‫‪1‬‬

‫​اﻟﺮﻛﻌﺔ اﻷﺧﯿﺮة‬

‫ﻻ ﺗﻌﺪد زوﺟﺎت ﻓﻰ اﻟﻘﺮآن وﻣﺮﯾﻢ أم ﻋﺰﺑﺎء وﻟﯿﺴﺖ ﻋﺬراء‬

‫واﻟﺼﻠﻮة اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮآن‬

‫​ﺳﯿﺪ ﯾﻮﺳﻒ‬
2
 ‫‪3‬‬

‫إﻫﺪاء إﻟﻰ اﻷﻃﻔﺎل ‪ ،‬ﻣﯿﺪو و إﯾﺎد ‪ ،‬و إﯾﺎد اﻟﺼﻐﯿﺮ ‪ ،‬و ﺳﺠﻰ و رﯾﻢ‬
 ‫‪4‬‬

‫اﻟﻤﺤﺘﻮﯾﺎت‬
‫اﻟﻘﻀﯿﺔ ) إزدراء أدﯾﺎن (‬

‫‪١٣‬‬ ‫ﺗﺨﺎرﯾﻒ اﻟﺒﺨﺎرى‬

‫ﻓﻘﻊ ﻋﯿﻦ ﻣﻠﻚ اﻟﻤﻮت‬

‫ﻻ ﺗﻜﻮﻧﻮا ﻛﺎﻟﺬﯾﻦ أذوا ﻣﻮﺳﻰ‬
‫ﻗﺎل رﺳﻮل اﷲ ) أﻧﻜﺘﻬﺎ (‬
‫ﻓﺄﻧﺠﺎه اﷲ ﻣﻦ اﻟﻨﺎر‬

‫‪٢١‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻻول ‪ .‬ﺻﯿﺎﻏﺔ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ‬

‫اﻹﺳﺘﺜﻨﺎء اﻟﻤﻨﻘﻄﻊ ) إﻻ إﺑﻠﯿﺲ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺟﺪﯾﻦ (‬

‫وﻟﻘﺪ ﻫﻤﺖ ﺑﻪ وﻫﻢ ﺑﻬﺎ‬
‫ِﻦ اﻟﱢﻨ َﺴﺎ ِء إِﱠﻻ َﻣﺎ َﻣﻠَ َﻜ ْﺖ أَ ْﯾ َﻤﺎُﻧ ُﻜ ْﻢ‬ ‫ﺼ َﻨ ُ‬
‫ﺎت ﻣ َ‬ ‫َو ْاﻟ ُﻤ ْﺤ َ‬
‫ْﻄ ُ‬
‫ﺎن‬ ‫ﻨﺴ ُﺦ اﷲﱠُ َﻣﺎ ﯾُْﻠﻘِﻲ ﱠ‬
‫اﻟﺸﯿ َ‬ ‫َﻓ َﯿ َ‬
‫َو َﻣﺎ َﯾ ْﻌﻠَ ُﻢ َﺗ ْﺄ ِوﯾﻠَ ُﻪ إﻻ اﷲ‬
‫) ﻟﻘﺪ ﻛﻔﺮ اﻟﺬﯾﻦ ﻗﺎﻟﻮا إن اﷲ ﻫﻮ اﻟﻤﺴﯿﺢ (‬
‫ﻣﺎ ﻧﻨﺴﺦ ﻣﻦ آﯾﺔ‬

‫‪٤٥‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻰ ‪ .‬أﻛﺬوﺑﺔ ﺗﻌﺪد اﻟﺰوﺟﺎت‬

‫اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﺣﻮل ﺗﻔﺴﯿﺮ ) أﻻ ﺗﻌﻮﻟﻮا (‬

‫زواج اﻻﻧﺒﯿﺎء‬
‫وإﻣﺮأة ﻣﺆﻣﻨﺔ إن وﻫﺒﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻟﻠﻨﺒﻰ‬
 ‫‪5‬‬

‫‪٦٠‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ‪ .‬ﻗﺼﺔ ﻣﺮﯾﻢ اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ‬

‫اﻟﻤﺴﯿﺢ ﻟﻢ ﯾﺘﻜﻠﻢ وﻫﻮ رﺿﯿﻊ‬
‫) وﯾﻜﻠﻢ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺪ وﻛﻬﻼ (‬
‫أﻛﺬوﺑﺔ ﻋﻮدة اﻟﻤﺴﯿﺢ‬
‫) أﻧﻰ ﯾﻜﻮن ﻟﻰ وﻟﺪ وﻟﻢ ﯾﻤﺴﺴﻨﻰ ﺑﺸﺮ (‬
‫ﻣﺮﯾﻢ أم ﻋﺰﺑﺎء‬
‫ﻓﺘﻤﺜﻞ ﻟﻬﺎ ﺑﺸﺮاً ﺳﻮﯾﺎ‬

‫‪٨٢‬‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ‪ .‬ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺼﻠﻮة ﻓﻰ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮاﻧﻰ‬

‫اﻟﺼﻠﻮة ﻟﯿﺴﺖ ﺣﺮﻛﯿﺔ‬
‫ﻣﻮاﻗﯿﺖ اﻟﺼﻠﻮة‬
6
 ‫‪7‬‬

‫ﻣﻘﺪﻣﺔ‬

‫ﻛﻨﺖ ﻣﻌﺼﻮب اﻟﻌﯿﻨﯿﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺘﻢ إﺳﺘﺠﻮاﺑﻰ ‪،‬‬

‫ﻫﻮ ‪ .‬أﻧﺖ ﺑﺘﺼﻠﻰ ؟‬
‫أﻧﺎ ‪ .‬واﷲ‬
‫ﻫﻮ ‪ .‬ﻣﺎدام ﻗﻠﺖ واﷲ ﯾﺒﺄه ﺣﺘﻜﺪب ‪ ) ،‬ﯾﺒﺪو أن ﻛﺜﺮة اﻹﺳﺘﺠﻮاﺑﺎت أﻓﺎدﺗﻪ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ (‬
‫أﻧﺎ ﻻ أﺗﺬﻛﺮ أﻧﻰ ﻛﻨﺖ ﺳﺄﻛﺬب ‪ ،‬وﻟﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻛﺪ أﻧﻰ ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ أن أﺟﺪ إﺟﺎﺑﻪ ﻏﯿﺮ ﺻﺎدﻣﺔ‬
‫ورﺑﻤﺎ ﻫﺬا ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﻜﺬب ! ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻮم ﻛﺎن ردى ‪ ،‬ﻻ وﷲ أﺻﻞ اﻟﺤﺎﺟﺔ اﻟﻠﻰ ﻣﺎ‬
‫ﺑﺘﻘﻨﻌﻨﯿﺶ ﻣﺎ ﺑﻨﺆﻣﻨﺶ ﺑﯿﻬﺎ ﯾﻌﻨﻰ ﻣﺜﻼ ﻗﺼﺔ ﺳﯿﺪﻧﺎ إﺑﺮاﻫﯿﻢ‬
‫ﻫﻮ ‪ .‬ﺑﺼﻮت ﺣﺎد ‪ ،‬ﻣﺶ ﻋﺎﯾﺰ ﻓﻠﺴﻔﺔ‬
‫أﻧﺎ ‪ .‬ﺣﺎﺿﺮ ﺑﺲ أﻧﺎ ﻋﺎﯾﺰ أوﺿﺢ ﻟﺤﻀﺮﺗﻚ ﻣﺜﻞ ﺻﻐﯿﺮ ) ﯾﺒﺪو أﻧﻪ ﻛﺎن ﻋﺎﯾﺰ ﯾﺴﻤﻊ ( ﻫﻤﺎ‬
‫ﺑﯿﻘﻮﻟﻮا أن ﺳﯿﺪﻧﺎ إﺑﺮاﻫﯿﻢ إﺗﺤﻂ ﻓﻰ وﺳﻂ ﻧﺎر ﻣﻬﻮﻟﻪ واﻟﻨﺎر ﻣﻌﻤﻠﺘﻠﻮش ﺣﺎﺟﺔ ﻣﻊ أن اﻟﻘﺮآن‬
‫اب َﻗ ْﻮ ِﻣ ِﻪ إِﱠﻻ أَن َﻗﺎﻟُﻮا ْاﻗُﺘﻠُﻮ ُه أَ ْو َﺣ ﱢﺮ ُﻗﻮ ُه ( ﻓﻤﺎﯾﻨﻔﻌﺶ ﻧﻔﺴﺮ ﺣﺮﻗﻮه‬ ‫ﺑﯿﻘﻮل ) َﻓ َﻤﺎ َﻛ َ‬
‫ﺎن َﺟ َﻮ َ‬
‫ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻗﺘﻠﻮه ﺑﺎﻟﺘﺤﺮﯾﻖ ﻷن ﻛﺪه اﻵﯾﺔ ﺣﺘﻜﻮن أﻗﺘﻠﻮه أو أﻗﺘﻠﻮه ﺑﺎﻟﻨﺎر ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﺤﻘﯿﻘﻰ ﻫﻮ‬
‫أﻗﺘﻠﻮه أو ﻋﺬﺑﻮه ﺑﺪون ﻗﺘﻠﻪ وﺟﻪ اﻟﺘﺤﺮﯾﻖ ﻛﻨﺎﯾﻪ ﻋﻦ اﻟﻌﺬاب ‪ ،‬ودا اﻟﻠﻰ ﺣﺼﻞ ﯾﻌﻨﻰ ﻣﻜﺎﻧﺶ‬
‫ﻓﯿﻪ ﻧﺎر وﻻ ﺣﺎﺟﻪ أﺑﺮاﻫﯿﻢ إﺗﺤﻂ ﻓﻰ وﺳﻄﻬﺎ زى ﻣﺎ ﻓﺴﺮوا !‬

‫ﻣﺜﺎل أﺧﺮ ﻟﻠﺘﻔﺎﺳﯿﺮ اﻟﻤﺰﯾﻔﺔ أو اﻟﻔﻬﻢ اﻟﺨﺎﻃﺊ أن ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﯾﺮدد أن اﻟﻘﺮآن ﻧﺺ ﺗﺎرﯾﺨﻰ‬
‫وﯾﺴﺘﻨﺪ إﻟﻰ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ) وأﻋﺪوا ﻟﻬﻢ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﻌﺘﻢ ﻣﻦ ﻗﻮة وﻣﻦ رﺑﺎط اﻟﺨﯿﻞ ﺗﺮﻫﺒﻮن ﺑﻪ‬
‫ﻋﺪو اﷲ وﻋﺪوﻛﻢ ( ﻓﯿﻘﻮل أن اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ ﯾﺪﻋﻮ إﻟﻰ إﺳﺘﺨﺪام اﻟﺨﯿﻞ ) اﻷﺣﺼﻨﺔ ( ﻓﻰ‬
‫اﻟﺤﺮوب وأن ﻫﺬا ﻛﺎن ﻗﺪ ﯾﺠﻮز ﻓﻰ اﻟﻤﺎﺿﻰ وﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻪ اﻷن ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻘﺮآن إذاً – ﺣﺴﺐ‬
‫رأﯾﻪ ‪ -‬ﻫﻮ ﻧﺺ ﺗﺎرﯾﺨﻰ ! وﻟﻜﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﻈﺮ ﯾﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺪرك أن رﺑﺎط اﻟﺨﯿﻞ ﻫﻨﺎ ﻻ ﺗﻌﻮد‬
‫ﻋﻠﻰ ) ﻣﺎ أﺳﺘﻄﻌﺘﻢ ﻣﻦ ﻗﻮة ( ﻓﻠﯿﺴﺖ ﻗﻮة ﯾﺘﻢ إﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﻓﻰ اﻟﺤﺮوب ‪ ،‬ﺑﻞ ) ﺗﺮﻫﺒﻮن ﺑﻪ‬
‫ﻋﺪو اﷲ( ﻫﻰ ﻣﺎ ﺗﻌﻮد ﻋﻠﻰ) وﻣﻦ رﺑﺎط اﻟﺨﯿﻞ ( ‪ ،‬واﻟﻤﻌﻨﻰ أن ) وﻣﻦ رﺑﺎط اﻟﺨﯿﻞ ( ﻫﻮ‬
 ‫‪8‬‬

‫إﺳﺘﻌﺮاض اﻟﻘﻮة ﻹرﻫﺎب اﻟﻌﺪو ‪ -‬وﻟﯿﺴﺖ اﻟﻘﻮة ذاﺗﻬﺎ اﻟﺘﻰ ﯾﺘﻢ إﻋﺪادﻫﺎ ‪ -‬وﻟﻌﺪم ﺗﺠﺮءه‬
‫ﻟﻠﻬﺠﻮم ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺨﯿﻞ ﻫﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﯿﻼء واﻟﺘﺒﺎﻫﻰ وﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﻛﻮﻧﻬﺎ اﻟﺨﯿﻞ اﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﻓﻰ اﻟﺤﺮوب‬
‫ﻓﺎﻟﺨﯿﻞ ﻫﻨﺎ ﺻﻔﺔ وﻟﯿﺴﺖ ﻣﻮﺻﻮف ‪،‬‬

‫ﻫﻜﺬا ﯾﺒﺪو ﺑﻘﺪر ﻣﺎ أن ﻣﻌﻀﻠﺔ اﻟﺪﯾﻦ ﻫﻰ اﻟﺘﻔﺎﺳﯿﺮ وﻓﻬﻢ اﻟﻨﺎس ﻟﻪ ‪ ،‬وﻫﺬا ﺳﯿﺘﻀﺢ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ‬
‫ﺧﻼل ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻓﺎﻟﻜﻼم ﻛﻼم اﷲ واﻟﺘﻔﺎﺳﯿﺮ ﺷﯿﻄﺎﻧﯿﺔ وﻟﯿﺲ ﻟﻬﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﻨﺺ‬
‫اﻟﺤﻘﯿﻘﻰ ) ﻫﺬا ﺳﻮاء إن ﻛﻨﺖ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﻨﺺ ﻛﻜﻼم اﷲ أو ﻻ ( ﻓﻜﺬﻟﻚ ﻣﻦ أﻣﺜﻠﺔ ﻫﺬه اﻟﺘﻔﺎﺳﯿﺮ‬
‫ﻫﻮ ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻻﯾﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻣﻦ ﺳﻮرة اﻟﻨﺴﺎء ﻋﻠﻰ أﺳﺎس أﻧﻬﺎ ﺗﺒﯿﺢ ﺗﻌﺪد اﻟﺰوﺟﺎت وﻫﺬا ﻣﺎ‬
‫ﺗﻤﺎﻣﺎ ‪ ،‬ﻣﻌﺘﻤﺪاً ﻋﻠﻰ رأى ﻟﻠﺸﺎﻓﻌﻰ ﻓﻰ ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻵﯾﺔ ‪ ،‬واﻟﻐﺮﯾﺐ أن ﻫﺬا اﻟﺮأى‬‫ً‬ ‫ﺳﺄﺛﺒﺖ ﻋﻜﺴﻪ‬
‫ﻟﻠﺸﺎﻓﻌﻰ ﻟﻢ ﯾُﻘﺪَم ﻣﻦ اﻟﺸﺎﻓﻌﻰ ﻧﻔﺴﻪ أو ﻣﻦ ﻏﯿﺮه ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﺗﻔﺴﯿﺮ ﻣﺆﺳﺲ ﻟﺮﻓﺾ وﺗﺤﺮﯾﻢ‬
‫اﻟﺘﻌﺪد ‪ ،‬رﻏﻢ أﻧﻨﺎ ﻧﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﻧﺴﺘﺪل ﺑﻪ وﻧﺒﻨﻰ ﻋﻠﯿﻪ ﺑﻤﺎ ﯾﻔﯿﺪ ﺑﻜﻞ وﺿﻮح أن ﺗﻠﻚ اﻵﯾﺔ‬
‫ﻗﻄﻌﺎ ﺗﺤﺖ أى ﻣﺴﻤﻰ أو ﻇﺮف ‪ ،‬ورﺑﻤﺎ أن ﻫﺬا اﻟﺮأى ﻣﻨﺴﻮب‬ ‫ً‬ ‫ُﺗﺤﺮم ﺗﻌﺪد اﻟﺰوﺟﺎت‬
‫أﺻﻼ ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﺣﺴﺐ ﻛﺘﺎب اﻟﺸﺎﻓﻌﻰ اﻷﺷﻬﺮ ) اﻷم ( أﻧﻪ ﻗﺎل أن اﻟﺘﻌﺪد‬ ‫ً‬ ‫ﻟﻠﺸﺎﻓﻌﻰ وﻫﻮ ﻟﻢ ﯾﻘﻠﻪ‬
‫ﻣﺒﺎح وﻋﺪم اﻟﻌﺪل ﻫﻮ اﻟﻤﺤﺮم ‪ ،‬ورﺑﻤﺎ وﺟﻮد ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺮأى اﻟﻤﻨﻘﻮص ﻓﻰ اﻟﺘﺮاث‬
‫اﻹﺳﻼﻣﻰ ) ﺳﻮاء ﻛﺎن ﻟﻠﺸﺎﻓﻌﻰ ﻓﻌﻼ أو ﻣﻨﺴﻮب ﻟﻪ أو ﻟﻐﯿﺮه ( ﻣﻦ ﻧﻮع ﻣﺎ أﻃﻠﻖ ﻋﻠﯿﻪ أﺣﺪ‬
‫ً‬
‫ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﯾﺄﺗﻰ‬ ‫اﻟﻤﻔﻜﺮﯾﻦ اﻟﺘﻬﺮﯾﺐ اﻟﺘﺎرﯾﺨﻰ ‪ ،‬ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻪ إذا أراد أﺣﺪ أن ﯾﻘﻮل‬
‫ﺗﻠﻤﺤﯿﺎ أو ﯾﻨﺴﺐ رأى ﻟﻐﯿﺮه ﺗﺤﺖ ﺻﯿﻐﺔ ) وﻗﺪ ﻗﯿﻞ أو ﻗﺎل ﻓﻼن وﯾﺴﻤﻰ ً‬
‫إﺳﻤﺎ (‬ ‫ً‬ ‫ﺑﺠﺰء ﻣﻨﻬﺎ‬
‫‪ ،‬أو أﻧﻬﺎ ﻋﻤﻠﯿﺔ ﺗﺰﯾﯿﻒ ﺗﺎرﯾﺨﻰ ﺑﻤﻌﻨﻰ أن ﺗﺤﺮﯾﻢ ﺗﻌﺪد اﻟﺰوﺟﺎت ﻛﻤﻔﻬﻮم ﻗﺮآﻧﻰ ﻛﺎن ﯾﺘﻢ‬
‫اﻟﻌﻤﻞ ﺑﻪ إﻟﻰ أن ﺗﻢ اﻟﺘﻼﻋﺐ ﻓﻰ أﻓﻜﺎر اﻟﺪﯾﻦ اﻷﺳﺎﺳﯿﺔ ﻓﺒﻘﻰ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﯾﺸﯿﺮ ﻟﻠﺤﻘﯿﻘﺔ ‪،‬‬

‫وﻛﺬﻟﻚ ﯾﻮﺿﺢ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب إﺳﺘﻨﺎداً إﻟﻰ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ ذاﺗﻪ أﻛﺬوﺑﺔ إدﻋﺎء وﻻدة اﻟﻤﺴﯿﺢ ﺑﻼ‬
‫أب ‪ ،‬وأن ذﻟﻚ اﻹدﻋﺎء ﺗﻢ ﻹﺧﻔﺎء ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻃﺮﯾﻘﺔ زواج ﻣﺮﯾﻢ اﻟﺘﻰ ﻻ ﺗﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ ﻫﻮى‬
‫اﻟﻜﻬﻨﺔ ﻓﻰ ﻛﻼ اﻟﺪﯾﺎﻧﺘﯿﻦ ﻷﻧﻬﺎ ﻏﯿﺮ ﻣﻠﺘﺰﻣﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻬﻢ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺸﺮﻋﯿﺔ ﺑﯿﻦ رﺟﻞ‬
‫وأﻣﺮاة ‪ ،‬ﺣﯿﺚ ﯾﺘﻢ إﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ زﻧﻰ وﻟﻪ ﻋﻘﻮﺑﺔ ﺷﺮﻋﯿﺔ ‪،‬‬
 ‫‪9‬‬

‫وﻛﺬﻟﻚ ﯾﻮﺿﺢ اﻟﺘﻼﻋﺐ اﻟﺬى ﺣﺪث ﻓﻰ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﺼﻠﻮة اﻟﺘﻰ ﻫﻰ أﺳﺎس اﻟﺪﯾﻦ واﻟﻌﺒﺎدة ‪ ،‬ﺑﻤﺎ‬
‫ً‬
‫ﺗﺸﺮﯾﻌﺎ ﻛﻜﻔﺎر ‪ ،‬وﻋﺒﺎد ًة ﻛﻌﺒﺪة أوﺛﺎن ‪.‬‬ ‫ﯾﻌﻨﻰ أن ﻣﻦ ﯾﺴﻤﻮا أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﺴﻠﻤﯿﻦ اﻟﯿﻮم ﯾﻌﯿﺸﻮن‬

‫ﺳﯿﺪ ﯾﻮﺳﻒ ‪١‬ﻣﺎﯾﻮ‪ /‬آﯾﺎر ‪٢٠٢٠‬‬

10
 ‫‪11‬‬

‫اﻟﺮﻛﻌﺔ اﻻﺧﯿﺮة‬

‫داﺧﻞ اﻟﻌﻨﺒﺮ داﺋﻤﺎ ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺘﻢ ﺗﺮدﯾﺪ ﻣﻘﻮﻟﺔ اﻟﺼﻮت واﻟﺼﻠﻮة وﻛﺎن ﯾﺘﻢ إﻟﺰام اﻟﻤﺤﺒﻮﺳﯿﻦ‬
‫ﺑﺎﻟﺴﻜﻮت ﺣﺘﻰ ﯾﺘﻢ اﻹﻧﺘﻬﺎء ﻣﻦ اﻟﺼﻠﻮة ‪ ،‬ﻓﻜﺄن ﻻ ﺷﺊ ﯾﺴﺘﺪﻋﻰ اﻟﻬﺪوء إﻻ اﻟﺼﻠﻮة ‪ ،‬وﻛﺄن‬
‫ً‬
‫أﯾﻀﺎ ﺗﻌﻨﻰ أن ُﺗﺨﺮس اﻟﻨﺎس ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﯾﺘﻢ اﻟﺘﺴﺎؤل ﻣﻦ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻓﻰ ﻟﻬﻔﺔ ‪ ،‬ﻫﻰ دى‬ ‫اﻟﺼﻠﻮة‬
‫اﻟﺮﻛﻌﺔ اﻷﺧﯿﺮة ؟‬
 ‫‪12‬‬

‫اﻟﻘﻀﯿﺔ‬

‫أﻧﺎ ُﺳﺠﻨﺖ ﻟﻤﺪة ﻋﺎم ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻗﻤﺖ ﺑﺤﺮق ﻛﺘﺎب ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎرى أﻣﺎم ﻣﺸﯿﺨﺔ اﻷزﻫﺮ ‪ ،‬وﻫﻮ‬
‫اﻟﺴﻨﻰ ﻋﻠﻰ إﺳﺘﺤﯿﺎء وﺣﻲ ﻛﺎﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ ‪ ،‬و ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﯾﺮدد‬ ‫ﻛﺘﺎب ﯾﻌﺘﺒﺮه ﻣﺸﺎﯾﺦ اﻹﺳﻼم ُ‬
‫ذﻟﻚ ﺑﻼ ﺧﺠﻞ ‪ ،‬رﻏﻢ أن ﻣﺎ ﯾﺮﺑﻂ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺑﻜﻞ ﻃﻮاﺋﻔﻬﻢ ﺑﺎﻹﺳﻼم ﻫﻮ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ‬
‫ﻟ َﻨﻈﻤﻪ و ﺗﺄﺛﯿﺮه اﻟﺮوﺣﻰ وﻛﻮﻧﻪ أﺻﻞ اﻟﺘﻌﺎﻟﯿﻢ وﺧﻄﺎب اﷲ ﻟﻠﺒﺸﺮ ‪ ،‬وﺣﺘﻰ أن ﻗﺼﺺ اﻟﻨﺒﻰ‬
‫ﻣﺤﻤﺪ وﻗﺼﺺ اﻷﻧﺒﯿﺎء وﻛﻞ ﻣﺎ أوﻣﺮوا أن ﯾﺒﻠﻐﻮا اﻟﻨﺎس ﺑﻪ ﻣﻮﺟﻮد ﻓﻰ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ‬
‫ﺑﺪون ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻟﻜﺘﺐ ﺗﻔﺮﻗﻬﻢ ‪ ،‬وﻟﻜﻦ رﻏﺒﺔ ﻛﻬﻨﺔ اﻹﺳﻼم اﻟﺴﻨﻰ واﻟﺸﯿﻌﻰ واﻟﻤﻨﺎﻓﻘﯿﻦ‬
‫ﻓﻰ ﺗﻐﯿﯿﺮ ﻣﻔﺎﻫﯿﻢ اﻟﺪﯾﻦ اﻟﺘﻰ ﻻ ﺗﺮوق ﻟﻬﻢ ﺟﻌﻠﺘﻬﻢ ﯾﺰﻋﻤﻮن أن اﻟﺪﯾﻦ ﻗﺮآن وﺳﻨﺔ وﺑﺄن‬
‫اﻟﺴﻨﺔ ﻫﻰ اﻟﺘﻰ أوﺿﺤﺘﻬﺎ ﻓﻨﺴﺒﻮا أﻗﻮال إﻟﻰ اﻟﻨﺒﻰ‬ ‫اﻟﻘﺮأن ﻟﻢ ﯾﺒﯿﻦ ﺑﻌﺾ اﻷﻣﻮر ! وأن ﺗﻠﻚ ُ‬
‫ﺗﻔﺴﺮ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﺨﺎﻟﻒ ﻟﻤﻌﺎﻧﯿﻪ اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ ‪ ،‬ﻟﺪرﺟﺔ أن ﺗﺒﺪل اﻟﺪﯾﻦ إﻟﻰ ﺿﺪه ‪،‬‬
‫وأﺻﺒﺢ ﻛﻔﺮ ﯾﺮﯾﺪى ﻋﻤﺎﻣﺔ اﻟﺪﯾﻦ ‪.‬‬
‫ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻟﺴﺠﻦ ﻟﻤﺪة ﻋﺎم ‪ ،‬ﻓﺤﺴﺐ ﻗﺎﻧﻮن‬ ‫ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺘﻪ ُﻣﺪان ﺣﺴﺐ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﻤﺼﺮى ‪ ،‬ﺣﯿﺚ ﺣﻜﻢ ِ‬
‫إزدراء اﻷدﯾﺎن وﻣﻮاده ‪،‬‬
‫اﻟﻤﺎدة ) ‪٩٨‬و( واﻟﺘﻰ ﺗﻨﺺ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ) ﯾﻌﺎﻗﺐ ﺑﺎﻟﺤﺒﺲ ﻣﺪة ﻻ ﺗﻘﻞ ﻋﻦ ﺳﺘﺔ أﺷﻬﺮ وﻻ‬
‫ﺗﺘﺠﺎوز ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮات أو ﺑﻐﺮاﻣﺔ ﻻ ﺗﻘﻞ ﻋﻦ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﺟﻨﯿﻪ وﻻ ﺗﺘﺠﺎوز أﻟﻒ ﺟﻨﯿﻪ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ‬
‫اﺳﺘﻐﻞ اﻟﺪﯾﻦ ﻓﻰ اﻟﺘﺮوﯾﺞ أو اﻟﺘﺤﺒﯿﺬ ﺑﺎﻟﻘﻮل أو اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ أو ﺑﺄﯾﺔ وﺳﯿﻠﺔ أﺧﺮى ﻷﻓﻜﺎر‬
‫ﻣﺘﻄﺮﻓﺔ‪ ،‬ﺑﻘﺼﺪ إﺛﺎرة اﻟﻔﺘﻨﺔ أو ازدراء أﺣﺪ اﻷدﯾﺎن اﻟﺴﻤﺎوﯾﺔ أو اﻟﻄﻮاﺋﻒ اﻟﻤﻨﺘﻤﯿﺔ إﻟﯿﻬﺎ أو‬
‫اﻹﺿﺮار ﺑﺎﻟﻮﺣﺪة اﻟﻮﻃﻨﯿﺔ ( ‪.‬‬
‫ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﻟﻠﻤﺎدة ) ‪ ( ١٦٠‬ﻣﻦ ﻧﻔﺲ اﻟﻘﺎﻧﻮن واﻟﺘﻰ ﺗﻨﺺ ﻋﻠﻰ أن‪ :‬ﯾﻌﺎﻗﺐ ﺑﺎﻟﺤﺒﺲ وﺑﻐﺮاﻣﺔ‬
‫ﻻ ﺗﻘﻞ ﻋﻦ ﻣﺎﺋﺔ ج وﻻ ﺗﺰﯾﺪ ﻋﻠﻰ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ج ‪.‬‬
‫أ‪ -‬ﻛﻞ ﻣﻦ ﺷﻮش ﻋﻠﻰ إﻗﺎﻣﺔ ﺷﻌﺎﺋﺮ ﻣﻠﺔ أو أﺣﺘﻔﺎل دﯾﻨﻲ ﺧﺎص ﺑﻬﺎ أو ﻋﻄﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﻨﻒ أو‬
‫اﻟﺘﻬﺪﯾﺪ‬
‫ب‪ -‬ﻛﻞ ﻣﻦ ﺧﺮب او ﻛﺴﺮ أو أﺗﻠﻒ او دﻣﻲ ﻣﺒﺎﻧﻲ ﻣﻌﺪة ﻹﻗﺎﻣﺔ ﺷﻌﺎﺋﺮ دﯾﻦ او رﻣﻮزا او‬
‫أﺷﯿﺎء آﺧﺮ ﻟﻬﺎ ﺣﺮﻣﺔ ﻋﻨﺪ أﺑﻨﺎء اﻟﻤﻠﺔ‬
‫ﺑﺬﻫﺎﺑﻲ ﻟﺤﺮق ﻛﺘﺎب اﻟﺒﺨﺎرى ‪ ،‬ﻟﻢ أﻋﺮض ﻧﻔﺴﻲ ﻟﻠﻤﻮت ﺳﺤﻼ ﻓﻰ اﻟﺸﺎرع ‪ ،‬وﻗﺪ ﻛﻨﺖ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺎ ﻟﺤﻈﺎت ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻇﻦ اﻟﻤﺎرة أﻧﻰ أﻗﻮم ﺑﺤﺮق اﻟﻘﺮآن ‪ ،‬وﻟﻢ أﻋﺮض ﻧﻔﺴﻲ‬
 ‫‪13‬‬

‫ﻟﻠﺴﺠﻦ ﻟﻤﺪة ﻋﺎم وﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ أن ﺗﻄﻮل اﻟﻔﺘﺮة ﻟﺨﻤﺲ ﺳﻨﻮات ﺣﺴﺐ أﻗﺼﻰ ﻋﻘﻮﺑﺔ‬
‫ﻗﺎﻧﻮﻧﯿﺔ ‪ ،‬ﻟﻢ أﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ﻟﻤﺠﺮد أن ﻛﺘﺎب اﻟﺒﺨﺎرى ﺑﻪ أﻓﻜﺎر دﯾﻨﯿﺔ ﻻ ﺗﺮوق ﻟﻰ ‪ .‬وﻟﻜﻦ ﻣﺎ‬
‫ﻓﻌﻠﺘﻪ ﻓﻰ اﻷﺳﺎس ﻛﺎن إﻋﺘﺮاض ﻋﻠﻰ ﺳﺠﻦ اﻟﺪوﻟﺔ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب ﻓﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة ﺑﺘﻬﻤﺔ‬
‫إزدراء اﻷدﯾﺎن ﻟﻤﺠﺮد أﻧﻬﻢ أﺑﺪوا آراء دﯾﻨﯿﺔ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﺮؤى ﻣﺸﺎﯾﺦ اﻟﺪﯾﻦ اﻟﺮﺳﻤﻰ اﻟﺬى‬
‫ﺗﺘﺒﻨﺎه اﻟﺪوﻟﺔ وﺗﺮﻋﺎه ‪ .‬ﺣﯿﺚ ﺗﻢ ﺳﺠﻦ اﻟﺒﺎﺣﺚ واﻹﻋﻼﻣﻰ إﺳﻼم اﻟﺒﺤﯿﺮى ﻗﺒﻠﻬﺎ ﺑﺸﻬﺮ‬
‫ﻟﻤﺠﺮد ﺗﻌﺒﯿﺮه ﻋﻦ رأﯾﻪ وإﻧﺘﻘﺎده ﻵراء ﺑﻌﺾ اﻷﺋﻤﺔ واﻟﻔﻘﻬﺎء ‪ ،‬ﻓﻰ ذات اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬى ﺻﺪر‬
‫ﺣﻜﻢ ﺑﺎﻟﺴﺠﻦ ﺛﻼث ﺳﻨﻮات ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﻋﺮة واﻟﻜﺎﺗﺒﺔ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻧﺎﻋﻮت ﻟﺘﺪوﯾﻨﻬﺎ ﻣﺠﺮد ﺳﻄﺮ‬
‫‪1‬‬
‫وﺣﯿﺪ ﺗﺴﺘﻨﻜﺮ ﺑﻪ ﻃﺮﯾﻘﺔ ذﺑﺢ اﻟﺤﯿﻮاﻧﺎت ﻓﻰ اﻟﺸﻮارع ﻛﺄﺿﺤﯿﺔ ‪ ،‬ﻣﻌﺘﺒﺮة ﻓﯿﻪ رؤﯾﺎ اﻟﻨﺒﻰ‬
‫إﺑﺮاﻫﯿﻢ ﺑﺬﺑﺢ اﺑﻨﻪ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﺑﻮس ‪ ،‬ﻣﺎ أﺿﻄﺮﻫﺎ ﻟﻠﻬﺮب ﻗﺒﻞ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﯿﻬﺎ ‪،‬‬
‫ﻓﻰ ذات اﻟﻮﻗﺖ ﻛﺎن ﻫﻨﺎك أرﺑﻊ أﻃﻔﺎل ﻣﺴﯿﺤﯿﻦ ﻻ ﯾﺘﻌﺪى أﻋﻤﺎر ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﺧﻤﺴﻪ ﻋﺸﺮ‬
‫ً‬
‫ﻋﺎﻣﺎ ﺑﺎﻟﺴﺠﻦ ‪ ،‬ﻷﻧﻬﻢ إﻧﺘﻘﺪوا ﺗﻨﻈﯿﻢ اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﺳﻼﻣﯿﺔ )داﻋﺶ ( ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ ﺗﻢ إﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ إﺳﺎءة‬
‫ﻟﻠﺼﻠﻮة اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ‪ ،‬ﺣﯿﺚ ﻗﺎﻣﻮا ﺑﺘﺼﻮﯾﺮ ﻣﻘﻄﻊ ﻓﯿﺪﯾﻮ ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ وﻫﻢ ﯾﺄدون اﻟﺼﻠﻮة ‪ ،‬ﺛﻢ‬
‫وﻗﻒ أﺣﺪﻫﻢ وﻣﺮر ﯾﺪه ﻋﻠﻰ رﻗﺒﺔ اﻷﺧﺮﯾﻦ ‪ ،‬ﻓﻰ إﺷﺎرة ﺗﻈﻬﺮ ﻗﺒﺢ ﻣﻦ ﯾﺪﻋﻮن اﻟﺼﻠﺔ ﺑﺎﷲ‬
‫وﯾﻘﻮﻣﻮن ﺑﺬﺑﺢ اﻷﺑﺮﯾﺎء ‪ .‬ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻨﻰ إﻻ اﻹﻋﺘﺮاض ﺑﺄﺷﺪ اﻟﻄﺮق اﻟﺴﻠﻤﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﯿﺎم‬
‫ﺑﺘﻠﻔﯿﻖ اﻟﺘﻬﻢ ﻟﻠﻨﺎس و ﻗﺘﻞ وﺗﻜﻤﯿﻢ اﻷﻓﻮاه وإرﻫﺎب ﻣﻦ ﯾﺒﺪى أراءه ﺑﺎﻟﺴﺠﻦ و اﻟﺘﻘﺪﯾﻢ‬
‫ﻟﻠﻤﺤﺎﻛﻤﺎت ‪ ،‬وﻫﺬا ﻣﺎ أوﺿﺤﺘﻪ ﻓﻰ اﻟﺘﺤﻘﯿﻘﺎت ﻓﻜﺎن ﻟﺪى ﻋﺬر أﻧﻰ ﺣﺎوﻟﺖ ﻣﻮاﺟﻬﻪ ﺗﺨﻠﻒ‬
‫دﯾﻨﻰ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺘﺴﻠﻂ ﺳﯿﺎﺳﻰ ‪،‬‬
‫‪ ،‬ﻓﻠﻢ أﻛﻦ أﺳﺘﺤﻖ اﻟﺴﺠﻦ ﻓﺄﻧﺎ ﻟﻢ أﺣﺮق ﻧﺴﺨﺔ أﺛﺮﯾﺔ ﺑﻞ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﺸﺘﺮاه ﻣﻦ ﻣﺎل ﺧﺎص ‪،‬‬
‫وﺑﺮأﯾﻲ أن ﻗﯿﺎم ﺷﺨﺺ ﺑﻨﺸﺮ ﺻﻮر ﻛﺎرﯾﻜﺎﺗﯿﺮﯾﺔ أو ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻧﻘﺪ ﻷﻣﺮ دﯾﻨﻰ أو ﺣﺮق ﺻﻮر‬
‫أو دﻣﻰ أو ﺗﻤﺎﺛﯿﻞ ﻟﺮﻣﻮز دﯾﻨﯿﺔ او ﻛﺘﺐ ﻣﻘﺪﺳﺔ أو ﻛﺴﺮ ﺻﻠﯿﺐ اﻟﺦ ‪ ،....‬ﻛﻞ ﻫﺬا ﯾﻘﻊ ﻓﻰ‬
‫ﺣﺪود اﻟﺘﻌﺒﯿﺮ ﻋﻦ اﻟﺮأي ‪ ،‬وﻻ ﯾﺠﺐ ﻣﻌﺎﻗﺒﺔ ﻣﻦ ﻗﺎم ﺑﻬﺬا اﻟﻔﻌﻞ ﺑﺄى ﺷﻜﻞ ﻣﻦ اﻷﺷﻜﺎل ‪ ،‬و‬
‫ﻟﻜﻦ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﻮن ﻫﺬه اﻷﻓﻌﺎل ﺗﻘﻊ ﺗﺤﺖ إﻃﺎر ﺣﺮﯾﺔ اﻟﺘﻌﺒﯿﺮ إﻻ أن ﯾﺠﺐ اﻹﺑﺘﻌﺎد ﻋﻦ‬
‫اﻷﻓﻌﺎل اﻷﻛﺜﺮ ﺣﺪة ﺑﻘﺪر اﻹﻣﻜﺎن ‪.‬‬

‫‪ - 1‬اﻟﺒﻮﺳﺖ اﻟﺬى ﺣﻮﻛﻤﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻧﺎﻋﻮت ﺑﺴﺒﺒﺔ "ﻛﻞ ﻣﺬﺑﺤﺔ وأﻧﺘﻢ ﺑﺨﯿﺮ‪ ،‬ﺑﻌﺪ ﺑﺮﻫﺔ ُﺗﺴﺎق ﻣﻼﯾﯿﻦ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت‬
‫اﻟﺒﺮﯾﺌﺔ ﻷﻫﻮل ﻣﺬﺑﺤﺔ ﯾﺮﺗﻜﺒﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻨﺬ ﻋﺸﺮة ﻗﺮون وﻧﯿﻒ وﯾﻜﺮرﻫﺎ ﻛﻞ ﻋﺎم وﻫﻮ ﯾﺒﺘﺴﻢ‪ ،‬ﻣﺬﺑﺤﺔ ﺳﻨﻮﯾﺔ‬
‫ﻣﺮ ﺑﺴﻼم ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺟﻞ‬
‫ﺗﺘﻜﺮر ﺑﺴﺒﺐ ﻛﺎﺑﻮس ﺑﺎﻏﺖ أﺣﺪ اﻟﺼﺎﻟﺤﯿﻦ ﺑﺸﺄن وﻟﺪه اﻟﺼﺎﻟﺢ‪ ،‬وﺑﺮﻏﻢ أن اﻟﻜﺎﺑﻮس ﻗﺪ ّ‬
‫اﻟﺼﺎﻟﺢ ووﻟﺪه‪ ،‬إﻻ أن ﻛﺎﺋﻨﺎت ﻻ ﺣﻮل ﻟﻬﺎ وﻻ ﻗﻮة ﺗﺪﻓﻊ ﻛﻞ ﻋﺎم أرواﺣﻬﺎ وُﺗﻨﺤﺮ أﻋﻨﺎﻗﻬﺎ وﺗﻬﺮق دﻣﺎؤﻫﺎ‬
‫ُ‬
‫دون ﺟﺮﯾﺮة وﻻ ذﻧﺐ ﺛﻤًﻨﺎ ﻟﻬﺬا اﻟﻜﺎﺑﻮس اﻟﻘﺪﺳﻰ ‪.‬‬
 ‫‪14‬‬

‫ﻛﺴﺮ إﺑﺮاﻫﯿﻢ ﻷﺻﻨﺎم ﻗﻮﻣﻪ رد ﻓﻌﻞ‬

‫ﻓﻰ أﺧﺮ ﺟﻠﺴﺔ ﻣﺤﺎﻛﻤﺔ ﻟﻰ ﺳﺄﻟﺖ اﻟﻘﺎﺿﻰ ﻫﻨﺎك ﺣﺪﯾﺚ ﻓﻰ اﻟﺒﺨﺎرى ﯾﻘﻮل أن اﻟﻤﺴﯿﺢ‬
‫‪2‬‬
‫ﺳﯿﻌﻮد وﯾﻜﺴﺮ اﻟﺼﻠﯿﺐ ﻓﻬﻞ ﺳﺘﺤﺎﻛﻤﻪ ﺑﺘﻬﻤﺔ إزدراء اﻷدﯾﺎن ؟ اﻟﻘﺎﺿﻰ ﻓﻮﺟﺊ ﺑﺎﻟﺴﺆال و‬
‫ﻟﻢ ﯾﺠﺪ ﺟﻮاب ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻓﺬﻟﻚ ﻫﻮ ﻋﯿﻦ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺘﻪ أﻧﺎ ‪ ،‬و أﻧﺎ ﻻ أﺳﺘﻨﺪ ﺑﻜﺘﺎب اﻟﺒﺨﺎرى اﻟﺬى‬
‫ﻗﻤﺖ ﺑﺤﺮﻗﻪ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﺔ اﻟﻔﻌﻞ ذاﺗﻪ ‪ ،‬ﺑﻞ أُدﯾﻦ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺤﺪﯾﺚ ﺑﺈﻓﺘﺮاﺿﻪ ﻟﺤﺪوث ﻓﻌﻞ ﻣﻦ‬
‫ﻧﺒﻰ ﯾﺴﺊ ﻟﻶﺧﺮﯾﻦ ‪،‬‬
‫وﻫﺬا ﯾﺠﺐ أن ﯾﻜﻮن ﻣﺤﻞ إﻧﻜﺎر وﻟﯿﺲ ﻣﻮﺿﻊ إﯾﻤﺎن ﺑﻪ ‪ ،‬إرﺗﺒﺎط ﻣﺎﻗﻤﺖ ﺑﻪ إﻋﺘﺮاﺿﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻣﻤﺎرﺳﺎت إرﻫﺎﺑﯿﺔ ﻣﻦ ﻗﺒّﻞ ﻣﻦ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﻔﺮض رأﯾﻪ ﺑﺎﻟﻘﻤﻊ واﻟﺴﺠﻦ ﯾﺠﻌﻞ ﻣﺎ ﻗﻤﺖ ﺑﻪ ﻻ‬
‫أﺳﺘﺤﻖ ﺑﺴﺒﺒﻪ اﻟﺴﺠﻦ وﻻ ﺣﺘﻰ ﻟﻠﺸﺠﺐ ‪ ،‬وﻫﻮ اﻟﺮد اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﻟﻠﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﻫﺆﻻء‬
‫اﻷﻓﺎﻗﯿﻦ ‪ ،‬ﻛﻔﻌﻞ اﻟﻨﺒﻰ إﺑﺮاﻫﯿﻢ واﻟﺘﻰ ﺗﻔﻀﺢ ﻋﻘﻮﺑﺔ ﻗﻮﻣﻪ ﻟﻪ ﻣﺪى ﺟﺒﺮوﺗﻬﻢ اﻟﺪﯾﻨﻰ‬
‫‪3‬‬
‫واﻟﺴﻠﻄﻮى ‪.‬‬

‫ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻟﻰ ﻋﺬر ﻛﻤﺎ إﺑﺮاﻫﯿﻢ ﻓﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﺬر اﻟﺴﯿﺪ اﻟﻤﺴﯿﺢ ﻟﻜﺴﺮ اﻟﺼﻠﯿﺐ ﺑﺈﻓﺘﺮاض ﻋﻮدﺗﻪ‬
‫اﻟﻤﺰﻋﻮﻣﺔ ﻛﻤﺎ ﻓﻰ ﻛﺘﺎب اﻟﺒﺨﺎرى ‪ ،‬ﻫﻞ ﻹﻓﺘﺮاض أن ﻛﻞ اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﯿﻦ ﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ ﺳﯿﺆﻣﻨﻮن ﺑﻪ‬
‫ﺣﺎل ﻋﻮدﺗﻪ وﺑﺄﻧﻪ ﻫﻮ اﻟﻤﺴﯿﺢ اﻟﺤﻘﯿﻘﻰ وﻟﻦ ﯾﺒﻘﻰ أﺣﺪ ﻓﻰ اﻷرض ﯾﺸﻜﻚ ﻓﻰ ذﻟﻚ وﯾﺤﺘﻔﻆ‬
‫‪2‬‬ ‫‪ ​_٢‬ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري ﻛﺘﺎب أﺣﺎدﯾﺚ اﻷﻧﺒﯿﺎء ﺑﺎب ﻧﺰول ﻋﯿﺴﻰ اﺑﻦ ﻣﺮﯾﻢ ﻋﻠﯿﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼم‬
‫ﱢﺐ ‪،‬‬ ‫ْﻦ اﻟ ُﻤ َﺴﯿ ِ‬ ‫ﺎب أَ ﱠن َﺳ ِﻌﯿ َﺪ ﺑ َ‬ ‫ْﻦ ِﺷ َﻬ ٍ‬ ‫ﺻﺎﻟِ ٍﺢ ‪َ ،‬ﻋ ِﻦ اﺑ ِ‬ ‫اﻫﯿ َﻢ ‪َ ،‬ﺣ ﱠﺪَﺛَﻨﺎ أَِﺑﻲ ‪َ ،‬ﻋ ْﻦ َ‬ ‫ْﺮ ِ‬ ‫ﻮب ﺑ ُ‬
‫ْﻦ إِﺑ َ‬ ‫ﺎق ‪ ،‬أَ ْﺧَﺒ َﺮَﻧﺎ َﯾ ْﻌُﻘ ُ‬
‫َﺣ ﱠﺪَﺛَﻨﺎ إِ ْﺳ َﺤ ُ‬
‫َ‬ ‫ﺻﻠﱠﻰ اﷲﱠُ َﻋﻠَ ْﯿ ِﻪ َو َﺳﻠﱠ َﻢ ‪َ :‬واﻟﱠ ِﺬي َﻧ ْﻔ ِﺴﻲ ِﺑَﯿ ِﺪ ِه ‪ ،‬ﻟَﯿ ِ‬
‫ُﻮﺷ َﻜ ﱠﻦ أ ْن‬ ‫اﷲِ َ‬ ‫ﻮل ﱠ‬ ‫ﺎل َر ُﺳ ُ‬ ‫ﺎل ‪َ :‬ﻗ َ‬ ‫ﺿ َﻲ اﷲﱠُ َﻋ ْﻨ ُﻪ ‪َ ،‬ﻗ َ‬ ‫َﺳ ِﻤ َﻊ أََﺑﺎ ُﻫ َﺮﯾ َ‬
‫ْﺮ َة َر ِ‬
‫ﺎل َﺣﱠﺘﻰ َ‬
‫ﻻ‬ ‫ﯿﺾ اﻟ َﻤ ُ‬ ‫اﻟﺠ ْﺰَﯾ َﺔ ‪َ ،‬وَﯾ ِﻔ َ‬ ‫ﯾﺮ ‪َ ،‬وَﯾ َ‬ ‫ﯿﺐ ‪َ ،‬وَﯾ ْﻘُﺘ َﻞ ِ‬
‫اﻟﺨ ْﻨ ِﺰ َ‬ ‫ْﻦ َﻣ ْﺮَﯾ َﻢ َﺣ َﻜ ًﻤﺎ َﻋ ْﺪ ًﻻ ‪َ ،‬ﻓَﯿ ْﻜ ِﺴ َﺮ ﱠ‬ ‫َﯾ ْﻨﺰ َل ِﻓ ُ‬
‫ﯿﻜ ْﻢ اﺑ ُ‬
‫ﻀ َﻊ ِ‬ ‫اﻟﺼﻠِ َ‬ ‫ِ‬
‫ْﺮ َة ‪َ :‬و ْاﻗ َﺮ ُءوا إِ ْن ِﺷ ْﺌُﺘ ْﻢ ‪} :‬‬ ‫ﻮل أَﺑُﻮ ُﻫ َﺮﯾ َ‬ ‫ْﺮا ِﻣ َﻦ اﻟ ﱡﺪ ْﻧَﯿﺎ َو َﻣﺎ ِﻓﯿ َﻬﺎ ‪ُ ،‬ﺛ ﱠﻢ َﯾُﻘ ُ‬
‫اﺣ َﺪ ُة َﺧﯿ ً‬ ‫اﻟﺴ ْﺠ َﺪ ُة َ‬
‫اﻟﻮ ِ‬ ‫ﻮن ﱠ‬ ‫َﯾ ْﻘَﺒﻠَ ُﻪ أَ َﺣ ٌﺪ ‪َ ،‬ﺣﱠﺘﻰ َﺗ ُﻜ َ‬
‫ﻮن َﻋﻠَﯿ ِْﻬ ْﻢ َﺷ ِﻬﯿ ًﺪا‬‫ْﻞ َﻣ ْﻮِﺗ ِﻪ ‪َ ،‬وَﯾ ْﻮ َم اﻟ ِﻘَﯿﺎ َﻣ ِﺔ َﯾ ُﻜ ُ‬
‫ُﺆ ِﻣَﻨ ﱠﻦ ِﺑ ِﻪ َﻗﺒ َ‬
‫ﺎب إِﱠﻻ ﻟَﯿ ْ‬ ‫َ‬
‫) َوإِ ْن ِﻣ ْﻦ أ ْﻫ ِﻞ اﻟ ِﻜَﺘ ِ‬

‫‪ -- 3‬ﻣﻮﺳﻰ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﻤﻠﻚ أن ﯾﺤﺮق اﻟﻌﺠﻞ اﻟﺬﻫﺒﻰ إﻻ ﻷن ﻗﻮﻣﻪ أرادوا ﺣﻜﻤﻪ وأﻧﺘﻈﺮوا ﻋﻮدﺗﻪ ‪ ،‬ﻓﺤﺮﯾﺔ‬
‫اﻟﻌﺒﺎدة ﺣﺘﻰ ﻟﻐﯿﺮ اﷲ ﻻ ﯾﻤﻠﻚ ﻧﺒﻰ أن ﯾﻌﺘﺪى ﻋﻠﯿﻬﺎ وﻟﻮ ﺑﻘﻰ ﺷﺨﺺ واﺣﺪ ﯾﻌﺒﺪ اﻟﻌﺠﻞ ﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﺻﻨﻌﻪ ) ﻛﺎن‬
‫ﺗﺒﺮﯾﺮه ﻟﺼﻨﻌﻪ ﻓﻰ اﻷﺻﻞ إﻧﻪ إﻟﻪ ﻣﻮﺳﻰ ( ﻣﺎ إﺳﺘﻄﺎع ﻣﻮﺳﻰ ﺣﺮﻗﻪ ﺑﺸﺮط أن ﯾﺪﻓﻊ ﻟﻬﻢ ﻫﺬا اﻟﺸﺨﺺ ﺛﻤﻦ‬
‫ﺻﻨﻊ ﻣﻨﻪ اﻟﻌﺠﻞ‬
‫اﻟﺤﻠﻰ اﻟﺬى ُ‬
 ‫‪15‬‬

‫ﺑﺈﻋﺘﻘﺎده ﺑﺼﻠﺐ اﻟﻤﺴﯿﺢ ! ﻓﻌﻠﻰ أى ﺷﺊ ﯾﺴﺘﻨﺪ ﻫﺬا اﻹﻓﺘﺮاض ؟ ) اﷲ ذاﺗﻪ ﻟﻢ ﯾﺘﻔﻖ ﻋﻠﻰ‬
‫وﺟﻮده اﻟﺒﺸﺮ ( ‪ ،‬أم ﺳﯿُﻀﻄﻬﺪ ﻣﺠﺪداً ؟ ﻓﯿﻜﻮن ﻣﺎ ﺳﯿﻘﻮم ﺑﻪ رد ﻓﻌﻞ! ﻟﻜﻦ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﯾﺨﺒﺮﻧﺎ‬
‫أﻧﻪ ﺳﯿﻜﻮن ﻟﻪ ﺳﻠﻄﺎن ﻏﯿﺮ ﻣﺤﺪود ‪ ،‬ﻓﻬﺬا ﻟﯿﺲ ﻟﻪ ﻣﻌﻨﻰ إﻻ أن اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻣﻮﺿﻮع ﻟﻜﻰ ﯾﻜﻮن‬
‫ﻣﺤﻞ إﯾﺤﺎء ﺑﺈﻫﺎﻧﺔ وﺧﻠﻖ ﻋﺪاوة دﯾﻨﯿﺔ ﻟﯿﺲ إﻻ ‪،‬‬
‫وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻰ ﻓﻼ ﯾﺠﺐ أﻋﺘﺒﺎر ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻷﺣﺎدﯾﺚ اﻟﺘﻰ ﺗﺰرع اﻟﺤﻘﺪ واﻟﻀﻐﯿﻨﺔ واﻟﻜﺮه ﻣﻨﺴﻮﺑﺔ‬
‫ﻟﻠﻨﺒﻰ ﻣﺤﻤﺪ ‪ ،‬اﻟﻤﻬﺰﻟﺔ اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ إن أﻣﺔ ﺗﻌﺪت اﻟﻤﻠﯿﺎر ! ﺗﺆﻣﻦ أن ﻧﺒﻰ ﻣﺎت ﻣﻦ أﻟﻔﯿﻦ ﺳﻨﺔ‬
‫! ﺳﯿﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﺤﯿﺎة! ﻟﯿﻨﺸﺮ اﻟﻌﺪل ﻓﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ أﺟﻤﻊ ﺑﻜﺴﺮ رﻣﺰ دﯾﻨﻰ! و ﺑﺄﻧﻪ ﯾﺠﺮى وراء‬
‫اﻟﺨﻨﺎزﯾﺮ ﻓﻰ اﻟﺸﺎرع ﻟﯿﻘﺘﻠﻬﺎ !‬
16
 ‫‪17‬‬

‫ﺗﺨﺎرﯾﻒ اﻟﺒﺨﺎري‬
 ‫‪18‬‬

‫ﻓﻘﻊ ﻋﯿﻦ ﻣﻠﻚ اﻟﻤﻮت‬

‫ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري ‪ ،‬ﻛﺘﺎب أﺣﺎدﯾﺚ اﻷﻧﺒﯿﺎء ‪ ،‬ﺑﺎب وﻓﺎة ﻣﻮﺳﻰ‬

‫ﺣﺪﺛﻨﺎ ﯾﺤﯿﻰ ﺑﻦ ﻣﻮﺳﻰ ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق أﺧﺒﺮﻧﺎ ﻣﻌﻤﺮ ﻋﻦ اﺑﻦ ﻃﺎوس ﻋﻦ أﺑﯿﻪ ﻋﻦ أﺑﻲ‬
‫ﻫﺮﯾﺮة رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل أرﺳﻞ ﻣﻠﻚ اﻟﻤﻮت إﻟﻰ ﻣﻮﺳﻰ ﻋﻠﯿﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼم ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺎءه ﺻﻜﻪ‬
‫ﻓﺮﺟﻊ إﻟﻰ رﺑﻪ ﻓﻘﺎل أرﺳﻠﺘﻨﻲ إﻟﻰ ﻋﺒﺪ ﻻ ﯾﺮﯾﺪ اﻟﻤﻮت ﻗﺎل ارﺟﻊ إﻟﯿﻪ ﻓﻘﻞ ﻟﻪ ﯾﻀﻊ ﯾﺪه ﻋﻠﻰ‬
‫ﻣﺘﻦ ﺛﻮر ﻓﻠﻪ ﺑﻤﺎ ﻏﻄﺖ ﯾﺪه ﺑﻜﻞ ﺷﻌﺮة ﺳﻨﺔ ﻗﺎل أي رب ﺛﻢ ﻣﺎذا ﻗﺎل ﺛﻢ اﻟﻤﻮت ﻗﺎل ﻓﺎﻵن‬
‫ﻗﺎل ﻓﺴﺄل اﷲ أن ﯾﺪﻧﯿﻪ ﻣﻦ اﻷرض اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ رﻣﯿﺔ ﺑﺤﺠﺮ ﻗﺎل أﺑﻮ ﻫﺮﯾﺮة ﻓﻘﺎل رﺳﻮل اﷲ‬
‫ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﻪ وﺳﻠﻢ ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﺛﻢ ﻷرﯾﺘﻜﻢ ﻗﺒﺮه إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﺗﺤﺖ اﻟﻜﺜﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ ﻗﺎل‬
‫وأﺧﺒﺮﻧﺎ ﻣﻌﻤﺮ ﻋﻦ ﻫﻤﺎم ﺣﺪﺛﻨﺎ أﺑﻮ ﻫﺮﯾﺮة ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﻪ وﺳﻠﻢ ﻧﺤﻮه ‪.‬‬
‫اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﺤﻤﻮد ﻋﻠﯿﻪ رﺣﻤﻪ اﷲ ﻓﻰ أواﺧﺮ ﺣﯿﺎﺗﻪ ﻛﺎن ﻟﻪ إﻧﺘﻘﺎد ﻟﺬﻟﻚ اﻟﺤﺪﯾﺚ‬
‫ﻓﻔﻰ ﻟﻘﺎء ﺗﻠﻔﺰﯾﻮﻧﻰ ﻣﻌﻪ ﻟﻠﻨﻘﺎش ﺣﻮل اﻟﺸﻔﺎﻋﺔ ) وﻫﻰ ﻣﻦ ﺗﺨﺎرﯾﻒ اﻟﺒﺨﺎرى أﯾﻀﺎ ﺣﯿﺚ‬
‫ﻗﺎل ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﺤﻤﻮد رﺣﻤﻪ اﷲ إﻧﻬﺎ ﺗﻌﺪ ﻛﻮﺳﺔ و واﺳﻄﺔ ﻻ ﯾﺠﻮز أن ﺗﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﺪﯾﻦ وﻗﺪ‬
‫ﺗﻢ ﻣﺼﺎدرة ﻛﺘﺎب ﻟﻪ ﻋﻨﻬﺎ ( أﺑﺪى إﻋﺘﺮاﺿﻪ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﺤﺪﯾﺚ وأﻧﻪ ﯾﺘﻨﺎﻗﺾ ﻣﻊ اﻟﻘﺮأن‬
‫اﻟﻜﺮﯾﻢ ‪ .‬وﻗﺎل رﺣﻤﻪ اﷲ ﻛﯿﻒ ﻟﻤﻮﺳﻰ أن ﯾﺮﻓﺾ أن ﯾﻤﻮت واﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ ﯾﻘﻮل ﻓﻰ ﻋﺪﯾﺪ‬
‫ُﺆ ﱢﺧ َﺮ اﷲﱠُ َﻧ ْﻔ ًﺴﺎ إِ َذا َﺟﺎ َء أَ َﺟﻠُ َﻬﺎۚ‬
‫ﻣﻦ اﻵﯾﺎت أن اﻟﻤﻮت واﻷﺟﻞ ﻻ ﯾُﺆﺧﺮ ‪ ،‬ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َوﻟَﻦ ﯾ َ‬
‫ﯿﺮ ِﺑ َﻤﺎ َﺗ ْﻌ َﻤﻠُ َ‬
‫ﻮن )‪ (11‬اﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻮن‬ ‫َواﷲﱠُ َﺧ ِﺒ ٌ‬
‫وأﺿﺎف ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﺤﻤﻮد ) رﺣﻤﻪ اﷲ ( أن ﻫﺬا اﻟﺤﺪﯾﺚ اﻟﻮارد ﻓﻰ اﻟﺒﺨﺎرى ﻣﻦ‬
‫اﻹﺳﺮاﺋﻠﯿﺎت اﻟﻤﺪﺳﻮﺳﺔ ﻷن ﻓﻰ ﺗﺼﻮر اﻟﯿﻬﻮد أن ﻣﻮﺳﻰ ﻫﻮ) اﻟﺠﻌﯿﺺ ﺑﺘﺎﻋﻬﻢ ( ﺑﻤﻌﻨﻰ‬
‫أﻧﻬﻢ ﯾﺼﻮرﻧﻪ ﻛﺄﻧﻪ ﯾﺘﻜﺒﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮت ‪ ،‬وﻟﺬﻟﻚ ﻓﻬﻮ) ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﺤﻤﻮد ( ﻻ ﯾﻠﺘﺰم ﺑﺎﻹﯾﻤﺎن‬
‫ﺑﻬﺬا اﻟﺤﺪﯾﺚ ‪،‬‬
 ‫‪19‬‬

‫ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﯿﻮخ ﯾﺒﺮرون اﻟﺤﺪﯾﺚ ﺑﻤﻨﻄﻖ ﺳﺎذج ﻻ ﯾﺠﺪوا ﻏﯿﺮه وﻫﻮ أن ﻣﻮﺳﻰ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ‬
‫ﯾﻌﺮف أﻧﻪ ﻣﻼك اﻟﻤﻮت ‪ ،‬وأن اﻟﻤﻼك ﺟﺎء ﻟﻤﻮﺳﻰ ﻋﻠﻰ ﺻﻮرة رﺟﻞ! وﺟﺪه داﺧﻞ اﻟﺒﯿﺖ‬
‫ﻓﺠﺄة! ﻓﻔﻌﻞ ﻣﻮﺳﻰ ﻣﻌﻪ ﻣﺎ ﻓﻌﻞ ‪،‬‬
‫رﻏﻢ أن ﻧﺺ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﯾﺬﻛﺮ أن اﻟﻤﻼك ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺎد ﷲ ذﻛﺮ أﻧﻪ أرﺳﻠﻪ ﻟﻌﺒﺪ ﻻ ﯾﺮﯾﺪ اﻟﻤﻮت ‪،‬‬
‫ﻛﺬﺑﺎ ؟ ﻓﺈذا ﺣﺴﺐ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓﻘﻊ ﻣﻮﺳﻰ ﻣﻠﻚ اﻟﻤﻮت‬‫ﻓﻬﻞ اﻟﻤﻼك ﯾﻔﺘﺮى ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺳﻰ ً‬
‫ﻓﻠﯿﺲ ﻷﻧﻪ وﺟﺪه أﻣﺎﻣﻪ ﻓﺠﺄة ﺑﻞ ﻷﻧﻪ رﻓﺾ اﻟﻤﻮت وﻫﺬا ﻣﺎﻻ ﯾﺠﻮز ‪.‬‬
‫‪ ،‬وﻫﺬا ﻧﻤﻮذج ﻣﻦ أﺣﺎدﯾﺚ ﻛﺘﺎب اﻟﺒﺨﺎرى اﻟﻤﻔﻀﻮﺣﺔ اﻟﺘﻠﻔﯿﻖ واﻟﺘﺰﯾﯿﻒ واﻟﺘﻰ ﺗﻮﺿﺢ إﻟﻰ‬
‫أى ﻣﺪى ﻫﻰ أﺣﺎدﯾﺚ ﻫﺰﻟﯿﺔ وﻟﻸﺳﻒ ﯾﻨﺴﺒﻮﻧﻬﺎ زوراً ﻟﻠﻨﺒﻰ ﻣﺤﻤﺪ ‪ ،‬و ﯾُﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﻛﺜﯿﺮ‬
‫ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻰ ﺗﺤﺪﯾﺪ أﺣﻜﺎم ﺷﺮﻋﯿﺔ ﻓﯿﻘﻮم ﻋﻠﻰ أﺳﺎﺳﻬﺎ اﻟﺪﯾﻦ اﻟﻤﺰﯾﻒ ‪.‬‬

‫) ﻻ َﺗ ُﻜﻮُﻧﻮا َﻛﺎﻟﱠﺬ َ‬
‫ِﯾﻦ آ َذ ْوا ُﻣ َ‬
‫ﻮﺳﻰ (‬

‫ﻛﺘﺎب ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري « ﻛﺘﺎب أﺣﺎدﯾﺚ اﻷﻧﺒﯿﺎء « ﺑﺎب ﺣﺪﯾﺚ اﻟﺨﻀﺮ ﻣﻊ ﻣﻮﺳﻰ ﻋﻠﯿﻬﻤﺎ‬
‫اﻟﺴﻼم‬
‫ﺣﺪﺛﻨﻲ إﺳﺤﺎق ﺑﻦ إﺑﺮاﻫﯿﻢ ﺣﺪﺛﻨﺎ روح ﺑﻦ ﻋﺒﺎدة ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﻮف ﻋﻦ اﻟﺤﺴﻦ وﻣﺤﻤﺪ وﺧﻼس‬
‫ﻋﻦ أﺑﻲ ﻫﺮﯾﺮة رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل ﻗﺎل رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﻪ وﺳﻠﻢ إن ﻣﻮﺳﻰ ﻛﺎن‬
‫رﺟﻼ ﺣﯿﯿﺎ ﺳﺘﯿﺮا ﻻ ﯾﺮى ﻣﻦ ﺟﻠﺪه ﺷﻲء اﺳﺘﺤﯿﺎء ﻣﻨﻪ ﻓﺂذاه ﻣﻦ آذاه ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻓﻘﺎﻟﻮا‬
‫ﻣﺎ ﯾﺴﺘﺘﺮ ﻫﺬا اﻟﺘﺴﺘﺮ إﻻ ﻣﻦ ﻋﯿﺐ ﺑﺠﻠﺪه إﻣﺎ ﺑﺮص وإﻣﺎ أدرة وإﻣﺎ آﻓﺔ وإن اﷲ أراد أن‬
‫ﯾﺒﺮﺋﻪ ﻣﻤﺎ ﻗﺎﻟﻮا ﻟﻤﻮﺳﻰ ﻓﺨﻼ ﯾﻮﻣﺎ وﺣﺪه ﻓﻮﺿﻊ ﺛﯿﺎﺑﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺠﺮ ﺛﻢ اﻏﺘﺴﻞ ﻓﻠﻤﺎ ﻓﺮغ أﻗﺒﻞ‬
‫إﻟﻰ ﺛﯿﺎﺑﻪ ﻟﯿﺄﺧﺬﻫﺎ وإن اﻟﺤﺠﺮ ﻋﺪا ﺑﺜﻮﺑﻪ ﻓﺄﺧﺬ ﻣﻮﺳﻰ ﻋﺼﺎه وﻃﻠﺐ اﻟﺤﺠﺮ ﻓﺠﻌﻞ ﯾﻘﻮل‬
‫ﺛﻮﺑﻲ ﺣﺠﺮ ﺛﻮﺑﻲ ﺣﺠﺮ ﺣﺘﻰ اﻧﺘﻬﻰ إﻟﻰ ﻣﻺ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻓﺮأوه ﻋﺮﯾﺎﻧﺎ أﺣﺴﻦ ﻣﺎ ﺧﻠﻖ‬
‫اﷲ وأﺑﺮأه ﻣﻤﺎ ﯾﻘﻮﻟﻮن وﻗﺎم اﻟﺤﺠﺮ ﻓﺄﺧﺬ ﺛﻮﺑﻪ ﻓﻠﺒﺴﻪ وﻃﻔﻖ ﺑﺎﻟﺤﺠﺮ ﺿﺮﺑﺎ ﺑﻌﺼﺎه ﻓﻮاﷲ إن‬
‫ﺑﺎﻟﺤﺠﺮ ﻟﻨﺪﺑﺎ ﻣﻦ أﺛﺮ ﺿﺮﺑﻪ ﺛﻼﺛﺎ أو أرﺑﻌﺎ أو ﺧﻤﺴﺎ ﻓﺬﻟﻚ ﻗﻮﻟﻪ ﯾﺎ أﯾﻬﺎ اﻟﺬﯾﻦ آﻣﻨﻮا ﻻ‬
‫ﺗﻜﻮﻧﻮا ﻛﺎﻟﺬﯾﻦ آذوا ﻣﻮﺳﻰ ﻓﺒﺮأه اﷲ ﻣﻤﺎ ﻗﺎﻟﻮا وﻛﺎن ﻋﻨﺪ اﷲ وﺟﯿﻬﺎ ‪.‬‬
 ‫‪20‬‬

‫وﻫﺬا ﺣﺪﯾﺚ ﯾﻘﻮل أن ﻗﻮم ﻣﻮﺳﻰ أدﻋﻮا ﻋﻠﯿﻪ أن ﺑﺠﻠﺪه ﻣﺮض ﻷن ﻣﻮﺳﻰ ﻛﺎن ﺷﺪﯾﺪ‬
‫اﻹﺳﺘﺤﯿﺎء ﻻ ﯾُﻈﻬﺮ ﻣﻦ ﺟﻠﺪه ﺷﺊ!!‪ ،‬ﻓﺒﺮأه اﷲ ! ﻓﻜﺎن ﻣﻮﺳﻰ ﯾﻐﺘﺴﻞ ﻓﺠﻌﻞ اﷲ اﻟﺤﺠﺮ‬
‫ﯾﺠﺮى ﺑﺜﻮﺑﻪ وﻣﻮﺳﻰ أﺧﺬ ﯾﺠﺮى وراء اﻟﺤﺠﺮ وﯾﻨﺎدى ﺛﻮﺑﻰ ﺣﺠﺮ ﺛﻮﺑﻰ ﺣﺠﺮ ﺣﺘﻰ رأه‬
‫ﻋﺮﯾﺎﻧﺎ ) اﻷﻏﻠﺐ ﻛﻤﺎ وﻟﺪﺗﻪ أﻣﻪ ( وﻫﻜﺬا ﺑﺮأه اﷲ ﻣﻤﺎ ﻗﺎﻟﻮا! وﻫﻜﺬا ﻣﻌﻨﻰ و ﺗﻔﺴﯿﺮ‬ ‫ً‬ ‫اﻟﻨﺎس‬
‫ﻮﺳﻰ َﻓ َﺒ ﱠﺮأَ ُه اﷲﱠُ ِﻣ ﱠﻤﺎ َﻗﺎﻟُﻮا َو َﻛ َ‬
‫ﺎن ِﻋ ْﻨ َﺪ‬ ‫ِﯾﻦ آ َﻣُﻨﻮا ﻻ َﺗ ُﻜﻮُﻧﻮا َﻛﺎﻟﱠﺬ َ‬
‫ِﯾﻦ آ َذ ْوا ُﻣ َ‬ ‫ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َﯾﺎ أَﱡﯾ َﻬﺎ اﻟﱠﺬ َ‬
‫اﷲِ َو ِﺟﯿ ًﻬﺎ )‪ (69‬اﻷﺣﺰاب ‪.‬‬ ‫ﱠ‬
‫ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻟﻄﺒﺮى‬
‫ﻮﺳﻰ َﻓ َﺒ ﱠﺮأَ ُه اﷲﱠُ ِﻣ ﱠﻤﺎ‬
‫ِﯾﻦ آ َذ ْوا ُﻣ َ‬‫ِﯾﻦ آ َﻣُﻨﻮا ﻻ َﺗ ُﻜﻮُﻧﻮا َﻛﺎﻟﱠﺬ َ‬
‫اﻟﻘﻮل ﻓﻲ ﺗﺄوﯾﻞ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪َ :‬ﯾﺎ أَﱡﯾ َﻬﺎ اﻟﱠﺬ َ‬
‫اﷲِ َو ِﺟﯿ ًﻬﺎ )‪ (69‬اﻻﺣﺰاب‬ ‫ﺎن ِﻋ ْﻨ َﺪ ﱠ‬
‫َﻗﺎﻟُﻮا َو َﻛ َ‬
‫ﺻﻠﱠﻰ اﷲ َﻋﻠَ ْﯿ ِﻪ َو َﺳﻠﱠﻢ‪ :‬ﯾﺎ أﯾﻬﺎ اﻟﺬﯾﻦ آﻣﻨﻮا ﺑﺎﷲ ورﺳﻮﻟﻪ ﻻ‬ ‫ﯾﻘﻮل ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻷﺻﺤﺎب ﻧﺒﻲ اﷲ َ‬
‫ﺗﺆذوا رﺳﻮل اﷲ ﺑﻘﻮل ﯾﻜﺮﻫﻪ ﻣﻨﻜﻢ‪ ،‬وﻻ ﺑﻔﻌﻞ ﻻ ﯾﺤﺒﻪ ﻣﻨﻜﻢ‪ ،‬وﻻ ﺗﻜﻮﻧﻮا أﻣﺜﺎل اﻟﺬﯾﻦ آذوا‬
‫ﻣﻮﺳﻰ ﻧﺒﻲ اﷲ ﻓﺮﻣﻮه ﺑﻌﯿﺐ ﻛﺬﺑًﺎ وﺑﺎﻃﻼ ) َﻓ َﺒ ﱠﺮأَ ُه اﷲﱠُ ِﻣ ﱠﻤﺎ َﻗﺎﻟُﻮا( ﻓﯿﻪ ﻣﻦ اﻟﻜﺬب واﻟﺰور ﺑﻤﺎ‬
‫ﺎن ِﻋ ْﻨ َﺪ ﱠ‬
‫اﷲِ َو ِﺟﯿ ًﻬﺎ(‬ ‫)و َﻛ َ‬‫أﻇﻬﺮ ﻣﻦ اﻟﺒﺮﻫﺎن ﻋﻠﻰ ﻛﺬﺑﻬﻢ َ‬
‫ﺛﻢ اﺧﺘﻠﻒ أﻫﻞ اﻟﺘﺄوﯾﻞ ﻓﻲ اﻷذى اﻟﺬي أوذي ﺑﻪ ﻣﻮﺳﻰ اﻟﺬي ذﻛﺮه اﷲ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻮﺿﻊ؛‬
‫ﺻﻠﱠﻰ اﷲ َﻋﻠَ ْﯿ ِﻪ َو َﺳﻠﱠﻢ ﺧﺒﺮا‪.‬‬ ‫وروي ﺑﺬﻟﻚ ﻋﻦ رﺳﻮل اﷲ َ‬ ‫ﻓﻘﺎل ﺑﻌﻀﻬﻢ‪ :‬رﻣﻮه ﺑﺄﻧﻪ آدر‪ِ ،‬‬

‫ﻗﺎل رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﻪ وﺳﻠﻢ‬

‫) أﻧﻜﺘﻬﺎ ؟ (‬

‫ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري‪.‬ﻛﺘﺎب اﻟﺤﺪود ‪ -‬ﺑﺎب ﻫﻞ ﯾﻘﻮل اﻹﻣﺎم ﻟﻠ ُﻤﻘﺮ ﻟﻌﻠﻚ ﻟﻤﺴﺖ أو ﻏﻤﺰت‬
‫ﺣﺴﺐ ﻛﺘﺎب ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎرى ‪ ،‬ﻫﻨﺎك ﺷﺨﺺ أﺳﻤﻪ ﻣﺎﻋﺰ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ وﻗﻊ ﻓﻰ اﻟﺰﻧﺎ و ﺟﺎء‬
‫ً‬
‫ﻣﻌﺘﺮﻓﺎ ‪ ،‬ﻓﻌﻦ ﺑﻦ ﻋﺒﺎس ﻗﺎل‪ :‬ﻟﻤﺎ أﺗﻰ ﻣﺎﻋﺰ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﻪ وﺳﻠﻢ‬ ‫اﻟﻨﺒﻰ‬
 ‫‪21‬‬

‫ﻗﺎل ﻟﻪ‪ :‬ﻟﻌﻠﻚ ﻗﺒﻠﺖ أو ﻏﻤﺰت أو ﻧﻈﺮت؟ ﻗﺎل‪ :‬ﻻ ﯾﺎ رﺳﻮل اﷲ‪ .‬ﻗﺎل‪ :‬أﻧﻜﺘﻬﺎ ـ ﻻ ﯾﻜﻨﻲ ـ‬
‫ﻗﺎل‪ :‬ﻓﻌﻨﺪ ذﻟﻚ أﻣﺮ ﺑﺮﺟﻤﻪ ‪.‬‬
‫ﻫﻞ ﺗﻌﺘﻘﺪ أن اﻟﻨﺒﻰ ﯾﺴﺘﺨﺪم ﻣﺜﻞ ﻫﺬة اﻷﻟﻔﺎظ اﻟﺒﺬﯾﺌﺔ ؟ اﻟﺘﻰ ﻧﺨﺠﻞ ﻧﺤﻦ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻬﺎ ‪ ،‬اﻟﺒﻌﺾ‬
‫ﯾﻌﺘﺮض ﺑﺴﺬاﺟﺔ ﻋﻨﺪ ﺳﻤﺎﻋﻪ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﺤﺪﯾﺚ ‪ ،‬وﯾﻈﻦ أن ذﻟﻚ اﻟﻠﻔﻆ ﻫﻮ) أﻧﻜﺤﺘﻬﺎ ( ﻓﯿﻬﯿﺞ‬
‫وﺗﺮاه ُﻣﺼﻔﺮاً ﻋﻨﺪﻣﺎ ُﺗﻌﻠﻤﻪ أن ﻟﻔﻆ اﻟﻨﻜﺎح ﻫﻮ ﻟﻔﻈﺔ ﻗﺮأﻧﯿﺔ ﺗﺄﺗﻰ ﻛﻨﺎﯾﺔ ﻋﻦ اﻟﺰواج ‪ ،‬اﻟﺬى‬
‫ﻻ ﻣﺤﻞ ﻟﻠﺴﺆال ﻋﻨﻪ ﻓﻰ اﻟﺤﺪﯾﺚ اﻟﻤﺬﻛﻮر ‪ ،‬ﺣﺘﻰ أن ﻧﺺ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻗﺎل ) ﻻ ﯾﻜﻨﻰ ( أى‬
‫ﻗﺎﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻠﻔﻆ ‪ ،‬اﻟﻤﺜﯿﺮ ﻟﻠﺴﺨﺮﯾﺔ أن ﺑﻌﺾ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺼﻔﺮاء اﻟﺼﻐﯿﺮة ﺗﺰور ﻫﺬا اﻟﻠﻔﻆ ً‬
‫ﻓﻌﻼ ‪،‬‬
‫ﻓﻜﻨﺖ ﻓﻰ اﻟﺴﺠﻦ وﻣﻌﻰ ﻛﺘﺎب ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎرى ﻛﺎﻣﻞ ﺑﻄﺒﻌﺘﻪ اﻟﻤﻜﻮﻧﺔ ﻣﻦ ﻋﺪة أﺟﺰاء ‪،‬‬
‫ُُ‬
‫ﺴﺘﻐﺮب ﺛﻢ ﻛﺎن أﺣﺪ اﻷﺷﺨﺎص ﯾﺘﺼﻔﺢ ﺑﻌﺾ‬ ‫ِ‬ ‫ﯾ‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫ﻟﻪ‬ ‫ﻓﯿﺘﻌﺠﺐ‬ ‫اﻟﻠﻔﻆ‬ ‫ﻫﺬا‬ ‫اﻟﺒﻌﺾ‬ ‫رى‬
‫وﻛﻨﺖ أ ِ‬
‫اﻟﻜﺘﯿﺒﺎت اﻟﺼﻐﯿﺮة ووﺟﺪ ﻓﯿﻪ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﯾﺚ ﺑﻠﻔﻆ أﻧﻜﺤﺘﻬﺎ ﺛﻢ ﺟﺎء إﻟﻰ وأراﻧﻰ أﯾﺎه ‪ ،‬ﻓﻜﺎﺗﺐ‬
‫ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺼﻐﯿﺮ واﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﻦ ﻋﻦ اﻟﻄﺒﻊ ﯾﺨﺠﻠﻮن أن ﯾﻨﺴﺒﻮا ﻫﺬا اﻟﻠﻔﻆ اﻟﺒﺬئ ﻟﻠﻨﺒﻰ وﻣﻊ‬
‫ذﻟﻚ ﯾﺪﻋﻮن أن ﻛﺘﺎب اﻟﺒﺨﺎرى ﺻﺤﯿﺢ ‪ ،‬وﻫﺬا ﺣﺎل اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻓﻤﻦ اﻟﻤﺤﺎل أن ﺗﺠﺪ أﺣﺪ ﯾﺬﻛﺮ‬
‫ﺗﻠﻚ اﻟﺒﺬاءة ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻣﺔ وﯾﺬﻛﺮ أﻧﻬﺎ ﺣﺪﯾﺚ ‪ ،‬ﺣﺘﻰ أن وﻛﯿﻞ اﻟﻨﯿﺎﺑﺔ اﻟﺬى ﺣﻘﻖ ﻣﻌﻰ رﻓﺾ‬
‫ﺗﺪوﯾﻨﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ذﻛﺮﺗﻪ ﻟﻪ ﻟﻔﻈﺎﻇﺔ ﻫﺬا اﻟﻠﻔﻆ ‪،‬‬
‫اﻟﻤﺨﺠﻞ أﻛﺜﺮ ﻓﻰ ﺑﻘﯿﺔ اﻟﺮواﯾﺔ أﻧﻬﻢ ﯾﻘﻮﻟﻮن أن اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﻪ وﺳﻠﻢ أﻣﺮ ﺑﻘﺘﻠﻪ ‪ ،‬رﻏﻢ‬
‫أﻧﻪ أﺧﺒﺮ أن ﺗﻮﺑﺔ ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﺑﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ‪ ،‬ﻓﺤﺴﺐ ﻛﺘﺎب ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ ) ‪( 1695‬‬
‫اﺳ َﺘ ْﻐﻔ ُ‬
‫ِﺮوا‬ ‫ﻮس َﻓ َﺴﻠﱠ َﻢ ُﺛ ﱠﻢ َﺟﻠَ َ‬
‫ﺲ َﻓ َﻘ َ‬
‫ﺎل ْ‬ ‫اﷲِ ‪-‬ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﻪ وﺳﻠﻢ‪َ -‬و ُﻫ ْﻢ ُﺟﻠُ ٌ‬ ‫ﻮل ﱠ‬ ‫ُﺛ ﱠﻢ َﺟﺎ َء َر ُﺳ ُ‬
‫اﷲِ ‪-‬ﺻﻠﻰ اﷲ‬ ‫ﻮل ﱠ‬
‫ﺎل َر ُﺳ ُ‬‫ﺎل ‪َ -‬ﻓ َﻘ َ‬ ‫ِﻚ‪َ - .‬ﻗ َ‬‫ْﻦ َﻣﺎﻟ ٍ‬ ‫ﺎل َﻓ َﻘﺎﻟُﻮا َﻏ َﻔ َﺮ اﷲﱠُ ﻟِ َﻤ ِ‬ ‫ِﻚ َﻗ َ‬
‫ﺎﻋ ِﺰ ﺑ ِ‬ ‫ْﻦ َﻣﺎﻟ ٍ‬ ‫ﺎﻋ ِﺰ ﺑ ِ‬
‫ﻟِ َﻤ ِ‬
‫ْﻦ أُ ﱠﻣ ٍﺔ ﻟَ َﻮ ِﺳ َﻌ ْﺘ ُﻬ ْﻢ( ‪ ،‬إﻧﺘﻬﻰ ‪.‬‬
‫ﺎب َﺗ ْﻮ َﺑ ًﺔ ﻟَ ْﻮ ُﻗ ِﺴ َﻤ ْﺖ َﺑﯿ َ‬
‫ﻋﻠﯿﻪ وﺳﻠﻢ‪ -‬ﻟَ َﻘ ْﺪ َﺗ َ‬
‫ﻓﻤﻦ اﻟﻤﻔﺘﺮض أن ﺷﺨﺺ ﺗﺎب وأﻋﺘﺮف ﺑﺬﻧﺒﻪ أن ﯾﺘﻢ ﺗﺨﻔﯿﻒ اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ ﻋﻠﯿﻪ ‪ ،‬ﻓﻤﺎ ﻓﺎﺋﺪة‬
‫أﺻﻼ ‪ .‬وﻛﺄن اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻫﻨﺎ ﯾﻘﻮل‬ ‫ً‬ ‫اﻹﻋﺘﺮاف إذاً! ﻫﺬا ﻟﻮ إﻓﺘﺮﺿﻨﺎ أن ﻋﻘﻮﺑﺘﻪ ﻫﻨﺎ اﻟﻤﻮت‬
‫ﻟﻠﻨﺎس ﻻ ﺗﻌﺘﺮﻓﻮا ﺑﺬﻧﻮﺑﻜﻢ ﺣﺘﻰ ﻻ ﯾﺘﻢ ﻗﺘﻠﻜﻢ ‪،‬اﻟﻌﺠﯿﺐ أن اﻟﻨﺎس أﺗﺨﺬت ﻫﺬه اﻷﻛﺎذﯾﺐ ﻋﻠﻰ‬
‫أﻧﻬﺎ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ‪ ،‬وأن اﻟﻨﺒﻰ ﻗﺎم ﺑﺬﻟﻚ ﻓﻌﻼ ‪.‬‬
‫وﺣﺘﻰ أن ﻫﻨﺎك رواﯾﺎت ﺗﻘﻮل أن اﻟﻨﺒﻰ أﻋﺮض ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺘﺮف أﺧﺮ ) و رﺑﻤﺎ ﻫﻮ ذاﺗﻪ ﻧﻔﺲ‬
‫اﻟﺸﺨﺺ (‪ ،‬وﻛﺎن اﻟﻨﺒﻰ ﻻ ﯾﺮﯾﺪ ﺗﻮﻗﯿﻊ ﻋﻘﻮﺑﺔ ﻋﻠﯿﻪ ‪ ،‬ﺛﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻟﺢ اﻟﺮﺟﻞ أن ﯾﻄﺒﻖ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺸﺮع أﻣﺮ اﻟﻨﺒﻰ ﺑﻘﺘﻠﻪ ؟ ﻓﻬﺮب اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ اﻟﺤﻔﺮة اﻟﺘﻰ وﺿﻊ ﺑﻬﺎ ‪ ،‬ﻓﺠﺮى وراءه‬
‫اﻟﻨﺎس ﻓﻘﺘﻠﻮه ‪،‬ﻓﻘﺎل ﻟﻬﻢ اﻟﻨﺒﻰ ﻫﻼ ﻛﻨﺘﻢ ﺗﺮﻛﺘﻤﻮه ‪ .‬ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ واﻟﺘﻀﺎرب ﻓﻤﻦ‬
 ‫‪22‬‬

‫اﻹﻋﺮاض ﻋﻨﻪ إﻟﻰ اﻷﻣﺮ ﺑﻘﺘﻠﻪ إﻟﻰ اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ ﻋﺪم اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻰ ﻣﻮﺗﻪ وﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ ﻣﻘﺘﻠﻪ ‪.‬‬
‫وﻛﻠﻬﺎ ﺣﻜﺎﯾﺎت ﻟﻠﺘﺸﻮﯾﻪ وﺗﺰﯾﯿﻒ ﺻﻮرة اﻟﺪﯾﻦ ‪.‬‬

‫) ﻓﺄﻧﺠﺎه اﷲ ﻣﻦ اﻟﻨﺎر (‬

‫إذا ﻗﺮأت ﻗﺼﺔ إﺑﺮاﻫﯿﻢ ﻣﻊ ﻗﻮﻣﻪ وﻋﻘﺎﺑﻬﻢ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻲ ‪ ،‬ﺑﻌﯿﺪاً ﻋﻦ رواﯾﺎت‬
‫اﻷﺣﺎدﯾﺚ و ﻋﻦ اﻟﺘﻔﺎﺳﯿﺮ ‪ ،‬ﺳﯿﻈﻬﺮ ﻟﻚ ﻣﺪى ﻛﻮن اﻟﺘﻔﺎﺳﯿﺮ واﻷﺣﺎدﯾﺚ ُﺗﺤﺮف اﻟﻤﻌﻨﻰ‬
‫اب َﻗ ْﻮ ِﻣ ِﻪ إِﱠﻻ أَن َﻗﺎﻟُﻮا ْاﻗُﺘﻠُﻮ ُه أَ ْو َﺣ ﱢﺮ ُﻗﻮ ُه‬ ‫ﺎن َﺟ َﻮ َ‬ ‫اﻟﺤﻘﯿﻘﻲ ﻟﻠﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ ‪ ،‬ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َﻓ َﻤﺎ َﻛ َ‬
‫ﻮن )‪ (24‬اﻟﻌﻨﻜﺒﻮت‬ ‫ُﺆ ِﻣُﻨ َ‬ ‫ﺎت ﻟﱢ َﻘ ْﻮ ٍم ﯾ ْ‬
‫ِﻚ َﻵ َﯾ ٍ‬‫ٰﻟ َ‬
‫ﺎرۚ إِ ﱠن ﻓِﻲ َذ‬ ‫ﻧﺠﺎ ُه اﷲﱠُ ﻣ َ‬
‫ِﻦ اﻟﱠﻨ ِ‬ ‫َﻓَﺄ َ‬
‫ﻓﺎﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ ﯾﺬﻛﺮ أن ﻗﻮم إﺑﺮاﻫﯿﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﻄﻢ إﺑﺮاﻫﯿﻢ أﺻﻨﺎﻣﻬﻢ ﻗﺎﻟﻮا ) اﻗﺘﻠﻮه أو ﺣﺮﻗﻮه‬
‫( ‪ ،‬و ﺣﺮف ) أو ( ﻫﻨﺎ ﯾﺪل ﻋﻠﻰ ﺷﯿﺌﯿﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔﯿﻦ ‪ ،‬ﻣﺎ ﯾﻌﻨﻰ أن ﻗﻮﻣﻪ أﻧﻘﺴﻤﻮا ﻓﺮﯾﻖ ﻣﻊ‬
‫ﻗﺘﻠﻪ ‪ ،‬وﻓﺮﯾﻖ ﻣﻊ ﺗﺤﺮﯾﻘﻪ أى ﺗﻌﺬﯾﺒﻪ دون ﻗﺘﻠﻪ ‪ ،‬ﻓﻼ ﯾﺠﻮز أن ﯾﻜﻮن اﻟﻤﻌﻨﻰ أﻗﺘﻠﻮه أو أﻗﺘﻠﻮه‬
‫ﺑﺎﻟﺤﺮق ‪ ،‬وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻰ اﻹﺣﺮاق ﻫﻨﺎ اﻟﻤﻘﺼﻮد ﺑﻪ اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ دون اﻟﻤﻮت وﻫﺬا اﻟﺨﯿﺎر اﻟﺜﺎﻧﻰ اﻟﺬى‬
‫ﻟﺠﺄوا إﻟﯿﻪ وﻫﻮ ﺗﻌﺬﯾﺒﻪ وﺣﺒﺴﻪ وﺣﺘﻰ أن ﻫﻨﺎك آﯾﺔ أﺧﺮى ﺗﻮﺿﺢ أن اﻟﺨﯿﺎر اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻛﺎن ﻫﻮ‬
‫ِﯿﻦ *‬ ‫ﺎﻋﻠ َ‬‫ﺼ ُﺮوا آﻟِ َﻬ َﺘ ُﻜ ْﻢ إِ ْن ُﻛ ْﻨُﺘ ْﻢ َﻓ ِ‬ ‫ﺧﯿﺎرﻫﻢ اﻟﺬى ﺗﻮﺻﻠﻮا ﻟﻪ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َﻗﺎﻟُﻮا َﺣ ﱢﺮ ُﻗﻮ ُه َوا ْﻧ ُ‬
‫اﻷ ْﺧ َﺴ ِﺮ َ‬
‫ﯾﻦ ﴾‬ ‫ﺎﻫ ُﻢ ْ َ‬
‫اﻫﯿ َﻢ * َوأَ َرا ُدوا ِﺑ ِﻪ َﻛ ْﯿ ًﺪا َﻓ َﺠ َﻌْﻠ َﻨ ُ‬ ‫ْﺮ ِ‬ ‫ُﻗْﻠ َﻨﺎ َﯾﺎ َﻧ ُ‬
‫ﺎر ُﻛﻮﻧِﻲ َﺑ ْﺮ ًدا َو َﺳ َﻼ ًﻣﺎ َﻋﻠَﻰ إِﺑ َ‬
‫]اﻷﻧﺒﯿﺎء‪68 :‬‬
‫ﻓﺎﻟﺘﻔﺎﺳﯿﺮ اﻟﺘﻰ ﺗﺪﻋﻰ أن إﺑﺮاﻫﯿﻢ ﺗﻢ وﺿﻌﻪ وﺳﻂ ﻧﺎر ﻣﻬﻮﻟﺔ ﺑﻬﺪف ﻗﺘﻠﻪ ﻛﻠﻬﺎ ﺗﻔﺎﺳﯿﺮ‬
‫ﻣﺰورة وﻣﺨﺎدﻋﺔ ﻛﻤﺎ ﺟﺎء ﻓﻰ ﺗﻔﺴﯿﺮ ﺑﻦ ﻛﺜﯿﺮ ‪،‬‬
‫) اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﯾﺨﺒﺮﻧﺎ ﻋﻦ ﻛﻔﺮ وﻋﻨﺎد وﻣﻜﺎﺑﺮة ﻗﻮم إﺑﺮاﻫﯿﻢ ‪ ،‬ودﻓﻌﻬﻢ اﻟﺤﻖ ﺑﺎﻟﺒﺎﻃﻞ ‪ :‬و إﻧﻪ‬
‫ﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﻬﻢ ﺟﻮاب ﺑﻌﺪ ﻣﻘﺎﻟﺔ إﺑﺮاﻫﯿﻢ ﻫﺬه اﻟﻤﺸﺘﻤﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻬﺪى واﻟﺒﯿﺎن ‪ ) ،‬إﻻ أن ﻗﺎﻟﻮا‬
‫اﻗﺘﻠﻮه أو ﺣﺮﻗﻮه ( ‪ ،‬وذﻟﻚ ﻷﻧﻬﻢ ﻗﺎم ﻋﻠﯿﻬﻢ اﻟﺒﺮﻫﺎن ‪ ،‬وﺗﻮﺟﻬﺖ ﻋﻠﯿﻬﻢ اﻟﺤﺠﺔ ‪ ،‬ﻓﻌﺪﻟﻮا إﻟﻰ‬
‫اﺳﺘﻌﻤﺎل ﺟﺎﻫﻬﻢ وﻗﻮة ﻣﻠﻜﻬﻢ ‪ ) ،‬ﻗﺎﻟﻮا اﺑﻨﻮا ﻟﻪ ﺑﻨﯿﺎﻧﺎ ﻓﺄﻟﻘﻮه ﻓﻲ اﻟﺠﺤﯿﻢ ‪ .‬ﻓﺄرادوا ﺑﻪ ﻛﯿﺪا‬
‫ﻓﺠﻌﻠﻨﺎﻫﻢ اﻷﺳﻔﻠﯿﻦ ( ] اﻟﺼﺎﻓﺎت ‪ ، [ 98 ، 97 :‬وذﻟﻚ أﻧﻬﻢ ﺣﺸﺪوا ﻓﻲ ﺟﻤﻊ أﺣﻄﺎب‬
‫ﻋﻈﯿﻤﺔ ﻣﺪة ﻃﻮﯾﻠﺔ ‪ ،‬وﺣﻮﻃﻮا ﺣﻮﻟﻬﺎ ‪ ،‬ﺛﻢ أﺿﺮﻣﻮا ﻓﯿﻬﺎ اﻟﻨﺎر ‪ ،‬ﻓﺎرﺗﻔﻊ ﻟﻬﺎ ﻟﻬﺐ إﻟﻰ ﻋﻨﺎن‬
‫اﻟﺴﻤﺎء ‪ :‬وﻟﻢ ﺗﻮﻗﺪ ﻧﺎر ﻗﻂ أﻋﻈﻢ ﻣﻨﻬﺎ ‪ ،‬ﺛﻢ ﻋﻤﺪوا إﻟﻰ إﺑﺮاﻫﯿﻢ ﻓﻜﺘﻔﻮه وأﻟﻘﻮه ﻓﻲ ﻛﻔﺔ‬
 ‫‪23‬‬

‫اﻟﻤﻨﺠﻨﯿﻖ ‪ ،‬ﺛﻢ ﻗﺬﻓﻮا ﺑﻪ ﻓﯿﻬﺎ ‪ ،‬ﻓﺠﻌﻠﻬﺎ اﷲ ﻋﻠﯿﻪ ﺑﺮدا وﺳﻼﻣﺎ ‪ ،‬وﺧﺮج ﻣﻨﻬﺎ ﺳﺎﻟﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﺎ‬
‫ﻣﻜﺚ ﻓﯿﻬﺎ أﯾﺎﻣﺎ ( أﻧﺘﻬﻰ ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻷﻣﺮ ﻟﯿﺲ ﺑﻪ ﻣﻨﺠﻨﯿﻖ ﻟﯿﺮﻣﻮا ﺑﻪ إﺑﺮاﻫﯿﻢ وﺳﻂ اﻟﻨﯿﺮان اﻟﻤﺸﺘﻌﻠﺔ ‪ .‬وﻻ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻬﺎﯾﺔ‬
‫اﻟﻬﻮﻟﯿﻮدﯾﺔ اﻟﺘﻰ ﻻ ﯾﻤﻞ ﺧﻄﺒﺎء اﻟﺠﻮاﻣﻊ ﻣﻦ ﺗﻜﺮارﻫﺎ ﻋﻠﻰ أﺳﻤﺎع اﻟﻨﺎس ﺣﯿﺚ ﯾﺨﺮج‬
‫إﺑﺮاﻫﯿﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺎر ﺑﻌﺪ إِﻧﻄﻔﺎءﻫﺎ وﻟﻢ ﯾﻤﺴﻪ ﺷﻲء ‪ ،‬وﻟﯿﺲ ﻫﻨﺎك وزع ﯾﻨﻔﺦ اﻟﻨﺎر ﻛﻤﺎ ﯾﻘﻮل‬
‫ﺣﺪﯾﺚ اﻟﺒﺨﺎرى ﻓﻰ ﺗﺨﺎرﯾﻔﻪ ‪ ،‬ﺑﻞ اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ ﻓﻰ اﻷﻏﻠﺐ ﻛﺎن ﻣﺒﺎﺷﺮاً ﺑﺎﻟﺤﺮق ﯾﻘﻮم ﺑﻪ‬
‫ﺷﺨﺺ ‪،‬‬

‫ﻫﺬا ﻧﻤﻮذج ﻹﺷﻜﺎﻻت ﻻ ﺣﺪ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﺎﺳﯿﺮ اﻟﻤﻨﺴﻮﺑﺔ زورا إﻟﻰ اﻟﺪﯾﻦ ‪ ،‬ﻟﯿﻠﺒﺲ اﻟﻜﻬﻨﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس اﻟﺪﯾﻦ وﯾﻈﻦ اﻟﻨﺎس أن اﻟﺪﯾﻦ ﻟﯿﺲ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ ﻓﯿﺤﺘﺎﺟﻮن ﻟﻬﺆﻻء اﻟﻮﺳﻄﺎء ﻟﻔﻬﻤﻪ‬
‫وﺗﻨﻔﯿﺬ ﺗﻌﺎﻟﯿﻤﻪ ﻷﻧﻬﻢ ﻻ ﯾﺴﺘﻄﯿﻌﻮن إدراﻛﻪ ﺑﻌﻘﻮﻟﻬﻢ ‪.‬‬
‫ ‬
24
 ‫‪25‬‬

‫ﺻﯿﺎﻏﺔ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ‬

‫ﺻﯿﺎﻏﺔ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ ﺑﻬﺎ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻷﺳﺎﻟﯿﺐ اﻟﺒﻼﻏﯿﺔ ‪ ،‬ﻟﺘﺴﻬﯿﻞ اﻟﺤﻔﻆ واﻟﺘﻼوة ‪،‬‬
‫ﻛﺎﻟﻤﺠﺎز و اﻟﻜﻨﺎﯾﺔ و اﻟﺘﻘﺪﯾﻢ و اﻟﺘﺄﺧﯿﺮ و اﻹﺳﺘﺜﻨﺎء اﻟﻤﻨﻘﻄﻊ وﻏﯿﺮﻫﻢ ‪ ،‬ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻞ ﻣﻌﻨﻰ‬
‫ﻏﺎﻣﻀﺎ و ﻏﯿﺮ واﺿﺢ ﻓﻰ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻮاﺿﻊ ‪ ،‬و ﯾﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﻧﻮع ﻣﻦ‬ ‫ً‬ ‫ﺑﻌﺾ اﻵﯾﺎت ﯾﺒﺪو‬
‫اﻟﺒﺤﺚ وإﻋﻤﺎل اﻟﻌﻘﻞ ﺣﯿﺚ ﯾﺘﻢ إدراك اﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟ ُﻤﺮاد ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﺪﺑﺮ وﻣﺤﺎوﻟﻪ اﻟﻔﻬﻢ ‪.‬‬

‫اﻹﺳﺘﺜﻨﺎء اﻟﻤﻨﻘﻄﻊ ) ﻓﺴﺠﺪوا إﻻ إﺑﻠﯿﺲ (‬

 ‫‪26‬‬

‫ِﻦ‬
‫ﺎن ﻣ َ‬ ‫ِﯿﺲ أََﺑﻰ َو ْ‬
‫اﺳ َﺘ ْﻜ َﺒ َﺮ َو َﻛ َ‬ ‫ﻻ إِ ْﺑﻠ َ‬ ‫وا إ ﱠ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اﺳ ُﺠ ُﺪوا ﻵ َد َم َﻓ َﺴ َﺠ ُﺪ ِ‬ ‫ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َوإِ ْذ ُﻗْﻠ َﻨﺎ ﻟِْﻠ َﻤﻼ ِﺋ َﻜ ِﺔ ْ‬
‫ْ‬
‫ﯾﻦ ( )‪ (34‬اﻟﺒﻘﺮة‬ ‫ِﺮ َ‬‫اﻟ َﻜﺎﻓ ِ‬
‫ﻣﻮﺟﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﺣﺼﺮاً ‪ ،‬و ذﻛﺮ رﻓﺾ إﺑﻠﯿﺲ‬ ‫ً‬ ‫ﺻﯿﺎﻏﺔ ﺗﻠﻚ اﻵﯾﺔ ﺗﻮﺣﻰ أن اﻷﻣﺮ ﻛﺎن‬
‫ﯾﻌﻨﻰ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻤﻦ وﺟﻪ إﻟﯿﻪ اﻷﻣﺮ ‪ ،‬وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻰ ﻓﺄﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻗﺒﻞ أن ﯾﻘﺪم ﻋﻠﻰ‬
‫ﻣﻌﺼﯿﺔ اﷲ ‪ ،‬ﻫﺬا ﻣﺎ ﯾﻮﺣﻰ ﺑﻪ ﻇﺎﻫﺮ اﻵﯾﺔ ‪ ،‬وﻟﻜﻦ ﻷﻧﻪ ﻻ ﯾﻔﺘﺮض أن ُﯾﻘﺪم أﺣﺪ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺼﯿﺔ أواﻣﺮ اﷲ ‪ ،‬ﻟﯿﺲ ﻷن اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻣﺠﺒﺮون ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺎﻋﺔ ‪ ،‬وﻟﻜﻦ ﻷﻧﻬﻢ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻤﻘﺮﺑﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﻻ ﯾُﻔﺘﺮض ﻓﯿﻬﻢ اﻟﻤﻌﺼﯿﺔ ‪ ،‬ووﺻﻒ اﻟﻨﺺ ذﻟﻚ ﻓﻰ ﻗﻮﻟﻪ ) َﯾﺎ أَﱡﯾ َﻬﺎ اﻟﱠﺬ َ‬
‫ِﯾﻦ‬
‫ﺎر ُة َﻋﻠَ ْﯿ َﻬﺎ َﻣ َﻼ ِﺋ َﻜ ٌﺔ ِﻏ َﻼ ٌظ ِﺷﺪَا ٌد ﱠﻻ‬ ‫ﺎس َو ْاﻟ ِﺤ َﺠ َ‬ ‫ﺎرا َو ُﻗﻮ ُد َﻫﺎ اﻟﱠﻨ ُ‬ ‫ِﯿﻜ ْﻢ َﻧ ً‬ ‫آ َﻣُﻨﻮا ُﻗﻮا أَﻧ ُﻔ َﺴ ُﻜ ْﻢ َوأَ ْﻫﻠ ُ‬
‫ون )‪ (6‬اﻟﺘﺤﺮﯾﻢ ‪،‬‬ ‫ُﺆ َﻣ ُﺮ َ‬ ‫ﻮن َﻣﺎ ﯾ ْ‬ ‫اﷲَ َﻣﺎ أَ َﻣ َﺮ ُﻫ ْﻢ َو َﯾ ْﻔ َﻌﻠُ َ‬‫ﻮن ﱠ‬ ‫ﺼ َ‬ ‫َﯾ ْﻌ ُ‬
‫إذاً اﻹﺳﺘﺜﻨﺎء ﻓﻰ اﻵﯾﺔ ﻫﻮ إﺳﺘﺜﻨﺎء ﻣﻨﻘﻄﻊ وﻟﯿﺲ إﺳﺘﺜﻨﺎء ﻣﺘﺼﻞ ‪ ،‬أى أن اﻟﻤﺴﺘﺜ َﻨﻰ ﻟﯿﺲ ﻣﻦ‬
‫ٰۗ َو َﻣﻦ‬ ‫ﻧﻔﺲ ﻧﻮع اﻟﻤﺴﺘﺜﻨﻰ ﻣﻨﻪ ﻛﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ) ُﻗﻞ ﱠﻻ أَ ْﺳَﺄﻟُ ُﻜ ْﻢ َﻋﻠَ ْﯿ ِﻪ أَ ْﺟ ًﺮا إِﱠﻻ ْاﻟ َﻤ َﻮ ﱠد َة ﻓِﻲ ْاﻟ ُﻘ ْﺮ َﺑﻰ‬
‫ﻮر )‪ (23‬اﻟﺸﻮرى ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻤﻮدة ﻓﻰ‬ ‫ﻮر َﺷ ُﻜ ٌ‬ ‫اﷲَ َﻏ ُﻔ ٌ‬ ‫َﯾ ْﻘ َﺘﺮ ْف َﺣ َﺴ َﻨ ًﺔ ﱠﻧﺰ ْد ﻟَ ُﻪ ﻓِﯿ َﻬﺎ ُﺣ ْﺴ ًﻨﺎۚ إ ﱠن ﱠ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﱠ‬
‫ﻮن ﻓِﯿ َﻬﺎ ﻟَ ْﻐ ًﻮا إِﻻ َﺳ َﻼ ًﻣﺎۖ َوﻟَ ُﻬ ْﻢ‬ ‫ﱠ‬
‫اﻟﻘﺮﺑﻰ ﻟﯿﺴﺖ أﺟﺮا ‪ ،‬وﻛﺬﻟﻚ ﻗﻮﻟﻪ ﻋﻦ أﻫﻞ اﻟﺠﻨﺔ ) ﻻ َﯾ ْﺴ َﻤ ُﻌ َ‬ ‫ً‬
‫ُﻜ َﺮ ًة َو َﻋ ِﺸﯿ‪‬ﺎ )‪ (62‬ﻣﺮﯾﻢ ‪،‬‬ ‫ر ْز ُﻗ ُﻬ ْﻢ ﻓِﯿ َﻬﺎ ﺑ ْ‬
‫ِ‬
‫ﻓﺎﻟﻘﻮل ﺳﻼﻣﺎ ﻟﯿﺲ ﻟﻐﻮا ‪ ،‬وﻋﻠﯿﻪ ﻓﺈن إﺑﻠﯿﺲ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ وإن ﻛﺎن ﻣﺸﻤﻮل ﺑﺄﻣﺮ‬
‫اﻟﺴﺠﻮد ‪ ،‬واﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﺴﺠﻮد ﻓﻰ اﻵﯾﺔ ﯾُﺤﺴﺐ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﺘﯿﻦ ‪،‬‬
‫إﻣﺎ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻮﺟﻪ إﻟﻰ ﻋﻤﻮم ﺟﻨﺲ ﻫﻢ اﻟﺠﻦ ‪ ،‬ﻓﻤﻦ أﻃﺎع ﻣﻨﻬﻢ ُوﺻﻒ ﺑﺄﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ‬
‫ورد إﻟﻰ ﺟﻨﺴﻪ ‪ .‬ﻓﯿﻜﻮن اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﻫﻢ ﻣﻦ‬ ‫وﻣﻦ ﺛﻢ أن ﻣﻦ ﻋﺼﻰ ﻣﻨﻬﻢ ُذﻛِﺮ ﺑﺄﺻﻠﻪ ُ‬
‫اﻟﺠﻦ وﻟﯿﺲ إﺑﻠﯿﺲ ﻫﻮ اﻟﺬى ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ‪ ،‬وﻧﻔﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺿﻮء ذﻟﻚ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻠﻨﺒﻰ‬
‫ﺎن ﱠ‬ ‫ﺎر َو َﻣ ْﻦ َﺣ ْﻮﻟَ َﻬﺎ َو ُﺳﺒ َ‬ ‫ﻣﻮﺳﻰ ﻋﻨﺪ ﺣﺪﯾﺜﻪ ﻟﻪ ) َﻓﻠَ ﱠﻤﺎ َﺟﺎ َء َﻫﺎ ُﻧﻮد َ َ‬
‫اﷲِ‬ ‫ْﺤ َ‬ ‫ُﻮر َك َﻣﻦ ﻓِﻲ اﻟﱠﻨ ِ‬ ‫ِي أن ﺑ ِ‬
‫ِﯿﻦ )‪ (8‬اﻟﻨﻤﻞ ‪ ،‬أى ﯾﻘﺼﺪ ﻫﻨﺎ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ اﻟﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺪث ﻣﻮﺳﻰ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس‬ ‫َر ﱢب ْاﻟ َﻌﺎﻟَﻤ َ‬
‫ُ‬ ‫أﻧﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺠﻦ ‪ ،‬واﻟﺠﻦ ﻣﺨﻠﻮﻗﺔ ﻣﻦ ﻧﺎر ) َو ْاﻟ َﺠ ﱠ ْ‬
‫ﻮم )‪(27‬‬ ‫اﻟﺴ ُﻤ ِ‬‫ﺎر ﱠ‬ ‫ﺎن َﺧﻠَﻘ َﻨﺎ ُه ﻣِﻦ َﻗﺒْﻞ ﻣِﻦ ﱠﻧ ِ‬
‫ِﯿﺲ َﻛ َ‬
‫ﺎن‬ ‫اﺳ ُﺠ ُﺪوا ِﻵ َد َم َﻓ َﺴ َﺠ ُﺪوا إِﱠﻻ إِ ْﺑﻠ َ‬ ‫اﻟﺤﺠﺮ ‪ ،‬وﻛﺬﻟﻚ إﺑﻠﯿﺲ ﻣﻦ اﻟﺠﻦ ‪ ) ،‬إِ ْذ ُﻗْﻠ َﻨﺎ ﻟِْﻠ َﻤ َﻼ ِﺋ َﻜ ِﺔ ْ‬
‫ﺲ‬ ‫ِﻦ ْاﻟ ِﺠ ﱢﻦ َﻓ َﻔ َﺴ َﻖ َﻋ ْﻦ أَ ْﻣ ِﺮ َرﱢﺑ ِﻪۗ أَ َﻓ َﺘﱠﺘ ِﺨ ُﺬو َﻧ ُﻪ َو ُذ ﱢرﱠﯾ َﺘ ُﻪ أَ ْوﻟَِﯿﺎ َء ﻣِﻦ ُدوﻧِﻲ َو ُﻫ ْﻢ ﻟَ ُﻜ ْﻢ َﻋ ُﺪ ﱞوۚ ِﺑ ْﺌ َ‬ ‫ﻣَ‬
‫َﻻ )‪ (50‬اﻟﻜﻬﻒ ‪،‬‬ ‫ِﯿﻦ َﺑﺪ ً‬
‫ِﻠﻈﺎﻟِﻤ َ‬ ‫ﻟﱠ‬
‫ﻣﻮﺟﻬﺎ ﻟﻠﻤﻼﺋﻜﺔ ) ﺑﺪون ﺗﺤﺪﯾﺪ ﺟﻨﺴﻬﻢ ﻓﺮﺑﻤﺎ ﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﺠﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﺗﻢ‬ ‫ً‬ ‫وإﻣﺎ أن اﻟﺨﻄﺎب ﻛﺎن‬
‫أﯾﻀﺎ إﻟﻰ اﻟﺠﻨﺲ‬ ‫ً‬ ‫إﺧﺘﯿﺎرﻫﻢ ﻣﺴﺒﻘﺎ ( ‪ ،‬وذﻛﺮ ﻣﻌﺼﯿﺔ إﺑﻠﯿﺲ ﺗﻌﻨﻰ أن اﻟﺨﻄﺎب ﻛﺎن ﻣﻮﺟﻬﺎ‬
 ‫‪27‬‬

‫اﻟﺬى ﻣﻨﻪ إﺑﻠﯿﺲ ‪ .‬وإﺑﻠﯿﺲ ﻣﻦ اﻟﺠﻦ وﻟﻜﻨﻪ رﻓﺾ اﻟﺴﺠﻮد وﻫﻨﺎك ﻣﻦ أﻃﺎع ﻣﻦ اﻟﺠﻦ‬
‫اﻟﺴﺠﻮد ‪ ،‬وﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﺠﻦ ﻫﻰ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﻐﯿﺒﯿﺔ اﻟﺒﺤﺘﺔ اﻟﺘﻰ ﻟﻢ وﻟﻦ ﻧﺮاﻫﺎ وﻻ ﻧﺘﺄﺛﺮ‬
‫ﺑﻮﺟﻮدﻫﺎ ‪.‬‬

‫) وﻟﻘﺪ ﻫﻤﺖ ﺑﻪ وﻫﻢ ﺑﻬﺎ (‬

‫ف َﻋ ْﻨ ُﻪ ﱡ‬
‫اﻟﺴﻮ َء‬ ‫ﺼ ِﺮ َ‬ ‫ٰﻟ َ‬
‫ِﻚ ﻟَِﻨ ْ‬ ‫ﺎن َرﱢﺑ ِﻪۚ َﻛ َﺬ‬
‫ُﺮ َﻫ َ‬ ‫ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َوﻟَ َﻘ ْﺪ َﻫ ﱠﻤ ْﺖ ِﺑ ِﻪۖ َو َﻫ ﱠﻢ ِﺑ َﻬﺎ ﻟَ ْﻮ َﻻ أَن ﱠرأَى‬
‫ٰ ﺑْ‬
‫ﯿﻦ )‪ (24‬ﯾﻮﺳﻒ ‪.‬‬ ‫ﺼ َ‬ ‫ِﻦ ِﻋ َﺒﺎ ِد َﻧﺎ ْاﻟ ُﻤ ْﺨﻠَ ِ‬
‫َو ْاﻟ َﻔ ْﺤ َﺸﺎ َءۚ إِﱠﻧ ُﻪ ﻣ ْ‬
‫ﻫﺬة اﻵﯾﺔ ﻣﻦ اﻷﻣﺜﻠﺔ اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ واﻟﺘﻰ ﻛﺎن ﻟﻠﻤﻔﺴﺮﯾﻦ ﺑﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ رأى ‪ ،‬ﻓﻬﻨﺎك ﻣﻦ ﯾﻘﻮل‬
‫أن ﻫﻢ ﺳﯿﺪﻧﺎ ﯾﻮﺳﻒ ﺑﺎﻟﻤﺮأة ﻫﻮ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﻤﯿﻞ ﻟﻠﺸﻬﻮة إﻋﺘﻤﺎداً ﻋﻠﻰ ﻇﺎﻫﺮ اﻵﯾﺔ‪ ،‬إﻻ أﻧﻪ ﻻ‬
‫ﯾﺼﺢ أﺑﺪا اﻷﺧﺬ ﺑﻬﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ‪ ،‬ﻓﻬﺬا ﯾﻌﺪ ﻃﻌﻦ ﻓﻰ ﻧﺒﻰ ﻣﻌﺼﻮم ‪ ،‬واﻟﺘﻔﺴﯿﺮ اﻟﺼﺤﯿﺢ ﯾﺠﺐ‬
‫أن ﯾﻜﻮن ﺑﺘﻨﺰﯾﻪ اﻟﻨﺒﻰ ﻋﻦ أى ﺧﻄﺄ أو أدﻧﻰ رﻏﺒﺔ ﺑﻔﻌﻞ اﻟﻔﺎﺣﺸﺔ ‪ ،‬ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻰ ﻓﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﻫﻮ أﻧﻬﺎ‬
‫ﻫﻤﺖ ﺑﻪ وﻟﻮﻻ أن رأى ﺑﺮﻫﺎن رﺑﻪ ﻟﻬﻢ ﺑﻬﺎ ‪ ،‬أى أﻧﻪ ﻗﺪ ﺣﺪث ﺗﻘﺪﯾﻢ وﺗﺄﺧﯿﺮ ﻓﻰ اﻷﯾﺔ ‪.‬‬
‫وﺻﯿﺎﻏﺔ اﻵﯾﺔ ﻗﺪ ﺟﺎءت ﺑﻬﺬا اﻟﺸﻜﻞ ﻣﺜﻞ آﯾﺎت ﻛﺜﯿﺮة ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻘﺪﯾﻢ واﻟﺘﺄﺧﯿﺮ ﻟﻐﺮض‬
‫ﺧﺪﻣﺔ ﻧﺴﻖ اﻵﯾﺔ ﻓﻲ اﻟ َﻨﻈﻢ واﻟﺘﻼوة وﺳﻬﻮﻟﺔ اﻟﺤﻔﻆ وﺗﺸﻮﯾﻖ اﻟﻘﺎرئ ﻟﻔﻬﻢ اﻟﻤﻌﻨﻰ ‪ ،‬رﻏﻢ أن‬
‫ذﻟﻚ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻗﺪ ﯾﻌﻄﻞ وﺻﻮل اﻟﻤﻌﻨﻰ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻟﻠﻘﺎرئ ‪ ،‬وﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﻔﺮق ﺑﯿﻦ‬
‫ﻗﺎرئ وآﺧﺮ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻘﺮآن ﻟﯿﺲ ﺣﻤﺎل أوﺟﻪ وﻟﯿﺲ ﻟﻠﻨﺺ ﻣﻌﺎﻧﻰ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ وﻟﻜﻦ أﻓﻬﺎم ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ‪،‬‬
‫اﻟﺠﺪﯾﺮ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ أن اﻟﺸﯿﺦ اﻟﺸﻌﺮاوى ﻗﺎل أن ﺑﺎﻵﯾﺔ ﺗﻘﺪﯾﻢ وﺗﺄﺧﯿﺮ رﻏﻢ ﻇﺎﻫﺮﻫﺎ ‪ ،‬وﻗﺼﺪ‬
‫ﺑﺬﻟﻚ ﺗﻨﺰﯾﻪ ﯾﻮﺳﻒ ﻋﻦ اﻟﺨﻄﺄ أو أن ﺗﺤﺪﺛﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻪ ‪ ،‬وﻻ أدرى ﻟﻤﺎذا ﻟﻢ ﯾﺘﻌﺎﻣﻞ‬
‫اﻟﺸﻌﺮاوى ﻣﻊ ﺗﻔﺴﯿﺮ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻵﯾﺎت ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻔﻬﻢ اﻟﺼﺤﯿﺢ ‪.‬‬

‫ِﻦ اﻟﱢﻨ َﺴﺎ ِء إِﱠﻻ َﻣﺎ َﻣﻠَ َﻜ ْﺖ أَ ْﯾ َﻤﺎُﻧ ُﻜ ْﻢ‪(..‬‬ ‫) َو ْاﻟ ُﻤ ْﺤ َ‬

‫ﺼ َﻨ ُ‬
‫ﺎت ﻣ َ‬
 ‫‪28‬‬

‫اﻷ ِخ‬‫ﺎت ْ َ‬ ‫ْﻜ ْﻢ أُ ﱠﻣ َﻬﺎُﺗ ُﻜ ْﻢ َو َﺑ َﻨﺎُﺗ ُﻜ ْﻢ َوأَ َﺧ َﻮاُﺗ ُﻜ ْﻢ َو َﻋ ﱠﻤﺎُﺗ ُﻜ ْﻢ َو َﺧ َﺎﻻُﺗ ُﻜ ْﻢ َو َﺑ َﻨ ُ‬

‫ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) ُﺣ ﱢﺮ َﻣ ْﺖ َﻋﻠَﯿ ُ‬
‫ِﺴﺎﺋ ُ‬
‫ِﻜ ْﻢ‬ ‫ﺎت ﻧ َ‬ ‫ﺎﻋ ِﺔ َوأُ ﱠﻣ َﻬ ُ‬‫ﺿ َ‬ ‫اﻟﺮ َ‬
‫ِﻦ ﱠ‬ ‫ﺿ ْﻌ َﻨ ُﻜ ْﻢ َوأَ َﺧ َﻮاُﺗ ُﻜ ْﻢ ﻣ َ‬ ‫اﻟﻼﺗِﻲ أَ ْر َ‬ ‫اﻷ ْﺧ ِﺖ َوأُ ﱠﻣ َﻬﺎُﺗ ُﻜ ُﻢ ﱠ‬ ‫ﺎت ُْ‬ ‫َو َﺑ َﻨ ُ‬
‫َﺧْﻠُﺘ ْﻢ ِﺑ ِﻬ ﱠﻦ َﻓ َﻼ‬ ‫َﺧْﻠُﺘ ْﻢ ِﺑ ِﻬ ﱠﻦ َﻓِﺈ ْن ﻟَ ْﻢ َﺗ ُﻜﻮُﻧﻮا د َ‬ ‫اﻟﻼﺗِﻲ د َ‬ ‫ِﻜ ُﻢ ﱠ‬ ‫ِﺴﺎﺋ ُ‬ ‫ِﻦ ﻧ َ‬ ‫ﻮر ُﻛ ْﻢ ﻣ ْ‬ ‫ُ ﱠ‬
‫َو َر َﺑﺎ ِﺋﺒُﻜ ُﻢ اﻟﻼﺗِﻲ ﻓِﻲ ُﺣ ُﺠ ِ‬
‫ْﻦ إِﱠﻻ َﻣﺎ َﻗ ْﺪ َﺳﻠَ َ‬ ‫ﺻ َﻼﺑ ُﻜ ْﻢ َوأَ ْن َﺗ ْﺠ َﻤ ُﻌﻮا َﺑﯿ َ ُْ‬ ‫ِﯾﻦ ﻣ ْ َ‬ ‫ِﻜ ُﻢ اﻟﱠﺬ َ‬ ‫ِﻞ أَ ْﺑ َﻨﺎﺋ ُ‬
‫ْﻜ ْﻢ َو َﺣ َﻼﺋ ُ‬ ‫ﺎح َﻋﻠَﯿ ُ‬
‫ﻒ‬ ‫ْﻦ اﻷ ْﺧ َﺘﯿ ِ‬ ‫ِﻦ أ ْ ِ‬ ‫ُﺟ َﻨ َ‬
‫اﷲِ‬‫ﺎب ﱠ‬ ‫ِﻦ اﻟﱢﻨ َﺴﺎ ِء إِﱠﻻ َﻣﺎ َﻣﻠَ َﻜ ْﺖ أَ ْﯾ َﻤﺎُﻧ ُﻜ ْﻢ ِﻛ َﺘ َ‬ ‫ﺎت ﻣ َ‬ ‫ﺼ َﻨ ُ‬ ‫ﻮرا َر ِﺣﯿ ًﻤﺎ )‪َ (23‬و ْاﻟ ُﻤ ْﺤ َ‬ ‫ﺎن َﻏ ُﻔ ً‬ ‫اﷲَ َﻛ َ‬ ‫إ ﱠن ﱠ‬
‫ِ‬
‫اﺳ َﺘ ْﻤ َﺘ ْﻌُﺘ ْﻢ ِﺑ ِﻪ‬‫ﯿﻦ َﻓ َﻤﺎ ْ‬ ‫ِﺤ َ‬ ‫ْﺮ ُﻣ َﺴﺎﻓ ِ‬ ‫ِﯿﻦ َﻏﯿ َ‬ ‫ﺼﻨ َ‬ ‫ِﻜ ْﻢ ُﻣ ْﺤ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِﻜ ْﻢ أ ْن َﺗ ْﺒ َﺘ ُﻐﻮا ِﺑﺄ ْﻣ َﻮاﻟ ُ‬ ‫ﱠ‬
‫ْﻜ ْﻢ َوأ ِﺣﻞ ﻟَ ُﻜ ْﻢ َﻣﺎ َو َرا َء َذﻟ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َﻋﻠَﯿ ُ‬
‫اﷲَ‬‫ﯾﻀ ِﺔ إ ﱠن ﱠ‬ ‫ْ‬
‫ِﻦ َﺑ ْﻌ ِﺪ اﻟ َﻔ ِﺮ َ ِ‬ ‫اﺿ ْﯿُﺘ ْﻢ ِﺑ ِﻪ ﻣ ْ‬
‫ْﻜ ْﻢ ﻓِﯿ َﻤﺎ َﺗ َﺮ َ‬ ‫ﺎح َﻋﻠَﯿ ُ‬ ‫ﯾﻀ ًﺔ َو َﻻ ُﺟ َﻨ َ‬ ‫ﻮر ُﻫ ﱠﻦ َﻓ ِﺮ َ‬ ‫ﻮﻫ ﱠﻦ أُ ُﺟ َ‬ ‫ِﻣ ْﻨ ُﻬ ﱠﻦ َﻓﺂُﺗ ُ‬
‫ِﻦ َﻣﺎ‬ ‫ﺎت َﻓﻤ ْ‬ ‫ﺎت ْاﻟ ُﻤ ْﺆ ِﻣ َﻨ ِ‬ ‫ﺼ َﻨ ِ‬ ‫ِﺢ ْاﻟ ُﻤ ْﺤ َ‬ ‫)‪(24‬و َﻣ ْﻦ ﻟَ ْﻢ َﯾ ْﺴ َﺘ ِﻄ ْﻊ ِﻣ ْﻨ ُﻜ ْﻢ َﻃ ْﻮ ًﻻ أَ ْن َﯾ ْﻨﻜ َ‬ ‫َ‬ ‫ﺎن َﻋﻠِﯿ ًﻤﺎ َﺣﻜِﯿ ًﻤﺎ‬ ‫َﻛ َ‬
‫ﻮﻫ ﱠﻦ ِﺑِﺈ ْذ ِن‬ ‫ِﺤ ُ‬ ‫ﺾ َﻓﺎ ْﻧﻜ ُ‬ ‫ِﻦ َﺑ ْﻌ ٍ‬ ‫ﻀ ُﻜ ْﻢ ﻣ ْ‬ ‫ﺎت َواﷲﱠُ أَ ْﻋﻠَ ُﻢ ِﺑﺈﯾ َﻤﺎﻧ ُ‬
‫ِﻜ ْﻢ َﺑ ْﻌ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِﻜ ُﻢ ْاﻟ ُﻤ ْﺆ ِﻣ َﻨ ِ‬‫ِﻦ َﻓ َﺘ َﯿﺎﺗ ُ‬ ‫َﻣﻠَ َﻜ ْﺖ أَ ْﯾ َﻤﺎُﻧ ُﻜ ْﻢ ﻣ ْ‬
‫َان َﻓِﺈ َذا‬ ‫ات أَ ْﺧﺪ ٍ‬ ‫ﺎت َو َﻻ ُﻣﱠﺘ ِﺨ َﺬ ِ‬ ‫ِﺤ ٍ‬ ‫ْﺮ ُﻣ َﺴﺎﻓ َ‬ ‫ﺎت َﻏﯿ َ‬ ‫ﺼ َﻨ ٍ‬ ‫وف ُﻣ ْﺤ َ‬ ‫ﻮر ُﻫ ﱠﻦ ِﺑ ْﺎﻟ َﻤ ْﻌ ُﺮ ِ‬ ‫ﻮﻫ ﱠﻦ أُ ُﺟ َ‬ ‫ِﻬ ﱠﻦ َوآُﺗ ُ‬ ‫أ ْﻫﻠ ِ‬
‫َ‬
‫ِﻚ ﻟِ َﻤ ْﻦ َﺧ ِﺸ َﻲ‬ ‫اب َذﻟ َ‬ ‫ﺎت ﻣ َ ْ‬
‫ِﻦ اﻟ َﻌ َﺬ ِ‬ ‫ﺼ َﻨ ِ‬ ‫ﻒ َﻣﺎ َﻋﻠَﻰ ْاﻟ ُﻤ ْﺤ َ‬ ‫ِﺼ ُ‬ ‫ْﻬ ﱠﻦ ﻧ ْ‬ ‫ﺎﺣ َﺸ ٍﺔ َﻓ َﻌﻠَﯿ ِ‬ ‫ْﻦ ِﺑ َﻔ ِ‬ ‫ﺼ ﱠﻦ َﻓِﺈ ْن أََﺗﯿ َ‬ ‫أُ ْﺣ ِ‬
‫ُﺮﯾ ُﺪ اﷲﱠُ ﻟُِﯿ َﺒﯿ َ‬
‫ﱢﻦ ﻟَ ُﻜ ْﻢ َو َﯾ ْﻬ ِﺪ َﯾ ُﻜ ْﻢ‬ ‫ﻮر َر ِﺣﯿ ٌﻢ )‪ (25‬ﯾ ِ‬ ‫ْﺮ ﻟَ ُﻜ ْﻢ َواﷲﱠُ َﻏ ُﻔ ٌ‬ ‫ﺼ ِﺒ ُﺮوا َﺧﯿ ٌ‬ ‫ْاﻟ َﻌ َﻨ َﺖ ِﻣ ْﻨ ُﻜ ْﻢ َوأَ ْن َﺗ ْ‬
‫ْﻜ ْﻢ َواﷲﱠُ َﻋﻠِﯿ ٌﻢ َﺣﻜِﯿ ٌﻢ )‪ (26‬اﻟﻨﺴﺎء‬ ‫ﻮب َﻋﻠَﯿ ُ‬ ‫ِﻜ ْﻢ َو َﯾُﺘ َ‬ ‫ِﻦ َﻗ ْﺒﻠ ُ‬‫ِﯾﻦ ﻣ ْ‬‫ُﺳ َﻨ َﻦ اﻟﱠﺬ َ‬
‫ﻓﻰ ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻟﻄﺒﺮى ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻵﯾﺔ أﻋﻼة ﻗﺎل ‪،‬‬

‫وﻗﺪ ذﻛﺮ اﺑﻦ ﻋﺒﺎس ‪ ،‬وﺟﻤﺎﻋﺔ ﻏﯿﺮه أﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻠﺘﺒﺴﺎ ﻋﻠﯿﻬﻢ ﺗﺄوﯾﻞ ذﻟﻚ ‪ -‬ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ‬
‫اﻟﻤﺜﻨﻰ ﻗﺎل ‪ :‬ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ ﻗﺎل ‪ :‬ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺷﻌﺒﺔ ‪ ،‬ﻋﻦ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻣﺮة ﻗﺎل ‪ :‬ﻗﺎل رﺟﻞ‬
‫ﻟﺴﻌﯿﺪ ﺑﻦ ﺟﺒﯿﺮ ‪ :‬أﻣﺎ رأﯾﺖ اﺑﻦ ﻋﺒﺎس ﺣﯿﻦ ﺳﺌﻞ ﻋﻦ ﻫﺬه اﻵﯾﺔ ‪ :‬واﻟﻤﺤﺼﻨﺎت ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء‬
‫إﻻ ﻣﺎ ﻣﻠﻜﺖ أﯾﻤﺎﻧﻜﻢ ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﯾﻘﻞ ﻓﯿﻬﺎ ﺷﯿﺌﺎ ؟ ﻗﺎل ﻓﻘﺎل ‪ :‬ﻛﺎن ﻻ ﯾﻌﻠﻤﻬﺎ ‪ ،‬ﺣﺪﺛﻨﺎ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﻗﺎل ‪:‬‬
‫ﺣﺪﺛﻨﺎ اﻟﺤﺴﯿﻦ ﻗﺎل ‪ :‬ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻫﺸﯿﻢ ﻗﺎل ‪ :‬أﺧﺒﺮﻧﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﯾﺤﯿﻰ ‪ ،‬ﻋﻦ ﻣﺠﺎﻫﺪ ﻗﺎل ‪:‬‬
‫ﻟﻮ أﻋﻠﻢ ﻣﻦ ﯾﻔﺴﺮ ﻟﻲ ﻫﺬه اﻵﯾﺔ ‪ ،‬ﻟﻀﺮﺑﺖ إﻟﯿﻪ أﻛﺒﺎد اﻹﺑﻞ ‪ ،‬ﻗﻮﻟﻪ ‪ :‬واﻟﻤﺤﺼﻨﺎت ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء‬
‫إﻻ ﻣﺎ ﻣﻠﻜﺖ أﯾﻤﺎﻧﻜﻢ إﻟﻰ ﻗﻮﻟﻪ ‪ :‬ﻓﻤﺎ اﺳﺘﻤﺘﻌﺘﻢ ﺑﻪ ﻣﻨﻬﻦ ‪ ،‬إﻟﻰ آﺧﺮ اﻵﯾﺔ ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫اﻟﻄﺒﺮى ﻫﻨﺎ أﺳﻨﺪ ﻟﺴﻌﯿﺒﺪ ﺑﻦ ﺟﺒﯿﺮ أن ﺑﻦ ﻋﺒﺎس ﻻ ﯾﻌﻠﻢ ﺗﺄوﯾﻞ ﺗﻠﻚ اﻻﯾﺔ!!! ‪ ،‬ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ‬
‫إﻟﻰ أن أﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﺎﺑﻌﯿﻦ ﻗﺎل ﻟﻮ أﻋﻠﻢ ﻣﻦ ﯾﻔﺴﺮ ﻟﻲ ﻫﺬه اﻵﯾﺔ ﻟﻀﺮﺑﺖ إﻟﯿﻪ أﻛﺒﺎد اﻹﺑﻞ!!!‬

‫‪4‬‬ ‫ﺿ ْﻌ ُﺖ ﻟَ ُﻪ َو ُ‬
‫ﺿﻮ ًءا ‪-،‬‬ ‫ﻼ َء َﻓ َﻮ َ‬ ‫َﺧ َﻞ َ‬
‫اﻟﺨ َ‬ ‫ﱠﺎس رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل ‪ " :‬أَ ﱠن اﻟﱠﻨِﺒ ﱠﻲ َ‬
‫ﺻﻠﱠﻰ اﷲُ َﻋﻠَ ْﯿ ِﻪ َو َﺳﻠﱠ َﻢ د َ‬ ‫ْﻦ َﻋﺒ ٍ‬
‫ﻋﻦ اﺑ ِ‬
‫ِ‬
‫ﯾﻦ ( رواه اﻟﺒﺨﺎري‬ ‫ﱢ‬ ‫ُ‬ ‫ﱢ‬ ‫َ‬ ‫ﱠ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ﻗﺎل ‪َ ) :‬ﻣﻦ َوﺿ َﻊ ﻫﺬا ؟( ‪ ،‬ﻓﺄﺧِﺒ َﺮ ‪ ،‬ﻓﻘﺎل ‪) :‬اﻟﻠ ُﻬ ﱠﻢ ﻓﻘ ْﻬﻪ ِﻓﻲ اﻟﺪ ِ‬
 ‫‪29‬‬

‫ﻣﻦ ﯾﻌﻠﻤﻬﺎ ؟ إذا ﻛﺎن ﻣﻦ دﻋﻰ ﻟﻪ اﻟﻨﺒﻰ أن ﯾﻔﻘﻬﻪ اﷲ ﻓﻰ اﻟﺪﯾﻦ ُﻧﺴﺐ إﻟﯿﻪ أﻧﻪ ﻻ ﯾﻌﻠﻤﻬﺎ ‪،‬‬
‫واﻟﺘﺎﺑﻌﻰ اﻟﺬى ﻋﺎﺻﺮ ﻛﺒﺎر اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻻ ﯾﻌﻠﻤﻬﺎ! ﻛﻨﺖ أدرك أن اﻟﺘﻔﺎﺳﯿﺮ واﻟﻤﺮوﯾﺎت‬
‫واﻷﺣﺎدﯾﺚ ﻣﻠﯿﺌﺔ ﺑﺎﻟﻜﺬب وإﺧﺘﺮاع اﻟﺸﺨﺼﯿﺎت وﺗﻠﻔﯿﻖ اﻷﺣﺪاث ‪ ،‬وﻟﻢ أﻛﻦ أﻋﻠﻢ أﻧﺎ ﻣﻠﯿﺌﺔ‬
‫ﺑﺎﻟﻔﻜﺎﻫﺔ!‬
‫ِﻦ اﻟﱢﻨ َﺴﺎ ِء إِﱠﻻ َﻣﺎ‬
‫ﺎت ﻣ َ‬ ‫ﺼ َﻨ ُ‬ ‫ورﻏﻢ ذﻟﻚ أﻋﺘﻤﺪ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻔﺴﺮﯾﻦ ﻓﻰ ﺗﻔﺴﯿﺮﻫﻢ ﻟﻬﺬه اﻵﯾﺔ ) َو ْاﻟ ُﻤ ْﺤ َ‬
‫َﻣﻠَ َﻜ ْﺖ أَ ْﯾ َﻤﺎُﻧ ُﻜ ْﻢ( ﻋﻠﻰ رواﯾﺎت وأﺣﺎدﯾﺚ ﻣﻨﺴﻮﺑﺔ ﻟﻠﺮﺳﻮل ﻓﻰ ﻣﺎ ﯾﺴﻤﻰ ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ وﺑﻌﺾ‬
‫وﻋﺪ ذﻟﻚ ﺳﺒﺐ ﻧﺰول اﻵﯾﺔ ) ﻟﻬﺎ أﺳﺒﺎب ﻧﺰول واﻟﺼﺤﺎﺑﻰ واﻟﺘﺎﺑﻌﻰ ﻻ‬ ‫اﻟﻤﺴﺎﻧﯿﺪ اﻷﺧﺮى ُ‬
‫ﯾﻌﻠﻢ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ وﻟﻢ ﯾﺒﻠﻐﻪ أﺣﺪ !( ‪ ،‬ﻓﻘﺎﻟﻮا أن اﻟﻤﺤﺼﻨﺎت ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻤﺘﺰوﺟﺎت و أﻧﻬﻦ‬
‫ﯾﺪﺧﻠﻦ ﻓﻰ اﻟﻤﺤﺮﻣﺎت اﻟﺘﻰ ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻨﻬﺎ اﻵﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ‪ ،‬أى أﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺮﻣﺎت أن ﺗﻨﻜﺢ‬
‫ﻣﺘﺰوﺟﺔ ‪ ،‬و أن ﻣﺎ ﻣﻠﻜﺖ اﻷﯾﻤﺎن )ﻫﻢ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻌﺒﯿﺪ ﺣﺴﺐ ﺗﻔﺴﯿﺮﻫﻢ ( وأﻧﻬﻢ ﻣﺴﺘﺜﻨﻮن‬
‫اﻟﻤﺤﺼﻨﺎت أى اﻟﻤﺘﺰوﺟﺎت اﻟ ُﻤ َﺤﺮﻣﺎت‪ ،‬واﻟﻤﻌﻨﻰ أن اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻤﺘﺰوﺟﺎت ﻣﺤﺮﻣﺎت إﻻ‬ ‫َ‬ ‫ﻣﻦ‬
‫اﻟﻶﺗﻰ وﻗﻌﻦ ﻓﻰ اﻷﺳﺮ ﻓﺄﺻﺒﺤﻮا ﻋﺒﯿﺪ وإﻣﺎء ﻓﺈن َﺳﺒﯿ ُﻬﻦ و وﻗﻮﻋﻬﻦ ﻓﻰ اﻷﺳﺮ ﯾُﺴﻘِﻂ‬
‫زواﺟﻬﻦ إن ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺘﺰوﺟﺎت ‪ ،‬وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻰ ﯾﺠﻮز ﻧﻜﺎﺣﻬﻢ‪،‬‬
‫ﻓﻘﺎل ﺑﻦ ﻛﺜﯿﺮ ﻓﻰ ﺗﻔﺴﯿﺮه‬
‫وﻗﻮﻟﻪ ] ﺗﻌﺎﻟﻰ [ ) واﻟﻤﺤﺼﻨﺎت ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء إﻻ ﻣﺎ ﻣﻠﻜﺖ أﯾﻤﺎﻧﻜﻢ ( أي ‪ :‬و ﺣﺮم ﻋﻠﯿﻜﻢ‬
‫اﻷﺟﻨﺒﯿﺎت اﻟﻤﺤﺼﻨﺎت وﻫﻦ اﻟﻤﺰوﺟﺎت ) إﻻ ﻣﺎ ﻣﻠﻜﺖ أﯾﻤﺎﻧﻜﻢ ( ﯾﻌﻨﻲ ‪ :‬إﻻ ﻣﺎ ﻣﻠﻜﺘﻤﻮﻫﻦ‬
‫ﺑﺎﻟﺴﺒﻲ ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻪ ﯾﺤﻞ ﻟﻜﻢ وﻃﺆﻫﻦ إذا اﺳﺘﺒﺮأﺗﻤﻮﻫﻦ ) ﺑﺈﻧﻘﻀﺎء اﻟﻌﺪة (‪ ،‬ﻓﺈن اﻵﯾﺔ ﻧﺰﻟﺖ ﻓﻲ‬
‫ذﻟﻚ ‪.‬ﻗﺎل اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق ‪ ،‬أﺧﺒﺮﻧﺎ ﺳﻔﯿﺎن ‪ -‬ﻫﻮ اﻟﺜﻮري ‪ -‬ﻋﻦ ﻋﺜﻤﺎن اﻟﺒﺘﻲ‬
‫‪ ،‬ﻋﻦ أﺑﻲ اﻟﺨﻠﯿﻞ ‪ ،‬ﻋﻦ أﺑﻲ ﺳﻌﯿﺪ اﻟﺨﺪري ﻗﺎل ‪ :‬أﺻﺒﻨﺎ ﻧﺴﺎء ﻣﻦ ﺳﺒﻲ أوﻃﺎس ‪ ،‬وﻟﻬﻦ‬
‫أزواج ‪ ،‬ﻓﻜﺮﻫﻨﺎ أن ﻧﻘﻊ ﻋﻠﯿﻬﻦ وﻟﻬﻦ أزواج ‪ ،‬ﻓﺴﺄﻟﻨﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠﻢ ‪،‬‬
‫ﻓﻨﺰﻟﺖ ﻫﺬه اﻵﯾﺔ ‪ ) :‬واﻟﻤﺤﺼﻨﺎت ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء إﻻ ﻣﺎ ﻣﻠﻜﺖ أﯾﻤﺎﻧﻜﻢ ( ] ﻗﺎل [ ﻓﺎﺳﺘﺤﻠﻠﻨﺎ‬
‫ﻓﺮوﺟﻬﻦ ‪.‬ورواه ﻣﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺻﺤﯿﺤﻪ ﻣﻦ ﺣﺪﯾﺚ ﺷﻌﺒﺔ ﻋﻦ ﻗﺘﺎدة‬
‫أﻣﺎ ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻟﺸﯿﺦ اﻟﺸﻌﺮاوى ﻓﻘﺎل ) ﻟﻜﻦ َﻫ ْﺐ أن اﻣﺮأة ﻣﺘﺰوﺟﺔ ﺛﻢ ﺣﺪث ﺧﻼف أو ﺣﺮب‬
‫ﺑﯿﻦ ﻗﻮﻣﻬﺎ وﺑﯿﻦ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ وﺻﺎرت أﺳﯿﺮة ﻟﺪى اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻣﻊ أﻧﻬﺎ ﻣﺘﺰوﺟﺔ ﺑﻄﺮﯾﻘﺘﻬﻢ ﻓﻲ‬
‫ﺑﻼدﻫﺎ‪ ،‬وﻫﻲ ﺑﺎﻷﺳﺮ ﻗﺪ اﻧﺘﻘﻠﺖ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺰواج وﺟﺎءت ﻓﻲ اﻟﺒﯿﺌﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ وﺻﺎرت‬
‫ﻻ َﻣﺎ َﻣﻠَ ْﻜ َﺖ أَ ْﯾ َﻤﺎُﻧ ُﻜ ْﻢ{‪ .‬إذن‬‫ﻣﻤﻠﻮﻛﺔ‪ ،‬وﻣﻤﻠﻮﻛﯿﺘﻬﺎ وأَ ْﺳ ُﺮﻫﺎ أﺳﻘﻄﺖ ﻋﻨﻬﺎ اﻹﺣﺼﺎن‪ ،‬ﻓﻘﺎل‪} :‬إ ﱠ‬
‫ِ‬
‫ﻓﻬﻲ ﺑﻤﻠﻚ اﻟﯿﻤﯿﻦ ﯾﺴﻘﻂ ﻋﻨﻬﺎ اﻹﺣﺼﺎن‪ ،‬وﻟﻠﻤﺴﻠﻢ أن ﯾﺘﺰوﺟﻬﺎ أو أن ﯾﺴﺘﻤﺘﻊ ﺑﻬﺎ إذا دﺧﻠﺖ‬
 ‫‪30‬‬

‫اﺧﺘﻼﻓﺎ ﻓﻲ اﻟﺪارﯾﻦ‪،‬ﻫﻲ ﻓﻲ دار اﻹﺳﻼم‪ ،‬وﺧﺮﺟﺖ‬ ‫ً‬ ‫ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻪ وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﺰوﺟﺔ ﻷن ﻫﻨﺎك‬
‫إﻻ ﺑﻌﺪ اﺳﺘﺒﺮاﺋﻬﺎ واﻻﺳﺘﯿﺜﺎق ﻣﻦ ﺧﻠﻮ‬ ‫ﻣﻦ دار ﺣﺮب ﻓﺼﺎرت ﻣﻠﻚ ﯾﻤﯿﻦ‪ ،‬وﻻ ﯾﻜﻮن ﻫﺬا ﱠ‬
‫رﺣﻤﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻨﯿﻦ ﯾﻜﻮن ﻗﺪ ﺟﺎءت ﺑﻪ ﻣﻦ ﻗﻮﻣﻬﺎ ﻟﻘﻮﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﻪ وﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﺳﺒﺎﯾﺎ‬
‫أوﻃﺎس‪» :‬ﻻ ﺗﻮﻃﺄ ﺣﺎﻣﻞ ﺣﺘﻰ ﺗﻀﻊ‪ ،‬وﻻ ﻏﯿﺮ ذات ﺣﻤﻞ ﺣﺘﻰ ﺗﺤﯿﺾ« وﻫﺬا ﺗﻜﺮﯾﻢ ﻟﻬﺎ‬ ‫ْ‬
‫ﻷﻧﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﻌﺪت ﻋﻦ زوﺟﻬﺎ وﺻﺎرت ﻣﻤﻠﻮﻛﺔ ﻣﻠﻚ ﯾﻤﯿﻦ ﻓﻠﻢ ﯾﺮد اﻟﺤﻖ أن ﯾﻌﻀﻠﻬﺎ ﺑﻞ‬
‫ﺟﻌﻠﻬﺎ ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﺴﯿﺪﻫﺎ وﺗﻌﯿﺶ ﻓﻲ ﻛﻨﻔﻪ ﻛﻲ ﻻ ﺗﻜﻮن ﻣﺤﺮوﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻟﻌﺎﻃﻔﻲ‬
‫ﺑﺪﻻ ﻣﻦ أن ﯾﻠﻎ ﺳﯿﺪﻫﺎ ﻓﻲ أﻋﺮاض اﻟﻨﺎس‪ .‬أﻧﺘﻬﻰ ‪.‬‬ ‫واﻟﺠﺴﺪي‪ً ،‬‬
‫ﻟﻢ ﯾﺨﺘﻠﻒ ﺗﻔﺴﯿﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺘﻮﻟﻰ اﻟﺸﻌﺮاوى ﻋﻦ ﺑﻦ ﻛﺜﯿﺮ وﻏﯿﺮه ﺷﯿﺌﺎ ﺣﯿﺚ أﻋﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺣﺪﯾﺚ أوﻃﺎس ﻓﻰ ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻵﯾﻪ ‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﯾﺴﻘﻂ زواﺟﻬﺎ ﻷﻧﻬﺎ ﻓﻰ دار اﻹﺳﻼم وﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ‬
‫دار ﺣﺮب ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﻣﻠﻚ ﯾﻤﯿﻦ‪ .‬وأن ﺳﯿﺪﻫﺎ ﯾﻜﺮﻣﻬﺎ ﻷﻧﻬﺎ ﺑﻌﺪت ﻋﻦ زوﺟﻬﺎ! ﻓﻬﻰ‬
‫ﻣﺤﺮوﻣﺔ!‬
‫ﻫﺬا اﻟﺘﻔﺴﯿﺮ ﻟﯿﺲ ﻟﻪ إﻻ ﻣﻌﻨﻰ واﺣﺪ أن أوﻟﺌﻚ اﻟﻤﻔﺴﺮون أﺣﻠﻮا اﻹﻏﺘﺼﺎب ﺑﺈﺳﻢ اﻟﺪﯾﻦ‬
‫ﺷﺮﻋﺎ ﻷﺟﻞ ذﻟﻚ ‪ ،‬واﻟﺤﻘﯿﻘﺔ أن اﻹﺳﺘﺜﻨﺎء ﻓﻰ اﻵﯾﺔ ﻫﻨﺎ ﻣﻨﻘﻄﻊ ﻓﯿﻌﻨﻰ ذﻟﻚ‬ ‫ً‬ ‫وﻗﻨﻨﻮا اﻟﻌﺒﻮدﯾﺔ‬
‫اﻟﻤﺤﺼﻨﺎت ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻤﺴﺘﺜﻨﻰ ﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﻧﻮع‬ ‫َ‬ ‫أن ﻣﺎ ﻣﻠﻜﺖ اﻷﯾﻤﺎن ﻟﯿﺴﻮا ﻣﻦ ﻧﻔﺲ ﻧﻮع‬
‫واﻟﻤﺤﺼﻨﺎت ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء إﻻ ﻣﺎ ﻣﻠﻜﺖ‬ ‫َ‬ ‫اﻟﻤﺴﺘﺜﻨﻰ ﻣﻨﻪ ‪،‬وﺑﺬﻟﻚ ﻓﺒﺪاﯾﺔ اﻵﯾﺔ ﺑﻘﻮﻟﻪ )‬
‫أﯾﻤﺎﻧﻜﻢ…‪ ( .‬ﻓﺎﻟﻨﺺ ﻫﻨﺎ ﯾﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﻧﻮﻋﯿﻦ ‪ ،‬ﻟﯿﺲ ﻷﺣﺪﻫﻤﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻵﺧﺮ ‪ ،‬وﺑﺬﻟﻚ‬
‫ﻓﺎﻵﯾﻪ ﻫﻨﺎ ﻟﯿﺴﺖ إﺳﺘﻜﻤﺎل ﻟﺬﻛﺮ اﻟﻤﺤﺮﻣﺎت ﺑﻞ ﺗﺒﺪأ وﺗﺬﻛﺮ اﻟﻤﺤﻠﻞ ﻣِﻨﻬﻦ اﻟﻨﻜﺎح ‪ ،‬وﻫﻦ‬
‫اﻟﻤﺤﺼﻨﺎت ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﻛﻨﻮع أول ‪ ،‬ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﻟﻨﻮع أﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﻜﺎح ﺑﻤﺎ ﻣﻠﻜﺖ اﻷﯾﻤﺎن‬ ‫َ‬
‫ﺼ َﻨ ِ‬
‫ﺎت‬ ‫ِﺢ ْاﻟ ُﻤ ْﺤ َ‬
‫ﺣﺘﻰ أن ﺗﻜﻤﻠﺔ اﻵﯾﺎت ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺗﻘﻮل ) َو َﻣ ْﻦ ﻟَ ْﻢ َﯾ ْﺴ َﺘ ِﻄ ْﻊ ِﻣ ْﻨ ُﻜ ْﻢ َﻃ ْﻮ ًﻻ أَ ْن َﯾ ْﻨﻜ َ‬
‫ِﻦ َﻣﺎ َﻣﻠَ َﻜ ْﺖ أَ ْﯾ َﻤﺎُﻧ ُﻜ ْﻢ …( ﻓﺘﺬﻛﺮ ﺑﺼﯿﻐﺔ أﺧﺮى ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺘﺤﻠﯿﻞ ﻫﺬﯾﻦ‬ ‫ﺎت َﻓﻤ ْ‬ ‫ْاﻟ ُﻤ ْﺆ ِﻣ َﻨ ِ‬
‫اﻟﻄﺮﯾﻘﺘﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﻨﻜﺎح ‪ ،‬وﻫﺬﯾﻦ اﻟﻨﻮﻋﯿﻦ أو اﻟﻄﺮﯾﻘﺘﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﻨﻜﺎح ﯾﺬﻛﺮﻫﻤﺎ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ‬
‫اﺟ ِﻬ ْﻢ أَ ْو َﻣﺎ َﻣﻠَ َﻜ ْﺖ‬
‫ﻮن )‪ (5‬إِﱠﻻ َﻋﻠَﻰ أَ ْز َو ِ‬ ‫ِﻈ َ‬ ‫وﺟﻬ ْﻢ َﺣﺎﻓ ُ‬ ‫داﺋﻤﺎ ﻛﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َواﻟﱠﺬ َ‬
‫ِﯾﻦ ُﻫ ْﻢ ﻟُِﻔ ُﺮ ِ ِ‬
‫ِﯿﻦ )‪ (6‬اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن ‪.‬‬ ‫ْﺮ َﻣﻠُﻮﻣ َ‬
‫أَ ْﯾ َﻤﺎُﻧ ُﻬ ْﻢ َﻓِﺈﱠﻧ ُﻬ ْﻢ َﻏﯿ ُ‬
‫واﻟﻔﺮق اﻟﻈﺎﻫﺮ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﻮﻋﯿﻦ ‪ ،‬أن اﻟﻨﻮع اﻷول ﯾﺘﻄﻠﺐ ﻗﺪرة ﻣﺎدﯾﺔ أﻛﺒﺮ ) ﻫﺬا ﻣﺎ ﯾﺘﻀﺢ‬
‫ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ ‪ ،‬وﻣﻦ ﻟﻢ ﯾﺴﺘﻄﻊ ‪ .‬ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﻟﻤﺎ ﺗﻘﺮة اﻷﯾﺔ ‪ ٢٥‬ﻣﻦ ﺳﻮرة اﻟﻨﺴﺎء ﺑﺄن ﻋﻘﻮﺑﺔ ﻣﺎ‬
‫ﻣﻠﻜﺖ اﻷﯾﻤﺎن ﻧﺼﻒ ﻋﻘﻮﺑﺔ اﻟﻤﺤﺼﻨﺔ إن وﻗﻌﺎ ﻓﻰ اﻟﻔﺎﺣﺸﺔ وذﻟﻚ اﻟﺘﻔﺮﯾﻖ ﻓﻰ اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ ﻓﻰ‬
‫اﻷﻏﻠﺐ ﻷﺧﺘﻼف ﻃﺒﯿﻌﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﻨﻮع اﻷول ﻋﻦ ﻃﺒﯿﻌﯿﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻓﻰ اﻟﻨﻮع اﻟﺜﺎﻧﻰ ﻧﺘﯿﺠﺔ‬
 ‫‪31‬‬

‫ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺎﻷوﻟﻰ أﻛﺜﺮ أﺳﺘﻘﺮارا ﻓﺄﻇﻦ ﻷن اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻫﻰ ﻋﻼﻗﺔ ﯾﺘﻢ اﻟﺤﺮص ﻓﯿﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺪم‬
‫اﻹﻧﺠﺎب ﻣﺮاﻋﺎة ﻟﻠﻈﺮوف اﻟﻤﺎدﯾﺔ واﻟﻤﻼﺣﻆ أن اﻟﻤﺤﺼﻨﺎت ﺟﺎءت ﺑﻠﻔﻆ اﻷزواج ﻓﻰ أﯾﺔ‬
‫ﺳﻮرة اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن واﻟﺘﻰ ذﻛﺮﻧﺎﻫﺎ أﻧﻔﺎ وﻛﺬﻟﻚ أﯾﺎت اﻟﻤﻮارﯾﺚ إﺳﺘﺨﺪﻣﺖ ﻟﻔﻆ اﻷزواج وﻟﯿﺲ‬
‫ﻟﻔﻆ ﻣﺎ ﻣﻠﻜﺖ اﻷﯾﻤﺎن واﻷﻏﻠﺐ أﯾﻀﺎ أن اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻻ ﺗﻮﺛﻖ أﻧﻬﺎ زواج رﻏﻢ ذﻛﺮ‬
‫ﻋﻘﻮﺑﺔ ﻟﻜﻠﯿﻬﻤﺎ وذﻛﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ ﻫﻰ ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺬم اﻟﻤﻌﻨﻮى وﻟﯿﺴﺖ ﻋﻘﻮﺑﺔ ﺟﺴﺪﯾﻪ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ‬
‫أو ﺣﺘﻰ ﺣﺒﺲ ( ‪ ،‬وﺳﯿﺘﻀﺢ ﻓﻰ ﻓﺼﻞ أﻛﺬوﺑﺔ ﺗﻌﺪد اﻟﺰوﺟﺎت أن اﻟﺰواج ﺑﻮاﺣﺪة ﻓﻘﻂ إﻣﺎ‬
‫واﺣﺪة ﻣﻤﺎ أﻃﻠﻖ ﻋﻠﯿﻬﺎ اﻟﻨﺺ اﻟﻤﺤﺼﻨﺎت أو واﺣﺪة ﻣﻤﺎ ﯾﻄﻠﻖ ﻋﻠﯿﻬﻦ ﻣﺎ ﻣﻠﻜﺖ اﻷﯾﻤﺎن ‪.‬‬

‫ﯾﺒﻘﻰ أن ﻧﺬﻛﺮ أن اﻹﻣﺎم اﻟﻨﻮوى ﻓﻰ ﺷﺮﺣﻪ ﻟﺤﺪﯾﺚ ﻣﺴﻠﻢ ﻋﻦ أوﻟﺌﻚ اﻟﺴﺒﺎﯾﺎ ‪ ،‬ﻗﺎل أن أوﻟﺌﻚ‬
‫اﻟﺴﺒﺎﯾﺎ ﻗﺪ أﺳﻠﻤﻦ وﻟﺬﻟﻚ أﺣﻞ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻧﻜﺎﺣﻬﻢ ‪ ،‬ﻓﺈن أﻓﺘﺮﺿﻨﺎ ذﻟﻚ أن أوﻟﺌﻚ اﻟﺴﺒﺎﯾﺎ ﻗﺪ‬
‫أﺳﻠﻤﻦ ‪ ،‬وأن إﺳﻼﻣﻬﻢ أﺳﻘﻂ زواﺟﻬﻢ ﺑﺤﻜﻢ أن اﻟﻤﺴﻠﻢ واﻟﻤﺴﻠﻤﺔ ﻻ ﯾﺤﻠﻮن ﻟﻠﻜﻔﺎر‬
‫اﻟﻤﺤﺎرﺑﯿﻦ ‪ ،‬ﻓﺈن ﻛﺎن أوﻟﺌﻚ اﻟﺴﺒﺎﯾﺎ ﻗﺪ أﺳﻠﻤﻦ ﻓﻠﻤﺎذا ﺗﻢ أﺳﺮﻫﻦ ﻓﻬﻞ ُﺗﺄﺳﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﺎت ؟ وإن‬
‫ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻬﻢ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﻌﺒﯿﺪ ‪ ،‬ﺑﺎﻷﺧﯿﺮ‬
‫ِ‬ ‫ﻛﻦ أﺳﻠﻤﻦ ﺑﻌﺪ اﻷﺳﺮ ﻓﻠﻤﺎذا ﻟﻢ ﯾﻄﻠﻖ ﺳﺮاﺣﻬﻢ وﺗﻈﻞ‬
‫اﻵﯾﺎت ﻟﯿﺲ ﻟﻬﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺴﺒﺎﯾﺎ وﻻ أﺳﺮ وﻻ ﻋﺒﯿﺪ وﻻ أﺣﺮار وﻻ إﺳﻼم وﻻ ﻛﻔﺮ ﻓﻬﻰ رواﯾﺔ‬
‫ﺗﻢ إﺻﻄﻨﺎﻋﻬﺎ وﻧﺴﺒﺘﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺮﺳﻮل ﻟﯿﺤﻠﻮا أﻏﺘﺼﺎب اﻷﺳﺮى اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻰ اﻟﺤﺮوب وﻫﺬا‬
‫ﻟﯿﺲ ﻟﻪ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻵﯾﺔ ﻣﻦ ﻗﺮﯾﺐ أو ﺑﻌﯿﺪ ‪.‬‬

‫ْﻄ ُ‬
‫ﺎن (‬ ‫ﻨﺴ ُﺦ اﷲﱠُ َﻣﺎ ﯾُْﻠﻘِﻲ ﱠ‬
‫اﻟﺸﯿ َ‬ ‫) َﻓ َﯿ َ‬

‫ِﯾﻦ آ َﻣُﻨﻮا َو َﻋﻤِﻠُﻮا‬

‫ﯿﻦ )‪َ (49‬ﻓﺎﻟﱠﺬ َ‬ ‫ﺎس إِﱠﻧ َﻤﺎ أََﻧﺎ ﻟَ ُﻜ ْﻢ َﻧﺬ ٌ‬
‫ِﯾﺮ ﱡﻣ ِﺒ ٌ‬ ‫ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) ُﻗ ْﻞ َﯾﺎ أَﱡﯾ َﻬﺎ اﻟﱠﻨ ُ‬
‫ِﻚ‬ ‫ﯾﻦ أُ َ‬
‫ٰﺋ َ‬
‫ول‬ ‫ﺎﺟ ِﺰ َ‬ ‫ِﺮ ٌة َو ِر ْز ٌق َﻛ ِﺮﯾ ٌﻢ )‪َ (50‬واﻟﱠﺬ َ‬
‫ِﯾﻦ َﺳ َﻌ ْﻮا ﻓِﻲ آ َﯾﺎ ِﺗ َﻨﺎ ُﻣ َﻌ ِ‬ ‫ﺎت ﻟَ ُﻬﻢ ﱠﻣ ْﻐﻔ َ‬
‫ِﺤ ِ‬
‫اﻟﺼﺎﻟ َ‬
‫ﱠ‬
 ‫‪32‬‬

‫ْﻄ ُ‬
‫ﺎن‬ ‫اﻟﺸﯿ َ‬ ‫ٰ أَْﻟ َﻘﻰ ﱠ‬ ‫ﻮل َو َﻻ َﻧ ِﺒ ﱟﻲ إِﱠﻻ إِ َذا َﺗ َﻤﱠﻨﻰ‬
‫ِﻚ ﻣِﻦ ﱠر ُﺳ ٍ‬ ‫ﺎب ْاﻟ َﺠ ِﺤﯿﻢ )‪َ (51‬و َﻣﺎ أَ ْر َﺳْﻠ َﻨﺎ ﻣِﻦ َﻗ ْﺒﻠ َ‬ ‫ﺻ َﺤ ُ‬ ‫أَ ْ‬
‫ِ‬
‫ُﺤ ِﻜ ُﻢ اﷲﱠُ آ َﯾﺎ ِﺗ ِﻪۗ َواﷲﱠُ َﻋﻠِﯿ ٌﻢ َﺣﻜِﯿ ٌﻢ )‪ (52‬ﻟﱢَﯿ ْﺠ َﻌ َﻞ َﻣﺎ‬ ‫ﺎن ُﺛ ﱠﻢ ﯾ ْ‬
‫ْﻄ ُ‬ ‫ﻨﺴ ُﺦ اﷲﱠُ َﻣﺎ ﯾُْﻠﻘِﻲ ﱠ‬
‫اﻟﺸﯿ َ‬ ‫ﻓِﻲ أُ ْﻣ ِﻨﱠﯿ ِﺘ ِﻪ َﻓ َﯿ َ‬
‫ﺎﺳ َﯿ ِﺔ ُﻗﻠُﻮُﺑ ُﻬ ْﻢۗ َوإ ﱠن ﱠ‬
‫ض َو ْاﻟ َﻘ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ﺎن ِﻓ ْﺘ َﻨ ًﺔ ﻟﱢﻠﱠﺬ َ‬ ‫ﯾُْﻠﻘِﻲ ﱠ‬
‫ﺎق َﺑﻌِﯿ ٍﺪ‬ ‫ِﯿﻦ ﻟَﻔِﻲ ِﺷ َﻘ ٍ‬‫اﻟﻈﺎﻟِﻤ َ‬ ‫ِ‬ ‫ﻮﺑ ِﻬﻢ ﱠﻣ َﺮ ٌ‬ ‫ِﯾﻦ ﻓِﻲ ُﻗﻠ ِ‬ ‫ْﻄ ُ‬ ‫اﻟﺸﯿ َ‬
‫اﷲَ‬‫ُﺆ ِﻣُﻨﻮا ﺑ ِﻪ َﻓُﺘ ْﺨﺒ َﺖ ﻟَ ُﻪ ُﻗﻠُﻮُﺑ ُﻬ ْﻢۗ َوإ ﱠن ﱠ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِﯾﻦ أُوُﺗﻮا ْاﻟﻌِْﻠ َﻢ أَﱠﻧ ُﻪ ْاﻟ َﺤ ﱡﻖ ﻣِﻦ ﱠرﺑ َ‬
‫ﱢﻚ َﻓﯿ ْ‬ ‫)‪َ (53‬وﻟَِﯿ ْﻌﻠَ َﻢ اﻟﱠﺬ َ‬
‫ٰ َﺗ ْﺄ ِﺗ َﯿ ُﻬ ُﻢ‬‫ِﺮ َﯾ ٍﺔ ﱢﻣ ْﻨ ُﻪ َﺣﱠﺘﻰ‬
‫ِﯾﻦ َﻛ َﻔ ُﺮوا ﻓِﻲ ﻣ ْ‬ ‫ال اﻟﱠﺬ َ‬
‫اط ﱡﻣ ْﺴ َﺘﻘِﯿﻢ )‪َ (54‬و َﻻ َﯾ َﺰ ُ‬
‫ٍ‬ ‫ﺻ َﺮ ٍ‬ ‫ٰ ِ‬ ‫ِﯾﻦ آ َﻣُﻨﻮا إِﻟَﻰ‬ ‫ﻟَ َﻬﺎ ِد اﻟﱠﺬ َ‬
‫ِﯿﻢ )‪ (55‬اﻟﺤﺞ‬ ‫اب َﯾ ْﻮ ٍم َﻋﻘ ٍ‬ ‫ﺎﻋ ُﺔ َﺑ ْﻐ َﺘ ًﺔ أَ ْو َﯾ ْﺄ ِﺗ َﯿ ُﻬ ْﻢ َﻋ َﺬ ُ‬
‫اﻟﺴ َ‬‫ﱠ‬
‫ﻗﺪ ﯾُﻔﻬﻢ ﺣﺴﺐ ﻇﺎﻫﺮ اﻵﯾﺔ أن إﻟﻘﺎء اﻟﺸﯿﻄﺎن ﻓﻰ اﻟﺘﻤﻨﻰ ﻫﻨﺎ ﻫﻮ ﻓﻰ ﺗﻤﻨﻰ اﻷﻧﺒﯿﺎء واﻟﺮﺳﻞ ‪،‬‬
‫وﺑﻤﺎ أن ﻣﺎ ﯾﻨﺴﺨﻪ اﷲ وﯾﻤﺤﻮه ﻫﻮ إﻟﻘﺎء اﻟﺸﯿﻄﺎن ﺛﻢ ﯾﺤﻜﻢ أﯾﺎﺗﻪ ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﯾُﻔﻬﻢ أن ﻫﺬا اﻹﻟﻘﺎء‬
‫ﻣﺘﻌﻠﻖ ﺑﺘﺄﺛﯿﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺳﻞ واﻷﻧﺒﯿﺎء ﻓﻰ إﺑﻼغ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ وﻣﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻨﺼﻮص اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ وﻣﻨﻬﺎ‬
‫اﻟﻘﺮآن ‪ ،‬وﻫﺬا ﻓﻬﻢ ﺧﺎﻃﺊ وﺑﻨﺎء ﻋﻠﯿﻪ أدﻋﻰ اﻟﺒﻌﺾ اﻷﻋﺎﺟﯿﺐ ‪ ،‬ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﯾُﻌﺮف ﺑﻘﺼﺔ‬
‫اﻟﻐﺮاﻧﯿﻖ اﻟﺘﻰ ﺗﺪﻋﻰ أن اﻟﻨﺒﻰ وﻫﻮ ﯾﺘﻤﻨﻰ) أى ﯾﻘﻮم ﺑﺈﻟﻘﺎء وﺗﻼوة اﻟﻘﺮآن ﻛﻤﺎ ﻓﺴﺮوﻫﺎ( ﻗﺎل‬
‫ﺑﺘﺄﺛﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﯿﻄﺎن ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﻟﯿﺲ ﻣﻦ اﻟﻘﺮآن ﻓﺄﻟﻐﺎه اﷲ وﻣﺤﺎه ‪ ،‬وﻫﺬه اﻟﻘﺼﺔ رواﻫﺎ‬
‫اﻟﻄﺒﺮى ﻓﻰ ﺗﻔﺴﯿﺮه ﻟﺘﻠﻚ اﻵﯾﺔ وﻟﻬﺎ أﺻﻞ ﻓﻰ ﻛﺘﺎب ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري ‪،‬‬
‫وﻫﺬا ﻣﻤﺎ ﯾُﻌﺪ ﻃﻌﻦ ﻓﻰ اﻟﻘﺮآن ﺑﺄﺣﺎدﯾﺚ ورواﯾﺎت وﺿﻌﻬﺎ أﻓﺎﻗﯿﻦ ﯾﺮﯾﺪون أن ﯾﻔﺴﺪوا ﻣﻌﺎﻧﻰ‬
‫اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻲ وأن ﯾﺸﻜﻜﻮا ﻓﯿﻪ وﻓﻰ ﻃﺮﯾﻘﺔ إرﺳﺎﻟﻪ وﻓﻰ ﻋﺼﻤﺔ اﻟﺮﺳﻞ واﻷﻧﺒﯿﺎء ‪.‬ﻓﺈذا ﻛﺎن‬
‫ﻫﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ وﻫﺬه اﻟﺮواﯾﺔ ﺻﺤﯿﺤﺔ ﻓﻤﺎ ﻣﻌﻨﻰ اﻵﯾﺔ اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ ﻟﻬﺎ ﻟﻤﺎ ذﻛﺮت ﻟﯿﺠﻌﻞ اﷲ ﻣﺎ ﯾﻠﻘﻰ‬
‫اﻟﺸﯿﻄﺎن ﻓﺘﻨﺔ! ﻓﻜﯿﻒ ﯾﺠﻌﻠﻪ ﻓﺘﻨﺔ إذا ﻛﺎن ﺗﻢ إﻟﻐﺎءه ؟ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أﻧﻪ ﻻ ﯾﺠﻮز أن ﻧﻘﻮل‬
‫أن ﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻹﻟﻘﺎء ذاﺗﻬﺎ و اﻟﻘﺼﺔ ذاﺗﻬﺎ وﺣﺪوﺛﻬﺎ ﻫﻰ ﻓﺘﻨﺔ ﻟﺒﻌﺾ ﻣﻦ ﯾﻌﺘﻘﺪون أن ﻣﺤﻤﺪ‬
‫أﻟﻒ اﻟﻘﺮآن وﻫﺬا ﻷن اﻟﻘﺼﺔ ذاﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺗﺸﻜﯿﻚ ﻓﻰ اﻟﻨﺺ اﻹﻟﻬﻰ وﻋﺼﻤﺔ اﻟﺮﺳﻞ‬
‫‪،‬‬
‫أﻣﺎ ﻣﻌﻨﻰ اﻵﯾﺎت اﻟﺬى ﯾﺘﻮاﻓﻖ ﻣﻊ ﻋﺼﻤﺔ اﻟﺮﺳﻞ واﻟﻨﺺ اﻟﻤﻘﺪس ﻫﻮ أن اﷲ ﯾﺒﻌﺚ اﻟﺮﺳﻞ‬
‫و اﻷﻧﺒﯿﺎء ﻓﯿﺘﺼﺪى اﻟﺸﯿﻄﺎن ﻟﻤﺎ أرﺳﻠﻮا ﺑﻪ وﯾﺤﺮف ﺗﻔﺎﺳﯿﺮ و ﺗﻌﺎﻟﯿﻢ وأﺣﻜﺎم اﻟﺪﯾﻦ ﺑﺄﺣﻜﺎم‬
‫وﺗﻌﺎﻟﯿﻢ ﻣﻐﺎﯾﺮة ) ﻻﺣﻆ أن اﻵﯾﺔ ﺗﺬﻛﺮ أن اﻟﻨﺴﺦ ﻫﻮ ﻟﻤﺎ ﯾﻠﻘﯿﻪ اﻟﺸﯿﻄﺎن وﻟﯿﺲ ﻵﯾﺎت اﷲ‬
‫ذاﺗﻬﺎ ( ﻓﯿﻨﺴﺦ اﷲ وﯾﻠﻐﻲ وﯾﺒﻄﻞ ﻣﺎ أﻟﻘﺎه اﻟﺸﯿﻄﺎن ﺑﻤﺎ أﺣﻜﻤﻪ ﺑﻌﻠﻤﻪ ﻓﻰ اﻟﻨﺺ ﺑﺄن ﺟﻌﻞ‬
‫آﯾﺎﺗﻪ اﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﻻ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أﺣﺪ ﺗﺤﺮﯾﻒ ﺗﺄوﯾﻠﻬﺎ ) َواﷲﱠُ َﻋﻠِﯿ ٌﻢ َﺣﻜِﯿ ٌﻢ ( ‪ ،‬وﯾﺒﻘﻰ اﻟﺘﺤﺮﯾﻒ‬
‫اﻟﺬى أﻟﻘﺎه اﻟﺸﯿﻄﺎن ﻓﺘﻨﺔ ﻟﻤﻦ ﻓﻰ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﺮض أى ﯾﻌﺠﺐ ﺑﻪ أو ﯾﺘﻤﺴﻚ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس أﻧﻪ‬
 ‫‪33‬‬

‫اﻟﺪﯾﻦ ‪ ،‬وﺗﻜﻤﻞ اﻵﯾﺔ اﻟﺘﻰ ﺗﻠﯿﻬﺎ وﻟﯿﻌﻠﻢ اﻟﺬﯾﻦ أوﺗﻮا اﻟﻌﻠﻢ أﻧﻪ اﻟﺤﻖ ‪ ،‬ﻷﻧﻬﻢ ﻋﺮﻓﻮا اﻟﺪﯾﻦ‬
‫اﻟﺤﻘﯿﻘﻰ ﻣﻦ اﻟﻤﺰﯾﻒ وﻓﻬﻤﻮا ﻣﻌﺎﻧﯿﻪ وﻣﻘﺎﺻﺪه اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ ‪،‬‬

‫اﻟﺒﻌﺾ ﯾﻔﺴﺮ اﻟﻨﺴﺦ ﻫﻨﺎ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻹﺛﺒﺎت وﻫﺬا ﺧﻄﺄ ﻷن اﻟﻨﺴﺦ ﻻ ﯾﺄﺗﻰ ﻓﻰ اﻟﻨﺺ ﺑﻤﻌﻨﻰ‬
‫اﻹﺛﺒﺎت أﺑﺪاً ‪ ،‬وﻣﻌﻨﻰ اﻵﯾﺔ اﻟﺘﻰ ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻨﻬﺎ ﯾُﻔﻬﻢ ﺑﻮﺿﻮح أﻛﺜﺮ إذا أدرﻛﻨﺎ ان اﻟﺘﻤﻨﻰ‬
‫ﻟﯿﺲ ﻟﺔ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﻘﺮاءة اﻟﻨﺺ ‪ ،‬واﻟﻤﻘﺼﻮد ﻫﻨﺎ ﻟﯿﺲ ﺗﻤﻨﻰ اﻷﻧﺒﯿﺎء ذاﺗﻬﻢ ‪ ،‬وﻟﻜﻦ اﻟﺘﻤﻨﻰ ﻫﻨﺎ‬
‫ﯾﻌﻮد ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻓﻰ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﺮض ﻓﺎﻹﺳﺘﺜﻨﺎء ﺑﺎﻵﯾﺔ ﻣﻨﻘﻄﻊ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺘﻤﻨﻰ ﺻﻔﺔ ُﺗﺬﻛﺮ ﺑﺎﻟﺬم ﻓﻰ‬
‫اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ إذا ﻣﺎ أُﻗﺘﺮﻧﺖ ﺑﺘﻤﻨﻰ ﻓﻰ اﻟﻤﻄﻠﻖ ﻓﯿﻜﻮن ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻷﻫﻮاء واﻟﻈﻨﻮن اﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ‪،‬‬
‫اﻷوﻟَﻰ )‪ (25‬اﻟﻨﺠﻢ ‪ ،‬ﻓﯿﺴﺘﻨﻜﺮ‬ ‫اﻵ ِﺧ َﺮ ُة َو ُْ‬
‫ﺎن َﻣﺎ َﺗ َﻤﱠﻨﻰ )‪َ (24‬ﻓﻠِﻠﱠ ِﻪ ْ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ِﻺ ْﻧ َﺴ ِ‬
‫ﻛﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ) أ ْم ﻟ ِ‬
‫اﷲ ﻫﻨﺎ أن َﯾﻘﺮ اﻟﺒﻌﺾ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ذﻫﺒﺖ إﻟﯿﻪ أﻫﻮاﺋﻢ ‪ ،‬وﻛﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َو َﻗﺎﻟُﻮا ﻟَﻦ َﯾ ْﺪ ُﺧ َﻞ ْاﻟ َﺠﱠﻨ َﺔ‬
‫ِﯿﻦ )‪(111‬‬ ‫ﺻﺎ ِدﻗ َ‬ ‫ُﺮ َﻫﺎ َﻧ ُﻜ ْﻢ إِن ُﻛﻨُﺘ ْﻢ َ‬ ‫ٰۗ ﺗِْﻠ َﻚ أَ َﻣﺎ ِﻧﱡﯿ ُﻬ ْﻢۗ ُﻗ ْﻞ َﻫﺎُﺗﻮا ﺑ ْ‬
‫ﺎرى‬ ‫ﺼَ‬ ‫ﺎن ُﻫﻮ ًدا أَ ْو َﻧ َ‬
‫إِﱠﻻ َﻣﻦ َﻛ َ‬
‫اﻟﺒﻘﺮة ‪ ،‬ﻓﯿﺴﺘﻨﻜﺮ اﷲ أﻣﺎﻧﯿﻬﻢ اﻟﺒﺎﻃﻠﺔ ‪.‬ﻓﺎﻟﺘﻤﻨﻰ ﻟﯿﺲ ﻟﻪ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﻘﺮاءة اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ‬
‫وإﺑﻼﻏﻪ ‪ ،‬ﺑﻞ ﺗﻤﻨﻰ ﻣﺎ ﻻ ﯾﺮﺗﻀﯿﻪ اﷲ ﻣﻦ أﺣﻜﺎم ﻣﻤﺎ ﻻ ﯾﺠﺐ أن ﯾُﻨﺴﺐ ﻟﻨﺒﻰ أو رﺳﻮل ‪.‬‬
‫وﻟﺬﻟﻚ ﻧﺺ اﻷﯾﺔ رﺑﻂ ﺑﯿﻦ اﻟﺘﻤﻨﻰ وإﻟﻘﺎء اﻟﺸﯿﻄﺎن ‪ .‬إذاً اﻻﯾﺔ ﻫﻨﺎ ﺗﺒﻠﻐﻨﺎ ﻋﻜﺲ ﻣﺎ أﻗﺮه‬
‫اﻟﺒﻌﺾ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺘﻤﻨﻰ ﺑﺎﻵﯾﺔ ﯾﻌﻮد ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﯾﺘﻤﻨﻰ ﻣﻦ ﻇﻨﻮن وأوﻫﺎم وأﺣﻜﺎم ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﯾﻠﻘﻰ‬
‫اﻟﺸﯿﻄﺎن ﻓﻰ أﻣﻨﯿﺘﻪ ﻓﯿﺪﻋﻬﻤﺎ ﺑﺈﺿﻼﻟﻪ ) وﻣﺎ ﯾﻤﻨﯿﻬﻢ اﻟﺸﯿﻄﺎن إﻻ ﻏﺮورا ( أو أن ﻫﺬا اﻹﻟﻘﺎء‬
‫ﻣﻦ اﻟﺸﯿﻄﺎن ﻫﻮ اﻹﺿﻼل ذاﺗﻪ ‪،‬‬
‫أﯾﻀﺎ أن اﻟﻨﺴﺦ واﻟﻤﺤﻮ ﻟﻤﺎ أﻟﻘﺎة اﻟﺸﯿﻄﺎن ﻣﻦ ﺗﺤﺮﯾﻒ وﻇﻨﻪ اﻟﺒﻌﺾ‬ ‫ً‬ ‫وﻗﺪ ﯾﻜﻮن اﻟﻤﻌﻨﻰ‬
‫اﷲَ َﻋﻠَﻰ‬
‫ٰ‬ ‫ﻨﺴ َﻬﺎ َﻧ ْﺄ ِت ﺑ َﺨﯿْﺮ ﱢﻣ ْﻨ َﻬﺎ أَ ْو ﻣ ِْﺜﻠِ َﻬﺎۗ أَﻟَ ْﻢ َﺗ ْﻌﻠَ ْﻢ أَ ﱠن ﱠ‬
‫ِﻦ آ َﯾ ٍﺔ أَ ْو ُﻧ ِ‬ ‫ﻨﺴ ْﺦ ﻣ ْ‬
‫آﯾﺎت ﻛﻤﺎ ﻓﻰ ﻗﻮﻟﻪ) َﻣﺎ َﻧ َ‬
‫ِ ٍ‬
‫ِﯾﺮ )‪ (106‬اﻟﺒﻘﺮة ﻛﻤﺎ ﺳﻨﺄﺗﻰ ﻋﻠﻰ ذﻛﺮه ‪.‬‬ ‫ُﻛ ﱢﻞ َﺷ ْﻲ ٍء َﻗﺪ ٌ‬
‫ﺟﺪﯾﺮ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ أن اﻟﺸﻌﺮاوى رﻓﺾ ﺗﻔﺴﯿﺮ ﻟﻔﻆ اﻟﺘﻤﻨﻰ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﻘﺮاءة ورﻓﺾ ﻗﺼﺔ اﻟﻐﺮاﻧﯿﻖ‬
‫وإدﻋﺎء ﺗﺪﺧﻞ اﻟﺸﯿﻄﺎن ﻓﻰ ﻗﺮاءة اﻟﻘﺮآن ﺑﻬﺬا اﻟﺸﻜﻞ وﻗﺎل ﻓﻰ ﺑﺪاﯾﺔ ﺷﺮﺣﻪ ﻟﻬﺬة اﻵﯾﺔ أﻧﻪ‬
‫اﻟﺤﺸﻮ واﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺎت‪ ،،‬ﻟﻜﻨﻪ ﻛﻤﺎ اﻟﻤﻌﺘﺎد ﻟﻢ ﯾﺄﺗﻰ ﻋﻠﻰ ذﻛﺮ أﺻﻞ ﻗﺼﺔ‬ ‫دﺧﻞ ﻓﯿﻪ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ ْ‬
‫اﻟﻐﺮاﻧﯿﻖ اﻟﺘﻰ ﻓﻰ ﻛﺘﺎب ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎرى اﻟﺬى ﻛﺎن ﯾﺠﺐ ﻋﻠﯿﻪ رﻓﻀﻪ ﻫﻮ اﻷﺧﺮ ‪ ،‬وﻟﻜﻨﻪ‬
‫ﻓﺴﺮ أن اﻟﺘﻤﻨﻰ ﻫﻮ اﻟﺸﻲء اﻟﻤﺤﺒﻮب اﻟﺬي ﻧﺘﻤﻨﺎه‪ ،‬ﻫﻮ ﺗﻤﻨﻰ اﻷﻧﺒﯿﺎء ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﯾﺄﺧﺬ ﺑﺎﻹﺳﺘﺜﺎء‬
‫اﻟﻤﻨﻘﻄﻊ وﻗﺎل‬
 ‫‪34‬‬

‫ﺗﺪﺧﻞ اﻟﺸﯿﻄﺎن ﻋﻠﻰ وﺟﻪ آﺧﺮ‪ :‬ﻓﺤﯿﻦ‬ ‫) ﻋﻠﻰ ﻗﻮل ﻣﻦ أﺧﺬ اﻟﺘﻤﻨﻰ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﻘﺮاءة ﯾﺤﺘﻤﻞ ﱡ‬
‫ﯾﻘﺮأ رﺳﻮل اﷲ اﻟﻘﺮآن‪ ،‬وﻓﯿﻪ ﻫﺪاﯾﺔ ﻟﻠﻨﺎس‪ ،‬وﻓﯿﻪ ﻣﻮاﻋﻆ وأﺣﻜﺎم وﻣﻌﺠﺰات‪ ،‬أﺗﻨﺘﻈﺮ ﻣﻦ‬
‫ُﺸﻮش ﻋﻠﯿﻬﻢ ﻓﺎرﺳﻞ ﻣﻦ‬ ‫أن ﯾ ﱢ‬ ‫أن ﯾُﺨﻠِﻲ اﻟﺠﻮ ﻟﻠﻨﺎس ﺣﺘﻰ ﯾﺴﻤﻌﻮا ﻫﺬا اﻟﻜﻼم دون ْ‬ ‫ﻋﺪو اﷲ ْ‬
‫ﯾﻘﻮل أن ﻫﺬا ﺳﺤﺮ وﺷﻌﺮ وإﻓﻚ وأﺳﺎﻃﯿﺮ اﻷوﻟﯿﻦ …… أﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻨﻰ أﻧﻬﺎ اﻟﺸﻲء‬
‫اﻟﺨْﻠﻖ‪ْ ،‬‬
‫ﻓﺈن‬ ‫اﻟﻤﺤﺒﻮب اﻟﺬي ﻧﺘﻤﺎة ﻓﻨﻘﻮل‪ :‬اﻟﺮﺳﻮل اﻟﺬي أرﺳﻠﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻤﻨﻬﺞ اﻟﺤﻖ إﻟﻰ َ‬
‫وأن ﯾُﻄﺎع ﻓﯿﻤﺎ ﺟﺎء ﺑﻪ‪،‬‬ ‫أن ﯾُﺼ ﱠﺪق ْ‬ ‫ﻓﺈن أُﻣﻨﯿﺘﻪ ْ‬ ‫ﻛﺎن ﻗﺎدراً ﻋﻠﻰ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﻬﺞ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﱠ‬
‫وﯾﺴﻮس ﺑﻪ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺤﯿﺎة ﻓﻲ اﻟﻨﺎس‪.‬ﻟﻜﻦ‪ ،‬ﻫﻞ ﯾﺘﺮك‬ ‫أن ﯾﺴﻮد َﻣﻨﻬﺠﻪ وﯾُﺴﯿﻄﺮ ُ‬ ‫أﻣﻨﯿﺘﻪ ْ‬
‫ُﺤﺮك ﺿﺪه‬ ‫أن ﺗﺘﺤﻘﻖ أُﻣﻨﯿﺘﻪ ﻓﻲ ﻗﻮﻣﻪ أَ ْم ﯾﻀﻊ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﻪ اﻟﻌﻘﺒﺎت‪ ،‬وﯾ ﱢ‬ ‫اﻟﺸﯿﻄﺎن ﻟﺮﺳﻮل اﷲ ْ‬
‫ُﺬﻛﺮﻫﻢ اﻟﺸﯿﻄﺎن ﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﺳﯿﺎدة وﻣﻜﺎﻧﺔ‬ ‫ﻓﯿﺘﻤﺮد ﻋﻠﯿﻪ ﻗﻮﻣﻪ ﺣﯿﺚ ﯾ ﱢ‬ ‫ّ‬ ‫اﻟﻨﻔﻮس‪،‬‬
‫ﺳﯿﻔﻘﺪوﻧﻬﺎ ﺑﺎﻹﺳﻼم؟ وﻫﻜﺬا ﯾُْﻠﻘﻲ اﻟﺸﯿﻄﺎن ﻓﻲ أُﻣﻨﯿﺔ اﻟﺮﺳﻮل ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﺨﺘﺘﻢ اﻵﯾﺔ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ‪:‬‬
‫}واﷲ َﻋﻠِﯿ ٌﻢ َﺣﻜِﯿ ٌﻢ{ ]اﻟﺤﺞ‪ [52 :‬ﻋﻠﯿﻢ ﺑﻜﯿﺪ اﻟﺸﯿﻄﺎن‪ ،‬وﺗﺪﺑﯿﺮه‪ ،‬ﺣﻜﯿﻢ ﻓﻲ ﻋﻼج ﻫﺬا اﻟﻜﯿﺪ‬
‫ﺎﺳ َﯿ ِﺔ ُﻗﻠُﻮُﺑ ُﻬ ْﻢ َوإ ﱠن ﱠ‬
‫ض َو ْاﻟ َﻘ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ﺎن ِﻓ ْﺘ َﻨ ًﺔ ﻟِﻠﱠﺬ َ‬ ‫‪}.‬ﻟَِﯿ ْﺠ َﻌ َﻞ َﻣﺎ ﯾُْﻠﻘِﻲ ﱠ‬
‫ِﯿﻦ ﻟَﻔِﻲ‬
‫اﻟﻈﺎﻟِﻤ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِﯾﻦ ﻓِﻲ ُﻗﻠ ِ‬
‫ﻮﺑ ِﻬ ْﻢ َﻣ َﺮ ٌ‬ ‫اﻟﺸﯿ َ‬
‫ْﻄ ُ‬
‫ﺎق َﺑﻌِﯿﺪٍ)‪ {(53‬وﻟﺴﺎﺋﻞ أن ﯾﻘﻮل‪ :‬إذا ﻛﺎن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﯾﻨﺴﺦ ﻣﺎ ﯾُﻠﻘﻲ اﻟﺸﯿﻄﺎن‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎذا ﻛﺎن‬ ‫ِﺷ َﻘ ٍ‬
‫ﻓﺘﻨﺔ ﻟﯿﺨﺘﺒﺮ اﻟﻨﺎس‪ ،‬وﻟﯿُﻤﯿﱢﺰ َﻣ ْﻦ ﯾﻨﻬﺾ ﺑﺄﻋﺒﺎء اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ‪ ،‬ﻓﻬﻲ‬ ‫ﺑﺪاﯾﺔ؟ﺟﻌﻞ اﷲ اﻹﻟﻘﺎء ً‬ ‫اﻹﻟﻘﺎ ُء ً‬
‫ﻣﺴﺌﻮﻟﯿﺔ ﻻ ﯾﻘﻮم ﺑﻬﺎ إﻻ َﻣ ْﻦ ﯾﻨﻔﺬ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻦ‪ ،‬وﯾﻨﺠﻮ ﻣﻦ إﻏﺮاءات اﻟﺸﯿﻄﺎن‪ ،‬وﯾﺘﺨﻄﻰ ﻋﻘﺒﺎﺗﻪ‬
‫وﻋﺮاﻗﯿﻠﻪ ( إﻧﺘﻬﻰ‬

‫ﻃﺒﻌﺎ ﺗﻔﺴﯿﺮ ﻗﺎﺻﺮ ﻟﻠﺸﻌﺮاوى ﺑﺮد ﻫﺬه اﻷﻣﻨﯿﺔ ﻟﻠﻨﺒﻰ ‪ ،‬وﺳﻮاء ﺗﻔﺴﯿﺮه ﻣﻦ ﺑﺎب‬ ‫ً‬ ‫وﻫﺬا‬
‫اﻹﺣﺘﻤﺎل أن ﺗﻤﻨﻰ اﻟﻨﺒﻰ ﻟﻘﻮﻣﻪ ﺑﺎﻟﻬﺪاﯾﺔ ﻫﻮ ﺣﯿﻦ اﻟﻘﺮاءة وأن إﻟﻘﺎء اﻟﺸﯿﻄﺎن ﻫﻮ زﻋﻢ أن‬
‫اﻟﻘﺮآن ﺳﺤﺮ وإﻓﻚ ‪ ،‬أو ﺗﻔﺴﯿﺮه أن اﻷﻣﻨﯿﺔ ﻫﻰ ﻣﺎ ﯾﺮﻏﺒﻪ اﻹﻧﺴﺎن وﯾﺤﺒﻪ ﻓﯿﻠﻘﻰ اﻟﺸﯿﻄﺎن‬
‫ﺿﺪ أﻣﻨﯿﺔ اﻟﻨﺒﻰ ﻟﻘﻮﻣﻪ ﺑﺎﻟﻬﺪاﯾﺔ ﻓﯿﺤﺮك ﺿﺪه اﻟﻨﻔﻮس ﻓﯿﺘﻤﺮد ﻋﻠﯿﻪ ﻗﻮﻣﻪ ‪ ،‬ﻓﯿﺒﻄﻞ اﷲ ﻣﺎ‬
‫ﯾﻠﻘﻰ اﻟﺸﯿﻄﺎن ﻓﻰ اﻟﺤﺎﻟﺘﯿﻦ ‪ ،‬ﻓﻤﺎ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﺘﻔﺴﯿﺮﯾﻦ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ ﺑﺄن اﷲ ﯾﺤﻜﻢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ‬
‫أﯾﺎﺗﻪ ! و ﺑﺎﻵﯾﺔ اﻟﺘﻰ ﻗﺒﻠﻬﺎ اﻟﺘﻰ ﺗﺬﻛﺮ أن ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﯾﺴﻌﻰ ﻣﻌﺎﺟﺰا ﻓﻰ آﯾﺎت اﷲ! وﺑﺎﻵﯾﺔ اﻟﺘﻰ‬
‫ﺑﻌﺪﻫﺎ اﻟﺘﻰ ﺗﻘﻮل ) وﻟﯿﻌﻠﻢ اﻟﺬﯾﻦ أوﺗﻮا اﻟﻌﻠﻢ أﻧﻪ اﻟﺤﻖ ( ‪،‬‬
‫إذاً اﻵﯾﺔ اﻟﺘﻰ ﻧﺤﻦ ﺑﺼﺪدﻫﺎ ﻟﻬﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ ذاﺗﻪ‪ ،‬وﻟﯿﺲ ﺑﻤﺎ ﯾﻮاﺟﻬﻪ اﻟﺮﺳﻮل‬
‫ﻣﻦ ﺻﻌﺎب ﻓﻰ اﻟﻌﻤﻮم ‪ ،‬وأن اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ أن اﷲ ﯾﺮﺳﻞ اﻷﻧﺒﯿﺎء واﻟﺮﺳﻞ ﺑﺎﻵﯾﺎت ‪،‬‬
‫ﻓﯿﺴﻌﻰ اﻟﻤﻌﺎﺟﺰون ﻓﻰ أﯾﺎت اﷲ ﻟﺘﻐﯿﯿﺮ ﻣﻌﺎﻧﯿﻬﺎ وﺗﺤﺮﯾﻔﻬﺎ وﯾﻠﻘﻰ اﻟﺸﯿﻄﺎن ﻓﻰ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ‬
 ‫‪35‬‬

‫اﻟﻤﺮﯾﻀﺔ وأﻣﺎﻧﯿﻬﻢ اﻟﺒﺎﻃﻠﺔ ﻓﯿﻀﻠﻬﻢ ‪ ،‬ﻓﯿﻤﺤﻮ اﷲ ﻋﺒﺮ إﺣﻜﺎﻣﻪ ﻵﯾﺎﺗﻪ أﻓﻜﺎرﻫﻢ وﻇﻨﻮﻧﻬﻢ‬
‫وﯾﺠﻌﻠﻬﺎ ﻓﻰ ﻗﻠﻮب ﻣﻦ ﻓﻰ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﺮض أﻣﺎ اﻟﺬﯾﻦ أوﺗﻮا اﻟﻌﻠﻢ ﻓﯿﻌﻠﻤﻮن أﻧﻪ اﻟﺤﻖ ﻷﻧﻬﻢ ﻋﻠﻤﻮا‬
‫ﺗﻔﺎﺳﯿﺮه اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ‪.‬‬

‫) َو َﻣﺎ َﯾ ْﻌﻠَ ُﻢ َﺗ ْﺄ ِوﯾﻠَ ُﻪ إِﱠﻻ اﷲﱠُ(‬

‫ﺎب َوأُ َﺧ ُﺮ‬ ‫ُ ْ‬

‫ﺎت ُﻫ ﱠﻦ أ ﱡم اﻟ ِﻜ َﺘ ِ‬ ‫ﺎت ﱡﻣ ْﺤ َﻜ َﻤ ٌ‬ ‫ْﻚ ْاﻟ ِﻜ َﺘ َ‬
‫ﺎب ِﻣ ْﻨ ُﻪ آ َﯾ ٌ‬ ‫ﻧﺰ َل َﻋﻠَﯿ َ‬‫ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) ُﻫ َﻮ اﻟﱠﺬِي أَ َ‬
‫ﻮن َﻣﺎ َﺗ َﺸﺎ َﺑ َﻪ ِﻣ ْﻨ ُﻪ ا ْﺑ ِﺘ َﻐﺎ َء ْاﻟ ِﻔ ْﺘ َﻨ ِﺔ َوا ْﺑ ِﺘ َﻐﺎ َء َﺗ ْﺄ ِوﯾﻠِ ِﻪۗ‬ ‫ُ‬ ‫ﺎتۖ َﻓَﺄ ﱠﻣﺎ اﻟﱠﺬ َ‬
‫ِﯾﻦ ﻓِﻲ ُﻗﻠ ِ‬
‫ﻮﺑ ِﻬ ْﻢ َز ْﯾ ٌﻎ َﻓ َﯿﱠﺘ ِﺒ ُﻌ َ‬ ‫ُﻣ َﺘ َﺸ ِﺎﺑ َﻬ ٌ‬
‫ﻮن آ َﻣﱠﻨﺎ ِﺑ ِﻪ ُﻛ ﱞﻞ ﱢﻣ ْﻦ ِﻋﻨ ِﺪ َرﱢﺑ َﻨﺎۗ َو َﻣﺎ َﯾ ﱠﺬ ﱠﻛ ُﺮ‬ ‫ﻮن ﻓِﻲ ْاﻟﻌِْﻠ ِﻢ َﯾ ُﻘﻮﻟُ َ‬ ‫اﺳ ُﺨ َ‬ ‫َو َﻣﺎ َﯾ ْﻌﻠَ ُﻢ َﺗ ْﺄ ِوﯾﻠَ ُﻪ إِﱠﻻ اﷲﱠُۗ َو ﱠ‬
‫اﻟﺮ ِ‬
‫ُ ُ ْ َْ‬
‫ﺎب )‪ ( (7‬آل ﻋﻤﺮان ‪،‬‬ ‫إِﱠﻻ أوﻟﻮ اﻷﻟ َﺒ ِ‬

‫ﺑﺪاﯾﺔ اﻵﯾﺔ ذﻛﺮت أن اﻟﻘﺮآن ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻧﺼﻮص ﻣﺤﻜﻤﺔ وﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻧﺼﻮص ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺔ‬
‫)اﻟﺘﻰ ﻗﺪ ﯾُﺸﺘﺒﻪ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﻓﻬﺎم ( ‪ ،‬وأن ﻣﻦ ﻓﻰ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﺮض ﯾﻠﺠﺄ إﻟﻰ ﺗﺄوﯾﻞ اﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻪ‬
‫ﻹﺣﺪاث ﻓﺘﻨﺔ ﺛﻢ ﯾﺬﻛﺮ اﻟﻨﺺ وﻣﺎ ﯾﻌﻠﻢ ﺗﺄوﯾﻠﻪ إﻻ اﷲ ‪.‬‬
‫‪ ،‬واﻷﯾﺔ ﻟﻢ ﺗﻘﻮل وﻣﺎ ﯾﻌﻠﻢ ﺗﺄوﯾﻠﻬﺎ ﻓﻨﻔﻬﻢ أن ﻧﻔﻰ ﻋﻠﻢ اﻟﺘﺄوﯾﻞ ﻫﻮ ﺧﺎص ﺑﺎﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻪ ‪،‬إذاً ﻧﻔﻰ‬
‫ﻋﻠﻢ اﻟﺘﺄوﯾﻞ ﯾﺸﻤﻞ ﻛﻞ اﻵﯾﺎت ‪ ،‬وﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ أﻧﻪ ﻻﺑﺪ أن ﯾﺸﺘﺮك اﻟﺮاﺳﺨﻮن ﻣﻊ اﷲ ﻓﻰ ﻋﻠﻢ‬
‫اﻟﺘﺄوﯾﻞ ﻷﻧﻪ ﻻ ﯾﺠﻮز أن ﯾﻜﻮن اﻟﻤﻌﻨﻰ أن اﷲ أﺳﺘﺎﺛﺮ ﺑﻌﻠﻢ اﻟﺘﺄوﯾﻞ ﻛﻠﻪ ‪ ،‬ﻓﺎﷲ أﻧﺰﻟﻪ ﻟﻬﺪاﯾﺔ‬
‫اﻟﻨﺎس وﯾﺠﺐ أن ﯾﻜﻮن اﻟﻨﺺ ﻣﻌﻠﻮم اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻹﺗﺼﺎﻓﻪ ﺑﺎﻟﻬﺪى ‪ ،‬وﻛﺬﻟﻚ ﯾﺠﺐ أن ﯾﻜﻮن‬
‫ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻨﺺ ﻣﻌﻠﻮم ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺘﺪﺑﺮ اﻟﻤﺄﻣﻮرﯾﻦ ﺑﻪ ﻓﻰ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ وﺣﺘﻰ أن ﺗﺬﯾﯿﻞ اﻵﯾﺔ‬
‫ذاﺗﻬﺎ ﯾﻘﻮل ) وﻣﺎ ﯾﺬﻛﺮ إﻻ أوﻟﻮ اﻷﻟﺒﺎب ( ﻓﻰ إﺷﺎرة ﻷن ﻣﻦ ﯾﻘﻮم ﺑﺎﻟﺘﺬﻛﺮ‬
‫واﻟﺘﻔﻜﺮ ﯾﺼﻞ إﻟﻰ اﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﻤﺮاد ‪ ،‬اﻟﺒﻌﺾ ﯾﻘﻮل أن ﻋﻠﻢ اﷲ ﻫﻨﺎ ﻫﻮ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﻜﺎﻣﻞ اﻟﻜﻠﻰ‬
‫أﯾﻀﺎ ﺳﯿﺠﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻲ ﻣﺠﺮد ﻃﻼﺳﻢ وﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن‬ ‫ً‬ ‫ﺑﺘﺄوﯾﻞ اﻟﻨﺺ ‪ ،‬وﻟﻜﻦ ﻫﺬا‬
‫ﯾُﺄﺧﺬ ﺑﺄى ﺗﺄوﯾﻞ أو ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻤﻞ اﻟﯿﻘﯿﻦ واﻟﻤﻄﻠﻖ واﻟﻘﻄﻌﻰ اﻟﺪﻻﻟﺔ ‪ ،‬ﺣﺘﻰ آﯾﺎﺗﻪ اﻟﺘﻰ‬
 ‫‪36‬‬

‫وﺻﻔﺖ ﺑﺎﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﺳﺘﻜﻮن ﻇﻨﯿﺔ اﻟﺪﻻﻟﺔ ‪ .‬و ﺳﯿﻌﻨﻰ أن ﻋﻠﻢ اﻟﻨﺎس اﻟﺪﯾﻨﻰ ﻣﻨﻘﻮص وﻫﺬا ﻗﺪ‬
‫ﯾﺨﻞ ﺑﻤﺎ ﯾﻌﻠﻤﻮن ﻓﺈﻣﺎ أﻧﻬﻢ ﯾﻌﻠﻤﻮن او ﻻ ﯾﻌﻠﻤﻮن ﺗﺄوﯾﻠﻪ ‪ ،‬إﻣﺎ أﻧﻬﻢ راﺳﺨﻮن أو ﻏﯿﺮ‬
‫راﺳﺨﻮن ‪،‬‬
‫وﻟﺬﻟﻚ ﻓﺮﻏﻢ أن ﻇﺎﻫﺮ اﻵﯾﺔ ﯾﻮﺣﻰ ﺑﻮﺟﻮب اﻟﺘﻮﻗﻒ ﺑﻌﺪ ﻗﻮﻟﻪ ) وﻣﺎ ﯾﻌﻠﻢ ﺗﺄوﯾﻠﻪ إﻻ اﷲ (‬
‫ﻷن اﻵﯾﺔ ﺑﻬﺎ ﺗﻜﻤﻠﺔ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﺮاﺳﺨﻮن ﻓﻰ اﻟﻌﻠﻢ و ﻗﺪ ﯾُﻔﻬﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ أن اﻟﺮاﺳﺨﻮن‬
‫ﻻ ﯾﺸﺘﺮﻛﻮن ﻓﻰ اﻹﺣﺎﻃﺔ ﺑﺘﺄوﯾﻞ اﻟﻨﺺ ﻣﻊ اﷲ ‪ .‬ﻓﺮﻏﻢ ﻫﺬا اﻟﻈﺎﻫﺮ إﻻ أﻧﻪ ﯾﺠﺐ أن ﯾﺸﺘﺮك‬
‫اﻟﺮاﺳﺨﻮن ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻢ ﻣﻊ اﷲ وﻟﺬﻟﻚ ﺳﻤﺎﻫﻢ ﺑﺎﻟﺮاﺳﺨﻮن ﻓﻰ اﻟﻌﻠﻢ ‪ ،‬وﺣﺘﻰ أن اﻷﻧﺒﯿﺎء‬
‫ﯾﺪﺧﻠﻮن ﻓﻰ اﻟﺮاﺳﺨﻮن ﻓﻰ اﻟﻌﻠﻢ ‪ ،‬ﻓﻼ ﯾﺼﺢ أن ﻧﻘﻮل أن اﻷﻧﺒﯿﺎء ذاﺗﻬﻢ ﻻ ﯾﻌﻠﻤﻮن ﺗﺄوﯾﻞ‬
‫اﻟﺪﯾﻦ أو أن ﻋﻠﻤﻬﻢ اﻟﺪﯾﻨﻰ ﻣﻨﻘﻮص ‪ ،‬وﻣﻦ زاوﯾﺔ أﺧﺮى ﻻ ﯾﺼﺢ أن ﻧﻘﻮل أن اﻟﺮﺳﻮخ‬
‫ِﯾﻦ أُوُﺗﻮا‬
‫ﺎل اﻟﱠﺬ َ‬ ‫ﻓﻰ اﻟﻌﻠﻢ ﺳﺒﺒﻪ ﻗﻮة اﻹﯾﻤﺎن ‪ ،‬ﻷن اﻟﻌﻜﺲ ﻫﻮ اﻟﺼﺤﯿﺢ ‪ ،‬ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َو َﻗ َ‬
‫ٰ َذا َﯾ ْﻮ ُم ْاﻟ َﺒ ْﻌ ِﺚ َو َل‬
‫ٰ ِﻛﱠﻨ ُﻜ ْﻢ ُﻛﻨُﺘ ْﻢ َﻻ‬ ‫ٰ َﯾ ْﻮ ِم ْاﻟ َﺒ ْﻌ ِﺚۖ َﻓ َﻪ‬ ‫ﺎن ﻟَ َﻘ ْﺪ ﻟَﺒ ْﺜُﺘ ْﻢ ﻓِﻲ ِﻛ َﺘﺎب ﱠ‬
‫اﷲِ إِﻟَﻰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ْ ْ‬
‫اﻹﯾ َﻤ َ‬
‫اﻟﻌِﻠ َﻢ َو ِ‬
‫ﻮن )‪ (56‬اﻟﺮوم ‪ .‬ﻓﺎﻟﻌﻠﻢ ﯾﺴﺒﻖ اﻹﯾﻤﺎن ‪ ،‬ذﻟﻚ ﯾﻌﻨﻰ أن وﺻﻒ اﻟﺮاﺳﺨﻮن ﻓﻰ اﻟﻌﻠﻢ‬ ‫َﺗ ْﻌﻠَ ُﻤ َ‬
‫ﻫﻮ ﻟﻌﻠﻤﻬﻢ وﻟﯿﺲ ﻹﯾﻤﺎﻧﻬﻢ ‪ ،‬و ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺣﻆ ذﻛﺮ اﻟﻨﺺ أﻧﻬﻢ ﯾﻘﻮﻟﻮن أﻣﻨﺎ ﻓﻠﻢ ﯾﻘﻞ اﻟﻨﺺ‬
‫واﻟﺮاﺳﺨﻮن ﻓﻰ اﻟﻌﻠﻢ ﯾﺆﻣﻨﻮن ﻓﺄراد اﷲ ﺑﺬﻟﻚ أن ﯾﻨﺴﺐ إﻟﯿﻬﻢ اﻟﻘﻮل ﻛﻔﻌﻞ )ﯾﻘﻮﻟﻮن ( ﻟﻠﺘﺄﻛﯿﺪ‬
‫ﻋﻠﻰ أن إﯾﻤﺎﻧﻬﻢ ﻫﻨﺎ ﻣﺘﻌﻠﻖ ﺑﻤﻮﻗﻒ وﻧﺘﯿﺠﺔ ﻟﻌﻠﻤﻬﻢ ﺷﺊ ‪،‬‬
‫وﺑﺬﻟﻚ ﻣﻌﻨﻰ اﻵﯾﺎت ﻫﻮ أن اﻟﻤﻮﺻﻮف ﺑﺄﻧﻪ ﻓﻰ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﺮض ﯾﺘﺒﻊ ﻣﺎ ﺗﺸﺎﺑﻪ ﻣﻨﻪ أى ﯾُﺄول‬
‫اﻵﯾﺎت اﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻬﺔ وﯾﺴﺘﻨﺒﻂ ﻣﻨﻬﺎ أﺣﻜﺎم ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﺗﺴﺒﺐ ﻓﺘﻨﺔ وﯾﺘﺮك آﯾﺎت اﺧﺮى ﻣﺤﻜﻤﺔ‬
‫واﺿﺤﺔ ﻓﻲ دﻻﻟﺘﻬﺎ ‪ ،‬أﻣﺎ اﻟﺪارس ﻟﻠﻨﺺ اﻟﺬى ﻋﻨﺪه ﻋﻠﻢ ﻓﯿﻔﻬﻢ آﯾﺎت ﻋﻠﻰ ﺿﻮء آﯾﺎت‬
‫أﺧﺮى واﺿﺤﺔ ﻓﻰ دﻻﻟﺘﻬﺎ ‪ ،‬أى أن ﻋﻠﻢ اﻟﺮاﺳﺦ أﺗﻰ ﻣﻦ ﻓﻬﻤﻪ اﻵﯾﺎت اﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﻓﺎﺳﺘﻄﺎع‬
‫أن ﯾﻔﻬﻢ اﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻪ وﻟﺬﻟﻚ ﯾﺠﻤﻊ ﺑﯿﻨﻬﻢ اﻷﺛﻨﯿﻦ وﻻ ﯾﻔﺼﻞ ﺑﯿﻨﻬﻢ وﯾﻘﻮل ) ﻛﻞ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ رﺑﻨﺎ (‪.‬‬
‫ﯾﺒﻘﻰ ﺗﻮﺿﯿﺢ ﺷﺊ ﻫﻨﺎك ﺑﻌﺾ ﻣﻦ ﯾﺨﻠﻂ ﺑﯿﻦ اﻵﯾﺎت اﻟﻤﺤﻜﻤﺔ واﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻬﺔ ﻓﯿﻘﻮل إذا ﻛﻨﺎ‬
‫ﺳﻨﻠﺠﺄ ﻟﺘﻔﺴﯿﺮ اﻵﯾﺎت اﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻬﺔ ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﻓﻬﻤﻨﺎ ﻟﻶﯾﺎت اﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﻓﻤﻦ أﯾﻦ ﻧﻌﺮف ﻣﺎﻫﻰ‬
‫اﻵﯾﺎت اﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻬﺔ وﻣﺎ ﻫﻰ اﻵﯾﺎت اﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ؟ ﻛﻤﺜﺎل ﺻﻔﺎت اﷲ ﻓﻬﻨﺎك آﯾﺎت ﺗﺸﯿﺮ إﻧﻪ ﻟﯿﺲ‬
‫ﻛﻤﺜﻠﻪ ﺷﺊ وﻫﻨﺎك آﯾﺎت آﺧﺮى ﺗﺸﯿﺮ أن ﻟﻪ ﯾﺪ وﺳﻤﻊ ﻓﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﻤﺤﻜﻢ واﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻪ ؟ واﻹﺟﺎﺑﺔ‬
‫أن اﻟﻤﺤﻜﻢ ﻫﻮ اﻵﯾﺔ اﻟﺘﻰ ﻧﻔﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﺬى ﻻ ﯾﺘﻨﺎﻗﺾ ﻣﻊ اﻵﯾﺘﯿﻦ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻤﺜﻞ اﻟﺬى‬
‫ذﻛﺮﻧﺎه ﯾﻌﻨﻰ أن ﷲ ﯾﺪ وﻟﻜﻦ ﻻ ﻣﺜﯿﻞ ﻟﻬﺎ ﻓﻰ اﻟﺸﺒﻪ وﻻ اﻟﻘﺪرة ‪.‬‬
 ‫‪37‬‬

‫ﺎب أُ ْﺣ ِﻜ َﻤ ْﺖ آ َﯾﺎُﺗ ُﻪ ُﺛ ﱠﻢ‬

‫وﻟﺬﻟﻚ وﺻﻒ اﻟﻨﺺ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻟﻘﺮآن ﻛﻠﻪ ﺑﺄﻧﺔ ﻣﺤﻜﻢ ﻓﻰ ﻗﻮﻟﻪ ) اﻟﺮۚ ِﻛ َﺘ ٌ‬
‫ﱠ‬ ‫ُﻓ ﱢ َ‬
‫ﯿﺮ )‪ (1‬ﻫﻮد ‪ ،‬ﻓﻘﺼﺪ ﺑﺄن اﻟﻨﺺ ﻛﻠﻪ ﻣﺤﻜﻢ ﺑﻤﻌﻨﻰ إذا رددﻧﺎ‬ ‫ﺼﻠ ْﺖ ﻣِﻦ ﻟ ُﺪ ْن َﺣﻜ ٍ‬
‫ِﯿﻢ َﺧ ِﺒ ٍ‬
‫اﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﻤﺤﻜﻢ ﻓﻬﻤﻨﺎ اﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻪ ﻓﺄﺻﺒﺢ اﻟﻨﺺ ﻛﻠﺔ ﻣﺤﻜﻢ ‪.‬‬

‫) ﻟﻘﺪ ﻛﻔﺮ اﻟﺬﯾﻦ ﻗﺎﻟﻮا إن اﷲ ﻫﻮ اﻟﻤﺴﯿﺢ (‬

‫ْﺮ َﻓﻠَﻦ‬ ‫ﻟﻐﻮﯾﺎ اﻟﻜﻔﺮ ﻓﻰ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ ﻫﻮ إﻧﻜﺎر وﻣﻨﻪ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َو َﻣﺎ َﯾ ْﻔ َﻌﻠُﻮا ﻣ ْ‬
‫ِﻦ َﺧﯿ ٍ‬ ‫ً‬
‫ِﯿﻦ )‪ (115‬أل ﻋﻤﺮان ‪ ،‬أى ﻟﻦ ﯾُﻨﻜﺮ ﻟﻬﻢ ﺻﻨﯿﻌﻬﻢ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻜﻔﺮ اﻟﺬى‬ ‫ُﻜ َﻔ ُﺮو ُهۗ َواﷲﱠُ َﻋﻠِﯿ ٌﻢ ِﺑ ْﺎﻟ ُﻤﱠﺘﻘ َ‬
‫ﯾْ‬
‫ﯾﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻣﺜﻮاﻫﻢ اﻟﻨﺎر ﻓﻰ اﻵﺧﺮة ﯾﺠﻮز أن ﻧﻄﻠﻖ ﻋﻠﯿﻪ ﻛﻔﺮ ﺳﻠﻮك ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻟﯿﺲ ﻣﺠﺮد‬
‫ﻋﺪم اﻹﯾﻤﺎن ﻧﺘﯿﺠﺔ ﺳﻮء ﻓﻬﻢ وﻟﻜﻦ ﺟﺤﻮد ﺑﺎﻹﯾﻤﺎن ﻋﻨﺪ ﻋﻠﻢ وإدراك وأﻧﻜﺎر ﻵﯾﺎت وأﺣﻜﺎم‬
‫اﷲ ﻋﻦ ﻋﻠﻢ ﺑﻤﻌﻨﺎﻫﺎ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻜﻔﺮ ﻟﯿﺲ ﻛﻔﺮ ﻋﻘﯿﺪة ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻋﺪم اﻹﯾﻤﺎن ﻓﻘﻂ ‪ ،‬وﻟﻜﻦ ﯾﺠﺐ أن‬
‫ُﺼﺎﺣﺐ ﻋﺪم اﻹﯾﻤﺎن ﻓﻬﻢ اﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﺤﻘﯿﻘﻰ ﻟﻠﺪﯾﻦ ﺑﺤﯿﺚ أن ﯾﻜﻮن ﻫﻨﺎك إﻧﻜﺎر ﻟﻠﻤﻌﻨﻰ‬ ‫ﯾ ِ‬
‫اﻟﺤﻘﯿﻘﻰ ‪ ،‬وﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﯾﺠﻮز أن ﻧﻘﻮل أن اﻟﻨﺒﻰ إﺑﺮاﻫﯿﻢ ﻛﺎن ﻛﺎﻓﺮا ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻌﺒﺪ اﻟﺸﻤﺲ و‬
‫ﯾﻮﺻﻒ اﻟﻜﻔﺮ ﻛﻌﻘﯿﺪة ﯾﺘﺤﺎﯾﻞ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ‬ ‫اﻟﻘﻤﺮ ‪ ،‬ﺣﺘﻰ و ﻟﻮ ﺑﺼﯿﻐﺔ اﻟﻤﺎﺿﻰ ‪ ،‬وﻟﺬﻟﻚ ﻣﻦ ُ ِ‬
‫ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻷﻣﺮ ﻓﯿﺼﻮر أن ذﻟﻚ ﺣﺪث ﻣﻦ ﻗﺒﯿﻞ اﻟﺘﻤﺜﯿﻞ و أن أﺑﺮاﻫﯿﻢ ﻛﺎن ﯾﺠﺎرى اﻟﻨﺎس‬
‫ﺑﺎﻟﺘﻈﺎﻫﺮ ﺑﻌﺒﺎدة أﻟﻬﺘﻬﻢ ﻟﯿﻈﻬﺮ ﻟﻬﻢ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ! رﻏﻢ أن دﻋﺎء إﺑﺮاﻫﯿﻢ ﺑﺎﻟﻬﺪاﯾﺔ ﯾﻌﻨﻰ ﻏﯿﺮ ذﻟﻚ‬
‫‪ ،‬ﺑﻤﺎ ﯾﻌﻨﻰ أﻧﻪ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﻌﻠﻢ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﺣﯿﻨﻬﺎ ﻓﻜﺎن ﻣﺎزال ﯾﺒﺤﺚ ﻋﻨﻬﺎ ‪ ،‬ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َﻓﻠَ ﱠﻤﺎ َرأَى‬
‫ﯿﻦ )‪77‬‬ ‫اﻟﻀﺎﻟﱢ َ‬‫ِﻦ ْاﻟ َﻘ ْﻮ ِم ﱠ‬
‫ﻷ ُﻛﻮ َﻧ ﱠﻦ ﻣ َ‬‫ﺎل ﻟَﺌِﻦ ﻟﱠ ْﻢ َﯾ ْﻬ ِﺪﻧِﻲ َرﺑﱢﻲ ََ‬ ‫ٰه َذا َرﺑﱢﻲۖ َﻓﻠَ ﱠﻤﺎ أَ َﻓ َﻞ َﻗ َ‬ ‫ﺎل َ‬ ‫ﺎز ًﻏﺎ َﻗ َ‬ ‫ْ‬
‫اﻟ َﻘ َﻤ َﺮ َﺑ ِ‬
‫ٰه َذا أَ ْﻛ َﺒ ُﺮۖ َﻓﻠَ ﱠﻤﺎ أَ َﻓﻠَ ْﺖ َﻗ َ‬
‫ﺎل َﯾﺎ َﻗ ْﻮ ِم إِﱢﻧﻲ َﺑ ِﺮي ٌء ﱢﻣ ﱠﻤﺎ‬ ‫ٰه َذا َرﺑﱢﻲ َ‬
‫ﺎل َ‬‫ﺎز َﻏ ًﺔ َﻗ َ‬
‫ﺲ َﺑ ِ‬
‫( َﻓﻠَ ﱠﻤﺎ َرأَى ﱠ‬
‫اﻟﺸ ْﻤ َ‬
‫ﻮن )‪ (78‬اﻷﻧﻌﺎم ‪.‬‬ ‫ُﺗ ْﺸ ِﺮ ُﻛ َ‬
 ‫‪38‬‬

‫وﻛﺬﻟﻚ وﺻﻒ أﻫﻞ اﻟﻜﺘﺎب ﺑﺎﻟﻜﻔﺮ ﯾﺠﺎﻓﻰ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ ﻓﻘﺪ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻦ أﻫﻞ اﻟﻜﺘﺎب )‬
‫ون )‪ (113‬أل‬ ‫ْﻞ َو ُﻫ ْﻢ َﯾ ْﺴ ُﺠ ُﺪ َ‬ ‫اﷲِ آ َﻧﺎ َء اﻟﻠﱠﯿ ِ‬
‫ﺎت ﱠ‬ ‫ﻮن آ َﯾ ِ‬ ‫ﺎب أُ ﱠﻣ ٌﺔ َﻗﺎ ِﺋ َﻤ ٌﺔ َﯾ ْﺘﻠُ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ْﺴﻮا َﺳ َﻮا ًءۗ ﱢﻣ ْﻦ أ ْﻫ ِﻞ اﻟ ِﻜ َﺘ ِ‬ ‫ﻟَﯿ ُ‬
‫ﻋﻤﺮان ‪ .‬ﻓﺴﻤﻰ اﻟﻨﺺ أﯾﺎت اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪس آﯾﺎت اﷲ ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﯿﺔ أﺧﺮى ﻧﺠﺪ ﺑﻌﺾ‬
‫اﻵﯾﺎت ﻗﺪ ﯾُﻔﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﻏﯿﺮ ذﻟﻚ ‪.‬‬
‫ﯿﺢ َﯾﺎ َﺑﻨِﻲ إِ ْﺳ َﺮاﺋ َ‬
‫ِﯿﻞ‬ ‫ﺎل ْاﻟ َﻤ ِﺴ ُ‬ ‫ْﻦ َﻣ ْﺮ َﯾ َﻢۖ َو َﻗ َ‬ ‫ﯿﺢ اﺑ ُ‬‫اﷲَ ُﻫ َﻮ ْاﻟ َﻤ ِﺴ ُ‬ ‫ِﯾﻦ َﻗﺎﻟُﻮا إ ﱠن ﱠ‬
‫ِ‬ ‫ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ )ﻟَ َﻘ ْﺪ َﻛ َﻔ َﺮ اﻟﱠﺬ َ‬
‫ﺎرۖ َو َﻣﺎ‬ ‫ﺎﷲِ َﻓ َﻘ ْﺪ َﺣ ﱠﺮ َم اﷲﱠُ َﻋﻠَ ْﯿ ِﻪ ْاﻟ َﺠﱠﻨ َﺔ َو َﻣ ْﺄ َوا ُه اﻟﱠﻨ ُ‬
‫ُﺸﺮ ْك ﺑ ﱠ‬
‫ﱠﻜ ْﻢۖ إِﱠﻧ ُﻪ َﻣﻦ ﯾ ْ ِ ِ‬ ‫اﷲَ َرﺑﱢﻲ َو َرﺑ ُ‬ ‫اﻋُﺒ ُﺪوا ﱠ‬ ‫ْ‬
‫ٰ ٍه إِﱠﻻ إِ َٰ‬
‫ل ٌه‬ ‫ِﻦ إِ َل‬
‫ِﺚ َﺛ َﻼ َﺛ ٍﺔۘ َو َﻣﺎ ﻣ ْ‬ ‫ِﯾﻦ َﻗﺎﻟُﻮا إ ﱠن ﱠ‬
‫اﷲَ َﺛﺎﻟ ُ‬ ‫ﺎر )‪ (72‬ﻟﱠ َﻘ ْﺪ َﻛ َﻔ َﺮ اﻟﱠﺬ َ‬ ‫ِﻦ أَ َ‬ ‫ِﯿﻦ ﻣ ْ‬ ‫ﻟﱠ‬
‫ِ‬ ‫ﻧﺼ ٍ‬ ‫ِﻠﻈﺎﻟِﻤ َ‬
‫اب أَﻟِﯿ ٌﻢ )‪ (73‬اﻟﻤﺎﺋﺪة‬ ‫ِﯾﻦ َﻛ َﻔ ُﺮوا ِﻣ ْﻨ ُﻬ ْﻢ َﻋ َﺬ ٌ‬ ‫ﻮن ﻟََﯿ َﻤ ﱠﺴ ﱠﻦ اﻟﱠﺬ َ‬ ‫اﺣ ٌﺪۚ َوإِن ﻟﱠ ْﻢ َﯾﻨ َﺘ ُﻬﻮا َﻋ ﱠﻤﺎ َﯾ ُﻘﻮﻟُ َ‬ ‫َو ِ‬
‫ﻫﺬه اﻵﯾﺔ ﻣﻤﺎ ﯾﺴﺎء ﻓﻬﻤﻬﺎ ﻛﺜﯿﺮاً ‪ ،‬ﺣﯿﺚ ﯾﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ اﻟﻤﺘﻄﺮﻓﯿﻦ أو ﻛﻤﺎ وﺻﻔﻬﻢ اﻟﻨﺺ اﻟﺬﯾﻦ‬
‫ﻓﻰ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻣﺮض ﻹدﻋﺎء أن اﻟﻤﺴﯿﺤﻰ اﻟﺬي ﯾﻘﻮل أن اﻟﻤﺴﯿﺢ إﻟﻪ ﻫﻮ ﻛﺎﻓﺮ ‪ ،‬وﻫﺬا ﻏﯿﺮ‬
‫ﺻﺤﯿﺢ ﻓﺎﻟﻤﻘﺼﻮد ﺑﺎﻟﻜﻔﺮ ﻫﻨﺎ ﻫﻮ ﻛﻔﺮ اﻟﺠﺤﻮد وﯾﻌﻮد ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﯾﺨﻔﻰ اﻟﻌﻠﻢ وﯾﻜﺎﺑﺮ وﯾﺠﺤﺪ‬
‫ﺑﺎﻹﯾﻤﺎن رﻏﻢ ﻋﻠﻤﻪ ‪،‬‬
‫ﻓﻘﻮﻟﻪ ) ﻟﻘﺪ ﻛﻔﺮ اﻟﺬﯾﻦ ﻗﺎﻟﻮا ( ﻟﯿﺲ ﻣﻌﻨﺎه أن ﻛﻞ ﻣﻦ ﯾﻘﻮل ذﻟﻚ ﻓﻬﻮ ﻛﺎﻓﺮ ﻓﺎﻵﯾﺔ ﻟﻢ ﺗﺄﺗﻰ‬
‫ﺑﺼﯿﻐﺔ ﻟﻘﺪ ﻛﻔﺮ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻘﻮﻟﻮن ‪ ،‬وﻟﻜﻦ اﻵﯾﺔ أﺗﺖ ﺑﺼﯿﻐﺔ اﻟﻤﺎﺿﻰ ‪ ،‬ﻓﻘﺼﺪ ﺑﺬﻟﻚ أوﻟﺌﻚ‬
‫اﻟﺬﯾﻦ ﺷﻬﺪوا اﻟﻤﺴﯿﺢ وﻋﺎﺻﺮوه وﻟﻜﻨﻬﻢ ﺑﺪﻟﻮا ﻣﺎ ﻗﯿﻞ ﻟﻬﻢ ‪ ،‬وﻟﺬﻟﻚ ﺗﻜﻤﻠﺔ اﻵﯾﺔ ﻛﺎن رد‬
‫ِﯿﻞ ( أى أن اﻵﯾﺔ ﺗﺸﯿﺮ أن ﻫﻨﺎك ﻣﻦ‬ ‫ﯿﺢ َﯾﺎ َﺑﻨِﻲ إِ ْﺳ َﺮاﺋ َ‬ ‫ﺎل ْاﻟ َﻤ ِﺴ ُ‬ ‫اﻟﻤﺴﯿﺢ ﻋﻠﯿﻬﻢ ﻣﺒﺎﺷﺮة ) َو َﻗ َ‬
‫ﺗﻼﻋﺐ ﻓﻰ ﻣﺴﺄﻟﺔ أﻟﻮﻫﯿﺔ اﻟﻤﺴﯿﺢ ﻓﻰ اﻟﻌﻬﺪ اﻷول ‪ .‬وﻟﺬﻟﻚ ﺧﺎﻃﺐ اﻟﻨﺺ اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﯿﻦ ﻓﻰ‬
‫ﻧﻔﺲ اﻟﺴﻮرة ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺑﺂﯾﺘﯿﻦ ﺑﺘﺴﻤﯿﺘﻬﻢ ﺑﺄﻫﻞ اﻟﻜﺘﺎب وﻧﺒﺒ ّﻬﻢ أن ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻬﻢ ﻗﺪ ﺿﻠﻮا ﻷﻧﻬﻢ إﺗﺒﻌﻮا‬
‫ْ َ ْ‬
‫ﺎب َﻻ‬‫اﻟﻤﺨﺎﻃﺒﯿﻦ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﺿﺎﻟﯿﻦ ﻣﺜﻠﻬﻢ ‪ ،‬ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) ُﻗﻞ َﯾﺎ أ ْﻫ َﻞ اﻟ ِﻜ َﺘ ِ‬ ‫َ‬ ‫أﻫﻮاﺋﻬﻢ وﻟﻢ ﯾﺴﻤﻰ‬
‫ﺿﻠﱡﻮا‬ ‫ِﯿﺮا َو َ‬‫ﺿﻠﱡﻮا َﻛﺜ ً‬ ‫ْﻞ َوأَ َ‬ ‫ﺿﻠﱡﻮا ﻣِﻦ َﻗﺒ ُ‬ ‫ْﺮ ْاﻟ َﺤ ﱢﻖ َو َﻻ َﺗﱠﺘ ِﺒ ُﻌﻮا أَ ْﻫ َﻮا َء َﻗ ْﻮ ٍم َﻗ ْﺪ َ‬ ‫َﺗ ْﻐﻠُﻮا ﻓِﻲ دِﯾﻨ ُ‬
‫ِﻜ ْﻢ َﻏﯿ َ‬
‫ﯿﻞ )‪ (77‬اﻟﻤﺎﺋﺪة ‪.‬‬ ‫اﻟﺴ ِﺒ ِ‬
‫َﻋﻦ َﺳ َﻮا ِء ﱠ‬
‫ون )‪َ (70‬ﯾﺎ أَ ْﻫ َﻞ‬ ‫اﷲِ َوأَﻧُﺘ ْﻢ َﺗ ْﺸ َﻬ ُﺪ َ‬ ‫ﺎت ﱠ‬ ‫ون ِﺑﺂ َﯾ ِ‬‫ﺎب ﻟِ َﻢ َﺗ ْﻜ ُﻔ ُﺮ َ‬ ‫َ ْ‬
‫أﻣﺎ ﻓﻰ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َﯾﺎ أ ْﻫ َﻞ اﻟ ِﻜ َﺘ ِ‬
‫ﻮن )‪ (71‬أل ﻋﻤﺮان ‪.‬ﻓﺎﻟﻨﺺ‬ ‫ﻮن ْاﻟ َﺤ ﱠﻖ َوأَﻧُﺘ ْﻢ َﺗ ْﻌﻠَ ُﻤ َ‬ ‫ﺎﻃ ِﻞ َو َﺗ ْﻜُﺘ ُﻤ َ‬ ‫ﻮن ْاﻟ َﺤ ﱠﻖ ِﺑ ْﺎﻟ َﺒ ِ‬ ‫ﺎب ﻟِ َﻢ َﺗْﻠ ِﺒ ُﺴ َ‬ ‫ْ‬
‫اﻟ ِﻜ َﺘ ِ‬
‫ﻻ ﯾﻌﻤﻢ ﺻﻔﺔ اﻟﻜﻔﺮ رﻏﻢ ﻇﺎﻫﺮ اﻵﯾﺔ ‪،‬‬
‫ﻓﺮﺑﻄﻪ ﺑﺎﻟﺴﻠﻮك وإﺧﻔﺎء اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ‪ ،‬واﻵﯾﺎت اﻟﺘﻰ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻓﻰ ﻧﻔﺲ اﻟﺴﻮرة ﺗﻔﺼﻞ ﻓﺼﻼ ً‬
‫ﺑﯿﻨﺎ‬
‫ﺑﯿﻦ ﻣﻦ ﻻ ﯾﻌﻠﻢ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ وﻣﻦ ﯾﻜﺬب رﻏﻢ ﻋﻠﻤﻪ وﯾﺨﻔﻰ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ‪ ،‬ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ‬
 ‫‪39‬‬

‫ﺎر َو ْاﻛ ُﻔ ُﺮوا‬ ‫ِﯾﻦ آ َﻣُﻨﻮا َو ْﺟ َﻪ اﻟﱠﻨ َﻬ ِ‬ ‫ﺎب آ ِﻣُﻨﻮا ِﺑﺎﻟﱠﺬِي أُ ْﻧ ِﺰ َل َﻋﻠَﻰ اﻟﱠﺬ َ‬ ‫) َو َﻗﺎﻟَ ْﺖ َﻃﺎ ِﺋ َﻔ ٌﺔ ﻣ ْ َ ْ‬
‫ِﻦ أ ْﻫ ِﻞ اﻟ ِﻜ َﺘ ِ‬
‫ُﺆ َﺗﻰ‬ ‫اﷲِ أَ ْن ﯾ ْ‬ ‫ﻮن )‪َ (72‬و َﻻ ُﺗ ْﺆ ِﻣُﻨﻮا إ ﱠﻻ ﻟِ َﻤ ْﻦ َﺗﺒ َﻊ دِﯾ َﻨ ُﻜ ْﻢ ُﻗ ْﻞ إ ﱠن ْاﻟ ُﻬﺪَى ُﻫﺪَى ﱠ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫آﺧ َﺮ ُه ﻟَ َﻌﻠﱠ ُﻬ ْﻢ َﯾ ْﺮ ِﺟ ُﻌ َ‬ ‫ِ‬
‫اﺳ ٌﻊ‬ ‫ُﺆﺗِﯿ ِﻪ َﻣ ْﻦ َﯾ َﺸﺎ ُء َواﷲﱠُ َو ِ‬ ‫اﷲِ ﯾ ْ‬ ‫ﻀ َﻞ ﺑ َﯿ ِﺪ ﱠ‬ ‫ْ‬
‫ﱢﻜ ْﻢ ُﻗﻞ إِ ﱠن اﻟ َﻔ ْ ِ‬
‫ﻮﻛ ْﻢ ِﻋ ْﻨ َﺪ َرﺑ ُ ْ‬ ‫ﺎﺟ ُ‬ ‫ُﺤ ﱡ‬‫أَ َﺣ ٌﺪ ﻣ ِْﺜ َﻞ َﻣﺎ أُوﺗِﯿُﺘ ْﻢ أَ ْو ﯾ َ‬
‫ﻀ ِﻞ ْاﻟ َﻌ ِﻈﯿﻢ )‪َ (74‬وﻣ ْ َ ْ‬ ‫ﺺ ِﺑ َﺮ ْﺣ َﻤ ِﺘ ِﻪ َﻣ ْﻦ َﯾ َﺸﺎ ُء َواﷲﱠُ ُذو ْاﻟ َﻔ ْ‬ ‫َﻋﻠِﯿ ٌﻢ )‪َ (73‬ﯾ ْﺨ َﺘ ﱡ‬
‫ﺎب َﻣ ْﻦ‬ ‫ِﻦ أ ْﻫ ِﻞ اﻟ ِﻜ َﺘ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْﻚ إِﱠﻻ َﻣﺎ ُد ْﻣ َﺖ َﻋﻠَ ْﯿ ِﻪ َﻗﺎ ِﺋ ًﻤﺎ‬ ‫ُﺆ ﱢد ِه إِﻟَﯿ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُﺆ ﱢد ِه إِﻟَﯿ َ‬ ‫ْ‬
‫ﺎر َﻻ ﯾ َ‬ ‫ْﻚ َو ِﻣ ْﻨ ُﻬ ْﻢ َﻣ ْﻦ إِ ْن َﺗﺄ َﻣ ْﻨ ُﻪ ِﺑﺪِﯾ َﻨ ٍ‬ ‫ﺎر ﯾ َ‬‫إِ ْن َﺗﺄ َﻣ ْﻨ ُﻪ ِﺑ ِﻘ ْﻨ َﻄ ٍ‬
‫ِب َو ُﻫ ْﻢ َﯾ ْﻌﻠَ ُﻤ َ‬ ‫اﷲِ ْاﻟ َﻜﺬ َ‬‫ﻮن َﻋﻠَﻰ ﱠ‬ ‫ﯿﻞ َو َﯾ ُﻘﻮﻟُ َ‬ ‫ﱢﯿﻦ َﺳﺒ ٌ‬ ‫ُْ‬ ‫ِﻚ ِﺑَﺄﱠﻧ ُﻬ ْﻢ َﻗﺎﻟُﻮا ﻟَﯿ َ‬
‫ﻮن )‪(75‬‬ ‫ْﺲ َﻋﻠَ ْﯿ َﻨﺎ ﻓِﻲ اﻷ ﱢﻣﯿ َ ِ‬ ‫َذﻟ َ‬
‫ون ﺑ َﻌ ْﻬ ِﺪ ﱠ‬ ‫ِﯿﻦ )‪ (76‬إِ ﱠن اﻟﱠﺬ َ‬ ‫ُﺤ ﱡﺐ ْاﻟ ُﻤﱠﺘﻘ َ‬ ‫َﺑﻠَﻰ َﻣ ْﻦ أَ ْو َﻓﻰ ﺑ َﻌ ْﻬ ِﺪ ِه َواﱠﺗ َﻘﻰ َﻓﺈ ﱠن ﱠ‬
‫اﷲِ‬ ‫ِﯾﻦ َﯾ ْﺸ َﺘ ُﺮ َ ِ‬ ‫اﷲَ ﯾ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ﱠُ‬ ‫ﱢ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ْﻬ ْﻢ َﯾ ْﻮ َم‬‫ِﻬ ْﻢ َﺛ َﻤ ًﻨﺎ َﻗﻠِﯿﻼ أوﻟﺌِﻚ َﻻ َﺧ َﻼ َق ﻟ ُﻬ ْﻢ ﻓِﻲ اﻵ ِﺧ َﺮ ِة َو َﻻ ُﯾ َﻜﻠ ُﻤ ُﻬ ُﻢ اﷲ َو َﻻ َﯾ ْﻨﻈ ُﺮ إِﻟﯿ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َوأ ْﯾ َﻤﺎﻧ ِ‬
‫ْ‬ ‫اب أَﻟِﯿ ٌﻢ )‪َ (77‬وإ ﱠن ِﻣ ْﻨ ُﻬ ْﻢ ﻟَ َﻔﺮ ًﯾﻘﺎ َﯾْﻠ ُﻮ َ َْ‬ ‫ْاﻟ ِﻘ َﯿﺎ َﻣ ِﺔ َو َﻻ ﯾ َ‬
‫ﺎب ﻟَِﺘ ْﺤ َﺴﺒُﻮ ُه‬ ‫ون أﻟ ِﺴ َﻨ َﺘ ُﻬ ْﻢ ِﺑﺎﻟ ِﻜ َﺘ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﯿﻬ ْﻢ َوﻟَ ُﻬ ْﻢ َﻋ َﺬ ٌ‬ ‫ُﺰ ﱢﻛ ِ‬
‫ﻮن َﻋﻠَﻰ‬ ‫اﷲِ َو َﯾ ُﻘﻮﻟُ َ‬ ‫ِﻦ ِﻋ ْﻨ ِﺪ ﱠ‬ ‫اﷲِ َو َﻣﺎ ُﻫ َﻮ ﻣ ْ‬ ‫ِﻦ ِﻋ ْﻨ ِﺪ ﱠ‬ ‫ﻮن ُﻫ َﻮ ﻣ ْ‬ ‫ﺎب َو َﯾ ُﻘﻮﻟُ َ‬ ‫ﺎﻫ َﻮ ﻣ َ ْ‬
‫ِﻦ اﻟ ِﻜ َﺘ ِ‬ ‫ﺎب َو َﻣ ُ‬ ‫ﻣَ ْ‬
‫ِﻦ اﻟ ِﻜ َﺘ ِ‬
‫ﻮل‬‫ُﻮ َة ُﺛ ﱠﻢ َﯾ ُﻘ َ‬ ‫ﺎب َو ْاﻟ ُﺤ ْﻜ َﻢ َواﻟﱡﻨﺒ ﱠ‬ ‫ُﺆ ِﺗ َﯿ ُﻪ اﷲﱠُ ْاﻟ ِﻜ َﺘ َ‬
‫ﺎن ﻟَِﺒ َﺸ ٍﺮ أَ ْن ﯾ ْ‬ ‫ﻮن )‪َ (78‬ﻣﺎ َﻛ َ‬ ‫ِب َو ُﻫ ْﻢ َﯾ ْﻌﻠَ ُﻤ َ‬ ‫اﷲِ ْاﻟ َﻜﺬ َ‬ ‫ﱠ‬
‫ﺎب َو ِﺑ َﻤﺎ ُﻛ ْﻨُﺘ ْﻢ‬ ‫ﻮن ْاﻟ ِﻜ َﺘ َ‬
‫ﱢﯿﻦ ِﺑ َﻤﺎ ُﻛ ْﻨُﺘ ْﻢ ُﺗ َﻌﻠﱢ ُﻤ َ‬ ‫ِﻦ ُﻛﻮُﻧﻮا َرﺑﱠﺎ ِﻧﯿ َ‬ ‫اﷲِ َوﻟَﻜ ْ‬‫ِﻦ ُدون ﱠ‬
‫ﺎس ُﻛﻮُﻧﻮا ِﻋ َﺒﺎ ًدا ﻟِﻲ ﻣ ْ ِ‬ ‫ﻟِﻠﱠﻨ ِ‬
‫ﻮن )‪ (79‬آل ﻋﻤﺮان ‪.‬‬ ‫َﺗ ْﺪ ُر ُﺳ َ‬
‫وﻧﻌﻮد ﻟﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ) ﻟﻘﺪ ﻛﻔﺮ اﻟﺬﯾﻦ ﻗﺎﻟﻮا ( ﻓﺎﻟﺘﻌﺒﯿﺾ ) إﺳﺘﺨﺪام ﺣﺮف ﻣﻦ ( ﻓﻰ ﻧﻬﺎﯾﺔ‬
‫ِﯾﻦ َﻛ َﻔ ُﺮوا ِﻣ ْﻨ ُﻬ ْﻢ ( ﯾﺸﯿﺮ أن اﻟﻨﺺ ﻻ‬ ‫ﻮن ﻟََﯿ َﻤ ﱠﺴ ﱠﻦ اﻟﱠﺬ َ‬ ‫اﻵﯾﺎت ﻓﻰ ﻗﻮﻟﻪ ) َوإِن ﻟﱠ ْﻢ َﯾﻨ َﺘ ُﻬﻮا َﻋ ﱠﻤﺎ َﯾ ُﻘﻮﻟُ َ‬
‫ﯾﻌﻤﻢ ﻓﺎﻵﯾﺔ ﻟﻢ ﺗﻘﻮل ﻓﺈن ﻟﻢ ﯾﻨﺘﻬﻮا ﻋﻤﺎ ﯾﻘﻮﻟﻮن ﻟﯿﻤﺴﻬﻢ ﻋﺬاب ‪ ،‬وﻟﻜﻦ ﻟﻤﺎ ﺟﺎء ﺣﺮف ﻣﻦ‬
‫ﻟﻠﺘﺒﻌﯿﺾ ﻓﻬﻤﻨﺎ أن اﻟﻤﻘﺼﻮد أن ﻣﻤﻦ ﯾﻘﻮﻟﻮن ﻟﻦ ﯾﻤﺴﻬﻢ ﻋﺬاب ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻌﺬاب وإﻃﻼق ﺻﻔﺔ‬
‫اﻟﻜﻔﺮ ﻫﻮ ﻟﻤﻦ ﯾﻘﻮل ذﻟﻚ وﻫﻮ ﯾﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﺧﻼﻓﻪ ‪ ،‬ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﯾﻔﺴﺮ زورا اﻟﺘﺒﯿﻌﺾ ﺑﻐﯿﺮ‬
‫ﻣﻌﻨﺎه ﻷﻧﻪ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﺮﻣﻰ ﻛﻞ أﻫﻞ اﻟﻜﺘﺎب ﺑﺎﻟﻜﻔﺮ ﻓﯿﻘﻮل ﺑﺄن ﻫﻨﺎك ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﯿﻦ ﻻ‬
‫ﺗﺆﻣﻦ ﺑﺄﻟﻮﻫﯿﺔ اﻟﻤﺴﯿﺢ ! أو أن ﻫﻨﺎك ﻣﻦ أﻧﺘﻬﻰ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﻦ اﻟﻘﻮل ﺑﺄن اﻟﻤﺴﯿﺢ ﺛﺎﻟﺚ ﺛﻼﺛﺔ و‬
‫ﻫﺆﻻء ﻫﻢ اﻟﺬﯾﻦ ﻟﻦ ﯾﻤﺴﻬﻢ ﻋﺬاب واﻟﻤﻘﺼﻮدﯾﻦ ﺑﺎﻟﺘﺒﻌﯿﺾ ‪ ،‬و ﻫﺬا ﺗﺤﺎﯾﻞ واﻟﺘﻔﺎف ‪ ،‬ﻷﻧﻪ‬
‫ﻟﻮ أن اﻟﻨﺺ ﻗﺪ ﺟﺎء ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ وإن ﻟﻢ ﯾﻨﺘﻬﻮا ﻋﻤﺎ ﯾﻘﻮﻟﻮن ﻟﯿﻤﺴﻬﻢ ﻋﺬاب ‪ ،‬ﻟﻔﻬﻤﻨﺎ أن‬
‫اﻟﻨﺺ ﯾﺸﻤﻠﻬﻢ ﺟﻤﯿﻌﺎ إذا ﻟﻢ ﯾﻨﺘﻬﻮا ﻋﻦ اﻟﻘﻮل وﻟﻜﻦ اﻟﺘﺒﯿﻌﺾ ﻫﻨﺎ ﯾﺸﯿﺮ أن ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﯾﻘﻮل‬
‫وﻟﻜﻦ ﻟﻦ ﯾﻤﺴﻪ ﻋﺬاب وﻟﯿﺲ ﻛﺎﻓﺮ ‪.‬‬
‫ِﻚ َﻗ ْﻮﻟُ ُﻬ ْﻢ‬‫اﷲِ َذﻟ َ‬‫ْﻦ ﱠ‬ ‫ﯿﺢ اﺑ ُ‬‫ﺎرى ْاﻟ َﻤ ِﺴ ُ‬ ‫ﺼَ‬ ‫اﷲِ َو َﻗﺎﻟَ ِﺖ اﻟﱠﻨ َ‬ ‫ْﻦ ﱠ‬ ‫ْﺮ اﺑ ُ‬‫أﻣﺎ ﻗﻮﻟﻪ ) َو َﻗﺎﻟَ ِﺖ ْاﻟ َﯿ ُﻬﻮ ُد ُﻋ َﺰﯾ ٌ‬
‫ﻮن )‪ (30‬اﱠﺗ َﺨ ُﺬوا‬ ‫ُﺆ َﻓ ُﻜ َ‬‫ْﻞ َﻗﺎ َﺗﻠَ ُﻬ ُﻢ اﷲﱠُ أَﱠﻧﻰ ﯾ ْ‬ ‫ِﻦ َﻗﺒ ُ‬ ‫ِﯾﻦ َﻛ َﻔ ُﺮوا ﻣ ْ‬ ‫ﻮن َﻗ ْﻮ َل اﻟﱠﺬ َ‬ ‫ﺎﻫُﺌ َ‬ ‫ُﻀ ِ‬ ‫اﻫ ِﻬ ْﻢ ﯾ َ‬ ‫ِﺑَﺄ ْﻓ َﻮ ِ‬
‫اﺣ ًﺪا‬‫ِﺮوا إِﱠﻻ ﻟَِﯿ ْﻌُﺒ ُﺪوا إِﻟَ ًﻬﺎ َو ِ‬ ‫ْﻦ َﻣ ْﺮ َﯾ َﻢ َو َﻣﺎ أُﻣ ُ‬ ‫ﯿﺢ اﺑ َ‬ ‫اﷲِ َو ْاﻟ َﻤ ِﺴ َ‬‫ِﻦ ُدون ﱠ‬ ‫َ‬
‫ﺎر ُﻫ ْﻢ َو ُر ْﻫ َﺒﺎ َﻧ ُﻬ ْﻢ أ ْر َﺑﺎﺑًﺎ ﻣ ْ ِ‬ ‫أَ ْﺣ َﺒ َ‬
 ‫‪40‬‬

‫اﻫﻬ ْﻢ َو َﯾ ْﺄ َﺑﻰ اﷲﱠُ‬ ‫ُﻄ ِﻔُﺌﻮا ُﻧ َ ﱠ َ‬ ‫ون أَ ْن ﯾ ْ‬

‫ﻮر اﷲِ ِﺑﺄ ْﻓ َﻮ ِ ِ‬ ‫ُﺮﯾ ُﺪ َ‬ ‫ﻮن )‪ (31‬ﯾ ِ‬ ‫ُﺸ ِﺮ ُﻛ َ‬ ‫ْﺤﺎ َﻧ ُﻪ َﻋ ﱠﻤﺎ ﯾ ْ‬ ‫َﻻ إِﻟَ َﻪ إِﱠﻻ ُﻫ َﻮ ُﺳﺒ َ‬
‫ون )‪ (32‬اﻟﺘﻮﺑﺔ ‪.‬‬ ‫ِﺮ َ‬ ‫ﻮر ُه َوﻟَ ْﻮ َﻛ ِﺮ َه ْاﻟ َﻜﺎﻓ ُ‬‫إِﱠﻻ أَ ْن ُﯾ ِﺘ ﱠﻢ ُﻧ َ‬
‫ﻓﻬﺬه اﻵﯾﺎت ﻏﯿﺮ ﻣﻨﻔﺼﻠﺔ ﻋﻤﺎ ﻗﺒﻠﻬﺎ ‪ ،‬وﻫﻰ ﻣﻦ ﺳﻮرة اﻟﺘﻮﺑﺔ وﻫﻰ اﻟﺴﻮرة اﻟﻮﺣﯿﺪة ﻓﻰ‬
‫‪5‬‬
‫اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ اﻟﺘﻰ ﻻ ﺗﺒﺪأ ﺑﺎﻟﺒﺴﻤﻠﺔ وﺗﺪﻋﻮ ﻟﻠﺤﺮب ورد اﻹﻋﺘﺪاء ﻓﻘﻮﻟﻪ ﻗﺎﺗﻠﻬﻢ اﷲ ﻟﯿﺲ‬
‫ﺑﺴﺒﺐ إﻋﺘﻘﺎدﻫﻢ ﺑﻞ ﺑﺴﺒﺐ ﺳﻠﻮﻛﻬﻢ ) ﻓﺎﻟﻨﺺ ﻫﻨﺎ ﯾﺪﻋﻮا ﻟﻘﺘﺎﻟﻬﻢ ﻷﻧﻬﻢ أﻋﺘﺪوا ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ‬
‫( وﻛﺬﻟﻚ ﻗﻮﻟﻪ ) ﯾﺮﯾﺪون أن ﯾﻄﻔﺌﻮا ﻧﻮر اﷲ ﺑﺄﻓﻮاﻫﻬﻢ ( ﻛﻨﺎﯾﻪ ﻋﻦ ﻗﯿﺎم ﻫﺆﻻء ﺑﺤﺮب‬
‫ﻣﻌﺘﻤﺪﯾﻦ ﻓﯿﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎزﻋﻤﻮه ﻛﺬﺑﺎ ﺑﺄﻓﻮاﻫﻬﻢ و ﻣﻌﺘﻘﺪﯾﻦ أن ﻣﺎ زﻋﻤﻮه وﯾﺮﯾﺪون ﻧﺸﺮه ﺑﺎﻟﻘﻮة‬
‫ﺳﯿﻨﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻖ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ اﷲ ) ﻟﯿﺲ إرادﺗﻬﻢ إﻃﻔﺎء ﻧﻮر اﷲ ﺑﺄﻓﻮاﻫﻢ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻣﺠﺮد إﻧﺘﻘﺎد‬
‫اﻟﺪﯾﻦ ﻓﻜﻞ إﻧﺴﺎن ﺣﺮ ﻓﻰ أن ﯾﻘﻮل ﻣﺎﯾﺸﺎء ﻣﺎ دام دون إﻋﺘﺪاء ﻣﺎدى ( ‪ ،‬وﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ذﻛﺮ‬
‫اﻟﻨﺺ و ﻗﺎﻟﺖ اﻟﯿﻬﻮد وﻗﺎﻟﺖ اﻟﻨﺼﺎرى ﻗﺎل أﻧﻬﻢ ﯾﻀﺎﻫﺌﻮن ﻗﻮل ﻣﻦ ﻛﻔﺮ ﻗﺒﻠﻬﻢ ‪ ،‬وﻫﺬا ﻣﺎ‬
‫ﻟﻢ ﯾﻘﻮﻟﻪ ﻓﻰ اﻵﯾﺎت اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻣﺮﻫﻢ ﺑﻌﺪم إﺗﺒﺎع ﺳﺎﺑﻘﯿﻬﻢ وﻓﻰ ﻫﺬا دﻟﯿﻞ أن ﺗﻠﻚ اﻵﯾﺔ‬
‫ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻤﻦ أﺧﺬ ﺑﺄﻗﻮال ﺳﺎﺑﻘﯿﻪ وأﻗﺘﺪى ﺑﺄﻓﻌﺎﻟﻬﻢ ‪ ،‬ﻓﻤﻦ اﻟﺴﺎﺑﻘﯿﻦ ﻣﻦ ﻗﺪ ﻏﯿﺮ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻗﯿﻞ ﻟﻬﻢ‬
‫ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺳﻤﻌﻮه ﺑﺄذاﻧﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﯿﺢ ‪ ،‬وﻫﺆﻻء أﻗﺎﻣﻮا ﺣﺮوب دﯾﻨﯿﺔ ﻟﻨﺸﺮ ﻣﺎ أﺧﺬوه ﻋﻦ‬
‫اﻷﺣﺒﺎر واﻟﺮﻫﺒﺎن دون ﺗﻔﻜﯿﺮ إﻋﺘﻘﺎداً ﻣﻨﻬﻢ أن ﻣﺎ ﯾﻘﻮﻟﻪ ﻫﺆﻻء ﺻﺤﯿﺢ ً‬
‫دﯾﻨﯿﺎ ‪،‬‬
‫ﺛﻢ أوﺿﺢ ﻓﻰ اﻵﯾﺎت اﻟﺘﻰ ﺗﻠﯿﻬﺎ أن ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻷﺣﺒﺎر واﻟﺮﻫﺒﺎن ﯾﺨﺎﻟﻔﻮن أواﻣﺮ اﷲ‬
‫وﯾﺄﻛﻠﻮن أﻣﻮال اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﺒﺎﻃﻞ ﻓﻘﺼﺪ ﺑﺬﻟﻚ ﻛﯿﻒ ﺗﺼﺪﻗﻮﻧﻬﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺤﺪﺛﻮﻧﻜﻢ ﻓﻰ اﻟﺪﯾﻦ‬
‫ِﯿﺮا ﻣ َ ْ َ‬ ‫ِﯾﻦ آ َﻣُﻨﻮا إِ ﱠن َﻛﺜ ً‬ ‫ووﺟﻮب ﻧﺸﺮه ﺑﺎﻟﻘﻮة ﻓﻘﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َﯾﺎ أَﱡﯾ َﻬﺎ اﻟﱠﺬ َ‬
‫اﻟﺮ ْﻫ َﺒ ِ‬
‫ﺎن‬ ‫ﺎر َو ﱡ‬ ‫ِﻦ اﻷ ْﺣ َﺒ ِ‬
‫ِﻀ َﺔ َو َﻻ‬ ‫اﻟﺬ َﻫ َﺐ َو ْاﻟﻔ ﱠ‬‫ون ﱠ‬ ‫ِﺰ َ‬ ‫اﷲِ َواﻟﱠﺬ َ‬
‫ِﯾﻦ َﯾ ْﻜﻨ ُ‬ ‫ﯿﻞ ﱠ‬ ‫ون َﻋ ْﻦ َﺳ ِﺒ ِ‬ ‫ﺼ ﱡﺪ َ‬ ‫ﺎﻃ ِﻞ َو َﯾ ُ‬‫ﺎس ِﺑ ْﺎﻟ َﺒ ِ‬
‫ال اﻟﱠﻨ ِ‬ ‫ﻮن أَ ْﻣ َﻮ َ‬‫ﻟََﯿ ْﺄ ُﻛﻠُ َ‬
‫ﺎر َﺟ َﻬﱠﻨ َﻢ َﻓُﺘ ْﻜ َﻮى ِﺑ َﻬﺎ‬ ‫اﷲِ َﻓ َﺒ ﱢﺸ ْﺮ ُﻫ ْﻢ ﺑ َﻌ َﺬ ٍ َ‬‫ﯿﻞ ﱠ‬ ‫ُﯾ ْﻨﻔ ُِﻘﻮ َﻧ َﻬﺎ ﻓِﻲ َﺳ ِﺒ ِ‬
‫ُﺤ َﻤﻰ َﻋﻠَ ْﯿ َﻬﺎ ﻓِﻲ َﻧ ِ‬ ‫ِﯿﻢ )‪َ (34‬ﯾ ْﻮ َم ﯾ ْ‬ ‫اب أﻟ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ون )‪ (35‬اﻟﺘﻮﺑﺔ ‪.‬‬ ‫ِﺰ َ‬ ‫وﻗﻮا َﻣﺎ ُﻛ ْﻨُﺘ ْﻢ َﺗ ْﻜﻨ ُ‬‫ﻷ ْﻧ ُﻔ ِﺴ ُﻜ ْﻢ َﻓ ُﺬ ُ‬
‫ﻮر ُﻫ ْﻢ َﻫ َﺬا َﻣﺎ َﻛ َﻨ ْﺰُﺗ ْﻢ ِ َ‬‫ﺎﻫ ُﻬ ْﻢ َو ُﺟُﻨﻮُﺑ ُﻬ ْﻢ َو ُﻇ ُﻬ ُ‬ ‫ِﺟ َﺒ ُ‬

‫وﻫﻨﺎك آﯾﺎت أﺧﺮى ﯾﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ اﻟﺒﻌﺾ ﻹدﻋﺎء أن اﻟﻜﻔﺮ ﻋﻘﯿﺪة وﻣﺠﺮد ﻋﺪم إﯾﻤﺎن وﻟﯿﺲ‬
‫ﺳﻠﻮك وﺟﺤﻮد ﻛﺴﻮرة اﻟﻜﺎﻓﺮون ‪ ،‬ﻓﻬﻰ ﺗﺼﻒ ﻣﻦ ﯾﻌﺒﺪ ﻏﯿﺮ ﻣﺎ ﯾﻌﺒﺪ اﻟﻨﺒﻰ ﺑﺄﻧﻪ ﻣﻦ‬
‫ون )‪َ (1‬ﻻ أَ ْﻋُﺒ ُﺪ َﻣﺎ‬ ‫)ﻗ ْﻞ َﯾﺎ أَﱡﯾ َﻬﺎ ْاﻟ َﻜﺎﻓ ُ‬
‫ِﺮ َ‬ ‫اﻟﻜﺎﻓﺮﯾﻦ ‪ ،‬رﻏﻢ ذﻛﺮ ﺑﺄن ﻟﻜﻞ دﯾﻨﻪ ‪ ،‬ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ُ‬

‫‪ -- 5‬ﻗﻘﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َوإِ ْن َﻧ َﻜُﺜﻮا أَ ْﯾ َﻤﺎَﻧ ُﻬ ْﻢ ِﻣ ْﻦ َﺑ ْﻌ ِﺪ َﻋ ْﻬ ِﺪ ِﻫ ْﻢ َو َﻃ َﻌُﻨﻮا ِﻓﻲ ِدﯾِﻨ ُﻜ ْﻢ َﻓ َﻘﺎِﺗﻠُﻮا أَِﺋ ﱠﻤ َﺔ اﻟْ ُﻜ ْﻔ ِﺮ إِﱠﻧ ُﻬ ْﻢ َﻻ أَ ْﯾ َﻤ َ‬
‫ﺎن ﻟَ ُﻬ ْﻢ‬
‫وﻛ ْﻢ أَ ﱠو َل َﻣ ﱠﺮ ٍة أََﺗ ْﺨ َﺸ ْﻮَﻧ ُﻬ ْﻢ‬
‫ﻮل َو ُﻫ ْﻢ َﺑ َﺪ ُء ُ‬ ‫اﻟﺮ ُﺳ ِ‬ ‫اج ﱠ‬ ‫ْ‬ ‫َُ َ‬ ‫ﻮن )‪ (12‬أَ َﻻ ُﺗ َﻘﺎِﺗﻠُ َ َ‬
‫ﻮن ﻗ ْﻮ ًﻣﺎ َﻧﻜﺜﻮا أ ْﯾ َﻤﺎَﻧ ُﻬ ْﻢ َو َﻫ ﱡﻤﻮا ِﺑِﺈﺧ َﺮ َِ‬ ‫ﻟَ َﻌﻠﱠ ُﻬ ْﻢ َﯾ ْﻨَﺘ ُﻬ َ‬
‫ﻒ‬ ‫ﺼ ْﺮ ُﻛ ْﻢ َﻋﻠَﯿ ِْﻬ ْﻢ َوَﯾ ْﺸ ِ‬ ‫ُﺨ ِﺰ ِﻫ ْﻢ َوَﯾ ْﻨ ُ‬‫ﯾﻜ ْﻢ َوﯾ ْ‬ ‫ﻮﻫ ْﻢ ُﯾ َﻌ ﱢﺬ ْﺑ ُﻬ ُﻢ اﷲﱠُ ِﺑﺄ ْﯾ ِﺪ ُ‬
‫ﯿﻦ )‪َ (13‬ﻗﺎِﺗﻠُ ُ‬ ‫َﻓﺎﷲﱠُ أَ َﺣ ﱡﻖ أَ ْن َﺗ ْﺨ َﺸ ْﻮ ُه إِ ْن ُﻛ ْﻨُﺘ ْﻢ ُﻣ ْﺆ ِﻣِﻨ َ‬
‫ﯿﻦ )‪ (14‬اﻟﺘﻮﺑﺔ ‪.‬‬ ‫ور َﻗ ْﻮ ٍم ُﻣ ْﺆ ِﻣِﻨ َ‬
‫ﺻ ُﺪ َ‬ ‫ُ‬
 ‫‪41‬‬

‫ون َﻣﺎ‬ ‫ون َﻣﺎ أَ ْﻋُﺒ ُﺪ )‪َ (3‬و َﻻ أََﻧﺎ َﻋ ِﺎﺑ ٌﺪ َﻣﺎ َﻋ َﺒ ْﺪُﺗ ْﻢ )‪َ (4‬و َﻻ أَ ْﻧُﺘ ْﻢ َﻋ ِﺎﺑ ُﺪ َ‬ ‫ون )‪َ (2‬و َﻻ أَ ْﻧُﺘ ْﻢ َﻋ ِﺎﺑ ُﺪ َ‬ ‫َﺗ ْﻌُﺒ ُﺪ َ‬
‫ِﯾﻦ )‪ ( (6‬اﻟﻜﺎﻓﺮون‬ ‫ِﻲ د ِ‬ ‫أَ ْﻋُﺒ ُﺪ )‪ (5‬ﻟَ ُﻜ ْﻢ دِﯾُﻨ ُﻜ ْﻢ َوﻟ َ‬
‫وﻟﻜﻦ اﻟﺪﯾﻦ اﻟﻤﻘﺼﻮد ﻫﻨﺎ ﻫﻮ ﻃﺮﯾﻘﻬﻢ وﻟﯿﺲ اﻟﺪﯾﻦ ﺑﻤﻌﻨﺎه اﻟﻄﻘﻮﺳﻰ ﻓﻬﻨﺎك ﻛﻔﺎر ﻟﯿﺲ ﻟﻬﻢ‬
‫دﯾﻦ ﻣﻌﯿﻦ ﯾﺘﺒﻌﻮﻧﻪ ‪ .‬وﻛﺬﻟﻚ اﻟﻌﺒﺎدة اﻟﻤﻘﺼﻮدة ﻫﻰ إﺗﺒﺎع ﺗﻌﺎﻟﯿﻢ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ‪ ،‬وﻟﯿﺲ اﻟﻌﺒﺎدة‬
‫ﺎنۖ‬‫ْﻄ َ‬ ‫ْﻜ ْﻢ َﯾﺎ َﺑﻨِﻲ آ َد َم أَن ﱠﻻ َﺗ ْﻌُﺒ ُﺪوا ﱠ‬
‫اﻟﺸﯿ َ‬ ‫ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﺘﻮﺟﻪ إﻟﻰ ﺧﺎﻟﻖ ‪ .‬ﻛﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ) أَﻟَ ْﻢ أَ ْﻋ َﻬ ْﺪ إﻟَﯿ ُ‬
‫ِ‬
‫ﯿﻦ )‪ (60‬ﯾﺲ ‪،‬‬ ‫إِﱠﻧ ُﻪ ﻟَ ُﻜ ْﻢ َﻋ ُﺪ ﱞو ﱡﻣ ِﺒ ٌ‬
‫وﯾﺘﺒﻘﻰ أن ﻧﻔﻬﻢ ﻓﻰ ﻫﺬا اﻹﻃﺎر أن ﺗﺄوﯾﻞ اﻟﺒﻌﺾ ﻟﺴﻮرة اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ ﺑﺈﻃﻼق ﺻﻔﺔ اﻟﻤﻐﻀﻮب‬
‫ﻋﻠﯿﻬﻢ ﺑﺄﻧﻬﻢ اﻟﯿﻬﻮد و ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻟﻀﺎﻟﯿﻦ ﺑﺄﻧﻬﻢ اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﯿﻦ ‪ ،‬ﻫﻮ ﺗﺄوﯾﻞ ﻣﺨﺎﻟﻒ ﻟﻠﺤﻘﯿﻘﺔ ‪ ،‬ﻷن‬
‫ﻏﻀﺐ اﷲ وﺿﻼل اﻟﺒﻌﺾ ﻻ ﯾﺨﺘﺺ ﺑﻬﻢ أﺗﺒﺎع دﯾﻦ ﻣﻌﯿﻦ ﻓﻜﻤﺎ رأﯾﻨﺎ أن اﻟﻨﺼﻮص ﻛﻠﻬﺎ‬
‫اﻟﺘﻰ ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻦ اﻵﺧﺮﯾﻦ ﻻ ﺗﻌﻤﻤﻬﻢ ‪،‬‬
‫اﻹ ْﺳ َﻼ ِم دِﯾ ًﻨﺎ َﻓﻠَ ْﻦ ﯾ ُْﻘ َﺒ َﻞ ِﻣ ْﻨ ُﻪ َو ُﻫ َﻮ‬ ‫ْﺮ ِ‬
‫وﻛﺬﻟﻚ ﯾُﻔﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﺧﺎﻃﺊ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َو َﻣ ْﻦ َﯾ ْﺒ َﺘﻎ َﻏﯿ َ ْ‬
‫ِ‬
‫ﯾﻦ )‪ (85‬آل ﻋﻤﺮان‪ ،‬ﻓﺎﻵﯾﺎت اﻟﺘﻰ ﻗﺒﻠﻬﺎ ﺗﻮﺿﺢ أن اﻹﺳﻼم دﯾﻦ‬ ‫ﺎﺳ ِﺮ َ‬‫ِﻦ ْاﻟ َﺨ ِ‬ ‫ﻓِﻲ ْاﻵ ِﺧ َﺮ ِة ﻣ َ‬
‫اﻷﻧﺒﯿﺎء ﺟﻤﯿﻌﺎ واﻟﻤﻘﺼﻮد ﺑﺎﻟﺪﯾﻦ ﻫﻨﺎ ﻫﻮ إﺗﺒﺎع اﻟﺘﻌﺎﻟﯿﻢ اﻹﻟﻬﯿﺔ وﻟﯿﺲ ﻓﻘﻂ ﻣﺠﺮد اﻹﯾﻤﺎن ‪،‬‬
‫ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ‬
‫ﺎس ُﻛﻮُﻧﻮا ِﻋ َﺒﺎ ًدا ﻟِﻲ ﻣ ْ‬
‫ِﻦ‬ ‫ﻮل ﻟِﻠﱠﻨ ِ‬ ‫ُﻮ َة ُﺛ ﱠﻢ َﯾ ُﻘ َ‬
‫ﺎب َو ْاﻟ ُﺤ ْﻜ َﻢ َواﻟﱡﻨﺒ ﱠ‬ ‫ُﺆ ِﺗ َﯿ ُﻪ اﷲﱠُ ْاﻟ ِﻜ َﺘ َ‬
‫ﺎن ﻟَِﺒ َﺸ ٍﺮ أَ ْن ﯾ ْ‬ ‫) َﻣﺎ َﻛ َ‬
‫ﻮن )‪َ (79‬و َﻻ‬ ‫ﺎب َو ِﺑ َﻤﺎ ُﻛ ْﻨُﺘ ْﻢ َﺗ ْﺪ ُر ُﺳ َ‬ ‫ﻮن ْاﻟ ِﻜ َﺘ َ‬‫ﱢﯿﻦ ِﺑ َﻤﺎ ُﻛ ْﻨُﺘ ْﻢ ُﺗ َﻌﻠﱢ ُﻤ َ‬‫ِﻦ ُﻛﻮُﻧﻮا َرﺑﱠﺎ ِﻧﯿ َ‬ ‫اﷲِ َوﻟَﻜ ْ‬ ‫ُدون ﱠ‬
‫ِ‬
‫ﻮن )‪َ (80‬وإذْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ﱢﯿﻦ أ ْر َﺑﺎﺑًﺎ أ َﯾﺄ ُﻣ ُﺮ ُﻛ ْﻢ ِﺑﺎﻟ ُﻜ ْﻔ ِﺮ َﺑ ْﻌ َﺪ إِذ أ ْﻧُﺘ ْﻢ ُﻣ ْﺴﻠِ ُﻤ َ‬ ‫َﯾ ْﺄ ُﻣ َﺮ ُﻛ ْﻢ أ ْن َﺗﱠﺘ ِﺨﺬوا اﻟ َﻤ َﻼ ِﺋ َﻜ َﺔ َواﻟﱠﻨ ِﺒﯿ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ﺼ ﱢﺪ ٌق ﻟِ َﻤﺎ َﻣ َﻌ ُﻜ ْﻢ‬ ‫ﻮل ُﻣ َ‬ ‫ﺎب َو ِﺣ ْﻜ َﻤ ٍﺔ ُﺛ ﱠﻢ َﺟﺎ َء ُﻛ ْﻢ َر ُﺳ ٌ‬ ‫ِﻦ ِﻛ َﺘ ٍ‬ ‫ﱢﯿﻦ ﻟَ َﻤﺎ آ َﺗ ْﯿُﺘ ُﻜ ْﻢ ﻣ ْ‬
‫ﺎق اﻟﱠﻨ ِﺒﯿ َ‬ ‫أَ َﺧ َﺬ اﷲﱠُ ﻣِﯿ َﺜ َ‬
‫ﺎﺷ َﻬ ُﺪوا َوأََﻧﺎ‬ ‫ﺎل َﻓ ْ‬ ‫ﺻ ِﺮي َﻗﺎﻟُﻮا أَ ْﻗ َﺮ ْر َﻧﺎ َﻗ َ‬ ‫ﺎل أَأَ ْﻗ َﺮ ْرُﺗ ْﻢ َوأَ َﺧ ْﺬُﺗ ْﻢ َﻋﻠَﻰ َذﻟ ُ‬
‫ِﻜ ْﻢ إِ ْ‬ ‫ﺼ ُﺮﱠﻧ ُﻪ َﻗ َ‬ ‫ﻟَُﺘ ْﺆ ِﻣُﻨ ﱠﻦ ِﺑ ِﻪ َوﻟََﺘ ْﻨ ُ‬
‫ْﺮ دِﯾﻦ ﱠ‬
‫اﷲِ‬ ‫َ‬
‫ﻮن )‪ (82‬أ َﻓ َﻐﯿ َ ِ‬ ‫ﺎﺳ ُﻘ َ‬ ‫ِﻚ ُﻫ ُﻢ ْاﻟ َﻔ ِ‬ ‫ِﻚ َﻓُﺄوﻟَﺌ َ‬ ‫ِﯾﻦ )‪َ (81‬ﻓ َﻤ ْﻦ َﺗ َﻮﻟﱠﻰ َﺑ ْﻌ َﺪ َذﻟ َ‬ ‫ﺎﻫﺪ َ‬ ‫اﻟﺸ ِ‬ ‫ِﻦ ﱠ‬ ‫َﻣ َﻌ ُﻜ ْﻢ ﻣ َ‬
‫ﻮن )‪ُ (83‬ﻗ ْﻞ آ َﻣﱠﻨﺎ‬ ‫ُﺮ َﺟ ُﻌ َ‬ ‫ض َﻃ ْﻮ ًﻋﺎ َو َﻛ ْﺮ ًﻫﺎ َوإِﻟَ ْﯿ ِﻪ ﯾ ْ‬ ‫ﺎو ِ ْ َ‬ ‫ﻮن َوﻟَ ُﻪ أَ ْﺳﻠَ َﻢ َﻣ ْﻦ ﻓِﻲ ﱠ‬ ‫َﯾ ْﺒ ُﻐ َ‬
‫ات َواﻷ ْر ِ‬ ‫اﻟﺴ َﻤ َ‬
‫ﺎط َو َﻣﺎ‬ ‫ﻮب َو ْ َ‬
‫اﻷ ْﺳ َﺒ ِ‬ ‫ﺎق َو َﯾ ْﻌ ُﻘ َ‬ ‫ﯿﻞ َوإِ ْﺳ َﺤ َ‬ ‫ﺎﻋ َ‬ ‫اﻫﯿ َﻢ َوإِ ْﺳ َﻤ ِ‬ ‫ْﺮ ِ‬ ‫ﺎﷲِ َو َﻣﺎ أُ ْﻧ ِﺰ َل َﻋﻠَ ْﯿ َﻨﺎ َو َﻣﺎ أُ ْﻧ ِﺰ َل َﻋﻠَﻰ إِﺑ َ‬ ‫ﺑ ﱠ‬
‫ِ‬
‫ﻮن )‪(84‬‬ ‫ْﻦ أ َﺣ ٍﺪ ِﻣ ْﻨ ُﻬ ْﻢ َو َﻧ ْﺤ ُﻦ ﻟَ ُﻪ ُﻣ ْﺴﻠِ ُﻤ َ‬‫َ‬ ‫ﱢﻬ ْﻢ َﻻ ُﻧ َﻔ ﱢﺮ ُق َﺑﯿ َ‬ ‫ﯿﺴﻰ َواﻟﱠﻨ ِﺒﯿ َ‬
‫ﱡﻮن ﻣ ْ‬ ‫ُ‬
‫ِﻦ َرﺑ ِ‬ ‫ﻮﺳﻰ َو ِﻋ َ‬ ‫ِﻲ ُﻣ َ‬ ‫أوﺗ َ‬
‫أل ﻋﻤﺮان‬
‫وﯾﺘﺒﻘﻰ أﯾﻀﺎ أن أﺷﯿﺮ أن ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﯾﺤﺎول اﻟﺘﻼﻋﺐ ﺑﺎﻷﻟﻔﺎظ ‪ ،‬ﻓﯿﻘﻮل أن إﻃﻼق ﺻﻔﺔ‬
‫اﻟﻜﻔﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﯿﺤﻰ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻗﺒﯿﻞ إﻣﻜﺎﻧﯿﺔ إﻃﻼﻗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻢ ‪ ،‬إﺳﺘﻨﺎداً ﻟﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ )أَﻟَ ْﻢ َﺗ َﺮ‬
 ‫‪42‬‬

‫ون أَن َﯾ َﺘ َﺤﺎ َﻛ ُﻤﻮا إِﻟَﻰ‬ ‫ﻧﺰ َل ﻣِﻦ َﻗ ْﺒﻠ َ‬‫ُ‬ ‫ﻧﺰ َل إِﻟَﯿ َ‬‫ُ‬ ‫ِﯾﻦ َﯾ ْﺰ ُﻋ ُﻤ َ َ‬
‫إِﻟَﻰ اﻟﱠﺬ َ‬
‫ُﺮﯾ ُﺪ َ‬
‫ِﻚ ﯾ ِ‬ ‫ْﻚ َو َﻣﺎ أ ِ‬ ‫ﻮن أﱠﻧ ُﻬ ْﻢ آ َﻣُﻨﻮا ِﺑ َﻤﺎ أ ِ‬
‫ﺿ َﻼ ًﻻ َﺑﻌِﯿ ًﺪا )‪ (60‬اﻟﻨﺴﺎء ‪،‬‬ ‫ُﻀﻠﱠ ُﻬ ْﻢ َ‬
‫ﺎن أَن ﯾ ِ‬ ‫ِﺮوا أَن َﯾ ْﻜ ُﻔ ُﺮوا ِﺑ ِﻪ َوﯾُﺮﯾ ُﺪ ﱠ‬
‫اﻟﺸﯿ َ‬
‫ْﻄ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ﻮت َو َﻗ ْﺪ أُﻣ ُ‬
‫ﺎﻏ ِ‬ ‫ﱠ‬
‫اﻟﻄ ُ‬

‫وﻫﺬا ﯾﻌﺪ ﻣﻦ ﻗﺒﯿﻞ اﻟﺘﻀﻠﯿﻞ ‪ ،‬ﻷن ﻟﻔﻆ اﻟﻜﻔﺮ ﻫﻨﺎ ﺟﺎء ﻣﺘﻌﻠﻖ ﺑﺄﺣﻜﺎم ‪ .‬وﻟﯿﺲ ﻣﺘﻌﻠﻖ ﺑﻔﻜﺮ‬
‫دﯾﻨﻰ ﻣﻌﯿﻦ ‪ ،‬ﻓﻼ ﯾﺠﻮز ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ أن ﯾﻘﻮل أﻧﻪ ﻛﺎﻓﺮ ﺑﺎﻟﻤﺴﯿﺤﯿﻪ ‪ ،‬ﺑﻞ أﻧﻪ ﺣﺴﺐ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ‬
‫ذاﺗﻪ أﻣﺮ اﷲ ﻟﻠﻨﺒﻰ أن ﯾﺪﻋﻮ أﻫﻞ اﻟﻜﺘﺎب ﻟﻺﯾﻤﺎن ﻓﺈذا رﻓﻀﻮا ﻓﻠﻢ ﯾﻘﻞ ﻗﻞ ﻋﻨﻬﻢ ﻛﺎﻓﺮﯾﻦ ﺑﻞ‬
‫ﻗﺎل ﻓﻘﻞ ﻓﺎﺷﻬﺪوا ﺑﺄﻧﺎ ﻣﺴﻠﻤﻮن‬

‫ﺛﺎﻧﯿﺎ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ أن اﻟﻜﻔﺮ إﻧﻜﺎر واﻹﻧﻜﺎر ﯾﻜﻮن ﺑﻌﺪ ﻋﻠﻢ ﻓﺈذا ﺟﺎز أن ﻧﻘﻮل أن اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻛﺎﻓﺮ‬
‫ﺑﺸﺊ ﻓﻸﻧﻪ ﻋﻠِﻢ ﺗﻤﺎم اﻟﻌﻠﻢ ﺑﺨﻄﺄ ﻫﺬا اﻟﺸﺊ ﻷن اﷲ أوﺿﺢ وﺑ َﯿﻦ ‪ ،‬ﻓﻼ ﯾﺠﻮز إﻃﻼق ﺻﻔﺔ‬
‫اﻟﻜﻔﺮ ﻋﻠﻰ اﻷﺧﺮ ﻷﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺪرى ﻣﻦ وﺻﻠﺘﻪ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺑﻄﺮﯾﻘﻪ ﺻﺤﯿﺤﺔ وﻫﻞ ﻓﻬﻢ ﻣﺜﻞ‬
‫ﻣﺎﻓﻬﻤﻨﺎ أم ﻻ ‪.‬‬

‫اﻟﻨﺎﺳﺦ واﻟﻤﻨﺴﻮخ‬

‫ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ‬
‫ْﺮ ﱢﻣﻦ ﱠرﺑ ُ‬
‫ﱢﻜ ْﻢۗ‬ ‫ْﻜﻢ ﱢﻣ ْﻦ َﺧﯿ ٍ‬‫ِﯿﻦ أَن ُﯾ َﻨ ﱠﺰ َل َﻋﻠَﯿ ُ‬
‫ﺎب َو َﻻ ْاﻟ ُﻤ ْﺸ ِﺮﻛ َ‬ ‫ِﯾﻦ َﻛ َﻔ ُﺮوا ﻣ ْ َ ْ‬
‫ِﻦ أ ْﻫ ِﻞ اﻟ ِﻜ َﺘ ِ‬ ‫) ﱠﻣﺎ َﯾ َﻮ ﱡد اﻟﱠﺬ َ‬
‫ِﻦ آ َﯾ ٍﺔ أَ ْو ُﻧ ِ‬
‫ﻨﺴ َﻬﺎ‬ ‫ﻨﺴ ْﺦ ﻣ ْ‬
‫ﯿﻢ )‪َ (105‬ﻣﺎ َﻧ َ‬ ‫ﺺ ﺑ َﺮ ْﺣ َﻤ ِﺘ ِﻪ َﻣﻦ َﯾ َﺸﺎ ُءۚ َواﷲﱠُ ُذو ْاﻟ َﻔ ْ ْ‬
‫ﻀ ِﻞ اﻟ َﻌ ِﻈ ِ‬
‫ﱠُ‬
‫َواﷲ َﯾ ْﺨ َﺘ ﱡ ِ‬
‫ِﯾﺮ ( )‪ (106‬اﻟﺒﻘﺮة‬ ‫ٰ ُﻛ ﱢﻞ َﺷ ْﻲ ٍء َﻗﺪ ٌ‬ ‫اﷲَ َﻋﻠَﻰ‬‫َﻧ ْﺄ ِت ﺑ َﺨﯿْﺮ ﱢﻣ ْﻨ َﻬﺎ أَ ْو ﻣ ِْﺜﻠِ َﻬﺎۗ أَﻟَ ْﻢ َﺗ ْﻌﻠَ ْﻢ أَ ﱠن ﱠ‬
‫ِ ٍ‬
‫اﻟﻨﺴﺦ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻫﻮ اﻹﺑﻄﺎل واﻟﻤﺤﻮ واﻹﻟﻐﺎء ‪ ،‬وﻟﻜﻦ اﻟﻨﺺ ﻫﻨﺎ ﯾﻘﻮل أن اﻟﻨﺴﺦ ﻫﻮ‬
‫ﻟﻶﯾﺎت وﻟﯿﺲ ﻟﻤﺎ ﯾﻠﻘﻰ اﻟﺸﯿﻄﺎن ﻛﻤﺎ ﺳﺒﻖ ‪ ،‬وﻫﺬا ﻣﺎ ﻻ ﯾﺠﻮز أن ﯾﻘﻮﻟﻪ اﷲ ﻋﻦ أﯾﺎﺗﻪ ‪ ،‬ﻓﺄى‬
‫آﯾﺔ ﻓﻰ أى زﻣﺎن ﻻ ﯾﺠﻮز أن ﯾﻤﺤﻮﻫﺎ اﷲ أو ﯾﻠﻐﯿﻬﺎ أو ﯾﺒﻄﻠﻬﺎ ﻟﻌﺪم اﻟﺼﻼﺣﯿﺔ ‪ ،‬ﻓﺄدﯾﺎن اﷲ‬
‫ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻟﻜﻞ زﻣﺎن وﻣﻜﺎن وﻫﻰ ﻟﻤﻦ ﯾﻌﻠﻢ دﯾﻦ واﺣﺪ وﻟﯿﺲ ﻋﺪة أدﯾﺎن ‪ ،‬ﻟﺬﻟﻚ ﻓﻠﻔﻆ اﻵﯾﺔ‬
‫ﻫﻨﺎ ﺗﻢ إﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﻣﺠﺎزاً ‪،‬‬
‫وﻟﺬﻟﻚ ﻓﺎﻵﯾﺔ اﻟﺘﻰ ﻗﺒﻠﻬﺎ ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﻋﺪم رﻏﺒﺔ ﻣﻦ ﻛﻔﺮ وﻻ ﻣﻦ أﺷﺮك أن ﯾﻨﺰل ﻣﺎ ﯾﻜﺸﻒ‬
‫ﻣﺎ ﺗﻢ اﻟﺘﻼﻋﺐ ﺑﻪ أو ﻣﺎ ﯾﺒﯿﻦ أﺣﻜﺎم اﷲ اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ اﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ﻷﻫﻮاﺋﻬﻢ ‪،‬‬
 ‫‪43‬‬

‫ﻓﺎﻵﯾﺎت اﻟﺘﻰ ُﻧﺴﺨﺖ ﻫﻰ ﻣﺎ ﺗﻢ اﻟﺘﻼﻋﺐ ﻓﻰ ﺗﻔﺎﺳﯿﺮﻫﺎ أو ﺻﯿﺎﻏﺘﻬﺎ أو ﺗﺮﺟﻤﺘﻬﺎ و ﻟﯿﺲ ﻟﻬﺎ‬

‫ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺄﺣﻜﺎم أو أواﻣﺮ أو ﻧﺼﻮص إﻟﻬﯿﺔ ﺗﻢ إﻟﻐﺎءﻫﺎ ‪ ،‬واﻟﻤﻌﻨﻰ أﻧﻪ ﯾﺘﻢ ﻧﺴﺦ وإﻟﻐﺎء وإﺑﻄﺎل‬
‫ﻣﺎﺗﻢ اﻟﺘﻼﻋﺐ ﺑﻪ ﺑﺈﺳﺘﺒﺪﻟﻪ ﺑﺨﯿﺮ ﻣﻨﻪ ) ﺧﯿﺮ ﻣﻤﺎ ﺗﻢ ﺗﻐﯿﯿﺮ ﻟﻔﻈﻪ أو ﺻﯿﺎﻏﺘﻪ وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻰ ﻣﻌﻨﺎه ‪،‬‬
‫وﻟﯿﺲ اﻟﻨﺴﺦ ﻫﻨﺎ ﻟﻜﺘﺐ اﷲ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ( ‪ ،‬وإذا ﻣﺎ ﺗﻢ إﻧﺴﺎء ﺑﻌﺾ اﻵﯾﺎت اﻷﺧﺮى ﺑﻔﻌﻞ اﻟﺰﻣﻦ‬
‫‪ ،‬ﯾﺄﺗﻰ اﷲ ﺑﻤﺜﻠﻬﺎ ﻋﺒﺮ رﺳﻠﻪ ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﻧﺴﯿﻪ اﻟﻨﺎس ﻓﯿﻌﯿﺪ ﺗﺬﻛﯿﺮﻫﻢ ﺑﻬﺎ ﻓﻰ رﺳﺎﻻت ﻻﺣﻘﺔ ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﻨﺴﺦ ﻟﯿﺲ ﻛﻤﺎ ﯾﻘﻮﻟﻮن أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﯾﺒﺪل ﻛﻼﻣﻪ أو ﯾﻐﯿﺮ أﺣﻜﺎﻣﻪ ﻛﻤﺎ ﯾﺰﻋﻢ اﻟﺒﻌﺾ‬
‫وﯾﻀﺮﺑﻮن ﺑﺬﻟﻚ ﻣﺜﺎل ﺗﻐﯿﯿﺮ اﻟﻘﺒﻠﺔ ‪ ،‬ﻓﯿﺰﻋﻤﻮن أن اﷲ أﻣﺮ اﻟﻨﺒﻰ ﺑﺎﻟﺘﻮﺟﻪ إﻟﻰ ﺑﯿﺖ اﻟﻤﻘﺪس‬
‫ﻓﻰ اﻟﺼﻠﻮة ‪ ،‬ﺛﻢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﻣﺮه ﺑﺎﻟﺘﻮﺟﻪ إﻟﻰ اﻟﻜﻌﺒﺔ ‪ .‬ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ‬
‫ﺎﻫﺎۚ َﻓ َﻮ ﱢل َو ْﺟ َﻬ َﻚ َﺷ ْﻄ َﺮ ْاﻟ َﻤ ْﺴ ِﺠ ِﺪ‬
‫ﺿَ‬ ‫اﻟﺴ َﻤﺎ ِءۖ َﻓﻠَُﻨ َﻮﻟﱢَﯿﱠﻨ َﻚ ِﻗ ْﺒﻠَ ًﺔ َﺗ ْﺮ َ‬
‫ٰ َﺗ َﻘﻠﱡ َﺐ َو ْﺟ ِﻬ َﻚ ﻓِﻲ ﱠ‬
‫) َﻗ ْﺪ َﻧ َﺮى‬
‫ﻮن أَﱠﻧ ُﻪ ْاﻟ َﺤ ﱡﻖ‬ ‫ِﯾﻦ أُوُﺗﻮا ْاﻟ ِﻜ َﺘ َ‬
‫ﺎب ﻟََﯿ ْﻌﻠَ ُﻤ َ‬ ‫ﻮﻫ ُﻜ ْﻢ َﺷ ْﻄ َﺮ ُهۗ َوإِ ﱠن اﻟﱠﺬ َ‬ ‫ْﺚ َﻣﺎ ُﻛﻨُﺘ ْﻢ َﻓ َﻮﻟﱡﻮا ُو ُﺟ َ‬
‫ْاﻟ َﺤ َﺮامۚ َو َﺣﯿ ُ‬
‫ِ‬
‫ﻮن )‪(144‬اﻟﺒﻘﺮة‬ ‫ُ‬
‫ِﻞ َﻋ ﱠﻤﺎ َﯾ ْﻌ َﻤﻠ َ‬ ‫َ‬ ‫ﱠُ‬
‫ﱢﻬ ْﻢۗ َو َﻣﺎ اﷲ ِﺑﻐﺎﻓ ٍ‬
‫ﻣِﻦ ﱠرﺑ ِ‬
‫ﻫﻞ ﻛﺎن اﻟﻨﺒﻰ ﻏﯿﺮ راﺿﻰ ﻋﻦ ﺣﻜﻢ اﷲ وأﻣﺮه ﺑﺎﻟﻘﺒﻠﺔ اﻷوﻟﻰ ؟ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻫﺬا ﻻ ﯾﺼﺢ‬
‫ﻓﻤﻌﻨﻰ ذﻟﻚ أن اﻟﺘﻮﺟﻪ ﻟﻠﻘﺒﻠﺔ اﻷوﻟﻰ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺑﺄﻣﺮ إﻟﻬﻰ وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺑﺮﺿﻰ اﻟﻨﺒﻰ وإﻧﻤﺎ ﻛﺎن‬
‫ﻟﻈﺮف ﻃﺎرئ وﺣﺎدث ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﺗﻐﯿﺮت اﻟﻈﺮوف ﻓﺄﻣﺮ اﷲ ﺑﺎﻟﺘﻮﺟﻪ ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ اﻟﺤﺮام وﺑﺎﻟﺘﺄﻛﯿﺪ‬
‫أن ﻫﺬا اﻟﺘﻮﺟﻪ ﻟﯿﺲ ﺗﻮﺟﻪ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﯿﺔ اﻟﻮﻗﻮف ﻓﻰ اﻟﺼﻠﻮة ﺑﺈﺗﺠﺎه ﻣﻌﯿﻦ ‪.‬‬
 ‫‪44‬‬

‫​ﻻ ﺗﻌﺪد زوﺟﺎت ﻓﻰ اﻟﻘﺮآن‬ ‫​‬

‫ﯾﺪﻋﻮن أن اﷲ أﺣﻞ ﺗﻌﺪد اﻟﺰوﺟﺎت وﻓﻰ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ ﯾﻨﺴﺒﻮن أن اﻟﻨﺒﻰ ﻣﺤﻤﺪ‬
‫أﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ أﺑﻰ ﻃﺎﻟﺐ أﻻ ﯾﺘﺰوج ﻋﻠﻰ ﻓﺎﻃﻤﺔ ! ﻓﻜﯿﻒ ﯾﺤﺮم اﻟﺮﺳﻮل ﻣﺎ أﺣﻞ اﷲ إن‬
‫ﻛﺎن أﺣﻠﻪ ؟‬
45
 ‫‪46‬‬

‫ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ‬

‫ِﻜ ْﻢ إِﱠﻧ ُﻪ َﻛ َ‬
‫ﺎن‬ ‫ﻻ َﺗ ْﺄ ُﻛﻠُ ْ‬
‫ﻮا أَ ْﻣ َﻮاﻟَ ُﻬ ْﻢ إﻟَﻰ أَ ْﻣ َﻮاﻟ ُ‬ ‫ﱢﺐ َو َ‬ ‫ﻮا ْاﻟ َﺨﺒ َ ﱠ‬
‫ﯿﺚ ِﺑﺎﻟﻄﯿ ِ‬
‫ﻮا ْاﻟ َﯿ َﺘﺎ َﻣﻰ أَ ْﻣ َﻮاﻟَ ُﻬ ْﻢ َو َ ُ‬
‫ﻻ َﺗ َﺘ َﺒ ﱠﺪﻟ ْ ِ‬ ‫) َوآُﺗ ْ‬
‫ِ‬
‫ﺎب ﻟَ ُﻜﻢ ﱢﻣ َﻦ اﻟﱢﻨ َﺴﺎء َﻣ ْﺜ َﻨﻰ‬ ‫ﻮا َﻣﺎ َﻃ َ‬ ‫ِﺤ ْ‬ ‫ﻮا ﻓِﻲ ْاﻟ َﯿ َﺘﺎ َﻣﻰ َﻓﺎﻧﻜ ُ‬ ‫ﻻ ُﺗ ْﻘ ِﺴ ُﻄ ْ‬
‫ﯿﺮا )‪َ (2‬وإ ْن ِﺧ ْﻔُﺘ ْﻢ أَ ﱠ‬
‫ِ‬ ‫ُﺣﻮﺑًﺎ َﻛ ِﺒ ً‬
‫ﻮا )‪(3‬‬ ‫ﻻ َﺗ ُﻌﻮﻟُ ْ‬ ‫ِﻚ أَ ْد َﻧﻰ أَ ﱠ‬‫اﺣ َﺪ ًة أَ ْو َﻣﺎ َﻣﻠَ َﻜ ْﺖ أَ ْﯾ َﻤﺎُﻧ ُﻜ ْﻢ َذﻟ َ‬ ‫ﻻ َﺗ ْﻌﺪِﻟُ ْ‬
‫ﻮا َﻓ َﻮ ِ‬ ‫ﺎع َﻓﺈ ْن ِﺧ ْﻔُﺘ ْﻢ أَ ﱠ‬ ‫َوُﺛ َ‬
‫ﻼث َو ُر َﺑ َ ِ‬
‫اﻟﻨﺴﺎء ‪،‬‬
‫اﻵﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﺗﺨﺎﻃﺐ اﻷوﺻﯿﺎء ﻋﻠﻰ أﻣﻮال اﻟﯿﺘﺎﻣﻰ وﺗﺄﻣﺮﻫﻢ أﻻ ﯾﺄﻛﻠﻮا أﻣﻮال اﻟﯿﺘﺎﻣﻰ‬
‫ﻓﯿﻀﻤﻮﻫﺎ إﻟﻰ أﻣﻮاﻟﻬﻢ اﻟﺨﺎﺻﺔ ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﺒﺪأ اﻵﯾﻪ اﻟﺘﺎﻟﯿﻪ ب ) وإن ﺧﻔﺘﻢ أﻻ ﺗﻘﺴﻄﻮا ( ﺣﺮف‬
‫اﻟﻌﻄﻒ ﻓﻰ أوﻟﻬﺎ ﯾﺪل ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻵﯾﻪ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻟﻬﺎ وﻫﺬه ﻧﻘﻄﺔ ﻓﻰ ﻏﺎﯾﺔ اﻷﻫﻤﯿﺔ ‪،‬‬
‫وﺣﺮف إن ﯾﻔﯿﺪ اﻟﺸﻚ و اﻹﺣﺘﻤﺎل واﻟﻤﻌﻨﻰ ﻟﻮ ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﺧﻮف ﻣﻦ ﻋﺪم اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ أن‬
‫ﺗﻘﺴﻄﻮا ﻟﻠﯿﺘﺎﻣﻰ ﻓﺄﻧﻜﺤﻮا ﻣﺎﻃﺎب ﻟﻜﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ‪ ،‬ﻓﻤﺎ ﻫﻰ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯿﻦ ﻓﻌﻞ اﻟﺸﺮط وﺟﻮاﺑﻪ‬
‫أى ﺑﯿﻦ اﻟﺨﻮف ﻣﻦ ﻋﺪم اﻹﻗﺴﺎط ﻟﻠﯿﺘﺎﻣﻰ وﺑﯿﻦ أن ﯾﺘﺰوج اﻟﻮﺻﻰ أو أى ﺷﺨﺺ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ‬
‫إﻣﺮأة ؟ ﺳﯿﺘﻀﺢ اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ‪ ،‬وﻧﻔﺲ أﺳﻠﻮب اﻟﺸﺮط ﯾﺘﻜﺮر ﻓﻰ اﻵﯾﺔ ﻣﺮة أﺧﺮى‬
‫ﻓﯿﻘﻮل ) ﻓﺈن ﺧﻔﺘﻢ أﻻ ﺗﻌﺪﻟﻮا ﻓﻮاﺣﺪة( وﻛﺄن اﻵﯾﺔ ﻫﻨﺎ ﺗﺄﻣﺮ ﺑﺎﻟﺸﺊ وﻋﻜﺴﻪ ﻓﺈن ﺧﻔﺖ أﻻ‬
‫ﺗﺤﻘﻖ اﻟﻘﺴﻂ ﻟﻠﯿﺘﺎﻣﻰ ﻓﺘﺰوج ﺑﺎﻟﻜﺜﺮة ‪ ،‬وإن ﺧﻔﺖ أﻻ ﺗﺤﻘﻖ اﻟﻌﺪل ﻓﺘﺰوج ﺑﻮاﺣﺪة ‪ .‬ﻓﻤﺎ ﻫﺬا‬
‫اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ اﻟﻈﺎﻫﺮ! ﻓﺎﻟﻘﺴﻂ ﻟﻠﯿﺘﺎﻣﻰ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻨﻪ ‪ ،‬وﻛﺬﻟﻚ اﻟﻌﺪل ﻻ ﻏﻨﻰ ﻋﻨﻪ ‪ .‬ﻫﺬا اﻹﻟﺘﺒﺎس‬
 ‫‪47‬‬

‫ﻧﻬﺎﺋﯿﺎ ﺗﺬﯾﯿﻞ اﻵﯾﺔ ) ذﻟﻚ أدﻧﻰ أﻻ ﺗﻌﻮﻟﻮا ( ﻓﻤﺎ ﻣﻌﻨﻰ ) ذﻟﻚ أدﻧﻰ ( ؟‬ ‫ً‬ ‫ﺳﯿﻮﺿﺤﻪ وﯾﺰﯾﻠﻪ‬
‫وﻫﻞ ﯾﻌﻮد اﻟﺘﺬﯾﯿﻞ ﻋﻠﻰ ) ﻓﻮاﺣﺪة أو ﻣﺎ ﻣﻠﻜﺖ أﯾﻤﺎﻧﻜﻢ ( أم ﻻ ؟ وﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﻨﻰ أﻻ ﺗﻌﻮﻟﻮا ؟‬
‫أوﻻ ‪ ) ،‬ذﻟﻚ أدﻧﻰ ( ﺑﻤﻌﻨﻰ ذﻟﻚ أﻗﺮب ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﯾﺴﺘﺨﺪم اﻟﻨﺺ ﻫﺬه اﻟﺼﯿﻐﺔ ﻣﻌﻨﺎه أﻧﻪ ﯾﺄﻣﺮ‬
‫ﺑﺸﺊ وﯾﻤﯿﺰه ﻋﻦ ﺷﺊ أﺧﺮ ﻛﺄﻣﺮ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ ﺑﻜﺘﺎﺑﻪ اﻟﺪﯾﻮن ﺻﻐﯿﺮﻫﺎ وﻛﺒﯿﺮﻫﺎ ﻓﻘﺎل )‬
‫ِﻜ ْﻢ أَ ْﻗ َﺴ ُﻂ‬ ‫ٰ أَ َﺟﻠِ ِﻪۚ َ‬
‫ٰذﻟ ُ‬ ‫ِﯿﺮا أَ ْو َﻛ ِﺒ ً‬
‫ﯿﺮا إِﻟَﻰ‬ ‫ﺻﻐ ً‬‫اﻟﺸ َﻬﺪَا ُء إِ َذا َﻣﺎ ُد ُﻋﻮاۚ َو َﻻ َﺗ ْﺴَﺄ ُﻣﻮا أَن َﺗ ْﻜُﺘﺒُﻮ ُه َ‬‫َو َﻻ َﯾ ْﺄ َب ﱡ‬
‫ٰ أَﱠﻻ َﺗ ْﺮ َﺗﺎﺑُﻮا ( )‪ ( ٢٨٢‬اﻟﺒﻘﺮة ‪ ،‬أى أن ﻛﺘﺎﺑﺔ اﻟﺪﯾﻮن أﻗﺴﻂ‬ ‫ِﻠﺸ َﻬﺎ َد ِة َوأَ ْد َﻧﻰ‬
‫اﷲِ َوأَ ْﻗ َﻮ ُم ﻟ ﱠ‬
‫ِﻋﻨ َﺪ ﱠ‬
‫ﻋﻨﺪ اﷲ ﻣﻦ ﻋﺪم ﻛﺘﺎﺑﺘﻬﺎ و أﻗﺮب ﻟﻌﺪم اﻹرﺗﯿﺎب ﻓﻜﺘﺎﺑﺘﻪ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺑﺬﻟﻚ أﻣﺮ إﻟﻬﻰ ‪ .‬وﺑﻬﺬا )‬
‫ذﻟﻚ أدﻧﻰ ( ﻓﻰ اﻵﯾﺔ اﻟﺘﻰ ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻨﻬﺎ ﺗﻌﻮد ﻋﻠﻰ أﻣﺮ ﺑﺸﺊ ﻣﺤﺪد وﺟﺐ ﺗﻨﻔﯿﺬه ﻓﻬﻮ أوﻟﻰ‬
‫ﻣﻦ اﻵﺧﺮ ‪ ،‬ﻓﻬﻞ ﺗﻌﻮد ﻋﻠﻰ) ﻓﻮاﺣﺪة أو ﻣﺎﻣﻠﻜﺖ أﯾﻤﺎﻧﻜﻢ ( وﯾﻜﻮن ﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ أن اﻷﻣﺮ‬
‫اﻹﻟﻬﻰ ﺑﻬﺎ أم ﻋﻠﻰ ﺷﺊ آﺧﺮ وﻫﻮ ﻋﻤﻮم اﻵﯾﺔ ؟ ﻣﺎ ﺳﯿﺤﺪد ذﻟﻚ ﻫﻮ ﻣﻌﻨﻰ أﻻ ﺗﻌﻮﻟﻮا ‪.‬‬

‫اﻟﺤﺮب ﻋﻠﻰ ) ذﻟﻚ أدﻧﻰ أﻻ ﺗﻌﻮﻟﻮا (‬

‫ﻫﻨﺎك ﺧﻼف ﻛﺒﯿﺮ ﻓﻰ ﻛﺘﺐ اﻟﺘﻔﺎﺳﯿﺮ ﺑﯿﻦ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ وﺟﻤﻬﻮر اﻟﻌﻠﻤﺎء )اﻷﻛﺜﺮﯾﺔ ( ﺣﻮل ﻫﺬه‬
‫ﺷﺨﺼﯿﺎ أن ﻫﺬا اﻟﺨﻼف ﻛﺎن ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺣﺮب ﻃﺎﺣﻨﺔ ﺑﯿﻦ ﻣﻦ‬ ‫ً‬ ‫اﻟﺘﺬﯾﯿﻞ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﯾﺪ ‪ ،‬وأﻋﺘﻘﺪ‬
‫ﯾُﺘﺄول اﻟﻨﺺ ﺗﺄوﯾﻞ أﻗﺮب ﻟﻠﻤﻌﻨﻰ اﻟﺤﻘﯿﻘﻰ وﻣﻦ أراد أن ﯾﺤﺮف اﻟﺪﯾﻦ وﯾﺨﺮﺟﻪ ﻋﻦ أواﻣﺮه‬
‫اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ ‪ ،‬ﺣﯿﺚ ﯾﺮى اﻟﺸﺎﻓﻌﻰ أن ﻣﻌﻨﻰ ) أﻻ ﺗﻌﻮﻟﻮا ( ﻫﻮ أﻻ ﺗﻔﺘﻘﺮوا ﺑﺴﺒﺐ ﻛﺜﺮة ﻣﻦ‬
‫ﺗﻌﻮﻟﻮن ﺑﯿﻨﻤﺎ ﯾﺮى ﺟﻤﻬﻮر اﻟﻌﻠﻤﺎء وﻫﻮ ﻣﺼﻄﻠﺢ ﺗﺮاﺛﻰ ﯾﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ اﻷﻛﺜﺮﯾﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء‬
‫إذا ﺗﻮاﻓﻘﺖ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺴﯿﺮ ﻣﺎ ‪ ،‬أن ) أﻻ ﺗﻌﻮﻟﻮا (ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻻ ﺗﻈﻠﻤﻮا وﺗﺠﻮروا ‪،‬‬
‫وﻫﺬه اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ اﻟﻄﺎﺣﻨﺔ ﺑﺴﺒﺐ أن ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻟﺠﻤﻬﻮر ذﻟﻚ أﻗﺮب أﻻ ﺗﺠﻮروا وﺗﻈﻠﻤﻮا ﯾﺒﯿﺢ ﻟﻬﻢ‬
‫اﻟﺘﻌﺪدﯾﺔ ‪ ،‬ﻓﯿُﻔﻬﻢ ﻣﻨﻪ أن ذﻟﻚ أدﻧﻰ ﺗﻌﻮد ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻮم ﻣﻌﻨﻰ اﻵﯾﺔ وﺗﻌﻨﻰ ان ﺗﺤﺮى ﺷﺨﺺ‬
‫ﻣﻦ ﻗﺪرﺗﻪ ﻋﻠﻰ إﻗﺎﻣﺔ اﻟﻌﺪل أﻗﺮب أﻻ ﯾﺠﻮر وﯾﻈﻠﻢ! ‪،‬ﻓﻼ ﯾﻨﺎﻗﺾ ﻣﻌﻨﻰ أن اﻟﺘﻌﺪد ﻣﺒﺎح‬
‫واﻟﺠﻮر واﻟﻈﻠﻢ ﻫﻮ ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺒﺎح ‪ .‬أﻣﺎ اﻟﺘﻔﺴﯿﺮ ذﻟﻚ أﻗﺮب أﻻ ﺗﺘﺪﻧﻰ ﻣﺴﺘﻮى ﻣﻌﯿﺸﺘﻜﻢ ﺑﺴﺒﺐ‬
‫ﻛﺜﺮة اﻷوﻻد واﻹﻧﻔﺎق ﻓﻬﻮ ﺳﯿﻜﻮن ﺑﺬﻟﻚ ﯾﻌﻮد ﻋﻠﻰ ) ﻓﻮاﺣﺪة أو ﻣﺎ ﻣﻠﻜﺖ أﯾﻤﺎﻧﻜﻢ (‬
‫وﻟﯿﺴﺖ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻮم اﻵﯾﺔ وﺑﺬﻟﻚ ﻫﻮ ﺗﻌﻠﯿﻞ ﻟﻬﺎ ‪ ،‬وﻫﺬا ﯾﺮﺑﻂ ﺗﻠﻚ اﻵﯾﺔ ﺑﺎﻵﯾﺔ اﻷوﻟﻰ أى أن‬
‫اﻟﻨﺺ ﯾﻌﻠﻞ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻮاﺣﺪة ﺑﺄﻧﻪ اﻷﻗﺮب ﻟﻌﺪم اﻹﻓﺘﻘﺎر ﻓﻼ ﻧﻀﻄﺮ ﻷﻛﻞ أﻣﻮال اﻟﯿﺘﺎﻣﻰ ‪،‬‬
‫وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻰ ﯾﻌﺘﺒﺮ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻮاﺣﺪة ﻫﻮ اﻷﻣﺮ اﻹﻟﻬﻰ ﻓﻰ اﻵﯾﺔ ‪،‬‬
 ‫‪48‬‬

‫وأﻣﺎ ﻋﻦ ﺻﯿﺎﻏﺔ اﻵﯾﺔ ﺑﻮﺿﻊ أﻣﺮﯾﻦ ﻣﺘﻘﺎﺑﻠﯿﻦ وﻣﺘﻨﺎﻗﻀﯿﻦ ‪ ،‬ﻓﻬﻨﺎك ﺟﺰء ﻏﺮﯾﺐ ﻓﻰ ﺗﻔﺴﯿﺮ‬
‫اﻟﻄﺒﺮي ﻟﻬﺬه اﻵﯾﺔ ﯾﻘﻮل ) وإذا ﻗﺎل ﻗﺎﺋﻞ ﻫﻞ ﻣﻦ دﻟﯿﻞ ﻋﻠﻰ أن اﻷﻣﺮ ﻓﻰ ) ﻓﺎﻧﻜﺤﻮا ﻣﺎ‬
‫ﻃﺎب ﻟﻜﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﺜﻨﻰ وﺛﻼث ورﺑﺎع ( ﻫﻮ أﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮ اﻟﻮﺟﻮب واﻹﻟﺰام ﻗﯿﻞ ﻧﻌﻢ‬
‫واﻟﺪﻟﯿﻞ ) ﻓﻮاﺣﺪة( ‪ .‬إﻧﺘﻬﻰ‬
‫وﻫﺬا اﻟﺠﺰء ﻣﻦ ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻟﻄﺒﺮى ﻣﻌﻨﺎه ‪ ،‬أن اﻻﻣﺮ ﺑﺎﻟﻮاﺣﺪة ﻫﻮ اﻷﻣﺮ اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﻤﺘﺄﺧﺮ ‪ ،‬ﻓﻠﺰم‬
‫إﻋﺘﺒﺎر أن اﻷﻣﺮ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﺣﺎﻛﻢ ﻋﻠﻰ اﻷول و ﻷﻧﻪ ﺷﺮط ﻟﻪ ‪ ،‬وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻰ ﻫﻮ اﻟﺬى ﯾﺠﺐ إﺗﺒﺎﻋﻪ‬
‫وﯾﻜﻮن اﻷﻣﺮ اﻷول ﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮ ﻣﺎ ﯾﻠﺰم ‪ ،‬وﻻ ﻣﺤﻞ ﻟﻪ ﻣﻦ اﻹﻋﺮاب‬
‫و ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻬﺎ ﺟﻤﻠﺔ ﻋﺎرﺿﺔ ﻓﻰ ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻟﻄﺒﺮى ‪ ،‬وﻻ أﻋﻠﻢ ﻟﻤﺎذا وﺿﻌﺖ ﻓﻰ ﺗﻔﺴﯿﺮ‬
‫ﯾﺆﯾﺪ ﺗﻌﺪد اﻟﺰوﺟﺎت إﻻ أﻧﻬﺎ ﺗﻘﺪم اﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﻤﺴﻜﻮت ﻋﻨﻪ ﺑﺄن اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﺜﻨﻰ واﻟﺜﻼث‬
‫واﻟﺮﺑﺎع ﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮ ﻣﺎ ﯾﻠﺰم وﻻ ﯾﻌﺘﺒﺮ أﻣﺮ واﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻮاﺣﺪة ﻫﻮ اﻷﻣﺮ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺤﻘﯿﻘﻰ ﺑﺎﻵﯾﺔ‬
‫‪.‬‬
‫اﻹﻣﺎم اﻟﺰﻣﺨﺸﺮي ﺻﺎﺣﺐ ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻟﻜﺸﺎف ﻣﻦ اﻟﻘﻠﺔ اﻟﺘﻰ واﻓﻘﺖ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﻓﻰ رأﯾﻪ ‪ ،‬ﺣﯿﺚ‬
‫ﻗﺎل ) واﻟﺬي ﯾﺤﻜﻰ ﻋﻦ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ‪ -‬رﺣﻤﻪ اﷲ ‪ -‬أﻧﻪ ﻓﺴﺮ "أﻻ ﺗﻌﻮﻟﻮا" أﻻ ﺗﻜﺜﺮ ﻋﯿﺎﻟﻜﻢ ‪ ،‬و‬
‫ﻋﺎل اﻟﺮﺟﻞ ﻋﯿﺎﻟﻪ ﯾﻌﻮﻟﻬﻢ ‪ ،‬إذا أﻧﻔﻖ ﻋﻠﯿﻬﻢ ‪ ،‬وﻓﻲ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﯾﺼﻌﺐ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺣﺪود اﻟﻮرع وﻛﺴﺐ اﻟﺤﻼل واﻟﺮزق اﻟﻄﯿﺐ ‪ ،‬وﻛﻼم ﻣﺜﻠﻪ ﻣﻦ أﻋﻼم اﻟﻌﻠﻢ وأﺋﻤﺔ اﻟﺸﺮع‬
‫ورؤوس اﻟﻤﺠﺘﻬﺪﯾﻦ ‪ ،‬ﺣﻘﯿﻘﻲ ﺑﺎﻟﺤﻤﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺤﺔ واﻟﺴﺪاد ( إﻧﺘﻬﻰ ‪.‬‬
‫ﻫﺬا ﻛﻼم اﻟﺰﻣﺨﺸﺮى اﻟﺬى ﯾﻮاﻓﻖ ﻓﯿﻪ ﻋﻠﻰ رأى اﻟﺸﺎﻓﻌﻰ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ذﻟﻚ ﻓﻤﺎ ﯾﻌﻀﺪ‬
‫ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻟﺸﺎﻓﻌﻰ ﻫﻮ أن ﻟﻔﻆ ﻋﯿﻠﺔ أﺗﻰ ﻣﺮﺗﯿﻦ ﻓﻰ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﻔﻘﺮ ‪ .‬ﻣﻨﺔ ﻗﻮﻟﻪ‬
‫ِﻬ ْﻢ‬ ‫ْ‬ ‫ﻼ َﯾ ْﻘ َﺮﺑ ْ ْ‬
‫ﺲ َﻓ َ‬ ‫ﻮا إِﱠﻧ َﻤﺎ ْاﻟ ُﻤ ْﺸ ِﺮ ُﻛ َ‬
‫ﻮن َﻧ َﺠ ٌ‬ ‫ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َﯾﺎ أَﱡﯾ َﻬﺎ اﻟﱠﺬ َ‬
‫ِﯾﻦ آ َﻣُﻨ ْ‬
‫ُﻮا اﻟ َﻤ ْﺴ ِﺠ َﺪ اﻟ َﺤ َﺮا َم َﺑ ْﻌ َﺪ َﻋﺎﻣ ِ‬
‫اﷲَ َﻋﻠِﯿ ٌﻢ َﺣﻜِﯿ ٌﻢ )‪ ( (28‬اﻟﺘﻮﺑﻪ‬ ‫ﻀﻠِ ِﻪ إن َﺷﺎء إ ﱠن ﱠ‬ ‫ف ﯾ ْ ُ ﱠُ‬ ‫َﻫ َﺬا َوإِ ْن ِﺧ ْﻔُﺘ ْﻢ َﻋ ْﯿﻠَ ًﺔ َﻓ َﺴ ْﻮ َ‬
‫ِ‬ ‫ُﻐﻨِﯿﻜ ُﻢ اﷲ ﻣِﻦ َﻓ ْ ِ‬
‫‪،‬‬
‫أﻣﺎ ﺟﻤﻬﻮر اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺬﯾﻦ ﻓﺴﺮوا ) أﻻ ﺗﻌﻮﻟﻮا (ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻻ ﺗﻈﻠﻤﻮا وﺗﺠﻮروا ‪ ،‬ﻓﺘﻔﺴﯿﺮﻫﻢ‬
‫ﻻ ﯾﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ ﺑﺪاﯾﺔ ﻫﺬا اﻟﺠﺰء ﻣﻦ اﻵﯾﺔ اﻟﺬى ﯾﺒﺪأ ب ) َ ﻓﺈن ﺧﻔﺘﻢ أﻻ ﺗﻌﺪﻟﻮا ( ‪ .‬ﻓﺈﻧﻪ‬
‫ﺣﺴﺐ ذﻟﻚ ﺳﯿﻜﻮن ﻣﻌﻨﻰ اﻵﯾﺔ ﻓﺈن ﺧﻔﺘﻢ أﻻ ﺗﻌﺪﻟﻮا ﻓﻮاﺣﺪة أو ﻣﺎ ﻣﻠﻜﺖ أﯾﻤﺎﻧﻜﻢ ذﻟﻚ أدﻧﻰ‬
‫أﻻ ﺗﻈﻠﻤﻮا ‪ ،‬ﻣﺎذا أﻓﺎد ﺗﻜﺮار اﻟﻌﺪل! ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ أن أﺻﺤﺎب ﻫﺬا اﻟﺮأى ﻟﯿﺲ ﻟﺪﯾﻬﻢ إﺛﺒﺎت‬
‫ﻋﻠﯿﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻲ ذاﺗﻪ ﻛﺮأى اﻟﺸﺎﻓﻌﻰ ﺑﻞ ﻟﺠﺄوا ﻓﻰ ﺗﻔﺎﺳﯿﺮﻫﻢ ﻟﻺﺳﺘﻨﺎد إﻟﻰ ﺣﺪﯾﺚ‬
‫ﻣﻨﺴﻮب ﻟﻠﺴﯿﺪة ﻋﺎﺋﺸﻪ وﻛﺄﻧﻬﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﯾﺨﺘﺮﻋﻮن أﺣﺎدﯾﺚ ﺗﻨﺎﻗﺾ اﻟﻘﺮآن ﻟﺘﻼﺋﻢ ﻫﻮاﻫﻢ ‪.‬‬
 ‫‪49‬‬

‫و ﻧﻨﻘﻞ ﺟﺰء ﻣﻦ ﺗﻔﺴﯿﺮ اﺑﻦ ﻛﺜﯿﺮ ﻛﻤﺜﺎل‬

‫وﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪ ) :‬ذﻟﻚ أدﻧﻰ أﻻ ﺗﻌﻮﻟﻮا ( ﻗﺎل ﺑﻌﻀﻬﻢ ‪ ] :‬أي [ أدﻧﻰ أﻻ ﺗﻜﺜﺮ ﻋﺎﺋﻠﺘﻜﻢ ‪.‬‬
‫ﻗﺎﻟﻪ زﯾﺪ ﺑﻦ أﺳﻠﻢ وﺳﻔﯿﺎن ﺑﻦ ﻋﯿﯿﻨﺔ واﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ‪ ،‬رﺣﻤﻬﻢ اﷲ ‪ ،‬وﻫﺬا ﻣﺄﺧﻮذ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ‬
‫‪ ) :‬وإن ﺧﻔﺘﻢ ﻋﯿﻠﺔ ( أي ﻓﻘﺮا ) ﻓﺴﻮف ﯾﻐﻨﯿﻜﻢ اﷲ ﻣﻦ ﻓﻀﻠﻪ ( ] اﻟﺘﻮﺑﺔ ‪[ 28 :‬‬
‫وﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺘﻔﺴﯿﺮ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﻧﻈﺮ; ﻓﺈﻧﻪ ﻛﻤﺎ ﯾﺨﺸﻰ ﻛﺜﺮة اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ ﺗﻌﺪاد اﻟﺤﺮاﺋﺮ ‪ ،‬ﻛﺬﻟﻚ‬
‫ﯾُﺨﺸﻰ ﻣﻦ ﺗﻌﺪاد اﻟﺴﺮاري أﯾﻀﺎ ‪ .‬واﻟﺼﺤﯿﺢ ﻗﻮل اﻟﺠﻤﻬﻮر ‪ ) :‬ذﻟﻚ أدﻧﻰ أﻻ ﺗﻌﻮﻟﻮا ( أي‬
‫‪ :‬ﻻ ﺗﺠﻮروا ‪ .‬وﻗﺪ روى اﺑﻦ أﺑﻲ ﺣﺎﺗﻢ ‪ ،‬واﺑﻦ ﻣﺮدوﯾﻪ ‪ ،‬وأﺑﻮ ﺣﺎﺗﻢ اﺑﻦ ﺣﺒﺎن ﻓﻲ ﺻﺤﯿﺤﻪ‬
‫‪،‬‬
‫ﻣﻦ ﻃﺮﯾﻖ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ إﺑﺮاﻫﯿﻢ دﺣﯿﻢ ‪،‬ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺷﻌﯿﺐ ‪ ،‬ﻋﻦ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ‬
‫زﯾﺪ ‪ ،‬ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ‪ ،‬ﻋﻦ ﻫﺸﺎم ﺑﻦ ﻋﺮوة ‪ ،‬ﻋﻦ أﺑﯿﻪ ‪ ،‬ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ‬
‫اﷲ ﻋﻠﯿﻪ وﺳﻠﻢ ) ذﻟﻚ أدﻧﻰ أﻻ ﺗﻌﻮﻟﻮا ( ﻗﺎل ‪ " :‬ﻻ ﺗﺠﻮروا " ‪ .‬أﻧﺘﻬﻰ‬
‫وﻛﺬﻟﻚ ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻟﺸﯿﺦ اﻟﺸﻌﺮاوى اﻟﺬى واﻓﻖ ﺑﻪ ﺑﻦ ﻛﺜﯿﺮ و ﺟﻤﻬﻮر اﻟﻌﻠﻤﺎء‬
‫ﻻ َﺗ ُﻌﻮﻟُﻮا{ ﻓﺎﻟﻌﺪل‬
‫اﺣ َﺪ ًة أَ ْو َﻣﺎ َﻣﻠَ َﻜ ْﺖ أَ ْﯾ َﻤﺎُﻧ ُﻜ ْﻢ ذﻟﻚ أدﻧﻰ أَ ﱠ‬ ‫ﻻ َﺗ ْﻌﺪِﻟُ ْ‬
‫ﻮا َﻓ َﻮ ِ‬ ‫ﯾﻘﻮل اﻟﺤﻖ‪َ } :‬ﻓﺈ ْن ِﺧ ْﻔُﺘ ْﻢ أَ ﱠ‬
‫ِ‬
‫او اﻻﻛﺘﻔﺎء ﺑﻮاﺣﺪة او ﻣﺎ ﻣﻠﻜﺖ اﻟﯿﻤﯿﻦ‪ ،‬ذﻟﻚ أﻗﺮب أﻻ ﺗﺠﻮروا‪ .‬وﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﯾﻘﻮل‪} :‬أدﻧﻰ‬
‫ﻻ َﺗ ُﻌﻮﻟُﻮا{ أي أﻻ ﺗﻜﺜﺮ ذرﯾﺘﻬﻢ وﻋﯿﺎﻟﻬﻢ‪ .‬وﻧﻘﻮل ﻟﻬﻢ‪ :‬إن ﻛﺎن ﻛﺬﻟﻚ ﻓﺎﻟﺤﻖ أﺑﺎح ﻣﺎ ﻣﻠﻜﺖ‬ ‫أَ ﱠ‬
‫اﻟﯿﻤﯿﻦ‪ ،‬وﺑﺬﻟﻚ ﯾﻜﻮن اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ وﺟﻮد اﻟﻌﯿﺎل ﻗﺪ اﺗﺴﻊ أﻛﺜﺮ ‪ ،‬وﻗﻮﻟﻪ‪} :‬ذﻟﻚ أدﻧﻰ أَ ﱠ‬
‫ﻻ‬
‫َﺗ ُﻌﻮﻟُﻮا{ أي أﻗﺮب أﻻ ﺗﻈﻠﻤﻮا وﺗﺠﻮروا‪ ،‬ﻷن اﻟﻌﻮل ﻓﯿﻪ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻤﯿﻞ‪ ،‬واﻟﻌﻮل ﻓﻲ اﻟﻤﯿﺮاث‬
‫أن ﺗﺰﯾﺪ أﺳﻬﻢ اﻷﻧﺼﺒﺎء ﻋﻠﻰ اﻷﺻﻞ‪ ،‬وﻫﺬا ﻣﻌﻨﻰ ﻋﺎﻟﺖ اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ‪ ،‬وإذا ﻣﺎ زاد اﻟﻌﺪد ﻓﺈن‬
‫ِﻬ ﱠﻦ‪..{...‬‬ ‫ﺻ ُﺪ َﻗﺎﺗ ِ‬ ‫}وآُﺗ ْ‬
‫ﻮا اﻟﻨﺴﺂء َ‬ ‫اﻟﻨﺼﯿﺐ ﻓﻲ اﻟﺘﻮزﯾﻊ ﯾﻨﻘﺺ‪ .‬وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﯾﻘﻮل اﻟﺤﻖ‪َ :‬‬

‫إﻓﻚ اﻟﺸﻌﺮاوى و ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻔﺴﺮﯾﻦ‬

‫ﺑﻦ ﻛﺜﯿﺮ وﺟﻤﻬﻮر اﻟﻌﻠﻤﺎء وﻋﻠﻰ درﺑﻬﻢ اﻟﺸﯿﺦ اﻟﺸﻌﺮاوى ﻟﻢ ﯾﺴﺘﻨﺪوا إﻟﻰ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ‬
‫ﻛﻤﺎ ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻟﺸﺎﻓﻌﻰ وﻟﺠﺄوا إﻟﻰ ﺣﺪﯾﺚ ُﻣﺰﯾﻒ ﻟﯿﺠﻌﻠﻮه ﺣﺎﻛﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻲ وﻧﺴﺒﻮه‬
‫إﻟﻰ اﻟﺴﯿﺪة ﻋﺎﺋﺸﺔ ‪ ،‬ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أن رﻓﻀﻬﻢ ﻟﺘﻔﺴﯿﺮ اﻟﺸﺎﻓﻌﻰ ﻛﺎن ﺑﻤﺒﺮر أن ﻛﺜﺮة اﻟﻌﯿﺎل‬
‫ﺗﻜﻮن أﯾﻀﺎ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻣﻠﻜﺖ اﻷﯾﻤﺎن وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻰ ﻻ ﯾﺼﻠﺢ أن ﯾﻜﻮن أﻻ ﺗﻌﻮﻟﻮا ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻻ‬
 ‫‪50‬‬

‫ﺗﻔﺘﻘﺮوا ﻛﺘﻌﻠﯿﻞ ﻟﻬﺎ ‪ ،‬ﻫﺬا اﻟﺮﻓﺾ ﻷن ﻣﺎ ﻣﻠﻜﺖ اﻷﯾﻤﺎن ﻓﻰ ﻇﻨﻬﻢ وﻇﻦ ﻣﻦ أﺧﺬ ﺑﻜﻼﻣﻬﻢ‬
‫ﺟﺎﻫﻼ أو ﻣﺘﻌﻤﺪاً ‪ ،‬أﻧﻬﻦ ﻣﺎ ُﯾﺘﺴﺮى ﺑﻬﻦ ﻣﻦ اﻹﻣﺎء )اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻌﺒﯿﺪ ( و ﯾﺠﻮز ﻣﻌﺎﺷﺮﺗﻬﻢ‬
‫ﺟﻨﺴﯿﺎ و ﺑﻐﯿﺮ ﻋﺪد أﻗﺼﻰ ‪ ،‬وﺑﺬﻟﻚ ﯾُﺨﺸﻰ ﻛﺜﺮه اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ ﺗﻌﺪادﻫﻢ ﻛﻤﺎ ﯾﻘﻮﻟﻮن ﻓﻰ‬
‫اﻟﺘﻔﺎﺳﯿﺮ ‪،‬‬
‫وﻟﻼﯾﺤﺎء ﺑﻬﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ﺗﺠﺎﻫﻠﻮا أن اﻵﯾﺔ ﺗﺤﺪﺛﺖ ﻋﻦ اﻟﻜﺜﺮة ﻓﻰ ﺑﺪاﯾﺘﻬﺎ ﻓﻘﺎﻟﺖ ) ﻣﺜﻨﻰ وﺛﻼث‬
‫ورﺑﺎع ( وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ذﻛﺮت اﻟﻌﺪل ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ورﺑﻄﺘﻪ ﺑﺎﻟﻮاﺣﺪة ﻓﻬﻰ ﻻ ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻦ‬
‫اﻟﻜﺜﺮة ﺣﯿﻨﺌﺌﺬ ‪،‬‬
‫وﻋﻨﺪﻣﺎ رﺑﻄﺖ اﻟﻮاﺣﺪة ﺑﻤﺎ ﻣﻠﻜﺖ اﻻﯾﻤﺎن أﺳﺘﺨﺪﻣﺖ ﺣﺮف ) أو ( ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻰ ﻓﻬﻰ ﺗﻌﻨﻰ‬
‫ﻓﻮاﺣﺪة أو واﺣﺪة ﻣﻤﺎ ﻣﻠﻜﺖ أﯾﻤﺎﻧﻜﻢ ‪ ،‬ﺑﻤﻌﻨﻰ أﺧﺮ أن ﻣﺎ ﻣﻠﻜﺖ اﻷﯾﻤﺎن ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﺸﺮط ) ﻓﺈن‬
‫ﺧﻔﺘﻢ أﻻ ﺗﻌﺪﻟﻮا ( ‪ ،‬وﻫﺬا اﻟﺸﺮط ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﻘﻠﺔ ‪ ،‬وﺑﺬﻟﻚ ﯾﺠﺐ أن ﺗﺤﺴﺐ ﻣﺎ ﻣﻠﻜﺖ‬
‫اﻷﯾﻤﺎن ﻋﻠﯿﻪ وﻋﻠﻰ اﻟﻘﻠﺔ ‪ ،‬وﻟﻮ أن ﻣﺎ ﻣﻠﻜﺖ اﻷﯾﻤﺎن ﻏﯿﺮ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺸﺮط اﻟﻌﺪل اﻟﻤﺮﺗﺒﻂ‬
‫ﺑﺎﻟﻘﻠﺔ ‪ ،‬ﻷﺗﺖ ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻔﻌﻞ ﺷﺮط ﻣﺨﺘﻠﻒ‪ ،‬ﻛﺄن ﯾﻘﻮل اﻟﻨﺺ ﻓﺈن ﺧﻔﺘﻢ أﻻ ﺗﻌﺪﻟﻮا ﻓﻮاﺣﺪة ﻓﺈن‬
‫ﺧﻔﺘﻢ أﻻ ‪ ..‬ﻓﻤﺎ ﻣﻠﻜﺖ أﯾﻤﺎﻧﻜﻢ ‪ .‬أو ﻷﺗﺖ ﻣﺎ ﻣﻠﻜﺖ أﯾﻤﺎﻧﻜﻢ ﺑﻌﺪ اﻟﺘﻌﻠﯿﻞ واﻟﺘﺬﯾﯿﻞ ) ذﻟﻚ أدﻧﻰ‬
‫أﻻ ﺗﻌﻮﻟﻮا ( ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎن ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺘﺬﯾﯿﻞ ﻋﺪم اﻟﻈﻠﻢ ﻛﻤﺎ ﯾﻘﻮﻟﻮن ‪ ،‬ﻟﻜﺎﻧﺖ ﺗﺎﺑﻌﺔ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ‬
‫ﻟﻠﻌﺪل اﻟﻤﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﻘﻠﺔ أﯾﻀﺎ ‪ .‬وﻟﺬﻟﻚ ﻫﻨﺎك ﻗﻮل ﻏﺮﯾﺐ ﺟﺪاً ﻓﻰ ﺗﻔﺎﺳﯿﺮ ﻛﻞ ﻣﻦ أﯾﺪ ﺗﻌﺪد‬
‫اﻟﺰوﺟﺎت ﻛﺄﺑﻦ ﻛﺜﯿﺮ واﻟﺸﻌﺮاوى ﻛﻤﺜﺎل ‪ ،‬أن ﻣﺎ ﻣﻠﻜﺖ اﻷﯾﻤﺎن ﻻ ﯾﻬﻢ اﻟﻌﺪل ﻣﻌﻬﻢ ‪.‬‬
‫ﻓﻬﺆﻻء اﻟﻤﺰورون واﻷﻓﺎﻗﻮن ﯾﻔﻬﻤﻮن ﺟﯿﺪاً ﻣﺎ ﯾُﺤﺮﻓﻮن ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﯾﺮﺑﻄﻮا ﻣﺎ ﻣﻠﻜﺖ أﯾﻤﺎﻧﻜﻢ‬
‫ﺑﺎﻟﻌﺪل ﻟﻤﻌﺮﻓﺘﻬﻢ إن اﻟﻌﺪل ُﻣﺸ َﺘﺮط ﺑﺎﻟﻘﻠﺔ ‪.‬‬
‫ﻓﻘﺎل ﺑﻦ ﻛﺜﯿﺮ‬
‫وﻗﻮﻟﻪ ‪ ) :‬ﻓﺈن ﺧﻔﺘﻢ أﻻ ﺗﻌﺪﻟﻮا ﻓﻮاﺣﺪة أو ﻣﺎ ﻣﻠﻜﺖ أﯾﻤﺎﻧﻜﻢ ( أي ‪ :‬ﻓﺈن ﺧﺸﯿﺘﻢ ﻣﻦ ﺗﻌﺪاد‬
‫اﻟﻨﺴﺎء أﻻ ﺗﻌﺪﻟﻮا ﺑﯿﻨﻬﻦ ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪ ) :‬وﻟﻦ ﺗﺴﺘﻄﯿﻌﻮا أن ﺗﻌﺪﻟﻮا ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺴﺎء وﻟﻮ‬
‫ﺣﺮﺻﺘﻢ ( ] اﻟﻨﺴﺎء ‪ [ 129 :‬ﻓﻤﻦ ﺧﺎف ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻓﯿﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ واﺣﺪة ‪ ،‬أو ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻮاري‬
‫اﻟﺴﺮاري ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﯾﺠﺐ ﻗﺴﻢ ﺑﯿﻨﻬﻦ ‪ ،‬وﻟﻜﻦ ﯾﺴﺘﺤﺐ ‪ ،‬ﻓﻤﻦ ﻓﻌﻞ ﻓﺤﺴﻦ ‪ ،‬وﻣﻦ ﻻ ﻓﻼ ﺣﺮج‬
‫‪ ،‬ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ذﻟﻚ ﻓﺎﻟﺠﻤﻬﻮر ﻫﻨﺎ وﻣﻨﻬﻢ ﺑﻦ ﻛﺜﯿﺮ و ﻣﻦ ﻋﻠﻰ درﺑﻬﻢ ﻛﺎﻟﺸﻌﺮاوى ﻋﻨﺪﻣﺎ‬
‫أﯾﺪوا اﻟﺘﻌﺪد رﺑﻄﻮا رﺑﻂ ﺷﺪﯾﺪ اﻟﻐﺮاﺑﻪ ﺑﯿﻦ ﻓﻌﻞ اﻟﺸﺮط وﺟﻮاﺑﻪ ﻓﻰ ) إن ﺧﻔﺘﻢ أﻻ ﺗﻘﺴﻄﻮا‬
‫اﻟﯿﺘﺎﻣﻰ ﻓﺎﻧﻜﺤﻮا ﻣﺎ ﻃﺎب ﻟﻜﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﺜﻨﻰ وﺛﻼث ورﺑﺎع ( ‪ ،‬ﺣﯿﺚ ﻗﺎﻟﻮا أن اﻟﺮﺟﻞ‬
‫ﺗﻜﻮن ﻟﻪ ﯾﺘﯿﻤﻪ رﺑﺎﻫﺎ وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﺘﺰوﺟﻬﺎ! ﻓﻼ ﯾﻘﺴﻂ ﻓﻰ دﻓﻊ ﻣﻬﺮﻫﺎ إﻋﺘﻤﺎداً ﻋﻠﻰ‬
 ‫‪51‬‬

‫ﺳﺎﺑﻖ أﻋﺘﻨﺎؤه ﺑﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻨﺰﻟﺖ اﻵﯾﺔ ﺗﺄﻣﺮ أن ﯾﻨﻜﺢ ﻏﯿﺮﻫﺎ وﻫﻢ ُﻛﺜﺮ إن ﻟﻢ ﯾﻘﺴﻂ إﻟﯿﻬﺎ ﻓﻰ اﻟﻤﻬﺮ!‬
‫‪ ،‬وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻣﺜﻨﻰ وﺛﻼث ورﺑﺎع وﻫﻮ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﺘﻌﺪد) اﻟﺬى ﻗﻠﻨﺎ أﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮ اﻟﻮﺟﻮب‬
‫واﻹﻟﺰام( ﻟﯿﺲ ﺑﺎﻟﻘﻮل اﻟﺬى ﯾﺪل ﻋﻠﻰ ﻃﻠﺐ اﻟﺰواج ﻣﻦ ﻏﯿﺮ اﻟﯿﺘﺎﻣﻰ ‪.‬‬

‫رﺑﻂ اﻟﺸﻌﺮاوى وﺑﻦ ﻛﺜﯿﺮ ﻟﻔﻌﻞ اﻟﺸﺮط وﺟﻮاﺑﻪ ﻓﻰ) إن ﺧﻔﺘﻢ أﻻ ﺗﻘﺴﻄﻮا (‬

‫ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻟﺸﻌﺮاوى‬
‫ﻮا ﻓِﻲ اﻟﯿﺘﺎﻣﻰ{ أى إن ﺧﻔﺘﻢ أﻻ‬ ‫ﻻ ُﺗ ْﻘ ِﺴ ُﻄ ْ‬‫}وإ ْن ِﺧ ْﻔُﺘ ْﻢ أَ ﱠ‬
‫) اﻟﺤﻖ ﻫﻨﺎ ﻓﻰ ﺳﻮرة اﻟﻨﺴﺎء ﯾﻘﻮل‪ِ َ :‬‬
‫ﺗﺮﻓﻌﻮا اﻟﻈﻠﻢ ﻋﻦ اﻟﯿﺘﺎﻣﻰ‪ ،‬وﻣﻌﻨﻰ أن ﺗﺨﺎف ﻣﻦ أﻻ ﺗﻘﺴﻂ ﻷﻧﻚ ﺑﺎر ﺗﻌﺮف ﻛﯿﻒ ﺗﻨﻘﺬ ﻧﻔﺴﻚ‬
‫ﻣﻦ ﻣﻮاﻃﻦ اﻟﺰﻟﻞ‪.‬‬
‫أى ﻓﺈن ﺧﻔﺘﻢ أﯾﻬﺎ اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن أﻻ ﺗﺮﻓﻌﻮا اﻟﺠﻮر ﻋﻦ اﻟﯿﺘﺎﻣﻰ ﻓﺎﺑﺘﻌﺪوا ﻋﻨﻬﻢ وﻟﯿﺴﺪ ﻛﻞ ﻣﺆﻣﻦ‬
‫ﻫﺬه اﻟﺬرﯾﻌﺔ أﻣﺎم ﻧﻔﺴﻪ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺤﺪﺛﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺄن ﯾﺠﻮر ﻋﻠﻰ اﻟﯿﺘﯿﻤﺔ ﻓﯿﻈﻠﻤﻬﺎ‪ .‬وإن أراد‬
‫اﻟﺮﺟﻞ أن ﯾﺘﺰوج ﻓﺄﻣﺎﻣﻪ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ اﻟﯿﺘﺎﻣﻰ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء‪.‬‬
‫وﻣﺎداﻣﺖ اﻟﻨﺴﺎء ﻛﺜﯿﺮات ﻓﺎﻟﺘﻌﺪد ﯾﺼﺒﺢ واردا‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻟﻢ ﯾﻘﻞ‪ :‬اﺗﺮك واﺣﺪة وﺧﺬ واﺣﺪة‪ ،‬ﻟﻜﻨﻪ‬
‫أوﺿﺢ‪ :‬اﺗﺮك اﻟﯿﺘﯿﻤﺔ وأﻣﺎﻣﻚ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻜﺜﯿﺮات‪ .‬إذن ﻓﻘﺪ ﻧﺎﺳﺐ اﻟﺤﺎل أن ﺗﺠﻰء ﻣﺴﺄﻟﺔ‬
‫اﻟﺘﻌﺪد ﻫﻨﺎ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﺮد اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻮﻟﻰ ﻋﻦ ﻧﻜﺎح اﻟﯿﺘﯿﻤﺎت ﻣﺨﺎﻓﺔ أن‬
‫}وإِ ْن‬‫ﯾﻈﻠﻤﻬﻦ‪ ،‬ﻓﺄﻣﺮه ﺑﺄن ﯾﺘﺮك اﻟﺰواج ﻣﻦ اﻟﯿﺘﯿﻤﺔ اﻟﻀﻌﯿﻔﺔ؛ ﻷن اﻟﻨﺴﺎء ﻏﯿﺮﻫﺎ ﻛﺜﯿﺮات‪َ .‬‬
‫ﺎع{‪.‬‬‫ﻼ َث َو ُر َﺑ َ‬ ‫ﺎب ﻟَ ُﻜ ْﻢ ﱢﻣ َﻦ اﻟﻨﺴﺂء ﻣﺜﻨﻰ َوُﺛ َ‬ ‫ﻮا ﻓِﻲ اﻟﯿﺘﺎﻣﻰ ﻓﺎﻧﻜﺤﻮا َﻣﺎ َﻃ َ‬ ‫ﻻ ُﺗ ْﻘ ِﺴ ُﻄ ْ‬
‫ِﺧ ْﻔُﺘ ْﻢ أَ ﱠ‬
‫ﻮا َﻣﺎ‬‫ِﺤ ْ‬ ‫ﻻ َﺗﻨﻜ ُ‬ ‫}و َ‬ ‫ﺎب ﻟَ ُﻜ ْﻢ ﱢﻣ َﻦ اﻟﻨﺴﺂء{ أى ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺤﺮﻣﺎت ﻓﻰ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ‪َ :‬‬ ‫وﻗﻮﻟﻪ اﻟﺤﻖ‪َ } :‬ﻣﺎ َﻃ َ‬
‫ﯿﻼ{‪] ..‬اﻟﻨﺴﺎء‪[22 :‬‬ ‫ﺎﺣ َﺸ ًﺔ َو َﻣ ْﻘ ًﺘﺎ َو َﺳﺂ َء َﺳ ِﺒ ً‬ ‫ﺎن َﻓ ِ‬ ‫ﻒ إِﱠﻧ ُﻪ َﻛ َ‬ ‫ﻻ َﻣﺎ َﻗ ْﺪ َﺳﻠَ َ‬ ‫ﺎؤ ُﻛ ْﻢ ﱢﻣ َﻦ اﻟﻨﺴﺂء إ ﱠ‬ ‫َﻧ َﻜ َﺢ آ َﺑ ُ‬
‫ِ‬
‫ﺎت‬‫ﻻُﺗ ُﻜ ْﻢ َو َﺑ َﻨ ُ‬‫ْﻜ ْﻢ أُ ﱠﻣ َﻬﺎُﺗ ُﻜ ْﻢ َو َﺑ َﻨﺎُﺗ ُﻜ ْﻢ َوأَ َﺧ َﻮاُﺗ ُﻜ ْﻢ َو َﻋ ﱠﻤﺎُﺗ ُﻜ ْﻢ َو َﺧﺎ َ‬
‫}ﺣ ﱢﺮ َﻣ ْﺖ َﻋﻠَﯿ ُ‬ ‫وﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ‪ُ :‬‬
‫ِﺴﺂﺋ ُ‬
‫ِﻜ ْﻢ‬ ‫ﺎت ﻧ َ‬‫ﺿ ْﻌ َﻨ ُﻜ ْﻢ َوأَ َﺧ َﻮاُﺗ ُﻜﻢ ﱢﻣ َﻦ اﻟﺮﺿﺎﻋﺔ َوأُ ﱠﻣ َﻬ ُ‬ ‫اﻟﻼﺗِﻲ أَ ْر َ‬ ‫ﺎت اﻷﺧﺖ َوأُ ﱠﻣ َﻬﺎُﺗ ُﻜ ُﻢ ﱠ‬ ‫اﻷخ َو َﺑ َﻨ ُ‬
‫ﻼ‬‫َﺧْﻠُﺘ ْﻢ ِﺑ ِﻬ ﱠﻦ َﻓ َ‬ ‫َﺧْﻠُﺘ ْﻢ ِﺑ ِﻬ ﱠﻦ َﻓﺈن ﻟﱠ ْﻢ َﺗ ُﻜﻮُﻧ ْ‬
‫ﻮا د َ‬ ‫ِ‬ ‫ِﻜ ُﻢ اﻟﻼﺗﻲ د َ‬ ‫ُﻜ ُﻢ اﻟﻼﺗﻲ ﻓِﻲ ُﺣ ُﺠﻮر ُﻛ ْﻢ ﱢﻣﻦ ﱢﻧ َﺴﺂﺋ ُ‬
‫ِ‬
‫َو َر َﺑﺎ ِﺋﺒ ُ‬
‫ﻒ‬ ‫ﻻ َﻣﺎ َﻗ ْﺪ َﺳﻠَ َ‬ ‫ْﻦ اﻷﺧﺘﯿﻦ إ ﱠ‬ ‫ﻼ ِﺑ ُﻜ ْﻢ َوأَن َﺗ ْﺠ َﻤ ُﻌ ْ‬
‫ﻮا َﺑﯿ َ‬ ‫ﺻَ‬ ‫ِﻦ أَ ْ‬ ‫ِﻜ ُﻢ اﻟﺬﯾﻦ ﻣ ْ‬ ‫ِﻞ أَ ْﺑ َﻨﺎﺋ ُ‬
‫ﻼﺋ ُ‬ ‫ﺎح َﻋﻠَﯿ ُ‬
‫ْﻜ ْﻢ َو َﺣ َ‬ ‫ُﺟ َﻨ َ‬
‫ِ‬
‫ْﻜ ْﻢ{‪..‬‬ ‫ﺎب اﷲ َﻋﻠَﯿ ُ‬ ‫ﻻ َﻣﺎ َﻣﻠَ ْﻜ َﺖ أَ ْﯾ َﻤﺎُﻧ ُﻜ ْﻢ ِﻛ َﺘ َ‬ ‫ِﻦ اﻟﻨﺴﺂء إ ﱠ‬
‫ِ‬ ‫ﯿﻤﺎ واﻟﻤﺤﺼﻨﺎت ﻣ َ‬ ‫ﺎن َﻏ ُﻔﻮراً ﱠر ِﺣ ً‬ ‫إِ ﱠن اﷲ َﻛ َ‬
‫]اﻟﻨﺴﺎء‪ [23 :‬إذن ﻓﻤﺎ ﻃﺎب ﻟﻜﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺤﺮﻣﺎت ﻫﻦ اﻟﻼﺗﻲ ﯾﺤﻠﻠﻦ ﻟﻠﺮﺟﻞ‬
‫اﺣ َﺪ ًة أَ ْو َﻣﺎ‬‫ﻮا َﻓ َﻮ ِ‬‫ﻻ َﺗ ْﻌﺪِﻟُ ْ‬ ‫ﺎع َﻓﺈ ْن ِﺧ ْﻔُﺘ ْﻢ أَ ﱠ‬
‫ﻼ َث َو ُر َﺑ َ ِ‬ ‫ﺎب ﻟَ ُﻜ ْﻢ ﱢﻣ َﻦ اﻟﻨﺴﺂء ﻣﺜﻨﻰ َوُﺛ َ‬ ‫}ﻓﺎﻧﻜﺤﻮا َﻣﺎ َﻃ َ‬
 ‫‪52‬‬

‫ﻻ َﺗ ُﻌﻮﻟُ ْ‬
‫ﻮا{ وﻫﻨﺎ ﯾﺠﺐ أن ﻧﻔﻬﻢ ﻟﻤﺎذا ﺟﺎء ﻫﺬا اﻟﻨﺺ؛ وﻟﻤﺎذا ﺟﺎء‬ ‫َﻣﻠَ َﻜ ْﺖ أَ ْﯾ َﻤﺎُﻧ ُﻜ ْﻢ ذﻟﻚ أدﻧﻰ أَ ﱠ‬
‫ﺑﺎﻟﻤﺜﻨﻰ واﻟﺜﻼث واﻟﺮﺑﺎع ﻫﻨﺎ؟‬
‫إﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﺰﻫﺪ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﻧﻜﺎح اﻟﯿﺘﯿﻤﺎت ﻣﺨﺎﻓﺔ أن ﺗﺄﺗﻰ إﻟﻰ اﻟﺮﺟﻞ ﻟﺤﻈﺔ‬
‫ﺿﻌﻒ ﻓﯿﺘﺰوج اﻟﯿﺘﯿﻤﺔ ﻇﺎﻟﻤﺎ ﻟﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺄوﺿﺢ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ‪ :‬اﺗﺮك اﻟﯿﺘﯿﻤﺔ‪ ،‬واﻟﻨﺴﺎء ﻏﯿﺮﻫﺎ ﻛﺜﯿﺮ‪،‬‬
‫ﻓﺄﻣﺎﻣﻚ ﻣﺜﻨﻰ وﺛﻼث ورﺑﺎع‪ ،‬واﺑﺘﻌﺪ ﻋﻦ اﻟﯿﺘﯿﻤﺔ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻜﻮن ﻃﺎﻣﻌﺎ ﻓﻲ ﻣﺎﻟﻬﺎ أن ﻧﺎﻇﺮا‬
‫وﻟﻲ ﯾﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﺷﺄﻧﻬﺎ ﻏﯿﺮك‪ .‬إﻧﺘﻬﻰ‬ ‫ﻓﻲ ﺿﻌﻔﻬﺎ أو ﻷﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﻟﻬﺎ ّ‬

‫ً‬
‫ﺻﺤﯿﺤﺎ ‪ ،‬ﻓﻤﺎ ﻫﻰ ﻋﻼﻗﺔ اﻷﻣﺮ ﺑﻌﺪم ﻧﻜﺎح اﻟﯿﺘﯿﻤﺔ ﺑﺎﻷﻣﺮ‬ ‫ﻓﺈذا ﻛﺎن ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻟﺸﻌﺮاوى ﻫﺬا‬
‫ﺑﻨﻜﺎح ﻛﺜﺮة ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ؟ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أن ﻣﻦ ﻏﯿﺮ اﻟﻤﻼﺋﻢ ان ﯾﻜﻮن اﻟﻮﺻﻲ ﻋﻠﻰ ﯾﺘﯿﻤﻪ‬
‫ﻟﺼﻐﺮﻫﺎ ﯾﺠﻮز ﻟﻪ أن ﯾﺘﺰوﺟﻬﺎ ﺑﻌﺪ ان ﺗﻜﺒﺮ وﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﻓﻰ ﻣﻘﺎم اﺑﻨﺘﻪ أو ﯾﺰوﺟﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻷﺑﻦ‬
‫ﻟﻪ وﻫﻰ ﻣﻦ ﺗﺮﺑﺖ ﻣﻌﻪ ﻛﺄﻧﻬﺎ أﺧﺘﻪ ‪ .‬وﻫﺬا اﻟﺘﻔﺴﯿﺮ ﻟﻬﺬا اﻟﺠﺰء اﻷول ﻣﻦ اﻵﯾﺔ ﻫﻮ اﻟﺘﻔﺎف‬
‫آﺧﺮ ﻷﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﯾﺠﺪوا ﻋﻼﻗﺔ ﺑﯿﻦ اﻷﻗﺴﺎط ﻟﻠﯿﺘﺎﻣﻰ وﺑﯿﻦ اﻷﻣﺮ ﺑﻨﻜﺎح ﻣﺜﻨﻰ وﺛﻼث ورﺑﺎع ‪،‬‬
‫ﻣﻊ ان اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ أﻧﻪ ﻟﻜﻰ ﻧﻘﺴﻂ ﻟﻠﯿﺘﺎﻣﻰ وﻧﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ أﻣﻮاﻟﻬﻢ ﻓﺎﻷﻗﺮب ﻟﻌﺪم اﻹﻓﺘﻘﺎر‬
‫ﻫﻮ اﻟﺰواج ﺑﻮاﺣﺪة ‪،‬‬
‫ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ذﻟﻚ ﻓﻨﺺ اﻵﯾﺔ ﻓﻰ ﺑﺪاﯾﺘﻬﺎ ﯾﻌﻨﻰ أﻻ ﻧﺄﻛﻞ أﻣﻮال اﻟﯿﺘﺎﻣﻰ إﻟﻰ أﻣﻮاﻟﻨﺎ وﻟﯿﺲ‬
‫أن ﻧﺒﺨﺴﻬﻢ ﺣﻘﻬﻢ ﻓﻰ اﻟﻤﻬﻮر ‪ ،‬وﯾﺒﻘﻰ ﺗﻮﺿﯿﺢ ﻧﻘﻄﺔ ﻫﺎﻣﺔ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﯾﺴﺄل ﺷﺨﺺ ﻟﻤﺎذا ﺟﺎءت‬
‫اﻵﯾﺔ ﺑﻬﺬه اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ وﻟﻢ ﺗﻘﻞ ﻣﺜﻼ ‪ ،‬ﻓﺈن ﺧﻔﺘﻢ أﻻ ﺗﻘﺴﻄﻮا ﻟﻠﯿ َﺘﺎﻣﻰ ﻓﺎﻧﻜﺤﻮا واﺣﺪة ذﻟﻚ أدﻧﻰ‬
‫أﻻ ﺗﻌﻮﻟﻮا ‪ ،‬اﻟﺴﺒﺐ ﻫﻮ أن اﻟﻨﺺ أراد ذم اﻟﻜﺜﺮه ذاﺗﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺰوﺟﺔ واﺣﺪة أى‬
‫ﻛﺜﺮة اﻷوﻻد ﻣﻦ إﻣﺮأة واﺣﺪة ‪.‬‬
‫اﻟﻐﺮﯾﺐ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﻣﺎ ذﻛﺮﻧﺎه وأﺛﺒﺘﻨﺎه أن اﻟﺸﺎﻓﻌﻰ ﻣﻨﺴﻮب ﻟﻪ أﯾﻀﺎ ﻓﻰ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻷﺷﻬﺮ) اﻷم‬
‫(أﻧﻪ ﻗﺎل أن اﻟﻮاﺣﺪة أﻓﻀﻞ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺪد وإن ﻛﺎن اﻟﺘﻌﺪد ﺣﻼل!!!! رﻏﻢ أن ﺗﻔﺴﯿﺮه ﻟﻬﺬا‬
‫اﻟﺘﺬﯾﯿﻞ ﺑﻬﺬا اﻟﺸﻜﻞ ﯾﺤﺮم ﺗﻌﺪد اﻟﺰوﺟﺎت ‪ .‬وﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ أن ﺗﻔﺴﯿﺮه ذﻟﻚ ﻻﺣﻖ ﻟﻜﺘﺎﺑﻪ اﻷم‬
‫أو أن ﻛﺘﺎب اﻷم ﻟﯿﺲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ‪ ،‬أو أن ﺗﻔﺴﯿﺮ أﻻ ﺗﻌﻮﻟﻮا ﺑﻬﺬا اﻟﺸﻜﻞ ﻻ ﯾﻌﻮد ﻟﻪ وﻧﺴﺐ إﻟﯿﻪ ‪،‬‬
‫وﻛﻞ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺳﺒﻞ اﻟﺘﻀﻠﯿﻞ اﻟﺘﻰ إﻧﺘﻬﺠﻬﺎ اﻟﺒﻌﺾ ﻟﻌﺪم إﻇﻬﺎر رأى ﻓﻘﻬﻰ ﻣﺨﺎﻟﻒ‬

‫ﻣﻼﺣﻈﺎت ) اﻟﻜﺎﺗﺐ (‬
 ‫‪53‬‬

‫اﻟﺤﻤﺪ ﷲ ﻓﺎﻃﺮ اﻟﺴﻤﻮات واﻷرض ﺟﺎﻋﻞ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ رﺳﻼ أوﻟﻰ اﺟﻨﺤﺔ ﻣﺜﻨﻰ وﺛﻼث ورﺑﺎع ﯾﺰﯾﺪ ﻓﻰ اﻟﺨﻠﻖ ﻣﺎ ﯾﺸﺎء ‪ .‬ﻓﺎﻃﺮ‬

‫اوﻟﻰ اﺟﻨﺤﺔ ﻣﺜﻨﻰ وﺛﻼث ورﺑﺎع إﺷﺎرة إﻟﻰ اﻟﻜﺜﺮة ﻓﯿﺰﯾﺪ ﻓﻰ اﻟﺨﻠﻖ ﻣﺎﯾﺸﺎء ﺗﻌﻮد ﻋﻠﯿﻬﻢ ﻷﻧﻪ ﻻ ﯾﺼﺢ ان ﯾﻜﻮن ﻣﺜﻨﻰ وﺛﻼث‬
‫ورﺑﺎع ﻣﺠﺮد ﺧﺒﺮ ﻻﻧﻪ ﺳﯿﻜﻮن ﺧﺒﺮ ﻏﯿﺮ ﻣﻔﯿﺪ ‪ ،‬وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻰ اﻹﻓﺎدة ﺟﺎءت ﺑﻜﻮن ﻣﺜﻨﻰ وﺛﻼث ورﺑﺎع إﺷﺎرة ﻟﻠﺰﯾﺎدة وأﻧﻬﻢ ﺑﺬاﺗﻬﻢ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ اﻟﻜﺜﺮة ‪.‬‬

‫ﻫﻞ اﻟﻌﺪد ﻣﺤﺪد ﺑﻌﺪد أﻗﺼﻰ أرﺑﻊ رﻏﻢ اﺷﺎرﺗﻪ ﻟﻠﺰﯾﺎدة أم اﻧﻪ ﻏﯿﺮ ﻣﺤﺪد واﺷﺎرﺗﻪ ﻟﻠﺰﯾﺎدة ﺗﻌﻨﻰ ان ﻫﻨﺎك ﻣﻼك ﺑﺨﻤﺲ وﺳﺖ‬
‫وﺳﺒﻊ اﺟﻨﺤﻪ اﻟﻰ اﻟﺦ ‪..‬‬

‫ﻟﻮ ان اﻟﻨﺺ ﻗﺎل ) وﯾﺰﯾﺪ ﻓﻰ اﻟﺨﻠﻖ ( ﺑﺈﺿﺎﻓﺔ ﺣﺮف اﻟﻌﻄﻒ ) و (‬

‫ﻟﻌﻠﻤﻨﺎ ان ﻣﺜﻨﻰ وﺛﻼث ورﺑﺎع ﻣﺠﺮد ﺧﺒﺮ وان ﻫﻨﺎك ﻣﻼﺋﻜﺔ ﺑﻌﺪد اﺟﻨﺤﺔ ﯾﺰﯾﺪ ﻋﻠﻰ اﻻرﺑﻊ ‪ ..‬اﻣﺎ ان اﻟﻨﺺ ﺟﺎء ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺼﯿﻐﺔ‬
‫ﻓﻬﺬا ﯾﻌﻨﻰ ان ﻣﺜﻨﻰ وﺛﻼث ﻫﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺒﺪا اﻟﺰﯾﺎدة وان ﻻ ﻣﻼﺋﻜﺔ ﺑﻌﺪد اﺟﻨﺤﺔ اﻛﺜﺮ ‪ .‬ﻓﻠﻮ أراد اﻟﻨﺺ أن ﯾﻘﻮل ﻟﻨﺎ أن ﻫﻨﺎك ﻣﻼﺋﻜﺔ‬
‫ﺑﻌﺪد أﺟﻨﺤﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أرﺑﻊ ﻟﺠﺎء اﻟﻨﺺ ﺑﺤﺮف اﻟﻌﻄﻒ ) و( وﻛﺎن اﻟﻨﺺ وﯾﺰﯾﺪ وﻟﯿﺲ ﯾﺰﯾﺪ ‪،‬‬
‫ﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ اﻧﻪ ﻋﻨﺪ اﻻﺷﺎرة اﻟﻰ ﻓﺎﻧﻜﺤﻮا ﻣﺎﻃﺎب ﻟﻜﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﺜﻨﻰ وﺛﻼث ورﺑﺎع ﻛﺎن ﯾﺸﯿﺮ اﻟﻰ اﻗﺼﻰ ﻋﺪد ﺗﺤﺪﯾﺪا وﻫﻮ‬
‫ارﺑﻊ وﻋﻨﻰ ﺑﻬﻢ اﻟﻜﺜﺮة واﻟﺰﯾﺎدة ﻻﻧﻪ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ اﻟﻤﻨﻄﻖ ان ﯾﻜﻮن ﻣﺎﻃﺎب ﻟﻜﻢ ﺗﺸﯿﺮ اﻟﻰ ﻋﺪد ﻻﻧﻬﺎﺋﻰ ‪ .‬ﻓﻤﻦ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ ذﻟﻚ ؟‬

‫وان ﺧﻔﺘﻢ اﻻ ﺗﻘﺴﻄﻮا ﻟﻠﯿﺘﺎﻣﻰ ﻓﺎﻧﻜﺤﻮا ﻣﺎﻃﺎب ﻟﻜﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﺜﻨﻰ ‪ ..‬ﻓﺎن ﺧﻔﺘﻢ اﻻ ﺗﻌﺪﻟﻮا ﻓﻮاﺣﺪة‬

‫ﻫﻞ اﻟﻘﺼﺪ ﻫﻮ إن ﺧﻔﺘﻢ أﻻ ﺗﻌﺪﻟﻮا ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺴﺎء أم إن ﺧﻔﺘﻢ أﻻ ﺗﻌﺪﻟﻮا ﻟﻠﯿﺘﺎﻣﻰ ؟‬

‫ﻣﻌﻨﻰ أن اﻟﺘﺬﯾﯿﻞ ﯾﺎﻣﺮ ﺑﺎﻟﻮاﺣﺪة ﻟﻌﻠﺔ ﻋﺪم اﻹﻓﺘﻘﺎر ﻓﺎﻟﺘﻌﻮﯾﻞ ﻫﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺪرة اﻟﻤﺎدﯾﺔ ورﺑﻂ اﻟﻌﺪل ﺑﯿﻦ اﻟﺰوﺟﺎت ﺑﺎﻟﻤﻘﺪرة اﻟﻤﺎدﯾﺔ‬
‫ﻓﻘﻂ رﺑﻂ ﻣﻨﻘﻮص ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻌﺪل ﺑﯿﻦ ﻋﺪة ﻧﺴﺎء ﯾﺸﺘﺮط اﻛﺒﺮ ﻣﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﺪل ﻣﺎﻟﻰ ‪ ،‬ﻓﻠﺬﻟﻚ ﻓﺎن ﺧﻔﺘﻢ اﻻ ﺗﻌﺪﻟﻮا ﻣﺮﺗﺒﻄﻪ ﺑﺎﻟﯿﺘﺎﻣﻰ وﻟﯿﺲ‬
‫ﺑﺎﻟﻨﺴﺎء وﻟﺬﻟﻚ ﻟﻢ ﯾﻘﻮل ﻫﻨﺎ ﻓﺈن ﺧﻔﺘﻢ اﻻ ﺗﻌﺪﻟﻮا ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﻛﻤﺎ ُذﻛﺮ ﻓﻰ آﯾﺔ أﺧﺮى‬
‫ﺲ ﱡ‬
‫اﻟﺸ ﱠﺢ‪ ‬‬ ‫ﻀ َﺮ ِت ْ َ‬
‫اﻷﻧْ ُﻔ ُ‬ ‫ْﺮ َوأُ ْﺣ ِ‬ ‫اﻟﺼﻠْ ُﺢ َﺧﯿ ٌ‬
‫ﺻﻠْ ًﺤﺎ َو ﱡ‬ ‫ُﺼﻠِ َﺤﺎ ﺑَﯿْﻨَ ُﻬ َﻤﺎ ُ‬‫ﺎح َﻋﻠَﯿ ِْﻬ َﻤﺎ أَ ْن ﯾ ْ‬
‫اﺿﺎ َﻓ َﻼ ُﺟﻨَ َ‬‫ﻮزا أَ ْو إِ ْﻋ َﺮ ً‬
‫ْﺮأٌَة َﺧﺎ َﻓ ْﺖ ِﻣ ْﻦ ﺑَ ْﻌﻠِﻬَﺎ ﻧُ ُﺸ ً‬ ‫)​ َوإِ ِن اﻣ َ‬
‫ْ‬ ‫ﱠ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ﱠ‬ ‫ُ‬
‫ﺻﺘُ ْﻢ َﻓ َﻼ ﺗَ ِﻤﯿﻠﻮا ﻛﻞ اﻟ َﻤﯿ ِ‬
‫ْﻞ‪ ‬‬ ‫ْﻦ اﻟﱢﻨ َﺴﺎ ِء َوﻟ ْﻮ َﺣ َﺮ ْ‬
‫ﯿﺮا )‪َ (128‬وﻟ ْﻦ ﺗَ ْﺴﺘَ ِﻄﯿﻌُﻮا أ ْن ﺗَ ْﻌ ِﺪﻟﻮا ﺑَﯿ َ‬ ‫َوإِ ْن ﺗُ ْﺤ ِﺴﻨُﻮا َوﺗَﱠﺘﻘﻮا َﻓﺈِ ﱠن اﷲَ َﻛ َ‬
‫ﺎن ﺑِ َﻤﺎ ﺗَ ْﻌ َﻤﻠ َ‬
‫ﻮن َﺧﺒِ ً‬
‫اﺳﻌًﺎ‪ ‬‬‫ﺎن اﷲﱠُ َو ِ‬ ‫ﻮرا َر ِﺣﯿﻤًﺎ )‪َ (129‬وإِ ْن ﯾَﺘَ َﻔ ﱠﺮ َﻗﺎ ﯾُ ْﻐ ِﻦ اﷲﱠُ ُﻛ ‪‬ﻼ ِﻣ ْﻦ َﺳ َﻌﺘِ ِﻪ َو َﻛ َ‬ ‫ﺎن َﻏ ُﻔ ً‬
‫اﷲَ َﻛ َ‬ ‫ﺼﻠِ ُﺤﻮا َوﺗَﱠﺘ ُﻘﻮا َﻓﺈ ﱠن ﱠ‬
‫ِ‬ ‫وﻫﺎ َﻛﺎﻟْ ُﻤ َﻌﱠﻠ َﻘ ِﺔ َوإِ ْن ﺗُ ْ‬
‫َﻓﺘَ َﺬ ُر َ‬
‫َﺣ ِﻜﯿﻤًﺎ )‪​(130‬ﻟﻨﺴﺎء‬

‫وﻫﺬه اﻻﯾﺎت إﺷﺎرة ﻹﺳﺘﺤﺎﻟﺔ ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻟﻌﺪل ﺑﯿﻦ ﻋﺪة ﻧﺴﺎء وﺗﺤﺮﯾﻢ ﻟﻠﺠﻤﻊ وﻟﯿﺲ ﻛﻤﺎ ﯾﻔﻬﻤﻬﺎ اﻟﺒﻌﺾ ﻣﻦ ﻇﺎﻫﺮﻫﺎ أن اﻟﺘﻌﺪد ﻣﺒﺎح‬
‫واﻟﻤﯿﻞ ﻫﻮ اﻟﻤﺤﺮم ) ﻻﺣﻆ أن اﻟﻨﺺ ﻟﻢ ﯾﻘﻞ ﻟﻦ ﺗﺴﺘﻄﯿﻌﻮا أن ﺗﻌﺪﻟﻮا ﺑﯿﻦ اﻟﺰوﺟﺎت وﻟﻜﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﻷﻧﻪ ﻣﺼﻄﻠﺢ اﻟﺰوﺟﺎت‬
‫ﻛﺘﻌﺪد ﯾﺮﻓﻀﻪ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ ( ﻓﺎﻟﻨﺺ ﯾﺄﻣﺮﻧﺎ اﻻ ﻧﻤﯿﻞ ﻛﻞ اﻟﻤﯿﻞ وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ اﻟﻘﺼﺪ ﻫﻮ اﻷﻣﺮ ﺑﻌﺪم اﻟﻤﯿﻞ ﻧﻬﺎﺋﯿﺎ وﻟﯿﺲ أن ﺑﻌﺾ‬
‫اﻟﻤﯿﻞ ﺣﻼل ‪ ،‬ﺑﺪاﯾﺔ اﻻﯾﺎت ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﺧﻼف ﺑﯿﻦ زوج و زوﺟﺔ وﺣﺴﺐ اﻟﻨﺺ أن ﺗﻠﻚ واﻗﻌﺔ ﺣﺪﺛﺖ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺑﺪﻻﻟﺔ إﺳﺘﺨﺪام ﻟﻔﻆ‬
‫ﺎن َﻏ ُﻔ ً‬
‫ﻮرا َر ِﺣﯿ ًﻢ ( ﻓﺎﻟﻨﺺ ﻛﺎن ﻣﻮﺟﻪ ﻟﻠﺮﺟﻞ ﻓﯿﻌﺎﺗﺐ ﻋﻠﯿﻪ ﺛﻢ ﯾﻮﺟﻪ اﻟﻜﻼم إﻟﻰ‬ ‫ﺼﻠِ ُﺤﻮا َوﺗَﱠﺘ ُﻘﻮا َﻓﺈ ﱠن ﱠ‬
‫اﷲَ َﻛ َ‬ ‫ِ‬ ‫ﻛﺎن ﻓﻰ ﻗﻮﻟﻪ ) َوإِ ْن ﺗُ ْ‬
‫اﻟﺮﺟﺎل ﻋﺎﻣﺔ ﺑﻨﺎءا ﻋﻠﻰ ﻣﺎوﻗﻊ ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻘﺼﺔ ﺑﺎﻻ ﯾﻤﯿﻠﻮا وﯾﻤﺎرﺳﻮا اﻟﻈﻠﻢ ﺑﺎن ﯾﺘﺮﻛﻮا اﻟﻤﺮاءة ﻣﻌﻠﻘﺔ ﻣﺮاوﻏﺔ ﻣﻨﻬﻢ دون‬
‫ﺻﻠﺢ ودون ﻃﻼق ‪،‬‬
 ‫‪54‬‬
‫وﻗﻮﻟﻪ ) وﻟﻦ ﺗﺴﺘﻄﯿﻌﻮا أن ﺗﻌﺪﻟﻮا ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺴﺎء ( ﻗﺪ ﯾﻜﻮن إﺷﺎرة أن اﻟﺮﺟﻞ ﻻﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﻮﻓﻰ اﻟﻤﺮأه ﺣﻘﻮﻗﻬﺎ ﻛﺎﻣﻠﺔ وﻫﻨﺎ‬
‫ﺗﺨﺼﯿﺺ اﻟﻘﻮل ﻟﻠﺤﺎﻟﺔ اﻟﺘﻰ وﻗﻌﺖ وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﺮأة ﻓﯿﻬﺎ ﻣﻈﻠﻮﻣﺔ ‪ ،‬أو أﻧﻬﺎ ﺗﺘﺨﻄﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ وﺗﻤﺘﺪح اﻟﻨﺴﺎء ﻋﺎﻣﺔ‬
‫ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺴﺘﻄﯿﻊ إﯾﻔﺎءﻫﻢ ﺣﻘﻬﻢ ﻣﻬﻤﺎ ﻓﻌﻠﻨﺎ ‪،‬‬

‫أو أﻧﻪ ﻧﻬﻰ ﻟﻠﺮﺟﻞ ﻋﻦ اﻟﺘﻌﺪد ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻤﻌﻨﻰ اﻻ ﻧﻈﻠﻢ ﻛﻞ اﻟﻈﻠﻢ إذا ﻋﻠﻖ اﻟﺮﺟﻞ إﻣﺮأة ﻋﺒﺮ اﻟﺘﺰوج ﺑﻐﯿﺮﻫﺎ ﻓﺘﻜﻮن اﻷوﻟﻰ ﻣﺘﺰوﺟﺔ‬
‫اﺳﻤﺎ ﻻ ﻓﻌﻼ ﻓﺘﺼﺒﺢ ﻣﻌﻠﻘﺔ ﻻ ﻫﻰ ﻣﺘﺰوﺟﺔ وﻻ ﻫﻰ ﻣﻄﻠﻘﺔ إذا ﻋﺪدﻧﺎ اﻟﺰوﺟﺎت وﺑﺬﻟﻚ ﻓﺎﻟﻨﻬﻰ ﻓﻰ اﻻﯾﺔ ﻫﻮ ﻧﻬﻰ ﻋﻦ اﻟﻤﯿﻞ ﺑﻤﻌﻨﻰ‬
‫ﻧﻬﻰ ﻋﻦ اﻟﺘﻌﺪد ‪.‬‬
 ‫‪55‬‬

‫زواج اﻷﻧﺒﯿﺎء‬

‫اﺣ َﺪ ٍة َو َﺧﻠَ َﻖ ِﻣ ْﻨ َﻬﺎ َز ْو َﺟ َﻬﺎ َو َﺑ ﱠﺚ‬ ‫ﺲ َو ِ‬ ‫ﱠﻜ ُﻢ اﻟﱠﺬِي َﺧﻠَ َﻘ ُﻜ ْﻢ ﻣ ْ‬

‫ِﻦ َﻧ ْﻔ ٍ‬ ‫ﺎس اﱠﺗ ُﻘﻮا َرﺑ ُ‬ ‫ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َﯾﺎ أَﱡﯾ َﻬﺎ اﻟﱠﻨ ُ‬
‫ﺎن َﻋﻠَﯿ ُ‬ ‫اﻷ ْر َﺣﺎ َمۚ إ ﱠن ﱠ‬ ‫ﻮن ﺑ ِﻪ َو ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ﱠ ﱠ‬
‫ْﻜ ْﻢ َرﻗِﯿﺒًﺎ‬ ‫اﷲَ َﻛ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِﺴﺎ ًءۚ َواﱠﺗ ُﻘﻮا اﷲَ اﻟﺬِي َﺗ َﺴﺎ َءﻟ َ ِ‬ ‫ِﻣ ْﻨ ُﻬ َﻤﺎ ِر َﺟ ًﺎﻻ َﻛﺜ ً‬
‫ِﯿﺮا َوﻧ َ‬
‫ِﻜ ْﻢۚ‬ ‫ﱢﺐۖ َو َﻻ َﺗ ْﺄ ُﻛﻠُﻮا أَ ْﻣ َﻮاﻟَ ُﻬ ْﻢ إِﻟَﻰ‬
‫ٰ أَ ْﻣ َﻮاﻟ ُ‬ ‫ٰ أَ ْﻣ َﻮاﻟَ ُﻬ ْﻢۖ َو َﻻ َﺗ َﺘ َﺒ ﱠﺪﻟُﻮا ْاﻟ َﺨﺒ َ ﱠ‬
‫ﯿﺚ ِﺑﺎﻟﻄﯿ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿‪َ ﴾1‬وآُﺗﻮا ْاﻟ َﯿ َﺘﺎ َﻣﻰ‬
‫ﺎب ﻟَ ُﻜ ْﻢ ﻣ َ‬
‫ِﻦ اﻟﱢﻨ َﺴﺎ ِء‬ ‫ِﺤﻮا َﻣﺎ َﻃ َ‬ ‫ٰ َﻓﺎ ْﻧﻜ ُ‬ ‫ﯿﺮا ﴿‪َ ﴾2‬وإِ ْن ِﺧ ْﻔُﺘ ْﻢ أَﱠﻻ ُﺗ ْﻘ ِﺴ ُﻄﻮا ﻓِﻲ ْاﻟ َﯿ َﺘﺎ َﻣﻰ‬ ‫ﺎن ُﺣﻮﺑًﺎ َﻛ ِﺒ ً‬ ‫إِﱠﻧ ُﻪ َﻛ َ‬
‫ٰ أَﱠﻻ َﺗ ُﻌﻮﻟُﻮا‬ ‫ِﻚ أَ ْد َﻧﻰ‬
‫ٰذﻟ َ‬‫اﺣ َﺪ ًة أَ ْو َﻣﺎ َﻣﻠَ َﻜ ْﺖ أَ ْﯾ َﻤﺎُﻧ ُﻜ ْﻢۚ َ‬
‫ﺎعۖ َﻓِﺈ ْن ِﺧ ْﻔُﺘ ْﻢ أَﱠﻻ َﺗ ْﻌﺪِﻟُﻮا َﻓ َﻮ ِ‬
‫ٰ َوُﺛ َﻼ َث َو ُر َﺑ َ‬ ‫َﻣ ْﺜ َﻨﻰ‬
‫﴿‪ ( (3‬اﻟﻨﺴﺎء‬
‫ﻋﻨﺪﻧﺎ ﯾﻜﻮن اﻟﺨﻄﺎب ﻣﻮﺟﻪ إﻟﻰ اﻟﻨﺎس ﻓﻰ ﺑﺪاﯾﺔ ﺗﻠﻚ اﻵﯾﺎت‪ ،‬ﻓﻬﺬا ﯾﻌﻨﻰ أﻧﻪ ﻻ ﯾﺴﺘﺜﻨﻰ ﻣﻨﻪ‬
‫أى ﻧﺒﻰ أو رﺳﻮل ‪ ،‬ﻓﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺨﺎﻃﺒﯿﻦ أﯾﻀﺎ ‪ ،‬وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻔﻬﻢ أن اﻷﯾﺎت ﺗﺤﺮم‬
‫اﻟﺘﻌﺪد ﻓﻬﺬا ﻣﻌﻨﺎه أن اﻟﻨﺒﻰ ﻣﺤﻤﺪ ذاﺗﻪ ُﻣﺤﺮم ﻋﻠﯿﻪ ﺗﻌﺪد اﻟﺰوﺟﺎت ﻫﻮ اﻵﺧﺮ ‪ ،‬أن أدم ﻣﺤﺮم‬
‫ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺘﻌﺪد !‬
 ‫‪56‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ ،‬ﻓﻤﺎ ﻫﻮ ُﻣﺤﺮم ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس ﻣﺤﺮم ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﻟﻨﺎس ﻓﻰ ﻛﻞ زﻣﺎن ‪ ،‬واﻟﻨﺒﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﻟﻢ‬
‫ﯾﻜﻦ ﻓﻰ ﻋﺼﻤﺘﻪ إﻻ إﻣﺮأة واﺣﺪة ‪ ،‬وﻛﺬﻟﻚ ﻛﻞ اﻷﻧﺒﯿﺎء اﻟﺬﯾﻦ ورد ذﻛﺮﻫﻢ ﻓﻰ اﻟﻨﺺ‬
‫‪7‬‬
‫اﻟﻘﺮأﻧﻰ ﻟﻢ ﯾﻌﺪدوا ﻓﻰ اﻟﺰواج ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻟﻬﻢ زوﺟﺔ واﺣﺪة ﻓﻘﻂ‬
‫ﻓﺈﺑﺮاﻫﯿﻢ ﺣﺴﺐ ﺳﯿﺎق اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﻪ إﻻ زوﺟﺔ واﺣﺪة وﻫﻰ اﻟﺘﻰ ﺗﺤﺪث ﻋﻨﻬﺎ‬
‫ﻮب )‪(71‬‬ ‫ﺎق َﯾ ْﻌ ُﻘ َ‬‫ﺎق َوﻣِﻦ َو َرا ِء إِ ْﺳ َﺤ َ‬ ‫ﺎﻫﺎ ِﺑِﺈ ْﺳ َﺤ َ‬ ‫ﻀ ِﺤ َﻜ ْﺖ َﻓ َﺒ ﱠﺸ ْﺮ َﻧ َ‬ ‫اﻟﻨﺺ ﻓﻘﺎل ) َو ْاﻣ َﺮأَُﺗ ُﻪ َﻗﺎ ِﺋ َﻤ ٌﺔ َﻓ َ‬
‫( ﻫﻮد ‪ ،‬وﻟﻢ ﯾﺬﻛﺮ اﻟﻨﺺ أى ﻗﺼﺺ ﻹﺑﺮاﻫﯿﻢ ﻣﻊ أى إﻣﺮأة أﺧﺮى ﻏﯿﺮ ﺗﻠﻚ ‪ ،‬ﻣﺎ ﯾﻌﻨﻰ‬
‫أن ذﻛﺮﻫﺎ ﻟﯿﺲ ﻟﻤﺠﺮد أﻧﻬﺎ أم إﺳﺤﺎق وﻟﻜﻦ ﻷﻧﻬﺎ اﻟﻤﺮأة اﻟﻮﺣﯿﺪة ﻓﻰ ﺣﯿﺎة إﺑﺮاﻫﯿﻢ ‪،‬‬
‫ﯾﻦ )‪ ( (83‬اﻷﻋﺮاف‬ ‫ِﻦ ْاﻟ َﻐ ِﺎﺑ ِﺮ َ‬
‫ﻧﺠ ْﯿ َﻨﺎ ُه َوأَ ْﻫﻠَ ُﻪ إِﱠﻻ ْاﻣ َﺮأََﺗ ُﻪ َﻛﺎ َﻧ ْﺖ ﻣ َ‬
‫وﻛﺬﻟﻚ ﻟﻮط ﻓﻘﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َﻓَﺄ َ‬
‫ﻣﺜﻼ ) إﻻ إﻣﺮأة ﻟﻪ ( أو ) إﻻ إﺣﺪى زوﺟﺎﺗﻪ ( ‪،‬‬ ‫‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﯾﻘﻞ اﻟﻨﺺ ً‬
‫وﻛﺬﻟﻚ ﻋﻤﺮان اﻟﺬى ﻻ ﯾﺘﻢ إﻋﺘﺒﺎره أﺣﺪ اﻷﻧﺒﯿﺎء!!! ﻷﻧﻬﻢ ﺣﺼﺮوا اﻷﻧﺒﯿﺎء اﻟﻤﺬﻛﻮرﯾﻦ ﻓﻰ‬
‫ﻮﺣﺎ َو َ‬
‫آل‬ ‫ٰ آ َد َم َوُﻧ ً‬ ‫اﺻ َﻄ َﻔﻰ‬ ‫اﷲَ ْ‬ ‫اﻟﻘﺮآن ﻓﻰ ‪ ٢٥‬ﻧﺒﻰ ‪ ،‬وﻓﺴﺮوا ﻟﻔﻆ اﻹﺻﻄﻔﺎء ﻓﻰ ﻗﻮﻟﻪ ) إ ﱠن ﱠ‬
‫ِ‬
‫ِﯿﻦ )‪ (33‬أل ﻋﻤﺮان ‪ ،‬أﻧﻪ إﺻﻄﻔﺎء ﻷل ﻋﻤﺮان وﻟﯿﺲ‬ ‫ان َﻋﻠَﻰ ْاﻟ َﻌﺎﻟَﻤ َ‬ ‫آل ِﻋ ْﻤ َﺮ َ‬ ‫اﻫﯿ َﻢ َو َ‬
‫ْﺮ ِ‬
‫إِﺑ َ‬
‫ﻟﻌﻤﺮان ذاﺗﻪ ! رﻏﻢ أن ﻋﻤﺮان ﻫﻨﺎ ﻣﻜﺎﻓﻰء ﻹﺑﺮاﻫﯿﻢ ﺑﺠﻌﻞ اﷲ ﻓﻰ ذرﯾﺘﻬﻤﺎ اﻟﻨﺒﻮة وﻻ‬
‫ﯾﺼﺢ أن ﯾُﻨﺴﺐ ﺳﻠﺴﻠﺔ أﻧﺒﯿﺎء إﻻ إﻟﻰ ﻧﺒﻰ ‪ ،‬وﻟﯿﺲ ﻟﻤﺠﺮد رﺟﻞ ﻣﺆﻣﻦ ‪ ،‬وﻛﻞ ذﻟﻚ ﻷن‬
‫اﻟﻘﺮآن ﻟﻢ ﯾﺼﺮح ﺑﻮﺿﻮح ﺑﻨﺒﻮة ﻋﻤﺮان وإﺳﺘﻌﺎض ﻋﻦ ذﻟﻚ ﺑﻠﻔﻆ اﻹﺻﻄﻔﺎء ﻓﻰ ﺗﻠﻚ اﻵﯾﺔ‬
‫‪،‬‬
‫وﻟﻮ أﻧﻬﻢ ﻓﺴﺮوا ﻟﻔﻆ اﻹﺻﻄﻔﺎء ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﻨﺒﻮة ﻟﻮﻗﻌﻮا ﻓﻰ إﺷﻜﺎﻟﯿﺔ أن اﻟﻨﺺ ذﻛﺮ أن ﻣﺮﯾﻢ‬
‫ﺗﻢ إﺻﻄﻔﺎءﻫﺎ وذﻛﺮ إﺻﻄﻔﺎءﻫﺎ ﻣﺮﺗﯿﻦ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺑﺂﯾﺔ‪ ،‬ﻣﺎ ﯾﻌﻨﻰ أن اﻷﺻﻄﻔﺎء اﻻول ﻫﻮ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻛﻞ اﻟﻨﺎس ﺑﻜﻮﻧﻬﺎ ﻧﺒﯿﺔ ورﺳﻮﻟﺔ وﻫﻮ ﻣﺎ أرادوا إﺧﻔﺎءه ‪،‬‬
‫ان َر ﱢب إِﱢﻧﻲ َﻧ َﺬ ْر ُت ﻟَ َﻚ َﻣﺎ‬ ‫ﻓﺎﻟﻨﺒﻰ ﻋﻤﺮان ﻟﻪ زوﺟﺔ واﺣﺪة ﻓﻘﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) إِ ْذ َﻗﺎﻟَ ِﺖ ْاﻣ َﺮأَ ُت ِﻋ ْﻤ َﺮ َ‬
‫ِﯿﻊ ْاﻟ َﻌﻠِﯿ ُﻢ )‪ ( (35‬أل ﻋﻤﺮان ‪ ،‬وﻟﻢ ﯾﺬﻛﺮ‬ ‫اﻟﺴﻤ ُ‬ ‫ﻧﺖ ﱠ‬ ‫ﱠﻞ ِﻣﱢﻨﻲۖ إِﱠﻧ َﻚ أَ َ‬ ‫ﻓِﻲ َﺑ ْﻄﻨِﻲ ُﻣ َﺤ ﱠﺮ ًرا َﻓ َﺘ َﻘﺒ ْ‬
‫اﻟﻨﺺ اى إﻣﺮأة أﺧﺮى ﻟﻪ ‪ ،‬وﻛﺬﻟﻚ زﻛﺮﯾﺎ رﻏﻢ ان إﻣﺮاﺗﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺎﻗﺮا ﻟﻢ ﯾﺘﺰوج ﻏﯿﺮﻫﺎ‬
‫ِﻚ‬‫س َﺷ ْﯿﺒًﺎ َوﻟَ ْﻢ أَ ُﻛﻦ ِﺑ ُﺪ َﻋﺎﺋ َ‬ ‫اﻟﺮْأ ُ‬
‫اﺷ َﺘ َﻌ َﻞ ﱠ‬‫ﺎل َر ﱢب إﱢﻧﻲ َو َﻫ َﻦ ْاﻟ َﻌ ْﻈ ُﻢ ِﻣﱢﻨﻲ َو ْ‬
‫ِ‬ ‫ﻟﯿﻨﺠﺐ ‪ ،‬ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َﻗ َ‬
‫ﻧﻚ َوﻟِﯿ‪‬ﺎ‬‫ِﺮا َﻓ َﻬ ْﺐ ﻟِﻲ ﻣِﻦ ﻟﱠ ُﺪ َ‬ ‫ِﻲ ﻣِﻦ َو َراﺋِﻲ َو َﻛﺎ َﻧ ِﺖ ْاﻣ َﺮأَﺗِﻲ َﻋﺎﻗ ً‬ ‫َر ﱢب َﺷ ِﻘﯿ‪‬ﺎ )‪َ (4‬وإِﱢﻧﻲ ِﺧ ْﻔ ُﺖ ْاﻟ َﻤ َﻮاﻟ َ‬
‫)‪ ( (5‬ﻣﺮﯾﻢ ‪.‬‬

‫‪ - 6‬وأن ﻗﺎﺑﯿﻞ وﻫﺎﺑﯿﻞ ُﻣﺤﺮم ﻋﻠﯿﻬﻢ أﺧﻮاﺗﻬﻢ!‬

‫‪- 7‬ﺑﻞ إﻧﻪ ﻟﯿﺲ ﻟﻬﻢ إﻻ إﺑﻦ واﺣﺪ أﯾﻀﺎ ‪ ،‬ﻓﺈﺳﻤﺎﻋﯿﻞ ﻟﯿﺲ إﺑﻦ إﺑﺮاﻫﯿﻢ ﺑﻞ أﺣﺪ ﺗﻼﻣﯿﺬه ‪ ،‬وإﺑﻦ إﺑﺮاﻫﯿﻢ واﻟﺬﺑﯿﺢ‬
‫ﻫﻮ إﺳﺤﺎق ) ﺑﺤﺚ ﻟﻸﺳﺘﺎذ ﺳﺎﻣﺮ اﻹﺳﻼﻣﺒﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻗﻊ أﻫﻞ اﻟﻘﺮأن (‬
 ‫‪57‬‬

‫ٰ أَن‬ ‫ْﻦ َﻋﻠَﻰ‬ ‫ﺎل إِﱢﻧﻲ أُ ِرﯾ ُﺪ أَ ْن أُﻧﻜ َ‬

‫ِﺤ َﻚ إِ ْﺣﺪَى ا ْﺑ َﻨ َﺘ ﱠﻲ َﻫﺎ َﺗﯿ ِ‬ ‫وﻛﺬﻟﻚ ﻣﻮﺳﻰ ‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َﻗ َ‬
‫ْﻚۚ َﺳ َﺘ ِﺠ ُﺪﻧِﻲ إِن‬ ‫ِكۖ َو َﻣﺎ أُ ِرﯾ ُﺪ أَ ْن أَ ُﺷ ﱠﻖ َﻋﻠَﯿ َ‬
‫ِﻦ ِﻋﻨﺪ َ‬ ‫ِﻲ ِﺣ َﺠ ٍﺞۖ َﻓِﺈ ْن أَ ْﺗ َﻤ ْﻤ َﺖ َﻋ ْﺸ ًﺮا َﻓﻤ ْ‬ ‫ْ‬
‫َﺗﺄ ُﺟ َﺮﻧِﻲ َﺛ َﻤﺎﻧ َ‬
‫ﯿﻦ )‪ (27‬اﻟﻘﺼﺺ ‪ ،‬ﻟﻢ ﯾﺬﻛﺮ اﻟﻨﺺ أى إﻣﺮاة أﺧﺮى ﻟﻤﻮﺳﻰ ‪.‬‬ ‫ِﺤ َ‬
‫اﻟﺼﺎﻟ ِ‬‫ِﻦ ﱠ‬ ‫َﺷﺎ َء اﷲﱠُ ﻣ َ‬
‫ِﯾﻦ آ َﻣُﻨﻮا‬ ‫ﺿ َﺮ َب اﷲﱠُ َﻣ َﺜ ًﻼ ﻟﱢﻠﱠﺬ َ‬ ‫ﺣﺘﻰ أن ﻓﺮﻋﻮن ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺔ زوﺟﺔ واﺣﺪة ‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َو َ‬
‫ِﺮ َﻋ ْﻮ َن َو َﻋ َﻤﻠِ ِﻪ‬‫َك َﺑ ْﯿ ًﺘﺎ ﻓِﻲ ْاﻟ َﺠﱠﻨ ِﺔ َو َﻧ ﱢﺠﻨِﻲ ﻣِﻦ ﻓ ْ‬‫ْﻦ ﻟِﻲ ِﻋﻨﺪ َ‬ ‫ْ‬
‫ِﺮ َﻋ ْﻮ َن إِذ َﻗﺎﻟَ ْﺖ َر ﱢب اﺑ ِ‬ ‫ْاﻣ َﺮأَ َت ﻓ ْ‬
‫ِﯿﻦ )‪ (11‬اﻟﺘﺤﺮﯾﻢ ‪ ،‬ﻷن إﻣﺮأة ﻓﺮﻋﻮن ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ﻓﻠﻢ‬ ‫اﻟﻈﺎﻟِﻤ َ‬ ‫ِﻦ ْاﻟ َﻘ ْﻮم ﱠ‬
‫َو َﻧ ﱢﺠﻨِﻲ ﻣ َ‬
‫ِ‬
‫ﺗﻜﻦ ﻟﺘﺮﺿﻰ أن ﯾﻜﻮن ﻣﻌﻬﺎ زوﺟﺔ أﺧﺮى ‪،‬‬

‫ﻣﺎرﯾﺔ اﻟﻘﺒﻄﯿﺔ ) ﻗﺼﺔ ﻗﺼﯿﺮة (‬

‫ﯾﻘﺎل أن اﻟﻨﺒﻰ أرﺳﻞ ﺑﻌﺾ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﺑﺮﺳﺎﻟﺔ إﻟﻰ ﺣﺎﻛﻢ ﺑﻼد اﻟﻘﺒﻂ ‪ ،‬ﻓﻘﺎﻟﻮا ﻟﻪ ﺟﺌﻨﺎ ﻟﻨﺨﺮج‬
‫اﻟﻌﺒﺎد ﻣﻦ ﻋﺒﺎدة اﻟﻌﺒﺎد إﻟﻰ ﻋﺒﺎدة رب اﻟﻌﺒﺎد ﻓﺴﻠﻤﻬﻢ إﻣﺮأة ُﺗﺴﻤﻰ ﻣﺎرﯾﺔ ﻛﻬﺪﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﻨﺒﻰ‬
‫ﻓﻘﺒﻠﻮﻫﺎ وﺟﺎؤا ﺑﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻨﺒﻰ! رﻏﻢ أن اﻟﻨﺒﻰ ﺳﻠﯿﻤﺎن ﻟﻢ ﯾﻘﺒﻞ اﻟﻬﺪﯾﺔ ﻓﻰ ذات ﻣﻮﻗﻒ اﻟﺪﻋﻮة‬
‫ﺎل أَُﺗ ِﻤ ﱡﺪو َﻧ ِﻦ ِﺑ َﻤ ٍ‬
‫ﺎل َﻓ َﻤﺎ‬ ‫ﺎن َﻗ َ‬
‫إﻟﻰ اﷲ ‪ ،‬ﻓﻜﺎن رده ﻋﻠﻲ ﻣﻦ ﺟﺎء ﺑﻬﺎ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َﻓﻠَ ﱠﻤﺎ َﺟﺎ َء ُﺳﻠَ ْﯿ َﻤ َ‬
‫ﻮن )‪ (36‬اﻟﻨﻤﻞ‬ ‫ﺎﻛﻢ َﺑ ْﻞ أَﻧُﺘﻢ ِﺑ َﻬ ِﺪﱠﯾﺘ ُ‬
‫ِﻜ ْﻢ َﺗ ْﻔ َﺮ ُﺣ َ‬ ‫ِﻲ اﷲﱠُ َﺧﯿ ٌ‬
‫ْﺮ ﱢﻣ ﱠﻤﺎ آ َﺗ ُ‬ ‫آ َﺗﺎﻧ َ‬

‫ﻫﺬة ﻗﺼﺔ ﻷﺣﺪى زﯾﺠﺎت اﻟﻨﺒﻰ ﻣﺤﻤﺪ ‪ ،‬ﻓﻬﻞ ﯾُﻌﻘﻞ أن ﯾﻜﻮن أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻰ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺴﺬاﺟﺔ‬
‫واﻟﺒﻼﻫﺔ ﺑﺄن ﯾﻘﺒﻠﻮا إﻣﺮأه ﻛﻬﺪﯾﺔ ‪ ،‬ﻫﻞ ذﻫﺒﻮا إﻟﻰ ﻗﻮم ﯾﺪﻋﻮﻫﻢ إﻟﻰ اﻹﺳﻼم وﻋﺒﺎدة اﷲ‬
‫وﺗﺤﺮﯾﺮ اﻟﻌﺒﯿﺪ أم ﺟﺎءوا ﻟﺠﻠﺐ اﻟﻌﺒﯿﺪ ‪ ،‬ﻫﺬة ﻗﺼﺔ ﯾﺮاد ﻟﻨﺎ أن ﻧﺼﺪﻗﻬﺎ وﻧﻌﺘﺒﺮﻫﺎ ﻗﺼﺔ‬
‫ﻷﺣﺪى ﻧﺴﺎء اﻟﻨﺒﻰ‬

‫) واﻣﺮاة ﻣﺆﻣﻨﻪ إن وﻫﺒﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ (‬

 ‫‪58‬‬

‫ﯾﺪﻋﻮن أن اﻟﻨﺒﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﻛﺎن ﻣﺘﺰوﺟﺎ ﻣﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﺸﺮ ﻧﺴﺎء ﻓﻰ ذات اﻟﻮﻗﺖ وﻫﺬا ﻣﻦ‬
‫ﺛﻮاﺑﺖ اﻟﺴﯿﺮة واﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻹﺳﻼﻣﻰ اﻟﺮﺳﻤﻰ ﻟﺪرﺟﺔ أن إﻧﻜﺎر ذﻟﻚ ﻗﺪ ﯾﺒﺪو ﻣﺜﺎر ﺳﺨﺮﯾﺔ ‪.‬‬
‫وﺧﺎﺻﺔ أن ﺻﯿﻎ ﻧﺴﺎء اﻟﻨﺒﻰ و أزواﺟﻪ اﻟﻤﺬﻛﻮره ﻓﻰ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ ﻗﺪ ﺗﺆﻛﺪ ﻣﻌﻨﻰ ﺗﻌﺪد‬
‫ُﺤﻞ ﻟﻠﻨﺒﻰ ﻏﯿﺮ ﻣﺎ ﻗﺪ ُﺷﺮع ﻟﻸﻧﺒﯿﺎء اﻟﺴﺎﺑﻘﯿﻦ‬
‫زوﺟﺎﺗﻪ ‪ ،‬إﻻ أﻧﻪ رﻏﻢ ذﻟﻚ ﻓﺄﻧﻪ ﻻ ﯾﺠﺐ أن ﯾ َ‬
‫وﻣﻦ اﻟﻤﺆﻛﺪ أن ﻫﺬه اﻵﯾﺎت ﻟﻬﺎ ﻣﻌﺎﻧﻰ أﺧﺮى ‪.‬‬

‫ُﻦ َو َﻣﺎ َﻣﻠَ َﻜ ْﺖ َﯾﻤِﯿﻨُ َﻚ ِﻣ ﱠﻤﺎ‪ ‬‬ ‫ﻮرﻫ ﱠ‬ ‫اﻟﻼﺗِﻲ آ َﺗ ْﯿ َﺖ أُ ُﺟ َ‬ ‫اﺟ َﻚ ﱠ‬ ‫ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َﯾﺎ أَﱡﯾ َﻬﺎ اﻟﻨﱠِﺒ ﱡﻲ إِﻧﱠﺎ أَ ْﺣﻠَﻠَْﻨﺎ ﻟَ َﻚ أَ ْز َو َ‬
‫ﺎﺟ ْﺮ َن َﻣ َﻌ َﻚ‪ ‬‬ ‫اﻟﻼﺗِﻲ َﻫ َ‬ ‫ِﻚ ﱠ‬ ‫ﺎت َﺧ َﺎﻻﺗ َ‬ ‫ﺎت َﺧﺎﻟ َ‬
‫ِﻚ َو َﺑ َﻨ ِ‬ ‫ِﻚ َو َﺑ َﻨ ِ‬‫ﺎت َﻋ ﱠﻤﺎﺗ َ‬ ‫ﺎت َﻋ ﱢﻤ َﻚ َو َﺑ َﻨ ِ‬ ‫أَ َﻓﺎ َء اﷲﱠُ َﻋﻠَ ْﯿ َﻚ َو َﺑ َﻨ ِ‬
‫ُون‪ ‬‬
‫ِﻦ د ِ‬ ‫ِﺼ ًﺔ ﻟَ َﻚ ﻣ ْ‬ ‫ِﺤ َﻬﺎ َﺧﺎﻟ َ‬ ‫َوا ْﻣ َﺮأَ ًة ُﻣ ْﺆ ِﻣ َﻨ ًﺔ إِ ْن َو َﻫ َﺒ ْﺖ َﻧ ْﻔ َﺴ َﻬﺎ ﻟِﻠﻨﱠِﺒ ﱢﻲ إِ ْن أَ َرا َد اﻟﻨﱠِﺒ ﱡﻲ أَ ْن َﯾ ْﺴ َﺘ ْﻨﻜ َ‬
‫ﻮن َﻋﻠَ ْﯿ َﻚ َﺣ َﺮ ٌج‪ ‬‬ ‫اﺟ ِﻬ ْﻢ َو َﻣﺎ َﻣﻠَ َﻜ ْﺖ أَ ْﯾ َﻤﺎﻧُ ُﻬ ْﻢ ﻟِ َﻜ ْﯿ َﻼ َﯾ ُﻜ َ‬‫ﺿ َﻨﺎ َﻋﻠَ ْﯿ ِﻬ ْﻢ ﻓِﻲ أَ ْز َو ِ‬ ‫ِﯿﻦ َﻗ ْﺪ َﻋﻠِ ْﻤ َﻨﺎ َﻣﺎ َﻓ َﺮ ْ‬ ‫اﻟْ ُﻤ ْﺆ ِﻣﻨ َ‬
‫ﻮرا َر ِﺣﯿ ًﻤﺎ )‪ (50‬ﺗُ ْﺮ ِﺟﻲ َﻣ ْﻦ َﺗ َﺸﺎ ُء ِﻣ ْﻨ ُﻬ ﱠﻦ َوﺗُ ْﺆ ِوي إِﻟَ ْﯿ َﻚ َﻣ ْﻦ َﺗ َﺸﺎ ُء َو َﻣ ِﻦ ا ْﺑ َﺘ َﻐ ْﯿ َﺖ‪ ‬‬ ‫ﺎن اﷲﱠُ َﻏﻔُ ً‬ ‫َو َﻛ َ‬
‫ِﻚ أَ ْد َﻧﻰ أَ ْن َﺗ َﻘ ﱠﺮ أَ ْﻋﯿُﻨُ ُﻬ ﱠﻦ َو َﻻ َﯾ ْﺤ َﺰ ﱠن َو َﯾ ْﺮ َ‬
‫ﺿ ْﯿ َﻦ ِﺑ َﻤﺎ آ َﺗ ْﯿ َﺘ ُﻬ ﱠﻦ ُﻛﻠﱡ ُﻬ ﱠﻦ‪ ‬‬ ‫ﺎح َﻋﻠَ ْﯿ َﻚ َذﻟ َ‬ ‫ِﻣ ﱠﻤ ْﻦ َﻋ َﺰﻟْ َﺖ َﻓ َﻼ ُﺟ َﻨ َ‬
‫ﱠل‪ ‬‬‫ِﻦ َﺑ ْﻌ ُﺪ َو َﻻ أَ ْن َﺗ َﺒﺪ َ‬ ‫ﺎن اﷲﱠُ َﻋﻠِﯿ ًﻤﺎ َﺣﻠِﯿ ًﻤﺎ )‪َ (51‬ﻻ َﯾ ِﺤ ﱡﻞ ﻟَ َﻚ اﻟﻨﱢ َﺴﺎ ُء ﻣ ْ‬ ‫َواﷲﱠُ َﯾ ْﻌﻠَ ُﻢ َﻣﺎ ﻓِﻲ ﻗُﻠُ ِ‬
‫ﻮﺑ ُﻜ ْﻢ َو َﻛ َ‬
‫ﺎن اﷲﱠُ َﻋﻠَﻰ ُﻛ ﱢﻞ َﺷ ْﻲ ٍء َرﻗِﯿﺒًﺎ )‪52‬‬ ‫اج َوﻟَ ْﻮ أَ ْﻋ َﺠ َﺒ َﻚ ُﺣ ْﺴﻨُ ُﻬ ﱠﻦ إِ ﱠﻻ َﻣﺎ َﻣﻠَ َﻜ ْﺖ َﯾﻤِﯿﻨُ َﻚ َو َﻛ َ‬ ‫ﺑﻬ ﱠﻦ ﻣ ْ َ‬
‫ِﻦ أ ْز َو ٍ‬ ‫ِِ‬
‫( اﻻﺣﺰاب‬

‫إذا أﺧﺬﻧﺎ ﺑﺘﻔﺴﯿﺮ أن اﻵﯾﺎت ﺣﻠﻠﺖ ﻟﻠﻨﺒﻰ اﻟﺠﻤﻊ ﺑﯿﻦ ﻛﻞ ﻫﺆﻻء ‪ ،‬وأﻧﻪ ﺣﯿﻦ ﻧﺰول اﻵﯾﺔ ﻛﺎن‬
‫ﻓﻰ ﻋﺼﻤﺔ اﻟﻨﺒﻰ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ إﻣﺮأة ‪ ،‬وأن اﻵﯾﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﺗﻌﻨﻰ ﻛﻤﺎ ﺗﻢ ﺗﻔﺴﯿﺮﻫﺎ أن ﻟﻠﻨﺒﻰ اﻟﺤﻖ‬
‫أﯾﻀﺎ اﻟﺤﻖ ﻓﻰ إرﺟﺎع ﻣﻦ أﺑﺘﻐﻰ ﻣﻤﻦ ﻋﺰﻟﻬﺎ‬‫ً‬ ‫ﻓﻰ ﺗﺄﺟﯿﻞ اﻟﻤﺒﯿﺖ ﻣﻊ إﺣﺪاﻫﻦ واﻟﻌﻜﺲ ‪ ،‬وﻟﻪ‬
‫) ﻓﺴﺮﻫﺎ اﻟﺒﻌﺾ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻹرﺟﺎع ﺑﻌﺪ اﻟﻄﻼق ( ﺣﺘﻰ ﻻ ﯾﻜﻮن اﻟﺮﺿﻰ ﻟﻠﺒﻌﺾ دون‬
‫اﻟﺒﻌﺾ وأن ﻣﻌﻨﻰ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻣﺒﺎﺷﺮ ًة ) ﻻ ﯾﺤﻞ ﻟﻚ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﻦ ﺑﻌﺪ وﻻ ان ﺗﺒﺪل ﺑﻬﻦ‬
‫ﻣﻦ ازواج وﻟﻮ اﻋﺠﺒﻚ ﺣﺴﻨﻬﻦ ( ‪ ،‬أﻧﻪ ﻻ ﯾﺤﻞ ﻟﻪ اﻟﺰواج ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ ﻣﻦ ﻟﯿﺴﻮا ﻓﻰ‬
‫ﻋﺼﻤﺘﺔ وﻗﺖ ﻧﺰول اﻵﯾﺔ ‪،‬‬
 ‫‪59‬‬

‫ﻟﻮ أن ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺘﻔﺴﯿﺮ اﻟﺼﺤﯿﺢ ﻓﻬﻞ ﻟﻮ أﻓﺘﺮﺿﻨﺎ أن زوﺟﺎت اﻟﻨﺒﻰ ) ﺳﻮاء ﻛﺎﻧﻮا ﺣﯿﻨﻬﺎ‬
‫ﺗﺴﻌﺔ أو ﻋﺸﺮة أو أﺣﺪى ﻋﺸﺮ ( ﻣﺎﺗﻮا ﺟﻤﯿﻌﺎ ﻗﺒﻠﻪ ﻓﻰ ﻣﻌﺮﻛﻪ أو ﺣﺎدﺛﺔ أو ﻃﻠﻘﻬﻢ ﺟﻤﯿﻌﺎ‬
‫ﻷى ﺳﺒﺐ ﻛﺎن ‪ ،‬ﻫﻞ ﺣﯿﻨﻬﺎ ﻟﻦ ﯾﻜﻮن ﻟﻪ اﻟﺤﻖ ﻓﻰ اﻟﺰواج ﺑﻌﺪﻫﻢ ؟ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻻ ‪ ،‬ﻓﻠﺬﻟﻚ‬
‫وﺟﺐ أن ﯾﻜﻮن ﻣﻌﻨﻰ ) ﻻ ﯾﺤﻞ ﻟﻚ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ( ﻫﻮ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻏﯿﺮ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﺤﻠﻞ ﻟﻚ ﻣﻤﻦ‬
‫ﻻ ﺗﻨﻄﺒﻖ ﻋﻠﯿﻬﻢ اﻟﺸﺮوط ‪ ،‬ﯾﺘﻀﺢ ﻣﻦ ذﻟﻚ أن اﻵﯾﺔ ﻫﻰ ﻣﺠﺮد ذﻛﺮ ﻟﻤﻦ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻠﻨﺒﻰ‬
‫اﻟﺰواج ﻣﻨﻬﺎ ‪ ،‬وأن ﻟﻔﻆ أزواج ﻟﻢ ﯾﺠﺊ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﺤﺎﺿﺮ ﺑﻞ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻰ وﺟﺎء ﺟﻤﻊ‬
‫ﻟﻺﺷﺎرة ﻟﻤﻦ ﺣﻠﻞ اﷲ ﻟﻪ أﻧﻮاﻋﻬﻢ وﻟﯿﺲ ﻟﻺﺷﺎرة ﻟﺘﺤﻠﯿﻞ اﷲ ﻟﻪ اﻟﺠﻤﻊ ﺑﯿﻨﻬﻢ ‪ ،‬وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻰ أن‬
‫ﺗﺮﺟﻰ ﻣﻦ ﺗﺸﺎء ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻻ ﺗﺘﺰوج ﻣﻦ ﺗﺸﺎء وﺗﺘﺰوج ﻣﻦ ﺗﺸﺎء ‪ ،‬و أن ﻣﻦ أﺑﺘﻐﯿﺖ ﻣﻤﻦ‬
‫ﻋﺰﻟﺖ ﺗﻌﻨﻰ أن ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻚ اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ ﻣﻦ اﺑﺘﻌﺪت ﻋﻨﻬﺎ ‪ .‬وأن ﻣﺼﺪر اﻟﺮﺿﺎ ﻟﻠﺠﻤﯿﻊ أن‬
‫أﺧﺘﯿﺎرك ﻟﻮاﺣﺪة ﻣﻨﻬﻢ ﻷن ﻋﺪم اﻟﺠﻤﻊ ﻫﻮ أﻣﺮ إﻟﻬﻰ ‪ .‬وأن ﻣﻦ ﺳﺘﺘﺰوﺟﻬﺎ واﻓﻘﺖ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺷﺮط اﻟﻬﺒﺔ ﻓﻬﻰ ﻻ ﺗﻨﻈﺮ ﻷى ﻗﯿﻤﺔ ﻣﺎدﯾﺔ ﻣﻦ وراء زواﺟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﺒﻰ ‪ ،‬ﻓﺠﺎء ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻬﺒﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ وﻫﻰ ﻣﻦ ﯾﻔﻀﻠﻬﺎ اﻟﻨﺺ ‪.‬‬

‫أﻣﺎ اﻹﺳﺘﺜﻨﺎء ﻓﻰ ﻧﻬﺎﯾﺔ اﻵﯾﺔ ) إﻻ ﻣﺎﻣﻠﻜﺖ ﯾﻤﯿﻨﻚ ( ﻓﻬﻮ ﻣﻨﻘﻄﻊ وﻟﯿﺲ أﺳﺘﺜﻨﺎء ﻣﺘﺼﻞ ‪ ،‬أى‬
‫أن اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻫﻮ ﻻ ﯾﺤﻞ ﻟﻚ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﻦ ﻏﯿﺮ ﻣﻦ ذﻛﺮﻧﺎ ﻟﻚ وﻻ أن ﺗﺒﺪل زوﺟﺔ ﻣﺆﻣﻨﺔ ﺑﻐﯿﺮﻫﺎ‬
‫إﻻ ﻣﺎﻣﻠﻜﺖ ﯾﻤﯿﻨﻚ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺤﻞ ﻟﻚ وﻻ ﯾﺠﻮز ﺗﺒﺪﻟﻬﺎ أﯾﻀﺎ ‪ ،‬وﻫﺬة اﻵﯾﺔ ﻛﻤﺜﺎل ﯾﺘﻀﺢ ﻣﻨﻪ أﻧﻪ‬
‫ﻟﯿﺲ ﻣﻌﻨﻰ أن ذﻛﺮ ﻟﻔﻆ أزواج اﻟﻨﺒﻰ ‪ ،‬أن اﻟﻨﺒﻰ ﻛﺎن ﻣﺘﺰوﺟﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻣﻦ ﻋﺪة ﻧﺴﺎء ﻓﻰ‬
‫ذات اﻟﻮﻗﺖ وﻛﻤﺎ ﻗﻠﺖ ﻓﻰ اﻟﺒﺪء أن ﻫﻨﺎك ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺎت ﻛﺜﯿﺮة ﻓﻰ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ وﻋﻠﻰ‬
‫ً‬
‫ﺟﺎﻧﺒﺎ ‪ ،‬وﻻ‬ ‫اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن ﺗﻨﺤﯿﺔ ﻛﻞ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺘﻰ ﻻ ﺗﺴﺘﻨﺪ ﻟﻠﻌﻘﻞ وﻻ ﻟﻠﻌﺪل وﻻ ﻟﻺﻧﺴﺎﻧﯿﺔ‬
‫ﯾﺮﺗﺎﺑﻮا ﻣﻦ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﻣﻦ ﻻ ﯾﺠﺪ ﻏﯿﺮ اﻹرﻫﺎب ﻟﻔﺮض ﻗﻮاﻧﯿﻨﺔ ‪.‬‬
60
 ‫‪61‬‬

‫​ﻣﺮﯾﻢ أم ﻋﺰﺑﺎء‬
 ‫‪62‬‬

‫​ ​ﻗﺼﺔ ﻣﺮﯾﻢ اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ‬

‫ﻛﻞ ﻋﺸﻖ ﺷﺮﯾﻒ ‪ .‬ﻗﺎﺳﻢ أﻣﯿﻦ‬

 ‫‪63‬‬

‫ﻻ ﯾﻮﺟﺪ ﻓﻰ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ ﻗﺼﺔ ﻃﺎﻟﻬﺎ اﻟﺘﻼﻋﺐ ﻓﻰ اﻟﺘﻔﺎﺳﯿﺮ وإﺧﺘﻼق اﻷﻛﺎذﯾﺐ‬

‫واﻷﺑﺎﻃﯿﻞ واﻷﺳﺎﻃﯿﺮ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻗﺼﺔ اﻟﺴﯿﺪة ﻣﺮﯾﻢ و وﻻدة اﻟﺴﯿﺪ اﻟﻤﺴﯿﺢ ‪ ،‬ﻓﺘﻢ اﻟﺘﻼﻋﺐ‬
‫ﻓﻰ ﺗﻔﺴﯿﺮ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﺘﻠﻌﻖ ﺑﻘﺼﺘﻬﺎ وإﺧﺘﻼق وﻻدة إﻋﺠﺎزﯾﺔ ﻟﻠﻤﺴﯿﺢ وإدﻋﺎء ﺗﻜﻠﻤﻪ وﻫﻮ‬
‫رﺿﯿﻊ وﺻﻌﻮده ﻟﻠﺴﻤﺎء وﻣﻦ ﺛﻢ ﻋﻮدﺗﻪ ﻓﻰ أﺧﺮ اﻟﺰﻣﺎن وﻛﺴﺮ اﻟﺼﻠﯿﺐ وﻗﺘﻞ اﻟﺨﻨﺰﯾﺮ!‬
‫إﻟﺦ ‪ ،‬ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﻛﺎذﯾﺐ اﻟﻜﺒﺮى ﻗﺎدﻫﻢ إﻟﯿﻬﺎ رﻏﺒﺘﻬﻢ ﻓﻰ إﺧﻔﺎء ﺷﺊ واﺣﺪ ﻓﻘﻂ ‪ ،‬ﻫﻮ إﺧﻔﺎء‬
‫ﻃﺮﯾﻘﺔ زواج ﻣﺮﯾﻢ ! وﻷن ﻣﺮﯾﻢ إﻣﺮأة ﻟﻬﺎ ﻣﻜﺎﻧﺘﻬﺎ اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ ﻓﻰ اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﺔ واﻹﺳﻼم ‪،‬‬
‫ﻓﺄراد اﻟﻜﻬﻨﺔ أﻻ ﺗﻈﻬﺮ ﻃﺮﯾﻘﺔ زواﺟﻬﺎ و إﻧﺠﺎﺑﻬﺎ ﻟﻠﻤﺴﯿﺢ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻏﯿﺮ ﻣﺘﻠﺰﻣﺔ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎﻟﯿﻢ اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ‬
‫اﻟﻤﺘﻌﺎرف ﻋﻠﯿﻬﺎ ‪.‬‬

‫​اﻟﻤﺴﯿﺢ ﻟﻢ ﯾﺘﻜﻠﻢ وﻫﻮ رﺿﯿﻊ‬

‫ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ‬
‫ون َﻣﺎ َﻛ َ‬
‫ﺎن‬ ‫ﺎر َ‬ ‫) َﻓَﺄ َﺗ ْﺖ ِﺑ ِﻪ َﻗ ْﻮ َﻣ َﻬﺎ َﺗ ْﺤﻤِﻠُ ُﻪۖ َﻗﺎﻟُﻮا َﯾﺎ َﻣ ْﺮ َﯾ ُﻢ ﻟَ َﻘ ْﺪ ِﺟ ْﺌ ِﺖ َﺷ ْﯿ ًﺌﺎ َﻓ ِﺮﯾ‪‬ﺎ )‪َ (27‬ﯾﺎ أُ ْﺧ َﺖ َﻫ ُ‬
‫ﺎن ﻓِﻲ ْاﻟ َﻤ ْﻬ ِﺪ‬ ‫ْﻒ ُﻧ َﻜﻠﱢ ُﻢ َﻣﻦ َﻛ َ‬ ‫ُﻮك ْاﻣ َﺮأَ َﺳ ْﻮ ٍء َو َﻣﺎ َﻛﺎ َﻧ ْﺖ أُ ﱡﻣ ِﻚ َﺑ ِﻐﯿ‪‬ﺎ )‪َ (28‬ﻓَﺄ َﺷ َ‬
‫ﺎر ْت إِﻟَ ْﯿ ِﻪۖ َﻗﺎﻟُﻮا َﻛﯿ َ‬ ‫أَﺑ ِ‬
‫ﺎر ًﻛﺎ أَﯾ َ‬
‫ْﻦ‬ ‫ﺎب َو َﺟ َﻌﻠَﻨِﻲ َﻧ ِﺒﯿ‪‬ﺎ )‪َ (30‬و َﺟ َﻌﻠَﻨِﻲ ُﻣ َﺒ َ‬ ‫ِﻲ ْاﻟ ِﻜ َﺘ َ‬ ‫ﺎل إﱢﻧﻲ َﻋ ْﺒ ُﺪ ﱠ‬
‫اﷲِ آ َﺗﺎﻧ َ‬ ‫ﺻ ِﺒﯿ‪‬ﺎ )‪َ (29‬ﻗ َ ِ‬ ‫َ‬
‫ﱠﺎرا‬‫اﻟﺰ َﻛﺎ ِة َﻣﺎ ُد ْﻣ ُﺖ َﺣﯿ‪‬ﺎ )‪َ (31‬و َﺑ ‪‬ﺮا ِﺑ َﻮاﻟِ َﺪﺗِﻲ َوﻟَ ْﻢ َﯾ ْﺠ َﻌْﻠﻨِﻲ َﺟﺒ ً‬ ‫ﺎﻟﺼ َﻼ ِة َو ﱠ‬ ‫ﺻﺎﻧِﻲ ِﺑ ﱠ‬ ‫ﻨﺖ َوأَ ْو َ‬ ‫َﻣﺎ ُﻛ ُ‬
‫ﯿﺴﻰ اﺑ ُ‬
‫ْﻦ‬ ‫ِﻚ ِﻋ َ‬ ‫ٰذﻟ َ‬‫ﻮت َو َﯾ ْﻮ َم أُ ْﺑ َﻌ ُﺚ َﺣﯿ‪‬ﺎ )‪َ (33‬‬ ‫ِﺪت َو َﯾ ْﻮ َم أَ ُﻣ ُ‬
‫اﻟﺴ َﻼ ُم َﻋﻠَ ﱠﻲ َﯾ ْﻮ َم ُوﻟ ﱡ‬
‫َﺷ ِﻘﯿ‪‬ﺎ )‪َ (32‬و ﱠ‬
‫ﻀﻰ‬
‫ٰ‬ ‫ﺎن ِﱠﷲِ أَن َﯾﱠﺘ ِﺨ َﺬ ﻣِﻦ َوﻟَ ٍﺪۖ ُﺳﺒ َ‬
‫ْﺤﺎ َﻧ ُﻪۚ إِ َذا َﻗ َ‬ ‫ون )‪َ (34‬ﻣﺎ َﻛ َ‬ ‫َﻣ ْﺮ َﯾ َﻢۚ َﻗ ْﻮ َل ْاﻟ َﺤ ﱢﻖ اﻟﱠﺬِي ﻓِﯿ ِﻪ َﯾ ْﻤ َﺘ ُﺮ َ‬
‫اط ﱡﻣ ْﺴ َﺘﻘِﯿ ٌﻢ )‬ ‫ﺻ َﺮ ٌ‬ ‫ٰه َذا ِ‬
‫ﺎﻋُﺒ ُﺪو ُهۚ َ‬ ‫اﷲَ َرﺑﱢﻲ َو َرﺑ ُ‬
‫ﱡﻜ ْﻢ َﻓ ْ‬ ‫ﻮن )‪َ (35‬وإ ﱠن ﱠ‬ ‫أَ ْﻣ ًﺮا َﻓﺈﱠﻧ َﻤﺎ َﯾ ُﻘ ُ‬
‫ﻮل ﻟَ ُﻪ ُﻛﻦ َﻓ َﯿ ُﻜ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ ( (36‬ﻣﺮﯾﻢ‬
‫ﺻ ِﺒﯿ‪‬ﺎ (‬ ‫ﺎن ﻓِﻲ ْاﻟ َﻤ ْﻬ ِﺪ َ‬ ‫ْﻒ ُﻧ َﻜﻠﱢ ُﻢ َﻣﻦ َﻛ َ‬ ‫) َﻗﺎﻟُﻮا َﻛﯿ َ‬

‫ﻣﻦ اﻟﻤﻌﻠﻮم أن اﻟﻤﻔﺴﺮﯾﻦ أوﻟﻮا ﺗﻠﻚ اﻵﯾﺔ ﺑﺄن اﻟﺴﯿﺪ اﻟﻤﺴﯿﺢ ﺗﻜﻠﻢ وﻫﻮ رﺿﯿﻊ ‪،‬وأﻧﻬﻢ أوﻟﻮا‬
‫ﻓﻰ اﻟﻤﻬﺪ ﺑﺄﻧﻪ ﻓﺮاش اﻟﺮﺿﯿﻊ ‪ ،‬ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻣﻌﻨﻰ اﻵﯾﺔ ﻛﻤﺎ ﯾﺪﻋﻮن ﻓﻤﺎ ﻓﺎﺋﺪة ﻟﻔﻆ ) ﻛﺎن(‬
‫ﺑﺎﻵﯾﺔ ؟ ﻓﻠﻔﻆ ) ﻛﺎن ( ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ اﻹﺳﺘﻐﻨﺎء ﻋﻨﻪ ﻓﺘﻜﻮن اﻵﯾﺔ ‪،‬ﻛﯿﻒ ﻧﻜﻠﻢ ﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺪ ‪.‬‬
‫او إﺳﺘﺒﺪاﻟﻪ ﺑﻠﻔﻆ ) ﯾﻜﻮن ( ﻟﻠﺘﻌﺒﯿﺮ ﻋﻦ اﻟﺤﺎل وﻟﯿﺲ ﺑﺰﻣﻦ اﻟﻤﺎﺿﻰ ‪ ،‬وﻛﺬﻟﻚ ﻣﺎ ﻣﻌﻨﻰ‬
‫ﺗﺄوﯾﻞ ﻛﻠﻤﺔ ﺻﺒﯿﺎ ﺑﻜﻠﻤﺔ رﺿﯿﻌﺎ ﻣﻊ أن ﻛﻠﻤﺔ ﺻﺒﯿﺎ ﻗﺪ ﺟﺎءت ﻗﺒﻞ ﺗﻠﻚ اﻵﯾﺎت ﻓﻰ ﻧﻔﺲ‬
 ‫‪64‬‬

‫اﻟﺴﻮرة ﻟﻠﺤﺪﯾﺚ ﻋﻦ ﺻ َﺒﻰ ﯾﺤﯿﻰ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻛﻮﻧﻪ ﻓﻰ ﻣﻘﺘﺒﻞ اﻟﺸﺒﺎب وأن اﷲ آﺗﺎه اﻟﻜﺘﺎب‬
‫ﺎب ِﺑ ُﻘ ﱠﻮ ٍةۖ َوآ َﺗ ْﯿ َﻨﺎ ُه ْاﻟ ُﺤ ْﻜ َﻢ َ‬
‫ﺻ ِﺒﯿ‪‬ﺎ ) ‪ (12‬ﻣﺮﯾﻢ‬ ‫ٰ ُﺧ ِﺬ ْاﻟ ِﻜ َﺘ َ‬ ‫ً‬
‫ﺻﺒﯿﺎ ؟ ‪ ،‬ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َﯾﺎ َﯾ ْﺤ َﯿﻰ‬ ‫واﻟﺤﻜﻢ‬
‫‪ ،‬ﻧﺄﺧﺬ ﺗﻔﺎﺳﯿﺮ اﻟﺒﻌﺾ ﻟﻨﻨﻈﺮ ﻣﺎذا ﯾﻘﻮﻟﻮن و ﯾﺪﻋﻮن ‪.‬‬

‫ﺗﻔﺴﯿﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺘﻮﻟﻲ اﻟﺸﻌﺮاوي‬

‫أﺷﺎرت إﻟﻰ اﻟﻮﻟﯿﺪ وﻫﻲ واﺛﻘﺔ أﻧﻪ ﺳﯿﺘﻜﻠﻢ‪ ،‬ﻣﻄﻤﺌﻨﺔ إﻟﻰ أﻧﻬﺎ ﻻ‬ ‫ْ‬ ‫أي ﺣﯿﻦ ﻗﺎل اﻟﻘﻮم ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻮا‬
‫ﺗﻌﺠﺒُﻮا‪} :‬‬ ‫ْ‬
‫أﺷﺎرت إﻟﯿﻪ ﺗﻘﻮل ﻟﻘﻮﻣﻬﺎ‪ :‬اﺳﺄﻟﻮه‪ ،‬ﱠ‬ ‫ﺗﺤﻤﻞ دﻟﯿﻞ اﻟﺠﺮﯾﻤﺔ‪ ،‬ﺑﻞ دﻟﯿﻞ اﻟﺒﺮاءة‪ .‬ﻓﻠﻤﺎ‬
‫ﺻ ِﺒﯿ‪‬ﺎ { ]ﻣﺮﯾﻢ‪:‬‬ ‫ﺎن ﻓِﻲ ْ‬
‫ٱﻟ َﻤ ْﻬ ِﺪ َ‬ ‫ْﻒ ُﻧ َﻜﻠﱢ ُﻢ َﻣﻦ َﻛ َ‬ ‫َﻗﺎﻟُ ْ‬
‫ﻮا َﻛﯿ َ‬

‫أن ﯾﺘﻜﻠﱠﻢ اﻟﻮﻟﯿﺪ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﯾﻘﻮﻟﻮا‪ :‬ﻛﯿﻒ ﯾﺘﻜﻠﻢ َﻣ ْﻦ ﻛﺎن‬

‫‪ [29‬وﻧﻼﺣﻆ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻬﻢ أﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﯾﺴﺘﺒﻌﺪوا ْ‬
‫أن ﯾﻜﻠﻤﻮه‪،‬‬‫ْﻒ ُﻧ َﻜﻠﱢ ُﻢ { ]ﻣﺮﯾﻢ‪ [29 :‬أي‪ :‬ﻧﺤﻦ‪ ،‬ﻓﺎﺳﺘﺒﻌﺪوا ْ‬ ‫ً‬
‫ﺻﺒﯿﺎ؟ ﺑﻞ ﻗﺎﻟﻮا‪َ } :‬ﻛﯿ َ‬ ‫ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺪ‬
‫إن ﻛﻠﱠﻤﻬﻢ‪.‬‬
‫ﻓﻜﺄﻧﻬﻢ ﯾﻄﻌﻨﻮن ﻓﻲ أﻧﻔﺴﻬﻢ وﻓﻲ ﻗﺪرﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ َﻓ ْﻬﻢ اﻟﻮﻟﯿﺪ ْ‬
‫واﻟﻤﻬﺪ‪ :‬ﻫﻮ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﻤﻤﻬﺪ اﻟﻤ َﻌ ّﺪ ﻟﻨﻮم اﻟﻄﻔﻞ‪ ،‬ﻷن اﻟﻮﻟﯿﺪ ﻻ ﯾﻘﺪر أن ﯾﺒﻌﺪ اﻷذى ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ‪،‬‬
‫ُﺆرق ﻧﻮﻣﻪ وراﺣﺘﻪ‪،‬‬ ‫ُﺨﺮج ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﯾ ﱢ‬ ‫ﻓﺎﻟﻜﺒﯿﺮ ً‬
‫ﻣﺜﻼ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ ْ‬
‫أن ﯾُﻤﻬﺪ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻣﻜﺎن ﻧﻮﻣﻪ‪ ،‬وأن ﯾ ِ‬
‫أن ﯾﺘﺤﻠﱠﻞ ﻣﻦ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻫﻮ ﻋﻠﯿﻬﺎ‪ ،‬وﯾﻨﻈﺮ‬ ‫وﻋﻨﺪه َو ْﻋﻲ‪ ،‬ﻓﺈذا آﻟﻤﻪ ﺷﻲء ﻓﻲ ﻧﻮﻣﻪ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ ْ‬
‫ﺎل إﱢﻧﻲ َﻋ ْﺒ ُﺪ ﱠ‬
‫ٱﷲِ { ‪ .‬إﻧﺘﻬﻰ‬ ‫ﻣﺎذا ﯾﺆﻟﻤﻪ ‪ .‬ﺛﻢ ﯾﻘﻮل اﻟﺤﻖ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ‪َ } :‬ﻗ َ ِ‬
‫ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﺔ ﻣﻌﺮوف ﻋﻦ اﻟﺸﻌﺮاوى أﻧﻪ ﯾﺸﺮح ﻛﻞ ﻫﻤﺰة وﻟﻤﺰة ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻓﻲ إﻋﺘﻘﺎدي‬
‫واﻹﺣﺘﻤﺎل اﻷﻛﺒﺮ ﻟﺪى أﻧﻪ ﻫﺮب ﻣﻦ ﺗﻔﺴﯿﺮ ﻛﻠﻤﺘﻰ ﻛﺎن و ﺻﺒﯿﺎ وﻟﻢ َﯾﺄﺗﻰ ﻋﻠﻰ ذﻛﺮﻫﻤﺎ‬
‫ﻣﺘﻌﻤﺪاً ‪ ،‬ﺑﺪﻻﻟﺔ ﺗﺠﻬﻤﻪ اﻟﺒﺎدي ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺎت ﺷﺮح ﻫﺬه اﻵﯾﺔ ودوران ﻋﯿﻨﻪ ﺣﯿﻨﻬﺎ ‪ ،‬وﻣﻦ‬
‫ﯾﺮى ﻓﺪﯾﻮ ﺷﺮﺣﻪ ﻟﻬﺬه اﻟﺠﺰﺋﯿﺔ ﺳﯿﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ ﻛﻼﻣﻲ ‪ ،‬وﻫﻮ ﻫﻨﺎ ﻫﺮوب إﺿﻄﺮارى ﺣﺘﻰ ﻻ‬
‫ﯾﻔﻀﺢ ﻧﻔﺴﻪ وﻛﻞ اﻟﻜﻬﻨﻮت اﻹﺳﻼﻣﻲ ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬى ﻻ ﯾﺠﻮر ﻋﻠﻰ دﻻﻟﺔ ﻟﻔﻆ ﻛﺎن اﻟﺬي ﯾﺪل ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎﺿﻰ ‪ ،‬وﯾﻌﻄﻰ ﻟﻔﻆ‬
‫ﺻﺒﯿﺎ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ اﻟﺤﻘﯿﻘﻰ ‪ ،‬ﻫﻮ أن اﻟﻤﺴﯿﺢ ﻟﻢ ﯾﺘﻜﻠﻢ وﻫﻮ رﺿﯿﻊ ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺪ ‪ .‬إﻧﻤﺎ اﻵﯾﺔ ﺗﺘﺤﺪث‬
‫ﻋﻦ ﻓﺘﺮة ﻛﻮﻧﻪ ﺻﺒﯿﺎ ﻓﻰ ﻣﻘﺘﺒﻞ اﻟﺸﺒﺎب ‪ ،‬أى أن اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻛﯿﻒ ﻧﻜﻠﻢ ﺻﺒﯿﺎ ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺪ ‪،‬‬
‫ﻟﻠﺪﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﺮب ﻋﻬﺪه ﺑﺎﻟﻄﻔﻮﻟﺔ ‪ ،‬واﻟﻤﻘﺼﻮد ﻫﻮ اﻹﺳﺘﻬﺰاء ﺑﻪ ﻛﻤﺎ ﻋﻬﺪﻧﺎ ﺑﺎﻟﻠﻐﻪ اﻟﺪارﺟﺔ‬
‫ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻘﻮل ﻋﻠﻰ ﺻﺒﻰ ﻓﻰ ﺳﻦ اﻟﻤﺮاﻫﻘﺔ ﻣﺎزال ﯾﺘﺒﻮل ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ‪ .‬واﻵﯾﺔ ﻗﺪ ﺟﺎءت ﺑﺴﯿﺎق‬
 ‫‪65‬‬

‫ﺗﻘﺪﯾﻢ وﺗﺄﺧﯿﺮ ﻓﻠﻢ ﺗﻘﻞ ﻛﯿﻒ ﻧﻜﻠﻢ ﺻﺒﯿﺎ ﻛﺎن ﻓﻰ اﻟﻤﻬﺪ ﻟﺘ َﺘﻨﺎﺳﻖ ﺧﺎﺗﻤﺔ ﻛﻞ آﯾﺎت ﺳﻮرة ﻣﺮﯾﻢ‬
‫اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻛﻞ أﯾﺎﺗﻬﺎ ﺗﻘﺮﯾﺒﺎ ﺑﺄﻟﻒ اﻟﻤﺪ ‪ .‬وﺑﻬﺬا ﻧﻔﻬﻢ ﺑﺎﻗﻰ ﺳﯿﺎق اﻵﯾﺎت ﺣﯿﺚ ﯾﺤﺪﺛﻬﻢ وﻫﻮ‬
‫ﺻﺒﻰ ﻣﺮاﻫﻖ ‪ ،‬ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ‬
‫ﺻﺎﻧِﻲ‬ ‫ﻨﺖ َوأَ ْو َ‬ ‫ﺎر ًﻛﺎ أَﯾ َ‬
‫ْﻦ َﻣﺎ ُﻛ ُ‬ ‫ﺎب َو َﺟ َﻌﻠَﻨِﻲ َﻧ ِﺒﯿ‪‬ﺎ )‪َ (30‬و َﺟ َﻌﻠَﻨِﻲ ُﻣ َﺒ َ‬ ‫ِﻲ ْاﻟ ِﻜ َﺘ َ‬
‫اﷲِ آ َﺗﺎﻧ َ‬ ‫ﺎل إﱢﻧﻲ َﻋ ْﺒ ُﺪ ﱠ‬
‫) َﻗ َ ِ‬
‫اﻟﺴ َﻼ ُم‬
‫ﱠﺎرا َﺷ ِﻘﯿ‪‬ﺎ )‪َ (32‬و ﱠ‬ ‫اﻟﺰ َﻛﺎ ِة َﻣﺎ ُد ْﻣ ُﺖ َﺣﯿ‪‬ﺎ )‪َ (31‬و َﺑ ‪‬ﺮا ِﺑ َﻮاﻟِ َﺪﺗِﻲ َوﻟَ ْﻢ َﯾ ْﺠ َﻌْﻠﻨِﻲ َﺟﺒ ً‬ ‫ﺎﻟﺼ َﻼ ِة َو ﱠ‬
‫ِﺑ ﱠ‬
‫ﻮت َو َﯾ ْﻮ َم أُ ْﺑ َﻌ ُﺚ َﺣﯿ‪‬ﺎ )‪ (33‬ﻣﺮﯾﻢ‬ ‫ِﺪت َو َﯾ ْﻮ َم أَ ُﻣ ُ‬
‫َﻋﻠَ ﱠﻲ َﯾ ْﻮ َم ُوﻟ ﱡ‬
‫ﻓﻨﻔﻬﻢ أن اﷲ أﺗﺎة اﻟﺤﻜﻢ ﺻﺒﯿﺎ ﻛﻤﺎ ذﻛﺮ ﻋﻦ ﯾﺤﯿﻰ ‪ ،‬وﻧﻔﻬﻢ ﻛﯿﻒ ﯾﻘﻮل وﺑﺮا ﺑﻮاﻟﺪﺗﻰ ﻓﻬﺬا‬
‫ﻣﻤﺎ ﯾﺠﺐ أن ﯾﻌﺎﯾﻨﻪ اﻟﻨﺎس ‪ .‬ﻓﻼ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻘﻮل ﻣﺜﻞ ﻫﺬا إﻻ إن ﻛﺎن ﻣﺤﻞ واﻗﻊ وﻣﺸﺎﻫﺪة ‪،‬‬
‫ﻷﻧﻪ ﻣﺎذا ﻟﻮ ﺳﺄل أﺣﺪﻫﻢ اﻟﺴﯿﺪة ﻣﺮﯾﻢ ﻫﻞ ﺗﻀﻤﻨﯿﻦ أن ﯾﻄﻮل ﺑﻚ اﻟﻌﻤﺮ ﺣﺘﻰ ﯾُﺒﺮك ﻫﺬا‬
‫اﻟﺮﺿﯿﻊ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻜﺒﺮ ؟ ﻓﻜﺎن ﺟﻮاﺑﻬﺎ ﻻﺑﺪ أن ﯾﻜﻮن ﺑﻨﻌﻢ وﻫﺬا ﻻ ﯾﺼﺢ أﺑﺪا ﻓﻼ ﯾﻌﻠﻢ أﺣﺪ‬
‫ﻣﺘﻰ أﺟﻠﻪ ‪.‬‬
‫ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻟﻘﺮﻃﺒﻲ‬

‫ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪ :‬ﻓﺄﺷﺎرت إﻟﯿﻪ ﻗﺎﻟﻮا ﻛﯿﻒ ﻧﻜﻠﻢ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺪ ﺻﺒﯿﺎ‬

‫ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪ :‬ﻓﺄﺷﺎرت إﻟﯿﻪ ﻗﺎﻟﻮا ﻛﯿﻒ ﻧﻜﻠﻢ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺪ ﺻﺒﯿﺎ اﻟﺘﺰﻣﺖ ﻣﺮﯾﻢ ‪ -‬ﻋﻠﯿﻬﺎ‬
‫اﻟﺴﻼم ‪ -‬ﻣﺎ أﻣﺮت ﺑﻪ ﻣﻦ ﺗﺮك اﻟﻜﻼم ‪ ،‬وﻟﻢ ﯾﺮد ﻓﻲ ﻫﺬه اﻵﯾﺔ أﻧﻬﺎ ﻧﻄﻘﺖ ب إﻧﻲ ﻧﺬرت‬
‫ﻟﻠﺮﺣﻤﻦ ﺻﻮﻣﺎ وإﻧﻤﺎ ورد ﺑﺄﻧﻬﺎ أﺷﺎرت ‪ ،‬ﻓﯿﻘﻮى ﺑﻬﺬا ﻗﻮل ﻣﻦ ﻗﺎل ‪ :‬إن أﻣﺮﻫﺎ ب ) ﻗﻮﻟﻲ‬
‫‪8‬‬
‫( إﻧﻤﺎ أرﯾﺪ ﺑﻪ اﻹﺷﺎرة‬
‫وﯾﺮوى أﻧﻬﻢ ﻟﻤﺎ أﺷﺎرت إﻟﻰ اﻟﻄﻔﻞ ﻗﺎﻟﻮا ‪ :‬اﺳﺘﺨﻔﺎﻓﻬﺎ ﺑﻨﺎ أﺷﺪ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻣﻦ زﻧﺎﻫﺎ ‪ ،‬ﺛﻢ ﻗﺎﻟﻮا‬
‫ﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﻬﺔ اﻟﺘﻘﺮﯾﺮ ﻛﯿﻒ ﻧﻜﻠﻢ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺪ ﺻﺒﯿﺎ وﻛﺎن ﻫﻨﺎ ﻟﯿﺲ ﯾﺮاد ﺑﻬﺎ اﻟﻤﺎﺿﻲ‬
‫؛ ﻷن ﻛﻞ واﺣﺪ ﻗﺪ ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺪ ﺻﺒﯿﺎ ‪ ،‬وإﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﻰ ﻫﻮ اﻵن ‪ .‬وﻗﺎل أﺑﻮ ﻋﺒﯿﺪة ‪:‬‬
‫ﻛﺎن ﻫﻨﺎ ﻟﻐﻮ ؛ ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ‪ ] :‬اﻟﻔﺮزدق [ ‪:‬وﺟﯿﺮان ﻟﻨﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺮاﻣﺎ ‪ ،‬وﻗﯿﻞ ‪ :‬ﻫﻲ ﺑﻤﻌﻨﻰ‬
‫اﻟﻮﺟﻮد واﻟﺤﺪوث ﻛﻘﻮﻟﻪ ‪ :‬وإن ﻛﺎن ذو ﻋﺴﺮة وﻗﺪ ﺗﻘﺪم ‪ .‬وﻗﺎل اﺑﻦ اﻷﻧﺒﺎري ‪ :‬ﻻ ﯾﺠﻮز أن‬
‫ﯾﻘﺎل ‪ :‬زاﺋﺪة وﻗﺪ ﻧﺼﺒﺖ ﺻﺒﯿﺎ وﻻ أن ﯾﻘﺎل ) ﻛﺎن ( ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺣﺪث ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻤﻌﻨﻰ‬

‫‪- 8‬ﻫﻨﺎ ﻧﻘﻄﻪ ﻫﺎﻣﺔ ﺟﺪا ﻓﻜﯿﻒ أﺑﻠﻐﺖ ﻣﺮﯾﻢ اﻟﻨﺎس ﺑﺄﻣﺮ ﺻﻮﻣﻬﺎ ﻛﻤﺎ أﻣﺮﻫﺎ اﷲ ﻓﻰ ﻗﻮﻟﻪ ) ﻓﺈﻣﺎ ﺗﺮﯾﻦ ﻣﻦ اﻟﺒﺸﺮ‬
‫ً‬
‫إﻧﺴﯿﺎ ( وﻫﻰ ﻟﻢ ﺗﻔﻌﻞ ﻏﯿﺮ اﻹﺷﺎرة ﻟﻠﻄﻔﻞ ‪ ،‬ﻧﻔﻬﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ‬ ‫ﻓﻘﻮﻟﻮا إﻧﻰ ﻧﺬرت ﻟﻠﺮﺣﻤﻦ ﺻﻮﻣﺎ ﻓﻠﻦ أﻛﻠﻢ اﻟﯿﻮم‬
‫ﻋﻼﻗﺔ اﻟﺼﯿﺎم ﺑﻌﺪم اﻟﻜﻼم وأﻧﻬﺎ ﻟﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﺮد ﺑﺎﻟﻜﻼم ﻋﻠﻤﻮا أﻧﻬﺎ ﺻﺎﺋﻤﺔ‬
 ‫‪66‬‬

‫اﻟﺤﺪوث واﻟﻮﻗﻮع ﻻﺳﺘﻐﻨﻰ ﻓﯿﻪ ﻋﻦ اﻟﺨﺒﺮ ‪ ،‬ﺗﻘﻮل ‪ :‬ﻛﺎن اﻟﺤﺮ وﺗﻜﺘﻔﻲ ﺑﻪ ‪ .‬واﻟﺼﺤﯿﺢ أن‬
‫ﻣﻦ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺠﺰاء وﻛﺎن ﺑﻤﻌﻨﻰ ﯾﻜﻦ ؛ اﻟﺘﻘﺪﯾﺮ ‪ :‬ﻣﻦ ﯾﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺪ ﺻﺒﯿﺎ ﻓﻜﯿﻒ ﻧﻜﻠﻤﻪ ؟‬
‫ﻛﻤﺎ ﺗﻘﻮل ‪ :‬ﻛﯿﻒ أﻋﻄﻲ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻻ ﯾﻘﺒﻞ ﻋﻄﯿﺔ ؛ أي ﻣﻦ ﯾﻜﻦ ﻻ ﯾﻘﺒﻞ ‪ .‬واﻟﻤﺎﺿﻲ ﻗﺪ ﯾﺬﻛﺮ‬
‫ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻓﻲ اﻟﺠﺰاء ؛ ﻛﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪ :‬ﺗﺒﺎرك اﻟﺬي إن ﺷﺎء ﺟﻌﻞ ﻟﻚ ﺧﯿﺮا ﻣﻦ ذﻟﻚ‬
‫ﺟﻨﺎت ﺗﺠﺮي ﻣﻦ ﺗﺤﺘﻬﺎ اﻷﻧﻬﺎر أي إن ﯾﺸﺄ ﯾﺠﻌﻞ ‪.‬‬
‫وﺗﻘﻮل ‪ :‬ﻣﻦ ﻛﺎن إﻟﻲ ﻣﻨﻪ إﺣﺴﺎن ﻛﺎن إﻟﯿﻪ ﻣﻨﻲ ﻣﺜﻠﻪ ‪ ،‬أي ﻣﻦ ﯾﻜﻦ ﻣﻨﻪ إﻟﻲ إﺣﺴﺎن ﯾﻜﻦ‬
‫إﻟﯿﻪ ﻣﻨﻲ ﻣﺜﻠﻪ ‪ .‬واﻟﻤﻬﺪ ﻗﯿﻞ ‪ :‬ﻛﺎن ﺳﺮﯾﺮا ﻛﺎﻟﻤﻬﺪ وﻗﯿﻞ اﻟﻤﻬﺪ ﻫﺎﻫﻨﺎ ﺣﺠﺮ اﻷم ‪.‬‬
‫وﻗﯿﻞ ‪ :‬اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻛﯿﻒ ﻧﻜﻠﻢ ﻣﻦ ﻛﺎن ﺳﺒﯿﻠﻪ أن ﯾﻨﻮم ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺪ ﻟﺼﻐﺮه ‪ ،‬إﻧﺘﻬﻰ‬

‫ﻧﻼﺣﻆ اﻟﺘﺨﺒﻂ اﻟﺸﺪﯾﺪ ﻓﻰ اﻟﺘﻔﺎﺳﯿﺮ واﻟﻠﻒ واﻟﺪوران ﻟﺘﻐﯿﺮ ﻇﺮف زﻣﺎن ﻛﺎن ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺸﻌﺮاوى‬
‫ﻫﺮب و اﻟﻘﺮﻃﺒﻰ ﻗﺎل أن ﻛﺎن ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻷن! ﺛﻢ ذﻛﺮ ﻗﻮل أﺑﻮ ﻋﺒﯿﺪة! أﻧﻬﺎ ﻟﻐﻮ أى ﺣﺸﻮ زاﺋﺪة‬
‫ﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻬﺎ! وﻧﺴﺐ ﺑﺎﻷﺧﯿﺮ إﻟﻰ أﺑﻦ اﻷﻧﺒﺎري! أن ﻛﺎن ﺑﻤﻌﻨﻰ ﯾﻜﻮن ‪ ،‬وﻫﺬا ﺗﻠﻔﯿﻖ‬
‫ﻣﺤﺾ ﻷن ﻛﻠﻤﻪ ﻛﺎن ﻓﻰ ﻣﺜﻞ ﺗﻠﻚ اﻵﯾﺎت ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻦ زﻣﻦ ﻣﻌﯿﻦ وﺣﺎﻟﺔ ﻣﻌﯿﻨﺔ‬
‫ﻛﻘﻮﻟﺔ ﺗﻌﺎﻟﻰ‬
‫ﯿﻞ ﱠ‬
‫اﷲِ‬ ‫ون ﻓِﻲ َﺳ ِﺒ ِ‬ ‫ﺎﻫ ُﺪ َ‬ ‫ْﺮ أُوﻟِﻲ ﱠ‬
‫اﻟﻀ َﺮ ِر َو ْاﻟ ُﻤ َﺠ ِ‬ ‫ِﯿﻦ َﻏﯿ ُ‬ ‫ِﻦ ْاﻟ ُﻤ ْﺆ ِﻣﻨ َ‬
‫ون ﻣ َ‬ ‫ﺎﻋ ُﺪ َ‬ ‫) ﱠﻻ َﯾ ْﺴ َﺘ ِﻮي ْاﻟ َﻘ ِ‬
‫َر َﺟ ًﺔۚ َو ُﻛ ‪‬ﻼ َو َﻋ َﺪ‬ ‫ِﯾﻦ د َ‬ ‫ﺎﻋﺪ َ‬‫ِﻬ ْﻢ َوأَﻧ ُﻔ ِﺴ ِﻬ ْﻢ َﻋﻠَﻰ ْاﻟ َﻘ ِ‬ ‫ﺎﻫﺪ َ َ‬
‫ِﯾﻦ ِﺑﺄ ْﻣ َﻮاﻟ ِ‬ ‫ﻀ َﻞ اﷲﱠُ ْاﻟ ُﻤ َﺠ ِ‬ ‫ِﻬ ْﻢ َوأَﻧ ُﻔ ِﺴ ِﻬ ْﻢۚ َﻓ ﱠ‬ ‫َ‬
‫ِﺑﺄ ْﻣ َﻮاﻟ ِ‬
‫ِﺮ ًة‬
‫ﺎت ﱢﻣ ْﻨ ُﻪ َو َﻣ ْﻐﻔ َ‬
‫َر َﺟ ٍ‬ ‫ِﯾﻦ أَ ْﺟ ًﺮا َﻋ ِﻈﯿ ًﻤﺎ )‪ (95‬د َ‬ ‫ﺎﻋﺪ َ‬ ‫ِﯾﻦ َﻋﻠَﻰ ْاﻟ َﻘ ِ‬ ‫ﺎﻫﺪ َ‬ ‫ﻀ َﻞ اﷲﱠُ ْاﻟ ُﻤ َﺠ ِ‬ ‫ٰۚ َو َﻓ ﱠ‬ ‫اﷲﱠُ ْاﻟ ُﺤ ْﺴ َﻨﻰ‬
‫ﻮرا ﱠر ِﺣﯿ ًﻤﺎ )‪َ ، (96‬ﻓﺎﻟﺘﺰﯾﯿﻞ ) وﻛﺎن اﷲ ﻏﻔﻮرا رﺣﯿﻤﺎ ( ﯾﺪل ﻫﻨﺎ‬ ‫ﺎن اﷲﱠُ َﻏ ُﻔ ً‬ ‫َو َر ْﺣ َﻤ ًﺔۚ َو َﻛ َ‬
‫ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻗﺪ ﻏﻔﺮ ﻟﻠﻘﺎﻋﺪون ‪ .‬وﻛﺬﻟﻚ ﻗﻮﻟﻪ‬
‫ِﻚ أَ ْد َﻧﻰ‬‫ٰذﻟ َ‬
‫ْﻬ ﱠﻦ ﻣِﻦ َﺟ َﻼ ِﺑ ِﯿﺒ ِﻬ ﱠﻦۚ َ‬ ‫ِﺴﺎ ِء ْاﻟ ُﻤ ْﺆ ِﻣﻨ َ‬ ‫) َﯾﺎ أَﱡﯾ َﻬﺎ اﻟﱠﻨﺒ ﱡﻲ ُﻗﻞ ﱢ َ‬
‫ٰ‬ ‫ِﯿﻦ َﻋﻠَﯿ ِ‬‫ِﯿﻦ ُﯾ ْﺪﻧ َ‬ ‫ِﻚ َوﻧ َ‬ ‫اﺟ َﻚ َو َﺑ َﻨﺎﺗ َ‬‫ﻷ ْز َو ِ‬ ‫ِ‬
‫ﻮرا ﱠر ِﺣﯿ ًﻤﺎ )‪ (59‬اﻷﺣﺰاب ‪ ،‬ﻓﻬﺬا ﯾﻌﻨﻰ أﻧﻪ ﻗﺪ ﻏﻔﺮ‬ ‫ﱠُ‬
‫ﺎن اﷲ َﻏ ُﻔ ً‬ ‫ْﻦۗ َو َﻛ َ‬ ‫ُﻌ َﺮ ْﻓ َﻦ َﻓ َﻼ ﯾ ْ‬
‫ُﺆ َذﯾ َ‬ ‫أَن ﯾ ْ‬
‫ِﻦ‬
‫ﻮن ﻣ َ‬ ‫ﻮل ﻟَ َﻚ ْاﻟ ُﻤ َﺨﻠﱠُﻔ َ‬
‫ﻟﻬﻢ ﻣﺎ ﺳﺒﻖ ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ﻓﻌﻞ ﻓﻰ اﻟﻤﺎﺿﻰ ‪ .‬وﻛﺬﻟﻚ ﻗﻮﻟﺔ ) َﺳ َﯿ ُﻘ ُ‬
‫ﻮﺑ ِﻬ ْﻢۚ ُﻗ ْﻞ َﻓ َﻤﻦ‬ ‫ُ‬ ‫ِﺮ ﻟََﻨﺎۚ َﯾ ُﻘﻮﻟُ َ َ ْ‬ ‫اب َﺷ َﻐﻠَ ْﺘ َﻨﺎ أَ ْﻣ َﻮاﻟَُﻨﺎ َوأَ ْﻫﻠُﻮ َﻧﺎ َﻓ ْ‬ ‫َْ‬
‫ْﺲ ﻓِﻲ ُﻗﻠ ِ‬ ‫ِﻬﻢ ﱠﻣﺎ ﻟَﯿ َ‬ ‫ﻮن ِﺑﺄﻟ ِﺴ َﻨﺘ ِ‬ ‫ﺎﺳ َﺘ ْﻐﻔ ْ‬ ‫اﻷ ْﻋ َﺮ ِ‬
‫ﯿﺮا )‬ ‫ﻮن َﺧ ِﺒ ً‬ ‫ﺎن اﷲﱠُ ِﺑ َﻤﺎ َﺗ ْﻌ َﻤﻠُ َ‬ ‫ﺿ ‪‬ﺮا أَ ْو أَ َرا َد ِﺑ ُﻜ ْﻢ َﻧ ْﻔ ًﻌﺎۚ َﺑ ْﻞ َﻛ َ‬ ‫اﷲِ َﺷ ْﯿ ًﺌﺎ إِ ْن أَ َرا َد ِﺑ ُﻜ ْﻢ َ‬‫ِﻚ ﻟَ ُﻜﻢ ﱢﻣ َﻦ ﱠ‬ ‫َﯾ ْﻤﻠ ُ‬
‫‪ (11‬اﻟﻔﺘﺢ‬
 ‫‪67‬‬

‫ﻓﺎﷲ ﻋﻠﯿﻢ ﺑﻤﺎ ﻧﻔﻌﻞ ﻓﻰ ﻛﻞ زﻣﺎن وﻟﻜﻦ ﻟﻔﻆ ﻛﺎن ﻫﻨﺎ ﯾﺸﯿﺮ إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﺑﻌﯿﻨﻬﺎ وﻫﻢ اﻟﻤﺨﻠﻔﻮن‬
‫ﻣﻦ اﻷﻋﺮاب ‪ ،‬ﻓﺄﻓﺎد ﻟﻔﻆ ﻛﺎن أن اﷲ َﻋﻠﻢ ﺑﻤﺎ ﻓﻌﻠﻮا ‪ .‬ﻓﻠﻔﻆ ﻛﺎن ﻻ ﯾﺄﺗﻰ ﻓﻰ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ‬
‫ﺑﻤﻌﻨﻰ ﯾﻜﻮن ‪ ،‬وأﻣﺎ اﻷﯾﺔ اﻟﺘﻰ أﺳﺘﻨﺪ إﻟﯿﻬﺎ اﻟﻘﺮﻃﺒﻰ ) ﻓﺈن ﻛﺎن ذو ﻋﺴﺮة ﻓﻨﻈﺮة إﻟﻰ ﻣﯿﺴﺮة‬
‫( ﻓﺈن ﻛﺎن ﻫﻨﺎ ﻻ ﺗﻌﻨﻰ اﻷن وﻻ ﺗﻌﻨﻰ ﯾﻜﻦ ‪ ،‬ﻓﻤﺎ أﺳﻬﻞ اﻟﻜﺬب ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻬﺆﻻء ‪ ،‬ﻓﺎﻵﯾﺔ‬
‫ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﺣﻠﻮل وﻗﺖ ﺳﺪاد دﯾﻦ ‪ ،‬ﻓﺘﻠﻤﺢ ﺑﻠﻔﻆ ﻛﺎن ﻟﻠﺪﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎﺿﻰ أى أﻧﻪ ﻗﺒﻞ‬
‫وﻗﺖ ﺳﺪاد اﻟﺪﯾﻦ ﻛﺎن ذو ﻋﺴﺮة ﺣﺘﻰ ﻻ ﯾﺘﻢ اﻹدﻋﺎء ﺣﯿﻦ وﻗﺖ ﺳﺪاده أﻧﻪ ﻓﻰ ذات ﻋﺴﺮة‬
‫ﻓﻰ ﺣﯿﻦ ﻻ ﯾﺪل ﻣﺎﺿﯿﻪ اﻟﻘﺮﯾﺐ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ‪ .‬وﻛﺬﻟﻚ ﻗﻮﻟﻪ ) أﯾﺎﻣﺎ ﻣﻌﺪودات ﻓﻤﻦ ﻛﺎن ﻣﻨﻜﻢ ﻣﺮﯾﻀﺎ أو ﻋﻠﻰ ﺳﻔﺮ‬
‫ﻓﻌﺪة ﻣﻦ أﯾﺎم أﺧﺮ ( ﻓﻠﻔﻆ ﻛﺎن ﻫﻨﺎ أﻓﺎد أن اﻟﻤﺮض اﻟﻤﻘﺼﻮد ﻟﯿﺲ ﻣﺮض ﻋﺎرض ﺑﻞ ﯾﺴﺘﻤﺮ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﯾﻮم ‪.‬‬

‫وﻫﻨﺎك ﺗﻔﺴﯿﺮات أﺧﺮى ﺗﺨﻠﻂ اﻟﺤﻖ ﺑﺎﻟﺒﺎﻃﻞ أو ﻛﻬﺬا ﯾﺒﺪو ﻣﻨﻬﺎ‬

‫ﺗﻔﺴﯿﺮ ﺑﻦ ﻛﺜﯿﺮ‬

‫وﻗﻮﻟﻪ ‪ ) :‬ﻓﺄﺷﺎرت إﻟﯿﻪ ﻗﺎﻟﻮا ﻛﯿﻒ ﻧﻜﻠﻢ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺪ ﺻﺒﯿﺎ ( أي ‪ :‬إﻧﻬﻢ ﻟﻤﺎ‬
‫إرﺗﺎﺑﻮا ﻓﻲ أﻣﺮﻫﺎ وأﺳﺘﻨﻜﺮوا ﻗﻀﯿﺘﻬﺎ ‪ ،‬وﻗﺎﻟﻮا ﻟﻬﺎ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻮا ﻣﻌﺮﺿﯿﻦ ﺑﻘﺬﻓﻬﺎ ورﻣﯿﻬﺎ ﺑﺎﻟﻔﺮﯾﺔ‬
‫‪ ،‬وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﯾﻮﻣﻬﺎ ذﻟﻚ ﺻﺎﺋﻤﺔ ‪ ،‬ﺻﺎﻣﺘﺔ وأﺣﺎﻟﺖ اﻟﻜﻼم ﻋﻠﯿﻪ ‪ ،‬وأﺷﺎرت ﻟﻬﻢ إﻟﻰ ﺧﻄﺎﺑﻪ‬
‫وﻛﻼﻣﻪ ‪ ،‬ﻓﻘﺎﻟﻮا ﻣﺘﻬﻜﻤﯿﻦ ﺑﻬﺎ ‪ ،‬ﻇﺎﻧﯿﻦ أﻧﻬﺎ ﺗﺰدري ﺑﻬﻢ وﺗﻠﻌﺐ ﺑﻬﻢ ‪ ) :‬ﻛﯿﻒ ﻧﻜﻠﻢ ﻣﻦ ﻛﺎن‬
‫ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺪ ﺻﺒﯿﺎ (‬
‫ﻗﺎل ﻣﯿﻤﻮن ﺑﻦ ﻣﻬﺮان ‪ ) :‬ﻓﺄﺷﺎرت إﻟﯿﻪ ( ‪ ،‬ﻗﺎﻟﺖ ‪ :‬ﻛﻠﻤﻮه ‪ .‬ﻓﻘﺎﻟﻮا ‪ :‬ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺟﺎءت ﺑﻪ ﻣﻦ‬
‫اﻟﺪاﻫﯿﺔ ﺗﺄﻣﺮﻧﺎ أن ﻧﻜﻠﻢ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺪ ﺻﺒﯿﺎ!‬
‫وﻗﺎل اﻟﺴﺪي ‪ :‬ﻟﻤﺎ أﺷﺎرت إﻟﯿﻪ ﻏﻀﺒﻮا ‪ ،‬وﻗﺎﻟﻮا ‪ :‬ﻟﺴﺨﺮﯾﺘﻬﺎ ﺑﻨﺎ ﺣﯿﻦ ﺗﺄﻣﺮﻧﺎ أن ﻧﻜﻠﻢ ﻫﺬا‬
‫اﻟﺼﺒﻲ أﺷﺪ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻣﻦ زﻧﺎﻫﺎ ‪.‬‬
‫) ﻗﺎﻟﻮا ﻛﯿﻒ ﻧﻜﻠﻢ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺪ ﺻﺒﯿﺎ ( أي ‪ :‬ﻣﻦ ﻫﻮ ﻣﻮﺟﻮد ﻓﻲ ﻣﻬﺪه ﻓﻲ ﺣﺎل ﺻﺒﺎه‬
‫وﺻﻐﺮه ‪ ،‬ﻛﯿﻒ ﯾﺘﻜﻠﻢ ؟ إﻧﺘﻬﻰ‬
‫وﻛﺄن ﺑﻦ ﻛﺜﯿﺮ ﻫﻨﺎ ذﻛﺮ اﻷﯾﻪ ﻛﻤﺎ ﻫﻰ ﻓﻰ أول ﺗﻔﺴﯿﺮ ﻣﻨﺴﻮب إﻟﻰ ﺻﺎﺣﺒﺔ ﺛﻢ َﻧﺴﺐ ﻟﻠﺴﺪى‬
‫أن ﻣﺮﯾﻢ ﺗﺸﯿﺮ إﻟﯿﻬﻢ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪث إﻟﻰ ﺻﺒﻰ وﻟﯿﺲ رﺿﯿﻊ! ‪ ،‬ﺛﻢ ﻓﻲ اﻟﺘﻔﺴﯿﺮ اﻟﺜﺎﻟﺚ أردف‬
‫اﻟﺼﻐﺮ ﻣﻊ اﻟﺼﺒﺎ أى ﺗﻔﺴﺮ أﻧﻪ ﺗﺤﺪث وﻫﻮ رﺿﯿﻊ ‪.‬‬
 ‫‪68‬‬

‫وﻫﻨﺎك ﺗﻔﺎﺳﯿﺮ أﺧﺮى ﯾﺬﻛﺮ ﻓﯿﻪ ﻣﻌﻨﻰ ﻗﺪ ﯾﻜﻮن ﻗﺮﯾﺒﺎ ﻟﻤﺎ ذﻛﺮﺗﻪ ‪ ،‬وﻗﺪ ﯾﻜﻮن ﻻ ‪ .‬ﻓﻬﻰ‬
‫ﻛﻠﻤﺎت ﻣﺘﺨﺒﻄﺔ و ﺗﻘﻮل اﻟﻤﻌﻨﻰ وﻋﻜﺴﻪ وﻻ ﯾُﻔﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﺊ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺪﻗﺔ ‪.‬‬

‫ﺗﻔﺴﯿﺮ ﺣﺎﺷﯿﺔ اﻟﺸﯿﺦ ﻋﻠﻲ زاده ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻟﺒﯿﻀﺎوي‬

‫) وﻗﯿﻞ أن ﻛﺎن داﺋﺔ أى ﻧﺎﻗﺼﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﺑﻬﺎ ﻣﻦ دﻻﻟﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ إﻗﺘﺮان ﻣﻀﻤﻮن اﻟﺠﻤﻠﺔ‬
‫ﺑﺎﻟﺰﻣﺎن اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ اﻟﺘﻌﺮض ﻟﻺﻧﻘﻄﺎع ‪ ،‬وﻟﺬﻟﻚ ﯾﻌﺒﺮ ﻋﻨﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﺗﺮادف ﻣﺎ زال ‪،‬‬
‫وﻟﻔﻆ »ﻛﺎن« وإن ﻛﺎن ﯾﻔﯿﺪ ﺗﻘﯿﯿﺪ ﻣﻀﻤﻮن اﻟﺠﻤﻠﺔ ﺑﺎﻟﺰﻣﺎن اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻣﻄﻠﻘﺎ إﻻ أن اﻟﻤﺮاد‬
‫ﻣﻨﻪ ﻓﻲ اﻵﯾﺔ اﻟﺰﻣﺎن اﻟﻘﺮﯾﺐ ﺑﻘﺮﯾﻨﺔ اﻟﻤﻘﺎم ‪ .‬واﻟﻤﻌﻨﻰ‪ :‬ﻛﯿﻒ ﻧﻜﻠﻢ ﻣﻦ ﻛﺎن ﺑﺎﻷﻣﺲ وﻗﺮﯾﺒﺎ‬
‫ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺪ؟ وﻏﺮﺿﻬﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﺳﺘﻤﺮار ﺣﺎل اﻟﺼﺒﻲ ﺑﻪ …… اﻧﺘﻬﻰ‬
‫ﺑﺎﻟﺒﺮﻏﻢ ان اﻟﺘﻔﺴﯿﺮ ﯾﻌﺘﺒﺮ ﻛﺎن ﻓﻲ اﻵﯾﺔ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻣﺎزال وﺗﺮادف ﻟﻬﺎ ) وﻫﺬا ﺧﻄﺄ ( ﻟﻜﻨﻪ‬
‫ﯾﻜﻤﻞ ‪ ،‬أن ﻟﻔﻆ ﻛﺎن ﯾﻔﯿﺪ ﺗﻘﯿﯿﺪ اﻵﯾﺔ ﺑﺎﻟﻤﺎﺿﻰ ﻣﻄﻠﻘﺎ ) وﻫﺬا ﻣﻌﻨﻰ ﺻﺤﯿﺢ ﯾﺸﯿﺮ أن ﻟﻔﻆ‬
‫ﻛﺎن ﯾﻔﯿﺪ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﻤﺎﺿﻰ ﻓﻘﻂ ( وﻟﻜﻨﺔ ﻋﺎد وﻗﺎل إﻻ أن اﻟﻤﺮاد ﺑﻪ اﻟﺰﻣﺎن اﻟﻘﺮﯾﺐ ) وﻫﺬا ﻻ‬
‫ﺧﻼف ﻋﻠﯿﺔ إن ﻛﺎن ﯾﻘﺼﺪ اﻟﻤﺎﺿﻰ اﻟﻘﺮﯾﺐ ( ﺛﻢ ﻗﺎل واﻟﻤﻌﻨﻰ ﯾﻜﻮن ﻛﯿﻒ ﻧﻜﻠﻢ ﻣﻦ ﻛﺎن‬
‫ﺑﺎﻷﻣﺲ وﻗﺮﯾﺒﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ ﻓﻰ اﻟﻤﻬﺪ ) وﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﺤﻘﯿﻘﻰ واﻟﻤﺮاد ﻛﯿﻒ ﻧﻜﻠﻢ‬
‫ﺻﺒﯿﺎ ﻛﺎن ﺑﺎﻷﻣﺲ وﻗﺮﯾﺒﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺪ أى ﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ ﻟﻘﺮب ﻋﻬﺪة ﺑﺎﻟﻄﻔﻮﻟﺔ ( وﻟﻜﻨﺔ‬
‫ﻓﻰ اﺧﺮ ﺟﻤﻠﺔ ﻗﺎﻟﻬﺎ ﻓﻰ اﻟﺘﻔﺴﯿﺮ وﻏﺮﺿﻬﻢ إﺳﺘﻤﺮار ﺣﺎل اﻟﺼﺒﻲ ﺑﻪ ﻗﺼﺪ ﻏﺮﺿﻬﻢ‬
‫إﺳﺘﻤﺮار ﺣﺎل اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ ووﺟﻮده ﻓﻰ اﻟﻤﻬﺪ ﺑﻪ!‬
‫وﻛﺬﻟﻚ ﻗﺮأت أﯾﻀﺎ ﻓﻰ ﻛﺘﺎب‬
‫ﺗﺄوﯾﻞ ﻣﺸﻜﻞ اﻟﻘﺮأن ﻻﺑﻦ ﻗﺘﯿﺒﻪ‬

‫ﻓﻰ ﺑﺎب ) ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﻇﺎﻫﺮ اﻟﻨﺺ ﻣﻌﻨﺎه ( ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان ﻓﺮﻋﻰ ) وﻣﻨﻪ أن ﯾﺄﺗﻰ اﻟﻔﻌﻞ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺑﻨﯿﺔ اﻟﻤﺎﺿﻰ وﻫﻮ داﺋﻢ أو ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ( ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻤﻠﺔ )وﻗﻮﻟﻪ ) ﻛﯿﻒ ﻧﻜﻠﻢ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻓﻰ‬
‫اﻟﻤﻬﺪ ﺻﺒﯿﺎ ( أى ﺻﺒﯿﺎ ﻓﻰ اﻟﻤﻬﺪ ( ‪ .‬أﻧﺘﻬﻰ‬
‫ﻓﯿﺒﺪو أن ﻫﻨﺎك ﻓﻰ اﻷﺛﺮ أﯾﻀﺎ ﻣﻌﺎرك ﻃﺎﺣﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺴﯿﺮ ﻫﺬة اﻟﻤﻔﺮدة أﻋﺘﻘﺪ أﻧﻬﺎ أودت‬
‫ﺑﺄﻋﻨﺎق ) اﻟﻌﻨﻖ ﻓﻰ اﻟﻘﺮآن ﻏﯿﺮ اﻟﺮﻗﺒﺔ ( وﺣﯿﺎة اﻟﻜﺜﯿﺮ ‪.‬‬
 ‫‪69‬‬

‫) وﯾﻜﻠﻢ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺪ وﻛﻬﻼ (‬

‫أﻣﺎ ﺑﺸﺎرة اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻟﻤﺮﯾﻢ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ‪ ) ،‬إ ْذ َﻗﺎﻟَ ِﺖ ْاﻟ َﻤﻼ ِﺋ َﻜ ُﺔ َﯾﺎ َﻣ ْﺮ َﯾ ُﻢ إ ﱠن ﱠ‬
‫اﷲَ ُﯾ َﺒ ﱢﺸ ُﺮ ِك ِﺑ َﻜﻠِ َﻤ ٍﺔ ﱢﻣ ْﻨ ُﻪ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺎس‬‫ﯿﻦ )‪َ (45‬وُﯾ َﻜﻠﱢ ُﻢ اﻟﱠﻨ َ‬ ‫ِﻦ ْاﻟ ُﻤ َﻘ ﱠﺮ ِﺑ َ‬ ‫ْﻦ َﻣ ْﺮ َﯾ َﻢ َو ِﺟﯿ ًﻬﺎ ﻓِﻲ اﻟ ﱡﺪ ْﻧ َﯿﺎ َو ِ‬
‫اﻵﺧ َﺮ ِة َوﻣ َ‬ ‫ﯿﺴﻰ اﺑ ُ‬‫ﯿﺢ ِﻋ َ‬‫اﺳ ُﻤ ُﻪ ْاﻟ َﻤ ِﺴ ُ‬
‫ْ‬
‫ﯿﻦ )‪ ( (46‬ﻣﺮﯾﻢ‬ ‫ِﺤ َ‬‫اﻟﺼﺎﻟ ِ‬ ‫ِﻦ ﱠ‬ ‫ﻓِﻲ ْاﻟ َﻤ ْﻬ ِﺪ َو َﻛ ْﻬ ً‬
‫ﻼ َوﻣ َ‬
‫ﻓﺘﻜﻠﻢ اﻟﻤﺴﯿﺢ ﻓﻲ اﻟ َﻤﻬﺪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻵﯾﺔ ﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﯿﻞ اﻟﻤﺠﺎز ﻟﻠﺪﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﻐﺮ اﻟﺴﻦ و‬
‫ﻟﻌﻤﻖ اﻟﻜﻼم ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﻪ ﻟﺼﻐﺮ ﺳﻨﻪ ﻟﻜﻮﻧﻪ ﺻﺒﻰ ‪ .‬وﻟﺬﻟﻚ ﺟﺎءت ﻛﻠﻤﺔ ) وﻛﻬﻼ ( أﯾﻀﺎ ﻟﻠﺪﻻﻟﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺲ اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻓﻠﻮ ﻛﺎن اﻟﻜﻼم ﻫﻨﺎ اﻟﻤﻘﺼﻮد ﺑﻪ ﻫﻮ ﻣﺠﺮد اﻟﺤﺪﯾﺚ ﺑﺎﻟﻠﺴﺎن ﻓﻤﺎ ﻫﻰ‬
‫اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻰ أن ﯾﺘﺤﺪث ﻛﻬﻞ ﺑﻠﺴﺎﻧﻪ ‪ ،‬ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻫﻮ اﻧﻪ ﯾﻜﻠﻢ اﻟﻨﺎس ﻓﻰ ﻣﻬﺪه ﻣﺠﺎزا ﻋﻦ‬
‫ﺻﺒﺎه وﻣﺮاﻫﻘﺘﻪ وﻟﯿﺲ رﺿﺎﻋﺘﻪ ﺑﻤﻌﺎﻧﻲ وﻣﻨﻄﻖ وﺣﻜﻤﻪ اﻟﻜﻼم ﻛﻜﻬﻞ ﺛﻘﻠﺘﻪ ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﺤﯿﺎة ‪.‬‬
‫وﻷن ﻫﺬه اﻵﯾﺔ ﺗﻮﺿﺢ ﺑﺠﻼء أن اﻟﻜﻼم ﻫﻨﺎ اﻟﻤﻘﺼﻮد ﺑﻪ ﺣﻜﻤﺔ اﻟﻤﻨﻄﻖ وﻟﯿﺲ ﻣﺠﺮد‬
‫ﺣﺪﯾﺚ ﺑﺎﻟﻠﺴﺎن ‪ ،‬ﻓﻠﺠﺄ اﻟﻜﻬﻨﺔ إﻟﻰ ﺗﺤﺮﯾﻒ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺘﻜﻠﻢ ﻓﻰ اﻟﻜﻬﻮﻟﺔ أﻧﻪ ﻟﻠﺪﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﻮدة‬
‫اﻟﺴﯿﺪ اﻟﻤﺴﯿﺢ ﻓﻰ أﺧﺮ اﻟﺤﯿﺎة و ﺗﺤﺪﺛﻪ ﺑﺎﻟﻠﺴﺎن ﻓﻲ ﻛﻬﻮﻟﺘﻪ‪ ،‬وﻻ أدرى ﻣﺎ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯿﻦ ﻋﻮدﺗﻪ‬
‫وﺣﺪﯾﺜﻪ ﻓﻰ ﻛﻬﻮﻟﺘﻪ ‪ ،‬ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻣﺎت ﻛﻬﻼ ﻓﺒﻬﺬا ﻓﻬﻮ ﻗﺪ ﺗﻜﻠﻢ وﻫﻮ ﻛﻬﻼ ﻓﻰ ﺣﯿﺎﺗﻪ اﻷوﻟﻰ !‬
‫ﺷﺎﺑﺎ ﻓﻤﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ أن ﯾﻌﻮد وﯾﻤﻮت ﺷﺎﺑﺎ ﻣﺮة ﺛﺎﻧﯿﺔ دون أن ﯾﺒﻠﻎ اﻟﻜﻬﻮﻟﺔ)‬ ‫وإذا ﻛﺎن ﻣﺎت ً‬
‫ﯾﺒﺪو ان ﻣﺤﺎرﺑﺔ اﻟﻤﺴﯿﺢ اﻟﺪﺟﺎل ﺳﺘﺄﺧﺬ ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ وﻛﺬﻟﻚ اﻟﺠﺮى وراء اﻟﺨﻨﺎزﯾﺮ ﻓﻰ‬
‫اﻟﺸﺎرع وﻛﺴﺮ اﻟﺼﻠﺒﺎن وﺣﺮق اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ! ( ‪ ،‬ﻟﻸﺳﻒ أﻛﺎذﯾﺐ اﻟﻜﻬﻨﺔ ﻻ ﺗﻨﺘﻬﻰ وﺗﺘﺸﺎﺑﻚ‬
‫ﺟﻤﯿﻌﺎ واﻟﻜﺬﺑﺔ ﺗﺨﻠﻖ ﻛﺬﺑﺔ ﻓﻬﺬه اﻟﻌﻮدة اﻟﻤﺰﻋﻮﻣﺔ ﻟﻠﻤﺴﯿﺢ ﺗﺘﻨﺎﻗﺾ ﺗﻨﺎﻗﻀﺎ ﻛﻠﯿﺎ ﻣﻊ اﻟﻨﺺ‬
‫اﻟﻘﺮآﻧﻲ ‪،‬‬

‫أﻛﺬوﺑﺔ ﻋﻮدة اﻟﻤﺴﯿﺢ‬

‫ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ‬
 ‫‪70‬‬

‫ﯿﻚ َو َرا ِﻓ ُﻌ َﻚ‬ ‫ٰ إِﱢﻧﻲ ُﻣ َﺘ َﻮ ﱢﻓ َ‬‫ﯿﺴﻰ‬ ‫ﺎل اﷲﱠُ َﯾﺎ ِﻋ َ‬ ‫ﯾﻦ )‪ (54‬إِ ْذ َﻗ َ‬ ‫ِﺮ َ‬ ‫) َو َﻣ َﻜ ُﺮوا َو َﻣ َﻜ َﺮ اﷲﱠُۖ َواﷲﱠُ َﺧﯿ ُ ْ‬
‫ْﺮ اﻟ َﻤﺎﻛ ِ‬
‫ٰ َﯾ ْﻮ ِم ْاﻟ ِﻘ َﯿﺎ َﻣ ِﺔۖ ُﺛ ﱠﻢ‬ ‫ﻮك َﻓ ْﻮ َق اﻟﱠﺬ َ‬
‫ِﯾﻦ َﻛ َﻔ ُﺮوا إِﻟَﻰ‬ ‫ﺎﻋ ُﻞ اﻟﱠﺬ َ‬
‫ِﯾﻦ اﱠﺗ َﺒ ُﻌ َ‬ ‫ِﯾﻦ َﻛ َﻔ ُﺮوا َو َﺟ ِ‬ ‫ِﻦ اﻟﱠﺬ َ‬ ‫إِﻟَ ﱠﻲ َو ُﻣ َﻄ ﱢﻬ ُﺮ َك ﻣ َ‬
‫ِﯾﻦ َﻛ َﻔ ُﺮوا َﻓُﺄ َﻋ ﱢﺬُﺑ ُﻬ ْﻢ َﻋ َﺬاﺑًﺎ‬
‫ﻮن )‪َ (55‬ﻓَﺄ ﱠﻣﺎ اﻟﱠﺬ َ‬ ‫إِﻟَ ﱠﻲ َﻣ ْﺮ ِﺟ ُﻌ ُﻜ ْﻢ َﻓَﺄ ْﺣ ُﻜ ُﻢ َﺑ ْﯿ َﻨ ُﻜ ْﻢ ﻓِﯿ َﻤﺎ ُﻛﻨُﺘ ْﻢ ﻓِﯿ ِﻪ َﺗ ْﺨ َﺘﻠُِﻔ َ‬
‫ﺎت‬ ‫ِﺤ ِ‬ ‫اﻟﺼﺎﻟ َ‬‫ِﯾﻦ آ َﻣُﻨﻮا َو َﻋﻤِﻠُﻮا ﱠ‬ ‫ﯾﻦ )‪َ (56‬وأَ ﱠﻣﺎ اﻟﱠﺬ َ‬ ‫ﺎﺻ ِﺮ َ‬‫َﺷﺪِﯾ ًﺪا ﻓِﻲ اﻟ ﱡﺪ ْﻧ َﯿﺎ َو ْاﻵ ِﺧ َﺮ ِة َو َﻣﺎ ﻟَ ُﻬﻢ ﱢﻣﻦ ﱠﻧ ِ‬
‫ِﯿﻢ‬ ‫ِﻦ ْاﻵ َﯾ ِ ﱢ ْ ْ‬
‫ﺎت َواﻟﺬﻛ ِﺮ اﻟ َﺤﻜ ِ‬ ‫ْﻚ ﻣ َ‬‫ِﻚ َﻧ ْﺘﻠُﻮ ُه َﻋﻠَﯿ َ‬ ‫ٰﻟ َ‬‫ِﯿﻦ )‪َ (57‬ذ‬ ‫اﻟﻈﺎﻟِﻤ َ‬‫ُﺤ ﱡﺐ ﱠ‬ ‫ﻮر ُﻫ ْﻢۗ َواﷲﱠُ َﻻ ﯾ ِ‬ ‫ﯿﻬ ْﻢ أُ ُﺟ َ‬ ‫ُﻮ ﱢﻓ ِ‬
‫َﻓﯿ َ‬
‫ﻮن )‪ْ (59‬اﻟ َﺤ ﱡﻖ‬ ‫ﺎل ﻟَ ُﻪ ُﻛﻦ َﻓ َﯿ ُﻜ ُ‬ ‫اب ُﺛ ﱠﻢ َﻗ َ‬ ‫اﷲِ َﻛ َﻤ َﺜ ِﻞ آ َد َمۖ َﺧﻠَ َﻘ ُﻪ ﻣِﻦ ُﺗ َﺮ ٍ‬‫ٰ ِﻋﻨ َﺪ ﱠ‬ ‫ﯿﺴﻰ‬ ‫)‪ (58‬إِ ﱠن َﻣ َﺜ َﻞ ِﻋ َ‬
‫ﯾﻦ )‪ ( (60‬أل ﻋﻤﺮان‬ ‫ﱢﻚ َﻓ َﻼ َﺗ ُﻜﻦ ﱢﻣ َﻦ ْاﻟ ُﻤ ْﻤ َﺘ ِﺮ َ‬ ‫ﻣِﻦ ﱠرﺑ َ‬
‫ﻓﺤﺴﺐ اﻵﯾﺎت اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ أن اﷲ ﺗﻮﻓﻰ اﻟﻤﺴﯿﺢ وذﻛﺮ ﻟﻪ أﻧﻪ راﻓﻌﻪ إﻟﯿﻪ ‪ ،‬و ُﻣﻄﻬﺮه ﻣﻦ اﻟﺬﯾﻦ‬
‫ﻛﻔﺮوا وﺟﺎﻋﻞ اﻟﺬﯾﻦ إﺗ َﺒﻌﻮه ﻓﻮق اﻟﺬﯾﻦ ﻛﻔﺮوا اﻟﻰ ﯾﻮم اﻟﻘﯿﺎﻣﺔ ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻷن ﻣﺤﺎوﻻت اﻟﻜﺬب‬
‫ﻋﻠﻰ اﷲ ﻻ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻓﺎﻟ َﻜﻬﻨﺔ ﯾﻔﺴﺮون وﻓﺎة اﻟﻤﺴﯿﺢ ﻓﻰ اﻵﯾﺔ أﻧﻬﺎ ﺗﻮﻓﻰ ﻧﻮم ! رﻏﻢ أن ﺳﯿﺎق‬
‫اﻻﯾﺔ ﺗﻌﻨﻲ أن اﷲ ﯾﺒﻠﻎ اﻟﻤﺴﯿﺢ أﻧﻪ أﻛﻤﻞ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ وﻗﺎم ﺑﻤﺎ ﻋﻠﯿﻪ ‪ ،‬وأن اﷲ ﻧﺎﺻﺮ اﻟﺬﯾﻦ‬
‫آﻣﻨﻮا و ُﻣﻌﯿﻨﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺬﯾﻦ ﻛﻔﺮوا إﻟﻰ ﯾﻮم اﻟﻘﯿﺎﻣﺔ اﻟﺬي ﺳﯿﺠﻤﻌﻨﺎ ﻓﯿﻪ ‪ ،‬ﻓﺎﷲ ﯾﺒﻠﻎ اﻟﻤﺴﯿﺢ أن‬
‫دوره اﻧﺘﻬﻰ ﻓﻼ ﻣﺠﺎل ﻫﻨﺎ ﻷن ﯾﻜﻮن اﻟﺘﻮﻓﻲ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﻨﻮم ﻛﻤﺎ أدﻋﻮا إﺳﺘﻨﺎدا إﻟﻰ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ‬
‫) اﷲ ﯾﺘﻮﻓﻰ اﻷﻧﻔﺲ ﺣﯿﻦ ﻣﻮﺗﻬﺎ واﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻤﺖ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻣﻬﺎ ﻓﯿﻤﺴﻚ اﻟﺘﻲ ﻗﻀﻰ ﻋﻠﯿﻬﺎ اﻟﻤﻮت‬
‫وﯾﺮﺳﻞ اﻷﺧﺮى إﻟﻰ أﺟﻞ ﻣﺴﻤﻰ إن ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻵﯾﺎت ﻟﻘﻮم ﯾﺘﻔﻜﺮون ) ‪ . ( 42‬ﻓﺎﻟﺘﻮﻓﻰ ﻫﻨﺎ‬
‫ﻓﻰ اﻵﯾﺔ ﻫﻮ ﺗﻮﻓﻰ ﻣﻮت ﺣﺼﺮا ﻓﺎﷲ ﯾﺘﻮﻓﻰ اﻻﻧﻔﺲ اﻟﺘﻰ ﻣﺎﺗﺖ وﯾﺸﺒﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻟﻨﻮم‬
‫ﺑﺎﻟﻤﻮت واﻟﻘﺼﺪ وﻣﺎ أﺳﻬﻞ ﻋﻠﯿﻪ أن ﯾﺘﻮﻓﻰ اﻷﻧﻔﺲ اﻟﻨﺎﺋﻤﺔ ﻓﯿﻤﺴﻚ اﻟﺘﻰ ﺗﻮﻓﺎﻫﺎ ﺑﺎﻟﻤﻮت‬
‫وﯾﺮﺳﻞ اﻟﻨﺎﺋﻤﻪ اﻟﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻰ ﻗﺒﻀﺘﻪ وﻣﺎ أﺳﻬﻞ ﻋﻠﯿﻪ أن ﯾﺘﻮﻓﺎﻫﺎ ﯾﺮﺳﻠﻬﺎ إﻟﻰ أﺟﻞ ﻣﺴﻤﻰ ‪.‬‬
‫ﻛﻤﺎ ﯾﺬﻛﺮ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻲ أن ﻛﻞ اﻻﻧﺒﯿﺎء ﻗﺒﻞ اﻟﻨﺒﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﻗﺪ ﻣﺎﺗﻮا ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َو َﻣﺎ ُﻣ َﺤ ﱠﻤ ٌﺪ‬
‫ِﺐ َﻋﻠَ َﻰ‬ ‫ِﻞ اﻧ َﻘﻠَ ْﺒُﺘ ْﻢ َﻋﻠَﻰ أَ ْﻋ َﻘ ِﺎﺑ ُﻜ ْﻢ َو َﻣﻦ َﯾﻨ َﻘﻠ ْ‬
‫ﺎت أَ ْو ُﻗﺘ َ‬‫اﻟﺮ ُﺳ ُﻞ أَ َﻓِﺈن ﱠﻣ َ‬ ‫ﻮل َﻗ ْﺪ َﺧﻠَ ْﺖ ﻣِﻦ َﻗ ْﺒﻠِ ِﻪ ﱡ‬ ‫ﻻ َر ُﺳ ٌ‬ ‫إﱠ‬
‫ِ‬
‫ﱠُ ﱠ‬ ‫َﻋ ِﻘ َﺒ ْﯿ ِﻪ َﻓﻠَﻦ َﯾ ُ ﱠ‬
‫ﯾﻦ )‪ ( (144‬ال ﻋﻤﺮان ‪ ،‬وﻫﻮ ﻣﺜﻞ ﻛﻞ ﻣﻦ‬ ‫ِﺮ َ‬‫ﻀ ﱠﺮ اﷲَ َﺷ ْﯿ ًﺌﺎ َو َﺳ َﯿ ْﺠ ِﺰي اﷲ اﻟﺸﺎﻛ ِ‬
‫ﺳﺒﻘﻮه ﻻ ﯾﺨﺘﻠﻒ ﻋﻨﻬﻢ ﺷﺊ إن ﻣﺎت او ﻗﺘﻞ ﻛﻤﺎ ذﻛﺮ ﻧﻔﺲ اﻷﻣﺮ ﻋﻦ اﻟﻤﺴﯿﺢ ذاﺗﻪ ‪ ،‬ﻗﺎل‬
‫ْ‬ ‫اﻟﺮ ُﺳ ُﻞ َوأُ ﱡﻣ ُﻪ ِ ٌ‬ ‫ﻻ َر ُﺳ ٌ‬ ‫ﺗﻌﺎﻟﻰ ) ﱠﻣﺎ ْاﻟ َﻤ ِﺴ ُ‬
‫ﺻ ﱢﺪﯾ َﻘﺔ َﻛﺎ َﻧﺎ َﯾﺄ ُﻛ ِ‬
‫ﻼن‬ ‫ﻮل َﻗ ْﺪ َﺧﻠَ ْﺖ ﻣِﻦ َﻗ ْﺒﻠِ ِﻪ ﱡ‬ ‫ْﻦ َﻣ ْﺮ َﯾ َﻢ إ ﱠ‬
‫ِ‬ ‫ﯿﺢ اﺑ ُ‬
‫ﻮن )‪ ( (75‬اﻟﻤﺎﺋﺪه ‪ ،‬اى اﻧﻪ اﻧﺴﺎن‬ ‫ُﺆ َﻓ ُﻜ َ‬‫اﻧﻈ ْﺮ أَﱠﻧﻰ ﯾ ْ‬ ‫ﺎت ُﺛ ﱠﻢ ُ‬ ‫ﱢﻦ ﻟَ ُﻬ ُﻢ اﻵ َﯾ ِ‬ ‫ْﻒ ُﻧ َﺒﯿ ُ‬‫اﻧﻈ ْﺮ َﻛﯿ َ‬ ‫اﻟﻄ َﻌﺎ َم ُ‬ ‫ﱠ‬
‫ﻃﺒﯿﻌﻰ وﺑﺸﺮ ﻣﺜﻞ ﻛﻞ اﻟﺒﺸﺮ ورﺳﻮل ﻻﯾﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻪ وان اﻟﺮﺳﻞ ﻗﺒﻠﻪ ﻗﺪ ﺧﻠﻮا اى ﻟﻢ‬
‫ُﯾﺄﺑﺪوا وﻟﻢ ﯾﺨﻠﺪوا ﻓﻰ اﻟﺤﯿﺎة وﻫﻮ ﻣﺜﻠﻬﻢ ‪ ،‬واﻧﺎ اﻛﺘﺐ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻻﻣﻮر اﺧﺠﻞ اﻧﻨﺎ ﻧﺘﻨﺎﻗﺶ ﻓﻰ‬
 ‫‪71‬‬

‫دﯾﻨﯿﺎ ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم ‪ ،‬ﻓﺄﺻﺒﺢ اﻟﻜﺬب دﯾﻨﺎ‬ ‫اﻟﺒﺪﯾﻬﯿﺎت وﻫﺬا ﻷن اﻟﻜﻬﻨﻮت اﻟﺪﯾﻨﻰ اﺣﺪث إﻧﻘﻼﺑﺎ ً‬
‫‪،‬‬
‫ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻓﺎﻟﻤﺴﯿﺤﯿﺔ ﻟﻢ ﺗﺬﻛﺮ أى ﺷﺊ ﻋﻦ ﺣﺪﯾﺚ اﻟﺴﯿﺪ اﻟﻤﺴﯿﺢ وﻫﻮ رﺿﯿﻊ ‪،‬‬
‫رﻏﻢ أﻧﻬﻢ اﻷوﻟﻰ ﺑﻬﺬا اﻟﺰﻋﻢ ﺑﺤﻜﻢ إﻋﺘﻘﺎدﻫﻢ ﺑﺄﻟﻮﻫﯿﺘﻪ ‪ ،‬وﯾﻈﻬﺮ ﺑﻬﺬا أن اﻟﻘﺮآن ﯾﺼﺪﻗﻬﻢ‬
‫‪9‬‬
‫ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ‪ ،‬وﯾﻜﺬب اﻷﻧﺎﺟﯿﻞ اﻷﺑﻮﻛﺮﯾﻔﯿﺔ اﻟﻤﻨﺤﻮﻟﺔ اﻟﺘﻰ ﺗﺬﻛﺮ أن اﻟﻤﺴﯿﺢ ﺗﻜﻠﻢ وﻫﻮ‬
‫رﺿﯿﻊ ‪ ،‬وﻗﺪ ﺟﺎء اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪس ﻋﻠﻰ ذﻛﺮ ﺣﺪﯾﺚ ﻋﯿﺴﻰ إﻟﻰ ﻗﻮﻣﻪ ﺑﻨﻔﺲ ﻃﺮﯾﻘﺔ ذﻛﺮﻫﺎ‬
‫اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ ﻓﻰ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ وﺣﺘﻰ أن اﻹﻧﺠﯿﻞ ﺣﺪد ﺳﻨﻪ ﺣﯿﻨﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﯾﺚ ﺑﺄﺛﻨﻰ ﻋﺸﺮ‬
‫ﻋﺎﻣﺎ ‪ ،‬واﻟﺬى ﺗﻌﺠﺐ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﻛﻼﻣﻪ ﺣﯿﻨﻬﺎ ﻟﺤﻜﻤﺘﻪ ‪ ،‬ﻓﺤﺴﺐ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪس ) َو َﻛ َ‬
‫ﺎن‬ ‫ً‬
‫وح‪ُ ،‬ﻣ ْﻤ َﺘﻠًِﺌﺎ ِﺣ ْﻜ َﻤ ًﺔ‪َ ،‬و َﻛﺎ َﻧ ْﺖ ﻧ ِْﻌ َﻤ ُﺔ اﷲِ َﻋﻠَ ْﯿﻪِ… َوﻟَ ﱠﻤﺎ َﻛﺎ َﻧ ْﺖ‬ ‫ﺎﻟﺮ ِ‬ ‫اﻟﺼ ِﺒ ﱡﻲ )اﻟﻤﺴﯿﺢ( َﯾ ْﻨ ُﻤﻮ َو َﯾ َﺘ َﻘ ﱠﻮى ِﺑ ﱡ‬ ‫ﱠ‬
‫ﱠﺎم َو َﺟﺪَا ُه ﻓِﻲ ْاﻟ َﻬ ْﯿ َﻜ ِﻞ‪،‬‬ ‫ور َﺷﻠِﯿ َﻢ َﻛ َﻌﺎ َد ِة ْاﻟﻌِﯿﺪِ… َو َﺑ ْﻌ َﺪ َﺛ َ َ َ‬
‫ﻼﺛ ِﺔ أﯾ ٍ‬ ‫ﺻ ِﻌ ُﺪوا إِﻟَﻰ أُ ُ‬ ‫ﻟَ ُﻪ ْاﺛ َﻨ َﺘﺎ َﻋ ْﺸ َﺮ َة َﺳ َﻨ ًﺔ َ‬
‫ُﻬُﺘﻮا ﻣ ْ‬
‫ِﻦ َﻓ ْﻬ ِﻤ ِﻪ‬ ‫‪47‬و ُﻛ ﱡﻞ اﻟﱠﺬ َ‬
‫ِﯾﻦ َﺳ ِﻤ ُﻌﻮ ُه ﺑ ِ‬ ‫َ‬ ‫ِﯿﻦ‪َ ،‬ﯾ ْﺴ َﻤ ُﻌ ُﻬ ْﻢ َو َﯾ ْﺴَﺄﻟُ ُﻬ ْﻢ‪.‬‬‫ِﺴﺎ ﻓِﻲ َو ْﺳ ِﻂ ْاﻟ ُﻤ َﻌﻠﱢﻤ َ‬ ‫َﺟﺎﻟ ً‬
‫ﯿﻞ ﻟُﻮ َﻗﺎ ‪، ( (48-40 : 2‬‬ ‫َﻫ َﺸﺎ‪) {.‬إ ْﻧ ِﺠ ُ‬
‫ِ‬ ‫َوأَ ْﺟ ِﻮ َﺑ ِﺘﻪِ‪َ 48 .‬ﻓﻠَ ﱠﻤﺎ أَﺑ َ‬
‫ْﺼ َﺮا ُه ا ْﻧﺪ َ‬
‫وﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺒﺪو أﻧﻪ ﻟﻢ ﯾﺤﺮف أﺣﺪ ﻛﻼم اﷲ ﻣﺜﻞ ﻣﺎﺣﺮﻓﻨﺎه ! ﻧﺤﻦ ورﺛﺔ اﻟﺪﯾﻦ اﻟﺨﺎﺗﻢ! واﻟﺬى‬
‫ﺟﺎء ﻣﺼﺤﺤﺎ ﻟﻤﺎ ﺗﻢ ﺗﺤﺮﯾﻔﻪ !‬

‫) أﻧﻰ ﯾﻜﻮن ﻟﻰ وﻟﺪ وﻟﻢ ﯾﻤﺴﺴﻨﻰ ﺑﺸﺮ (‬

‫ﻋﺪم ﺗﻜﻠﻢ اﻟﻤﺴﯿﺢ وﻫﻮ رﺿﯿﻊ ﻛﻤﺎ أوﺿﺤﻨﺎ ﯾﻨﺴﻒ ﻓﻜﺮة وﻻدﺗﻪ ﺑﺤﻤﻞ إﻋﺠﺎزى ‪ ،‬ﻓﻤﺎ‬
‫ﯾﺜﺒﺖ ﻟﻘﻮﻣﻬﺎ أن اﻟﻤﻮﻟﻮد ﺑﻼ أب ﻛﻤﺎ أدﻋﻮا ؟ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﻟﻜﻮﻧﻪ ﯾﻠﻐﻰ ﺳﻨﺪ ﺑﺮاءة ﻣﺮﯾﻢ ‪ ،‬ﻓﻤﺎ‬
‫ﺑﺮأﻫﺎ ؟ و ﻫﻞ أﺗﺖ ﺑﺠﺮﯾﻤﺔ أﺻﻼ ؟‬
‫ﻓﻰ اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﺔ واﻟﺘﻰ ﻟﯿﺲ ِﺑﻬﺎ وﺟﻮد ﻟﻘﺼﺔ ﺗﻜﻠﻢ اﻟﻤﺴﯿﺢ وﻫﻮ رﺿﯿﻊ رﻏﻢ أﻧﻬﻢ ﺑﻬﺎ أوﻟﻰ!‬
‫ﻛﺎن اﻟﻤﺨﺮج ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻤﻌﻀﻠﺔ ﻫﻮ اﻟﻘﻮل أن ﻣﻼك ﻇﻬﺮ ﻓﻰ اﻟﺤﻠﻢ ﻟﯿﻮﺳﻒ اﻟﻨﺠﺎر وﻫﻮ‬
‫ﺧﻄﯿﺐ اﻟﺴﯿﺪة ﻣﺮﯾﻢ ! وﻛﺎن ﻓﻰ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺨﻄﯿﺐ ﻓﻰ ﻋﺮف اﻟﺰوج ! ‪ -‬ﺣﺴﺐ ﻛﻼﻣﻬﻢ ‪-‬‬
‫ﻓﺄﺑﻠﻐﻪ ان اﻟﺴﯿﺪة ﻣﺮﯾﻢ ﺣﻤﻠﺖ ﺣﻤﻞ إﻋﺠﺎزى ﺑﺪون ﻋﻼﻗﺔ ﻣﻊ رﺟﻞ ! ﺣﺴﺐ ﺗﻔﺴﯿﺮﻫﻢ ‪،‬‬

‫‪- 9‬ﻓﻰ اﻷﻏﻠﺐ ﻫﺬة اﻷﻧﺎﺟﯿﻞ ﻣﻨﺤﻮﻟﺔ وﻟﯿﺲ اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺧﻄﺄ ﺟﺰﺋﻲ ﻓﻰ ﺗﺮﺟﻤﺘﻬﺎ‬
 ‫‪72‬‬

‫وﺑﻬﺬا ﻓﻘﺪ أﻋﺘﻘﺪ اﻟﻨﺎس ﻓﻰ ﺑﺪاﯾﺔ اﻷﻣﺮ ‪-‬ﺣﺴﺐ ﻗﻮﻟﻬﻢ ‪ -‬أن اﻟﻤﺴﯿﺢ ﻫﻮ اﺑﻦ ﯾﻮﺳﻒ اﻟﻨﺠﺎر‬
‫ﺣﺘﻰ ﻛﺒﺮ اﻟﻤﺴﯿﺢ وﻋﻠِﻢ اﻟﻨﺎس ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﻣﻌﺠﺰاﺗﻪ أﻧﻪ ﻛﺎن وﻟﺪ ﺑﻼ أب ‪ ،‬وﻫﺬا ﻣﺎﯾﺘﻢ ﺗﻔﺴﯿﺮ‬
‫اﻵﯾﺎت اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ ﻣﻦ إﻧﺠﯿﻞ ﻣﺘﻰ اﻹﺻﺤﺎح اﻷول ﻋﻠﻰ أﺳﺎﺳﻪ ‪.‬‬
‫آﯾﺔ ‪ :18‬اﻣﺎ وﻻدة ﯾﺴﻮع اﻟﻤﺴﯿﺢ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻫﻜﺬا‪.‬ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺮﯾﻢ اﻣﻪ ﻣﺨﻄﻮﺑﺔ ﻟﯿﻮﺳﻒ ﻗﺒﻞ ان‬
‫ﯾﺠﺘﻤﻌﺎ وﺟﺪت ﺣﺒﻠﻰ ﻣﻦ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس‪ (19) .‬ﻓﯿﻮﺳﻒ رﺟﻠﻬﺎ اذ ﻛﺎن ﺑﺎرا وﻟﻢ ﯾﺸﺄ ان‬
‫ﺳﺮا )‪" :(20‬وﻟﻜﻦ ﻓﯿﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺘﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻷﻣﻮر‪ .‬إذا ﻣﻼك اﻟﺮب‬ ‫ﯾﺸﻬﺮﻫﺎ اراد ﺗﺨﻠﯿﺘﻬﺎ ّ‬
‫ﻗﺎﺋﻼ‪" :‬ﯾﺎ ﯾﻮﺳﻒ اﺑﻦ داود‪ ،‬ﻻ ﺗﺨﻒ أن ﺗﺄﺧﺬ ﻣﺮﯾﻢ اﻣﺮأﺗﻚ‪ .‬ﻷن اﻟﺬي‬ ‫ﻗﺪ ﻇﻬﺮ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺣﻠﻢ ً‬
‫ﺣﺒﻞ ﺑﻪ ﻓﯿﻬﺎ ﻫﻮ ﻣﻦ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس"‪-".‬‬
‫اﻟﺘﻔﺴﯿﺮ اﻟﻤﺴﯿﺤﻰ ﻟﺘﻠﻚ اﻵﯾﺎت ﻣﻦ اﻷﻧﺠﯿﻞ ﻟﻢ ﯾﻮﺿﺢ ﻛﻤﺎ أﻋﺘﻘﺪ ﻣﺎ ﻣﻌﻨﻰ أﻧﻪ ﻟﻢ ﯾﺮد أن‬
‫ﯾﺸﻬﺮ ﺑﻬﺎ وأراد ﺗﺨﻠﯿﺘﻬﺎ ﺳﺮأً ؟ وﻫﻰ ﺗﻮﺣﻰ أن ﯾﻮﺳﻒ وﺻﻞ إﻟﻰ ﻓﻬﻢ ﻣﺎ وﻧﺘﯿﺠﺔ أن‬
‫ﻣﺎﻓﻌﻠﺘﻪ ﻣﺮﯾﻢ ﻗﺪ ﯾﻜﻮن ﻣﺪﺧﻞ ﻟﻠﺘﺸﻬﯿﺮ ﺑﻬﺎ ‪ ،‬ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﻟﻘﻮل اﻟﻤﻼك ﻟﻪ ﻻ ﺗﺨﻒ ان ﺗﺄﺧﺬ‬
‫ﻣﺮﯾﻢ أﻣﺮاﺗﻚ وﻫﺬا ﯾﻌﻨﻰ اﻧﻪ ﺗﺰوﺟﻬﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ رﻏﻢ أن اﻟﻜﺜﯿﺮ ﯾﻨﻜﺮ أن اﻟﺴﯿﺪة ﻣﺮﯾﻢ‬
‫ﺗﺰوﺟﺖ ﺑﻌﺪ ﺣﻤﻞ اﻟﻤﺴﯿﺢ ‪ ،‬ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻪ ﺗﻢ ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻤﺴﯿﺢ إﻟﻰ ﯾﻮﺳﻒ اﻟﻨﺠﺎر ﻟﻔﺘﺮة ﺣﺘﻰ‬
‫أﻋﺘﻘﺪ اﻟﻨﺎس أﻧﻪ ﺑﻦ ﯾﻮﺳﻒ ‪ ،‬وﻻ ﺗﻘﺪم اﻟﺘﻔﺎﺳﯿﺮ اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﺔ ﻓﻰ ﺣﺪ ﻋﻠﻤﻰ ﻣﺎ ﯾﻘﻨﻊ أن ذﻟﻚ ﻻ‬
‫ﺗﺤﺎﯾﻼ أو ﻣﺪار ًة ﻟﺸﺊ؟ أﻋﺘﻘﺪ أﻧﻪ ﺳﺘﻜﻮن ﺗﻠﻚ اﻵﯾﺎت ﻣﻔﻬﻮﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺿﻮء ﻓﻬﻢ ﻣﺎ ﺣﺪث‬ ‫ً‬ ‫ﯾﻌﺪ‬
‫ﻣﻊ ﻣﺮﯾﻢ ﺣﺴﺐ ﻣﺎ ﻧﺴﺘﻜﺸﻔﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻲ واﻟﻜﻼم اﻷﺗﻰ ذﻛﺮه ﻓﻰ ﻏﺎﯾﺔ اﻷﻫﻤﯿﺔ‬
‫وﯾﺠﺐ اﻟﺘﺮﻛﯿﺰ ﻋﻨﺪ ﻗﺮاءﺗﻪ وﺳﺄﺧﺘﺼﺮ ‪ ،‬ﻓﺎﻵﯾﺎت اﻟﺘﻰ أﺳﺘﻨﺪ إﻟﯿﻬﻤﺎ اﻟﻜﻬﻨﻮت اﻹﺳﻼﻣﻰ‬
‫ﻓﻰ إدﻋﺎء وﻻدة اﻟﻤﺴﯿﺢ ﺑﺪون أب ‪ ،‬ﻫﻤﺎ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻰ ﺳﻮرﺗﻰ أل ﻋﻤﺮان‬
‫ﯿﺴﻰ اﺑ ُ‬
‫ْﻦ َﻣ ْﺮ َﯾ َﻢ‬ ‫ﯿﺢ ِﻋ َ‬ ‫اﺳ ُﻤ ُﻪ ْاﻟ َﻤ ِﺴ ُ‬
‫اﷲَ ُﯾ َﺒ ﱢﺸ ُﺮ ِك ِﺑ َﻜﻠِ َﻤ ٍﺔ ﱢﻣ ْﻨ ُﻪ ْ‬‫) إ ْذ َﻗﺎﻟَ ِﺖ ْاﻟ َﻤﻼ ِﺋ َﻜ ُﺔ َﯾﺎ َﻣ ْﺮ َﯾ ُﻢ إ ﱠن ﱠ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِﻦ‬
‫ﻼ َوﻣ َ‬‫ﺎس ﻓِﻲ ْاﻟ َﻤ ْﻬ ِﺪ َو َﻛ ْﻬ ً‬ ‫ﯿﻦ )‪َ (45‬وُﯾ َﻜﻠﱢ ُﻢ اﻟﱠﻨ َ‬ ‫ِﻦ ْاﻟ ُﻤ َﻘ ﱠﺮ ِﺑ َ‬ ‫َو ِﺟﯿ ًﻬﺎ ﻓِﻲ اﻟ ﱡﺪ ْﻧ َﯿﺎ َو ِ‬
‫اﻵﺧ َﺮ ِة َوﻣ َ‬
‫ِﻚ اﷲﱠُ َﯾ ْﺨﻠُ ُﻖ َﻣﺎ‬ ‫ﺎل َﻛ َﺬﻟ ِ‬‫ﻮن ﻟِﻲ َوﻟَ ٌﺪ َوﻟَ ْﻢ َﯾ ْﻤ َﺴ ْﺴﻨِﻲ َﺑ َﺸ ٌﺮ َﻗ َ‬ ‫ﯿﻦ )‪َ (46‬ﻗﺎﻟَ ْﺖ َر ﱢب أَﱠﻧﻰ َﯾ ُﻜ ُ‬ ‫ِﺤ َ‬
‫اﻟﺼﺎﻟ ِ‬
‫ﱠ‬
‫ﻮن )‪ (47‬آل ﻋﻤﺮان‬ ‫ﻮل ﻟَ ُﻪ ُﻛﻦ َﻓ َﯿ ُﻜ ُ‬ ‫ﻀﻰ أَ ْﻣ ًﺮا َﻓﺈﱠﻧ َﻤﺎ َﯾ ُﻘ ُ‬ ‫َﯾ َﺸﺎء إِ َذا َﻗ َ‬
‫ِ‬
‫ِﻦ أَ ْﻫﻠِ َﻬﺎ َﻣ َﻜﺎ ًﻧﺎ َﺷ ْﺮ ِﻗﯿ‪‬ﺎ )‪(16‬‬ ‫ﺎب َﻣ ْﺮ َﯾ َﻢ إِ ِذ اﻧ َﺘ َﺒ َﺬ ْت ﻣ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫وﻛﺬﻟﻚ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َواذ ُﻛ ْﺮ ﻓِﻲ اﻟ ِﻜ َﺘ ِ‬
‫وﺣ َﻨﺎ َﻓ َﺘ َﻤﱠﺜ َﻞ ﻟَ َﻬﺎ َﺑ َﺸ ًﺮا َﺳﻮﯾ‪‬ﺎ )‪َ (17‬ﻗﺎﻟَ ْﺖ إﱢﻧﻲ أَ ُﻋ ُ‬ ‫ِﻬ ْﻢ ِﺣ َﺠﺎﺑًﺎ َﻓَﺄ ْر َﺳْﻠ َﻨﺎ إِﻟَ ْﯿ َﻬﺎ ُر َ‬
‫ﻮذ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َﻓﺎﱠﺗ َﺨ َﺬ ْت ﻣِﻦ ُدوﻧ ِ‬
‫ﻷ َﻫ َﺐ ﻟَ ِﻚ ُﻏﻼ ًﻣﺎ َز ِﻛﯿ‪‬ﺎ )‪(19‬‬ ‫ﱢﻚ ِ َ‬ ‫ﺎل إﱠﻧ َﻤﺎ أََﻧﺎ َر ُﺳ ُ‬ ‫ِﻨﻚ إِن ُﻛ َ‬
‫ﻮل َرﺑ ِ‬ ‫ﻨﺖ َﺗ ِﻘﯿ‪‬ﺎ )‪َ (18‬ﻗ َ ِ‬ ‫ﺎﻟﺮ ْﺣ َﻤﻦ ﻣ َ‬ ‫ِﺑ ﱠ‬
‫ﻮن ﻟِﻲ ُﻏﻼ ٌم َوﻟَ ْﻢ َﯾ ْﻤ َﺴ ْﺴﻨِﻲ َﺑ َﺸ ٌﺮ َوﻟَ ْﻢ أَ ُك َﺑ ِﻐﯿ‪‬ﺎ )‪ (20‬ﻣﺮﯾﻢ ‪.‬‬ ‫َﻗﺎﻟَ ْﺖ أَﱠﻧﻰ َﯾ ُﻜ ُ‬
 ‫‪73‬‬

‫‪ ،‬ﻓﻬﻨﺎك ﻣﻦ ﻓﺴﺮ ﻧﻔﻰ ﻣﺮﯾﻢ ﻣﺴﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﺸﺮ ﺑﺄﻧﻪ ﻧﻔﻰ أﻧﻬﺎ ذات زوج ‪ ،‬ﻛﺄﺑﻦ ﻛﺜﯿﺮ واﻟﻘﺎﺿﻰ‬
‫اﻟﺒﯿﻀﺎوى وﺑﻦ ﻋﺎﺷﻮر وﻏﯿﺮﻫﻢ ‪،‬‬
‫ﺣﯿﺚ ﻗﺎل ﺑﻦ ﻛﺜﯿﺮ ﻓﻰ ﺗﻔﺴﯿﺮ آﯾﺔ أل ﻋﻤﺮان) ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﺑﺸﺎرة اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻟﻬﺎ ﺑﺬﻟﻚ ‪ ،‬ﻋﻦ‬
‫اﷲ ‪ ،‬ﻋﺰ وﺟﻞ ‪ ،‬ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺟﺎﺗﻬﺎ ‪ ) :‬رب أﻧﻰ ﯾﻜﻮن ﻟﻲ وﻟﺪ وﻟﻢ ﯾﻤﺴﺴﻨﻲ ﺑﺸﺮ ( ﺗﻘﻮل ‪:‬‬
‫‪10‬‬
‫ﻛﯿﻒ ﯾﻮﺟﺪ ﻫﺬا اﻟﻮﻟﺪ ﻣﻨﻲ وأﻧﺎ ﻟﺴﺖ ﺑﺬات زوج وﻻ ﻣﻦ ﻋﺰﻣﻲ أن أﺗﺰوج ‪ ،‬وﻟﺴﺖ ﺑﻐﯿﺎ‬
‫؟ ﺣﺎﺷﺎ ﷲ ‪ .‬ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ اﻟﻤﻠﻚ ‪ -‬ﻋﻦ اﷲ ‪ ،‬ﻋﺰ وﺟﻞ ‪ ،‬ﻓﻲ ﺟﻮاب ﻫﺬا اﻟﺴﺆال ‪ ) : -‬ﻛﺬﻟﻚ اﷲ‬
‫ﯾﺨﻠﻖ ﻣﺎ ﯾﺸﺎء ( أي ‪ :‬ﻫﻜﺬا أﻣﺮ اﷲ ﻋﻈﯿﻢ ‪ ،‬ﻻ ﯾﻌﺠﺰه ﺷﻲء ‪ .‬وﺻﺮح ﻫﺎﻫﻨﺎ ﺑﻘﻮﻟﻪ ‪) :‬‬
‫ﯾﺨﻠﻖ ( وﻟﻢ ﯾﻘﻞ ‪ " :‬ﯾﻔﻌﻞ " ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻗﺼﺔ زﻛﺮﯾﺎ ‪ ،‬ﺑﻞ ﻧﺺ ﻫﺎﻫﻨﺎ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﯾﺨﻠﻖ ‪ ،‬ﻟﺌﻼ‬
‫‪11‬‬
‫وأﻛﺪ ذﻟﻚ ﺑﻘﻮﻟﻪ ‪ ) :‬إذا ﻗﻀﻰ أﻣﺮا ﻓﺈﻧﻤﺎ ﯾﻘﻮل ﻟﻪ ﻛﻦ ﻓﯿﻜﻮن ( أي ‪ :‬ﻓﻼ‬ ‫ﯾﺒﻘﻰ ﺷﺒﻬﺔ‬
‫ﯾﺘﺄﺧﺮ ﺷﯿﺌﺎ ) أﻧﺘﻬﻰ ( ‪.‬‬
‫ﺣﺮاﻣﺎ ﻣﺜﺎل ﺗﻔﺴﯿﺮ اﺑﻮ ﺣﯿﺎن‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ﺣﻼﻻ أو‬ ‫وﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﻓﺴﺮ أﻧﻪ ﻧﻔﻰ ﻷى ﻣﺴﺎس ﻓﻰ اﻟﻤﻄﻠﻖ‬
‫اﻟﺘﻮﺣﯿﺪى ﻓﻰ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺤﯿﻂ واﻟﺸﻮﻛﺎﻧﻰ ﻓﻰ ﻓﺘﺢ اﻟﻘﺪﯾﺮ و ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻟﺸﻌﺮاوى وﻏﯿﺮﻫﻢ ‪،‬‬
‫ﻣﺜﺎل ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻟﺸﻌﺮاوى ﺣﯿﺚ ﻗﺎل ﻓﻰ ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻵﯾﻪ اﻷوﻟﻰ ) وﻧﺮﯾﺪ أن ﻧﻘﻒ وﻗﻔﺔ ذﻫﻨﯿﺔ‬
‫ﺗﺪﺑﺮﯾﺔ ﻋﻨﺪ ﻗﻮﻟﻬﺎ‪َ } :‬ﻗﺎﻟَ ْﺖ َر ﱢب أﻧﻰ َﯾ ُﻜ ُ‬
‫ﻮن ﻟِﻲ َوﻟَ ٌﺪ َوﻟَ ْﻢ َﯾ ْﻤ َﺴ ْﺴﻨِﻲ َﺑ َﺸ ٌﺮ{ ﻓﻠﻮ أﻧﻬﺎ ﺳﻜﺘﺖ ﻋﻨﺪ‬
‫}وﻟَ ْﻢ َﯾ ْﻤ َﺴ ْﺴﻨِﻲ‬
‫ﻮن ﻟِﻲ َوﻟَ ٌﺪ{ ﻟﻜﺎن أﻣﺮا ﻣﻌﻘﻮﻻ ﻓﻲ ﺗﺴﺎؤﻟﻬﺎ‪،‬وﻟﻜﻦ إﺿﺎﻓﺘﻬﺎ َ‬ ‫ﻗﻮﻟﻬﺎ‪} :‬أﻧﻰ َﯾ ُﻜ ُ‬
‫}وﻟَ ْﻢ َﯾ ْﻤ َﺴ ْﺴﻨِﻲ َﺑ َﺸ ٌﺮ{؟ ﻫﻞ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ أﺣﺪ‪ :‬إﻧﻚ‬ ‫َﺑ َﺸ ٌﺮ{ ﺗﺜﯿﺮ ﺳﺆاﻻ ‪ ،‬ﻣﻦ أﯾﻦ أﺗﺖ ﺑﻬﺬا اﻟﻘﻮل َ‬
‫ﺳﺘﻠﺪﯾﻦ وﻟﺪا ﻣﻦ ﻏﯿﺮ أب؟ إن اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻟﻢ ﺗﺨﺒﺮﻫﺎ ﺑﺬﻟﻚ‪ ،‬ﻟﺬﻟﻚ اﻧﺼﺮف ذﻫﻨﻬﺎ إﻟﻰ ﻣﺴﺄﻟﺔ‬
‫اﻟﻤﺲ ‪ .‬إﻧﻬﺎ ﻓﻄﺮة وﻓﻄﻨﺔ اﻟﻤﻬﯿﺄة واﻟﻤﻌﺪة ﻟﻠﺘﻠﻘﻲ ﻋﻦ اﷲ‪ ،‬ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ‪) :‬اﻟﻤﺴﯿﺢ ﻋﯿﺴﻰ‬
‫اﺑﻦ ﻣﺮﯾﻢ(‪ .‬ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ‪ :‬إن ﻧﺴﺒﺘﻪ ﺑﺄﻣﺮ اﷲ ﻫﻲ ﻟﻲ‪ ،‬ﻓﻼ أب ﻟﻪ ( أﻧﺘﻬﻰ‪.‬‬
‫و ﻓﺴﺮ اﻟﺸﻌﺮاوى اﻵﯾﻪ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻓﻘﺎل ) )أَﱠﻧﻰ( اﺳﺘﻔﻬﺎم ﻋﻦ اﻟﻜﯿﻔﯿﺎت اﻟﺘﻲ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﺘﻢ ﺑﻬﺎ‬
‫اﻟﻤﺲ ﻫﻨﺎ ﻛﻨﺎﯾﺔ‬ ‫وﺗﻌﺠﺐ ﻛﯿﻒ ﯾﺤﺪث ذﻟﻚ‪ .‬وﻗﻮﻟﻪ‪َ } :‬ﯾ ْﻤ َﺴ ْﺴﻨِﻲ{ ]ﻣﺮﯾﻢ‪ّ [20 :‬‬ ‫ﱡ‬ ‫ﻫﺬه اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ‪،‬‬
‫ﻧﻔﺖ اﻟﺴﯿﺪة ﻣﺮﯾﻢ ﻛﻞ ﺻﻮر اﻟﻠﻘﺎء ﺑﯿﻦ اﻟﺬﻛﺮ واﻷﻧﺜﻰ ﺣﯿﻦ‬ ‫ﻬﺬب ﻋﻦ اﻟﻨﻜﺎح‪ ،‬وﻗﺪ ْ‬ ‫وﺗﻌﺒﯿﺮ ُﻣ ﱠ‬
‫}وﻟَ ْﻢ َﯾ ْﻤ َﺴ ْﺴﻨِﻲ َﺑ َﺸ ٌﺮ َوﻟَ ْﻢ أَ ُك َﺑ ِﻐﯿ‪‬ﺎ{ ]ﻣﺮﯾﻢ‪ [20 :‬ﻓﺎﻟﺘﻘﺎء اﻟﺬﻛﺮ ﺑﺎﻷﻧﺜﻰ ﻟﻪ‬
‫ﻗﺎﻟﺖ‪َ :‬‬

‫‪ 10‬وﻟﻤﺎذا ﻟﯿﺲ ﻓﻰ ﻋﺰﻣﻬﺎ ؟ وﻫﻞ اﻟﯿﺸﺎرة ﻓﻰ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ أم ﻋﻠﻰ وﺿﻌﻬﺎ اﻟﺤﺎﻟﻰ ؟ وإﻻ ﻟﻤﺎ ﻛﺎن وﺟﺔ إﺳﺘﻐﺮاﺑﻬﺎ‬
‫؟‬
‫‪ - 11‬إﺳﺘﻨﺎد ﺧﺎﻃﺊ ‪ ،‬اﷲ إﺳﺘﺸﻬﺪ ﺑﺨﻠﻘﻪ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻣﻦ اﻟﻌﺪم ﻋﻠﻰ وﻻدة ﯾﺤﯿﻰ ﻓﻰ ﺳﻮرة ﻣﺮﯾﻢ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) ﻫﻮ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻫﯿﻦ وﻗﺪ ﺧﻠﻘﺘﻚ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺷﯿﺌﺎ ( ‪ ،‬ﻓﺬﻟﻚ اﻹﺳﺘﺸﻬﺎد ﻫﻮ ﻋﯿﻨﺔ ﻗﻮﻟﺔ ﻟﻤﺮﯾﻢ أﻧﺔ ) ﻛﺬﻟﻚ اﷲ ﯾﺨﻠﻖ‬
‫ﻣﺎﯾﺸﺎء(‬
 ‫‪74‬‬

‫وﺣ ْﻔﻆ اﻟﻨﺴﻞ‪،‬‬

‫وﺳﺎﺋﻞ‪:‬اﻟﻮﺳﯿﻠﺔ اﻷوﻟﻰ‪ :‬ﻫﻲ اﻟﺰواج اﻟﺸﺮﻋﻲ اﻟﺬي ﺷﺮﻋﻪ اﷲ ﻟﻌﺒﺎده ﻟﻠﺘﻜﺎﺛﺮ ِ‬
‫أن ﯾﺘﻢ ﻫﺬه‬‫اﻟﻤﺲ اﻟﺤﻼل‪ .‬اﻟﻮﺳﯿﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ‪ْ :‬‬
‫وﻫﻮ إﯾﺠﺎب وﻗﺒﻮل‪ ،‬وﻋﻘﺪ وﺷﻬﺎدة‪ ،‬وﻫﺬا ﻫﻮ ّ‬
‫ﻧﻔﺖ ﻣﺮﯾﻢ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻛﻞ ﻫﺬه‬ ‫ﺼ ًﺒﺎ ﻋﻨﻬﺎ‪ .‬وﻗﺪ ْ‬
‫اﻟﻠﻘﺎء ﺑﺼﻮرة ﻣﺤﺮﻣﺔ ﺑﻤﻮاﻓﻘﺔ اﻷﻧﺜﻰ أو َﻏ ْ‬
‫}وﻟَ ْﻢ َﯾ ْﻤ َﺴ ْﺴﻨِﻲ َﺑ َﺸ ٌﺮ{ ]ﻣﺮﯾﻢ‪ [20 :‬ﻻ ﻓﻲ اﻟﺤﻼل‪ ،‬وﻻ ﻓﻲ اﻟﺤﺮام‪ ،‬وأﻧﺎ‬
‫اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻓﻘﺎﻟﺖ‪َ :‬‬
‫ﺑﺬاﺗﻲ }ﻟَ ْﻢ أَ ُك َﺑ ِﻐﯿ‪‬ﺎ{ ]ﻣﺮﯾﻢ‪ [20 :‬إذن‪ :‬ﻓﻤﻦ أﯾﻦ ﻟﻲ ﺑﺎﻟﻐﻼم؟ أﻧﺘﻬﻰ ‪.‬‬

‫ﻓﻰ اﻟﺒﺪاﯾﺔ وﺑﻐﺾ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﻣﻌﻨﻰ ﻧﻔﻰ ﻣﺲ ﻣﻦ اﻟﺒﺸﺮ ) إن ﻛﺎن ﻧﻔﻰ اﻟﺰواج أو ﻧﻔﻰ‬
‫اﻟﻤﺲ اﻟﺠﺴﺪى ﺑﺠﻤﯿﻊ أﻧﻮاﻋﻪ ( ﻓﻤﺠﺮد ﻧﻔﻰ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﯾﻌﻨﻰ أن ﻣﺮﯾﻢ ﻓﻬﻤﺖ ﻣﻦ اﻟﺒﺸﺎرة‬
‫أﻧﻪ ﺳﯿﻜﻮن ﻟﻬﺎ وﻟﺪ ﻣﻦ ﻋﻼﻗﺔ ﻃﺒﯿﻌﯿﺔ وﻟﯿﺲ ﺣﻤﻞ إﻋﺠﺎزى ‪ .‬ﻷﻧﻬﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻬﻤﺖ أﻧﻪ‬
‫ﺣﻤﻞ أﻋﺠﺎزى ﻟﻔﻬﻤﺖ أﻧﻪ ﺳﯿﻜﻮن ﺑﻘﺪرة اﷲ وﻟﯿﺲ ﻋﺒﺮ ﻣﺴﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﺸﺮ ﻓﻠﻦ ﯾﻜﻮن ﻟﻨﻔﯿﻬﺎ‬
‫ذﻟﻚ ﻗﯿﻤﺔ ‪ ،‬واﻟﺸﻌﺮاوى ذاﺗﻪ أﻋﺘﺮف ﺑﺬﻟﻚ ﻓﺴﺄل ﺳﺆال وﺣﺎول اﻹﻟﺘﻔﺎف ﻋﻠﻰ اﻹﺟﺎﺑﺔ ‪،‬‬
‫ﺣﯿﻦ ﻗﺎل ﻓﻰ ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻵﯾﺔ اﻷوﻟﻰ) ﻓﻠﻮ أﻧﻬﺎ ﺳﻜﺘﺖ ﻋﻨﺪ ﻗﻮﻟﻬﺎ‪} :‬أﻧﻰ َﯾ ُﻜ ُ‬
‫ﻮن ﻟِﻲ َوﻟَ ٌﺪ{ ﻟﻜﺎن‬
‫أﻣﺮا ﻣﻌﻘﻮﻻ ﻓﻲ ﺗﺴﺎؤﻟﻬﺎ ( ‪ ،‬اﻟﺸﻌﺮاوى ﻫﻨﺎ ﯾﺘﻤﻨﻰ ﻟﻮ أﻧﻬﺎ ﺳﻜﺘﺖ ‪ .‬ﺛﻢ ﻗﺎل اﻟﺸﻌﺮاوى‬
‫أن اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻟﻢ ﺗﺨﺒﺮﻫﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺳﺘﻠﺪ ﻃﻔﻞ ﺑﻼ أب ‪ ،‬ﻟﺬﻟﻚ اﻧﺼﺮف ذﻫﻨﻬﺎ إﻟﻰ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﻤﺲ !‬
‫وﻫﺬا إﻟﺘﻔﺎف ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮاوى ﻷﻧﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﯾﻘﻮل أن ﻣﺮﯾﻢ ﻟﻢ ﺗﻔﻬﻢ ﺑﺸﺎرة اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻟﺬﻟﻚ أﻧﺼﺮف‬
‫ذﻫﻨﻬﺎ ﻟﻠﻤﺲ اﻟﻄﺒﯿﻌﻰ ) ﺣﺘﻰ ﯾﻌﻠﻞ ﻟﻤﺎذا ذﻛﺮت اﻟﻤﺲ اﻟﻄﺒﯿﻌﻰ ( ﺛﻢ ﻗﺎل أﻧﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ أن ﻧﺴﺒﺘﻪ‬
‫ﻟﻰ ﻓﻼ أب ﻟﻪ ! أى أﺳﺘﺸﻔﺖ ﻣﻦ ﻛﻼم اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ‪ .‬ﻓﻜﯿﻒ ﻟﻢ ﺗﺨﺒﺮﻫﺎ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ رﻏﻢ أﻧﻬﺎ‬
‫أﺳﺘﺸﻔﺖ ﻣﻦ ﻛﻼﻣﻬﻢ ! ﻓﻬﻞ ﺟﺎءوﻫﺎ ﻟﯿﺒﺸﺮوﻫﺎ أم ﻟﺘﺴﺘﺸﻒ ﻣﻨﻬﻢ ! ﺛﻢ ﺿﺮب اﻟﺸﻌﺮاوى‬
‫ﻋﺼﻔﻮر أﺧﺮ ﺑﻨﻔﺲ اﻹﻟﺘﻔﺎف ‪ ،‬ﺣﯿﻨﻤﺎ أدﻋﻰ ﺑﺄن ﻧﺴﺒﺔ ﻋﯿﺴﻰ إﻟﻰ ﻣﺮﯾﻢ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﺸﺎرة‬
‫ﯾﻌﻨﻰ أﻧﻪ ﻣﻮﻟﻮد ﺑﻼ أب وﺑﻤﻌﺠﺰة إﻟﻬﯿﺔ وأن ﻣﺮﯾﻢ ﻓﻬﻤﺖ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺒﺸﺎرة ‪ ،‬و ﻫﺬا ﺗﻠﻔﯿﻖ‬
‫ﻣﺤﺾ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎذا ﻻ ﯾﻌﻮد ﻫﺬا اﻟﻨﺴﺐ ﻟﺴﺒﺐ أﺧﺮ ‪ ،‬أﻧﻬﺎ أﻗﺎﻣﺖ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﻊ رﺟﻞ أﺣﺒﺘﻪ دون‬
‫زواج رﺳﻤﻰ ﻣﻮﺛﻖ أو ﻋﻠﻨﻰ ‪ ،‬وﻟﻜﻨﻪ ﺗﺨﻠﻰ ﻋﻨﻬﺎ وﻟﻢ ﯾﺮد اﻹﻋﺘﺮاف ﺑﺎﻟﻄﻔﻞ ‪ ،‬وﻫﺬا ﻟﯿﺲ‬
‫ﺑﻐﺎء ﺣﺘﻰ ﻻ ﯾﺨﺘﻠﻂ اﻷﻣﺮ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺒﻐﺎء ﯾﻜﻮن ﺑﺄﺟﺮ و ﻟﯿﺲ أﻧﻬﺎ أﺣﺒﺖ ﺷﺨﺺ ‪ .‬ﻓُﻨﺴﺐ اﷲ‬
‫اﻟﻄﻔﻞ ﻟﻬﺎ وﺳﺎﻣﺤﻬﺎ وآﺗﻰ اﻟﺘﺒﺸﯿﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ دﻋﻮة ﻟﺌﻼ ﺗﺠﻬﺾ اﻟﻄﻔﻞ وأن ردﻫﺎ ﻛﺎن‬
‫إﺳﺘﻨﻜﺎر أن ﯾﺄﺗﻰ ﻟﻬﺎ ﻣﻮﻟﻮد ﺑﻬﺬه اﻟﻄﺮﯾﻘﺔ و ﻣﺎ ﯾﺆﻛﺪ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ أن ﻧﻔﻰ اﻟﻤﺲ ﻫﻮ ﻧﻔﻰ ﻣﺲ‬
‫ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﺰواج اﻟﺸﺮﻋﻰ وﻟﯿﺲ ﻣﺲ ﻧﻔﻰ ﺑﻜﻞ أﻧﻮاﻋﻪ ‪.‬‬
 ‫‪75‬‬

‫ﻓﺈذا أﺧﺬﻧﺎ ﺑﺘﻔﺴﯿﺮ أﺑﻮ ﺣﯿﺎن واﻟﺸﻌﺮاوى وﻏﯿﺮﻫﻢ ﻣﻤﻦ ﻓﺴﺮوا أن ﻧﻔﻰ اﻟﻤﺲ ﻓﻰ ﺳﻮرة أل‬
‫ﻋﻤﺮان ﻓﻰ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َﻗﺎﻟَ ْﺖ َر ﱢب أَﱠﻧﻰ َﯾ ُﻜ ُ‬
‫ﻮن ﻟِﻲ َوﻟَ ٌﺪ َوﻟَ ْﻢ َﯾ ْﻤ َﺴ ْﺴﻨِﻲ َﺑ َﺸ ٌﺮ ( ﺑﺄﻧﺔ ﻧﻔﻰ ﻣﺲ‬
‫ﺑﺎﻟﻌﻤﻮم و ﺗﻘﺼﺪ أﻧﻰ ﯾﻜﻮن ﻟﻰ وﻟﺪ وﻟﻢ أﻗﯿﻢ ﻋﻼﻗﺔ ﺟﺴﺪﯾﺔ ﻣﻊ رﺟﻞ ‪.‬‬
‫ﻓﺈن ذﻟﻚ ُﯾﻮﺟﺪ ﻋﺪة إﺷﻜﺎﻟﯿﺎت‬
‫أوﻟﻬﺎ ‪ ،‬أن ﻣﺮﯾﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﺗﺴﺎوى ﺑﯿﻦ أن ﯾﻜﻮن ﻟﻬﺎ وﻟﺪ ﻣﻦ ﻋﻼﻗﺔ ﻓﻰ اﻟﺤﻼل وﺑﯿﻦ أن ﯾﻜﻮن‬
‫ﻟﻬﺎ وﻟﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﺮام ! ﻗﺪ ﯾﻘﻮل اﻟﺒﻌﺾ أﻧﻬﺎ ﻓﻬﻤﺖ أﻧﻬﺎ ﺳﺘﺤﻤﻞ ﺣﻤﻞ ﺑﺪون ﻣﺲ رﺟﻞ ﻟﺬﻟﻚ‬
‫ﻛﺎن وﺟﻪ إﺳﺘﻐﺮاﺑﻬﺎ ﻫﻮ ﻫﺬا اﻟﻘﻮل ‪ ،‬وﺣﺘﻰ ﻟﻮ واﻓﻘﻨﺎ وﻗﻠﻨﺎ أﻧﻬﺎ ﻓﻬﻤﺖ أﻧﻬﺎ ﺳﺘﺤﻤﻞ ﺑﺪون‬
‫رﺟﻞ ﺳﺘﻈﻞ اﻟﺠﻤﻠﺔ ﻏﯿﺮ ﻣﺴﺘﺴﺎﻏﺔ ﺑﺄن ﺗﺴﺎوى ﺑﯿﻦ اﻟﺤﺎﻟﺘﯿﻦ اﻟﺘﻰ ﻗﻠﻨﺎ ﻋﻠﯿﻬﻢ ‪.‬‬

‫ﺛﺎﻧﯿﻬﺎ ‪ ،‬إذا أﻓﺘﺮﺿﻨﺎ أن ﻣﺮﯾﻢ ﺗﻀﻊ ﻓﻰ ذﻫﻨﻬﺎ و ﺗﻌﻠﻢ ﺑﺎﻟﻀﺮورة إﻣﻜﺎﻧﯿﺔ أن ﺗﺤﻤﻞ إﻣﺮاة‬
‫ﺑﺪون ﻣﺲ ﺟﺴﺪى ﻣﻦ رﺟﻞ ﻋﺒﺮ اﻟﺘﻠﻘﯿﺢ اﻷﺻﻄﻨﺎﻋﻲ وﻫﻮ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﻌﺎرف ﻋﻠﯿﻪ ﻓﻰ ﻛﻞ‬
‫زﻣﻦ وﻟﯿﺲ ﺑﻨﺤﻮ ﻣﻌﺠﺰة ‪ ،‬ﺳﯿﺒﻘﻰ ﻣﻌﻨﻰ اﻵﯾﺔ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻨﺤﻮ أﯾﻀﺎ ﺑﺔ ﺧﻠﻞ وﻫﻮ أن ﻧﻔﻰ‬
‫أن ﯾﻜﻮن ﻟﻬﺎ وﻟﺪ ﺑﺪون ﻣﺲ ﺟﺴﺪى ﻣﻦ رﺟﻞ ﺑﻪ ﻗﺼﻮر ﻋﻦ اﻹﺣﺎﻃﺔ ﺑﺤﺎﻟﺔ اﻟﺘﻠﻘﯿﺢ ‪.‬‬
‫ﺛﺎﻟﺜﻬﺎ ‪ ،‬ﻫﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ) وﻫﻮ ﻧﻔﻰ اﻟﻤﺲ ﺑﺎﻟﻤﻄﻠﻖ( ﺳﯿﺠﻌﻞ ﻓﻰ اﻵﯾﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﺗﻜﺮار ﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻪ‬
‫ﻷن ﻧﻔﻰ أﻧﻪ ﻟﻢ ﯾﻤﺴﺴﻬﺎ رﺟﻞ ﺑﺎﻟﻌﻤﻮم ﺷﻤﻞ أﻧﻬﺎ ﻟﯿﺴﺖ ﺑﻐﻰ ‪ ،‬وﻫﺬة اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ذﻛﺮﻫﺎ ﻋﺪد‬
‫ﻣﻦ اﻟﻤﻔﺴﺮﯾﻦ ﻣﻨﻬﻢ‬
‫اﻟﻔﺨﺮ اﻟﺮازى ﻓﻰ ﺗﻔﺴﯿﺮه ﻣﻔﺎﺗﯿﺢ اﻟﻐﯿﺐ ﻓﻘﺎل ) اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ‪ :‬ﻟﻘﺎﺋﻞ أن ﯾﻘﻮل ‪ :‬ﻗﻮﻟﻬﺎ ‪:‬‬
‫) وﻟﻢ ﯾﻤﺴﺴﻨﻲ ﺑﺸﺮ ( ﯾﺪﺧﻞ ﺗﺤﺘﻪ ﻗﻮﻟﻬﺎ ‪ ) :‬وﻟﻢ أك ﺑﻐﯿﺎ ( ﻓﻠﻤﺎذا أﻋﺎدﺗﻬﺎ وﻣﻤﺎ ﯾﺆﻛﺪ ﻫﺬا‬
‫اﻟﺴﺆال أن ﻓﻲ ﺳﻮرة آل ﻋﻤﺮان ﻗﺎﻟﺖ ‪ ) :‬رب أﻧﻰ ﯾﻜﻮن ﻟﻲ وﻟﺪ وﻟﻢ ﯾﻤﺴﺴﻨﻲ ﺑﺸﺮ ﻗﺎل‬
‫ﻛﺬﻟﻚ اﷲ ﯾﺨﻠﻖ ﻣﺎ ﯾﺸﺎء ( ) ‪ (47‬ﻓﻠﻢ ﺗﺬﻛﺮ اﻟﺒﻐﺎء ‪ ( ،‬إﻧﺘﻬﻰ‬
‫وإذا ﻗﻠﻨﺎ ﺑﺄن ﻧﻔﻰ اﻟﻤﺲ ﻣﻦ ﺑﺸﺮ ﻫﻮ ﻧﻔﻰ ﻣﺲ ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﺤﺮام ﻓﻘﻂ ‪ ،‬ﻓﻬﺬا ﻟﻦ ﯾﺴﺘﻘﯿﻢ‬
‫ً‬
‫ﺣﺮاﻣﺎ ) ﻛﺄن‬ ‫ﻣﻌﻪ ﻣﻌﻨﻰ اﻵﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﻷﻧﻪ ﺳﯿﻜﻮن رﺑﻂ ﺑﯿﻦ أن ﯾﻜﻮن ﻟﻠﻤﺮأة وﻟﺪ وأن ﺗﺄﺗﻰ‬
‫اﻟﻮﻟﺪ ﯾﺘﺄﺗﻰ ﻣﻦ اﻟﺤﺮام ( ‪،‬‬
‫وﻛﺬﻟﻚ إذا أﻓﺘﺮاﺿﻨﺎ أن ﻧﻔﻰ اﻟﻤﺲ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻧﻔﻰ اﻹﻏﺘﺼﺎب ﺳﯿﻜﻮن اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻓﻰ آﯾﻪ أل‬
‫ﻋﻤﺮان ﯾﺮﺑﻂ ﺑﯿﻦ ﻛﻮن أن ﯾﻜﻮن ﻟﻠﻤﺮأة وﻟﺪ وأن ﺗﺘﻌﺮض ﻹﻏﺘﺼﺎب!‬
 ‫‪76‬‬

‫ﻣﺮﯾﻢ أم ﻋﺰﺑﺎء‬

‫أﻣﺎ ﺗﻔﺴﯿﺮ ﺑﻦ ﻛﺜﯿﺮ وﻏﯿﺮه ‪ ،‬ﻟﻘﻮﻟﺔ ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َﻗﺎﻟَ ْﺖ َر ﱢب أَﱠﻧﻰ َﯾ ُﻜ ُ‬

‫ﻮن ﻟِﻲ َوﻟَ ٌﺪ َوﻟَ ْﻢ َﯾ ْﻤ َﺴ ْﺴﻨِﻲ َﺑ َﺸ ٌﺮ‬
‫ً‬
‫ﺳﺎﺑﻘﺎ ‪،‬‬ ‫( ‪ ،‬ﺑﻤﻌﻨﻰ آﻧﻰ ﯾﻜﻮن ﻟﻰ وﻟﺪ وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﻰ زوج ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﺣﻞ ﻟﻺﺷﻜﺎﻻت اﻟﻤﻄﺮوﺣﺔ‬
‫ﻓﯿﻨﺘﻔﻰ أﻧﻬﺎ ﺗﺴﺎوى ﺑﯿﻦ أن ﯾﻜﻮن وﻟﺪ ﻣﻦ ﺣﺮام أو ﺣﻼل ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻦ اﻟﺤﻼل و اﻟﺤﺮام‬
‫ﺗﺤﺪﯾﺪا‪ .‬وﻛﺬﻟﻚ ﯾﺤﻞ إﺷﻜﺎﻟﯿﺔ أن ﻣﺲ ﺟﺴﺪى ﻣﻦ رﺟﻞ ﺑﺎﻟﻌﻤﻮم ﻻ ﯾﺤﯿﻂ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﯿﺔ ﺣﻤﻞ‬
‫إﺻﻄﻨﺎﻋﻰ ‪ ،‬ﻓﺒﻨﻔﻰ اﻟﺰواج اﻟﺸﺮﻋﻰ ﻫﻰ ﻻ ﺗﻌﻤﻢ ﻛﻞ ﻃﺮق اﻹﻧﺠﺎب ‪ .‬وﻛﺬﻟﻚ أﻻ ﯾﺒﺪو‬
‫ﻧﻔﻰ اﻟﺒﻐﺎء ﻓﻰ اﻵﯾﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﺗﻜﺮار ‪ ،‬وﺣﺘﻰ أن ﻓﻰ ﺗﻜﻤﻠﺔ ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻟﺮازى ﻗﺎل أن أﺣﺪ اﻷوﺟﻪ‬
‫ﻟﺤﻞ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﺘﻜﺮار ﻫﻮ أن ﯾﻜﻮن ﻣﻌﻨﻰ ﻧﻔﻰ اﻟﻤﺲ ﻫﻮ ﻧﻔﻰ ﻣﺲ ﻣﻦ زوج ﺷﺮﻋﻰ ‪ ،‬ﻷﻧﻪ‬
‫ﺳﯿﻜﻮن ﻣﻌﻨﻰ اﻵﯾﺔ أﻧﻰ ﯾﻜﻮن ﻟﻰ وﻟﺪ وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﻰ زوج ﺷﺮﻋﻰ وﻟﻢ أك ﺑﻐﯿﺎ ‪ ،‬ﻓﯿﻨﺘﻔﻰ‬
‫اﻟﺘﻜﺮار ‪ ،‬وﻫﻜﺬا ﻓﺄن ﻣﺮﯾﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻔﺖ أﻧﻪ ﻟﻢ ﯾﻤﺴﺴﻬﺎ زوج ﻓﻰ اﻵﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﻓﻬﺬا رﻓﺾ‬
‫أن ﺗﺄﺗﻰ ﺑﻄﻔﻞ ﺑﻬﺬة اﻟﻄﺮﯾﻘﺔ ) إﻗﺎﻣﺔ ﻋﻼﻗﺔ ﻏﯿﺮ ﻋﻠﻨﯿﺔ ﻣﻊ رﺟﻞ أﺣﺒﺘﻪ (‬
‫وأﺗﻰ ﻧﻔﻰ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺑﻐﻰ ﻓﻰ اﻵﯾﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻟﺰﯾﺎدة اﻹﯾﻀﺎح ﻓﻨﺤﻦ ﻓﻬﻤﻨﺎ ﻣﻦ ﺗﺒﺸﯿﺮ اﷲ أﻧﻬﺎ‬
‫ﻟﻢ ﺗﺄﺗﻰ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺣﺮام ‪ ،‬ﻓﻬﻨﺎك ﻓﺮق ﺑﯿﻦ ﺑﻐﻰ ﺗﺒﯿﻊ ﺟﺴﺪﻫﺎ وﺑﯿﻦ إﻣﺮأة أﺣﺒﺖ ‪ ،‬ﺑﯿﻦ اﻣﺮأة‬
‫ﻣﺘﺰوﺟﺔ ﻓﺨﺎﻧﺖ زوﺟﻬﺎ وإﻣﺮاة ﻏﯿﺮ ﻣﺘﺰوﺟﺔ ﻛﻤﺮﯾﻢ ‪ .‬وﻫﺬه ﻟﯿﺴﺖ ﺟﺮﯾﻤﺔ ﻟﺘﻌﺎﻗﺐ ﻋﻠﯿﻬﺎ‬
‫وﻻ ﺗﺤﺘﺎج ﻟﺘﻜﻠﻢ رﺿﯿﻊ ﻟﯿﻨﻘﺬﻫﺎ ‪ ،‬وﻟﯿﺴﺖ وﺻﻤﺔ ﻋﺎر إﻻ ﻟﻠﺮﺟﻞ اﻟﺬى ﺧﺎﻧﻬﺎ ‪ .‬وﻣﻦ‬
‫ﺿﻮء ﻣﺎ ﻓﻬﻤﻨﺎه ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ ﻧﺴﺘﻄﯿﻊ ان ﻧﻔﻬﻢ أن ﻗﺼﺔ ﺣﻤﻞ ﻣﺮﯾﻢ ﻓﻰ إﻧﺠﯿﻞ‬
‫ﻣﺘﻰ اﻹﺻﺤﺎح اﻷول ‪.‬‬
‫آﯾﺔ ‪ :18‬اﻣﺎ وﻻدة ﯾﺴﻮع اﻟﻤﺴﯿﺢ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻫﻜﺬا‪.‬ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺮﯾﻢ اﻣﻪ ﻣﺨﻄﻮﺑﺔ ﻟﯿﻮﺳﻒ ﻗﺒﻞ ان‬
‫ﯾﺠﺘﻤﻌﺎ وﺟﺪت ﺣﺒﻠﻰ ﻣﻦ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس‪ (19) .‬ﻓﯿﻮﺳﻒ رﺟﻠﻬﺎ اذ ﻛﺎن ﺑﺎرا وﻟﻢ ﯾﺸﺄ ان‬
‫ﺳﺮا )‪" :(20‬وﻟﻜﻦ ﻓﯿﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺘﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻷﻣﻮر‪ .‬إذا ﻣﻼك اﻟﺮب‬ ‫ﯾﺸﻬﺮﻫﺎ اراد ﺗﺨﻠﯿﺘﻬﺎ ّ‬
‫ﻗﺎﺋﻼ‪" :‬ﯾﺎ ﯾﻮﺳﻒ اﺑﻦ داود‪ ،‬ﻻ ﺗﺨﻒ أن ﺗﺄﺧﺬ ﻣﺮﯾﻢ اﻣﺮأﺗﻚ‪ .‬ﻷن اﻟﺬي‬ ‫ﻗﺪ ﻇﻬﺮ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺣﻠﻢ ً‬
‫ﺣﺒﻞ ﺑﻪ ﻓﯿﻬﺎ ﻫﻮ ﻣﻦ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس"‪-".‬‬
 ‫‪77‬‬

‫ﻣﺎ ﻧﺴﺘﺸﻔﻪ ﻫﻨﺎ ان رﺟﻞ ﻣﺮﯾﻢ ذاﺗﻪ أو ﺧﻄﯿﺒﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﺗﻘﻮل اﻟﺪﯾﺎﻧﺔ اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﺔ ) وﻫﻮ ﻓﻰ‬
‫ﻧﻈﺮﻫﻢ ﺧﻄﯿﺒﻬﺎ ﺣﯿﻦ ﺣﻤﻠﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ( ﻛﺎن ﯾﻌﺘﻘﺪ أن ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺘﻪ ﻣﺮﯾﻢ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺷﺮﻋﯿﺎ‬
‫وﻟﻜﻨﺔ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﯾﺮد أن ﯾﺸﻬﺮ ﺑﻬﺎ ‪ ،‬وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أدرك اﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﯿﻘﺘﻪ ﺑﻮﺣﻰ ﯾﺆﻛﺪ ﻣﺎ‬
‫ذﻫﺐ إﻟﯿﻪ أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺴﺘﻮﺟﺐ ﺗﺸﻬﯿﺮ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻟﯿﺲ ﻋﻠﯿﻬﺎ ذﻧﺐ ‪ ،‬واﻟﻮﺣﻰ ﻫﻨﺎ أﺗﻰ ﻹﻇﻬﺎر‬
‫وﺟﻮب ﻣﺴﺎﻣﺤﺘﻬﺎ ‪ ،‬وﻗﻮل اﻟﻨﺺ ﻟﯿﻮﺳﻒ أن ﻻ ﯾﺨﻒ أن ﯾﺄﺧﺬ ﻣﺮﯾﻢ إﻣﺮأة ﻟﻪ ﯾﻌﻨﻰ أن‬
‫ﻣﺮﯾﻢ ﺗﺰوﺟﺖ ﯾﻮﺳﻒ اﻟﻨﺠﺎر ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ وأن ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻤﺴﯿﺢ ﻟﯿﻮﺳﻒ اﻟﻨﺠﺎر ﻫﻰ ﻋﻠﻰ إﻋﺘﺒﺎر‬
‫أﻧﺔ زوج أﻣﻪ ‪ ،‬وﻫﺬا ﻟﯿﺲ ﺑﻪ ﺗﻨﺎﻗﺾ ﻓﺎﻟﻨﺴﺐ ﻫﻨﺎ ﻧﺴﺐ ﺗﺒﻨﻰ ‪،‬‬
‫وﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻮم ﻓﺎﻟﻤﻌﺎﻧﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻫﻰ ﻣﺎ ﺑﺎﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻲ أن ﻣﺮﯾﻢ ﻟﯿﺴﺖ ﺑﻐﻰ وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻘﯿﻢ‬
‫ﻋﻼﻗﺔ ﻋﻠﻨﯿﺔ ‪ ،‬و اﻟﻮﺣﻰ ﻟﯿﻮﺳﻒ ﻓﻰ اﻹﻧﺠﯿﻞ واﻟﺒﺸﺎرة ﻟﻬﺎ ﻓﻰ اﻟﻘﺮآن ﺗﺴﺎﻣﺤﺎ ﻣﻦ اﷲ‬
‫ﻣﻌﻬﺎ وﻣﻊ ﻣﻦ ﻓﻰ ﻣﺜﻞ ﻣﻮﻗﻔﻬﺎ ﻓﻬﻰ أم ﻋﺰﺑﺎء ‪ .‬وﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن رد ﻣﻦ ﺗﻤﺜﻞ ﻟﻬﺎ ﺑﺸﺮا ﺳﻮﯾﺎ ﻓﻰ‬
‫اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ ﻫﻮ ) و رﺣﻤﺔ ﻣﻨﺎ وﻛﺎن اﻣﺮا ﻣﻘﻀﯿﺎ ( واﻟﺮﺣﻤﺔ ﻫﻨﺎ ﻋﺎﺋﺪة ﻋﻠﻰ وﻻدﺗﻪ‬
‫وﻃﺮﯾﻘﺘﻬﺎ وﻟﯿﺲ ﻛﻮن اﻟﻄﻔﻞ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻧﺒﻰ ورﺳﻮل ‪ .‬أى أن ﻣﻦ اﻟﺮﺣﻤﺔ أن ﯾﺘﺴﺎﻣﺢ اﷲ ﻣﻊ‬
‫وﻻدة ﺑﻬﺬه اﻟﻄﺮﯾﻘﺔ ‪.‬وﻫﺬا ﯾﺪل ﻋﻠﻰ ﺗﺴﺎﻣﺢ اﷲ ﻣﻊ اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻰ ﺗﻜﻮن ﺿﺤﯿﺔ ﻹﺗﻬﺎم ﻣﺠﺘﻤﻊ‬
‫ﺑﻼ ﻋﻘﻞ ﯾﻌﺘﺒﺮ أن اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻐﯿﺮ ﻣﻌﻠﻨﻪ ﻗﻀﯿﺔ ﺷﺮف ﻟﻠﻤﺮأة وﻟﯿﺲ ﻗﻀﯿﺔ ﺷﺮف ﻟﻠﺮﺟﻞ اﻟﺬى‬
‫ﯾﺨﺬل اﻟﻤﺮأة ‪ ،‬ﻓﻠﻮﻻ ﻫﺬا اﻟﺘﺨﺎذل ﻟﻜﺎﻧﺎ ﻓﻰ ﻋﺪاد اﻟﺰوﺟﯿﻦ إذا أﻋﻠﻨﺎ اﻟﻌﻼﻗﺔ وﺗﻢ ﺗﻮﺛﯿﻘﻬﺎ‬
‫وﻟﺬﻟﻚ وﺻﻒ اﻟﻘﺮآن ﻣﻦ ﻧﻌﺖ ﻣﺮﯾﻢ ﺑﺎﻟﺒﻐﺎء ﺣﯿﻨﻬﺎ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻛﺎﻓﺮون ) دﻟﯿﻞ أﺧﺮ أن اﻟﻄﻔﻞ ﻟﻢ‬
‫ﯾﺘﻜﻠﻢ وﻫﻮ رﺿﯿﻊ ﻷن ﻟﻮ ﻛﺎن ﺗﻜﻠﻢ ﻓﻠﻦ ﯾﻜﻮن ﻫﻨﺎك وﺟﺔ ﻹﺗﻬﺎﻣﻬﺎ وﻟﻤﺎ ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﻣﻦ‬
‫ﯾﺘﻬﻤﻬﺎ ( ‪ .‬وﻓﻬﻢ اﻵﯾﺎت ﺑﻬﺬا اﻟﺘﺼﻮر ﯾﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﻣﺮﯾﻢ أم ﺣﻘﯿﻘﯿﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ اﻷﻣﻮﻣﺔ وﻟﯿﺲ‬
‫ﻣﺠﺮد إﻣﺮأه أﺟﺮت رﺣﻤﻬﺎ ﻟﻤﯿﻼد ﻣﺨﻠﻮق ﺧﺮاﻓﻰ ﺑﻼ أب ‪ ،‬وﻧﻌﻰ ﺑﺬﻟﻚ أن اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ‬
‫ﻟﯿﺲ ﺑﺔ ﻣﻜﺎن ﻟﺘﻔﺴﯿﺮات ﻏﯿﺮ ﻋﻘﻼﻧﯿﺔ ﺣﺘﻰ أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ذاﺗﺔ ﻋﻠﻞ ﻛﻮﻧﻪ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﺔ وﻟﺪ ﻷﻧﻪ‬
‫ض أَﱠﻧﻰ َﯾ ُﻜ ُ‬
‫ﻮن ﻟَ ُﻪ َوﻟَ ٌﺪ َوﻟَ ْﻢ‬ ‫ﺎو ِ ْ َ‬
‫ات َواﻷ ْر ِ‬ ‫اﻟﺴ َﻤ َ‬
‫ِﯾﻊ ﱠ‬
‫ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﻪ ﺻﺎﺣﺒﺔ ‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َﺑﺪ ُ‬
‫ﺎﺣ َﺒ ٌﺔ َو َﺧﻠَ َﻖ ُﻛ ﱠﻞ َﺷ ْﻲ ٍء َو ُﻫ َﻮ ِﺑ ُﻜ ﱢﻞ َﺷ ْﻲ ٍء َﻋﻠِﯿ ٌﻢ )‪ (101‬اﻟﺒﻘﺮة‪.‬‬
‫ﺻ ِ‬‫َﺗ ُﻜ ْﻦ ﻟَ ُﻪ َ‬

‫) ﻓﺘﻤﺜﻞ ﻟﻬﺎ ﺑﺸﺮاً ﺳﻮﯾﺎ (‬

 ‫‪78‬‬

‫ﻣﻦ ﺗﺤﺪث ﻣﻊ ﻣﺮﯾﻢ ﻓﻰ ﺳﻮرة آل ﻋﻤﺮان ﻫﻢ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻓﻘﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) إِ ْذ َﻗﺎﻟَ ِﺖ ْاﻟ َﻤ َﻼ ِﺋ َﻜ ُﺔ َﯾﺎ‬
‫ْﻦ َﻣ ْﺮ َﯾ َﻢ ( آل ﻋﻤﺮان ‪ ،‬وﻗﻠﻨﺎ أن‬ ‫ﯿﺴﻰ اﺑ ُ‬ ‫ﯿﺢ ِﻋ َ‬‫اﺳ ُﻤ ُﻪ ْاﻟ َﻤ ِﺴ ُ‬ ‫َﻣ ْﺮ َﯾ ُﻢ إ ﱠن ﱠ‬
‫اﷲَ ُﯾ َﺒ ﱢﺸ ُﺮ ِك ِﺑ َﻜﻠِ َﻤ ٍﺔ ِﻣ ْﻨ ُﻪ ْ‬ ‫ِ‬
‫ذﻟﻚ ﻛﺎن ﺑﺸﺎرة ﺑﻌﯿﺴﻰ وأن اﻟﺒﺸﺎرة إﺑﻼغ ﺑﺎﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻣﻊ ﺣﺎﻟﻬﺎ ‪ ،‬و ﻣﻦ ﺗﺤﺪث ﻣﻌﻬﺎ ﻓﻰ‬
‫ﺳﻮرة ﻣﺮﯾﻢ ﻓﺘﺬﻛﺮ اﻵﯾﺎت أن ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﺗﻤﺜﻞ ﻟﻬﺎ ﺑﺸﺮاً ﺳﻮﯾﺎ ‪ ،‬ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َﻓﺎﱠﺗ َﺨ َﺬ ْت ﻣ ْ‬
‫ِﻦ‬
‫وﺣ َﻨﺎ َﻓ َﺘ َﻤﱠﺜ َﻞ ﻟَ َﻬﺎ َﺑ َﺸ ًﺮا َﺳﻮﯾ‪‬ﺎ )‪َ (17‬ﻗﺎﻟَ ْﺖ إﱢﻧﻲ أَ ُﻋ ُ‬
‫ِﻬ ْﻢ ِﺣ َﺠﺎﺑًﺎ َﻓَﺄ ْر َﺳْﻠ َﻨﺎ إِﻟَ ْﯿ َﻬﺎ ُر َ‬
‫ﺎﻟﺮ ْﺣ َﻤ ِﻦ‬
‫ﻮذ ِﺑ ﱠ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُدوﻧ ِ‬
‫ﻷ َﻫ َﺐ ﻟَ ِﻚ ُﻏ َﻼ ًﻣﺎ َز ِﻛﯿ‪‬ﺎ )‪ ( (19‬ﻣﺮﯾﻢ‬ ‫ﱢﻚ ِ َ‬ ‫ﺎل إﱠﻧ َﻤﺎ أََﻧﺎ َر ُﺳ ُ‬ ‫ُ‬
‫ﻮل َرﺑ ِ‬ ‫ِﻣ ْﻨ َﻚ إِ ْن ﻛ ْﻨ َﺖ َﺗ ِﻘﯿ‪‬ﺎ )‪َ (18‬ﻗ َ ِ‬
‫أﯾﻀﺎ ؟ ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﺸﺎرة ﺑﺤﻤﻞ اﻟﻄﻔﻞ ﻻ‬ ‫ً‬ ‫ﻓﻬﻞ ﯾﻜﻮن ﻣﻦ ﺗﻤﺜﻞ ﻟﻬﺎ ﺑﺸﺮ ﻫﻮ أﺣﺪ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ‬
‫‪12‬‬
‫ﺗﺤﺘﺎج إﻻ اﻹﺑﻼغ ﻓﻠﻤﺎذا ﻫﺬا اﻟﺘﻤﺜﻞ ﺑﺸﺮ ﻣﻦ ﻣﻼك ؟ وﻛﺬﻟﻚ إذا ﻛﺎن ﻣﺤﺪﺛﻬﺎ ﻣﻼك‬
‫ﻟﻤﺎذا ﻗﺎل ﻟﻬﺎ )أﻧﻤﺎ أﻧﺎ رﺳﻮل رﺑﻚ ﻷﻫﺐ ﻟﻚ ( وﻟﯿﺲ رﺳﻮل رﺑﻚ ﻷﺑﻠﻐﻚ ﺑﻮﻫﺒﻪ ﻏﻼم ﻟﻚ ؟‬
‫ﺣﻘﯿﻘﯿﺎ ‪ ،‬وأن ﻣﻌﻨﻰ رﺳﻮل رﺑﻚ ﻫﻮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺠﺎز ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ أن ﻣﻦ ﯾﺤﺪﺛﻬﺎ ﻛﺎن ﺑﺸﺮاً‬
‫وأن ) ﻷﻫﺐ ﻟﻚ ﻏﻼﻣﺎ زﻛﯿﺎ ( ﻓﻬﺬه إﺷﺎرة ﻋﻦ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺠﺴﺪﯾﺔ اﻟﺘﻰ ﻗﺼﺪﻫﺎ ‪ ،‬وأﻣﺎ‬
‫اﻟﺘﻤﺜﻞ ﻓﻬﻮ ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻪ ﺟﺎءﻫﺎ وﻇﻬﺮ ﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮ ﺣﻘﯿﻘﺘﻪ ‪ ،‬وأﻧﻪ ﻟﯿﺲ ﺑﺸﺮا ﺳﻮﯾﺎ ﻓﻰ‬
‫اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ رﻏﻢ أن ﻛﻼﻣﻪ ﯾﻮﺣﻰ ﺑﻐﯿﺮ ذﻟﻚ ‪ ،‬وأﻣﺎ رد ﻣﺮﯾﻢ ﻋﻠﯿﻪ ﻓﻜﺎن ﺑﺈﺳﺘﻨﻜﺎر أن ﯾﻜﻮن‬
‫ﻟﻬﺎ ﻏﻼم وﻟﻢ ﺗﺘﺰوج زواج ﺷﺮﻋﻰ ﻣﻌﻠﻦ وﻧﻔﺖ ﻓﻰ ذات اﻟﻮﻗﺖ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺑﻐﻰ ‪ ،‬وﻣﻌﻨﻰ‬
‫ﻫﺬا اﻷﻣﺮ أن ﻣﺮﯾﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪرك أن ﺣﺪوث ﻫﺬا اﻟﻤﺲ ﻓﻰ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﯾﺪ ﻣﻊ ﻫﺬا‬
‫اﻟﺸﺨﺺ أن ﻫﺬا ﻟﯿﺲ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﺰواج اﻟﺸﺮﻋﻰ ﺑﻞ ﻗﺪ ﯾﻨﻈﺮ ﻟﺔ ﻛﺒﻐﺎء ‪ ،‬وﻫﺬه ﻧﻘﻄﺔ‬
‫ﻫﺎﻣﺔ ﻷﻧﻪ ﻗﺪ ﯾﻘﻮل ﺷﺨﺺ أن أﺳﺘﻨﻜﺎرﻫﺎ ﯾﻌﻨﻰ أﻧﻬﺎ ﺳﺘﺘﺰوج ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ‪ ،‬ﻓﻜﺎن رده ﻋﻠﯿﻬﺎ‬
‫أن ﻫﺬا ﺟﺎء ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺮﺣﻤﺔ ﻣﻦ اﷲ ﻟﻠﻨﺎس ‪ ،‬ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻪ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ أن اﷲ ﯾﺮﺣﻢ وﯾﺴﺎﻣﺢ‬
‫ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ ﻋﻼﻗﺔ ﻋﻦ ﺣﺐ وإن ﻟﻢ ﺗﻌﻠﻦ ﺑﻌﺪ ‪،‬‬
‫وﻓﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻣﺮﯾﻢ أﻗﺎﻣﺖ ﻋﻼﻗﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻏﯿﺮ ﻣﻌﻠﻦ ﻣﻊ ﻫﺬا اﻟﺸﺨﺺ وأﻧﻬﺎ ﺣﻤﻠﺖ‬
‫ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ أم ﻋﺰﺑﺎء ‪.‬‬
‫ﻣﺎ ﺣﺪث ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﻦ إﻧﺘﺒﺎذﻫﺎ وﺗﻤﻨﯿﻬﺎ اﻟﻤﻮت ﻗﺒﻞ أن ﯾﺤﺪث ﻣﻌﻬﺎ ﻣﺎ ﺣﺪث ﻣﻦ ﺧﯿﺎﻧﺔ ﻟﻬﺎ‬
‫ﯾﺪل أن اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻓﻌﻼ ﻛﻤﺎ ﻧﻘﻮل ﺑﺄن ﻣﻦ أﻗﺎﻣﺖ ﻣﻌﻪ ﻋﻼﻗﺔ ﻗﺪ ﺧﺎﻧﻬﺎ ‪ ،‬وﻟﯿﺲ أن اﻟﺤﻤﻞ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻧﺤﻮ إﻋﺠﺎزى ﻓﻠﻮ أﻧﻬﺎ ﺣﻤﻠﺖ ﺣﻤﻞ ﺑﻤﻌﺠﺰة ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﺘﺘﻤﻨﻰ ذﻟﻚ ‪ .‬و ﺗﺴﺎﻣﺢ اﻟﻘﺮآن ﻣﻊ اﻷم‬

‫‪- 12‬ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﯾﺨﻠﻂ ﺑﯿﻦ اﻟﺮوح اﻟﺘﻰ أُرﺳﻠﺖ واﻟﺘﻤﺜﻞ ﺑﺸﺮ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺮوح اﻟﻤﺮﺳﻠﺔ ﻣﻨﻔﺼﻠﺔ ﻋﻤﻦ ﺗﻤﺜﻞ ﻟﻬﺎ ‪ ،‬وذﻟﻚ‬
‫ﻷن اﻟﻨﺺ ﻗﺎل ﻓﺘﻤﺜﻞ وﻟﯿﺲ ﻓﺘﻤﺜﻠﺖ ﻓﺎﻟﺮوح ﻣﺆﻧﺚ ‪ ،‬وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻰ ﻓﺎﻟﺘﻤﺜﻞ ﺑﺸﺮا ﺳﻮﯾﺎ ﻛﺎن ﻧﺘﯿﺠﺔ اﻟﺮوح اﻟﻤﺮﺳﻠﺔ‬
‫وﻟﯿﺲ ﻫﻰ ذاﺗﻬﺎ‬
 ‫‪79‬‬

‫اﻟﻌﺰﺑﺎء ﻛﻤﺮﯾﻢ ﯾﺪﻟﻞ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺄﺗﻰ ﺑﺠﺮﯾﻤﺔ وﻣﺎ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻪ ﻟﯿﺲ ﻛﻤﺎ ﯾﺼﻮره اﻟﻔﻘﻪ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ‬
‫زﻧﻰ ‪،‬‬

‫وﻟﺬﻟﻚ ﻣﺮﯾﻢ ﻟﻢ ُﺗﻌﺎﻗﺐ وﻟﯿﺲ ﻫﻨﺎك أﺻﻼ ﻋﻘﻮﺑﺔ ﻟﻬﺎ وﻣﺎ ﻛﺎن اﷲ ﻟﯿﻀﻌﻬﺎ ﻓﻰ ﻣﻮﻗﻒ ﻣﺜﻞ‬
‫ﻫﺬا إن ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﻋﻘﻮﺑﺔ ﺷﺮﻋﯿﺔ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ‪ ،‬وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺤﺘﺎج ﻟﺘﻜﻠﻢ رﺿﯿﻊ ﻟﯿﺒﺮأﻫﺎ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺰﻧﻰ‬
‫اﻟﺬى ﯾﻨﺺ اﻟﻘﺮآن ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻮﺑﺔ ﻟﻪ ﻫﻮ اﻟﺨﯿﺎﻧﺔ اﻟﺰوﺟﯿﺔ ﺣﺼﺮا وﻟﯿﺲ ﻋﻼﻗﺎت اﻟﺤﺐ ﺧﺎرج‬
‫إﻃﺎر اﻟﺰواج ) وﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ أﻧﻬﺎ ﻟﯿﺴﺖ ً‬
‫ﺑﻐﯿﺎ ﻓﺎﻟﺒﻐﺎء ﻫﻮ ﻣﺎ ﯾﻜﻮن ﺑﺄﺟﺮ وﻟﯿﺲ ﻋﻠﻲ اﻟﺒﻐﺎء‬

‫ﻋﻘﻮﺑﺔ أﯾﻀﺎ ﻓﻰ اﻟﻨﺺ ( ‪ ،‬وﺣﺘﻰ أن اﻟﻨﺺ ﺳﻤﻰ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺘﻪ ﻣﺮﯾﻢ زواﺟﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺠﺎز )‬
‫ﺎﻫﺎ َوا ْﺑ َﻨ َﻬﺎ آ َﯾ ًﺔ ﻟﱢْﻠ َﻌﺎﻟَﻤ َ‬
‫ِﯿﻦ )‪ (91‬اﻷﻧﺒﯿﺎء‬ ‫وﺣ َﻨﺎ َو َﺟ َﻌْﻠ َﻨ َ‬ ‫َواﻟﱠﺘِﻲ أَ ْﺣ َ‬
‫ﺼ َﻨ ْﺖ َﻓ ْﺮ َﺟ َﻬﺎ َﻓ َﻨ َﻔ ْﺨ َﻨﺎ ﻓِﯿ َﻬﺎ ﻣِﻦ ﱡر ِ‬
‫‪.‬‬
80
 ‫‪81‬‬

‫​اﻟﺼﻠﻮة اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ ﻓﻰ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ‬

‫اﻟﺤﺎﻛﻢ ﻻ ﯾﺨﺎف ﻣﻦ ﻋﺪد اﻟﺮﻛﻌﺎت ﯾﺨﺎف ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺒﺔ ‪ ،‬ﻻ ﯾﺨﺎف ﻣﻦ ﺗﻼوة اﻟﻘﺮآن ﯾﺨﺎف ﻣﻦ‬
‫ﺗﻔﺴﯿﺮه ‪.‬‬
82
 ‫‪83‬‬

‫​ﻣﺎﻫﯿﺔ اﻟﺼﻠﻮة‬

‫ﯾﻘﻮﻟﻮن أن اﻟﺼﻠﻮة ﻋﻤﺎد اﻟﺪﯾﻦ ‪ ،‬وأﻧﻬﺎ اﻟﻔﺎرق ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺴﻠﻢ واﻟﻜﺎﻓﺮ‪ ،‬وأﻧﻬﺎ أول ﻣﺎ ﯾُﺴﺄل‬
‫ﻋﻠﯿﻬﺎ اﻟﻌﺒﺪ ﯾﻮم اﻟﻘﯿﺎﻣﺔ ‪ ،‬وإن ﺻﻠُﺤﺖ ﺻﻠﺢ اﻟﻌﻤﻞ ﻛﻠﻪ ‪ ،‬وأﻧﺎ ﻟﺴﺖ أدرى ﻣﻦ أﯾﻦ ﻟﻬﺆﻻء‬
‫ﺑﻬﺬه اﻟﻤﻘﺪرة ﻟﻠﻜﺬب ﻋﻠﻰ اﷲ ﺑﺈدﻋﺎء أن ﺗﺄدﯾﺔ ﺑﻌﺾ اﻟﻄﻘﻮس اﻟﺤﺮﻛﯿﺔ ﻫﻰ أول ﻣﺎ ﯾُﺴﺄل‬
‫ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺸﺨﺺ ﯾﻮم اﻟﻘﯿﺎﻣﺔ ﺑﻞ أﯾﻀﺎ إن ﺻﻠﺤﺖ ﺻﻠﺢ ﻋﻤﻠﻪ ‪ ،‬ﻓﻤﺎذا ﻓﻰ اﻹﻧﺤﻨﺎء واﻟﻮﻗﻮف‬
‫ﺣﺘﻰ ﯾﻨﺼﻠﺢ اﻟﻌﻤﻞ ﻛﻠﻪ ! وﻟﻮ ﺑﺪون ﻣﻌﺮﻓﺔ وﻓﻬﻢ ﻟﻤﺎ ﯾﺘﻠﻰ ! ورﺑﻤﺎ ﺣﺘﻰ ﺑﺪون أى ﺗﻼوة‬
‫ﻋﻠﻰ رأى أﻏﻠﺐ اﻟﻤﺬاﻫﺐ اﻟﺮﺳﻤﯿﺔ ! ﻫﻞ أُﻋﻄﻰ وﺟﻬﻰ ﷲ وأدر ﻇﻬﺮى ﻟﻠﻔﻘﯿﺮ اﻟﺠﺎﻟﺲ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺑﺎب اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻫﻮ ﻣﺎ ﯾﺼﻠﺢ اﻟﺤﺎل ﻛﻠﻪ وﯾُﻌﻠﻰ درﺟﺎﺗﻰ ﻓﻰ اﻟﺠﻨﺔ ؟ أﻻ ﻧﺮى أﻧﻨﺎ ﻣﻦ‬
‫ﻗﺪرا ؟ أﻟﻢ‬ ‫ً‬
‫ﻣﻜﺎﻧﺔ و ّ‬ ‫اﻫﺘﻤﺎﻣﺎ ﺑﺎﻟﺪﯾﻦ وﻃﻘﻮﺳﻪ وﻣﻊ ذﻟﻚ أﺣﻂ أﻣﻢ اﻷرض‬ ‫ً‬ ‫أﻛﺜﺮ أﻣﻢ اﻷرض‬
‫ﯾﺠﻌﻞ اﻟﻘﺮآن ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺰﻛﺎة ﻣﻼﺻﻘﺔ ﻹﻗﺎﻣﺔ اﻟﺼﻠﻮة ﻓﻰ ﻛﻞ آﯾﺔ ؟ ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻪ ﯾﻘﻮل داﺋﻤﺎ أن‬
‫اﻟﺼﻠﻮة وﺣﺪﻫﺎ ﻻ ﺗﻜﻔﻰ ‪ ،‬أﻟﻢ ﯾﺬﻛﺮ داﺋﻤﺎ وﺟﻮب اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺼﺎﻟﺢ ﻣﻊ اﻹﯾﻤﺎن ؟‬
‫ﻓﻤﺎ ﺟﻌﻠﻬﻢ ﯾﺰﻋﻤﻮن ذﻟﻚ ؟ ﻫﻢ ﻓﻰ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﻟﻢ ﯾﺮﯾﺪوا اﻟﺮﻓﻊ ﻣﻦ ﻗﺪر اﻟﺼﻠﻮة ﺑﻤﻌﻨﺎﻫﺎ‬
‫اﻟﺤﻘﯿﻘﻰ‪ ،‬ﺑﻞ أرادوا اﻟﺮﻓﻊ ﻣﻦ ﻗﺪر اﻟﺼﻠﻮة اﻟﺘﻰ أﺧﺘﺮﻋﻮﻫﺎ ‪ ،‬ﻓﺒﺪﻻ ﻣﻦ ﻛﻮن اﻟﺼﻠﻮة ﺻﻠﺔ‬
‫ﺑﺎﷲ وﻫﻰ ﻃﺮﯾﻘﺔ ﻟﻔﻬﻢ اﻟﺪﯾﻦ ﻣﻦ أﻛﺜﺮﻫﻢ ﻋﻠﻤﺎ )ﺑﻤﺎ ﯾﺘﻀﻤﻦ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻧﻘﺎش ( ‪ ،‬ﺟﻌﻠﻮﻫﺎ‬
 ‫‪84‬‬

‫ﻣﺠﺮد ﻃﻘﻮس ﺣﺮﻛﯿﺔ ﺑﻌﺪد رﻛﻌﺎت ﻻ ﺗﻐﻨﻰ ﺷﺊ ‪ ،‬ﯾﺘﻢ اﻹﺳﺘﻤﺎع إﻟﻰ ﺗﻼوة ﺑﻌﺾ اﻵﯾﺎت‬
‫ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻣﻦ أﺟﻤﻠﻬﻢ ﺻﻮﺗﺎ ‪،‬‬
‫ﺣﺘﻰ ﺻﻠﻮة اﻟﺠﻤﻌﺔ اﻟﺘﻰ ﻟﻢ ﯾﺠﺪوا ﻣﻌﻨﻰ ﻟﺘﻤﯿﺰﯾﻬﺎ ﻏﯿﺮ إﺿﺎﻓﺘﻬﻢ ﻟﻠﺨﻄﺒﺔ ) رﻏﻢ أن ﺗﻤﯿﺰﯾﻬﺎ‬
‫ﯾﺮﺟﻊ إﻟﻰ أﻫﻤﯿﺘﻬﺎ وﻛﻮﻧﻬﺎ ﺻﻠﻮة ﺟﻤﺎﻋﺔ وﻟﯿﺲ إﻟﻰ ﻃﺮﯾﻘﺘﻬﺎ ( ﺟﻌﻠﻮا ﻣﻦ اﻟﻨﻘﺎش ﻓﯿﻬﺎ‬
‫ُﻣﺤﺮم ‪ ،‬ﻓﻤﻦ ﺣﻖ ﻣﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺒﺮ أن ﯾﻘﻮل ﻣﺎ ﯾﺸﺎء دون أن ﯾﻌﺘﺮض أﺣﺪا أو ﯾﻨﺎﻗﺸﻪ أﺣﺪ‬
‫أو ﯾﺼﺤﺢ ﺧﻄﺄه أﺣﺪا ‪ ،‬وﻛﺄﻧﻪ رﺳﻮل اﷲ ﯾﺘﻠﻮ ﺻﺤﻔﺎ ﻣﻄﻬﺮه ‪ ،‬وﻟﯿﺲ رﺳﻮل اﻟﺤﺎﻛﻢ ﯾﻘﻮل‬
‫ﻟﻠﻨﺎس ﻣﺎ ﯾﻤﻠﯿﻪ ﻋﻠﯿﻪ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺤﺎﻛﻢ ﻻ ﯾﺨﺎف ﻣﻦ ﻋﺪد اﻟﺮﻛﻌﺎت ﯾﺨﺎف ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺒﺔ ‪ ،‬ﻻ ﯾﺨﺎف ﻣﻦ‬
‫ﺗﻼوة اﻟﻘﺮآن ﯾﺨﺎف ﻣﻦ ﻓﻬﻤﻪ ‪ ،‬ﻓﻄﺎﻟﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻘﺮآن ﻃﻼﺳﻢ ﻻ ﯾﺤﻖ ﻷﺣﺪ ﺗﻔﺴﯿﺮه إﻻ ﺷﯿﺦ‬
‫اﻟﺪوﻟﺔ وﻃﺎﻟﻤﺎ ُﻣﻨﻊ اﻟﻨﻘﺎش ﺣﻮﻟﻪ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺤﺎﻛﻢ ﻓﻰ ﻣﺄﻣﻦ ‪ ،‬وأﻣﺎ إذا ﺣﺪث اﻟﻌﻜﺲ ‪ ،‬ﻓﻔﻰ اﻷﻏﻠﺐ‬
‫أﺻﻸ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﻔﺎر ‪.‬‬‫ً‬ ‫ﺳﯿﺘﻀﺢ أن اﻟﺤﺎﻛﻢ وﺷﯿﺨﻪ ورﺑﻤﺎ ﻏﺎﻟﺒﯿﺔ اﻟﻤﺼﻠﯿﻦ‬

‫اﻟﺼﻠﻮة ﻋﻈﺔ‬

‫اﻟﺼﻠﻮة ﻓﻰ اﻟﻘﺮآن ﻻ ﺗﻨﻔﺼﻞ ﻋﻦ ﺗﻼوة اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ ‪ ،‬وﻻ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﺤﺮﻛﺎت ﺟﺴﺪﯾﺔ أو‬
‫ﻋﺪد رﻛﻌﺎت ‪ ،‬وﻛﺬﻟﻚ ﺗﻼوة اﻟﻨﺺ ﻻ ﺗﻨﻔﺼﻞ ﻋﻦ ﻓﻬﻤﻪ ) ﻷن ﺧﻄﺎب اﻟﺘﻼوة ﻟﻠﻨﺺ داﺋﻤﺎ‬
‫ﻣﺎ ﯾﻜﻮن ﻟﻠﻨﺒﻰ ذاﺗﻪ ( ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺼﻠﻮة ﻓﻰ اﻟﻘﺮآن ﻫﻰ ﻋﻈﺔ اﻟﻨﺎس ﻋﺒﺮ ﺗﻼوة اﻟﻨﺺ وﺗﺒﯿﺎﻧﻪ ‪.‬‬

‫آن ْاﻟ َﻔ ْﺠ ِﺮ َﻛ َ‬
‫ﺎن‬ ‫آن ْاﻟ َﻔ ْﺠ ِﺮۖ إِ ﱠن ُﻗ ْﺮ َ‬ ‫ٰ َﻏ َﺴ ِﻖ اﻟﻠﱠﯿ ِ‬
‫ْﻞ َو ُﻗ ْﺮ َ‬ ‫ﺲ إِﻟَﻰ‬ ‫ﻮك ﱠ‬
‫اﻟﺸ ْﻤ ِ‬ ‫اﻟﺼ َﻼ َة ﻟِ ُﺪﻟُ ِ‬
‫ِﻢ ﱠ‬ ‫َ‬
‫ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ )أﻗ ِ‬
‫َﻣ ْﺸ ُﻬﻮ ًدا )‪ (78‬اﻹﺳﺮاء ‪،‬‬

‫اﻵﯾﺔ ﺗﺮﺑﻂ ﺑﯿﻦ اﻟﺼﻠﻮة وﺗﻼوة اﻟﻨﺺ ‪ ،‬ﺣﯿﺚ إﺳﺘﻌﺎض اﻟﻨﺺ ﻋﻦ ذﻛﺮ ﻟﻔﻆ ﺻﻠﻮة اﻟﻔﺠﺮ )‬
‫ﻟﻔﻆ ﺻﻠﻮة اﻟﻔﺠﺮ ﻣﺬﻛﻮر ﻓﻰ ﺳﻮرة اﻟﻨﻮر آﯾﺔ ‪ ( ٥٨‬ﺑﺬﻛﺮ ﻗﺮآﻧﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﯾﺸﯿﺮ أن اﻟﺼﻠﻮة ﻫﻰ‬
‫ﺗﻼوة ﻟﻠﻨﺺ ﯾﺸﻬﺪﻫﺎ اﻟﻨﺎس أى وﻋﻆ ﻟﻠﻨﺎس ﺑﻤﺎ ﯾﺬﻛﺮه اﻟﻨﺺ واﻟﺨﻄﺎب ﻟﻠﻨﺒﻰ ﺑﻤﺎ ﯾﺸﯿﺮ إﻟﻰ‬
‫أﻧﻪ ﻣﻦ ﯾﻘﺮآ اﻟﻨﺺ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس وﯾﺼﻠﻰ ﺑﻬﻢ وﯾﻌﻈﻬﻢ ﺑﻪ ﻷن ﻻ أﺣﺪ ﯾﻔﻬﻢ اﻟﻨﺺ ﻣﺜﻠﻪ ‪.‬‬
 ‫‪85‬‬

‫ِﻚ‬‫ﺎت َذﻟ َ‬ ‫اﻟﺴﱢﯿ َﺌ ِ‬‫ْﻦ ﱠ‬ ‫ﺎت ﯾ ُْﺬ ِﻫﺒ َ‬‫ْﻞ إِ ﱠن ْاﻟ َﺤ َﺴ َﻨ ِ‬

‫ﺎر َو ُزﻟَ ًﻔﺎ ﱢﻣ َﻦ اﻟﻠﱠﯿ ِ‬‫اﻟﺼﻼ َة َﻃ َﺮ َﻓ ِﻲ اﻟﱠﻨ َﻬ ِ‬
‫ِﻢ ﱠ‬ ‫َ‬
‫ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َوأﻗ ِ‬
‫ِﻦ‬
‫ﺎن ﻣ َ‬ ‫ﻻ َﻛ َ‬ ‫ِﯿﻦ )‪َ (115‬ﻓﻠَ ْﻮ َ‬ ‫ﯿﻊ أَ ْﺟ َﺮ ْاﻟ ُﻤ ْﺤ ِﺴﻨ َ‬
‫ُﻀ ُ‬‫ﻻﯾِ‬ ‫اﷲَ َ‬ ‫اﺻﺒ ْﺮ َﻓﺈ ﱠن ﱠ‬
‫ﯾﻦ )‪َ (114‬و ْ ِ ِ‬ ‫ِﺮ َ‬ ‫ﱠ‬
‫ذِﻛ َﺮى ﻟِﻠﺬاﻛ ِ‬
‫ْ‬
‫ِﯿﻼ ﱢﻣ ﱠﻤ ْﻦ أَ َ‬
‫ﻧﺠ ْﯿ َﻨﺎ ِﻣ ْﻨ ُﻬ ْﻢ َواﱠﺗ َﺒ َﻊ‬ ‫ﻻ َﻗﻠ ً‬ ‫ضإﱠ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ ُ ْ‬ ‫اﻟ ُﻘ ُﺮ ِ‬
‫ْ‬
‫ون ﻣِﻦ َﻗ ْﺒﻠِﻜ ْﻢ أ ْوﻟﻮا َﺑ ِﻘﱠﯿ ٍﺔ َﯾ ْﻨ َﻬ ْﻮ َن َﻋ ِﻦ اﻟ َﻔ َﺴﺎ ِد ﻓِﻲ اﻷ ْر ِ ِ‬
‫ِﻚ ْاﻟ ُﻘ َﺮى ِﺑ ُﻈْﻠ ٍﻢ‬ ‫ُﻬﻠ َ‬ ‫ﺎن َرﺑ َ‬
‫ﱡﻚ ﻟِﯿ ْ‬ ‫ِﯿﻦ )‪َ (116‬و َﻣﺎ َﻛ َ‬ ‫ﻮا ُﻣ ْﺠ ِﺮﻣ َ‬ ‫ﻮا َﻣﺎ أُ ْﺗﺮ ُﻓ ْ‬
‫ﻮا ﻓِﯿ ِﻪ َو َﻛﺎُﻧ ْ‬ ‫اﻟﱠﺬ َ‬
‫ِﯾﻦ َﻇﻠَ ُﻤ ْ‬
‫ِ‬
‫ﻮن ( )‪ (117‬ﻫﻮد ‪.‬‬ ‫ِﺤ َ‬ ‫ﺼﻠ ُ‬‫َوأَ ْﻫﻠُ َﻬﺎ ُﻣ ْ‬

‫ﯿﻊ أَ ْﺟ َﺮ ْاﻟ ُﻤ ْﺤ ِﺴﻨ َ‬

‫ِﯿﻦ ( ﯾﺪﻻن‬ ‫ُﻀ ُ‬
‫ﻻﯾِ‬ ‫ﺎت ( وﻗﻮﻟﻪ ) َﻓﺈ ﱠن ﱠ‬
‫اﷲَ َ‬ ‫ِ‬ ‫اﻟﺴﱢﯿ َﺌ ِ‬
‫ْﻦ ﱠ‬ ‫ﺎت ﯾ ُْﺬ ِﻫﺒ َ‬
‫ﻗﻮﻟﻪ ) إِ ﱠن ْاﻟ َﺤ َﺴ َﻨ ِ‬
‫أن اﻟﺼﺒﺮ ﻫﻮ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻠﻮة وأداﺋﻬﺎ ‪ ،‬ﻣﺎ ﯾﻌﻨﻰ أن اﻟﺼﻠﻮة ﻛﺘﺬﻛﯿﺮ اﻟﻨﺎس ﺑﺂﯾﺎت وﺗﻌﺎﻟﯿﻢ‬
‫اﻟﺪﯾﻦ ﻫﻰ اﻹﺣﺴﺎن ‪ ،‬اﻟﺬى ﻗﺪ ﯾﻘﺎﺑﻞ ﺑﺄذى ﻣﺎدى أو ﻣﻌﻨﻮى ﻣﻦ اﻟﻄﺮف اﻟﺮاﻓﺾ ‪ ،‬وﻗﻮﻟﻪ )‬
‫ِﻜ ْﻢ أُ ْوﻟُ ْ‬
‫ﻮا َﺑ ِﻘﱠﯿ ٍﺔ َﯾ ْﻨ َﻬ ْﻮ َن َﻋ ِﻦ ْاﻟ َﻔ َﺴﺎ ِد ( ﯾﻔﯿﺪ أن اﻟﻘﯿﺎم ﺑﺎﻟﺼﻠﻮة ﻫﻮ‬ ‫ون ﻣِﻦ َﻗ ْﺒﻠ ُ‬ ‫ﺎن ﻣ َ ْ‬
‫ِﻦ اﻟ ُﻘ ُﺮ ِ‬ ‫ﻻ َﻛ َ‬‫َﻓﻠَ ْﻮ َ‬
‫ﻧﻬﻰ ﻋﻦ اﻟﻔﺴﺎد ‪ ،‬ﻟﺘﻨﺘﻘﻞ اﻟﺼﻠﻮة ﻣﻦ ﻣﺠﺮد ﻧﺺ ﯾُﺘﻠﻰ إﻟﻰ ﻧﻬﻰ ﻋﻦ واﻗﻊ ﻣﺨﺎﻟﻒ ﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ‬
‫وأﺣﻜﺎم اﻟﺪﯾﻦ ‪ .‬ﻓﺎﻟﺼﻠﻮة ﻋﻈﺔ وﻟﯿﺲ ﻋﺪد رﻛﻌﺎت ‪.‬‬

‫ﺻ َﻼُﺗ َﻚ َﺗ ْﺄ ُﻣ ُﺮ َك أَن ﱠﻧ ْﺘ ُﺮ َك َﻣﺎ َﯾ ْﻌُﺒ ُﺪ آ َﺑ ُ‬

‫ﺎؤ َﻧﺎ أَ ْو أَن ﱠﻧ ْﻔ َﻌ َﻞ ﻓِﻲ أَ ْﻣ َﻮاﻟَِﻨﺎ‬ ‫ْﺐ أَ َ‬
‫ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َﻗﺎﻟُﻮا َﯾﺎ ُﺷ َﻌﯿ ُ‬
‫اﻟﺮ ِﺷﯿ ُﺪ )‪ (87‬ﻫﻮد ‪.‬‬ ‫ﻧﺖ ْاﻟ َﺤﻠِﯿ ُﻢ ﱠ‬
‫ﻷ َ‬‫َﻣﺎ َﻧ َﺸﺎ ُءۖ إﱠﻧ َﻚ ََ‬
‫ِ‬

‫ﺗﻢ ذﻛﺮ ﻟﻔﻆ اﻟﺼﻠﻮة وﻟﯿﺲ ﻟﻔﻆ اﻟﺪﯾﻦ أو إﻟﻬﻚ أو ﻛﺘﺎﺑﻚ اﻟﻤﻘﺪس ) وﻛﻞ ﻫﺬا ﻗﺪ ﯾﺼﻠﺢ‬
‫ً‬
‫ﺧﺎﺻﺔ ﻷن اﻟﺼﻠﻮة ﻓﻬﻢ ﻟﻠﺪﯾﻦ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ‬ ‫ﻟﻸﺗﯿﺎن ﻣﺤﻞ ﻟﻔﻆ أﺻﻼﺗﻚ ( ‪ ،‬وأﺗﯿﺎن ﻟﻔﻆ اﻟﺼﻠﻮة‬
‫ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﻋﻈﺔ ‪ ،‬وﻛﺄﻧﻬﻢ ﯾﺴﺘﻔﻬﻮن ﻣﻨﻪ ﻟﻪ أدﯾﻨﻚ ﯾﺄﻣﺮك وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻰ ﯾﺄﻣﺮﻧﺎ أن ﻧﺘﺮك‪...‬‬

‫ٰ َﺗ ْﻌﻠَ ُﻤﻮا َﻣﺎ َﺗ ُﻘﻮﻟُ َ‬

‫ﻮن‬ ‫ٰ َﺣﱠﺘﻰ‬ ‫اﻟﺼ َﻼ َة َوأَﻧُﺘ ْﻢ ُﺳ َﻜ َ‬
‫ﺎرى‬ ‫و ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َﯾﺎ أَﱡﯾ َﻬﺎ اﻟﱠﺬ َ‬
‫ِﯾﻦ آ َﻣُﻨﻮا َﻻ َﺗ ْﻘ َﺮﺑُﻮا ﱠ‬
‫‪ (43) ...‬اﻟﻨﺴﺎء ‪.‬‬
 ‫‪86‬‬

‫واﻵﯾﺔ ﺗﺪﻋﻮ إﻟﻰ ﻋﺪم اﻟﺼﻠﻮة ﺣﺘﻰ ﻧﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻧﻘﻮل وﻟﯿﺲ ﻣﺠﺮد اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻄﻖ ﺑﻨﺺ ‪.‬‬
‫أى أن ﺗﻜﻮن ﻓﻰ ﺣﺎﻟﻪ ﺻﻔﺎء ذﻫﻨﻰ ﻟﺘﻔﻬﻢ ﻣﺎ ﯾﻘﺎل أو ﺗﻘﻮل وﻟﯿﺲ ﺣﻀﻮرا ﺟﺴﺪﯾﺎ ‪.‬‬

‫ٰ َﻋ ِﻦ ْاﻟ َﻔ ْﺤ َﺸﺎ ِء َو ْاﻟ ُﻤﻨ َﻜ ِﺮۗ‬ ‫اﻟﺼ َﻼ َةۖ إِ ﱠن ﱠ‬

‫اﻟﺼ َﻼ َة َﺗ ْﻨ َﻬﻰ‬ ‫ِﻢ ﱠ‬ ‫َ‬ ‫ْﻚ ﻣ َ ْ‬
‫ِﻦ اﻟ ِﻜ َﺘ ِ‬
‫ﺎب َوأﻗ ِ‬
‫وﺣ َﻲ إِﻟَﯿ َ‬ ‫وﻗﻮﻟﻪ ) ا ْﺗ ُﻞ َﻣﺎ أُ ِ‬
‫ﻮن )‪ (45‬اﻟﻌﻨﻜﺒﻮت‬ ‫ﺼ َﻨ ُﻌ َ‬ ‫اﷲِ أَ ْﻛ َﺒ ُﺮۗ َواﷲﱠُ َﯾ ْﻌﻠَ ُﻢ َﻣﺎ َﺗ ْ‬
‫ِﻛ ُﺮ ﱠ‬
‫َوﻟَﺬ ْ‬

‫اﻟﺨﻄﺎب ﻟﻠﻨﺒﻰ واﻷﻣﺮ ﻟﻪ ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ اﻟﺼﻠﻮة ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻨﻬﻰ ﻋﻦ اﻟﻔﺤﺸﺎء واﻟﻤﻨﻜﺮ وﺑﺬﻟﻚ ﻓﺈﻗﺎﻣﺔ‬
‫اﻟﺼﻠﻮة ﻫﻰ ﻟﻠﻨﻬﻰ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ ‪ ،‬وأﺗﻰ ﻟﻔﻆ اﻟﻤﻀﺎرع ) ﺗﻨﻬﻰ ( وﻟﯿﺲ ﺗﻌﺮﯾﻒ ذات اﻟﺼﻠﻮة‬
‫أﻧﻬﺎ ) ﻧﻬﻰ ( ﻷن ﺗﻜﺮار اﻟﺼﻠﻮة ﻛﻌﻈﺔ ﻗﺪ ﯾﻔﯿﺪ اﻹﻧﺘﻬﺎء ﻣﻤﺎ ﯾﻌﻠﻤﻪ اﷲ ﻣﻤﺎ ﻧﺼﻨﻊ ‪،‬‬

‫ِﻚ َﻋﻠَﯿ ِ‬
‫ْﻬ ْﻢ‬ ‫وﻛﻠﻤﺔ اﻟﺼﻠﻮة ﺗﺄﺗﻰ أﯾﻀﺎ ﻓﻰ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ ﺑﻤﻌﻨﺎﻫﺎ اﻟﻠﻐﻮى ﻛﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ) أُ َ‬
‫ٰﺋ َ‬
‫ول‬
‫ون )‪ (157‬اﻟﺒﻘﺮة ‪ ،‬ﻛﻨﺎﯾﺔ ﻋﻦ اﻟﻘﺮب‬ ‫ِﻚ ُﻫ ُﻢ ْاﻟ ُﻤ ْﻬ َﺘ ُﺪ َ‬ ‫ﱢﻬ ْﻢ َو َر ْﺣ َﻤ ٌﺔۖ َوأُ َ‬
‫ٰﺋ َ‬
‫ول‬ ‫ات ﱢﻣﻦ ﱠرﺑ ِ‬ ‫ﺻﻠَ َﻮ ٌ‬
‫َ‬
‫ﻮن َﻋﻠَﻰ اﻟﱠﻨ ِﺒ ﱢﻲۚ َﯾﺎ أَﱡﯾ َﻬﺎ‬
‫ُﺼﻠﱡ َ‬ ‫واﻟﺼﻠﺔ ﻣﻦ اﷲ ورﺣﻤﺘﻪ ﻟﻬﻢ وﻛﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ) إ ﱠن ﱠ‬
‫اﷲَ َو َﻣ َﻼ ِﺋ َﻜ َﺘ ُﻪ ﯾ َ‬ ‫ِ‬
‫ﺻﻠﱡﻮا َﻋﻠَ ْﯿ ِﻪ َو َﺳﻠﱢ ُﻤﻮا َﺗ ْﺴﻠِﯿ ًﻤﺎ )‪ (56‬اﻷﺣﺰاب ‪ ،‬ﻓﺘﻠﻚ اﻵﯾﺔ أﯾﻀﺎ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻤﻌﻨﻰ‬ ‫اﻟﱠﺬ َ‬
‫ِﯾﻦ آ َﻣُﻨﻮا َ‬
‫ﺑﺄن اﷲ وﻣﻼﺋﻜﺘﻪ ﯾﺼﻠﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺒﻰ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺼﻠﻮة ﻫﻨﺎ وﺻﻞ ﻣﻦ اﷲ ﻟﻠﻨﺒﻰ ‪.‬‬

‫اﻟﺼﻠﻮة ﻟﯿﺴﺖ ﺣﺮﻛﯿﺔ‬

‫اﻟﺼﻠﻮة ﻛﻌﻈﺔ ﻟﻬﺎ ﻣﯿﻌﺎد و ﻣﻜﺎن ﻣﻌﯿﻦ إﻻ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺮدﯾﺔ ﻛﺘﺪﺑﺮ ‪ ،‬و اﻟﻮﻗﻮف واﻟﺴﺠﻮد‬
‫ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ وﺿﻊ اﻟﺠﺒﻬﺔ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻟﯿﺲ ﻟﻪ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺬﻛﺮ اﷲ أو اﻟﺘﺬﻛﯿﺮ ﺑﺮﺳﺎﻟﺘﻪ وأواﻣﺮه‬
‫وﻧﻮاﻫﯿﻪ‪ .‬واﻟﺨﺸﻮع ﻻ ﯾﺘﺄﺗﻰ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺤﺮﻛﺎت ﺑﻞ ﯾﺘﺄﺗﻰ ﺑﻔﻬﻢ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ ‪ ،‬أﻣﺎ ﺗﻠﻚ‬
‫اﻟﺤﺮﻛﺎت ﻓﻬﻰ ﻃﺮﯾﻘﺔ ﻣﻦ ﻻ ُﯾﻌﻤﻞ ﻋﻘﻠﻪ وﻣﻦ ﻻ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﻔﻜﺮ وﯾﻔﻬﻢ وﺗﺴﺠﺪ روﺣﻪ‬
‫ﻓﯿﺴﺘﺨﺪم ﺟﺴﺪه ﺑﺪﯾﻞ ﻋﻦ ذﻟﻚ ‪.‬‬
 ‫‪87‬‬

‫اﻟﺴﻨﺔ واﻟﺸﯿﻌﺔ وﻏﯿﺮﻫﻢ ﯾﺆﻣﻨﻮن ﺑﺤﺮﻛﯿﺔ اﻟﺼﻠﻮة وﯾﺄوﻟﻮن ﻟﻔﻈﻰ اﻟﺮﻛﻮع واﻟﺴﺠﻮد ﻓﻰ‬ ‫ُ‬
‫اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ ﺑﺄﻧﺔ ﺳﺠﻮد ورﻛﻮع ﺣﺮﻛﻰ ‪ ،‬و ﻫﻨﺎك ﻣﻦ اﻟﺒﺎﺣﺜﯿﻦ واﻟﺪارﺳﯿﻦ ﻛﺎﻷﺳﺘﺎذ‬
‫رﺷﯿﺪ ﻋﻜﺎرى وﻏﯿﺮه ) وﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﺒﺎﺣﺜﯿﻦ ﻓﻰ اﻟﺪﯾﻦ وﯾﻨﺸﺮون أراﺋﻬﻢ ﻋﺒﺮ ﻣﻮاﻗﻊ اﻷﻧﺘﺮﻧﺖ‬
‫وأﻧﺎ أذﻛﺮة ﻷﻧﻪ أول ﻣﻦ ﻟﻔﺖ ﻧﻈﺮى ﻟﻌﺪم ﺣﺮﻛﯿﺔ اﻟﺼﻠﻮة وﻟﻪ اﻟﻔﻀﻞ ( ﻣﻤﻦ رﻓﻀﻮا ذﻟﻚ‬
‫اﻟﺘﺄوﯾﻞ إﻋﺘﻤﺎدا ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ اﻷﯾﺎت ‪.‬‬
‫ﺎب ُﺳ ﱠﺠ ًﺪا‬‫ْﺚ ِﺷ ْﺌُﺘ ْﻢ َر َﻏ ًﺪا َوا ْد ُﺧﻠُﻮا ْاﻟ َﺒ َ‬
‫ٰه ِذ ِه ْاﻟ َﻘ ْﺮ َﯾ َﺔ َﻓ ُﻜﻠُﻮا ِﻣ ْﻨ َﻬﺎ َﺣﯿ ُ‬
‫)وإِ ْذ ُﻗْﻠ َﻨﺎ ا ْد ُﺧﻠُﻮا َ‬
‫ﻛﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ َ‬
‫ِﯿﻦ )‪ (58‬اﻟﺒﻘﺮة ‪ ،‬ﻓﺪﺧﻮل اﻟﺒﺎب ﺳﺠﺪا‬ ‫ﺎﻛ ْﻢۚ َو َﺳ َﻨ ِﺰﯾ ُﺪ ْاﻟ ُﻤ ْﺤ ِﺴﻨ َ‬ ‫ِﺮ ﻟَ ُﻜ ْﻢ َﺧ َﻄﺎ َﯾ ُ‬‫َو ُﻗﻮﻟُﻮا ِﺣ ﱠﻄ ٌﺔ ﱠﻧ ْﻐﻔ ْ‬
‫ً‬
‫ﺣﺮﻛﯿﺎ ‪،‬‬ ‫ﯾﻌﻨﻰ ﺳﺠﻮدا ﻣﻌﻨﻮﯾﺎ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﻄﺎﻋﺔ وﻟﯿﺲ ﺳﺠﻮدا‬
‫ُﺆُﺗ َ‬
‫ﻮن‬ ‫اﻟﺼ َﻼ َة َوﯾ ْ‬
‫ﻮن ﱠ‬ ‫ِﯾﻦ ُﯾﻘِﯿ ُﻤ َ‬‫ِﯾﻦ آ َﻣُﻨﻮا اﻟﱠﺬ َ‬
‫ﱡﻜ ُﻢ اﷲﱠُ َو َر ُﺳﻮﻟُ ُﻪ َواﻟﱠﺬ َ‬ ‫وﻛﺬﻟﻚ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ )إﱠﻧ َﻤﺎ َوﻟِﯿ ُ‬
‫ِ‬
‫ﻮن )‪ (55‬اﻟﻤﺎﺋﺪة ‪،‬‬ ‫اﻟﺰ َﻛﺎ َة َو ُﻫ ْﻢ َرا ِﻛ ُﻌ َ‬
‫ﱠ‬
‫ﻓﺄﺗﯿﺎن اﻟﺰﻛﺎة راﻛﻌﯿﻦ ﯾﺄﺗﻰ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﻄﺎﻋﺔ واﻟﺨﻀﻮع ‪ ،‬وﻷن اﻟﺼﻠﻮة ﻟﯿﺴﺖ ﺑﺎﻟﺠﺴﺪ ﻓﻬﻰ‬
‫ﻟﯿﺴﺖ ﻋﺪد رﻛﻌﺎت ﻻ ﻧﻌﻠﻢ أى ﺣﻜﻤﺔ ﻓﻰ ﺟﻌﻞ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺛﻼث واﻷﺧﺮى أرﺑﻊ وﻻ أى ﻣﻨﻄﻖ‬
‫ﻓﻰ أن ﺗﻜﻮن ﻫﻨﺎك ﺻﻠﻮات ﺟﻬﺮﯾﺔ وأﺧﺮى ﺳﺮﯾﺔ و ﻣﺎ ﻓﺮﺿﺖ اﻟﺼﻠﻮة إﻻ ﻟﺬﻛﺮ اﷲ و‬
‫ﺗﺬﻛﯿﺮ اﻟﻨﺎس ﺑﻪ ‪ ،‬وﺣﺘﻰ أﻧﻬﻢ ﯾﺪﻋﻮن أن ﺑﺎﻹﻣﻜﺎن اﻟﺼﻠﻮة ﺑﻘﺮاءة ﺳﻮرة اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ ﻓﻘﻂ ‪،‬‬
‫وﻫﻞ اﻟﺪﯾﻦ ﺳﻮرة اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ ﻓﻘﻂ ؟ أم أن اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ ﻫﻰ ﻓﺎﺗﺤﺔ ﻛﺘﺎب ﻻ ﺗﻐﻨﻰ ﻋﻨﻪ ﻟﺤﺎﻟﻬﺎ ‪ .‬وذﻟﻚ‬
‫ﻷﻧﻬﻢ رﺑﻄﻮا اﻟﺼﻠﻮة ﺑﺎﻟﺘﻼوة وﻟﯿﺲ ﺑﺎﻹﺳﺘﻤﺎع ﻟﻠﻌﻈﺔ ‪.‬‬

‫ً‬
‫ﺟﻠﻮﺳﺎ‬ ‫اﻟﺼﻠﻮة ُﺗﻮدى‬

‫آﯾﺔ ﺻﻠﻮة اﻟﺨﻮف واﻟﺘﻰ ﻟﻢ ﯾﻨﺘﺒﻪ ﻟﻬﺎ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﺗﻮﺿﺢ أن ﻫﯿﺌﺔ اﻟﺼﻠﻮة ﻟﯿﺴﺖ ﺑﺈﺳﺘﺨﺪام اﻟﺠﺴﺪ‬
‫اﻟﺼ َﻼ ِة‬ ‫اﻟﺼﻠَ َﻮ ِ‬
‫ات َو ﱠ‬ ‫ِﻈﻮا َﻋﻠَﻰ ﱠ‬ ‫ﺟﻠﻮﺳﺎ ‪ ،‬ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َﺣﺎﻓ ُ‬ ‫ً‬ ‫أو ﺑﺎﻹﻧﺤﻨﺎء أو اﻟﻮﻗﻮف ﺑﻞ ُﺗﺆدى‬
‫ِﯿﻦ )‪َ (238‬ﻓﺈ ْن ِﺧ ْﻔُﺘ ْﻢ َﻓﺮ َﺟ ًﺎﻻ أَ ْو ُر ْﻛ َﺒﺎ ًﻧﺎ َﻓﺈ َذا أَ ِﻣ ْﻨُﺘ ْﻢ َﻓ ْﺎذ ُﻛ ُﺮوا ﱠ‬
‫اﷲَ َﻛ َﻤﺎ‬ ‫ْاﻟ ُﻮ ْﺳ َﻄﻰ َو ُﻗﻮ ُﻣﻮا ِﱠﷲِ َﻗﺎ ِﻧﺘ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﻮن ( )‪ (239‬اﻟﺒﻘﺮة ‪،‬‬ ‫َﻋﻠﱠ َﻤ ُﻜ ْﻢ َﻣﺎ ﻟَ ْﻢ َﺗ ُﻜﻮُﻧﻮا َﺗ ْﻌﻠَ ُﻤ َ‬
 ‫‪88‬‬

‫ﯾﺄول اﻟﺒﻌﺾ أن اﻟﺼﻠﻮة ﺗﺆدى ﻓﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﻗﺮب إﺣﺘﺪام ﻣﻌﺮﻛﺔ رﺟﺎﻻ ‪ ،‬أى وﻧﺤﻦ ﻣﺸﺎة‬
‫ﺳﺎﺋﺮﯾﻦ ! وﻫﺬه اﻟﺼﻠﻮة ﺗﺴﻤﻰ ﺻﻠﻮة اﻟﺨﻮف ﻛﻤﺎ ﺟﺎء ﻓﻰ ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻟﻄﺒﺮى ‪،‬‬
‫) ﻗﺎل أﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ‪ :‬ﯾﻌﻨﻲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ذﻛﺮه ﺑﺬﻟﻚ‪ :‬وﻗﻮﻣﻮا ﷲ ﻓﻲ ﺻﻼﺗﻜﻢ ﻣﻄﯿﻌﯿﻦ ﻟﻪ ﻟﻤﺎ ﻗﺪ ﺑﯿﻨﺎه‬
‫ﻣﻦ ﻣﻌﻨﺎه ﻓﺈن ﺧﻔﺘﻢ ﻣﻦ ﻋﺪو ﻟﻜﻢ‪ ،‬أﯾﻬﺎ اﻟﻨﺎس‪ ,‬ﺗﺨﺸﻮﻧﻬﻢ ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﻜﻢ ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﺘﻘﺎﺋﻜﻢ ﻣﻌﻬﻢ‬
‫أن ﺗﺼﻠﻮا ﻗﯿﺎﻣﺎ ﻋﻠﻰ أرﺟﻠﻜﻢ ﺑﺎﻷرض ﻗﺎﻧﺘﯿﻦ ﷲ ﻓﺼﻠﻮا " رﺟﺎﻻ "‪ ،‬ﻣﺸﺎة ﻋﻠﻰ أرﺟﻠﻜﻢ ( ‪.‬‬
‫اﻧﺘﻬﻰ ‪،‬‬
‫ﻟﺠﻮء اﻟﻄﺒﺮى ﻟﻬﺬا اﻟﺘﻔﺴﯿﺮ اﻟﻬﺰﻟﻰ ﻫﻮ ﻓﻰ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﻫﺮوب ﻣﻦ ﺗﻔﺴﯿﺮ ﻛﻠﻤﺔ رﺟﺎﻻ ﺑﻤﻌﻨﻰ‬
‫وﻗﻮﻓﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﺪام ﻷﻧﻪ ﺳﯿﻌﻨﻰ أن اﻟﺼﻠﻮة ﻓﻲ اﻷوﻗﺎت اﻟﻌﺎدﯾﺔ ُﺗﺆدى ﺟﻠﻮﺳﺎ ‪ .‬ﻟﺬﻟﻚ اﻟﺒﻌﺾ‬
‫ً‬
‫وﻗﻮﻓﺎ دوﻧﻤﺎ ﯾُﻌﺮف ﺑﺎﻟﺮﻛﻮع أو اﻟﺴﺠﻮد اﻟﺤﺮﻛﻰ واﻷﻛﺘﻔﺎء‬ ‫ﺑﺎﻟﺼﻠﻮة وﻗﻮﻓﺎ ﻟﻜﻦ‬
‫ﻓﺴﺮﻫﺎ َ‬
‫ﺑﺎﻹﯾﻤﺎء ﺑﺪﻻ ﻋﻨﻬﻤﺎ ‪ ،‬وﻟﻜﻦ ﻫﺬا ﯾﺘﻨﺎﻓﻰ ﻣﻊ اﻵﯾﻪ ‪ ١٠٢‬ﻣﻦ ﺳﻮرة اﻟﻨﺴﺎء واﻟﺘﻰ ﺗﺆﻛﺪ وﺟﻮد‬
‫اﻟﺴﺠﻮد ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺻﻠﻮة اﻟﺨﻮف ‪.‬‬

‫اﻟﺼﻼ ِة إِ ْن ِﺧ ْﻔُﺘ ْﻢ‬ ‫ِﻦ ﱠ‬ ‫وا ﻣ َ‬‫ﺼ ُﺮ ْ‬ ‫ﺎح أَن َﺗ ْﻘ ُ‬ ‫ْﻜ ْﻢ ُﺟ َﻨ ٌ‬ ‫ْﺲ َﻋﻠَﯿ ُ‬ ‫ض َﻓﻠَﯿ َ‬ ‫َ‬
‫ﺿ َﺮ ْﺑُﺘ ْﻢ ﻓِﻲ اﻷ ْر ِ‬ ‫ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َوإِ َذا َ‬
‫ِﯿﻬ ْﻢ َﻓَﺄ َﻗ ْﻤ َﺖ ﻟَ ُﻬ ُﻢ‬
‫ﻨﺖ ﻓ ِ‬ ‫ﻮا ﻟَ ُﻜ ْﻢ َﻋ ُﺪ ‪‬وا ﱡﻣ ِﺒﯿ ًﻨﺎ )‪َ (101‬وإِ َذا ُﻛ َ‬ ‫ﯾﻦ َﻛﺎُﻧ ْ‬ ‫ِﺮ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ِﯾﻦ َﻛ َﻔ ُﺮوا إِ ﱠن اﻟ َﻜﺎﻓ ِ‬ ‫أَن َﯾ ْﻔ ِﺘ َﻨ ُﻜ ُﻢ اﻟﱠﺬ َ‬
‫ِﻜ ْﻢ َوْﻟ َﺘ ْﺄ ِت‬
‫ﻮا ﻣِﻦ َو َراﺋ ُ‬ ‫وا َﻓْﻠ َﯿ ُﻜﻮُﻧ ْ‬
‫ِﺤ َﺘ ُﻬ ْﻢ َﻓﺈ َذا َﺳ َﺠ ُﺪ ْ‬
‫ِ‬ ‫وا أَ ْﺳﻠ َ‬ ‫اﻟﺼﻼ َة َﻓْﻠ َﺘ ُﻘ ْﻢ َﻃﺎ ِﺋ َﻔ ٌﺔ ﱢﻣ ْﻨ ُﻬﻢ ﱠﻣ َﻌ َﻚ َوْﻟ َﯿ ْﺄ ُﺧ ُﺬ ْ‬ ‫ﱠ‬
‫ِﺤ َﺘ ُﻬ ْﻢ َو ﱠد اﻟﱠﺬ َ‬
‫ِﯾﻦ َﻛ َﻔ ُﺮ ْ‬
‫وا ﻟَ ْﻮ‬ ‫وا ِﺣ ْﺬ َر ُﻫ ْﻢ َوأَ ْﺳﻠ َ‬‫ﻮا َﻣ َﻌ َﻚ َوْﻟ َﯿ ْﺄ ُﺧ ُﺬ ْ‬ ‫ُﺼﻠﱡ ْ‬‫ﻮا َﻓْﻠﯿ َ‬ ‫ُﺼﻠﱡ ْ‬ ‫َﻃﺎ ِﺋ َﻔ ٌﺔ أُ ْﺧ َﺮى ﻟَ ْﻢ ﯾ َ‬
‫ﺎن ِﺑ ُﻜ ْﻢ أَ ًذى‬ ‫ْﻜ ْﻢ إِن َﻛ َ‬ ‫ﺎح َﻋﻠَﯿ ُ‬‫ﻻ ُﺟ َﻨ َ‬ ‫ْﻜﻢ ﱠﻣ ْﯿﻠَ ًﺔ َو ِ‬
‫اﺣ َﺪ ًة َو َ‬ ‫ﻮن َﻋﻠَﯿ ُ‬ ‫ِﻜ ْﻢ َﻓ َﯿﻤِﯿﻠُ َ‬ ‫ِﻜ ْﻢ َوأَ ْﻣ ِﺘ َﻌﺘ ُ‬ ‫ﻮن َﻋ ْﻦ أَ ْﺳﻠ َ‬
‫ِﺤﺘ ُ‬ ‫َﺗ ْﻐ ُﻔﻠُ َ‬
‫ﯾﻦ َﻋ َﺬاﺑًﺎ‬ ‫ﱠ َ ْ‬ ‫ُ ْ ْ ُ‬ ‫ﻮا أَ ْﺳﻠ َ ُ‬ ‫ﻀ ُﻌ ْ‬ ‫ﺿﻰ أَن َﺗ َ‬ ‫ﱢﻣﻦ ﱠﻣ َﻄ ٍﺮ أَ ْو ُﻛﻨُﺘﻢ ﱠﻣ ْﺮ َ‬
‫ِﺮ َ‬‫ِﺤ َﺘﻜ ْﻢ َو ُﺧﺬوا ِﺣﺬ َرﻛ ْﻢ إِ ﱠن اﷲَ أ َﻋ ﱠﺪ ﻟِﻠ َﻜﺎﻓ ِ‬
‫ﱡﻣ ِﻬﯿ ًﻨﺎ )‪، (102‬اﻟﻨﺴﺎء‬

‫ﻓﺎﻵﯾﺔ ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﺻﻠﻮة اﻟﺨﻮف أﯾﻀﺎ وذﻛﺮت ) ﻓﺈذا ﺳﺠﺪوا ( وﺣﺘﻰ أن اﻟﺴﺠﻮد ﻫﻨﺎ‬
‫ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻹﻧﺘﻬﺎء ﻣﻦ اﻷﺳﺘﻤﺎع وﻛﻨﺎﯾﺔ ﻋﻦ اﻹﺳﺘﯿﻌﺎب واﻟﻔﻬﻢ و اﻹﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ‪ ،‬واﻵﯾﺔ ﺑﺈﺧﺘﺼﺎر‬
‫ﺗﻌﻨﻰ أن ﯾﺆم اﻟﻨﺒﻲ اﻟﻤﺼﻠﯿﻦ وﯾﻘﺼﺮوا ﻓﻰ وﻗﺘﻬﺎ وأن ﺗﺼﻠﻰ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻰ وإذا ﺳﺠﺪوا )‬
‫أﺳﺘﺜﻨﻰ اﻟﻨﺒﻰ وﻟﻢ ﯾﻘﻞ ﻓﺈذا ﺳﺠﺪﺗﻢ ( أى ﺳﻤﻌﻮا وﻓﻬﻤﻮا ﻓﻠﯿﻜﻮﻧﻮا ﻓﻰ ﺣﺮاﺳﺘﻜﻢ وﻟﺘﺄﺗﻲ‬
‫ً‬
‫رﺟﺎﻻ ﻓﻰ اﻵﯾﺔ اﻟﺘﻰ ﻧﺘﺤﺪث‬ ‫ﻃﺎﺋﻔﺔ اﺧﺮي ﻟﻢ ﺗﺼﻠﻰ و ﻛﻬﺬا ‪ .‬وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻰ ﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻜﻠﻤﺔ‬
‫ﻋﻨﻬﺎ إﻻ أن ﯾﻜﻮن ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ وﻗﻮﻓﺎ وﻫﺬا ﻓﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﺧﻮف ﻣﻦ ﻋﺪو وﻫﺬا ﻣﻌﻨﺎه أن اﻟﺼﻠﻮة‬
‫ً‬
‫ﺟﻠﻮﺳﺎ ‪.‬‬ ‫ﺗﺆدى ﻓﻰ اﻷوﻗﺎت اﻟﻌﺎدﯾﺔ‬
 ‫‪89‬‬

‫أﻛﺬوﺑﺔ اﻟﻤﻌﺮاج‬

‫ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻇﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ! أن اﻟﻤﻌﺮاج ﻣﻌﺠﺰة ﺳﺒﻘﻬﻢ اﻵﺧﺮون ﻟﻠﺴﻤﺎء‬

‫ﻛﺘﺎب اﻟﺒﺨﺎرى ﻛﺘﺎب ﻣﻨﺎﻗﺐ اﻷﻧﺼﺎر ﺑﺎب ‪ .‬ﺛﻢ ﻓﺮﺿﺖ ﻋﻠﻲ اﻟﺼﻼة ﺧﻤﺴﯿﻦ ﺻﻼة ﻛﻞ‬
‫ﯾﻮم ‪ .‬ﻓﺮﺟﻌﺖ ﻓﻤﺮرت ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺳﻰ ‪ : ،‬ﺑﻤﺎ أﻣﺮت ؟ ﻗﺎل ‪ :‬أﻣﺮت ﺑﺨﻤﺴﯿﻦ ﺻﻼة ﻛﻞ ﯾﻮم‬
‫‪ ،‬ﻗﺎل ‪ :‬إن أﻣﺘﻚ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ ﺧﻤﺴﯿﻦ ﺻﻼة ﻛﻞ ﯾﻮم ‪ ،‬وإﻧﻲ واﷲ ﻗﺪ ﺟﺮﺑﺖ اﻟﻨﺎس ﻗﺒﻠﻚ ‪،‬‬
‫وﻋﺎﻟﺠﺖ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أﺷﺪ اﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ ‪ ،‬ﻓﺎرﺟﻊ إﻟﻰ رﺑﻚ ﻓﺎﺳﺄﻟﻪ اﻟﺘﺨﻔﯿﻒ ﻷﻣﺘﻚ ‪ ،‬ﻓﺮﺟﻌﺖ ‪،‬‬
‫ﻓﻮﺿﻊ ﻋﻨﻲ ﻋﺸﺮاً ‪ ،‬ﻓﺮﺟﻌﺖ إﻟﻰ ﻣﻮﺳﻰ ‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﻣﺜﻠﻪ ‪ .‬ﻓﺮﺟﻌﺖ ﻓﻮﺿﻊ ﻋﻨﻰ ﻋﺸﺮاً ‪،‬‬
‫ﻓﺮﺟﻌﺖ إﻟﻰ ﻣﻮﺳﻰ ‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﻣﺜﻠﻪ ‪ .‬ﻓﺮﺟﻌﺖ ﻓﻮﺿﻊ ﻋﻨﻰ ﻋﺸﺮاً ‪ ،‬ﻓﺮﺟﻌﺖ إﻟﻰ ﻣﻮﺳﻰ ‪،‬‬
‫ﻓﻘﺎل ﻣﺜﻠﻪ ‪ .‬ﻓﺮﺟﻌﺖ ﻓﻮﺿﻊ ﻋﻨﻰ ﻋﺸﺮاً ‪ ،‬ﻓﺮﺟﻌﺖ إﻟﻰ ﻣﻮﺳﻰ ﻓﻘﺎل ﻣﺜﻠﻪ ‪ .‬ﻓﺮﺟﻌﺖ ﻓﺄﻣﺮت‬
‫ﺑﻌﺸﺮ ﺻﻠﻮات ﻛﻞ ﯾﻮم ‪ ،‬ﻓﺮﺟﻌﺖ ﻓﻘﺎل ﻣﺜﻠﻪ ‪ .‬ﻓﺮﺟﻌﺖ ﻓﺄﻣﺮت ﺑﺨﻤﺲ ﺻﻠﻮات ﻛﻞ ﯾﻮم ‪،‬‬
‫ﻓﺮﺟﻌﺖ إﻟﻰ ﻣﻮﺳﻰ ﻓﻘﺎل ‪ :‬ﺑﻤﺎ أﻣﺮت ؟ ﻗﻠﺖ ‪ :‬ﺑﺨﻤﺲ ﺻﻠﻮات ﻛﻞ ﯾﻮم ‪ .‬ﻗﺎل ‪ :‬إن أﻣﺘﻚ ﻻ‬
‫ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ ﺧﻤﺲ ﺻﻠﻮات ﻛﻞ ﯾﻮم ‪ ،‬وإﻧﻲ ﻗﺪ ﺟﺮﺑﺖ اﻟﻨﺎس ﻗﺒﻠﻚ وﻋﺎﻟﺠﺖ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أﺷﺪ‬
‫اﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ ‪ .‬ﻓﺄرﺟﻊ إﻟﻰ رﺑﻚ ﻓﺎﺳﺄﻟﻪ اﻟﺘﺨﻔﯿﻒ ﻷﻣﺘﻚ ‪ .‬ﻗﺎل ‪ :‬ﺳﺄﻟﺖ رﺑﻲ ﺣﺘﻰ اﺳﺘﺤﯿﯿﺖ‬
‫وﻟﻜﻦ أرﺿﻰ وأﺳﻠﻢ ‪ .‬ﻗﺎل ‪ :‬ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺎوزت ﻧﺎداﻧﻲ ﻣﻨﺎ ٍد ‪ :‬أﻣﻀﯿﺖ ﻓﺮﯾﻀﺘﻲ ‪ ،‬وﺧﻔﻔﺖ ﻋﻦ‬
‫ﻋﺒﺎدي (‬
‫ﻗﺼﺔ اﻟﻤﻌﺮاج إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء ﺑﺈﺳﺘﺨﺪام ﺣﺼﺎن ﻣﺠﻨﺢ ﻣﻦ اﻟﻤﻔﺘﺮض أﻧﻪ ﻻ ﻣﻜﺎن ﻟﻬﺎ إﻻ‬
‫ﻗﺼﺺ اﻷﻃﻔﺎل وﺣﻜﺎﯾﺎت أﻟﻒ ﻟﯿﻠﺔ وﻟﯿﻠﺔ ‪ ،‬وﻫﻰ ﻣﻠﯿﺌﺔ ﺑﺎﻟﺴﺨﺎﻓﺎت ﻷن ﻣﻮﺳﻰ ﻟﯿﺲ أرﺣﻢ‬
‫ﻣﻦ اﷲ ﺑﻨﺎ ‪ ،‬وﺣﺘﻰ أن ﺳﻮرة اﻹﺳﺮاء ﺗﺒﺪأ ﺑﺘﺴﺒﯿﺢ اﷲ ﻋﻠﻰ ﺣﺪوث اﻹﺳﺮاء ‪ ،‬ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ )‬
‫ﺼﻰ اﻟﱠﺬِي َﺑ َ‬
‫ﺎر ْﻛ َﻨﺎ َﺣ ْﻮﻟَ ُﻪ‬ ‫ٰ ﺑ َﻌ ْﺒ ِﺪ ِه ﻟَﯿ ًْﻼ ﱢﻣ َﻦ ْاﻟ َﻤ ْﺴ ِﺠ ِﺪ ْاﻟ َﺤ َﺮام إﻟَﻰ ْاﻟ َﻤ ْﺴ ِﺠ ِﺪ ْ َ‬
‫اﻷ ْﻗ َ‬ ‫ْﺤ َ ﱠ َ‬
‫ِِ‬ ‫ﺎن اﻟﺬِي أ ْﺳ َﺮى ِ‬ ‫ُﺳﺒ َ‬
‫ﯿﺮ )‪ (1‬اﻹﺳﺮاء ‪،‬‬ ‫ﺼُ‬ ‫ِﯿﻊ ْاﻟ َﺒ ِ‬ ‫ِﻦ آ َﯾﺎ ِﺗ َﻨﺎۚ إِﱠﻧ ُﻪ ُﻫ َﻮ ﱠ‬
‫اﻟﺴﻤ ُ‬ ‫ﻟُِﻨ ِﺮ َﯾ ُﻪ ﻣ ْ‬

‫وﻛﺎن اﻷوﻟﻰ ﻫﻮ ذﻛﺮ اﻟﻤﻌﺮاج ﺑﻔﺮض ﺣﺪوﺛﻪ ‪ ،‬و ﯾﻜﻔﻰ أﻧﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻇﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ! أن‬
‫اﻟﻤﻌﺮاج ﻣﻌﺠﺰة ﺳﺒﻘﻬﻢ اﻵﺧﺮون ﻟﻠﺴﻤﺎء ‪ .‬ﺑﻤﻌﻨﻰ أن ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻋﺘﻘﺪ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ أن ﻣﺎ ﺣﺪث‬
 ‫‪90‬‬

‫ﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ اﻟﻤﻌﺠﺰة اﻟﺘﻰ ﻟﻦ ﯾﺴﺘﻄﯿﻌﻬﺎ أﺣﺪ ) و اﻟﻘﺼﺪ ﻫﻨﺎ أن اﻟﻤﻌﺠﺰة اﻟﺘﻰ ﺗﺼﻮروﻫﺎ‬
‫ً‬
‫ﻣﺎﻧﻌﺎ ﻟﻬﻢ‬ ‫ﻫﻰ اﻟﺼﻌﻮد ذاﺗﻪ وﻟﯿﺲ أدواﺗﻪ ﻛﺘﺼﻮر ﻫﺰﻟﻰ ﻟﺤﯿﻮان ﻣﺠﻨﺢ ( ‪ ،‬رﺑﻤﺎ ﻛﺎن ذﻟﻚ‬
‫ﻟﻺﻋﺘﻘﺎد ﺑﻘﺪرة اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻰ ﻋﺼﺮﻧﺎ اﻟﺤﺎﻟﻰ أن ﯾﺼﻨﻊ ﻣﺎ ﯾﺆﻫﻠﻪ ﻟﺘﻜﺮارﻫﺎ ‪ .‬ﻓﺎﻟﻤﻌﺮاج‬
‫ﺑﺎﻟﻨﺒﻰ ﻟﻢ ﯾﺤﺪث ‪ ،‬وﻫﻰ ﻣﺜﻞ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻤﺎ ﺗﻢ وﺿﻌﻪ ﻟﺘﺤﺮﯾﻒ اﻟﺪﯾﻦ وﻫﻮ ﯾﻨﺎﻗﺾ اﻟﻘﺮآن ‪،‬‬
‫وﻟﻸﺳﻒ ﯾﺘﺨﺬوﻧﻬﺎ ﺳﻨﺪاً ﻹﺛﺒﺎت أﻫﻢ أﻣﻮر اﻟﺪﯾﻦ وﻫﻰ اﻟﺼﻠﻮات اﻟﺨﻤﺲ ﻓﻰ اﻟﯿﻮم اﻟﻮاﺣﺪ‬

‫ﻣﻮاﻗﯿﺖ اﻟﺼﻠﻮة‬

‫ﺎت َذﻟ َ‬
‫ِﻚ‬ ‫اﻟﺴﱢﯿ َﺌ ِ‬
‫ْﻦ ﱠ‬‫ﺎت ﯾ ُْﺬ ِﻫﺒ َ‬
‫ْﻞ إِ ﱠن ْاﻟ َﺤ َﺴ َﻨ ِ‬
‫ﺎر َو ُزﻟَ ًﻔﺎ ﱢﻣ َﻦ اﻟﻠﱠﯿ ِ‬
‫اﻟﺼﻼ َة َﻃ َﺮ َﻓ ِﻲ اﻟﱠﻨ َﻬ ِ‬
‫ِﻢ ﱠ‬ ‫َ‬
‫ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َوأﻗ ِ‬
‫ﯾﻦ )‪ (114‬ﻫﻮد ‪،‬‬ ‫ِﺮ َ‬ ‫ﱠ‬ ‫ْ‬
‫ذِﻛ َﺮى ﻟِﻠﺬاﻛ ِ‬

‫ﺣﺪد اﻟﻨﺺ ﻓﻰ ﺗﻠﻚ اﻵﯾﺔ ﻣﻮاﻗﯿﺖ اﻟﺼﻠﻮة وﻫﻢ ﺛﻼث ﻣﻮاﻗﯿﺖ ‪ ،‬ﻃﺮﻓﻰ اﻟﻨﻬﺎر أى ﺑﻌﺪ‬
‫ﺑﺪاﯾﺘﻪ ﺑﻔﺘﺮة وﻗﺒﻞ ﻧﻬﺎﯾﺘﻪ ﺑﻔﺘﺮة ) وﻟﯿﺲ ﺑﻌﺪ ﺑﺪاﯾﺘﻪ وﻗﺒﻞ ﻧﻬﺎﯾﺘﻪ ﻣﺒﺎﺷﺮة ﻷن ذﻟﻚ اﻟﺘﻮﻗﯿﺖ‬
‫ﺳﯿﻜﻮن ﻃﺮﻓﻰ اﻟﻠﯿﻞ أﯾﻀﺎ وﻟﯿﺲ ﻃﺮﻓﻰ اﻟﻨﻬﺎر ﻓﻘﻂ ( وﻫﻤﺎ ﺻﻠﻮة ﺑﺎﻟﻀﺮورة ﺻﻠﻮة‬
‫ً‬
‫وزﻟﻔﺎ ﺗﻌﻨﻰ و ﺗﻘﺮﺑﺎ إﻟﻰ اﷲ ﻓﻘﺼﺪ ﺑﻬﺎ‬ ‫اﻟﻔﺠﺮ وﺻﻠﻮة اﻟﻌﺸﺎء اﻟﺘﻰ ﯾﺴﻤﻮﻧﻬﺎ اﻟﻤﻐﺮب ‪.‬‬
‫ﻣﯿﻘﺎت ﺛﺎﻟﺚ وﻫﻮ ﺻﻠﻮة اﻟﻠﯿﻞ ) إﺳﻤﻬﺎ ﺻﻠﻮة اﻟﻠﯿﻞ ( ‪ .‬و زﻟﻔﺎ ﻟﯿﺴﺖ ﺟﻤﻌﺎ ﻛﻤﺎ ﯾﺸﯿﺮ‬
‫اﻟﺒﻌﺾ وﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﻤﻌﺎ ﻓﺎﻟﺠﻤﻊ ﯾﺸﯿﺮ إﻟﻰ ﻣﺪى اﻟﺘﻘﺮب إﻟﻰ اﷲ ﺑﺄداﺋﻬﺎ ‪.‬‬

‫ِﯾﻦ ﻟَ ْﻢ َﯾﺒْﻠُ ُﻐﻮا‬

‫ِﯾﻦ َﻣﻠَ َﻜ ْﺖ أَ ْﯾ َﻤﺎُﻧ ُﻜ ْﻢ َواﻟﱠﺬ َ‬ ‫ِﯾﻦ آ َﻣُﻨﻮا ﻟَِﯿ ْﺴ َﺘ ْﺄذ ُ‬
‫ِﻧﻜ ُﻢ اﻟﱠﺬ َ‬ ‫وﻛﺬﻟﻚ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َﯾﺎ أَﱡﯾ َﻬﺎ اﻟﱠﺬ َ‬
‫ﯿﺮ ِة َوﻣِﻦ َﺑ ْﻌ ِﺪ‬ ‫ﻮن ِﺛ َﯿﺎ َﺑ ُﻜﻢ ﱢﻣ َﻦ ﱠ‬
‫اﻟﻈ ِﻬ َ‬ ‫ﻀ ُﻌ َ‬ ‫ﯿﻦ َﺗ َ‬‫ﺻ َﻼ ِة ْاﻟ َﻔ ْﺠ ِﺮ َو ِﺣ َ‬ ‫ْﻞ َ‬‫اتۚ ﱢﻣﻦ َﻗﺒ ِ‬ ‫ْاﻟ ُﺤﻠُ َﻢ ﻣ ُ‬
‫ِﻨﻜ ْﻢ َﺛ َﻼ َث َﻣ ﱠﺮ ٍ‬
‫ﻮن َﻋﻠَﯿ ُ‬
‫ْﻜﻢ‬ ‫َﻫ ﱠﻦۚ َﻃ ﱠﻮ ُاﻓ َ‬ ‫ﺎح َﺑ ْﻌﺪ ُ‬ ‫ْﺲ َﻋﻠَﯿ ُ‬
‫ْﻜ ْﻢ َو َﻻ َﻋﻠَﯿ ِ‬
‫ْﻬ ْﻢ ُﺟ َﻨ ٌ‬ ‫ات ﻟﱠ ُﻜ ْﻢۚ ﻟَﯿ َ‬
‫ِﺸﺎ ِءۚ َﺛ َﻼ ُث َﻋ ْﻮ َر ٍ‬‫ﺻ َﻼ ِة ْاﻟﻌ َ‬‫َ‬
‫ﺎتۗ َواﷲﱠُ َﻋﻠِﯿ ٌﻢ َﺣﻜِﯿ ٌﻢ )‪ (58‬اﻟﻨﻮر‬ ‫ﱢﻦ اﷲﱠُ ﻟَ ُﻜ ُﻢ ْاﻵ َﯾ ِ‬ ‫ٰﺬﻟ َ‬
‫ِﻚ ُﯾ َﺒﯿ ُ‬ ‫ﺾۚ َﻛ َ‬ ‫ﻀ ُﻜ ْﻢ َﻋﻠَﻰ‬
‫ٰ َﺑ ْﻌ ٍ‬ ‫َﺑ ْﻌ ُ‬
 ‫‪91‬‬

‫ورﻏﻢ أن اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ ﻫﻨﺎ ﻟﻢ ﯾُﺬﻛﺮ إﻻ ﺻﻼﺗﯿﻦ ﻓﻘﻂ وﻫﻤﺎ ﺻﻠﻮة اﻟﻔﺠﺮ وﺻﻠﻮة اﻟﻌﺸﺎء‬
‫) اﻟﺘﻰ ﯾﺴﻤﻮﻧﻬﺎ اﻟﻤﻐﺮب ( ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻫﺬه اﻵﯾﺔ ﺗﻮﺿﺢ ﻣﻮاﻋﯿﺪ ﺧﺎﺻﺔ ﻗﺴﻤﺖ اﻟﯿﻮم إﻟﻰ ﺛﻼث‬
‫ﻓﺘﺮات ﻛﻞ ﻓﺘﺮة ﺛﻤﺎﻧﻰ ﺳﺎﻋﺎت ) ﻣﻦ ‪ ( ٦ : ١٠ ، ١٠ : ٢ ، ٢ : ٦‬ﯾﺘﻢ ﻋﻨﺪ ﺑﺪاﯾﺘﻬﺎ‬
‫اﻹﺳﺘﺌﺬان ﺑﺎﻹﻧﺼﺮاف ﻋﻦ اﻟﺤﺮاﺳﺔ وﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﺿﻤﻦ ﻣﻮاﻋﯿﺪ اﻷﺳﺘﺬان ﺗﻠﻚ ﻣﯿﻌﺎد ﺑﺎﻟﻠﯿﻞ‬
‫ﻟﺬﻛﺮه ‪ ،‬وﻋﺪم ذﻛﺮ ﺻﻠﻮة ﺑﺎﻟﻈﻬﯿﺮة ﯾﻮﺿﺢ أﻧﻪ ﻟﯿﺲ ﻫﻨﺎك ﺻﻠﻮات ﻓﻰ وﺳﻂ اﻟﻨﻬﺎر ‪.‬‬

‫آن ْاﻟ َﻔ ْﺠ ِﺮۖ إِ ﱠن ُﻗ ْﺮ َ‬

‫آن‬ ‫ٰ َﻏ َﺴ ِﻖ اﻟﻠﱠﯿ ِ‬
‫ْﻞ َو ُﻗ ْﺮ َ‬ ‫ﺲ إِﻟَﻰ‬ ‫ﻮك ﱠ‬
‫اﻟﺸ ْﻤ ِ‬ ‫اﻟﺼ َﻼ َة ﻟِ ُﺪﻟُ ِ‬
‫ِﻢ ﱠ‬ ‫َ‬
‫وﻛﺬﻟﻚ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ) أﻗ ِ‬
‫ﺎن َﻣ ْﺸ ُﻬﻮ ًدا )‪ (78‬وﻣﻦ اﻟﻠﯿﻞ ﻓﺘﻬﺠﺪ ﺑﻪ ﻋﺴﻰ أن ﯾﺒﻌﺜﻚ رﺑﻚ ﻣﻘﺎﻣﺎ ﻣﺤﻤﻮدا) ‪(79‬‬ ‫ْاﻟ َﻔ ْﺠ ِﺮ َﻛ َ‬
‫اﻹﺳﺮاء ‪،‬‬
‫‪ ،‬ﺛﻼث ﻣﻮاﻗﯿﺖ اﻷول ﻫﻮ ﻋﻨﺪ دﻟﻮك اﻟﺸﻤﺲ أى ﺑﺪاﯾﻪ ﺧﻔﻮت اﻟﺸﻤﺲ ﻟﺤﯿﻦ أﺧﺘﻔﺎءﻫﺎ )‬
‫اﻟﻤﺬﻛﻮرة ﻓﻰ اﻟﻘﺮآن ﺑﺈﺳﻢ اﻟﻌﺸﺎء واﻟﺘﻰ ﯾﺴﻤﻮﻧﻬﺎ اﻟﻤﻐﺮب ( ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﻮﻗﯿﺖ وﻗﺮآن اﻟﻔﺠﺮ )‬
‫إﺷﺎرة ﻟﺼﻠﻮة اﻟﻔﺠﺮ وﺗﻼوة اﻟﻨﺺ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻰ ( ‪ ،‬ﺛﻢ ﻣﯿﻘﺎت ﺛﺎﻟﺚ ) وﻣﻦ اﻟﻠﯿﻞ ﻓﺘﻬﺠﺪ‬
‫ﺑﻪ ( اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻋﺸﺮ ﻣﺴﺎءا ‪،‬‬

‫ﻣﻮاﻗﯿﺖ اﻟﺼﻠﻮة وﻣﻮاﻗﯿﺖ اﻟﺘﺴﺒﯿﺢ‬

‫اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻔﺴﺮﯾﻦ رﺑﻄﻮا ﺑﯿﻦ أوﻗﺎت اﻟﺘﺴﺒﯿﺢ واﻟﺼﻠﻮة ﻹﺛﺒﺎت وﺟﻮد ﺧﻤﺲ ﺻﻠﻮات‬
‫وﻫﺬا ﺣﺴﺐ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ‬

‫وﺑ َﻬﺎۖ َوﻣ ْ‬

‫ِﻦ آ َﻧﺎ ِء‬ ‫ﺲ َو َﻗﺒ َ‬
‫ْﻞ ُﻏ ُﺮ ِ‬ ‫ْﻞ ُﻃﻠُﻮع ﱠ‬
‫اﻟﺸ ْﻤ ِ‬ ‫ﱢﻚ َﻗﺒ َ‬
‫ﱢﺢ ِﺑ َﺤ ْﻤ ِﺪ َرﺑ َ‬ ‫ٰ َﻣﺎ َﯾ ُﻘﻮﻟُ َ‬
‫ﻮن َو َﺳﺒ ْ‬ ‫ﺎﺻ ِﺒ ْﺮ َﻋﻠَﻰ‬
‫) َﻓ ْ‬
‫ِ‬
‫ٰ )‪ (130‬ﻃﻪ ‪،‬‬ ‫ﺿﻰ‬ ‫ﺎر ﻟَ َﻌﻠﱠ َﻚ َﺗ ْﺮ َ‬ ‫ﱢﺢ َوأَ ْﻃ َﺮ َ‬
‫اف اﻟﱠﻨ َﻬ ِ‬ ‫اﻟﻠﱠﯿ ِ‬
‫ْﻞ َﻓ َﺴﺒ ْ‬

‫ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻫﺬه اﻵﯾﺔ وﻏﯿﺮﻫﺎ ﺗﺮﺑﻂ ﺑﯿﻦ اﻟﺼﻠﻮة واﻟﺘﺴﺒﯿﺢ وأوﻗﺎﺗﻬﻢ ) وﺗﺮاﺑﻂ اﻟﺘﺴﺒﯿﺢ واﻟﺼﺒﺮ‬
‫واﻟﺼﻠﻮة أﻛﯿﺪ ﻷن اﻟﺘﺴﺒﯿﺢ ﺑﺎﻟﺤﻤﺪ واﻟﺘﺴﺒﯿﺢ ﺑﺎﻟﺘﻌﻈﯿﻢ ﯾﻌﻨﻰ ﺣﻤﺪ اﷲ ﻋﻠﻰ اﻟﻬﺪى و ﺗﻌﻈﯿﻤﻪ‬
‫ﻷﻧﻪ ﻣﺤﻞ اﻟﺮﺿﺎ واﻟﻮﻛﯿﻞ وﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﺿﻞ ﻋﻦ ﻫﺪاه واﻟﺬﯾﻦ ﻧﺤﻦ ﻣﻄﺎﻟﺒﯿﻦ ﺑﺎﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ‬
 ‫‪92‬‬

‫أذاﻫﻢ ( ‪ ،‬وﻟﻜﻦ ﺣﺘﻰ اﻷوﻗﺎت اﻟﻤﺬﻛﻮرة ﻓﻰ ﺗﻠﻚ اﻵﯾﺔ ﺛﻼث أوﻗﺎت ﻓﻘﻂ أﯾﻀﺎ ‪ ،‬ﻓﺈن ﻗﻠﻨﺎ )‬
‫ﺣﺴﺐ اﻟﺼﻠﻮات اﻟﺨﻤﺲ اﻟﻤﺄﺧﻮذ ﺑﻬﺎ ( أن ﻗﺒﻞ ﻃﻠﻮع اﻟﺸﻤﺲ ﻫﻮ اﻟﻔﺠﺮ ‪ ،‬وﻗﺒﻞ ﻏﺮوﺑﻬﺎ‬
‫ﻫﻮ اﻟﻤﻐﺮب ‪ ،‬وﻣﻦ اﻧﺎء اﻟﻠﯿﻞ ﻫﻮ اﻟﻌﺸﺎء ‪ ،‬وﻟﻜﻦ ) وأﻃﺮاف اﻟﻨﻬﺎر (ﻫﻨﺎ وﺣﺴﺐ اﻟﻠﻔﻆ ﻻ‬
‫ﯾﺠﻮز أن ﯾﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﻈﻬﺮ واﻟﻌﺼﺮ ‪ ،‬واﻻﻛﺜﺮ ﻣﻨﻄﻘﯿﺔ أﻧﻬﺎ ﺗﻌﻮد ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺠﺮ واﻟﻤﻐﺮب )‬
‫اﻟﺬى ُﺳﻤﻰ اﻟﻌﺸﺎء ﻓﻰ اﻟﻘﺮآن ( اﻟﻤﺬﻛﻮرﯾﻦ أﺻﻼ ﻓﻰ اﻟﺒﺪاﯾﺔ ‪ ،‬وﻟﻜﻦ أُﻋﯿﺪ ذﻛﺮﻫﻢ ﺑﻜﻮﻧﻬﻢ‬
‫أﻃﺮاف اﻟﻨﻬﺎر ﻟﻠﺘﺬﻛﯿﺮ ﺑﺈﻣﺘﺪادﻫﻢ داﺧﻞ اﻟﻨﻬﺎر ﻓﺎﻟﻔﺠﺮ ﻟﻪ أﻃﺮاف ﻣﺘﻌﺪدة ﻛﺄن ﯾﻨﺘﻬﻰ ﺑﻌﺪ‬
‫ﺳﺎﻋﺔ أو أﻛﺜﺮ أو أﻗﻞ داﺧﻞ ﺑﺪاﯾﺔ اﻟﻨﻬﺎر ) وﻫﺬا ﻣﺎ ﯾﺤﺪث ﺗﻠﻘﺎﺋﯿﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﻮاﻟﻰ ﻗﺮاءة اﻟﻘﺮآن‬
‫ﻓﻰ اﻟﺼﺒﺎح ( وﻛﺬﻟﻚ اﻟﻤﻐﺮب ) اﻟﺘﻰ ُﺳﻤﯿﺖ ﻓﻰ اﻟﻘﺮآن اﻟﻌﺸﺎء ( ﻗﺪ ﺗﺒﺪأ ﻗﺒﻞ ﻧﻬﺎﯾﺔ اﻟﻨﻬﺎر‬
‫ﺑﺴﺎﻋﺔ أو أﻛﺜﺮ أو أﻗﻞ وﻟﺬﻟﻚ ُﺳﻤﯿﺎ أو أﻋﯿﺪ ذﻛﺮﻫﻤﺎ ﻋﻠﻰ أﻧﻬﻤﺎ أﻃﺮاف اﻟﻨﻬﺎر ‪ ،‬ﻟﺬﻟﻚ ﻣﻦ‬
‫إﺗﺨﺬوا ﻣﻦ ﻫﺬه اﻵﯾﺔ ﺳﻨﺪا ﻹﺛﺒﺎت اﻟﺼﻠﻮات اﻟﺨﻤﺲ ﺗﻀﺎرﺑﺖ ﺗﻔﺎﺳﯿﺮﻫﻢ ﻓﻬﻨﺎك ﻣﻦ ﺣﺎول‬
‫أن ﯾﺠﺪ ﺗﺒﺮﯾﺮ ﻟﻜﻮن اﻟﻈﻬﺮ ﺿﻤﻦ أﻃﺮاف اﻟﻨﻬﺎر وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺟﻌﻞ ﻟﻠﺘﻮﻗﯿﺖ اﻟﻮاﺣﺪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ‬
‫ﺻﻼﺗﯿﻦ) وﻫﺬا ﻻ ﯾﺠﻮز( ﻹدراﻛﻪ أن ﻣﯿﻘﺎت أﻃﺮاف اﻟﻨﻬﺎر ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ اﻟﺘﻜﺮار ‪.‬‬

‫ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻟﻘﺮﻃﺒﻲ‬

‫ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪ :‬وﺳﺒﺢ ﺑﺤﻤﺪ رﺑﻚ ﻗﺒﻞ ﻃﻠﻮع اﻟﺸﻤﺲ ﻗﺎل أﻛﺜﺮ اﻟﻤﺘﺄوﻟﯿﻦ ‪ :‬ﻫﺬا إﺷﺎرة إﻟﻰ‬
‫اﻟﺼﻠﻮات اﻟﺨﻤﺲ ‪ ،‬ﻗﺒﻞ ﻃﻠﻮع اﻟﺸﻤﺲ ﺻﻼة اﻟﺼﺒﺢ ‪ ،‬وﻗﺒﻞ ﻏﺮوﺑﻬﺎ ﺻﻼة اﻟﻌﺼﺮ ‪،‬‬
‫وﻣﻦ آﻧﺎء اﻟﻠﯿﻞ ﻓﺴﺒﺢ اﻟﻌﺘﻤﺔ ‪ ،‬وأﻃﺮاف اﻟﻨﻬﺎر اﻟﻤﻐﺮب واﻟﻈﻬﺮ ؛‬
‫ﻷن اﻟﻈﻬﺮ ﻓﻲ آﺧﺮ ﻃﺮف اﻟﻨﻬﺎر اﻷول ‪ ،‬وأول ﻃﺮف اﻟﻨﻬﺎر اﻵﺧﺮ ؛ ﻓﻬﻲ ﻓﻲ ﻃﺮﻓﯿﻦ‬
‫ﻣﻨﻪ ؛ واﻟﻄﺮف اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻏﺮوب اﻟﺸﻤﺲ وﻫﻮ وﻗﺖ اﻟﻤﻐﺮب ‪.‬‬
‫وﻗﯿﻞ ‪ :‬اﻟﻨﻬﺎر ﯾﻨﻘﺴﻢ ﻗﺴﻤﯿﻦ ﻓﺼﻠﻬﻤﺎ اﻟﺰوال ‪ ،‬وﻟﻜﻞ ﻗﺴﻢ ﻃﺮﻓﺎن ؛ ﻓﻌﻨﺪ اﻟﺰوال ﻃﺮﻓﺎن ؛‬
‫اﻵﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﺴﻢ اﻷول واﻷول ﻣﻦ اﻟﻘﺴﻢ اﻵﺧﺮ ؛ ﻓﻘﺎل ﻋﻦ اﻟﻄﺮﻓﯿﻦ أﻃﺮاﻓﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻓﻘﺪ‬
‫ﺻﻐﺖ ﻗﻠﻮﺑﻜﻤﺎ وأﺷﺎر إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺮ اﺑﻦ ﻓﻮرك ﻓﻲ اﻟﻤﺸﻜﻞ ‪ .‬وﻗﯿﻞ ‪ :‬اﻟﻨﻬﺎر ﻟﻠﺠﻨﺲ ﻓﻠﻜﻞ‬
‫ﯾﻮم ﻃﺮف ‪ ،‬وﻫﻮ ﺟﻤﻊ ﻷﻧﻪ ﯾﻌﻮد إﻟﻰ ﻛﻞ ﻧﻬﺎر ‪.‬‬
 ‫‪93‬‬

‫ﻓﺎﻟﻘﺮﻃﺒﻰ ذﻛﺮ أن ﺻﻼة اﻟﻌﺼﺮ ﻫﻮ ﺗﻮﻗﯿﺖ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﻐﺮوب ! ﺛﻢ ذﻛﺮ أن اﻟﻈﻬﺮ واﻟﻤﻐﺮب‬
‫ﻫﻤﺎ أﻃﺮاف ﻟﻠﻨﻬﺎر ! ﻓﻬﻮ ﻗﺴﻢ اﻟﻨﻬﺎر إﻟﻰ ﻧﺼﻔﯿﻦ ﻓﺠﻌﻞ اﻟﻈﻬﺮ ﻓﻰ ﻣﻨﺘﺼﻔﻪ ‪ ،‬وﻗﺎل أن ﻟﻔﻆ‬
‫أﻃﺮاف اﻟﻨﻬﺎر ﺗﻌﻮد ﻋﻠﻰ اﻟﻈﻬﺮ واﻟﻤﻐﺮب ﻷن اﻟﻈﻬﺮ ﻟﻮﺣﺪة ﻃﺮﻓﯿﻦ ‪ ،‬ﻃﺮف ﻧﻬﺎﯾﺔ اﻟﺠﺰء‬
‫اﻷول ﻣﻦ اﻟﻨﻬﺎر وﺑﺪاﯾﺔ اﻟﺠﺰء اﻟﺜﺎﻧﻰ ﻣﻦ اﻟﻨﻬﺎر ‪ ،‬وأن اﻟﻤﻐﺮب ﻃﺮف ﻧﻬﺎﯾﺔ اﻟﻨﻬﺎر ‪،‬‬
‫ﻓﺄﻃﻠﻖ ﻋﻠﯿﻬﻢ أى اﻟﻈﻬﺮ واﻟﻤﻐﺮب أﻃﺮاف اﻟﻨﻬﺎر ! اﻟﻘﺮﻃﺒﻰ ﻗﺎل ذﻟﻚ ﻷﻧﻪ ﺑﺎﻟﺒﺪﯾﻬﺔ وﻛﻤﺎ‬
‫ﻗﻠﻨﺎ ﻻﯾﺠﻮز أن ﯾﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﻈﻬﺮ واﻟﻌﺼﺮ أﻃﺮاف اﻟﻨﻬﺎر ﻓﻬﻮ وإن ﺣﺎول أن ﯾﺠﺪ ﺗﺒﺮﯾﺮ‬
‫ﻟﻜﻮن اﻟﻈﻬﺮ ﻗﺪ ﯾﻜﻮن ﻣﻦ أﻃﺮاف اﻟﻨﻬﺎر ﻓﻬﻮ ﻟﻢ ﯾﺠﺪ ﻣﺎ ﯾﺴﻮغ أن ﯾﻜﻮن اﻟﻌﺼﺮ ﻛﺬﻟﻚ‬
‫وﻟﺬﻟﻚ ﻗﺎل أن اﻟﻌﺼﺮ ﺗﻮﻗﯿﺖ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﻐﺮوب !‬
‫وﻛﻼﻣﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﻧﻪ ﻗﯿﻞ أن اﻟﻨﻬﺎر ﻗﺴﻤﯿﻦ ﯾﻔﺼﻠﻬﻤﺎ اﻟﺰوال ﯾﻘﺼﺪ ﺑﻪ ﻗﺴﻢ ﺗﻜﻮن اﻟﺸﻤﺲ ﻓﯿﻪ‬
‫ﺑﺎزﻋﺔ وﻗﺴﻢ أﺧﺮ ﻻ ﺗﻜﻮن اﻟﺸﻤﺲ ﺑﺎزﻏﺔ وﻟﺬﻟﻚ ُﺳﻤﻰ اﻟﻨﻬﺎر أﻃﺮاف اﻟﻨﻬﺎر ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ‬
‫ﯾﻮﺿﺢ ﻫﻞ ﻗﺼﺪ ﺑﺄﻧﻬﻤﺎ ﯾﻌﻮدان ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮﻗﯿﺘﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ أﺧﺘﺎرﻫﻤﺎ ﺑﻜﻮﻧﻬﻢ أﻃﺮاف اﻟﻨﻬﺎر أى‬
‫اﻟﻈﻬﺮ واﻟﻤﻐﺮب أو ﯾﻌﻮدان ﻋﻠﻰ اﻟﻈﻬﺮ واﻟﻌﺼﺮ ‪ ،‬ﺑﻤﺎ ﯾﻌﻨﻰ أﻧﻪ ذﻛﺮ ﺗﺒﺮﯾﺮ ﻟﻠﻔﻆ أﻃﺮاف‬
‫وﻟﻢ ﯾﺬﻛﺮ ﻣﻮاﻗﯿﺖ ‪ ،‬أو ﻗﻮﻟﻪ ) وﻗﯿﻞ ‪ :‬اﻟﻨﻬﺎر ﻟﻠﺠﻨﺲ ﻓﻠﻜﻞ ﯾﻮم ﻃﺮف ‪ ،‬وﻫﻮ ﺟﻤﻊ ﻷﻧﻪ‬
‫ﯾﻌﻮد إﻟﻰ ﻛﻞ ﻧﻬﺎر ( ﻓﻜﻼم ﻻ إﻋﺘﺒﺎر ﻟﻪ ﻷن اﻵﯾﻪ ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﻣﯿﻘﺎﺗﯿﻦ ﻣﺤﺪدﯾﻦ ﻓﻰ اﻟﯿﻮم‬
‫وﻟﯿﺲ ﻛﻞ ﯾﻮم ‪.‬‬

‫وﻓﻰ ﺗﻔﺴﯿﺮ ﺑﻦ ﻋﺎﺷﻮر ) ﻛﻤﺎ ﺳﯿﺄﺗﻰ ( ﻓﺮﻏﻢ أﻧﻪ ﻣﻦ أﻓﻀﻞ اﻟﻤﻔﺴﺮﯾﻦ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق وﻟﻢ‬
‫ﯾﻔﻮﺗﻪ ﻓﻬﻢ اﻟﺘﺮاﺑﻂ ﺑﯿﻦ ﻣﻮاﻗﯿﺖ اﻟﺘﺴﺒﯿﺢ واﻟﺼﻠﻮة ﻛﻤﺎ اﻟﺒﻌﺾ ‪ ،‬وﺣﺘﻰ أن ﺗﻔﺴﯿﺮه دل ﺟﺰﺋﯿﺎ‬
‫ﻋﻠﻰ أن ﻓﻰ ﻗﻮﻟﻪ ) وأﻃﺮاف اﻟﻨﻬﺎر( ﻧﺤﻮ ﺗﻜﺮار ﻟﻠﻤﯿﻘﺎﺗﯿﻦ اﻟﻤﺬﻛﻮرﯾﻦ ﻓﻰ ﺑﺪاﯾﺔ اﻵﯾﺔ إﻻ أﻧﻪ‬
‫ﻟﻢ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﺨﺮج ﻋﻦ أﻃﺎر أن اﻟﺼﻠﻮات ﺧﻤﺲ ﺻﻠﻮات ‪ ،‬وﺑﺬﻟﻚ ﻟﺠﺄ ﻟﺬﻛﺮ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ‬
‫ﺻﻠﻮة ﻟﻠﻤﯿﻘﺎت اﻟﻮاﺣﺪ ﺣﺘﻰ ﺗﺸﻤﻞ اﻟﺼﻠﻮات اﻟﺨﻤﺲ ﻷﻧﻪ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ أدرك أن ) وأﻃﺮاف‬
‫اﻟﻨﻬﺎر( ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ اﻟﺘﻜﺮار ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ذﻛﺮ أن ﻣﯿﻘﺎت ﻗﺒﻞ ﻃﻠﻮع اﻟﺸﻤﺲ ﻫﻮ اﻟﺼﺒﺢ ‪ ،‬و أن‬
‫وﻗﺖ ﻗﺒﻞ اﻟﻐﺮوب ﯾﻀﻢ ﺻﻼﺗﯿﻦ اﻟﻈﻬﺮ واﻟﻌﺼﺮ! ﺛﻢ ﻗﺎل ) وﻗﯿﻞ أﻧﻬﺎ اﻟﻌﺼﺮ ﻓﻘﻂ ( وﻟﻢ‬
‫ﯾﻨﺴﺐ اﻷﻣﺮ ﻟﻨﻔﺴﻪ ‪ ،‬أى أﻧﻪ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻪ ﻓﻬﻤﺎ اﻟﻈﻬﺮ واﻟﻌﺼﺮ ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ‪ ،‬ﺛﻢ ﻗﺎل أن ﻣﻦ آﻧﺎء‬
‫اﻟﻠﯿﻞ أﻧﻬﻤﺎ وﻗﺘﺎ اﻟﻤﻐﺮب واﻟﻌﺸﺎء ‪ .‬وﻗﺎل أن ﻫﺬا ﻣﻦ اﻟﻤﺠﻤﻞ اﻟﺬي ﺑﯿﻨﺘﻪ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﻤﺘﻮاﺗﺮة‬
‫ﻓﺈﺳﺘﻨﺎده ﻫﻨﺎ ﻟﻠﺴﻨﺔ ﻫﻮ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﯾﺎﺋﺴﺔ ﺣﺘﻰ ﻻ ﯾﻌﺘﺮض أﺣﺪ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺴﯿﺮه ﻷن ﻗﺒﻞ اﻟﻐﺮوب‬
‫وﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ أﻧﺎء اﻟﻠﯿﻞ ﯾﺠﺐ أن ﯾﻜﻮن ﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺻﻠﻮة واﺣﺪة وﻟﯿﺲ ﺻﻼﺗﯿﻦ ‪ ،‬ﺛﻢ ﻗﺎل)‬
 ‫‪94‬‬

‫وﻗﻮﻟﻪ أﻃﺮاف اﻟﻨﻬﺎر ﻗﯿﻞ اﻟﻤﺮاد أول اﻟﻨﻬﺎر واﺧﺮة وﻫﻤﺎ ﻫﻨﺎ اﻟﺼﺒﺢ واﻟﻤﻐﺮب ‪ ،‬وﺑﻬﺬا‬
‫ﻓﻬﻮ ﯾﻘﻮل أﻧﻬﻤﺎ ﺗﻜﺮار ‪.‬‬
‫ﺗﻔﺴﯿﺮ ﺑﻦ ﻋﺎﺷﻮر‬

‫ﻓﺎﻟﺘﺴﺒﯿﺢ ﻫﻨﺎ ﻣﺴﺘﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﺼﻼة ﻹﺷﺘﻤﺎﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﺴﺒﯿﺢ اﷲ وﺗﻨﺰﯾﻬﻪ ‪ .‬واﻟﺒﺎء ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ‪:‬‬
‫ﺑﺤﻤﺪ رﺑﻚ ﻟﻠﻤﻼﺑﺴﺔ ‪ ،‬وﻫﻲ ﻣﻼﺑﺴﺔ اﻟﻔﺎﻋﻞ ﻟﻔﻌﻠﻪ ‪ ،‬أي ﺳﺒﺢ ﺣﺎﻣﺪا رﺑﻚ ‪ ،‬ﻓﻤﻮﻗﻊ اﻟﻤﺠﺮور‬
‫ﻣﻮﻗﻊ اﻟﺤﺎل ‪ ،‬واﻷوﻗﺎت اﻟﻤﺬﻛﻮرة ﻫﻲ أوﻗﺎت اﻟﺼﻼة ‪ ،‬وﻫﻲ وﻗﺖ اﻟﺼﺒﺢ ﻗﺒﻞ ﻃﻠﻮع‬
‫اﻟﺸﻤﺲ ‪ .‬ووﻗﺘﺎن ﻗﺒﻞ ﻏﺮوﺑﻬﺎ وﻫﻤﺎ اﻟﻈﻬﺮ واﻟﻌﺼﺮ ‪ ،‬وﻗﯿﻞ اﻟﻤﺮاد ﺻﻼة اﻟﻌﺼﺮ ‪ .‬وأﻣﺎ‬
‫اﻟﻈﻬﺮ ﻓﻬﻲ ﻗﻮﻟﻪ ‪ " :‬وأﻃﺮاف اﻟﻨﻬﺎر " ﻛﻤﺎ ﺳﯿﺄﺗﻲ ‪.‬‬
‫و " ﻣﻦ " ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ‪ " :‬ﻣﻦ آﻧﺎء اﻟﻠﯿﻞ " اﺑﺘﺪاﺋﯿﺔ ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻔﻌﻞ " ﻓﺴﺒﺢ " ‪ ،‬وذﻟﻚ وﻗﺘﺎ‬
‫اﻟﻤﻐﺮب واﻟﻌﺸﺎء ‪ .‬وﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﻤﻞ اﻟﺬي ﺑﯿﻨﺘﻪ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﻤﺘﻮاﺗﺮة ‪ .‬وأدﺧﻠﺖ اﻟﻔﺎء ﻋﻠﻰ "‬
‫ﻓﺴﺒﺢ " ؛ ﻷﻧﻪ ﻟﻤﺎ ﻗﺪم ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺠﺎر واﻟﻤﺠﺮور ﻟﻼﻫﺘﻤﺎم ﺷﺎﺑﻪ ﺗﻘﺪﯾﻢ أﺳﻤﺎء اﻟﺸﺮط اﻟﻤﻔﯿﺪة‬
‫ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺰﻣﺎن ‪ .‬ﻓﻌﻮﻣﻞ اﻟﻔﻌﻞ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ ﺟﻮاب اﻟﺸﺮط ﻛﻘﻮﻟﻪ ‪ - :‬ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﻪ وﺳﻠﻢ ‪: -‬‬
‫ﻓﻔﯿﻬﻤﺎ ﻓﺠﺎﻫﺪ ‪ ،‬أي اﻷﺑﻮﯾﻦ ‪ ،‬وﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪ :‬وﻣﻦ اﻟﻠﯿﻞ ﻓﺘﻬﺠﺪ ﺑﻪ ﻧﺎﻓﻠﺔ ﻟﻚ وﻗﺪ ﺗﻘﺪم ﻓﻲ‬
‫ﺳﻮرة اﻹﺳﺮاء ‪ .‬ووﺟﻪ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺂﻧﺎء اﻟﻠﯿﻞ أن اﻟﻠﯿﻞ وﻗﺖ ﺗﻤﯿﻞ ﻓﯿﻪ اﻟﻨﻔﻮس إﻟﻰ اﻟﺪﻋﺔ‬
‫ﻓﯿﺨﺸﻰ أن ﺗﺘﺴﺎﻫﻞ ﻓﻲ أداء اﻟﺼﻼة ﻓﯿﻪ ‪.‬‬
‫وآﻧﺎء اﻟﻠﯿﻞ ‪ :‬ﺳﺎﻋﺎﺗﻪ ‪ ،‬وﻫﻮ ﺟﻤﻊ إﻧﻲ ‪ -‬ﺑﻜﺴﺮ اﻟﻬﻤﺰة وﺳﻜﻮن اﻟﻨﻮن وﯾﺎء ﻓﻲ آﺧﺮه ‪. -‬‬
‫وﯾﻘﺎل ‪ :‬إﻧﻮ ‪ ،‬ﺑﻮاو ﻓﻲ آﺧﺮه ‪ ،‬وﯾﻘﺎل ‪ :‬إﻧﻰ ‪ ،‬ﺑﺄﻟﻒ ﻓﻲ آﺧﺮه ‪ ،‬ﻣﻘﺼﻮرا ‪ .‬وﯾﻘﺎل ‪ :‬أﻧﺎء ‪،‬‬
‫ﺑﻔﺘﺢ اﻟﻬﻤﺰة ﻓﻲ أوﻟﻪ وﺑﻤﺪ ﻓﻲ آﺧﺮه ‪ . ،‬وﺟﻤﻊ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ آﻧﺎء ﺑﻮزن أﻓﻌﺎل ‪.‬‬
‫وﻗﻮﻟﻪ ‪ " :‬وأﻃﺮاف اﻟﻨﻬﺎر " ﺑﺎﻟﻨﺼﺐ ﻋﻄﻒ ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻟﻪ ‪ " :‬ﻗﺒﻞ ﻃﻠﻮع اﻟﺸﻤﺲ " ‪ ،‬وﻃﺮف‬
‫اﻟﺸﻲء ﻣﻨﺘﻬﺎه ‪ .‬ﻗﯿﻞ ‪ :‬اﻟﻤﺮاد أول اﻟﻨﻬﺎر وآﺧﺮه ‪ ،‬وﻫﻤﺎ وﻗﺘﺎ اﻟﺼﺒﺢ واﻟﻤﻐﺮب ‪ ،‬ﻓﯿﻜﻮن ﻣﻦ‬
‫ﻋﻄﻒ اﻟﺒﻌﺾ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻞ ؛ ﻟﻼﻫﺘﻤﺎم ﺑﺎﻟﺒﻌﺾ ‪ ،‬ﻛﻘﻮﻟﻪ ‪ :‬ﺣﺎﻓﻈﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻠﻮات واﻟﺼﻼة‬
‫اﻟﻮﺳﻄﻰ ‪ .‬وﻗﯿﻞ ‪ :‬اﻟﻤﺮاد ﻃﺮف ﺳﯿﺮ اﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ ﻗﻮس اﻷﻓﻖ ‪ ،‬وﻫﻮ ﺑﻠﻮغ ﺳﯿﺮﻫﺎ وﺳﻂ‬
‫اﻷﻓﻖ اﻟﻤﻌﺒﺮ ﻋﻨﻪ ﺑﺎﻟﺰوال ‪ ،‬وﻫﻤﺎ ﻃﺮﻓﺎن ‪ :‬ﻃﺮف اﻟﻨﻬﺎﯾﺔ وﻃﺮف اﻟﺰوال ‪ ،‬وﻫﻮ ] ص‪:‬‬
‫‪ [ 339‬اﻧﺘﻬﺎء اﻟﻨﺼﻒ اﻷول واﺑﺘﺪاء اﻟﻨﺼﻒ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻘﻮس ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪ :‬وأﻗﻢ‬
‫اﻟﺼﻼة ﻃﺮﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎر ‪ .‬وﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺘﻔﺴﯿﺮ ﯾﺘﺠﻪ أن ﯾﻜﻮن ذﻛﺮ اﻟﻄﺮﻓﯿﻦ ﻣﻌﺎ ﻟﻮﻗﺖ ﺻﻼة‬
 ‫‪95‬‬

‫واﺣﺪة أن وﻗﺘﻬﺎ ﻣﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ أﺣﺪ اﻟﻄﺮﻓﯿﻦ واﻟﺪﺧﻮل ﻓﻲ اﻟﻄﺮف اﻵﺧﺮ ‪ ،‬وﺗﻠﻚ‬
‫ﺣﺼﺔ دﻗﯿﻘﺔ ‪.‬‬
‫وﻋﻠﻰ اﻟﺘﻔﺴﯿﺮﯾﻦ ﻓﻠﻠﻨﻬﺎر ﻃﺮﻓﺎن ﻻ أﻃﺮاف ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪ :‬وأﻗﻢ اﻟﺼﻼة ﻃﺮﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎر ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺠﻤﻊ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ‪ " :‬وأﻃﺮاف اﻟﻨﻬﺎر " ﻣﻦ إﻃﻼق اﺳﻢ اﻟﺠﻤﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺜﻨﻰ ‪ ،‬وﻫﻮ ﻣﺘﺴﻊ ﻓﯿﻪ‬
‫ﻓﻲ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﻋﻨﺪ أﻣﻦ اﻟﻠﺒﺲ ‪ ،‬ﻛﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪ :‬ﻓﻘﺪ ﺻﻐﺖ ﻗﻠﻮﺑﻜﻤﺎ ‪ ،‬واﻟﺬي ﺣﺴﻨﻪ ﻫﻨﺎ ﻣﺸﺎﻛﻠﻪ‬
‫اﻟﺠﻤﻊ ﻟﻠﺠﻤﻊ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ‪ :‬وﻣﻦ آﻧﺎء اﻟﻠﯿﻞ ﻓﺴﺒﺢ ‪.‬‬

‫وﻗﺮأ اﻟﺠﻤﻬﻮر " ﻟﻌﻠﻚ ﺗﺮﺿﻰ " ﺑﻔﺘﺢ اﻟﺘﺎء ﺑﺼﯿﻐﺔ اﻟﺒﻨﺎء ﻟﻠﻔﺎﻋﻞ ‪ ،‬أي رﺟﺎء ﻟﻚ أن ﺗﻨﺎل‬
‫ﻣﻦ اﻟﺜﻮاب ﻋﻨﺪ اﷲ ﻣﺎ ﺗﺮﺿﻰ ﺑﻪ ﻧﻔﺴﻚ ‪ .‬وﯾﺠﻮز أن ﯾﻜﻮن اﻟﻤﻌﻨﻰ ‪ :‬ﻟﻌﻞ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﻘﺪار‬
‫اﻟﻮاﺟﺐ ﻣﻦ اﻟﺼﻠﻮات ﻣﺎ ﺗﺮﺿﻰ ﺑﻪ ﻧﻔﺴﻚ دون زﯾﺎدة ﻓﻲ اﻟﻮاﺟﺐ رﻓﻘﺎ ﺑﻚ وﺑﺄﻣﺘﻚ ‪.‬‬
‫وﯾﺒﯿﻨﻪ ﻗﻮﻟﻪ ‪ -‬ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﻪ وﺳﻠﻢ ‪ : -‬وﺟﻌﻠﺖ ﻗﺮة ﻋﯿﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﺼﻼة ‪.‬‬

‫ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻟﻘﺮآن‪ /‬اﻟﻔﯿﺮوز آﺑﺎدي )ت‪ 817‬ﻫـ(‬

‫ً‬
‫ﻋﺬاﺑﺎ‬ ‫ِﺰ ً‬
‫اﻣﺎ {‬ ‫ﺎن ﻟ َ‬‫ﱢﻚ { ﺑﺘﺄﺧﯿﺮ اﻟﻌﺬاب ﻋﻨﻬﻢ } ﻟَ َﻜ َ‬ ‫ﻻ َﻛﻠِ َﻤ ٌﺔ َﺳ َﺒ َﻘ ْﺖ { وﺟﺒﺖ } ﻣِﻦ ﱠرﺑ َ‬
‫} َوﻟَ ْﻮ َ‬
‫ﻮن { ﯾﺎ ﻣﺤﻤﺪ‬ ‫ٰ َﻣﺎ َﯾ ُﻘﻮﻟُ َ‬ ‫ﻟﻬﻼﻛﻬﻢ } َوأَ َﺟ ٌﻞ ﱡﻣ َﺴ ‪‬ﻤﻰ { وﻗﺖ ﻣﻌﻠﻮم ﻟﻬﺬه اﻷﻣﺔ } َﻓ ْ‬
‫ٱﺻ ِﺒ ْﺮ َﻋﻠَﻰ‬
‫ﱢﻚ { ﺻﻞ ﺑﺄﻣﺮ رﺑﻚ ﯾﺎ‬ ‫ﱢﺢ ِﺑ َﺤ ْﻤ ِﺪ َرﺑ َ‬
‫ﻋﻤﺎ ﯾﻘﻮﻟﻮن ﻣﻦ اﻟﺸﺘﻢ واﻟﺘﻜﺬﯾﺐ ﻧﺴﺨﺘﻬﺎ آﯾﺔ اﻟﻘﺘﺎل } َو َﺳﺒ ْ‬
‫وﺑ َﻬﺎ { ﺻﻼة اﻟﻈﻬﺮ واﻟﻌﺼﺮ }‬ ‫ﺲ { ﺻﻼة اﻟﻐﺪاة } َو َﻗﺒ َ‬
‫ْﻞ ُﻏ ُﺮ ِ‬ ‫ْﻞ ُﻃﻠُﻮع ﱠ‬
‫ٱﻟﺸ ْﻤ ِ‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ } َﻗﺒ َ‬
‫ِ‬
‫ﱢﺢ { ﻓﺼﻞ ﺻﻼة اﻟﻤﻐﺮب واﻟﻌﺸﺎء } َوأَ ْﻃ َﺮ َ‬
‫اف‬ ‫ْﻞ { ﺑﻌﺪ دﺧﻮل اﻟﻠﯿﻞ } َﻓ َﺴﺒ ْ‬ ‫ٱﻟﻠﱠﯿ ِ‬
‫ِﻦ آ َﻧﺂ ِء ْ‬ ‫َوﻣ ْ‬
‫ٰ { ﻟﻜﻲ ﺗﻌﻄﻰ اﻟﺸﻔﺎﻋﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﺮﺿﻰ ‪.‬‬ ‫ﺿﻰ‬ ‫ﺎر { ﺻﻼة اﻟﻈﻬﺮ واﻟﻌﺼﺮ } ﻟَ َﻌﻠﱠ َﻚ َﺗ ْﺮ َ‬ ‫ٱﻟﱠﻨ َﻬ ِ‬
‫أﻧﺘﻬﻰ‬

‫اﻟﻔﯿﺮوز اﺑﺎدى ﻓﺴﺮ ﻗﺒﻞ ﻃﻠﻮع اﻟﺸﻤﺲ أﻧﻬﺎ اﻟﻐﺪاة ) اﻟﻔﺠﺮ ( ﺛﻢ ﻓﺴﺮ ﻗﺒﻞ ﻏﺮوﺑﻬﺎ ﺑﺼﻠﻮة‬
‫اﻟﻌﺼﺮ واﻟﻈﻬﺮ ! ) رﻏﻢ أﻧﻪ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ ﻻ ﯾﺠﻮز أن ﯾﺠﻌﻞ ﻟﻠﺘﻮﻗﯿﺖ اﻟﻮاﺣﺪ ﺻﻼﺗﯿﻦ ( ﺛﻢ ﻓﺴﺮ‬
‫ﻣﻦ أﻧﺎء اﻟﻠﯿﻞ أﻧﻬﺎ اﻟﻤﻐﺮب واﻟﻌﺸﺎء ) ﻧﻔﺲ اﻹﺷﻜﺎﻟﯿﺔ أدﻣﺞ ﻟﻠﻤﯿﻘﺎت اﻟﻮاﺣﺪ ﺻﻼﺗﯿﻦ ( ‪ ،‬ﺛﻢ‬
 ‫‪96‬‬

‫ﻓﺴﺮ أﻃﺮاف اﻟﻨﻬﺎر أﻧﻬﺎ اﻟﻈﻬﺮ واﻟﻌﺼﺮ اﻟﺬى ذﻛﺮﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﻧﻬﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﻗﺒﻞ ﻏﺮوﺑﻬﻤﺎ ‪،‬‬
‫وﺑﻬﺬا أﺗﻔﻖ ان أﻃﺮاف اﻟﻨﻬﺎر ﻫﻰ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ اﻟﺘﻜﺮار ‪.‬‬

‫ﺗﻔﺴﯿﺮ ﻏﺮاﺋﺐ اﻟﻘﺮآن و رﻏﺎﺋﺐ اﻟﻔﺮﻗﺎن‪/‬اﻟﻘﻤﻲ اﻟﻨﯿﺴﺎﺑﻮري )ت ‪ 728‬ﻫـ(‬

‫ً‬
‫ﻣﺘﻠﺒﺴﺎ ﺑﺤﻤﺪه ﻋﻠﻰ أن وﻓﻘﻚ ﻟﻠﺘﺴﺒﯿﺢ وأﻋﺎﻧﻚ ﻋﻠﯿﻪ‪ ،‬واﻷﻛﺜﺮون‬ ‫} وﺳﺒﺢ ﺑﺤﻤﺪ رﺑﻚ { أي‬
‫أﻧﻬﺎ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﺼﻼة ﻟﯿﻜﻮن ﻛﻘﻮﻟﻪ‪ }:‬واﺳﺘﻌﯿﻨﻮا ﺑﺎﻟﺼﺒﺮ واﻟﺼﻼة { ]اﻟﺒﻘﺮة‪ [45 :‬وﻷﻧﻪ ﺑﯿﻦ‬
‫أوﻗﺎﺗﻬﺎ ﻓﻘﺒﻞ ﻃﻠﻮع اﻟﺸﻤﺲ ﻫﻮ ﺻﻼة اﻟﻔﺠﺮ‪ ،‬وﻗﺒﻞ ﻏﺮوﺑﻬﺎ ﺻﻼة اﻟﻈﻬﺮ واﻟﻌﺼﺮ ﻷﻧﻬﻤﺎ‬
‫واﻗﻌﺘﺎن ﻓﻲ اﻟﻨﺼﻒ اﻷﺧﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﻬﺎر } وﻣﻦ آﻧﺎء اﻟﻠﯿﻞ ﻓﺴﺒﺢ { اﻟﻤﻐﺮب واﻟﻌﺘﻤﺔ‪ .‬وﻗﻮﻟﻪ }‬
‫وأﻃﺮاف اﻟﻨﻬﺎر { أي ﻓﻲ ﻃﺮﻓﯿﻪ ﻓﺠﻤﻊ ﻟﻠﻤﺒﺎﻟﻐﺔ وأﻣﻦ اﻹﻟﺒﺎس‪ ،‬أو ﻷن أﻗﻞ اﻟﺠﻤﻊ اﺛﻨﺎن‪ .‬أو‬
‫أراد ﻃﺮﻓﻲ ﻛﻞ ﻧﻬﺎر ﺗﻜﺮار ﻟﺼﻼﺗﻲ اﻟﻔﺠﺮ واﻟﻌﺼﺮ ﻻ اﻟﻤﻐﺮب ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻇﻦ اﻋﺘﻨﺎء‬
‫ﺑﺸﺄﻧﻬﻤﺎ ﻛﻘﻮﻟﻪ} واﻟﺼﻼة اﻟﻮﺳﻄﻰ { ]اﻟﺒﻘﺮة‪ [238 :‬وآﻧﺎء ﺟﻤﻊ " أﻧﻰ " وﻫﻮ اﻟﺴﺎﻋﺔ وﻗﺪ‬
‫ﻣﺮ ﻓﻲ " آل ﻋﻤﺮان "‪ .‬وإﻧﻤﺎ ﻗﺪم آﻧﺎ اﻟﻠﯿﻞ وأدﺧﻞ اﻟﻔﺎء ﻓﻲ } ﻓﺴﺒﺢ { اﻟﻤﺆذﻧﺔ ﺑﺘﻼزم ﻣﺎ‬
‫ﺗﻨﺒﯿﻬﺎ ﻋﻠﻰ زﯾﺎدة اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺸﺄن ﺻﻼة اﻟﻠﯿﻞ‪ ،‬ﻷن اﻟﻠﯿﻞ وﻗﺖ اﻟﺴﻜﻮن‬ ‫ً‬ ‫ﻗﺒﻠﻬﺎ وﻣﺎ ﺑﻌﺪﻫﺎ‬
‫وﻫﺪوء اﻷﺻﻮات ﻓﺎﻟﺼﻼة ﻓﯿﻪ أﺷﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻔﺲ وأدﺧﻞ ﻓﻲ اﻹﺧﻼص وأﻗﺮب ﻣﻦ‬ ‫ّ‬ ‫واﻟﺮاﺣﺔ‬
‫اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﺸﻮع واﻹﺧﺒﺎت‪ .‬وﺑﻌﻀﻬﻢ أﺧﺮج ﻣﻦ اﻵﯾﺔ ﺻﻼة اﻟﻈﻬﺮ ﻻﻧﻪ ﺧﺼﺺ‬
‫ﻗﺒﻞ اﻟﻐﺮوب ﺑﺼﻼة اﻟﻌﺼﺮ‪ .‬وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ زاد ﻓﯿﻬﺎ اﻟﻨﻮاﻓﻞ ﻷن اﻟﺼﻼة ﻓﻲ اﻷوﻗﺎت‬
‫اﻟﻤﺬﻛﻮرة ﺗﺸﻤﻠﻬﺎ واﻷﻣﺮ ﻗﺪ ﯾﻜﻮن ﻟﻠﻨﺪب ﻻ أﻗﻞ ﻣﻦ اﻟﺘﻐﻠﯿﺐ‪ .‬وﻗﺎل أﺑﻮ ﻣﺴﻠﻢ‪ :‬اﻷﻗﺮب ﺣﻤﻞ‬
‫اﻟﺘﺴﺒﯿﺢ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻨﺰﯾﻪ واﻹﺟﻼل ﻛﺄﻧﻪ ﻟﻤﺎ أﻣﺮه ﺑﺎﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ أذﯾﺔ اﻟﻘﻮم ﺑﻌﺜﻪ ﻋﻠﻰ اﻻﺷﺘﻐﺎل‬
‫ﺑﺎﻟﺘﻘﺪﯾﺲ واﻟﻤﻮاﻇﺒﺔ ﻋﻠﯿﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ اﻷوﻗﺎت‪ .‬إﻧﺘﻬﻰ‬

‫ﺗﻌﻘﯿﺐ ‪ ،‬اﻟﻨﯿﺴﺎﺑﻮرى ﻓﺴﺮ أن اﻵﯾﺔ ﻟﻠﺘﺴﺒﯿﺢ وﻟﻜﻦ ﻗﺎل أن اﻷﻛﺜﺮﯾﺔ ﺗﻘﻮل أﻧﻬﺎ ﻟﻠﺼﻠﻮة‬
‫ﻓﯿﻜﻮن اﻟﺘﻔﺴﯿﺮ ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻟﻬﻢ أن ﻗﺒﻞ ﻃﻠﻮع اﻟﺸﻤﺲ ﻫﻮ ﺻﻠﻮة اﻟﻔﺠﺮ ﺛﻢ ﻗﺒﻞ ﻏﺮوﺑﻬﺎ ﺑﺼﻠﻮة‬
‫اﻟﻌﺼﺮ واﻟﻈﻬﺮ ‪ ،‬ﺛﻢ ﻓﺴﺮ ﻣﻦ أﻧﺎء اﻟﻠﯿﻞ أﻧﺔ اﻟﻤﻐﺮب واﻟﻌﺘﻤﺔ ) ﯾﻘﺼﺪ ﺑﺎﻟﻌﺘﻤﺔ اﻟﻌﺸﺎء ( ﺛﻢ‬
 ‫‪97‬‬

‫ﻓﺴﺮ أﻃﺮاف اﻟﻨﻬﺎر أﻧﻬﺎ اﻟﻔﺠﺮ و اﻟﻌﺼﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻜﺮار ) ﻷﻧﻬﻤﺎ ﺗﻢ ذﻛﺮﻫﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ( إﻋﺘﻨﺎء‬
‫ﺑﺸﺄﻧﻬﻤﺎ ‪ ،‬ﺛﻢ ﻗﺎل أن اﻟﺒﻌﺾ أﺧﺮج ﺻﻠﻮة اﻟﻈﻬﺮ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻵﯾﺔ وﻫﺬا ﻓﻰ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ أوﻟﻰ ﻣﻦ‬
‫ﺗﻀﻤﯿﻦ ﺻﻠﻮة اﻟﻈﻬﺮ أﻧﻬﺎ ﻓﻰ ﻣﯿﻘﺎت ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﻐﺮوب وﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ ذﻛﺮ أﻧﻬﺎ ﺿﻤﻦ‬
‫أﻃﺮاف اﻟﻨﻬﺎر ‪.‬‬

‫أﻣﺎ ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻟﺸﻌﺮاوى ﻓﻠﻢ ﯾﺮﺑﻂ ﺑﯿﻦ ﺗﻠﻚ اﻵﯾﺔ واﻟﺼﻠﻮة ! ﻷﻧﻪ ﺳﯿﻀﻄﺮ إﻟﻰ ذﻛﺮ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ‬
‫ﺻﻠﻮة ﻟﻠﻤﯿﻘﺎت اﻟﻮاﺣﺪ ﻛﻤﺎ اﻟﺒﻌﺾ إن أﺻﺮ ﻋﻠﻰ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﺗﻌﻨﻰ ﺧﻤﺲ ﺻﻠﻮات ‪ ،‬أو‬
‫ﺳﯿﻀﻄﺮ ﻛﻤﺎ اﻟﺒﻌﺾ اﻷﺧﺮ ﻟﺬﻛﺮ أن اﻟﻈﻬﺮ أﻃﺮاف اﻟﻨﻬﺎر !! ﻓﺄﺳﺘﻨﺪ ﻹﺛﺒﺎت اﻟﺼﻠﻮات‬
‫اﻟﺴﻨﺔ ‪ ،‬وﻫﺬا آﻣﺮ وأدﻫﻰ ‪ ،‬وﻫﻨﺎ ﺳﺆال ﻫﻞ ﯾﻌﻘﻞ أن اﻟﻘﺮآن ﻻ ﯾﻐﻔﻞ اﻟﺤﺪﯾﺚ‬
‫اﻟﺨﻤﺲ إﻟﻰ ُ‬
‫ﻋﻦ اﻟﻄﻬﺎرة واﻟﻮﺿﻮء واﻟﻤﻌﺎﻣﻼت وﻛﻞ ﺗﺸﻌﺒﺎت اﻟﺪﯾﻦ واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻹﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ وﺳﯿﺮ اﻷﻣﻢ‬
‫اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ وأﺣﻮاﻟﻬﺎ ﺑﻞ وﻣﻮاﻗﯿﺖ اﻟﺘﺴﺒﯿﺢ وﯾﻐﻔﻞ ﻋﻦ ذﻛﺮ ﻣﻮاﻗﯿﺖ اﻟﺼﻠﻮات ؟ أم أﻧﻬﺎ ﻣﻮﺟﻮدة‬
‫وﻫﻢ ﯾﻨﻜﺮون وﻛﺬﻟﻚ ﻣﺎﻫﯿﺘﻬﺎ وﻃﺮﯾﻘﺘﻬﺎ وﻫﻢ ﻣﺰورون ‪.‬‬

‫ﺗﻔﺴﯿﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺘﻮﻟﻰ اﻟﺸﻌﺮاوى‬

‫اف اﻟﻨﻬﺎر ﻟَ َﻌﻠﱠ َﻚ‬

‫ﱢﺢ َوأَ ْﻃ َﺮ َ‬
‫ِﻦ آ َﻧﺂ ِء اﻟﻠﯿﻞ َﻓ َﺴﺒ ْ‬ ‫ْﻞ ُﻃﻠُﻮع اﻟﺸﻤﺲ َو َﻗﺒ َ‬
‫ْﻞ ُﻏ ُﺮ ِ‬
‫وﺑ َﻬﺎ َوﻣ ْ‬ ‫ِ‬
‫وﻗﻮﻟﻪ‪َ } :‬ﻗﺒ َ‬
‫ﺗﺮﺿﻰ{ ]ﻃﻪ‪.[130 :‬‬
‫ﻓﻜﻞ ﺣﺮﻛﺔ ﻣﻦ ﺣﺮﻛﺎﺗﻚ‬ ‫ﺘﻮاﻟﯿﺎ‪ ،‬ﻛﻤﺎ أن ﻧﻌﻢ اﷲ ﻋﻠﯿﻚ ﻣﺘﻮاﻟﯿﺔ ﻻ ﺗﻨﺘﻬﻲ‪ ،‬ﱡ‬ ‫داﺋﻤﺎ ُﻣ ً‬
‫ﺗﺴﺒﯿﺤﺎ ً‬
‫ً‬ ‫أي‪:‬‬
‫ﻧﻌﻤﺔ‪ ،‬اﻟﻨﻮم ﻧﻌﻤﺔ‪ ،‬واﻻﺳﺘﯿﻘﺎظ ﻧﻌﻤﺔ‪ ،‬اﻷﻛﻞ ﻧﻌﻤﺔ‪ ،‬واﻟﺸﺮب ﻧﻌﻤﺔ‪ ،‬اﻟﺒﺼﺮ واﻟﺴﻤﻊ‪ ،‬ﻛﻞ‬
‫ﺣﺮﻛﺔ ﻣﻦ ﺣﺮﻛﺎت اﻷﺣﺪاث ﻧﻌﻤﺔ ﺗﺴﺘﺤﻖ اﻟﺤﻤﺪ‪ ،‬وﻛﻞ ﻧﻌﻤﺔ ﻣﻦ ﻫﺬه ﯾﻨﻄﻮي ﺗﺤﺘﻬﺎ ِﻧ َﻌﻢ‪.‬‬
‫ِﻄﻮاﻋﺔ ﻟﻚ ﻛﻤﺎ ﺷﺌﺖ دون ﺗﻔﻜﯿﺮ‬ ‫ﻣﺜﻼ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﯿﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻄﺶ ﺑﻬﺎ‪ ،‬وﺗﺄ ّﻣﻞ ﻛﻢ ﻫﻲ ﻣﺮﻧﺔ ﻣ ْ‬ ‫ُﺧ ْﺬ ً‬
‫ِ‬
‫ﻣﻨﻚ‪ ،‬أﺻﺎﺑﻌﻚ ﺗﺘﺠﻤﻊ وﺗﻤﺴﻚ اﻷﺷﯿﺎء دون أن ﺗﺸﻌﺮ أﻧﺖ ﺑﺤﺮﻛﺔ اﻟﻌﻀﻼت وﺗﻮاﻓﻘﻬﺎ‪،‬‬
‫ورﺑﻤﺎ ﻻ ﯾﻠﺘﻔﺖ اﻹﻧﺴﺎن إﻟﻰ ﻗﺪرة اﷲ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ ﯾﺪه‪ ،‬إﻻ إذا أﺻﺎﺑﻬﺎ ﺷﻠﻞ واﻟﻌﯿﺎذ ﺑﺎﷲ‪،‬‬
‫ﺳﺎﻋﺘﻬﺎ ﯾﻌﺮف أﻧﻬﺎ ﻋﻤﻠﯿﺔ ﺻﻌﺒﺔ‪ ،‬وﻻ ﯾﻘﺪر ﻋﻠﯿﻬﺎ إﻻ اﻟﺨﺎﻟﻖ ﻋﺰ وﺟﻞ‪.‬‬
 ‫‪98‬‬

‫ﻮع‬‫َ َ ُُ‬
‫ﻟﺬﻟﻚ؛ ﻓﺎﻟﺤﻖ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ ﯾﻌﻄﯿﻨﺎ زﻣﻦ اﻟﺘﺴﺒﯿﺢ‪ ،‬ﻓﯿﻌﯿﺸﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﻮﻗﺖ }ﻗﺒْﻞ ﻃﻠ ِ‬
‫ﱢﺢ َوأَ ْﻃ َﺮ َ‬
‫اف اﻟﻨﻬﺎر{ ]ﻃﻪ‪.[130 :‬‬ ‫ِﻦ آ َﻧﺂ ِء اﻟﻠﯿﻞ َﻓ َﺴﺒ ْ‬ ‫اﻟﺸﻤﺲ َو َﻗﺒ َ‬
‫ْﻞ ُﻏ ُﺮ ِ‬
‫وﺑ َﻬﺎ َوﻣ ْ‬

‫ﺻﻠﻮة اﻟﺠﻤﻌﺔ‬

‫اﻟﻤﻼﺣﻆ أن اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺤﺪد أوﻗﺎت ﻟﻠﺼﻠﻮة ﯾﺨﺎﻃﺐ ﻓﺮداً ﻛﻨﺤﻮ ) أﻗﻢ اﻟﺼﻠﻮة‬
‫ﻟﺪﻟﻮك اﻟﺸﻤﺲ ‪ ( ..‬و ﻛﻨﺤﻮ ) ﯾﺎ أﯾﻬﺎ اﻟﻤﺰﻣﻞ ﻗﻢ اﻟﻠﯿﻞ إﻻ ﻗﻠﯿﻼ … ( وﻛﺬﻟﻚ ) أن رﺑﻚ‬
‫ﯾﻌﻠﻢ أﻧﻚ ﺗﻘﻮم أدﻧﻰ ﻣﻦ ﺛﻠﺜﻰ اﻟﻠﯿﻞ ( ﻓﺘﻢ ذﻛﺮ اﻷﻋﺬار ﻟﻤﻦ ﻟﻢ ﯾﻘﻮم ﺑﺎﻟﻠﯿﻞ ﺑﺄن ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺮﺿﻰ‬
‫وﻣﻦ ﯾﻀﺮب ﻓﻰ اﻷرض ) ﻃﻠﺒﺎ ﻟﻠﺮزق ( ‪ ،‬وﻧﻔﻬﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ أن اﻟﺼﻠﻮة ﻫﻲ ﻣﻬﻤﺔ اﻟﻨﺒﻲ‬
‫اﻷﺳﺎﺳﯿﺔ وﻣﻦ ﯾﺤﻞ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻛﻘﺎﺋﻢ ﺑﺎﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ‪ .‬أﻣﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﺪد اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻰ ﻣﯿﻌﺎد وﺧﺺ ﺑﻪ‬
‫ﺻﻠﻮة اﻟﺠﻤﻌﺔ ﺗﺤﺪﯾﺪا دون ﺑﺎﻗﻰ اﻟﺼﻠﻮات ﻓﻰ اﻷﯾﺎم اﻷﺧﺮى ‪،‬‬

‫ِﻛﺮ ﱠ‬ ‫ْ‬ ‫ِﻠﺼ َﻼ ِة ﻣِﻦ َﯾ ْﻮ ِم ْاﻟ ُﺠ ُﻤ َﻌ ِﺔ َﻓ ْ‬ ‫ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) َﯾﺎ أَﱡﯾ َﻬﺎ اﻟﱠﺬ َ‬
‫اﷲِ‬ ‫ﺎﺳ َﻌ ْﻮا إِﻟَﻰ ذ ِ‬ ‫ِﯾﻦ آ َﻣُﻨﻮا إِ َذا ُﻧﻮدِي ﻟ ﱠ‬
‫َْ‬ ‫ﻮن )‪َ (9‬ﻓِﺈ َذا ُﻗ ِ‬ ‫ْﺮ ﻟﱠ ُﻜ ْﻢ إِن ُﻛﻨُﺘ ْﻢ َﺗ ْﻌﻠَ ُﻤ َ‬ ‫ْﻊ َذﻟ ُ‬‫َو َذ ُروا ْاﻟ َﺒﯿ َ‬
‫ض‬ ‫اﻟﺼ َﻼ ُة َﻓﺎﻧ َﺘ ِﺸ ُﺮوا ﻓِﻲ اﻷ ْر ِ‬ ‫ﻀ َﯿ ِﺖ ﱠ‬ ‫ِﻜ ْﻢ َﺧﯿ ٌ‬
‫ﺎر ًة أَ ْو ﻟَ ْﻬ ًﻮا‬ ‫ﻮن )‪َ (10‬وإِ َذا َرأَ ْوا ﺗ َ‬
‫ِﺠ َ‬ ‫ِﺤ َ‬ ‫ِﯿﺮا ﻟﱠ َﻌﻠﱠ ُﻜ ْﻢ ُﺗ ْﻔﻠ ُ‬
‫اﷲَ َﻛﺜ ً‬ ‫اﷲِ َو ْاذ ُﻛ ُﺮوا ﱠ‬ ‫ﻀ ِﻞ ﱠ‬ ‫َوا ْﺑ َﺘ ُﻐﻮا ﻣِﻦ َﻓ ْ‬
‫ِﯿﻦ‬
‫ازﻗ َ‬
‫اﻟﺮ ِ‬
‫ْﺮ ﱠ‬ ‫ﺎر ِة َواﷲﱠُ َﺧﯿ ُ‬ ‫ِﻦ اﻟﱢﺘ َﺠ َ‬ ‫ْﺮ ﱢﻣ َﻦ اﻟﻠﱠ ْﻬ ِﻮ َوﻣ َ‬ ‫اﷲِ َﺧﯿ ٌ‬ ‫ﻮك َﻗﺎ ِﺋ ًﻤﺎ ُﻗ ْﻞ َﻣﺎ ِﻋﻨ َﺪ ﱠ‬ ‫ﻀﻮا إِﻟَ ْﯿ َﻬﺎ َو َﺗ َﺮ ُﻛ َ‬‫اﻧ َﻔ ﱡ‬
‫)‪ (11‬اﻟﺠﻤﻌﺔ ‪.‬‬

‫ﻓﻬﺬا ﯾﻌﻨﻰ أن اﻟﺤﺚ ﻓﯿﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻠﻮة ﻷﻧﻬﺎ ﺻﻠﻮة ﺧﺼﺼﺖ ﻟﻠﺠﻤﺎﻋﺔ ‪ ،‬و ﯾﺠﺐ اﻟﺤﺮص‬
‫ﻋﻠﻰ أداﺋﻬﺎ وأﻻ ﺗﻔﻮت ﻛﻞ ﻣﺴﻠﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻠﻮة ‪.‬‬

‫ﺗﻢ ﺑﺤﻤﺪ اﷲ‬

99