You are on page 1of 30

‫مسلك القانون (القسم العربي)‬ ‫جامعة عبدالمالك السعدي‬

‫وحدة األنظمة الدستورية الكبرى‬ ‫كلية العلوم القانونية واالجتماعية‬

‫واالقتصادية بطنجة‬

‫بحث حول‬
‫النظام السياسي المغربي وديناميته‬
‫الدستورية‬

‫إعداد الطالب‪ :‬عبدالعالي الصغيري‬


‫تحت إشراف األستاذ‪:‬‬
‫‪2927915170‬‬‫ر‪.‬و‪.‬ط‪:‬‬
‫‪BBBBBBBBBBBB‬‬
‫د‪ .‬محمد العمراني بوخبزة‬
‫المجموعة‪A3 :‬‬
‫‪BBBBBBBBBBB‬‬

‫‪NBBBBBBBBBBBBBB‬‬
‫‪Apogée : 17011598‬‬

‫الموسم الجامعي‪2019-2018 :‬‬

‫‪1‬‬
‫بحث حول النظام الدستوري المغربي‬

‫خطة البحث‪:‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬المراحل التاريخية لتشكل الدستور في النظام السياسي المغربي‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مرحلة ما قبل الحماية‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مرحلة الحماية‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬مرحلة االستقالل‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الدستور الحالي بالمغرب ‪ 2011‬وأهم مستجداته‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أهم مستجدات دستور ‪:2011‬‬


‫المطلب الثاني‪ :‬مستجدات المؤسسات الدستورية من خالل دستور ‪.2011‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫مقدمة‪:‬‬

‫يعتبر النظام السياسي المغربي من بين األنظمة السياسية المتفردة بخصوصية تميزها عن باقي‬
‫األنظمة السياسية األخرى المتواجدة في العالم‪ ،‬حيث يشكل هذا النظام تجربة مختلفة على مستوى الفكر‬
‫السياسي والنظم السياسية القانونية من حيث بنيته العقدية ومن حيث بنية السلطة بداخله‪ ،‬وهذا ال ينفي‬
‫استفادة هذا النظام من الفكر الدستوري الغربي وكذا القانون العام اإلسالمي والتقاليد "القبلية" التي عرفها‬
‫المغرب في الحكم‪.‬‬

‫ويمكن تعريفه بأنه مجموعة القواعد واألجهزة المتماسكة التي تحدد هيكل نظام الحكم بالمغرب‬
‫والمؤسسات العاملة فيه وطريقة ممارسة السلطة‪ ،‬إضافة إلى غايات النظام وأهدافه والتي تتدخل في صياغة‬
‫النظام وآليات عمله وأجهزته‪.1‬‬

‫كما أن المغرب عرف خبرة دستورية ساهمت في تطور الحياة السياسية المغربية‪ ،‬على اعتبار أن‬
‫الدستور يعرف بأنه " مجموعة من القواعد التي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها‪ ،‬وينظم السلطات العامة‬
‫وعالقاتها ببعض‪ ،‬وحقوق وواجبات المواطنين‪ ،‬فضال عن تحديد االتجاه الفلسفي وااليديولوجي للدولة سواء‬
‫أكانت هذه القواعد في وثيقة دستورية مسماة (بالدستور) أم تقررت بمقتضى عرف دستوري أم وردت في‬
‫قوانين اعتيادية‪.2‬‬

‫إن مسار الفكر الدستوري ارتبط كثي ار بمفهوم السلطة بالمغرب وبالتالي فقد شكل موضوع تقسيم‬
‫وتوزيع السلط أساس االصالح والمراجعة الدستوريتين وهو ما شكل أساسا لنوعية القاموس المعتمد في‬
‫الوثائق الدستورية المتعاقبة‪.3‬‬

‫انطالقا مما سبق يمكن طرح اإلشكالية التالية‪ :‬ما هي طبيعة التحول الذي عرفه النظام السياسي‬
‫المغربي عبر دساتيره المختلفة ؟ وما االضافة التي جاء بها الدستور الحالي لعام ‪2011‬؟‬

‫ولإلجابة على هذه اإلشكالية يمكن االعتماد على التقسيم التالي‪:‬‬

‫والوظائف‬ ‫االختصاصات‬ ‫في‬ ‫دراسة‬ ‫المغربي‬ ‫السياسي‬ ‫النظام‬ ‫زكور‪،‬‬ ‫يونس‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=86960&r=0‬بتاريخ ‪ ،03.12.2018‬الساعة‪.23:30 :‬‬


‫‪ 2‬علي سليمان صايل‪ ،‬النظام السياسي في المملكة المغربية‪ ،‬قراءة في طبيعة عمل المؤسسات السياسية والدستورية‪ ،‬العدد ‪ ،53‬ص ‪.24‬‬
‫‪ 3‬بوخبزة محمد العمراني‪ ،‬التطور الدستوري للمغرب‪ :‬الجذور التاريخية والتجليات الراهنة والرهانت المستقبلية‪ ،‬ندوة دولية‪ ،‬الرباط ‪11-10‬‬
‫يوليوز ‪.2018‬‬

‫‪3‬‬
‫المبحث األول‪ :‬المراحل التاريخية لتشكل الدستور في النظام السياسي المغربي‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الدستور الحالي بالمغرب ‪ 2011‬وأهم مستجداته‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬المراحل التاريخية لتشكل الدستور في النظام السياسي المغربي‪.‬‬

‫تعود دعوى العمل بالنظام الدستوري والديمقراطي في المغرب الى بداية القرن العشرين ‪ ،‬حيث قام‬
‫احد المثقفين المغاربة برفع مذكرة الى السلطان عبد العزيز (‪ )1894-1908‬يطالبه فيها بمشروع دستوري‬
‫واقامة النظام السياسي كمرجع تعود اليه األمة لتدبير أمورها‪.1‬‬
‫وقدعرف المغرب أول دستور سنة ‪1962‬الذي أسس لنظام الملكية الدستورية ‪ ،‬وقد عرف عدة‬
‫مراجعات سنة ‪ 1970‬و ‪ 1972‬و ‪ 1992‬ثم ‪ . 2011‬وفكرة الملكية الدستورية ترجع إلى ‪ 1908‬زمن بيعة‬
‫ظ بهدف إشراك ممثلي األمة في توجيه السياسة العامة إلى جانب السلطان ‪ ،‬بالرغم من‬
‫الملك عبد الحفي ٌ‬
‫فرض الحماي ٌة سنة ‪ 1912‬لكن الفكرة ستؤخذ مجراها في زمن الملك محمد الخامس‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مرحلة ما قبل الحماية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬المرحلة االولى‪.‬‬


‫تجلت في المؤسسة القديمة العتيقة المعروفة‪ ،‬وهي مؤسسة البيعة‪ ،‬فكما هو معروف في التاريخ‬
‫فإن الدولة المغربية تأسست على ركيزتين‪ .‬الركيزة االولى محلية وهي القيادة أو المشيخة القبلية‪ ،‬والركيزة‬
‫الثانية إسالمية وهي اإلمام‪ .‬وهاتان الركيزتان توحدتا في شكل البيعة أو المبايعة‪ .‬ولهذه البيعة تاريخ طويل‬
‫تطورت فيه‪.2‬‬
‫ثانيا‪ :‬المرحلة الثانية‪.‬‬
‫ارتبطت باالصالح المهم الذي حصل في أواخر القرن الثامن عشر الميالدي‪ ،‬أيام حكم السلطان‬
‫محمد الثالث وخلفه السلطان سليمان‪ .‬هنا أعيد النظر في نظام البيعة وأصبحت أكثر التصاقا وأكثر وفاء‬
‫للبيعة النبوية المعروفة‪ ،‬أي أصبحت في شكل البيعة التي جاءت في القرآن الكريم‪ .‬وكانت البيعة مكتوبة‬
‫تأتي من كل مدينة مدينة ومن كل قبيلة قبيلة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬المرحلة الثالثة‪:‬‬

‫‪ 1‬يونس زكور‪ ،‬النظام السياسي المغربي دراسة في االختصاصات والوظائف‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ 2‬العروي عبدهللا‪ ،‬أهم المحطات التاريخية في الحياة الدستورية المغربية‪ ،‬جريدة االتحاد االشتراكي‪ ،‬بتاريخ ‪.2011-03-16‬‬
‫‪ https://www.maghress.com/alittihad/125381‬مقال متواجد بموقع مغرس بتاريخ ‪ ،9.12.2018‬الساعة ‪.13:00‬‬

‫‪4‬‬
‫مرحلة ثالثة ال تقل أهمية عن السابقة وهي مرحلة السلطان محمد الرابع في أواسط القرن التاسع‬
‫عشر الذي أدخل أمرين أساسيين‪ :‬االول‪ ،‬انه في ظهائر مهمة أعاد الى االذهان ان الدولة ال توافق على‬
‫الظلم وقال ذلك م اررا‪ ،‬بحيث أصبحت الدولة محلية تطالب ممثليها من المحليين ان يلتزموا بالقانون بكل‬
‫معناه‪ .‬وأدخل محمد الرابع نقطة ثانية أساسية‪ ،‬وهي االستشارة‪ .‬طبعا المشورة من الدين‪ ،‬ولكن محمد الرابع‬
‫ادخل االستشارة بكيفية منهجية في شكل ان كلما اضطر‪ ،‬أو كان على السلطان‪ ،‬على الملك ان يتخذ ق ار ار‬
‫مهما جدا‪ ،‬في االمور الثانوية‪ ،‬ولكن ق ار ار يتحكم في مستقبل الدولة المغربية‪ ،‬فكان يستشير أي يطلب علنا‬
‫من زعماء الدولة الدينيين ومن التجار الكبار والموظفين وكتاب الدولة والعلماء وأصحاب الفتوة الخ‪ ...‬ان‬
‫يجيبوا كتابة وينشروا رأيهم في نقطة معينة‪ .‬ثم سار على هذا الدرب الحسن االول بحيث أصبح منهج‬
‫االستشارة قائما‪ .‬هناك االستشارة العامة وهناك االستشارة الخاصة‪ .‬إذا كان االمر يتعلق بشيء تقني فهناك‬
‫استشارة خاصة‪ ،‬واذا كان االمر يتعلق بأمرعام‪ ،‬فهناك استشارة عامة يشارك فيها الجميع داخل المسجد‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬المرحلة الرابعة‪:‬‬
‫دعوة مجلس االمة‪ ،‬المجلس الذي دعا إليه السلطان موالي عبد العزيز سنة ‪. 1905‬فهذا تطوير‬
‫لالستشارة التي كان يسير عليها السلطان الحسن االول‪ .‬وتطورت بعد ‪ 1905‬حيث نتجت حركة دستورية‬
‫مهمة جدا معروفة ونشرت أفكا ار حول هذا الموضوع إلصالح الجهاز المغربي‪.‬‬
‫عرفت هذه المرحلة كذلك مجلس االعيان ‪ ،‬فقد شكل الملك عبد العزيز سنة ‪ 1905‬مجلس االعيان‬
‫لمواجهة الضغط االستعماري وضم ‪ 15‬عضوا كلفه بالمفاوضات مع الوفد الفرنس في شؤن االصالحات‬
‫الت كانت تنوي فرنسا إدخالها على المغرب واعتبر عالل الفاسي مجلس االعيان نواة صالحة للتطور‬
‫الدستوري المنشود‪.1‬‬

‫ولكن األهم في هذه المرحلة هو بيعة ‪ ،1908‬إن هذه البيعة تطور للبيعات السابقة التي أصبحت‬
‫في شكل يقترب مما يمكن ان يسمى بدستور الحاكم‪ .‬كان هناك كذلك مشروع دستور ‪ ،1908‬ألنه كان في‬
‫صورة ترجمة للغة العربية للدستور العثماني المعروف بدستور ‪ 1876‬الذي علق لمدة ‪ 30‬سنة‪ ،‬ثم أعيد‬
‫العمل به سنة ‪ ،1908‬فكانت إذن هذه النقطة‪ ،‬نقطة الدستور في العالم االسالمي آنذاك مطروحة‪ ،‬فبعض‬
‫المثقفين المغاربة أخذوا هذا الدستور وترجموه الى العربية وحاولوا ان يكيفوه مع الحياة المغربية‪.2‬‬

‫‪ 1‬أكريم فوزي‪ ،‬االنظمة الدستورية الكبرى‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالجتماعية واالقتصادية طنجة‪ ،‬الموسم الجامعي ‪.2014-2013‬‬
‫‪ 2‬العروي عبدهللا‪ ،‬أهم المحطات التاريخية في الحياة الدستورية المغربية‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫تميزت هذه المرحلة بالمطالب الدستورية لنخبة ‪ ، 1908‬بحيث أدركت النخبة الوطنية أنه ال يمكن مواجهة‬
‫االستعمار إال بيد واحدة بين المجتمع والدولة والذي ال يمكن تحققه إال بإقرار مبدأ سيادة االمة والشورى‬
‫بمعنى إعادة بناء السلطة على أساس عصري عوض بناء السلطة على أساس الحكم الفردي المطلق ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مرحلة الحماية‪.‬‬

‫مرحلة الحماية‪ ،‬جمدت كل هذا التطور وربما أجهضته ولمدة طويلة توقف كل عمل دستوري ألن‬
‫السياسة الرسمية للحماية كانت تبقى االمور على ما كانت‪ ،‬أو كما تتصور هي األمور‪ ،‬حيث كانت لها‬
‫نظرية مخالفة للواقع تماما في صلب الدولة المغربية‪ .‬ولكن بجانب ذلك نظموا تمثيال لألجانب‪ ،‬ثم بعد ذلك‬
‫في مرحلة ثانية طلبوا من بعض المغاربة ان يشاركوا في هذا التمثيل‪ ،‬فوقع مشكل عويص بالنسبة للحركة‬
‫الوطنية ولألقلية "المتنورة" في المغرب آنذاك‪ .‬وهو إما أننا ندخل في هذا النظام الفرنسي الجديد‪ ،‬ونتمشى‬
‫شيئا فشيئا نحو نظام تكون فيه السلطة مشتركة بين الفرنسيين والمغاربة‪ ،‬وهذا ما كان يسمى بتقسيم السيادة‪.‬‬
‫وهذا ما بدا ظاه ار سنة ‪ 1950‬عندما عرضت على الملك محمد الخامس إصالحات ‪ 1955‬ورفضها‪ .‬إذن‬
‫إما مسايرة هذه االصالحات والدخول في التمثيل واالشتراك في السلطة‪ ،‬واما االحتراس والقول المشاركة إال‬
‫بعد االعتراف بالسيادة المغربية‪ ،‬وحينئذ البقاء بدون تمثيل‪ ،‬وبدون مؤسسات تمثيلية‪ .‬ويمكن القول بأن هذا‬
‫المأزق هو تقريبا ما يواجهه اآلن الفلسطينيين في مفاوضاتهم‪ .‬فكان الرد‪ .‬رد الوطنيين عموما و رد جاللة‬
‫الملك المرحوم محمد الخامس والحزب الوطني‪ ،‬الرد هو‪ :‬نرفض إصالحات ‪ 1950‬نرفض الدخول في هذه‬
‫المشاركة في السيادة الى أن يتحقق الحق ونرجع الى السيادة المغربية‪ ،‬ولكن بمجرد تحقق االستقالل نبني‬
‫نظامنا الدستوري على أسس تمثيلية عصرية‪.1‬‬
‫ويمكن تلخيص هذه المرحلة في النقاط التالية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬المذكرات االستعمارية‪:‬‬
‫عرفت الثورة الحفيظية إلى جانب البيعة المشروطة عدة مذكرات دستورية بعضها رفع إلى السلطان‬
‫وبعضها تم تداوله بشكل محدود ‪ ،‬وأهم هذه المشاريع مشروع لسان المغرب وغيره‪ ،‬وتجمع كلها على ارتباط‬
‫السيادة الوطنية واصالح جهاز الدولة عن طريق تبني دستور جديد ولكن وان لم تطالب البيعة الحفيظية‬

‫‪ 1‬العروي عبدهللا‪ ،‬أهم المحطات التاريخية في الحياة الدستورية المغربية‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫السلطان عبدالحفيظ بإصدار دستور للبالد فإن لسان العرب طرح في ديباجته إلى التحرر من المستعمر‬
‫الفرنسي ومنح األمة دستو ار ومجلس نواب‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬المطالبة باالستقالل ومطلب الدستور‪:‬‬
‫تبلور ذلك في ورقتي ” مطالب الشعب المغربي ” المؤرخة بتاريخ ‪ 1‬ديسمبر ‪ ، 1934‬و ” المطالب‬
‫المستعجلة للشعب المغربي ” في ‪ 25‬أكتوبر ‪ ،1936‬اللتين تقدم بهما قادة الحركة الوطنية برئاسة عالل‬
‫الفاسي و محمد بلحسن الوزاني و أحمد بالفريج لسلطات الحماية الفرنسية‪ .‬لكن بعد فشل المحاولتين‬
‫السابقتين في إقناع سلطات الحماية بدسترة البالد‪ ،‬غيرت الحركة الوطنية أولويات نضالها من أجل‬
‫االستقالل‪ ،‬من المطالبة بالدستور كمدخل لالستقالل إلى المطالبة باالستقالل كمدخل للدستور‪ ،‬وهذا التغيير‬
‫في األولويات كان سببا في ظهور أول انشقاق حزبي‪ ،‬حيث خرج محمد بلحسن الوزاني المعارض لخطوة‬
‫تأجيل المسألة الدستورية من “كتلة العمل الوطني ” التي أسسها رفقة عالل الفاسي وأحمد بالفريج‪ ،‬وأسس‬
‫” الحركة القومية” التي تحولت فيما بعد إلى “حزب الشورى واالستقالل‪”.1‬‬
‫وقد كان حزب االستقالل أول من طالب في عريضته المشهورة بيان االستقالل بربط السيادة‬
‫والدستور إلحداث نظام سياسي شوري‪ ،‬وقد كان محمد حسن الوزان سباقا للمطالبة بالدستور ‪ ،‬ألن المشكلة‬
‫المغربية لها حل خارجي وهو االستقالل وحل داخلي وهو الدستور والديمقراطية ‪ .‬غير أن مالبسات النضال‬
‫الوطني ضد الحماية سيرجئ المشكل الدستوري لما بعد االستقالل حيث ستمتد هذه المرحلة إلى غاية ‪1962‬‬
‫الت ستعرف تأسيس المجلس الوطني االستشاري ثم مجلس الدستور‬
‫‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬مرحلة االستقالل‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مرحلة الملك الراحل محمد الخامس‪:‬‬

‫بعدما أحرز المغرب على استقالله النسبي‪ ،‬ظهرت إلى العلن التناقضات الداخلية التي كانت كامنة‬
‫بين مكونات الحركة الوطنية في مرحلة ما قبل االستقالل‪ ،‬وظهر توجه قوي لدى حزب االستقالل نحو إقامة‬
‫نظام الحزب الوحيد بالمغرب‪ ،‬وسط معارضة شديدة من أحزاب‪ :‬الشورى واالستقالل الخصم اللذوذ لحزب‬
‫االستقالل‪ ،‬والحركة الشعبية التي كان وزير الداخلية في الحكومة االئتالفية الثانية االستقاللي إدريس‬

‫‪ 1‬شمالل عز الدين‪ ،‬لمحة تاريخية عن التطور الدستوري بالمغرب‪ http://www.ariffino.net ،‬بتاريخ ‪ ،9.12.2018‬الساعة‪.14:00 :‬‬

‫‪7‬‬
‫المحمدي يضايقها‪ ،‬واألحرار المستقلين المتهم من طرف حزب االستقالل على أنه صنيعة القصر‪ ،‬وأخي ار‬
‫حزب الوحدة المغربية‪.‬‬

‫ولكون الملك الراحل محمد الخامس‪ ،‬لم يكن هو اآلخر‪ ،‬راضيا عن محاولة االستقالليين الهيمنة‬
‫على المشهد السياسي المغربي‪ ،‬فقد قام بإفشال مسعاهم عبر خطوتين‪ :‬أوال إصداره ألول وثيقة دستورية‬
‫تحت اسم ” العهد الملكي ” في ‪ 8‬ماي من سنة ‪ ،1958‬والتي حدد فيها طبيعة نظام الحكم على أنه ملكية‬
‫دستورية‪ ،‬ذات نظام سياسي تعددي‪ ،‬وثانيا عبر إصداره لقانون الحريات العامة في ‪ 15‬نوفمبر ‪ 1958‬الذي‬
‫وضع اإلطار القانوني لتأسيس الجمعيات واألحزاب السياسية‪ .‬دستور ديسمبر ‪ 1962‬وفي عام ‪1960‬‬
‫عين الملك محمد الخامس مجلسا دستوريا مكونا من جل ألوان الطيف السياسي المغربي‪ ،‬باستثناء حزبين‬
‫رفضا الدخول فيه مطالبين بانتخاب مجلس تأسيسي للدستور عن طريق االقتراع العام وهما‪ :‬الحزب الشيوعي‬
‫المغربي المحظور آنذاك منذ ‪ 1959‬واإلتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي كان قد انفصل لتوه عن حزب‬
‫المعين مهمة وضع دستور دائم للبالد‪ ،‬وتقديمه للملك قصد المصادقة‬
‫االستقالل‪ ،‬وأوكل لمجلس الدستور ُ‬
‫عليه قبل شهر دجنبر ‪ ،1962‬لكن المجلس فشل في مهامه بعد انسحاب الكثير من أعضائه المحسوبين‬
‫على أحزاب الحركة الشعبية بقيادة المحجوبي أحرضان‪ ،‬والدستور الديمقراطي بقيادة محمد حسن الوزاني‪،‬‬
‫واألحرار المستقلين بقيادة أحمد رضى اكديرة‪ ،‬وذلك احتجاجا على تعيين عالل الفاسي زعيم حزب االستقالل‬
‫رئيسا عليه‪ ،‬ليتم إقبار فكرة “مجلس الدستور” إلى األبد‪.1‬‬

‫ويمكن إجمال اهم ما عرفته هذه المرحلة من خالل ما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬المجلس الوطني االستشاري‪ :‬وهو مجلس ال يملك أي سلطة تشريعية أو تنفيذية و ضم ‪19‬‬
‫عضوا يمثلون مختلف الهيئات السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية وقد تم تشكيله بناء على ظهير‬
‫ملكي سنة ‪ 1956‬إال أن مهمته أنهيت في ‪ 1959‬وقد مارس فقط نوعا من المراقبة على الحكومة وقدم‬
‫توصيات لها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مجلس الدستور ‪ ،‬بعد انسداد األفق أمام المجلس الوطني االستشاري تم تشكيل مجلس الدستور‬
‫سنة ‪ 1960‬وكلف بإعداد دستور للبالد وضم ‪ 78‬عضوا معينين من طرف الملك غير أن عمره لم يطل‬
‫بسبب خالفات داخلية ووفاة المرحوم محمد الخامس سنة ‪.1961‬‬

‫شمالل عز الدين‪ ،‬لمحة تاريخية عن التطور الدستوري بالمغرب‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪8‬‬
‫ثالثا‪ :‬العهد الملكي ‪ ،‬في خطاب الملك محمد الخامس سنة ‪ 1958‬بعد استقالة حكومة أحمد‬
‫بالفريج‪ ،‬حدد فيه خطوات بناء الصرح الديمقراطي للمغرب وهو االنتقال من الجهاد االصغر وهو االستقالل‬
‫إلى الجهاد األكبر وهو البناء الديمقراطي‪ ،‬وقد قرر سيادة الشعب وفصل السلطات وتأسيس نظام ديمقراطي‬
‫ومشاركة المؤسساتالدستورية في السلطة التشريعية‪.1‬‬

‫ثانيا‪ :‬مرحلة الملك الراحل الحسن الثاني‪:‬‬


‫أصدر الملك الراحل الحسن الثاني في ‪ 2‬يونيو ‪ 1961‬القانون األساسي للمملكة المكون من ‪17‬‬
‫فصال يضم أسسا دستورية اعتمدتها الدساتير الالحقة‪ .‬ليتم بعد ذلك إقرار الملكية الدستورية‪ ،‬ومن عالماتها‬
‫إقرار دستور ‪ 14‬دجنبر ‪ 1962‬المعد من طرف الحسن الثاني نفسه وحصل على أغلبية عند عرضه على‬
‫االستفتاء‪ ،‬وبعد ثماني سنوات‪ ،‬تم إقرار دستور ‪ 24‬يوليوز ‪ ،1970‬بعد خمس سنوات من حالة االستثناء‪،‬‬
‫ليأتي دستور ‪ 10‬مارس ‪ 1972‬الذي لم يتم العمل به إال سنة ‪.1977‬‬

‫كما كانت هناك المراجعات دستورية عرفها دستور ‪ 10‬مارس ‪ 1972‬وعددها ثالث مراجعات‪ ،‬وشملت‬
‫مراجعة ‪ 23‬ماي ‪ 1980‬لتمديد الوالية البرلمانية من أربع سنوات إلى ست سنوات‪ ،‬ومراجعة سنة ‪1992‬‬
‫التي قامت بإعادة تحديد طبيعة العالقة بين الحكومة والبرلمان‪ ،‬أما المراجعة الدستورية لسنة ‪ 1996‬فقد‬
‫أحدثت غرفة ثانية بالبرلمان هي مجلس المستشارين واعادة النظر في التقسيم اإلداري للمملكة‪.2‬‬
‫ويمكن تفصيل أهم ما عرفته هذه المرحلة من خالل ما يلي‪:‬‬

‫‪ :1‬القانون األساسي للمملكة‪:‬‬


‫وقد صدر بعد وفاة المغفور له محمد الخامس في عهد الملك الحسن الثاني وقد كان مقدمة لدستور‬
‫الملكية الدستورية‪ .‬وكان دستور‬ ‫‪1962‬حيث نص على أن المغرب يسير في طر يق بناء‬
‫‪14.12.1962‬بداية دخول المغرب مرحلة جديدة من بناء الملكية الدستورية ‪ ،‬غير أن حالة الطوارئ سنة‬
‫‪ 1965‬حيث تم حل البرلمان أجلت هذه التجربة لعدة سنوات رغم صدور دستور ٌن سنة ‪ 1970‬و ‪1972‬‬
‫‪ ،‬فإن االستمرار ةٌ هي التي حكمت هذه الدساتير ‪ .‬غير أن المراجعة الدستور ةٌ سنة ‪ 1992‬و ‪1996‬‬

‫‪ 1‬أكريم فوزي‪ ،‬االنظمة الدستورية الكبرى‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬


‫‪ 2‬جريدة الصباح‪ /https://assabah.ma/9293.html/1962-2011-qq ،‬بتاريخ ‪ ،9.12.2018‬الساعة ‪. 20:30‬‬

‫‪9‬‬
‫شكلت إجماعا وطنيا غير من المالمح العامة للنظام السياسي المغربي ليطرح التساؤل هل سيتحول إلى‬
‫نظام جمهوري أم إلى نظام ملكي برلماني‪.‬‬
‫‪ :2‬تبلور الملكية الدستورية‪:‬‬
‫تميزت هذه المرحلة بإرساء الملكية الدستورية بالمغرب وذلك بإصدار دستور للبالد من طرف الملك‬
‫وطرحه على االستفتاء الشعبي الذي استجاب له بنسبة ‪ 84‬في المائة‪ ،‬الشي ًء الذي أضاف شرعية جديدة‬
‫إلى الشرعية التاريخية والدينية وتبني تقنيات حديثة فيما يخص هيكلة السلطة التنفيذية والتشريعية واحداث‬
‫رقابة دستورية‪ ،‬إال أن المؤسسة الملكية عرفت سموا مت ازيدا بالنظر لباقي المؤسسات الدستورية من حكومة‬
‫وبرلمان و رقابة دستورية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬المؤسسات الدستورية في مرحلة الحسن الثاني‪:‬‬
‫‪ : 1‬مؤسسة الملك‪:‬‬
‫بناء على الفصل ‪ 19‬الذي يحدد منطق القانون الدستوري المغربي حيث نص على أن الملك‬
‫أمير المئمنين ورمز وحدة األمة وضامن دوام الدولة واستمرارها وحامي حمى الملة والدين والساهر على‬
‫احترام الدستور وصيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات واستقالل البالد وحوزة المملكة‬
‫والممثل األسمى لألمة " فال استقاللية وال تقسيم للسلط على هذا المستوى ألن الملك هو منبع السلطة‪..‬‬
‫أ‪ -‬صالحيات الملك العادية‪:‬‬
‫الملك له السلطة التنفيذية ‪ ،‬فهو من يعين الحكومة و يقيلها وهي تابعة له وال وجود للمسؤولية‬
‫الو ازرية ألن البرلمان يناقش فقط البرنامج الحكوم وال صالحية له في التصويت بالثقة على برامجها ‪ ،‬وقد‬
‫أخذ دستور ‪ 1962‬بنظام الغرفتين ثم ألغاها دستور ‪ 1972‬وللملك ضمن سلطاته التشريعية أن يفتتح أشغال‬
‫البرلمان في دورتيه الخريفية والربيعية و يوجه خطابا توجيهيا للبرلمان وهي خطبة ال تناقش بتاتا وال تطرح‬
‫للتصويت داخل البرلمان ويمكن للملك حل البرلمان والدعوة النتخابات جديدة وللملك حق استفتاء الشعب‬
‫مباشرة ‪ ،‬كما أن الملك يعين رئيس المحكمة الدستورية العليا ورئيس المحكمة العليا للعدل ورئيس المجلس‬
‫االعلى للقضاء‪.‬‬

‫ب‪-‬صالحيات الملك االستثنائية‪:‬‬


‫وهي الصالحيات المرتبطة بإعالن حالة االستثناء فيتخذ ت ما يراه الملك مناسبا وتتوقف المؤسسات‬
‫الدستورية عن العمل مؤقتا ريثما تزول حالة الطوارئ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ -2‬الحكومة ‪:‬‬
‫هي حكومة صاحب الجاللة ‪ ،‬وهي المسؤولة أمامه وليس أمام البرلمان ‪ ،‬وهو من يملك حق سحب‬
‫الثقة من الحكومة وليس البرلمان فمصدر السلطة ليس البرلمان باعتباره ممثل الشعب بل مصدر السلطة‬
‫هو الملك فهو من يعينها وهو الذي يقيلها أفرادا وحكومة‪ ،‬فال وجود لرئيس الوزراء بل هو الوزير األول فقط‬
‫‪ ،‬وبهذه الصفة تتمتع الحكومة بصالحية اقتراح مشاريع القوانين على البرلمان ‪ ،‬لكن العالقة حسب دستور‬
‫‪ 1972‬تتميز بعدم التوازن فالحكومة يمكنها أن تدفع بعدم قبول مشروع قانون بينما ال يمكن ذلك لمجلس‬
‫النواب ‪ ،‬و يمكن تجاوز مجلس النواب إذا رفض مشروع القانون وعرضه على مجلس المستشارين واق ارره‬
‫في نهاية األمر‪ ،‬ثم يظل االمر نهاية في يد الملك والواقع أن الحكومة هي المشرع العادي في ظل دستور‬
‫‪ 1962‬بينما كان البرلمان مشرعا استثنائيا‪.‬‬
‫‪ -3‬البرلمان ‪:‬‬
‫و يضم غرفتين ‪ ،‬األولى مجلس النواب و تنتخب باالقتراع العام المباشر والثانية مجلس المستشارين‬
‫وينتخب بطريقة غير مباشرة ‪ ،‬ورغم أن صالحياتهما متماثلة حسب دستور ‪ ، 1962‬لكن هذا الدستور‬
‫كرس سلطة الملك وتبعية كل المإسسات له ألنه مصدر كل السلط‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬الملكية الدستورية‪ ،‬االجماع قبل التوافق‪:‬‬
‫حصل دستور ‪ 1996‬على إجماع وطن من خالل استجابة الملك لمطالب الكتلة الديمقراطية‬
‫المتكونة من حزب االستقالل واالتحاد االشتراكي للقوات الشعبية ومنظمة العمل الديمقراطي والتقدم‬
‫واالشتراكية واالتحاد الوطني للقوات الشعبية ‪ ،‬حيث أضحت الملكية الدستورية خيا ار ال رجعة فيه من حميع‬
‫األطراف السياسية وتولدت ثقافة التراضي‪ ،‬أما على مستوى الدستور فقد تم إقرار حقوق االنسان وتوسعت‬
‫سلطات البرلمان وأحدث المجلس الدستوري عوض الغرفة الدستورية إلى جانب إحداث مجالس عليا لالقتصاد‬
‫والتعليم و الدفاع واالعالم و االمن يعين الملك أغلب رؤسائها‪.‬‬
‫‪ -1‬الملك‪:‬‬
‫احتفظ الملك في دستور ما بعد ‪ 1996‬بما أثبتته الدساتير السابقة حيث لم تنقص من صالحياته شيء‪.‬‬
‫‪ -2‬الحكومة ‪:‬‬
‫الملك يعين الوزير األول وباقي الوزراء باقتراح من الوزير األول وللملك أن يعفيهم من مهامهم و‬
‫يعفي الحكومة أيضا ‪ ،‬ولم ٌكن الملك ملزما بتعيين الوزير األول من الحزب الفائز بل يعينه باختياره الشخصي‬
‫من أي طرف سياسي والحكومة مسؤولة أمام الملك وأمام البرلمان ويلزم الحكومة كسب ثقة البرلمان‪ ،‬ومجلس‬

‫‪11‬‬
‫النواب له الحق في التصويت على البرنامج الحكومي فمسؤولية الحكومة أصبحت مزدوجة أمام الملك وأمام‬
‫مجلس النواب‪.‬‬
‫‪ -3‬البرلمان‪:‬‬
‫تعديل ‪ 1996‬بنظام الغرفتين بنفس الصالحيات ‪ ،‬وأعطاه الحق في إنشاء لجان تقصي الحقائق وجمع‬
‫المعلومات حول واقعة معينة و اطالع المجلس على النتائج ‪ ،‬إعالن الحقوق الفردية والجماعية‬
‫بالنسبة عالقات الحكومة بالبرلمان ‪ :‬لم تحدث أي تغيرات مهمة على عالقة الحكومة بالبرلمان‬
‫على مستوى توازن السلط إال في ما يتعلق بمسؤولية الحكومة أمام البرلمان الوزير األول في تنفيذ القوانين‬
‫‪ .‬وعالقة الحكومة بالبرلمان هي التي تبرز لنا مدى التوازن الحاصل بين السلطت حيث يظهر سمو سلطة‬
‫على أخرى‪.‬‬
‫‪ -4‬الرقابة الدستورية ‪:‬‬
‫أحدثت سنة ‪ 1962‬عن طريق الغرفة الدستورية بالمجلس االعلى إلى جانب الغرف االربع غير أن‬
‫الدستور حول الغرفة إلى مجلس دستوري‪ .‬عرفت الغرفة الدستورية تطورات في ما يخص تشكيلها ولم تعرف‬
‫أي تطورات في ما يخص صالحياتها ‪ ،‬ولم يقع أي تغيير في تشكيالتها في دستور ‪ 1972‬ما عدا الزيادة‬
‫في عدد أعضابها حيث زاد من ‪ 4‬إلى ‪ ، 5‬واختصاصاتها على نوعين قضائية واستشارية ‪ ،‬قضائية وهي‬
‫الرقابة الدستورية والنظر في النزاعات االنتخابية والبث في دستورية ة القوانينٌ التنظيمية والتشريعية والنظام‬
‫الداخلي للبرلمان وصحة انتخاب أعضاء مجلس النواب وصحة عمليات االستفتاء والبث في الخالفات بين‬
‫الحكومة والبرلمان ‪ .‬أما االختصاصات االستشارية فتتجلى من خالل موافقة الغرفة الدستورية على تغيير‬
‫قانون بمرسوم ‪ .‬وهكذا فالغرفة الدستورية تمارس رقابة قبلية وهي رقابة قضائية ثم الرقابة الدستورية فال‬
‫يجوز إصدار أو تطبيق أو نص يخالف الدستور ‪ ،‬لكن دستور ‪ 1992‬استبدل الغرفة الدستورية بجهاز‬
‫مستقل قائم الذات وهو المجلس الدستوري‪.‬‬
‫المجلس الدستوري ‪ :‬ورث هذا المجلس اختصاصات الغرفة الدستورية غير أن الجديد هو في ما‬
‫يخص توسيع حق إحالة القوانين قبل تنفيذها وصالحيات المجلس النظر في صحة انتخاب‬
‫أعضاء البرلمان وعمليات االستفتاء ‪ ،‬كما مراقبة القوانين تمارس قبل إصدارها‪.‬‬
‫فهي صالحيات قضائية واستشارية ‪ ،‬قضائية وهي منع صدور أي قانون يخالف الدستوـ وق ارراته ال تقبل‬
‫الطعن وأحكامه نهائية تلزم كل السلطات العامة والجهات االدارية القضائية ثم استشارية ‪ :‬وهي مراقبة‬

‫‪12‬‬
‫القوانين ومراقبة سالمة االنتخابات والرقابة على القوانين ‪ .‬فهي ملزمة وقبلية في ما يتعلق بالقوانين التنظيمية‬
‫والقانون الداخلي للبرلمان ‪.1‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الدستور الحالي بالمغرب ‪ 2011‬وأهم مستجداته‪.‬‬

‫انطلقت مرحلة النقاش العمومي حول اإلصالح الدستوري لسنة ‪ 2011‬بعد سقوط نظام الرئيس‬
‫التونسي زين العابدين بن علي وخروج "حركة ‪ 20‬فبراير" في المغرب ومطالبتها بإصالحات سياسية‬
‫واقتصادية واجتماعية عجلت بخطاب ملكي في التاسع من مارس سنة ‪ ، 2011‬برهن على التفاعل السريع‬
‫مع احتجاجات الشارع المغربي‪ ،‬وَفتح المجال لإلصاح الدستوري‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬عيَّن الملك لجنة‬
‫الغرض منها اإلصغاء والتشاور مع المنظمات الحزبية والنقابية ومع الفعاليات الشبابية والجمعوية‬
‫استشارية‪َ ،‬‬
‫والفكرية والعلمية المؤهلة وتلقي تصوراتها بشأن مراجعة الدستور؛ لترفع إلى الملك حصيلة أعمالها؛ حيث‬
‫استقبلت اللجنة االستشارية أغلب األحزاب السياسية والنقابات المهنية وعددا غير قليل من مكونات المجتمع‬
‫المقاربة التشاركية التي كانت مبنية باألساس على هاجس امتصاص الغضب‬
‫من خالل اعتمادها على ُ‬
‫الشعبي‪.‬‬

‫لقد شكل سياق تبلور دستور ‪ ، 2011‬انعطافة حاسمة في مسار "النموذج المغربي لإلصالح"‪،‬‬
‫الذي تكرس منذ بداية األلفية الثالثة‪ ،‬وهو نموذج‪ ،‬تأسس على نجاح الدولة في تحويل النقاش من اإلطار‬
‫الماكرو سياسي‪ ،‬إلى إطارات جزئية‪ :‬القضاء‪ ،‬الجهوية‪ ،‬التنمية البشرية‪ ،‬حقوق اإلنسان‪ ...‬ثم االنطالق من‬
‫خطاب اإلصالح كمرجعية واضحة للسياسات العمومية مع الحرص على إعطائه أبعادا أكثر تقنية وأقل‬
‫تسيسا‪ ،‬حيث يختزل في ما سمي بالحكامة مما جعل خيار التحديث ينتصر على خيار الدمقرطة‪...‬وأخي ار‬
‫ارتكز هذا النموذج على تحكم الدولة في أجندة اإلصالح عبر "تأميمها" إليديولوجيا اإلصالح التي أصبحت‬
‫جزءا من المشترك العمومي‪ ،‬مما كسر احتكارية الحقل الحزبي إلنتاج مطالب اإلصالح‪ ،‬خاصة مع قدرة‬
‫الدولة على بلورة مرجعيات حديثة لإلصالح (تقرير اإلنصاف والمصالحة‪ ،‬تقرير الخمسينية‪ )...‬بل ونجاحها‬
‫في عملية "اختصار دورة المطالب" حيث لم تبقى الدولة أسيرة لمطالب المجتمع واألحزاب بقدرما خلقت‬
‫آليات مؤسسية وموضوعاتية إلنتاج المطالب والتوصيات وتشغيل "التغدية الذاتية" للنظام السياسي‪.2‬‬

‫‪ 1‬أكريم فوزي‪ ،‬االنظمة الدستورية الكبرى‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬


‫‪ 2‬طارق حسن‪ ،‬الدستور المغربي‪ :‬المستجدات وحصيلة التفعيل ‪ ،2017-2011‬المنظمة العربية للقانون الدستوري‪ ،‬ص ‪.6‬‬

‫‪13‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أهم مستجدات دستور ‪:2011‬‬
‫الفرع األول‪ :‬حماية الحقوق والحريات‪:‬‬
‫‪ -1‬دستور ‪ 2011‬والتأسيس لدستور حقوق اإلنسان‪:‬‬
‫فتح خطاب ‪ 9‬مارس ‪ 2011‬النقاش العمومي حول إصاح الدستور‪ ،‬من خال دعوة الخطاب الملكي‬
‫إلى "ترسيخ دولة الحق والمؤسسات وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية وضمان ممارستها وتعزيز‬
‫منظومة حقوق اإلنسان بكل أبعادها‪ ،‬السياسية واالقتصادية واالجتماعية والتنموية والثقافية والبيئية وال سيما‬
‫بدسترة التوصيات الوجيهة لهيأة اإلنصاف والمصالحة وااللتزامات الدولية للمغرب‪ ...‬ودسترة هيئات الحكامة‬
‫الجيدة وحقوق اإلنسان وحماية الحريات‪".‬‬
‫‪ :-2‬االعتراف الدستوري بالمرجعيات الدولية لحقوق االنسان‪.‬‬
‫أقرت توطئة الدستور المغربي‪ ،‬بأن الدولة تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق‬
‫وواجبات وتؤكد تشبثها بحقوق اإلنسان كما هي متعارف عليها عالميا‪ ،‬كما تؤكد التزامها بحماية منظومتي‬
‫حقوق اإلنسان والقانون الدولي اإلنساني والنهوض بهما‪ ،‬واإلسهام في تطويرهما‪ ،‬مع مراعاة الطابع الكوني‬
‫لتلكالحقوق‪ ،‬وعدم قابليتها للتجزيء‪ ،‬وحظر ومكافحة كل أشكال التمييز‪ ،‬بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد‬
‫أو الثقافة أو االنتماء االجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو اإلعاقة أو أيوضع شخصي مهما كان‪.‬‬
‫‪ :-3‬توسيع المشرع الدستوري من الحقوق والحريات‪.‬‬
‫الوثيقة الدستورية لسنة ‪ 2011‬تشكل جوابا دستوريا عن جزء من المطالب الحقوقية التي رفعتها‬
‫الجمعيات الحقوقية خال ما ُع ِرف إعالميا "بالربيع العربي‪ ".‬ومن مظاهر هذا الجواب الدستوري‪ ،‬تخصيص‬
‫المعنون بالحريات والحقوق األساسية الذي يتضمن ‪ 22‬فصا‪ 24 ،‬هذا فضا‬
‫الوثيقة الدستورية الباب الثاني ُ‬
‫على أن المشرع الدستوري وضع فصوال تتضمن ضمانات حقوقية في أبواب أخرى من الدستور‪.‬‬
‫هكذا اعترف الدستور المغربي لسنة ‪ 2011‬بمجموعة من الحقوق التي تضمنها العهد‬
‫الدولي للحقوق المدنية السياسية‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬
‫‪ -‬المساواة بين الرجل والمرأة‪.‬‬
‫‪-‬حماية الحق في الحياة‪.‬‬
‫‪-‬الحق في السالمة وحماية الممتلكات وتجريم التعذيب‪.‬‬
‫‪-‬دسترة مبدأ قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة‪.‬‬
‫‪-‬حرية الرأي والصحافة والحق في الحصول على المعلومات‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫‪-‬حرية االجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي والمشاركة المدنية والسياسية‪.‬‬
‫‪-‬تكريس الحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية والبيئية‪.‬‬
‫‪-‬الحق في الصحة والتعليم والتنشئة والتكوين والسكن والشغل وولوج الوظائف‪.‬‬
‫‪-‬الحق في الحماية الحقوقية واالجتماعية واالقتصادية لألسرة والزامية التعليم‬
‫األساسي‪.‬‬
‫‪ : -4‬االرتقاء بالحريات والحقوق األساسية إلى مصافي المبادئ فوق الدستورية‪:‬‬
‫المقصود بالمبادئ أو القواعد المافوق دستورية‪ ،‬النصوص المحظورة موضوعيا من المراجعة‬
‫الدستورية‪ ،‬وهذا ما يعني أن السلطة التأسيسية الفرعية المكلفة بمراجعة الدستور يتوجب عليها احترام‬
‫المبادئ المحصنة دستوريا من التعديل‪ .‬ووعيا من المشرع الدستوري بأهمية الحريات والحقوق األساسية‬
‫وبمكانتها‪ ،‬فإنه ارتقى بها إلى مكانة القواعد الدستورية المحصنة من التعديل أو المراجعة‪ ،‬حيث نص في‬
‫الفصل ‪ 175‬من دستور ‪ 2011‬على أنه‪" :‬ال يمكن أن تتناول المراجعة األحكام المتعلقة بالدين اإلسامي‪،‬‬
‫وبالنظام الملكي للدولة‪ ،‬وباالختيار الديمقراطية لألمة‪ ،‬وبالمكتسبات في مجال الحريات والحقوق األساسية‬
‫المنصوص عليها في هذا الدستور"‪.‬‬
‫‪ :-5‬الحماية الدستورية البعدية للحريات والحقوق األساسية‪:‬‬
‫لحماية تطبيق القوانين التي تَخرق أو تَنتهك روح فلسفة الحقوق والحريات األساسية التي يضمنها‬
‫الدستور‪ ،‬فتح المشرع الدستوري لألطراف بموجب الفصل ‪ 133‬من الدستور‪ ،‬الحق في تقديم دفوعات إلى‬
‫المحكمة الدستورية‪ ،‬إذا كان القانون الذي سيطبق في النزاع يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور‪.‬‬
‫‪ -6‬الحماية التشريعية للحريات والحقوق األساسية‪:‬‬
‫من أهم مظاهر الحماية الدستورية للحريات والحقوق األساسية في دستور ‪ ، 2011‬إسناد السلطة‬
‫التشريعية الحق في التشريع بشكل حصري في مجال الحريات والحقوق األساسية‪ ،‬كما هو واضح من‬
‫منطوق الفصل ‪ 71‬من الدستور‪ ،‬فالبرلمان باعتباره امتدادا لشرعية اإلرادة الشعبية والتمثيل الشعبي‪ ،‬يكون‬
‫أحرص على ضمان احترام الحريات والحقوق األساسية المنصوص عليها في الدستور‪ ،‬سواء تعلق األمر‬
‫بوظيفة التشريع أو الرقابة التي من خاللها يسائل السلطة التنفيذية عن مدى التزامها واحت ارمها للحقوق‬
‫والحريات األساسية الدستورية‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الضمانات المؤسساتية لحقوق االنسان في دستور ‪.2011‬‬
‫حرص دستور ‪ 2011‬على دسترة العديد من المؤسسات والهيئات التي تتولى صالحية تدعيم وحماية حقوق‬
‫اإلنسان من تعسف السلطات العامة ‪:‬‬
‫‪ -1‬المجلس الوطني لحقوق اإلنسان‪:‬‬
‫وفي هذا السياق‪ ،‬وبعد أزيد من ‪ 20‬سنة على إحداث المجلس االستشاري لحقوق اإلنسان‪ ،‬نص الفصل‬
‫‪ 161‬من الدستور على أن المجلس الوطني لحقوق اإلنسان مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة تتولى النظر‬
‫في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق اإلنسان والحريات وحمايتها‪ ،‬وبضمان ممارستها الكاملة‪،‬‬
‫والنهوض بها وبصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين‪ ،‬أفراد وجماعات‪ ،‬وذلك في نطاق‬
‫الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال‪.‬‬
‫‪ -2‬مؤسسة الوسيط‪:‬‬
‫في إطار تقوية آليات حماية حقوق اإلنسان تم إحداث مؤسسة الوسيط في ‪ 17‬مارس ‪2011‬‬
‫لتُعوض مؤسسة ديوان المظالم‪ ،‬كما عمل المشرع الدستوري إلى االرتقاء بها إلى مصاف المؤسسات‬
‫الدستورية من خال الفصل ‪ 162‬من دستور ‪ ، 2011‬حيث نص على أن الوسيط مؤسسة وطنية مستقلة‬
‫ومتخصصة‪ُ ،‬مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق العالقات بين اإلدارة والمرتفقين‪ ،‬واإلسهام في ترسيخ‬
‫سيادة القانون‪ ،‬واشاعة مبادئ العدل واإلنصاف‪ ،‬وقيم التخليق والشفافية في تدبير اإلدارات والمؤسسات‬
‫العمومية والجماعات الترابية والهيئات التي تمارس صالحيات السلطة العمومية‪.‬‬
‫‪ -3‬مجلس الجالية المغربية بالخارج‪:‬‬
‫أحدث مجلس الجالية المغربية بالخارج في سنة ‪ 2007،‬بهدف ضمان المتابعة والتقييم للسياسات‬
‫العمومية للمغرب تجاه مواطنيها المهاجرين وتحسينها بغية ضمان حقوقهم وتكثيف مشاركتهم في التنمية‬
‫السياسية واالقتصادية والثقافية واالجتماعية للدولة ووعيا من المشرع الدستوري بأهمية مجلس الجالية المغربية‬
‫بالخارج‪ ،‬عمل االرتقاء به إلى مصاف المجالس الدستورية‪ ،‬حيث نص في الفصل ‪ 163‬من دستور ‪2011‬‬
‫على أن يتولى مجلس الجالية المغربية بالخارج‪ ،‬على الخصوص‪ ،‬إبداء آرائه حول توجهات السياسات‬
‫العمومية التي تمكن المغاربة المقيمين بالخارج من تأمين الحفاض على عالقات متينة مع هويتهم المغربية‬
‫وضمان حقوقهم وصيانة مصالحهم‪ ،‬وكذا المساهمة في التنمية البشرية والمستدامة في وطنهم المغرب‬
‫وتقدمه‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫‪ -4‬هيئة المناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز‪:‬‬
‫اتساقا مع الفقرة األولى من الفصل ‪ 19‬من الدستور ‪ 2011‬الذي ينص على أن الرجل والمرأة يتمتعان‪،‬‬
‫على قدم المساواة‪ ،‬بالحقوق والحريات المدنية والسياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية والبيئية الواردة‬
‫في هذا الباب من الدستور‪ ،‬وفي ُمقتضياته األخرى‪ ،‬وكذا في االتفاقيات والمواثيق الدولية‪ ،‬كما صادق عليها‬
‫المغرب وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها‪ .‬وفي سياق تحقيق فلسفة المناصفة‬
‫بين الرجال والنساء‪ ،‬نص الفصل ‪ 164‬من الدستور على أن الهيئة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال‬
‫التمييز‪ ،‬المحدثة بموجب الفصل ‪ 19‬من الدستور‪ ،‬تسهر بصفة خاصة‪ ،‬على احترام الحقوق والحريات‬
‫المنصوص عليها في الفصل المذكور مع مراعاة االختصاصات المسندة للمجلس الوطني لحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬التحول الدستوري في وضعية المعارضة البرلمانية‪:‬‬
‫يتجلى هذا التحول الذي ط أر على وضعية المعارضة البرلمانية في اإلطار القانوني المغربي في‬
‫عدة جوانب منها‪:‬‬
‫‪ -‬التحديد القانوني للمقصود بالمعارضة‪.‬‬
‫‪ -‬ضمان الحماية الدستورية والقانونية للمعارضة‪.‬‬
‫‪ -‬دسترة مفهوم "المعارضة"‬
‫‪ -‬تمكين المعارضة من حقوق خاصة كالحقوق التي تشترك فيها مع األغلبية البرلمانية‪.‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬تحوالت التنظيم الدستوري للسلطات المحلية من خالل دستور ‪.20111‬‬
‫دستور ‪ ، 2011‬الذي حمل عددا من المستجدات سمحت بإعطاء نفس جديد لالمركزية اإلدارية‪ ،‬كما مكنت‬
‫من جعل هذه األخيرة في قلب القانون الدستوري‪ ،‬على نحو ما يبدو جليا في القضايا التالية‪:‬‬

‫‪ -‬الحيز الذي خصصه لموضوع التنظيم اإلداري عموما وللتنظيم اإلداري الالمركزي خصوصا‪ ،‬حيث أفرد‬
‫للجهات والجماعات الترابية األخرى بابا خاصا )الباب التاسع(‪ ،‬يتكون من إثنىعشر فصا )من الفصل ‪135‬‬
‫إلى الفصل ‪.146‬‬

‫‪ -‬وتمكين المواطنين من حق الحصول على المعلومة الموجودة في حوزة اإلدارة العمومية والمؤسسات‬
‫المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام (ف ‪. (27‬‬

‫‪ 1‬طارق حسن‪ ،‬الدستور المغربي‪ :‬المستجدات وحصيلة التفعيل ‪ ،2017-2011‬المنظمة العربية للقانون الدستوري‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.39‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ -‬التأكيد على أن التنظيم الترابي للمملكة تنظيم ال مركزي‪ ،‬يقوم على الجهوية المتقدمة‪ ،‬ويرتكز على عدد‬
‫من المبادئ تتعلق بالتدبير الحر والتعاون والتضامن‪ ،‬وتأمين مشاركة المعنيين في تدبير شؤونهم والرفع من‬
‫مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة‪.‬‬

‫‪ -‬الرقي باإلطار القانوني المنظم للجماعات الترابية إلى مستوى قانون تنظيمي‪ ،‬يحظى بقيمة قانونية‬
‫واعتبارية في هرمية وتراتبية القوانين الوطنية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مستجدات المؤسسات الدستورية من خالل دستور ‪.2011‬‬

‫الفرع األول‪ :‬الملك رئيس الدولة‪.‬‬

‫خص الدستور الملكية بالباب الثالث بعد بابي األحكام العامة‪ ،‬والحقوق والحريات‪ ،‬كما تم إبعاد‬
‫الصفة التنفيذية عن المؤسسة الملكية‪ -‬رغم أن اختصاصات الملك التنفيذية في الدستور أهم من اختصاصات‬
‫رئيس الحكومة الذي أسندت إليه الصفة التنفيذية‪ -‬وخص السلطة التشريعية بالباب الرابع‪ ،‬ثم السلطة‬
‫التنفيذية بالباب الخامس‪ ،‬وهو ما يعتبر إبعادا للملكية عن الشأن التنفيذي '' نصا '' واإلبقاء عليها '' عمليا‬
‫''‪ ،‬وذلك كي ال تتلبس صفة الملكية بالتنفيذ‪ ،‬األمر الذي يمتنع معه إقرار مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة‬
‫في ما يتعلق بالملك‪.1‬‬

‫نص الفصل األول من دستور ‪ 2011‬على أن نظام الحكم في المغرب هو نظام ملكية دستورية‬
‫ديمقراطية اجتماعية ‪ ،‬ورئيس الدولة هو الملك ‪ ،‬و يتمتع بمجموعة كبيرة من االختصاصات والسلطات‬
‫األساسية والتي يباشرها في الحاالت العادية واالستثنائية‪.‬‬

‫وهناك مجموعة من المستجدات التي وقعت على مستوى اختصاصات الملك خاصة في المجال‬
‫التنفيذي والتشريعي والقضائي وهي كاآلتي‪:2‬‬

‫المستوى األول‪ :‬من خالل الباب الثالث ابتداء من الفصل ‪ 42‬إلى الفصل ‪ 59‬من الدستور‪ .‬والذي‬
‫يؤكد على أن الملك أمير المومنين وحامي الملة والدين والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية‪.‬‬

‫‪ 1‬بلفقيه عبد الحق‪ ،‬مؤسسة " رئيس الدولة" في دستور ‪ https://www.maghress.com/tanja24/10643 ،2011‬بتاريخ ‪،10.12.2018‬‬
‫الساعة ‪.00:24‬‬
‫‪ 2‬قربال نور الدين‪ ،‬المؤسسة الملكية من خالل الدستور‪ ،https://www.hespress.com/writers/242653.html ،‬بتاريخ ‪،10.12.2018‬‬
‫الساعة‪.01:00 :‬‬

‫‪18‬‬
‫‪-‬يرأس الملك أمير المومنين المجلس العلمي األعلى الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه‪ .‬وبذلك‬
‫يمارس الملك الصالحيات الدينية المتعلقة بإمارة المومنين‪ ،‬والمخولة له حصريا بمقتضى هذا الفصل بواسطة‬
‫ظهائر‪.‬‬

‫‪-‬الملك رئيس الدولة‪ ،‬وممثلها األسمى‪ ،‬ورمز وحدة األمة‪ ،‬وضامن دوام الدولة واستمرارها‪ .‬والحكم األسمى‬
‫بين مؤسساتها‪ .‬ومن تم فهو الساهر على احترام الدستور‪ ،‬وحسن سير المؤسسات الدستورية‪ ،‬وعلى صيانة‬
‫االختيار الديمقراطي‪ ،‬وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات‪ ،‬وعلى احترام التعهدات الدولية‬
‫للمملكة‪.‬‬

‫‪-‬الملك هو ضامن استقالل البالد‪ ،‬وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة‪.‬‬

‫واذا كانت الظهائر توقع بالعطف من قبل رئيس الحكومة فهناك استثناءات نجملها فيما يلي‪:‬‬

‫‪-‬رئاسة الملك أمير المومنين للمجلس العلمي األعلى‪،‬‬

‫‪ -‬ورئاسة مجلس الوصاية‪،‬‬

‫‪ -‬وتعيين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب‪.‬‬

‫‪-‬إعفاء الملك الحكومة بكاملها أثناء استقالة رئيس الحكومة‪.‬‬

‫‪-‬وحل مجلسي البرلمان طبق الفصول ‪ 96‬و ‪ 97‬و‪.98‬‬

‫‪ -‬والموافقة على تعيين القضاة من قبل المجلس األعلى للسلطة القضائية‪،‬‬

‫‪ -‬رفع حالة االستثناء‪،‬‬

‫‪-‬تعيين رئيس المحكمة الدستورية‪،‬‬

‫‪-‬وعرض مشاريع ومقترحات مراجعة الدستور‪.‬‬

‫‪ -‬ويعين رئيس الحكومة كما سبق ذكره وأعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها‪ .‬ويمكن أن يعفي عضوا من‬
‫أعضاء الحكومة أو أكثر من مهامهم بعد استشارة رئيس الحكومة‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫واذا كان رئيس الحكومة له صالحية إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة‪ ،‬بناء على استقالتهم الفردية‬
‫والجماعية‪ ،‬فإن هذا مرتبط بطلب من الملك‪ ،‬ونفس األمر يطلب رئيس الحكومة من الملك إعفاء عضو أو‬
‫أكثر من أعضاء الحكومة‪.‬‬

‫‪-‬كما يرأس الملك المجلس الوزاري وبالتالي فهو يترأس المداوالت المتعلقة بالقضايا التالية‪:‬‬

‫التوجهات االستراتيجية لسياسة الدولة‪ -‬مشاريع مراجعة الدستور‪ -‬التوجهات العامة لمشروع قانون المالية‪-‬‬
‫قوانين إطار المحددة لألهداف األساسية لنشاط الدولة‪ ،‬في الميادين االقتصادية وااجتماعية والبيئية والثقافية‪-‬‬
‫مشروع قانون العفو العام‪ -‬مشاريع النصوص المتعلقة بالمجال العسكري‪ -‬إعالن حالة الحصار‪ -‬إشهار‬
‫الحرب‪-‬حل مجلس النواب بمرسوم من قبل رئيس الحكومة‪-‬التعيينات المقترحة من قبل رئيس الحكومة‬
‫وبمبادرة من الوزير المعني في الوظائف التالية‪ :‬والي بنك المغرب والسفراء والوالة والعمال والمسؤولين عن‬
‫اإلدارات المكلفة باألم ن الداخلي والمسؤولين عن المؤسسات والمقاوالت العمومية االستراتيجية ‪ .‬ويمكن‬
‫التوسع في هذه النقطة من خالل القانون التنظيمي الذي حدد الئحة المؤسسات والمقاوالت االستراتيجية‪.‬‬

‫‪-‬ويصدر الملك األمر بتنفيذ القانون خالل الثالثين يوما‪ .‬وله الحق في حل مجلسي البرلمان طبق الشروط‬
‫التالية‪:‬‬

‫استشارة رئيس المحكمة الدستورية واخبار رئيس الحكومة ورئيسي مجلس النواب ومجلس المستشارين‪.‬‬
‫ويوجه خطابا إلى األمة‪ .‬وغيرها من الشروط منصوص عليها بالفصلين ‪ 97‬و ‪.98‬‬

‫‪-‬وللملك الحق في مخاطبة األمة والبرلمان ‪ ،‬واليمكن أن يكون موضوع أي نقاش داخلهما‪.‬‬

‫‪ -‬والملك هو القائد األعلى للقوات المسلحة الملكية‪ .‬وله حق التعيين في الوظائف العسكرية كما له أن‬
‫يفوض لغيره ممارسة هذا الحق‪.‬‬

‫‪-‬ويرأس الملك المجلس األعلى لألمن‪ .‬ويعتمد السفراء لدى الدول األجنبية والمنظمات الدولية‪ .‬ويوقع على‬
‫المعاهدات ويصادق عليها‪ .‬وهناك استثناء اليتم إال بقانون نحو السلم أو االتحاد أو رسم الحدود والتجارة‬
‫أو التي يترتب عليها تكاليف تلزم مالية الدولة‪ .‬أو تتعلق بحقوق وحريات المواطنات والمواطنين‪...‬‬

‫‪20‬‬
‫‪-‬وللملك أن يعرض على البرلمان كل معاهدة أو اتفاقية أخرى قبل المصادقة عليها‪ .‬كما له حق اإلحالة‬
‫على المحكمة الدستورية أي التزام دولي‪ .‬ويرأس المجلس األعلى للسلطة القضائية‪ .‬ويوافق بظهير على‬
‫تعيين القضاة من قبل المجلس األعلى للسلطة القضائية‪.‬‬

‫‪-‬كما يمكن للملك أن يعلن حالة االستثناء بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس‬
‫المستشارين ورئيس المحكمة الدستورية‪...‬إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة أو وقع من األحداث ما‬
‫يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية‪.‬‬

‫المستوى الثاني‪ :‬واذا كانت القوانين التنظيمية مكملة للدستور فإنها تحال وجوبا على المحكمة‬
‫الدستورية‪ .‬لذلك فلها مسطرة خاصة على مستوى التشريع‪ ،‬وأهمها أنها يداول فيها في المجلس الوزاري الذي‬
‫يترأسه الملك‪ .‬لذلك فالملك يدلي بدلوه في المواضيع التالية التي تشكل مضامين مشاريع القوانين التنظيمية‬
‫نحو‪:‬‬

‫تفعيل الطابع الرسمي لألمازيغية‪ -‬ما له عالقة باألحزاب السياسية‪ ،‬المعارضة‪ ،‬المجتمع المدني والتشريع‬
‫وتقديم العرائض‪ ،‬مجلس الوصاية‪ ،‬البرلمان بمجلسيه‪ ،‬الحكومة‪ ،‬التعيين في الوظائف العليا‪ ،‬النظام األساسي‬
‫للقضاة‪ ،‬المجلس األعلى للسلطة فالقضائية المحكمة الدستورية‪ ،‬مبدأ الدفع بعدم دستورية القانون‪ ،‬الجماعات‬
‫الترابية‪ ،‬المجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪ .‬ولجان تقصي الحقائق‪...‬والمجلس الوطني للغات والثقافة‬
‫المغربية‪..‬وكيفية تنظيم اإلضراب‪..‬‬

‫المستوى الثالث‪:‬انطالقا من المقتضيات الدستورية المنصوص عليها في األبواب األخرى غير‬


‫الباب الثالث الذي يحمل عنوان الملكية‪.‬لذلك نص الفصل األول بأن نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية‬
‫دستورية‪ ،‬ديمقراطية برلمانية واجتماعية‪.‬‬

‫‪-‬يحمي الملك الحقوق و المصالح المشروعة للمواطنات والمواطنين المغاربة المقيمين بالخارج‪ .‬ويدعم الدولة‬
‫الديمقراطية التي يسودها الحق والقانون‪ .‬ويصون السيادة والوحدة الوطنية والترابية ومقومات الهوية وجعل‬
‫المغرب عضوا نشيطا في المنظمات الدولية‪ .‬والمساهمة في الحفاظ على السالم واألمن في العالم‪ .‬من‬
‫خالل انتماء المملكة إلى مجموعة من المنظمات والمعاهدات الدولية أو اإلقليمية‪...‬‬

‫‪21‬‬
‫‪-‬يفتتح الملك الدورة الشريعية في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر‪ ،‬واالستماع إلى الخطب الملكية الموجهة‬
‫للبرلمان‪ .‬ويعين الملك أعضاء الحكومة‪ .‬ويمكن أن يطلب من كال مجلسي البرلمان أن يق أر قراءة جديدة كل‬
‫مشروع أو مقترح قانون‪ .‬وتطلب هذه القراءة بخطاب‪ ،‬وال يمكن أن ترفض هذه القراءة الجديدة‪.‬‬

‫‪-‬وللملك أن يحل بظهير المجلسين معا أو أحدهما‪ .‬يقع الحل بعد خطاب يوجهه الملك إلى األمة‪..‬ويستشار‬
‫الملك إذا عزم رئيس الحكومة حل مجلس النواب‪ .‬والملك هو الضامن الستقالل السلطة القضائية‪ ،‬وبطلب‬
‫من الملك يصدر المجلس األعلى للسلطة القضائية آراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بالعدالة مع مراعاة‬
‫مبدأ فصل السلط‪.‬‬

‫‪-‬ويرأس المجلس األعلى للسلطة القضائية‪ .‬وتصدر األحكام وتنفذ باسم الملك وطبقا للقانون‪.‬‬

‫‪ -‬ويعين الملك ستة أعضاء من أعضاء المحكمة الدستورية من بينهم عضو يقترحه األمين العام للمجلس‬
‫العلمي األعلى‪ .‬كما يعين الملك رئيس المحكمة الدستورية‪ .‬ويمكن للملك أن يحيل القوانين على المحكمة‬
‫الدستورية قبل إصدار األمر بتنفيذها لتبت في مطابقتها للدستور‪.‬‬

‫‪ -‬وللملك حق اتخاذ المبادرة قصد مراجعة الدستور‪.‬ويعرضه مباشرة على االستفتاء المشروع الذي اتخذ‬
‫المبادرة بشأنه‪ .‬كما للملك بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية أن يعرض بظهير على البرلمان مشروع‬
‫مراجعة بعض مقتضيات الدستور‪ .‬وينعقد البرلمان بدعوة من الملك في اجتماع مشترك لمجلسيه للمصادقة‬
‫على هذه المراجعة بأغلبية ثلثي األعضاء الذين يتألف منهم‪.‬‬

‫المستوى الرابع‪ :‬ينص فقهاء الدستور على أن أركان الدولة هي‪ :‬العنصر البشري واإلقليم والسلطة‬
‫السياسية‪ .‬وباعتبار الملك رئيسا للدولة وممثلها األسمى ورمز وحدة األمة وضامن دوم الدولة واستمرارها‬
‫والحكم األسمى بين مؤسساتها وذلك من خالل ما يلي‪:‬‬

‫‪-‬السهر على احترام الدستور‪ ،‬وحسن سير المؤسسات الدستورية وعلى صيانة االختيار الديمقراطي وحقوق‬
‫وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات وعلى احترام التعهدات الدولة للمملكة‪.‬‬

‫‪-‬تفعيل الطابع الرسمي للغات الرسمية العربية واألمازيغية وصون الحسانية وحماية اللهجات والتعبيرات‬
‫الثقافية المستعملة في المغرب‪ .‬وتعلم اللغات األجنبية األكثر تداوال في العالم‪.‬‬

‫‪-‬السعي إلى تحقيق مبدإ المناصفة بين الرجال والنساء‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫‪-‬العمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق‬
‫في مجموعة من الخدمات والحقوق‪.‬‬

‫‪-‬ضمان الحماية الحقوقية واالجتماعية واالقتصادية لألسرة بمقتضى القانون بما يضمن وحدتها واستقرارها‬
‫والمحافظ عليها‪.‬‬

‫‪-‬ضمان حرية المبادرة والمقاولة‪ ،‬والتنافس الحر‪ .‬والعمل على تحقيق متطلبات التنمية البشرية المستدامة‪.‬‬
‫وتعزيز العدالة االجتماعية‪ ،‬والحفاظ على الثروات الطبيعية الوطنية‪ ،‬وعلى حقوق األجيال القادمة‪.‬‬

‫ضمان تكافؤ الفرص للجميع والرعاية الخاصة للفئات االجتماعية على األقل‪.‬‬

‫نخلص مما سبق أن الدستور واضح فيما يتعلق باالختصاصات وطبيعة المؤسسات لذلك من الواجب عدم‬
‫الخوض في القضايا الدستورية دون معرفة ثنايا هذه الوثيقة التي أثبتت بأن نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية‬
‫دستورية‪ ،‬ديمقراطية برلمانية واجتماعية وقد نجد المؤسسة الملكية حاضرة في هذه المستويات بناء على‬
‫البعد الدستوري واالعتباري لشخص الملك الذي ال تنتهك حرمته‪ ،‬وله واجب التوقير واالحترام‪ .‬في ظل‬
‫خصوصية دينية وحضارية وثقافية للمملكة‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬السلطة التنفيذية (الحكومة)‪:‬‬

‫أولى مؤشرات التغيير هي الصفة ذاتها لرئيس الوزراء؛ بحيث أن الصفة الجديدة التي أعطاه إياها‬
‫دستور ‪ 2011‬هي " رئيس الحكومة"‪ ،‬وما لذلك من رمزية معنوية على السلطة والمكانة الجديدة التي أصبح‬
‫يحظى بها – من الناحية الدستورية – في دواليب الحكم والجهاز التنفيذي للدولة‪.‬‬

‫ومن اهم المستجدات التي عرفتها السلطة التنفيذية ما يلي‪:1‬‬

‫‪ -‬نصت مقتضيات الفصل ‪ 47‬من الدستور على أن رئيس الحكومة يعينه الملك من الحزب‬
‫السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب الذين يتم انتخابهم باالقتراع العام المباشر‪ ،‬في حين‬
‫كان الفصل ‪ 24‬من دستور ‪ 7‬أكتوبر ‪ 1996‬يقضي بأن‪" :‬الملك يعين الوزير األول" دون تحديد ما إذا‬
‫كان هذا التعيين يتم من الحزب الذي تصدر انتخابات مجلس النواب أو من األغلبية البرلمانية أو من خارج‬

‫‪ 1‬وجاط عبدالجليل‪ ،‬السلطة التنفيذية على ضوء دستور ‪29‬يوليوز ‪ ،https://www.hespress.com/writers/304758.html ،2011‬بتاريخ‬
‫‪ ،10.12.2018‬الساعة ‪.01:23‬‬

‫‪23‬‬
‫هذا اإلطار‪ .‬وهو ما كان يعطي للملك – في المرحلة السابقة – حرية اختيار وزيره األول وذلك سواء من‬
‫األحزاب السياسية التي تمثل األغلبية البرلمانية أو من التكنوقراط‪.‬‬

‫‪ -‬أعطى دستور ‪ 2011‬لرئيس الحكومة وفريقه الوزاري العديد من الصالحيات الجديدة‪ .‬فعلى‬
‫مستوى تشكيلة الحكومة‪ ،‬يعين الملك أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها – كما كان الحال عليه في دستور‬
‫‪ ،–1996‬ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة‪ ،‬في حين كان‬
‫هذا اإلعفاء من اختصاص الملك فقط في الدستور السابق‪.‬‬

‫‪ -‬على مستوى عمل الحكومة فإن هذه األخيرة تمارس اختصاصاتها تحت سلطة رئيسها‪ ،‬واإلدارة‬
‫موضوعة تحت تصرفها‪ ،‬كما تمارس اإلشراف والوصاية على المؤسسات والمقاوالت العمومية‪.‬‬

‫‪ -‬يمارس رئيس الحكومة السلطة التنظيمية ويعين في الوظائف المدنية في اإلدارات العمومية‪ ،‬وفي‬
‫الوظائف السامية في المؤسسات والمقاوالت العمومية‪ ،‬دون إخالل بأحكام الفصل ‪ 49‬من الدستور‪ ،‬أي ما‬
‫يتعلق بتعيين الملك‪ ،‬باقتراح من رئيس الحكومة‪ ،‬وبمبادرة من الوزير المعني‪ ،‬لوالي بنك المغرب‪ ،‬والسفراء‬
‫والوالة والعمال‪ ،‬والمسؤولين عن اإلدارات المكلفة باألمن الداخلي‪ ،‬والمسؤولين عن المؤسسات والمقاوالت‬
‫االستراتيجية‪.‬‬

‫‪ -‬ن جانب آخر‪ ،‬نص الفصل ‪ 92‬من الدستور على أن مجلس الحكومة يتداول‪ ،‬تحت رئاسة‬
‫رئيس الحكومة‪ ،‬في القضايا والنصوص المتعلقة بالسياسة العامة للدولة‪ ،‬والسياسة العمومية والقطاعية‪،‬‬
‫وطلب الثقة من مجلس النواب‪ ،‬والقضايا الراهنة لحقوق اإلنسان والنظام العام‪ ،‬ومشاريع ومراسيم القوانين‬
‫ومشاريع المراسيم والمراسيم التنظيمية‪ ،‬والمعاهدات واالتفاقيات الدولية‪ ،‬والتعيين في المناصب العليا – مع‬
‫مراعاة ما تمت اإلشارة إليه سابقا (الفصل ‪.)49‬‬

‫‪ -‬فيما يخص المجال التشريعي‪ ،‬فإن الفصل ‪ 78‬من الدستور ينص على أن لرئيس الحكومة‬
‫وألعضاء البرلمان على السواء حق التقدم باقتراح القوانين‪ .‬كما أن لرئيس الحكومة حق حل مجلس النواب‬
‫بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء وفق مقتضيات الفصل ‪ 104‬من الدستور‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬السلطة التشريعية (البرلمان)‪:‬‬

‫خطا الدستور الجديد خطوة إيجابية لدعم العمل التشريعي للبرلمان على مستوى توسيع مجاله مقارنة‬
‫بالدستور السابق‪ ،‬وارتقاء البرلمان إلى درجة المشرع الدستوري‪ ،‬واعمال المقاربة التشاركية‬
‫في هذا المجال للمعارضة البرلمانية ومؤسسات الحكامة‪ ،‬وتعاون المؤسستين التشريعية والتنفيذية‪ ،‬واالنفتاح‬
‫على المواطنين كذلك‪ ،‬وهذه كلها تدابير لتجويد األداء البرلماني وحكامة تشريعة‪.‬‬

‫والبرلمان‪ ،‬كما هو معلوم‪ ،‬يتكون من مجلسين‪ :‬مجلس النواب ومجلس المستشارين‪ ،‬والوظيفة‬
‫األساسية للبرلمان هي التشريع‪ ،‬بل إن اسم البرلمان مرتبط بالسلطة التشريعية (التي أصبحت عنوانا للباب‬
‫الثالث في الدستور)‪ ،‬حيث اتسع مجال التشريع األساسي والعادي للبرلمان‪ ،‬لكن هذا األخير ال يحتكر لوحده‬
‫هذه الوظيفة‪ ،‬بل إن السلطة التنفيذية تتدخل في مجال التشريع باسم العقلنة البرلمانية‪ .‬كما أن الدستور بوأ‬
‫المعارضة مكانة مركزية في هيكلة وصنع القرار البرلماني‪.‬‬

‫وقد حبل دستور ‪ 2011‬بمستجدات تدعم سلط البرلمان‪ ،‬وتوسع مجال اختصاصه التشريعي‪ .‬اهمها‪:‬‬

‫‪ -1‬توسيع مجال االختصاص التشريعي للبرلمان‪:‬‬

‫‪-‬ال يقتصر دور البرلمان على سن القانون أي التشريع العادي بل يطال حتى التشريع األساسي‪،‬‬
‫انطالقا من اإلمكانية المتاحة لمجلسي البرلمان‪( ،‬إضافة إلى الملك ورئيس الحكومة) في اتخاذ مبادرة‬
‫مراجعة الدستور (الفصل ‪ ،)172‬المقترحة من لدن عضو أو أكثر من أعضاء أحد مجلسي البرلمان‪ ،‬والتي‬
‫ال تصح الموافقة عليها إال بتصويت أغلبية ثلثي األعضاء الذين يتألف منهم كل مجلس (الفصل ‪.)173‬‬
‫واذا كانت مشاريع ومقترحات مراجعة الدستور تُعرض بمقتضى ظهير على االستفتاء الشعبي‪ ،‬فللملك‪ ،‬بعد‬
‫ع مراجعة بعض مقتضيات‬
‫استشارة رئيس المحكمة الدستورية‪ ،‬أن يعرض على البرلمان‪ ،‬بظهير‪ ،‬مشرو َ‬
‫الدستور‪ ،‬حيث يكون البرلمان المنعقد ‪-‬باستدعاء من الملك‪ ،‬في اجتماع مشترك لمجلسيه‪ -‬مطالبا‬
‫بالمصادقة على مشروع هذه المراجعة بأغلبية ثلثي األعضاء الذين يتكون منهم‪ ،‬ويحدد النظام الداخلي‬
‫لمجلس النواب كيفيات تطبيق هذا المقتضى (الفصل ‪.)174‬‬

‫‪ -‬القوانين التنظيمية‪ ،‬واألنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان‪ ،‬التي هي امتداد للكتلة الدستورية‪ ،‬يختص‬
‫البرلمان بالتشريع فيها‪ .‬وقد توسعت مجاالت القوانين التنظيمية في الدستور الجديد (وعددها ‪ )19‬بالمقارنة‬
‫مع الدستور السابق (وعددها ‪ ،)9‬والبرلمان مطالب بالمصادقة عليها كلها خالل مدة هذه الوالية التشريعية‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫وهذا يبوئ البرلمان الحالي مهمة مركزية تأسيسية باألساس‪ ،‬تستدعي تأهيال ووعيا لدى البرلمانيين بأهمية‬
‫وحساسية المرحلة‪ ،‬بل الحاجة ماسة إلى مخطط تشريعي‪.‬‬

‫‪- 2‬توسيع مجاالت التشريع العادي‪:‬‬

‫إن المجاالت التي تكون موضوع قانون بصريح النص الدستوري‪ ،‬إما أن تأتي مجمعة في فصل‬
‫واحد أو متفرقة عبر فصول متعددة‪ ،‬وهو ما كرسه دستور‪2011‬؛ فبعدما كان مجال القانون محصو ار في‬
‫‪ 9‬ميادين (الفصل ‪ 46‬من دستور ‪ ،)1996‬ارتفع عددها إلى ‪ 30‬قطاعا (الفصل ‪ 71‬من الدستور الجديد)‪،‬‬
‫ومنها‪ :‬نظام األسرة والحالة المدنية‪ ،‬مبادئ وقواعد المنظومة الصحية‪ ،‬نظام الوسائط السمعية البصرية‬
‫والصحافة بمختلف أشكالها‪ ،‬نظام مصالح وقوات حفظ األمن‪ ،‬النظام الضريبي ووعاء الضرائب ومقدارها‬
‫وطرق تحصيلها‪ ،‬النظام القانوني إلصدار العملة‪ ،‬نظام تكنولوجيا المعلومات واالتصاالت‪ ،‬القواعد المتعلقة‬
‫بتدبير البيئة وحماية الموارد الطبيعية والتنمية المستدامة‪ ،‬تحديد التوجهات والتنظيم العام لميادين التعليم‬
‫والبحث العلمي والتكوين المهني‪ ...،‬وتضاف إلى ذلك صالحية البرلمان في التصويت على قوانين اإلطار‪،‬‬
‫أو مجموعة من القطاعات الواردة في فصول أخرى من الدستور‪ ،‬والتي تكون موضوع تأطير قانوني‪ ،‬وهي‬
‫على األقل ‪ 18‬قطاعا‪ ،‬مثل قانون المالية (الفصل ‪ ،)75‬المجلس األعلى للحسابات (الفصل ‪،)150‬‬
‫مؤسسات الحكامة الجيدة ‪.‬‬

‫‪-3‬الفاعلون الجدد واآلخرون في مجال التشريع‪:‬‬

‫أ‪ -‬المعارضة البرلمانية‪:‬‬

‫ال بد من التذكير بالدور غير الهامشي الذي أصبحت تضطلع به المعارضة كمكون أساسي في‬
‫المجلسين‪ ،‬وتشارك في وظيفتي التشريع والمراقبة (الفصل ‪)60‬؛ وألجل هذا الهدف‪ ،‬فالدستور مكنها من‬
‫ضمانات تخولها حقوقا‪ ،‬للنهوض بمهامها في العمل البرلماني والحياة السياسية‪ ،‬كالمشاركة الفعلية في‬
‫مسطرة التشريع‪ ،‬من خالل تخصيص رئاسة لجنة أو لجنتين للمعارضة‪ ،‬وأساسا رئاسة اللجنة المكلفة‬
‫بالتشريع بمجلس النواب (الفصل ‪ ،)10‬وتمثيلية مالئمة في األنشطة الداخلية لمجلسيه‪ ،‬وخاصة تسجيل‬
‫مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان (الفصل ‪ ،)82‬حيث حرص الدستور على التنصيص على‬
‫تخصيص يوم واحد على األقل في الشهر لدراسة مقترحات القوانين‪ ،‬ومن بينها تلك المقدمة من قبل‬

‫‪26‬‬
‫المعارضة‪.‬‬
‫ب‪ -‬ملتمسات المواطنين في ميدان التشريع‪:‬‬

‫قد حبل الدستور المغربي لسنة ‪ 2011‬بمقتضيات جديدة تدمج خصائص الديمقراطية شبه المباشرة‪،‬‬
‫وتقحم مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العمومي‪ ،‬منها أحكام الفصل ‪ ،14‬والتي قضت بأحقية‬
‫المواطنين والمواطنات‪ ،‬ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي‪ ،‬في تقديم ملتمسات في مجال التشريع‪.‬‬
‫لكن هذه المبادرة الشعبية لن تطال المراجعة الدستورية‪ ،‬بل يشارك المواطنون في التشريع العادي الذي يسنه‬
‫البرلمان‪ ،‬بشكل مسبق‪ ،‬ومن خالل المبادرة التشريعية‪ ،‬وليس عن طريق ما يسمى باالعتراض التشريعي‪.‬‬
‫ولم يحدد الدستور المغربي المجاالت التي يمكن أن تكون موضوع المبادرة وال نطاق حدودها‪ ،‬كما ذهبت‬
‫إلى ذلك بعض الدساتير المقارنة‪ ،‬وتم االقتصار على «الملتمسات»‪ ،‬وليس تقنية «العرائض»؛ كما أن‬
‫الدستور المغربي أشار إلى مصطلح «المواطنين والمواطنات» الذين يحق لهم تقديم اقتراحات تشريعية‪ ،‬بيد‬
‫أن التشريعات األجنبية تستعمل مفردة «الناخبين»‪ ،‬وهذا يفرض نوعا من االحتراس أثناء صياغة القانون‬
‫التنظيمي لتنزيل الفصل ‪ 14‬من الدستور‪.‬‬

‫ج‪ -‬أجهزة الحكامة‪:‬‬

‫إن من شأن إشراك مؤسسات وأجهزة أخرى في المجال التشريعي للبرلمان‪ ،‬واالستثمار األنجع لذلك‬
‫من شأنه أن يساهم في الرفع من األداء البرلماني وجودة العمل التشريعي‪ .‬وتختزل هذه األجهزة‪ ،‬حسب ما‬
‫يمكن استشفافه من الدستور‪ ،‬في‪:‬‬

‫‪-‬المحكمة الدستورية‪:‬‬

‫تبت المحكمة الدستورية في مطابقة القوانين للدستور‪ ،‬إما بشكل مسبق وأوتوماتيكي كالقوانين‬
‫التنظيمية‪ ،‬واألنظمة الداخلية لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين‪ ،‬أو القوانين واالتفاقيات الدولية‬
‫التي يمكن إحالتها عليها قبل إصدار األمر بتنفيذها‪( ...‬الفصل ‪ ،)132‬فالمجلس حاليا (المحكمة‬
‫الدستورية)‪ ،‬وهو يقوم عدم السالمة التشريعية أو الخرق القانوني لسمو القواعد الدستورية‪ ،‬فهو يشكل ضمانة‬
‫لعقلنة إنتاج المقاولة البرلمانية‪ .‬واألكثر من ذلك أن المجلس الدستوري ال يكتفي بإلغاء النصوص المخالفة‬
‫للدستور‪ ،‬بل يدعو البرلمان‪ ،‬في العديد من ق ارراته‪ ،‬إلى فصل تلك المواد المخالفة‪ ،‬مع جواز إصدار األمر‬
‫بتنفيذ القانون‪ ،‬وكأن المجلس الدستوري يتحول بذلك إلى مشرع في هذا الشأن‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫‪-‬المجلس األعلى للحسابات‪:‬‬

‫هو الهيئة العليا لمراقبة المالية العمومية‪ ،‬يقدم مساعدته للبرلمان في المجاالت المتعلقة بمراقبة‬
‫المالي ة العامة‪ ،‬ويجيب عن األسئلة واالستشارات المرتبطة بوظائف البرلمان في التشريع والمراقبة والتقييم‬
‫المتعلقة بالمالية العامة (الفصل ‪ .)148‬ومن شأن هذه االستشارة أو المساعدة أن ترفع من العمل التشريع‬
‫البرلماني لحسن تدبير الشأن المالي العمومي‪.‬‬

‫‪-‬المجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪:‬‬

‫من المؤسسات االستشارية التي يمكن أن تفيد البرلمان باستشارتها في كل القضايا‪ ،‬التي لها طابع‬
‫اقتصادي واجتماعي وبيئي‪ ،‬وفي التوجهات العامة لالقتصاد الوطني والتنمية المستدامة (الفصل ‪).152‬‬
‫ولإلشارة‪ ،‬فإذا حرص الدستور على ذكر صلة هذه المؤسسات بالبرلمان‪ ،‬فهذا ال يعدم التنسيق والتعاون مع‬
‫كل في ما يخصه‪ ،‬كالمجلس الوطني لحقوق اإلنسان (الذي‬
‫مؤسسات الحكامة األخرى في ميدان التشريع‪ٌّ ،‬‬
‫يستفاد من النص المؤسس له‪ ،‬وخاصة الفصل ‪ ،16‬أنه يمكن أن يقدم المساعدة للبرلمان في ميدان التشريع‪،‬‬
‫وخاصة االتفاقيات الدولية ذات الصلة بالمادة الحقوقية) والهيئة العليا لالتصال السمعي البصري‪ ...‬باإلضافة‬
‫إلى االستثمار المنتج مع المؤسسات التقليدية‪ ،‬الفاعلة في الميدان‪ :‬األمانة العامة للحكومة والو ازرة المكلفة‬
‫بالعالقات مع البرلمان والمجتمع المدني‪.‬‬

‫ويتبين مما سبق أن إعمال المقاربة التشاركية مع مختلف المؤسسات الدستورية وفي المجاالت التي‬
‫تعنيها‪ ،‬وتحديدا في قطاعات استراتيجية مالية‪ ،‬اقتصادية‪ ،‬اجتماعية‪ ،‬حقوقية‪ ...،‬من شأنه أن يساهم في‬
‫حكامة تشريعية‪ ،‬قد تضفي عليها «لمسة» إضافية‪ ،‬تتعزز أكثر من خالل االنفتاح على المواطنين وفي‬
‫المجال التشريعي بالذات‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫تعد التجربة المغربية إذن تجربة فريدة من نوعها‪ ،‬اذ ان مجرد صدور دستور ( ‪) 1962‬هو عمل‬
‫غير من طبيعة الدولة المغربية وبه اندمجت المملكة المغربية في الكونية او نوع من الكونية على االقل ‪.‬‬
‫وفي اطار التطورات الدولية واالقليمية والداخلية منذ بداية العقد االخير من القرن الماضي ‪ ،‬فقد طرات على‬

‫‪28‬‬
‫الدستور تعديالت دستورية في عامي (‪) 1992-1996‬تمثلت محصلتها في العمل على تحقيق نوع من‬
‫التوازن غير التام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ‪ ،‬تمثل في منح السلطة التشريعية بعض القوة فضال‬
‫عن توسيع صالحيات الوزير األول ‪ ،‬إال أنها لم تتطرق الى اسس وركائز المؤسسة الملكية ‪ ،‬بل إنها بقيت‬
‫محتكرة لكثيرمن أوراق العملية السياسية ‪ ،‬وقد ادى تحقيق االصالحات الدستورية واصدار دستور ( ‪1996‬‬
‫) باالجماع عن طريق االستفتاء إلى االستجابة لبعض مطالب المعارضة والى االلتفاف الشعبي النخبوي‬
‫حول المؤسسة الملكية مما اتاح مجاال لالنفراج السياسي في المغرب ‪.‬وقد حافظت هذه االصالحات على‬
‫اهمية المؤسسة الملكية في اطار توازن القوى القائم ‪ ،‬ومن ثم فقد قبلت المعارضة التناوب التوافقي بوصفه‬
‫اتفاق سياسي اليستند الى الدستور‪ ،‬ومن الجدير باالشارة الى انه لم يتم اعداد الدساتير المغربية من لجان‬
‫او هيئات منهجية ومستقلة بل ان الملك قام بوضع هذه الدساتير مع استشارة بعض الوزراء واساتذة القانون‬
‫الدستوري ومنهم بعض االساتذة الفرنسيين المعروفين كموريس ديفرجيه اذ اعتمد الدستور المغربي عموما‬
‫على مجموعة من المصادر في صياغته منها‪:‬‬
‫‪-‬النظام البرلماني‪.‬‬
‫‪.-‬دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة‪.‬‬
‫‪.-‬دستور الجمهورية الملغاشية عام ‪1959‬‬

‫وعلى خالف الدساتير األربع السابقة للمملكة (دساتير ‪،)1996 ،1992 ،1972 ،1970 ،1962‬‬
‫توج دستور ‪ 29‬يوليو ‪ 2011‬مسا ار إصالحيا متمي از دشن بتولي الملك محمد السادس عرش المغرب‪ ،‬مسا ار‬
‫متعدد الحلقات‪ ،‬واضعا كغاية له إنجاح "النموذج المغربي" المبني على الخصوصية واألصالة وفي نفس‬
‫اآلن معانقة القيم الكونية واإلنسانية‪.‬‬

‫هذا اإلصالح الدستوري‪ ،‬تم أيضا بمنهجية مؤطرة بعنوان "المشاركة الواسعة"‪ ،‬فبعد الخطاب الملكي‬
‫لـ تسع (‪ )9‬مارس ‪ ،2011‬المحدد للخطوط الكبرى للتعديل الدستوري‪ ،‬تم تشكيل لجنة تقنية من الخبرات‬
‫والكفاءات الوطنية‪ ،‬وهي اللجنة التي تكلفت بتلقي المذكرات والمطالب الدستورية لمختلف الفاعلين حزبيين‪،‬‬
‫مدنيين‪ ،‬نقابيين‪ ...‬في فضاء عمومي هيمن عليه النقاش حول التعديل الدستوري‪ ،‬مضمونه‪ ،‬خياراته‪،‬‬
‫وآفاقه‪...‬والى جانب هذه اللجنة تم تشكيل لجنة سياسية للمتابعة مثلت فيها جميع الحساسيات الحزبية وكانت‬

‫‪29‬‬
‫الغاية منها خلق فضاء سياسي مواز لعمل اللجنة التقنية موكول له الحسم في الخالفات وتقريب األطروحات‬
‫المتباينة‪.1‬‬

‫هكذا يكون دستور ‪ 2011‬قد أسس لتجربة سياسية جديدة قوامها صك الحقوق والحريات والفصل‬
‫بين للسلط و تكاملها ودسترة مكونات الهوية الوطنية المغربية بروافدها المتعددة‪.‬‬

‫االستمرارية‪،‬‬ ‫ظل‬ ‫في‬ ‫ومهيكل‬ ‫‪ 1‬محمد الشسخ بيد هللا‪ ،‬الدستور المغربي لـ ‪ 29‬يولويز ‪ :2011‬تغيير عميق‬
‫‪ https://www.hespress.com/writers/195721.html‬بتاريخ ‪ ،10.12.2018‬الساعة ‪.10.55‬‬

‫‪30‬‬

You might also like