬
‫املسلم إذا كان عىل وجه االرهاب عليه؛ لئال يواقع الفعل‪ ،‬فإذا واقعه ‪ ..‬فإنام‬
‫يدعى له بالتوبة واهلداية‪،‬قلت‪ :‬ليس هذا التقييد مستفاد ًا من هذا احلديث؛ بل‬
‫من أدلة أخرى‪ ،‬وقد ارتىض بعض مشاخينا ما ذكره املهلب من االستدالل هبذا‬

‫((( ((فتح الباري))‪.335/9 :‬‬


‫((( ((دليل الفاحلني))‪.98/2 :‬‬
‫(‪)483‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫احلديث عىل جواز لعن العايص املعني‪،‬وفيه نظر‪ ،‬واحلق أن من منع اللعن ‪..‬‬
‫أراد به معناه اللغوي‪ ،‬وهو اإلبعاد من الرمحة‪ ،‬وهذا ال يليق أن يدعي به عىل‬
‫املسلم؛ بل يطلب له اهلداية والتوبة والرجوع عن املعصية‪ ،‬والذي إجازة ‪..‬‬
‫أراد به معناه العريف‪ ،‬وهو مطلق السب‪ ،‬وال خيفي أن حمله إذا كان بحيث يرتدع‬
‫العايص به وينزجر‪ ،‬وأما حديث الباب فليس فيه اال أن املالئكة تفعل ذلك‪،‬‬
‫(((‬
‫وال يلزم منه جوازه عىل اإلطالق" اهـ‪.‬‬
‫Š Šوهل املالئكة التي تلعن هم احلفظة أم غريهم؟‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪(( :‬قال بن أيب مجرة‪ :‬وهل املالئكة التي تلعنها هم‬
‫احلفظة أو غريهم؟ حيتمل االمرين‪،‬قلت‪ :‬حيتمل أن يكون بعض املالئكة موكال‬
‫بذلك‪ ،‬ويرشد إيل التعميم)) اهـ‪)((((.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬وجوب طاعة املرأة لزوجها يف غري املعصية‪.‬‬
‫‪2 .2‬امتناع الزوجة عن اجلامع بغري عذر معصية كربى توجب لعن املالئكة هلا‪.‬‬
‫‪3 .3‬ينبغي للمؤمنة أن حترص عىل رضا زوجها؛ ألن يف رضاه رضا اخلالق سبحانه‬
‫وتعاىل‪ ،‬وفوزها بالنعيم املقيم‪.‬‬

‫((( ((فتح الباري))‪.335/9 :‬‬


‫((( ((فتح الباري))‪.335/9 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)484‬‬

‫احلديث اخلامس والستون‬

‫‪َ (( :‬أ ُّي َم ْام َر َأ ٍة َمات ْ‬


‫َت‪َ ،‬وز َْو ُج َها‬ ‫َع ْن ُأ ِّم َس َل َم َة‬
‫َقا َل ْت‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهلل‬
‫ت َ‬
‫اجلنَّ َة)) رواه الرتمذي وقال‪ :‬حديث حسن‪.‬‬ ‫اض ‪َ ..‬د َخ َل ْ‬ ‫َعن َْها َر ٍ‬

‫™™راوية الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمهـــــا‬
‫هي أم املؤمنني العفيفة الطاهرة هند ‪ -‬وقيل‪ :‬رملة‪ ،‬واألول أصح ‪ -‬بنت أيب أمية‬
‫واسمه حذيفة ‪ -‬وقيل‪ :‬سهيل‪ (((،‬وقيل‪ :‬العكس ‪ ((( -‬ويلقب بـ(زاد الركب أو زاد‬
‫الراكب) بن ا ُمل ِغ َرية ْب ِن َع ْب ِداهلل ْب ِن ُع َم ِر ْب ِن َم ْ ُزو ِم ْب ِن َي َق َظ َة ْب ِن ُم ّر َة ْب ِن َك ْع ِ‬
‫ب ْب ِن ُل َؤ ّي‬
‫ابن َغ ْالِب‪.‬‬
‫ِ‬

‫وسمي أبوها بزاد الركب ألنه كان أحد األجواد فكان إذا سافر مل حيمل أحدٌ‬
‫معه من رفقته زاد ًا بل هو كان يكفيهم‪.‬‬
‫وهي ابنة عم سيف اهلل املسلول خالد بن الوليد بن املغرية بن عبداهلل ‪..‬‬
‫وأمها‪ :‬عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن جذيمة ‪ -‬وقيل‪ :‬خزيمة ‪ -‬بن‬
‫علقمة جذل الطعان بن فراس بن غنم بن مالك بن كنانة‪.‬‬

‫((( كام يف ((اإلصابة يف معرفة الصحابة)) للحافظ ابن حجر العسقالين‪ ،‬و((هتذيب األسامء واللغات)) لإلمام‬
‫النووي‪.‬‬
‫((( كام يف ((صفة الصفوة)) إلمام أبو الفرج عبدالرمحن بن عيل ابن اجلوزي‪ ،‬و((الطبقات)) البن سعد‪.‬‬
‫(‪)485‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫فقد‬ ‫ومن قال‪ :‬عاتكة بنت عبداملطلب‪ ،‬فجعلها بنت عمة رسول اهلل‬
‫‪.‬‬ ‫أخطأ‪ ،‬وإنام هي بنت زوجها‪ ،‬وأخواها عبداهلل‪ ،‬وزهري ابنا عمة رسول اهلل‬
‫‪:‬‬ ‫فضلهـــــا‬
‫‪ ،‬واسمه‬ ‫متزوجة من أيب سلمة‬ ‫كانت قبل زواجها من رسول اهلل‬
‫عبداهلل بن عبداألسد بن هالل بن عبداهلل بن عمر بن خمزوم‪.‬‬
‫من الرضاعة‪ ،‬أرضعتهام ثويبة موالة أيب هلب‪،‬‬ ‫وأبو سلمة هو أخو النبي‬
‫‪ ،‬فأمه بريرة بنت عبداملطلب بن هاشم‪ ،‬وقد استخلفه‬ ‫وهو أيضا ابن عمته‬
‫حني خرج إىل غزوة العشرية‪.‬‬ ‫النبي‬
‫وقد أسلمت أم سلمة مع زوجها منذ األيام األوىل للدعوة‪ ،‬فهام من السابقني‬
‫األولني يف اإلسالم‪ ،‬فقد أسلم زوجها أبو سلمة بعد عرشة فقط سبقوه إىل اإلسالم‪.‬‬
‫وقد هاجر أبو سلمة وزجته أم سلمة إىل أرض احلبشة يف اهلجرتني مجيعا‪،‬‬
‫فولدت له هناك زينب بنت أيب سلمة‪ ،‬وولدت له بعد ذلك سلمة وعمر ودرة بني‬
‫أيب سلمة‪ ،‬ثم عادا بعد انتهاء حصار املرشكني للمسلمني يف شعب أيب طالب‪،‬‬
‫وكانا كذلك من أوائل املهاجرين إىل املدينة املنورة‪.‬‬
‫يف إسالمها اليشء الكثري وصربت عىل تلك الشدة‬ ‫وقد عانت أم سلمة‬
‫بقلب مؤمن صادق‪ ،‬فمن ذلك ما حكته عن نفسها يوم هجرهتا إىل املدينة حيث‬
‫رحل بعري ًا له ومحلني‪ ،‬ومحل معي‬ ‫قالت‪" :‬ملا أمجع أبو سلمة اخلروج إىل املدينة َّ‬
‫ابنِي سلمة‪ ،‬ثم خرج يقود بعريه‪ ،‬فلام رآه رجال بني املغرية ‪ ..‬قاموا إليه فقالوا‪:‬‬
‫البالد؟)‬ ‫(هذه نفسك غلبتنا عليها‪ ،‬أرأيت صاحبتنا هذه عالم نرتكك تسري هبا يف‬
‫ونزعواخطام البعري من يده وأخذوين‪ ،‬فغضب عند ذلك بنو عبداألسد‪ ،‬وأهووا‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)486‬‬

‫إىل سلمة وقالوا‪ :‬واهلل النرتك ابننا عندها إذا نزعتموها من صاحبنا‪ ،‬فتجاذبوا ابني‬
‫سلمة حتى خلعوا يده‪ ،‬وانطلق به بنو عبداألسد ورهط أيب سلمة‪.‬‬
‫وحبسني بنو املغرية عندهم وانطلق زوجي أبو سلمة حتى حلق باملدينة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫غداة وأجلس باألبطح‪ ،‬فام أزال‬ ‫َف ُف ِّر َق بيني وبني زوجي وابني‪ ،‬فكنت أخرج كل‬
‫أبكي حتى أميس سن ًة أو قريبها‪ ،‬حتى مر بنا رجل من بني عمي فرأى ما يف وجهي‪،‬‬
‫فقال لبني املغرية‪ :‬أال ُت ِْر ُج ْو َن هذه املسكينة؟ فرقتم بينها وبني زوجها وبني ابنها!‬
‫فقالوا‪ :‬احلقي بزوجك إن شئت‪ ،‬وردوا عيل بنو عبداألسد عند ذلكابني فرحلت‬
‫بعريي ووضعت ابني يف حجري‪ ،‬ثم خرجت أريد زوجي باملدينة وما معي أحد‬
‫من خلق اهلل‪ ،‬فكنت أبلغ من لقيت حتى إذا كنت بالتنعيم ‪ ..‬لقيت عثامن بن طلحة‬
‫أخ ابني عبدالدار فقال‪( :‬أين يا بنت أيب أمية؟) قلت‪( :‬أريد زوجي باملدينة)‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫(هل معك أحد)؟ فقلت‪( :‬ال واهلل إال اهلل وابني هذا)‪ ،‬فقال‪( :‬واهلل مالك من مرتك!)‬

‫فأخذ بخطام البعري فانطلق معي يقودين‪ ،‬فواهلل ما صحبت رج ً‬


‫ال من العرب أراه‬
‫ٍ‬
‫شجرة فاضطجع حتتها‪ ،‬فإذا‬ ‫كان أكرم منه‪ ،‬إذا نزل املنزل أناخ بنا‪ ،‬ثم تنحى إىل‬
‫دنا الرواح قام إىل بعري يقدمه ورحله‪ ،‬ثم استأخر عني وقال‪ :‬اركبي‪ ،‬فإذا ركبت‬
‫واستويت عىل بعريي ‪ ..‬أتى فأخذ بخطامه فقادين حتى نزلت‪ ،‬فلم يزليصنع ذلك‬
‫حتى قدم بنا املدينة ‪ -‬فلام نظر إىل قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال‪ :‬إن زوجك يف‬
‫وأرضاها"‪.‬‬ ‫هذه القرية‪ ،‬وكان أبو سلمة نازالًهبا‪،‬‬
‫منها‪:‬‬ ‫زواجه‬
‫فوجد عقيلة قومها وزوجة ابن عمته وأخيه من الرضاع‬ ‫نظر رسول اهلل‬
‫أصبحت أرملة غريبة مهاجرة وحيدة يف بلد ليس هلا فيه كافل‪ ،‬وهلا أيتام صغار‬
‫‪.‬‬ ‫حيتاجون إىل من يقوم هبم وبشأهنم‪ ،‬فرتقب هناية عدهتا فخطبها‬
‫(‪)487‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وقد وردت الروايات التي حتكي قصة زواجه منها ‪ ،‬فمن ذلك ما روته‬
‫ض ُغ ْر َب ٍة َلَ ْب ِك َينَّ ُه‬ ‫يب َو ِف َأ ْر ِ‬ ‫لت‪َ " :‬غ ِر ٌ‬ ‫ات َأ ُبو َس َل َم َة ُق ُ‬ ‫حيث قالت‪ََّ :‬لا َم َ‬ ‫هي‬
‫يد ت ُِريدُ‬ ‫َاء َع َلي ِه إِ ْذ َأ َقب َل ْت امر َأ ٌة ِمن الص ِع ِ‬ ‫ث عنْه‪َ ،‬ف ُكنْت َقدْ تي ْأت لِلبك ِ‬
‫ْ َّ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َّ ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُبكَا ًء ُيت ََحدَّ ُ َ ُ‬
‫اع ِ‬ ‫َأ ْن تُس ِعدَ ِن ‪َ -‬أي تُس ِ‬
‫َو َق َال‪:‬‬ ‫ول اهلل‬ ‫دن ِف ال ُبكَاء َوالن َّْوح ‪َ -‬ف ْ‬
‫اس َت ْق َب َل َها َر ُس ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬
‫َي‪َ ،‬ف َك َف ْفت عن البك ِ‬ ‫ان َب ْيتًا َأ ْخ َر َج ُه اهلل ِم ْن ُه)) َم َّرت ْ ِ‬ ‫ين َأ ْن تُدْ ِخ ِل َّ‬ ‫ِ‬
‫َاء َف َل ْم‬ ‫ُ َ ْ ُ‬ ‫الش ْي َط َ‬ ‫(( َأت ُِريد َ‬
‫َأ ْب ِك"‪ .‬أخرجه مسلم ‪.‬‬
‫(( َم ْن َأ َصا َب ْت ُه ُم ِصي َب ٌة َفل َي ُقل إِ َّن اهلل َوإِنَّا‬ ‫ول اهلل‬ ‫َقا َل ْت‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫و َعنْها‬
‫او َأ ْب ِدلنِي ِ َبا َخ ْ ًيا ِمن َْها)) َف َل َّم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب ُمصي َبتي َف ْأ ُج ْر ِن ف َيه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اللهم عنْدَ َك َأ ْحتَس ُ‬ ‫َّ‬ ‫اج ُع َ‬
‫ون‬ ‫إِ َل ْي ِه ر ِ‬
‫َ‬
‫لت ِف َن ْف ِس‪:‬‬ ‫لت ُك َّل َم َب َل ْغ ُت َو َأ ْب ِدلنِي ِ َبا َخ ْ ًيا ِمن َْها ُق ُ‬ ‫ات َأ ُبو َس َل َم َة ُقلت َُها‪َ ،‬ف َج َع ُ‬ ‫َم َ‬
‫ي ُط ُب َها‬‫( َو َم ْن َخ ْ ٌي ِم ْن َأ ِب َس َل َمة))‪ُ ،‬ث َّم ُقلت َُها َف َل َّم ا ْن َق َض ْت ِعدَّ ُ َتا ‪َ ..‬ب َع َث إِ َل ْي َها َأ ُبو َبك ٍْر َ ْ‬
‫ِ‬ ‫َف َل ْم ت ََز َّو ْج ُه‪َ .‬ف َب َع َث إِ َل ْي َها َر ُس ُ‬
‫ي ُط ُب َها َع َل ْيه‪َ ،‬ف َقا َل ْت َأ ْخ ِ ْ‬
‫ب‬ ‫اب َ ْ‬‫ُع َم َر ْب َن اخلَ َّط ِ‬ ‫ول اهلل‬
‫َأ ِّن ا ْم َر َأ ٌة َغ ْ َيى َو َأ ِّن ا ْم َر َأ ٌة ُم ْصبِ َي ٌة – أي‪ :‬ذات صبيان أرعاهم ‪-‬‬ ‫ول اهلل‬‫َر ُس َ‬
‫َف َذك ََر َل ُه َذلِ َك َف َق َال‪ْ (( :‬ار ِج ْع‬ ‫ول اهلل‬ ‫و َليس َأحدٌ ِمن َأولِي ِائي َش ِ‬
‫اهدً ا‪َ ،‬ف َأتَى َر ُس َ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫َك‪ ،‬و َأما َقو ُل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫ب َغ ْ َيت َ َّ ْ‬ ‫إِ َل ْي َها َف ُقل َلا‪َ :‬أ َّما َق ْو ُلك إِ ِّن ْام َر َأ ٌة َغ ْ َيى ‪َ ..‬ف َأ ْد ُعواهلل َف ُي ْذه ُ‬
‫ك َش ِ‬
‫اهدً ا‬ ‫ك إِ َّنه َليس َأحدٌ ِمن َأولِيائِ ِ‬ ‫َك‪ ،‬و َأما َقو ُل ِ‬
‫ِ‬ ‫إِن امر َأ ٌة مصبِي ٌة ‪َ ..‬فس ُت ْك َف ِ‬
‫ْ ْ َ‬ ‫ُ ْ َ َ‬ ‫ي ص ْب َيان َ َّ ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫ِّ ْ َ ُ ْ َ‬
‫ك))" أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫ب َيك َْر ُه َذلِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪َ ..‬ف َل ْي َس َأ َحدٌ م ْن َأ ْول َيائك َشاهدٌ َو َل َغائ ٌ‬
‫ول‬ ‫َان َأ ُبو س َلم َة َي ْوما ِم ْن ِعن ِْد رس ِ‬ ‫َقا َل ْت‪َ :‬أت ِ‬ ‫ويف الرواية األخرى عنها‬
‫َ ُ‬ ‫ً‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َف َق َال َل َقدْ س ِم ْع ُت ِم ْن رس ِ‬
‫يب‬ ‫س ْر ُت بِه َق َال‪َ (( :‬ل تُص ُ‬ ‫َق ْو ًل َف ُ ِ‬ ‫ول اهلل‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫اهلل‬
‫اللهم ْأ ُج ْر ِن ِف ُم ِصي َبتِي‬ ‫ت ِج َع ِعنْدَ ُم ِصي َبتِ ِه ُث َّم َي ُق ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ول‬ ‫ني ُمصي َب ٌة َف َي ْس َ ْ‬ ‫َأ َحدً ا م ْن ا ُمل ْسلم َ‬
‫ك بِ ِه)) َقا َل ْت ُأ ُّم َس َل َم َة َف َح ِف ْظ ُت َذلِ َك ِمنْ ُه‪َ ،‬ف َل َّم‬ ‫ف ِل َخ ْ ًيا ِمن َْها إِ َّل ُف ِع َل َذلِ َ‬ ‫اخ ُل ْ‬ ‫َو ْ‬
‫اخ ُل ْفنِي َخ ْ ًيا ِمنْ ُه)‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫اللهم ْأ ُج ْر ِن ِف ُم ِصي َبتِي َو ْ‬‫لت‪َّ ( :‬‬ ‫ت َج ْع ُت َو ُق ُ‬ ‫اس َ ْ‬‫ت ُُو ِّ َف َأ ُبو َس َل َم َة ْ‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)488‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رجع ُت إِ َل َن ْف ِس ُق ُ ِ‬
‫لت م ْن َأ ْي َن ِل َخ ْ ٌي م ْن َأ ِب َس َل َم َة‪َ ،‬ف َل َّم ا ْن َق َض ْت عدَّ ِت ْ‬
‫است َْأ َذ َن َع َ َّل‬ ‫َ َ ْ‬
‫ْت َل ُه‪َ ،‬ف َو َض ْع ُت َل ُه‬ ‫ظ َو َأ ِذن ُ‬‫لت يدَ ي ِمن ال َقر ِ‬
‫َو َأنَا َأ ْد ُب ُغ إِ َها ًبا ِل َف َغ َس ُ َ َّ ْ َ‬ ‫ول اهلل‬ ‫َر ُس ُ‬
‫لت‪:‬‬ ‫يف‪َ ،‬ف َق َعدَ َع َل ْي َها َف َخ َط َبنِي إِ َل َن ْف ِس‪َ ،‬ف َل َّم َف َر َغ ِم ْن َم َقا َلتِ ِه‪ُ ،‬ق ُ‬ ‫ِو َسا َد َة َأ َد ٍم َح ْش ُو َها لِ ٌ‬
‫اف‬ ‫الر ْغ َب ُة ِ َّف َو َل ِكنِّي ا ْم َر َأ ٌة ِ َّف َغ ْ َي ٌة َش ِديدَ ٌة َف َأ َخ ُ‬
‫ُون بِ َك َّ‬
‫ول اهلل َما ِب َأ ْن َل َتك َ‬ ‫(( َيا َر ُس َ‬
‫ات ِع َي ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال)‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫الس ِّن َو َأنَا َذ ُ‬ ‫لت ِف ِّ‬ ‫َأ ْن ت ََرى منِّي َش ْي ًئا ُي َع ِّذ ُبني اهلل بِه َ‬
‫‪،‬و َأنَا ا ْم َر َأ ٌة َد َخ ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ت ِمن ال َغي ِة ‪َ ..‬فسو َ ِ‬ ‫(( َأما ما َذكَر ِ‬
‫الس ِّن‬ ‫ف ُي ْذه ُب َها اهلل منْك‪َ ،‬و َأ َّما َما َذك َْرت م ْن ِّ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َّ َ ْ‬
‫ال))‬ ‫ال ‪َ ..‬فإِن ََّم ِع َيا ُل ِك ِع َي ِ‬ ‫ت ِمن ِ‬
‫الع َي ِ‬ ‫ْ‬
‫‪َ ..‬ف َقدْ َأصابنِي ِم ْث ُل ا َّل ِذي َأصاب ِك‪ ،‬و َأما ما َذكَر ِ‬
‫َ َّ َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ول اهلل ‪.‬‬ ‫َفت ََز َّو َج َها َر ُس ُ‬ ‫َقا َل ْت َف َقدْ س َّلم ُت لِرس ِ‬
‫ول اهلل‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫أخرجه‬ ‫َف َقا َل ْت ُأ ُّم َس َل َم َة‪َ :‬ف َقدْ َأ ْبدَ َلنِي اهلل بِ َأ ِب َس َل َم َة َخ ْ ًيا ِمنْ ُه َر ُس َ‬
‫ول اهلل‬
‫اإلمام أمحد‪.‬‬
‫هبا يف ليايل بقني من شوال سنة أربع من اهلجرة‪.‬‬ ‫وكان زواجه‬
‫وأم سلمة هي أول ظعينة دخلت املدينة مهاجرة‪ ،‬كام يف ((املستدرك)) عند‬
‫احلاكم‪ ،‬وقيل‪ :‬بل ليىل بنت أيب حثمة زوجة عامر بن ربيعة‪.‬‬
‫وظعينة الرجل أمرأته‪ ،‬وأصل الظعينة الراحلة التي يرحل ويظعن عليها‪،‬‬
‫وقيل للمرأة ظعينة؛ ألهنا تظعن مع الزوج حيثام ظعن‪ ،‬أو ألهنا حتمل عىل الراحلة‬
‫إذا ظعنت‪.‬‬
‫إن لعائشة‬ ‫قالت‪ :‬قال رسول اهلل‬ ‫وعن هند بنت احلارث الفراسية‬
‫أم سلمة سئل رسول اهلل‬ ‫من يشعبة ما نزهلا أحد‪ ،‬قال‪ :‬فلام تزوج رسول اهلل‬
‫فعلم أن أم سلمة‬ ‫ما فعلت الشعبة؟ فسكت رسول اهلل‬ ‫فقيل‪ :‬يا رسول اهلل‬
‫قد نزلت عنده‪ .‬أخرجه احلاكم يف ((املستدرك))‪.‬‬
‫(‪)489‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫يبدأها عند طوافه بزوجاته وخيتم بعائشة عليهن‬ ‫وكان رسول اهلل‬
‫إذا‬ ‫‪ -‬قالت‪ :‬كان رسول اهلل‬ ‫رضوان اهلل‪ ،‬فقد روى عمر املال عن عائشة‬
‫خيتم يب‪.‬‬ ‫صىل العرص دخل عىل نسائه واحدة واحدة‪ ،‬وكان‬
‫بالعقل البالغ والرأي الصائب‪ ،‬وإشارهتا عىل النبي‬ ‫وقد عرفت‬
‫إال‬ ‫يوم احلديبية تدل عىل وفور عقلها وصواب رأهيا‪ ،‬ولو مل يكن من فضلها‬
‫ذلك ‪ ..‬لكفى إظهارا لفضلها وذكائها ورجاحة عقلها‪ ،‬ففي احلديث الطويل عند‬
‫اح ِل ُقوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لَ ْص َحابِه (( ُقو ُموا َفان َْح ُروا ُث َّم ْ‬ ‫البخاري وغريه‪ ،‬وفيه‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهلل‬
‫ات َف َل َّم َل ْ َي ُق ْم ِمن ُْه ْم َأ َحدٌ َد َخ َل‬
‫ث مر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َق َال َف َواهلل َما َقا َم من ُْه ْم َر ُج ٌل َحتَّى َق َال َذل َك َث َل َ َ َّ‬
‫اخ ُر ْج‬ ‫ب َذلِ َك ْ‬ ‫ِ‬ ‫َع َل ُأ ِّم َس َل َم َة َف َذك ََر َلَا َما َل ِق َي ِم ْن الن ِ‬
‫َّاس َف َقا َل ْت ُأ ُّم َس َل َم َة َيا نَبِ َّي اهلل َأ ُت ُّ‬
‫ُث َّم َل ُت َك ِّل ْم َأ َحدً ا ِمن ُْه ْم ك َِل َم ًة َحتَّى َتن َْح َر ُبدْ ن ََك َوتَدْ ُع َو َحالِ َق َك َف َي ْح ِل َق َك َف َخ َر َج َف َل ْم‬
‫ُي َك ِّل ْم َأ َحدً ا ِمن ُْه ْم َحتَّى َف َع َل َذلِ َك ن ََح َر ُبدْ َن ُه َو َد َعا َحالِ َق ُه َف َح َل َق ُه َف َل َّم َر َأ ْوا َذلِ َك َقا ُموا‬
‫ي ِل ُق َب ْع ًضا َحتَّى كَا َد َب ْع ُض ُه ْم َي ْقت ُُل َب ْع ًضا َغمًّ ُث َّم َجا َء ُه نِ ْس َو ٌة‬ ‫َفن ََح ُروا َو َج َع َل َب ْع ُض ُه ْم َ ْ‬
‫َات َف َأن َْز َل اهلل َت َع َال‪ :‬ﱹ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﱸ‬ ‫ُم ْؤ ِمن ٌ‬
‫(((‬
‫[املمتحنة‪َ ]10 :‬حتَّى َب َل َغ ﱹ ﯵ ﯶ ﱸ‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫روايتها للحديث‬
‫روى عنها‪ :‬سعيد بن املسيب‪ ،‬وشقيق بن سلمة‪ ،‬واألسود بن يزيد‪ ،‬والشعبي‪،‬‬
‫وأبو صالح السامن‪ ،‬وجماهد‪ ،‬ونافع بن جبري بن مطعم‪ ،‬ونافع موالها‪ ،‬ونافع موىل‬
‫ابن عمر‪ ،‬وعطاء بن أيب رباح‪ ،‬وشهربن حوشب‪ ،‬وابن أيب مليكة‪ ،‬وخلق كثري‪.‬‬
‫(‪ )378‬ثالثامئة حديث وثامنية وسبعون حديث ًا؛‬ ‫وروي هلا عن رسول اهلل‬
‫اتفق البخاري ومسلم عىل ثالثة عرش منها‪ ،‬وانفرد البخاري بثالثة‪ ،‬ومسلم بثالثة عرش‪.‬‬
‫بإسهاب يف كتايب ((النور املبني يف سرية أمهات املؤمنني)) ملن أراد الزيادة‪.‬‬ ‫((( وقد حتدثت عنها‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)490‬‬

‫‪:‬‬ ‫وفاتهــــا‬
‫قال احلاكم يف ((املستدرك)) أهنا آخر من مات من أمهات املؤمنني‪ ،‬والصحيح‬
‫كام هو يف ((املستدرك))‪ ،‬وسبب‬ ‫أن آخر من تويف منهن هي أم املؤمنني ميمونة‬
‫فقد أختلف‬ ‫هذا االختالف هو اختالفهم يف سنة وفاة أم املؤمنني أم سلمة‬
‫يف سنة وفاهتا كثري ًا‪..‬‬
‫ ‪-‬فقال الواقدي‪ :‬ماتت يف شوال سنة تسع ومخسني‪ ،‬وهو بعيد‪.‬‬
‫ ‪-‬وقال بن حبان‪ :‬ماتت يف آخر سنة إحدى وستني بعدما جاءها نعي احلسني‬
‫ابن عيل‪.‬‬
‫ ‪-‬قال احلافظ بن حجر العسقالين يف ((اإلصابة))‪" :‬وكانت آخر من مات من‬
‫أمهات املؤمنني"‪.‬‬
‫عمرت حتى بلغها مقتل احلسني‪ ،‬الشهيد‪ ،‬فومجت لذلك‪ ،‬وغيش عليها‪،‬‬
‫وحزنت عليه كثريا‪.‬‬
‫مل تلبث بعده إال يسريا‪ ،‬وانتقلت إىل اهلل" اهـ‪.‬‬
‫ ‪-‬وقال بن أيب خيثمة‪ :‬توفيت يف خالفة يزيد بن معاوية‪.‬‬
‫وكانت خالفته يف أواخر سنة ستني‪.‬‬
‫ ‪-‬وقال أبو نعيم‪ :‬ماتت سنة اثنتني وستني‪.‬‬
‫هو الصحايب اجلليل أبو هريرة‪ ،‬وليس‬ ‫والصحيح أن الذي صىل عليها‬
‫سعيد بن زيد كام قيل‪ ،‬لكنها أوصت أن يصيل عليها سيدنا سعيد بن زيد‪ ،‬فتويف‬
‫سنة مخسني أو سنة إحدى أو اثنتني ومخسني‪ ،‬فلو قلنا أنه هو من صىل عليها‬
‫(‪)491‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫الستلزم ذلك موهتا قبل هذه السنة‪ ،‬وهذا ليس صحيحا باتفاق أهل العلم‪ ،‬فلم‬
‫يقل أحدٌ منهم بأهنا ماتت قبل ذلك‪ ،‬ولكن يمكن تأويل األمر كام قال أهل العلم‬
‫بأهنا مرضت فأوصت بأن يصيل عليها سعيد بن زيد ثم عوفيت‪ ،‬فامت سعيد قبلها‪.‬‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬
‫وأرضاها يف البقيع‪ ،‬وخرج يف قربها عمر وسلمة ابنا أيب سلمة‬ ‫دفنت‬
‫وعبداهلل بن عبداهلل بن أيب أمية وعبداهلل بن وهب بن زمعة‪ ،‬فقد أخرج ابن سعد‬
‫نزلت يف قرب أم سلمة أنا وأخي‬
‫يف ((الطبقات)) بسنده عن عمر بن أيب سلمة قال‪ُ :‬‬
‫سلمة وعبداهلل بن عبداهلل بن أيب أمية وعبداهلل بن وهب بن زمعة األسدي‪.‬‬
‫وكان ذلك بعد عمر طويل حيث عاشت أربعا وثامنني سنة‪ ،‬كام يف ((الطبقات))‬

‫البن سعد‪ ،‬وقيل‪ :‬نحوا من تسعني سنة‪ ،‬كام يف ((سري أعالم النبالء))‪.‬‬
‫فرمحها اهلل رمحة األبرار وأعىل هلا الدرجات ومجعنا هبا يف أعىل فراديس اجلنان‬
‫إنه كريم منان آمني اللهم آمني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪َ (( :‬أ ُّي َم ْام َر َأ ٍة))‪ ،‬أي‪ :‬مبتدأ يف معنى الرشط‪ ،‬وما‪ :‬زائدة لتوكيد‬ ‫قوله‬
‫ت َ‬
‫اجلنَّ َة)) جواب الرشط‪.‬‬ ‫الرشط‪ ،‬وقوله اآليت (( َد َخ َل ْ‬
‫َت))‪ ،‬أي‪ :‬فارقت احلياة وهي مؤمنة‪.‬‬
‫(( َمات ْ‬
‫(( َوز َْو ُج َها َعن َْها َر ٍ‬
‫اض))‪ ،‬أي‪ :‬واحلال أن زوجها عنها راض وقت فراقها‬
‫للحياة‪ ،‬سواء كان وقت موهتا يعيش أو أنه انتقل من الدنيا وهو عنها راض‪ ،‬ومل‬
‫تفعل بعد موته ما يوجب سخطه عليها‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)492‬‬

‫ت َ‬
‫اجلنَّ َة))‪ ،‬ابتدا ًء مع الفائزين‪ ،‬وإال فكل من مات عىل اإلسالم البد‬ ‫(( َد َخ َل ْ‬
‫من دخوله إياها ولو بعد دخوله النار‪ ،‬وهو حمتمل بأن يغفر اهلل سيئاهتا ويريض‬
‫عنها اخلصامء؛ وذلك ملراعاهتا حق اهلل وحق عباده‪.‬‬
‫قال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬ثم مفهوم احلديث‪ :‬أن من ماتت وهو عنها غري‬
‫راض ‪ ..‬ال تدخل اجلنة‪ ،‬أي‪ :‬مع الفائزين كام تقدم أنه ظاهر املنطوق‪ ،‬وحيتمل‬
‫أن يبقى عىل عمومه‪ ،‬وحيمل عىل ما إذا استغلت ذلك‪ ،‬وكان مما أمجع عىل حتريمه‬
‫(((‬
‫وعلم من الدين بالرضورة‪ ،‬وقد علمت ذلك" اهـ‪.‬‬
‫ت َش ْه َر َها‪،‬‬ ‫ت ا َمل ْر َأ ُة َخ َْس َها‪َ ،‬و َص َام ْ‬‫أنه قال‪َ (( :‬ذا َص َّل ْ‬ ‫ويف احلديث عنه‬
‫اجلن َِّة‬
‫اب َ‬ ‫ي َأ ْب َو ِ‬ ‫يل َلا اد ُخ ِل َ ِ‬
‫اجلنَّ َة م ْن َأ ِّ‬ ‫ْ‬ ‫ت ز َْو َج َها ‪ِ ..‬ق َ‬ ‫َو َح ِف َظ ْ‬
‫ت َف ْر َج َها‪َ ،‬و َأ َطا َع ْ‬
‫ْت)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫ِشئ ِ‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن رضا الزوج سبب مبارش لدخول اجلنة ابتدا ًء مع الفائزين إذا ماتت املرأة‬
‫عىل اإليامن‪ ،‬وأن سخط الزوج سبب لدخول النريان والعياذ باهلل‪.‬‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.102/2 :‬‬


‫(‪)493‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث السادس والستون‬

‫ض َع َل‬ ‫‪َ (( :‬ما ت ََرك ُ ِ ِ ِ َ‬ ‫َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫َع ْن ُأ َسا َم َة ْب ِن َز ْي ٍد‬
‫ْت َب ْعدي ف ْت َن ًة ه َي أ َ ُّ‬
‫اء)) متفق عليه‪.‬‬ ‫ال ِمن النِّس ِ‬ ‫الر َج ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ِّ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمــــه‬
‫هو الصحايب اجلليل أسامة بضم اهلمزة بن زيد بن حارثة بن رشاحيل بن‬
‫كعب بن عبدالعزيز بن زيد بن أمرئ القيس بن عامر بن النعامن بن عامر بن عبد و ّد‬
‫ابن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد الالت بن رفيدة بن ثور بن كلب‪،‬‬
‫الكلبي نسب ًا‪ ،‬اهلاشمي والء‪.‬‬
‫وحاضنته‪ ،‬فأيمن أخو‬ ‫وأمه‪ :‬بركة احلبشية أم أيمن موالة رسول اهلل‬
‫أسامة ألمه‪.‬‬
‫كنيته‪ :‬أبو زيد‪ ،‬ويقال‪ :‬أبو حممد‪ ،‬ويقال‪ :‬أبو حارثة‪ ،‬وقيل‪ :‬أبو يزيد‪.‬‬
‫وكان شديد السواد‪ ،‬خفيف الروح‪ ،‬شاطرا‪ ،‬شجاع ًا‪ ،‬وكان أبوه أبيض‪.‬‬
‫وقد فرح له رسول اهلل بقول جمزز املدجلي‪ :‬إن هذه االقدام بعضها من بعض‪،‬‬
‫َش ِ‬
‫اهدٌ ‪َ ،‬و ُأ َسا َم ُة ْب ُن‬ ‫َقا َل ْت‪َ " :‬د َخ َل َع َ َّل َق ِائ ٌ‬
‫ف َوالنَّبِ ُّي‬ ‫َف َع ْن ُع ْر َو َة َع ْن َع ِائ َش َة‬
‫ض‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫ان‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬إِ َّن َه ِذ ِه األَ ْقدَ ا َم َب ْع ُض َها ِم ْن َب ْع ٍ‬
‫ار َث َة م ْض َط ِجع ِ‬
‫َ‬ ‫َز ْيد َو َز ْيدُ ْب ُن َح ِ ُ‬
‫ٍ‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)494‬‬

‫ب بِ ِه َع ِائ َش َة"‪ .‬أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬


‫َو َأ ْع َج َب ُه‪َ ،‬ف َأ ْخ َ َ‬ ‫س بِ َذلِ َك النَّبِ ُّي‬
‫َف ُ َّ‬
‫ول اهلل‬ ‫َقا َل ْت‪ :‬إِ َّن َر ُس َ‬ ‫ويف رواية عند البخاري ومسلم أيض ًا‪ :‬ع ْن َع ِائ َش َة‬
‫م ِّززًا َن َظ َر آنِ ًفا إِ َل‬
‫ي َأ َّن ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫َب ُق َأ َس ِ‬
‫ار ُير َو ْج ِهه َف َق َال‪َ (( :‬أ َل ْ ت ََر ْ‬ ‫ورا ت ْ ُ‬
‫س ً‬ ‫َد َخ َل َع َ َّل َم ْ ُ‬
‫ض))"‪.‬‬ ‫ار َث َة َو ُأ َس َام َة ْب ِن َز ْي ٍد‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬إِ َّن َه ِذ ِه األَ ْقدَ ا َم َب ْع ُض َها ِم ْن َب ْع ٍ‬
‫َز ْي ِد ْب ِن َح ِ‬

‫‪:‬‬ ‫فضائله‬
‫‪،‬‬ ‫يسمى احلب بن احلب‪ ،‬وقد حظي بمحبة النبي‬ ‫أسامة بن زيد‬
‫‪َ :‬أ َّن َر ُس َ‬
‫ول‬ ‫وتكفيه هذه املنقبة؛ إذ ال منقبة بعدها أبد ًا‪ ،‬فعن َع ْب ِداهلل ْب ِن ُع َم َر‬
‫َّاس ِف إِ َم َارتِ ِه‪َ ،‬ف َق َال‪(( :‬إِ ْن َت ْط َعنُوا ِف إِ َم َارتِ ِه ‪..‬‬
‫َأ َّم َر ُأ َسا َم َة َع َل َق ْو ٍم‪َ ،‬ف َط َع َن الن ُ‬ ‫اهلل‬
‫إلمار ِة‪ ،‬وإِ ْن ك َ ِ‬ ‫َف َقدْ َطعنْتُم ِف إِمار ِة َأبِ ِيه‪ ،‬وايم اهلل إِ ْن ك َ ِ ِ‬
‫ب الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫َان َل ْن َأ َح ِّ‬ ‫َان َللي ًقا ل ِ َ َ َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫َّاس إِ َ َّل َب ْعدَ ُه)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫ب الن ِ‬ ‫إِ َ َّل‪َ ،‬وإِ َّن ا ْبنَ ُه َه َذا َلَ َح ُّ‬
‫ني َأ َّم َر‬‫ِح َ‬ ‫ول اهلل‬ ‫ويف رواية عند أمحد أيض ًا َع ْن َع ْب ِداهلل ْب ِن ُع َم َر‪َ :‬أ َّن َر ُس َ‬
‫ُون ِف إِمارتِ ِه‪َ ،‬ف َقام كَم حدَّ َثنِي س ِ‬ ‫ون ُأ َسا َم َة َو َي ْط َعن َ‬‫َّاس َي ِعي ُب َ‬
‫الٌ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُأ َسا َم َة ‪َ ..‬ب َل َغ ُه َأ َّن الن َ‬
‫ك ِف َأبِ ِيه ِم ْن َق ْب ُل‪،‬‬ ‫ُون ِف إِ َم َارتِ ِه‪َ ،‬و َقدْ َف َعلت ُْم َذلِ َ‬ ‫َف َق َال‪(( :‬إِ َّنك ُْم ت َِعي ُب َ‬
‫ون ُأ َس َام َة‪َ ،‬و َت ْط َعن َ‬
‫َّاس ُك ِّل ِه ْم إِ َ َّل‪َ ،‬وإِ َّن ا ْبنَ ُه َه َذا َب ْعدَ ُه ِم ْن‬‫ب الن ِ‬ ‫َان َلَ َح َّ‬ ‫إل َم َار ِة‪َ ،‬وإِ ْن ك َ‬ ‫َان َللِي ًقا لِ ِ‬ ‫َوإِ ْن ك َ‬
‫ارك ُْم))‪.‬‬ ‫است َْو ُصوا بِ ِه َخ ْيا‪َ ،‬فإِ َّن ُه ِم ْن ِخ َي ِ‬ ‫َّاس إِ َ َّل‪َ ،‬ف ْ‬
‫ب الن ِ‬ ‫َأ َح ِّ‬
‫ً‬
‫عىل ذلك اجليش‪ ،‬كان عمره ثامين عرشة سنة‪ ،‬فامت النبي‬ ‫وملا أمره النبي‬
‫قبل أن يتوجه‪ ،‬فأنفذه أبوبكر‪ ،‬وكان عمر جيله ويكرمه وفضله يف العطاء عىل‬
‫ولده عبداهلل بن عمر‪ ،‬واعتزل أسامة الفتن بعد قتل عثامن إىل أن مات يف أواخر‬
‫زمن معاوية‪.‬‬
‫‪َ " :‬ل َينْ َب ِغي ِلَ َح ٍد َأ ْن َي ْب ُغ َض ُأ َسا َم َة َب ْعدَ َما‬ ‫وقالت أم املؤمنني عائشة‬
‫(‪)495‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ِ‬ ‫ول‪(( :‬من ك َ ِ‬ ‫َس ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ب ُأ َس َ‬
‫ام َة))"‬ ‫َو َر ُسو َل ُه َفل ُيح َّ‬ ‫ب اهللَ‬
‫َان ُي ُّ‬ ‫َ ْ‬ ‫َي ُق ُ‬ ‫ول اهلل‬
‫أخرجه أمحد‪.‬‬

‫َان َي ْأ ُخ ُذ ُه َوا َ‬
‫حل َس َن َو َي ُق ُ‬
‫ول‪:‬‬ ‫َأ َّن ُه ك َ‬ ‫‪َ ،‬ع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫و َع ْن ُأ َسا َم َة ْب ِن َز ْي ٍد‬
‫((ال َّل ُه َّم إِ ِّن ُأ ِح ُّب ُه َم َف َأ ِح َّب ُه َم)) أخرجه البخاري‪.‬‬
‫هو كان أكرب من احلسن بأزيد من عرش سنني‪.‬‬
‫ِ‬ ‫س‪َ :‬أ َّن َأ َبا َع ْم ِرو ْب َن َح ْف ٍ‬ ‫ْت َق ْي ٍ‬ ‫و َعن َفاطِم َة بِن ِ‬
‫ب‪،‬‬ ‫ص َط َّل َق َها ال َب َّت َة َو ُه َو َغائ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ش ٍء‪َ ،‬ف َجا َء ْت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫َف َأ ْر َس َل إ َل ْي َها َوكي ُل ُه بِ َشعري‪َ ،‬ف َسخ َط ْت ُه‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬واهلل َما َلك َع َل ْينَا م ْن َ ْ‬
‫ِ‬
‫ك َع َل ْي ِه َن َف َق ٌة))‪َ ،‬ف َأ َم َر َها َأ ْن َت ْعتَدَّ ِف‬
‫ول اهلل ‪َ ،‬ف َذكَر ْت َذلِ َك َله‪َ ،‬ف َق َال‪َ (( :‬ليس َل ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َر ُس َ‬
‫اها َأ ْص َح ِاب ا ْعتَدِّ ي ِعنْدَ ا ْب ِن ُأ ِّم َم ْكتُومٍ‪،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫شيك‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪(( :‬تلك ْام َر َأ ٌة َيغ َْش َ‬
‫ت ُأم َ ِ ٍ‬
‫ِّ‬
‫بي ِ‬
‫َْ‬
‫لت َذك َْر ُت‬ ‫آذنِينِي))‪َ .‬قا َل ْت‪َ :‬ف َل َّم َح َل ُ‬ ‫لت َف ِ‬ ‫ك‪َ ،‬فإِ َذا ح َل ِ‬
‫َ‬
‫َفإِ َّنه رج ٌل َأعمى ت ََض ِعني ثِياب ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ َ ُ‬
‫ول اهلل ‪َ (( :‬أ َّما َأ ُبو‬ ‫ان‪َ ،‬و َأ َبا َج ْه ٍم َخ َط َب ِان‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫َل ُه َأ َّن ُم َع ِ‬
‫او َي َة ْب َن َأ ِب ُس ْف َي َ‬
‫وك َل م َال َله‪ ،‬انْكِ ِ‬ ‫َج ْه ٍم ‪َ ..‬ف َل َي َض ُع َع َصا ُه َع ْن َعاتِ ِق ِه‪َ ،‬و َأ َّما ُم َع ِ‬
‫حي‬ ‫ُ‬ ‫او َي ُة ‪َ ..‬ف ُص ْع ُل ٌ َ‬
‫َح ُت ُه‪َ ،‬ف َج َع َل اهللُ فِ ِيه َخ ْ ًيا‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُأ َس َام َة ْب َن َز ْيد))‪َ ،‬فك َِر ْه ُت ُه‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪(( :‬انْكحي ُأ َس َام َة))‪َ ،‬فنَك ْ‬
‫َوا ْغ َت َب ْط ُت‪ .‬أخرجه مسلم‪.‬‬
‫َأ َّن ُأ َسا َم َة ْب َن َز ْي ٍد َع َث َر بِ ُأ ْس ُك َّف ِة َأ ْو َع َت َب ِة ال َب ِ‬
‫اب‪َ ،‬ف ُش َّج‬ ‫و َع ْن َع ِائ َش َة‬
‫ول اهلل ‪َ (( :‬أ ِميطِي َعنْ ُه‪َ ،‬أ ْو ن َِّحي َعنْ ُه األَ َذى))‪َ .‬قا َل ْت‪:‬‬ ‫ِف َج ْب َهتِ ِه‪َ ،‬ف َق َال ِل َر ُس ُ‬
‫‪:‬‬ ‫َي ُم ُّص ُه‪ُ ،‬ث َّم َي ُم ُّج ُه‪َ ،‬و َق َال‪َ :‬ر ُس ُ‬
‫ول اهلل‬ ‫ول اهلل‬ ‫َف َت َق َّذ ْر ُت ُه‪َ ،‬قا َل ْت َف َج َع َل َر ُس ُ‬
‫ار َي ًة ‪َ ..‬لك ََس ْو ُت ُه‪َ ،‬و َح َّل ْي ُت ُه َحتَّى ُأن ِْف َق ُه)) أخرجه أمحد‪.‬‬
‫َان ُأ َس َام ُة َج ِ‬
‫(( َل ْو ك َ‬
‫عن عبيداهلل بن عبداهلل‪ ،‬قال‪ :‬رأيت أسامة بن زيد يصيل عند قرب رسول اهلل‬
‫‪ ،‬فخرج مروان بن احلكم‪ ،‬فقال‪ :‬تصيل إىل قربه؟ فقال‪ :‬إين أحبه‪ ،‬فقال له قوال‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)496‬‬

‫قبيح ًا‪ ،‬ثم أدبر‪ ،‬فانرصف أسامة‪ ،‬فقال‪ :‬يا مروان إنك آذيتني‪ ،‬وإين سمعت رسول‬
‫ش))‪ ،‬وإنك فاحش متفحش‪ .‬أخرجه‬ ‫اهلل يقول‪(( :‬إِ َّن اهللَ يبغ َُض ال َف ِ‬
‫اح َش ا ُمل َت َف ِّح ِ‬ ‫َْ‬
‫ابن حبان‪.‬‬
‫َان َق ِد ًيم َق َال‪َ :‬م َّر َم ْر َو ُ‬
‫ان‬ ‫ث‪َ ،‬وك َ‬ ‫ويف رواية اإلمام أمحد‪َ :‬عن س َلي ٍم مو ًل لِبنِي َلي ٍ‬
‫ْ ُ ْ َْ َ ْ‬
‫ش‪َ :‬و َقدْ َل ِق َي ُه َم‬
‫ان‪َ ،‬ق َال َأ ُبو َم ْع َ ٍ‬‫حل َك ِم َع َل ُأ َسا َم َة ْب ِن َز ْي ٍد َو ُه َو ُي َص ِّل‪َ ،‬ف َحكَا ُه َم ْر َو ُ‬‫ا ْب ُن ا َ‬
‫ِ‬ ‫ان َس ِم ْع ُت َر ُس َ‬ ‫َجِي ًعا‪َ ،‬ف َق َال ُأ َسا َم ُة‪َ :‬يا َم ْر َو ُ‬
‫ب ك َُّل‬ ‫ول‪(( :‬إِ َّن اهللَ َل ُي ُّ‬ ‫َي ُق ُ‬ ‫ول اهلل‬
‫ش))‪.‬‬ ‫ش ُم َت َف ِّح ٍ‬ ‫َف ِ‬
‫اح ٍ‬

‫‪:‬‬ ‫روايته للحديث‬


‫حدث عنه الكثري‪ ،‬فمنهم‪ :‬أبو هريرة‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وأبو وائل‪ ،‬وأبو عثامن‬
‫النهدي‪،‬وعروةبنالزبري‪،‬وأبوسلمة‪،‬وأبوسعيداملقربي‪،‬وعامربنسعد‪،‬وأبوظبيان‪،‬‬
‫وعطاء بن أيب رباح‪ ،‬وعدة‪ ،‬وابناه‪ :‬حسن‪ ،‬وحممد‪.‬‬
‫(‪ )128‬مائة وثامنية وعرشون حديث ًا‪ ،‬اتفق البخاري‬ ‫روى عن النبي‬
‫ومسلم منها عىل مخسة عرش حديث ًا‪ ،‬وانفرد البخاري بحديثني‪ ،‬ومسلم بحديثني‪،‬‬
‫كام ((عمدة القاري))‪ ،‬ويف ((سري أعالم النبالء))‪ :‬انفرد البخاري بحديث‪ ،‬ومسلم‬
‫بحديثني‪.‬‬
‫ويف ((دليل الفاحلني))‪" :‬وانفرد البخاري بحديثني"‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتـــــه‬

‫سكن سيدنا أسامة بن زيد املزة‪ ،‬وهي قرية يف جنوب غريب دمشق‪ ،‬تبعد‬
‫عنها ثالثة أميال تقريبا‪ ،‬وقد اتصلت اآلن بدمشق وأصبحت منطقة سكنية‪ ،‬ثم‬
‫رجع فسكن وادي القرى‪ ،‬ثم نزل إىل املدينة‪ ،‬فامت هبا باجلرف‪ ،‬وهو قول الزهري‪.‬‬
‫(‪)497‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وقيل‪ :‬مات بوادي القرى‪.‬‬
‫واختلف يف سنة وفاته عىل أقوال‪:‬‬
‫ ‪-‬فصحح ابن عبدالرب أنه تويف سنة أربع ومخسني‪.‬‬
‫ ‪-‬وقيل‪ :‬تويف يف زمن معاوية سنة ثامن أو تسع ومخسني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫ْت َب ْع ِدي))‪ ،‬أي‪ :‬بعد وفايت‪.‬‬
‫‪َ (( :‬ما ت ََرك ُ‬ ‫قوله‬
‫((فِ ْتنَ ًة))‪ :‬هي كام يف ((املصباح))‪ :‬املحنة واالبتالء‪ ،‬واجلمع فتن‪ ،‬وأصلها من‬
‫قولك فتنت الذهب والفضة إذا أدخلتهام النار لتمييز اجليد من الردئ‪.‬‬
‫ال ِمن النِّس ِ‬
‫اء))‪ ،‬قال احلافظ ابن حجر‪" :‬إن الفتنة بالنساء‬ ‫(( ِهي َأ َض َع َل الر َج ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ُّ‬
‫أشد من الفتنة بغريهن‪ ،‬ويشهد له قوله تعاىل‪:‬ﱹﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﱸ‬
‫[آل عمران‪ ،]14 :‬فجعلهن من حب الشهوات‪ ،‬وبدأ هبن قبل بقية األنواع ‪ ..‬إشارة إىل‬
‫أهنن األصل يف ذلك ويقع يف املشاهدة حب الرجل ولد من امرأته التي هي عنده‬
‫أكثر من حبه ولده من غريها‪ ،‬ومن أمثلة ذلك قصة النعامن بن بشري يف اهلبة‪ ،‬وقد‬
‫قال بعض احلكامء‪ :‬النساء رش كلهن‪ ،‬وأرش ما فيهن عدم االستغناء عنهنـ ومع أهنا‬
‫ناقصة العقل والدين ‪ ..‬حتمل الرجل عىل تعاطي ما فيه نقص العقل والدين كشغله‬
‫عن طلب أمور الدين‪ ،‬ومحله عىل التهالك عىل طلب الدنيا‪ ،‬وذلك أشد الفساد‪،‬‬
‫اء‪َ ،‬فإِ َّن َأ َّو َل‬
‫وقد أخرج مسلم من حديث أيب سعيد يف أثناء حديث‪َ (( :‬وا َّت ُقوا الن َِّس َ‬
‫َت ِف النِّس ِ‬ ‫سائِ َ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اء))" اهـ‪.‬‬ ‫يل كَان ْ‬ ‫ف ْتنَة َبني إِ ْ َ‬
‫(((‬
‫َ‬

‫((( ((فتح الباري))‪.156/9 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)498‬‬

‫ُ‬
‫حبائل الشيطان))‪.‬‬ ‫َّساء‬
‫وقد ورد فيام أخرجه رزين‪(( :‬والن ُ‬
‫ملا خلق املرأة ‪ ..‬فرح الشيطان‬ ‫وقال يف ((عمدة القاري))‪" :‬ويروى أن اهلل‬
‫فرح ًا شديد ًا‪ ،‬وقال‪ :‬هذه حبالتي التي ال تكاد خيطيني من نصبتها له‪ ،‬وجاء يف‬
‫احلديث‪(( :‬النساء حبائل الشيطان))‪ ،‬وروي‪(( :‬استعيذوا من رشار النساء‪ ،‬وكونوا‬
‫(((‬
‫((أوثق سالح إبليس النساء))" اهـ‪.‬‬ ‫من خيارهن عىل حذر))‪ ،‬وقال‬
‫وقال يف ((حتفة األحوذي))‪((" :‬أرض عىل الرجال من النساء))؛ ألن الطباع‬
‫كثري ًا متيل إليهن‪ ،‬وتقع يف احلرام ألجلهن‪ ،‬وتسعى للقتال والعداوة بسببهن‪ ،‬وأقل‬
‫ذلك أن تر ِّغبه يف الدنيا‪ ،‬وأي فساد أرض من هذا‪ ،‬وإنام قال بعدي؛ ألن كوهنن فتنة‬
‫(((‬
‫أرض ظهر بعده" اهـ‪.‬‬
‫وليس يف احلديث ما يدل عىل التقليل من قيمة النساء؛ إنام التقليل يف ذلك لو‬
‫وجد الرضر‪،‬وهوتقلسل أص ً‬
‫ال من قيمة الرجال ضعيفي اإليامن‪ ،‬وضعيفي اخلوف‬
‫من اهلل تعاىل‪ ،‬الذين يسعون خلف شهواهتم‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن النساء فتنة للرجال ضعيفي اإليامن‪ ،‬الساعني خلف شهواهتم ورغباهتم‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن النساء حبائل الشيطان يصطاد هبن الرجال‪.‬‬
‫‪3 .3‬النساء أشد فتنة لكوهنن يذهبن بعقل الرجل احلليم‪.‬‬

‫((( ((عمدة القاري))‪.340/16 :‬‬


‫((( ((حتفة األحوذي))‪.145/6 :‬‬
‫(‪)499‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث السابع والستون‬

‫ول اهلل ‪ِ (( :‬دين ٌَار َأ ْن َف ْق َت ُه ِف َسبِ ِ‬


‫يل اهلل‪،‬‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ك‪،‬‬‫ني‪َ ،‬و ِدين ٌَار َأ ْن َف ْق َت ُه َع َل َأ ْهلِ َ‬
‫ت بِ ِه َع َل ِم ْسكِ ٍ‬
‫َو ِدين ٌَار َأ ْن َف ْق َت ُه ِف َر َق َب ٍة‪َ ،‬و ِدين ٌَار ت ََصدَّ ْق َ‬
‫ك)) رواه مسلم‪.‬‬ ‫َأ ْع َظ ُم َها َأ ْج ًرا ا َّل ِذي َأ ْن َف ْق َت ُه َع َل َأ ْهلِ َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪ِ (( :‬دين ٌَار َأ ْن َف ْق َت ُه ِف َسبِ ِ‬
‫يل اهلل))‪ ،‬أي‪ :‬يف اجلهاد يف سبيل اهلل بإعانة‬ ‫قوله‬
‫ذلك عليه‪ ،‬وحيتمل أن يراد به األعم‪ ،‬أي‪ :‬يف طاعة اهلل‪.‬‬
‫(( َو ِدين ٌَار َأ ْن َف ْق َت ُه ِف َر َق َب ٍة))‪ ،‬أي‪ :‬يف عتق رقبة مؤمنة‪ ،‬كأن بقي من النجم الذي‬
‫عىل املكاتب دينار وبه حتصل حريته‪ ،‬فدفعته له‪ ،‬أو قد يراد به اجلنس‪ ،‬أي‪ :‬وما أنفق‬
‫يف عتق الرقبة وختليصها من الرق‪ ،‬أو تصدق به عليها‪ ،‬فخلصت به من التلف‬
‫الذي كان هبا من اجلوع والظمأ أو العري‪ ،‬فهذه ثالثة احتامالت‪.‬‬
‫ت بِ ِه َع َل ِم ْسكِ ٍ‬
‫ني))‪ ،‬وعىل االحتامل الثالث األخري ‪ ..‬فام الفرق‬ ‫(( َو ِدين ٌَار ت ََصدَّ ْق َ‬
‫بينه وبني هذا‪ ،‬فاجلواب املراد باملسكني هنا أي حمتاج‪ ،‬فيشمل الفقري أيض ًا عمومه‬
‫كام تقدم يف بعض األحاديث السابقة‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)500‬‬

‫(( َو ِدين ٌَار َأ ْن َف ْق َت ُه َع َل َأ ْهلِ َ‬


‫ك))‪ ،‬أي‪ :‬عىل مؤونة من تلزمك مؤونته‪.‬‬
‫(( َأ ْع َظ ُم َها))‪ ،‬أي‪ :‬أكثرها‪.‬‬
‫ِ‬
‫(( َأ ْج ًراا َّلذي َأ ْن َف ْق َت ُه َع َل َأ ْهل َ‬
‫ك))‪ ،‬قال اإلمام النووي يف ((رشح صحيح مسلم))‬
‫ِ‬
‫عند (باب النفقة عىل العيال)‪" :‬م ْقصود الباب‪ :‬احل ّث َع َل النَّ َف َقة َع َل ِ‬
‫الع َيال‪َ ،‬و َب َيان‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫تب َن َف َقته بِال َق َرا َب ِة َو ِمن ُْه ْم َم ْن َتكُون َمنْدُ و َب ًة َو َتكُون‬ ‫ِع َظ ِم ال َّث َواب فِ ِيه؛ ِلَ َّن ِمن ُْهم م ْن َ ِ‬
‫ْ َ‬
‫لك النِّكَاح َأو ِملك الي ِمني‪ ،‬و َه َذا ُك ّله َف ِ‬ ‫اجبة بِ ِم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اضل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َصدَ َق ًة َوص َل ًة‪َ ،‬ومن ُْه ْم َم ْن َتكُون َو ِ َ‬
‫ِف ِر َوا َية اِ ْبن َأ ِب َش ْي َبة‪:‬‬ ‫َم ْ ُثوث َع َل ْي ِه‪َ ،‬و ُه َو َأ ْف َضل ِم ْن َصدَ َقة ال َّت َط ُّوع‪َ ،‬و ِل َ َذا َق َال‬
‫مها َأ ْج ًرا ا َّل ِذي َأ ْن َف ْقته َع َل َأ ْهلِك)) َم َع َأ َّن ُه َذك ََر َق ْبله النَّ َف َقة ِف َسبِيل اهلل َو ِف‬ ‫(( َأ ْع َظ َ‬
‫(((‬
‫الع َيال َع َل َه َذا ُك ّله َلِا َذك َْرنَا ُه" اهـ‪.‬‬ ‫العتْق والصدَ َقة‪ ،‬ورجح النَّ َف َقة َع َل ِ‬
‫َ َ َّ َ‬ ‫َ َّ‬
‫ِ‬

‫قال يف ((فيض القدير))‪" :‬قال القايض‪ :‬قوله‪(( :‬دينار)) مبتدأ‪ ،‬وأنفقته يف سبيل‬
‫اهلل صفته‪ ،‬واجلملة أعني ((أعظمها أجر ًا)) الخ خربية‪ ،‬والنفقة عىل األهل أعم من‬
‫كون نفقتهم واجبة أو مندوبة‪ ،‬فهي أكثر الكل ثواب ًا واستدل به عىل أن فرض العني‬
‫أفضل من الكفاية؛ ألن النفقة عىل األهل التي هي فرض عني أفضل من النفقة يف‬
‫(((‬
‫سبيل اهلل‪ ،‬وهو اجلراد الذي هو فرض كفاية" اهـ‪.‬‬
‫َصدَّ ُقوا))‬
‫قال‪(( :‬ت َ‬ ‫أن النبي‬ ‫وقد ورد يف احلديث الذي رواه أبو هريرة‬
‫آخ ُر‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫ك))‪َ ،‬ق َال‪ِ :‬عن ِْدي ِدين ٌَار َ‬ ‫َق َال َر ُج ٌل‪ِ :‬عن ِْدي ِدين ٌَار‪َ ،‬ق َال‪(( :‬ت ََصدَّ ْق بِ ِه َع َل َن ْف ِس َ‬
‫آخ ُر‪َ ،‬ق َال‪(( :‬ت ََصدَّ ْق بِ ِه َع َل َو َل ِد َك))‪،‬‬‫ك)) َق َال‪ِ :‬عن ِْدي ِدين ٌَار َ‬ ‫((ت ََصدَّ ْق بِ ِه َع َل ز َْو ِج َ‬
‫ك))‪َ ،‬ق َال‪ِ :‬عن ِْدي ِدين ٌَار َ‬
‫آخ ُر‪،‬‬ ‫اد ِم َ‬
‫آخر‪َ ،‬ق َال‪(( :‬تَصدَّ ْق بِ ِه ع َل َخ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫َق َال‪ :‬عنْدي دين ٌَار َ ُ‬
‫ص)) أخرجه أمحد‪ ،‬وأبوداود‪ ،‬والنسائي‪ ،‬فانظر كيف أن النبي‬ ‫َق َال‪َ (( :‬أن َ َ‬
‫ْت أ ْب َ ُ‬
‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.57/7 :‬‬
‫((( ((فيض القدير))‪.616/4 :‬‬
‫(‪)501‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫أرشده أن ينفقه عىل من يعول‪ ،‬وعىل من تلزمه نفقته قبل كل يشء‪.‬‬
‫ت َو َلدَ َك َف ُه َو‬ ‫ك َصدَ َق ٌة‪َ ،‬و َما َأ ْط َع ْم َ‬ ‫ك َف ُه َو َل َ‬ ‫ت َن ْف َس َ‬‫وقال ‪َ (( :‬ما َأ ْط َع ْم َ‬
‫ك‬ ‫ك َف ُه َو َل َ‬ ‫ت َخ ِ‬
‫اد َم َ‬ ‫ك َصدَ َق ٌة‪َ ،‬و َما َأ ْط َع ْم َ‬ ‫ك َف ُه َو َل َ‬‫ت ز َْو َج َ‬ ‫ك َصدَ َق ٌة‪َ ،‬و َما َأ ْط َع ْم َ‬
‫َل َ‬
‫َصدَ َق ٌة)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن النفقة عىل األهل هي من أعظم النفقات أجر ًا‪.‬‬
‫‪2 .2‬ينبغي للمؤمن أن ينفق عىل أهله قبل أن ينفق عىل غريهم‪.‬‬
‫‪3 .3‬من اإلثم العظيم أن يضيع املؤمن من تلزمه نفقتهم‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)502‬‬

‫احلديث الثامن والستون‬

‫الر ُج ُل َع َل َأ ْهلِ ِه‬


‫َق َال‪(( :‬إِ َذا َأ ْن َف َق َّ‬ ‫َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫َعن َأ ِب مسع ٍ‬
‫ود ال َبدْ ِر ِّي‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫يت َِس ُب َها ‪َ ..‬ف ِه َي َل ُه َصدَ َق ٌة)) متفق عليه‪.‬‬
‫َن َف َق ًة َ ْ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪،‬‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو مسعود عقبة بن عمرو األنصاري البدري‬
‫وقد تقدمت ترمجته يف احلديث اخلامس والثالثني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫يت َِس ُب َها َف ُه َو َل ُه‬ ‫ِِ‬
‫الر ُج ُل َع َل َأ ْهله َ ْ‬ ‫لفظ احلديث عند البخاري‪(( :‬إِ َذا َأ ْن َف َق َّ‬
‫َت َل ُه‬‫يت َِس ُب َها كَان ْ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َصدَ َق ٌة))‪ ،‬ويف رواية له‪(( :‬إِ َذا َأ ْن َف َق ا ُمل ْسل ُم َن َف َق ًة َع َل َأ ْهله َو ُه َو َ ْ‬
‫يت َِس ُب َها‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َصدَ َق ًة))‪ ،‬ولفظه عند مسلم وأمحد‪(( :‬إِ َّن ا ُمل ْسل َم إِ َذا َأ ْن َف َق َع َل َأ ْهله َن َف َق ًة َو ُه َو َ ْ‬
‫َت َل ُه َصدَ َق ًة))‪.‬‬
‫كَان ْ‬
‫الر ُج ُل َع َل َأ ْهلِ ِه)) من زوجة وولد‪ ،‬ومن تلزمه مؤنتهم‪،‬‬
‫‪(( :‬إِ َذا َأ ْن َف َق َّ‬ ‫قوله‬
‫وغريهم‪ ،‬أي‪ :‬النفقة الواجبة واملندوبة‪ ،‬وقيده بعضهم بالنفقة الواجبة‪.‬‬
‫(( َن َف َق ًة)) من دراهم أو غريها‪ ،‬كبرية كانت النفقة او صغرية‪.‬‬
‫يت َِس ُب َها))‪ ،‬أي‪ :‬يريد أجرها من اهلل بحسن النية‪ ،‬وهو أن ينوي أداء ما وجب‬
‫(( َ ْ‬
‫عليه من اإلنفاق‪ ،‬بخالف ما إذا أنفق ذاهالً‪ ،‬أي‪ :‬من غري قصد حسن‪.‬‬
‫(‪)503‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(( َف ِه َي))‪ ،‬أي‪ :‬النفقة التي أنفقها‪.‬‬
‫(( َل ُه َصدَ َق ٌة))‪ ،‬أي عظيمة الثواب؛ ملا فيها من أداء الواجب وصلة الرحم‬
‫الوارد فيه من الثواب ما ال حيصيه إال املتفضل به‪.‬‬
‫وقال يف ((عمدة القاري))‪" :‬فيه – أي‪ :‬احلديث ‪ -‬إطالق النفقة عىل الصدقة‬
‫جماز ًا؛ إذ لو كانت الصدقة حقيقية ‪ ..‬كانت حترم عىل الرجل أن ينفق عىل زوجته‬
‫اهلاشمية‪ ،‬ووجود اإلمجاع عىل جواز اإلنفاق عىل الزوجات اهلاشميات وغريها‬
‫قام قرينة صارفة عن إرادة احلقيقة‪ ،‬والعالقة بني املوضوع له وبني املعنى املجازي‬
‫ترتب الثواب عليهام وتشاهبهام فيه‪ ،‬فإن قلت‪ :‬كيف يتشاهبان وهذا اإلنفاق واجب‪،‬‬
‫والصدقة يف العرف ال تطلق إال عىل غري الواجب‪ ،‬اللهم إال أن تقيد بالفرض‬
‫ونحوه؟قلت‪ :‬التشبيه يف أصل الثواب ال يف كميته وال كيفيته‪ ،‬فإن قلت‪ :‬رشط‬
‫البيانيون يف التشبيه أن يكون املشبه به أقوى‪ ،‬وههنا بالعكس؛ ألن الواجب أقوى‬
‫يف حتصيل الثواب من النفل‪..‬قلت‪ :‬هذا هو التشابه ال التشبيه‪ ،‬والتشبيه ال يشرتط‬
‫(((‬
‫فيه ذلك" اهـ‪.‬‬
‫َّك َل ْن ُتن ِْف َق َن َف َق ًة َت ْبت َِغي ِ َبا َو ْج َه اهلل‬
‫أنه قال‪(( :‬إِن َ‬ ‫وقد جاء يف احلديث عنه‬
‫ك)) أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫‪ ..‬إِ َّل ُأ ِج ْر َت َع َل ْي َها‪َ ،‬حتَّى َما َ ْت َع ُل ِف َف ِم ْام َر َأتِ َ‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬مراعاة النية الصاحلة يف مجيع األعامل‪.‬‬
‫‪2 .2‬عظيم فضل اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪3 .3‬االهتامم بأمر الزوجة واألوالد ومن تلزم املؤمن نفقتهم‪.‬‬
‫((( ((عمدة القاري))‪.433/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)504‬‬

‫احلديث التاسع والستون‬

‫‪َ (( :‬ك َفى بِا َمل ْر ِء إِ ْث ًم َأ ْن‬


‫ول اهللِ‬‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َع ْن َع ْب ِداهلل ْب ِن َع ْم ٍرو‬
‫وت)) حديث صحيح رواه أبو داود وغريه‪ ،‬ورواه مسلم يف ((صحيحه))‬ ‫ُي َض ِّي َع َم ْن َي ُق ُ‬
‫ك ُقو َت ُه))‪.‬‬‫يبِ َس َع َّم ْن َي ْملِ ُ‬ ‫ِ‬
‫بمعناه‪َ ،‬ق َال‪َ (( :‬ك َفى بِا َمل ْرء إِ ْث ًم َأ ْن َ ْ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف‬ ‫هو الصحايب عبداهلل بن عمرو بن العاص‬
‫احلديث التاسع والعرشين‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪َ (( :‬ك َفى بِا َمل ْر ِءإِ ْث ًم))‪ ،‬كفى‪ :‬فعل‪ ،‬وباملرء‪ :‬مفعول به‪ ،‬والباء فيه‬ ‫قوله‬
‫إثم تضييع‬
‫حمول عن الفاعل‪ ،‬واألصل كفى املرء يف عظم اإلثم ُ‬ ‫زائدة‪ ،‬وإث ًام‪ :‬متييز ّ‬
‫من يقوت‪.‬‬
‫قال ابن رسالن‪ :‬أي لو مل يكن له من اإلثم إال هذا لكفاه لعظمه عند اهلل تعاىل‪.‬‬

‫‪َ (( :‬أ ْن ُي َض ِّي َع َم ْن َي ُق ُ‬


‫وت))‪ ،‬يقال قاته يقوته ‪ ..‬إذا أعطاه‬ ‫وفاعل كفى قوله‬
‫قوته‪ ،‬ويقال فيه أقاته يقيته‪ ،‬واملعنى‪ :‬أن يمنع من تلزمه نفقته من زوجة وولد‬
‫ووالد‪ ،‬ويعطي غريهم ولو صدقة‪.‬‬
‫اب‪ُ :‬ي ِريد َم ْن َي َلزم ُه ُقوته‪َ ،‬وا َمل ْعنَى ك ََأ َّن ُه َق َال‬
‫قال يف ((عون املعبود))‪َ " :‬ق َال اخلَ َّط ِ ُّ‬
‫(‪)505‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫لمت ََصدِّ ِق َل َيت ََصدَّ ق بِ َم َل َف ْضل فِ ِيه َع ْن ُقوت َأ ْهله َي ْط ُلب بِ ِه األَ ْجر َف َينْ َق ِلب َذلِ َك‬ ‫ل ُ‬
‫ِ‬
‫(((‬
‫تهم" اهـ‪.‬‬
‫ْت َض َّي ْع ْ‬‫األَ ْجر إِ ْث ًم إِ َذا َأن َ‬
‫يبِ َس َع َّم ْن َي ْملِ ُ‬
‫ك ُقو َت ُه))‪ ،‬قوته مفعول حيبس‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ويف مسلم‪َ (( :‬ك َفى بِا َمل ْرء إِ ْث ًم َأ ْن َ ْ‬
‫وحذف مفعول يملك‪ ،‬أي‪ :‬يملك القيام بأمره‪.‬‬
‫واملعنى‪ :‬كفى باملرء إث ًام أن يمنع القوت عمن يملك القيام بأمره من زوجة‬
‫وأوالد ومن تلزمه نفقته‪.‬‬
‫وقد تقدم يف احلديث السابع والستني كالم اإلمام النووي عند (باب النفقة‬
‫عىل العيال)‪.‬‬
‫وقال املناوي يف ((فيض القدير))‪" :‬وهذا رصيح يف وجوب نفقة من يقوت؛‬
‫لتعليقه اإلثم عىل تركه؛ لكن إنام يتصور ذلك يف مورس ال معرس‪ ،‬فعىل القادر السعي‬
‫عىل عياله لئال يضيعهم‪ ،‬فمع اخلوف عىل ضياعهم هو مضطر إىل الطلب هلم؛ لكن‬
‫ال يطلب هلم إال قدر الكفاية؛ ألن الدنيا بغيضة هلل‪ ،‬وسؤال أوساخ الناس قروح‬
‫ومخوش يوم القيامة‪ .‬قال احلرايل‪ :‬والضيعة‪ :‬هو التقريظ فيام له غناء وثمرة إىل أن‬
‫(((‬
‫ال يكون له غناء وال ثمرة" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬ال يتصدق املؤمن عىل غري أهله‪ ،‬وعىل من تلزمه نفتهم‪ ،‬وهم يف حاجة هلذه الصدقة‪.‬‬
‫‪2 .2‬اإلثم الكبري ملن يضيع من يقوت‪.‬‬
‫‪3 .3‬وجوب النفقة من املورس عىل عياله وأهله ومن تلزمه نقتهم‪.‬‬

‫((( ((عون املعبود))‪.242/3 :‬‬


‫((( ((فيض القدير))‪.234/6 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)506‬‬

‫احلديث السبعون‬

‫الع َبا ُد فِ ِيه إِ َّل َم َلك ِ‬


‫َان‬ ‫َق َال‪(( :‬ما ِمن يو ٍم يصبِح ِ‬
‫َ ْ َْ ُ ْ ُ‬ ‫َأ َّن النَّبِ َّي‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ط ُم ْ ِسكًا‬
‫اآلخر‪ :‬ال َّلهم َأع ِ‬
‫ُ َّ ْ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫ط ُمن ِْف ًقا َخ َل ًفا‪َ ،‬و َي ُق ُ‬
‫ول َأحدُ ُها‪ :‬ال َّلهم َأع ِ‬
‫ُ َّ ْ‬ ‫َين ِْز َل ِن‪َ ،‬ف َي ُق ُ َ َ‬
‫َت َل ًفا)) متفق عليه‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫الع َبا ُد فِ ِيه))‪( ،‬ما) نافية بمعنى ليس‪ ،‬ومن زائدة‪،‬‬
‫‪(( :‬ما ِمن يو ٍم يصبِح ِ‬
‫َ ْ َْ ُ ْ ُ‬ ‫قوله‬
‫ويوم اسم ليس‪ ،‬ويصبح العباد صفة يوم‪ ،‬وملكان مستثنى من حمذوف هو خرب ما‪،‬‬
‫َان َين ِْز َل ِن))‪،‬واملعنى‬
‫أي‪ :‬ليس يوم موصوف هبذا الوصف ينزل فيه أحد ((إِ َّل َم َلك ِ‬
‫ليس يوم موصوف هبذا الوصف ينزل فيه أحد إال ملكان يقوالن‪ :‬كيت وكيت‪،‬‬
‫فحذف املستثنى منه‪ ،‬ودل عليه بوصف امللكان ينزالن‪.‬‬
‫ط ُمن ِْف ًقا))‪،‬ماله يف طاعتك‪ ،‬ويف رواية عند‬
‫ول َأحدُ ُها‪ :‬ال َّلهم َأع ِ‬
‫ُ َّ ْ‬ ‫(( َف َي ُق ُ َ َ‬
‫ط من ِْف َق م ٍ‬
‫ِ‬
‫ال))‪.‬‬ ‫َ‬ ‫البخاري‪(( :‬ال َّل ُه َّم َأ ْع ُ‬
‫(( َخ َل ًفا))‪ ،‬أي‪ :‬عوض ًا‪ ،‬يقال أخلف اهلل عليك خلفا‪ ،‬أي‪ :‬عوض ًا‪ ،‬أي‪ :‬أبدلك‬
‫بام ذهب منك‪ ،‬وذلك كقوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﱸ [سبأ‪.]39 :‬‬
‫(‪)507‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وأهبم اخللف؛ ليتناول املال والثواب وغريمها‪ ،‬قال احلافظ ابن حجر‪" :‬وأما‬
‫اخللف ‪ ..‬فإهبامه أوىل؛ ليتناول املال والثواب وغريمها‪ ،‬وكم من متق مات قبل أن‬
‫يقع له اخللف املايل‪ ،‬فيكون خلفه الثواب املعد له يف اآلخرة‪ ،‬أو يدفع عنه من السوء‬
‫(((‬
‫ما يقابل ذلك" اهـ‪.‬‬
‫اآلخر‪ :‬ال َّلهم َأع ِ‬
‫ط))‪ ،‬وعرب بالعطية مشاكلة ملا قبلها وإال‬ ‫(( َو َي ُق ُ‬
‫ُ َّ ْ‬ ‫ول)) امللك (( َ ُ‬
‫فهي ال تكون يف التلف‪ ،‬فالتلف ليس بعطية‪.‬‬
‫(( ُم ْ ِسكًا)) عن اإلنفاق بخ ً‬
‫ال منه‪.‬‬
‫(( َت َل ًفا))‪ ،‬حيتمل تلف ذلك املال بعينه‪ ،‬أو تلف نفس صاحب املال‪ ،‬واملراد به‪:‬‬
‫فوات أعامل الرب بالتشاغل بغريها‪ ،‬ويف احلديث ما يدل عىل أن املمسك يستحق‬
‫(((‬
‫تلف ماله‪.‬‬
‫ما هو اإلنفاق املمدوح واملقصود في احلديث؟‬
‫اإلنفاق املمدوح هو ما ذكره اإلمام النووي حيث قال يف ((رشحه عىل صحيح‬
‫َارم األَ ْخ َلق‪،‬‬ ‫اإل ْن َفاق ِف ال َّطا َعات َو َمك ِ‬ ‫مسلم)) عند رشح هذا احلديث‪َ " :‬ه َذا ِف ِ‬
‫ِ‬ ‫و َع َل ِ‬
‫الصدَ َقات‪َ ،‬ون َْحو َذل َك‪ ،‬بِ َح ْي ُث َل ُي َذ ُّم َو َل ُي َس َّمى َ َ‬
‫س ًفا‪،‬‬ ‫الضي َفان‪َ ،‬و َّ‬
‫الع َيال‪َ ،‬و ِّ‬ ‫َ‬
‫(((‬ ‫اإل ْم َساك ا َمل ْذ ُموم ُه َو ِ‬
‫اإل ْم َساك َع ْن َه َذا" اهـ‪.‬‬ ‫َو ِ‬

‫وقال القرطبي‪ :‬وهو يعم الواجبات واملندوبات؛ لكن املمسك عن املندوبات‬


‫ال يستحق هذا الدعاء‪ ،‬إال أن يغلب عليه البخل املذموم بحيث ال تطيب نفسه‬

‫((( ((فتح الباري))‪.338/3 :‬‬


‫((( ((عمدة القاري))‪.275/7 :‬‬
‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.66/7 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)508‬‬
‫(((‬
‫بإخراج احلق الذي عليه ولو أخرجه‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬احلض عىل اإلنفاق يف الواجبات واملندوبات‪.‬‬
‫‪َ (( :‬م ْن َوا َف َق‬
‫‪2 .2‬دعاء املالئكة للمنفق وعىل املمسك‪ ،‬ومعلوم أنه جماب لقوله‬
‫ني ا َمل َل ِئك َِة‪ُ ..‬غ ِف َر َل ُه َما َت َقدَّ َم ِم ْن َذنْبِ ِه)) أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ت َْأ ِمينُ ُه ت َْأ ِم َ‬
‫‪3 .3‬ذم البخل‪ ،‬وأن عاقبته اخلرسان‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.339/3 :‬‬


‫(‪)509‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث احلادي والسبعون‬

‫الصبِ َّي‬
‫ول اهلل ‪َ (( :‬ع ِّل ُموا َّ‬
‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫جل َهنِ ُّي‬ ‫ٍ‬
‫ب َة ْب ِن َم ْع َبد ا ُ‬
‫َع ْن َأ ِب ُثر َّي َة َس ْ َ‬
‫اضبوه ع َليها ابن ع ْ ٍ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني)) حديث حسن رواه أبو داود‪،‬‬ ‫شسن َ‬ ‫ني‪َ ،‬و ْ ِ ُ ُ َ ْ َ ْ َ َ‬ ‫الص َل َة ل َس ْب ِع سن َ‬
‫َّ‬
‫والرتمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫هو الصحايب اجلليل سربة بن معبد‪ ،‬ويقال‪ :‬سربة بن عوسجة بن سربة بن‬
‫خديج بن مالك بن عمرو بن ذهل بن ثعلبة بن نرض بن سعد بن دينار بن رشدان‬
‫ابن قيس بن جهينة‪.‬‬
‫يكنى بأيب ثريةعىل املشهور‪ ،‬ويكنى بأيب الربيع أيض ًا‪.‬‬
‫وأول مشاهده اخلندق‪.‬‬
‫سكن املدينة‪ ،‬وله هبا دار ثم انتقل يف آخر ايامه إىل املروة‪.‬‬
‫روى عنه ابنه الربيع‪ .‬وروى عن الربيع مجاعة وأجلهم ابن شهاب‪.‬‬
‫تسعة عرش حديث ًا‪ ،‬روى مسلم منها حديث ًا واحد ًا‪.‬‬ ‫روي له عن رسول اهلل‬
‫يف زمن معاوية بن أيب سفيان‪.‬‬ ‫تويف‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)510‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫الصبِ َّي))‪ ،‬ويشمل الصبية كذلك‪ ،‬ولفظ أيب داود‪ُ (( :‬م ُروا‬
‫‪َ (( :‬ع ِّل ُموا َّ‬ ‫قوله‬
‫الصبِ َّي))‪.‬‬
‫َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الص َل َة ل َس ْب ِع سن َ‬
‫ني))‪ ،‬بأن يعلموهم ما حتتاج إليه الصالة من أركان‬ ‫(( َّ‬
‫ورشوط‪ ،‬وأن يأمروهم بفعلها بعد التعليم‪ ،‬وتكون أجرة التعليم يف مال الصبي‬
‫إن كان له مال‪ ،‬وإال ‪ ..‬فعىل الويل‪.‬‬
‫قال يف ((عمدة القاري))‪" :‬فهذا يدل عىل أن الصبي يطلق عىل من سنه سبع‬
‫سنني‪ ،‬فكيف قيل املولود سمي صبي ًا ما دام رضيعا؟قلت‪ :‬أفصح الفصحاء أطلق‬
‫عىل ابن سبع سنني لفظ الصبي‪ ،‬وهو الذي يقبل‪ ،‬وعن هذا قال اجلوهري‪ :‬الصبي‬
‫(((‬
‫الغالم‪ ،‬وقد ذكرنا اآلن أن املولود من حني يفطم يسمى غالما إىل سبع سنني" اهـ‪.‬‬
‫األمر لإلرشاد والتأديب؛ وليس‬
‫قال العيني يف ((رشح سنن أيب داود))‪" :‬وهذا ُ‬
‫عي‬‫الصبي مرفوع عنه القلم‪ ،‬فال يكلف باألوامر والنواهي‪ ،‬وإنام ّ‬
‫ّ‬ ‫للوجوب؛ إذ‬
‫الصبي إىل‬
‫ّ‬ ‫السابعة ألهنا سنة التمييز‪ ،‬أال ُيرى أناحلضانة تسقط عند انتهاء‬
‫السنة ّ‬
‫َ‬
‫(((‬
‫والسبعة أكثرها" اهـ‪.‬‬
‫سبع سنني؟ وألن ّأول مراتب عقودالعدد املركب العرشة‪َ ،‬‬
‫دالس َلم‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫وقال يف ((عون املعبود))‪َ " :‬ق َال ال َعل َق ِم ُّي‪َ :‬ق َال َّ‬
‫الش ْيخ ع ّز الدِّ ين َع ْب َّ‬
‫الش ِء َل ْي َس‬ ‫الصبِي َليس ُمَا َطبا‪ ،‬و َأما ه َذا احل ِديث َفهو َأمر لِ َ ِ ِ ِ‬
‫أل ْول َياء‪ ،‬لَ َّن األَ ْمر بِ َّ ْ‬ ‫َُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ً َ َّ َ‬ ‫َّ ّ ْ َ‬
‫اشة َع َل َو ْجه َل ُي ْم ِكن ال َّط ْعن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لص ْب َيان ُم َب َ َ‬ ‫َأ ْم ًرا بِ َذل َك َّ ْ‬
‫الشء‪َ .‬ق َال‪َ :‬قدْ َو َجدَ َأ ْمر اهللَ ل ِّ‬
‫يه‪َ ،‬و ُه َو َق ْوله َت َع َال‪ :‬ﱹ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬ ‫فِ ِ‬

‫نهم بِ َل‬
‫الصبِ َّية َأ ْي ًضا َل َف ْرق َب ْي َ‬
‫َاول َّ‬ ‫ﯗ ﯘ ﱸ [النور‪َ .]58 :‬ق َال الن ََّو ِو ّي‪َّ :‬‬
‫الصبِ ّي َي َتن َ‬
‫((( ((عمدة القاري))‪.252/5 :‬‬
‫((( ((رشح العيني عىل أيب داود))‪.414/2 :‬‬
‫(‪)511‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ِ‬ ‫لصبِي َو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(((‬
‫اجب َوق َيل ُم ْست ََح ّ‬
‫ب" اهـ‪.‬‬ ‫خ َلف‪َ ،‬و َأ َم َر َ‬
‫الو ِ ّل ل َّ ِّ‬
‫اضبوه ع َليها))‪ ،‬أي‪ :‬عىل تركها والتهاون هبا‪ ،‬إن كان ((ابن ع ْ ٍ ِ ِ‬
‫ني))‪،‬‬
‫شسن َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫(( َو ْ ِ ُ ُ َ ْ َ‬
‫ربحا‪ ،‬فال يكرس عظ ًام‪ ،‬وال يسيل دم ًا‪ .‬قال يف ((عون‬ ‫أي‪ :‬ارضبوه رضب ًا غري م ّ‬
‫الضب َغالِ ًبا‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ب لِع ْ ٍ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ش لَ َّن ُه َحدّ َيت ََح َّمل فيه َّ ْ‬ ‫املعبود))‪َ " :‬ق َال ال َعل َقم ُّي‪ :‬إن ََّم َأ َم َر بِ َّ ْ‬
‫الض ِ َ‬
‫بح َو َأ ْن َيت َِّقي َ ِ‬
‫الضب" اهـ‪.‬‬ ‫الو ْجه ف َّ ْ‬ ‫ض ًبا َغ ْي ُم َ ِّ‬
‫ب َ ْ‬ ‫َوا ُمل َراد بِ َّ ْ‬
‫الض ِ‬
‫(((‬

‫وقد ذكر العلامء أنه جيب عىل ويل األمر تعليم أوالده ما جيب عليهم‪ ،‬فقال يف‬
‫كل ِم َن األبوين وإن عال ولو من جهة‬
‫وجيب عىل نحو الويل ِم ْن ِّ‬
‫((برشى الكريم))‪ُ " :‬‬
‫األب‪ ،‬والوجوب عىل الكفاية‪ ،‬فيسقط بفعل أحدمها؛ ألنه من األمر باملعروف‪،‬‬
‫ولذا خوطبت به األم وال والية هلا‪ ،‬ثم الويص‪ ،‬ثم القيم‪ ،‬ثم امللتقط والس ّيد‬
‫واملودع‪ ،‬واملستعري‪ ،‬فاإلمام‪ ،‬فصلحاء املسلمني ‪ -‬تعليم املميز من ذكر وأنثى‪،‬‬
‫ما يضطر ملعرفته من األمور الرضورية التي يشرتك فيها العام واخلاص ْ‬
‫وإن مل يكفر‬
‫جاحدها‪.‬‬
‫رسول اهلل اسمه حممد بن عبداهلل‪ ،‬وأنه من قريش وأ ّمه أمنة‪،‬‬ ‫ومنها أنّه‬
‫وولِدَ بمكة‪ ،‬و ُب ِع َث هبا‪ ،‬وهاجر إىل املدينة و ُدفِ َن هبا‪ ،‬وبيان النبوة‬
‫ولونه أبيض‪ُ ،‬‬
‫والرسالة‪ ،‬وغري ذلك مما ال يسع املك ّلف جهله‪.‬‬
‫ٍ‬
‫عقيدة‬ ‫بوجه‪ ،‬ثم معرفته تعاىل بام البدّ منه‪ ،‬بمعرفة‬ ‫وأو ُل ما ُ‬
‫جيب‪ :‬معرفته‬ ‫ّ‬
‫(((‬
‫عىل مذهب أهل السنة‪ ،‬فأول ما جيب تعليمه املميز ذلك" اهـ‪.‬‬
‫الصبي أن يعلمه‬
‫ّ‬ ‫وقال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬وجيب عىل الو ّيل إذا ميز‬
‫((( ((عون املعبود))‪.517/1 :‬‬
‫((( املرجع السابق‪.‬‬
‫((( ((برشى الكريم))‪.)169( :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)512‬‬

‫ما جيب اعتقاده مما جيب وجيوز ويستحيل يف حق اهلل تعاىل‪ ،‬وحق رسوله‪ ،‬وحق‬
‫سائر الرسل عليهم الصالة والسالم‪ ،‬وأن رشائعهم نسخت كلها برشيعة نبينا‬
‫التي ال تنسخ أبد ًا‪ ،‬وأنه حممد بن عبد اهلل النبي الرسول العريب‪ ،‬ولد بمكة ومات‬
‫باملدينة‪ ،‬ويعلمه أحكام الرشائع لريسخ ذلك عنده‪ ،‬فالعلم يف الصغر كالنقش يف‬
‫(((‬
‫احلجر" اهـ‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫ني‬ ‫‪(( :‬إِ َذا َب َلغَ َع ْش سن َ‬ ‫اب‪َ :‬ق ْوله‬ ‫قال يف ((عون املعبود))‪َ " :‬ق َال اخلَ َّط ِ ُّ‬
‫َان َب ْعض ُف َق َهاء‬ ‫اض ُبو ُه َع َل ْي َها)) َيدُ ّل َع َل ِغ َلظ ال ُع ُقو َبة َل ُه إِ َذا ت ََرك ََها ُمدْ ِركًا‪َ ،‬وك َ‬ ‫َف ْ ِ‬
‫يت َّج بِ ِه ِف ُو ُجوب َقتْله إِ َذا ت ََرك ََها ُم َت َع ِّمدً ا َب ْعد ال ُب ُلوغ‪َ ،‬و َي ُقول إِ َذا‬ ‫َأصحاب َّ ِ ِ‬
‫الشافع ّي َ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫َح ّق ِم ْن ال ُع ُقو َبة‬ ‫الضب وهو َغي بالِغ َف َقدْ َع َق َل َأ َّنه بعد الب ُلوغ يست ِ‬ ‫ِ‬
‫َُْ ُ َْ‬ ‫الصبِ ّي َّ ْ َ ُ َ ْ َ‬ ‫ا ْست ََح َّق َّ‬
‫شء ِمَّا َقا َل ُه ال ُع َل َمء َأ َشدّ ِم ْن ال َقتْل‪َ .‬و َقدْ‬ ‫ِ‬
‫الضب َ ْ‬ ‫الضب‪َ ،‬و َل ْي َس َب ْعد َّ ْ‬ ‫َما ُه َو َأ َشدّ م ْن َّ ْ‬
‫الص َلة‪،‬‬ ‫َارك َّ‬ ‫الشافِ ِع ّي‪ُ :‬ي ْقتَل ت ِ‬ ‫الص َلة َف َق َال َمالِك َو َّ‬ ‫َارك َّ‬ ‫ف النَّاس ِف ُحكْم ت ِ‬ ‫اِ ْخ َت َل َ‬
‫حاد ْبن َي ِزيد َو َو ِكيع ْب ُن‬ ‫ب َ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َاب َوإِ َّل ُقت َل‪َ ،‬وإِ َل ْيه َذ َه َ‬ ‫ْحول‪ُ :‬ي ْس َتتَاب َفإِ ْن ت َ‬ ‫َو َق َال َمك ُ‬
‫الز ْه ِر ّي َأ َّن ُه َق َال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي َبس‪َ ،‬و َع ْن ُّ‬ ‫ضب َو ُ ْ‬ ‫جل َّراح‪َ .‬و َق َال َأ ُبو َحني َفة‪َ :‬ل ُي ْقتَل َو َلك ْن ُي ْ َ‬ ‫ا َ‬
‫الص َلة َحتَّى‬ ‫جا َعة ِم ْن ال ُع َل َمء‪ :‬ت ِ‬ ‫ب ًحا َو ُي ْس َجن‪َ .‬و َق َال َ َ‬ ‫ِ‬
‫َارك َّ‬ ‫ض ًبا ُم َ ِّ‬ ‫ضب َ ْ‬ ‫َفاسق ُي ْ َ‬
‫اهيم الن ََّخ ِع ِّي َو َأ ُّيوب ِّ ِ ِ‬ ‫َيْرج و ْقتها لِ َغ ِي ُع ْذر كَافِر‪ ،‬و َه َذا َقول إِبر ِ‬
‫ان َو َع ْبداهلل‬ ‫الس ْخت َي ِّ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ ْ‬
‫ْب إِ َّل‬ ‫حد‪َ :‬ل ُي َك َّفر َأ َحد بِ َذن ٍ‬ ‫حد ْبن َحنْ َبل َوإِ ْس َحاق ْبن َر ْاه َو ْي ِه‪َ ،‬و َق َال َأ ْ َ‬ ‫ْبن ا ُمل َب َارك َو َأ ْ َ‬
‫(( َل ْي َس َب ْي‬ ‫يث َجابِر َع ْن َع ْبداهلل َع ْن النَّبِ ّي‬ ‫َارك الص َلة َعمدً ا‪ .‬واحتَجوا بِح ِد ِ‬ ‫ت ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ ْ ُّ‬ ‫َّ‬
‫(((‬
‫ال َع ْبد َو َب ْي ال ُك ْفر إِ َّل ت َْرك َّ‬
‫الص َلة))" اهـ‪.‬‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.120/2 :‬‬


‫((( ((عون املعبود))‪.)1518( :‬‬
‫(‪)513‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬
‫‪1 .1‬االهتامم بأمر الناشئة‪ ،‬واحلرص عىل تعليمهم أمور دينهم قبل بلوغهم‪.‬‬
‫‪2 .2‬عظمة أمر الصالة عند اهلل‪.‬‬
‫‪3 .3‬التغليظ عىل تارك الصالة واملتهاون هبا‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)514‬‬

‫احلديث الثاني والسبعون‬

‫‪َ (( :‬ما ز ََال ِج ْ ِب ُ‬


‫يل‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهلل‬ ‫َع ْن ا ْب ِن ُع َم َر َو َع ِائ َش َة‬
‫ْت َأ َّن ُه َس ُي َو ِّر ُث ُه)) متفق عليه‪.‬‬‫ار َحتَّى َظنَن ُ‬ ‫اجل ِ‬‫وصينِي بِ َ‬
‫ي ِ‬
‫ُ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف‬ ‫هو الصحايب اجلليل عبداهلل بن عمر بن اخلطاب‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجتها‬ ‫احلديث الثالث واخلمسني‪ ،‬وكذلك أم املؤمنني عائشة‬
‫يف احلديث الثالث والثالثني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫يزال جربيل‪ ،‬وهو اسم رسياين‪ .‬قيل‪:‬‬ ‫‪َ (( :‬ما ز ََال ِج ْ ِب ُ‬
‫يل))‪ ،‬أي‪ :‬ال ُ‬ ‫قوله‬
‫معناه عبدالرمحن‪ ،‬وقيل‪ :‬معناه عبداهلل‪.‬‬
‫(((‬

‫ار))‪ ،‬أي‪ :‬باالعتناء به‪ ،‬واالحتفال بشأنه‪ ،‬وحيصل امتثال‬ ‫وصينِي بِ َ‬


‫اجل ِ‬ ‫((ي ِ‬
‫ُ‬
‫الوصية بإيصال رضوب اإلحسان إليه بحسب الطاقة كاهلدية‪ ،‬والسالم‪ ،‬وطالقة‬
‫الوجه عند لقائه‪ ،‬وتفقد حاله‪ ،‬ومعاونته فيام حيتاج إليه‪ ،‬وكف أسباب األذى عنه‬
‫عىل اختالف أنواعه حسية كانت أو معنوية‪.‬‬
‫وهل املقصود كل جار‪ ،‬أو جار معني؟‬
‫ذكر أهل العلم أن املراد يف احلديث هنا كل جار‪ ،‬فقد قال اإلمام القسطالين‬
‫((( انظر‪(( :‬دليل الفاحلني))‪.188/1 :‬‬
‫(‪)515‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫مسلم كان‬‫ً‬ ‫((يوصيني باجلار))‬ ‫يف ((إرشاد الساري))‪((" :‬ما زال جربيل))‬

‫ضارا أو ناف ًعا‪ ،‬قري ًبا‬ ‫كافرا‪ ،‬عابدً ا أو فاس ًقا‪ ،‬صدي ًقا أو ًّ‬
‫عدوا‪ ،‬غري ًبا أو بلد ًّيا‪ًّ ،‬‬ ‫أو ً‬
‫(((‬
‫أو أجنب ًّيا‪ ،‬قريب الدار أو بعيدها" اهـ‪.‬‬
‫وقال احلافظ ابن حجر العسقالين يف ((فتح الباري))‪" :‬واسم اجلار يشمل‬
‫املسلم‪ ،‬والكافر‪ ،‬والعابد‪ ،‬والفاسق‪ ،‬والصديق‪ ،‬والعدو‪ ،‬والغريب‪ ،‬والبلدي‪،‬‬
‫والنافع‪ ،‬والضار‪ ،‬والقريب‪ ،‬واألجنبي‪ ،‬واألقرب دار ًا‪ ،‬واألبعد‪ ،‬وله مراتب‬
‫بعضها أعىل من بعض‪ ،‬فأعالها من اجتمعت فيه الصفات األول كلها‪ ،‬ثم أكثرها‪،‬‬
‫وهلم جرا إىل الواحد‪ ،‬وعكسه من اجتمعت فيه الصفات األخرى كذلك‪ ،‬فيعطي‬
‫كل حقه بحسب حاله‪ ،‬وقد تتعارض صفتان فأكثر‪ ،‬فريجح أو يساوي‪ ،‬وقد محله‬
‫عبداهلل بن عمرو أحد من روى احلديث عىل العموم‪ ،‬فأمر ملا ذبحت له شاة أن‬
‫هيدي منها جلاره اليهودي‪ ،‬أخرجه البخاري يف األدب املفرد‪ ،‬والرتمذي وحسنه‪،‬‬
‫وقد وردت اإلشارة إىل ما ذكرته يف حديث مرفوع أخرجه الطرباين من حديث‬
‫جابر رفعه‪(( :‬اجلريان ثالثة‪ :‬جار له حق‪ ،‬وهو املرشك له حق اجلوار‪ ،‬وجار له‬
‫حقان‪ ،‬وهو املسلم له حق اجلوار وحق اإلسالم‪ ،‬وجار له ثالثة حقوق مسلم له‬
‫(((‬
‫رحم له حق اجلوار واإلسالم والرحم))" اهـ‪.‬‬
‫تنبيـــــه‪:‬‬
‫قال القرطبي‪ :‬اجلار يطلق ويراد به الداخل يف اجلوار‪ ،‬ويطلق ويراد به املجاور‬
‫يف الدار‪ ،‬وهو األغلب والذي يظهر أنه املراد به يف احلديث الثاين؛ ألن األول كان‬
‫يرث ويورث‪ ،‬فإن كان هذا اخلرب صدر قبل نسخ التوريث بني املتعاقدين ‪ ..‬فقد‬

‫((( ((إرشاد الساري))‪.225/10 :‬‬


‫((( ((فتح الباري))‪.497/10 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)516‬‬

‫كان ثابت ًا‪ ،‬فكيف يرتجى وقوعه‪ ،‬وإن كان بعد النسخ ‪ ..‬فكيف يظن رجوعه بعد‬
‫(((‬
‫رفعه‪ ،‬فتعني أن املراد به املجاور يف الدار‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫حـــد اجلـــار‪:‬‬
‫من سمع النداء فهو جار‪،‬‬ ‫اختلف أهل العلم يف حد اجلار‪ :‬فعن عيل‬
‫حق‬ ‫وقيل‪ :‬من صىل معك صالة الصبح يف املسجد ‪ ..‬فهو جار‪ ،‬وعن عائشة‬
‫اجلوار أربعون دارا من كل جانب‪ ،‬وعن األوزاعي مثله‪.‬‬
‫ثم اختلفوا يف حتديد األربعني هل هم أربعون من كل جانب أو ال؟‬
‫قال يف ((عمدة القاري))‪" :‬قال رسول اهلل‪(( :‬أربعون دار ًا جار))‪ .‬قال يونس‪:‬‬
‫قلت البن شهاب وكيفأربعون دار ًا؟ قال‪ :‬أربعون عن يمينه‪ ،‬وعن يساره‪ ،‬وخلفه‪،‬‬
‫وبني يديه‪ ،‬وعن احلسن‪ :‬أربعون من هنا‪ ،‬وأربعون من جوانبها األربع أربعون‬
‫أربعونأربعون‪ ،‬ولو فرضنا أن شخصا من أهل مرص أوىص بثلث ماله جلريانه‪،‬‬
‫فخرج ثلث ماله عرشة دراهم مثالً‪ ،‬فعىل قول احلسن ‪ ..‬يعطى هذه العرشة ملائة‬
‫وعرشين نفس ًا‪ ،‬فيحصل لكل واحد ما ليس فيه فائدة‪ ،‬وال ينتفع به املوىص إليه‪،‬‬
‫وأما عىل قول أهل املدينة كلهم جريان ‪ ..‬فحكمه حكم العدم‪ ،‬فال حيصل مقصود‬
‫املويص‪ ،‬وال مقصود املوىص هلم‪ ،‬فإذا قلنا اجلريان هم املالصقون ‪ ..‬ال يفوت يشء‬
‫(((‬
‫من ذلك‪ ،‬وحيصل مقصود املويص من ذلك أيض ًا" اهـ‪.‬‬
‫ْت َأ َّن ُه َس ُي َو ِّر ُث ُه))‪،‬‬
‫(( َحتَّى)) أنه ملا أكثر عيل يف املحافظة عىل رعاية حقه (( َظنَن ُ‬
‫أي‪ :‬سيحكم بتوريث اجلار من جاره بأن يأمرين عن اهلل به‪ ،‬ويكون من أسباب‬
‫اإلرث اجلوار‪.‬‬
‫((( ((فتح الباري))‪.498/10 :‬‬
‫((( ((عمدة القاري))‪.76/10 :‬‬
‫(‪)517‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫املقصود من هذا التوريث‪:‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر العسقالين مبين ًا هذا التوريث‪" :‬واخت ُِل َ‬
‫ف يف املراد هبذا‬
‫التوريث‪ ،‬فقيل‪ :‬جيعل له مشاركة يف املال بفرض سهم معطاه مع األقارب‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫املراد أن ينزل منزلة من يرث بالرب والصلة‪ ،‬واألول أظهر‪ ،‬فإن الثاين استمر‪ ،‬واخلرب‬
‫مشعر بأن التوريث مل يقع‪ ،‬ويؤيده ما أخرجه البخاري من حديث جابر نحو حديث‬
‫ي َع ُل َل ُه ِم َيا َث ًا))‪ ،‬وقال بن أيب مجرة‪ :‬املرياث عىل‬
‫ْت َأ َّن ُه َ ْ‬
‫الباب بلفظ‪َ (( :‬حتَّى َظنَن ُ‬
‫قسمني‪ :‬حيس‪ ،‬ومعنوي‪ ،‬فاحليس هو املراد هنا‪ ،‬واملعنوي مرياث العلم‪ ،‬ويمكن‬
‫(((‬
‫أن يلحظ هنا أيض ًا‪ ،‬فإن حق اجلار عىل اجلار أن يعلمه ما حيتاج إليه" اهـ‪.‬‬
‫تنبيـــــه‪:‬‬
‫للجوار مراتب منها‪ :‬املالصقة‪ ،‬وهي ما مر احلديث عنه‪ ،‬ومنها املخالطة بأن‬
‫(((‬
‫جيمعهام مسجد‪ ،‬أو مدرسة‪ ،‬أو سوق‪ ،‬أو غري ذلك‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬عظيم حق اجلار‪ ،‬واهتامم اإلسالم بأمره‪.‬‬
‫‪2 .2‬ينبغي للمؤمن أن يتفقد جريانه‪ ،‬وأن يواصلهم بام يستطيع‪.‬‬
‫‪3 .3‬إنزال اجلار منزلة الرحم‪.‬‬

‫((( ((فتح الباري))‪.497/10 :‬‬


‫((( ((فيض القدير))‪.351/7 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)518‬‬

‫احلديث الثالث والسبعون‬

‫ت َم َر َق ًة َف َأكْثِ ْر‬
‫‪َ (( :‬يا َأ َبا َذ ٍّر إِ َذا َط َبخْ َ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهلل‬ ‫َع ْن َأ ِب َذ ٍّر‬
‫اهدْ ِج َريان َ‬
‫َك)) رواه مسلم‪.‬‬ ‫اء َها َو َت َع َ‬
‫َم َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو ذر الغفاري‬
‫العرشين‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬

‫‪َ (( :‬يا َأ َبا َذ ٍّر إِ َذا َط َبخْ َ‬


‫ت َم َر َق ًة))‪ ،‬واملرقة‪:‬هو املاء الذي طبخ فيه اللحم‬ ‫قوله‬
‫ونحوه‪ ،‬ولفظ املرقة هنا جماز مرسل عالقته األول‪ ،‬فهو نظري قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﱸ [يوسف‪.]36 :‬‬
‫ِ‬
‫(( َف َأكْث ْر َم َ‬
‫اء َها)) ليكثر االئتدام هبا‪ ،‬فإن املراد هبا إساغة اخلبز وتليينه‪ ،‬وذلك‬
‫يستوي فيه ضيق املرقة وواسعها‪.‬‬
‫رب معهم‪.‬‬ ‫اهدْ ِج َريان َ‬
‫َك)) هبا‪ ،‬أي باإلحسان إليهم وفعل ال ّ‬ ‫(( َو َت َع َ‬
‫وهل األمر للندب أو الوجوب؟‬
‫ذهب مجهور العلامء إىل أن األمر للندب وليس للوجوب‪ ،‬وقد استدلوا‬
‫قال‪(( :‬إِ َذا َط َبخْ ت ُْم ال َّل ْح َم ‪َ ..‬ف َأكْثِ ُروا ا َمل َر َق‬ ‫أنه‬ ‫عىل ذلك بحديث جابر‬
‫(‪)519‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ِ ِ‬
‫لجري ِ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َأ ْو ا َمل َ‬
‫ان)) أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬وقال الظاهرية أن‬ ‫اء‪َ ،‬فإِ َّن ُه أ ْو َس ُع‪ ،‬أ ْو أ ْب َلغُ ل َ‬
‫األمر للوجوب‪ .‬قال املناوي‪" :‬وهي أوضح‪ ،‬أي‪ :‬أكثر بالغ ًا يف التوسعة عليهم‬
‫وتعميمهم‪ ،‬فلم ينص األمر بالغرف للجريان منه كأنه أمر متعارف‪ ،‬واألمر للندب‬
‫(((‬
‫عند اجلمهور‪ ،‬وللوجوب عند الظاهرية" اهـ‪.‬‬
‫قال العالئي‪" :‬وفيه تنبيه لطيف عىل تسهيل األمر عىل مزيد اخلري حيث مل‬
‫يقل‪ :‬فأكثروا حلمها أو طعامها‪ ،‬إذ ال يسهل ذلك عىل كثري"‪.‬‬
‫وقال احلافظ العراقي‪" :‬وفيه ندب إكثار مرق الطعام؛ لقصد التوسعة عىل‬
‫اجلريان والفقراء‪ ،‬وأن املرق فيه قوة اللحم‪ ،‬فإنه يسمى أحد اللحمني؛ ألنه خيرج‬
‫خاصية اللحم فيه بالغليان"‪.‬‬
‫قال‪" :‬وفيه أفضلية اللحم املطبوخ عىل املشوي؛ لعموم االنتفاع؛ ألنه ألهل‬
‫البيت واجلريان؛ وألنه جيعل فيه الثريد وهو أفضل الطعام‪ ،‬وفيه ندب اإلحسان إىل‬
‫(((‬
‫اجلار‪ ،‬وفيه يندب أن يفرق جلاره من طعامه"‪.‬‬
‫وليبدأ باألقرب فاألقرب إن مل يستطع تعميم الكل‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫قال يف (دليل الفاحلني)‪" :‬يف احلديث احلض عىل مكارم األخالق‪ ،‬واإلرشاد‬
‫ملحاسنها؛ ملا يرتتب عليه من املحبة واأللفة‪ ،‬وملا حيصل به من املنفعة‪ ،‬ودفع احلاجة‬
‫واملفسدة‪ ،‬فقد يتأذى اجلار بقتار قدر جاره‪ ،‬وعياله وصغار ولده‪ ،‬وال يقدر عىل‬
‫التوصل لذلك‪ ،‬فتهيج من صغارهم الشهوة‪ ،‬ويقوم عىل القائم هبم األمل والكلفة‪،‬‬

‫((( ((فيض القدير))‪.)1651( :‬‬


‫((( انظر كل ذلك يف ((فيض القدير))‪.)1651( :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)520‬‬

‫وربام كان يتي ًام أو أرملة‪ ،‬فتكون املشقة أعظم‪ ،‬وتشتد منهم احلرسة واألمل‪ ،‬وكل‬
‫ذلك ليندفع بترشيكهم يف يشء من الطبخ‪ ،‬فال أقبح من منع هذا اليسري املرتتب‬
‫(((‬
‫عليه هذا الرضر الكبري" اهـ‪.‬‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.122/2 :‬‬


‫(‪)521‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث الرابع والسبعون‬

‫َق َال‪َ (( :‬واهلل َل ُي ْؤ ِم ُن‪َ ،‬واهلل َل ُي ْؤ ِم ُن‪َ ،‬واهلل‬ ‫َأ َّن النَّبِ َّي‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ول اهلل؟ َق َال‪(( :‬ا َّل ِذي َل َي ْأ َم ُن َج ُار ُه َب َوائِ َق ُه)) متفق عليه‪.‬‬ ‫يل‪َ :‬م ْن َيا َر ُس َ‬ ‫َل ُي ْؤ ِم ُن!))‪ِ ،‬ق َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪َ (( :‬واهلل َل ُي ْؤ ِم ُن‪َ ،‬واهلل َل ُي ْؤ ِم ُن‪َ ،‬واهلل َل ُي ْؤ ِم ُن))‪ ،‬أي‪ :‬إيامنًا كامالً‪،‬‬ ‫قوله‬
‫أو هو يف حق املستحل‪ ،‬أو أنه ال جيازى جمازاة املؤمن فيدخل اجلنة من ّأول وهلة‬
‫(((‬
‫مثالً‪ ،‬أو أنه خرج خمرج الزجر والتغليظ‪.‬‬
‫اجلنَّ َة َم ْن َل َي ْأ َم ُن َج ُار ُه َب َوائِ َق ُه))‪ ،‬قال اإلمام النووي‬ ‫ولفظ مسلم‪َ (( :‬ل َيدْ ُخ ُل َ‬
‫ان ِف ك ُِّل َما َأ ْش َب َه‬ ‫ان َي ِري ِ‬ ‫ِ‬ ‫يف رشحه للحديث‪َ " :‬و ِف َم ْعنَى (( َل َيدْ ُخل َ‬
‫اجلنَّة)) َج َوا َب ْ َ‬
‫يم ِه؛ َف َه َذا كَافِ ٌر‬ ‫يذاء مع ِعلمه بِتَح ِر ِ‬
‫ْ‬ ‫اإل َ َ َ‬ ‫َح ّل ِ‬ ‫ه َذا‪َ .‬أحدمها‪َ :‬أ َّنه َمْمول َع َل من يست ِ‬
‫َ ْ َْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫لها َو ْقت ُد ُخول ال َف ِائ ِزي َن إِ َذا‬ ‫َل َيدْ ُخ ُل َها َأ ْص ًل‪َ .‬وال َّث ِان‪َ :‬م ْعنَا ُه َج َز ُاؤ ُه َأ ْن َل َيدْ ُخ َ‬
‫لها َأ َّو ًل‪َ ،‬وإِن ََّم ت ََأ َّولنَا‬ ‫ِ‬
‫ي َازى‪َ ،‬و َقدْ ُي ْع َفى َعنْ ُه َف َيدْ ُخ َ‬ ‫ُفت َح ْت َأ ْب َوا َهبا َل ُ ْم‪َ ،‬بل ُي َؤ َّخر ُث َّم َقدْ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه َذي ِن الت َّْأ ِوي َل ِ ِ‬
‫صا‬ ‫ات َع َل الت َّْوحيد ُم ًّ‬ ‫حل ّق َأ َّن َم ْن َم َ‬ ‫ي لَنَّا َقدَّ ْمنَا َأ َّن َم ْذ َهب َأ ْهل ا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫جلنَّ َة َأ َّو ًل‪َ ،‬وإِ ْن َشا َء َعا َق َب ُه‬ ‫ِ‬
‫َع َل ال َك َبائر َف ُه َو إِ َل اللَّ َت َع َال إِ ْن َشا َء اللَّ َع َفا َعنْ ُه َف َأ ْد َخ َل ُه ا َ‬
‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪ ،501/10 :‬و((إرشاد الساري))‪.226/10 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)522‬‬

‫ُث َّم َأ ْد َخ َل ُه ا َ‬
‫جلنَّة" اهـ‪.‬‬
‫(((‬

‫ويف احلديث احللف من غري استحالف‪ ،‬وتكراره لتأكيد األمر‪ ،‬وهو لذلك‬
‫مستحب‪.‬‬
‫ّ‬
‫(( ِق َ‬
‫يل‪َ :‬م ْن َيا َر ُس َ‬
‫ول اهلل؟))‪ ،‬أي‪ :‬من الذي ال يؤمن يا رسول اهلل‪ ،‬وذكره‬
‫املنذري يف ترغيبه بلفظ‪ :‬قالوا يا رسول اهلل لقد خاب وخرس من هو؟‬
‫َق َال‪(( :‬ا َّل ِذي َل َي ْأ َم ُن َج ُار ُه َب َوائِ َق ُه))‪ ،‬ويأمن من األمان‪ ،‬والبوائق باملوحدة‬
‫والقاف مجع بائقة‪ ،‬وهي الداهية واليشء املهلك واألمر الشديد الذي يواىف بغتة‪،‬‬
‫جع ب ِائ َقة و ِهي ال َغ ِائ َلة والدَّ ِ‬
‫اه َية َوال َفتْك" اهـ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫(((‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫وقال اإلمام النووي‪" :‬ال َب َوائق َ ْ َ‬
‫يل‪َ :‬و َما‬‫وجاء يف رواية عند اإلمام أمحد تفسري البوائق بالرشور‪ ،‬ولفظه‪ِ (( :‬ق َ‬
‫ِ‬
‫َب َوائ ُق ُه؟ َق َال‪ُّ َ :‬‬
‫ش ُه))‪.‬‬
‫قال املناوي‪" :‬وذلك ألنه إذا كان مرض ًا جلاره ‪ ..‬كان كاشف ًا لعورته‪ ،‬حريص ًا‬
‫عىل إنزال البوائق به‪ ،‬دل حاله عىل فساد عقيدته‪ ،‬ونفاق طويته‪ ،‬أو عىل امتهانه‬
‫ما عظم اهلل حرمته‪ ،‬وأكد وصلته‪ ،‬فإرصاره عىل هذه الكبرية مظنة حلول الكفر به‪،‬‬
‫فإن املعايص بريده‪ ،‬ومن ختم له بالكفر ‪ ..‬ال يدخلها‪ ،‬أو هو يف املستحل‪ ،‬أو املراد‬
‫(((‬
‫اجلنة املعدة ملن قام بحق جاره" اهـ‪.‬‬
‫فائـــــدة‪:‬‬
‫قال ابن أيب مجرة‪ :‬إذا أكد حق اجلار مع احلائل بني الشخص وبينه‪ ،‬وأمر‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.193/2 :‬‬


‫((( املرجع السابق‪.‬‬
‫((( ((فيض القدير))‪.678/8 :‬‬
‫(‪)523‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫بحفظه‪ ،‬وإيصال اخلري إليه‪ ،‬وكف أسباب الرضر عنه ‪ ..‬فينبغي له أن يراعي حق‬
‫احلاف َظني ال َلذين ليس بينه وبينهام جدار وال حائل‪ ،‬فال يؤذهيام بإيقاع املخالفات يف‬
‫سان بوقوع احلسنات‪ ،‬وحيزنان بوقوع السيئات‪،‬‬
‫مرور الساعات‪ ،‬فقد جاء أهنام ُي َ َّ‬
‫فينبغي مراعاة جانبهام‪ ،‬وحفظ خواطرمها بالتكثري من عمل الطاعات‪ ،‬واملواظبة‬
‫(((‬
‫عىل اجتناب املعصية‪ ،‬فهام أوىل برعاية احلق من كثري من اجلريان‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫مسألـــــة‪:‬‬
‫قال ابن رجب يف كتابه ((جامع العلوم واحلكم))‪" :‬وقد اختلف العلام ُء يف‬
‫ناقص اإليامن‪ ،‬أم ال ُيسمى مؤمن ًا ؟ وإنَّام ُي ُ‬
‫قال‪:‬‬ ‫سمى مؤمن ًا َ‬
‫مرتكب الكبائر‪ :‬هل ُي َّ‬
‫ٍ‬
‫بمؤمن عىل قولني‪ ،‬ومها روايتان عن اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫هو مسلم‪ ،‬وليس‬
‫غائر‪ ،‬فال يزول عنه اسم اإليامن بالكلية‪ ،‬بل هو مؤم ٌن‬
‫الص َ‬‫ارتكب َّ‬
‫َ‬ ‫فأ َّما من‬
‫ارتكب من ذلك ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ناقص اإليامن‪ ،‬ينقص من إيامنه بحسب ما‬
‫ُ‬
‫مروي عن ِ‬
‫جابر‬ ‫ِ‬
‫اإليامن‬ ‫ناقص‬ ‫ُ‬
‫والقول َّ‬
‫ٌّ‬ ‫بأن مرتكب الكبائر يقال له‪ :‬مؤم ٌن ُ‬
‫مسلم‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ابن املبارك وإسحاق وأيب ُعبيد وغريهم‪ ،‬والقول بأنَّه‬ ‫بنِعبد اهلل‪ ،‬وهو ُ‬
‫قول ِ‬
‫املختار عندَ ِ‬
‫أهل‬ ‫ُ‬ ‫بعضهم أنَّه‬
‫مروي عن أيب جعفر حممد بن عيل‪ ،‬وذكر ُ‬
‫ٌّ‬ ‫ٍ‬
‫بمؤمن‬ ‫ليس‬
‫السن َِّة ‪.‬‬
‫ُّ‬
‫نور اإليامن‪.‬‬
‫وقال اب ُن عباس‪ :‬الزاين ُي َنز ُع منه ُ‬
‫ِ‬
‫اإليامن‪ ،‬فيكون فو َقه كال ُّظ َّلة‪ ،‬فإذا َ‬
‫تاب ‪ ..‬عاد إليه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وقال أبو هريرة‪ُ :‬ين َْز ُع منه‬
‫ُ‬
‫اإلنسان‬ ‫ِ‬
‫كالقميص‪َ ،‬يل َب ُسه‬ ‫ُ‬
‫اإليامن‬ ‫وقال عبدُ اهلل بن رواحة وأبو الدرداء‪:‬‬
‫كمل‬
‫‪ -‬وغريه‪ ،‬واملعنى‪ :‬أنَّه إذا َّ‬ ‫تارةً‪ ،‬وخيلعه أخرى‪ ،‬وكذا قال اإلمام أمحد ‪-‬‬

‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.501/10 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)524‬‬

‫نقص منها شيئ ًا نزعه‪ُّ ،‬‬


‫وكل هذا إشار ٌة إىل اإليامن الكامل‬ ‫َ‬
‫خصال اإليامن لبسه‪ ،‬فإذا َ‬
‫(((‬
‫التَّام الذي ال َينْ ُق ُ‬
‫ص من واجباته يشء" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫عىل ذلك‪،‬‬ ‫قال بن بطال‪ :‬يف هذا احلديث تأكيد حق اجلار؛ لقسمه‬
‫وتكريره اليمني ثالث مرات‪ ،‬وفيه نفى اإليامن عمن يؤذي جاره بالقول أو الفعل‪،‬‬
‫(((‬
‫ومراده اإليامن الكامل‪ ،‬وال شك أن العايص غري كامل اإليامن‪.‬اهـ‪.‬‬

‫((( ((جامع العلوم واحلكم))‪.)194( :‬‬


‫((( ((فتح الباري))‪.501/10 :‬‬
‫(‪)525‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث اخلامس والسبعون‬

‫َان ُي ْؤ ِم ُن بِاهلل َوال َي ْو ِم‬


‫َق َال‪َ (( :‬م ْن ك َ‬ ‫ول اهلل‬ ‫َأ َّن َر ُس َ‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫َان ي ْؤ ِمن بِاهلل واليو ِم ِ‬
‫اآلخ ِر‪َ ،‬فل ُيك ِْر ْم َض ْي َف ُه‪َ ،‬و َم ْن ك َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َان‬ ‫َ َْ‬ ‫اآلخ ِر‪َ ،‬ف َل ُي ْؤذ َج َار ُه‪َ ،‬و َم ْن ك َ ُ ُ‬
‫ُت)) متفق عليه‪.‬‬ ‫اآلخ ِر‪َ ،‬فل َي ُقل َخ ْ ًيا َأ ْو لِ َي ْسك ْ‬
‫ي ْؤ ِمن بِاهلل واليو ِم ِ‬
‫َ َْ‬ ‫ُ ُ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫َان ُي ْؤ ِم ُن بِاهلل))‪ ،‬أي‪ :‬إيامن ًا كامالً‪.‬‬
‫‪َ (( :‬م ْن ك َ‬ ‫قوله‬
‫وسمي بذلك‬ ‫((واليو ِم ِ‬
‫اآلخ ِر))‪ ،‬أي‪ :‬يؤمن باليوم اآلخر‪ ،‬وهو يوم القيامة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫َ َْ‬
‫ألنه ال يوم بعده‪.‬‬
‫خص اإليامن باهلل واليوم اآلخر دون اإليامن باملالئكة‬ ‫ونجده هنا‬
‫والكتب والرسل‪ ،‬وحكمة ذلك ما ذكره احلافظ بن حجر حيث قال‪" :‬وخصه‬
‫باهلل واليوم اآلخر إشارة إىل املبدأ واملعاد‪ ،‬أي‪ :‬من آمن باهلل الذي خلقه‪ ،‬وآمن بأنه‬
‫(((‬
‫سيجازيه بعمله ‪ ..‬فليفعل اخلصال املذكورات" اهـ‪.‬‬
‫(( َف َل ُي ْؤ ِذ َج َار ُه))‪( ،‬ال) نافية‪ ،‬واملبتدأ مقدر قبله‪ ،‬واملعنى‪ :‬أن من كان يؤمن‬

‫((( ((فتح الباري))‪.502/10 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)526‬‬

‫باهلل واليوم اآلخر فهو ال يؤذي جاره‪ ،‬وجيوز أن تكون ناهية‪ ،‬فيكون املعنى‪ :‬من‬
‫كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فلينتبه وال يؤذي جاره‪.‬‬
‫فالقيام بحق اجلار عالمة عىل صدق اإليامن‪ ،‬قال احلافظ ابن حجر يف ((فتح‬
‫الباري))‪" :‬وقد ورد تفسري اإلكرام واإلحسان للجار وترك أذاه يف عدة أحاديث‬
‫أخرجها الطرباين من حديث هبز بن حكيم عن أبيه عن جده‪ ،‬واخلرائطي يف مكارم‬
‫األخالق من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‪ ،‬وأبو الشيخ يف كتاب‬
‫((التوبيخ)) من حديث معاذ بن جبل قالوا‪ :‬يا رسول اهلل ما حق اجلار عىل اجلار؟‬
‫قال‪(( :‬إن استقرضك ‪ ..‬أقرضته‪ ،‬وإن استعانك ‪ ..‬أعنته‪ ،‬وإن مرض ‪ ..‬عدته‪ ،‬وإن‬
‫احتاج ‪ ..‬أعطيته‪ ،‬وإن افتقر ‪ ..‬عدت عليه‪ ،‬وإن أصابه خري ‪ ..‬هنيته‪ ،‬وإن أصابته‬
‫مصيبة ‪ ..‬عزيته‪ ،‬وإذا مات ‪ ..‬اتبعت جنازته‪ ،‬وال تستطيل عليه بالبناء فتحجب‬
‫عنه الريح إال بإذنه‪ ،‬وال تؤذيه بريح قدرك إال أن تغرف له‪ ،‬وإن اشرتيت فاكهة ‪..‬‬
‫فأهد له‪ ،‬وإن مل تفعل ‪ ..‬فأدخلها رس ًا وال خترج هبا ولدك ليغيظ هبا ولده)) وألفاظهم‬
‫متقاربة‪ ،‬والسياق أكثره لعمرو بن شعيب‪ ،‬ويف حديث هبز بن حكيم‪(( :‬وإن أعوز ‪..‬‬
‫(((‬
‫سرتته)) وأسانيدهم واهية؛ لكن اختالف خمارجها يشعر بأن للحديث أصال" اهـ‪.‬‬
‫َان ي ْؤ ِمن بِاهلل واليو ِم ِ‬
‫اآلخ ِر)) إيامن ًا كامالً‪.‬‬ ‫َ َْ‬ ‫(( َو َم ْن ك َ ُ ُ‬
‫(( َفل ُيك ِْر ْم َض ْي َف ُه))‪ ،‬الغني والفقري‪ ،‬وذلك بحسن البرش واملبادة بام تيرس عنده‬
‫من طعام ورشاب دون تكلف‪ ،‬ودون اإلرضار بأهله‪ ،‬إال إن رضو أهله بذلك‪،‬‬
‫َأ َّن‬ ‫وهم أي‪ :‬أهله بالغون عاقلون‪ ،‬وعليه حيمل اخلرب املشهور َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ول اهلل‬ ‫َر ُج ًل َأتَى النَّبِ َّي ‪َ ،‬ف َب َع َث إِ َل نِ َس ِائ ِه‪َ ،‬ف ُقل َن‪َ :‬ما َم َعنَا إِ َّل ا َملا ُء‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬
‫ار‪َ :‬أنَا‪َ ،‬فا ْن َط َل َق بِ ِه إِ َل ا ْم َر َأتِ ِه‪،‬‬
‫يف َه َذا))‪َ ،‬ف َق َال َر ُج ٌل ِم ْن األَن َْص ِ‬ ‫‪َ (( :‬م ْن َي ُض ُّم‪َ ،‬أ ْو ُي ِض ُ‬
‫((( ((فتح الباري))‪.502/10 :‬‬
‫(‪)527‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وت ِص ْب َي ِان‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ه ِّي ِئي‬ ‫ول اهلل ‪َ ،‬ف َقا َل ْت‪َ :‬ما ِعنْدَ نَا إِ َّل ُق ُ‬ ‫ف رس ِ‬ ‫ِ‬
‫َف َق َال‪َ :‬أك ِْرمي َض ْي َ َ ُ‬
‫َطعام ِك‪ ،‬و َأصبِ ِحي ِساج ِك‪ ،‬ونَو ِمي ِصبيان ِ‬
‫َك إِ َذا َأ َرا ُدوا َع َشا ًء‪َ ،‬ف َه َّي َأ ْت َط َعا َم َها‪،‬‬ ‫َْ‬ ‫َ ِّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫اج َها َف َأ ْط َف َأ ْت ُه‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س َ‬ ‫اج َها‪َ ،‬ون ََّو َم ْت ص ْب َي َانَا‪ُ ،‬ث َّم َقا َم ْت ك ََأ َّنَا ت ُْصل ُح َ‬ ‫س َ‬ ‫َو َأ ْص َب َح ْت َ‬
‫ول اهلل ‪،‬‬ ‫ي‪َ ،‬ف َلم َأ ْص َب َح ‪َ ..‬غدَ ا إِ َل رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫او َي ْ ِ َّ‬ ‫َف َج َع َل ُي ِر َيانِ ِه َأ َّن َم َي ْأك َُل ِن‪َ ،‬ف َباتَا َط ِ‬
‫ُ‬
‫ب ِم ْن َف َعالِك َُم)) َف َأن َْز َل اهللُ‪ :‬ﱹ ﯷ ﯸ‬ ‫ج َ‬ ‫ك اهللُ ال َّل ْي َل َة))‪َ ،‬أ ْو (( َع ِ‬‫ح َ‬ ‫َف َق َال‪َ (( :‬ض ِ‬

‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﱸ [احلرش‪]9 :‬‬

‫أخرجه البخاري‪.‬‬
‫قال الداودي فيام نقله عنه يف ((املصابيح))‪" :‬يعني يزيد يف إكرامه عىل ما كان‬
‫(((‬
‫يفعل يف عياله"‪.‬‬
‫حكم إكرام الضيف‪:‬‬
‫الضيافة مندوبة عىل ما قاله مجهور العلامء‪ ،‬وقال الليث بن سعد‪:‬إهنا واجبة‬
‫ال اإلمام النووي نق ً‬
‫ال‬ ‫يوم وليلة‪ ،‬وقد أوضح هذه املسألة بمتعلقاهتا‪ ،‬وبينها بيانا مجي ً‬
‫حل ِديث َأ َّن َم ْن اِلت ََز َم‬ ‫ِ ِ‬
‫عن القايض عياض‪ ،‬فقال‪َ " :‬ق َال ال َقاض ع َياض ‪َ :‬م ْعنَى ا َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ش ِائع ِ‬
‫جلار‪،‬‬ ‫ها‪َ ،‬وك ُّل َذل َك َت ْع ِريف بِ َح ِّق ا َ‬ ‫اإل ْس َلم َل ِز َم ُه إِك َْرام َجاره َو َض ْيفه‪َ ،‬وبِ ِّر َ‬ ‫ََ‬
‫ان إِ َل ْي ِه ِف ِكتَابه ال َع ِزيز‪َ ،‬و َق َال‬
‫اإلحس ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َح ّث َع َل ح ْفظه‪َ .‬و َقدْ َأ ْو َص اللَّ َت َع َال بِ ِ ْ َ‬
‫الض َيا َفة‬‫ار َحتَّى َظنَنْت َأ َّن ُه َس ُي َو ِّر ُث ُه))‪َ ،‬و ِّ‬ ‫وصينِي بِ َ‬
‫اجل ِ‬ ‫((ما ز ََال ِج ِبيل ع َلي ِه الس َلم ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ْ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫احدَ ة‪.‬‬ ‫ني‪ ،‬و َقدْ َأوجبها ال َّليث َلي َلة و ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإل ْس َلم‪َ ،‬و ُخ ُلق النَّبِ ِّي َ‬ ‫ِم ْن آ َداب ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ ََ‬ ‫الصال َ َ‬ ‫ني َو َّ‬
‫اجب ع َل ك ُّل مسلِم))‪ (((،‬وبِح ِد ِ‬ ‫واحتَج بِاحل ِد ِ‬
‫يث ُع ْق َبة‪:‬‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫الض ْيف َح ٌّق َو ِ َ‬ ‫يث‪َ (( :‬ل ْي َلة َّ‬ ‫َ ْ َّ َ‬
‫الض ْيف َفا ْق َب ُلوا‪َ ،‬وإِ ْن َل ْ َي ْف َع ُلوا َفخُ ُذوا ِمن ُْه ْم َح ّق‬ ‫((إِ ْن َنزَلت ُْم بِ َق ْو ٍم َف َأ َم ُروا َلك ُْم بِ َح ِّق َّ‬

‫((( انظر‪(( :‬إرشاد الساري))‪.227/10 :‬‬


‫((( أخرجه أمحد وأبو داود وابن ماجه‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)528‬‬

‫َارم األَ ْخ َلق‪َ ،‬و ُح َّج ْ‬


‫تهم‬ ‫الض ْيف ا َّل ِذي َينْ َب ِغي َُل ْم))‪َ ،‬و َعا َّمة ال ُف َق َهاء َع َل َأ َّنا ِم ْن َمك ِ‬ ‫َّ‬
‫َ‬
‫الص َلة‪َ ،‬و َذلِ َك َل َيكُون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫((جائِزَته يوم و َلي َلة))‪ ،‬وا ِ‬ ‫َق ْوله‬
‫جلائ َزة ال َعط َّية َواملن َْحة َو ِّ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ َ ْ‬ ‫َ‬
‫(( َفل ُيك ِْر ْم َول ُي ْح ِس ْن)) َيدُ ّل َع َل َه َذا َأ ْي ًضا؛ إِ ْذ َل ْي َس‬ ‫ال ْختِ َيار‪َ ،‬و َق ْوله‬ ‫إِ َّل مع ِ‬
‫َ َ‬
‫اإل ْح َسان إِ َل ْي ِه‪َ ،‬و َذلِ َك‬
‫ار َو ِ‬ ‫لج ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلك َْرام ل َ‬ ‫اجب َم َع َأ َّن ُه َم ْض ُموم إِ َل ِ‬ ‫الو ِ‬ ‫ِ‬
‫ُي ْس َت ْع َمل م ْثله ِف َ‬
‫اج َبة‪،‬‬ ‫َت ا ُمل َواساة َو ِ‬ ‫اإل ْس َلم إِ ْذ كَان ْ‬ ‫َت ِف َأ َّول ِ‬ ‫اديث َأ َّنَا كَان ْ‬ ‫اجب‪ ،‬وت ََأو ُلوا األَح ِ‬ ‫َغي َو ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫ْ‬
‫الشافِ ِع ّي‬ ‫ب َّ‬ ‫اصة؟ َف َذ َه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حلاض َوال َبادي َأ ْم َع َل ال َبادي َخ َّ‬
‫الضيا َفة َع َل ا ِ‬
‫َ‬ ‫اخ َت َل ُفوا َهل ِّ َ‬ ‫َو ْ‬
‫ُون‪ :‬إِن ََّم َذلِ َك َع َل َأ ْهل‬ ‫حلكَم إِ َل َأ َّنَا َع َل ْي ِه َم‪َ ،‬و َق َال َمالِك َو ُس ْحن ٌ‬ ‫‪َ ،‬و ُم َ َّمد ْبن ا َ‬
‫اضع الن ُُّزول‪َ ،‬و َما َي ْش َ ِتي‬ ‫َادق ومو ِ‬
‫َ ََ‬
‫يد ِف احل َض ا َملن َِازل ِف ال َفن ِ‬
‫َ‬ ‫ادي؛ ِلَ َّن ا ُمل َسافِر َ ِ‬ ‫البو ِ‬
‫ََ‬
‫ت‬ ‫الو َبر‪َ ،‬و َل ْي َس ْ‬‫الض َيا َفة َع َل َأ ْهل َ‬ ‫ِم ْن ا َمل ْأكَل ِف األَ ْس َواق‪َ ،‬و َقدْ َجا َء ِف َح ِديث‪ِّ (( :‬‬
‫حل ِديث ِعنْد َأ ْهل ا َمل ْع ِر َفة َم ْو ُضوع‪َ ،‬و َقدْ َت َت َع َّي ِّ‬
‫الض َيا َفة‬ ‫ِ‬
‫َع َل َأ ْهل ا َملدَ ر))؛ َو َلك َّن َه َذا ا َ‬
‫الذ َّمة إِ َذا ُا ْش ُ ِت َط ْت َع َل ْي ِه ْم‪َ .‬ه َذا ك ََلم‬ ‫يف َع َل ْي ِه‪َ ،‬و َع َل َأ ْهل ِّ‬ ‫َاجا َو ِخ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫َل ْن ا ْجت ََاز ُمْت ً‬
‫(((‬
‫اض" اهـ‪.‬‬ ‫ال َق ِ‬

‫وقال الباجي يف كتابه ((املنتقى رشح املوطأ)) مبين ًا هلا أيض ًا‪َ " :‬و َق ْو ُل ُه ‪َ (( :‬م ْن‬
‫اآلخ ِر ‪َ ..‬فل ُيك ِْر ْم َض ْي َف ُه)) َع َل َما َت َقدَّ َم ِم ْن َأ َّن َه َذا ِم ْن آ َد ِ‬ ‫َان ي ْؤ ِمن بِاهلل واليو ِم ِ‬
‫اب‬ ‫َ َْ‬ ‫ك َ ُ ُ‬
‫ف‬ ‫الض ْي َ‬ ‫ف َّ‬ ‫ني‪َ ،‬و َأ َّو ُل َم ْن َض َّي َ‬ ‫الض َيا َف ُة ِم ْن ُسن َِن ا ُمل ْر َس ِل َ‬ ‫ِِ‬
‫شائعه َو َأ ْحكَامه َ‬
‫‪،‬و ِّ‬ ‫اإلس َل ِم و َ ِ ِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ِْ‬
‫ار َك َو َت َع َال‪ :‬ﱹ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﱸ‬ ‫ِ‬
‫‪َ ،‬ق َال اهللُ َت َب َ‬ ‫يم‬‫إ ْب َراه ُ‬
‫ث ْب ِن َس ْع ٍد َي ْو ًما َو َل ْي َل ًة‪،‬‬ ‫اجب ٌة ِعنْدَ ال َّلي ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫[الذاريات‪َ ،]24 :‬ف َو َص َف ُه ْم بِ َأ َّنُ ْم ُأك ِْر ُموا‪َ ،‬وه َي َو ِ َ‬
‫ف‬ ‫َو َص َ‬ ‫اإل ْط َل ِق‪َ ،‬و َيدُ ُّل َع َل َذلِ َك َأ َّن النَّبِ َّي‬ ‫اء َع َل ِ‬ ‫و َخا َل َفه ِف َذلِ َك جِيع ال ُف َقه ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اإلك َْرا ُم َل ْي َس‬ ‫َذلِ َك بِالك ََرا َم ِة‪َ ،‬ف َق َال‪َ (( :‬فل ُيك ِْر ْم َض ْي َف ُه))‪َ ،‬و َل َي ُقل‪َ :‬فل َي ْق ِض ِه َح َّق ُه‪َ ،‬و ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫بِ َو ِ‬
‫َاز ا َّلذي َل ْي َس عنْدَ ُه َما ُي َب ِّل ُغ ُه‪َ ،‬و َي ُ‬
‫َاف‬ ‫لم ْجت ِ‬‫وبا ِف َم َواض َع ل ُ‬ ‫ي ُو ُج ُ َ‬ ‫‪،‬و َقدْ َي َت َع َّ ُ‬
‫ب َ‬ ‫اج ٍ‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.194/2 :‬‬


‫(‪)529‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ش َط‬ ‫ِِ‬
‫ض ال َعن َْوة إ ْن َ َ‬ ‫الذ َّم ِة ال َع ِام ِري َن ِلَ ْر ِ‬ ‫اج َب ًة َع َل َأ ْه ِل ِّ‬ ‫ُون َو ِ‬ ‫‪،‬و َتك ُ‬ ‫ف َ‬ ‫اهل َ َل َك إِ ْن َل ْ ُي َض ِّي ْ‬
‫ول اهلل إنَّك َت ْب َع ُثنَا َفن َُم ُّر بِ َق ْو ٍم َل‬ ‫َذلِ َك َع َل ْي ِه ْم‪َ ،‬و َقدْ َر َوى ُع ْق َب ُة ْب ُن َع ِام ٍر‪ُ :‬قلنَا َيا َر ُس َ‬
‫لضي ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ف ‪..‬‬ ‫ول اهلل ‪(( :‬إِ ْن َأ َم ُروا َلك ُْم بِ َم َينْ َبغي ل َّ ْ‬ ‫ُي ْق ُرو َننَا‪َ ،‬ف َم َذا ت ََرى؟ َف َق َال َر ُس ُ‬
‫يت َِم ُل ‪َ -‬واهلل‬ ‫ِ‬ ‫َفا ْقب ُلوا‪َ ،‬فإِ ْن َل ي ْفع ُلوا ‪َ ..‬فخُ ُذوا ِمنْهم ح َّق َّ ِ ِ‬
‫الض ْيف ا َّلذي َينْ َبغي))‪َ ْ ،‬‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ‬
‫(((‬

‫از ًيا َع َل َأ ْه ِل َع ْه ٍد ِم َّ ْن َل ْ َي ُك ْن‬ ‫يت َُاز َغ ِ‬ ‫َان َ ْ‬ ‫اإل ْس َل ِم َلِ ْن ك َ‬ ‫ُون َه َذا ِف َأ َّو ِل ِ‬ ‫َأ ْع َل ُم ‪َ -‬أ ْن َيك َ‬
‫اد ا َّل ِذي‬ ‫اجله ِ‬ ‫ِ‬
‫س َم ْغ َزاته‪َ ،‬و َل َيص ُل إِ َل ال َغ ْز ِو َو ِ َ‬
‫ِِ‬ ‫اد إِ َل َر ْأ ِ‬ ‫الز ِ‬ ‫اب َّ‬‫استِ ْص َح ِ‬ ‫َي ْقد ُر َع َل ْ‬
‫ِ‬

‫ُون َذلِ َك َب ْعدَ َأ ْن ُا ْفتُتِ َح ْت‬ ‫يت َِم ُل َأ ْن َيك َ‬ ‫‪،‬و َ ْ‬


‫ِ‬
‫ي َف ْر ُض ُه َو ُو ُجو ُب ُه إِ َّل بِالق َرى ِف ال َّط ِر ِيق َ‬ ‫َت َع َّ َ‬
‫حل َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َان ُ ِ‬ ‫ب‪َ ،‬و َغ ْ ُي َها ِم ْن بِ َل ِد ال َعن َْو ِة إِ ْن ك َ‬
‫ض ‪..‬‬ ‫ش َط َذل َك َع َل َأ ْهل َها‪َ ،‬و َأ َّما َأ ْه ُل ا َ‬ ‫َخ ْي َ ُ‬
‫ض ِض َيا َف ٌة‪َ ،‬و َق َال َس ْحن ٌ‬ ‫حل َ ِ‬ ‫ِ‬
‫الض َيا َف ُة َع َل‬ ‫ُون‪ِّ :‬‬ ‫َف َق ْو ُل ُه‪َ :‬ق َال َمال ٌك ‪َ :‬ل ْي َس َع َل َأ ْه ِل ا َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض‪َ ،‬و َجدَ َمن ِْز ًل‪َ ،‬و ُه َو‬ ‫حل َ َ‬ ‫ض ‪َ ..‬فإِ َّن ا ُمل َساف َر إِ َذا َقد َم ا َ‬ ‫حل َ ِ‬ ‫َأ ْه ِل ال ُق َرى‪َ ،‬و َأ َّما َأ ْه ُل ا َ‬
‫ض بِ َع ْينِ ِه َع َل‬ ‫حل َ ِ‬‫ي َع َل َأ ْه ِل ا َ‬ ‫ال ُفنْدُ ُق‪َ ،‬وإِن ََّم َأ َرا َد بِ َذلِ َك َأ َّن ُه َيت ََأ َّكدُ النَّدْ ُب إِ َل ْي ِه‪َ ،‬و َل َي َت َع َّ ُ‬
‫حل َ ِ‬ ‫حل َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ض‬ ‫ض‪َ ،‬ف َل ْو الت ََز َم َأ ْه ُل ا َ‬ ‫َأ ْه ِل ال ُق َرى َل َعان‪َ ،‬أ َحدُ َها‪َ :‬أ َّن َذل َك َي َتك ََّر ُر َع َل َأ ْه ِل ا َ‬
‫َلح ُق ُه ْم بِ َذلِ َك‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الض َيا َف َة ‪َ ..‬لا َخ َل ْوا من َْها‪َ ،‬و َأ ْه ُل ال ُق َرى َينْدُ ُر َذل َك عنْدَ ُه ْم َو َيق ُّل‪َ ،‬ف َل ت َ‬ ‫ِّ‬
‫َن َوال َّط َعا ِم َو َغ ْ ِي َذلِ َك‬ ‫ض ِم ْن ا َمل ْسك ِ‬ ‫حل َ ِ‬ ‫يدُ ِف ا َ‬ ‫اآلخ ُر‪َ :‬أ َّن ا ُمل َسافِ َر َ ِ‬
‫الو ْج ُه َ‬ ‫َم َش َّق ٌة َ‬
‫‪،‬و َ‬
‫ما َيتَاج إِ َلي ِه‪َ ،‬ف َل تَلح ُقه ا َمل َش َّق ُة لِعدَ ِم ِّ ِ‬
‫َاج‬‫يت ُ‬ ‫يدُ َما َ ْ‬ ‫الص َغ ِار ‪َ ..‬ف َل َ ِ‬ ‫الض َيا َفة‪َ ،‬و َأ َّما ِف ال ُق َرى ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ ُ ْ‬
‫الكب ِار ا َّلتِي تُوجدُ فِيها ال َفن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َاد ُق‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إِ َل ْيه‪َ ،‬ف ُه َو كَا ُمل ْض َط ِّر إِ َل َم ْن ُي َض ِّي ُف ُه‪َ ،‬و ُحك ُْم ال ُق َرى َ‬
‫ض‪َ ،‬واهلل َأ ْع َل ُم َو َأ ْحك َُم‪َ ،‬و َه َذا‬ ‫حل َ ِ‬ ‫َّاس َع َل ْي َها ُحك ُْم ا َ‬ ‫لش ِاء‪َ ،‬و َي ْك ُث ُر ت َْر َدا ُد الن ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َوا َمل َطاع ُم ل ِّ َ‬
‫ان َو َأ َّما َم ْن َي ْع ِر ُف ُه َم ْع ِر َف َة َم َو َّد ٍة‪َ ،‬أ ْو َب ْينَ ُه َو َب ْينَ ُه َق َرا َب ٌة‪َ ،‬أ ْو َب ْينَ ُه َو َب ْينَ ُه‬ ‫اإلن َْس ُ‬‫يم ْن َل َي ْع ِر ُف ُه ِ‬ ‫ف َ‬
‫ِ‬

‫ض َو َغ ْ ِي ِه َس َوا ٌء" اهـ‪.‬‬ ‫ِ‬


‫َار َم َة ‪َ ..‬ف ُحك ُْم ُه ِف ا َ‬
‫حل َ ِ‬ ‫اص َل َة َوا ُملك َ‬‫َم ْعنًى َي ْقتَض ا ُمل َو َ‬
‫(((‬

‫((( احلديث أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬


‫((( ((املنتقى))‪.334/4 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)530‬‬

‫وهذا الذي ذكره من كالم اإلمام مالك وسحنون يف حق أهل البوادي‬


‫واحلرض هو عىل مذهب اإلمام مالك‪ ،‬اما الشافعية فقد قالوا أهنا عليهام مع ًا‪ ،‬قاله‬
‫اإلمام النووي‪.‬‬
‫مقدار الضيافة‪:‬‬
‫اآلخ ِر ‪َ ..‬فل ُيك ِْر ْم َض ْي َف ُه َجائِ َز َت ُه)) َقا ُلوا‪:‬‬ ‫َان ي ْؤ ِمن بِاهلل واليو ِم ِ‬
‫َ َْ‬ ‫قال ‪َ (( :‬م ْن ك َ ُ ُ‬
‫ك‬‫َان َو َر َاء َذلِ َ‬‫الض َيا َف ُة َث َل َث ُة َأ َّيامٍ‪َ ،‬ف َم ك َ‬ ‫َو َما َج ِائ َز ُت ُه َيا َر ُس َ‬
‫ول اهلل؟ َق َال‪َ (( :‬ي ْو ٌم َو َل ْي َل ٌة‪َ ،‬و ِّ‬
‫‪َ ..‬ف ُه َو َصدَ َق ٌة َع َل ْي ِه)) أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫والثالثة أيام باليوم األول‪ ،‬أو ثالثة بعده‪ ،‬واألول أشبه‪ .‬قال اخلطايب‪ :‬أي‬
‫يتكلف له يو ًما وليلة‪ ،‬فيتحفه ويزيده يف الرب عىل ما حيرضه يف سائر األيام‪ ،‬ويف‬
‫(((‬
‫اليومني األخريين يقدم له ما حرض‪ ،‬فإذا مضت الثالثة ‪ ..‬فقد قىض حقه‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر يف ((فتح الباري))‪" :‬أي‪ :‬يكرم جائزته يوما وليلة‪ ،‬قوله‪:‬‬
‫((والضيافة ثالثة أيام‪ ،‬فام بعد ذلك فهو صدقة)) قال بن بطال‪ :‬سئل عنه مالك فقال‪:‬‬
‫يكرمه‪ ،‬ويتحفه يوما وليلة‪ ،‬وثالثة أيام ضيافة‪ ،‬قلت‪ :‬واختلفوا هل الثالث غري‬
‫األول‪ ،‬أو بعد منها؟ فقال أبو عبيد‪ :‬يتكلف له يف اليوم األول بالرب وااللطاف‪ ،‬ويف‬
‫الثاين والثالث يقدم له ما حرضه وال يزيده عىل عادته‪ ،‬ثم يعطيه ما جيوز به مسافة‬
‫(((‬
‫يوم وليلة‪ ،‬وتسمى اجليزة‪ ،‬وهي قدر ما جيوز به املسافر من منهل إىل منهل" اهـ‪.‬‬
‫َان ي ْؤ ِمن بِاهلل واليو ِم ِ‬
‫اآلخ ِر‪َ ،‬فل َي ُقل َخ ْ ًيا))‪،‬أي‪ :‬كالم ًا يثاب عليه‪،‬‬ ‫َ َْ‬ ‫(( َو َم ْن ك َ ُ ُ‬
‫قال الشافعي‪ :‬لكن بعد أن يتفكر فيام يريد أن يتكلم به‪ ،‬فإذا ظهر له أنه خريحمقق‬

‫((( ((إرشاد الساري))‪.228/10 :‬‬


‫((( ((فتح الباري))‪.599/10 :‬‬
‫(‪)531‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(((‬
‫جير إىل كالم حمرم أو مكروه ‪ ..‬أتى به‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫ال يرتتب عليه مفسدة وال ّ‬
‫(( َأ ْو لِ َي ْسك ْ‬
‫ُت))فليطلب السكوت عن الرش ليسلم؛ إذ آفات اللسان كثرية؛‬
‫بل حتى عن املباح؛ ألنه ربام أدى إىل حمرم أو مكروه‪ ،‬وبفرض أنه ال يؤدي إليهام‬
‫ول‬‫لت َيا َر ُس َ‬ ‫ففيه ضياع الوقت فيام ال يعني‪ ،‬وقد ورد َع ْن ُع ْق َب َة ْب ِن َع ِام ٍر َق َال‪ُ :‬ق ُ‬
‫ك))‬ ‫ك َع َل َخطِيئَتِ َ‬ ‫ُك‪ ،‬واب ِ‬
‫ك َب ْيت َ َ ْ‬ ‫ك لِ َسان َ‬
‫َك‪َ ،‬ول َي َس ْع َ‬ ‫ك َع َل ْي َ‬‫اهلل َما الن ََّجاةُ؟ َق َال‪َ (( :‬أ ْم ِس ْ‬
‫ك‬ ‫ك لِ َسان َ‬
‫َك‪َ ،‬ول َي َس ْع َ‬ ‫ك َع َل ْي َ‬‫أخرجه الرتمذي واللفظ له وأخرجه أمحد بلفظ‪َ (( :‬أ ْملِ ْ‬
‫َك))‪ ،‬ويقول ‪َ (( :‬و َهل‬ ‫اح ُر ْس لِ َسان َ‬ ‫ك))‪ ،‬ويف لفظ له‪ْ (( :‬‬ ‫ك َع َل َخطِيئَتِ َ‬ ‫ُك‪ ،‬واب ِ‬
‫َب ْيت َ َ ْ‬
‫لسنَتِ ِه ْم)) أخرجه‬ ‫َاخ ِر ِهم إِ َّل حصائِدُ َأ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫وه ِهم َأو ع َل من ِ‬
‫ْ ْ َ َ‬
‫َّار ع َل وج ِ‬
‫َّاس ِف الن ِ َ ُ ُ‬ ‫ُب الن َ‬ ‫َيك ُّ‬
‫أمحد والرتمذي وابن ماجه والنسائي‪.‬‬
‫‪ :‬ما يشء أحوج إىل طول سجن من لسان‪ ،‬ولبعضهام‪:‬‬ ‫وقال ابن مسعود‬
‫(((‬
‫اللسان حية مسكنها الفم‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪" :‬وهذا من جوامع الكلم؛ ألن القول كله إما خري‪،‬‬
‫وإما رش‪ ،‬وإما آيل إىل أحدمها‪ ،‬فدخل يف اخلري كل مطلوب من األقوال فرضها‬
‫وندهبا‪ ،‬فأذن فيه عىل اختالف أنواعه‪ ،‬ودخل فيه ما يؤول إليه‪ ،‬وما عدا ذلك مما هو‬
‫(((‬
‫رش أو يئول إىل الرش‪ ،‬فأمر عند إرادة اخلوض فيه بالصمت" اهـ‪.‬‬
‫َان َما َي َت َك َّلم بِ ِه َخ ْ ًيا‬
‫وقال اإلمام النووي‪َ " :‬ف َم ْعنَا ُه‪َ :‬أ َّن ُه إِ َذا َأ َرا َد َأ ْن َي َت َك َّلم َفإِ ْن ك َ‬
‫اج ًبا َأ ْو َمنْدُ و ًبا َفل َي َت َك َّل ْم‪َ ،‬وإِ ْن َل ْ َي ْظ َهر َل ُه َأ َّن ُه َخ ْي ُي َثاب َع َل ْي ِه‪،‬‬ ‫ُم َ َّق ًقا ُي َثاب َع َل ْي ِه‪َ ،‬و ِ‬
‫ي‪.‬‬ ‫َفل ُي ْم ِسك َع ْن الك ََلم َس َواء َظ َه َر َل ُه َأ َّن ُه َح َرام َأ ْو َمك ُْروه َأ ْو ُم َباح ُم ْست َِوي ال َّط َر َف ْ ِ‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.126/2 :‬‬


‫((( ((إرشاد الساري))‪.586/10 :‬‬
‫((( ((فتح الباري))‪.503/10 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)532‬‬
‫اإلمساك َعنْ ُه َمَا َف ًة ِم ْن اِن ِ‬ ‫َفع َل ه َذا يكُون الك ََلم ا ُملباح م ْأمورا بِ َ ِ ِ‬
‫ْج َراره‬ ‫تكه َمنْدُ و ًبا إِ َل ِ ْ َ‬ ‫َ َ ُ ً ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫ريا َأ ْو َغال ِ ًبا‪َ .‬و َقدْ َق َال اللَّ َت َع َال‪ :‬ﱹ ﭪ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إ َل ا ُمل َح َّرم َأ ْو ا َملك ُْروه‪َ .‬و َه َذا َي َقع ف ال َعا َدة كَث ً‬
‫الس َلف َوال ُع َل َمء ِف َأ َّن ُه َهل ُي ْكتَب‬ ‫ف َّ‬ ‫اخ َت َل َ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﱸ [ق‪َ ،]18 :‬و ْ‬
‫احا َل َث َواب فِ ِيه َو َل ِع َقاب لِ ُع ُمو ِم اآل َية َأ ْم َل‬ ‫َان ُم َب ً‬ ‫لفظ بِ ِه ال َع ْبد َوإِ ْن ك َ‬ ‫َجِيع ما ي ِ‬
‫َ َ‬
‫‪،‬‬ ‫ب اِ ْبن َع َّباس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُي ْكتَب إِ َّل َما فيه َج َزاء م ْن َث َواب َأ ْو ع َقاب ؟ َوإِ َل ال َّث ِان َذ َه َ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫تتَّب‬ ‫وصة‪َ ،‬أ ْي َما َيلفظ م ْن َق ْول َي َ َ‬ ‫َو َغ ْيه م ْن ال ُع َل َمء‪َ .‬و َع َل َه َذا َتكُون اآل َية َم ْ ُص َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الشع إِ َل ِ‬ ‫ِ‬
‫احات ل َئ َّل َين َْج َّر َصاح َ‬
‫بها‬ ‫اإل ْم َساك َع ْن كَثري م ْن ا ُمل َب َ‬ ‫َع َل ْيه َج َزاء‪َ .‬و َقدْ نَدَ َب َّ ْ‬
‫حل ِديث َف َق َال‪:‬‬ ‫َم ْعنَى ا َ‬ ‫الشافِ ِع ُّي‬ ‫وهات‪َ .‬و َقدْ َأ َخ َذ ِ‬
‫اإل َما ُم َّ‬ ‫إِ َل ا ُمل َح َّر َمات َأ ْو ا َملك ُْر َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضر‪،‬‬ ‫ضر َع َل ْيه َت َك َّل َم‪ ،‬إ ْن َظ َه َر َل ُه فيه َ َ‬ ‫إ َذا َأ َرا َد َأ ْن َي َت َك َّلم َفل ُي َفك ِّْر؛ َفإ ْن َظ َه َر َل ُه َأ َّن ُه َل َ َ‬
‫(((‬
‫َأ ْو َش َّك فِ ِيه َأ ْم َس َك" اهـ‪.‬‬
‫وقال املناوي يف ((فيض القدير))‪" :‬قال القرطبي‪ :‬معناه أن املصدق بالثواب‬
‫والعقاب املرتتبني عىل الكالم يف الدار اآلخرة ال خيلو إما أن يتكلم بام حيصل له‬
‫ثوابا أو خري ًا‪ ،‬فيغنم أو يسكت عن يشء‪ ،‬فيجلب له عقاب ًا أو رش ًا فيسلم‪ ،‬وعليه‬
‫فأو للتنويع والتقسيم‪ ،‬فيسن له الصمت حتى عن املباح؛ ألدائه إىل حمرم أو مكروه‬
‫وبفرض خلوه عن ذلك ‪ ..‬فهو ضياع الوقت فيام ال يعنيه‪ ،‬ومن حسن إسالم املرء‬
‫تركه ما ال يعنيه‪ ،‬وأثرها يف رواية البخاري يصمت عىل يسكت؛ ألنه أخص إذ هو‬
‫السكوت مع القدرة‪ ،‬وهذا هو املأمور به‪ ،‬أما السكوت مع العجز لفساد آلة النطق‬
‫‪ ..‬فهو اخلرس‪ ،‬أو لتوقفها فهو العي‪ ،‬وأفاد اخلرب أن قول اخلري خري من الصمت؛‬
‫لتقديمه عليه‪ ،‬وأنه إنام أمر به عند عدم قول اخلرب‪ ،‬قال القرطبي‪ :‬وقد أكثر الناس‬
‫الكالم يف تفصيل آفات الكالم‪ ،‬وهي أكثر من أن تدخل حتت حرص‪ ،‬وحاصله‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.195/2 :‬‬


‫(‪)533‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫أن آفات اللسان أرسع اآلفات لإلنسان‪ ،‬وأعظمها يف اهلالك واخلرسان‪ ،‬فاألصل‬
‫مالزمة الصمت إىل أن يتحقق السالمة من اآلفات واحلصول عىل اخلريات‪ ،‬فحينئذ‬
‫(((‬
‫خترج تلك الكلمة خمطومة‪ ،‬وبأزمة التقوى مزمومة" اهـ‪.‬‬
‫فائـــــدة‪:‬‬
‫َق َال‪:‬‬ ‫اسم ال ُق َش ْ ِي ِّي‬ ‫قال اإلمام النووي‪" :‬وروينَا َعن األُستَاذ َأ ِب ال َق ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ََ َْ‬
‫الر َجال ك ََم َأ َّن النُّ ْطق ِف‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫السكُوت ِف َو ْقته ص َفة ِّ‬ ‫الص ْمت بِ َس َل َمة َو ُه َو األَ ْصل َو ُّ‬ ‫َّ‬
‫َت َع ْن‬ ‫اق َي ُقول‪َ :‬م ْن َسك َ‬ ‫اخل َصال َق َال‪َ :‬و َس ِم ْعت َأ َبا َع ِ ّل الدَّ َّق َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ِ ِ‬
‫َم ْوضعه م ْن َأ ْ َ‬
‫السكُوت َف ِل َم َع ِل ُموا‬ ‫اهدَ ة ُّ‬‫حل ّق َف ُه َو َش ْي َطان َأ ْخ َرس‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َأ َّما إِي َثار َأ ْص َحاب ا ُمل َج َ‬ ‫ا َ‬
‫َما ِف الك ََلم ِم ْن اآل َفات‪ُ ،‬ث َّم َما فِ ِيه ِم ْن َح ِّظ النَّ ْفس‪َ ،‬وإِ ْظ َهار ِص َفات ا َملدْ ح‪َ ،‬وا َمل ْيل‬
‫إِ َل َأ ْن َيت ََم َّيز ِم ْن َب ْي َأ ْشكَاله بِ ُح ْس ِن النُّ ْطق‪َ ،‬و َغ ْي َه َذا ِم ْن اآل َفات َو َذلِ َك َن ْع ُت َأ ْر َباب‬
‫َاهنم ِف ُحكْم ا ُملن ََاز َلة َو َ ْت ِذيب اخلُ ُلق‪َ .‬و َر َو ْينَا َع ْن ال ُف َض ْي ِل‬ ‫اضة‪َ ،‬و ُه َو َأ َحد َأ ْرك ْ‬ ‫الر َي َ‬ ‫ِّ‬
‫َق َال‪َ :‬م ْن عَدَّ ك ََلمه ِم ْن َع َمله َق َّل ك ََل ُم ُه فِ َيم َل َي ْعنِيه‪َ .‬و َع ْن ِذي النُّون‬ ‫ْبن ِع َياض‬
‫(((‬
‫‪َ :‬أ ْص َو ُن النَّاس لِنَ ْف ِس ِه َأ ْم َسك ُُه ْم لِ ِل َسانِ ِه" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬التحذير من آفات اللسان‪.‬‬
‫‪2 .2‬تعريف حق اجلار‪ ،‬واحلث عىل حفظ جواره وإكرامه‪.‬‬
‫وخ ُل ِق ِه‪.‬‬
‫‪3 .3‬األمر بإكرام الضيف‪ ،‬وهو من آداب اإلسالم ُ‬

‫‪4 .4‬قال القسطالين‪" :‬وقد اشتمل هذا احلديث من الطريقني عىل أمور ثالثة جتمع‬

‫((( ((فيض القدير))‪.240/8 :‬‬


‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.)195/2 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)534‬‬

‫األوالن ‪ ..‬فمن الفعلية‪ ،‬وأوهلام يرجع‬


‫مكارم األخالق الفعلية والقولية‪ ،‬أما ّ‬
‫إىل األمر بالتخيل عن الرذيلة‪ ،‬والثاين يرجع إىل األمر بالتحيل بالفضيلة‪،‬‬
‫واحلاصل أن من كان كامل اإليامن ‪ ..‬فهو متصف بالشفقة عىل خلق اهلل قوالً‬
‫(((‬
‫ال ملا ينفع‪ ،‬أو ترك ًا ملا يرض" اهـ‪.‬‬
‫باخلري‪ ،‬أو سكوتًا عن الرش‪ ،‬أو فع ً‬

‫((( ((إرشاد الساري))‪.228/10 :‬‬


‫(‪)535‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث السادس والسبعون‬

‫ول اهلل‪ ،‬إِ َّن ِل َج َار ْي ِن‪َ ،‬فإِ َل َأ ِّيِ َم ُأ ْه ِدي؟‬


‫لت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫َع ْن َع ِائ َش َة‬
‫َقا َل ْت‪ُ :‬ق ُ‬
‫َق َال‪(( :‬إِ َل َأ ْقر ِبِم ِمن ِ‬
‫ْك َبا ًبا)) رواه البخاري‪.‬‬ ‫َ َ‬

‫™™راوية الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجتها يف‬ ‫هي أم املؤمنني الطاهرة عائشة الصديقة‬
‫احلديث الثالث والثالثني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫ذلك لعلمها أهنا قد أمرت بإكرام‬ ‫‪(( :‬إِ َّن ِل َج َار ْي ِن ))‪ ،‬إنام قالت‬ ‫قوله‬
‫اجلار مطلق ًا‪ ،‬أي‪ :‬ال أقدر عىل اإلهداء إليهام مع ًا‪ ،‬وقد أمرت باإلكرام للجار مطلق ًا‪.‬‬
‫(( َفإِ َل َأ ِّيِ َم ُأ ْه ِدي؟))‪ ،‬أي‪ :‬أعطي اهلدية ملن منهام حتى أدخل يف مجلة القائمني‬
‫باإلحسان إىل اجلوار‪ ،‬إذ ما معي ال يكفي لالثنني مع ًا‪.‬‬
‫جميب ًا هلا‪(( :‬إِ َل َأ ْقر ِبِم ِمن ِ‬
‫ْك َبا ًبا))‪ ،‬أي‪ :‬أشدمها قرب ًا؛ ألنه املراد‬ ‫(( َق َ‬
‫ال))‬
‫َ َ‬
‫باجلار ذي القربى عىل أحد األقوال‪ ،‬فأزال بجوابه اإلشكال الذي كان عندها‪،‬‬
‫واحلكمة يف ذلك أن األقرب يرى ما يدخل بيت جاره من هدية وغريها‪ ،‬فيتشوف‬
‫هلا‪ ،‬بخالف األبعد‪ ،‬وأن األقرب أرسع إجابة ملا يقع جلاره من املهامت‪ ،‬وال سيام يف‬
‫(((‬
‫أوقات الغفلة‪ ،‬قاله احلافظ ابن حجر‪.‬‬
‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.503/10 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)536‬‬

‫وهل اإلهداء لألقرب واجب‪ ،‬أو مندوب؟‬


‫االهداء إىل األقرب مندوب‪ ،‬ألن اهلدية يف األصل ليست بواجبة‪ ،‬فال يكون‬
‫(((‬
‫الرتتيب فيها واجب ًا‪ ،‬قاله ابن أيب محزة‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪" :‬ويؤخذ من احلديث أن األخذ يف العمل بام هو أعىل‬
‫(((‬
‫أوىل‪ ،‬وفيه تقديم العلم عىل العمل" اهـ‪.‬‬
‫فائــــدة‪:‬‬
‫قال ابن بطال‪" :‬وهذا احلديث يدل أن اسم اجلار يقع عىل غري اللزيق؛ ألنه قد‬
‫جارا لزي ًقا وبابه من سكة غري سكته‪ ،‬وله جار بينه وبني بابه قدر ذراعني‬
‫يكون له ً‬
‫وليس بلزيق له‪ ،‬وهو أدنامها با ًبا‪ ،‬وقد خرج أبو حنيفة عن ظاهر هذا احلديث‬
‫فقال‪ :‬إن اجلار اللزيق إذا ترك الشفعة‪ ،‬وطلبها الذى يليه وليس له حد إىل الدار‬
‫وال طريق‪ ،‬أال شفعة له‪.‬‬
‫وعوام العلامء يقولون‪ :‬إذا أوىص الرجل جلريانه بامل ُأعطى اللزيق وغريه‪،‬‬
‫(((‬
‫إال أبا حنيفة فإنه فارق عوام العلامء وقال‪ :‬ال يعطى إال اللزيق وحده" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬إكرام اجلار بقدر املستطاع دون تكلف‪.‬‬
‫‪2 .2‬اجلار األقرب باب ًا أوىل بجميع حقوق اجلوار وكرم العرشة والرب ممن هو أبعد‬
‫منه باب ًا‪.‬‬
‫‪3 .3‬األخذ يف العمل بام هو أعىل أوىل‪.‬‬
‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.)503/10 :‬‬
‫((( املرجع السابق‪.‬‬
‫((( ((رشح ابن بطال))‪.398/11 :‬‬
‫(‪)537‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث السابع والسبعون‬

‫اب ِعنْدَ‬
‫(( َخ ْ ُي األَ ْص َح ِ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهلل‬ ‫َع ْن َع ْب ِد اهلل ْب ِن َع ْم ٍرو‬
‫ان ِعنْدَ اهلل َخ ْي ُه ْم َِل ِ‬
‫ار ِه)) رواه الرتمذي‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫اجلري ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫اهلل َخ ْ ُي ُه ْم ل َصاحبِه‪َ ،‬و َخ ْ ُي َ‬
‫حديث حسن‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته‬ ‫هو الصحايب اجلليل عبداهلل بن عمرو بن العاص‬
‫يف احلديث التاسع والعرشين‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫اب ِعنْدَ اهلل))‪ ،‬أي‪ :‬أكثرهم عنده ثواب ًا أو أكرمهم‬
‫قوله ‪َ (( :‬خ ْ ُي األَ ْص َح ِ‬
‫عنده منزلة‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ :‬ﱹﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﱸ [احلجرات‪ ،]13 :‬والصاحب‬
‫يقع عىل األدنى واألعىل واملساوي يف صحبة دين أو دنيا‪ ،‬سفر ًا أو حرض ًا‪.‬‬
‫احبِ ِه))‪،‬أي‪ :‬أكثرهم قيام ًا بام ينفع صاحبه‪ ،‬ودفع ًا ملا يؤذيه‪ ،‬وإن‬
‫(( َخيهم لِص ِ‬
‫ُْ ُ ْ َ‬
‫كان اآلخر قد يفضله يف خصائص أخر‪.‬‬
‫ان)) ثواب ًا أو منزلة (( ِعنْدَ اهلل َخ ْي ُه ْم َِل ِ‬
‫ار ِه))‪ ،‬ولو برفع األذى‬ ‫اجلري ِ‬
‫(( َو َخ ْي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عنه‪ ،‬فكل من كان أكثر خري ًا لصاحبه أو جاره ‪ ..‬فهو األفضل عند اهلل تعاىل‪ ،‬هذا‬
‫هو املنطوق‪ ،‬واملفهوم‪ :‬أن رشهم عند اهلل رشهم لصاحبه أو جاره‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)538‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن املؤمن خيدم ويعني جاره بقدر املستطاع‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن األفضل عند اهلل من حيسن الصحبة واجلوار‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن رشهم عند اهلل رشهم لصاحبه وجاره‪.‬‬
‫(‪)539‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث الثامن والسبعون‬

‫ب َأ ْن ُي ْب َس َط َل ُه ِف ِرز ِْق ِه‪،‬‬


‫َق َال‪َ (( :‬م ْن َأ َح َّ‬ ‫َأ َّن َر ُس َ‬
‫ول اهلل‬ ‫َع ْن َأن ٍ‬
‫َس‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو ُين َْس َأ َل ُه ِف َأ َث ِره‪َ ،‬فل َيصل َر َ‬
‫ح ُه)) متفق عليه‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجتها يف احلديث‬ ‫هو الصحايب اجلليل أنس بن مالك‬
‫احلادي عرش‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫س ُه))‪ ،‬أي‪ :‬أفرحه‪.‬‬ ‫‪َ (( :‬م ْن َأ َح َّ‬
‫ب))‪ ،‬ويف لفظ عند البخاري (( َم ْن َ َّ‬ ‫قوله‬
‫(( َأ ْن ُي ْب َس َط َل ُه))‪ ،‬أي‪ :‬يوسع له (( ِف ِرز ِْق ِه))‪ ،‬أي‪ :‬مرزوقه‪.‬‬
‫واختلفوا يف معنى توسيع الرزق‪ ،‬فقيل توسيعه وكثرته‪ ،‬وقيل‪ :‬الربكة فيه‪.‬‬
‫(( َو ُين َْس َأ َل ُه))‪ ،‬أي‪ :‬يؤخر له (( ِف َأ َث ِر ِه))‪ ،‬أي‪ :‬يف أجله‪ ،‬وسمي األجل أثر ًا؛ ألنه‬
‫يتبع العمر‪ ،‬قال زهري‪:‬‬
‫ال ينقيض العمر حتى ينتهي األثر‬ ‫واملرء مـــا عاش ممـــدود له أمل‬

‫وأصله من أثر مشيه يف األرض‪ ،‬فإن من مات ال يبقى له حركة‪ ،‬فال يبقى لقدمه يف‬
‫األرض أثر‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(( َفل َيصل َر َ‬
‫ح ُه))‪ ،‬واختلفوا يف الرحم‪ ،‬فقيل‪ :‬كل ذي رحم حمرم‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)540‬‬

‫وارث‪ ،‬وقيل‪ :‬هو القريب سواء كان حمرما أو غريه‪ ،‬ووصل الرحم ترشيك ذوي‬
‫القربى يف اخلريات‪ ،‬وهو قد يكون باملال‪ ،‬وباخلدمة‪ ،‬وبالزيارة‪ ،‬ونحوها‪.‬‬
‫حكم صلة الرحم‪:‬‬
‫قال العيني يف ((عمدة القاري))‪" :‬وقال عياض‪ :‬ال خالف أن صلة الرحم‬
‫واجبة يف اجلملة‪ ،‬وقطيعتها معصية كبرية‪ ،‬واألحاديث تشهد هلذا؛ ولكن للصلة‬
‫درجات بعضها أرفع من بعض‪ ،‬وأدناها ترك املهاجرة وصلتها بالكالم‪ ،‬ولو‬
‫بالسالم‪ ،‬وخيتلف ذلك باختالف القدرة واحلاجة‪ ،‬فمنها واجب‪ ،‬ومنها مستحب‪،‬‬
‫ولو وصل بعض الصلة‪ ،‬ومل يصل غايتها ‪ ..‬ال يسمى قاطع ًا‪ ،‬ولو قرص عام يقدر‬
‫(((‬
‫عليه‪ ،‬وينبغي له أن يسم واص ً‬
‫ال" اهـ‪.‬‬
‫وقد ورد يف فضل صلة الرحم األحاديث الكثرية‪ ،‬فمنها ما روي َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ون بِ ِه َأ ْر َح َامك ُْم‪َ ،‬فإِ َّن ِص َل َة‬
‫َق َال‪َ (( :‬ت َع َّل ُموا ِم ْن َأن َْسابِك ُْم َما ت َِص ُل َ‬ ‫َع ْن النَّبِ ِّي‬
‫ال‪َ ،‬من َْس َأ ٌة ِف َأ َث ِر ِه)) أخرجه أمحد والرتمذي‪.‬‬ ‫م َّب ٌة ِف األَ ْه ِل‪،‬م ْثرا ٌة ِف ا َمل ِ‬
‫َ َ‬ ‫الر ِح ِم َ َ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫و َع ْن َع ِائ َش َة‬
‫الر ْف ِق ‪َ ..‬ف َقدْ‬‫َق َال َلَا‪(( :‬إِ َّن ُه َم ْن ُأ ْعط َي َح َّظ ُه م ْن ِّ‬ ‫َأ َّن النَّبِ َّي‬
‫اجل َو ِار ‪..‬‬ ‫اخل ُل ِق َو ُح ْس ُن ِ‬ ‫الر ِحمِ‪َ ،‬و ُح ْس ُن ُ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُأ ْعط َي َح َّظ ُه م ْن َخ ْ ِي الدُّ ْن َيا َواآلخ َرة‪َ ،‬وص َل ُة َّ‬
‫ِ‬

‫ان ِف األَ ْع َم ِر)) أخرجه أمحد‪.‬‬ ‫ان الدِّ َي َار‪َ ،‬و َي ِزيدَ ِ‬ ‫َي ْع ُم َر ِ‬

‫مسألــــة‪:‬‬
‫ي َم ُع ِف َب ْط ِن ُأ ِّم ِه‬ ‫قد يشكل هذا احلديث مع قول النبي ‪(( :‬إِ َّن َأ َحدَ ك ُْم ُ ْ‬
‫ث اهللُ‬ ‫ك‪ُ ،‬ث َّم َي ْب َع ُ‬‫ُون ُم ْض َغ ًة ِم ْث َل َذلِ َ‬ ‫ُون َع َل َق ًة ِم ْث َل َذلِ َ‬
‫ك‪ُ ،‬ث َّم َيك ُ‬ ‫ني َي ْو ًما‪ُ ،‬ث َّم َيك ُ‬ ‫ِ‬
‫َأ ْر َبع َ‬
‫َب َع َم ُل ُه‪َ ،‬و َأ َج ُل ُه‪َ ،‬و ِر ْز ُق ُه‪َ ،‬و َش ِق ٌّي‪َ ،‬أ ْو َس ِعيدٌ )) أخرجه‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫إِ َل ْيه َم َلكًا بِ َأ ْر َب ِع كَل َمت‪َ ،‬ف ُي ْكت ُ‬

‫((( ((عمدة القاري))‪.308/9 :‬‬


‫(‪)541‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫البخاري ومسلم‪ ،‬فهذا احلديث يدل عىل أنه يكتب رزقه وأجله وهو يف بطن أمه‪،‬‬
‫كام أنه يشكل احلديث مع قول اهلل تعاىل‪ :‬ﱹ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﱸ [النحل‪.]61 :‬‬
‫وقد أجاب العلامء عىل ذلك بأجوبة ننقلها هنا‪:‬‬
‫‪y y‬قال اإلمام النووي‪َ " :‬و َأ َّما الت َّْأ ِخري ِف األَ َجل َف ِف ِيه ُس َؤال َم ْش ُهور‪َ ،‬و ُه َو َأ َّن‬
‫اآلجال َواألَ ْر َزاق ُم َقدَّ َرة َل ت َِزيد َو َل َتنْ ُقص‪ ،‬ﱹ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬ ‫َ‬
‫الص ِحيح ِمن َْها َأ َّن‬ ‫ٍ‬
‫اب ال ُع َل َمء بِ َأ ْج ِو َبة َّ‬ ‫ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﱸ [النحل‪َ ،]61 :‬و َأ َج َ‬
‫ات‪َ ،‬و ِع َم َرة َأ ْو َقاته بِ َم َينْ َفع ُه ِف‬ ‫الزيادة بِالبك َِة ِف ُعمره‪ ،‬والتَّوفِيق لِل َّطا َع ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َهذه ِّ َ َ َ َ‬
‫ِ ِ‬

‫الض َياع ِف َغ ْي َذلِ َك‪َ .‬وال َّث ِان َأ َّن ُه بِالن ِّْس َب ِة إِ َل َما َي ْظ َهر‬ ‫َتها َع ْن َّ‬ ‫ِ‬
‫اآلخ َرة‪َ ،‬وص َيان َ‬
‫ِ‬
‫لم َل ِئك َِة َو ِف ال َّل ْوح ا َمل ْح ُفوظ‪َ ،‬ون َْحو َذلِ َك‪َ ،‬ف َي ْظ َهر َل ُ ْم ِف ال َّل ْوح َأ َّن ُع ْمره ِست َ‬
‫ُّون‬ ‫ل َ‬
‫ِ‬

‫لل ُس ْب َحانه َو َت َع َال‬ ‫ون‪َ ،‬و َقدْ َع ِل َم ا َّ‬ ‫َسنَة إِ َّل َأ ْن َي ِصل َر ِحه َفإِ ْن َو َص َل َها ِزيدَ َل ُه َأ ْر َب ُع َ‬
‫َما َس َي َق ُع َل ُه ِم ْن َذل ِ َك‪َ ،‬و ُه َو ِم ْن َم ْعنَى َق ْوله َت َع َال‪:‬ﱹ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﱸ‬
‫[الرعد‪َ ،]39 :‬فبِالن ِّْس َب ِة إِ َل ِعلم اللَّ َت َع َال‪َ ،‬و َما َس َب َق بِ ِه َقدَ ره َو َل ِز َيا َدة َبل ِه َي‬
‫حل ِديث‪.‬‬ ‫الز َيا َدة‪َ ،‬و ُه َو ُم َراد ا َ‬ ‫ني ُتت ََص َّور ِّ‬ ‫وق َ‬ ‫َحي َلة‪ ،‬وبِالنِّسب ِة إِ َل ما َظهر لِلم ْخ ُل ِ‬
‫َ ََ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫مست ِ‬
‫ُ ْ‬
‫اض‪َ ،‬و ُه َو‬ ‫وال َّثالِث َأ َّن ا ُملراد ب َقاء ِذكْره اجل ِميل بعده‪َ ،‬فك ََأ َّنه َل يم ْت‪ .‬حكَاه ال َق ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ُ َُْ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫(((‬
‫َض ِعيف َأ ْو َباطِل َو َاللَّ َأ ْع َلم" اهـ‪.‬‬
‫‪y y‬وقال احلافظ ابن حجر‪" :‬قال بن التني‪ :‬ظاهر احلديث يعارض قوله تعاىل‪ :‬ﱹﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﱸ [النحل‪ ،]61 :‬واجلمع بينهام من‬
‫وجهني‪،‬أحدمها‪ :‬أن هذه الزيادة كناية عن الربكة يف العمر بسبب التوفيق إىل‬
‫الطاعة‪ ،‬وعامرة وقته بام ينفعه يف اآلخرة‪ ،‬وصيانته عن تضييعه يف غري ذلك‪،‬‬
‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.227/16 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)542‬‬

‫تقارص أعامر أمته بالنسبة ألعامر من مىض من‬ ‫ومثل هذا ما جاء أن النبي‬
‫األمم‪ ،‬فأعطاه اهلل ليلة القدر‪ ،‬وحاصله أن صلة الرحم تكون سببا للتوفيق‬
‫للطاعة‪ ،‬والصيانة عن املعصية‪ ،‬فيبقى بعده الذكر اجلميل‪ ،‬فكأنه مل يمت‪ ،‬ومن‬
‫مجلة ما حيصل له من التوفيق العلم الذي ينتفع به من بعده‪ ،‬والصدقة اجلارية‬
‫عليه‪ ،‬واخللف الصالح‪،‬ثانيهام‪ :‬أن الزيادة عىل حقيقتها‪ ،‬وذلك بالنسبة إىل علم‬
‫امللك املوكل بالعمر‪ ،‬وأما األول الذي دلت عليه اآلية ‪ ..‬فبالنسبة إىل علم اهلل‬
‫ال أن عمر فالن مائة مث ً‬
‫ال أن وصل رمحه‪ ،‬وستون‬ ‫تعاىل‪ ،‬كأن يقال للملك مث ً‬
‫إن قطعها‪ ،‬وقد سبق يف علم اهلل أنه يصل أو يقطع‪ ،‬فالذي يف علم اهلل ال يتقدم‬
‫وال يتأخر‪ ،‬والذي يف علم امللك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص‪ ،‬وإليه اإلشارة‬
‫بقوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﱸ [الرعد‪،]39 :‬‬
‫فاملحو واإلثبات بالنسبة ملا يف علم امللك‪ ،‬وما يف أم الكتاب هو الذي يف علم اهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬فال حمو فيه البتة‪ ،‬ويقال له القضاء املربم‪ ،‬ويقال لألول القضاء املعلق‪،‬‬
‫والوجه األول أليق بلفظ حديث الباب‪ ،‬فإن األثر ما يتبع اليشء‪ ،‬فإذا أخر ‪..‬‬
‫حسن أن حيمل عىل الذكر احلسن بعد فقد املذكور‪ ،‬وقال الطيبي‪ :‬الوجه األول‬
‫أظهر‪ ،‬وإليه يشري كالم صاحب الفائق‪ ،‬قال‪ :‬وجيوز أن يكون املعنى‪ :‬أن اهلل‬
‫يبقي أثر واصل الرحم يف الدنيا طويالً‪ ،‬فال يضمحل رسيع ًا كام يضمحل أثر‬
‫قاطع الرحم‪ ،‬وملا أنشد أبو متام قوله يف بعض املراثي‪:‬‬
‫وأصبح يف شغل عن السفر السفر‬ ‫توفيـــت اآلمال بعـــد حممد‬

‫قال له أبو دلف‪ :‬مل يمت من قيل فيه هذا الشعر‪ ،‬ومن هذه املادة قول اخلليل‬
‫‪:‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﱸ [الشعراء‪ ،]84 :‬وقد ورد يف تفسريه وجه‬
‫ثالث‪ ،‬فأخرج الطرباين يف الصغري بسند ضعيف عن أيب الدرداء قال‪ :‬ذكر عند‬
‫(‪)543‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫من وصل رمحه أنيسء له يف أجله‪ ،‬فقال‪(( :‬إنه ليس زيادة يف‬ ‫رسول اهلل‬
‫عمره))‪ .‬قال اهلل تعاىل‪ :‬ﱹ ﭣ ﭤ ﭥ ﱸ اآلية‪ ،‬ولكن الرجل تكون له‬
‫الذرية الصاحلة يدعون له من بعده‪ ،‬وله يف ((الكبري)) من حديث أيب مشجعة‬
‫اجلهني رفعه‪(( :‬إن اهلل ال يؤخر نفسا إذا جاء أجلها‪ ،‬وإنام زيادة العمر ذرية‬
‫صاحلة)) احلديث‪ ،‬وجزم بن فورك بأن املراد بزيادة العمر نفي اآلفات عن‬
‫صاحب الرب يف فهمه وعقله‪ ،‬وقال غريه‪ :‬يف أعم من ذلك‪ ،‬ويف وجود الربكة‬
‫يف رزقه‪ ،‬وعلمه‪ ،‬ونحو ذلك" اهـ‪)((((.‬‬

‫‪y y‬وقال يف ((عمدة القاري))‪" :‬قال أبو الفرج‪ :‬فإن قيل أليس قد فرغ من األجل‬
‫والرزق‪ ،‬فاجلواب من مخسة أوجه‪ :‬أحدها‪ ،‬أن يكون املراد بالزيادة توسعة‬
‫الرزق‪ ،‬وصحة البدن‪ ،‬فإن الغنى يسمى حياة‪ ،‬والفقر موت ًا‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن يكتب أجل العبد مائة سنة‪ ،‬وجيعل تزكيته تعمري ثامنني سنة‪ ،‬فإذا‬
‫وصل رمحه ‪ ..‬زاده اهلل يف تزكيته‪ ،‬فعاش عرشين سنة أخرى‪ ،‬قاهلام ابن قتيبة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن هذا التأخري يف األصل مما قد فرغ منه؛ لكنه علق األنعام به بصلة‬
‫الرحم‪ ،‬فكأنه كتب أن فالن ًا يبقى مخسني سنة‪ ،‬فإن وصل رمحه ‪ ..‬بقي ستني سنة‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن تكون هذه الزيادة يف املكتوب‪ ،‬واملكتوب غري املعلوم‪ ،‬فام علمه‬
‫اهلل تعاىل من هناية العمر ال يتغري‪ ،‬وما كتبه قد يمحى ويثبت‪ ،‬وقد كان عمر بن‬
‫اخلطاب يقول‪" :‬إن كنت كتبتني شقي ًا ‪ ..‬فاحمني"‪ ،‬وما قال‪ :‬إن كنت علمتني؛‬
‫ألن ما علم وقوعه البد أن يقع‪ ،‬ويبقى عىل هذا اجلواب إشكال وهو أن يقال‪:‬‬
‫إذا كان املحتوم واقع ًا ‪ ..‬فام الذي أفاده زيادة املكتوب ونقصانه؟ فاجلواب‪ :‬أن‬

‫((( ((فتح الباري))‪.468/10 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)544‬‬

‫املعامالت عىل الظواهر‪ ،‬واملعلوم الباطن خفي ال يعلق عليه حكم‪ ،‬فيجوز أن‬
‫يكون املكتوب يزيد وينقص‪ ،‬ويمحى ويثبت؛ ليبلغ ذلك عىل لسان الرشع‬
‫إىل اآلدمي‪ ،‬فيعلم فضيلة الرب‪ ،‬وشؤم العقوق‪ ،‬وجيوز أن يكون هذا مما يتعلق‬
‫فتؤمر باإلثبات واملحو‪ ،‬والعلم احلتم ال يطلعون عليه‪ ،‬ومن‬ ‫باملالئكة‬
‫هذا إرسال الرسل إىل من ال يؤمن‪.‬‬
‫اخلامس‪ :‬أن زيادة األجل تكون بالربكة فيه‪ ،‬وتوفيق صاحبه لفعل اخلريات‪،‬‬
‫وبلوغ األغراض‪ ،‬فنال يف قرص العمر ما يناله غريه يف طويله‪ ،‬وزعم عياض‬
‫أن املراد بذلك بقاء ذكره اجلميل بعد املوت عىل األلسنة‪ ،‬فكأنه مل يمت‪ ،‬وذكر‬
‫(((‬
‫احلكيم الرتمذي أن املراد بذلك قلة املقام يف الربزخ" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬عظيم شأن الرحم عند اهلل‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن صلة الرحم سبب لبسط الرزق‪ ،‬وطول العمر‪.‬‬
‫‪3 .3‬إباحة اختيار الغنى عىل الفقر‪ ،‬كام قاله ابن بطال‪.‬‬

‫((( ((عمدة القاري))‪.309/9 :‬‬


‫(‪)545‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث التاسع والسبعون‬

‫اص ُل بِا ُملكَافِ ِئ‪،‬‬


‫َق َال‪َ (( :‬ليس الو ِ‬
‫ْ َ َ‬ ‫َأ َّن النَّبِ َّي‬ ‫َع ْن َع ْب ِداهلل ْب ِن َع ْم ٍرو‬
‫ح ُه ‪َ ..‬و َص َل َها)) رواه البخاري‪.‬‬ ‫اص ُل ا َّل ِذي إِ َذا َق َطع ْ ِ‬ ‫و َلكِن الو ِ‬
‫ت َر ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجتها‬ ‫هو الصحايب اجلليل عبداهلل بن عمرو بن العاص‬
‫يف احلديث التاسع والعرشين‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪َ (( :‬ليس الو ِ‬
‫اص ُل))‪ ،‬أي‪ :‬الكامل الوصل‪.‬‬ ‫قوله‬
‫ْ َ َ‬
‫((بِا ُملكَافِ ِئ))‪ ،‬أي‪ :‬الذي يعطي لغريه نظري ما أعطاه ذلك الغري‪ ،‬فليس‬
‫الواصل رمحه الذي يصلهم مكافأة هلم عىل ِ‬
‫صلة تقدمت منهم إليه‪ ،‬فكافأهم عليها‬
‫بصلة مثلها‪ ،‬وقد أخرج البيهقي يف ((شعب اإليامن)) وعبدالرزاق يف ((مصنفه)) عن‬
‫قال‪" :‬ليس الوصل أن تصل من‬ ‫عكرمة أن أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب‬
‫وصلك؛ ذلك القصاص‪ ،‬ولكن الوصل أن تصل من قطعك"‪ ،‬والقصاص‪ :‬أن‬
‫يوقع عىل اجلاين مثل ما جنى‪ :‬النفس بالنفس‪ ،‬واجلرح باجلرح‪.‬‬
‫(( َو َلكِ َّن)) بتشديد النون‪ ،‬وجيوز التخفيف كام هي يف البخاري‪.‬‬
‫ح ُه ‪َ ..‬و َص َل َها))‪ ،‬قطعت بفتحتني يف أوهلا‪ ،‬أي‪:‬‬‫اص ُل ا َّل ِذي إِ َذا َق َطع ْ ِ‬
‫((الو ِ‬
‫ت َر ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الذي إذا منع ‪ ..‬أعطى‪ ،‬وإذا ُقطع ‪ ..‬وصل‪ ،‬فيصل قريبه الذي قاطعه‪ ،‬وضبطت يف‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)546‬‬

‫بعض الروايات بضم أوله وكرس ثانيه عىل البناء للمجهول ( ُقطِ َع ْت)‪.‬‬
‫قال الطيبي‪ :‬معناه ليس حقيقة الواصل ومن ُي ْعتَدُّ بِ ِص َلتِ ِه من يكافئ صاحبه‬
‫(((‬
‫بمثل فِ ْع ِل ِه‪َ ،‬و َل ِكنَّ ُه من َي َت َف َّض ُل علىصاحبه‪ .‬اهـ‬
‫وقال احلافظ ابن حجر يف ((فتح الباري))‪" :‬قال شيخنا‪ :‬يف رشح الرتمذي‪:‬‬
‫املراد بالواصل يف هذا احلديث الكامل‪ ،‬فإن يف املكافأة نوع صلة‪ ،‬بخالف من‬
‫إذا وصله قريبه مل يكافئه‪ ،‬فإن فيه قطع ًا بإعراضه عن ذلك‪ ،‬وهو من قبيل (( َل ْي َس‬
‫ض))((( انتهى‪ .‬وأقول‪ :‬ال يلزم‬ ‫الش ِديدُ بِالصع ِة))‪ (((،‬و(( َليس ِ‬
‫الغنَى َع ْن َك ْث َر ِة ال َع َر ِ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُّ َ َ‬ ‫َّ‬
‫من نفى الوصل ثبوت القطع‪ ،‬فهم ثالث درجات‪ :‬مواصل‪ ،‬ومكافئ‪ ،‬وقاطع‪،‬‬
‫فالواصل ‪ ..‬من يتفضل‪ ،‬وال ُيتفضل عليه‪ ،‬واملكافئ ‪ ..‬الذي ال يزيد يف اإلعطاء‬
‫عىل ما يأخذ‪ ،‬والقاطع ‪ ..‬الذي ُيتفضل عليه وال يتفضل‪ ،‬وكام تقع املكافأة بالصلة‬
‫من اجلانبني كذلك تقع باملقاطعة من اجلانبني‪ ،‬فمن بدأ حينئذ ‪ ..‬فهو الواصل‪ ،‬فإن‬
‫(((‬
‫جوزي ‪ ..‬سمي من جازاه مكافئ ًا" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬علو رتبة الواصل لرمحه الذي يصله؛ ولكن أعىل منها رتبة من يصل رمحه‬
‫الذي يقطعه‪.‬‬
‫‪2 .2‬الدفع بالتي هي أحسن‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن املؤمن حريص عىل صلة أرحامه مهام صدر منهم‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.477/10 :‬‬


‫((( أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫((( أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫((( ((فتح الباري))‪.477/10 :‬‬
‫(‪)547‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث الثمانون‬

‫ول‪:‬‬ ‫الر ِح ُم ُم َع َّل َق ٌة بِال َع ْر ِ‬


‫ش َت ُق ُ‬ ‫‪َّ (( :‬‬ ‫ول اهلل‬ ‫َقا َل ْت‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َع ْن َع ِائ َش َة‬
‫َم ْن َو َص َلنِي ‪َ ..‬و َص َل ُه اهللُ‪َ ،‬و َم ْن َق َط َعنِي ‪َ ..‬ق َط َع ُه اهللُ)) متفق عليه‪.‬‬

‫™™راوية الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجتها يف‬ ‫هي أم املؤمنني الطاهرة عائشة الصديقة‬
‫احلديث الثالث والثالثني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫الر ِح ُم ِش ْجنَ ٌة‪َ ،‬ف َم ْن َو َص َل َها ‪َ ..‬و َصل ُت ُه‪،‬‬
‫وهذا لفظ مسلم‪ ،‬ولفظ البخاري‪َّ (( :‬‬
‫مصححا عليها يف الفرع‪،‬‬
‫ً‬ ‫َو َم ْن َق َط َع َها ‪َ ..‬ق َط ْع ُت ُه))‪ ،‬وشجنة‪:‬بكرس الشني املعجمة‬
‫وسكون اجليم بعدها نون‪ ،‬وجيوز فتح األول وضمه رواية ولغة‪ ،‬قال احلافظ‬
‫ابن حجر‪" :‬وأصل الشجنة عروق الشجر املشتبكة‪ ،‬والشجن بالتحريك واحد‬
‫الشجون‪ ،‬وهي طرق األودية‪ ،‬ومنه قوهلم‪ :‬احلديث ذو شجون‪ ،‬أي‪ :‬يدخل بعضه‬
‫(((‬
‫يف بعض" اهـ‪.‬‬
‫ش))‪ ،‬الظاهر احلقيقية‪ ،‬أي‪ :‬مستمسكة‬ ‫الر ِح ُم ُم َع َّل َق ٌة بِال َع ْر ِ‬
‫‪َّ (( :‬‬ ‫قوله‬
‫برب العرش كام ورد يف‬ ‫آخذة بقائمة من قوائمه‪ ،‬وحيتمل أن املعنى‪ :‬أهنا الئذة ّ‬
‫َق َال‪:‬‬ ‫َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫احلديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫((( ((فتح الباري))‪.471/10 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)548‬‬

‫ك ِم ْن‬‫الر ِح ُم‪َ :‬ه َذا َم َقا ُم ال َعائِ ِذ بِ َ‬


‫ت َّ‬ ‫لق ِه ‪َ ..‬قا َل ْ‬
‫لق حتَّى إِ َذا َفر َغ ِمن َخ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫اخل َ َ‬ ‫((إِ َّن اهللَ َخ َل َق َ‬
‫ك و َأ ْق َطع من َق َطع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ت‪َ :‬ب َل‬‫ك؟ َقا َل ْ‬ ‫ي َأ ْن َأص َل َم ْن َو َص َل َ َ َ ْ َ‬ ‫ال َقطي َعة‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬أ َما ت َْر َض ْ َ‬
‫ول اهلل ‪َ (( :‬فا ْق َر ُءوا إِ ْن ِش ْئت ُْم‪ :‬ﱹ ﭾ ﭿ ﮀ‬ ‫ك))‪َ ،‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫يا رب‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فهو َل ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ َ ِّ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﱸ [حممد‪.]22 :‬‬
‫(( َت ُق ُ‬
‫ول))‪ ،‬أي‪ :‬الرحم‪.‬‬
‫(( َم ْن َو َص َلنِي ‪َ ..‬و َص َل ُه اهللُ‪َ ،‬و َم ْن َق َط َعنِي ‪َ ..‬ق َط َع ُه اهللُ))‪ ،‬قال اإلمام النووي‪:‬‬
‫ُب إِن ََّم ِه َي َم ْعنَى ِم ْن ا َمل َع ِان‪،‬‬ ‫ُوصل َو ُت ْق َطع َوت َ ّ‬
‫ِ‬
‫الرحم ا َّلتي ت َ‬
‫اض ِعياض‪ِ :‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫" َق َال ال َق ِ‬

‫ض‪،‬‬ ‫َل ْي َس ْت بِ ِج ْس ٍم‪َ ،‬وإِن ََّم ِه َي َق َرا َبة َون ََسب َ ْت َمع ُه َر ِحم َوالِدَ ة‪َ ،‬و َيت َِّصل َب ْعضه بِ َب ْع ٍ‬
‫الق َيام َو َل الك ََلم‪َ ،‬ف َيكُون ِذكْر‬ ‫حا‪ .‬وا َملعنَى َل يت ََأتَّى ِمنْه ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫َف ُس ِّم َي َذل َك الت َِّصال َر ً َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬

‫ضب َم َثل‪َ ،‬و ُح ْسن اِ ْستِ َع َارة َع َل َعا َدة ال َع َرب ِف اِ ْستِ ْع َمل َذلِ َك‪،‬‬ ‫قها َ ْ‬ ‫امها ُهنَا َو َت َع ُّل َ‬ ‫ق َي َ‬
‫ِ‬

‫وق ِه ْم‪ِ ،‬ل َ َذا ُس ِّم َي‬ ‫اص ِليها‪ ،‬و َعظِيم إِ ْثم َقاطِ ِعيها بِع ُق ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫وا ُملراد َتعظِيم َش ْأهنا‪ ،‬و َف ِضي َلة و ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يوز َأ ْن َيكُون‬ ‫الس َبب ا ُملتَّصل‪َ .‬ق َال‪َ :‬و َ ُ‬ ‫الش ّق ك ََأ َّن ُه َق َط َع َذل َك َّ‬ ‫ال ُع ُقوق َق ْط ًعا‪َ ،‬وال َع ّق َّ‬
‫ش َو َت َك َّل َم َع َل لِ َساهنَا ِ َب َذا بِ َأ ْم ِر اللَّ َت َع َال‪.‬‬ ‫ا ُمل َراد َقا َم َم َلك ِم ْن ا َمل َل ِئكَة َو َت َع َّل َق بِال َع ْر ِ‬
‫َجئ إِ َل ْي ِه ا ُملست ِ‬ ‫الش ِء ا ُمللت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َجري‬ ‫ْ‬ ‫َه َذا ك ََلم ال َقاض‪َ .‬وال َعائذ ا ُمل ْستَعيذ‪َ ،‬و ُه َو ا ُمل ْعتَصم بِ َّ ْ‬
‫حة‪َ ،‬ف ِص َلة اللَّ ُس ْب َحانه َو َت َع َال ِع َب َارة‬ ‫الر ْ َ‬ ‫الص َلة ال َع ْطف َو َّ‬
‫ِ‬
‫بِه‪َ .‬ق َال ال ُع َل َمء‪َ :‬و َحقي َقة ِّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫تهم بِ َأ ْه ِل َم َلكُوته‬ ‫اه ْم‪َ ،‬و َع ْطفه بِإِ ْح َسانه َون َعمه‪َ ،‬أ ْو ص َل ْ‬ ‫حته إِ َّي ُ‬ ‫َع ْن ُل ْطفه ِبِ ْم‪َ ،‬و َر ْ َ‬
‫اض ِع َياض‪َ :‬و َل ِخ َلف َأ َّن‬ ‫األَ ْع َل‪ ،‬و َشح صدُ ورهم َلِع ِر َفتِ ِه و َطا َعته‪َ .‬ق َال ال َق ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫اجبة ِف اجلم َلة‪ ،‬و َقطِيعتها مع ِصية كَبِرية‪َ .‬ق َال‪ :‬واألَح ِ‬ ‫ِص َلة ِ‬
‫اديث ِف ال َباب‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ َ َ َْ َ‬ ‫الرحم َو ِ َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اج َرة‪،‬‬ ‫َاها ت َْرك ا ُمل َه َ‬ ‫ضها َأ ْر َفع م ْن َب ْعض‪َ ،‬و َأ ْدن َ‬ ‫الص َلة َد َر َجات َب ْع َ‬ ‫ت َْش َهد ل َ َذا‪َ ،‬و َلك َّن ِّ‬
‫اجة‪َ ،‬ف ِمن َْها‬ ‫حل َ‬ ‫اخت َلف ال ُقدْ َرة َوا َ‬
‫يت َِلف َذلِ َك بِ ْ ِ ِ‬ ‫الس َل ِم‪َ ،‬و َ ْ‬ ‫َوص َل َتها بِالك ََل ِم َو َل ْو بِ َّ‬
‫ِ‬

‫الص َلة َل ْ َي ِصل َغا َي َتها َل ُي َس َّمى َقاطِ ًعا‪،‬‬ ‫ب‪َ ،‬و َل ْو َو َص َل َب ْعض ِّ‬ ‫اجب‪َ ،‬ومن َْها ُم ْست ََح ّ‬
‫ِ‬ ‫َو ِ‬
‫(‪)549‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫الر ِحم‬ ‫اخ َت َل ُفوا ِف َحدِّ َّ‬
‫و َلو َقص َعم ي ْق ِدر َع َلي ِه وينْب ِغي َله َل يسمى و ِ‬
‫اص ًل‪َ .‬ق َال‪َ :‬و ْ‬ ‫ُ ُ َ َّ َ‬ ‫ْ ََ َ‬ ‫َ ْ َّ َ َّ َ‬
‫اآلخر ُأ ْن َثى‬
‫مها َذك ًَرا َو َ‬ ‫تب ِص َل َتها‪َ ،‬ف ِق َيل‪ُ :‬ه َو ك ُّل َر ِحم َم ْ َرم بِ َح ْي ُث َل ْو ك َ‬
‫َان َأ َحد َ‬ ‫ا َّلتِي َ ِ‬
‫احت ََّج‬ ‫تهم‪َ .‬ف َع َل َه َذا َل َيدْ ُخل َأ ْو َلد األَ ْع َمم َو َل َأ ْو َلد األَ ْخ َوال‪َ ،‬و ْ‬ ‫َح َ‬ ‫َح ُر َم ْت ُمنَاك َ‬
‫جل ْمع َب ْي ا َمل ْر َأة َو َع َّم َتها َأ ْو َخا َل َتها ِف النِّكَاح َون َْحوه‪َ ،‬و َج َواز‬ ‫ِ‬
‫َه َذا ال َقائل بِت َْح ِري ِم ا َ‬
‫َذلِ َك ِف َبنَات األَ ْع َمم َواألَ ْخ َوال‪َ .‬و ِق َيل‪ُ :‬ه َو َعا ّم ِف ك ُّل َر ِحم ِم ْن َذ ِوي األَ ْر َحام ِف‬
‫(( ُث َّم َأ ْدنَاك َأ ْدنَاك))‪َ ،‬ه َذا ك ََلم‬ ‫املِ َرياث‪َ ،‬ي ْست َِوي ا َمل ْح َرم َو َغ ْيه‪َ ،‬و َيدُ ّل َع َل ْي ِه َق ْوله‬
‫السابِق ِف َأ ْهل‬ ‫اض‪ .‬وه َذا ال َقول ال َّث ِان هو الصواب‪ ،‬و ِما يدُ ّل َع َلي ِه ا ِ‬ ‫ال َق ِ‬
‫حلديث َّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫ُ َ َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫الب َأ ْن َي ِصل َأ ْهل ُو ّد َأبِ ِيه)) َم َع َأ َّن ُه‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ‬
‫حا))‪َ ،‬و َحديث‪(( :‬إ َّن أ َب ّر ِ ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْص‪َ (( :‬فإِ َّن َُل ْم ذ َّمة َو َر ً‬
‫ِ‬
‫(((‬
‫َل َم ْ َر ِم َّية" اهـ‪.‬‬
‫وقال املناوي يف ((فيض القدير))‪" :‬قال القرطبي‪ :‬الرحم التي توصل ‪..‬‬
‫عامة وخاصة‪ ،‬فالعامة رحم الدين‪ ،‬وجيب مواصلتها بالود‪ ،‬والتناصح‪ ،‬والعدل‪،‬‬
‫واإلنصاف‪ ،‬والقيام باحلق الواجب واملندوب‪ ،‬واخلاصة تزيد بالنفقة عىل القريب‪،‬‬
‫وتفقد حاله‪ ،‬والتغافل عن زلته‪ ،‬وتتفاوت مراتب استحقاقهم يف ذلك‪ ،‬ويقدم‬
‫األقرب فاألقرب‪ ،‬وقال ابن أيب مجرة‪ :‬صلة الرحم باملال‪ ،‬وبالعون عىل احلوائج‪،‬‬
‫ودفع الرضر وطالقة الوجه‪ ،‬والدعاء‪ ،‬واملعنى اجلامع إيصاله ما أمكن من خري‪،‬‬
‫ودفع ما أمكن من رش بقدر الطاقة‪ ،‬وهذا كله إذا كان أهل لرحم أهل استقامة‪ ،‬فإن‬
‫كانوا كفار ًا‪ ،‬أو فجار ًا ‪ ..‬فمقاطعتهم يف اهلل صلتهم برشط بذل اجلهد يف وعظهم‪،‬‬
‫وإعالمهم بأن إرصارهم سبب مقاطعتهم‪ ،‬وحينئذ تكون صلتهم الدعاء هلم بظهر‬
‫الغيب باالستقامة‪ ،‬وقال الذهبي‪ :‬يدخل فيه من قطعهم باجلفاء واإلمهال واحلمق‪،‬‬
‫ومن وصلهم بامله‪ ،‬ووده‪ ،‬وبشاشته‪ ،‬وزيارته ‪ ..‬فهو واصل‪ ،‬ومن فعل بعض‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.226/16 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)550‬‬

‫ذلك‪ ،‬وترك بعضا ‪ ..‬ففيه قسط من الصلة والقطيعة‪ ،‬والناس يف ذلك متفاوتون‪،‬‬
‫(((‬
‫وقد يعرض الشخص عن َر ِحِ ِه لفسقهم‪ ،‬وعتوهم‪ ،‬وعنادهم" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬صلة الرحم سبب للصلة من اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن قطع الرحم من الكبائر‪ ،‬وهي موجبة للقطيعة من اهلل‪.‬‬

‫((( ((فيض القدير))‪.98/5 :‬‬


‫(‪)551‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث احلادي والثمانون‬

‫ول اهلل‬‫َأ َّن َر ُج ًل َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫وب َخالِ ِد ْب ِن َز ْي ٍد األَن َْص ِ‬


‫ار ِّي‬ ‫َع ْن َأ ِب َأ ُّي َ‬
‫اعدُ ِن ِم ْن الن ِ‬
‫َّار‪َ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي‬ ‫اجلنَّ َة‪ ،‬ويب ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب ِن بِ َع َم ٍل ُيدْ خ ُلني َ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫(( َت ْع ُبدُ اللََّ‪َ ،‬و َل‬ ‫أ ْخ ِ ْ‬
‫الر ِح َم)) متفق عليه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الص َلةَ‪َ ،‬وت ُْؤ ِت ال َّزكَاةَ‪َ ،‬وتَص ُل َّ‬ ‫يم َّ‬
‫ِ‬ ‫تْ ِ ِ‬
‫ُش ُك بِه َش ْيئًا‪َ ،‬وتُق ُ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمـــــه‬
‫هو الصحايب اجلليل خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف بن غنم‬
‫األنصاري النجاري‪ ،‬من بني النجار وبنو النجار من اخلزرج بن حارثة‪.‬‬
‫يكنى‪ :‬بأيب أيوب‪.‬‬
‫أمه‪ :‬هند بنت سعد بن عمرو بن أمرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن‬
‫اخلزرج بن احلارث بن اخلزرج األكرب‪.‬‬
‫قال احلافظ بن حجر يف ((فتح الباري))‪" :‬ويقال إن ت َّبع ًا ملا غزا احلجاز واجتاز‬
‫يثرب ‪ ..‬خرج إليه أربعامئة حرب‪ ،‬فأخربوه بام جيب من تعظيم البيت‪ ،‬وأن نبي ًا سيبعث‬
‫يكون مسكنه يثرب‪ ،‬فأكرمهم وعظم البيت بأن كساه‪ ،‬وهو أول من كساه‪ ،‬وكتب‬
‫إن أدركه‪،‬‬ ‫كتاب ًا‪ ،‬وسلمه لرجل من أولئك األحبار‪ ،‬وأوصاه أن يسلمه للنبي‬
‫فيقال‪ :‬إن أبا أيوب من ذرية ذلك الرجل‪ ،‬حكاه بن هشام يف النيجان‪ ،‬وأورده بن‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)552‬‬
‫(((‬
‫عساكر يف ترمجة تبع" اهـ‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫فضائلــــه‬
‫العقبة وبدر ًا وأحد ًا واخلندق وبيعة الرضوان ومجيع املشاهد مع‬ ‫شهد‬
‫رسول اهلل‪.‬‬
‫يف بيته عندما قدم إىل املدينة‬ ‫وأرضاه رشف نزول احلبيب‬ ‫وقد نال‬
‫‪َ :‬أ َّن النَّبِ َّي‬ ‫وب‬ ‫ف َع ْن َأ ِب َأ ُّي َ‬ ‫املنورة وقبل أن يبني حجرة أم املؤمنني سودة‬
‫الع ِ‬‫ِف الس ْف ِل‪ ،‬و َأبو َأيوب ِف ِ‬ ‫ن ََز َل َع َل ْي ِه‪َ ،‬فن ََز َل النَّبِ ُّي‬
‫وب‬ ‫لو‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فا ْن َت َب َه َأ ُبو َأ ُّي َ‬ ‫َ ُ ُّ َ‬ ‫ُّ‬
‫ب‪ُ ،‬ث َّم َق َال لِلنَّبِ ِّي‬ ‫ول اهلل ‪َ ،‬ف َتن ََّح ْوا‪َ ،‬ف َباتُوا ِف َجانِ ٍ‬ ‫س رس ِ‬ ‫ِ‬
‫َل ْي َل ًة‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ن َْمش َف ْو َق َر ْأ ِ َ ُ‬
‫ْت َ ْتت ََها‪َ ،‬فت ََح َّو َل‬ ‫الس ْف ُل َأ ْر َف ُق))‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ل َأ ْع ُلو َس ِقي َف ًة َأن َ‬ ‫‪َ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي ‪ُّ (( :‬‬
‫َط َعا ًما‪َ ،‬فإِ َذا ِجي َء‬ ‫َان َي ْصن َُع لِلنَّبِ ِّي‬ ‫وب ِف ُّ‬
‫الس ْف ِل َفك َ‬ ‫ِف ال ُع ُل ّو‪َ ِ،‬و َأ ُبو َأ ُّي َ‬ ‫النَّبِ ُّي‬
‫بِ ِه إِ َل ْي ِه ‪َ ..‬س َأ َل َع ْن َم ْو ِض ِع َأ َصابِ ِع ِه‪َ ،‬ف َي َت َت َّب ُع َم ْو ِض َع َأ َصابِ ِعه‪َ ِ،‬ف َصن ََع َل ُه َط َعا ًما فِ ِيه ُثو ٌم‪،‬‬
‫َف َل َّم ُر َّد إِ َل ْي ِه ‪َ ..‬س َأ َل َع ْن َم ْو ِض ِع َأ َصابِ ِع النَّبِ ِّي ‪َ ،‬ف ِق َيل َل ُه‪َ :‬ل ْ َي ْأكُل‪َ ،‬ف َف ِز َع َو َص ِعدَ‬
‫‪َ (( :‬ل‪َ ،‬و َلكِنِّي َأك َْر ُه ُه))‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فإِ ِّن َأك َْر ُه‬ ‫إِ َل ْي ِه‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬أ َح َرا ٌم ُه َو؟ َف َق َال النَّبِ ُّي‬
‫ُي ْؤتَى‪ .‬أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫َان النَّبِ ُّي‬ ‫َما َتك َْر ُه‪َ ،‬أ ْو َما ك َِر ْه َت‪َ ،‬ق َال َوك َ‬

‫أن خيرج من خيرب قال القوم‪:‬‬ ‫وعن ابن عباس قال‪ :‬ملا أراد رسول اهلل‬
‫اآلن نعلم أرسي ٌة صفي ُة أم امرأة؟ فإن كانت امرأة ‪ ..‬فسيحجبها‪ ،‬وإال ‪ ..‬فهي رسية‪.‬‬
‫بسرت‪ ،‬فسرت دوهنا‪ ،‬فعرف الناس أهنا امرأة‪ ،‬فلام أرادت أن تركب‬‫فلام خرج ‪ ..‬أمر ٍ‬
‫‪ ..‬أدنى فخذه منها لرتكب عليها‪ ،‬فأبت ووضعت ركبتها عىل فخذه‪ ،‬ثم محلها‪،‬‬
‫فلام كان الليل نزل فدخل ال ُفسطاط ودخلت معه‪ ،‬وجاء أبو أيوب‪ ،‬فبات عند‬
‫الفسطاط‪ ،‬معه السيف‪ ،‬واضع رأسه عىل الفسطاط‪ ،‬فلام أصبح رسول اهلل‬
‫((( ((فتح الباري))‪.284/7 :‬‬
‫(‪)553‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫سمع احلركة‪ ،‬فقال‪ :‬من هذا؟ فقال‪ :‬أنا أبو أيوب‪ ،‬فقال‪ :‬ما شأنك؟ فقال‪:‬‬
‫عهد بعرس‪ ،‬وقد صنعت بزوجها ما صنعت‪ ،‬فلم‬‫يا رسول اهلل جارية شابة حديثة ٍ‬

‫‪(( :‬رمحك اهلل يا أبا‬ ‫آمنها‪ ،‬قلت‪ :‬إن حتركت ‪ ..‬كنت قريب ًا منك‪ ،‬فقال رسول اهلل‬
‫أيوب)) ثالث مرات‪ .‬أخرجه الطرباين‪.‬‬
‫قال ابن يونس‪ :‬قدم مرص يف البحر سنة ست وأربعني‪.‬‬
‫وقال أبو زرعة النرصي‪ :‬قدم دمشق زمن معاوية‪.‬‬
‫وقال اخلطيب‪ :‬شهد حرب اخلوارج مع عيل‪.‬‬
‫وشهد الفتوح‪ ،‬وداوم الغزو‪ ،‬واستخلفه سيدنا عيل كرم اهلل وجهه عىل املدينة‬
‫ملا خرج إىل العراق‪ ،‬ثم حلق به بعد‪ ،‬وشهد معه قتال اخلوارج‪.‬‬
‫شيئ ًا‪،‬‬ ‫وروي عن سعيد بن املسيب أن أبا أيوب أخذ من حلية رسول اهلل‬
‫فقال له‪(( :‬ال يصيبك السوء يا أبا أيوب))‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫روى عنه كثريون‪ ،‬ومنهم‪ :‬ابن عباس‪ ،‬وجابر بن سمة‪ ،‬والرباء بن عازب‪،‬‬
‫واملقدام بن معد يكرب‪ ،‬وأبو أمامة الباهيل‪ ،‬وزيد بن خالد اجلهني‪ ،‬وعبداهلل بن‬
‫يزيد اخلطمي‪ ،‬وجبري بن نفري‪ ،‬وسعيد بن املسيب‪ ،‬وموسى بن طلحة‪ ،‬وعروة بن‬
‫الزبري‪ ،‬وعطاء بن يزيد الليثي‪ ،‬وأفلح مواله‪ ،‬وأبورهم السامعي‪ ،‬وأبو سلمة بن‬
‫عبدالرمحن‪ ،‬وعبدالرمحن ابن أيب ليىل‪ ،‬وقرثع الضبي‪ ،‬وحممد بن كعب‪ ،‬والقاسم‬
‫أبو عبدالرمحن؛ وآخرون‪.‬‬
‫(‪ )150‬مائة ومخسون حديثا‪ ،‬اتفقا منها عىل سبعة‪،‬‬ ‫وروى عن النبي‬
‫وانفرد البخاري بحديث‪ ،‬كام يف ((عمدة القاري))‪ ،‬ويف ((دليل الفاحلني))‪ :‬وانفرد‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)554‬‬

‫مسلم بآخر‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتـــــه‬
‫بالقسطنطينية سنة اثنني ومخسني‪ ،‬وعليه األكثرون‪.‬‬ ‫تويف‬
‫وقيل سنة مخسني‪.‬‬
‫وقيل سنة إحدى ومخسني‪.‬‬
‫وصىل عليه يزيد بن معاوية‪ ،‬وقربه بأصل حصن القسطنطينية بأرض الروم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َف َع ْن َأ ِب ظِ ْب َي َ‬
‫ض ‪َ ..‬ق َال‪َ :‬أنَا‬ ‫الرو َم‪َ ،‬ف َم ِر َض‪َ ،‬ف َل َّم ُح َ‬ ‫ان َق َال‪َ :‬غ َزا َأ ُبو َأ ُّي َ‬
‫وب ُّ‬
‫ُون َ ْت َت َأ ْقدَ ِامك ُْم‪َ ،‬و َس ُأ َحدِّ ُثك ُْم‬
‫ون‪َ ،‬فإِ َذا َصا َف ْعت ُُم ال َعدُ َّو ‪َ ..‬فا ْدفِن ِ‬ ‫احِ ُل ِ‬
‫إِ َذا ِم ُّت ‪َ ..‬ف ْ‬
‫ول اهلل‬ ‫ول اهلل ‪َ ،‬ل ْو َل َح ِال َه َذا َما َحدَّ ْث ُتك ُُمو ُه‪َ ،‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬ ‫َح ِدي ًثا س ِم ْع ُت ُه ِم ْن رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫اجل َّن َة)) أخرجه أمحد‪.‬‬ ‫ش ُك بِاهلل َش ْيئًا ‪َ ..‬د َخ َل َ‬ ‫ات َل ُي ْ ِ‬‫ول‪َ (( :‬م ْن َم َ‬ ‫َي ُق ُ‬

‫قال الواقدي‪ :‬فلقد بلغنا أن الروم يتعاهدون قربه ويزورونه ويستسقون به‬
‫(((‬
‫إذا قحطوا‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫قوله‪َ (( :‬أ َّن َر ُج ًل))‪ ،‬قال احلافظ ابن حجر‪" :‬قوله‪( :‬أن رج ً‬
‫ال) هذا الرجل‬
‫حكى بن قتيبة يف غريب احلديث له أنه أبو أيوب الراوي‪ ،‬وغلطه بعضهم يف ذلك‪،‬‬
‫فقال‪ :‬إنام هو راوي احلديث‪ ،‬ويف التغليط نظر إذ ال مانع أن يبهم الراوي نفسه‬
‫لغرض له‪ ،‬وال يقال يبعد لوصفه يف رواية أيب هريرة التي بعد هذه بكونه أعرابي ًا؛‬
‫ألنا نقول ال مانع من تعدد القصة‪ ،‬فيكون السائل يف حديث أيب أيوب هو نفسه؛‬

‫((( انظر‪(( :‬صفة الصفوة))‪.210/1 :‬‬


‫(‪)555‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫لقوله‪ :‬إن رجالً‪ ،‬والسائل يف حديث أيب هريرة أعرايب آخر قد سمي فيام رواه‬
‫البغوي‪ ،‬وبن السكن‪ ،‬والطرباين يف الكبري‪ ،‬وأبو مسلم الكجي يف السنن من طريق‬
‫حممد بن جحادة‪ ،‬وغريه عن املغرية بن عبداهلل اليشكري أن أباه حدثه قال انطلقت‬
‫إىل الكوفة فدخلت املسجد فإذا رجل من قيس يقال له‪ :‬بن املنتفق" اهـ‪ (((،‬ثم قال‬
‫احلافظ بعد ذلك بقليل‪" :‬وزعم الصرييف أن اسم بن املنتفق هذا لقيط بن صربة وافد‬
‫بني املنتفق‪ ،‬فاهلل أعلم" اهـ‪.‬‬
‫ب ِن بِ َع َم ٍل ُيدْ ِخ ُلنِي َ‬
‫اجلنَّ َة))‪ ،‬قال القسطالين‪" :‬برفع‬ ‫َ‬
‫ول اهلل أ ْخ ِ ْ‬
‫(( َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫الفعل املضارع واجلملة املصدرية به يف حمل جر صفة لعمل‪ ،‬واستشكل اجلزم عىل‬
‫جواب األمر ألنه يصري قوله بعمل غري موصوف والنكرة غري املوصوفة ال تفيد‪.‬‬
‫كذا قاله املظهري يف رشح املصابيح‪.‬‬
‫وأجيب‪ :‬بأن التنكري يف عمل للتفخيم أو النوع أي‪ :‬بعمل عظيم أو معترب‬
‫يف الرشع‪ ،‬أو يقال جزاء الرشط حمذوف تقديره‪ :‬أخربين بعمل إن عملته يدخلني‬
‫(((‬
‫اجلنة‪ ،‬فاجلملة الرشطية بأرسها صفة لعمل)) اهـ‪.‬‬
‫اعدُ ِن ِم ْن الن ِ‬
‫َّار)) أي‪ :‬نفس العمل؛ ألنه إن أدخله اجلنة فقد باعده من‬ ‫((ويب ِ‬
‫ََُ‬
‫النار‪ ،‬وكان قوله‪ :‬يدخلني اجلنة يغني عن قوله‪ :‬يباعدين من النار‪ ،‬وإنام قاهلا ليظهر‬
‫نفوره من النار‪ ،‬وكراهيته‪ ،‬وخوفه من دخوله‪.‬‬
‫ُش ُك بِ ِه َش ْيئًا))‪ ،‬أي‪ :‬توحده‪ ،‬والواو للعطف‪،‬‬
‫للَ‪َ ،‬و َل ت ْ ِ‬ ‫(( َف َق َال النَّبِ ُّي‬
‫‪َ :‬ت ْع ُبدُ ا َّ‬
‫واملقصود منه بيان العبادة املعتدّ هبا‪ ،‬ويف رواية عند ابن عساكر من غري واو‪ ،‬فقوله‪:‬‬
‫تفسري لقوله‪(( :‬تعبد اهلل))‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ :‬ﱹ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ٌ‬ ‫((ال ترشك به شيئ ًا))‬

‫((( ((فتح الباري))‪.293/3 :‬‬


‫((( ((إرشاد الساري))‪.159/3 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)556‬‬

‫ﭶ ﭷ ﭸ ﱸ [الذاريات‪ ،]56 :‬قال يف ((عمدة القاري))‪" :‬أي‪ :‬ليوحدوين‪،‬‬


‫والتحقيق هنا أن العبادة الطاعة مع خضوع‪ ،‬فيحتمل أن يكون املراد بالعبادة هنا‬
‫معرفة اهلل تعاىل‪ ،‬واإلقرار بوحدانيته‪ ،‬فعىل هذا يكون عطف الصالة‪ ،‬وعطف ما‬
‫بعدها عليها إلدخاهلا يف اإلسالم‪ ،‬وأهنا مل تكن دخلت يف العبادة‪ ،‬وحيتمل أن يكون‬
‫املراد بالعبادة الطاعة مطلقا‪ ،‬فيدخل مجيع وظائف اإلسالم فيها‪ ،‬فعىل هذا يكون‬
‫عطف الصالة وغريها من باب عطف اخلاص عىل العام تنبيها عىل رشفه ومزيته‪،‬‬
‫وإنام ذكر قوله‪(( :‬وال ترشك به شيئ ًا)) بعد العبادة؛ ألن الكفار كانوا يعبدونه سبحانه‬
‫(((‬
‫يف الصورة‪ ،‬ويعبدون معه أوثانا يزعمون أهنا رشكاء‪ ،‬فنفى هذا" اهـ‪.‬‬
‫الص َل َة))‪ ،‬أي‪ :‬تؤدهيا مداوم ًا عليها يف وقتها مستجمعة لألركان‬ ‫ِ‬
‫يم َّ‬
‫(( َوتُق ُ‬
‫والرشوط والسنن‪ ،‬مع جتنب مبطالهتا‪ ،‬واملراد هنا الصالة املكتوبة‪.‬‬
‫(( َوت ُْؤ ِت ال َّزكَا َة))‪ ،‬أي‪ :‬تعطي الزكاة ملستحقيها إذا وجبت عليك‪.‬‬
‫الر ِح َم))‪ ،‬أي حتسن إىل أقاربك ذوي رمحك بام تيرس عىل حسب‬ ‫ِ‬
‫(( َوتَص ُل َّ‬
‫حالك وحاهلم من أنفاق‪ ،‬أو سالم‪ ،‬أو زيارة أو غري ذلك‪ ،‬وخص الرحم بالذكر‬
‫هنا من دون سائر الواجبات يف الدين؛ لقرهبا من السائل‪ ،‬أو ألن ذلك أنسب حلاله‪،‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر يف ((فتح الباري))‪" :‬وخص هذه اخلصلة من بني خالل اخلري‬
‫نظر ًا إىل حال السائل‪ ،‬كأنه كان ال يصل رمحه‪ ،‬فأمره به‪ :‬ألنه املهم بالنسبة إليه‪،‬‬
‫ويؤخذ منه ختصيص بعض األعامل باحلض عليها بحسب حال املخاطب‪ ،‬وافتقاره‬
‫(((‬
‫للتنبيه عليها أكثر مما سواها‪ ،‬إما ملشقتها عليه‪ ،‬وإما لتسهيله يف أمرها" اهـ‪.‬‬

‫((( ((عمدة القاري))‪.188/7 :‬‬


‫((( ((فتح الباري))‪.294/3 :‬‬
‫(‪)557‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬
‫‪1 .1‬ال يدخل اجلنة إال من عبداهلل خملص ًا له الدين‪.‬‬
‫‪2 .2‬إقامة الواجبات وما أمر اهلل به سبب للنجاة من النار والفوز بدار القرار‪.‬‬
‫‪3 .3‬املؤمن حريص عىل ما يسلمه من العذاب ويقربه من رب األرباب‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)558‬‬

‫احلديث الثاني والثمانون‬

‫َأ َّن َر ُج ًل َأتَا ُه‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬إِ َّن ِ َل ْام َر َأ ًة َوإِ َّن ُأ ِّمي ت َْأ ُم ُر ِن‬ ‫َع ْن َأ ِب الدَّ ْر َد ِاء‬
‫اجلن َِّة‪َ ،‬فإِ ْن‬
‫اب َ‬ ‫الوالِدُ َأ ْو َس ُط َأ ْب َو ِ‬ ‫ول‪َ (( :‬‬ ‫َي ُق ُ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫ت َر ُس َ‬‫بِ َط َل ِق َها؟ َف َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُ‬
‫اح َف ْظ ُه)) رواه الرتمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث صحيح‪.‬‬ ‫اب‪َ ،‬أ ْو ْ‬‫ك ال َب َ‬ ‫ْت‪َ ،‬ف َأ ِض ْع َذلِ َ‬
‫ِشئ َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو الدرداء‬
‫الستني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫قوله‪َ (( :‬أ َّن َر ُج ًل َأتَا ُه‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬إِ َّن ِ َل ْام َر َأ ًة َوإِ َّن ُأ ِّمي ت َْأ ُم ُر ِن بِ َط َل ِق َها؟))‪ ،‬أي‪ :‬وأنا‬
‫ال أريد طالقها ألين أحبها‪ ،‬أو ألي سبب آخر‪.‬‬
‫(( َف َق َال)) أبو الدرداء‬
‫‪.‬‬
‫اجلن َِّة))‪ ،‬وقوله الوالد يشمل‬ ‫الوالِدُ َأ ْو َس ُط َأ ْب َو ِ‬
‫اب َ‬ ‫َي ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬‬ ‫(( َس ِم ْع ُ‬
‫ت َر ُس َ‬
‫ول اهلل‬
‫األبوين وإن علوا‪ ،‬واختلفوا يف معنى قوله ‪(( :‬أوسط أبواب اجلنة)) عىل أقوال‪:‬‬
‫ ‪-‬فقال أبو موسى املدين؛ أي خريها‪ ،‬يقال هو من أوسط قومه أي من خيارهم‪.‬‬
‫ ‪-‬وقال العراقي‪ :‬واملعنى أن ّبره مؤ ّد إىل دخول اجلنة من أوسط أبواهبا‪.‬‬
‫(((‬
‫ ‪-‬وقال العاقويل‪ :‬املعنى أحسن ما يتصول به إىل دخول اجلنة بر الوالدين‪.‬‬
‫((( ((دليل الفاحلني))‪.157/2 :‬‬
‫(‪)559‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(((‬
‫ ‪-‬وقال البيضاوي‪ :‬أي خري األبواب وأعالها‪.‬‬
‫ ‪-‬قال ابن َّ‬
‫علن يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬وكالم العراقي أقرب‪ ،‬فيكون يف احلديث‬
‫(((‬
‫مضاف إىل املبتدأ‪ ،‬وآخر يف اخلرب" اهـ‪.‬‬
‫ ‪-‬قال املناوي يف ((فيض القدير))‪" :‬وقال بعضهم‪ :‬خريها‪ ،‬وأفضلها‪ ،‬وأعالها‪،‬‬
‫يقال‪ :‬هو من أوسط قومه‪ ،‬أي‪ :‬من خيارهم‪ ،‬وعليه‪ ..‬فاملراد بكونه أوسط‬
‫أبواهبا من التوسط بني شيئني‪ ،‬فالباب األيمن أوهلا‪ ،‬وهو الذي يدخل منه من‬
‫ال حساب عليه‪ ،‬ثم ثالثة أبواب‪ :‬باب الصالة‪ ،‬وباب الصيام‪ ،‬وباب اجلهاد‪،‬‬
‫هذا إن كان املراد أوسط أبواب اجلنة‪ ،‬وحيتمل أن املراد أن بر الوالدين أوسط‬
‫األعامل املؤدية إىل اجلنة؛ ألن من األعامل ما هو أفضل منه‪ ،‬ومنها ما هو دون‬
‫(((‬
‫الرب‪ ،‬والرب متوسط بني تلك األعامل" اهـ‪.‬‬
‫اب))‪ ،‬بعدم برمها‪ ،‬وخمالفة أمرمها‪.‬‬ ‫ْت‪َ ،‬ف َأ ِض ْع َذلِ َ‬
‫ك ال َب َ‬ ‫(( َفإِ ْن ِشئ َ‬

‫(( َأ ْو ْ‬
‫اح َف ْظ ُه)) بذلك‪ ،‬أي‪ :‬بفعل ما ُطلب منك‪.‬‬
‫أمر الوالدين الولد بطالق زوجته‪:‬‬
‫األب‪ ،‬أو اال ُم ولدمها بتطليق زوجته‪ ،‬هل يلزمه امتثال أمرمها‬
‫ُ‬ ‫لو أمر‬
‫وتطليقها‪ ،‬أو ال يلزمه ذلك؟‬
‫اختلف أهل العلم يف ذلك عىل قولني‪:‬‬
‫األول‪ :‬وعليه اجلمهور أنه ال جيب عليه‪ ،‬قال يف ((دليل الفاحلني)) يف رشحه هلذا‬

‫((( ((فيض القدير))‪.536/8 :‬‬


‫((( ((دليل الفاحلني))‪.157/2 :‬‬
‫((( ((فيض القدير))‪.536/8 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)560‬‬

‫احلديث‪(" :‬أو احفظه) بذلك‪ ،‬وإن مل يكن واجب ًا ال ّ‬


‫رب بالطالق؛ لكنه ّبر هلام‪ ،‬وإجالل‬
‫ألمرمها‪ ،‬فامتثله‪ ،‬وما ذكرته من أن ما ليس واجب ًا أصالة ال يصري واجب ًا بأمرمها‬
‫هو ما عليه اجلمهور‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن أمرا بمباح يف أصله صار مندوب ًا‪ ،‬أو بمندوب‬
‫زاد تأكيد ندبه‪ ،‬وادعى القرطبي يف ((املفهم)) أنه إذا أمراه‪ ،‬أو أحدمها بأمر وجبت‬
‫طاعتهام فيه‪ ،‬وإن مل يكن يف أصله واجب ًا؛ بل كانت من املباحات‪ ،‬ثم نقل املقابل عن‬
‫البعض‪ ،‬ثم قال‪ :‬والصحيح األول؛ ألن اهلل تعاىل قرن طاعتهام واإلحسان إليهام‬
‫بوجوب عبادته وتوحيده‪ ،‬وكذا جاء يف السنة‪ ،‬فذكر حديث ابن عمر املذكور‪:،‬‬
‫ثم قال‪ :‬فإن قيل يرتفع حكم اهلل األصيل بحكم غريه الطارئ ‪ ..‬قلت‪ :‬إنام ارتفع‬
‫حكمه تعاىل بحكمه؛ ألنه أوجب علينا طاعتهام واإلحسان إليهام‪ ،‬وكان من ذلك‬
‫امتثال أمرمها‪ ،‬فوجب‪ ،‬ألنه ال حيصل ما أمر اهلل به إال باالمتثال‪ ،‬وألن خمالفتهام يف‬
‫(((‬
‫أمرمها عقوق اهـ‪ .‬وفيه ما ال خيفى" اهـ‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أنه جيب عليه أن يطلقها وإال عىص‪ ،‬واستدلوا عىل ذلك بحديث‬
‫َان َ ْتتِي ا ْم َر َأ ٌة ُأ ِح ُّب َها‪َ ،‬وك َ‬
‫َان َأ ِب َيك َْر ُه َها‪،‬‬ ‫حيث قال‪" :‬ك َ‬ ‫سيدنا عبداهلل بن عمر‬
‫َف َق َال‪َ (( :‬يا َع ْبدَ اهلل ْب َن ُع َم َر َط ِّل ْق‬ ‫َف َأ َم َر ِن َأ ْن ُأ َط ِّل َق َها‪َ ،‬ف َأ َب ْي ُت‪َ ،‬ف َذك ََر َذلِ َك لِلنَّبِ ِّي‬
‫الت ِم ِذ ُّي‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ْام َر َأت َ‬
‫َك)) َر َوا ُه اخلَ ْم َس ُة َّإل الن ََّسائ ّي َو َص َّح َح ُه ِّ ْ‬
‫قال يف ((حتفة األحوذي)) ومثله يف ((نيل األوطار))‪" :‬قوله‪(( :‬طلق امرأتك)) ‪..‬‬
‫فيه دليل رصيح يقتيض أنه جيب عىل الرجل إذا أمره أبوه بطالق زوجته أن يطلقها‪،‬‬
‫وإن كان حيبها‪ ،‬فليس ذلك عذر ًا له يف اإلمساك‪ ،‬ويلحق باألب األم؛ ألن النبي‬
‫(((‬
‫قد بني أن هلا من احلق عىل الولد ما يزيد عىل حق األب" اهـ‪.‬‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.157/2 :‬‬


‫((( ((حتفة األحوذي))‪.398/3 :‬‬
‫(‪)561‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وهذا الذي ذكروه قد قيده بعضهم بصالح األب واألم‪ ،‬وليس طلبهام ذلك‬
‫عن هوى‪ ،‬قال املناوي يف ((فيض القدير))‪" :‬ولو أمر بطالق زوجته ‪ ..‬قال مجع‪:‬‬
‫امتثل خلرب الرتمذي عن ابن عمر قال‪ :‬كان حتتي امرأة أحبها‪ ،‬وكان أيب يكرهها‪،‬‬
‫‪ ،‬فذكرت له ذلك‪ ،‬فقال‪(( :‬طلقها))‪ .‬قال ابن‬ ‫فأمرين بطالقها فأتيت رسول اهلل‬
‫العريب يف ((رشحه))‪ :‬صح وثبت‪ ،‬وأول من أمر ابنه بطالق امرأته اخلليل‪ ،‬وكفى به‬
‫أسوة وقدوة‪ ،‬ومن بر االبن بأبيه أن يكره من كرهه‪ ،‬وإن كان له حمب ًا‪ ،‬بيدأن ذلك إذا‬
‫كان األب من أهل الدين والصالح‪ ،‬حيب يف اهلل‪ ،‬ويبغض فيه‪ ،‬ومل يكن ذا هوى‪،‬‬
‫قال‪ :‬فإن مل يكن كذلك استحب له فراقها إلرضائه‪ ،‬ومل جيب عليه كام جيب يف احلالة‬
‫(((‬
‫األوىل‪ ،‬فإن طاعة األب يف احلق من طاعة اهلل‪ ،‬وبره من بره" اهـ‪.‬‬
‫برش ب َن احلارث‬
‫رجل َ‬‫وقال ابن رجب يف ((جامع العلوم واحلكم))‪" :‬وسأل ٌ‬
‫إن كان بر أمه يف ك ُِّل ٍ‬
‫يشء‪ ،‬ومل يبق‬ ‫رجل له زوج ٌة و ُأ َّمه تأمره بطالقها‪ ،‬فقال‪ْ :‬‬
‫ٍ‬ ‫عن‬
‫َ َّ‬
‫بها بطالق زوجته‪ ،‬ثم يقوم بعد‬ ‫طالق زوجته ‪ ..‬فليفعل‪ْ ،‬‬
‫وإن كان َي َ ُّ‬ ‫ُ‬ ‫من ِّبرها إال‬
‫(((‬
‫ذلك إىل ُأ ِّمه‪ ،‬فيرضهبا ‪ ..‬فال يفعل" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬وجوب بر الوالدين يف غري معصية‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن عقوق الوالدين معصية كربى‪.‬‬
‫‪3 .3‬امتثال الولد أمر الوالدين يف طالق زوجته إن مل يكن طلبهام عن هوى‪ ،‬فإن‬
‫كان الطلب عن هوى وجهل ‪ ..‬مل يمتثل‪.‬‬

‫((( ((فيض القدير))‪.479/5 :‬‬


‫((( ((جامع العلوم واحلكم))‪.)180( :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)562‬‬

‫احلديث الثالث والثمانون‬

‫اخلا َل ُة بِ َمن ِْز َل ِة األُ ِّم)) رواه‬


‫َق َال‪َ (( :‬‬ ‫َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫الب ِاء ْب ِن َع ِ‬
‫از ٍ‬
‫ب‬ ‫َع ْن َ َ‬
‫الرتمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث صحيح‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمــــه‬
‫هو الصحايب اجلليل الفقيه الكبري الرباء بن عازب بن احلارث بن عدي بن‬
‫جشم بن جمدعة بن احلارثة بن احلارث بن اخلزرج بن عمرو بن مالك بن أوس‬
‫األنصاري االويس‪.‬‬
‫يكنى‪ :‬بأيب ُعامرة بضم العني‪ ،‬ويقال‪:‬أبو عمرو‪ ،‬ويقال‪:‬أبو الطفيل‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫فضائلـــه‬
‫فعنه‬ ‫بدر ًا وال احدا؛ ألنه استصغر‪ُ ،‬فر َّد مع ابن عمر‬ ‫مل يشهد‬
‫َأنَا َوا ْب َن ُع َم َر َف ُر ِد ْدنَا َي ْو َم َبدْ ٍر" أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫است َْص َغ َر ِن َر ُس ُ‬
‫ول اهلل‬ ‫قال‪ْ " :‬‬
‫وكانت أول مشاهده أحدا‪ ،‬وقيل‪ :‬اخلندق‪ ،‬ثم شهد املشاهد كلها‪ ،‬وافتتح‬
‫الري سنة أربع وعرشين صلحا أو عنوة‪ ،‬وشهد مع أيب موسى غزوة تسرت‪ ،‬يف قول‬
‫مشاهده‪.‬‬ ‫أيب عمرو الشيباين وخالفه غريه‪ ،‬وشهد مع عيل‬
‫مخس عرشة غزوة‪.‬‬ ‫وروى أبو إسحاق‪ ،‬عن الرباء‪ ،‬قال‪ :‬غزوت مع رسول اهلل‬
‫(‪)563‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫‪:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫عن أيب بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعن أبيه‪ ،‬وخاله أيب بردة بن نيار‪ ،‬ومجاعة‬ ‫روى‬
‫من الصحابة‪.‬‬
‫وروى عنه‪ :‬عبداهلل بن يزيد اخلطمي‪ ،‬وأبو جحيفة السوائي الصحابيان‪،‬‬
‫وعدي بن ثابت‪ ،‬وسعد بن عبيدة‪ ،‬وأبو عمر زاذان‪ ،‬وأبو إسحاق السبيعي‪،‬‬
‫وطائفة سواهم‪.‬‬
‫روي عن رسول اهلل (‪ )305‬ثالثامئة حديث ومخسة أحاديث‪ ،‬اتفقا منها عىل‬
‫اثنني وعرشين‪ ،‬وانفرد البخاري بخمسة عرش‪ ،‬ومسلم بستة‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫أيام مصعب بن الزبري بالكوفة‪.‬‬ ‫تويف‬
‫وكانت وفاته سنة اثنتني وسبعني‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬تويف سنة إحدى وسبعني عن بضع وثامنني سنة‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪َ (( :‬‬
‫اخلا َل ُة))‪ ،‬هي أخت األم‪ ،‬سواء كانت شقيقة‪ ،‬أو ألب‪ ،‬أو ألم‪.‬‬ ‫قوله‬
‫بعد أن دخل مكة‬ ‫((بِ َمن ِْز َل ِة األُ ِّم)) يف هذا احلكم اخلاص‪ ،‬وذلك أن النبي‬
‫اخ ُر ْج َعنَّا‪،‬‬ ‫احبِ َك ْ‬ ‫وانقىض األجل الذي أعطته إياه قريش‪َ :‬أتَوا َع ِليا َف َقا ُلوا‪ُ :‬قل لِص ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ًّ‬
‫َاو َلَا َع ِ ُّل ْب ُن‬ ‫َف َقدْ َم َض األَ َج ُل‪َ ،‬ف َخ َر َج النَّبِ ُّي ‪َ ،‬فتَبِ َعت ُْه ْم ا ْبنَ ُة َ ْ‬
‫ح َز َة َيا َع ِّم َيا َع ِّم‪َ ،‬ف َتن َ‬
‫َك ا ْبنَ َة َع ِّم ِك َ َ‬
‫ح َلت َْها‪،‬‬ ‫‪َ ،‬ف َأ َخ َذ بِي ِدها‪ ،‬و َق َال لِ َفاطِم َة َع َليها الس َلم دون ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ب‬‫َأ ِب َطالِ ٍ‬
‫اخت ََص َم فِ َيها َع ِ ٌّل‪َ ،‬و َز ْيدٌ ‪َ ،‬و َج ْع َف ٌر‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ع ِ ٌّل َأنَا َأ َح ُّق ِ َبا‪َ ،‬و ِه َي ا ْبنَ ُة َع ِّمي‪َ ،‬و َق َال‬
‫َف ْ‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)564‬‬

‫ِلَا َلتِ َها‪،‬‬ ‫َج ْع َف ٌر‪ :‬ا ْبنَ ُة َع ِّمي‪َ ،‬و َخا َلت َُها َ ْتتِي‪َ ،‬و َق َال َز ْيدٌ ‪ :‬ا ْبنَ ُة َأ ِخي‪َ ،‬ف َق َض ِ َبا النَّبِ ُّي‬
‫اخلا َل ُة بِ َمن ِْز َل ِة األُ ِّم)) أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫َو َق َال‪َ (( :‬‬

‫قال احلافظ ابن حجر يف ((فتح الباري))‪" :‬اخلالة بمنزلة األم‪ ،‬أي‪ :‬يف هذا‬
‫احلكم اخلاص؛ ألهنا تقرب منها يف احلنو‪ ،‬والشفقة‪ ،‬واالهتداء إىل ما يصلح‬
‫الولد؛ ملا دل عليه السياق‪ ،‬فال حجة فيه ملن زعم أن اخلالة ترث ألن األم ترث‪،‬‬
‫ويف حديث عيل‪ ،‬ويف مرسل الباقر‪(( :‬اخلالة والدة)) ((وإنام اخلالة أم))‪ ،‬وهي بمعنى‬
‫(((‬
‫قوله‪(( :‬بمنزلة األم)) ال أهنا أم حقيقة" اهـ‪.‬‬
‫واخلالة من ذوي األرحام فهي ترث من هذا الباب‪.‬‬
‫وذهب بعضهم إىل أن يف احلديث دليل عىل تقديم حضانة اخلالة عىل األب‪،‬‬
‫ومعتمد الشافعية غري ذلك‪ ،‬فاألب مقدم عىل اخلالة عندهم‪ ،‬بل أم األم وأم األب‬
‫مقدمات عىل اخلالة عندهم‪ ،‬وهلم يف احلضانة ترتيب‪ ،‬فقد قال اإلمام النووي يف‬
‫حل َضا َن ُة‪ِ :‬ح ْف ُظ َم ْن َل َي ْست َِق ُّل َوت َْربِ َي ُت ُه‪.‬‬
‫((منهاج الطالبني))‪َ " :‬ف ْص ٌل ا َ‬
‫جل ِديدُ‬ ‫ٍ‬
‫ني بِإِنَاث ُي َقدَّ ُم َأ ْق َر ُ ُب َّن‪َ ،‬وا َ‬ ‫ات ُيدْ لِ َ‬‫َاث َأل َي ُق ِ َبا‪َ ،‬و َأ ْو َل ُه َّن ُأ ٌّم ُث َّم ُأ َّم َه ٌ‬ ‫اإلن ُ‬‫َو ِ‬
‫ب ك ََذلِ َك‪ُ ،‬ث َّم ُأ ُّم َأ ِب َجدٍّ‬ ‫ات بِإِن ٍ‬
‫َاث ُث َّم ُأ ُّم َأ ِب َأ ٍ‬ ‫اتا ا ُملدْ لِ َي ُ‬ ‫ب ُث َّم ُأ َّم َه ُ َ‬‫ُت َقدَّ ُم َب ْعدَ ُه َّن ُأ ُّم َأ ٍ‬
‫ات َواخلَ َال ُت َع َل ْي ِه َّن‪َ ،‬و ُت َقدَّ ُم ُأ ْخ ٌت َع َل َخا َل ٍة‪َ ،‬و َخا َل ٌة َع َل‬ ‫يم األَ َخ َو ُ‬ ‫ِ‬
‫ك ََذل َك‪َ ،‬وال َقد ُ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ها‪،‬‬ ‫بِنْت َأخٍ َو ُأ ْخت‪َ ،‬وبِن ُْت َأخٍ َو ُأ ْخت َع َل َع َّمة‪َ ،‬و ُأ ْخ ٌت م ْن َأ َب َو ْي ِن َع َل ُأ ْخت َأ َحد َ‬
‫ب َع َل ْي ِه َم ِلُ ٍّم‪،‬‬ ‫ت ِم ْن ُأ ٍّم َو َخا َل ٍة َو َع َّم ٍة ِلَ ٍ‬ ‫ب َع َل ُأ ْخ ٍ‬ ‫ت ِم ْن َأ ٍ‬ ‫واألَصح َت ْق ِديم ُأ ْخ ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ َ ُّ‬
‫ْت َخا َل ٍة‪.‬‬ ‫ون ُأ ْن َثى َغ ِي َمْر ٍم كَبِن ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ث ُد َ‬ ‫وط ك ُِّل َجدَّ ٍة َل ت َِر ُ‬ ‫َو ُس ُق ُ‬
‫اإلر ِ‬ ‫ث َع َل ت َْرتِ ِ‬ ‫و َت ْثب ُت لِك ُِّل َذك ٍَر َمْر ٍم و ِار ٍ‬
‫ث‪َ ،‬وك ََذا َغ ْ ُي َم ْ َر ٍم كَا ْب ِن َع ٍّم‬ ‫يب ِ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬

‫((( ((فتح الباري))‪.572/7 :‬‬


‫(‪)565‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫يح‪َ ،‬و َل ت َُس َّل ُم إ َل ْي ِه ُم ْشت ََها ٌة َبل َإل ثِ َق ٍة ُي َع ِّين َُها‪.‬‬
‫الص ِح ِ‬
‫َع َل َّ‬
‫ث ‪َ ..‬ف َل ِف األَ َص ِّح‪.‬‬ ‫ث َوا َمل ْح َر ِم َّي ُة َأ ْو ِ‬
‫اإل ْر ُ‬ ‫َفإِ ْن ُف ِقدَ ِ‬
‫اإل ْر ُ‬

‫اتا ُث َّم األَ ُب‪َ ،‬و ِق َيل ُت َقدَّ ُم َع َل ْي ِه اخلَا َل ُة‬ ‫ُور َوإِن ٌ‬
‫َاث َفاألُ ُّم ُث َّم ُأ َّم َه ُ َ‬ ‫اجت ََم َع ُذك ٌ‬ ‫َوإِ ْن ْ‬
‫اش َي ِة‪َ ،‬فإِ ْن ُف ِقدَ َفاألَ َص ُّح األَ ْق َر ُب‪َ ،‬وإِ َّل‬ ‫واألُ ْخ ُت ِمن األُم‪ ،‬وي َقدَّ م األَص ُل َع َل احل ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ِّ َ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫(((‬
‫َفاألُ ْن َثى‪َ ،‬وإِ َّل َف ُي ْق َر ُع" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬شفقة اخلالة ورمحتها أقرب إىل شفقة األم ورمحتها بالولد‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن اخلالة تعامل من قبل الولد كاألم يف احرتامها وحمبتها‪.‬‬
‫‪3 .3‬ال ترث اخلالة كاألم يف إرثها‪ ،‬إنام هي من ذوي االرحام‪ ،‬فرتث من هذا الباب‪.‬‬

‫((( ((منهاج الطالبني)) هبامش ((بداية املحتاج))؛ طبعة‪ :‬دار املنهاج‪.427/3 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)566‬‬

‫احلديث الرابع والثمانون‬

‫َق َال‪ِ (( :‬م ْن ال َك َبائِ ِر‬ ‫ول اهلل‬‫َأ َّن َر ُس َ‬ ‫اص‬ ‫َع ْن َع ْب ِداهلل ْب ِن َع ْم ِرو ْب ِن ال َع ِ‬
‫الر ُج ُل َوالِدَ ْي ِه؟! َق َال‪َ (( :‬ن َع ْم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل َو َهل َي ْشت ُم َّ‬ ‫الر ُج ِل َوالِدَ ْي ِه!))‪َ ،‬قا ُلوا َيا َر ُس َ‬ ‫َشت ُْم َّ‬
‫ب ُأ َّم ُه)) متفق عليه‪.‬‬ ‫ب ُأ َّم ُه‪َ ،‬ف َي ُس ُّ‬‫ب َأ َبا ُه‪َ ،‬و َي ُس ُّ‬ ‫ب َأ َبا َّ‬
‫الر ُج ِل‪َ ،‬ف َي ُس ُّ‬ ‫َي ُس ُّ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته‬ ‫هو الصحايب اجلليل عبداهلل بن عمرو بن العاص‬
‫يف احلديث التاسع والعرشين‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪ِ (( :‬م ْن ال َك َبائِ ِر))‪ ،‬ولفظ البخاري‪(( :‬إِ َّن ِم ْن َأك َ ِ‬
‫ْب ال َك َبائِ ِر))‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫قوله‬
‫من بعضها‪،‬واللفظ األول يقتيض أن الكبائر متفاوتة بعضها أكرب من بعض‪ ،‬وإليه‬
‫(((‬
‫ذهب اجلمهور‪.‬‬
‫واختلفوا يف تعريف الكبرية‪ ،‬فعرفها بعضهم‪ :‬بأهنا ما أوجبت احلد‪ ،‬وعرفها‬
‫البعض اآلخر‪ :‬أهنا ما ورد فيها وعيد شديد‪.‬‬
‫الر ُج ُل َوالِدَ ْي ِه))‪ ،‬واملراد‬ ‫ِ ِ‬
‫الر ُج ِل َوالدَ ْيه))‪ ،‬ولفظ البخاري‪َ (( :‬أ ْن َيل َع َن َّ‬
‫(( َشت ُْم َّ‬
‫بالرجل هنا املكلف‪ ،‬ومثله املكلفة‪ ،‬واملراد بوالديه أمه وأبوه‪ ،‬ويلحق هبام يف ذلك‬

‫((( انظر‪(( :‬إرشاد الساري))‪.196/10 :‬‬


‫(‪)567‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫من له عليه والدة من أصوله‪.‬‬
‫الر ُج ُل َوالِدَ ْي ِه)) استفهام ألهنم يستبعدون أن‬ ‫ِ‬ ‫(( َقا ُلوا َيا َر ُس َ‬
‫ول اهلل َو َهل َي ْشت ُم َّ‬
‫يصدر ذلك من ذي عقل ولب‪ ،‬فإن صاحب العقل واللب يدعوه عقله إىل برمها‬
‫وشكرمها فض ً‬
‫ال عن الوقوع يف شتمهام‪.‬‬
‫جميب ًا عىل استفهامهم‪َ (( ،‬ن َع ْم))‪ ،‬أي يمكن حصول ذلك حقيقة‪،‬‬ ‫(( َق َ‬
‫ال))‬

‫وهو يف النادر‪ ،‬لكن يقع كثري ًا بالتسبب فيه ال باملبارشة‪ ،‬ثم ّبي كيفية ذلك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ب)) اآلخر (( َأ َبا ُه))‪ ،‬أي‪ :‬أبا األول‪،‬‬ ‫الرجل (( َأ َبا َّ‬
‫الر ُج ِل)) اآلخر‪َ (( ،‬ف َي ُس ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ب))‬
‫(( َي ُس ُّ‬
‫ب)) اآلخر (( ُأ َّم ُه)) أي‪ :‬أم‬ ‫ب)) الرجل (( ُأ َّم ُه))‪ ،‬أي‪ :‬أم الرجل اآلخر‪َ (( ،‬ف َي ُس ُّ‬ ‫(( َو َي ُس ُّ‬
‫الرجل والديه كبرية من الكبائر‪ ،‬وقال‬ ‫ِ‬ ‫األول وهو الساب‪ ،‬وهذا يقتيض أن سب‬
‫ش ٍء َج َاز َأ ْن‬
‫بف َ ْ‬
‫اإلمام النووي‪َ " :‬ف ِف ِيه – أي‪ :‬احلديث ‪َ -‬دلِيل َع َل َأ َّن َم ْن ت ََس َّب َ ِ‬
‫الوالِد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ي ُصل منْ ُه َما َيت ََأ َّذى بِه َ‬ ‫الشء‪َ ،‬وإِن ََّم َج َع َل َه َذا ُع ُقو ًقا لك َْونه َ ْ‬‫ُين َْسب إ َل ْيه َذل َك َّ ْ‬
‫(((‬ ‫ت ََأ ِّذ ًيا َل ْي َس بِاهل ِّ ِ‬
‫ي" اهـ‪.‬‬ ‫َ‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن سب الرجل والديه كبرية من الكبائر‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن من آل فعله إىل حمرم ‪ ..‬حيرم عليه ذلك الفعل‪ ،‬وأن مل يقصد وصوله إىل ما حيرم‪.‬‬
‫‪3 .3‬حتريم الوسائل‪ ،‬والذرائع‪.‬‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.243/2 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)568‬‬

‫احلديث اخلامس والثمانون‬

‫الر ُج ُل ُو َّد َأبِ ِيه)) رواه‬ ‫ِ‬


‫الب َأ ْن َيص َل َّ‬ ‫َ‬
‫َق َال‪(( :‬أ َب ُّر ِ ِّ‬ ‫َأ َّن النَّبِ َّي‬ ‫َع ْن ا ْب ِن ُع َم َر‬
‫مسلم‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته‬ ‫هو الصحايب اجلليل عبداهلل بن عمر بن اخلطاب‬
‫يف احلديث الثالث واخلمسني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫َ‬
‫الب))‪ ،‬أي‪ :‬أكمله وأبلغه‪ ،‬قال املناوي‪" :‬أبر الرب‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫‪(( :‬أ َب ُّر ِ ِّ‬ ‫قوله‬
‫اإلحسان‪ ،‬جعل الرب بار ًا ببناء أفعل التفضيل منه‪ ،‬وإضافته إليه جماز ًا‪ ،‬واملراد منه‪:‬‬
‫أفضل الرب‪ ،‬فأفعل التفضيل للزيادة املطلقة‪ ،‬قال‪ :‬األكمل أبر الرب من قبيل جل‬
‫(((‬
‫جالله‪ ،‬وجد جده‪ ،‬بجعل اجلد جاد ًا‪ ،‬وإسناد الفعل إليه" اهـ‪.‬‬
‫ِ‬
‫(( َأ ْن َيص َل َّ‬
‫الر ُج ُل))‪ ،‬ومثله املرأة‪ ،‬فليس األمر مقترص عىل الرجل وإنام ذكره‬
‫هنا دوهنا لرشفه‪.‬‬
‫(( ُو َّد َأبِ ِيه))‪ ،‬أي‪ :‬أهل مودته وحمبه وصحبته‪ ،‬وإن مل يكونا أقرب للفرع‬
‫وال لألصل‪ ،‬فإن برهم ّبر ذي الود هلم من األبوين‪ ،‬وما أحسن ما قيل‪:‬‬

‫((( ((فيض القدير))‪.145/3 :‬‬


‫(‪)569‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وأهيلـــه وهواهـــم يل مغنم‬ ‫أهوى العقيـــق ومن أقام بحبه‬
‫وألجل عني ألـــف عني تكرم‬ ‫مـــا ذاك إال أن بـــدري منهم‬

‫َحق بِ ِه َأ ْص ِد َقاء األُ ّم‪َ ،‬واألَ ْجدَ اد‪َ ،‬وا َمل َش ِايخ‪َ ،‬و َّ‬
‫الز ْوج‪،‬‬ ‫قال اإلمام النووي‪" :‬وتَلت ِ‬
‫َ‬
‫(((‬
‫الز ْو َجة" اهـ‪.‬‬
‫َو َّ‬
‫فعن‬ ‫يود صاحبات زوجته أم املؤمنني خدجية‬ ‫وقد كان النبي‬
‫م ِ‬ ‫اغرت ع َل َأح ٍد ِمن نِس ِ‬
‫اء النَّبِ ِّي‬ ‫ِ‬
‫اغ ْر ُت‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫قالت‪َ :‬قا َل ْت‪َ :‬م ْ ُ َ َ‬ ‫أم املؤمنني عائشة‬
‫الشا َة ُث َّم ُي َق ِّط ُع َها‬‫ُيكْثِ ُر ِذك َْر َها َو ُر َّب َم َذ َب َح َّ‬ ‫َان النَّبِ ُّي‬‫جي َة َو َما َر َأ ْيت َُها َو َل ِك ْن ك َ‬ ‫ِ‬
‫َع َل َخد َ‬
‫لت َل ُه ك ََأ َّن ُه َل ْ َي ُك ْن ِف الدُّ ْن َيا ا ْم َر َأ ٌة إِ َّل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جي َة َف ُر َّب َم ُق ُ‬ ‫َأ ْع َضا ًء ُث َّم َي ْب َع ُث َها ِف َصدَ ائ ِق َخد َ‬
‫َان ِل ِمن َْها َو َلدٌ )) أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫َت َوك َ‬ ‫َت َوكَان ْ‬ ‫ول‪(( :‬إِ َّنَا كَان ْ‬ ‫جي ُة‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫ِ‬
‫َخد َ‬
‫قال يف ((فيض القدير))‪" :‬واملعنى‪ :‬أن من مجلة املربات الفضىل مربة الرجل‬
‫أحباء أبيه‪ ،‬فإن مودة اآلباء قرابة األبناء‪ ،‬أي‪ :‬إذا غاب أبوه‪ ،‬أو مات ‪ ..‬حيفظ أهل‬
‫‪ :‬جعله‬ ‫وده وحيسن إليهم‪ ،‬فإنه من متام اإلحسان إىل األب‪ ،‬قال احلافظ العراقي‬
‫أبر الرب‪ ،‬أو من أبره؛ ألن الوفاء بحقوق الوالدين واألصحاب بعد موهتم أبلغ؛ ألن‬
‫احلي جيامل‪ ،‬وامليت ال يستحي منه‪ ،‬وال جيامل إال بحسن العهد‪ ،‬وحيتمل أن أصدقاء‬
‫األب كانوا مكيفني يف حياته بإحسانه‪ ،‬وانقطع بموته‪ ،‬فأمر بنيه أن يقوموا مقامه‬
‫فيه‪ ،‬وإنام كان هذا أبر الرب ‪ ..‬القتضائه الرتحم والثناء عىل أبيه‪ ،‬فيصل لروحه راحة‬
‫بعد زوال املشاهدة املستوجبة للحياة‪ ،‬وذلك أشد من بره له يف حياته‪ ،‬وكذا بعد‬
‫غيبته‪ ،‬فإنه إذا مل يظهر له يشء يوجب ترك املودة‪ ،‬فكأنه حارض ‪ ..‬فيبقى وده كام كان‪،‬‬
‫وكذا بعد املعاداة رجاء عود املودة‪ ،‬وزوال الوحشة‪ ،‬وإطالق التولية عىل مجيع‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.224/16 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)570‬‬

‫هذه األشياء ‪ ..‬إما حقيقة‪ ،‬فيكون من عموم املشرتك‪ ،‬أو من التواطئ‪ ،‬أو بعضها‪،‬‬
‫فيكون من اجلمع بني احلقيقة واملجاز‪ ،‬ونبه باألب عىل بقية األصول‪ ،‬وقياس تقديم‬
‫الشارع األم يف الرب ‪ ..‬كون وصل أهل ودهاأقدم وأهم" اهـ‪.‬‬
‫املسلمي؟‬
‫َ‬ ‫املسلمي وغري‬
‫َ‬ ‫هل احلكم واحد يف األبوين‬
‫قال اإلمام املناوي جميب ًا عىل هذا التساؤل‪" :‬ومن البني أن الكالم يف أصل‬
‫مسلم‪ ،‬أما غريه ‪ ..‬فيظهر أنه أجنبي من هذا املقام‪ ،‬نعم إن كان حي ًاورجا برب‬
‫(((‬
‫أصدقائه تألفه لإلسالم ‪ ..‬تأكد وصله‪ ،‬ويف معنى األصول الزوجة" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن بر الوالدين يستمر حتى بعد انتقاهلم للدار اآلخرة‪.‬‬
‫‪2 .2‬فضل صلة أصدقاء األبوين‪ ،‬واإلحسان إليهم‪.‬‬
‫‪3 .3‬صلة الوالدين من أعظم الصالت التي تبقى وال تزول‪.‬‬

‫((( ((فيض القدير))‪.146/3 :‬‬


‫(‪)571‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث السادس والثمانون‬

‫َم ْو ُق ْو َف ًا َع َل ْي ِه – َأ َّن ُه َق َال‪ْ (( :‬ار ُق ُبوا ُ َ‬


‫م َّمدً ا‬ ‫َع ْن َأ ِب َبك ٍْر‬
‫َع ْن ا ْب ِن ُع َم َر‬
‫ِف َأ ْه ِل َب ْيتِ ِه)) رواه البخاري‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته‬ ‫هو الصحايب اجلليل عبداهلل بن عمر بن اخلطاب‬
‫يف احلديث الثالث واخلمسني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬واملوقوف هو‪ :‬ما أضيف‬ ‫واحلديث موقوف عىل سيدنا أيب بكر الصديق‬
‫للصحايب من قول أو عمل‪.‬‬
‫ِف َأ ْه ِل َب ْيتِ ِه))‪ ،‬أي‪ :‬احفظوا‪ ،‬واملراقبة لليشء‬ ‫‪ْ (( :‬ار ُق ُب ُ َ‬
‫وام َّمدً ا‬ ‫قوله‬
‫املحافظة عليه‪ ،‬يقول‪ :‬احفظوه فيهم‪ ،‬فال تؤذوهم‪ ،‬وال تسيئوا إليهم‪ ،‬ومن معاين‬
‫ارقبوا‪ :‬راعوا‪ ،‬واحرتموا‪ ،‬وأكرموا واملراعاة بمعنى املالحظة‪.‬‬
‫واملعنى‪ :‬افعلوا ذلك معه بمراقبة أهل بيته وتعظيمهم وودادهم وحبهم‪،‬‬
‫والدخول يف عقد والئهم مع والء سائر من أمرت الرشيعة بمواالته من الصحابة‬
‫األكرمني والعلامء العاملني واألولياء الكاملني‪.‬‬
‫خياطب بذلك الناس ويوصيهم هبم‪.‬‬ ‫والصديق األكرب‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)572‬‬

‫من هم أهل البيت؟‬


‫ذكر أهل العلم أقوال يف أهل البيت‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ ،‬وبه قال ابن عباس يف قوله تعاىل‪ :‬ﱹﮇ ﮈ‬ ‫Š Šالقول األول‪ :‬أهنم نساء النبي‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﱸ [األحزاب‪ ،]33 :‬فقال‬
‫‪ ،‬وبه قال سعيد بن جبري وعكرمة وابن السائب‬ ‫أهنا نزلت يف نساء النبي‬
‫ومقاتل‪.‬‬
‫Š Šالقول الثاين‪ :‬أن أهل البيت هم عصبة رسول اهلل من املؤمنني وهم آل جعفر‬
‫وآل عقيل وآل عباس‪.‬‬
‫من أهل بيته‪.‬‬ ‫وقال الزخمرشي‪ :‬إن نساء النبي‬
‫وقال الرستغني‪ :‬والصحيح عندي‪ ،‬أن املراد بأهل بيته نساؤه وآله‪ ،‬وهو‬
‫قول الضحاك‪ ،‬واختيار الزجاج؛ ألن اللفظ صالح هلام عام فيهام‪.‬‬
‫قال‪ُ (( :‬أ َذك ُِّرك ُْم اهللَ ِف َأ ْه ِل َب ْيتِي‬ ‫وعن زيد ابن األرقم أن رسول اهلل‬
‫ي‪َ :‬و َم ْن‬ ‫ُأ َذك ُِّرك ُْم اهللَ ِف َأ ْه ِل َب ْيتِي ُأ َذك ُِّرك ُْم اهللَ ِف َأ ْه ِل َب ْيتِي))‪َ ،‬ف َق َال َل ُه ُح َص ْ ٌ‬
‫اؤ ُه ِم ْن َأ ْه ِل َب ْيتِ ِه‪َ ،‬و َل ِك ْن‬
‫اؤ ُه ِم ْن َأ ْه ِل َب ْيتِ ِه؟ َق َال‪ :‬نِ َس ُ‬
‫َأ ْه ُل َب ْيتِ ِه َيا َز ْيدُ ؟ َأ َل ْي َس نِ َس ُ‬
‫يل‪،‬‬‫الصدَ َق َة َب ْعدَ ُه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬و َم ْن ُه ْم؟ َق َال‪ُ :‬ه ْم ُآل َع ِ ٍّل‪َ ،‬و ُآل َع ِق ٍ‬ ‫ِِ‬
‫َأ ْه ُل َب ْيته َم ْن ُح ِر َم َّ‬
‫ِ‬
‫الصدَ َق َة؟ َق َال‪َ :‬ن َع ْم‪ .‬أخرجه‬ ‫اس‪َ ،‬ق َال‪ :‬ك ُُّل َه ُؤ َلء ُح ِر َم َّ‬ ‫َو ُآل َج ْع َف ٍر‪َ ،‬و ُآل َع َّب ٍ‬
‫مسلم‪.‬‬

‫Š Šالقول الثالث‪ :‬وهو الصحيح أن املراد بأهل البيت رسول اهلل وفاطمة ّ‬
‫وعيل‬
‫واحلسن واحلسني وأوالدهم وذريتهم‪ ،‬قاله أبو سعيد اخلدري‪ ،‬وأم املؤمنني‬
‫قالت‪َ :‬خ َر َج‬ ‫عائشة‪ ،‬وأم املؤمنني أم سلمة‪ ،‬فعن أم املؤمنني عائشة‬
‫(‪)573‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫حل َس ُن ْب ُن َع ِ ٍّل ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َغدَ اةً‪َ ،‬و َع َل ْيه م ْر ٌط ُم َر َّح ٌل م ْن َش ْع ٍر َأ ْس َو َد‪َ ،‬ف َجا َء ا َ‬ ‫النَّبِ ُّي‬
‫ي ‪َ ..‬فدَ َخ َل َم َع ُه‪ُ ،‬ث َّم َجا َء ْت َفاطِ َم ُة ‪َ ..‬ف َأ ْد َخ َل َها‪ُ ،‬ث َّم َجا َء‬
‫حل َس ْ ُ‬‫َف َأ ْد َخ َل ُه‪ُ ،‬ث َّم َجا َء ا ُ‬
‫ل ‪َ ..‬ف َأ ْد َخ َل ُه‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪ :‬ﱹ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬ ‫ِ‬
‫َع ٌّ‬
‫ﮏ ﮐ ﱸ [األحزاب‪ .]33 :‬أخرجه مسلم‪.‬‬
‫َان ِف َب ْيتِ َها‪َ ،‬ف َأ َت ْت ُه َفاطِ َم ُة‬
‫ت َْذك ُُر َأ َّن النَّبِ َّي ك َ‬ ‫وعن أم املؤمنني أم سلمة‬
‫ك))‪،‬‬ ‫ك‪ ،‬وابنَي ِ‬ ‫بِبم ٍة فِيها َخ ِزيرةٌ‪َ ،‬فدَ َخ َل ْت ِبا َع َلي ِه‪َ ،‬ف َق َال َلا‪(( :‬اد ِعي زَوج ِ‬
‫َ ْ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َُْ َ‬
‫ون ِم ْن‬ ‫حل َس ُن‪َ ،‬فدَ َخ ُلوا َع َل ْي ِه‪َ ،‬ف َج َل ُسوا َي ْأ ُك ُل َ‬ ‫ي‪َ ،‬وا َ‬
‫ِ‬
‫َقا َل ْت‪َ :‬ف َجا َء َع ٌّل‪َ ،‬وا ُ‬
‫حل َس ْ ُ‬
‫َّان َ ْت َت ُه ِك َسا ٌء َل ُه َخ ْي َ ِب ٌّي‪َ ،‬قا َل ْت‪َ :‬و َأنَا‬
‫لك اخل ِزير ِة‪ ،‬و ُهو َع َل منَام ٍة َله َع َل دك ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ت َ َ َ َ َ‬
‫ِ‬

‫َه ِذ ِه اآل َي َة‪ :‬ﱹ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬ ‫حل ْج َر ِة‪َ ،‬ف َأن َْز َل اهللُ‬
‫ُأ َص ِّل ِف ا ُ‬
‫الكس ِ‬ ‫ِ‬
‫اء‪،‬‬ ‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﱸ [األحزاب‪َ ،]33 :‬قا َل ْت‪َ :‬ف َأ َخ َذ َف ْض َل َ‬
‫الس َم ِء‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪(( :‬ال َّل ُه َّم َه ُؤ َل ِء َأ ْه ُل‬‫اه ْم بِه‪ُ ،‬ث َّم َأ ْخ َر َج َيدَ ُه‪َ ،‬ف َأ َلوى ِ َبا إِ َل َّ‬
‫ِ‬
‫َف َغ َّش ُ‬
‫الر ْج َس َو َط ِّه ْر ُه ْم َت ْط ِه ًريا‪ ،‬ال َّل ُه َّم َه ُؤ َل ِء َأ ْه ُل‬ ‫ب َعن ُْه ْم ِّ‬
‫ِ‬
‫اصتي‪َ ،‬ف َأ ْذه ْ‬
‫بيتِي و َخ ِ‬
‫َ ْ َ َّ‬
‫ِ‬ ‫بيتِي و َخ ِ‬
‫لت‬ ‫الر ْج َس َو َط ِّه ْر ُه ْم َت ْط ِه ًريا)) َقا َل ْت‪َ :‬ف َأ ْد َخ ُ‬ ‫ب َعن ُْه ْم ِّ‬ ‫اصتي‪َ ،‬ف َأ ْذه ْ‬ ‫َ ْ َ َّ‬
‫َّك إِ َل‬ ‫َّك إِ َل َخ ٍي إِن ِ‬ ‫ول اهلل؟ َق َال‪(( :‬إِن ِ‬ ‫لت‪َ :‬و َأنَا َم َعك ُْم َيا َر ُس َ‬ ‫َر ْأ ِس ال َب ْي َت‪َ ،‬ف ُق ُ‬
‫ْ‬
‫َخ ْ ٍي)) أخرجه أمحد‪ ،‬والرتمذي‪.‬‬
‫ت َفاطِ َم َة ِس َّت َة َأ ْش ُه ٍر‬
‫َان يمر بِبي ِ‬
‫ك َ َ ُ ُّ َ ْ‬ ‫َأ َّن النَّبِ َّي‬ ‫َس ْب ِن َمالِ ٍك‬ ‫و َع ْن َأن ِ‬
‫ت)) ﱹ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬ ‫ول‪(( :‬الص َل َة يا َأه َل البي ِ‬ ‫إِ َذا َخ َر َج إِ َل ال َف ْج ِر‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫َّ َ ْ َ ْ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﱸ [األحزاب‪ .]33 :‬أخرجه أمحد‪،‬‬
‫والرتمذي‪.‬‬
‫لت َع َل َواثِ َل َة ْب ِن األَ ْس َقعِ‪َ ،‬و ِعنْدَ ُه َق ْو ٌم‪،‬‬ ‫َعن َشدَّ ٍ‬
‫اد َأ ِب َع َّم ٍر َق َال‪َ :‬د َخ ُ‬ ‫ْ‬
‫ول اهلل ؟‬ ‫َف َذكَروا َع ِل ًّيا‪َ ،‬ف َلم َقاموا ‪َ ..‬ق َال ِل‪َ :‬أ َل ُأ ْخ ِب َك بِم ر َأ ْي ُت ِم ْن رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ُ‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)574‬‬

‫ول‬‫َأس َأ ُلا َع ْن َع ِل‪َ ،‬قا َل ْت‪ :‬ت ََو َّج َه إِ َل رس ِ‬ ‫لت‪َ :‬ب َل‪َ .‬ق َال‪َ :‬أ َت ْي ُت َفاطِ َم َة‬‫ُق ُ‬
‫َ ُ‬ ‫ٍّ‬ ‫ْ َ‬
‫ي‬ ‫ول اهلل ‪َ ،‬و َم َع ُه َع ِ ٌّل‪َ ،‬و َح َس ٌن‪َ ،‬و ُح َس ْ ٌ‬ ‫اهلل ‪َ ،‬ف َج َل ْس ُت َأ ْنتَظِ ُر ُه َحتَّى َجا َء َر ُس ُ‬
‫ا‪،‬و َفاطِ َم َة‪َ ،‬ف َأ ْج َل َس ُه َم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ٍ ِ‬
‫آخ ٌذ ك َُّل َواحد من ُْه َم بِ َيده َحتَّى َد َخ َل‪َ ،‬ف َأ ْدنَى َعل ًّي َ‬
‫ِ‬

‫ف َع َل ْي ِه ْم‬ ‫خ ِذ ِه‪ُ ،‬ث َّم َل َّ‬‫اح ٍد ِمنْهم َع َل َف ِ‬


‫َُ‬
‫ي يدَ ي ِه‪ ،‬و َأج َلس حسنًا وحسينًا ك َُّل و ِ‬
‫َ‬ ‫َب ْ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ُ َ ْ‬
‫َث ْو َب ُه‪َ ،‬أ ْو َق َال‪ِ :‬ك َسا ًء‪ُ ،‬ث َّم ت ََل َه ِذ ِه اآل َي َة‪ :‬ﱹ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﱸ [األحزاب‪َ ،]33 :‬و َق َال‪(( :‬ال َّل ُه َّم َه ُؤ َل ِء َأ ْه ُل‬
‫َب ْيتِي‪َ ،‬و َأ ْه ُل َب ْيتِي َأ َح ُّق)) أخرجه أمحد‪.‬‬
‫وقال اهلل تعاىل‪ :‬ﱹ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﱸ [الشورى‪،]23 :‬‬
‫اس َع ْن َه ِذ ِه اآل َي ِة‪ :‬ﱹ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬ ‫فعن طاوس قال‪ُ :‬س ِئ َل ا ْب ُن َع َّب ٍ‬
‫آل ُم َ َّم ٍد ‪َ -‬ق َال‪َ :‬ف َق َال‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﱸ ‪َ -‬ق َال‪َ :‬ف َق َال س ِعيدُ ْب ُن ُج َب ٍي‪ُ :‬قر َبى ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫َ‬
‫ش إِ َّل ك َ‬
‫َان‬ ‫َل ي ُكن ب ْطن ِمن ب ُط ِ‬
‫ون ُق َر ْي ٍ‬ ‫لت إِ َّن َر ُس َ‬
‫ول اهلل‬ ‫اس‪َ :‬ع ِج َ‬ ‫ا ْب ُن َع َّب ٍ‬
‫َْ ْ َ ٌ ْ ُ‬
‫َص ُلوا َما َب ْينِي َو َب ْينَك ُْم ِم ْن ال َق َرا َب ِة)) أخرجه‬
‫َله فِ ِيهم َقراب ٌة‪َ ،‬ف َق َال‪(( :‬إِ َّل َأ ْن ت ِ‬
‫ْ َ َ‬ ‫ُ‬
‫أمحد‪ ،‬والنسائي‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬وجوب حمبة اهل البيت النبوي الطاهر‪.‬‬
‫‪ ،‬ثم ال حيب أهل بيته‪ ،‬فإن من أحب شيئ ًا‬ ‫‪2 .2‬كاذب من يدعي حمبة النبي‬
‫أحب كل يشء تعلق بمحبوبه‪ ،‬فكيف وقد أوىص حمبو ُبه بمحبتهم‪.‬‬
‫‪ ،‬فمحبتهم من‬ ‫‪3 .3‬أن من يؤدي أهل البيت الطاهر ‪ ..‬إنام يف احلقيقة يؤدي النبي‬
‫‪ ،‬وإنام النجاة يف حمبتهم والتعلق هبم‪ ،‬فعن أيب ذر‬ ‫حمبته‪ ،‬وأديتهم من أديته‬
‫يقول‪(( :‬أهل بيتي فيكم كسفينة نوح‬ ‫قال‪ :‬سمعت رسول اهلل‬
‫(‪)575‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫يف قومه‪ ،‬من دخلها ‪ ..‬نجا‪ ،‬ومن ختلف عنها‪ ..‬هلك)) أخرجه الطرباين يف‬
‫((األوسط))‪.‬‬
‫وليس من حي أهل البيت ذم أحد من الصحابة رضوان اهلل عليهم‪ ،‬فإن‬
‫هذا فهم باطل‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)576‬‬

‫احلديث السابع والثمانون‬

‫ول اهلل ‪(( :‬إِ َّن ِم ْن إِ ْج َل ِل اهلل‪ :‬إِك َْرا َم‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫وسى‬ ‫َع ْن َأ ِب ُم َ‬
‫السل َط ِ‬ ‫ِ‬ ‫َال فِ ِيه‪َ ،‬و َ‬ ‫الش ْي َب ِة ا ُمل ْسلِمِ‪َ ،‬و َح ِام ِل ال ُق ْر ِ‬
‫ِذي َّ‬
‫ان‬ ‫اجل ِاف َعنْ ُه‪َ ،‬وإِك َْرا َم ذي ُّ‬ ‫آن َغ ْ ِي الغ ِ‬
‫ط)) حديث حسن رواه أبو داود‪.‬‬ ‫ا ُمل ْق ِس ِ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو موسى األشعري‬
‫احلديث الثالث‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪(( :‬إِ َّن ِم ْن إِ ْج َل ِل اهلل))‪ ،‬أي‪ :‬تعظيمه وتبجيله سبحانه وتعاىل‪.‬‬ ‫قوله‬
‫((إِك َْرا َم ِذي))‪ ،‬أي‪ :‬صاحب‪.‬‬
‫الش ْي َب ِة ا ُمل ْسلِ ِم))‪ ،‬أي‪ :‬الذي شاب شعره‪ ،‬بمعنى‪ :‬ابيض يف اإلسالم‪،‬‬
‫(( َّ‬
‫ويكون ذلك بتقديمه عىل غريه يف الصالة إن توفرت فيه الرشوط‪ ،‬وكذا يف املجامع‬
‫واملجالس‪ ،‬والقرب‪ ،‬وغريه‪ ،‬وكذا الرفق به والشفقة عليه‪ ،‬فإن ذلك من كامل تعظيم‬
‫اهلل حلرمة ذي الشيبة املسلم عنده سبحانه‪.‬‬
‫(( َو َح ِام ِل ال ُق ْر ِ‬
‫آن))‪ ،‬أي‪ :‬قارئه وحامله‪ ،‬وسمي حام ً‬
‫ال ملا حتمل يف حفظه من‬
‫الدرس‪ ،‬واملشقة يف تفهمه‪ ،‬والعمل بأحكامه وتدبره‪ ،‬فهو كحامل ملشاق كثرية تزيد‬
‫(‪)577‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫عىل األمحال الثقيلة‪ .‬قال يف ((عون املعبود))‪َ " :‬أ ْي‪َ :‬وإِك َْرام َحافِظه‪َ ،‬و َس َّم ُه َح ِام ًل َل ُه؛‬
‫اري‪َ :‬أ ْي‬ ‫حال ال َّث ِقي َلة َقا َل ُه ال َع ِز ِيز ُّي‪َ ،‬و َق َال ال َق ِ‬
‫اق كَثِ َرية ت َِزيد َع َل األَ ْ َ‬‫ي ِمل َلِ َش ٍّ‬ ‫ِ‬
‫َلا َ ْ‬
‫(((‬
‫ار ِئ ِه َو َحافِظه َو ُم َف ِّسه" اهـ‪.‬‬
‫َوإِك َْرام َق ِ‬

‫َال فِ ِيه))‪ ،‬أي‪ :‬غري املتشدد‪ ،‬وغري املتجاوز احلد فيالعمل به‪ ،‬فال يتتبع‬ ‫(( َغ ْ ِي الغ ِ‬
‫ما خفي منه واشتبه عليه من معانيه‪ ،‬وال الكشف عن دقيق علله التي ال يصلح فيها‬
‫عقله بام يبتدعه يف الدين؛ ل ُي َض ّل و ُي ِض ّل غريه‪ ،‬وال جياوز حدود قراءته‪ ،‬وخمارج‬
‫حروفه ومده‪.‬‬
‫اجل ِاف َعنْ ُه))‪ ،‬أي‪ :‬وغري اجلايف عنه‪ ،‬وهو التارك له البعيد عن تالوته‬
‫(( َو َ‬
‫والعمل بام فيه‪ ،‬فإن هذا من اجلفاء‪ ،‬وهو البعد عن اليشء‪ ،‬قال يف ((عون املعبود))‪:‬‬
‫اإلساع ِف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الق َرا َءة بِ َح ْي ُث َي ْمنَع ُه َع ْن تَدَ ُّبر ا َمل ْعنَى‪.‬‬ ‫" َوق َيل‪ :‬ال ُغ ُل ّو ا ُمل َبا َل َغة ف الت َّْجويد َأ ْو ِ ْ َ‬
‫َان ن َِس َي ُه َفإِ َّن ُه عُدَّ ِم ْن ال َك َب ِائر‪َ ،‬ق َال ِف‬
‫تك ُه َب ْعد َما َع ِل َم ُه َل ِس َّي َم إِ َذا ك َ‬
‫جل َفاء َأ ْن َي ْ ُ‬
‫َوا َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫((الن َِّها َية))‪َ :‬ومنْ ُه احلَديث‪(( :‬ا ْق َر ُءوا ال ُق ْرآن َو َل َ ْت ُفوا َعنْ ُه))‪َ (((،‬أ ْي‪َ :‬ت َع َ‬
‫اهدُ و ُه َولَ َت ْب ُعدُ وا‬
‫َتكُوا ِق َرا َءته‪َ ،‬وت َْشت َِغ ُلوا بِ َت ْف ِس ِري ِه َوت َْأ ِويله‪َ ،‬ولِ َذا ِق َيل‪ :‬اِ ْشت َِغل‬ ‫ِ‬
‫َع ْن ت َل َوته بِ َأ ْن ت ْ ُ‬
‫العلم‪،‬‬‫العل ِم بِحي ُث َل يمنَعك َعن العمل‪ ،‬و ْاشت َِغل بِالعم ِل بِحي ُث َل يمنَعك َعن ِ‬ ‫بِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫َْ‬ ‫ََ‬ ‫ْ ََ َ‬ ‫َْ‬ ‫َْ‬
‫الو َسط ال َعدْ ل‬ ‫اإل ْف َراط َوال َّت ْف ِريط َم ْذ ُموم‪َ ،‬وا َمل ْح ُمود ُه َو َ‬ ‫اصله َأ َّن ُكلًّ ِم ْن َط َر َ ْف ِ‬ ‫وح ِ‬
‫َ َ‬
‫(((‬
‫شح املِ ْشكَاة))" اهـ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لاله ف َجيع األَ ْق َوال َواألَ ْف َعال‪ ،‬ك ََذا ف ((امل ْر َقاة َ ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ا ُمل َطابِق ِ ِ ِ‬
‫َ‬
‫قال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬قال يف ((النهاية))‪ :‬وإنام قال ذلك ‪ ..‬ألن من أخالقه‬
‫والغلو‪ :‬التشديد يف الدين‪ ،‬وجماوزة احلد‪ ،‬والتجايف‪:‬‬
‫ّ‬ ‫التي أمر هبا القصد يف األمر‪،‬‬

‫((( ((عون املعبود))‪.34/8 :‬‬


‫((( أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬
‫((( ((عون املعبود))‪.34/8 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)578‬‬

‫البعد عنه‪ .‬قلت‪ :‬السيام من أعرض عنه بكثرة النوم‪ ،‬والبطالة‪ ،‬واإلقبال عىل الدنيا‬
‫والشهوات‪ ،‬وما أقبح بحامل القرآن أن يتلفظ بأحكامه وال يعمل هبا‪ ،‬فهو كمثل‬
‫(((‬
‫احلامر حيمل أسفار ًا" اهـ‪.‬‬
‫فالغايل فيه‪ ،‬واجلايف عنه ال يستحقان اإلكرام‪.‬‬
‫(( َوإِك َْرا َم ِذي))‪ ،‬أي‪ :‬صحاب‪.‬‬
‫السل َط ِ‬
‫ان))‪ ،‬أي‪ :‬امللك والتسلط؛ ألنه ذي قهر وغلبة‪ ،‬وهو من السالطة‪،‬‬ ‫(( ُّ‬
‫وهي التمكن من القهر‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ :‬ﱹ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﱸ [النساء‪،]90 :‬‬
‫(((‬
‫ومنه سمي السلطان‪ ،‬وقيل‪ :‬ذي حجة؛ ألنه يقام به احلجج‪.‬‬
‫((ا ُمل ْق ِس ِ‬
‫ط))‪ ،‬أي‪ :‬العدل يف حكمه بني رعيته‪ ،‬فدل ذلك عىل أن غري املقسط‬
‫ال يستحق اإلكرام؛ بل يستحق النصح والتوجيه والتحذير من عقاب اهلل تعاىل‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬إكرام ذي الشيبة املسلم من تعظيم وتبجيل اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪2 .2‬إكرام وتقدير وتبجيل حامل القرآن إذا عمل بام فيه‪ ،‬ومل يتجاوز احلدود فيه‪،‬‬
‫ومل يقرص فيه من تعظيم اهلل‪ ،‬فإن مل يكن كذلك‪ ..‬مل يستحق اإلكرام‪.‬‬
‫‪3 .3‬إكرام السلطان العادل يف حكه من تعظيم اهلل تعاىل‪ ،‬فإن مل يكن عادالً‪ ..‬مل‬
‫يستحق اإلكرام‪.‬‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.192/2 :‬‬


‫((( ((فيض القدير))‪.338/3 :‬‬
‫(‪)579‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث الثامن والثمانون‬

‫ول اهلل ‪َ (( :‬ل ْي َس‬


‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫ب َع ْن َأبِ ِيه َع ْن َجدِّ ِه‬ ‫َع ْن َع ْم ِرو ْب ِن ُش َع ْي ٍ‬
‫ف َكبِ ِرينَا)) حديث صحيح رواه أبو داود‪،‬‬ ‫ش َ‬ ‫ف ََ‬ ‫ِمنَّا َم ْن َل ْ َي ْر َح ْم َص ِغ َرينَا‪َ ،‬و َي ْع ِر ْ‬
‫والرتمذي‪ ،‬وقال حديث حسن صحيح ‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫احلديث يرويه عمرو بن شعيب عن أبيه شعيب عن جده الصحايب اجلليل‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجة سيدنا عبداهلل بن عمر‪،‬‬ ‫عبداهلل بن عمرو بن العاص‬
‫وسنتحدث عن ترمجة عمرو بن شعيب‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمــــه‬
‫هو التابعي اجلليل عمرو بن شعيب بن حممد بن عبداهلل بن عمرو بن العاص‬
‫ابن وائل السهمي املدين نزيل الطائف‪.‬‬
‫يكنى بـأيب إبراهيم‪.‬‬
‫قال يف ((سري أعالم النبالء))‪" :‬االمام املحدث أبو إبراهيم وأبو عبداهلل‬
‫القريش السهمي احلجازي فقيه أهل الطائف‪ ،‬وحمدثهم‪ ،‬وكان يرتدد كثريا إىل مكة‪،‬‬
‫(((‬
‫وينرش العلم‪ ،‬وله مال بالطائف" اهـ‪.‬‬

‫((( ((سري أعالم النبالء))‪.350/4 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)580‬‬

‫وأمه‪ :‬حبيبة بنت مرة اجلمحية‪.‬‬


‫وهو من صغار التابعني؛ بل اختلفوا هل هو تابعي أم ال؟‬
‫فقال بعضهم أنه ليس تابعي‪ ،‬فقد قال السيوطي‪ :‬يف ((حوايش سنن أيب داود))‪:‬‬
‫قال الدارقطني‪ :‬سمعت أبا بكر النقاش يقول‪ :‬عمرو بن شعيب ليس من التابعني‪،‬‬
‫وقد روى عنه عرشون من التابعني‪ ،‬قال الدارقطني‪ :‬فتبعتهم فوجدهتم أكثر من‬
‫عرشين‪.‬‬
‫قال ابن الصالح‪ :‬قرأت بخط احلافظ أيب موسى الطيبي يف ختريج له قال‪:‬‬
‫عمرو بن شعيب ليس بتابعي‪ ،‬وقد روى عنه نيف وسبعون رج ً‬
‫ال من التابعني‪.‬‬
‫قال يف ((دليل الفاحلني)) ردا عىل هذا‪" :‬وهذا وهم‪ ،‬فإنه روى عن صحابيتني مها‪:‬‬
‫(((‬
‫معوذ بن عفراء‪ ،‬وزينب بنت أيب سلمة ربيبة النبي‪ ،‬فهو تابعي" اهـ‪.‬‬
‫الرب َّيع بنت ّ‬
‫حدث عن أبيه فأكثر‪ ،‬وعن سعيد بن املسيب‪ ،‬وطاووس‪ ،‬وسليامنابن يسار‪،‬‬
‫وعمرو بن الرشيد بن سويد‪ ،‬وعروة بن الزبري‪ ،‬وجماهد‪ ،‬وعطاء‪ ،‬وسعيد املقربي‪،‬‬
‫وعاصم بن سفيان‪ ،‬والزهري‪.‬‬
‫وقد حدث عن الربيع بنت معوذ‪ ،‬وزينب بنت أيب سلمة‪ ،‬وهلام صحبة‪،‬‬
‫كام أسلفنا‪ ،‬وعن عمته زينب السهمية وأرسل عن أم كرز اخلزاعية‪.‬‬
‫وحدث عنه الكثريون‪ ،‬فمنهم‪ :‬الزهري‪ ،‬وقتادة‪ ،‬وعطاء بن أيب رباح شيخه‪،‬‬
‫وعمرو بندينار‪ ،‬ومكحول‪ ،‬ومطر الوراق‪ ،‬ووهب بن منبه‪ ،‬وحسان بن عطية‪،‬‬
‫وأيوب السختياين وابن طاووس‪ ،‬وعاصم االحول‪ ،‬وعطاء اخلراساين‪ ،‬وحييى‬
‫ابن سعيد األنصاري‪ ،‬وحييى بن أيب كثري‪ ،‬ويزيد بن أيب حبيب‪ ،‬ويزيد بن عبداهلل‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.119/2 :‬‬


‫(‪)581‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ابن اهلاد‪ ،‬وهشام بن عروة‪ ،‬وعبدالعزيز بن رفيع‪ ،‬وعبدالكريم اجلزري‪ ،‬وثابت‬
‫البناين‪ ،‬وبكري بن االشج‪ ،‬وموسى بن أيب عائشة‪ ،‬وداود بن أيب هند‪ ،‬وحسني‬
‫املعلم‪ ،‬وحبيب املعلم‪ ،‬وأسامة بن زيد الليثي‪ ،‬وسليامن بن موسى‪ ،‬وعامر األحول‪،‬‬
‫وابن عون‪ ،‬وعبيداهلل بن عمر‪ ،‬والعالء بن احلارث‪ ،‬والضحاك بن محزة‪ ،‬وعبداهلل بن‬
‫عبدالرمحن بن يعىل الطائفي‪ ،‬وعبدالرمحن بن حرملة‪ ،‬وعبداهلل بن عامر األسلمي‪،‬‬
‫وثور بن يزيد‪ ،‬وداود بن شابور‪ ،‬وداود بن قيس الفراء‪ ،‬ورجاء بن أيب سلمة‪،‬‬
‫وابن إسحاق‪،‬واألوزاعي‪ ،‬وحجاج بن أرطاة‪ ،‬وعمرو بن احلارث‪ ،‬وابن عجالن‪،‬‬
‫واملثنى ابن الصباح‪ ،‬وابن هليعة‪ ،‬وهشام بن سعد‪ ،‬وهشام بن الغاز‪ ،‬وخلق سواهم‪.‬‬
‫وخرج عنه البخاري يف القدر‪ ،‬وأصحاب السنن األربعة‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتــــه‬

‫سنة (‪ )118‬ثامين عرشة ومائة للهجرة بالطائف‪.‬‬ ‫تويف‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪َ (( :‬ل ْي َس ِمنَّا))‪ ،‬أي‪ :‬من أهل سنتنا وهدينا وطريقتنا‪ ،‬وقيل‪ :‬من أهل‬ ‫قوله‬
‫الكامل منا‪.‬‬
‫(( َم ْن َل ْ َي ْر َح ْم َص ِغ َرينَا))‪ ،‬أي‪ :‬الصغري من املسلمني‪ ،‬وذلك بالشفقة عليه‪،‬‬
‫ورمحته‪ ،‬ومالعبته‪ ،‬واإلحسان إليه‪ ،‬قال املناوي‪" :‬وقد يكون صغري ًا يف املعنى مع تقدم‬
‫(((‬
‫سنه؛ جلهله‪ ،‬وغباوته‪ ،‬وخرقه‪ ،‬وغفلته‪ ،‬فريحم بالتعليم‪ ،‬واإلرشاد‪ ،‬والشفقة" اهـ‪.‬‬
‫ف َكبِ ِرينَا))‪ ،‬أي بام يستحقه من التعظيم‪ ،‬واإلجالل‪ ،‬والتبجيل‪،‬‬ ‫ش َ‬ ‫(( َو َي ْع ِر ْ‬
‫ف ََ‬
‫والتقدير‪ ،‬ويوضح هذا املعنى رواية اإلمام أمحد‪َ (( :‬ل ْي َس ِم ْن ُأ َّمتِي َم ْن َل ْ ُيِ َّل َكبِ َرينَا))‪،‬‬
‫((( ((فيض القدير))‪.246/7 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)582‬‬

‫وله أيض ًا‪َ (( :‬ل ْي َس ِمنَّا َم ْن َل ْ ُي َو ِّق ْر َكبِ َرينَا))‪ ،‬وعند ايب داود‪َ (( :‬و َي ْع ِر ْ‬
‫ف َح َّق َكبِ ِرينَا))‪.‬‬
‫وقوله‪(( :‬كبرينا)) شامل للشاب‪ ،‬والشيخ؛((( ألن الشاب قد يكون كبري منزلة‬
‫يف قومه أو بني الناس بعلم أو غريه‪.‬‬
‫قال املناوي‪" :‬وفيه ‪ -‬أي‪ :‬احلديث ‪ -‬كالذي قبله إيذان بأن األمة ختتل بعد‬
‫نبيها بام فقد من نوره ومن وجوده معهم‪ ،‬وهلذا قالوا‪ :‬ما نفضنا أيدينا من ترابه‬
‫(((‬
‫حتى أنكرنا قلوبنا" اهـ‪.‬‬
‫قال احلافظ العراقي‪ " :‬ويؤخذ من قوله‪(( :‬رشف كبرينا)) ‪ ..‬أنه إنام يستحق‬
‫الكبري اإلكرام إذا كان له رشف بعلم‪ ،‬أو صالح‪ ،‬ونسب زكي كالرشف‪ ،‬وحيتمل‬
‫أن التعمري يف اإلسالم رشف‪ ،‬لقوله يف احلديث املار‪(( :‬خري الناس من طال عمره‪،‬‬
‫وحسن عمله))؛ نعم إن كان شيخا يسء العمل ‪ ..‬فال يستحق اإلكرام؛ لقوله يف‬
‫بقية احلديث‪(( :‬ورش الناس من طال عمره وساء عمله))؛ لكن جيئ يف حديث‪:‬‬
‫((ما من شاب أكرم شيخ ًا لسنه إال قيض اهلل له من يكرمه عند سنه)) فظاهر اإلكرام‬
‫(((‬
‫أنه للسن بغري قيد‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫إكرام الكبري ورمحة الصغري‪.‬‬ ‫‪1 .1‬من هدي وطريقة احلبيب‬
‫‪2 .2‬أن املؤمن يعرف حق اآلخرين‪ ،‬وال جيحده‪.‬‬
‫‪3 .3‬ديننا دين الرمحة واملحبة‪.‬‬

‫((( ((حتفة األحوذي))‪.537/4 :‬‬


‫((( ((فيض القدير))‪.57/4 :‬‬
‫((( ((فيض القدير))‪.245/7 :‬‬
‫(‪)583‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث التاسع والثمانون‬

‫اب َش ْيخً ا لِ ِسن ِِّه إِ َّل‬


‫‪َ (( :‬ما َأك َْر َم َش ٌّ‬
‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهلل‬ ‫َع ْن َأن ِ‬
‫َس‬
‫َق َّي َض اهللُ َل ُه َم ْن ُيك ِْر ُم ُه ِعنْدَ ِسن ِِّه)) رواه الرتمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث غريب‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث‬ ‫هو الصحايب اجلليل أنس بن مالك‬
‫احلادي عرش‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪َ (( :‬ما َأك َْر َم َش ٌّ‬
‫اب))‪ ،‬وسن الشباب من التاسع عرش إىل األربعة‬ ‫قوله‬
‫والثالثني‪.‬‬
‫(( َش ْيخً ا))‪ ،‬أي‪ :‬داخال يف الشيخوخة‪ ،‬وهو ما بعد اخلمسني‪.‬‬
‫((لِ ِسن ِِّه))‪ ،‬أي‪ :‬ألجل ِك َ ِبه‪ ،‬ال ألجل يشء آخر‪ ،‬وقال القارئ‪ :‬أي كرب عمره؛‬
‫(((‬
‫ألن الغالب عليه زيادة علم وعمل مع سبق إيامنه‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫((إِ َّل َق َّي َض اهللُ))‪ ،‬أي‪ :‬س ّبب وقدّ ر ووكّل‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﱸ [الزخرف‪.]36 :‬‬
‫(( َل ُه))‪ ،‬أي‪ :‬للشاب الذي أكرم الشيخ‪.‬‬

‫((( ((حتفة األحوذي))‪.627/4 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)584‬‬

‫(( َم ْن ُيك ِْر ُم ُه ِعنْدَ ِسن ِِّه))‪ ،‬أي‪ :‬عند ِك َ ِبه جمازاة له عىل فعله‪ ،‬وفيه إشارة إىل أن‬
‫من أكرم الشيخ لسنه ‪ ..‬يطيل اهلل عمره حتى يصري شيخ ًا كبريه فيكرمه غريه جمازاة له‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬احرتام وإكرام من شاخ يف اإلسالم‪.‬‬
‫‪2 .2‬األعامل الصاحلة سبب لطول العمر‪.‬‬
‫‪3 .3‬اجلزاء من جنس العمل‪ ،‬ومن عمل إحسان ًا جيزا بمثله‪.‬‬
‫(‪)585‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث التسعون‬

‫َار َأ ًخا‬
‫يضا‪َ ،‬أ ْو ز َ‬ ‫ول اهلل ‪َ (( :‬م ْن َعا َد َم ِر ً‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َعن َْأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫اجلن َِّة َمن ِْز ًل)) رواه‬
‫اك‪َ ،‬و َت َب َّو ْأ َت ِم ْن َ‬ ‫ت‪َ ،‬و َط َ‬
‫اب َم ْ َش َ‬ ‫َاد‪:‬بِ َأ ْن طِ ْب َ‬
‫َله ِف اهلل ‪ ..‬نَاداه من ٍ‬
‫َ ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫الرتمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن‪ ،‬ويف بعض النسخ‪ :‬غريب‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪َ (( :‬م ْن َعا َد َم ِر ً‬
‫يضا))‪ ،‬أي‪ :‬زاره يف حال مرضه‪.‬‬ ‫قوله‬
‫َار َأ ًخا َل ُه ِف اهلل))‪ ،‬أي‪ :‬يف حال صحته وليس ملرضه‪ ،‬وكل ذلك خملص ًا‬
‫(( َأ ْو ز َ‬
‫بفعله‪ ،‬أي‪ :‬مريد ًا بذلك وجه اهلل ورضاه‪ ،‬ال ملصلحة أخرى‪.‬‬
‫((نَاداه من ٍ‬
‫َاد)) من املالئكة‪ ،‬فيقول له مبرش ًا‪:‬‬ ‫َ ُ ُ‬
‫((بِ َأ ْن طِ ْب َ‬
‫ت)) يف نفسك‪ ،‬أي‪ :‬انرشحت لك عند اهلل تعاىل من جزيل األجر يف‬
‫ذلك‪ ،‬أو طهرت من الذنوب بغفرانه لك بذلك‪ (((،‬أو يكون ذلك دعاء له بطيب‬
‫(((‬
‫عيشه يف الدنيا واألخرى‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬دليل الفاحلني))‪.204/2 :‬‬


‫((( انظر‪(( :‬حتفة األحوذي))‪.611/4 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)586‬‬

‫(( َو َط َ‬
‫اب َم ْ َش َ‬
‫اك))‪ ،‬أي‪ :‬مسعاك‪ ،‬أي‪ :‬عظم ثوابه‪ ،‬قال يف ((حتفة األحوذي))‪:‬‬
‫"قال الطيبي‪ :‬كناية عن سريه وسلوكه طريق االخرة بالتعري عن رذائل األخالق‪،‬‬
‫(((‬
‫والتحيل بمكارمها" اهـ‪.‬‬
‫اجلن َِّة َمن ِْزالً))‪ ،‬أي‪ :‬هتيأت‪ ،‬أو اختذت من اجلنة دار ًا عظي ًام ومقام ًا‬
‫(( َو َت َب َّو ْأ َت ِم ْن َ‬
‫فخي ًام تنزله‪ ،‬يقال‪ :‬تبوأ الرجل املكان إذا اختذه سكن ًا‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﯦ‬
‫‪،‬‬ ‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﱸ [احلرش‪ ،]9 :‬أي‪ :‬اختذوا املدينة‪ ،‬أي‪ :‬مدينةالرسول‬
‫فابتنوها منازل‪ ،‬كام يف كتب التفسري‪.‬‬
‫قال يف ((حتفة األحوذي))‪" :‬وقال الطيبي‪ :‬دعاء له بطيب العيش يف األخرى‪،‬‬
‫كام أن (طبت) دعاء له بطيب العيش يف الدنيا‪ ،‬وإنام أخرجت األدعية يف صورة‬
‫(((‬
‫األخبار ‪ ..‬إظهار للحرص عىل عيادة األخيار" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬فضل عيادة املريض يف الدنيا واآلخرة إن كان خملص ًا هلل‪.‬‬
‫‪2 .2‬فضل زيارة األخ يف اهلل إن كان خملصا هلل‪.‬‬
‫‪3 .3‬احلث عىل األخوة يف اهلل‪ ،‬وتأدية حقوقها‪.‬‬

‫((( ((حتفة األحوذي))‪.611/4 :‬‬


‫((( املرجع السابق‪.‬‬
‫(‪)587‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث احلادي والتسعون‬

‫الصالِحِ‬‫يس َّ‬ ‫اجللِ ِ‬ ‫َق َال‪(( :‬إِن ََّم َم َث ُل َ‬ ‫َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫وسى األَ ْش َع ِر ِّي‬‫َع ْن َأ ِب ُم َ‬
‫ك‪،‬‬ ‫ي ِذ َي َ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫الس ْوء‪ ،‬ك ََحام ِل امل ْسك‪َ ،‬ونَافخِ الك ِري‪َ ،‬ف َحام ُل امل ْسك ‪ ..‬إِ َّما َأ ْن ُ ْ‬
‫ِ‬
‫يس َّ‬ ‫َو َجلِ ِ‬
‫ي ِر َق ثِ َيا َب َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وإِما َأ ْن َتبتَاع ِم ْنه‪ ،‬وإِما َأ ْن َ ِ ِ‬
‫ك‪،‬‬ ‫حيا َط ِّي َب ًة‪َ ،‬ونَاف ُخ الك ِري ‪ ..‬إِ َّما َأ ْن ُ ْ‬‫تدَ م ْن ُه ِر ً‬ ‫ْ َ ُ َ َّ‬ ‫َ َّ‬
‫حيا َخبِي َث ًة)) متفق عليه‪.‬‬ ‫َوإِ َّما َأ ْن َ ِ‬
‫تدَ ِر ً‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو موسى األشعري‬
‫احلديث الثالث‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪(( :‬إِن ََّم َم َث ُل))‪ ،‬أي‪ :‬نظري‪.‬‬ ‫قوله‬
‫الس ْو ِء))‪ ،‬واجلليس من يكثر جمالسة الشخص‪،‬‬ ‫الصالِحِ َو َجلِ ِ‬
‫يس َّ‬ ‫اجللِ ِ‬
‫يس َّ‬ ‫(( َ‬
‫يقال جالسته فهو جلييس وجليس‪ ،‬واجلليس الصالح هو من حيب لك اخلري ويدفع‬
‫عنك السوء‪ ،‬وجليس السوء هو من ينهاك عن اخلري وحيبب لك السوء‪.‬‬
‫قال يف ((دليل الفاحلني))‪((" :‬اجلليس الصالح وجليس السوء)) كذا وقفت‬
‫عليه يف ((الرياض))‪ :‬بتوصيف ّ‬
‫األول‪ ،‬وإضافة الثاين‪ ،‬وكأن حكمة ذلك مع التفنن‬
‫يف التعبري اإلشارة إىل جمانبة اجلليس اليسء‪ ،‬حيث أطلق عليه لفظ املصدر وهو‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)588‬‬

‫السوء ‪ -‬بالفتح ‪ -‬مبالغة يف التنفري‪ ،‬أما السوء بالضم ‪ ..‬فاسم مصدر‪ ،‬وجيوز‬
‫ضم وفتح السني فيام ذكر‪ ،‬كقولك‪ :‬رجل سوء‪ ،‬ويف نسخة من الرياض توصيف‬
‫(((‬
‫الصاحب بوصفه يف كليهام" اهـ‪.‬‬
‫((كَح ِام ِل املِس ِ‬
‫ك))‪ ،‬هو تشبيه لألول‪ ،‬وهو اجلليس الصالح‪ ،‬فشبهه بحامل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫املسك‪ ،‬سواء كان بائع ًا له أم ال‪.‬‬
‫(( َونَافِخِ الكِ ِري))‪ ،‬وهو تشبيه للثاين‪ ،‬وهو جليس السوء‪ ،‬فشبهه بنافخ الكري‪،‬‬
‫وهو بكرس الكاف‪ ،‬وسكون التحتية معروف‪ ،‬وحقيقته‪ :‬البناء الذي يركب عليه‬
‫الزق‪ ،‬والزق‪ :‬هو الذي ينفخ فيه‪ ،‬فأطلق عىل الزق اسم الكري جماز ًا؛ ملجاورته له‪،‬‬
‫وقيل ‪ -‬كام اقترص عليه يف ((القاموس))‪ :‬الكري نفس الزق‪ ،‬وأما البناء ‪ ..‬فاسمه‬
‫الكور‪ ،‬وهذا فيه لف ونرش مرتب‪ (((،‬ثم فصل ثمرة احلالني‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ي ِذ َي َ‬
‫ك))‪ ،‬أي‪ :‬يعطيك دون مقابل‪.‬‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫(( َف َحام ُل امل ْسك ‪ ..‬إِ َّما َأ ْن ُ ْ‬
‫َاع ِمنْ ُه))‪ ،‬أي‪ :‬تطلب منه البيع‪ ،‬فيبيعك‪ ،‬ويف ذلك دليل عىل طهارة‬
‫(( َوإِ َّما َأ ْن َت ْبت َ‬
‫املسك‪ ،‬فقد رغب هنا يف رشاءه‪ ،‬ولو مل يكن طاهر ًا ملا جاز بيعه وال رشاؤه‪ ،‬وقد قال‬
‫بعضهم بكراهته أوال‪ ،‬ثم انقرض هذا القول‪ ،‬واستقر اإلمجاع عىل طهارته‪ ،‬وجواز‬
‫استِ ْح َبابه‪َ ،‬و َج َواز َب ْيعه‪َ ،‬و َقدْ َأ َ ْ‬
‫ج َع‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫بيعه‪ ،‬قال اإلمام النووي‪َ " :‬وفيه َط َه َارة امل ْسك َو ْ‬
‫(((‬

‫الشي َعة‬ ‫استه َو ِّ‬ ‫ال ُع َل َمء َع َل َجِيع َه َذا‪َ ،‬و َل ْ ُيَالِف فِ ِيه َم ْن ُي ْعتَدّ بِ ِه‪َ ،‬ون ُِق َل َع ْن ِّ‬
‫الشي َعة ن ََج َ‬
‫جاع َو َه َذا احلَ ِديث‪َ ،‬و ُه َو َق ْوله‬ ‫جاع َو ِم ْن الدَّ َل ِئل َع َل َط َه َارته ِ‬
‫اإل ْ َ‬ ‫َل ُي ْعتَدّ ِبِ ْم ِف ِ‬
‫اإل ْ َ‬
‫َان َي ْس َت ْع ِمل ُه ِف‬
‫ك َ‬ ‫(( َوإِ َّما َأ ْن َت ْبتَاع ِمنْ ُه)) َوالن ََّجس َل َي ِص ّح َب ْيعه‪َ .‬و ِلَ َّن ُه‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.205/2 :‬‬


‫((( ((فتح الباري))‪.362/4 :‬‬
‫((( املرجع السابق‪.‬‬
‫(‪)589‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫َبدَ نه َو َر ْأسه‪َ ،‬و ُي َص ِّل بِ ِه‪َ ،‬و ُي ِْب َأ َّن ُه َأ ْط َيب ال ِّطيب‪َ ،‬ل ْ َي َزل ا ُمل ْس ِل ُم َ‬
‫ون َع َل اِ ْستِ ْع َمله‬
‫َص ِمن ُْه َم َع َل‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َج َواز َب ْيعه‪َ .‬ق َال ال َقاض‪َ :‬و َما ُر ِو َي م ْن ك ََر َاهة ال ُع َم َر ْي ِن َل ُه َف َل ْي َس فيه ن ٌّ‬
‫الر َوا َية َعن ُْه َم بِالك ََر َاه ِة‪َ ،‬بل َص َّح ْت ِق ْس َمة ُع َمر ْبن اخلَ َّطاب‬ ‫استه‪َ ،‬و َل َص َّح ْت ِّ‬ ‫ن ََج َ‬
‫(((‬
‫ني‪َ ،‬وا َمل ْع ُروف َع ْن اِ ْبن ُع َمر اِ ْستِ ْع َمله" اهـ‪.‬‬ ‫املِ ْسك َع َل نِ َساء ا ُمل ْس ِل ِم َ‬
‫وقال العيني يف ((عمدة القاري))‪" :‬وفيه ‪ -‬أي‪ :‬احلديث ‪ -‬دليل عىل طهارة‬
‫ب‬ ‫املسك‪ ،‬ويف ((صحيح مسلم)) عن أيب سعيد قال‪ :‬قال رسول اهلل‪(( :‬امل ِ ْس ُ‬
‫ك َأ ْط َي ُ‬
‫ال ِّط ِ‬
‫يب))‪ ،‬ويف كتاب ((األرشاف)) روينا عن النبي بسند جيد أنه كان له مسك يتطيب به‪،‬‬
‫وعىل هذا جل العلامء من الصحابة وغريهم‪ ،‬وهو قول عيل بن أيب طالب‪،‬‬
‫‪ ،‬وحممد بن سريين‪ ،‬وسعيد بن‬ ‫وابن عباس‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وأنس وسلامن‬
‫املسيب‪ ،‬وجابر بن زيد‪ ،‬والشافعي ومالك‪ ،‬والليث وأمحد وإسحاق‪ ،‬وخالف يف‬
‫‪( :‬ال حتنطوين به)‪ ،‬وكرهه‪ ،‬وكذا‬ ‫ذلك آخرون‪ ،‬فذكر ابن أيب شيبة قال عمر‬
‫عمر ابن عبدالعزيز‪ ،‬وعطاء‪ ،‬واحلسن‪ ،‬وجماهد‪ ،‬والضحاك‪ ،‬وقال أكثرهم‪ :‬ال‬
‫يصلح للحي وال للميت؛ ألنه ميتة‪ ،‬وهو عندهم بمنزلة ما أبني من احليوان‪ ،‬قال‬
‫ابن املنذر‪ :‬ال يصح ذلك إال عن عطاء‪ ،‬قلت‪ :‬روى ابن أيب شيبة عن عطاء من‬
‫طريق جيدة أنه سئل‪ :‬أطيب امليت باملسك؟ قال‪( :‬نعم‪ ،‬أوليس الذي ختمرون به‬
‫املسك)‪ ،‬فهو خالف ما قاله ابن املنذر عنه‪ ،‬وقوهلم إنه بمنزلة ما أبني من احليوان ‪..‬‬
‫قياس غري صحيح؛ ألن ما قطع من احلي جيري فيه الدم‪ ،‬وهذا ليس سبيل نافجة‬
‫املسك؛ ألهنا تسقط عند االحتكاك كسقوط الشعرة‪ ،‬وقال أبو الفضل عياض‪ :‬وقع‬
‫اإلمجاع عىل طهارته‪ ،‬وجواز استعامله‪ ،‬وقال أصحابنا‪ :‬املسك حالل باإلمجاع بحل‬
‫استعامله للرجال والنساء‪ ،‬ويقال‪ :‬انقرض اخلالف الذي كانفيه‪ ،‬واستقر اإلمجاع‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.269/16 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)590‬‬

‫عىل طهارته‪ ،‬وجواز بيعه‪ ،‬وقال املهلب‪ :‬أصل املسك التحريم؛ ألنه دم‪ ،‬فلام تغري‬
‫عن احلالة املكروهة من الدم وهي الزهم‪ ،‬وفاح الرائحة ‪ ..‬صار حالال بطيب‬
‫الرائحة‪ ،‬وانتقلت حاله‪ ،‬كاخلمر تتخل فتحل بعد أن كانت حرام ًا بانتقال احلال‪،‬‬
‫ويف ((رشح املهذب)) نقل أصحابنا عن الشيعة فيه مذهب ًا باطالً‪ ،‬وهو مستثنى من‬
‫القاعدة املعروفة (أن ما أبني من حي فهو ميت)‪ ،‬أو يقال‪ :‬هو يف معنى اجلنني‪،‬‬
‫والبيض‪ ،‬واللبن‪ ،‬وذكر املسعودي يف ((مروج الذهب)) أنه تدفع مواد الدم إىل رسة‬
‫الغزال‪ ،‬فإذا استحكم لون الدم فيها‪ ،‬ونضح ‪ ..‬آذاه ذلك‪ ،‬وحكه‪ ،‬فيفزع حينئذ إىل‬
‫أحد الصخور واألحجار احلارة من حر الشمس‪ ،‬فيجت هبا ملتذ ًا بذلك‪ ،‬فينفجر‬
‫حينئذ‪ ،‬وتسيل عىل تلك األحجار كانفجار اجلراح والدمل‪ ،‬وجيد بخروجه لذة‪،‬‬
‫فإذا فرغ ما يف نافجته ‪ ..‬اندمل حينئذ‪ ،‬ثم اندفعت إليه مواد من الدم جتتمع ثانية‪،‬‬
‫فيخرج رجال نبت يقصدون تلك احلجارة واجلبال‪ ،‬فيجدونه قد جف بعد إحكام‬
‫املواد‪ ،‬ونضج الطبيعة‪ ،‬وجففته الشمس‪ ،‬وأثر فيه اهلوى‪ ،‬فيودعونه يف نوافج معهم‬
‫قد أخذوها من غزالن اصطادوها معدة معهم‪ ،‬ولغزاله نابان صغريان حمدود ًا‬
‫األعىل منها مدىل عىل أسنانه السفىل‪ ،‬ويداه قصريتان‪ ،‬ورجاله طويلتان‪ ،‬وربام‬
‫رموها بالسهام‪ ،‬فيرصعوهنا‪ ،‬ويقطعون عنها نوافجها‪ ،‬والدم يف رسرها خام مل‬
‫ينضج‪ ،‬وطري مل يدرك‪ ،‬فيكون لرائحته سهولة‪ ،‬فيبقى زمان ًا حتى تزول عنه تلك‬
‫(((‬
‫الروائح السهلة الكرهية‪ ،‬وتكتسب موادا من اهلوى‪ ،‬وتصري مسكا" اهـ‪.‬‬
‫تنبيــــه‪:‬‬
‫هذا الذي ذكر من طهارة املسك إنام يكون لو انفصل املسك من الظبية حال‬
‫حياهتا‪ ،‬أو بعد موهتا وقد هتيأ للوقع‪ ،‬وإال ‪ ..‬فهو نجس‪ ،‬قال يف القليويب‪َ (" :‬تنْبِي ٌه) ِمَّا‬

‫((( ((عمدة القاري))‪.361/9 :‬‬


‫(‪)591‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫اتا‪َ ،‬أ ْو َب ْعدَ َم ْو ِ َتا‬
‫ِ‬ ‫الستِحا َل ِة ان ِْق َلب د ِم ال َّظبي ِة ِمسكًا ْ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫إن ُأخ َذ من َْها َح َال َح َي َ‬ ‫َْ ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َي ْط ُه ُر بِ ْ َ‬
‫ِ‬
‫(((‬
‫لو ُقو ِع" اهـ‪.‬‬‫َو َقدْ َ َت َّي َأ ل ُ‬
‫(( َوإِ َّما َأ ْن َ ِ‬
‫تدَ ))من الوجدان بكرس الواو‪ ،‬والوجود لغة لبني عامر‪.‬‬
‫ِ‬
‫((منْ ُه ِر ً‬
‫حيا َط ِّي َب ًة))‪ ،‬أي‪ :‬من حامل املسك‪ ،‬فتصل إليك رائحة املسك‪ ،‬ويف ذلك‬
‫‪(( :‬حيذيك))‪،‬‬ ‫إشارة عظيمة أن جمالسة الصاحلني ال تنفك عن الفائدة‪ ،‬فقوله‬
‫و((تبتاع منه)) ‪ ..‬فيه نوع اختيار‪ ،‬لكن ((أن جتد منه رحي ًا طيبة)) ‪ ..‬فهذا خارج عن‬
‫اختيارك‪ ،‬أي‪ :‬أنك إن مل تظفر منه بحاجتك مجيعا ‪ ..‬مل تعدم واحدة منها‪ ،‬إما اإلعطاء‪،‬‬
‫وإما الرشاء‪ ،‬وإما االقتباس للرائحة‪ ،‬ويف رواية للحديث عند البخاري‪َ (( :‬م َث ُل‬
‫احلدَّ ِ‬
‫ك‪َ ،‬وكِ ِري َ‬ ‫ب املِس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اجللِ ِ‬ ‫الصالِحِ َو َ‬ ‫اجللِ ِ‬
‫ك‬ ‫اد‪ :‬الَ َي ْعدَ ُم َ‬ ‫الس ْوء‪ ،‬ك ََم َث ِل َصاح ِ ْ‬ ‫يس َّ‬ ‫يس َّ‬ ‫َ‬
‫ك‪َ ،‬أ ْو‬ ‫َك‪َ ،‬أ ْو َث ْو َب َ‬ ‫ي ِر ُق َبدَ ن َ‬ ‫تدُ ِرحيه‪ ،‬وكِري َ ِ‬ ‫ب املِس ِ‬
‫ك إِ َّما ت َْش َ ِت ِيه‪َ ،‬أ ْو َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلدَّ اد ُ ْ‬ ‫َُ َ ُ‬ ‫م ْن َصاح ِ ْ‬
‫َِ ِ‬
‫حيا َخبِي َث ًة))‪.‬‬‫تدُ منْ ُه ِر ً‬
‫قال ابن ّ‬
‫علن‪" :‬فجليس األخيار ‪ ..‬إما أن يعطى بمجالستهم من الفيوض‬
‫اإلهلية أنواع اهلبات حباء وعطاء‪ ،‬وإما أن يكتسب من املجالس خري ًا وآداب ًا يكتسبها‬
‫(((‬
‫عنه‪ ،‬ويأخذها منه‪ ،‬وإما أن يكتسب حسن الثناء بمخاللته وخمالطته" اهـ‪.‬‬
‫ي ِر َق ثِ َيا َب َ‬
‫ك)) بام يطري من رشر ناره‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(( َونَاف ُخ الك ِري ‪ ..‬إِ َّما َأ ْن ُ ْ‬
‫(( َوإِ َّما َأ ْن َ ِ‬
‫تدَ ِر ً‬
‫حيا َخبِي َث ًة))‪ ،‬وذلك من أثر احرتاق احلديد بالنار‪ ،‬فإن احلديد‬
‫إذا حرق طلعت منه رائحة خبيثة‪ ،‬ويف ذلك إشارة قوية إىل أن جليس الصاحب‬
‫السوء يتأثر ال حمالة‪ ،‬فإن قوله‪(( :‬حيرق ثوبك))‪ ،‬و((جتد منه رحي ًا خبيثة)) ‪ ..‬ليس‬

‫((( ((حاشية القليويب عىل رشح املحيل عىل املنهاج))؛ طبعة‪ :‬دار الفكر‪.83/1 :‬‬
‫((( ((دليل الفاحلني))‪.205/2 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)592‬‬

‫فيهام أي اختيار‪ ،‬إي‪ :‬أن التأثر حاصل ال حمالة‪.‬‬


‫فائــــدة‪:‬‬
‫يف احلديث داللة عىل جواز رضب األمثال لإليضاح ما يريد توضيحه‪ ،‬قال‬
‫يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬قال البيضاوي‪ :‬الرشط يف رضب املثل أن يكون عىل وفق‬
‫املمثل له من اجلهة التي يتعلق هبا التمثيل يف العظم والصغر والرشف‪ ،‬وفائدته‬
‫كشف املعنى املمثل له ورفع احلجاب عنه‪ ،‬وإبرازه يف صورة املشاهد املحسوس؛‬
‫ليساعد فيه الوهم العقل‪ ،‬فإن املعنى الرصف إنام يدركه العقل مع منازعة من‬
‫وحب املحاكاة‪ ،‬وإنام يرضب بام فيه غرابة اهـ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الوهم؛ ألن من طبعه ميل احلس‬
‫ملخص ًا من موضع منه‪ ،‬ولعله حكمة ذكر الظرف بعد جتدد األول دون الثاين‬
‫ما يف األول من الكرامة‪ ،‬فناسب إكرام املحكى عنه به‪ ،‬وما يف الثاين من ضدها‪،‬‬
‫(((‬
‫فرتك دفع ًا للمكافحة ملا يكره" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬بيان نتائج كل من صحبة األخيار واألرشار‪ ،‬ويف احلديث‪(( :‬ا َمل ْر ُء َع َل ِد ِ‬
‫ين‬
‫يالِل)) أخرجه أمحد‪ ،‬وابوداود‪ ،‬والرتمذي‪.‬‬ ‫َخلِيلِ ِه َفل َينْ ُظ ْر َأ َحدُ ك ُْم َم ْن ُ َ‬

‫‪2 .2‬احلث عىل جمالسة الصاحلني‪ ،‬وأن جمالستهم ال ختلو عن استفادة‪.‬‬


‫‪3 .3‬النهي عن جمالسة األرشار وأهل املعايص‪ ،‬وأن تأثريهم ورضرهم حاصل ملن‬
‫جيالسهم ال حمالة‪.‬‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.206/2 :‬‬


‫(‪)593‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث الثاني والتسعون‬

‫َق َال‪ُ (( :‬ت ْنكَح ا َملر َأ ُة ِلَربعٍ‪َ :‬ل ِ َ ِ‬


‫الا‪َ ،‬و َِل َسبِ َها‪،‬‬ ‫َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫َْ‬ ‫ُ ْ‬
‫ين ت َِر َب ْ‬
‫ت َيدَ َ‬
‫اك)) متفق عليه‪.‬‬ ‫ات الدِّ ِ‬ ‫و َِلم َ ِلا‪ ،‬ولِ ِدينِها‪َ ،‬فا ْظ َفر بِ َذ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪ُ (( :‬تنْك َُح ا َمل ْر َأ ُة))‪ ،‬أي‪ :‬تُتزوج املرأة و ُي ْرغب يف نكاحها‪.‬‬
‫قوله‬
‫(( ِلَ ْر َب ٍع)) أي‪ :‬ألجل أربع من اخلصال‪.‬‬
‫(( َل ِ َ ِ‬
‫الا))؛ ألهنا إذا كانت ذات مال قد ال تكلفه يف اإلنفاق وغريه فوق طاقته‪،‬‬
‫قاله القسطالين‪ ،‬ثم قال‪" :‬وقول املهلب‪ :‬إن يف احلديث ً‬
‫دليل عىل أن للزوج‬
‫االستمتاع بامل زوجته‪ ،‬فإن طابت نفسها بذلك حل له‪ ،‬وإالّ ‪ ..‬فله من ذلك قدر‬
‫ما بذل هلا من الصداق ‪ ..‬تعقب بأنه ليس يف احلديث ما ذكره من التفصيل‪ ،‬ومل‬
‫ترجي حصول ولد منها‪ ،‬فيعود إليه‬
‫ينحرص قصده يف االستمتاع بامهلا‪ ،‬فقد يقصد ِّ‬
‫ماهلا باإلرث‪ ،‬أو أن تستغني عنه بامهلا عن مطالبته بام حيتاج إليه غريها من النساء‬
‫كام مر‪ ،‬وأما استدالل بعض املالكية به عىل أن للرجل أن حيجر عىل زوجته يف ماهلا‪،‬‬
‫(((‬
‫مع ّل ًل بأنه إنام تزوجها ملاهلا‪ ،‬فليس هلا تفويته ‪ ..‬ففيه نظر ال خيفى" اهـ‪.‬‬
‫((( ((إرشاد الساري))‪.90/9 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)594‬‬

‫(( َو)) تنكح املرأة كذلك (( َِل َسبِ َها))أي‪ :‬رشفها‪ ،‬واحلسب يف األصل الرشف‬
‫باآلباء وباألقارب‪ ،‬مأخوذ من احلساب؛ ألهنم كانوا إذا تفاخروا ‪ ..‬عدوا مناقبهم‪،‬‬
‫ومآثر ابائهم وقومهم‪ ،‬وحسبوها‪ ،‬فيحكم ملن زاد عدده عىل غريه‪ (((،‬وقال يف‬
‫((إرشاد الساري))‪" :‬وقد قال أكثم ‪ -‬باملثلثة ‪ -‬ابن صيفي‪ :‬يا بني متيم ال يغلبنكم‬
‫مجال النساء عىل رصاحة احلسب‪ ،‬فإن املناكح الكريمة مدرجة للرشف‪ .‬وقال بكري‬
‫األسدي‪:‬‬
‫وأول لؤم املرء لـــؤم املناكح‬ ‫وأول خبث املـــرء خبث ترابه‬

‫وقال آخر‪:‬‬
‫من الناس فانظــــر من أبوها وخاهلا‬ ‫أيضـــا بجهالة‬
‫وإذا كنـــت تبغي ً‬
‫ً‬
‫نعـــا أن أريـــد مثاهلا‬ ‫كقـــدّ ك‬ ‫فإهنـــا منهـــا كـــا هـــي منهام‬
‫وال يـــد ذا عقل لورهـــاء ماهلا‬ ‫وال تطلب البيت الـــدينء فعاله‬
‫(‪)2‬‬
‫سيأيت عليه شـــؤمها وخباهلا" اهـ‬ ‫فإن الذي ترجـــو من املال عندها‬

‫قال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬أي‪ :‬نسبها‪ ،‬بأن تكون طيبة األصل‪ ،‬ويف‬
‫((املصباح))‪ :‬احلسب ما يعد من املآثر‪ ،‬وقال ابن السكيت‪ :‬احلسب والكرم يكونان‬
‫يف اإلنسان وإن مل يكن آلبائه رشف‪ ،‬ورجل حسيب كريم بنفسه‪ ،‬قال‪ :‬وأما املجد‬
‫والرشف فال يوصف هبام اإلنسان إال إذا كانا فيه ويف آبائه‪ .‬وقال األزهري‪ :‬احلسب‬
‫الرشف الثابت له وآلبائه‪ :‬قال‪ :‬وقوله عليه الصالة والسالم‪(( :‬تنكح املرأة حلسبها))‬
‫(((‬
‫أحوج أهل العلم إىل معرفة احلسب ألنه مما يعترب يف مهر املثل" اهـ‪.‬‬

‫((( ((فتح الباري))‪.152/9 :‬‬


‫((( ((إرشاد الساري))‪.90/9 :‬‬
‫((( ((دليل الفاحلني))‪.206/2 :‬‬
‫(‪)595‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وقيل‪ :‬املراد باحلسب هنا الفعال احلسنة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬املراد باحلسب املال‪ ،‬وهو مردود لذكر املال قبله وذكره معطوفا عليه‪،‬‬
‫وعند أمحد والنسائي وصححه ابن حبان واحلاكم من حديث بريدة رفعه‪(( :‬إِ َّن‬
‫ون إِ َل ْي ِه ا َمل ُال))‪ ،‬ويف حديث ميمونة املرفوع مما أخرجه‬‫اب َأ ْه ِل الدُّ ْن َيا ا َّل ِذي َي ْذ َه ُب َ‬
‫َأ ْح َس َ‬
‫ب ا َمل ُال َوالك ََر ُم ال َّت ْق َوى))‪ ،‬ومحل كل ذلك عىل أن‬ ‫أمحدوالرتمذي واحلاكم‪َ (( :‬‬
‫احل َس ُ‬
‫املراد‪ :‬أن املال حسب من ال حسب له‪ ،‬فيقوم النسب الرشيف لصاحبه مقام املال‬
‫(((‬
‫ملن ال نسب له‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪" :‬وقد وقع يف مرسل حييى بن جعدة عند سعيد بن‬
‫منصور ((عىل دينها‪ ،‬وماهلا‪ ،‬وعىل حسبها‪ ،‬ونسبها)) وذكر النسب عىل هذا تأكيد‪،‬‬
‫ويؤخذ منه أن الرشيف النسيب يستحب له أن يتزوج نسيبه‪ ،‬اال أن تعارض‪ :‬ن َِسي َب ٌة‬
‫َغ ْ ُي َد ِّين ٍَة‪َ ،‬و َغ ْ ُي ن َِسي َب ٍة َد ِّين ٍَة‪ ،‬فتقدم ذات الدين‪ ،‬وهكذا يف كل الصفات‪ ،‬وأما قول‬
‫بعض الشافعية يستحب أن ال تكون املرأة ذات قرابة قريبة‪ ،‬فإن كان مستند ًا إىل‬
‫اخلرب ‪ ..‬فال أصل له‪ ،‬أو إىل التجربة‪ ،‬وهو أن الغالب أن الولد بني القريبني يكون‬
‫(((‬
‫أمحق ‪ ..‬فهو متجه" اهـ‪.‬‬
‫(( َو)) تنكح املرأة كذلك (( َِل َم َ ِلا))‪ ،‬هو كام قال سيبويه‪ :‬رقة احلسن‪ (((،‬قال‬
‫احلافظ ابن حجر‪" :‬يؤخذ منه استحباب تزوج اجلميلة اال أن تعارض اجلميلة الغري‬
‫دينة والغري مجيلة الدينة؛ نعم لو تساوتا يف الدين ‪ ..‬فاجلميلة أويل‪ ،‬ويلتحق باحلسنة‬
‫الذات احلسنة الصفات‪ ،‬ومن ذلك أن تكون خفيفة الصداق" اهـ‪ (((،‬واجلامل‬
‫((( ((فتح الباري))‪.152/9 :‬‬
‫((( املرجع السابق‪.‬‬
‫((( ((دليل الفاحلني))‪.207/2 :‬‬
‫((( ((فتح الباري))‪.152/9 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)596‬‬

‫مطلوب يف كل يشء السيام يف املرأة التي تكون قرينة وضجيعة‪ .‬قال املاوردي‪:‬‬
‫لكنهم كرهوا ذات اجلامل الباهر فإهنا تزهو بجامهلا‪ .‬اهـ(((‪ ،‬لكن هذا ليس عىل‬
‫إطالقه‪ ،‬وإال فكم من مجيلة ذات خلق ودين‪.‬‬
‫اجلار يف املتعاطفات‪،‬‬
‫أعاد ّ‬ ‫(( َو)) تنكح املرأة كذلك ((لِ ِدين ِ َها))‪،‬ويالحظ أنه‬
‫فقال‪ :‬ملاهلا‪ ،‬وحلسبها‪ ،‬وجلامهلا‪ ،‬ولدينها‪ ،‬ومل يقل‪ :‬ملاهلا‪ ،‬وحسبها‪ ،‬ومجاهلا‪ ،‬ودينها؛‬
‫وذلك إيامء إىل أن كل واحد منها مما يقصد عىل انفراده واستقالله‪.‬‬
‫ك بِ َذ ِ‬
‫ات‬ ‫(( َفا ْظ َفر بِ َذ ِ‬
‫ات الدِّ ِ‬
‫ين))‪ ،‬ويف رواية ملسلم‪ ،‬وأمحد‪ ،‬والرتمذي‪َ (( :‬ف َع َل ْي َ‬ ‫ْ‬
‫الدِّ ِ‬
‫ين))‪ ،‬والظفر هو غاية البغية‪ ،‬قال احلافظ ابن حجر‪" :‬واملعنى‪ :‬أن الالئق بذي‬
‫الدين واملروءة أن يكون الدين مطمح نظره يف كل يشء السيام فيام تطول صحبته‪،‬‬
‫(((‬
‫بتحصيل صاحبة الدين الذي هو غاية البغية" اهـ‪.‬‬ ‫فأمره النبي‬

‫((ت َِر َب ْ‬
‫ت َيدَ َ‬
‫اك))‪ ،‬أي‪ :‬افتقرت‪ ،‬وأسند إىل اليدين ألن الترصف يقع هبام غالب ًا‪،‬‬
‫ومل ترد العرب هبذه الكلمة وأمثاهلا معناها األصيل من الدعاء؛ بل إيقاظ املخاطب‬
‫ّ‬
‫وحث وحتريض عليه ليعتنى به‪.‬‬ ‫للمذكور بعده‬
‫وقيل معناه‪ :‬افتقرت إن مل تفعل ما أرشدتك إليه‪ ،‬وقد ورد ما يؤيده‪.‬‬

‫وأخرج ابن ماجه عن ابن عمر قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪َ (( :‬ل َتز ََّو ُجوا الن َِّس َ‬
‫اء‬
‫ُِلسن ِ ِهن‪َ ،‬فعسى حسنُهن َأ ْن ير ِدين‪ ،‬و َل َتزَوجوهن ِلَمو ِ‬
‫ال َّن‪َ ،‬ف َع َسى َأ ْم َو ُال َّن َأ ْن‬ ‫َّ ُ ُ َّ ْ َ‬ ‫ْ َّ َ َ ُ ْ ُ َّ ُ ْ َ ُ َّ َ‬
‫ض ُل))‬ ‫ات ِد ٍ‬
‫ين َأ ْف َ‬ ‫ين‪َ ،‬و َلَ َم ٌة َخ ْر َم ُ‬
‫اء َس ْو َد ُاء َذ ُ‬ ‫وه َّن َع َل الدِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُت ْطغ َي ُه َّن‪َ ،‬و َلك ْن َتز ََّو ُج ُ‬
‫وقيل‪ :‬ضعف عقلك‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬إرشاد الساري))‪.91/9 :‬‬


‫((( ((فتح الباري))‪.152/9 :‬‬
‫(‪)597‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وقيل‪ :‬افتقرت من العلم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هي كلمة جارية عىل ألسنتهم كقوهلم ال أب لك ومل يريدوا وقوع‬
‫األمر‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬قصده هبا وقوعه لتعدية ذوات الدين إىل ذوات املال ونحوه أي تربت‬
‫يداك إن مل تفعل ما قلت لك من الظفر بذات الدين‪.‬‬
‫وحكى ابن العريب أن معناه‪ :‬استغنت يداك‪ ،‬ورد بأن املعروف أترب إذا‬
‫استغنى‪ ،‬وترب إذا افتقر‪.‬‬
‫ف‬ ‫قال اإلمام النووي يف معنى‪ :‬تربت‪َ " :‬ف ِف ِيه ِخ َلف كَثِري منْت َِش ِجدًّ ا لِلس َل ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫َواخلَ َلف ِم ْن ال َّط َو ِائف ُك ّل َها‪َ ،‬واألَ َص ّح األَ ْق َوى ا َّل ِذي َع َل ْي ِه ا ُمل َح ِّق ُق َ‬
‫ون ِف َم ْعنَا ُه‪َ :‬أ َّنَا‬
‫ِ‬ ‫ك َِلمة َأص ُلها اِ ْف َت َقر ْت‪ ،‬و َل ِكن العرب اِ ْعتَاد ْت اِستِعمهلا َغي َق ِ‬
‫اصدَ ة َحقي َقة َم ْعن َ‬
‫َاها‬ ‫ْ َْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ون ت َِر َب ْت َيدَ اك‪َ ،‬و َقا َت َل ُه اللَّ‪َ ،‬ما َأ ْش َجعه‪َ ،‬و َل ُأ ّم َل ُه‪َ ،‬و َل َأب َلك‪،‬‬ ‫األَ ْص ِ ّل‪َ ،‬ف َي ْذك ُُر َ‬
‫الشء‪َ ،‬أ ْو‬ ‫اظهم َي ُقو ُل َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َثك َل ْت ُه ُأ ّمه‪َ ،‬و َو ْيل ُأ ّمه‪َ ،‬و َما َأ ْش َب َه َه َذا م ْن َأل َف ْ‬
‫ونَا عنْد إ ْنكَار َّ ْ‬
‫(((‬
‫اإل ْع َجاب بِ ِه" اهـ‪.‬‬ ‫الذ ّم َع َل ْي ِه‪َ ،‬أ ْو اِ ْستِ ْع َظامه‪َ ،‬أ ْو احلَ ّث َع َل ْي ِه‪َ ،‬أ ْو ِ‬‫الز ْجر َعنْ ُه‪َ ،‬أ ْو َّ‬
‫َّ‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪" :‬قوله‪(( :‬تربت يداك)) أي‪ :‬لصقتا بالرتاب‪ ،‬وهي كناية‬
‫عن الفقر‪ ،‬وهو خري بمعنى الدعاء؛ لكن ال يراد به حقيقته‪ ،‬وهبذا جزم صاحب‬
‫يف حق مسلم ال يستجاب لرشطه‬ ‫العمدة‪ ،‬زاد غريه أن صدور ذلك من النبي‬
‫ذلك عىل ربه‪ ،‬وحكى بن العريب أن معناه‪ :‬استغنت‪ ،‬ورد بان املعروف اترب إذا‬
‫استغنى‪ ،‬وترب إذا افتقر‪ ،‬ووجه بأن الغنى الناشئ عن املال تراب؛ ألن مجيع ما يف‬
‫الدنيا تراب‪ ،‬وال خيفى بعده‪ ،‬وقيل معناه‪ :‬ضعف عقلك‪ ،‬وقيل‪ :‬افتقرت من العلم‪،‬‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.154/3 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)598‬‬

‫وقيل‪ :‬فيه تقدير رشط‪ ،‬أي‪ :‬وقع لك ذلك إن مل تفعل ورجحه بن العريب‪،‬وقيل‪:‬‬
‫معنى افتقرت خابت‪ ،‬وصحفه بعضهم‪ ،‬فقاله بالثاء املثلثة‪ ،‬ووجهه بأن معنى تربت‬
‫(((‬
‫تفرقت" اهـ‪.‬‬
‫ب بِ َم‬
‫َأ ْخ َ َ‬ ‫حل ِديث َأ َّن النَّبِ ّي‬ ‫الصحيح ِف َم ْعنَى َه َذا ا َ‬
‫ِ‬
‫قال اإلمام النووي‪َّ " :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي ْفعله النَّاس ِف العادة َفإِنم ي ْق ِصدُ َ ِ ِ ِ‬
‫ْدهم َذات‬ ‫رها عن ْ‬ ‫ون َهذه اخل َصال األَ ْر َبع َوآخ َ‬ ‫َ َ َّ ُ ْ َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْت َأيا ا ُملس َ ِ‬
‫حل َسب‬ ‫تشد بِ َذات الدِّ ين‪َ .‬ل َأ َّن ُه َأ َم َر بِ َذل َك َق َال ش ْمر‪ :‬ا َ‬ ‫الدِّ ين‪َ ،‬فا ْظ َف ْر َأن َ ّ َ ْ ْ‬
‫(((‬
‫الف ْعل اجلَ ِميل لِ َّلر ُج ِل َوآ َب ِائ ِه" اهـ‪.‬‬ ‫ِ‬

‫ب ِف نِك ِ‬
‫َاح‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َق َال ال ُقر ُطبِي‪ :‬معنَى ا ِ ِ‬
‫حلديث َأ َّن َهذه اخل َص َال األَ ْر َب َع ه َي ا َّلتي ُي ْر َغ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُّ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫الو ُجود م ْن َذل َك َل َأ َّن ُه َو َق َع األَ ْم ُر بِه‪َ ،‬بل َظاه ُر ُه إ َب َ‬
‫اح ُة‬ ‫ب َع َّم ِف ُ‬ ‫ا َمل ْر َأة لَ ْجل َها َف ُه َو َخ َ ٌ‬
‫(((‬
‫َاح لِ َق ْص ِد ك ٍُّل ِم ْن َذلِ َك‪ .‬اهـ‪.‬‬ ‫النِّك ِ‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن مصاحبة أهل الدين يف كل يشء هي األوىل؛ ألن مصاحبهم يستفيد من‬
‫أخالقهم‪ ،‬وبركتهم‪ ،‬وحسن طرائقهم‪ ،‬ويأمن املفسدة من جهتهم‪ ،‬والسيام‬
‫الزوجة فهي من يعترب دينه ألهنا ضجيعته‪ ،‬وأم أوالده‪ ،‬وأمينته عىل ماله‬
‫ومنزله وعىل نفسها‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن الدين مقدَّ م عىل كل يشء‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن سعادة اإلنسان وراحته يف دنياه وآخرته تكون بختيار الدين وتقديمه عىل‬
‫كل يشء‪ ،‬واتباعه‪.‬‬
‫((( ((فتح الباري))‪.152/9 :‬‬
‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.197/10 :‬‬
‫((( ((نيل األوطار))‪.119/6 :‬‬
‫(‪)599‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث الثالث والتسعون‬

‫ب إِ َّل ُم ْؤ ِمنًا‪َ ،‬و َل‬ ‫ِ‬ ‫َع ْن النَّبِ ِّي‬


‫َق َال‪َ (( :‬ل ت َُصاح ْ‬
‫َعن َأ ِب س ِع ٍ‬
‫يد اخلُدْ ِر َّي‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ك إِ َّل ت َِق ٌّي)) رواه أبو داود والرتمذي بإسناد ال بأس به‪.‬‬
‫َي ْأكُل َط َع َام َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو سعيد اخلدري‬
‫الثامن والثالثني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫ب إِ َّل ُم ْؤ ِمنًا))‪ ،‬فيه هني عن مواالة الكفار ومودهتم‬ ‫ِ‬
‫‪َ (( :‬ل ت َُصاح ْ‬ ‫قوله‬
‫ومصاحبتهم‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ :‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﱸ‬
‫[املجادلة‪.]22 :‬‬
‫ِ‬
‫قال يف ((عون املعبود))‪َ " :‬أ ْي كَام ًل‪َ ،‬أ ْو ا ُمل َراد الن َّْهي َع ْن ُم َص َ‬
‫اح َبة ال ُك َّفار‬
‫ضة ِف الدِّ ين‪َ ،‬فا ُمل َراد بِا ُمل ْؤ ِم ِن ِجنْس ا ُمل ْؤ ِمنِ َ‬ ‫ِ‬ ‫وا ُملنَافِ ِق َ ِ‬
‫(((‬
‫ني" اهـ‪.‬‬ ‫تهم ُم َّ‬ ‫ني لَ َّن ُم َص َ‬
‫اح َب ْ‬ ‫َ‬

‫((( ((عون املعبود))‪.24/8 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)600‬‬

‫قال املناوي‪" :‬وكامل اإليامن أوىل؛ ألن الطباع رساقة‪ ،‬ومن ثم قيل‪ :‬صحبة‬
‫األخيار تورث اخلري‪ ،‬وصحبة األرشار تورث الرش‪ ،‬كالريح إذا مرت عىل النتن‬
‫(((‬
‫محلت نتنا‪ ،‬وإذا مرت عىل الطيب محلت طيبا" اهـ‪.‬‬
‫ويقول اإلمام احلبيب عبداهلل بن حسني بن طاهر‪:‬‬
‫فاجتنبـــ ّن قرنـــاء الســـوء‬ ‫وإن أردت ســـنة النبـــي‬
‫إن القريـــن بالقريـــن يقتدي‬ ‫ِ‬
‫مرشد‬ ‫واخرت من األصحاب كل‬
‫تزيـــد للقلب نشـــاط ًا و ُقوى‬ ‫فصحبة األخيـــار للقلب دواء‬
‫تزيد للقلب الســـقيم ســـق ًام‬ ‫وصحبة اجلهـــال دا ٌء وعمى‬

‫وقال الشافعي‪ :‬ليس أحد إال له حمب ومبغض‪ ،‬فإذن البد من ذلك‪ ،‬فليكن‬
‫املرجع إىل أهل طاعة اهلل‪.‬‬
‫وقال سيدنا عيل كرم اهلل وجهه‪ :‬قطع ظهري رجالن‪ :‬عامل متهتك‪ ،‬وجاهل‬
‫متنسك‪ ،‬فالعامل يغر الناس بتهتكه‪ ،‬واجلاهل يفتنهم بتنسكه‪ ،‬فعليك بامتحان من‬
‫أردت صحبته ال لكشف عورة بل ملعرفة احلق اهـ‪.‬‬
‫(((‬

‫ِ‬ ‫(( َو َل َي ْأكُل َط َع َام َ‬


‫ك إِ َّل تَق ٌّي))‪ ،‬أي‪ِّ :‬‬
‫متورع يرصف قوى الطعام إىل عبادة‬
‫اهلل؛ ألن املطاعمة توجب األلفة‪ ،‬وتؤدي إىل اخللطة؛ بل هي أوثق عرى املداخلة‪،‬‬
‫وخمالطة غري التقي خيل بالدين‪ ،‬ويوقع يف الشبه واملحظورات‪ ،‬فكأنه ينهى عن‬
‫خمالطة الفجار‪ ،‬إذ ال ختلو عن فساد إما بمتابعة يف فعل‪ ،‬أو مساحمة يف إغضاء عن‬
‫منكر‪ ،‬فإن سلم من ذلك‪ ،‬وال يكاد‪ ..‬فال ختطئه فتنة الغري به‪.‬‬
‫والنهي وإن نسب إىل التقي ففي احلقيقة مسند إىل صاحب الطعام فهو من‬
‫((( ((فيض القدير))‪.600/8 :‬‬
‫((( املرجع السابق‪.‬‬
‫(‪)601‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫قبيل ال أرينك ها هنا‪ ،‬فاملعنى‪ :‬ال تطعم طعامك إال تقيا‪.‬‬
‫اجة‪َ ،‬و َذلِ َك َأ َّن‬‫اب‪ :‬إِن ََّم َجا َء َه َذا ِف َط َعام الدَّ ْع َوة ُدون َط َعام ا َ‬
‫حل َ‬ ‫َق َال اخلَ َّط ِ ُّ‬
‫اهللَ ُس ْب َحانه َق َال‪ :‬ﱹ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﱸ [اإلنسان‪َ ،]8 :‬و َم ْع ُلوم‬
‫ِم ْن ُص ْح َبة َم ْن‬ ‫ني َو َل َأت ِْق َياء‪َ ،‬وإِن ََّم َح َّذ َر‬
‫سا َء ُه ْم كَانُوا ُك َّف ًارا َغ ْي ُم ْؤ ِمنِ َ‬
‫َأ َّن ُأ َ َ‬
‫َليس بِت َِقي و َزجر َعن ُمَا َل َطته وم َؤا َك َلته‪َ ،‬فإِ َّن ا ُمل َطا َعمة ت ِ‬
‫ُوقع األُل َفة َوا َمل َو َّدة ِف‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ٍّ َ َ َ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫(((‬
‫ال ُق ُلوب‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫وقال الطيبي‪((" :‬وال يأكل))‪ :‬هني لغري التقي أن يأكل طعامه‪ ،‬واملراد هنيه عن‬
‫أن يتعرض ملا ال يأكل التقي طعامه من كسب احلرام‪ ،‬وتعاطي ما ينفر عنه التقي‪،‬‬
‫(((‬
‫فاملعنى‪ :‬ال تصاحب إال مطيعا‪ ،‬وال ختالل إال تقيا"‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬األمر بمالزمة األتقياء ودوام خمالطتهم‪ ،‬وترك الفجار وجمانبتهم‪.‬‬
‫‪2 .2‬النهي عن مواالة الكفار ومودهتم‪.‬‬
‫‪3 .3‬احلرص عىل أن جيعل صدقته فيمن يستحقها ممن يستعني هبا عىل طاعة اهلل ال‬
‫عىل معصيته‪.‬‬

‫((( ((عون املعبود))‪.24/8 :‬‬


‫((( ((حتفة األحوذي))‪.399/5 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)602‬‬

‫احلديث الرابع والتسعون‬

‫ين َخلِيلِ ِه‪َ ،‬فل َي ْن ُظ ْر‬


‫الر ُج ُل َع َل ِد ِ‬
‫َق َال‪َّ (( :‬‬ ‫َع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫يالِ ُل)) رواه أبو داود والرتمذي بإسناد صحيح‪ ،‬وقال الرتمذي‪:‬‬ ‫َأ َحدُ ك ُْم َم ْن ُ َ‬
‫حديث حسن‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫الر ُج ُل))‪ ،‬ومثله املرأة كذلك‪ ،‬ويدل عليه رواية اإلمام أمحد‬ ‫‪َّ (( :‬‬ ‫قوله‬
‫يالِل))‪.‬‬
‫ين َخلِيلِ ِه َفل َينْ ُظ ْر َأ َحدُ ك ُْم َم ْن ُ َ‬‫بلفظ‪(( :‬ا َمل ْر ُء َع َل ِد ِ‬

‫ين َخلِيلِ ِه))‪ ،‬أي‪ :‬عىل عادة صاحبه وطريقته وسريته‪ ،‬واخلليل فعيل‬
‫(( َع َل ِد ِ‬
‫بمعنى فاعل وهو من اخللة بالضم وهي الصداقة واملحبة التي ختللت القلب‬
‫(((‬
‫فصارت خالله‪.‬‬
‫يالِ ُل))‪ ،‬أي‪ :‬فليتأمل أحدكم بعني بصريته إىل امرئ‬
‫(( َفل َينْ ُظ ْر َأ َحدُ ك ُْم َم ْن ُ َ‬
‫رساقة‪،‬‬
‫يريد صداقته‪ ،‬فمن ريض دينه وخلقه ‪ ..‬صادقه‪ ،‬وإال ‪ ..‬جتنبه‪ ،‬فإن الطباع ّ‬
‫والصحبة مؤثرة يف إصالح احلال وإفساده‪.‬‬

‫((( انظر‪(( :‬فتح الباري))‪.420/6 :‬‬


‫(‪)603‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫قال بن ّ‬
‫علن‪" :‬أي‪ :‬فلينظر أحدكم بعني بصريته إىل أمور من يريد صداقته‬
‫وأحواله‪ ،‬فمن رآه وريض دينه ‪ ..‬صادقه‪ ،‬ومن سخط دينه ‪ ..‬فليتنبه‪ ،‬ومن رآه يرى‬
‫عدي يف ((الكامل)) من حديث أنس ((ال خري‬
‫له مثل ما يرى له ‪ ..‬صحبه‪ ،‬روى ابن ّ‬
‫يف صحبة من ال يرى لك مثل ما يرى له))‪ ،‬فأقل درجات األخوة والصداقة النظر‬
‫(((‬
‫بعني املساواة‪ ،‬والكامل رؤية الفضل لألخ" اهـ‪.‬‬
‫وقال الغزايل‪" :‬جمالسة احلريص وخمالطته حترك احلرص وجمالسة الزاهد‬
‫وخماللته تزهد يف الدنيا‪ ،‬ألن الطباع جمبولة عىل التشبه واالقتداء؛ بل الطبع يرسق‬
‫من الطبع من حيث ال يدري"‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬احلرص عىل مصاحبة األخيار‪ ،‬وجمانبة األرشار‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن اإلنسان يتأثر بمن يصاحب سواء شعر بذلك أم مل يشعر‪.‬‬
‫‪3 .3‬تأمل حال من تصاحب حتى ال تنتقل إليك الصفات املذمومة املوجودة فيه‪.‬‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.209/2 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)604‬‬

‫احلديث اخلامس والتسعون‬

‫َأ َح َّ‬
‫ب))‬ ‫َق َال‪(( :‬ا َمل ْر ُء َم َع َم ْن‬ ‫َع ْن ال َّنبِ ِّي‬ ‫وسى األَ ْش َع ِر ِّي‬‫َع ْن َأ ِب ُم َ‬
‫لح ْق ِبِ ْم؟ َق َال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫يل لِلنَّبِ ِّي‬‫متفق عليه‪ ،‬ويف رواية ِق َ‬
‫ب ال َق ْو َم‪َ ،‬و ََّلا َي َ‬
‫الر ُج ُل ُي ُّ‬ ‫‪َّ :‬‬
‫((ا َمل ْر ُء َم َع َم ْن َأ َح َّ‬
‫ب))‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو موسى األشعري‬
‫احلديث الثالث‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪(( :‬ا َمل ْر ُء)) رجل أو امرأة‪.‬‬ ‫قوله‬
‫(( َم َع َم ْن َأ َح َّ‬
‫ب))‪ ،‬أي‪ :‬يف اجلنة مع رفع احلجب حتى حتصل الرؤية واملشاهدة؛‬
‫وذلك بحسن نيته من غري زيادة عمل؛ ألن حمبته هلم كطاعتهم‪ ،‬واملحبة من أفعال‬
‫القلوب‪ ،‬فأثيب عىل معتقده؛ ألن النية األصل‪ ،‬والعمل تابع هلا‪ .‬ليس من الزم‬
‫(((‬
‫املعية االستواء يف الدرجات بل كل يف درجته‪ ،‬قاله القسطالين‪.‬‬
‫وقال يف ((عمدة القاري))‪" :‬قوله‪(( :‬مع من أحب)) أي‪ ،‬يف اجلنة‪ ،‬يعني هو‬
‫ملحق هبم داخل يف زمرهتم أحلقه بحسن النية من غري زيادة عمل بأصحاب‬
‫األعامل الصاحلة‪.‬‬
‫((( ((إرشاد الساري))‪.338/10 :‬‬
‫(‪)605‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وقال ابن بطال‪" :‬فيه أن من أحب عبد ًا يف اهلل تعاىل ‪ ..‬فإن اهلل جيمع بينهام يف‬
‫جنته‪ ،‬وإن قرص يف عمله؛ وذلك ألنه ملا أحب الصاحلني ألجل طاعتهم ‪ ..‬أثابه اهلل‬
‫تعاىل ثواب تلك الطاعة؛ إذ النية هي األصل‪ ،‬والعمل تابع هلا‪ ،‬واهلل يؤيت فضله من‬
‫(((‬
‫يشاء واهلل ذو الفضل العظيم" اهـ‪.‬‬
‫ويشهد لكل ذلك قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﱸ [النساء‪.]69 :‬‬
‫ٌ‬
‫إشكال هنا‪ ،‬وهو‪ :‬أهنم يف اجلنة متفاوتون يف منازهلم‪ ،‬فكيف تكون‬ ‫وقد يرد‬
‫املعية مع وجود هذا التفاوت؟‬
‫فاجلواب‪ :‬أنه ليس من الزم املعية االستواء يف الدرجات بل كل يف درجته‪،‬‬
‫كام تقدما قريب ًا يف كالم القسطالين‪ ،‬وقال احلافظ ابن حجر يف ((فتح الباري))‪" :‬قوله‬
‫يف حديث آخر ‪(( -‬إنك مع من أحببت))‪ ،‬أي‪ :‬ملحق هبم حتى تكون من‬ ‫‪-‬‬
‫زمرهتم‪ ،‬وهبذا يندفع إيراد أن منازهلم متفاوتة‪ ،‬فكيف تصح املعية‪ ،‬فيقال‪ :‬أن املعية‬
‫حتصل بمجرد االجتامع يف يشء ما‪ ،‬وال تلزم يف مجيع األشياء‪ ،‬فإذا اتفق أن اجلميع‬
‫(((‬
‫دخلوا اجلنة ‪ ..‬صدقت املعية‪ ،‬وأن تفاوتت الدرجات" اهـ‪.‬‬
‫ِ‬
‫يل لِلنَّبِ ِّي‬
‫((ويف رواية))‪ ،‬عند البخاري (( ِق َ‬
‫ب ال َق ْو َم‪َ ،‬و ََّلا َي َ‬
‫لح ْق‬ ‫الر ُج ُل ُي ُّ‬
‫‪َّ :‬‬
‫ِبِ ْم؟)) وعند مسلم وملا يلحق بعملهم‪ ،‬أي‪ :‬يف االعاملوطرق الكامل‪ ،‬أي‪ :‬مل يعمل‬
‫بعملهم‪ ،‬إذ لو عمله لكان منهم ومثلهم‪.‬‬
‫قال اإلمام النووي‪َ " :‬ق َال َأ ْهل ال َع َربِ َّية‪ََّ (( :‬لا)) َن ْفي لِ َلم ِض ا ُمل ْست َِم ّر‪َ ،‬ف َيدُ ّل َع َل‬

‫((( ((عمدة القاري))‪.300/18 :‬‬


‫((( ((فتح الباري))‪.623/10 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)606‬‬

‫اض َف َق ْط" اهـ‪.‬‬ ‫خ َل ِ‬


‫ف ( َل) َفإِنا تَدُ ّل َع َل ا َمل ِ‬ ‫اض‪ ،‬و ِف احلال‪ .‬بِ ِ‬
‫َن ْفيه ِف ا َمل ِ‬
‫(((‬
‫ْ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وقال القسطالين‪" :‬فيؤخذ منه هنا أن احلكم ثابت ولو بعد اللحاق‪ ،‬وقال‬
‫يف ((الكواكب))‪ :‬ويف كلمة (( ّملا)) إشعار بأنه يتوقع اللحوق‪ ،‬يعني هو قاصد لذلك‬
‫(((‬
‫ساع يف حتصيل تلك املرتبة له" اهـ‪.‬‬
‫وقد ذكر املناوي مفهوم ًا آخر ًا للحديث‪ ،‬فقال‪((" :‬املرء مع من أحب)) طبع ًا‪،‬‬
‫وعقالً‪ ،‬وجزاء ًا‪ ،‬وحمالً‪ ،‬فكل مهتم بيشء فهو منجذب إليه وإىل أهله بطبعه شاء‬
‫أم أبى‪ ،‬وكل امرئ يصبو إىل مناسبه ريض أم سخط‪ ،‬فالنفوس العلوية تنجذب‬
‫بذواهتا ومهمها وعملها إىل أعىل‪ ،‬والنفوس الدنية تنجذب بذواهتا إىل أسفل‪ ،‬ومن‬
‫أراد أن يعلم هل هو مع الرفيق األعىل أو األسفل ‪ ..‬فلينظر أين هو؟ ومع من هو‬
‫يف هذا العامل؟ فإن الروح إذا فارقت البدن ‪ ..‬تكون مع الرفيق الذي كانت تنجذب‬
‫إليه يف الدنيا‪ ،‬فهو أوىل هبا‪ ،‬فمن أحب اهلل ‪ ..‬فهو معه يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬إن تكلم‬
‫فباهلل‪ ،‬وإن نطق فمن اهلل‪ ،‬وإن حترك فبأمر اهلل‪ ،‬وإن سكت فمع اهلل‪ ،‬فهو باهلل وهلل‬
‫ومع اهلل‪ ،‬واتفقوا عىل أن املحبة ال تصح إال بتوحد املحبوب‪ ،‬وأن من ادعى حمبته‪،‬‬
‫(((‬
‫ثم مل حيفظ حدوده ‪ ..‬فليس بصادق" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫حب اهلل ورسوله واألخيار أحياء وأموات ًا‪.‬‬
‫‪1 .1‬فضل ّ‬
‫‪2 .2‬أن من فضل حمبة اهلل ورسوله امتثال أمرمها‪ ،‬واجتناب هنيهام‪ ،‬والتأدب‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.275/16 :‬‬


‫((( ((إرشاد الساري))‪.339/10 :‬‬
‫((( ((فيض القدير))‪.683/5 :‬‬
‫(‪)607‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫باآلداب الرشعية‪.‬‬
‫‪3 .3‬ال يشرتط يف االنتفاع بمحبة الصاحلني أن يعمل عملهم؛ إذ لو عمله‪ ..‬لكان‬
‫منهم ومثلهم‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)608‬‬

‫احلديث السادس والتسعون‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السا َعة؟ َق َال َل ُه َر ُس ُ‬
‫ول‬ ‫َأ َّن َأ ْع َرابِ ًّيا َق َال ل َر ُسول اهلل ‪َ :‬متَى َّ‬ ‫َع ْن َأن ٍ‬
‫َس‬
‫ت))‬ ‫ب اهلل َو َر ُسولِ ِه‪َ ،‬ق َال‪َ ((:‬أن َ‬
‫ْت َم َع َم ْن َأ ْح َب ْب َ‬ ‫اهلل ‪َ ((:‬ما َأ ْعدَ ْد َت َلا؟)) َق َال‪ُ :‬ح َّ‬
‫متفق عليه‪ ،‬وهذا لفظ مسلم‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث‬ ‫هو الصحايب اجلليل أنس بن مالك‬
‫احلادي عرش‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫قوله‪َ (( :‬أ َّن َأ ْع َرابِ ًّيا))‪ ،‬وهو خيتص بسكان البوادي من العرب وغريهم‪ ،‬أما‬
‫‪.‬‬ ‫العرب ‪ ..‬فأوالد إسامعيل‬
‫السا َعة؟))‪ ،‬أي‪ :‬القيامة‪ ،‬وعرب عنها بالساعة ألهنا‬ ‫(( َق َال لِرس ِ‬
‫‪َ :‬متَى َّ‬ ‫ول اهلل‬ ‫َ ُ‬
‫تظهر يف أدنى حلظة‪.‬‬
‫‪َ :‬ما َأ ْعدَ ْد َت َلا؟))‪ ،‬أي‪ :‬ما الذي جهزته للساعة‬ ‫(( َق َال َل ُه َر ُس ُ‬
‫ول اهلل‬
‫حتى تسأل عنها‪ ،‬إذ هي زمن اجلزاء ويوم الدين‪ .‬قال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬قال‬
‫العاقويل‪ :‬وقوله‪(( :‬ما أعددت هلا)) من أسلوب احلكيم؛ ألنه سأل عن الوقت‪ ،‬فقيل‬
‫له‪ :‬مالك وهلا‪ ،‬إنام هيمك التزود هلا والعمل بام ينفعك فيها‪ ،‬فطرح الرجل ذكر‬
‫(‪)609‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫أعامله؛ ألنه كان ال يرى هلا قدر ًا‪ ،‬ونظر إىل ما يف قلبه من خمصوص حمبة اهلل سبحانه‬
‫(((‬
‫ورسوله‪ ،‬فقدمه بني يديه" اهـ‪.‬‬
‫ب اهلل َو َر ُسولِ ِه))‪ ،‬أي‪ :‬أعددت هلا حب اهلل ورسوله‬ ‫(( َق َال)) األعرايب‪ُ (( :‬ح َّ‬
‫فقط‪ ،‬كام جاء يف رواية البخاري ومسلم قال‪َ (( :‬ما َأ ْعدَ ْد ُت َلا ِم ْن كَثِ ِري َص َل ٍة َو َل‬
‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ب اهللَ َو َر ُسو َل ُه))‪.‬‬ ‫َص ْو ٍم َو َل َصدَ َقة َو َلكنِّي ُأح ُّ‬
‫ْت َم َع َم ْن َأ ْح َب ْب َ‬
‫ت))‪ ،‬أي‪ :‬ملحق هبم حتى تكون من‬ ‫‪َ (( :‬أن َ‬ ‫(( َق َال)) النبي‬
‫زمرهتم‪ ،‬كام تقدم يف احلديث السابق‪ .‬قال القسطالين‪" :‬أنت مع من أحببت بحسن‬
‫نيتك من غري زيادة عمل يف اجلنة‪ ،‬أي‪ :‬بحيث يتمكن كل واحد منهام من رؤية‬
‫بعضا‪ ،‬وإذا أرادوا‬
‫اآلخر وإن بعد املكان‪ :‬ألن احلجاب إذا زال‪ ..‬شاهد بعضهم ً‬
‫الرؤية والتالقي ‪ ..‬قدروا عىل ذلك‪ ،‬هذا هو املراد من هذه املعية ال كوهنام يف درجة‬
‫(((‬
‫واحدة" اهـ‪.‬‬
‫رش‪ ،‬ومعية اهلل‬
‫حمب مع حمبوبه من خري أو ّ‬
‫واللفظ يف احلديث عام لكون كل ّ‬
‫مع اإلنسان بالنرص واإلعانة والتوفيق‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫أن حب اهلل ورسوله من‪ ،‬عظم الزاد لآلخرة‪ ،‬إضافة إىل ما يستفاد من‬
‫احلديث السابق‪.‬‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.211/2 :‬‬


‫((( ((إرشاد الساري))‪.455/6 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)610‬‬

‫احلديث السابع والتسعون‬

‫اش ًيا َف ُي َص ِّل فِ ِيه‬


‫يزُور ُقباء راكِبا وم ِ‬
‫َ ُ َ ً َ ً ََ‬ ‫َان ال َّنبِ َّي‬
‫َق َال‪ :‬ك َ‬ ‫َع ْن ا ْب ِن ُع َم َر‬
‫َي‪ .‬متفق عليه‪.‬‬ ‫َر ْك َعت ْ ِ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته‬ ‫هو الصحايب اجلليل عبداهلل بن عمر بن اخلطاب‬
‫يف احلديث الثالث واخلمسني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫اء))‪ ،‬أي‪ :‬مسجد قباء‪ ،‬وليس يف قباء‬ ‫ُور ُق َب ً‬
‫َيز ُ‬ ‫َان النَّبِ َّي‬
‫‪(( :‬ك َ‬ ‫قوله‬
‫موضع مقصود غري مسجدها‪ ،‬ويدل عليه كامل احلديث‪َ (( :‬ف ُي َص ِّل فِ ِيه َر ْك َعت ْ ِ‬
‫َي))‪،‬‬
‫َان النَّبِ ُّي‬
‫دل عىل ذلك أيض ًا رواية البخاري عن ابن عمر كذلك‪ ،‬ولفظها‪(( :‬ك َ‬ ‫كام ّ‬
‫إىل مسجد قباء كل سبت كام دلت عليه‬ ‫اء))‪ ،‬وكان قدومه‬ ‫ي ْأ ِت مس ِجدَ ُقب ٍ‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ي ْأ ِت مس ِجدَ ُقب ٍ‬
‫اء‬ ‫َان النَّبِ ُّي‬
‫‪(( :‬ك َ‬ ‫الروايات الصحيحة‪ ،‬ومنها قول ابن عمر‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫َي ْف َع ُل ُه‪ .‬أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫اشيا ور ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫اك ًبا)) َوك َ‬
‫َان َع ْبدُ اهلل ْب ُن ُع َم َر‬ ‫ك َُّل َس ْبت َم ً َ َ‬
‫الض َحى إِالَّ ِف‬ ‫َان الَ ُي َص ِّل ِم َن ُّ‬ ‫ويف لفظ للبخاري عن ابن عمر أيض ًا قال‪(( :‬ك َ‬
‫وف بِالبي ِ‬
‫ت‪ُ ،‬ث َّم ُي َص ِّل َر ْك َعت ْ ِ‬ ‫َي ْو َم ْ ِ‬
‫ي‪َ .‬ي ْو َم َي ْقدَ ُم بِ َم َّك َة‪َ ،‬فإِ َّن ُه ك َ‬
‫َي‬ ‫َان َي ْقدَ ُم َها ُض ًحى‪َ ،‬ف َي ُط ُ َ ْ‬
‫ت‪َ ،‬فإِ َذا َد َخ َل ا َمل ْس ِجدَ ‪..‬‬ ‫َان ي ْأتِ ِيه ك َُّل سب ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َ ْ‬ ‫لف ا َمل َقا ِم‪َ ،‬و َي ْو َم َي ْأ ِت َم ْس ِجدَ ُق َباء‪َ ،‬فإِ َّن ُه ك َ َ‬ ‫َخ َ‬
‫ك َِر َه َأ ْن َي ُْر َج ِمنْ ُه َحتَّى ُي َص ِّ َل فِ ِيه))‪.‬‬
‫(‪)611‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وقد أخرج الطرباين عن جابر بن سمرة‪ :‬قال‪ :‬ملا سأل أهل قباء النبي‬
‫‪(( :‬ليقوم بعضكم فريكب الناقة))‪ ،‬فقام‬ ‫أن يبني هلم مسجدا فقال رسول اهلل‬
‫‪ ،‬فركبها‬ ‫فركبها‪ ،‬فحركها‪ ،‬فلم تنبعث‪ ،‬فرجع‪ ،‬فقعد‪ ،‬فقام عمر‬ ‫أبوبكر‬
‫ألصحابه‪(( :‬ليقوم‬ ‫فحركها‪ ،‬فلم تنبعث‪ ،‬فرجع فقعد‪ ،‬ثم قال رسول اهلل‬
‫فلام وضع رجله يف غرز الركاب ‪ ..‬وثبت‬ ‫بعضكم فريكب الناقة))‪ ،‬فقام عيل‬
‫‪(( :‬يا عيل أرخ زمامها‪ ،‬وابنوا عىل مدارها‪ ،‬فإهنا مأمورة))‪.‬‬ ‫به‪ ،‬قال رسول اهلل‬
‫قال ابن ّ‬
‫علن‪" :‬قال السمهودي‪ :‬هو ‪ -‬أي‪ :‬قباء ‪ -‬قرية حوايل املدينة‪ .‬قال‬
‫ابن جبري‪ :‬مدينة كبرية كانت متصلة باملدينة املقدسة‪ ،‬ويف خط املداعي إنام سميت‬
‫قباء ببئر كانت هناك تسمى قبار ًا‪ ،‬فتطريوا منها‪ ،‬فسموها قباء كام نقله ابن زبالة‪.‬‬
‫قال الباجي‪ :‬عىل ميلني من املدينة‪ ،‬ونقله النووي عن العلامء‪ ،‬ويف ((مشارق‬
‫عياض)) ثالثة أميال‪ ،‬وهو معنى قول احلافظ ابن حجر‪ :‬عىل فرسخ من املدينة‪ .‬قال‬
‫السمهودي‪ :‬وقد اختربت ذلك‪ ،‬فرأيته عىل فرسخ من باب جربيل إىل باب مسجد‬
‫(((‬
‫قباء" اهـ‪.‬‬
‫وقال يف ((عمدة القاري))‪" :‬وقال عروة‪ :‬كان موضع مسجد قباء المرأة‬
‫مسجد ًا‪ ،‬قال‬ ‫يقال هلا‪ :‬لية‪ ،‬وكانت تربط محار ًا هلا فيه‪ ،‬فابتناه سعد بن خيثمة‬
‫أبو غسان‪ :‬طوله وعرضه سواء‪ ،‬وهو ست وستون ذراع ًا‪ ،‬وطول ذرعه يف السامء‬
‫تسع عرشة ذراع ًا‪ ،‬وطول رحبته التي يف جوفه مخسون ذراع ًا‪ ،‬وعرضها ست‬
‫وعرشون ذراع ًا‪ ،‬وطول منارته مخسون ذراع ًا‪ ،‬وعرضها تسع أذرع وشرب يف تسع‬
‫أذرع‪ ،‬وفيه ثالثة أبواب‪ ،‬وثالثة وثالثون أسطوان ًا‪ ،‬ومواضع قناديله ألربعة عرش‬
‫قنديالً‪ ،‬قال‪ :‬وأخربين من أثق به من األنصار من أهل قباء أن مصىل رسول اهلل يف‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.220/2 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)612‬‬
‫(((‬
‫مسجدهم بعد رصف القبلة كان إىل حرف األسطوان املخلق" اهـ‪.‬‬
‫مسجد قباء يوم السبت‪:‬‬ ‫سبب أتيانه‬
‫ذكر العيني يف ((عمدة القاري)) بيان السبب لذلك فقال‪" :‬فإن قلت‪ :‬ما‬
‫احلكمة يف ختصيص زيارته يوم السبت؟ قلت‪ :‬قيل حيتمل أن يقال ملا كان هو أول‬
‫مسجد أسسه يف أول اهلجرة‪ ،‬ثم أسس مسجد املدينة بعده‪ ،‬وصار مسجد املدينة هو‬
‫الذي جيمع فيه يوم اجلمعة‪ ،‬وتنزل أهل قباء وأهل العوايل إىل املدينة لصالة اجلمعة‪،‬‬
‫ويتعطل مسجد قباء عن الصالة فيه وقت اجلمعة ‪ ..‬ناسب أن يعقب يوم اجلمعة‬
‫بإتيان مسجد قباء يوم السبت والصالة فيه؛ ملا فاته من الصالة فيه يوم اجلمعة‪،‬‬
‫وكان حسن العهد‪ ،‬وقال‪ُ (( :‬ح ْس ُن ال َع ْه ِد ِم ْن ا ِ‬
‫إل َيم ِن))(((‪ ،‬وحيتمل أنه ملا كان أهل‬
‫مسجد قباء ينزلون إىل املدينة يوم اجلمعة‪ ،‬وحيرضون الصالة معه ‪ ..‬أراد مكافأهتم‬
‫بأن يذهب إىل مسجدهم يف اليوم الذي يليه‪ ،‬وكان حيب مكافأة أصحابه حتى‬
‫كان خيدمهم بنفسه‪ ،‬ويقول إهنم كانوا ألصحايب مكرمني‪ ،‬فأنا أحب أن أكافئهم‪،‬‬
‫وحيتمل أنه كان يوم السبت فارغا لنفسه‪ ،‬فكان يشتغل يف بقية اجلمعة بمصالح‬
‫اخللق من أول يوم األحد عىل القول بأنه أول أيام األسبوع‪ ،‬ويشتغل يوم اجلمعة‬
‫بالتجميع بالناس‪ ،‬ويتفرغ يوم السبت لزيارة أصحابه واملشاهد الرشيفة‪،‬وحيتمل‬
‫أنه ملا كان ينزل إىل اجلمعة بعض أهل قباء‪ ،‬ويتخلف بعضهم ممن ال جيب عليه أو‬
‫يعذر‪ ،‬فيفوت من مل حيرض منهم يوم اجلمعة رؤيته ومشاهدته‪ ،‬تدارك ذلك بإتيانه‬
‫مسجد قباء؛ ليجتمعوا إليه هنالك‪ ،‬فيحصل هلم من الغائبني يوم اجلمعة نصيبهم‬
‫(((‬
‫منه يوم السبت" اهـ‪.‬‬
‫((( ((عمدة القاري))‪.319/6 :‬‬
‫((( أخرجه احلاكم يف ((املستدرك))‪.‬‬
‫((( ((عمدة القاري))‪.319/6 :‬‬
‫(‪)613‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫((راكِبا وم ِ‬
‫اش ًيا)) بيان احلال‪ ،‬أي تارة راكب ًا وتارة ماشي ًا‪،‬وحيتمل أن يكون‬ ‫َ ً ََ‬
‫باعتبار بعض املسافة‪ ،‬واألول أقرب لقربه‪.‬‬
‫(( َف ُي َص ِّل فِ ِيه َر ْك َعت ْ ِ‬
‫َي))‪ ،‬وقد ورد يف فضل الصالة يف مسجد قباء أحاديث‬
‫كثرية منها‪:‬‬
‫‪(( :‬ألن أصيل يف مسجد قباء أحب إيل من أن أصيل يف بيت املقدس))‬ ‫قوله‬
‫أخرجه احلاكم وبن أيب شيبة‪.‬‬
‫اء َك ُع ْم َر ٍة)) أخرجه الرتمذي‪.‬‬
‫ج ِد ُقب ٍ‬
‫الص َل ُة ِف َم ْس ِ َ‬
‫‪َّ (( :‬‬ ‫وقوله‬
‫املسجد الذي أسس على التقوى‪:‬‬
‫قال اهلل تعاىل‪ :‬ﱹ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﱸ [التوبة‪.]108 :‬‬
‫اختلف أهل العلم يف املقصود هبذا املسجد الذي أسس عىل التقوى عىل‬
‫قولني‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أنه مسجد قباء‪ ،‬وبه قال ابن عباس‪،‬وعروة بن الزبري‪ ،‬وعطية‪،‬‬
‫جماهد‪ ،‬وعروة‪ ،‬وقتادة‪ ،‬ابن بريدة‪ ،‬ابن زيد؛ لكونه أوفق للقصة‪ ،‬واستدلوا كذلك‬
‫يف احلديث‬ ‫يف قصة هجرته‬ ‫بام أخرجه البخاري عن أم املؤمنني عائشة‬
‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الطويل‪ ،‬وفيه‪َ (( :‬ف َلبِ َ‬
‫ف َبني َع ْم ِرو ْب ِن َع ْوف بِ ْض َع َع ْ َ‬
‫ش َة َل ْي َل ًة‪،‬‬ ‫ول اهلل‬ ‫ث َر ُس ُ‬
‫جدُ ا َّل ِذي ُأ ِّس َس َع َل ال َّت ْق َوى))‪.‬‬‫َو ُأ ِّس َس ا َمل ْس ِ‬

‫الذي باملدينة‪ ،‬والذي فيه قربه الرشيف‪،‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬أنه مسجد النبي‬
‫وبه قال ابن عمر‪ ،‬وزيد بن ثابت‪ ،‬وأبو سعيد‪ ،‬وسعيد بن املسيب‪ (((،‬واستدلوا‬

‫((( انظر‪(( :‬تفسري الطربي)) عند هذه اآلية‪.‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)614‬‬
‫ح ِن بن َأ ِب س ِع ٍ‬ ‫ِ‬
‫يد‬ ‫َ‬ ‫الر ْ َ ْ ُ‬ ‫ح ِن َق َال‪َ :‬م َّر ِب َع ْبدُ َّ‬ ‫بام أخرجه مسلم أن َأ َبا َس َل َم َة ْب َن َع ْبد َّ‬
‫الر ْ َ‬
‫اك َي ْذك ُُر ِف ا َمل ْس ِج ِد ا َّل ِذي ُأ ِّس َس َع َل ال َّت ْق َوى؟‬ ‫ف َس ِم ْع َت َأ َب َ‬ ‫اخلُدْ ِر ِّي َق َال‪ُ :‬ق ُ‬
‫لت َل ُه‪َ :‬ك ْي َ‬
‫ول‬ ‫لت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫ض نِ َس ِائ ِه‪َ ،‬ف ُق ُ‬
‫ت َب ْع ِ‬ ‫ِف بي ِ‬
‫َْ‬ ‫لت َع َل رس ِ‬
‫ول اهلل‬ ‫َ ُ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َأ ِب‪َ :‬د َخ ُ‬
‫ض َب بِ ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل َأ ُّي ا َمل ْسجدَ ْي ِن ا َّلذي ُأ ِّس َس َع َل ال َّت ْق َوى؟ َق َال‪َ :‬ف َأ َخ َذ َك ًّفا م ْن َح ْص َبا َء‪َ ،‬ف َ َ‬
‫جدُ ك ُْم َه َذا)) َلِ ْس ِج ِد ا َمل ِدين َِة‪.‬‬ ‫األَ ْر َض‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪ُ (( :‬ه َو َم ْس ِ‬

‫تى َر ُج ٌل ِم ْن َبنِي ُخدْ َرةَ‪َ ،‬و َر ُج ٌل ِم ْن‬ ‫َق َال‪ :‬ا ْم َ َ‬


‫و َعن َأ ِب س ِع ٍ‬
‫يد اخلُدْ ِر ِّي‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ف ِف ا َمل ْس ِج ِد ا َّل ِذي ُأ ِّس َس َع َل ال َّت ْق َوى‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬اخلُدْ ِر ُّي ُه َو َم ْس ِجدُ‬ ‫بنِي َعم ِرو ب ِن َعو ٍ‬
‫ْ ْ ْ‬ ‫َ‬
‫ِف َذلِ َك‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫اء‪َ ،‬ف َأ َت َيا َر ُس َ‬‫اآلخر‪ :‬هو مس ِجدُ ُقب ٍ‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل‬ ‫َ‬ ‫َر ُسول اهلل ‪َ ،‬و َق َال َ ُ ُ َ َ ْ‬
‫ك َخ ْ ٌي كَثِ ٌري)) أخرجه أمحد والرتمذي‪.‬‬ ‫(( ُه َو َه َذا ‪َ -‬ي ْعنِي َم ْس ِجدَ ُه ‪َ -‬و ِف َذلِ َ‬

‫ك َخ ْ ٌي كَثِ ٌري))‪ ،‬أي‪ :‬يف مسجد قباء‪.‬‬


‫وقوله‪َ (( :‬و ِف َذلِ َ‬

‫قد ذكره بنفسه‪ ،‬وأجاب عن هذا التساؤل‪،‬‬ ‫وهذا القول أقوى لكون النبي‬
‫والذي استدل به أصحاب‬ ‫بخالف احلديث الوارد يف البخاري عن أم املؤمنني‬
‫‪.‬‬ ‫القول األول‪ ،‬فإنه من كالم الراوي ال من كالمه‬
‫َو َقدْ ُس ِئ َل َع ْن ا َمل ْس ِجد ا َّل ِذي ُأ ِّس َس َع َل‬ ‫قال اإلمام النووي‪َ " :‬ق ْوله‬
‫ال َّت ْق َوى َف َأ َخ َذ َك ًّفا ِم ْن َح ْص َباء َف َض َب بِ ِه األَ ْرض‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪ُ (( :‬ه َو َم ْس ِ‬
‫جدك ُْم َه َذا)) ‪-‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫َص بِ َأ َّن ُه ا َمل ْس ِجد ا َّلذي ُأ ِّس َس َع َل ال َّت ْق َوى ا َمل ْذكُور ِف ال ُق ْرآن‪،‬‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َل ْس ِجد ا َملدينَة ‪َ .. -‬ه َذا ن ّ‬
‫(((‬
‫سي َن َأ َّن ُه َم ْس ِجد ُق َباء" اهـ‪.‬‬ ‫َو َر ّد َلِا َي ُقول َب ْعض ا ُمل َف ِّ ِ‬

‫‪ ،‬ومسجد قباء‪،‬‬ ‫وال مانع أن يكون الوصف للمسجدين‪ ،‬مسجد النبي‬


‫‪ ،‬وكالمها أسسا عىل تقوى‪ ،‬فيكون الوصف منطبق‬ ‫فكالمها بنامها رسول اهلل‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم)) للنووي‪.112/9 :‬‬


‫(‪)615‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫عىل املسجدين‪.‬‬
‫قال اإلمام املناوي يف ((فيض القدير))‪" :‬املسجد الذي أسس عىل التقوى‬
‫املذكور يف قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﱸ [التوبة‪ ]108 :‬اآلية ‪ ..‬هو‬
‫((مسجدي هذا)) مسجد املدينة‪ ،‬وهبذا أخذ مالك كام يف ((العتبية)) عنه‪ ،‬ويف خرب آخر‬
‫أنه مسجد قباء‪ ،‬ومال ابن كثري إىل ترجيح األخذ به لكثرة أحاديثه‪ ،‬قال‪ :‬وال ينافيه‬
‫هذا اخلرب؛ ألنه إذا كان مسجد قباء أسس عىل التقوى فمسجده أوىل‪ ،‬وقال زين‬
‫احلفاظ العراقي يف ((رشح الرتمذي))‪ :‬األصح أنه مسجد املدينة خالفا البن العريب‪،‬‬
‫قال‪ :‬وقد صح القول به عن مجع ال حيصون‪ ،‬فهم أوىل من العمل بحديث قباء‪،‬‬
‫وأطال يف تقرير ذلك قال‪ :‬ويمكن أن يقال إن املسجد املوصوف لكونه أسس‬
‫مسجد املدينة لفضله عىل‬ ‫عىل التقوى يصدق عىل كل منهام‪ ،‬وعني املصطفى‬
‫(((‬
‫مسجد قباء" اهـ‪.‬‬
‫وقال احلافظ ابن حجر‪" :‬وقد اختلف يف املراد بقوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﱸ‪ ،‬فاجلمهور عىل أن املراد به مسجد قباء هذا‪ ،‬وهو ظاهر اآلية‪،‬‬
‫عن‬ ‫وروى مسلم من طريق عبدالرمحن بن أيب سعيد عن أبيه سألت رسول اهلل‬
‫املسجد الذي أسس عىل التقوى‪ ،‬فقال‪(( :‬هو مسجدكم هذا)) وألمحد والرتمذي‬
‫من وجه آخر عن أيب سعيد‪ :‬اختلف رجالن يف املسجد الذي أسس عىل التقوى‪،‬‬
‫‪ ،‬وقال اآلخر‪ :‬هو مسجد قباء‪ ،‬فأتيا رسول‬ ‫فقال‪ :‬أحدمها هو مسجد النبي‬
‫‪ ،‬فسأاله عن ذلك‪ ،‬فقال‪(( :‬هو هذا‪ ،‬ويف ذلك ‪ -‬يعني مسجد قباء ‪ -‬خري‬ ‫اهلل‬
‫كثري))‪ ،‬وألمحد عن سهل بن سعد نحوه‪ ،‬وأخرجه من وجه آخر عن سهل بن سعد‬
‫عن أيب بن كعب مرفوعا‪ ،‬قال القرطبي‪ :‬هذا السؤال صدر ممن ظهرت له املساواة‬

‫((( ((فيض القدير))‪.347/8 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)616‬‬

‫‪ ،‬فلذلك سئل النبي‬ ‫بني املسجدين يف اشرتاكهام يف أن كال منهام بناه النبي‬
‫عنه‪ ،‬فأجاب بأن املراد مسجده‪ ،‬وكأن املزية التي اقتضت تعيينه دون مسجد قباء‬
‫لكون مسجد قباء مل يكن بناؤه بأمر جزم من اهلل لنبيه‪ ،‬أو كان رأي ًا رآه بخالف‬
‫مسجده‪ ،‬أو كان حصل له‪ ،‬أو ألصحابه فيه من األحوال القلبية ما مل حيصل لغريه‪،‬‬
‫بمسجد املدينة بخالف‬ ‫انتهى‪ .‬وحيتمل أن تكون املزية ملا اتفق من طول إقامته‬
‫مسجد قباء‪ ،‬فام أقام به إال أيام ًا قالئل‪ ،‬وكفى هبذا مزية من غري حاجة إىل ما تكلفه‬
‫(((‬
‫القرطبي‪ ،‬واحلق أن كال منهام أسس عىل التقوى" اهـ‪.‬‬
‫مسألة مهمة‪:‬‬
‫‪َ (( :‬ل ت َُشدُّ‬
‫يثري البعض ممن جيهلون أمور ًا كثرية يف الدين شبهة بقول النبي‬
‫ج ِدي)) أخرجه‬
‫ج ِد األَ ْق َص‪َ ،‬و َم ْس ِ‬ ‫ج ِد َ‬
‫احل َرامِ‪َ ،‬و َم ْس ِ‬ ‫الر َح ُال إِ َّل إِ َل َث َل َث ِة َم َس ِ‬
‫اجدَ ‪َ ،‬م ْس ِ‬ ‫ِّ‬
‫البخاري ومسلم‪ ،‬فأراد منع الناس من السفر ملا ال يتناسب مع هواه‪ ،‬وحرف فهم‬
‫احلديث عىل ما يريده‪ ،‬وهذا من الفهم السقيم البعيد عن العقل والنقل؛ ألن من أراد‬
‫أن يمنع السفر هبذا احلديث فإما أن يمنعه كله عىل حسب فهمه القارص أو ال يمنع‬
‫منه شيئ ًا‪ ،‬أما أنه جييز السفر للعالج والنزهة وطلب العلم‪ ،‬وطلب املعاش‪ ،‬ثم حيرمه‬
‫لزيارة ويل أو حضور مناسبة دينة ‪ ..‬فهذا هو اجلهل بعينه والتناقض‪ ،‬إذ ملاذا جاز‬
‫هنا‪ ،‬وحرم هناك‪ ،‬فتبني من هذا أن فهمه هو السقيم‪ ،‬والفهم الصحيح للحديث أن‬
‫يتكلم عن خصوصيات مساجد بعينها‪ ،‬فإننا لو نظرنا إىل احلديث لوجدنا‬ ‫النبي‬
‫قد ذكر يف احلديث املستثنى‪ ،‬ومل يذكر املستثنى منه‪ ،‬فهو حمذوف‪ ،‬ومعلوم‬ ‫أنه‬
‫أنه يقدّ ر من جنس املستثنى‪ ،‬فيكون معنى احلديث‪ ،‬ال تشد الرحال ملسجد لفضله‬
‫إال هذه املساجد‪ ،‬وهذا ليس عىل التحريم؛ بل لبيان أفضليتها‪ ،‬وإال فإن النبي‬

‫((( ((فتح الباري))‪.276/7 :‬‬


‫(‪)617‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫يذهب للصالة يف مسجد قباء كل سبت كام هو يف احلديث الذي بصدد رشحه‪،‬‬
‫فكيف ينهى عن ذلك ثم يفعله هو‪ ،‬ويثبت ذلك املعنى ويب ّينه ما روى أبو سعيد‬
‫ج ٍد ُي ْب َتغَى‬
‫لمطِ ِّي َأ ْن ت َُشدَّ ِر َحا ُل ُه إِ َل َم ْس ِ‬‫ِ ِ‬
‫أنه قال‪َ (( :‬ل َينْ َبغي ل َ‬ ‫اخلدري عن النبي‬
‫ج ِدي َه َذا)) أخرجه أمحد‪،‬‬ ‫ج ِد األَ ْق َص‪َ ،‬و َم ْس ِ‬ ‫ج ِد َ‬
‫احل َرامِ‪َ ،‬وا َمل ْس ِ‬ ‫الص َل ُة َغ ْي ا َمل ْس ِ‬
‫َ‬
‫ِ ِ‬
‫فيه َّ‬
‫وقد بني الفقهاء املعنى من ذلك بقوهلم‪ :‬أنه متى نذر الشخص الصالة يف أي مسجد‬
‫من غري هذه الثالثة ‪ ..‬أجزاه أن يصيل يف أي مسجد كان‪ ،‬وال يتعني املسجد الذي‬
‫ذكره‪ ،‬إال هذه املساجد الثالثة‪ ،‬فإنه إن نذر الصالة يف املسجد احلرام ‪ ..‬مل جيزه إال‬
‫الصالة فيه‪ ،‬وإن نذر الصالة يف املسجد النبوي ‪ ..‬أجزأه أن يصيل يف املسجد النبوي‬
‫واملسجد احلرام لكونه أعىل‪ ،‬وإن نذر الصالة يف املسجد األقىص ‪ ..‬أجزأه أن يصيل‬
‫يف املسجد األقىص أو املسجد النبوي أو املسجد احلرام‪.‬‬
‫اجد‪:‬‬ ‫الر َحال إِ َّل إِ َل َث َل َثة َم َس ِ‬‫(( َل ت َُشدُّ وا ِّ‬ ‫قال اإلمام النووي‪َ " :‬ق ْوله‬
‫جد األَ ْق َص)) ‪ ..‬فِ ِيه َب َيان َعظِيم َف ِضي َلة َه ِذ ِه‬ ‫احل َرام َوا َمل ْس ِ‬‫جد َ‬ ‫ج ِدي َه َذا َوا َمل ْس ِ‬ ‫َم ْس ِ‬
‫اجد األَنْبِ َياء َص َل َوات اللَّ َو َس َلمه‬ ‫اجد ال َّث َل َثة َوم ِز َّي َتها َع َل َغي َها لِك َْو ِنا مس ِ‬ ‫ا َملس ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الص َلة فِ َيها‪َ ،‬و َل ْو ن ََذ َر َّ‬ ‫ِ‬
‫ل ٍّج‬ ‫حل َرام َل ِز َم ُه َق ْصده َ‬‫الذ َهاب إِ َل ا َمل ْسجد ا َ‬ ‫َع َل ْي ِه ْم‪َ ،‬ول َف ْض ِل َّ‬
‫هم ِعنْد َأ ْص َحابه‬ ‫اآلخري ِن َف َقو َل ِن لِ َّ ِ ِ‬
‫لشافع ِّي‪َ :‬أ َص ّح َ‬ ‫ْ‬ ‫َأ ْو ُع ْم َرة‪َ ،‬و َل ْو ن ََذ َر ُه إِ َل ا َمل ْس ِجدَ ْي ِن َ َ ْ‬
‫ون ِم ْن ال ُع َل َمء ‪.‬‬‫يب‪َ ،‬وبِ ِه َق َال كَثِ ُري َ‬‫يب‪َ ،‬وال َّث ِان‪ِ َ :‬‬ ‫مها‪َ ،‬و َل َ ِ‬ ‫ب َق ْصد َ‬ ‫ُي ْست ََح ّ‬
‫دها بِالن َّْذ ِر‪َ ،‬و َل َينْ َع ِقد ن َْذر‬ ‫يب َق ْص َ‬ ‫اجد ِس َوى ال َّث َل َثة َف َل َ ِ‬ ‫اقي ا َملس ِ‬
‫َ‬
‫و َأما ب ِ‬
‫َ َّ َ‬
‫َق ْص ِد َها‪َ ،‬ه َذا َم ْذ َهبنَا َو َم ْذ َهب ال ُع َل َمء كَا َّفة إِ َّل ُم َ َّمد ْبن َم ْس َل َمة ا َملالِ ِك ّي َف َق َال‪ :‬إِ َذا‬
‫اكبا وم ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ن ََذر َقصد مس ِجد ُقباء َل ِزمه َقصده؛ ِلَ َّن النَّبِي ك َ ِ‬
‫اش ًيا‪،‬‬ ‫َان َي ْأتيه ك ُّل َس ْبت َر ً َ َ‬ ‫ّ‬ ‫َُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ْ‬
‫جل َم ِهري‬
‫َان َو َع َل َم ْذ َهب ا َ‬ ‫َو َق َال ال َّل ْيث ْبن َس ْعد‪َ :‬ي َلزم ُه َق ْصد َذلِ َك ا َمل ْس ِجد َأ ّي َم ْس ِجد ك َ‬
‫ف ال ُع َل َمء ِف‬ ‫حد‪َ :‬ي َلزم ُه َك َّف َارة َي ِمني‪َ ،‬و ْ‬
‫اخ َت َل َ‬ ‫شء‪َ ،‬و َق َال َأ ْ َ‬ ‫ِ‬
‫َل َينْ َعقد ن َْذره‪َ ،‬و َل َي َلزم ُه َ ْ‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)618‬‬

‫ني‪،‬‬ ‫ال َ‬‫اب إِ َل ُقبور الص ِ‬ ‫َالذ َه ِ‬


‫اجد ال َّث َل َثة ك َّ‬ ‫َشدّ الر َحال َوإِ ْعمل ا َملطِي إِ َل َغي ا َملس ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫جل َو ْينِ ّي ِم ْن َأ ْص َحابنَا‪:‬‬ ‫الش ْيخ َأ ُبو ُم َ َّمد ا ُ‬ ‫اض َلة َون َْحو َذلِ َك‪َ ،‬ف َق َال َّ‬ ‫اضع ال َف ِ‬ ‫وإِ َل ا َملو ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الص ِحيح ِعنْد َأ ْص َحابنَا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُه َو َح َرام‪َ ،‬و ُه َو ا َّلذي َأ َش َار ال َقاض ع َياض إِ َل ا ْخت َياره‪َ ،‬و َّ‬
‫حل َر َم ْ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ي ُرم َو َل ُيك َْره َقا ُلوا‪َ :‬وا ُمل َراد َأ َّن‬
‫ون َأ َّن ُه َل َ ْ‬
‫ي َوا ُمل َح ِّق ُق َ‬ ‫َو ُه َو ا َّلذي ا ْخت ََار ُه إِ َمام ا َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اصة" اهـ‪.‬‬ ‫الر َحال إِ َل َهذه ال َّث َل َثة َخ َّ‬ ‫ال َفضي َلة التَّا َّمة إِن ََّم ه َي ِف َشدّ ِّ‬
‫(((‬

‫™™ما يستفاد من الحديث ‪:‬‬


‫‪1 .1‬فضل ورشف مسجد قباء‪.‬‬
‫‪2 .2‬جواز ختصيص وقت معني لألعامل الصاحلة؛ ألن النبي كان خيرج إىل قباء‬
‫كل يوم سبت‪ ،‬قال اإلمام النووي‪َ " :‬و َق ْوله‪( :‬ك ُّل َس ْبت) فِ ِيه‪َ :‬ج َواز َت ِْصيص‬
‫جل ْم ُهور‪َ ،‬وك َِر َه اِ ْبن َم ْس َل َمة‬
‫الص َواب َو َق ْول ا ُ‬
‫بعض األَيام بِ ِّ ِ‬
‫الز َي َارة‪َ ،‬و َه َذا ُه َو َّ‬ ‫َّ‬ ‫َْ‬
‫اديث" اهـ‪ (((،‬وقال احلافظ ابن‬ ‫ا َملالِ ِكي َذلِ َك‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬لع َّله َل َتب ُلغه ه ِذ ِه األَح ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ ْ ْ ُ َ‬ ‫ّ‬
‫حجر‪" :‬ويف هذا احلديث عىل اختالف طرقه داللة عىل جواز ختصيص بعض‬
‫(((‬
‫األيام ببعض األعامل الصاحلة‪ ،‬واملداومة عىل ذلك" اهـ‪.‬‬
‫‪3 .3‬جواز السفر لغري املعصية‪.‬‬

‫((( ((رشح مسلم)) للنووي‪.73/9 :‬‬


‫((( ((رشح صحيح مسلم)) للنووي‪.113/9 :‬‬
‫((( ((فتح الباري))‪.78/3 :‬‬
‫(‪)619‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث الثامن والتسعون‬

‫الق َي َام ِة‪َ :‬أ ْي َن‬


‫ول يوم ِ‬
‫ول اهلل ‪(( :‬إِ َّن اهللَ َي ُق ُ َ ْ َ‬
‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ون بِ َج َل ِل؟ ال َي ْو َم ُأظِ ُّل ُه ْم ِف ظِ ِّل َي ْو َم َل ظِ َّل إِ َّل ظِ ِّل)) رواه مسلم‪.‬‬ ‫ا ُملت ََحا ُّب َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫الق َي َام ِة))‪ ،‬قال ابن ّ‬
‫علن‪" :‬فيه رد عىل من يكره‬ ‫ول يوم ِ‬
‫‪(( :‬إِ َّن اهللَ َي ُق ُ َ ْ َ‬ ‫قوله‬
‫(((‬
‫أن يؤتى باملضارع يف القول املحكي عنه تعاىل؛ ألنه كالمه قديم أزيل" اهـ‪.‬‬
‫ِ ِ ِ‬
‫الص َواب‬ ‫اإلن َْسان‪ :‬اللَّ َي ُقول‪َ ،‬و ُه َو َّ‬ ‫وقال اإلمام النووي‪" :‬فيه َدليل ِ َ‬
‫ل َو ِاز َق ْول ِ‬
‫الس َلف ِم ْن ك ََر َاهة‬ ‫اإل َيمن َع ْن َب ْعض َّ‬ ‫ا َّل ِذي َع َل ْي ِه ال ُع َل َمء كَا َّفة إِ َّل َما َقدَّ ْمنَا ُه ِف ِكتَاب ِ‬
‫َذلِ َك‪َ ،‬و َأ َّن ُه َل ُي َقال‪َ :‬ي ُقول اهلل‪َ ،‬بل ُي َقال‪َ :‬ق َال اهلل‪َ ،‬و َقدَّ ْمنَا َأ َّن ُه َجا َء بِ َج َو ِاز ِه ال ُق ْرآن ِف‬
‫(((‬
‫يحة كَثِ َرية" اهـ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َق ْوله َت َع َال‪ :‬ﱹ ﮐ ﮑ ﮒ ﱸ [األحزاب‪َ ،]4 :‬و َأ َحاديث َصح َ‬
‫ون بِ َج َل ِل؟))‪ ،‬أي‪ :‬بعظمتي وطاعتي ال للدنيا‪ ،‬فمحبتهم‬‫(( َأ ْي َن ا ُملت ََحا ُّب َ‬
‫خالصة لوجه اهلل تعاىل‪ ،‬والالم فيه للتعليل‪ :‬أي حتابوا جلالله وعظمته‪ ،‬ال لغرض‬
‫سوى ذلك من دنيا أو نحوها‪.‬‬
‫((( ((دليل الفاحلني))‪.229/2 :‬‬
‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.233/16 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)620‬‬

‫قال العاقويل‪ :‬أي يف جاليل‪ ،‬فالباء بمعنى (يف) وخص اجلالل بالذكر؛ لداللته‬
‫عىل اهليبة والسطوة‪ ،‬وأهنم يف حبهم قائمون بحق تعظيمه‪ ،‬واخلوف منه‪ ،‬مطرقون‬
‫إجالال هليبته‪ ،‬فجمع بينهام هذا الوصف العظيم‪ ،‬ال كام جيمع حب أهل املحابني‬
‫عىل شهواهتم اخلسيسة الباعثة عىل ترك اهليبة‪ ،‬وإلقاء جلباب احلياء‪ ،‬هيهات كم بني‬
‫(((‬
‫املحبتني اهـ‪.‬‬
‫وإن قيل‪ :‬ملا يسأل اهلل عنهم وهو أعلم بمكاهنم وبأحواهلم وأعامهلم؟‬
‫أجيب‪ :‬بأنه سأل عنهم لينادي بفضلهم يف ذلك املوقف‪ ،‬ويرصح به وعظمته‪،‬‬
‫فيعلم أهل املوقف فضل املحبة من أجل اهلل‪.‬‬
‫((ال َي ْو َم ُأظِ ُّل ُه ْم ِف ظِ ِّل))‪ ،‬أي‪ :‬ظل عريش‪ ،‬قال احلافظ ابن حجر‪" :‬قال‬
‫عياض‪ :‬إضافة الظل إىل اهلل إضافة ملك‪ ،‬وكل ظل فهو ملكه‪ ،‬كذا قال‪ ،‬وكان حقه‬
‫أن يقول‪ :‬إضافة ترشيف؛ ليحصل امتياز هذا عىل غريه‪ ،‬كام قيل للكعبة بيت اهلل‪،‬‬
‫مع أن املساجد كلها ملكه‪ ،‬وقيل‪ :‬املراد بظله كرامته ومحايته‪ ،‬كام يقال‪ :‬فالن يف ظل‬
‫(((‬
‫امللك‪ ،‬وهو قول عيسى بن دينار‪ ،‬وقواه عياض‪ ،‬وقيل‪ :‬املراد ظل عرشه" اهـ‪.‬‬
‫قال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬قال القايض‪ :‬ظاهره أي يف ظله من احلر‪،‬‬
‫والشمس‪ ،‬ووهيج املوقف‪ ،‬وأنفاس اخللق‪ ،‬قال‪ :‬وهذا قول األكثر‪ ،‬وقال عيسى‬
‫ابن دينار‪ :‬معناه أمنه من املكاره‪ ،‬وأنه تعاىل يكرمه‪ ،‬وجيعله يف كنفه وسرته‪ ،‬ومنه‬
‫قوهلم (السلطان ظل اهلل يف أرضه)‪ ،‬وقيل‪ :‬الظل هنا عبارة عن الراحة والنعيم يقال‬
‫(((‬
‫هذا عيش ظليل‪ :‬أي طيب" اهـ‪.‬‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.229/2 :‬‬


‫((( ((فتح الباري))‪.164/2 :‬‬
‫((( ((دليل الفاحلني))‪.229/2 :‬‬
‫(‪)621‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫اض ْب ِن‬ ‫حديث ِ‬
‫الع ْر َب ِ‬ ‫ُ‬ ‫ويثبت أن املراد بالظل يف احلديث ظل عرشه تعاىل‬
‫ون بِ َج َل ِل ِف ظِ ِّل َع ْر ِش َي ْو َم‬
‫ول اهلل ‪َ (( :‬ق َال اهللُ ‪ :‬ا ُملت ََحا ُّب َ‬ ‫َس ِ‬
‫ار َي َة َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫َل ظِ َّل إِ َّل ظِ ِّل)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬
‫(( َي ْو َم َل ظِ َّل إِ َّل ظِ ِّل))‪ ،‬أي‪ :‬أنه ال يكون من له ظل جماز ًا كام يف الدنيا‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬فضل املحبة يف اهلل‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن املؤمن حيرص عىل أن ال تكون حمبته إال من أجل اهلل ويف اهلل ال من أجل‬
‫مصلحة دنيوية‪ ،‬أو نحوها‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن أهوال يوم القيامة متعبة‪ ،‬وأن الفائزون هم الذين يكونون يف ظل عرش‬
‫الرمحن‪ ،‬ومنهم املتحابون يف اهلل‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)622‬‬

‫احلديث التاسع والتسعون‬

‫ول اهلل ‪َ (( :‬وا َّل ِذي َن ْف ِس بِ َي ِد ِه َل تَدْ ُخ ُلوا‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ش ٍء إِ َذا َف َعلت ُُمو ُه َ َتا َب ْبت ُْم؟‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلنَّ َة َحتَّى ت ُْؤمنُوا‪َ ،‬و َل ت ُْؤمنُوا َحتَّى َ َتا ُّبوا‪ ،‬أ َو َل أ ُد ُّلك ُْم َع َل َ ْ‬
‫َ‬
‫َأ ْف ُشوا َّ‬
‫الس َل َم َب ْي َنك ُْم)) رواه مسلم‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪َ (( :‬وا َّل ِذي َن ْف ِس بِ َي ِد ِه))‪ ،‬وهذا اللفظ ليس عند مسلم؛ بل هو عند‬ ‫قوله‬
‫أمحد‪ ،‬وأيب داود‪ ،‬والرتمذي‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬وغريهم‪ ،‬وهو قسم باهلل تعاىل؛ إذ نفسه‬
‫لتأكيد األمر وحتقيقه‪،‬‬ ‫ونفس مجيع املخلوقات بيده تعاىل‪ ،‬وقد أقسم‬
‫والقسم يندب لذلك كام أسلفنا‪.‬‬
‫اجلنَّ َة َحتَّى ت ُْؤ ِمنُوا))‪ ،‬أي‪ :‬أن اجلنة حمرمة عىل من مل يؤمن باهلل‪،‬‬
‫(( َل تَدْ ُخ ُلوا َ‬
‫وبام جاء به يسدنا رسول اهلل‪ ،‬فال يدخل اجلنة إال من مات مؤمن ًا وإن مل يكن كامل‬
‫اإليامن‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ :‬ﱹ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﱸ [األعراف‪.]50 :‬‬
‫(( َو َل ت ُْؤ ِمنُوا َحتَّى َ َتا ُّبوا))‪ ،‬أي‪ :‬ال يكمل إيامنكم وال يصلح حالكم يف اإليامن‬
‫إال بالتحاب‪.‬‬
‫(‪)623‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ش ٍء إِ َذا َف َعلت ُُمو ُه َ َتا َب ْبت ُْم؟))اهلمزة لالستفهام‪ ،‬والواو‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫((أ َو َل أ ُد ُّلك ُْم َع َل َ ْ‬
‫عاطفة عىل حمذوف مقدر بعد اهلمزة‪ ،‬أي‪ :‬أترتكوا التحاب وال أدلكم!‬

‫(( َأ ْف ُشوا))‪ ،‬أي‪ :‬أظهروا‪ ،‬وانرشوا (( َّ‬


‫الس َل َم َب ْينَك ُْم))‪ ،‬واملراد بالسالم هنا‬
‫التحية‪ ،‬قال احلافظ ابن حجر‪" :‬واإلفشاء اإلظهار‪ ،‬واملراد نرش السالم بني الناس‬
‫(((‬
‫ليحيوا سنته" اهـ‪.‬‬
‫قال يف ((حتفة األحوذي))‪" :‬قال الطيبي‪ :‬جعل إفشاء السالم سبب ًا للمحبة‪،‬‬
‫واملحبة سبب ًا لكامل اإليامن؛ ألن إفشاء السالم سبب للتحاببوالتوادد‪ ،‬أو هو سبب‬
‫اإللفة‪ ،‬واجلمعية بني املسلمني املسبب لكامل الدين‪ ،‬وإعالء كلمة اإلسالم‪ ،‬ويف‬
‫التهاجر والتقاطع التفرقة بني املسلمني‪ ،‬وهي سبب النثالم الدين الوهن يف‬
‫(((‬
‫اإلسالم" اهـ‪.‬‬
‫الس َل ُم َأ َّول َأ ْس َباب الت ََّأ ُّلف‪َ ،‬و ِم ْفتَاح اِ ْستِ ْج َلب‬ ‫قال اإلمام النووي‪َ " :‬و َّ‬
‫ِ‬ ‫ضهم لِ َب ْع ِ‬ ‫ا َمل َو َّدة‪َ ،‬و ِف إِ ْف َش ِائ ِه َت َ َّك ُن ُأل َفة ا ُمل ْس ِل ِم َ‬
‫ض‪َ ،‬وإِ ْظ َهار ش َع ْ‬
‫ارهم ا ُمل َم ِّيز َل ُ ْم‬ ‫ني َب ْع ْ‬
‫اضع‪َ ،‬وإِ ْع َظام‬ ‫اضة النَّ ْفس‪َ ،‬و ُل ُزوم الت ََّو ُ‬ ‫هم ِم ْن َأ ْهل املِ َلل‪َ ،‬م َع َما فِ ِيه ِم ْن ِر َي َ‬ ‫م ْن َغ ْي ْ‬
‫ِ‬
‫اري ِف ((ص ِحيحه)) َعن َعمر بن ي ِ‬ ‫ُح ُر َمات ا ُمل ْس ِل ِم َ‬
‫َأ َّن ُه‬ ‫اس‬ ‫ْ َّ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ني َو َقدْ َذك ََر ال ُب َخ ِ ُّ‬
‫الس َلم لِل َع َالِ‪،‬‬ ‫اف م ْن َن ْفسك‪َ ،‬و َب ْذل َّ‬
‫اإلنْص ُ ِ‬
‫اإل َيمن‪َ ِ :‬‬ ‫ج َع ِ‬ ‫ج َع ُه َّن َف َقدْ َ َ‬‫ث َم ْن َ َ‬ ‫َق َال‪َ ( :‬ث َل ٌ‬
‫ار ِّي َه َذا الك ََلم َم ْر ُفو ًعا إِ َل النَّبِ ِّي ‪َ ،‬و َب ْذل‬ ‫اإل ْقتَار)‪َ .‬ر َوى َغ ْي ال ُب َخ ِ‬ ‫اإل ْن َفاق ِم ْن ِ‬ ‫َو ِ‬
‫ِ‬
‫الس َلم ُك ّل َها بِ َم ْعنَى‬ ‫الس َلم َع َل َم ْن َع َر ْفت َو َم ْن َل ْ َت ْع ِرف‪َ ،‬وإِ ْف َشاء َّ‬ ‫الس َلم لل َع َالِ‪َ ،‬و َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الش ْحنَاء‬ ‫اجر َو َّ‬ ‫َواحد‪َ .‬وف َيها َلطي َفة ُأ ْخ َرى َوه َي َأ َّنَا َتت ََض َّم ُن َر ْفع ال َّت َقا ُطع َوالت ََّه ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫و َفساد َذات البي ا َّلتِي ِهي ا ِ‬
‫ُص‬ ‫حلال َقة‪َ ،‬و َأ َّن َس َلمه لَِّ َل َي ْت َبع فيه َه َوا ُه‪َ ،‬و َل َي ّ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ‬

‫((( ((فتح الباري))‪.19/11 :‬‬


‫((( ((حتفة األحوذي))‪.50/6 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)624‬‬
‫(((‬
‫َأ ْص َحابه َو َأ ْح َبابه بِ ِه" اهـ‪.‬‬
‫حل ِديث َل‬ ‫الش ْيخ َأ ُبو َع ْمرو ‪َ .‬م ْعنَى ا َ‬ ‫وقال اإلمام النووي أيض ًا‪َ " :‬و َق َال َّ‬
‫لها إِ َذا َل ْ َتكُونُوا‬ ‫ِ‬
‫جلنَّة عنْدَ ُد ُخول َأ ْه َ‬ ‫َيك ُْمل إِ َيم ُنك ُْم إِ َّل بِالت ََّح ِّ‬
‫اب‪َ .‬و َل تَدْ ُخ ُل َ‬
‫ون ا َ‬
‫(((‬
‫ك ََذلِ َك‪َ .‬و َه َذا ا َّل ِذي َقا َل ُه ُمْت ََمل" اهـ‪.‬‬
‫أفردت كتاب ًا خاص ًا بأحكام السالم وما يتعلق به أسميته‪(( :‬إرشاد األنام‬
‫ُ‬ ‫وقد‬
‫إىل أحكام السالم))‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن اجلنة حمرمة عىل غري أهل اإليامن‪.‬‬
‫‪2 .2‬احلث العظيم عىل إفشاء السالم وبذله للمسلمني كلهم من عرفت ومن مل‬
‫تعرف‪.‬‬
‫‪3 .3‬السالم يورث املحبة يف القلوب‪ ،‬ويبعد التهاجر والتقاطع‪.‬‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.206/2 :‬‬


‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.206/2 :‬‬
‫(‪)625‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث املـائــــة‬

‫‪-‬‬ ‫ول‪َ (( :‬ق َال اهللُ ‪-‬‬


‫َي ُق ُ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬ ‫َعن مع ٍ‬
‫اذ‬ ‫ْ َُ‬
‫ون َو ُّ‬
‫الش َهدَ ُاء)) رواه الرتمذي‪،‬‬ ‫ون ِف َج َل ِل َُل ْم َمنَابِ ُر ِم ْن ن ٍ‬
‫ُور َي ْغبِ ُط ُه ْم النَّبِ ُّي َ‬ ‫ا ُملت ََحا ُّب َ‬
‫وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمــــه‬
‫هو الصحايب اجلليل معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن‬
‫كعب بن عمرو بن أدي بن سعد بنعيل بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن‬
‫اخلزرج‪.‬‬
‫يكنى‪ :‬أبا عبدالرمحن‪ .‬وأسلم وهو ابن ثامين عرشة سنة‪ ،‬وشهد العقبة مع‬
‫‪.‬‬ ‫السبعني وبدر ًا واملشاهد كلها مع رسول اهلل‬
‫أمه‪ :‬هند بنت سهل من بني رفاعة‪ ،‬ثم من جهينة‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫صفاته وفضائله‬
‫ٍ‬
‫جعد‬ ‫عن أيب بحرية قال‪ :‬دخلت مسجد محص فإذا أنا بفتى حوله الناس‬
‫ٍ‬
‫قطط‪ ،‬فإذا تكلم كأنام خيرج من فيه نور ولؤلؤ فقلت‪ :‬من هذا؟ قالوا‪ :‬معاذ بن‬
‫جبل‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)626‬‬

‫ٌ‬
‫كهول من‬ ‫وعن أيب مسلم اخلوالين قال‪ :‬أتيت مسجد دمشق فاذا حلق ٌة فيها‬
‫أصحاب حممد ‪ ،‬وإذا شاب فيهم أكحل العني ّبراق الثنايا‪ .‬كلام اختلفوا يف يشء‬
‫ٍ‬
‫جلليس يل‪ :‬من هذا؟ قالوا‪ :‬هذا معاذ بن جبل‪.‬‬ ‫ر ّدوه إىل الفتى‪ .‬قال‪ :‬قلت‬
‫ال ُطواالً أبيض حسن‬
‫وعن الواقدي‪ ،‬عن أشياخ له قالوا‪ :‬كان معاذ رج ً‬
‫الشعر عظيم العينني جمموع احلاجبني جعد ًا قطط ًا‪.‬‬
‫زاهد ًا يف الدنيا وملذاهتا‪ ،‬شديد الورع‪ ،‬فعن مالك الداري أن‬ ‫وكان‬
‫رصة فقال للغالم اذهب هبا‬
‫أخذ أربعامئة دينار فجعلها يف َّ‬ ‫عمر بن اخلطاب‬
‫إىل عبيدة بن اجلراح ثم َت َّله ساع ًة يف البيت حتى تنظر ما يصنع‪ ،‬فذهب الغالم‪،‬‬
‫قال‪ :‬يقول لك أمري املؤمنني‪ :‬اجعل هذه يف بعض حاجتك‪ .‬قال‪ :‬وصله اهلل ورمحه‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬تعايل يا جارية اذهبي هبذه السبعة إىل فالن‪ ،‬وهبذه اخلمسة إىل فالن‪ ،‬وهبذه‬
‫اخلمسة إىل فالن‪ ،‬حتى أنفذها‪ ،‬فرجع الغالم إىل عمر فأخربه‪ ،‬فوجده قد أعدّ مثلها‬
‫ملعاذ بن جبل فقال‪ :‬اذهب هبا إىل معاذ بن جبل‪ ،‬وت ّله يف البيت ساعة حتى تنظر‬
‫ما يصنع‪ ،‬فذهب هبا إليه قال‪ :‬يقول لك أمري املؤمنني‪ :‬اجعل هذه يف بعض حاجتك‬
‫ووصله‪ .‬تعايل يا جارية اذهبي إىل بيت فالن بكذا‪ ،‬اذهبي إىل بيت فالن‬ ‫فقال‪:‬‬
‫بكذا‪ ،‬فاطلعت امرأته فقالت‪ :‬ونحن واهلل مساكني فأعطنا‪ ،‬ومل يبق يف اخلرقة إال‬
‫ديناران‪ ،‬فدحا هبام إليها فرجع الغالم إىل عمر فأخربه بذلك فقال‪ :‬إهنم إخو ٌة‬
‫بعضهم من بعض‪.‬‬
‫وعن حييى بن سعيد قال‪ :‬كانت حتت معاذ بن جبل امرأتان فاذا كان عند‬
‫إحدامها ‪ ..‬مل يرشب يف بيت األخرى املاء‪.‬‬
‫بذلك فقال‪:‬‬ ‫وكان متضلعا بالعلم متبحر ًا فيه‪ ،‬وقد شهد له النبي‬
‫(‪)627‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ان َم َّر ًة ِف َأ ْم ِر اهلل ُع َم ُر‬ ‫(( َأ ْر َح ُم ُأ َّمتِي بِ ُأ َّمتِي َأ ُبو َبك ٍْر َو َأ َشدُّ ُه ْم ِف ِد ِ‬
‫ين اهلل ُع َم ُر َو َق َال َع َّف ُ‬
‫ب‬ ‫َاب اهلل ُأ َ ُّب ْب ُن َك ْع ٍ‬ ‫ت َو َأ ْق َرؤُ ُه ْم لِكِت ِ‬ ‫و َأصدَ ُقهم حياء ع ْثم ُن و َأ ْفر ُضهم َزيدُ بن َثابِ ٍ‬
‫َ ْ ُ ْ ََ ً ُ َ َ َ ُ ْ ْ ْ ُ‬
‫ني َه ِذ ِه األُ َّم ِة‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫احل َل ِل َو َ‬
‫احل َرا ِم ُم َعا ُذ ْب ُن َج َب ٍل َأ َل َوإِ َّن لك ُِّل ُأ َّمة َأمينًا َوإِ َّن َأم َ‬ ‫َو َأ ْع َل ُم ُه ْم بِ َ‬
‫ني)) أخرجه أمحد‪ ،‬والرتمذي‪ ،‬وابن ماجه‪.‬‬ ‫َأ ِ‬ ‫َأ ُبو ُع َب ْيدَ َة ْب ُن َ‬
‫جع َ‬ ‫َْ‬ ‫اجل َّراحِ‬
‫َأ َخ َذ بِ َي ِد ِه‬ ‫َأ َّن النَّبِ َّي‬ ‫ووصيته‪ ،‬فعنه‬ ‫حمبة النبي‬ ‫وقد نال‬
‫ول اهلل‬ ‫ْت َو ُأ ِّمي َيا َر ُس َ‬ ‫ك))‪َ ،‬ف َق َال َل ُه ُم َعا ٌذ‪ :‬بِ َأ ِب َأن َ‬‫َي ْو ًما‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ (( :‬يا ُم َعا ُذ إِ ِّن َلُ ِح ُّب َ‬
‫ول‪ :‬ال َّل ُه َّم َأ ِعنِّي‬
‫يك َيا ُم َعا ُذ‪َ ،‬ل تَدَ َع َّن ِف ُد ُب ِر ك ُِّل َص َل ٍة َأ ْن َت ُق َ‬ ‫وص َ‬ ‫و َأنَا ُأ ِحب َك‪َ ،‬ق َال‪ُ (( :‬أ ِ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫ك)) أخرجه أمحد‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬والنسائي‪.‬‬ ‫َع َل ِذك ِْر َك َو ُشك ِْر َك َو ُح ْس ِن ِع َبا َدتِ َ‬

‫‪(( :‬معاذ بني يدي العلامء يوم القيامة رتوة)) أخرجه بن‬ ‫وقال رسول اهلل‬
‫أيب شيبة‪ ،‬أي‪ :‬رمية بسهم‪ ،‬وقيل‪ :‬بحجر‪ ،‬وقيل‪ :‬بميل‪ ،‬وقيل‪ :‬حد البرص‪.‬‬
‫إىل اليمن‪ ،‬فعن س ِع ِ‬
‫يد ْب ِن َأ ِب ُب ْر َد َة‬ ‫وفضائله مجة ال تعد‪ ،‬وقد أرسله النبي‬
‫َ َ‬
‫وسى َو ُم َعا َذ ْب َن َج َب ٍل إِ َل ال َي َم ِن‪،‬‬
‫َأ َبا ُم َ‬ ‫ول اهلل‬ ‫َعن َأبِ ِيه َعن َجدِّ ِه َق َال‪َ :‬ب َع َث َر ُس ُ‬
‫شا َو َل ُتنَ ِّف َرا‪َ ،‬و َت َط َاو َع َاو َل َ ْتتَلِ َفا)) أخرجه البخاري‬ ‫سا َو َل ُت َع ِّ َ‬
‫سا‪َ ،‬و َب ِّ َ‬ ‫َف َق َال َل ُ َم‪َ (( :‬ي ِّ َ‬
‫ومسلم‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫روى عنه‪ :‬بن عباس‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وابن عدي‪ ،‬وابن أيب أوىف األشعري‪،‬‬
‫وعبدالرمحن بن سمرة‪ ،‬وجابر‪ ،‬وأنس‪ ،‬وأبو أمامة‪ ،‬وأبو ثعلبة اخلشني‪ ،‬ومالك بن‬
‫خيامر‪ ،‬وأبو مسلم اخلوالين‪ ،‬و عبدالرمحن بن غنم‪ ،‬وجنادة بن أيب أمية‪ ،‬وأبو بحرية‬
‫عبداهلل بن قيس‪ ،‬ويزيد بن عمرية‪ ،‬وأبو األسود الدييل‪ ،‬وكثري بن مرة‪ ،‬وأبو وائل‪،‬‬
‫وابن أيب ليىل‪ ،‬وعمرو بن ميمون االودي‪ ،‬واألسود بن هالل‪ ،‬ومرسوق‪ ،‬وأبو ظبية‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)628‬‬

‫الكالعي‪ ،‬وآخرون‪.‬‬
‫(‪ )157‬مائة حديث وسبعة ومخسون حديث ًا‪ ،‬اتفق‬ ‫وروى عن رسول اهلل‬
‫البخاري ومسلم عىل حديثني منها‪ ،‬وانفرد البخاري بحديثني‪ ،‬ومسلم بواحد‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫بناحية األردن يف طاعون َع َمواس‪ :‬بفتح أولية قرية بني الرملة‬ ‫تويف‬
‫والقدس‪ ،‬نسب إليها ألنه أول ما ظهر منها‪.‬‬
‫وكانت وفاته سنة ثامين عرشة‪.‬‬
‫وهو ابن ثالث‪ ،‬وقيل‪ :‬أربع‪ ،‬وقيل‪ :‬ثامن وثالثني سنة‪.‬‬
‫وذكر أبو حاتم الرازي أنه مات وهو ابن ثامن وعرشين سنة‪.‬‬
‫وقربه بغور بيسان يف رشقيه‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫ون ِف َج َل ِل))‪ ،‬وقد تقدم الكالم عن‬
‫‪ -‬ا ُملت ََحا ُّب َ‬ ‫‪َ (( :‬ق َال اهللُ ‪-‬‬ ‫قوله‬
‫معناه يف رشح احلديث الثامن والتسعني‪.‬‬
‫ُور))‪،‬أي‪ :‬جمالس رفيعة تتألأل نور ًا جيلسون عليها‪ ،‬وعند‬ ‫(( َُل ْم َمنَابِ ُر ِم ْن ن ٍ‬
‫الطرباين‪(( :‬املتحابون يف اهلل يف ظله يوم ال ظل اال ظله))‪.‬‬
‫اض‪:‬‬ ‫اع ِه‪َ ،‬ق َال ال َق ِ‬
‫قال اإلمام النووي‪" :‬و َأما ا َملنَابِر َفجمع ِمنْب سمي بِ ِه ِلرتِ َف ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ُ ِّ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َّ‬
‫يت َِمل َأ ْن َيكُون ِكنَا َية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يتَمل َأ ْن َيكُونُوا َع َل َمنَابِر َحقيق َّية‪َ ،‬ع َل َظاهر احلَديث‪َ ،‬و َ ْ‬
‫َ ِ‬
‫ْ‬
‫الرفِي َعة َف ُه ْم َع َل‬ ‫ِ‬
‫لمن َِازل َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرفي َعة‪ُ ،‬قلت‪ :‬ال َّظاهر األَ َّول‪َ ،‬و َيكُون ُمت ََض ِّمنًا ل َ‬
‫َعن ا َملن َِازل ِ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬
‫(((‬
‫هلم َرفِي َعة" اهـ‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫َمنَابِر َحقيق َّية َو َمن َِاز ْ‬
‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.297/12 :‬‬
‫(‪)629‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(( َي ْغبِ ُط ُه ْم النَّبِ ُّي َ‬
‫ون َو ُّ‬
‫الش َهدَ ُاء))‪ ،‬والغبطة متني مثل ما للغري مناخلري من غري‬
‫زواله عن صاحبه‪ ،‬وهي غري احلسد‪ ،‬فهو متني زوال النعمة عن الغري‪ ،‬والغبطة أمر‬
‫حممود‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬وهل متني األنبياء جيعل هؤالء املتحابني أفضل منهم؟‬
‫أجيب‪ :‬بأنه ال يلزم من متني األنبياء أن يكون أولئك أفضل من األنبياء؛ ألنه‬
‫قد يكون لك مائة فرس من العتاق‪ ،‬ثم ترى ألخيك فرس ًا‪ ،‬فتشتهي أن تشرتيه منه‪،‬‬
‫أو تشرتي مثله‪ ،‬وهذا من هذا القبيل‪ ،‬وجيوز أنه مل يقصد النظر إىل معنى الغبطة‬
‫(((‬ ‫أصالً‪ ،‬وإنام أريد بيان فضلهم ورشفهم عند اهلل فقط‪ .‬قاله ابن ّ‬
‫علن‪.‬‬
‫وقال اإلمام املناوي‪" :‬يعني‪ :‬أن حاهلم عند اهلل يوم القيامة بمثابة لو غبط‬
‫النبيون والشهداء يومئذ مع جاللة قدرهم ونباهة أمرهم حال غريهم ‪ ..‬لغبطوهم‪،‬‬
‫وقال البيضاوي‪ :‬كل ما يتحىل به اإلنسان‪ ،‬ويتعاطاه من علم وعمل‪ ،‬فإن له عند‬
‫اهلل تعاىل منزلة ال يشاركه فيها من مل يتصف هبا‪ ،‬وإن كان له من نوع آخر ما هو أرفع‬
‫قدر ًا‪ ،‬وأعز ذخر ًا‪ ،‬فيغبطه بأن يتمنى وحيب أن يكون مثل ذلك مضموم ًا إىل ما له‬
‫من املراتب الرفيعة الرشيفة‪ ،‬فذلك معنى قوله‪(( :‬يغبطهم النبيون))؛ ألن األنبياء‬
‫قد استغرقوا فيام هو أعىل من ذلك من دعوة اخللق‪ ،‬وإظهار احلق‪ ،‬وإعالء الدين‪،‬‬
‫وإرشاد العامة‪ ،‬وتكميل اخلاصة إىل غري ذلك من كليات تشغلهم عن العكوف عىل‬
‫مثل هذه اجلزئيات‪ ،‬والقيام بحقوقهم‪ ،‬والشهداء وإن نالوا رتبة الشهادة ‪ ..‬لكنهم‬
‫إذا رأوا يوم القيامة منازهلم‪ ،‬وشاهدوا قرهبم وكرامتهم عند اهلل ‪ ..‬ودوا لو كانوا‬
‫ضامني خصاهلم إىل خصاهلم‪ ،‬فيكونوا جامعني بني احلسنيني‪ ،‬فائزين باملرتبتني‪ ،‬هذا‬
‫من أوىل ما قيل يف التأويل‪ ،‬وأما قول السبكي‪ :‬هؤالء يدخلون اجلنة بغري حساب‪،‬‬
‫((( ((دليل الفاحلني))‪.231/2 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)630‬‬

‫وأما أولئك فالبد من سؤاهلم عن التبليغ‪ ،‬فيغبطون السامل من ذلك التعب لراحته‪،‬‬
‫وال يلزم أن يكون حالة الراحة أفضل ‪ ..‬تعقبه ابن شهبة بأن املتحابني يف مقام‬
‫الوالية‪ ،‬وهي أول درجة النبي قبل النبوة‪ ،‬وال يمكن أن حيصل للويل خصلة ليست‬
‫للنبي‪ .‬قال‪ :‬واجلواب املريض عندي أهنم ال يغبطوهنم عىل منابر النور والراحة؛‬
‫بل عىل املحبة‪ ،‬فإن املحبة يف اهلل حمبة هلل‪ ،‬وهو مقام يتنافس به‪ ،‬فالغبطة عىل حمبة اهلل‬
‫(((‬
‫ال عىل مواهبه انتهى" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬فضل املحبة يف اهلل‪ ،‬وأهنا أمر عظيم ترفع صاحبها مقام ًا فخي ًام‪.‬‬
‫‪2 .2‬الغبطة أمر حممود‪ ،‬وهي عكس احلسد الذي ورد ذمه كثري ًا‪.‬‬
‫‪3 .3‬بيان مقام أهل املحبة يف اهلل بحيث يغبطهم األنبياء والشهداء‪.‬‬

‫((( ((فيض القدير))‪.119/6 :‬‬


‫(‪)631‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث الواحد بعد املائة‬

‫َق َال‪(( :‬إِ َذا َأ َح َّ‬


‫ب‬ ‫‪َ ،‬ع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫اد ْب ِن َم ْع ِدي َيك ِْر َب‬
‫َعن َأ ِب ك َِريم َة املِ ْقدَ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب ُه َأ َّن ُه ُيِ ُّب ُه)) رواه أبو داود‪ ،‬والرتمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن‬ ‫َ‬
‫الر ُج ُل أ َخا ُه ‪َ ..‬فل ُيخْ ِ ْ‬
‫َّ‬
‫صحيح‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمــــه‬
‫هو الصحايب اجلليل املِ ْقدَ ا ِم ْب ِن َم ْع ِدي ك َِر َب‪ ،‬ويقال‪ :‬يكرب بن عمر بن يزيد‪.‬‬
‫ويف ((رياض الصاحلني)) املقداد‪ ،‬واحلديث قد ورد يف أيب داود بلفظ املقدام‬
‫بامليم‪.‬‬
‫يكنى‪ :‬أبا كريمة‪ ،‬وقيل‪ :‬كنيته أبو حييى‪ ،‬وقيل‪ :‬أبو صالح‪ ،‬وقيل‪ :‬أبو برش‪.‬‬
‫من كندة‪ ،‬ويعد يف أهل الشام‪،‬‬ ‫النبي‬
‫وهو أحد الوفد الذين قدموا عىل ّ‬
‫فقد نزل محص‪.‬‬
‫ي َيى ْب ِن املِ ْقدَ ا ِم‬ ‫ِ‬
‫وقد أوصاه النبي ود ّله عىل طريق الفالح‪َ ،‬ف َع ْن َصال ِح ْب ِن َ ْ‬
‫ت َيا ُقدَ ْي ُم إِ ْن‬ ‫ول اهلل ‪َ (( :‬أ ْف َل ْح َ‬ ‫َع ْن َجدِّ ِه املِ ْقدَ ا ِم ْب ِن َم ْع ِدي ك َِر َب َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ت َو َل ْ َتك ُْن َأ ِم ًريا َو َل كَاتِ ًبا َو َل َع ِري ًفا)) أخرجه أمحد وأبو داود‪ ،‬واللفظ له‪.‬‬ ‫ُم َّ‬
‫قال يف ((فيض القدير))‪((" :‬إن مت ومل تكن أمريا)) أي‪ :‬واحلال أنك لست‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)632‬‬

‫أمري ًا عىل قوم‪ ،‬فإن خطب الوالية شديد‪ ،‬وعاقبتها يف اآلخرة وخيمة بالنسبة ملن مل‬
‫يثق بأمانة نفسه ‪،‬وخاف عدم القيام بحقها‪ ،‬أما املقسطون ‪ ..‬فعىل منابر من نور يوم‬
‫القيامة‪(( ،‬وال كاتبا)) عىل نحو جزية‪ ،‬أو صدقة‪ ،‬أو خراج‪ ،‬أو إرث‪ ،‬أو وقف ‪،‬وهو‬
‫منزل عىل نحو ما قبله‪(( ،‬وال عريفا)) أي‪ :‬قيام عىل نحو قبيلة تيل أمرهم‪ِّ ،‬‬
‫وتعرف‬
‫(((‬
‫األمري حاهلم" اهـ‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫روى عن‪ :‬خالد بن الوليد‪ ،‬ومعاذ‪ ،‬وأيب أيوب‪.‬‬
‫وروى عنه‪ :‬ابنه حييى‪ ،‬وحفيده صالح بن حييى‪ ،‬وخالد بن معدان‪ ،‬وحبيب بن‬
‫عبيد‪ ،‬وحييى بن جابر الطائي‪ ،‬والشعبي‪ ،‬ورشيح بن عبيد‪ ،‬وعبدالرمحن بن أيب عوف‬
‫اجلريش‪ ،‬جبري بن نفري‪ ،‬وأبو عامر اهلوزين‪ ،‬واحلسن وحييى ابنا جابر‪ ،‬وسليم بن‬
‫عامر اخلبائري‪ ،‬وحممد بن زياد األهلاين‪ ،‬وراشد بن سعد‪ ،‬ومجاعة من التابعني‬
‫بالشام‪.‬‬
‫املليح))‬ ‫سبعة وأربعون حديث ًا‪ ،‬كذا يف ((املستخرج‬ ‫النبي‬
‫روي له عن ِّ‬
‫البن اجلزري‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتـــــه‬
‫إىل خالفة عبد امللك‪ ،‬ويقال‪ :‬إىل خالفة ابنه الوليد‪ ،‬قاله‬ ‫عاش‬
‫ابن عيسى‪.‬‬
‫بالشام‪ ،‬وقيل‪ :‬قربه بحمص‪.‬‬ ‫وتويف‬
‫وكانت وفاته سنة سبع وثامنني وهو بن إحدى وتسعني سنة‪ ،‬قاله ابن سعد‬

‫((( ((فيض القدير))‪.308/2 :‬‬


‫(‪)633‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫يف ((الطبقات))‪.‬‬
‫وقال عثامن‪ :‬مات سنة ثالث وثامنني‪.‬‬
‫وقال عيل بن عبداهلل التميمي‪ :‬تويف سنة ثامن وثامنني‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬سنة ست وثامنني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫الر ُج ُل َأ َخا ُه))‪ ،‬أي‪ :‬يف اهلل كام تقدم الكالم عن ذلك يف‬
‫ب َّ‬‫‪(( :‬إِ َذا َأ َح َّ‬ ‫قوله‬
‫األحاديث املاضية‪.‬‬
‫ب ُه َأ َّن ُه ُيِ ُّب ُه))‪ ،‬وذلك من باب الندب املؤكد ال الوجوب‪ ،‬فيقول له‪ :‬إين‬
‫(( َفل ُيخْ ِ ْ‬
‫احبك يف اهلل‪ ،‬وجييبه اآلخر‪ :‬أحبك اهلل الذي أحببتني ألجله‪ ،‬واحلكمة من ذلك‪:‬‬
‫أنه أدعى لزيادة املحبة بينهم‪ ،‬وتأكدها‪ ،‬وقوة االرتباط‪.‬‬
‫اب‪َ :‬م ْعنَا ُه احلَ ّث َع َل الت ََّو ُّدد َوالت ََّأ ُّلف‪،‬‬ ‫قال يف ((عون املعبود))‪َ " :‬ق َال اخلَ َّط ِ ُّ‬
‫ب بِ ِه ُو ّده‪َ ،‬وفِ ِيه َأ َّن ُه إِ َذا َع ِل َم َأ َّن ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب ُه َأ َّن ُه ُي ّب ُه ا ْست ََم َل بِ َذل َك َقلبه َو ْ‬
‫اج َت َل َ‬
‫ِ‬
‫َو َذل َك َأ َّن ُه إِ َذا َأ ْخ َ َ‬
‫ب ُه بِ ِه َع ْن َن ْفسه‬ ‫ِ‬
‫يحته َو َل ْ َي ُر ّد َع َل ْيه َق ْوله ِف َع ْيب إِ ْن َأ ْخ َ َ‬
‫ِ‬
‫ب َل ُه َو َوا ّد َل ُه ‪َ ..‬قبِ َل نَص َ‬ ‫ُم ّ‬
‫ِ‬

‫َت ِمنْ ُه َوإِ َذا َل ْ َي ْع َلم َذلِ َك ِمنْ ُه َل ْ ُي ْؤ َمن َأ ْن َي ُسوء َظنّه فِ ِيه َف َل َي ْق َبل ِمنْ ُه‬ ‫َأ ْو َس ْق َطة إِ ْن كَان ْ‬
‫(((‬
‫الشنَآن" اهـ‪.‬‬ ‫ي َمل َذلِ َك ِمنْ ُه َع َل ال َعدَ َاوة َو َّ‬ ‫َق ْوله‪َ ،‬و ُ ْ‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن إخبار املحب ملن حيب بمحبته أدعى إىل زيادة األلفة بينهم‪ ،‬وقوة املحبة‪،‬‬
‫وانتفاع كل منهم باآلخر‪.‬‬

‫((( ((عون املعبود))‪.226/8 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)634‬‬

‫احلديث الثاني بعد املائة‬

‫َأ َخ َذ بِ َي ِد ِه‪َ ،‬و َق َال‪َ (( :‬يا ُم َعا ُذ‪َ ،‬واهلل إِ ِّن‬ ‫ول اهلل‬ ‫‪َ ،‬أ َّن َر ُس َ‬ ‫َعن مع ِ‬
‫اذ‬ ‫ْ َُ‬
‫ول‪ :‬ال َّل ُه َّم َأ ِعنِّي َع َل‬
‫يك َيا ُم َعا ُذ َل تَدَ َع َّن ِف ُد ُب ِر ك ُِّل َص َل ٍة َت ُق ُ‬ ‫وص َ‬‫ك‪ُ ،‬ثم ُأ ِ‬ ‫ِ‬
‫َلُح ُّب َ َّ‬
‫ك)) حديث صحيح رواه أبو داود‪ ،‬والنسائي‬ ‫ِذك ِْر َك‪َ ،‬و ُشك ِْر َك‪َ ،‬و ُح ْس ِن ِع َبا َدتِ َ‬
‫بإسناد صحيح‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته قريب ًا يف احلديث‬ ‫هو الصحايب اجلليل معاذ بن جبل‬
‫املائة‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪َ (( :‬يا ُم َعا ُذ َواهلل إِ ِّن َلُ ِح ُّب َ‬
‫ك))‪ ،‬الواو للقسم أتى به لتأكيد املطلوب‬ ‫قوله‬
‫ألجله القسم‪.‬‬
‫يك َيا ُم َعا ُذ))‪ ،‬فيه إشارة إىل أن املحب يف اهلل يكون حريص ًا عىل نجاة‬ ‫(( ُثم ُأ ِ‬
‫وص َ‬ ‫َّ‬
‫من حيب‪ ،‬وعىل زيادة رفعته عند اهلل‪ ،‬وقال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬وهذا احلديث‬
‫أوىف شاهد عىل فضل معاذ‪ ،‬وكامل استقامته‪ ،‬واهتاممه بأمور ديانته حيث حصل له‬
‫هذا املقام األسنى من املصطفى‪ ،‬وذكره توطئة وبعث ًا له عىل امتثال أمره بعده‪ .‬قال‬
‫ٍ‬
‫بعضهم‪ :‬ملا صحت حمب ُةمعاذ ّ‬
‫النبي جازاه بأعال منها كام هو عادة الكرام‪ ،‬وال أكرم‬
‫(‪)635‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫منه ولذا أكده بأن والالم" اهـ‪ (((،‬فقال‪:‬‬
‫(( َل تَدَ َع َّن))‪ ،‬أي‪ :‬ال ترتك َّن (( ِف ُد ُب ِر))‪ ،‬أي‪ :‬عقب‪(( ،‬ك ُِّل َص َل ٍة)) مكتوبة‪،‬‬
‫ول‪ :‬ال َّل ُه َّم َأ ِعنِّي َع َل ِذك ِْر َك)) الشامل للقرآن‪ ،‬وسائر األذكار‪ ،‬وطاعة اللسان‪.‬‬ ‫(( َت ُق ُ‬

‫(( َو ُشك ِْر َك))‪ ،‬أي‪ :‬شكر نعمتك الظاهرة والباطنة‪ ،‬الدينية والدنيوية التي‬
‫ال يمكن إحصاؤها‪ ،‬والشكر هو رصف العبد مجيع ما أنعم اهلل به عليه فيام ُخلق‬
‫ألجله‪.‬‬
‫(( َو ُح ْس ِن ِع َبا َدتِ َ‬
‫ك))‪ ،‬إي‪ :‬اتقان العبادة عىل الوجه املريض عندك؛ وذلك‬
‫بالقيام برشائطها‪ ،‬وأركاهنا‪ ،‬وسننها من خضوع‪ ،‬وخشوع‪ ،‬وإخالص‪ ،‬واستغراق‪،‬‬
‫وتوجه تام‪ ،‬حتى تكون مقبولة لديك‪.‬‬
‫قال الطيبي‪ :‬ذكر اهلل مقدمة انرشاح الصدر‪ ،‬وشكره وسيلة النعم املستجابة‪،‬‬
‫(((‬
‫وحسن الشهادة املطلوب منه‪ :‬التجرد عام يشغله عن اهلل تعاىل‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪ ،‬إذ قابل حمبة معاذ له بمحبته ووصيته‪.‬‬ ‫‪1 .1‬كرم النبي‬
‫‪2 .2‬أن املحب حيرص عىل إفادة من حيب‪ ،‬كام حيرص كذلك عىل سالمته يف‬
‫الدارين‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن املؤمن ال يستغني عن طلب اإلعانة من اهلل يف مجيع أموره الدينية والدنيوية‪.‬‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.235/2 :‬‬


‫((( ((عون املعبود))‪.92/3 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)636‬‬

‫احلديث الثالث بعد املائة‬

‫‪(( :‬إِ َّن اهللَ َت َع َال َق َال‪َ :‬م ْن َعا َدى‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهلل‬
‫ِل َولِ ًّيا ‪َ ..‬ف َقدْ آ َذ ْن ُت ُه بِ َ‬
‫احل ْر ِ‬
‫ب)) رواه البخاري‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته قريب ًا يف احلديث‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو هريرة‬
‫األول‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪(( :‬إِ َّن اهللَ َت َع َال َق َال‪ ،)):‬وهذا من األحاديث القدسية‪ ،‬واحلديث‬ ‫قوله‬
‫عن ربه باملعنى من غري واسطة‪ ،‬فهو غري القرآن‬ ‫القديس هو ما يرويه النبي‬
‫الذي هو كالم اهلل الذي أنزله جربيل‪ .‬قال الشيخ حممد منري بن عبده أغا النقيل‬
‫الدمشقي األزهري (املتوىف‪1367 :‬هـ)‪ ،‬يف كتابه ((رشح اإلحتافات السنية‬
‫رب اهلل تعاىل به نبيه بإهلام‪ ،‬أو‬
‫باألحاديث القدسية))‪" :‬احلديث القديس‪ :‬هو ما أخ َ‬
‫مقام‪ ،‬فأخرب الرسول عليه الصالة والسالم عن ذلك املعنى بعبارة من نفسه‪.‬‬
‫لف ًظا ومعنى‪ ،‬فيقال‪ :‬حديث‬ ‫واحلديث النبوي‪ :‬ما يضاف إىل النبي‬
‫نبوي‪ ،‬وال يقال له‪ :‬حديث قديس‪.‬‬
‫لإلعجاز بسورة منه‪ ،‬املتعبد بتالوته‪.‬‬ ‫والقرآن ‪ :‬هو اللفظ املنزل عىل حممد‬
‫ممر الدهور حمفوظة‬
‫وفرق الفقهاء بينها‪ :‬بأن القرآن معجز‪ ،‬وكونه معجزة باقية عىل ِّ‬
‫َّ‬
‫(‪)637‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(((‬
‫من التغيري والتبديل" اهـ‪.‬‬
‫قال يف ((عمدة القاري))‪" :‬وقال الكرماين هنا‪ :‬فإن قلت‪ :‬فهذا قول اهلل‬
‫قلت‪ :‬القرآن لفظه معجز‪ ،‬ومنزل بواسطة‬
‫وكالمه‪ ،‬فام الفرق بينه وبني القرآن؟ ُ‬
‫‪ ،‬وهذا غري معجز‪ ،‬وبدون الواسطة‪ ،‬ومثله يسمى باحلديث القديس‪،‬‬ ‫جربيل‬
‫واإلهلي‪ ،‬والرباين‪ ،‬فإن قلت األحاديث كلها كذلك‪ ،‬وكيف وهو ما ينطق عن اهلوى‪،‬‬
‫قلت‪ :‬الفرق بأن القديس مضاف إىل اهلل‪ ،‬ومروي عنه بخالف غريه‪ ،‬وقد يفرق‬
‫ُ‬
‫بأن القديس ما يتعلق بتنزيه ذات اهلل تعاىل‪ ،‬وبصفاته اجلاللية‪ ،‬واجلاملية‪ ،‬منسوب ًا‬
‫إىل احلرضة تعاىل وتقدس‪ .‬وقال الطيبي‪ :‬القرآن هو اللفظ املنزل به جربيل‬
‫عىل رسول اهلل لإلعجاز‪ ،‬والقديس إخبار اهلل رسوله معناه باإلهلام أو باملنام‪ ،‬فأخرب‬
‫(((‬
‫النبي أمته بعبارة نفسه‪ ،‬وسائر األحاديث مل يضفه إىل اهلل‪ ،‬ومل يروه عنه" اهـ‪.‬‬
‫(( َم ْن َعا َدى))من املعاداة‪ :‬ضد املواالة‪.‬‬
‫(( ِل َولِ ًّيا))‪ ،‬واملراد بويل اهلل العامل باهلل املواظب عىل طاعته املخلص يف عبادته‪،‬‬
‫قاله احلافظ ابن حجر‪،‬وقال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬وهو من َّ‬
‫تول اهلل بالطاعة‬
‫والدنو‪ ،‬فالو ّيل هو‬
‫ّ‬ ‫والتقوى‪ ،‬فتواله اهلل باحلفظ والنرصة‪ ،‬من الويل‪ :‬وهو القرب‬
‫لتقربه إليه باتباع أوامره واجتناب نواهيه‪ ،‬واإلكثار من نوافل‬
‫القريب من اهلل تعاىل ّ‬
‫العبادات مع كونه ال يفرت عن ذكره‪ ،‬وال يرى غريه بقلبه الستغراقه يف نور معرفته‪،‬‬
‫يتحرك إال‬
‫فال يرى إال دالئل قدرته وال يسمع إال آياته وال ينطق إال بالثناء عليه وال ّ‬
‫(((‬
‫يف طاعته‪ ،‬وهذا هو املتقي قال اهلل تعاىل‪ :‬ﱹ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﱸ [األنفال‪ "]34 :‬اهـ‪.‬‬

‫((( ((رشح اإلحتافات السنية باألحاديث القدسية))؛ طبعة‪ :‬دار ابن كثري‪.)6( :‬‬
‫((( ((عمدة القاري))‪.11/9 :‬‬
‫((( ((دليل الفاحلني))‪.256/1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)638‬‬

‫وقال القسطالين‪" :‬وهو الذي يتوىل عبادة اهلل وطاعته‪ ،‬فعباداته جتري عىل‬
‫التوايل من غري أن يتخللها عصيان‪ ،‬وكال الوصفني واجب حتى يكون الويل ول ًّيا‬
‫بحسب قيامه بحقوق اهلل عىل االستقصاء واالستبقاء ودوام حفظ اهلل إياه يف‬
‫الرساء والرضاء‪ ،‬ومن رشط الويل أن يكون حمفو ًظا كام أن من رشط النبي أن يكون‬
‫معصو ًما فكل من كان للرشع عليه اعرتاض فهو مغرور خمادع‪.‬‬
‫قال القشريي‪ :‬واملراد بكون الويل حمفو ًظا أن حيفظه اهلل تعاىل من متاديه يف‬
‫الزلل واخلطأ إن وقع فيهام بأن يلهمه التوبة فيتوب منهام‪ ،‬وإالّ ‪ ..‬فهام ال يقدحان‬
‫(((‬
‫يف واليته" اهـ‪.‬‬
‫وقد يشكل عىل البعض وجود أحد يعادي الويل؛ ألن املعاداة إنام تقع من‬
‫اجلانبني ومن شأن الويل احللم والصفح عمن جيهل عليه!‬
‫فاجلواب ما قاله احلافظ ابن حجر‪" :‬بأن املعاداة مل تنحرص يف اخلصومة‬
‫واملعاملة الدنيوية مثالً؛ بل قد تقع عن بغض ينشأ عن التعصب‪ ،‬كالرافيض يف‬
‫بغضه أليب بكر‪ ،‬واملبتدع يف بغضه للسني‪ ،‬فتقع املعاداة من اجلانبني‪ ،‬أما من جانب‬
‫الويل ‪ ..‬فلله تعاىل‪ ،‬ويف اهلل‪ ،‬وأما من جانب اآلخر ‪ ..‬فلام تقدم‪ ،‬وكذا الفاسق‬
‫املتجاهر ببغضه الويل يف اهلل‪ ،‬وببغضه اآلخر إلنكاره عليه‪ ،‬ومالزمته لنهيه عن‬
‫شهواته‪ ،‬وقد تطلق املعاداة ويراد هبا الوقوع من أحد اجلانبني بالفعل‪ ،‬ومن االخر‬
‫بالقوة‪ ،‬قال الكرماين‪ :‬قوله‪(( :‬يل)) هو يف األصل صفة لقوله ((وليا))؛ لكنه ملا تقدم‬
‫‪ ..‬صار حاالً وقال بن هبرية يف ((اإلفصاح)) قوله‪(( :‬عادى يل وليا))‪ ،‬أي‪ :‬اختذه‬
‫عدو ًا‪ ،‬وال أرى املعنى اال أنه عاداه من أجل واليته‪ ،‬وهو وأن تضمن التحذير من‬
‫ايذاء قلوب أولياء اهلل ليس عىل اإلطالق؛ بل يستثنى منه ما إذا كانت احلال تقتيض‬
‫((( ((إرشاد الساري))‪.609/10 :‬‬
‫(‪)639‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫نزاع ًا بني وليني يف خماصمة‪ ،‬أو حماكمة ترجع إىل استخراج حق‪ ،‬أو كشف غامض‪،‬‬
‫فإنه جرى بني أيب بكر وعمر مشاجرة‪ ،‬وبني العباس وعيل إىل غري ذلك من الوقائع‪.‬‬
‫انتهى ملخصا موضحا‪ ،‬وتعقبه الفاكهاين بأن معاداة الويل لكونه ولي ًا ال يفهم إال‬
‫إن كان عىل طريق احلسد الذي هو متنى زوال واليته‪ ،‬وهو بعيد جد ًا يف حق الويل‪،‬‬
‫(((‬
‫قلت‪ :‬والذي قدمته أوىل أن يعتمد" اهـ‪.‬‬
‫فتأمله‪ُ ،‬‬
‫(( َف َقدْ آ َذ ْن ُت ُه))‪ ،‬أي‪ :‬أعلمته‪ ،‬وااليذان االعالم ومنه أخذ األذان‪.‬‬
‫((بِ َ‬
‫احل ْر ِ‬
‫ب))‪ ،‬أي‪ :‬بأين حمارب له‪ ،‬فأعامله معاملة املحارب من التجيل عليه‬
‫بمظاهر اجلالل والعدل واالنتقام؛ ألنه قد استحل حماربتي‪ ،‬ومنه حياربه اهلل تعاىل‬
‫وأي راحة سيحصل عليها‪ ،‬وقد يشكل عىل البعض وقوع‬ ‫فأي نعيم سيناله‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫املحاربة‪ ،‬وهي مفاعلة من اجلانبني مع أن املخلوق يف أرس اخلالق‪ ،‬فكيف حياربه؟‬
‫فاجلواب ما قاله احلافظ ابن حجر أيض ًا‪" :‬أنه من املخاطبة بام يفهم‪ ،‬فإن‬
‫احلرب تنشأ عن العداوة‪ ،‬والعداوة تنشأ عن املخالفة‪ ،‬وغاية احلرب اهلالك‪ ،‬واهلل‬
‫َّ‬
‫فكأن املعنى‪ :‬فقد تعرض إلهالكي إياه‪ ،‬فأطلق احلرب وأراد‬ ‫ال يغلبه غالب‪،‬‬
‫(((‬
‫الزمه‪ ،‬أي‪:‬أعمل به ما يعمله العدو املحارب" اهـ‪.‬‬
‫قال الفاكهاين‪" :‬يف هذا هتديد شديد؛ ألن من حاربه اهلل أهلكه وهو من املجاز‬
‫البليغ ألن من كره من أحب اهلل ‪ ..‬خالف اهلل‪ ،‬ومن خالف اهلل ‪ ..‬عانده‪ ،‬ومن‬
‫عانده ‪ ..‬أهلكه‪ ،‬وإذا ثبت هذا يف جانب املعاداة ‪ ..‬ثبت يف جانب املواالة‪ ،‬فمن واىل‬
‫(((‬
‫أولياء اهلل ‪ ..‬أكرمه اهلل"‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫((( ((فتح الباري))‪.385/11 :‬‬


‫((( املرجع السابق‪.386/11 :‬‬
‫((( املرجع السابق‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)640‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن اهلل سبحانه وتعاىل قدّ م اإلعذار عىل اإلنذار إىل كل من عادى وليا أنه قد‬
‫آذنه بأنه حماربه بنفس املعاداة‪.‬‬
‫‪2 .2‬ال يدخل يف ذلك ما تقتضيه األحوال يف بعض املرات من النزاع بني وليني هلل‬
‫تعاىل يف حماكمة‪ ،‬أو خصومة راجعة الستخراج حق غامض‪ ،‬فإن هذا قد وقع‬
‫‪.‬‬ ‫‪ ،‬وبني أصحاب رسول اهلل‬ ‫بني كثري من أولياء اهلل‬
‫‪3 .3‬كام أن من عادى ولي ًا ‪ ..‬حاربه اهلل‪ ،‬فإن من واىل ولي ًا ‪ ..‬أكرمه اهلل‪.‬‬
‫(‪)641‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث الرابع بعد املائة‬

‫‪ُ (( :‬ي ْؤتَى بِ َج َهن ََّم َي ْو َمئِ ٍذ َلا‬


‫ول اهلل‬‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َعن اب ِن مسع ٍ‬
‫ود‬ ‫ْ ْ َ ْ ُ‬
‫ون َأ َ ٍ‬ ‫لف ِز َمامٍ‪َ ،‬م َع ك ُِّل ِز َما ٍم َس ْب ُع َ‬
‫ون َأ َ‬
‫ونَا)) رواه مسلم‪.‬‬ ‫لف َم َلك َ ُ‬
‫ي ُّر َ‬ ‫َس ْب ُع َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته قريب ًا يف‬ ‫هو الصحايب اجلليل عبداهلل بن مسعود‬
‫احلديث التاسع‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪ُ (( :‬ي ْؤتَى بِ َج َهن ََّم َي ْو َمئِ ٍذ))‪ ،‬أي‪ :‬يوم القيامة‪ ،‬وقد اختلف أهل العربية‬ ‫قوله‬
‫هل جهنم اسم عريب أم عجمي؟ فقيل عريب مشتق من اجلهومة وهي كراهة املنظر‪،‬‬
‫وقيل من قوهلم بئر جهنام‪ :‬أي عميقة‪ ،‬فعل هذا مل ترصف للعلمية والتأنيث‪ ،‬وقال‬
‫(((‬
‫معربة‪ ،‬وامتنع رصفها للعلمية والعجمة‪.‬‬
‫األكثرون‪ :‬هي عجمية ّ‬
‫لف ِز َما ٍم))‪ ،‬أي‪ :‬جلهنم سبعون ألف زمام‪ ،‬وهي مجلة حالية‪،‬‬
‫ون َأ َ‬
‫(( َلا َس ْب ُع َ‬
‫والزمام‪ :‬لغة ما جيعل يف أنف البعري يشد عليه املقود‪ ،‬وقال يف ((املجمع))‪ :‬الزمام‬
‫(((‬
‫ما جيعل يف أنف البعري دقيق ًا‪ ،‬وقيل‪ :‬ما يشد به رؤوسها من حبل وسري اهـ‪،‬‬
‫فيحتمل أن يكون ذلك عىل حقيقته‪ ،‬وأن تكون متثي ً‬
‫ال لعظمها وفرط كربها بحيث‬

‫((( ((رشح صحيح مسلم)) للنووي‪.81/6 :‬‬


‫((( ((حتفة األحوذي))‪.560/5 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)642‬‬

‫أهنا حتتاج يف اإلتيان هبا إىل هذه األزمة‪.‬‬


‫ون َأ َ ٍ‬ ‫(( َم َع ك ُِّل ِز َما ٍم َس ْب ُع َ‬
‫ونَا))‪ ،‬أي‪ :‬يسحبوهنا‪ .‬قال يف ((اللمعات))‪:‬‬ ‫لف َم َلك َ ُ‬
‫ي ُّر َ‬
‫(((‬
‫لعل جهنم يؤتى هبا يف املوقف لرياها الناس ترهيب ًا هلم‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬شدة أهوال يوم القيامة‪.‬‬
‫‪2 .2‬عظمة النار وكرب حجمها‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن النار يؤتى هبا يف املوقف لرياها الناس ترهيب ًا هلم‪.‬‬

‫((( ((حتفة االحوذي))‪.560/5 :‬‬


‫(‪)643‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث اخلامس بعد املائة‬

‫ول‪(( :‬إِ َّن َأ ْه َو َن‬ ‫َي ُق ُ‬ ‫ول اهلل‬ ‫َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬ ‫َع ْن النُّ ْع َم َن ْب ِن َب ِش ٍري‬
‫َان َيغ ِْل ِمن ُْه َم ِد َما ُغ ُه‪،‬‬
‫ج َرت ِ‬ ‫ِ‬ ‫الق َي َام ِة َل َر ُج ٌل ُي َ‬
‫وض ُع ِ ْف َأ ْخ ِ‬
‫َص َقدَ َم ْيه َ ْ‬
‫َّار ع َذابا يوم ِ‬
‫َأ ْه ِل الن ِ َ ً َ ْ َ‬
‫َما َي َرى َأ َّن َأ َحدً ا َأ َشدُّ ِم ْن ُه َع َذا ًبا‪َ ،‬وإِ َّن ُه َلَ ْه َو ُنُ ْم َع َذا ًبا)) متفق عليه‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته قريب ًا يف‬ ‫هو الصحايب اجلليل النعامن بن بشري‬
‫احلديث الثاين والثالثني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫الق َي َام ِة))‪ ،‬أي‪ :‬أقل أهل النار عذاب ًا‬
‫َّار ع َذابا يوم ِ‬
‫‪(( :‬إِ َّن َأ ْه َو َن َأ ْه ِل الن ِ َ ً َ ْ َ‬ ‫قوله‬
‫يوم القيامة‪ ،‬واملراد هبم هنا الكفار؛ ألهنم هم أهل النار املالزمون هلا اخلالدون‬
‫فيها‪ ،‬أما عصاة املؤمنني من األمة املحمدية الذين سبق يف العلم األزيل تعذيبهم ‪..‬‬
‫فليسوا أهلها؛ خلروجهم منها إىل اجلنة بعد انقضاء مدة عذاهبم‪.‬‬
‫َص َقدَ َم ْي ِه))‪ ،‬واألمخص املتجايف من ِ‬
‫الرجل عن األرض‪،‬‬ ‫وض ُع ِ ْف َأ ْخ ِ‬
‫(( َل َر ُج ٌل ُي َ‬
‫فامال يصل إىل األرض من باطن القدم عند امليش يسمى أمخص‪.‬‬
‫ج َرت ِ‬
‫َان)) تثنية مجرة‪ ،‬واجلمرة‪ :‬هي قطعة من النار ملتهبة‪ ،‬فإن مل تكن ملتهبة‬ ‫(( َ ْ‬
‫سميت فح ًام‪ ،‬ويف لفظ عند البخاري ((مجرة))‪ ،‬قال ابن التني‪ :‬حيتمل أن يكون‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)644‬‬
‫(((‬
‫االقتصار عىل اجلمرة للداللة عىل األخرى لعلم السامع بأن لكل أحد قدمني‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫(( َيغ ِْل ِمن ُْه َم ِد َما ُغ ُه)) من شدة حرارهتا‪ ،‬والغليان معروف‪ ،‬وهو شدة‬
‫اضطراب املاء ونحوها عىل النار لشدة إيقادها‪ ،‬يقال‪ :‬غلت القدر تغىل غليان ًا‪ ،‬قاله‬
‫(((‬
‫اإلمام النووي‪.‬‬
‫(( َما َي َرى َأ َّن َأ َحدً ا َأ َشدُّ ِمنْ ُه َع َذا ًبا))‪ ،‬أي‪ :‬ما يعتقد أن أحد ًا أشد منه عذاب ًا؛‬
‫لقوة ما يلقاه منه‪.‬‬
‫ّ‬
‫(( َوإِ َّن ُه َلَ ْه َو ُنُ ْم َع َذا ًبا))‪ ،‬أي أقلهم عذاب ًا‪ ،‬وهو ال يدري‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬شدة أهوال يوم القيامة‪.‬‬
‫‪2 .2‬شدة عذاب جهنم‪ ،‬وأن القليل منها يعد شديد ًا‪.‬‬
‫‪3 .3‬املؤمن يكون حريص ًا عىل االبتعاد عن النار وأسباهبا بطاعة ربه‪.‬‬

‫((( ((فتح الباري))‪.486/11 :‬‬


‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.61/3 :‬‬
‫(‪)645‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث السادس بعد املائة‬

‫َق َال‪ِ (( :‬من ُْه ْم َم ْن ت َْأ ُخ ُذ ُه الن َُّار إِ َل‬ ‫َأ َّن نَبِ َّي اهلل‬ ‫َع ْن َس ُم َر َة ْب ِن ُجنْدُ ٍ‬
‫ب‬
‫َك ْع َب ْي ِه‪َ ،‬و ِمن ُْه ْم َم ْن ت َْأ ُخ ُذ ُه إِ َل ُر ْك َب َت ْي ِه‪َ ،‬و ِمن ُْه ْم َم ْن ت َْأ ُخ ُذ ُه إِ َل ُح ْجزَتِ ِه‪َ ،‬و ِمن ُْه ْم َم ْن ت َْأ ُخ ُذ ُه‬
‫إِ َل ت َْر ُق َوتِ ِه)) رواه مسلم‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمــــه‬
‫ب ْب ِن ِه َل ٍل بن ُح َر ْيب مهملة مفتوحة‬
‫هو الصحايب اجلليل َس ُم َر ُة ْب ُن ُجنْدُ ِ‬
‫فراء مكسورة فتحتية ساكنة فجيم ابن مرة بن حزن بن عمر جابر بن خشني بخاء‬
‫ألي بن عصم بن شمخ بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث‬
‫وشني معجمتني ابن ّ‬
‫ابن غطفان الفزاري‪.‬‬
‫يكنى‪ :‬أبا عبدالرمحن‪ ،‬وقيل‪ :‬أبو عبداهلل‪ ،‬وقيل أبو سليامن‪ ،‬وقيل‪ :‬يكنى‬
‫أبا سعيد‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫فضائلــــه‬
‫من علامء الصحابة‪ ،‬سكن البرصة‪ ،‬وكان زياد يستخلفه عليها ستة‬ ‫كان‬
‫أشهر وعىل الكوفة ستة أشهر‪ ،‬فلام مات زياد ‪ ..‬استخلفه عىل البرصة‪ ،‬فأقره معاوية‬
‫عليها عام ًا أو نحوه‪ ،‬ثم عزله‬
‫وكان ابن سريين واحلسن وفضالء أهل البرصة يثنون عليه وجييبون عنه‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)646‬‬

‫وقال ابن سريين‪ :‬يف رسالة سمرة إىل بنيه علم كثري‪.‬‬
‫وقال احلسن‪ :‬تذاكر سمرة وعمران بن حصني فذكر سمرة أنه حفظ عن‬
‫سكتتني‪ :‬سكتة إذا كرب‪ ،‬وسكتة إذا فرغ من قراءة وال الضالني‪،‬‬ ‫رسول اهلل‬
‫فأنكر ذلك عليه عمران بن حصني فكتبوا يف ذلك إىل املدينة إىل أيب بن كعب فكان‬
‫(((‬
‫يف جواب أيب بن كعب‪ :‬أن سمرة قد صدق وحفظ‪.‬‬
‫يقص قصة قدوم أمه إىل املدينة‪،‬فقال‪ :‬أيمت‬ ‫وعن سمرة بن جندب‬
‫أمي ‪ -‬أي تويف زوجها وهو أبوه ‪ -‬و قدمت املدينة‪ ،‬فخطبها الناس‪ ،‬فقالت‪ :‬ال‬
‫أتزوج إال برجل يكفل يل هذا اليتيم‪ ،‬فتزوجها رجل من األنصار‪ ،‬قال‪ :‬فكان‬
‫يعرض غلامن األنصار يف كل عام‪ ،‬فيلحق من أدرك منهم ‪ -‬أي‪:‬‬ ‫رسول اهلل‬
‫يلحقه باملقاتلني ‪ -‬قال‪ :‬فعرضت عاما‪ ،‬فأحلق غالما وردين‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول اهلل‬
‫لقد أحلقته ورددتني‪ ،‬ولو صارعته لرصعته‪ ،‬قال‪ :‬فصارعه‪ ،‬فصارعته فرصعته‬
‫فأحلقني‪ .‬أخرجه احلاكم‪.‬‬
‫‪ ،‬ف َع ْن َع ْب ِداهلل ْب ِن‬ ‫من احلفاظ املكثرين عن رسول اهلل‬ ‫وكان سمرة‬
‫ُغ َل ًما‪َ ،‬ف ُكن ُْت‬ ‫ول اهلل‬‫ب‪َ :‬ل َقدْ ُكن ُْت َع َل َع ْه ِد رس ِ‬ ‫ُب َر ْيدَ َة َق َال‪َ :‬ق َال َس ُم َر ُة ْب ُن ُجنْدُ ٍ‬
‫َ ُ‬
‫َأ ْح َف ُظ َعنْ ُه‪َ ،‬ف َم َي ْمنَ ُعنِي ِم ْن ال َق ْو ِل إِ َّل َأ َّن َها ُهنَا ِر َج ًال ُه ْم َأ َس ُّن ِمنِّي‪َ ،‬و َقدْ َص َّل ْي ُت‬
‫ِف‬ ‫ول اهلل‬ ‫َت ِف نِ َف ِ‬
‫اس َها‪َ ،‬ف َقا َم َع َل ْي َها َر ُس ُ‬ ‫َع َل ا ْم َر َأ ٍة َمات ْ‬ ‫ول اهلل‬ ‫َوراء رس ِ‬
‫َ َ َ ُ‬
‫الص َل ِة َو َس َط َها‪ .‬أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫َّ‬
‫‪:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫وروى عنه‪ :‬الصحايب اجلليل عمران بن حصني‪ ،‬ابنه سليامن‪ ،‬واحلسن‬

‫((( ((االستيعاب))‪.197/1 :‬‬


‫(‪)647‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫البرصي‪ ،‬وابن سريين‪ ،‬وأبو رجاء العطاردي‪ ،‬والشعبي‪ ،‬وعيل بن ربيعة وقدامة‬
‫ابن وبرة‪ ،‬وابن أيب ليىل ومطرف بن الشخري وأبو قالبة اجلرمي‪ ،‬وعبداهلل بن بريدة‪،‬‬
‫وأبو نرضة العبدي‪ ،‬وآخرون‪.‬‬
‫مائة حديث‪ ،‬اتفق البخاري ومسلم منها عىل‬ ‫وروي له عن النبي‬
‫حديثني‪ ،‬وانفرد البخاري بحديثني‪ ،‬ومسلم بأربعة‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫أخرج ابن سعد يف ((الطبقات))‪ ،‬قال‪ :‬أخربنا وهب بن جرير بن حازم أراه‬
‫عن أبيه قال‪ :‬سمعت أبا يزيد املديني قال‪ :‬ملا مرض سمرة بن جندب مرضه الذي‬
‫مات فيه أصابه برد شديد فأوقدت له نار فجعل كانونا بني يديه وكانونا خلفه‬
‫وكانونا عن يمينه وكانونا عن يساره‪ .‬قال فجعل ال ينتفع بذلك ويقول‪ :‬كيف‬
‫أصنع بام يف جويف؟ فلم يزل كذلك حتى مات‪.‬‬
‫وذكروا سبب موته‪ ،‬فقال احلافظ ابن عبدالرب يف ((االستيعاب))‪" :‬سقط‬
‫يف قدر مملوءة ماء حار ًا كان يتعالج بالقعود عليها من كزاز شديد أصابه‪ ،‬فسقط‬
‫له وأليب هريرة‬ ‫يف القدر احلارة فامت‪ ،‬فكان ذلك تصديق ًا لقول رسول اهلل‬
‫(((‬
‫ولثالث معهام‪(( :‬آخركم موت ًا يف النار))" اهـ‪.‬‬
‫وأخرج بن سعد يف ((الطبقات))‪ ،‬قال هالل بن العالء‪ :‬حدثنا عبداهلل بن‬
‫معاوية‪ ،‬عن رجل‪ ،‬أن سمرة استجمر‪ ،‬فغفل عن نفسه‪ ،‬حتى احرتق‪.‬‬
‫‪ ،‬يعني نار الدنيا‪.‬‬ ‫فهذا إن صح‪ ،‬فهو مراد النبي‬
‫بالبرصة يف زمن معاوية سنة تسع ومخسني‪.‬‬ ‫تويف‬

‫((( ((االستيعاب))‪.197/1 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)648‬‬

‫وقيل‪ :‬سنة ثامن ومخسني‪.‬‬


‫ويقال‪ :‬سنة ستني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪ِ (( :‬من ُْه ْم))‪ ،‬أي‪ :‬من أهل النار‪ ،‬ومرجع الضمري دل عليه حال‬ ‫قوله‬
‫إن))‪.‬‬
‫التكلم أو سياق الكالم‪ ،‬ويف رواية ملسلم بزيادة (( َّ‬
‫(( َم ْن ت َْأ ُخ ُذ ُه الن َُّار إِ َل َك ْع َب ْي ِه))‪ ،‬أي‪ :‬تغمره إىل كعبيه‪ ،‬والكعب هو العظم الناتئ‬
‫عند مفصل الساق من القدم‪ ،‬أي‪ :‬بني الساق والقدم‪.‬‬
‫(( َو ِمن ُْه ْم َم ْن ت َْأ ُخ ُذ ُه إِ َل ُر ْك َب َت ْي ِه))‪ ،‬وهو جممع عظم الساق والفخذ‪.‬‬
‫(( َو ِمن ُْه ْم َم ْن ت َْأ ُخ ُذ ُه إِ َل ُح ْجزَتِ ِه))‪ ،‬وهي َم ْع ِقد اإلزار والرساويل‪ ،‬كام يف‬
‫(((‬
‫((رشح مسلم))‪.‬‬
‫(( َو ِمن ُْه ْم َم ْن ت َْأ ُخ ُذ ُه إِ َل ت َْر ُق َوتِ ِه))‪ ،‬ومجعها تراقي‪ .‬قال اإلمام النووي‪ِ " :‬ه َي‬
‫بِ َفت ِْح التَّاء َو َض ّم ال َقاف‪َ ،‬و ِه َي‪ :‬ال َع ْظم ا َّل ِذي َب ْي َث ْغ َرة الن َّْحر َوال َعاتِق‪َ ،‬و ِف ِر َوا َية‪:‬‬
‫اذي َذلِ َك ا َمل ْو ِضع‬
‫اإل َزار‪ ،‬وا ُملراد هنَا ما ُي ِ‬ ‫ها َم ْع ِقد ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ُ َ َ‬ ‫(( َح ْق َو ْيه)) بِ َفت ِْح ا َ‬
‫حلاء َوك َْس َها‪َ ،‬و ُ َ‬
‫(((‬
‫ِم ْن َجنْ َب ْي ِه" اهـ‪.‬‬
‫ولإلنسان ترقوتان يف جانبي النحر‪ .‬قال يف ((املصباح))‪ :‬قال بعضهم‪:‬‬
‫(((‬
‫وال تكون الرتقوة ليشء من احليوان إال لإلنسان خاصة‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫((( ((رشح مسلم)) للنووي‪.35/15 :‬‬


‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.119/17 :‬‬
‫((( ((دليل الفاحلني))‪.263/2 :‬‬
‫(‪)649‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬
‫‪1 .1‬تفاوت أهل النار يف العذاب‪ ،‬فليس كلهم سواء يف العذاب؛ بل ٍ‬
‫كل عىل‬
‫حسب عمله وجرمه‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)650‬‬

‫احلديث السابع بعد املائة‬

‫الق َي َام ِة َحتَّى‬


‫َق َال‪(( :‬يعر ُق النَّاس يوم ِ‬
‫ُ ََْ‬ ‫َ َْ‬ ‫ول اهلل‬‫َأ َّن َر ُس َ‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ني ِذ َرا ًعا‪َ ،‬و ُي ِ‬
‫لج ُم ُه ْم َحتَّى َي ْب ُلغَ آ َذ َانُ ْم)) متفق عليه‪.‬‬ ‫ي ْذهب عر ُقهم ِف األَر ِ ِ‬
‫ض َس ْبع َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ ََ ُ ْ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته قريب ًا يف احلديث‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو هريرة‬
‫األول‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫ِ ِ‬
‫ودنو الشمس‬ ‫‪َ (( :‬ي ْع َر ُق الن ُ‬
‫َّاس َي ْو َم الق َي َامة))‪ ،‬بسبب تراكم األهوال ّ‬ ‫قوله‬
‫من رؤوسهم واالزدحام‪ ،‬ويدل عىل ذلك ما أخرجه اإلمام أمحد من حديث املقداد‬
‫العب ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الق َي َام ِة ‪ُ ..‬أ ْدنِ َي ْ‬
‫َان يوم ِ‬
‫اد‪َ ،‬حتَّى‬ ‫الش ْم ُس م ْن َ‬ ‫ت َّ‬ ‫قال‪(( :‬إِ َذا ك َ َ ْ ُ‬ ‫أن رسول اهلل‬
‫ُون ِف ال َع َر ِق َك َقدْ ِر‬ ‫الش ْم ُس‪َ ،‬ف َيكُون َ‬ ‫ي‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فت َْص َه ُر ُه ْم َّ‬ ‫يل‪َ ،‬أ ْو ِمي َل ْ ِ‬ ‫ُون ِقيدَ ِم ٍ‬ ‫َتك َ‬
‫َأ ْع َم ِل ْم‪ِ ،‬من ُْه ْم َم ْن َي ْأ ُخ ُذ ُه إِ َل َع ِق َب ْي ِه‪َ ،‬و ِمن ُْه ْم َم ْن َي ْأ ُخ ُذ ُه إِ َل ُر ْك َبتِ ِه‪َ ،‬و ِمن ُْه ْم َم ْن َي ْأ ُخ ُذ ُه‬
‫إِ َل َح ْق َو ْي ِه‪َ ،‬و ِمن ُْه ْم َم ْن ُي ِ‬
‫لج ُم ُه إِ َجل ًاما))‪.‬‬
‫سائحا (( ِف)) وجه ((األَ ْر ِ‬
‫ض))‪ ،‬ثم يغوص فيها‬ ‫ً‬ ‫(( َحتَّى َي ْذ َه َ‬
‫ب َع َر ُق ُه ْم)) جيري‬
‫ني ِذ َرا ًعا))‪ ،‬أي بالذراع املتعارف‪ ،‬أو الذراع امللكي‪ ،‬ولإلسامعييل من طريق‬ ‫ِ‬
‫(( َس ْبع َ‬
‫ابن وهب عن سليامن بن بالل‪ :‬سبعني با ًعا‪.‬‬
‫(‪)651‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫(( َو ُي ِ‬
‫لج ُم ُه ْم))‪ ،‬أي‪ :‬العرق‪ ،‬ويلجمهم بضم التحتية وسكون الالم وكرس‬
‫اجليم من أجلمه املاء إذ بلغ فاه‪.‬‬
‫(( َحتَّى َي ْب ُلغَ آ َذ َانُ ْم))‪ ،‬قال الشيخ القسطالين‪" :‬وظاهره استواء الناس يف‬
‫وصول العرق إىل اآلذان‪ ،‬وهو مشكل بالنظر إىل العادة‪ ،‬فإهنقد علم أن اجلامعة إذا‬
‫وقفوا يف ماء عىل أرض مستوية ‪ ..‬تفاوتوا يف ذلك بالنظر إىل طول بعضهم وقرص‬
‫بعضهم‪.‬‬
‫وأجيب‪ :‬بأن اإلشارة بمن يصل إىل أذنيه إىل غاية ما يصل املاء‪ ،‬وال ينفي أن‬
‫يصل إىل دون ذلك‪ ،‬ففي حديث عقبة ابن عامر مرفو ًعا‪(( :‬فمنهم من يبلغ عرقه‬
‫عقبه‪ ،‬ومنهم من يبلغ نصف ساقه‪ ،‬ومنهم من يبلغ ركبتيه‪ ،‬ومنهم من يبلغ فخذيه‪،‬‬
‫ومنهم من يبلغ خارصته‪ ،‬ومنهم من يبلغ فاه‪ ،‬ومنهم من يغطيه عرقه ورضب بيده‬
‫(((‬
‫فوق رأسه)) رواه احلاكم" اهـ‪.‬‬
‫تنبيــــه‪:‬‬
‫‪َ (( :‬ي ْع َر ُق الن ُ‬
‫َّاس)) ظاهره التعميم؛ لكن يف حديث عبداهلل بن عمرو‬ ‫قوله‬
‫ابن العاص الذي أخرجه البيهقي يف (البعث) بسند حسن أنه قال‪(( :‬يشتد كرب‬
‫الناس ذلك اليوم حتى يلجم الكافر العرق))‪ ،‬قيل‪ :‬له فأين املؤمنون؟ قال‪(( :‬عىل‬
‫كرايس من ذهب‪ ،‬وتظلل عليهم الغامم))‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪" :‬وبسند قوي عن أيب موسى قال‪(( :‬الشمس فوق رؤوس‬
‫الناس يوم القيامة‪ ،‬وأعامهلم تظلهم))‪ ،‬وأخرج بن املبارك يف الزهد‪ ،‬وبن أيب شيبة‬
‫يف ((املصنف))‪ ،‬واللفظ له بسند جيد عن سلامن قال‪(( :‬تعطى الشمس يوم القيامة‬

‫((( ((إرشاد الساري))‪.637/10 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)652‬‬

‫حر عرش سنني‪ ،‬ثم تدنى من مجاجم الناس حتى تكون قاب قوسني‪ ،‬فيعرقون حتى‬
‫يرشح العرق يف األرض قامة‪ ،‬ثم ترتفع حتى يغرغر الرجل))‪ ،‬زاد بن املبارك يف‬
‫روايته‪(( :‬وال يرض حرها يومئذ مؤمن ًا‪ ،‬وال مؤمنة))‪ .‬قال القرطبي‪ :‬املراد من يكون‬
‫كامل اإليامن؛ ملا يدل عليه حديث املقداد وغريه أهنم يتفاوتون يف ذلك بحسب‬
‫اعامهلم‪ ،‬ويف حديث بن مسعود عند الطرباين والبيهقي‪(( :‬أن الرجل ليفيض عرق ًا‬
‫حتى يسيح يف األرض قامة‪ ،‬ثم يرتفع حتى يبلغ أنفه))‪ ،‬ويف رواية عنه عند أيب يعىل‪،‬‬
‫وصححها بن حبان‪(( :‬أن الرجل ليلجمه العرق يوم القيامة حتى يقول‪ :‬يا رب‬
‫(((‬
‫أرحني ولو إىل النار))" اهـ‪.‬‬
‫واخلالصة‪ :‬أن أشد الناس عرق ًا الكافر‪ ،‬ثم أصحاب الكبائر‪ ،‬ثم من بعدهم‪.‬‬
‫والصحيح أن كل ذلك حيصل يف املوقف كام دلت عىل ذلك رواية احلاكم‬
‫والبزار‪.‬‬
‫كام يستثنى من كل ذلك األنبياء‪ ،‬واملرسلني‪ ،‬والشهداء‪ ،‬ومن شاء اهلل من‬
‫املؤمنني واملؤمنات‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪" :‬ومن تأمل احلالة املذكورة عرف عظم اهلول فيها‪،‬‬
‫وذلك أن النار حتف بأرض املوقف‪ ،‬وتدين الشمس من الرؤوس قدر ميل‪،‬‬
‫فكيف تكون حرارة تلك األرض؟! وماذا يروهيا من العرق حتى يبلغ منها سبعني‬
‫ذراعا؟! مع أن كل واحد ال جيد اال قدر موضع قدمه‪ ،‬فكيف تكون حالة هؤالء يف‬
‫عرقهم مع تنوعهم فيه؟!إن هذا ملام يبهر العقول‪ ،‬ويدُ ُّل عىل عظيم القدرة‪ ،‬ويقتىض‬
‫اإليامن بأمور اآلخرة أن ليس للعقل فيها جمال‪ ،‬وال يعرتض عليها بعقل‪ ،‬وال قياس‬

‫((( ((فتح الباري))‪.444/11 :‬‬


‫(‪)653‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫والعادة‪ ،‬وإنام يؤخذ بالقبول‪ ،‬ويدخل حتت اإليامن بالغيب‪ ،‬ومن توقف يف ذلك‬
‫‪َّ ..‬‬
‫دل عىل خرسانه‪ ،‬وحرمانه‪ ،‬وفائدة اإلخبار بذلك أن يتنبه السامع‪ ،‬فيأخذ يف‬
‫األسباب التي ختلصه من تلك األهوال‪ ،‬ويبادر إىل التوبة من التبعات‪ ،‬ويلجأ إىل‬
‫الكريم الوهاب يف عونه عىل أسباب السالمة‪ ،‬ويترضع إليه يف سالمته من دار‬
‫(((‬
‫اهلوان‪ ،‬وإدخاله دار الكرامة بمنه وكرمه" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬دنو الشمس من اخلالئق يف املوقف‪.‬‬
‫‪2 .2‬الذنوب واملعايص سبب زيادة العذاب يوم القيامة‪.‬‬
‫‪3 .3‬أهل كامل اإليامن يف ظل عرش الرمحن يوم ال ظل إال ظله‪.‬‬

‫((( ((فتح الباري))‪.445/11 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)654‬‬

‫احلديث الثامن بعد املائة‬

‫ول‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َع ْن َأ ِب َب ْر َز َة ‪ -‬براء ثم زاي ‪ -‬ن َْض َل َة ْب ِن ُع َب ْي ِد األَ ْس َل ِم ّي‬
‫لم ِه‬
‫القيام ِة حتَّى يس َأ َل عن عم ِر ِه فِيم َأ ْفنَاه؟ وعن ِع ِ‬
‫َ ُ َ َ ْ‬
‫ِ‬
‫ُول َقدَ َما َع ْبد َي ْو َم َ َ َ ُ ْ َ ْ ُ ُ‬
‫ٍ‬ ‫اهلل ‪َ (( :‬ل َتز ُ‬
‫ِِ ِ‬ ‫فِيم َفع َل فِ ِيه؟ وعن مالِ ِه ِمن َأين ا ْكتَسبه ِ‬
‫يم َأ ْن َف َق ُه؟ َو َع ْن ِج ْسمه ف َ‬
‫يم َأ ْب َل ُه؟)) رواه‬ ‫؟وف َ‬ ‫ْ ْ َ َ َُ َ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫الرتمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫اسمـــه‬
‫هو الصحايب اجلليل ن َْض َلة ْب ُن ُع َب ْيد األَ ْس َل ِم ّي‪ ،‬من ولد أسلم بن أقىص بن‬
‫حارثة‪.‬‬
‫ويقال‪ :‬نضلة بن عبداهلل‪ ،‬قال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬قال احلاكم يف ((تاريخ‬
‫نيسابور))‪ :‬وقيل اسمه عبداهلل بن نضلة‪ ،‬وقيل نضلة بن دينار‪ .‬قال‪ :‬وقيل كان اسمه‬
‫(((‬
‫‪ -‬عبداهلل‪ ،‬وقال‪( :‬دينار) شيطان" اهـ‪.‬‬ ‫نضلة بن دينار فسامه رسول اهلل ‪-‬‬
‫وقيل‪ :‬نضلة بن عمرو‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬نضلة بن عائذ‪.‬‬
‫ويقال‪ :‬خالد بن نضلة‪.‬‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.271/2 :‬‬


‫(‪)655‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وقيل‪ :‬سلمة بن عبيد‪.‬‬
‫واألول هو األصح‪ :‬نضلة بن عبيد‪.‬‬
‫‪ ،‬وانفرد هبا‪ ،‬فال يعرف يف الصحابة‬ ‫وكنيته‪َ :‬أ ُبو َب ْر َزة‪ ،‬وقد اشتهر بكنيته‬
‫من يكنى هبا غريه‪ ،‬أي‪ :‬من قبله‪ ،‬أما بعده ‪ ..‬فقد تكنى هبا غريه‪.‬‬
‫فتح مكة‪ ،‬ومل يزل يغزو مع‬ ‫وأسلم أبو برزة قديام‪ ،‬وشهد مع رسول اهلل‬
‫‪ ،‬فتحول إىل البرصة فنزهلا حني نزهلا‬ ‫‪ ،‬حتى قبض رسول اهلل‪،‬‬ ‫رسول اهلل‪،‬‬
‫املسلمون‪ ،‬وبنى فيها دارا‪ ،‬ثم غزا خراسان‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫روى عنه‪ :‬ابنه املغرية‪ ،‬وحفيدته منية بنت عبيد‪ ،‬أبو العالية‪ ،‬وأبو املنهال‪،‬‬
‫واحلسن البرصي‪ ،‬وأبو عثامن النهدي‪ ،‬وأبو املنهال سيار‪ ،‬وأبو الوضئ عباد بن‬
‫نسيب‪ ،‬وكنانة بن نعيم‪ ،‬وأبو الوازع جابر بن عمرو‪ ،‬وعبداهلل بن بريدة‪ ،‬وآخرون‪.‬‬
‫ستة وأربعون حديث ًا‪ ،‬اتفق البخاري ومسلم‬ ‫وروي له عن رسول اهلل‬
‫منها عىل حديثني‪ ،‬وانفرد البخاري بحديثني‪ ،‬ومسلم بأربعة‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫عىل أقوال‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫اختلفوا يف مكان وفاته‬
‫€قيل‪ :‬أنه نزل مرو ومات هبا ودفن يف مقربة كالباذ‪،‬كام يف ((اإلصابة))‪،‬‬ ‫€‬

‫و((الطبقات)) البن سعد ‪..‬‬


‫€وقيل‪ :‬بالبرصة‪.‬‬ ‫€‬

‫€وقيل‪ :‬بخراسان‪.‬‬ ‫€‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)656‬‬

‫€وقيل‪ :‬بمفازة بني هراة وسجستان‪.‬‬ ‫€‬

‫واختلفوا كذلك يف سنة وفاته‪:‬‬


‫‪y y‬فقيل‪ :‬مات قبل معاوية يف سنة ستني‪.‬‬
‫‪y y‬وقال احلاكم‪ :‬تويف سنة أربع وستني‪ ،‬وهو قول خليفة كذلك‪.‬‬
‫‪y y‬وقيل‪ :‬سنة مخس وستني‪.‬‬
‫قال احلافظ بن حجر يف ((اإلصابة))‪" :‬قلت‪ :‬وجزم احلاكم أبو أمحد‬
‫باألول‪ .‬وقال بن حبان‪ :‬قيل إنه بقي إىل خالفة عبدامللك وبه جزم‬
‫البخاري يف ((التاريخ األوسط)) يف فضل من مات بني الستني إىل السبعني‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويؤيده ما جزم به حممد بن قدامة وغريه أنه مات يف سنة مخس‬
‫وستني وكانت والية عبدامللك فإن يزيد مات يف أوائل سنة أربع وويل‬
‫ابنه معاوية أيام ًا يسرية ثم قامت الفتنة إىل أن استقل ابنه الزبري باحلجاز‬
‫والعراق وخراسان ومروان بالشام ثم توجه إىل مرص فغلب عليها‬
‫(((‬
‫وعاش قلي ً‬
‫ال ومات يف رمضان منها" اهـ‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫الق َي َام ِة))‪ ،‬أي‪ :‬من موقفه للحساب إىل‬
‫ُول َقدَ ما عب ٍد يوم ِ‬
‫‪َ (( :‬ل َتز ُ َ َ ْ َ ْ َ‬ ‫قوله‬
‫جنة أو نار‪.‬‬
‫(( َحتَّى ُي ْس َأ َل)) بالبناء للمفعول‪ ،‬ومل يذكر عددا يف هذه الرواية‪ ،‬ويف رواية عند‬
‫يم َأ ْب َل ُه؟ َو َمالِ ِه‬‫ِ ِ‬
‫يم َأ ْفنَا ُه؟ َو َع ْن َش َبابِه ف َ‬
‫ِ ِ‬ ‫الرتمذي‪َ (( :‬حتَّى ُي ْس َأ َل َع ْن َخ ٍ‬
‫ْس‪َ :‬ع ْن ُع ُم ِره ف َ‬

‫((( ((اإلصابة))‪.735/3 :‬‬


‫(‪)657‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫يم َأ ْن َف َق ُه؟ َو َما َذا َع ِم َل فِ َيم َعلِ َم؟))‪.‬‬‫ِمن َأين ا ْكتَسبه ِ‬
‫؟وف َ‬
‫َ َُ َ‬ ‫ْ ْ َ‬
‫(( َع ْن ُع ُم ِر ِه))‪ ،‬أي‪ :‬حياته وبقائه يف الدنيا‪.‬‬
‫يم َأ ْفنَا ُه))‪ ،‬فام استفهامية يف هذا وفيام بعده‪ ،‬واثبات ألفها مع كوهنا جمرورة‬‫ِ‬
‫((ف َ‬
‫قليل‪ ،‬والكثري َح َذ َفها‪ ،‬فيسأل عن عمره يف أي يشء قضاه‪ ،‬يف طاعة أم يف معصية‪.‬‬
‫يم َف َع َل فِ ِيه))‪ ،‬هل بذله وعلم غريه؟ أم كتمه؟ وهل بذله من‬‫ِ ِِ ِ‬
‫(( َو َع ْن علمه ف َ‬
‫أجل اهلل فيثاب عليه‪ ،‬أو رياء وسمعة فيعاقب عليه‪.‬‬
‫(( َو َع ْن َمالِ ِه ِم ْن َأ ْي َن ا ْكت ََس َب ُه)) أمن حالل ذك أو حرام؟‬
‫يم َأ ْن َف َق ُه)) أيف مرضاة اهلل أم سخطه؟‬‫ِ‬
‫(( َوف َ‬
‫ِِ ِ‬
‫(( َو َع ْن ِج ْسمه ف َ‬
‫يم َأ ْب َل ُه)) يف طاعة مواله أم يف سواه؟ فإن كان يف طاعة ‪ ..‬فهو‬
‫آيل إىل اجلنان‪ ،‬وإن كان يف غري ذلك‪ ..‬فهو صائر إىل النريان‪.‬‬
‫ويستثنى من ذلك كله األنبياء‪ ،‬وبعض صاحلي املؤمنني كالذين يدخلون‬
‫اجلنة بغري حساب‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬إن اهلل شديد احلساب‪ ،‬وأنه ال يعزب عنه مثقال ذرة‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن الدنيا حالهلا حساب‪ ،‬وحرامها عقاب‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن كل يشء عند اإلنسان إنام هو أمانة جيب املحافظة عليه‪ ،‬ورصفه فيام خلق له‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)658‬‬

‫احلديث التاسع بعد املائة‬

‫َب‬
‫لق ‪َ ..‬كت َ‬ ‫‪ََّ (( :‬لا َخ َل َق اهللُ َ‬
‫اخل َ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهلل‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ت‬‫ب َغ َضبِي)) ويف رواية‪َ (( :‬غ َل َب ْ‬ ‫ِ‬ ‫ش‪ :‬إِ َّن ر ِ‬‫َاب‪َ ،‬ف ُه َو ِعنْدَ ُه َف ْو َق ال َع ْر ِ‬ ‫ِف كِت ٍ‬
‫حتي َتغْل ُ‬ ‫َ َْ‬
‫ت َغ َضبِي)) متفق عليه‪.‬‬ ‫َغ َضبِي))‪ ،‬ويف رواية‪َ (( :‬س َب َق ْ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫َب ِف كِت ٍ‬
‫َاب))‪ ،‬أي‪ :‬أمر القلم أن يكتب‬ ‫لق ‪َ ..‬كت َ‬ ‫‪ََّ (( :‬لا َخ َل َق اهللُ َ‬
‫اخل َ‬ ‫قوله‬
‫يف اللوح املحفوظ‪ ،‬فقال للقلم اكتب‪ ،‬فجرى بام هو كائن‪ ،‬وحيتمل أن يكون املراد‬
‫بالكتاب اللفظ الذي قضاه‪ ،‬وهو كقوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﱸ‬
‫[املجادلة‪ ،]21 :‬وقيل‪ :‬كتاب من صحف املالئكة‪ ،‬وإال فأقضية اهلل قديمة أزلية‪.‬‬
‫(( َف ُه َو عنْدَ ُه َف ْو َق ال َع ْر ِ‬
‫ش)) صفة الكتاب‪ ،‬قال يف ((دليل الفاحلني))‪((" :‬فهو))‬
‫ِ‬

‫ضمري شأن‪ ،‬واخلرب مجلة إن مع اسمها وخربها ((عنده فوق العرش)) ظرفان يف‬
‫حمل احلال حذف عاملهام‪ :‬أي أعنيه حال كونه عنده‪ ،‬عندية رشف ومكانة فوق‬
‫(((‬
‫العرش" اهـ‪.‬‬

‫((( ((دليل الفاحلني))‪.290/2 :‬‬


‫(‪)659‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وقيل‪ :‬معناه دون العرش‪ ،‬وهو كقوله تعاىل‪ :‬ﱹﮂ ﮃ ﮄﱸ [البقرة‪،]26 :‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪" :‬واحلامل عىل هذا التأويل استبعاد أن يكون يشء من‬
‫املخلوقات فوق العرش‪ ،‬وال حمذور يف إجراء ذلك عىل ظاهره؛ ألن العرش خلق‬
‫من خلق اهلل‪ ،‬وحيتمل أن يكون املراد بقوله‪(( :‬فهو عنده))‪ ،‬أي‪ :‬ذكره‪ ،‬أو علمه‪ ،‬فال‬
‫تكون العندية مكانية؛ بل هي إشارة إىل كامل كونه خمفي ًا عن اخللق مرفوع ًا عن حيز‬
‫(((‬
‫إدراكهم" اهـ‪.‬‬
‫ِ‬
‫وقال احلافظ العراقي يف ((طرح التثريب))‪َ " :‬و َق ْو ُل ُه‪َ (( :‬ف ُه َو عنْدَ ُه َف ْو َق ال َع ْر ِ‬
‫ش))‬

‫الش ِء َواهلل َت َع َال ُمن ََّز ٌه َع ْن‬


‫ض ُة َّ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫اه ِر َل ْفظه عنْدَ ُه؛ لَ َّن َم ْعن َ‬
‫َاها َح ْ َ‬
‫يل َظ ِ‬‫‪َ ..‬ل ُبدَّ ِم ْن ت َْأ ِو ِ‬
‫الش ِ‬ ‫َان بل ِمن ح ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫العن ِْدي ُة َليس ْت ِمن ح ْ ِ‬ ‫اجله ِة َف ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ف‬ ‫ضة َّ َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ضة ا َملك َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َّ ْ َ‬ ‫ال ْست ْق َر ِار َوالت ََّح ُّي ِز َو ِ َ‬
‫(((‬
‫َاب ِف َم َ ٍّل ُم َع َّظ ٍم ِعنْدَ ُه" اهـ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ ْي َو َض َع َذل َك الكت َ‬
‫ت‬‫ب َغ َضبِي‪ ،‬ويف رواية )) عند البخاري وأمحد (( َغ َل َب ْ‬ ‫ِ‬ ‫((إِ َّن ر ِ‬
‫حتي َتغْل ُ‬ ‫َ َْ‬
‫ت َغ َضبِي))‪ ،‬قال اإلمام النووي‪:‬‬ ‫َغ َضبِي ويف رواية)) للبخاري ومسلم‪َ (( :‬س َب َق ْ‬
‫اإل َرا َدة‪َ ،‬فإِ َرا َدته ِ‬
‫اإل َثا َبة‬ ‫" َق َال الع َلمء‪َ :‬غ َضب اهلل َتع َال و ِر َضاه ير ِجع ِ‬
‫ان إِ َل َم ْعنَى ِ‬ ‫ُ َْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ‬
‫اص َو ِخ ْذ َلنه‬ ‫حة‪ ،‬وإِرادته ِع َقاب الع ِ‬
‫َ‬ ‫لمطيعِ‪َ ،‬و َمنْ َف َعة ال َع ْبد ت َُس َّمى ِر ًضا َو َر ْ َ َ َ َ‬
‫لِ ِ‬
‫ُ‬
‫يم ٌة ُي ِريد ِ َبا َجِيع ا ُمل َرا َدات‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َُس َّمى َغ َض ًبا‪َ ،‬وإِ َرا َد ُت ُه ُس ْب َحانه َو َت َع َال ص َف ٌة َل ُه َقد َ‬
‫حة َو ُش ُموهلَا‪ ،‬ك ََم ُي َقال‪َ :‬غ َل َ‬
‫ب َع َل ُف َلن‬ ‫الس ْب ِق َوال َغ َل َبة ُهنَا َك ْث َرة َّ‬
‫الر ْ َ‬ ‫َقا ُلوا‪َ :‬وا ُمل َراد بِ َّ‬
‫(((‬
‫الش َجا َعة إِ َذا َك ُث َرا ِمنْ ُه" اهـ‪.‬‬
‫الك ََرم َو َّ‬

‫واملراد بالغضب هنا الزمه ال نفس الغضب‪ ،‬وهو ‪ -‬أي‪ :‬الزم الغضب ‪-‬‬

‫((( ((فتح الباري))‪.315/6 :‬‬


‫((( ((طرح التثريب))‪.2105/6 :‬‬
‫((( ((رشح صحيح مسلم))‪.48/17 :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)660‬‬

‫إرادة إيصال العذاب إىل من يقع عليه الغضب؛ ألن السبق والغلبة باعتبار التعلق‪،‬‬
‫أي‪ :‬تعلق الرمحة غالب سابق عىل تعلق الغضب؛ ألن الرمحة مقتىض ذاته املقدسة‪،‬‬
‫وأما الغضب فإنه متوقف عىل سابقة عمل من العبد احلادث‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪" :‬وهذا كله بناء عىل أن الرمحة والغضب من صفات‬
‫الذات‪ ،‬وقال بعض العلامء‪ :‬الرمحة والغضب من صفات الفعل ال من صفات‬
‫الذات‪ ،‬وال مانع من تقدم بعض األفعال عىل بعض‪ ،‬فتكون اإلشارة بالرمحة إىل‬
‫(((‬
‫إسكان آدم اجلنة أول ما خلق مثالً‪ ،‬ومقابلها ما وقع من إخراجه منها" اهـ‪.‬‬
‫وقد يشكل عند البعض أمر‪ ،‬وهو أن صفات اهلل تعاىل قديمة‪ ،‬والقدم هو‬
‫عدم املسبوقية بالغري‪ ،‬فام وجه السبق هنا؟‬
‫فنقول‪ :‬قد ذكر اإلمام القسطالين هذا اإلشكال وجوابه‪ ،‬فقال‪" :‬قال يف‬
‫((الكواكب))‪ :‬فإن قلت‪ :‬صفات اهلل تعاىل قديمة‪ ،‬والقدم هو عدم املسبوقية بالغري‪،‬‬
‫فام وجه السبق؟ قلت‪ :‬الرمحة والغضب من صفات الفعل‪ ،‬والسبق باعتبار التعلق‪،‬‬
‫والرس فيه أن الغضب بعد صدور املعصية من العبد بخالف تعلق الرمحة‪ ،‬فإهنا‬
‫(((‬
‫دائم أبدً ا" اهـ‪.‬‬
‫فائضة عىل الكل ً‬
‫ني‪َ ،‬فإِ َّن‬ ‫ح ِل َذلِ َك َع َل ا ُمل ْؤ ِمنِ َ‬ ‫قال يف ((طرح التثريب))‪ُ " :‬قلت‪َ :‬و َل ُبدَّ ِم ْن َ ْ‬
‫ار ِه ْم َيك ُ‬ ‫ب ا َمل ْح ُض‪َ ،‬فبِا ْعتِ َب ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُون‬ ‫ال ُك َّف َار َأ ْك َث ُر من ُْه ْم‪َ ،‬و َل ْي َس َل ُ ْم ِف اآلخ َرة َّإل ال َغ َض ُ‬
‫َال‪َ ،‬و َقدْ‬ ‫ني ‪َ ..‬ل ْ َي ُك ْن َع َل ْي ِه ْإشك ٌ‬ ‫حلنَا َذلِ َك َع َل ا ُمل ْؤ ِمنِ َ‬ ‫ح ِة‪َ ،‬فإِ َذا َ َ‬
‫الر ْ َ‬ ‫ال َغ َضب َأ ْغ َل ِ‬
‫ب م ْن َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب‬ ‫ح ُة َأ ْغ َل َ‬
‫الر ْ َ‬
‫ار ‪َ ..‬ص َار ْت َّ‬ ‫ح َت ُه الدُّ ْن َي ِو َّي َة لِل ُك َّف ِ‬ ‫لم ْؤ ِمنِ َ‬
‫ني َر ْ َ‬ ‫ي َق ُال‪ :‬إ َذا َضم َإل ر ْ َ ِ ِ‬
‫حة اهلل ل ُ‬ ‫َّ َ‬ ‫ُ‬
‫ض‬ ‫ني ِف َم ْع ِر ِ‬ ‫لم ْؤ ِمنِ َ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يث إن ََّم س َيق ل ُ‬ ‫ب‪َ ،‬واألَ َّو ُل َأ ْظ َه ُر‪َ ،‬و َيدُ ُّل َل ُه َأ َّن احلَ ِد َ‬ ‫ِم ْن ال َغ َض ِ‬

‫((( ((فتح الباري))‪.316/6 :‬‬


‫((( ((إرشاد الساري))‪.173/12 :‬‬
‫(‪)661‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ح ِة‬ ‫ِ‬
‫الر ْ َ‬
‫ي َّ‬ ‫حتِ ِه‪َ ،‬و َأ ْي ًضا َفإِن ََّم َت َق ُع ا ُمل َقا َي َس ُة َب ْ َ‬
‫الو ْع ِد بِ َر ْ َ‬ ‫الت ِغ ِ ِ ِ‬
‫يب ف َيم عنْدَ اهلل‪َ ،‬و َ‬ ‫الر َجاء َو َّ ْ‬
‫َّ‬
‫ب ِف ح ِّق من يت َِم ُلها‪ ،‬وهو ا ُملؤ ِمن‪َ ،‬أما الكَافِر ‪َ ..‬ف َل ح َّظ َله ِف د ِار الب َق ِ‬
‫اء‬ ‫َوال َغ َض ِ‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ َ ُ َ ْ ُ َّ‬
‫(((‬
‫َانَا ِف َح ِّق ِه" اهـ‪.‬‬ ‫ح ِة‪َ ،‬ف َل يدْ ُخ ُل ِف ا ُمل َقايس ِة؛ لِعدَ ِم إمك ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫األَ َبد ِّي ِف َّ‬
‫الر ْ َ‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬سعة رمحة اهلل تعاىل لعباده املؤمنني‪ ،‬وأن رمحته سبقت غضبه‪ ،‬فال يرىض لعباده‬
‫الكفر‪.‬‬

‫((( ((طرح التثريب))‪.2105/6 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)662‬‬

‫احلديث العاشر بعد املائة‬

‫ول‪َ (( :‬ل ْو َل‬


‫َي ُق ُ‬‫ول اهلل‬‫َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬ ‫وب َخالِ ِد ْب ِن َز ْي ٍد‬
‫َع ْن َأ ِب َأ ُّي ٍ‬
‫ون‪َ ،‬ف َي ْس َتغ ِْف ُر ْو َن‪َ ،‬ف َيغ ِْف ُر َُل ْم)) رواه مسلم‪.‬‬
‫ون‪َ ،‬ل َل َق اهللُ َخل ًقا ُي ْذنِ ُب َ‬
‫َأ َّنك ُْم ت ُْذنِ ُب َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو أيوب األنصاري‬
‫احلديث احلادي والثامنني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫ون))‪ ،‬أي‪ :‬لو أنكم مل تكونوا تذنبون‪.‬‬ ‫قوله ‪َ (( :‬ل ْو َل َأ َّنك ُْم ت ُْذنِ ُب َ‬
‫ون‪َ ،‬ف َي ْس َتغ ِْف ُر ْو َن‪َ ،‬ف َيغ ِْف ُر َُل ْم))‪ ،‬ويف رواية ملسلم‪َ (( :‬ل ْو‬ ‫(( َل َل َق اهللُ َخل ًقا ُي ْذنِ ُب َ‬
‫ُوب َيغ ِْف ُر َها َُل ْم))‪.‬‬
‫اء اهللُ بِ َق ْو ٍم َُل ْم ُذن ٌ‬
‫ِ‬
‫ُوب َيغْف ُر َها اهللُ َلك ُْم ‪َ ..‬ل َ‬ ‫َأ َّنك ُْم َل ْ َتك ُْن َلك ُْم ُذن ٌ‬
‫قال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬قال ابن ملك‪ :‬ليس هذا حتريض ًا للناس عىل‬
‫الذنوب؛ بل كان صدوره لتسلية الصحابة‪ ،‬وإزالة شدة اخلوف عن صدورهم؛‬
‫ألن اخلوف كان غالب ًا عليهم حتى فر بعضهم إىل رؤوس اجلبال للعبادة‪ ،‬وبعضهم‬
‫اعتزل النساء‪ ،‬وبعضهم النوم‪ ،‬ويف احلديث تنبيه عىل رجاء مغفرة اهلل تعاىل‪ ،‬وحتقق‬
‫أن ما سبق يف علمه كائن؛ ألنه سبق يف علمه تعاىل أنه يغفر للعايص‪ ،‬فلو قدر عدم‬
‫(((‬
‫عاص خللق اهلل من يعصيه فيغفر له" اهـ‪.‬‬
‫((( ((دليل الفاحلني))‪.295/2 :‬‬
‫(‪)663‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫يف ((فيض القدير))‪" :‬قال الغزايل‪ :‬جعل ال ُعجب أكرب من‬ ‫وقال املناوي‬
‫الذنوب‪ ،‬ولو مل يذنب العبد ‪ ..‬الستكثر فعله‪ ،‬واستحسن عمله‪ ،‬فلحظ أفعاله‬
‫املدخولة‪ ،‬وطاعاته التي هي باملعايص أشبه‪ ،‬وإىل النقص أقرب‪ ،‬فريجع من كنف‬
‫اهلل وحفظه إىل استحسان فعله‪ ،‬فيهلك‪.‬‬
‫قال الطيبي‪ :‬مل يرد به ونحوه قلة االحتفال بمواقعة الذنوب كام تومهه أهل‬
‫الغرة؛ بل إنه كام أحب أن حيسن إىل املحسن ‪ ..‬أحب التجاوز عن املسىء‪ ،‬فمراده‬
‫مل يكن ليجعل العباد كاملالئكة منزهني عن الذنوب؛ بل خلق فيهم من يميل بطبعه‬
‫إىل اهلوى‪ ،‬ثم كلفه توق ِّيه‪ ،‬وعرفه التوبة بعد االبتالء‪ ،‬فإن وىف ‪ ..‬فأجره عىل اهلل‪،‬‬
‫أنكم لو تكونون جمبولني عىل‬ ‫وإن أخطأ ‪ ..‬فالتوبة بني يديه‪ ،‬فأراد املصطفى‬
‫ما جبلت عليه املالئكة ‪ ..‬جلاء اهلل بقوم يتأتى منهم الذنوب‪ ،‬فيتجىل عليهم بتلك‬
‫الصفات عىل مقتىض احلكمة‪ ،‬فإن الغفار يستدعي مغفور ًا‪ ،‬والرس يف هذا إظهار‬
‫صفة الكرم واحللم والغفران‪ ،‬ولو مل يوجد ‪ ..‬النثلم طرف من صفات األلوهية‪،‬‬
‫واإلنسان إنام هو خليفة اهلل يف أرضه يتجىل له بصفات اجلالل واإلكرام يف القهر‬
‫(((‬
‫واللطف" اهـ‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن اهلل تعاىل ذو مغفرة واسعة لعبادة‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن اهلل مل جيعل اخللق كاملالئكة جمبولني عىل الطاعات‪ ،‬بل أوجد فيهم امليل إىل‬
‫الشهوات‪ ،‬ليثيب الصابر‪ ،‬ويتوب عىل العايص‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن اهلل تعاىل حيب من عبادة التوبة واالستغفار‪.‬‬

‫((( ((فيض القدير))‪.163/7 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)664‬‬

‫احلديث احلادي عشر بعد املائة‬

‫س ك ََم َث ِل َنْ ٍر‬


‫اخل ْم ِ‬ ‫ول اهلل ‪(( :‬م َث ُل الص َلو ِ‬
‫ات َ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫عن َجابِ َر‬
‫َّ َ‬ ‫َ‬
‫اب َأح ِدكُم ي ْغت َِس ُل ِمنْه ك َُّل يو ٍم َخْس مر ٍ‬ ‫َج ٍ‬
‫ات)) رواه مسلم‪.‬‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫ار َغ ْم ٍر َع َل َب ِ َ ْ َ‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث‬ ‫هو الصحايب اجلليل جابر بن عبداهلل‬
‫الثالث عرش‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫اخل ْم ِ‬
‫س)) املكتوبة‪ ،‬أي‪ :‬شأهنا الذي هو لغرابته‬ ‫‪(( :‬م َث ُل الص َلو ِ‬
‫ات َ‬ ‫قوله‬
‫َّ َ‬ ‫َ‬
‫وفخامته كالقصة التي يتحدث عنها‪.‬‬
‫((ك ََم َث ِل َنْ ٍر َج ٍ‬
‫ار َغ ْم ٍر))‪،‬أي‪ :‬كثري‪.‬‬
‫اب َأ َح ِدك ُْم))‪ ،‬فيه إشارة إىل سهولته وقربه‪.‬‬
‫(( َع َل َب ِ‬

‫َ‬
‫البدن من‬ ‫((ي ْغت َِس ُل ِمنْه ك َُّل يو ٍم َخْس مر ٍ‬
‫ات))‪ ،‬واملعنى‪ :‬أنه كام ينظف املاء‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫األدران حينام يتكرر الغسل يف اليوم مخس مرات ‪ ..‬فكذلك الصلوات اخلمس‬
‫ذلك يف احلديث الذي رواه أبو هريرة‬ ‫تنظف ومتحي اخلطايا‪ ،‬وقد وضح‬
‫اب َأ َح ِدك ُْم َي ْغت َِس ُل فِ ِيه ك َُّل َي ْو ٍم‬
‫يقول‪َ (( :‬أ َر َأ ْيت ُْم َل ْو َأ َّن َنَ ًرا بِ َب ِ‬ ‫أنه سمع رسول اهلل‬
‫ك‬ ‫ك ُي ْب ِقي ِم ْن َد َرنِ ِه؟))‪َ .‬قا ُلوا‪َ :‬ل ُي ْب ِقي ِم ْن َد َرنِ ِه َش ْي ًئا‪َ .‬ق َال‪َ (( :‬ف َذلِ َ‬‫ول َذلِ َ‬
‫َخ ًْسا‪َ ،‬ما َت ُق ُ‬
‫(‪)665‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫س َي ْم ُحو اهللُ بِ ِه َ‬
‫اخل َطا َيا)) أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫اخل ْم ِ‬ ‫ِم ْث ُل الص َلو ِ‬
‫ات َ‬ ‫َّ َ‬
‫واملراد بمحو اخلطايا هنا الصغائر‪ ،‬أما الكبائر ‪ ..‬فال متحا إال بالتوبة‪ ،‬ويدل‬
‫اجل ْم َع ِة‪َ ،‬و َر َم َض ُ‬
‫ان إِ َل‬ ‫اجل ْم َع ُة إِ َل ُ‬
‫اخل ْم ُس‪َ ،‬و ُ‬
‫ات َ‬ ‫الص َل َو ُ‬‫‪َّ (( :‬‬ ‫عىل ذلك قوله‬
‫َب ال َك َبائِ َر)) أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫ات َما َب ْين َُه َّن إِ َذا ْ‬
‫اج َتن َ‬ ‫ان ‪ُ ..‬م َك ِّف َر ٌ‬
‫َر َم َض َ‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬فضل الصلوات اخلمس‪ ،‬وفضل مقامها عند اهلل‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن املواظب عىل الصلوات اخلمس تكون مواظبته سبب ًا ملحو الصغائر من‬
‫خطاياه‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن املؤمن حريص عن نظافته صحيفته من الذنوب كحرصه عىل نظافة بدنه‬
‫من األدران‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)666‬‬

‫احلديث الثاني عشر بعد املائة‬

‫َق َال‪َ (( :‬ل ْو َي ْع َل ُم ا ُمل ْؤ ِم ُن َما ِعنْدَ اهلل ِم ْن‬ ‫َأ َّن َر ُس َ‬
‫ول اهلل‬ ‫َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ح ِة ‪َ ..‬ما َقن ََط ِم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ُع ُقو َبة ‪َ ..‬ما َطم َع بِ َجنَّته َأ َحدٌ ‪َ ،‬و َل ْو َي ْع َل ُم الكَاف ُر َما عنْدَ اهلل م ْن َّ‬
‫الر ْ َ‬
‫َجنَّتِ ِه َأ َحدٌ )) رواه مسلم‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث األول‪.‬‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو هريرة‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪َ (( :‬ل ْو َي ْع َل ُم ا ُمل ْؤ ِم ُن))‪ ،‬قال احلافظ ابن حجر‪" :‬واحلكمة يف التعبري‬ ‫قوله‬
‫باملضارع دون املايض اإلشارة إىل أنه مل يقع له علم ذلك وال يقع؛ ألنه إذ امتنع يف‬
‫(((‬
‫املستقبل ‪ ..‬كان ممتنعا فيام مىض" اهـ‪.‬‬
‫وقال املناوي‪" :‬ذكر املضارع بعد ((لو)) يف املوضعني ليفيد استمرار امتناع‬
‫(((‬
‫الفعل فيام مىض وقتا مؤقتا ألن لو للميض" اهـ‪.‬‬
‫(( َما ِعنْدَ اهلل ِم ْن ال ُع ُقو َب ِة))‪ ،‬أي‪ :‬من غري التفات إىل الرمحة‪.‬‬
‫(( َما َط ِم َع بِ َجنَّتِ ِه َأ َحدٌ ))وذلك ملا يشهده من جالل احلق سبحانه وخيشاه من‬

‫((( ((فتح الباري))‪.339/11 :‬‬


‫((( ((فيض القدير))‪.152/7 :‬‬
‫(‪)667‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫انتقامه ملا علم عقوبته وغضبه‪ ،‬وهو سبحانه العدل يف مجيع ذلك‪.‬‬
‫ح ِة))‪ ،‬أي‪ :‬من غري التفات إىل العقوبة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(( َو َل ْو َي ْع َل ُم الكَاف ُر َما عنْدَ اهلل م ْن َّ‬
‫الر ْ َ‬
‫(( َما َقن ََط ِم ْن َجنَّتِ ِه َأ َحدٌ ))‪ ،‬والقنوط‪ :‬هو اليأس‪ ،‬أي‪ :‬ما يأس من جنة اهلل‬
‫أحد‪ ،‬ملا يعلمه من سعة رمحته سبحانه؛ بل كان يرجو جنته‪ ،‬ويطمع فيها‪.‬‬
‫‪" :‬وسياق احلديث يف بيان صفة العقوبة والرمحة هلل تعاىل‪ ،‬فكام‬ ‫قال الطيبي‬
‫أن صفاهتغري متناهية ال يبلغ كنه معرفتها أحد‪ ،‬فكذا عقوبته ورمحته‪ ،‬فلو فرض‬
‫وقوف املؤمن عىل كنه صفات القهارية ‪ ..‬لظهر منها ما يقنط من ذلك اخللق طر ًا‪،‬‬
‫فال يطمع يف جنته أحد‪ ،‬هذا معنى وضع (أحد) موضع ضمري املؤمن‪ ،‬ويمكن أن‬
‫يراد باملؤمن اجلنس عىل االستغراق‪ ،‬فتقديره أحد منهم‪ ،‬ويمكن كون املعنىاملؤمن‬
‫اختص بأن طمع يف اجلنة‪ ،‬فإذا انتفى املطمع عنه‪ ..‬فقد انتفى عن الكل‪ ،‬وكذا الكافر‬
‫(((‬
‫خمتص بالقنوط‪ ،‬فإذا انتفى القنوط عنه ‪ ..‬انتفى عن الكل‪ .‬اهـ‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬سعة رمحة اهلل تعاىل‪ ،‬وأن اهلل شديد العقاب‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن اخلوف والرجاء أمران مطلوبان‪ ،‬وينبغي أن ال يزيد أحدمها عىل اآلخر؛‬
‫ألن اخلوف إذا زاد ‪ ..‬أوصل اإلنسان إىل القنوط من رمحة اهلل‪ ،‬والرجاء إذا‬
‫زاد ‪ ..‬أوصل اإلنسان إىل األمن من مكر اهلل‪ ،‬لكن هذا يف غري وقت حضور‬
‫املوت‪ ،‬أما عند املوت ‪ ..‬فينبغي أن يكون الرجاء أكثر من اخلوف حتى يموت‬
‫قال‪(( :‬إِ َّن اهللَ‬ ‫اإلنسان وهو حمسن الظن باهلل‪ ،‬فقد ورد أن رسول اهلل‬
‫ول‪َ :‬أنَا ِعنْدَ َظ ِّن َع ْب ِدي ِب)) أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬زاد اإلمام أمحد يف‬
‫َي ُق ُ‬

‫((( ((فيض القدير))‪.152/7 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)668‬‬

‫َق َال‪:‬‬ ‫شا ‪َ ..‬ف َل ُه))‪ ،‬و َع ْن َجابِ ٍر‬ ‫روايته‪(( :‬إِ ْن َظ َّن ِب َخ ْ ًيا ‪َ ..‬ف َل ُه‪َ ،‬وإِ ْن َظ َّن َ ًّ‬
‫ي ِس ُن‬‫ول‪َ (( :‬ل َي ُموت ََّن َأ َحدُ ك ُْم إِ َّل َو ُه َو ُ ْ‬‫ث َي ُق ُ‬ ‫َقب َل و َفاتِ ِه بِ َث َل ٍ‬
‫ْ َ‬ ‫َس ِم ْع ُت النَّبِ َّي‬
‫بِاهلل ال َّظ َّن)) أخرجه مسلم‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن اهلل خبأ رمحته يف طاعته‪ ،‬وغضبه يف معصيته‪.‬‬
‫(‪)669‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث الثالث عشر بعد املائة‬

‫‪َ -‬و ُه َو ُي َص ِّل‪،‬‬ ‫ت َر ُس َ‬


‫ول اهلل ‪-‬‬ ‫َع ْن َع ْب ِد اهلل ْب ِن ِّ‬
‫الش ِّخ ِري‬
‫َق َال‪َ (( :‬أ َت ْي ُ‬
‫و َِلوفِ ِه َأ ِزي ٌز ك ََأ ِز ِيز املِرج ِل ِمن البك ِ‬
‫َاء)) حديث صحيح رواه أبو داود‪ ،‬والرتمذي يف‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ‬
‫((الشامئل)) بإسناد صحيح‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫هو الصحايب اجلليل عبداهلل بن الشخري بن عوف بن كعب بن وفدان بن‬
‫اجلرش‪ ،‬وهو معاوية بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامري الكعبي‬
‫اجلريش البرصي‪.‬‬
‫يعد يف البرصيني‪ ،‬هو والد مطرف الفقيه وأخيه يزيد أيب العالء‪.‬‬
‫نحو ستة أحاديث‪ ،‬انفرد مسلم بالرواية عنه عن‬ ‫النبي‬
‫ِّ‬ ‫روي له عن‬
‫البخاري‪ ،‬فروى له حديثني‪ ،‬وأورد له املزي يف ((األطراف)) تسعة أحاديث‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫ول اهلل َو ُه َو ُي َص ِّل‪َ ،‬و َِل ْوفِ ِه))‪ ،‬أي‪ :‬صدره وداخله‪،‬‬ ‫‪َ (( :‬أ َت ْي ُ‬
‫ت َر ُس َ‬ ‫قوله‬
‫وجوف كل يشء داخله‪ ،‬واجلوف‪ :‬البطن وما انطبقت عليه الكتفان واألضالع‪.‬‬
‫(( َأ ِزي ٌز))‪ ،‬وهو صوت القدر عند غيالهنا‪ ،‬وقال يف ((النهاية))‪" :‬هو أن جييش‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)670‬‬

‫جوفه ويغيل من البكاء‪ (((،‬ويف احلديث ما يدل عىل أن الصوت الغري املشتمل عىل‬
‫احلروف ال يرض يف الصالة‪.‬‬
‫((ك ََأ ِز ِيز امل ِ ْر َج ِل))‪ ،‬واملرجل هو القدر إذا غلت سواء كان من حديد أو نحاس‬
‫أو خزف أو غري ذلك‪ ،‬وامليم فيه زائده‪ ،‬قال الزخمرشي‪ :‬سمى بذلك ألنه إذا نصب‬
‫أقيم عىل أرجل‪ ،‬وأزيز املرجل‪ :‬صوت غليان القدر‪.‬‬
‫(( ِمن البك ِ‬
‫َاء))‪ ،‬أي‪ :‬من أجل البكاء‪ ،‬قال ابن حجر املكي يف ((رشح الشامئل))‪:‬‬ ‫ْ ُ‬
‫(((‬
‫" هو بالقرص خروج الدمع مع احلزن‪ ،‬وباملدِّ خروجه مع رفع صوت "‪.‬‬
‫قال يف ((دليل الفاحلني))‪" :‬وذلك ناشئ عن عظيم الرهبة واخلوف واإلجالل‬
‫فقد ورد أنه كان يسمع من صدره‬ ‫هلل سبحانه‪ ،‬وذلك مما ورثه من أبيه إبراهيم‬
‫صوت كغليان القدر من مسرية ميل‪ ،‬وفيه دليل عىل كامل خوفه وخشيته وخضوعه‬
‫لربه‪ .‬قال احلراين‪ :‬ومن هذا احلديث ونحوه است ّن أهل الطريق الوجد والتواجد يف‬
‫أحواهلم‪ ،‬وعرفوا به يف أوقاهتم‪ ،‬وهذا احلال إنام كان يعرض للمصطفى عند جتيل‬
‫الصفات اجلاللية واجلاملية مع ًا‪ :‬يعني اجلالل املمزوج باجلامل‪ ،‬وإال فغري املمزوج‬
‫باجلامل ‪ ..‬ال يطيقه أحد من البرش؛ بل وال واحد من اخلالئق‪ ،‬وكان إذا جتىل لقلبه‬
‫اجلامل املحض يمتلئ نور ًا ورسور ًا ومالطفة وإيناس ًا وتبسط ًا‪ ،‬وكل وارث من‬
‫أمته له نصيب من هذين التجليني‪ ،‬فتجيل اجلالل يورث اخلوف والقلق والوجل‬
‫(((‬
‫املزعج‪ ،‬وجتيل اجلامل يورث األنس والرسور" اهـ‪.‬‬

‫((( ((نيل األوطار))‪. 358/2 :‬‬


‫((( ((عون املعبود))‪.239/2 :‬‬
‫((( ((دليل الفاحلني))‪.332/2 :‬‬
‫(‪)671‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬
‫‪1 .1‬فضل البكاء من خشية اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن البكاء يف الصالة ال يبطلها لو مل يصدر منه حرف‪ ،‬أو صدر مع الغلبة‪.‬‬
‫‪3 .3‬ينبغي للمؤمن أن يتكلف اخلشوع واحلضور يف الصالة‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)672‬‬

‫احلديث الرابع عشر بعد املائة‬

‫الص َل ِة‪:‬‬
‫يل َل ُه ِف َّ‬ ‫َو َج ُع ُه ‪ِ ..‬ق َ‬ ‫َق َال‪ََّ :‬لا ْاشتَدَّ بِرس ِ‬
‫ول اهلل‬ ‫َ ُ‬ ‫َع ْن ا ْب ِن ُع َم َر‬
‫ت َعائِ َش ُة‪ :‬إِ َّن َأ َبا َبك ٍْر َر ُج ٌل َر ِق ٌيق‪ ،‬إِ َذا‬ ‫َف َق َال‪ُ (( :‬م ُروا َأ َبا َبك ٍْر َفل ُي َص ِّل بِالن ِ‬
‫َّاس))‪َ ،‬ف َقا َل ْ‬
‫َق َر َأ َغ َل َب ُه ال ُبك ُ‬
‫َاء‪َ ،‬ف َق َال‪ُ (( :‬م ُرو ُه َف ُي َص ِّل)) متفق عليه‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث‬ ‫هو الصحايب اجلليل عبداهلل بن عمر‬
‫الثالث واخلمسني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫َو َج ُع ُه))‪ ،‬أي‪ :‬مرض موته‪ ،‬وإنام اشتد‬ ‫‪ََّ (( :‬لا ْاشتَدَّ بِرس ِ‬
‫ول اهلل‬ ‫قوله‬
‫َ ُ‬
‫به الوجع يف مرضه لتضاعف أجره‪ ،‬وإعالء أمره كام يدل عليه حديث‪(( :‬إِ َّن ِم ْن‬
‫اء)) أخرجه اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫َّاس َب َل ًء األَ ْنبِ َي َ‬
‫َأ َشدِّ الن ِ‬

‫الص َل ِة))‪ ،‬أي‪ :‬يف أمرها من يقيمها ومن يصيل بالناس‪ ،‬وذلك‬ ‫(( ِق َ‬
‫يل َل ُه ِف َّ‬
‫(((‬
‫عندما حرضت صالة العشاء كام ذكره احلافظ ابن حجر‪.‬‬
‫‪ ،‬قال احلافظ ابن حجر‪" :‬قوله‪(( :‬مروا‬ ‫(( َف َق َال‪ُ :‬م ُروا َأ َبا َبك ٍْر)) الصديق‬
‫أبا بكر فليصل)) ‪ ..‬استُدل به عىل أن اآلمر باألمر باليشء يكون آمرا به‪ ،‬وهي مسألة‬

‫((( ((فتح الباري))‪.173/2 :‬‬


‫(‪)673‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫معروفة يف أصول الفقه‪ ،‬وأجاب املانعون بأن املعنى بلغوا أبا بكر أين أمرته‪ ،‬وفصل‬
‫النزاع أن النايف إن أراد أنه ليس أمر ًا حقيقة ‪ ..‬فمسلم؛ ألنه ليس فيه صيغة أمر‬
‫(((‬
‫للثاين‪ ،‬وإن أراد أنه ال يستلزمه ‪ ..‬فمردود" اهـ‪.‬‬
‫(( َفل ُي َص ِّل بِالن ِ‬
‫َّاس))‪ ،‬مل يذكر املأمور به‪ ،‬أي‪ :‬إقامة الصالة لداللة قوله‪:‬‬
‫(( َفل ُي َص ِّل بِالن ِ‬
‫َّاس)) عليه‪ ،‬أي‪ :‬ليقيم الصالة‪ ،‬وليصيل هبم إمام ًا‪ ،‬وفيه إشارة إىل‬
‫اختاره خليفة له‪ ،‬وقد ارتضاه أن خيلفه يف أمور العبادة والدين أفال‬ ‫أن النبي‬
‫‪" :‬رجل‬ ‫يرتضيه ألمور الدنيا واحلكم بني املسلمني‪ ،‬وهلذا قال سيدنا عمر‬
‫النبي لديننا أال نرضاه لدنيانا" أخرجه الشافعي يف مسنده‪ ،‬وابن عساكر‪.‬‬
‫اختاره ّ‬
‫((إِ َّن َأ َبا َبك ٍْر َر ُج ٌل َر ِق ٌيق))‪ ،‬أي‪ :‬رقيق قلبه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫عائ َش ُة))‬ ‫(( َف َقا َل ْ‬
‫ت َ‬
‫((إِ َذا َق َر َأ)) القر آن يف الصالة‪.‬‬

‫(( َغ َل َب ُه ال ُبك ُ‬
‫َاء))‪ ،‬أي‪ :‬فال يتمكن من إظهار القراءة املأمور هبا اإلمام‪ ،‬ولن‬
‫يسمعه الناس‪ ،‬وليس مرادها أن ذلك يقع منه بسبب ظهور حرفني؛ ألنه مبطل‬
‫للصالة إن مل يكن عن غلبة بحيث ال يمكن دفعه كام تقدم‪ ،‬ولو كان كذلك ‪ ..‬ملا‬
‫أمر به ثاني ًا بقوله‪:‬‬
‫ما قالت لترصف ذلك عن أبيها‬ ‫(( ُم ُرو ُه َف ُي َص ِّل))‪ ،‬وإنام قالت أم املؤمنني‬
‫؛‬ ‫خوف ًا من تطري الناس به إن مات‪ ،‬وملا تعلمه من كراهتهم الواقف موقفه‬
‫((الصحيحني))‬ ‫ملا جبلوا عليه من كامل حمبته‪ ،‬وقد رصحت هي بذلك كام ورد يف‬
‫اج َعتِ ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِف َذلِ َك‪ ،‬وما َ َ ِ‬
‫ح َلني َع َل َك ْث َرة ُم َر َ‬ ‫َ َ‬ ‫اج ْع ُت َر ُس َ‬
‫ول اهلل‬ ‫حيث قالت‪َ " :‬ل َقدْ َر َ‬
‫ِ‬
‫َّاس َب ْعدَ ُه َر ُج ًل َقا َم َم َقا َم ُه َأ َبدً ا‪َ ،‬و َل ُكن ُْت ُأ َرى َأ َّن ُه‬
‫ب الن ُ‬ ‫إِ َّل َأ َّن ُه َل ْ َي َق ْع ِف َقلبِي َأ ْن ُي َّ‬

‫((( ((فتح الباري))‪.173/2 :‬‬


‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)674‬‬

‫َع ْن‬ ‫َّاس بِ ِه‪َ ،‬ف َأ َر ْد ُت َأ ْن َي ْع ِد َل َذلِ َك َر ُس ُ‬


‫ول اهلل‬ ‫َل ْن َي ُقو َم َأ َحدٌ َم َقا َم ُه إِ َّل ت ََشا َء َم الن ُ‬
‫َأ ِب َبك ٍْر"‪.‬‬
‫أعادت ذلك ثالث ًا فقال هلا‪(( :‬إِ َّنك َُّن‬ ‫ويف رواية عند البخاري ومسلم أهنا‬
‫ف ُم ُروا َأ َبا َبك ٍْر َفل ُي َص ِّل بِالن ِ‬
‫َّاس))‪.‬‬ ‫وس َ‬ ‫ِ‬
‫ب ُي ُ‬
‫َص َواح ُ‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪.‬‬ ‫‪1 .1‬علو ورفعة مقام سيدنا أيب بكر الصديق‬
‫باخلالفة‪.‬‬ ‫أليب بكر‬ ‫‪2 .2‬إشارة النبي‬
‫بأمر الصالة مع شدته ووجعه ملا يف إضاعتها من إثم كبري‪.‬‬ ‫‪3 .3‬اهتامم النبي‬
‫(‪)675‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث اخلامس عشر بعد املائة‬

‫َع َل املِن َ ِْب‪َ ،‬و َج َل ْسنَا َح ْو َل ُه‪،‬‬ ‫َق َال‪َ :‬ج َل َس‬ ‫َعن َأ ِب س ِع ٍ‬
‫يد اخلُدْ ِر ِّي‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫اف ع َليكُم ِمن بع ِدي ما ي ْفتَح ع َليكُم ِمن ز ِ‬
‫َه َرة الدُّ ْن َيا َو ِزينَت َها))‬
‫ِ‬
‫َ ُ ُ َ ْ ْ ْ ْ‬ ‫َف َق َال‪(( :‬إِ َّن مَّا َأ َخ ُ َ ْ ْ ْ َ ْ‬
‫متفق عليه‪.‬‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث‬ ‫هو الصحايب اجلليل أبو سعيد اخلدري‬
‫الثامن والثالثني‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫َع َل املِن َ ِْب))‪ ،‬قال يف ((الصحاح))‪" :‬نربت‬ ‫‪َ (( :‬ج َل َس َر ُس ُ‬
‫ول اهلل‬ ‫قوله‬
‫اليشء أنربه نرب ًا‪ :‬رفعته‪ ،‬ومنه سمي املنرب"‪.‬‬
‫(( َو َج َل ْسنَا َح ْو َل ُه))؛ لنسمع توجيهه ونصحه وموعظته لنا‪.‬‬
‫اف َع َل ْيك ُْم ِم ْن َب ْع ِدي))‪ ،‬أي‪ :‬بعد انتقايل إىل الرفيق‬
‫‪(( :‬إِ َّن ِمَّا َأ َخ ُ‬ ‫قوله‬
‫األعىل‪ ،‬فال خوف عليكم مع وجودي بينكم‪.‬‬
‫(( َما ُي ْفت َُح َع َل ْيك ُْم))‪ :‬ما يفتح يف موضع نصب؛ ألهنا اسم َّ‬
‫إن‪ ،‬ومما يف قوله‪:‬‬
‫إن مما)) يف موضع رفع؛ ألهنا اخلرب‪.‬‬
‫(( َّ‬
‫(( ِم ْن ز َْه َر ِة الدُّ ْن َيا))‪ ،‬واملراد بالزهرة الزينة والبهجة‪ ،‬والزهرة مأخوذة من‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)676‬‬

‫زهرة الشجر‪ ،‬وهو نورها بفتح النون‪ ،‬وقال ابن األعرايب‪ :‬هو األبيض منها‪ ،‬وقال‬
‫أبو حنيفة‪ :‬الزهر والنور سواء‪ (((،‬واملراد‪ :‬ما فيها من أنواع املتاع والعني والثياب‬
‫(((‬
‫والزروع‪ ،‬وغريها مما يفتخر الناس بحسنه مع قلة البقاء‪ ،‬قاله احلافظ ابن حجر‪.‬‬
‫(( َو ِزينَتِ َها)) عطف تفسري زهرة الدنيا‪ ،‬وهو من عطف اخلاص عىل العام‪،‬‬
‫وخشيته من ذلك؛ لئال يتعلق حبه بالقلب‪ ،‬ويأخذ هبجته بالبرص‪ ،‬فيوقع يف‬
‫األسباب املؤدية إىل فساد الدين‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬حقارة الدنيا وما فيها‪ ،‬وأن حبها سبب كثري من املصائب‪.‬‬
‫‪2 .2‬التحذير من االغرتار بالدنيا والنظر إليها‪.‬‬
‫عىل أمته‪ ،‬وحرصه عىل انقاذها مما يردهيا يف املهالك‪.‬‬ ‫‪3 .3‬خوف رسول اهلل‬

‫((( ((عمدة القاري))‪.332 - 331/7 :‬‬


‫((( ((فتح الباري))‪.274/11 :‬‬
‫(‪)677‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫احلديث السادس عشر بعد املائة‬

‫اآلخ َر ِة)) متفق عليه‪.‬‬


‫َق َال‪((:‬ال َّلهم َل عي َش إِ َّل عي ُش ِ‬
‫َْ‬ ‫ُ َّ َ ْ‬ ‫َأ َّن النَّبِ َّي‬ ‫َع ْن َأن ٍ‬
‫َس‬

‫™™راوي الحديث‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد تقدمت ترمجته يف احلديث‬ ‫هو الصحايب اجلليل أنس بن مالك‬
‫احلادي عرش‪.‬‬

‫™™شرح الحديث‪:‬‬
‫‪(( :‬ال َّل ُه َّم))‪ :‬امليم عوض عن ياء‪ ،‬ولذا ال جيتمعان‪ ،‬وهو من‬ ‫قوله‬
‫خصائص هذا االسم لدخوهلا عليه مع الم التعريف كام خص بالباء يف القسم‬
‫وقطع مهزته يف يا اهلل‪ ،‬وقيل أصله يا اهلل أمنا بخري فخفف بحذف حرف النداء‪،‬‬
‫ذكره القايض البيضاوي‪.‬‬
‫‪(" :‬فائدة) قال يف ((النهاية))‪( :‬اللهم) عىل ثالثة أنحاء‪:‬‬ ‫قال املناوي‬
‫أحدها‪ :‬أن يراد به النداء املحض كقولك‪ :‬اللهم ارمحنا‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن يذكره املجيب متكينا للجواب يف نفس السائل يقول لك القائل‬
‫أزيد قائم فتقول اللهم نعم أو‪ :‬اللهم ال‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يستعمل دليال عىل الندرة وقلة وقوع املذكور كقولك أنا ال أزورك‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)678‬‬
‫(((‬
‫اللهم إذا مل تدعني‪ ،‬أال ترى أن وقوع الزيارة مقرونا بعدم الدعاء قليل" اهـ‪.‬‬
‫(( َل َع ْي َش)) كامالً‪ ،‬أو باقي ًا‪ ،‬أو معترب ًا‪ ،‬أو هنيئ ًا‪ ،‬فال عيش دائم‪.‬‬
‫اآلخ َر ِة))‪ ،‬أي‪ :‬الدار اآلخرة؛ ألن عيش اآلخرة ال نكد فيه‪ ،‬وال‬
‫((إِ َّل عي ُش ِ‬
‫َْ‬
‫تعب‪ ،‬فال حيزن األنسان إذا أصابته يف الدنيا مصيبة‪ ،‬فإهنا منقضية‪ ،‬واألجر باق له‪.‬‬
‫قال الرافعي‪ :‬والقصد بذلك فطم النفس عن الرغبة يف الدنيا‪ ،‬ومحلها عىل الرغبة‬
‫(((‬
‫يف اآلخرة‪ ،‬وحتمل أثقال مساعيها‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫هذه الكلمة يف أرس األحوال‪ ،‬فقد قاهلا عندما رأى مجع‬ ‫وقد قال احلبيب‬
‫املسلمني يف يوم عرفة يف حجة الوداع‪ ،‬وقاهلا يف حفر اخلندق‪.‬‬

‫™™ما يستفاد من الحديث‪:‬‬


‫‪1 .1‬أن الدنيا دار عمل وتعب‪ ،‬وفيها من املصائب واملتاعب اليشء الكثري‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن حقيقة احلياة إنام هي احلياة اآلخرة اخلالية من كل نكد وتعب ملن دخل‬
‫جنة ربه‪.‬‬
‫‪3 .3‬املؤمن حريص عىل كسب اآلخرة‪ ،‬ورصف الدنيا من اجل اآلخرة‪.‬‬

‫((( ((فيض القدير))‪.383/2 :‬‬


‫((( ((فيض القدير))‪.383/2 :‬‬
‫(‪)679‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫اخلامتــــة‬

‫وكانت النهاية من هذا الرشح املبارك بإذن اهلل تعاىل صبيحة يوم ميالد احلبيب‬
‫الثاين عرش من شهر ربيع األول من سنة سبع‬ ‫األعظم‪ ،‬صاحب املقام األفخم‪،‬‬
‫وثالثني وأربعامئة وألف للهجرة (‪1437‬هـ) املوافق الثالث والعرشين من شهر‬
‫ديسمرب من عام ألفني ومخسة عرش من ميالد املسيح عليه السالم (‪2015‬م)‪.‬‬

‫أسأل اهلل تعاىل أن يتقبله مني‪ ،‬وأن يرزقني الصدق واإلخالص‪ ،‬وإن جيعله‬
‫خالص ًا خملص ًا لوجهه الكريم‪ ،‬ويعم به النفع واالنتفاع مجيع البقاع‪ ،‬وأن حيقق‬
‫ما يف نفيس مما نويته يف يومي هذا بختم هذا الرشح املبارك‪ ،‬وأن جيعله سبب ًا ملرافقة‬
‫جدي‪ ،‬وحبيبي‪ ،‬وطبيبي‪ ،‬وقرة عيني‪ ،‬ونور قلبي‪ ،‬رسول اهلل سيدي حممد بن‬
‫‪ ،‬وسبب ًا إلدخال الفرح عىل أهيل وأساليف‪ ،‬وفرح ًا وإرضا ًء لسيدي‪،‬‬ ‫عبداهلل‬
‫ووالدي‪ ،‬وشيخي‪ ،‬وبركتي‪ ،‬وإمامي‪ ،‬وقدويت‪ ،‬ومن له حق عيل‪ ،‬اإلمام العالمة‬
‫احلبيب عمر بن حممد بن سامل بن حفيظ حفظه اهلل وال أبعدنا عنه ال يف الدنيا وال يف‬
‫اآلخرة‪ ،‬ومجيع مشاخيي ومعلمي‪ ،‬كام أسأله تعاىل أن يغفر يل خطيئتي يوم الدين‪،‬‬
‫وأن يغفر ألصحاب الفضل عيل وبركتي يف الدنيا واآلخرة والدي ووالديت‪،‬‬
‫وزوجتي‪ ،‬وأوالدي‪ ،‬وإخواين‪ ،‬ومجيع أهل بيتي‪ ،‬ومن له حق عيل مغفرة تامة‪،‬‬
‫وأن يطيل لنا وهلم األعامر يف طاعته وقربه‪ ،‬وأن جيمعنا مجيع ًا عىل حوض النبي‬
‫ويدخلنا يف حزبه‪ ،‬وأن جيعلنا هادين مهتدين‪ ،‬غري ضالني وال مضلني‪،‬‬ ‫حممد‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)680‬‬

‫متمسكني بمنهج أهلنا وأسالفنا‪.‬‬

‫آمني اللهم آمني‬

‫وصىل اهلل عىل سيدنا حممد وآله وصحبه وسلم‬

‫وآخر دعوانا أن احلمد هلل‬

‫رب العاملني‬
‫(‪)681‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬

‫حمتوى الكتاب‬

‫مقدمــة الشـــارح‪5...................................................................‬‬
‫احلديث األول ‪7........................................................................‬‬
‫‪7....................................................................... :‬‬ ‫اسمـــه‬
‫‪10................................................................:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪12....................................................................... :‬‬ ‫وفاتـــه‬
‫الروايات التي ورد هبا احلديث‪13....................................................... :‬‬
‫رشح احلديث‪14....................................................................... :‬‬
‫واحلاصل يف معنى احلديث ‪15..........................................................:‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪20................................................................:‬‬
‫احلديث الثاين‪24.........................................................................‬‬
‫راوي احلديث‪24.......................................................................:‬‬
‫‪24....................................................................... :‬‬ ‫اسمـــه‬
‫رشح احلديث‪25....................................................................... :‬‬
‫معنى التوبة‪26..........................................................................:‬‬
‫والتوبة قسامن‪26....................................................................... :‬‬
‫التوبة باللسان‪26....................................................................... :‬‬
‫التوبة النصوحة‪28......................................................................:‬‬
‫رشوط التوبة النصوحة‪28.............................................................. :‬‬
‫املراد بالغيــن‪29....................................................................... :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)682‬‬

‫استغفار األنبياء‪30......................................................................:‬‬
‫هل االستغفار توبة؟‪32..................................................................‬‬
‫فائـــدة‪32............................................................................. :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪33................................................................:‬‬
‫احلديث الثالث ‪34.......................................................................‬‬
‫راوي احلديث‪34.......................................................................:‬‬
‫‪34....................................................................... :‬‬ ‫اسمـــه‬
‫‪36..................................................................... :‬‬ ‫فضائلـــه‬
‫‪40................................................................:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪40....................................................................... :‬‬ ‫وفاتـــه‬
‫رشح احلديث‪41....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪45................................................................:‬‬
‫احلديث الرابع‪46........................................................................‬‬
‫راوي احلديث‪46.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪46....................................................................... :‬‬
‫وهل ُت َك َّفر كل اخلطايا؟‪48..............................................................:‬‬
‫هل يشرتط الصرب مع املرض حلصول األجر؟‪48........................................ :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪50................................................................:‬‬
‫احلديث اخلامس‪51......................................................................‬‬
‫راوي احلديث‪51.......................................................................:‬‬
‫املقصود من قوهلم‪ :‬متفق عليه‪51........................................................:‬‬
‫الروايات التي ورد هبا احلديث‪51....................................................... :‬‬
‫رشح احلديث‪52....................................................................... :‬‬
‫(‪)683‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫فائــدة‪54.............................................................................. :‬‬
‫عالج الغضب‪56.......................................................................:‬‬
‫تنبيـــه‪58..............................................................................:‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪59................................................................:‬‬
‫احلديث السادس ‪60.....................................................................‬‬
‫راوي احلديث‪60.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪60....................................................................... :‬‬
‫تنبيـــه‪64..............................................................................:‬‬
‫أضــرار الغضب‪64....................................................................:‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪65................................................................:‬‬
‫احلديث السابع ‪66.......................................................................‬‬
‫راوي احلديث‪66.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪66....................................................................... :‬‬
‫معنى ال َغ ْ َي ِة‪66......................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪69................................................................:‬‬
‫احلديث الثامن‪70........................................................................‬‬
‫راوي احلديث‪70.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪70....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪77................................................................:‬‬
‫احلديث التاسع ‪78.......................................................................‬‬
‫راوي احلديث‪78.......................................................................:‬‬
‫‪78.......................................................................:‬‬ ‫اسمـــه‬
‫قصة إسالمه‪78.........................................................................:‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)684‬‬

‫ما ورد يف فضله‪79......................................................................:‬‬


‫روايته للحديث‪82..................................................................... :‬‬
‫‪83.................................................................... :‬‬ ‫وفاتــــــه‬
‫رشح احلديث‪83....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪87................................................................:‬‬
‫احلديث العارش‪88.......................................................................‬‬
‫راوي احلديث‪88.......................................................................:‬‬
‫‪88.......................................................................:‬‬ ‫اسمـــه‬
‫‪89......................................................................:‬‬ ‫مولـــده‬
‫‪89.................................................................. :‬‬ ‫سبب إسالمه‬
‫‪92................................................................ :‬‬ ‫ما ورد يف فضله‬
‫‪95.................................................................... :‬‬ ‫وفاتــــــه‬
‫الروايات التي ورد هبا احلديث‪99....................................................... :‬‬
‫رشح احلديث‪100....................................................................... :‬‬
‫هل األخذ باألسباب يتعارض مع التوكل‪102............................................ :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪105................................................................:‬‬
‫احلديث احلادي عرش ‪106.................................................................‬‬
‫راوي احلديث‪106.......................................................................:‬‬
‫‪106.......................................................................:‬‬ ‫اسمـــه‬
‫‪108..................................................................... :‬‬ ‫فضائلـــه‬
‫‪110................................................................:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪111....................................................................... :‬‬ ‫وفاتـــه‬
‫رشح احلديث‪113....................................................................... :‬‬
‫(‪)685‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫تنبيــه‪115...............................................................................:‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪117................................................................:‬‬
‫احلديث الثاين عرش ‪118...................................................................‬‬
‫راوي احلديث‪118.......................................................................:‬‬
‫‪118....................................................................... :‬‬ ‫اسمـــه‬
‫‪118................................................................:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫رشح احلديث‪119....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪127................................................................:‬‬
‫احلديث الثالث عرش‪128..................................................................‬‬
‫راوي احلديث‪128.......................................................................:‬‬
‫‪128....................................................................... :‬‬ ‫اسمـــه‬
‫‪128.................................................................... :‬‬ ‫فضائلــــه‬
‫روايته للحديث‪131..................................................................... :‬‬
‫‪131...................................................................... :‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫رشح احلديث‪132....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪134................................................................:‬‬
‫احلديث الرابع عرش‪135...................................................................‬‬
‫راوي احلديث‪135.......................................................................:‬‬
‫‪135....................................................................... :‬‬ ‫اسمـــه‬
‫‪136..................................................................... :‬‬ ‫فضائلـــه‬
‫دورة يف درء الفتنة‪140................................................................... :‬‬
‫‪142................................................................:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪143...................................................................... :‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)686‬‬

‫رشح احلديث‪144....................................................................... :‬‬


‫معنى الغبن‪145..........................................................................:‬‬
‫فائـــدة‪147............................................................................. :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪148................................................................:‬‬
‫احلديث اخلامس عرش‪149.................................................................‬‬
‫راوي احلديث‪149.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪149....................................................................... :‬‬
‫فائـــدة‪152............................................................................. :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪153................................................................:‬‬
‫احلديث السادس عرش ‪154................................................................‬‬
‫راوي احلديث‪154.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪154....................................................................... :‬‬
‫مسألـــة‪156............................................................................ :‬‬
‫تنبيـــه‪158..............................................................................:‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪160................................................................:‬‬
‫احلديث السابع عرش‪161..................................................................‬‬
‫راوي احلديث‪161.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪161....................................................................... :‬‬
‫املثل برشاك النعل؟ ‪162...............................................‬‬ ‫ملا رضب النبي‬
‫ما يستفاد من احلديث‪163................................................................:‬‬
‫احلديث الثامن عرش ‪164..................................................................‬‬
‫راوي احلديث‪164.......................................................................:‬‬
‫‪164....................................................................... :‬‬ ‫اسمـــه‬
‫(‪)687‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ما ورد فيه من الفضائل‪165.............................................................. :‬‬
‫روايته للحديث‪165..................................................................... :‬‬
‫‪166....................................................................... :‬‬ ‫وفاتـــه‬
‫رشح احلديث‪167....................................................................... :‬‬
‫مسألـــة‪168............................................................................ :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪169................................................................:‬‬
‫احلديث التاسع عرش‪171..................................................................‬‬
‫راوي احلديث‪171.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪171....................................................................... :‬‬
‫فائـــدة‪174............................................................................. :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪175................................................................:‬‬
‫احلديث العرشون‪176.....................................................................‬‬
‫راوي احلديث‪176.......................................................................:‬‬
‫‪176....................................................................... :‬‬ ‫اسمـــه‬
‫‪177..................................................................... :‬‬ ‫إسالمـــه‬
‫‪181..................................................................... :‬‬ ‫فضائلـــه‬
‫‪184..................................................................... :‬‬ ‫زهـــــده‬
‫‪186................................................................:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪187...................................................................... :‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫رشح احلديث‪188....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪191................................................................:‬‬
‫احلديث احلادي والعرشون‪192............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪192.......................................................................:‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)688‬‬

‫رشح احلديث‪192....................................................................... :‬‬


‫تنبيـــه‪194..............................................................................:‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪194................................................................:‬‬
‫احلديث الثاين والعرشون‪196..............................................................‬‬
‫رواي احلديث‪196.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪196....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪200................................................................:‬‬
‫احلديث الثالث والعرشون ‪201............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪201.......................................................................:‬‬
‫الروايات التي ورد هبا احلديث‪201....................................................... :‬‬
‫رشح احلديث‪202....................................................................... :‬‬
‫الفرق بني اإليامن واإلسالم‪202.......................................................... :‬‬
‫فائـــدة‪206............................................................................. :‬‬
‫تنبيـــه‪208..............................................................................:‬‬
‫مباحث مهمة متعلقة باحلديث‪209....................................................... :‬‬
‫تنبيـــه‪221..............................................................................:‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪221................................................................:‬‬
‫احلديث الر ابع والعرشون ‪222............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪222.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪222....................................................................... :‬‬
‫ما الذي يكفر من الذنوب‪223............................................................:‬‬
‫تنبيـــه‪225..............................................................................:‬‬
‫تنبيـــه‪226..............................................................................:‬‬
‫(‪)689‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫وهل يشرتط الرضا حلصول املغفرة؟ ‪228..................................................‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪229................................................................:‬‬
‫احلديث اخلامس والعرشون ‪230...........................................................‬‬
‫راوي احلديث‪230.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪230....................................................................... :‬‬
‫هاتني الصالتني؟‪232.................................................‬‬ ‫لِا اختص النبي‬
‫ما يستفاد من احلديث‪235................................................................:‬‬
‫احلديث السادس والعرشون ‪236..........................................................‬‬
‫راوي احلديث‪236.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪236....................................................................... :‬‬
‫وهل هذا متعلق بالنوافل فقط أم مع الفرائض؟ ‪238.......................................‬‬
‫هل األعذار املرخصة لرتك اجلامعة تكون حمصلة للفضيلة؟‪239.............................‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪241................................................................:‬‬
‫احلديث السابع والعرشون ‪242............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪242.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪242....................................................................... :‬‬
‫هل الصدقة تنحرص يف املحسوس منه؟‪243................................................‬‬
‫تنبيـــه‪245..............................................................................:‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪245................................................................:‬‬
‫احلديث الثامن والعرشون‪246.............................................................‬‬
‫رواي احلديث‪246.......................................................................:‬‬
‫‪246....................................................................... :‬‬ ‫اسمـــه‬
‫‪247..................................................................... :‬‬ ‫فضائلـــه‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)690‬‬

‫روايته للحديث‪247..................................................................... :‬‬


‫‪247...................................................................... :‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫رشح احلديث‪248....................................................................... :‬‬
‫تنبيـــه‪249..............................................................................:‬‬
‫تنبيه آخر‪249............................................................................ :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪252................................................................:‬‬
‫احلديث التاسع والعرشون ‪253............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪253.......................................................................:‬‬
‫‪253....................................................................... :‬‬ ‫اسمـــه‬
‫‪253..................................................................... :‬‬ ‫إسالمـــه‬
‫‪254........................................................ :‬‬ ‫صفته وما جاء يف فضله‬
‫‪256................................................................:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪258....................................................................... :‬‬ ‫وفاتـــه‬
‫رشح احلديث‪259....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪261................................................................:‬‬
‫احلديث الثالثون‪262......................................................................‬‬
‫راوي احلديث‪262.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪262....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪264................................................................:‬‬
‫احلديث احلادي والثالثون‪265.............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪265.......................................................................:‬‬
‫‪265....................................................................... :‬‬ ‫اسمـــه‬
‫‪265................................................................... :‬‬ ‫قصة إسالمه‬
‫(‪)691‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫‪266................................................................ :‬‬ ‫ما ورد يف فضله‬
‫‪267................................................................:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪268...................................................................... :‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫رشح احلديث‪269....................................................................... :‬‬
‫حكم األكل باليد اليمنى‪271.............................................................:‬‬
‫معنى أكل الشيطان‪273.................................................................. :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪274............................................................... :‬‬
‫احلديث الثاين والثالثون‪275...............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪275.......................................................................:‬‬
‫‪275....................................................................... :‬‬ ‫اسمـــه‬
‫‪275.......................................................................:‬‬ ‫مولـــده‬
‫‪276...................................................................... :‬‬ ‫وصفـــه‬
‫‪278................................................................:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪278....................................................................... :‬‬ ‫وفاتـــه‬
‫رشح احلديث‪279....................................................................... :‬‬
‫حكم تسوية الصفوف يف الصالة‪282.....................................................:‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪285................................................................:‬‬
‫احلديث الثالث والثالثون ‪286.............................................................‬‬
‫راوية احلديث‪286....................................................................... :‬‬
‫‪286.....................................................................:‬‬ ‫اسمهـــــا‬
‫منها‪287.....................................................................:‬‬ ‫زواجه‬
‫‪290.....................................................................:‬‬ ‫فضائلهـــا‬
‫‪291..................................................................:‬‬ ‫علمها وفقهها‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)692‬‬

‫‪292............................................................... :‬‬ ‫روايتها للحديث‬


‫‪293..........................................................................:‬‬ ‫وفاهتا‬
‫رشح احلديث‪294....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪300................................................................:‬‬
‫احلديث الرابع والثالثون‪301..............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪301.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث ‪301........................................................................‬‬
‫تنبيـــه‪305..............................................................................:‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪305................................................................:‬‬
‫احلديث اخلامس والثالثون‪307............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪307.......................................................................:‬‬
‫‪307....................................................................... :‬‬ ‫اسمـــه‬
‫‪308................................................................:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪308...................................................................... :‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫رشح احلديث‪309....................................................................... :‬‬
‫وهل املثلية يف أصل الثواب دون التضعيف املزيد للعامل‪ ،‬أم فيه أيض ًا؟ ‪310................‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪311................................................................:‬‬
‫احلديث السادس والثالثون ‪312...........................................................‬‬
‫راوي احلديث‪312.......................................................................:‬‬
‫‪312...................................................................... :‬‬ ‫اسمــــه‬
‫‪312................................................................:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪313...................................................................... :‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫رشح احلديث‪313....................................................................... :‬‬
‫(‪)693‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫تنبيـــه‪315..............................................................................:‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪317................................................................:‬‬
‫احلديث السابع والثالثون ‪318.............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪318.......................................................................:‬‬
‫‪318...................................................................... :‬‬ ‫اسمــــه‬
‫‪319.................................................................... :‬‬ ‫إسالمــــه‬
‫‪319.................................................................... :‬‬ ‫فضائلــــه‬
‫‪322................................................................:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪322.................................................................... :‬‬ ‫وفاتــــــه‬
‫رشح احلديث‪322....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪329................................................................:‬‬
‫احلديث الثامن والثالثون‪330..............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪330.......................................................................:‬‬
‫‪330...................................................................... :‬‬ ‫اسمــــه‬
‫‪331..................................................................... :‬‬ ‫فضائلـــه‬
‫‪331................................................................:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪332...................................................................... :‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫رشح احلديث‪333....................................................................... :‬‬
‫مباحث مهمة متعلقة باحلديث‪335....................................................... :‬‬
‫حكم األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪335.............................................. :‬‬
‫تنبيـــــه‪336............................................................................:‬‬
‫رشط اآلمر باملعروف والناهي عن املنكر‪336............................................. :‬‬
‫هل يشرتط يف اآلمر باملعروف والناهي عن املنكر كامل احلال‪337.......................... :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)694‬‬

‫هل خيتص األمر باملعروف والنهي عن املنكر بأصحاب الواليات؟‪339.....................‬‬


‫هل يرتك األمر والنهي إن غلب عىل ظنه عدم القبول‪339................................. :‬‬
‫رشوط األمر باملعروف النهي عن املنكر‪340.............................................. :‬‬
‫تنبيه مهم‪342............................................................................ :‬‬
‫شبهة قد تثار‪343........................................................................ :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪343................................................................:‬‬
‫احلديث التاسع والثالثون ‪345.............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪345.......................................................................:‬‬
‫‪345......................................................................:‬‬ ‫اسمــــه‬
‫‪347..................................................................... :‬‬ ‫فضائلـــه‬
‫‪349................................................................:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪350..................................................................... :‬‬ ‫وفاتـــــه‬
‫رشح احلديث‪350....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪351................................................................:‬‬
‫احلديث األربعون‪352.....................................................................‬‬
‫راوي احلديث‪352.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪352....................................................................... :‬‬
‫تنبيـــــه‪353............................................................................:‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪353................................................................:‬‬
‫كتاب بضاعة الناصحني (اجلزء الثاين)‬
‫احلديث احلادي واألربعون‪357............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪357.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪357....................................................................... :‬‬
‫(‪)695‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫تنبيه مهم جد ًا‪361....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪363................................................................:‬‬
‫احلديث الثاين واألربعون‪364..............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪364.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪364....................................................................... :‬‬
‫فائــــدة‪365............................................................................ :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪365................................................................:‬‬
‫احلديث الثالث واألربعون ‪366............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪366.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪366....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪368................................................................:‬‬
‫احلديث الرابع واألربعون‪370.............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪370.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪370....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪371................................................................:‬‬
‫احلديث اخلامس واألربعون‪372...........................................................‬‬
‫راوي احلديث‪372.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪373....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪374................................................................:‬‬
‫احلديث السادس واألربعون ‪375..........................................................‬‬
‫راوي احلديث‪375.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪375....................................................................... :‬‬
‫بيان حكم التشبيك‪377.................................................................. :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)696‬‬

‫ما يستفاد من احلديث‪379................................................................:‬‬


‫احلديث السابع واألربعون ‪381............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪381.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪381....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪383................................................................:‬‬
‫احلديث الثامن واألربعون‪384.............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪384.......................................................................:‬‬
‫‪384...................................................................... :‬‬ ‫اسمــــه‬
‫‪385.................................................................... :‬‬ ‫إسالمــــه‬
‫‪386..................................................................... :‬‬ ‫فضائلـــه‬
‫‪389................................................................:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪390...................................................................... :‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫رشح احلديث‪390....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪393................................................................:‬‬
‫احلديث التاسع واألربعون ‪394............................................................‬‬
‫رواي احلديث‪394.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪394....................................................................... :‬‬
‫ضابط التخفيف يف الصالة‪395.......................................................... :‬‬
‫خيص صالة بعينها؟‪398...............................................‬‬ ‫وهل األمر منه‬
‫حكم التخفيف يف الصالة‪402........................................................... :‬‬
‫هل يدخل يف التطويل لو صىل منفرد ًا ُ‬
‫مجيع األركان؟ ‪403..................................‬‬
‫هل إذا زالت العلة مل يرض التطويل عىل قاعدة (احلكم يدور مع علته وجود ًا وعدم ًا)؟ ‪404..‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪406................................................................:‬‬
‫(‪)697‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫احلديث اخلمسون ‪407....................................................................‬‬
‫رواي احلديث‪407.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪407....................................................................... :‬‬
‫مسألــــــة‪410......................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪411................................................................:‬‬
‫احلديث احلادي واخلمسون ‪412...........................................................‬‬
‫راوي احلديث‪412.......................................................................:‬‬
‫‪412...................................................................... :‬‬ ‫اسمــــه‬
‫‪413.................................................................... :‬‬ ‫فضائلــــه‬
‫‪414................................................................:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪414.................................................................... :‬‬ ‫وفاتــــــه‬
‫رشح احلديث‪418....................................................................... :‬‬
‫فائــــدة‪421............................................................................ :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪422................................................................:‬‬
‫احلديث الثاين واخلمسون ‪423.............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪423.......................................................................:‬‬
‫‪423...................................................................... :‬‬ ‫اسمــــه‬
‫‪424................................................................:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪424...................................................................... :‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫رشح احلديث‪424....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪427................................................................:‬‬
‫احلديث الثالث واخلمسون‪428............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪428.......................................................................:‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)698‬‬

‫‪428...................................................................... :‬‬ ‫اسمــــه‬


‫‪429..................................................................... :‬‬ ‫فضائلـــه‬
‫‪431................................................................:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪435...................................................................... :‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫رشح احلديث‪436....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪441................................................................:‬‬
‫احلديث الرابع واخلمسون‪442.............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪442.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪442....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪445................................................................:‬‬
‫احلديث اخلامس واخلمسون‪446...........................................................‬‬
‫راوي احلديث‪446.......................................................................:‬‬
‫‪446...................................................................... :‬‬ ‫اسمــــه‬
‫رشح احلديث‪446....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪449................................................................:‬‬
‫احلديث السادس واخلمسون ‪450..........................................................‬‬
‫راوي احلديث‪450.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪450....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪451................................................................:‬‬
‫احلديث السابع واخلمسون‪452............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪452.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪452....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪454................................................................:‬‬
‫(‪)699‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫احلديث الثامن واخلمسون ‪455............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪455.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪455....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪458................................................................:‬‬
‫احلديث التاسع واخلمسون‪459............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪459.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪459....................................................................... :‬‬
‫فائــــدة‪461............................................................................ :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪462................................................................:‬‬
‫احلديث الستون ‪463......................................................................‬‬
‫راوي احلديث‪463.......................................................................:‬‬
‫‪463...................................................................... :‬‬ ‫اسمــــه‬
‫‪463................................................................... :‬‬ ‫قصة إسالمه‬
‫‪464........................................................ :‬‬ ‫فضائله وما ورد يف حقه‬
‫‪465................................................................:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪466...................................................................... :‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫رشح احلديث‪467....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪469................................................................:‬‬
‫احلديث احلادي والستون‪470..............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪470.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪470....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪471................................................................:‬‬
‫احلديث الثاين والستون ‪473...............................................................‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)700‬‬

‫راوي احلديث‪473.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪473....................................................................... :‬‬
‫وهل حسن اخللق مكتسب أو غريزي؟‪474................................................‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪477................................................................:‬‬
‫احلديث الثالث والستون ‪478..............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪478.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪478....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪479................................................................:‬‬
‫احلديث الرابع والستون‪480...............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪480.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪480....................................................................... :‬‬
‫مباحث مهمة‪481........................................................................:‬‬
‫تنبيــــه‪481.............................................................................:‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪483................................................................:‬‬
‫احلديث اخلامس والستون‪484.............................................................‬‬
‫راوية احلديث‪484....................................................................... :‬‬
‫‪484.....................................................................:‬‬ ‫اسمهـــــا‬
‫‪485.................................................................... :‬‬ ‫فضلهـــــا‬
‫منها‪486.....................................................................:‬‬ ‫زواجه‬
‫‪489............................................................... :‬‬ ‫روايتها للحديث‬
‫‪490...................................................................... :‬‬ ‫وفاهتــــا‬
‫رشح احلديث‪491....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪492................................................................:‬‬
‫(‪)701‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫احلديث السادس والستون ‪493............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪493.......................................................................:‬‬
‫‪493...................................................................... :‬‬ ‫اسمــــه‬
‫‪494........................................................................ :‬‬ ‫فضائله‬
‫‪496................................................................:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪496..................................................................... :‬‬ ‫وفاتـــــه‬
‫رشح احلديث‪497....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪498................................................................:‬‬
‫احلديث السابع والستون ‪499..............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪499.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪499....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪501................................................................:‬‬
‫احلديث الثامن والستون ‪502..............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪502.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪502....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪503................................................................:‬‬
‫احلديث التاسع والستون‪504..............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪504.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪504....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪505................................................................:‬‬
‫احلديث السبعون ‪506.....................................................................‬‬
‫راوي احلديث‪506.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪506....................................................................... :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)702‬‬

‫ما هو اإلنفاق املمدوح واملقصود يف احلديث؟ ‪507.........................................‬‬


‫ما يستفاد من احلديث‪508............................................................... :‬‬
‫احلديث احلادي والسبعون ‪509............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪509.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪510....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪513................................................................:‬‬
‫احلديث الثاين والسبعون ‪514..............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪514.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪514....................................................................... :‬‬
‫تنبيـــــه‪515............................................................................:‬‬
‫حـــد اجلـــار‪516...................................................................... :‬‬
‫املقصود من هذا التوريث‪517............................................................ :‬‬
‫تنبيـــــه‪517............................................................................:‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪517................................................................:‬‬
‫احلديث الثالث والسبعون‪518.............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪518.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪518....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪519................................................................:‬‬
‫احلديث الرابع والسبعون ‪521.............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪521.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪521....................................................................... :‬‬
‫فائـــــدة‪522........................................................................... :‬‬
‫مسألـــــة‪523.......................................................................... :‬‬
‫(‪)703‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪524................................................................:‬‬
‫احلديث اخلامس والسبعون ‪525...........................................................‬‬
‫راوي احلديث‪525.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪525....................................................................... :‬‬
‫حكم إكرام الضيف‪527..................................................................:‬‬
‫مقدار الضيافة‪530.......................................................................:‬‬
‫فائـــــدة‪533........................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪533................................................................:‬‬
‫احلديث السادس والسبعون‪535...........................................................‬‬
‫راوية احلديث‪535....................................................................... :‬‬
‫رشح احلديث‪535....................................................................... :‬‬
‫فائــــدة‪536............................................................................ :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪536................................................................:‬‬
‫احلديث السابع والسبعون‪537.............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪537.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪537....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪538................................................................:‬‬
‫احلديث الثامن والسبعون ‪539.............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪539.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪539....................................................................... :‬‬
‫حكم صلة الرحم‪540....................................................................:‬‬
‫مسألــــة‪540........................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪544................................................................:‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)704‬‬

‫احلديث التاسع والسبعون‪545.............................................................‬‬


‫راوي احلديث‪545.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪545....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪546................................................................:‬‬
‫احلديث الثامنون ‪547......................................................................‬‬
‫راوية احلديث‪547....................................................................... :‬‬
‫رشح احلديث‪547....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪550................................................................:‬‬
‫احلديث احلادي والثامنون ‪551.............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪551.......................................................................:‬‬
‫‪551..................................................................... :‬‬ ‫اسمـــــه‬
‫‪552.................................................................... :‬‬ ‫فضائلــــه‬
‫‪553................................................................:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪554..................................................................... :‬‬ ‫وفاتـــــه‬
‫رشح احلديث‪554....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪557................................................................:‬‬
‫احلديث الثاين والثامنون ‪558...............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪558.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪558....................................................................... :‬‬
‫أمر الوالدين الولد بطالق زوجته‪559.................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪561................................................................:‬‬
‫احلديث الثالث والثامنون‪562..............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪562.......................................................................:‬‬
‫(‪)705‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫‪562...................................................................... :‬‬ ‫اسمــــه‬
‫‪562..................................................................... :‬‬ ‫فضائلـــه‬
‫‪563................................................................:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪563...................................................................... :‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫رشح احلديث‪563....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪565................................................................:‬‬
‫احلديث الرابع والثامنون‪566...............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪566.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪566....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪567................................................................:‬‬
‫احلديث اخلامس والثامنون‪568.............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪568.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪568....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪570................................................................:‬‬
‫احلديث السادس والثامنون‪571............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪571.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪571....................................................................... :‬‬
‫من هم أهل البيت؟‪572...................................................................‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪574................................................................:‬‬
‫احلديث السابع والثامنون‪576..............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪576.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪576....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪578................................................................:‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)706‬‬

‫احلديث الثامن والثامنون ‪579..............................................................‬‬


‫راوي احلديث‪579.......................................................................:‬‬
‫‪579...................................................................... :‬‬ ‫اسمــــه‬
‫‪581...................................................................... :‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫رشح احلديث‪581....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪582................................................................:‬‬
‫احلديث التاسع والثامنون‪583..............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪583.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪583....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪584................................................................:‬‬
‫احلديث التسعون ‪585.....................................................................‬‬
‫راوي احلديث‪585.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪585....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪586................................................................:‬‬
‫احلديث احلادي والتسعون ‪587............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪587.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪587....................................................................... :‬‬
‫تنبيــــه‪590.............................................................................:‬‬
‫فائــــدة‪592............................................................................ :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪592................................................................:‬‬
‫احلديث الثاين والتسعون ‪593..............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪593.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪593....................................................................... :‬‬
‫(‪)707‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪598................................................................:‬‬
‫احلديث الثالث والتسعون‪599.............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪599.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪599....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪601............................................................... :‬‬
‫احلديث الرابع والتسعون ‪602.............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪602.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪602....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪603................................................................:‬‬
‫احلديث اخلامس والتسعون ‪604...........................................................‬‬
‫راوي احلديث‪604.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪604....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪606................................................................:‬‬
‫احلديث السادس والتسعون‪608...........................................................‬‬
‫راوي احلديث‪608.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪608....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪609................................................................:‬‬
‫احلديث السابع والتسعون‪610.............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪610.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪610....................................................................... :‬‬
‫مسجد قباء يوم السبت‪612..............................................:‬‬ ‫سبب أتيانه‬
‫املسجد الذي أسس عىل التقوى‪613......................................................:‬‬
‫مسألة مهمة‪616......................................................................... :‬‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)708‬‬

‫ما يستفاد من احلديث‪618.................................................................‬‬


‫احلديث الثامن والتسعون ‪619.............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪619.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪619....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪621................................................................:‬‬
‫احلديث التاسع والتسعون‪622.............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪622.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪622....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪624................................................................:‬‬
‫احلديث املـائــــة‪625.....................................................................‬‬
‫راوي احلديث‪625.......................................................................:‬‬
‫‪625...................................................................... :‬‬ ‫اسمــــه‬
‫‪625................................................................:‬‬ ‫صفاته وفضائله‬
‫‪627................................................................:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪628...................................................................... :‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫رشح احلديث‪628....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪630............................................................... :‬‬
‫احلديث الواحد بعد املائة‪631..............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪631.......................................................................:‬‬
‫‪631...................................................................... :‬‬ ‫اسمــــه‬
‫‪632................................................................:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪632..................................................................... :‬‬ ‫وفاتـــــه‬
‫رشح احلديث‪633....................................................................... :‬‬
‫(‪)709‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪633................................................................:‬‬
‫احلديث الثاين بعد املائة‪634................................................................‬‬
‫راوي احلديث‪634.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪634....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪635................................................................:‬‬
‫احلديث الثالث بعد املائة ‪636..............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪636.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪636....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪640................................................................:‬‬
‫احلديث الرابع بعد املائة‪641...............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪641.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪641....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪642................................................................:‬‬
‫احلديث اخلامس بعد املائة‪643.............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪643.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪643....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪644................................................................:‬‬
‫احلديث السادس بعد املائة ‪645............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪645.......................................................................:‬‬
‫‪645...................................................................... :‬‬ ‫اسمــــه‬
‫‪645.................................................................... :‬‬ ‫فضائلــــه‬
‫‪646................................................................:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪647...................................................................... :‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬ ‫(‪)710‬‬

‫رشح احلديث‪648....................................................................... :‬‬


‫ما يستفاد من احلديث‪649................................................................:‬‬
‫احلديث السابع بعد املائة ‪650..............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪650.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪650....................................................................... :‬‬
‫تنبيــــه‪651.............................................................................:‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪653................................................................:‬‬
‫احلديث الثامن بعد املائة‪654...............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪654.......................................................................:‬‬
‫‪654....................................................................... :‬‬ ‫اسمـــه‬
‫‪655................................................................:‬‬ ‫روايته للحديث‬
‫‪655...................................................................... :‬‬ ‫وفاتــــه‬
‫رشح احلديث‪656....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪657................................................................:‬‬
‫احلديث التاسع بعد املائة ‪658..............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪658.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪658....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪661................................................................:‬‬
‫احلديث العارش بعد املائة‪662..............................................................‬‬
‫راوي احلديث‪662.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪662....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪663................................................................:‬‬
‫احلديث احلادي عرش بعد املائة ‪664........................................................‬‬
‫(‪)711‬‬ ‫‪‬‬ ‫بضاعة الناصحين شرح قطوف الفـالحين‬ ‫‪‬‬
‫راوي احلديث‪664.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪664....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪665................................................................:‬‬
‫احلديث الثاين عرش بعد املائة ‪666..........................................................‬‬
‫راوي احلديث‪666.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪666....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪667................................................................:‬‬
‫احلديث الثالث عرش بعد املائة‪669.........................................................‬‬
‫راوي احلديث‪669.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪669....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪671................................................................:‬‬
‫احلديث الرابع عرش بعد املائة‪672..........................................................‬‬
‫راوي احلديث‪672.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪672....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪674................................................................:‬‬
‫احلديث اخلامس عرش بعد املائة‪675........................................................‬‬
‫راوي احلديث‪675.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪675....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪676................................................................:‬‬
‫احلديث السادس عرش بعد املائة ‪677.......................................................‬‬
‫راوي احلديث‪677.......................................................................:‬‬
‫رشح احلديث‪677....................................................................... :‬‬
‫ما يستفاد من احلديث‪678................................................................:‬‬
‫اخلامتــــة ‪679............................................................................‬‬

You might also like