You are on page 1of 1

‫محمد ديب نصف قرن من االبداع‬

‫بين تاريخ ميالد محمد ديب ‪21/7/1920‬وتاريخ ميالده األدبي ‪ 1952‬أو قبل ذلك بأربع سنوات ‪1948‬حينما شرع بتوقيع‬
‫أولى قصائده‪ ،‬مسار حافل بالتجارب اإلنسانية الغنية المأساوية منها والسعيدة و القريبة من ذلك‪ .‬وتلك التجارب كان لها األثر‬
‫البالغ في إبداعه فيما بعد‪.‬‬

‫دخل محمد ديب المدرسة في سن السادسة‪ ،‬وفي الحادية عشرة من عمره توفي أبوه الذي لم يترك للعائلة من ثروة سوى عبرة‬
‫دائمة التحفز‪ :‬الفقر بعدما ذاقت العائلة رغد العيش ويسر ذات الحال‪ .‬ومع ذلك واصل ديب تعليمه االبتدائي والثانوي بمسقط‬
‫رأسه‪ ،‬ثم انتقل إلى مدينة وجدة شرقي المغرب األقصى‪ ،‬وفي ‪ 1939‬صار معلما في إحدى المدارس بقرية «زوج بغال» بالغرب‬
‫الجزائري‪ ،‬وفي ‪ 1942‬انتقل للعمل في السكك الحديدية‪،‬‬

‫ثم عمل محاسبا ثم مترجما (فرنسية ـ إنجليزية) في جيش الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية‪ ،‬ثم مصمما لموتيفات الزرابي بين‬
‫‪ 1945‬و‪ )1947‬عند بعض من معارفه من حرفيي النسيج بتلمسان‪ .‬في ‪ 1948‬انتقل إلى الجزائر العاصمة حيث التقى األدباء‪:‬‬
‫ألبير كامو‪ ،‬ومولود فرعون‪ ،‬وجان سيناك‪ ،‬وفي ‪ 1950‬التحق بجريدة «الجزائر الجمهورية» ليجد نفسه إلى جانب كاتب ياسين‬
‫صاحب رائعة نجمة ‪.1956‬‬

‫وبالموازاة مع ذلك شرع بنشر بعض من المساهمات الصحفية بجريدة «الحرية» لسان حال الحزب الشيوعي الجزائري‪ .‬كتابات‬
‫ديب الصحفية لم تكن مهادنة لالستعمار بالمرة‪.‬‬

‫فقد فتح بقلمه جبهة صراع صريح ومباشر مع المستعمر‪ .‬مما جعل األنظار تصوب إليه من اتجاهات عدة‪ .‬فكانت أول صداماته‬
‫مع البوليس الفرنسي الذي وجد في كتاباته «وطنية تتعدى الحدود»‪ .‬وهو األمر الذي دفع بالسلطات االستعمارية آنئذ إلى قطع‬
‫صلته بالجزائر فقررت طردته من وطنه بعد اتهامه «تجاور خطوط االستعمار الحمراء واالنتماء إلى «الفالقة»‪ .‬وهكذا رحل‬
‫محمد ديب إلى منفاه االختياري متنقال بين عواصم أوروبا الشرقية وروما وباريس‪ ،‬ثم المغرب األقصى حيث أقام مدة قصيرة‬
‫عام ‪ .1960‬ومع استقالل الجزائر في ‪ 1962‬عاد ديب إلى حضن الوطن فأصدر رواية «من يذكر البحر؟» وفي ‪ 1963‬نال األديب‬
‫جائزة الدولة التقديرية لآلداب رفقة الشاعر محمد العيد آل خليفة‪.‬‬

‫ثالثية للجزائر وأخرى للمساء‪ ،‬الثورة وثالثة للشمال‪..‬‬

‫شهدت الجزائر إذن‪ ،‬ميالد ديب الروائي في ‪ ،1952‬وبالتحديد‪ ،‬حينما أصدر روايته األولى «البيت الكبير» عن دار «لوسوي»‬
‫الفرنسية‪ .‬الرواية لقيت نجاحا كبيرا؛ حيث نفدت طبعتها األولى في مدة لم تتعد الشهر الواحد‪ ،‬لتتلوها الطبعة الثانية‪ ،‬وفي‪1954‬‬
‫كانت الرواية الثانية من «ثالثية الجزائر»‪« :‬الحريق» التي بشرت بالثورة قبل أقل من ثالثة أشهر من اشتعال شرارتها األولى‬
‫في الفاتح من نوفمبر ‪ 1954‬وفي ‪ 1957‬يكمل الثالثية بإصداره رواية «النول»‪ .‬وفي الفترة مابين ‪ 1970‬و‪ 1977‬كتب ثالث‬
‫روايات اعتبرها الناقد واألديب المغربي محمد برادة بمثابة ثالثية أخرى «انبرى فيها الكاتب لمساءلة الثورة الجزائرية والتساؤل‬
‫عن مستقبلها وهي‪ :‬الوسط الوحشية ‪ ،1970‬وسيد القنص ‪ ،1973‬وهابيل‪ 1977 .‬هذه تجربة ـ بتعبير برادة ـ «تكشف عن‬
‫محاولة تركيبية على جانب كبير من األهمية سواء على صعيد الموضوع أم على صعيد الشكل»‪ .‬ويتجلى ذلك بوضوح للقارئ من‬
‫خالل مكوناتها البنيوية‪ :‬تداول المنظورات السردية‪ ،‬والفضاءات المكانية والشخصيات والتيمات التي تتضافر مع العناصر الفنية‬
‫التي تك ّو ن لحمتها أو تتولد عنها لتشع جماليا كما لم يحدث في أية تجربة روائية جزائرية من قبل‪.‬‬

‫والواقع أن هذا االنعطاف في الكتابة كان قد أشار إليه ديب في ذيل روايته «من يذكر البحر؟ ‪»1962‬حيث أعلن بصراحة عن‬
‫تخليه عن أسلوب الكتابة الواقعية بعدما تبين له عجز هذا النهج عن«إنارة عتمات عصرنا بأضواء كاشفة»؛ حيث يقول ديب‪:‬‬
‫«ال يمكن التعبير عن جبروت الشر عن طريق وصف المظاهر المألوفة‪ .‬ألن مجاله هو اإلنسان بأحالمه وهذيانه التي يغذيها بغير‬
‫هدى‪ ،‬والتي سعيت أن أضفي عليها شكال محددا»‪.‬‬

You might also like