You are on page 1of 5

‫"كورونا" وعلم النفس‪ ..

‬عُصاب لمصلحة المجتمع؟‬

‫ف من االحتكاك مع اآلخرين‬ ‫ص ون بأخذ االحتياطات الالزمة‪ .‬التعليمات واضحة‪ :‬التز ْم البيت وخ ّف ْ‬ ‫منذ بداية انتشار المرض‪ ،‬يُطالب المخت ّ‬
‫ْ‬
‫وحافظ على النظافة‪ .‬األقنعة والق ّفازات الصحيّة ال تحميك من العدوى‪ .‬نوبات الشراء وتكديس السلع تحسّبا ً للكارثة لن‬ ‫قدر اإلمكان‪،‬‬
‫ّ‬
‫تخ ّفف من قلقك أو تزيد من شعورك باألمان كما تتو ّقع‪ .‬اإلقبا ُل على السلع سيزي ُد من تكلفتها وأسعارها‪ ،‬أو يؤدّي إلى نفادها وقلتها وكال‬
‫قلق آخر‪ .‬وأرقام الوفيات واإلصابات تؤ ّكد أنّ الموضوع ليس مؤامر ًة البتة‪.‬‬‫األمرين سيؤدّيان إلى ٍ‬

‫بشكل‬
‫ٍ‬ ‫لكن ماذا لدينا اآلن؟ أفكار عن المؤامرة وبارانويا "اآلخر" وعنصري ٌّة تجاهه‪ .‬إنكا ٌر للحدث أو تسخيفه‪ .‬ادّعا ٌء للهدوء والالمباالة‬
‫ف فارغ ٍة‬ ‫ُ‬
‫نوبات شرا ٍء وصو ٌر لرفو ٍ‬ ‫ّ‬
‫وبث الهلع‪.‬‬ ‫مثير للسخرية‪ .‬تدابير الحماية المُفرطة والمهووسة‪ .‬المُبالغة في نشر األخبار والمعلومات‬
‫ٍ‬
‫غرض هناك‪ .‬مناشدات‪ O‬للطواقم الطبّية والصحيّة بعد اختفاء األقنعة من السوق في‬ ‫ٍ‬ ‫في المتاجر‪ ،‬وشجارات بين أشخاص على سلع ٍة هنا أو‬
‫حين أ ّنهم أكثر من يحتاجها‪ .‬وسلوكيّات وتص ّرفات تضرب بعرض الحائط ش ّتى قواعد الح َذر والتدابير‪ ،‬فما تفتأ األرقام ترتفع؛ منذر ًة‬
‫بكارث ٍة أكبر‪.‬‬

‫محجورون في أنماط تفكيرنا‬

‫ّات علم النفس االجتماعيّ والسلوكيّ أنّ كثيراً من التص ّرفات وردود الفعل التي رأيناها وال نزال نراها ال تتعدّى كونها جزءاً‬ ‫ُتخبرنا نظري ُ‬
‫ك وينعدم فيها اليقين‪ .‬يبدأ الناس في‬
‫من سلوكيات القطيع‪ .‬يحدث هذا ‪-‬بك ّل تأكيد‪ -‬في المواقف التي يسود فيها الذعر وينتشر فيها الش ّ‬
‫مشاهدة غيرهم لمعرفة كيف يستجيبون وكيف يتص ّرفون‪ .‬أمرٌّ غريزيٌّ أكثر من كونه عقالن ّياً‪ .‬الخوف مُعدٍ‪ ،‬ال ش ّ‬
‫ك في ذلك‪ .‬وأل ّننا ال‬
‫نعرف ما الذي سيحدث‪ ،‬فال أسهل من أنْ ينخر َط الواح ُد م ّنا في الهستيريا الجماعيّة الحاصلة‪.‬‬

‫ُ‬
‫النظريات أنّ اإلنسان ‪-‬بطبعه‪ -‬حبيسٌ للعديد من أنماط التفكير‪ ،‬وهو ما يُعرف باالنحيازات اإلدراكيّة أو المعرفيّة‬ ‫أو قد ُتخبرنا هذه‬
‫‪ ،Biases‬الناتجة عن محدوديّة العقل البشريّ ‪ ،‬أو ضعف القدرة على معالجة المعلومات أو التأثيرات العاطفيّة أو االجتماعيّة والثقافيّة‬
‫من حولنا‪.‬‬

‫يمي ُل البعضُ ألنْ يكون متفائالً باعتقا ِد ِه أنّ المرض لن يصيبه هو بالتحديد‪ ،‬وأ ّن ه لن ينقل العدوى إلى غيره‪ .‬يميل آخرون إلى تسخيف‬
‫والسرطان أو األوبئة السابقة بوفيات "كورونا"‪ .‬ويُصاب‬
‫َ‬ ‫األمر من خالل مقارنة الوفيات الناتجة عن اإلنفلونزا العادية وحوادث السير‬
‫سوداوية تام ًّة تحجبه عن الصورة األوسع‪ .‬ويص ّر آخرون على االعتقاد بنظريّات المؤامرة والكذب‪ .‬وما بين هذا‬
‫ً‬ ‫البعضُ بالهلع‪ ،‬فيرى‬
‫ّات فردية تزيد فداح َة الخطر والمآالت‪.‬‬ ‫وذاك‪ ،‬هناك سلوكي ٌ‬

‫هذا الوباء‪ ،‬مثله مثل الطاعون في رواية ألبير كامو‪ ،‬ليس مرضا ً جسد ّيا ً فقط‪ ،‬بقدر ما هو سياسيٌّ وأخالقيٌّ واجتماعيٌّ ونفسيٌّ ‪ .‬يروي لنا‬
‫حكايات الفزع الذي اكتنف حيا َتنا فجأة دون سابق إنذار‪ ،‬لنجد أنفسنا وجها ً لوجه مع هشاشتنا البشريّة‪ ،‬في وق ٍ‬
‫ت بدأنا نعتقد فيه أ ّننا أسياد‬
‫بشكل غير محدود بالحضارة الحديثة التي تفتخر بقدرتها المطلَقة‪ ،‬غير أنها تظهر اآلن عاجزة على فعل الكثير ض ّد انفجار‬ ‫ٍ‬ ‫مصيرنا‪ .‬آم ّنا‬
‫الواقع فجأ ًة‪ ،‬وهو انفجا ٌر لم يكن في الحسبان‪.‬‬
‫عودة المكبوت‬

‫ً‬
‫محبوسة؛ نسخة جماعيّة من "عودة المكبوت" التي تحدّث عنها سيغموند فرويد‬ ‫مجموعة من األعراض التي كانت‬ ‫ً‬ ‫زعزعت الجائح ُة‬
‫‪ Sigmund Freud. 1‬العديد من آليات الدفاع النفسيّة ظهرت على السطح‪ :‬اإلنكار واالستذهان والكبت والنكوص والتنصّل واإلزاحة‬
‫وغيرها‪2.‬تو ّفر ك ُّل آلي ٍة من هذه اآلليات حلوالً وهمي ًّة لمواجهة احتماالت القلق الناتج عن الخطر الذي لم يتض ّح بعد‪ ،‬وما زلنا عاجزين‬
‫عن تصوّ ره‪.‬‬

‫دفاعات نرجسيّة‪ ،‬تخفي هشاش َتنا وضع َفنا تحت أقنع ٍة من القدرة الكليّة‪ ،‬التي تمنعنا من‬ ‫ٌ‬ ‫إنّ الكثير من هذه الدفاعات‪ O‬التي نراها اليوم هي‬
‫التعاطف واالرتباط بالعالم من حولنا‪ ،‬وتحجب ع ّنا العقالنية أو الحُكم الموضوعي على األحداث والتطوّ رات‪ .‬لم يعد بإمكان الكثير م ّنا‬
‫احتواء صدمة الواقع وقلقه‪ ،‬لذلك نلجأ إلى ما وصفته المحلّلة النفسيّة ميالني كالين ‪ Melanie Klein‬بالدفاع الهوسي ‪Manic‬‬
‫ً‬
‫نتيجة ألوهام السّلطة والقدرة الكليّة واالكتفاء الذاتيّ ‪.‬‬ ‫‪Defense‬؛ إنكار العجز والحاجة لآلخرين‬

‫تتحدّث كالين أيضا ً عن موقفين نفسيّين يفرّ قان ما بين مرحلتيْ الطفولة والنضج‪ ،‬لكنْ يميل الناس إلى التأرجح ما بينهما طوال مراحل‬
‫حياتهم تبعا ً للعديد من الظروف‪ ،‬وهما الموقف الفصامي‪-‬العُظامي ‪ Paranoid-schizoid Position‬في الطفولة‪ ،‬والموقف االكتئابيّ‬
‫‪ Depressive Position‬في مرحلة النضج‪.‬‬

‫يُشير الموقف األول إلى حالة القلق والخوف النابعة من اإلسقاط النفسيّ لغريزة الموت الداخليّة‪ ،‬والتي تتجلّى في مراحل حياتنا المختلفة‬
‫عن طريق األزمات والصدمات واإلحباطات المختلفة‪ .‬في هذا الموقف‪ ،‬تتعامل األنا ‪-‬غير الناضجة‪ -‬مع قلقها من خالل فصل المشاعر‬
‫وممرض ومُعيب وسيّ ء فهو من اآلخر أو‬ ‫ِ‬ ‫السيئة وإسقاطها على العالم الخارجيّ بعيداً عن الذات‪ .‬تصبح الذات نقيّة‪ ،‬وك ّل ما هو مقلِق‬
‫كمصدر للمشكلة أو أ ّنها‬
‫ٍ‬ ‫ت أخرى‪ ،‬يتميّز هذا الموقف من وجهة نظر كالين بعدم قدرة الشخص على رؤية ذاته‬ ‫العالم الخارجيّ ‪ .‬بكلما ٍ‬
‫شكل من األشكال‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫جز ٌء منها‪ .‬جميع ما يحدث يحدث بسبب عوامل خارجيّة منفصلة عنه تماما‪ ،‬وال تتعلق به بأيّ‬

‫األوضاع اليائسة والبائسة‪ .‬في المقابل‪،‬‬


‫َ‬ ‫كدفاع ض ّد مشاعر االكتئاب والخسارة التي تصاحب‬
‫ٍ‬ ‫بشكل ارتيابيّ أو فصاميّ‬
‫ٍ‬ ‫يتصرّ ف البشر‬
‫ّ‬
‫يُشير الموقف الثاني وهو االكتئابي إلى قبول الصدمة ومشاعر اإلحباط والخوف التي ال مف ّر منها من خالل التخلي عن النرجسيّة‬
‫واألنانية الفرديّة لصالح اآلخرين والمجتمع‪.‬‬

‫بطرق غير‬
‫ٍ‬ ‫باستخدام مصطلحات كالين‪ ،‬يبدو أنّ الكثيرين م ّنا إذاً ينزلقون إلى موقف الفصامي‪-‬العُظامي بعيداً عن االكتئابي‪ ،‬ويتص ّرفون‬
‫قادرة على تحمّل مشاعر الصّدمة واالكتئاب التي ُتصاحب‪ O‬الوضع المربك الذي نعيشه بما فيها من تناقضات‪ ،‬وتع ّزز قدراً أكبر من‬
‫النرجسيّة الفرديّة التي ُتعيق مبادئ وأخالقيات التعايش‪ .‬وهذا أم ٌر طبيعيّ في الظروف الصعبة‪ .‬وعاد ًة ما نحتاج لفترة من الوقت حتى‬
‫نتم ّكن من استعادة القدرة على تحمّل التناقض وامتصاص الصدمة‪.‬‬

‫تتجلّى المسؤولي ُة المشتركة في الموقف االكتئابي‪ ،‬على قاعدة "كلنا في الهوا سوا"‪ .‬جميعنا جز ٌء من المشكلة تماما ً كما أ ّننا جميعا ً جز ٌء من‬
‫مواجهتها والعمل على الح ّد منها أو الخروج منها بأقل األخطار الممكنة‪ .‬هذه هي "القدرة على االهتمام"‪ ،‬التي تحدّث عنها دونالد‬
‫وينيكوت ‪ ،Donald Winnicott‬من خالل حسّ المسؤولية الشخصيّة عن أفعالنا ونتائجها على المجتمع من حولنا‪ ،‬وهذا ما نحتاج إليه‬
‫اآلن‪.‬‬

‫ليس فقط في محاولة البقاء في بيوتنا وا ّتباع قواعد النظافة والتباعد االجتماعي فحسب‪ O،‬ولكن في ك ّل ما ننشره على مواقع التواصل من‬
‫ت متسرّ عة‬
‫تطوير انفعاال ٍ‬
‫ِ‬ ‫ت محدّدة سلَفاً؛ علينا تحمّل حاالت الش ّ‬
‫ك والاليقين والخوف دون‬ ‫أفكار ونظريات وإسقاطات للتجارب واستنتاجا ٍ‬
‫فعل ُتعيق قدرتنا على العمل والمقاومة داخل السياقات‪ O‬االجتماعية المحدودة‪.‬‬
‫وردود ٍ‬

‫حين توصي وزارة الصحّ ة بالوسواس‬

‫أين يأخذنا ك ّل هذا بعد أنْ أصبحت لدينا اآلن نظرية لك ّل شي ٍء‪ :‬عدد األفراد المسموح تواجدهم معا ً‬
‫من جه ٍة ثانية‪ ،‬علينا أنْ نتساء َل إلى َ‬
‫ً‬
‫وحساب األمتار بين الشخص واآلخر‪ .‬مخاوفٌ منْ أنْ يصبح التواصل والتفاعل البشريّ المباشر ترفا لن نتم ّكن من تحقيقه في الفترة‬
‫مقاالت عن القُبالت واالتصال الجنسيّ ونصائ ٌح بخصوصهما‪.‬‬‫ٌ‬ ‫القادمة‪ ،‬وأخرى من احتمالية انقراض المصافحة‪ O‬والعناق في المستقبل‪.‬‬

‫دقيقة كاملة‪ .‬فيديوهات وصور تشرح وتصوّ ر‬ ‫ً‬ ‫ثوان في بداية األزمة ارتفعت إلى ‪ 20‬ثانية‪ ،‬ث ّم أصبحت‬
‫ٍ‬ ‫ٌ‬
‫إرشادات بغسل اليدين ‪10‬‬
‫ٌ‬
‫وافتراضات عن مدّة بقاء الفيروس على‬ ‫ٌ‪O‬‬
‫تعليمات بنظافة البيت وغسل الثياب على درجات حرارة معيّنة‪.‬‬ ‫الطريقة الصحيحة لغسلهما‪.‬‬
‫األسطح المختلفة‪ .‬كيف تتعامل مع خدمات التوصيل؟ كيف تخرج للتسوّ ق؟ هل تخرج للمشي أم ال؟ كم نسبة الكحول المطلوبة في‬
‫تنظف الخضروات والفواكه؟ كيف تخلع ق ّفازاتك؟ كيف تحافظ على وزنك أثناء االنعزال؟ وهل ّم جرّ ا‪.‬‬ ‫المع ّقمات؟ كيف ّ‬

‫ً‬
‫ثانية‪ .‬نتنبّه إلى أ ّننا أمسكنا الهاتف فنع ّقمه ونعود لغسل أيدينا مر ًة أخرى‪ .‬أو ببساطة قد نغسل‬ ‫ك في نظافتها لنعود لغسلها‬
‫نغسل أيدينا فنش ّ‬
‫ً‬
‫أيدينا فننسى أ ّننا غسلناها فنعود لغسلها ثانية‪ .‬نخاف التالمس البشريّ واالت صال االجتماعي ونشعر بالذنب في حال قيامنا بذلك‪ .‬نراقب‬
‫ّ‬
‫بعضنا ونتع ّقب اآلخرين وتصرّ فاتهم ونشعر باالرتياب حيال قربهم الفيزيائيّ ‪.‬‬
‫عرضا ً عُصاب ّيا ً هو العاديّ‬
‫بشكل من األشكال‪ ،‬أعراض العُصاب القهريّ ؟ هل سيصبح ما كان بإمكاننا وصفه َ‬ ‫ٍ‬ ‫أال يُحاكي هذا كلّه‪ ،‬ولو‬
‫أكبر من الذي ك ّنا نعيشه في واقعنا هذا؟‬
‫ب َ‬ ‫والمطلوب في الفترة القادمة‪ ،‬فيؤسّس لعُصا ٍ‬

‫تحدّث فرويد عن أنّ العُصاب هو السمة األساسيّة للمجتمعات الحديثة‪ .‬وأ ّكد جاك الكان ‪ Jacques Lacan‬على أ ّنه ليس مجموعة من‬
‫يكون عُصابيا ً دون أنْ يُظهر أيا ً من األعراض النمطيّة‪ .‬في‬
‫َ‬ ‫شخص أنْ‬
‫ٍ‬ ‫األعراض فقط‪ ،‬بل بنية تؤسّس لها‪ ،‬وبالتالي من الممكن أليّ‬
‫الواقع‪ ،‬يُشير فرويد إلى أنّ الحدود الفاصلة بين العُصاب والحياة الطبيعيّة يُمكن بالكاد تمييزها‪ .‬فما قد يظهر من سلوكيّات ومشاعر في‬
‫ف أخرى‪ ،‬بل ويُمكن‬‫تكون "عاديّة" في بيئ ٍة وظرو ٍ‬
‫َ‬ ‫مرضية أو سريرية‪ ،‬يمكن أنْ‬‫بيئ ٍة ما أو ظرفٍ معيّن ويمكن تشخيصها على أ ّنها َ‬
‫تشجيعها والمطالبة بالتكيّف معها‪.‬‬

‫لكنّ هذا ال يعني بأنّ "التكيّف" صحيّ في ك ّل الحاالت‪ .‬على العكس‪ ،‬فهو نفسه الذي قد يخلق العُصاب‪ ،‬ومحاوالته هي التي قد تجلب‬
‫األعراض‪ .‬رأى فرويد أنّ العُصاب يعمل عن طريق تج ّنب جز ٍء من الواقع‪ ،‬دون إنكاره ولكن بمحاولة الهرب منه عن طريق كبت‬
‫األفعال والرغبات واألفكار‪.‬‬

‫وسخطها" بأنّ الكبت‪ ،‬وبالتالي العُصاب‪ ،‬هما ثمن العيش في المجتمع الحديث‪ .‬المجتمع بالنسبة إلى فرويد لنْ يكون‬ ‫َ‬ ‫ث ّم كتب في "الحضارة‬
‫كثير من األحيان لمنعها وكبتها نظراً أل ّنها‬
‫ٍ‬ ‫في‬ ‫ون‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫فيضط‬ ‫اآلخرين‪،‬‬ ‫على‬ ‫تأثيرها‬ ‫وطريقة‬ ‫بكيفية‬ ‫القلق‬ ‫دون‬ ‫ِهم‬
‫ت‬ ‫رغبا‬ ‫ممكنا ً إذا ا ّتبع األفراد‬
‫تمثل تهديداً لذواتهم ولآلخرين وتشعرهم بالذنب‪ ،‬وربّما العار والخزي من انتهاك الحدود والقواعد‪ ،‬لك ّنها تظهر الحقا في صورة أعراض‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫عُصابية تأخذ أشكاالً مختلفة مثل الهستيريا والعُصاب القهريّ وال ّر هاب (يُطلق عليه فرويد مصطلح هستيريا القلق)‪.‬‬

‫وفي حين ال يُشير الدليل اإلحصائي والتشخيصي لالضطرابات النفسية ‪ DSM-V‬إلى "العُصاب"‪ O‬بل إلى الوسواس القهريّ‬
‫واالضطرابات ذات الصلة‪ ،‬والتي تشمل السلوكيّات القهرية أو المتكرّ رة مثل غسل اليدين أو قضم األظافر أو ش ّد الشعر أو الع ّد وغيرها‪،‬‬
‫ص ل في حياة الشخص‪ .‬وبذلك يتعامل التحليل النفسيّ مع هذه الحالة ليس على أساس األعراض السطحية‬ ‫اعتقد الكان أنّ "الوسواس" متأ ّ‬
‫ُ‬
‫والظاهرة ولكن على أساس اآلليات والبُنى النفسية التي تنتج تلك األعراض‪.‬‬

‫"أكون أو ال أكون؟"‬

‫كيف نفهم هذا وسط الجائحة؟ يشرح الكان‪ ،‬مستخدماً‪ O‬مصطلحات هايدغر‪ ،‬أنّ العُصاب القهريّ هو في جوهره سؤا ٌل يضعه الوجو ُد أمام‬
‫الذات ويُفقدها ثِق َت ها بنفسها بارتباطه بدافع الموت‪" .‬هل أكون أو ال أكون؟"‪" ،‬هل أعيش أم أموت؟"‪" ،‬هل أنا حيٌّ أم ميّت؟"‪ ،‬فيأتي‬
‫الجواب من خالل أفكار وأفعال وسلوكيات يقوم بها الفرد ويكرّرها ليبرّ ر بها وجوده و ُتشعره بامتالك السيطرة عليه‪ ،‬وقد تم ّكنه من‬
‫ت وشيكٍ أو كارث ٍة رهيب ٍة قد يُسبّبها لنفسه أو أليٍّ من أحبّائه أو أقربائه‪.‬‬
‫الهرب من مو ٍ‬

‫يفتقد العصابيّ ‪-‬القهريّ ثقته بنفسه‪ ،‬ويشعر بانعدام سيطرته على عالميه الداخليّ والخارجيّ وتح ّكمه بهما‪ ،‬فيُصبح مهووسا ً بتفاصيل‬
‫ك والشعور بالذنب والعتاب‬‫ثبت له عكس ذلك‪ .‬يمكن رؤية مظاهر ذلك في األعراض العاطفية؛ كالش ّ‬ ‫ت مكرّ رة ُت ُ‬
‫مُفرطة وأفعال وسلوكيّا ٍ‬
‫الذاتيّ ‪ .‬أو في ردود الفعل التي تتبع ذلك‪ ،‬مثل االنسحاب‪ O‬االجتماعي والعزلة وتج ّنب التجمّعات‪ O‬واللقاءات وما إلى ذلك‪ .‬أو بتأثيره على‬
‫ك حيال ك ّل ما يقوم به الشخص‪ ،‬فيُفضل التأجيل والمماطلة خوفا ً من أ ّي ِة "كارثة" قد تقع‪.‬‬‫عامل الزمن بارتباطه بالتردّد والش ّ‬

‫ليست المشكلة في الدعوات الص ّح ية لاللتزام بقواعد السالمة الصحيحة اآلن‪ ،‬بل تكمن المشكلة في أنّ السلوكيّات القهرية ‪-‬السمة األكثر‬
‫ّ‬
‫وتتأثر بدورها بالثقافة‬ ‫بشكل سليم‬
‫ٍ‬ ‫ً‬
‫استجابة للعديد من األفكار الالواعية التي نعجز عن التعامل معها‬ ‫وضوحا ً لالضطراب‪ -‬ليست سوى‬
‫والمجتمع والمخاوف الصحّ ية المشتركة‪.‬‬

‫ارتفاع في حاالت الوسواس القهري في عشرينيات القرن الماضي مع اإلنفلونزا اإلسبانية‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫يُشير الطبّ النفسي على سبيل المثال إلى‬
‫بعدما بدأت الجهات‪ O‬الصحية تسليط الضوء على مخاطر مرض ال ُز هري‪ .‬وفي الثمانينيات‪ ،‬بعدما أخذ فيروس نقص المناعة المكتسبة‬
‫ً‬
‫مساحة واسعة في اإلعالم والسياسة‪ ،‬وفي السنوات األخيرة مع ازدياد المخاوف المتعلّقة بتغيّر المناخ والتلوّ ث البيئي‪ .‬لذلك ال عجب أنْ‬
‫تزداد المخاوف ويتنامى القلق حيالها مع هذا الفيروس‪.‬‬

‫يتطلّب اجتياز الجائحة كبتَ رغباتنا الفرديّة ومنعها لمصلحة المجتمع‪ .‬ما يعني أنّ علينا في هذه المرحلة القبول بمعاناتنا النفسية وتحمّل‬
‫ً‬
‫جوهرية هنا‪ :‬إلى أيّ مدى سنكون قادرين على التعامل مع‬ ‫سؤال أكثر‬
‫ٍ‬ ‫عُصابنا الخاص من أجل أنفسنا واآلخرين‪ .‬لكنْ يقودنا هذا إلى‬
‫شكل الحياة الجديد؟ أو كيف يمكننا ‪-‬بعد هذا الحدث بالذات‪ -‬أنْ نعمل من خالل عُصابنا على التعامل مع صدمات الواقع التي ستعود‬
‫وتنفج ُر في وجوهنا مراراً وتكراراً؟‬

‫دراسات‪ O‬إستراتيجية و منهجية‬

You might also like