You are on page 1of 2

‫قضايا الحجاب‬

‫اضاءة سودانية‪ ،‬بقلم‪ :‬د‪ .‬حيدر ابراهيم علي‬

‫برزت خالل السنوات الماضية قضية الحجاب على الصعيدين المجتمعي المحلي ـ القومي والعالمي اقصد بذلك ضمن الدول‬
‫االسالمية ذات المجتمع صاحب االغلبية المسلمة‪ ،‬وضمن الدول التي يمثل المسلمون فيها اقليات وذلك على مستوى العالم كله‪.‬‬

‫وخرجت قضية الحجاب من اطارها الديني البحت لتصبح شأنا ً سياسيا ً وثقافيا ً واجتماعياً‪ .‬بمعنى انها لم تعد تناقش حسب الحالل‬
‫والحرام او الفرض والسنة والمستحب والمكروه‪ ،‬ولكن ضمن حقوق االنسان والحريات الشخصية وصراع حوار الحضارات‬
‫وقبول اآلخر ومشكلة الهوية والخصوصية الثقافية‪ .‬وفي هذا المقال لن يكون همي الجانب الديني فقط بل كل االبعاد االخرى‬
‫سالفة الذكر‪.‬‬

‫الحقيقة‪ ،‬من االسباب المباشرة التي حدت بي لكي اناقش هذا الموضوع هي الضجة التي اثارها ارتداء مذيعة االخبار ومقدمة‬
‫البرامج في تلفزيون «الجزيرة» خديجة بن قنة‪ .‬وقالت كبرى الصحف العربية «ان اطاللة المذيعة وهي ترتدي الحجاب اثناء‬
‫تقديمها نشرة االخبار االثنين الماضي (‪ )24/11/2003‬شكلت حدثا ً مازال يشغل المشاهدين»‪ .‬وذكرت في مقابلة صحفية مع‬
‫«الحياة» ان رد فعل المشاهدين ال يصدق‪ ،‬اذ ظلت هواتف قناة «الجزيرة» تتلقى المكالمات لوقت طويل‪ ،‬كما استقبلت «الجزيرة‬
‫نت» ‪ 1400‬رسالة الكترونية في ذلك اليوم‪ .‬وان بعض الناس اجهشوا بالبكاء‪ .‬وقالت ان شيرين ابوعاقلة مراسلة الجزيرة في‬
‫االراضي المحتلة اتصلت بالقناة قائلة ان آالف المصلين في المسجد االقصي حملوها امانة ان تبارك لخديجة ارتداء الحجاب‪.‬‬
‫ورغم ان المذيعة نفسها اكدت بان القرار شخصي ولكن من الواضح انه اتخذ وضع قضية عامة‪.‬‬

‫تحول القرار الديني الشخصي إلى قضية عامة وهنا يمكن ان يشار تداخل المواقف الدينية البحتة والصرفة مقابل مواقف ثقافية‬
‫وحتى سياسية‪ .‬والبد ان تظهر تساؤالت من نوع آخر اظنها اعمق من مظاهر االشياء‪ .‬فالبداية االولى لظهور مذيعات في‬
‫التلفزيون هو تقليد للغرب ويتناقض مع اي توجه ديني حقيقي متسق مع نفسه‪ .‬وكثيراً ما ردد مهاجمي الغرب بأن ذلك يعمل‬
‫على تسليع المرأة اي جعلها سلعة تجارية من خالل االغراء والغواية‪ .‬وبالفعل يعتقد الغربيون وفق ثقافتهم ان ظهور المرأة في‬
‫بعض النشاطات يعطيها ـ اي هذه النشاطات ـ جاذبية خاصة او على االقل يكسب االهتمام بالموضوع لوجود المرأة اكثر من‬
‫وجود رجل‪ .‬لذلك لم يكن عبثا ً وجود مذيعات حسناوات ومضيفات في الطائرات ونادالت في المطاعم وبعض المقاهي وبائعات في‬
‫الحوانيت الراقية‪ .‬ولكننا نزعنا هذه الظاهرة الغريبة ونقلناها إلى سياق الثقافة االسالمية دون التعمق‪ .‬لذلك مسألة حجاب‬
‫المذيعة والمضيفة او البائعة ال يمنع شبهة السلوك الغربي‪ .‬فهي لم تحجب صوتها ومازال مليئا ً بنغمات وذبذبات مميزة‪.‬‬

‫دهشت لقدرتنا على االهتمام بموضوعات ثانوية‪ ،‬ففي نفس نشرة االخبار التي قدمتها يوم االثنين كانت جثث ودماء المسلمين‬
‫وغير المسلمين في شوارع بغداد ورفح وبيت لحم‪ .‬فالمسلمون مستضعفون في كل مكان‪ ،‬واكتساب القدرة والقوة والعلم هو‬
‫شرط النهوض من هذا االنحطاط الحضاري الذي نعيشه وجعلنا في مؤخرة دول العالم قاطبة‪.‬‬

‫وهذا ال يعني عدم االهتمام ما يؤكد هدوية مهدرة ولكن هناك اولويات ال نتوقف عندها مثلما حدث في واقعة خديجة‪.‬‬

‫كان من الممكن ان نعتبرها قد قامت بواجب ديني عادي‪ ،‬ال نقلل من قيمته وال نضخمه‪ .‬وفي الماضي كان المسلمون يفرحون‬
‫بدخول عمر بن الخطاب إلى االسالم النه سيقاتل بسيفه وفكره‪ ،‬لذلك قال النبي (صلى هللا عليه وسلم)»‪ :‬اللهم اعز االسالم بأحب‬
‫هذين الرجلين اليك بعمر بن الخطاب‪ ،‬او بأبي جهل بن هشام»‪.‬‬

‫على المستوى العالمي‪،‬ـ تثير قضية الحجاب في الدول الغربية جدالً واسعا ً يدخلنا كمسلمين في مجاالت حقوق االنسان والحريات‬
‫الشخصية وقبول اآلخر‪ .‬وهذا اختبار جديد وصعب فالمسلمون والمسلمات في اوروبا يحاولون االستفادة من القوانين التي‬
‫تحترم الفرد‪ ،‬كما ان كثيراً من الدول الغربية تحاول التكفير عن ماضيها االستعماري لذلك تتسامح مع الثقافات االخرى وقبول‬
‫اآلخر المختلف‪ .‬لذلك تجد قضية حق المسلمات في ارتداء الحجاب مساندة ودعما ً من كثير من المنظمات االوروبية المدافعة عن‬
‫حقوق االنسان حسب القيم التي تؤمن بها‪ .‬وهذه الوضعية تفرض على المسلمين ان يروا حقوق االنسان من االتجاهين‪ ،‬ان‬
‫نطالب بحقوقنا وندافع عن حقوقهم ايضا ً‪ .‬فهل نحن كمسلمين على استعداد لمنحهم حقوقهم حين يكونون في ديار المسلمين؟‬

‫اهتم بهذا الجانب كسوداني مسلم يواجه هذا التحدي فعليا ً ويومياً‪ .‬ففي الغرب يمكن لنا ان نلجأ إلى القضاء والمحاكم الدستورية‬
‫ضد الدول التي نعيش فيها‪ ،‬ولكن هل العكس ممكن؟ هذا المشكل الذي انتجته العولمة وتداخلنا مع اآلخر‪ ،‬يستوجب علينا‬
‫االجتهاد الجريء واالهم من ذلك السلوك والممارسة لكي نؤكد عمليا ً ان الدين االسالمي هو في االصل دين التسامح كما ظهر في‬
‫امبراطورية امتدت من الصين وشرق آسيا حتى االندلس‪ ،‬وضمت كل الديانات والثقافات والعقائد بعيداً عن اي صدام حضارات‬
‫او اقصاء لآلخر‪.‬‬

You might also like