Professional Documents
Culture Documents
قضايا الحجاب
قضايا الحجاب
برزت خالل السنوات الماضية قضية الحجاب على الصعيدين المجتمعي المحلي ـ القومي والعالمي اقصد بذلك ضمن الدول
االسالمية ذات المجتمع صاحب االغلبية المسلمة ،وضمن الدول التي يمثل المسلمون فيها اقليات وذلك على مستوى العالم كله.
وخرجت قضية الحجاب من اطارها الديني البحت لتصبح شأنا ً سياسيا ً وثقافيا ً واجتماعياً .بمعنى انها لم تعد تناقش حسب الحالل
والحرام او الفرض والسنة والمستحب والمكروه ،ولكن ضمن حقوق االنسان والحريات الشخصية وصراع حوار الحضارات
وقبول اآلخر ومشكلة الهوية والخصوصية الثقافية .وفي هذا المقال لن يكون همي الجانب الديني فقط بل كل االبعاد االخرى
سالفة الذكر.
الحقيقة ،من االسباب المباشرة التي حدت بي لكي اناقش هذا الموضوع هي الضجة التي اثارها ارتداء مذيعة االخبار ومقدمة
البرامج في تلفزيون «الجزيرة» خديجة بن قنة .وقالت كبرى الصحف العربية «ان اطاللة المذيعة وهي ترتدي الحجاب اثناء
تقديمها نشرة االخبار االثنين الماضي ( )24/11/2003شكلت حدثا ً مازال يشغل المشاهدين» .وذكرت في مقابلة صحفية مع
«الحياة» ان رد فعل المشاهدين ال يصدق ،اذ ظلت هواتف قناة «الجزيرة» تتلقى المكالمات لوقت طويل ،كما استقبلت «الجزيرة
نت» 1400رسالة الكترونية في ذلك اليوم .وان بعض الناس اجهشوا بالبكاء .وقالت ان شيرين ابوعاقلة مراسلة الجزيرة في
االراضي المحتلة اتصلت بالقناة قائلة ان آالف المصلين في المسجد االقصي حملوها امانة ان تبارك لخديجة ارتداء الحجاب.
ورغم ان المذيعة نفسها اكدت بان القرار شخصي ولكن من الواضح انه اتخذ وضع قضية عامة.
تحول القرار الديني الشخصي إلى قضية عامة وهنا يمكن ان يشار تداخل المواقف الدينية البحتة والصرفة مقابل مواقف ثقافية
وحتى سياسية .والبد ان تظهر تساؤالت من نوع آخر اظنها اعمق من مظاهر االشياء .فالبداية االولى لظهور مذيعات في
التلفزيون هو تقليد للغرب ويتناقض مع اي توجه ديني حقيقي متسق مع نفسه .وكثيراً ما ردد مهاجمي الغرب بأن ذلك يعمل
على تسليع المرأة اي جعلها سلعة تجارية من خالل االغراء والغواية .وبالفعل يعتقد الغربيون وفق ثقافتهم ان ظهور المرأة في
بعض النشاطات يعطيها ـ اي هذه النشاطات ـ جاذبية خاصة او على االقل يكسب االهتمام بالموضوع لوجود المرأة اكثر من
وجود رجل .لذلك لم يكن عبثا ً وجود مذيعات حسناوات ومضيفات في الطائرات ونادالت في المطاعم وبعض المقاهي وبائعات في
الحوانيت الراقية .ولكننا نزعنا هذه الظاهرة الغريبة ونقلناها إلى سياق الثقافة االسالمية دون التعمق .لذلك مسألة حجاب
المذيعة والمضيفة او البائعة ال يمنع شبهة السلوك الغربي .فهي لم تحجب صوتها ومازال مليئا ً بنغمات وذبذبات مميزة.
دهشت لقدرتنا على االهتمام بموضوعات ثانوية ،ففي نفس نشرة االخبار التي قدمتها يوم االثنين كانت جثث ودماء المسلمين
وغير المسلمين في شوارع بغداد ورفح وبيت لحم .فالمسلمون مستضعفون في كل مكان ،واكتساب القدرة والقوة والعلم هو
شرط النهوض من هذا االنحطاط الحضاري الذي نعيشه وجعلنا في مؤخرة دول العالم قاطبة.
وهذا ال يعني عدم االهتمام ما يؤكد هدوية مهدرة ولكن هناك اولويات ال نتوقف عندها مثلما حدث في واقعة خديجة.
كان من الممكن ان نعتبرها قد قامت بواجب ديني عادي ،ال نقلل من قيمته وال نضخمه .وفي الماضي كان المسلمون يفرحون
بدخول عمر بن الخطاب إلى االسالم النه سيقاتل بسيفه وفكره ،لذلك قال النبي (صلى هللا عليه وسلم)» :اللهم اعز االسالم بأحب
هذين الرجلين اليك بعمر بن الخطاب ،او بأبي جهل بن هشام».
على المستوى العالمي،ـ تثير قضية الحجاب في الدول الغربية جدالً واسعا ً يدخلنا كمسلمين في مجاالت حقوق االنسان والحريات
الشخصية وقبول اآلخر .وهذا اختبار جديد وصعب فالمسلمون والمسلمات في اوروبا يحاولون االستفادة من القوانين التي
تحترم الفرد ،كما ان كثيراً من الدول الغربية تحاول التكفير عن ماضيها االستعماري لذلك تتسامح مع الثقافات االخرى وقبول
اآلخر المختلف .لذلك تجد قضية حق المسلمات في ارتداء الحجاب مساندة ودعما ً من كثير من المنظمات االوروبية المدافعة عن
حقوق االنسان حسب القيم التي تؤمن بها .وهذه الوضعية تفرض على المسلمين ان يروا حقوق االنسان من االتجاهين ،ان
نطالب بحقوقنا وندافع عن حقوقهم ايضا ً .فهل نحن كمسلمين على استعداد لمنحهم حقوقهم حين يكونون في ديار المسلمين؟
اهتم بهذا الجانب كسوداني مسلم يواجه هذا التحدي فعليا ً ويومياً .ففي الغرب يمكن لنا ان نلجأ إلى القضاء والمحاكم الدستورية
ضد الدول التي نعيش فيها ،ولكن هل العكس ممكن؟ هذا المشكل الذي انتجته العولمة وتداخلنا مع اآلخر ،يستوجب علينا
االجتهاد الجريء واالهم من ذلك السلوك والممارسة لكي نؤكد عمليا ً ان الدين االسالمي هو في االصل دين التسامح كما ظهر في
امبراطورية امتدت من الصين وشرق آسيا حتى االندلس ،وضمت كل الديانات والثقافات والعقائد بعيداً عن اي صدام حضارات
او اقصاء لآلخر.