You are on page 1of 311

‫الأ وذيسة‬

‫ا لأ وذ يسة‬

‫نقلها ا ىل العربية‬
‫عن ربة سالم اخلادلي‬

‫دار العمل للماليني‬


‫ب ريوت‬
‫مجيع احلقوق حمفوظة‬

‫الطبعة ا ل أ وىل‪ :‬ترشين الثاين "نومفرب" ‪1974‬‬

‫الطبعة الثانية‬
‫آ ذار "مارس" ‪1977‬‬
‫مته يد‬
‫ا ل أ وذيسة يه ا حدى امللحمتني اخلادلتني املنسوبتني ا ىل‬
‫هومريوس الشاعر اليوانين العظمي‪ .‬ويه وصف لرحال ت آ أ وذيس‬
‫( آ أ و عوليس ‪ ،‬كام يسميه البعض ) مكل ا يثاكة‪ ،‬تكل اليت‬
‫دامت عرش س نوات‪ ،‬واكتنفهتا ا ل أ خطار واملشاق‪ ،‬يف طريق‬
‫رجوع ه ا ىل بالده‪ ،‬بعد سقوط طروادة‪.‬‬
‫ولكمة آ أ وذيسة ‪ ،‬يف اللغات ا ل أ وروبية ال ن ‪ ،‬ترادف مع ىن‬
‫سلسةل طويةل من الرحالت ‪ ،‬آ أ و رحةل ميتد هبا ا ل أ مد‪ ،‬وتتخللها‬
‫اخملا طرا ت وا ل أ هوال‪ ،‬كام ترادف قصة الس ندابد ‪ ،‬عند آ أ بناء‬
‫العربية‪ ،‬معىن سفرا ت شاقة مفعمة ابلغرائب واملفاجآ ت‪.‬‬
‫و آ أ وذيس‪ ،‬يف ا ل أ ساط ري ال غريقية‪ ،‬هو ابن لريت‪،‬‬

‫‪5‬‬
‫و آ أ مه آ أ نتلكيا‪ .‬وهو مكل ا يثاكة‪ ،‬وبطل مشهور يصح آ أ ن يعد‬
‫ممثال خلصائص الشعب ال غريقي‪ .‬وقد خدله هومريوس عىل آ أ نه‬
‫خري آ أ بطال ال غريق و آ أ جشعهم‪ ،‬واحلبيب املفضل عند ال آ لهة‬
‫آ أ ثينا‪ .‬ول بد من القول ا ن ذكر هذا البط ل قد جاء يف‬
‫ا ل أ ساط ري ال غريقية املتآ أ خرة موصوفا ابجلنب واخلداع‪.‬‬
‫وتزوج آ أ وذيس بنلوب ‪ ،‬ومل مي ض عىل زواجه غ ري قليل‬
‫حىت دعي ا ىل حرب طروادة‪ .‬ومل ي كن راغبا يف احلرب‬
‫فتظاهر ابجلنون ‪ ،‬و آ أ خذ حيرث آ أ رضا وبذرها ملحا بدل‬
‫احلبوب‪ ،‬وقرن ثورا ا ىل آ أ اتن‪ .‬ف كشف فالميدس آ أ حد‬
‫موا طنيه عن خدعته‪ ،‬بآ أ ن وضع هل طفهل تل اميخ آ أ مام احملراث‪،‬‬
‫فانتقم آ أ وذيس لنفسه فامي بعد ودبر لفالميدس رش قتةل‪.‬‬
‫وملا نشبت احلرب بذ آ أ وذيس آ أ قرانه‪ ،‬فاكن ح كمي‬
‫ال غريق ومشريمه ‪ ،‬وصاحب الرآ أ ي الفصل عند امللام ت‪ ،‬حىت‬
‫آ أ ن سقوط طروادة مل يكن بشجاعة آ أ خيل ‪ ،‬ولبص رب ال غريق‬
‫عىل القتال‪ ،‬ول كن بتدبري آ أ وذي س حيةل احلصان اخلش يب‪ .‬وعد ه‬
‫موا طنوه آ أ عظم من سامه يف ا حراز النرص يف حما ربهتم لطروادة‪،‬‬
‫فقضوا بتسل ميه سالح آ أ خي ل بعد وفاته‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫وملا ا س توىل ال غريق عىل طروادة ‪ ،‬آ أ حبر آ أ وذيس يقص د‬
‫ا يثاكة‪ ،‬فعاندته الرايح ‪ ،‬حىت قذ فت به ا ىل شواطئ ا فريقيا‪.‬‬
‫وبعد آ أ ن لىق من ا ل أ هوال ما لىق يف جماهل البحار بني آ لكي‬
‫النيلوفر ( اللوتيس ) اترة ‪ ،‬والس يلكوبيني ( ومه ع املقة‪،‬‬
‫للرجل مهنم عني واحدة يف منتصف ج بينه ) حينا ‪ ،‬ويف اجلزر‬
‫التابعة ل يلوس وسريسة اترة آ أ خرى‪ ،‬وبعد آ أ ن عاىن آ أ هوال‬
‫س يال وخاربيديس ‪ ،‬و آ أ هوال اللس رتجيونيني وعامل املوىت ‪ ،‬وبعد‬
‫آ أ ن فقد لك سفنه ورجاهل‪ ،‬مت كن من النجاة حبياته‪ ،‬والوصول‬
‫ا ىل جزيرة احلورية امجليةل اك ل يبسو ‪ ،‬اليت آ أ مس كت به دلهيا طيةل‬
‫س نوا ت مثان‪ .‬ول كنه اكن لها احلبيب الساخط ‪ ،‬واملعشوق‬
‫املتربم عىل ادلوام ‪ ،‬حىت تدخل ال هل زفس فآ أ مر برجوعه ا ىل‬
‫وطنه‪ .‬ول كن سف ينته حتطمت مرة آ أ خرى عند جزيرة فيس يا‪،‬‬
‫فنقل من هناك ا ىل ا يثاكه يف آ أ حد مراكب الفيس يني للعجيبة‪.‬‬
‫وملا وص ل ا ىل بدله وجد حشدا من اخلطاب قد غ منوا‬
‫فرصة غيابه‪ ،‬وصغر سن ودله تل اميخ‪ ،‬فآ أ خذوا يبذرون‬
‫آ أ مواهل‪ ،‬ويبددون رز قه‪ ،‬وحياولون آ أ ن ي كرهوا امرآ أ ته عىل‬
‫الزواج بآ أ حدمه‪.‬‬
‫وقصة ا ل أ وذيسة ا ليت نقدهما لقراء العربية ال ن تصف‬

‫‪7‬‬
‫لنا لك ما ح ل ب آ أ وذيس يف سفره من عذاب‪ .‬وصفا مطول‬
‫دقيقا ‪ .‬ويه تص ف آ أ يضا اخلطط واخلدع اليت وضعها ونفذها‬
‫مبساعدة نفر من آ أ صد قاءه ا ل أ مناء‪ ،‬حىت مت كن من الفتك‬
‫خبطاب امرآ أ ته بنلوب‪ ،‬والقضاء علهيم‪.‬‬
‫آ أ ما ما انهت ى ا ليه آ أ مر آ أ وذيس‪ ،‬فا ن ال شارة الوحيدة‬
‫ا ىل موته ا منا ورد ت يف نبوءة ثريس يا ‪ ،‬اذلي وعده بآ أ ن تكون‬
‫ش يخوخته سعيد ة و م يتته هنيئة ‪ ،‬ت آ أ تيه من البحر‪ .‬وتقول‬
‫آ أ سطورة متآ أ خرة ا ن تليغونوس بن آ أ وذيس من سريسة‪،‬‬
‫آ أ رسلته آ أ مه للبحث عن آ أ بيه ‪ ،‬فقامت يف طريقه عواصف‬
‫قذ فت به عىل سواحل ا يثاكه‪ .‬وهناك آ أ خذ ي هنب اجلزيرة‬
‫سعيا وراء القوت ‪ ،‬وهامجه آ أ وذيس فاكن من نصيبه اذلحب بيد‬
‫ودله من غري آ أ ن يعرف آ أ حدهام ال خر‪ .‬وه كذا متت النبوءة‬
‫بآ أ ن آ أ اته املوت من البحر‪ .‬وملا آ أ درك تليغونوس هوية آ أ بيه‬
‫محل جسده عائدا به ا ىل وطنه ترا فقه بنلوب وتلاميخ‪.‬‬
‫واختلفت آ راء العل امء يف منشآ أ آ أ و ذيس ‪ ،‬وماكنه اخلرايف‬
‫يف ا ل أ ساطري ال غريقية‪ .‬مفهنم من يقول ا ن آ أ وذيس ا هل من‬
‫آ آ لهة الطبيعة عند ا ل أ رقاديني القدماء ‪ ،‬وهو مرادف‬
‫لفوس يذون‪ ،‬ا ذ آ أ نه ميوت عند ا ق رتاب الش تاء خمتفيا يف البحر‬
‫الغريب ‪ ،‬آ أ و حيم ل ا ىل العامل السفيل ‪ ،‬مث يعود‬

‫‪8‬‬
‫في رتعرع يف فص ل الربيع‪ .‬ويقو ل غري مه آ أ نه عىل هذا الاعتبار‬
‫يكون آ أ قرب ا ىل ال هل هرمس ( رسول ال آ لهة‪ ،‬وا هل العلوم‬
‫والتجارة والفصاحة ‪ ،‬وكث ري من فنون احلياة ‪ ،‬وآ أ ك رث ما يرمز‬
‫ا ليه بشاب فيت مجيل ‪) .‬‬
‫عىل آ أ ن عل امء آ خرين يعدون آ أ وذيس ا لها مشس يا ‪ ،‬آ أ و‬
‫ا هل الصيف‪ ،‬فهو يتوارى يف العامل السفيل آ أ ايم فص ل الش تاء‪،‬‬
‫مث يعود يف الربيع ليحرر امرآ أ ته من اخلطاب ( رمز قوى‬
‫الش تاء)‪ .‬ويف رآ أ ي آ خر‪ ،‬آ أ نه ا هل الزراعة‪ ،‬وقريب من ا هل‬
‫الشمس‪ .‬وامرآ أ ته ا لهة القمر بنلوب‪ ،‬اليت ينفصل عهنا‪ ،‬مث‬
‫جي متعان يف اليوم اذلي يت كون فيه القمر اجلديد‪ .‬عىل آ أ ن‬
‫عبادته هذه قد اختفت من آ أ قدم ا ل أ زمان يف آ أ رق اداي ‪ ،‬وحلت‬
‫حملها عبادة فوس يذون‪.‬‬
‫وهمام ي كن من ا ل أ مر‪ ،‬فا ن خشصية آ أ وذيس قد ي كون‬
‫منشؤها خرافة دينية ساذجة‪ .‬و آ أ مه ما فهيا آ أ هنا متثل متثيال‬
‫حصيحا ذكل الشعب البحار القدمي‪ ،‬اذلي اكن ملغامراته البحرية‬
‫اجلريئة آ أ بلغ ا ل أ ثر يف تكون اجلنس ا ل هيليين وهتذيبه‪.‬‬
‫آ أ ما العرص اذلي اختذ ت فيه هذه الشخصية‪ ،‬آ أ ي خشصية‬
‫آ أ وذيس‪ ،‬شلك معينا بني ا ل أ انش يد ال يونية فذ كل عندما اكنت‬
‫السفن ال يونية تنفذ ا ىل آ أ بعد الشواطئ يف ا لبحر‬

‫‪9‬‬
‫ا ل أ سود والناحية الغربية من ا يطاليا ‪ ،‬يوم مل ت كن مرص قد‬
‫فتحت بعد آ أ بواهبا للتبادل التجاري ا ل أ جنيب‪ ،‬فاكنت مغامرات‬
‫آ أ وذيس موضوعا ش يقا يف ا ل أ د ب القدمي ‪ ،‬واكن يعرف عىل‬
‫ال أ كرث ببحار ذي قلنسوة خمرو طية الشلك‪.‬‬
‫وا ل أ وذيسة تص ف لنا وصفا رائعا جذااب عادات ال غري ق‬
‫يف تكل ا ل أ ايم‪ ،‬وتتناول طرق عيشهم‪ ،‬وآ داب سلوكهم‪،‬‬
‫وتعاملهم يف آ أ ايم سلمهم‪ ،‬ك ام وصفت لنا ال لياذة حا ةل ال غريق‬
‫هؤلء يف آ أ ايم حرهبم وقتاهلم‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪1‬‬
‫م شورة آأ ثينا‬
‫ملا سقطت مدينة طروادة ا لعظ مية ‪ ،‬آ أ حبر مجيع الزع امء‬
‫اذلين ش نو ا احلرب علهيا ا ىل آ أ وطاهنم‪ .‬ومل ت كن س ب ل رجوعهم‬
‫ممهدة سل مية‪ ،‬فقد اثر علهيم الغضب يف الس اموات العىل ‪،‬‬
‫فتحطمت بآ أ حدمه سف ينته‪ ،‬وذحب غ ريه يف قرصه ذحبا شائنا بيد‬
‫امرآ أ ته املاكرة ‪ ،‬ووجد آ خرون آ أ ن الفوىض ع ت يف منازهلم ‪،‬‬
‫فمل يبق فهيا شيئا عىل حاهل ‪ ،‬فاضطروا ا ىل البح ث عن مساكن‬
‫جديدة يف اماكن آ أ خرى وطوحت ببعضهم عوادي ادلهر‪،‬‬
‫فهاموا يف طول ا ل أ رض وعرضها قبل آ أ ن يروا موا طهنم‪ .‬واكن‬
‫احلكمي آ أ وذيس آ أ بعدمه يف ا ل أ رض اجتيااب و آ أ شدمه عذااب ‪ ،‬فقد‬
‫تقضت آ أ عواما عرشة باكملها‪ ،‬واكن ليزال بعدها يرضب بعيدا‬
‫عن ممل كته ا يثاكة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وعقد ال آ لهة جملسا للشورى يف هبو ا ل أ وملب ‪ ،‬ومل يتغيب‬
‫مهنم ا ل فوس يذون‪ ،‬فقد ذهب يقمي شعائر العيد مع‬
‫ال ثيوبيني‪ .‬واكن فوس يذون آ أ شد ال آ لهة كرها ل أ وذيس‪،‬‬
‫واحلائل دون وصوهل ا ىل بالده‪.‬‬
‫وتلكم زفس يف ال آ لهة اخلادلين فقال‪" :‬ا نه ملنهت ى البط ل‬
‫آ أ ن يلقي البرش بتبعا ت آ أ خطاهئم عىل ال آ له ة! هامك آ أ غيسطوس‪،‬‬
‫فقد جوزي عىل سوء آ أ عامهل جزاء ا وفاقا ‪ .‬فا نه اغتصب زوجة‬
‫املكل آ أ غاممنون ‪ ،‬وذحب املكل نفسه حي امن عاد ا ىل بيته‪ .‬وقد فعل‬
‫هذا بعد آ أ ن آ أ نذرانه مغبة فعلته الش نعاء بآ أ ن آ أ رسلنا ا ليه‬
‫رسولنا هرمس‪ .‬وهو ال ن ا منا يد فع مثن حقته!"‪.‬‬
‫فآ أ جابت آ أ ثينا‪" :‬حقا ا نه ق د لىق املصري اذلي يس تحقه‪.‬‬
‫آ أ ل فلهيكل نظ ريه لك من تسول هل نفسه مثل هذه ا ل أ ع امل!‬
‫وقليب ا منا يتقطر آ أ ىس عىل آ أ وذيس لشدة ما عاىن من احملن يف‬
‫اجلزيرة البحرية حيث ت ستبقيه بنت آ أ طلس‪ ،‬حماوةل آ أ ن‬
‫تنس يه آ أ رض آ ابئه‪ .‬وهو ا منا يتوق ا ىل رؤية آ أ قل يشء من‬
‫آ أ رض مودله ‪ ،‬ولو اكن ادلخان املتصاعد مهنا ‪ ،‬مث يلق حتفه‬
‫راضيا ‪ .‬و آ أ نت لست تآ أ به للك هذا‪ .‬آ أ مل يتقدم ا ليك ابلكث ري‬
‫من القرابني يف آ أ رض طروادة؟ فمل حتم ل هل لك هذا احلقد؟ "‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫فآ أ جاهبا زفس‪" :‬ماهذا اذلي تقولني اي ابنيت؟ ا ن‬
‫فوس يذون هو اذلي حيمل ل أ وذيس احلقد العظمي‪ ،‬ﻷ نه مسل‬
‫عني ابنه فو ليفم الس يلكوب ول كن هلموا و ل نتشاور معا ليك‬
‫نرجعه ا ىل بدله‪ ،‬ا ذ ليس يف وسع فوس يذون آ أ ن خيامصنا‬
‫مجيعا"‪.‬‬
‫فقالت آ أ ثينا‪" :‬ا ذا اكنت هذه مش يئتك ‪ ،‬فلنوجه الرسول‬
‫هرمس ا ىل جزيرة اك ل يبسو‪ ،‬وليعلن ال آ لهة رغبتنا يف رجوع‬
‫آ أ وذيس ا ىل وطنه‪ .‬وس آ أ ذهب آ أ ان ا ىل ا يثاكه و آ أ ثري حام سة‬
‫ودل ه تل اميخ‪ ،‬فيصارح آ أ ول خطاب آ أ مه اذلين بددوا رز قه مبا يف‬
‫نفسه ‪ ،‬مث يذهب ا ىل ا س بارطة ومهنا ا ىل فيلوس ي تنسم آ أ خبار‬
‫آ أ بيه‪ ،‬فيصيب هذا الفىت ذكرا حس نا بني الرجال"‪.‬‬
‫وعىل هذا ذهبت آ أ ثينا ا ىل ا يثاكه‪ ،‬واختذت ل نفسها‬
‫شلك منتيس زعمي التفيانيني‪.‬‬
‫واكن كث ريون من آ أ مراء اجلزر ‪ ،‬خطا ب املل كة بنيلوب قد‬
‫احتشدوا هناك يف بيت اوذيس زاعني آ أ ن آ أ وذيس قد مات‬
‫و آ أ ن علهيا آ أ ن ختتار زوجا سواه‪ .‬وقد ا ج متع هؤلء معا ‪،‬‬
‫وجلسوا يلهون ويلعبون‪ .‬وجلس بيهنم تل اميخ حيمل الغيظ يف‬
‫قلبه‪ ،‬ﻷ ن هؤلء قد بددوا آ أ مواهل ‪ ،‬مث ا نه مل يعد س يدا يف‬
‫بيته‪ .‬ول كنه ملا رآ أ ى الضي ف عند‬

‫‪13‬‬
‫الباب هن ض من ماكنه ورحب به و آ أ جلسه‪ ،‬و آ أ مر بآ أ ن‬
‫يقدم هل الطعام والرشا ب‪ .‬وملا انهت ى من طعامه سآ أ هل تل اميخ‬
‫عن حاجته‪.‬‬
‫عندئذ آ أ جاب منتيس الزائف‪" :‬ا نين منتيس مكل‬
‫التفيانيني‪ ،‬و آ أ ان مبحر ا ىل ق ربص آ أ قاي ض من حنا سها مبا معي‬
‫من حديد‪ .‬وقد كنت صديقا لهذا البي ت منذ آ أ مد بعيد‪ ،‬كنت‬
‫صديقا ل أ بيك و آ أ يب آ أ بيك‪ ،‬وقدمت ا ليمك واثقا آ أ ن آ أ لق آ أ ابك‪،‬‬
‫فقد قيل يل آ أ نه هنا‪ .‬ولكين آ أ رى ال ن آ أ ن ا لها من ال آ لهة قد‬
‫آ أ عاقه عن الرجوع‪ .‬وا ين لعىل يقني آ أ نه ما زال عىل قيد احلياة‪.‬‬
‫ول كن آ أ نبئين خرب هؤلء اذلين آ أ رامه هنا؟ آ أ هو اجامتع قبيةل‬
‫جاؤوا ي عقدونه‪ ،‬آ أ م يه و ل مية عرس دعوا ا لهيا؟ ل جرم آ أ ن‬
‫العاقل ليحتدم غيظا دلى هذه ا ل أ ع امل"‪.‬‬
‫فآ أ جاب تل اميخ‪" :‬ا ن بيتنا اي س يدي اكن غنيا م كرما يف‬
‫حياة وادلي ‪ ،‬و آ أ ما ال ن وقد رحل ‪ ،‬فا ل أ مور ل تسري معي عىل‬
‫ما يرام‪ .‬ومل آ أ كن ﻷ حزن هذا احلزن لو رصع آ أ يب يف القتال‬
‫آ أ مام طروادة ‪ ،‬ا ذ لو وقع هذا ل أ قام هل ال غريق نصبا عظ امي ‪،‬‬
‫و ﻷ بق هو لودله اذلكر احلسن‪ .‬آ أ ما ال ن وقد طوحت به‬
‫اعاص ري البحار‪ ،‬فا نه مل ين ل رشفا وخلفين آ أ قايس الغم وا ل أ ىس‪.‬‬
‫فا ن هؤلء اذلين ترامه‬

‫‪14‬‬
‫آ أ مامك مه آ أ مراء اجلزر‪ ،‬آ أ توا ا لينا خيطبون ود آ أ يم‪ .‬و آ أ ما يه‬
‫فال تردمه خائبني ول تقبل ما يعرضونه علهيا‪ .‬وهامه يق ميون‬
‫هنا يبددون آ أ موايل"‪.‬‬
‫عندئذ قال منتيس الزائف‪" :‬مدتك ال آ لهة بعوهنا! ﻷ نك‬
‫حقا يف آ أ شد احلاجة ل أ وذيس‪ .‬ليته يآ أ يت ويقف يف مدخل‬
‫الباب خبوذته وجمنه حامال يف لك من يديه رحما كام رآ أ يته حيامن‬
‫جاء ا ىل بيت آ أ يب قادما من آ أ فرية! واكن قد ذهب ا ىل هناك‬
‫ليطلب من ا يلوس‪ ،‬مكل البالد حينذاك‪ ،‬س ام قاتال ميسح به‬
‫سهامه‪ .‬وقد رفض ا يلوس آ أ ن يعطيه ما طلب خوفا من‬
‫ال آ لهة‪ ،‬ول كن آ أ يب آ أ عطاه ذكل لفرط حبه هل‪ .‬بيد آ أ ن آ أ مر‬
‫رجوعه وعدمه بيد ال آ لهة‪ .‬وعليك ال ن آ أ ن تصغي ا ىل‬
‫نصيحيت‪ :‬آ أ دع الشعب آ أ ول ا ىل الاجامتع ومر خطا ب آ أ مك‬
‫آ أ ن يعود لك ا ىل بدله‪ .‬و آ أ ما آ أ مك‪ ،‬فا ذا آ أ بدت رغبهتا ابلزواج‬
‫فل رتجع ا ىل بيت آ أ بهيا ‪ ،‬وهناك يقمي لها آ أ هلها و ل مية العرس‪،‬‬
‫ويعدون لها من الهدااي ما يليق ابلبنت احلبيبة‪ .‬مث هجز‬
‫لنفسك مركبا ذا عرشين جمذا فا ‪ ،‬واذهب ابحثا عن آ أ بيك‬
‫مس تقصي ا ‪ ،‬فلعل البعض ينبئك خبربه ‪ ،‬آ أ و لعكل تسمع من‬
‫زفس صوات يرشدك ا ىل ماكنه‪ .‬ا ذهب ا ىل فيلوس آ أ ول ‪ ،‬ومن‬
‫مث ا ىل اس بارطة حيث يقمي مانيال ‪،‬‬

‫‪15‬‬
‫وهو آ خر من آ ب من ال غريق ا ىل وطنه‪ .‬وا ذا ما‬
‫بلغك خ رب موته ‪ ،‬فارجع ا ىل هنا و آ أ مق هل نصبا ‪ ،‬و آ أ جر عنده‬
‫شعائر ادلفن الالئقة به ‪ ،‬وامنح آ أ مك زوجا ‪ .‬وا ذا ما انهتيت‬
‫من هذه ا ل أ عامل لكها‪ ،‬فدبر يف نفسك آ أ مر الفتك هبؤلء‬
‫اخلطا ب سواء آ أ اكن ذ كل عنوة آ أ م خدعة‪ ،‬فقد حان كل آ أ ن‬
‫تف كر تفكري الرجال‪ .‬آ أ ل تعمل آ أ ي مقام جميد انهل آ أ وريست بني‬
‫الرجال لفت كه بآ أوغيس توس قات ل آ أ بيه؟"‬
‫فقال تل اميخ‪" :‬لقد خا طبتين بلك م صادر عن قل ب‬
‫صدوق ‪ ،‬كام خيا طب ا ل أ ب فتاه‪ ،‬ولن آ أ نىس ذكل ما حييت‪.‬‬
‫آ أ ما ال ن فرجايئ ا ليك آ أ ن تقمي هنا حينا من الزمن ل يك آ أ حتفك‬
‫هبدية نفيسة‪ ،‬كتكل اليت يتبادلها ا ل أ صد قاء‪ ،‬فتكون يف بيتك‬
‫متاعا متواراث ‪".‬‬
‫ول كن منتيس الزائ ف قال‪" :‬ل متسك يب طويال ‪ ،‬فا ين‬
‫آ أ رغب يف الرح ي ل‪ .‬و آ أ ما هديتك فآ أ عطنهيا دلي عوديت‪".‬‬
‫وانرصفت ال لهة ‪ ،‬واكنت ويه تربح املاكن آ أ ش به بنرس‬
‫البحر‪ ،‬ف آ أ درك تل اميخ عند ذاك آ أ هنا ا حدى الراب ت‪.‬‬
‫واكن املنشد ف مييوس يف غضون ذ كل يغين اخلطاب‬
‫نش يدا ‪ ،‬يص ف فيه ما حاق ابل غريق من الكوارث دلى‬
‫عود هتم من طروادة ‪ ،‬لعملهم مبشورة آ أ ثينا‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫ومسعت بنلوب النش يد فاحندرت من علي هتا تصحهبا‬
‫اثنتان من وصيفا هتا‪ .‬وملا وصلت ا ىل حيث اخلطاب جالسون‪،‬‬
‫وقفت عند اب ب الهبو مسدةل نقاهبا الزايه عىل وهجها‪ .‬مث‬
‫خا طبت املنشد ويه تنتحب فقالت‪" :‬ا نك اي ف مييوس لتعرف‬
‫الكثري من ا ل أ انش يد اليت تص ف آ أ ع امل ال آ لهة والرجال‪ ،‬فآ أ نشد‬
‫آ أ حدها وليرشب ضيوفنا امخلر يف س كون‪ .‬ول كن ك ف عن هذا‬
‫اللحن احلزين‪ ،‬فا ن قليب يتصدع لسامعه‪ .‬ول ريب يف آ أ ين‬
‫آ أ شق النساء حظا ‪ ،‬ﻷ ن الزوج اذلي آ أ ندبه اكن رجال عظ امي"‪.‬‬
‫غري آ أ ن تل اميخ آ أ جا ب‪" :‬ملاذا حتقدين عىل املنشد اي آ أ ماه‬
‫ا ذا ما آ أ طربنا مبا توحيه ا ليه نفسه ‪ .‬ول لوم عليه ول ت رثيب‪،‬‬
‫ا ذا ما آ أ شاد اب خفاق ال غريق يف رجوعهم‪ ،‬ﻷ ن من عادة‬
‫الناس آ أ ن يؤثروا من ا ل أ انش يد اليت تطرق آ أ سامعهم آ أ حدهثا‪.‬‬
‫فاصغي ا ذا متجدلة ‪ ،‬واعلمي آ أ ن آ أ وذيس مل يض ل الطريق‬
‫وحده‪ ،‬ب ل هناك من الزعامء كث ريون غ ريه‪ .‬ا ذهيب ا ىل خمدعك‪،‬‬
‫وانرصيف ا ىل شؤون بيتك ‪ ،‬ومري وصيفاتك آ أ ن يقمن‬
‫بواجبا هتن‪ .‬فا ن اللكم من ش آ أ ن الرجال‪ ،‬وهو من شآ أ ين خاصة‬
‫ﻷ ين س يد هذا البيت‪".‬‬
‫عند ذكل ارتدت ا ىل خمدعها‪ ،‬وقد آ أ دهشها ما ظهر‬

‫‪17‬‬
‫يف الكم ودلها من سلطان ‪ .‬وظلت تندب س يدها ا ىل آ أ ن‬
‫آ أ رسلت آ أ ثينا النوم عىل عينهيا‪.‬‬
‫وبعد انرصافها خا طب تلاميخ اخلطاب قائال‪" :‬دعوان ا ﻵ ن‬
‫نهل ومنرح‪ ،‬ول حتدثوا فامي بيننا شغبا ‪ .‬فال س امتع ا ىل منشد‪،‬‬
‫صوته كصوت ال آ لهة ملن املتع املس تحبة‪ .‬ول كن لنذهب يف‬
‫الصباح ا ىل اجمللس‪ ،‬حيث آ أ صارحمك برغبيت يف آ أ ن تغادروا‬
‫هذا املاكن ‪ ،‬وتآ أ لكوا من آ أ موالمك‪ .‬وا ذا فضلمت آ أ ن تبددوا‬
‫آ أ موال غريمك‪ ،‬دون آ أ ن تقدموا عهنا عوضا ‪ ،‬فاصنعوا ما بدا‬
‫لمك ‪ ،‬بيد آ أ ين عىل يقني آ أ نمك س تلقون العقا ب من زفس‪".‬‬
‫قال هذا فدهش امجليع لهذه اجلرآ أ ة و آ أ جابه آ أ نطينوس‪:‬‬
‫"ل ريب آ أ نك ل ختا طبنا هبذه اجلرآ أ ة ا ل بآ أ مر من ال آ لهة‪ ،‬وذلا‬
‫فا ين آ أ دعو زفس آ أ ل يتيح كل يوما آ أ ن تكون ملاك عىل‬
‫ا يثاكة‪ ،‬وا ن اك نت هذه اململكة يه حقك الرشعي املوروث‪".‬‬
‫فقال تل اميخ‪" :‬ليس من الرش يف يشء آ أ ن ي كون الانسان‬
‫ملاك ‪ ،‬فلبيته ال رثوة النامية‪ ،‬ولشخصه الرشف العظمي‪ ،‬غري آ أ ن‬
‫يف ا يثاكة كثريين غ ريي من الش بان وال كهول‪ ،‬قد يصري ا لهيم‬
‫املكل ال ن‪ ،‬وقد ما ت آ أ وذيس‪ .‬واعمل‪،‬‬

‫‪18‬‬
‫ع ىل لك‪ ،‬آ أ ين سآ أ كون س يد بييت‪ ،‬وس يد ا ل أ رقاء اذلين غ منهم‬
‫آ أ وذيس حبد رحمه"‪.‬‬
‫عندها تلكم آ أ ورمياخ قائال ‪" :‬ا ن آ أ مر املكل يف ا يثاكة‬
‫من شآ أ ن ال آ لهة ‪ ،‬و آ أ ما احتفاظك مبمل كتك اخلاصة‪ ،‬وس يادتك‬
‫املطلقة يف بيتك‪ ،‬فليس هنا كل من ين كرهام عليك‪ ،‬وليس من‬
‫آ أ حد تسول هل نفسه آ أ ن ي آ أ تيك وين زتع منك ما كل قرسا ‪.‬‬
‫ول كن ‪ ،‬هال آ أ علمتين من هذا الغريب اذلي جاء مزن كل منذ‬
‫قليل‪ ،‬هل محل ا ليك البشائر عن آ أ بيك‪ ،‬آ أ و هل جاءك يف‬
‫حاجة هل خاصة‪ ،‬لقد غادر املاكن يف حاةل مريبة‪ ،‬ومل يتلبث‬
‫حىت نتعرفه‪ .‬ويلوح يل مع هذا آ أ نه ليس من آ أ ساف ل الناس"‪.‬‬
‫فآ أ جاب تل اميخ‪" :‬لريب عندي اي آ أ ورمياخ آ أ ن اليوم اذلي‬
‫يعود فيه وادلي قد وىل ا ىل ا ل أ بد ‪ ،‬ولست آ أ ابيل ابلبشائر‪ ،‬آ أ اي‬
‫اكن مصدرها‪ .‬ول آ أ ك رتث للت كهنات آ أ اي اكنت‪ ،‬و آ أ اي اكن الاكهن‬
‫اذلي يلقهيا عىل وادليت ويه ترحب به يف قرصها‪ .‬و آ أ ما هذا‬
‫الغريب فقد زمع آ أ نه منتيس مكل التفيانيني"‪.‬‬
‫قال تل اميخ هذا‪ ،‬وهو يعمل يف آ أ ع امق نفسه آ أ ن الغري ب‬
‫اكن آ أ ثينا نفسها‪ .‬مث مال اخلطا ب ا ىل الرقص والغناء ‪،‬‬

‫‪19‬‬
‫وظلوا يف مرح ا ىل حلول الظالم‪ ،‬مث تفرقوا‪ ،‬لك ا ىل م زنهل‪،‬‬
‫ليناموا‪.‬‬
‫ول كن تل اميخ ذهب ا ىل غرفته ‪ ،‬وهو يدبر يف نفسه آ أ مورا‬
‫كث رية‪ .‬وحصبته آ أ وريلكيا اليت حضنته صغ ريا ويه حتم ل مشعلني‬
‫بيدها‪ .‬ففتح ابب الغرفة ‪ ،‬وخلع صداره ‪ ،‬و آ أ لق به ا ىل املرآ أ ة‬
‫ا حلك مية فطوته وسوته مث علقته‪ ،‬وخرجت من الغرفه‪ ،‬وجذبت‬
‫الباب وراءها‪ ،‬و آ أ وثقت ا غالقه‪ .‬و آ أ قام تل اميخ طيةل الليل يفكر‬
‫يف آ أ مر الرحةل اليت آ أ رادته علهيا آ أ ثينا ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪2‬‬
‫اجمللس‬
‫وملا آ أ صبح الصباح‪ ،‬آ أ مر تل اميخ دعاته آ أ ن يدعوا القوم‬
‫لالج امتع‪ .‬فدعومه فلبوا مرسعني وملا ا ج متعوا ‪ ،‬قصد هو ا ىل‬
‫ماكن الاج امتع حيمل رحما يف يده‪ ،‬ويتبعه لكبان‪ .‬وخلعت عليه‬
‫آ أ ثينا وقارا رائعا ‪ ،‬آ أ دهش به القوم ‪ ،‬وهو ي آ أ خذ جملس آ أ بيه‬
‫مهنم‪.‬‬
‫وتلكم آ أ غيفتوس آ أ ول ‪ ،‬واكن رجال آ أ حنت ظهره‬
‫الس نون‪ ،‬وحن كته ا ل أ ايم‪ ،‬فآ أ كسبته احلمكه البالغة‪ .‬واك ن هل من‬
‫ا ل أ ولد آ أ ربعة‪ ،‬ذهب آ أ حدمه ا ىل طروادة مع آ أ وذيس‪ ،‬واكن‬
‫آ خر مهنم آ أ حد خطا ب املل كة‪ ،‬و آ أ قام الثنان الباقيان يف احلقل‬
‫مع آ أ بهيام‪ .‬تلكم آ أ غيفتوس فقال‪ " :‬آ أ صغوا ا يل اي رجال ا يثاكة!‬
‫ا نه مل يعقد اج امتع يف‬

‫‪21‬‬
‫ا يثاكة منذ رحيل آ أ وذيس‪ ،‬مفن ذا اذلي دعاان ال ن؟ ا ذا اكن‬
‫ا دلاعي تل اميخ‪ ،‬فليقل ماذا يريد؟ هل بلغته بشائر برحوع‬
‫اجليش؟ ا ين ل أ ظنه رج ل صدق ‪ ،‬فلي كن زفس معه ‪ ،‬و ل مينحه‬
‫رغبات فؤاده!"‬
‫قال الرج ل العجوز هذا‪ ،‬فرس تل اميخ مبا يف خطابه من‬
‫الف آ أ ل ‪ ،‬فهن ض وقال‪:‬‬
‫‪" -‬اي رجال ا يثاكة ا ين آ أ مح ل يف فؤادي هام مربحا ‪،‬‬
‫فا ن آ أ يب مل ي كن ذ كل الرج ل اذلي متحضونه احلب مجيعا ‪ .‬مث ا ن‬
‫آ أ مراء اجلزر ي آ أ تون ا لينا يراودون آ أ يم ‪ ،‬ول كهنا ما زالت‬
‫تنتظر رجوع زوهجا‪ ،‬وهامه يلهتمون رزقنا وليس آ أ وذيس هنا‬
‫ليد فعهم عنه‪ ،‬ولست آ أ ان و آ أ مي احلق كفؤا ذل كل‪ .‬وهذا لعمري‬
‫ظمل فاحش ل يطاق"‪.‬‬
‫مث رضب بصوجلانه ا ل أ رض‪ ،‬وجلس ينتحب‪ .‬فهن ض‬
‫آ أ نطينوس‪ ،‬آ أ حد اخلطاب ‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫‪ " -‬آ أ ل ل تنح علينا ابلالمئة اي تل اميخ‪ ،‬ول تمل ا ل آ أ مك‪،‬‬
‫فه ىي آ أ دىه النساء طرا ‪ .‬فها حنن قد اتيناها للس نة الرابعة‬
‫خا طبني ودها‪ ،‬ويه ما زالت تعللنا ابل مال‪ .‬وهاك ال ن ما‬
‫صنعت‪ :‬ا هنا هيآ أ ت سداة عظ مية للنسج‪ ،‬وقالت لنا‪ :‬آ أ صغوا‬
‫ا يل اي خطايب‪ ،‬ول تتعجلوا زوايج‪،‬‬

‫‪22‬‬
‫حىت آ أ هن ىي هذا النس يج لي كون للريت كفنا ‪ .‬مفن آ أ قبح العار‪،‬‬
‫ولريب ‪ ،‬آ أ ل ينال مث ل هذا الرشف رج ل امتد سلطانه عىل‬
‫هذا املكل العظمي‪ .‬قالت آ أ مك هذا ‪ ،‬وظلت ختدعنا ثالث‬
‫س نوات‪ ،‬ا ذ اكنت تنقض يف الليل ما حتوكه يف الهنار‪ .‬وملا‬
‫حلت الس نة الرابع ة وقفتنا ا حدى وصيفاهتا عىل جلية ا ل أ مر‪،‬‬
‫فآ أ تيناها يف ا حدى الليايل عىل غرة‪ ،‬فرآ أ يناها تنق ض من‬
‫النس يج ما اكنت قد حاكته يف الهنار‪ .‬عندئذ اضطرت ا ىل‬
‫ا ك امهل عىل كره مهنا‪ .‬فآ أ بعد آ أ مك ا ذا عن هذا املاكن‪ ،‬ودعها‬
‫ت زتوج مبن تشاء‪ .‬وقبل آ أ ن يمت هذا لن نربح هذا املاكن"‪.‬‬
‫فآ أ جاب تل اميخ‪" :‬كيف يسعين ا بعادها رمغ ا راد هتا‪ ،‬ويه‬
‫اليت محلتين وربتين وعيل آ أ ن آ أ د فع غرامة كبرية ﻷ بهيا آ أ بقار‪ .‬مث‬
‫ا ن لعنة آ أ يم حتل يب‪ ،‬وذلا فا ين ل آ أ س تطيع آ أ ن آ يت آ أ مرا‬
‫كهذا"‪.‬‬
‫قال هذا‪ ،‬و آ أ قب ل نرسان يط ريان جنبا ا ىل جنب ا ىل آ أ ن‬
‫بلغا فوق ماكن الاجامتع‪ .‬وهناكل حوما يف ال فضاء‪ ،‬و آ أ سقط لك‬
‫مهن ام بع ض ريشه ‪ ،‬مث افرتقا بعد آ أ ن مزق آ أ حده ام ال خر‪.‬‬
‫عندئذ صا ح آ أ لي رث العراف قائال ‪ " :‬آ أ ل كونوا عىل حذر فا ن‬
‫رشا عظ امي س يصيبمك ويصيب‬

‫‪23‬‬
‫سوا مك‪ .‬و آ أ ما آ أ وذيس فقد تنبآ أ ت دلى ذهابه ا ىل طروادة‪ ،‬بآ أ نه‬
‫يعود بعد عرشين عاما ‪ ،‬وا ن هذا وا قع لريب فيه"‪.‬‬
‫ومل ا مل يآ أ به اخلطا ب لهذا اللكم ‪ ،‬قال تل اميخ‪ " :‬آ أ عطوين‬
‫سفينة وعرشين جذا فا ‪ ،‬فآ أ ذهب ا ىل فيلوس واس بارطة‪ ،‬عيل‬
‫آ أ ن آ أ مسع نب آ أ عن آ أ يب‪ .‬وا ذا مسعت خرب موته‪ ،‬رجعت ا ىل هنا‬
‫و آ أ مقت هل نصبا ‪ ،‬و آ أ جريت شعائر ادل فن الالئقة به ‪ ،‬وتركت‬
‫ﻷ يم آ أ ن تتخذ لها زوجا ‪".‬‬
‫قال هذا وجلس‪ ،‬فهنض منطور اذلي آ أ قامه آ أ وذيس‬
‫عند سفره قامي عىل بيته‪ ،‬وقام يف الوسط وتلكم قائال‪" :‬ل اكن‬
‫بعد اليوم مكل صاحل طيب القلب راغب يف ا قامة العدل‪ ،‬ب ل‬
‫لي كن امللوك قساة ظاملني‪ ،‬فليس من يذكر آ أ وذيس من بني‬
‫القوم اذلين اكن هلم س يدا ‪ ،‬مع آ أ نه اكن يرفق هبم رفق ا ل أ ب‬
‫العطوف‪ .‬وا ذا اكن اخلطا ب يقصدون لسوء ا ل أ ع امل ‪ ،‬فا نين ل‬
‫آ أ صدمه عن ذاك‪ ،‬ومه ا منا يصنعون الرش خما طرين برؤوسهم‪،‬‬
‫ول كين حانق عىل هؤلء القوم ا ذ آ أ رامه جالسني ل ي نبسون‬
‫بلكمة ول ينددون هبؤلء اخلطا ب‪ ،‬يف حني آ أ هنم كثريون‬
‫واخلطاب قليلون‪".‬‬
‫فآ أ جاب ليوقريت ‪ ،‬آ أ حد اخلطاب‪ ،‬قائال ‪ :‬حقا لقد‬

‫‪24‬‬
‫ضلت فطنتك اي منطور بدعوتك القوم ا ىل حتقريان‪ .‬قسام لو‬
‫رجع آ أ وذيس نفسه‪ ،‬وحاول طرد اخلطا ب من القرص ‪ ،‬لعاد عليه‬
‫ذ كل ابلويل ‪ ،‬ولو دعامه ا ىل القتال ‪ ،‬ومه آ أ كرث عددا ‪ ،‬ﻷ وردوه‬
‫مورد الهالك‪ .‬آ أ ما هؤلء القوم فليتفرقوا ا ىل منازهلم ‪ ،‬وليرسع‬
‫منطور‪ ،‬وهو صديق ا ل أ رسة ‪ ،‬يف اعد اد الفىت لرحلته‪ ،‬مع آ أ ين‬
‫يف شك من ا متامه لها"‪.‬‬
‫قال هذا فانفض الاج امتع‪.‬‬
‫و آ أ ما تل اميخ فانتح ماكان عند الشاطئ ‪ ،‬وغس ل يديه مباء‬
‫البحر ‪ ،‬ودعا آ أ ثينا قائال ‪" :‬ا ليك اي من آ أ تيت مزنيل آ أ مس‪،‬‬
‫و آ أ مرتين آ أ ن اختذ سفينة‪ ،‬و آ أ طوف يف البحر متنس ام آ أ خبار‬
‫وادلي! ا ليك آ أ جته بدعايئ و آ أ ب ثك جنواي‪ ،‬فا ن القوم قاموا‬
‫عائقا يف سبيل مقاصدي‪ ،‬حيفزمه ا ىل ذكل خطاب آ أ يم‪ ،‬وقد‬
‫م ل أ احلقد قلوهبم"‪.‬‬
‫وو قفت آ أ ثينا ا ىل جانبة وهو يصيل ‪ ،‬متخذة هيئة‬
‫منطور شلك ومنطقا ‪ ،‬وقالت‪ " :‬آ أ حسب آ أ نه ليعوزك اذلاكء‬
‫ول الفطنة ‪ ،‬و آ أ نت تود آ أ ن تكون ل أ وذيس وبنلوب نعم الودل‬
‫حقا وص د قا ‪ .‬وذلا فا ن يل ا ل أ مل العظمي ب آ أ ن هذه الرحةل ‪ ،‬اليت‬
‫تتلكم عهنا ‪ ،‬لن تكون عبثا‪ .‬آ أ ما هؤلء‬

‫‪25‬‬
‫اخلطا ب فال تف كر فهيم آ أ بدا ‪ ،‬فهم ليعقلون القول‪ ،‬وليدركون‬
‫آ أ ن الهالك مهنم قريب‪ .‬فاذهب ا ذا ‪ ،‬ولكم خطاب آ أ مك كام‬
‫فعلت قبال ‪ ،‬وهئي لنفسك زادا للسفر من النبيذ وادل قيق‪،‬‬
‫وس آ أ مج ع رجال يقدمون آ أ نفسهم طوعا لهذه الرحةل‪ ،‬ك ام س آ أ جد‬
‫كل سفينة ت كون آ أ فضل سفن ا يثاكة"‪.‬‬
‫فرجع تل اميخ بعد ذ كل ا ىل بيته‪ ،‬فوجد اخلطا ب يسلخون‬
‫املعز ‪ ،‬ويش يطون حلوم اخلنازير يف الهبو ‪ ،‬فآ أ مسكه آ أ نطينوس‬
‫من يده ‪ ،‬وقال هل‪" :‬لك وا رشب اي تل اميخ ‪ ،‬وس نجد كل سفينة‬
‫وجذا فني حيملونك ا ىل حيث تشاء للبحث عن آ أ بيك"‪.‬‬
‫ول كن تل اميخ آ أ جا ب‪" :‬هل تظنن آ أ ين آ لك و آ أ رشب معمك‬
‫آ أ نمت اي من بددمت رزيق بال جخل ول حياء‪ ،‬ثق آ أ نين سآ أ نتقم‬
‫منمك ‪ ،‬وا ن آ أ بيمت عيل سفينة‪ ،‬فسآ أ ذهب ب سفينة رج ل آ خر‪".‬‬
‫قال هذا وجذب يده من يد آ أ نطينوس‪.‬‬
‫وقال رج ل آ خر من اخلطا ب‪" :‬ا ن تل اميخ س يذهب ال ن‬
‫يطلب العون علينا من فيلوس آ أ و من اس بارطة ‪ ،‬ولعهل يدس‬
‫لنا السم يف ال كؤوس ‪ ،‬فيقيض علينا مجيعا ‪".‬‬

‫‪26‬‬
‫وقال آ خر‪" :‬عىس آ أ ن هيكل كام هكل آ أ بوه من قبل‪،‬‬
‫ف ينفسح آ أ مامنا جمال العمل ‪ ،‬فنقتسم آ أ رزاقه ف امي بيننا ‪ ،‬و آ أ ما‬
‫املزنل فن رتكه ل أ مه ولزوهجا"‪.‬‬
‫وجعلوا يتنادرون عىل هذا الوجه هازئني منه‪ .‬آ أ ما هو‬
‫فذهب ا ىل غرفة آ أ بيه ‪ ،‬حيث صفت برامي ل النبيذ املعتق‪،‬‬
‫وحيث ادخر اذلهب والربونز والثياب وزيت الزيتون‪ .‬وقد‬
‫عنيت حبفظ ذكل مجيعه آ أ وريلكيا ا حل ك مية ‪ ،‬ق مية ادلار ‪ ،‬والهيا‬
‫وجه خطابه قائال ‪" :‬هييئ يل اي آ أ ماه اثنيت عرشة جرة من‬
‫النبيذ‪ ،‬لت كون آ أ حس هنا صن فا ‪ ،‬بل قريبا منه‪ ،‬وعرشين كيال‬
‫من طحني الشعري‪ .‬وس آ أ مح ل لك هذا معي حي امن تنام آ أ يم‪ ،‬ﻷ ين‬
‫ذاهب ا ىل فيلوس وا س بارطة‪ ،‬عل احلظ مسعفي ف آ أ مسع شيئا‬
‫من آ أ خبار آ أ يب"‪.‬‬
‫ول كن العجوز قالت ويه تنتحب‪" :‬ماذا تبغي من‬
‫الاغ رتاب ‪ ،‬و آ أ نت الابن الوحيد؟ ه ل هتكل ك ام هكل آ أ بوك؟‬
‫فا ن هذه ا مجلاعة ادلنيئة من اخلطاب ا ل أ رشار سريمسون اخلطط‬
‫لهالكك‪ ،‬واقتسام آ أ موا كل‪ .‬وخري كل آ أ ن تقمي يق بيتك بسالم"‪.‬‬
‫فقال تل اميخ‪ " :‬ا ين ذاهب بدعوة من ال آ لهة‪ .‬ول كن‬

‫‪27‬‬
‫آ أ قسمي يل آ أ ل تذكري شيئا قبل مرور آ أ حد عرش آ أ و آ أ ثين عرش‬
‫يوما عىل ذهايب ‪ ،‬ا ل ا ذا اتفق وس آ أ لت عين"‪.‬‬
‫ف آ أ قسمت املرآ أ ة عىل ذكل‪ .‬ورجع تل اميخ ا ىل اخلطا ب‪.‬‬
‫واكنت آ أ ثينا يف هذه ا ل أ ثناء قد اختذ ت شلكه ‪ ،‬ومجعت نفرا من‬
‫البحارة‪ ،‬واس تعارت سفينة للرحةل‪ .‬وخشيت آ أ ن يعرقل‬
‫اخلطا ب ا ل أ مر ‪ ،‬فآ أ رسلت عىل عيوهنم نوما عيقا ‪ ،‬فا ستسلموا‬
‫ا ليه ومه جالسون يف آ أ ماكهنم‪ .‬مث آ أ تت القرص متخذة شلك‬
‫منطور‪ ،‬ود عت تل اميخ وقالت‪" :‬ا ن اجلذا فني حارضون مهتيؤون‬
‫فهمل بنا‪".‬‬
‫وقادته ا ىل حيث وجد البحارة عند الشاطئ ‪ ،‬خفا طهبم‬
‫تل اميخ قائال ‪" :‬تعالوا اي آ أ صد قايئ حنم ل الزاد ا ىل ا ل سفينة ‪ ،‬فهو‬
‫مجيعه يف الغرفة‪ ،‬وليعمل اب ل أ مر من آ أ يم والوصيفات آ أ حد ‪ ،‬ا ل‬
‫امرآ أ ة جعوز"‪.‬‬
‫فذهبوا معه ا ىل املزنل‪ ،‬ومحلوا املؤن ووضعوها يف‬
‫ا ل سفينة‪ .‬مث ريق تل اميخ ا ل سفينة‪ ،‬وجلس يف مؤخرها‪ ،‬وجلست‬
‫آ أ ثينا ا ىل جانبه‪.‬‬
‫وملا اندى البحارة هتي آ أ وا لال حبار‪ .‬ور فعوا سارية‬
‫ا ل سفينة ‪ ،‬واكنت من خشب الصنوبر‪ ،‬وجعلوها يف الثقب املعد‬
‫لها ‪ ،‬وثبتوها ابدلعامئ‪ .‬مث نرشوا الرشع البيض‪،‬‬

‫‪28‬‬
‫وشدوه ا حببال من جلود الث ريان‪ ،‬مف ل أ ت الرحي الرشع‪ ،‬و آ أ رغ‬
‫املاء عند مقدم ا ل سفينة ويه تشق املاء مرسعة‪ .‬وملا ا س تقر‬
‫لك يشء يف ماكنه من ا ل سفينة‪ ،‬مزجوا النبيذ يف ال أ كواب‪،‬‬
‫وصبوه تقدمة لل آ لهة ‪ ،‬ولزفس خاصة‪ .‬وجرت ا ل سفينة اللي ل‬
‫بطوهل حىت مطلع الفجر‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫‪3‬‬
‫حاكية ن سطور‬
‫وعند رشوق الشمس بلغت ا ل سفينة فيلوس‪ ،‬حيث يقمي‬
‫نسطور‪ .‬واتفق آ أ ن اكن القوم يقدمون تقدمة عظ مية لفوس يذون‬
‫عند الشاطئ ‪ ،‬واكنوا قد انقسموا ا ىل تسع فرق ‪ ،‬يف لك مهنا‬
‫مخس امئة رجل‪ ،‬وللك فرقة تسعة ث ريان‪ .‬وملا آ أ رىس آ أ حصاب‬
‫تل اميخ ا ل سفينة ‪ ،‬واحندروا مهنا ا ىل الشاطئ‪ ،‬اكن احملتف لون‬
‫يتذوقون من احليواانت آ أ حشاهئا‪ ،‬وحيرقون رشحات اللحم عىل‬
‫عظام ا ل أ خفاذ تقدمة لل آ لهة‪.‬‬
‫وخا طبت آ أ ثينا تل اميخ قائةل‪" :‬ليس من داع خلجكل ال ن‪،‬‬
‫وقد جبت البحار بسف ينتك متنسام آ أ خبار آ أ بيك‪ .‬فاذهب ا ذا‬
‫ا ىل نسطور‪ ،‬وخذ ابلنصيحة اليت حيملها يف آ أ ع امق فؤاده"‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫ول كن تل اميخ آ أ جا ب‪" :‬كيف آ أ جرؤ عىل خطابه‪ ،‬و آ أ ان ل‬
‫آ أ زال حداث ل خ ربة هل"؟‬
‫فقالت ال آ لهة‪" :‬بل ا نك س تف كر يف بعض اليشء من‬
‫نفسك ‪ ،‬وس تجع ل ال آ لهة البع ض ال خر يف مفك"‪.‬‬
‫قالت هذا ‪ ،‬وتقدمت ا ىل حيث جلس نسطور مع‬
‫آ أ ولده‪ ،‬وحوهل مجع كبري يهتيآ أ ون لالحتفال‪ .‬وملا شاهد نسطور‬
‫وحصبه الغرابء صاحفومه ‪ ،‬و آ أ جلسومه عىل جزات انعة من‬
‫الصوف‪ .‬مث مح ل فزييس رتات بن نسطور مزجيا من جيد الطعام‪،‬‬
‫ونبيذا يف ك أ س من ذهب‪ .‬و آ أ عط النبيذ آ أ ثينا آ أ ول مقدرا‬
‫آ أ هنا آ أ ك رب الثنني س نا ‪ ،‬وقال‪ " :‬آ أ دع فوس يذون ال ن ‪ ،‬وقدم هل‬
‫من رشابك‪ ،‬وحي امن تفعل هذا‪ ،‬آ أ عط رفيقك ليفعل ما فعلت"‪.‬‬
‫فآ أ خذ ت آ أ ثينا ال ك أس‪ ،‬ودعت فوس يذون قائةل‪ " :‬امنح‬
‫نسطور وودله شهرة محيدة‪ ،‬واكئف رجال فيلوس مبا مه آ أ ههل‬
‫جزاء لهذا القرابن العظمي‪ .‬ويهء لنا جناح املهمة اليت من‬
‫آ أ جلها قدمنا هذه البالد"‪.‬‬
‫وملا آ أ خذوا كفايهتم من الطعام والرشاب ‪ ،‬قال نسطور‪:‬‬
‫من تكونون آ أ هيا الغرابء ‪ ،‬ه ل متخرون البحار لتجارة تبغوهنا؟‬
‫آ أ م ه ل آ أ نمت من القرصان تطوفون جمازفني حبياتمك؟"‬

‫‪31‬‬
‫فآ أ جابه تل اميخ‪ ،‬وقد وضعت آ أ ثينا الشجاعة يف قلبه‪:‬‬
‫"لقد آ أ تينا من ا يثاكة ‪ ،‬ومل ي كن جتوالنا ا ل ﻷ مر خاص‬
‫بنا‪ .‬فا نين آ أ س تقيص آ أ خبار آ أ يب اذلي حارب ا ىل جانبك يف ما‬
‫سل ف من ا ل أ ايم ‪ ،‬ودك مدينة طروادة‪ .‬فقد مسعنا آ أ خبارمه‬
‫مجيعا‪ ،‬سواء يف ذكل من رجع مهنم ساملا ومن قىض حنبه‪ .‬آ أ ما‬
‫هذا الرج ل فقد انقطعت آ أ خباره ‪ ،‬حىت خرب موته ‪ ،‬ولهذا‬
‫آ أ تيتك عكل تتلطف اب خباري عنه‪ ،‬فا ذا كنت قد رآ أ يت موته‬
‫بعينيك‪ ،‬آ أ و مسعت عن ذ كل من سواك‪ ،‬فال تلن يل القول رمحة‬
‫يب‪ ،‬بل هات ما تعمل جليا رصحيا "‪.‬‬
‫فآ أ جا ب نسطور‪" :‬ا نك لرتجع ا ىل ذاكريت ما لقيناه‬
‫حماربني حول مدينة فرايم اجلبارة‪ .‬فهنا كل قت ل خ ري رجالنا‪.‬‬
‫هناكل يرقد آ أ ايس البطل املغوار‪ ،‬وهناكل آ أ خيل‪ ،‬وهناكل‬
‫فطرق ل‪ ،‬وهنا كل ودلي احلبيب آ أ نطيلوخ‪ .‬من يقدر آ أ ن خيرب‬
‫بلك ما لقيناه هناكل من ا ل أ هوال؟ ليس من يقدر عىل ذكل‬
‫حقا‪ ،‬حىت ولو آ أ مقت هنا مخس س نوات آ أ و س تا تصغي ا ىل ما‬
‫يق ص عليك‪ .‬فقد كدحنا تسعة آ أ عوام اكمةل ندبر الهالك‬
‫ل ل أ عداء‪ ،‬ول كن زفس مل يآ أ ذن حىت ذكل الوقت هبالكهم‪ .‬وقد‬
‫اكن آ أ وذيس يفوق امجليع‬

‫‪32‬‬
‫همارة ‪ ،‬آ أ ج ل آ أ وذيس آ أ بوك‪ ،‬ا ذا كنت حقا ابنه‪ .‬ولريب عندي‬
‫يف ذ كل‪ ،‬فه ذا حديثك آ أ ش به حبديثه‪ .‬ول خيطر ابلبال آ أ ن‬
‫يش به شا ب من هو آ أ ك رب منه س نا مث ل هذا الش به العظمي‪،‬‬
‫ول كن اصغ ا ىل الكيم ال ن‪ :‬حيامن دككنا مدينة فرايم وهنبناها‪،‬‬
‫دبر زفس لالغريق رشا دلى عودهتم‪ .‬ﻷ هنم مل يتصفوا مجيعا‬
‫ابحلمكة والعدل‪ ،‬وقد آ أ اثروا حفيظة آ أ ثينا‪ .‬فقد اثر اجلدل آ أ ول‬
‫بني ابين آ أ تريذ‪ ،‬فدعوا ال غريق ا ىل اج امتع عند غياب‬
‫الشمس ‪ ،‬وهو آ أ مر ل يقره العرف‪ ،‬جفاء القوم مثقلني ي رتحنون‬
‫من الرشا ب‪ .‬عندها آ أ مرمه مانيال بآ أ ن يرجعوا ا ىل بالدمه‪،‬‬
‫ويقطعوا البحر من غ ري تسوي ف‪ .‬ول كن آ أ غاممنون اكن يريد‬
‫ا بقاء اجليش‪ .‬وقدم قرابان ل أ ثينا عهل خيف ف من غضهبا‪ .‬ومل‬
‫ي كن ا ل أ محق يعمل آ أ ن ا قناعها حمال؛ ا ذ ليس من السهل ارجاع‬
‫ال آ لهة عن مقاصدمه‪ .‬وه كذا ختاص ام‪ ،‬وحل ابلغريق ارتباك‬
‫عظمي‪ .‬وقد آ أ مقنا تكل الليةل يضمر آ أ حدان احلقد لل خر‪ .‬ويف‬
‫اليوم التايل قام فريق منا ابنزال السفن ‪ ،‬ومحلها ما خيصه من‬
‫ا ل أ سالب اليت غ منها من طروادة‪ ،‬و آ أ حبر نصف اجليش‪ ،‬و آ أ قام‬
‫النصف ال خر من آ أ غاممنون‪ ،‬وملا بلغنا تنذوس ‪ ،‬نشب بيننا‬
‫نزاع جديد‪ .‬فقد رجع آ أ وذيس ا ىل طروادة ‪ ،‬و آ أ ما آ أ ان فتابعت‬
‫مس ريي‪ ،‬ل أ نين‬

‫‪33‬‬
‫كنت آ أ عمل آ أ ن ال آ لهة يريدون بنا رضا ‪ .‬و آ أ رسع ذيوميذ يف‬
‫سريه‪ ،‬وتبعنا مانيال حىت حلق بنا يف ليس بوس ‪ .‬وهناك مل ندر‬
‫هل اكن ا ل أ فضل آ أ ن نبحر حنو خيوس آ أ و قريبا مهنا‪ .‬وملا‬
‫دعوان ال هل آ أ ن يرسل ا لينا ا شارة‪ ،‬آ أ ىت آ أ مره بآ أ ن نعرب توا ا ىل‬
‫ا يبيا‪ .‬مث هبت رحي رصرص د فعت السفن آ أ ماهما رساعا ‪ .‬ويف‬
‫اليوم الرابع آ أ لق ذيوميذ مرا س يه يف آ أ رغوس‪ .‬آ أ ما آ أ ان فتابعت‬
‫ا حباري ا ىل فيلوس‪ .‬ومل ختنين الرحي حىت بلغهتا‪ .‬وهكذا فلست‬
‫آ أ دري من اذلي جنا من الاغريق ومن اذلي فقد‪ .‬آ أ ما ما مسعته‬
‫و آ أ ان جالس هنا يف قرصي‪ ،‬فسآ أ علمك به ‪ ،‬ول آ أ خفي عنك منه‬
‫شيئا ‪ .‬لقد جنا املرامدة ‪ ،‬قوم آ أ خيل‪ ،‬ك ام جنا فيلوكتيت‬
‫وايذومني‪ ،‬ومعهام لك من مل تلهتمه احلرب‪ .‬آ أ ما ابن آ أ تريذ فا نك‬
‫ت عمل من خربه ما آ أ عمل‪ ،‬وكيف آ أ ن آ أ وغيس توس فتك به يف عقر‬
‫داره ‪ ،‬ولقي عىل ذ كل جزاءه وفا قا ‪ .‬وحقا ا ن انتقام الابن‬
‫ل أ بيه ﻷ فضل ا ل أ ع امل‪ ،‬فكن جسورا مقداما ‪ ،‬ك ام آ أ نك طويل‬
‫القامة هب ىي الطلعة"‪.‬‬
‫فقال تل اميخ‪" :‬لقد انتقم آ أ وريست ﻷ بيه ‪ ،‬فنال جمدا‬
‫عظامي ‪ ،‬فه ل متنحين ال آ لهة قو ة مثل قوته‪ ،‬ل يك آ أ نتقم من هؤلء‬
‫اخلطا ب اذلين يسيئون ا يل لك هذه ال ساءة"؟‬
‫فقال نسطور‪ " :‬قل يل اي تل اميخ ‪ ،‬آ أ تذعن آ أ نت لهذا‬

‫‪34‬‬
‫اجلور م ستسل ام ‪ ،‬آ أ م ا ن قومك حيملون كل بغضا ؟ عل ا ل أ ايم‬
‫تبعث بآ أ وذيس يوما فيجازهيم عىل حقهتم هذه! ولو آ أ ن آ أ ثينا‬
‫حتفل بك كام اكنت حتفل به ‪ -‬ﻷ نين مل آ أ ر ا لها يويل رجال من‬
‫احلب ما آ أ ولته ا ايه ‪ -‬ل أ ىت عىل بعض هؤلء اخلطاب ما ينس هيم‬
‫ف كرة الزواج"‪.‬‬
‫ول كن تل اميخ آ أ جاب‪" :‬ل ا ن وقوع هذا بعيد الاح امتل‬
‫آ أ هيا الش يخ‪ ،‬حىت ولو آ أ رادته ال آ لهة"‪.‬‬
‫وعىل ذكل آ أ جابت آ أ ثينا قائةل‪" :‬ما هذا اذلي تتلفظ به‬
‫اي تل اميخ؟ ا ن ال هل لقادر ع ىل آ أ ن يرجع الرجل همام اكن بعيدا‬
‫ا ذا آ أ راد‪ .‬آ أ ما املوت فا نه قسمة امجليع عىل السواء‪ ،‬ولهذا فا ن‬
‫ال آ لهة ذا هتا ل تقدر عىل جتنبه"‪.‬‬
‫مث تلكم تل اميخ اثنية وقال‪" :‬ل تعد ا ىل اخلوض يف هذه‬
‫ا ل أ مور اي منطور‪ .‬فا ين آ أ ود آ أ ن آ أ سآ أ ل نسطور ال ن آ أ مرا‬
‫آ خر‪ .‬آ أ خ ربين ال ن اي ابن نلو س كيف ما ت املكل آ أ غاممنون؟‬
‫و آ أ ين اكن مانيال؟ آ أ مل ي كن يف آ أ رغوس حني آ أ قدم آ أ وغيس توس‬
‫عىل قت ل آ أ خيه؟"‬
‫فآ أ جاب نسطور‪" :‬س آ أ خربك جلية ا ل أ مر ‪ ،‬ملا كنا حنارص‬
‫طروادة اكن آ أ وغيس توس يقمي يف آ أ رغوس آ منا ‪ ،‬فآ أ غرى‬
‫لك يطمنس رتا امجليةل زوجة آ أ غاممنون ابل مث‪ .‬وقد قابلته ابدئ‬

‫‪35‬‬
‫ا ل أ مر ابلح تقار‪ ،‬ل أ هنا اكنت ح ك مية عا قةل‪ .‬واكن هناكل منشد ‪،‬‬
‫عهد ا ليه املكل ابمرآ أ ته يف غيابه ‪ ،‬حفمهل آ أ وغيس توس ا ىل‬
‫جزيرة انئية‪ ،‬وتركه هناك فريسة للطيور‪ .‬مث آ أ قنع زوجة املكل‬
‫بعد ذ كل‪ .‬وقد قدم لل آ لهة كث ريا من الضحااي‪ ،‬وكث ريا من‬
‫العطاء عهل بذكل خيفف من حدة غضهبم‪ .‬آ أ ما مانيال‪ .‬فقد‬
‫آ أ حبرت وا ايه من طروادة ‪ ،‬ول كن آ أ فلون آ أ رس ل نباهل من غري‬
‫آ آ لم عىل حبار مانيال ‪ ،‬فقتهل حيامن بلغنا سانيوم ‪ ،‬ويه اللسان‬
‫ادلاخيل يف البحر من بدلة آ أ ثينا‪ ،‬فاضطر املكل ا ىل البقاء‬
‫هناك ‪ ،‬مع لك رغبته ابلسفر‪ ،‬ل يك ي مت كن من ا يفاء صدي قه‬
‫امليت حقه من ا كرام ادلفن‪ .‬ومل ي كد يربح املاكن حىت اثرت‬
‫آ أ مواج عظ مية يف وجه سفنه‪ ،‬وشتت مشلها ‪ ،‬فاجته بعضها قرب‬
‫كريت‪ ،‬حيث حتطم عىل خصور عظ مية انتئة يف اجتاه رحي‬
‫اجلنوب‪ ،‬وهجد الرجال للنجاة‪ .‬ول كن الراي ح س ريت مانيال‬
‫مع مخس من سفنه ا ىل مرص‪ .‬وهناك اته طويال بني رجال‬
‫غرابء اللسان ‪ ،‬ومجع كث ريا من اذلهب‪ .‬وف امي هو مقمي هناك مدة‬
‫الس نوات الس بع‪ ،‬قام آ أ وغيس توس بآ أ عباء املكل يف ميس ينيا‪،‬‬
‫خمضعا القوم حلمكه‪ .‬ول كن اوريست الصاحل آ أ ىت يف الس نة‬
‫الثامنه من بدلة آ أ ثينا‪ ،‬فذحبه انتقاما ﻷ بيه‪ .‬ويف ذكل اليوم‬
‫عينه ‪ ،‬قدم مانيال من مرص حيم ل يف‬

‫‪36‬‬
‫سفنه الكثري من النفائس‪ .‬آ أ ما آ أ نت اي ودلي فال جتب ال فاق‬
‫بعيدا عن بدلك يف حني يلهتم الغرابء رز قك‪ .‬و آ أ وىل كل آ أ ن‬
‫تذهب ا ىل مانيال فقد رجع آ أ خ ريا من بالد بعيدة ‪ ،‬ا ذهب ا ليه‬
‫وسهل آ أ ن يفيض ا ليك مبا عنده‪ .‬ا ذا شئت آ أ ن تذهب بسفنك‬
‫فا فعل ‪ ،‬آ أ ما ا ذا كنت تفض ل اذلهاب برا فسآ أ عطيك مركبة‬
‫وجياد‪ ،‬و آ أ رسل معك آ أ بنايئ هيدونك السبي ل"‪.‬‬
‫قال هذا وتوارت الشمس يف املغيب‪.‬‬
‫عندها قالت آ أ ثينا‪" :‬لنقطع ال ن آ أ لس نة احليواان ت‪ ،‬مث‬
‫ل منزج امخلر‪ ،‬ولرنق مهنا لفوس يذون وبقية ال آ لهة‪،‬ولنف كر يف‬
‫النوم‪ ،‬فقد حان ميعاده‪ .‬وليس من الالئق آ أ ن تطول ولمئ‬
‫ال آ لهة بعد غياب الشمس"‪.‬‬
‫قالت هذا فآ أ ذعنو ا للكام هتا‪ .‬وملا انهتوا‪ ،‬آ أ راد ت آ أ ثينا‬
‫وتل اميخ الرجوع ا ىل سفينهت ام‪ .‬ول كن نسطور ا ستبقاه ام قائال ‪:‬‬
‫"ا ن زفس وبقية ال آ لهة ليآ أ بون آ أ ن تذهبا ا ىل سف ينتك ام من‬
‫بييت هذا ‪ ،‬ك أ نه م زنل رجل معوز‪ ،‬ليس دليه من الفراش وادلاثر‬
‫ما يقدمه لضيفه‪ .‬بىل ا ن دلي من ذكل ما يفي ابحلاجة‪ .‬و لن‬
‫آ أ ترك ابن صديقي آ أ وذيس‬

‫‪37‬‬
‫يذهب للنوم عىل ظهر سف ينته ما بقيت حيا ‪ ،‬وما بقي آ أ ولدي‬
‫من بعدي يرحبون ابلغرابء يف قرصي"‪.‬‬
‫فآ أ جابه منطور الزائف عىل ذ كل بقوهل‪ " :‬هذا حسن آ أ هيا‬
‫الوادل العزيز‪ .‬ليقم معك‪ ،‬و آ أ ما آ أ ان فآ أ رجع ا ىل ا ل سفينة‪،‬‬
‫و آ أ رسي عن الصحب فهيا‪ ،‬و آ أ خ ربمه بلك ما وقع‪ .‬هناك آ أ بيت‬
‫الليةل ‪ ،‬وغدا آ أ توجه ا ىل ال كوكونيني ‪ ،‬فهم مدينون يل بدين‬
‫ليس ابلقليل‪ ،‬ول يرجع عهده ا ىل ا ل أ مس القريب‪ .‬و آ أ ما آ أ نت‬
‫فآ أ رسل هذا الرج ل مبركبتك ا ىل حيث يشاء"‪.‬‬
‫عندئذ ابرحت ال آ لهة املاكن مش هبة نرس البحر‪،‬‬
‫فآ أ دهشت لك من رآ ها‪.‬‬
‫وعندها آ أ خذ الش يخ تلاميخ من يده ‪ ،‬وقال‪" :‬ا نك لست‬
‫ابجلبان ول ابخلائر العزم اذلي حيتاج ا ىل عون ال آ لهة‪ ،‬وا ن‬
‫كنت ل تزال يف سن الش با ب‪ .‬فمل ت كن هذه غ ري آ أ ثينا ابنة‬
‫زفس ‪ ،‬ويه نفسها اليت اكنت تقف ا ىل جانب آ أ بيك يف آ أ رض‬
‫طروادة"‪.‬‬
‫وبعد هذا قاد الش يخ حصبه ا ىل م زنهل‪ .‬وهناكل مزج هلم‬
‫كواب من نبيذ يرجع عهد ه ا ىل احدة عرشة س نة ‪،‬‬

‫‪38‬‬
‫فآ أ راقوا منه ل أ ثينا ودعوها مصلني‪ .‬وبعد آ أ ن رشبوا وانتعشت‬
‫قلوهبم استسلموا للنوم‪ .‬وقد رقد تل اميخ عىل رسير حتت‬
‫الرواق‪ ،‬ور قد ا ىل جانبه ف زييس رتا ت العزب الوحيد من آ أ بناء‬
‫نسطور‪.‬‬
‫ومل يطلع هنار اليوم الثاين ‪ ،‬حىت آ أ فاق نسطور من نومه‬
‫مع آ أ بنائه‪ .‬وقا ل الش يخ‪" :‬ليذهب آ أ حدمك ا ىل احلقل ويآ أ تنا‬
‫بعجةل لذلحب‪ ،‬وليذهب آ خر ا ىل سفينة تل اميخ ويدع حصبه‬
‫مجيعا ا لينا ‪ ،‬ول يتخل ف مهنم ا ل اثنان فقط‪ .‬وليذهب اثلث‬
‫ا ىل صائغ‪ ،‬ليطيل لنا قرين العجةل‪ ،‬ولهتئي لنا الوصيفات لك‬
‫لوازم الو ل مية"‪.‬‬
‫ففعلوا ما آ أ مر به الش يخ‪ .‬وبعد تقدمي الض حااي ‪ ،‬قام ت‬
‫فولياك س تا امجليةل ‪ ،‬آ أ صغر بنات نسطور‪ ،‬بغس ل تل اميخ‪،‬‬
‫ومسحته بزيت الزيتون‪ ،‬وخلعت عليه قباء ا فاخرا ومعطفا ‪.‬‬
‫مث جلس ا ىل جانب نسطور‪.‬‬
‫وبعد آ أ ن آ أ لكوا و رشبوا‪ ،‬قال نسطور الش يخ‪" :‬شدوا‬
‫ال ن اخليل ا ىل املركبة يك يسري تل اميخ يف سبيهل"‪.‬‬
‫فشدوا اخليل ‪ ،‬ووضعت ق مية املزنل يف املركبة من النبيذ‬
‫والزاد ما يليق آ أ ن يكون طعاما ل ل أ مراء‪ .‬وقبض ف زييس رتات‬
‫عىل ا ل أ عنه ‪ ،‬وركب تل اميخ معه‪ .‬واتبعا سفرهام‬

‫‪39‬‬
‫لك ذ كل الهنار‪ .‬وملا آ أ ظلمت ا ل أ رض‪ ،‬آ أ قبال عىل مدينة ف رياي‪،‬‬
‫اليت حيمكها املكل ذيولكيس بن آ أ ورس يلوخ ‪ ،‬فباات هناك‪،‬‬
‫وواصال الس ري يف اليوم ا لتايل ‪ ،‬حىت بلغا لقدمونيا‪ ،‬وتوهجا ا ىل‬
‫قرص املكل مانيال‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫‪4‬‬
‫يف ا س بارطة‬
‫واتفق وصوهل ام آ أ ن اكن مانيال حيتفل ذكل اليوم احتفال‬
‫رائعا بزفاف ابنته هرميونة ‪ ،‬بنت هيالنة احلس ناء ‪ ،‬ا ىل‬
‫نفطولمي بن آ أ خيل ‪ ،‬واكن قد وعد هبا يف طروادة ‪ .‬واكن حيتف ل‬
‫آ أ يضا بزفاف عروس ا ىل ميغافنت ابنه ‪ .‬وو قف عابرا السبيل‬
‫مركبهتام عند البا ب ‪ ،‬فبرص هبام قمي ادلار وقال ملانيال ‪:‬‬
‫‪ " -‬دونك هذين الغريبني ‪ ،‬فا ن هلام س اميء آ أ بناء امللوك‬
‫‪ .‬فه ل نبقهيام عندان آ أ و نرسلهام ا ىل سواك " ؟‬
‫فآ أ غضب هذا اللكم مانيال وقال ‪ " :‬كيف نرسل هذين‬
‫الغريبني ا ىل سواان ‪ ،‬وحنن كث ريا ما آ أ لكنا من خزب كرام‬

‫‪41‬‬
‫املضيفني ‪ ،‬ل ‪ ،‬هذا لن ي كون ‪ ،‬بل حلو عن هذه اجلياد ن ريها‬
‫‪ ،‬وادعوا الضيفني ليش رتاك معنا يف الطعام " ‪.‬‬
‫وه كذا حل الوصفاء عن اجلياد نريها ‪ ،‬و آ أ وثقوها يف‬
‫الاصطبل ‪ ،‬وعلفوها مبزجي من الشع ري ا ل أ بي ض وجراشة اجللبان‬
‫‪ ،‬وذهبوا ابلرجلني ا ىل القرص ‪ .‬ف آ أ دهشه ام ما رآ أ اي من الضياء‬
‫الهبيج ينبعث من قرص مانيال ك أ نه ضياء الشمس آ أ و القمر ‪.‬‬
‫وملا م ل أ ا آ أ عيهنام من هذه الروائع ‪ ،‬آ أ خذوهام لالغتسال يف‬
‫ح امما ت مصقو ةل لمعة ‪ .‬مث آ أ جلسوهام ا ىل جانب مانيال ‪.‬‬
‫وعندئذ آ أ قبلت ا حدى الوصيفات حتمل ماء يف ا بريق من‬
‫اذلهب ‪ .‬وصبت منه يف طست من الفضة ل يك يغسال آ أ يدهي ام ‪.‬‬
‫مث قربت مهنام منضدة مصقوةل احلوايش ‪ ،‬وجاءت عىل آ أ ثرها‬
‫س يدة جليةل املنظر حتمل الطعام ‪ ،‬فتخريت هلام كث ريا من‬
‫آ أ طايبه ا ل شهية ا ل أ نيقة ‪ ،‬ووضع آ أ ماهم ام مقطع اللحم عددا من‬
‫الصحاف ‪ ،‬فهيا خمتل ف آ أ نواع اللحوم ‪ ،‬و آ أ اته ام بآ أ كوا ب من‬
‫اذلهب ‪.‬‬
‫مث قال مانيال ‪ " :‬الك مريئا ‪ ،‬وبعد ذ كل آ أ س آ أ ل كام من‬
‫ت كوانن ‪ ،‬فا نه ليخيل ا يل آ أ نك ام من آ أ بناء امللوك ‪ ،‬ا ذ ليس يف‬
‫وسع جلف من عامة الناس آ أ ن ينجب من ا ل أ ولد مثلك ام"‪.‬‬
‫قال هذا ووضع آ أ ما همام حلم الصلب‪ ،‬وهو ما خ ص‬

‫‪42‬‬
‫به من الو ل مية ‪ .‬وملا ان هت ى الطعام آ أ جال تل اميخ النظر حوهل يف‬
‫الهبو ‪ ،‬وقال لرفيقه ‪:‬‬
‫‪ " -‬آ أ نظر ا ىل اذلهب والعنرب والفضة والعاج ‪ .‬ل ك أن‬
‫هذا هو قرص زفس يف آ أ عايل ا ل أ وملب " ‪.‬‬
‫قال هذا ‪ ،‬ووهجه قريب من آ أ ذن صاحبه ‪ ،‬ول كن‬
‫مانيال مسعه ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫‪ " -‬ا ن آ أ هباء ال آ لهة ل ميكن آ أ ن يقابلها يشء فان ‪ ،‬و آ أ ما‬
‫عند البرش فقد يوجد ما يش به هذه ‪ .‬وقد طوفت بعيدا ‪،‬‬
‫ومل كت الكثري يف خمتلف البالد ‪ ،‬ول كن الويل يل ! لقد ذحب‬
‫آ أ يخ رش ذحب يف م زنهل ‪ ،‬ف امي كنت آ أ مجع هذه النفائس ‪ .‬وددت‬
‫لو مل آ أ مكل ا ل ثلث هذا ال رثاء ‪ ،‬عىل آ أ ن يرجع آ أ ولئك اذلي ن‬
‫هلكوا يف طروادة آ أ حياء ‪ .‬وا ن حزين ل أ شد عىل آ أ وذيس‬
‫العظمي ‪ ،‬ا ذ ليس من يعمل آ أ يح هو آ أ م ميت " ‪.‬‬
‫فب ىك تل اميخ لسامعه ذكر وادله ‪ ،‬وقد رفع معطفه‬
‫ا ل أ رجواين آ أ مام عينيه ‪ .‬ور آ أ ى مانيال ذ كل فعرفه ‪ ،‬وتردد فامي‬
‫جيب عليه آ أ ن يفعل ‪ ،‬آ أ ينتظر حىت يبد آ أ هو حديثه عن آ أ بيه ‪،‬‬
‫آ أ م يبادره ابلسؤال عن هممته ‪ .‬وف امي هو م رتدد ‪ ،‬دخلت‬
‫هيالنة احلس ناء ‪ ،‬ومعها ثال ث وصيفات ‪ ،‬فوضعت‬

‫‪43‬‬
‫ا حداهن لها مقعدا لتجلس عليه ‪ ،‬ونرشت ا ل أ خرى بساطا‬
‫لرجلهيا ‪ ،‬ومحلت الثالثة سفطا من الصوف ا ل أ رجواين ‪ .‬و آ أ ما‬
‫يه فاكنت حتمل يف يدها مغزل من اذلهب ‪ .‬وملا رآ أ ت الغريبني‬
‫قالت ‪:‬‬
‫‪ " -‬من يكون هذان اي مانيال؟ مل آ أ ر قبل ال ن يف رجل‬
‫آ أ و امرآ أ ة من الش به ما يف هذا الرجل ل أ وذيس ‪ .‬ول شك يف‬
‫آ أ نه ودله تل اميخ اذلي تركه يف بيته طفال ‪ ،‬حيامن ذهبمت ا ىل‬
‫طروادة بسبيب " ‪.‬‬
‫فقال مانيال ‪ " :‬ل ريب يف آ أ ن ا ل أ مر كذكل آ أ يهتا‬
‫الس يدة ‪ .‬فهااتن اليدان يدا آ أ وذيس ‪ ،‬وهااتن الرجالن رجاله‬
‫‪ ،‬وه ذه النظرات نظرا ت عينيه ‪ ،‬وهذا الشعر شعره ‪ .‬ومنذ‬
‫هنهية ذكرت آ أ وذيس فبىك را فعا معطفه آ أ مام وهجه " ‪.‬‬
‫فقال فزيس رتات ‪ " :‬ابلصواب نطقت آ أ هيا املكل مانيال ‪،‬‬
‫فا ن هذا هو ابن آ أ وذيس ول ريب ‪ ،‬وقد آ أ اتك عكل تقدر آ أ ن‬
‫تعينه بقول آ أ و ع ل " ‪.‬‬
‫فآ أ جاب مانيال ‪ " :‬ا نه ا ذا ابن الرج ل اذلي آ ثرت‬
‫و آ أ حببت ‪ .‬وكنت مزمعا آ أ ن آ أ عطيه بدلة يف هذه ا ل أ رض ‪،‬‬
‫و آ أ س تقدمه مع لك ما ميكل من ا يثاكة ‪ ،‬ليك جن متع معا‬

‫‪44‬‬
‫فال يفرق بيننا ا ل املوت ذاته ‪ .‬ول كن ا رادة ال آ لهة اكنت غ ري‬
‫ذكل ‪" .‬‬
‫وبىك امجليع لهذا اللكم ‪ -‬ب كت هيالنة احلس ناء وتل اميخ‬
‫ومانيال ‪ ،‬حىت فزيس رتا ت ذاته مل ميكل نفسه عن الباكء ‪ ،‬فقد‬
‫ذكر آ أ خاه آ أ نطيلوخ اذلي قتهل ممنون بن الصباح يف طروادة ‪.‬‬
‫ذكر هذا خفا طب مانيال قائال ‪ :‬طاملا ذكرك نسطور اي‬
‫ابن آ أ تريذ ب آ أ نك تفوق الرجال حمكة ‪ ،‬ومع ذك ف آ أ نين آ أ رجوك‬
‫آ أ ن تصغي ا يل ‪ .‬انين لست آ أ جد ذلة يف الباكء وحنن جالسون‬
‫لتناول طع ام العشاء ‪ ،‬ولست آ أ لوم هؤلء اذلين يب كون من‬
‫ما ت ‪ .‬فالباكء وق ص الشعور ه ام يف الوا قع لك ما يف وسعنا آ أ ن‬
‫نصنعه من آ أ جل ا ل أ موا ت ‪ .‬وقد فقدت آ أ ان آ أ خا مل ي كن ضئيل‬
‫الشآ أ ن بني ال غريق ‪ .‬و آ أ حسب آ أ نك تعرفه ‪ ،‬آ أ ما آ أ ان فمل تنظره‬
‫قط عيناي ‪ .‬ول كن الرجال يقولون ا ن آ أ نطيلوخ اكن جي د‬
‫العدو وجيد القتال" ‪.‬‬
‫فآ أ جابه مانيال ‪ " :‬لقد قلت لك ما يف وسع الرجل‬
‫العاقل قوهل ‪ ،‬وا ن اكن آ أ ك رب منك س نا ‪ .‬ول بدع آ أ ن تنطق‬
‫ابحلمكة ‪ ،‬و آ أ نت من تكل النبعة ال كرمية وس نكف ال ن عن‬
‫الباكء ‪ ،‬وغدا س ميتد حبل احلديث بيين وبني‬

‫‪45‬‬
‫تل اميخ ‪ ،‬فهناكل يشء كث ري ينبغي آ أ ن يفيض به آ أ حدان ا ىل ال خر‬
‫"‪.‬‬
‫عندها وضعت هيالنة احلس ناء دواء قواي يف النبيذ‬
‫اذلي رشبوا منه ‪ -‬ويسمي الناس هذا ادلواء مزيل الغصة ‪.‬‬
‫وهوي قوي املفعول حىت آ أ نه ليجعل من يرشب منه يكف عن‬
‫الباكء ذ كل الهنار ‪ ،‬ولو ما ت آ أ بوه و آ أ مه ‪ ،‬ولو ذحب آ أ حد آ أ خاه‬
‫آ أ و ودله آ أ مام عينيه ‪ -‬وق د آ أ عطهتا ا ايه فوليدمنا زوجة املكل‬
‫ثواس يف مرص حيث ينبت ال كثري من العقا قري الصاحلة للخري‬
‫والرش ‪.‬‬
‫مث قالت بعد ذكل ‪ " :‬لو آ أ ردان آ أ ن نذكر لك آ أ ع امل‬
‫آ أ وذيس ا حلك مية مهنا واجلريئة لطال بنا احلديث ‪ ،‬ول كن هناك‬
‫آ أ مرا واحدا جيب آ أ ن تسمعه وهو هذا ‪ :‬ملا اكن ال غريق آ أ مام‬
‫طروادة‪ ،‬دخل هو املدينة متن كرا بثياب سائل فقري‪ ،‬و آ أ حدث‬
‫يف جسده آ اثر رضابت كث رية‪ ،‬حىت بدا للك من رآ ه ك أ نه قد‬
‫آ أ يسء ا ليه ا ساءة معيبة‪ .‬ومل يعرفه آ أ حد سواي ‪ ،‬فس آ أ لته‬
‫آ أ س ئةل آ أ جا ب علهيا بدهاء ‪ ،‬وملا مقت بغسهل ومسحه ابلزيت ‪،‬‬
‫آ أ قسمت آ أ ل آ أ بوح برسه ا ل بعد رجوعه ا ىل املعسكر ‪ .‬وه كذا‬
‫ذحب بس يفه كثري من الطرواديني ‪ ،‬وا طلع عىل آ أ مور كث رية ‪.‬‬
‫وحي امن اكن غريي من نساء طروادة ينتحنب ‪ ،‬كنت آ أ ان آ أ شعر‬
‫ابلغبطة ل أ ن قليب عاوده احلنني ا ىل وطين"‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫فقال مانيال ‪ " :‬صد قت آ أ يهتا الس يدة ‪ ،‬فقد رآ أ يت‬
‫كث ريا من الرجال ‪ ،‬ورضبت يف كث ري من آ أ رجاء ا ل أ رض ‪،‬‬
‫ول كنين مل آ أ ر ل أ وذيس نظريا ‪ .‬وا ين ل أ ذكر جيدا ‪ ،‬يوم جلست‬
‫مع غ ريي من زع امء ال غريق داخل احلصان اخلش يب ‪ ،‬كيف‬
‫دنوت منه يتبعك ذيفوب ‪ .‬و آ أ لق آ أ حد ال آ لهة اذلين حيبون‬
‫آ أ بناء طروادة يف فؤادك آ أ مرا ‪ ،‬فطفت ثالاث حول ممكننا‬
‫تنادين الك من الزع امء ابمسه ‪ ،‬حماكية لك احملااكة صوت زوجه ‪.‬‬
‫وقد كدان آ أ ان وذيوميذ آ أ ن نهن ض من خمبئنا ‪ ،‬آ أ و آ أ ن جنيب‬
‫النداء يف احلال ‪ ،‬ول كن آ أ وذيس منعنا من ذكل ‪ ،‬و آ أ نقذ‬
‫ال غريق مجيعا " ‪.‬‬
‫فقال تل اميخ ‪ " :‬بيد آ أ ن ذكل لكه مل يصنه ‪ ،‬فقد ورد‬
‫مورد الهالك " ‪.‬‬
‫وبعد ذكل ا ستسلموا ا ىل النوم ‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫‪5‬‬
‫قصة ما ن يال‬
‫ويف اليوم التايل قال مانيال لتل اميخ ‪ " :‬ما يه غايتك‬
‫من اجمليء ا ىل لقدمونيا امجليةل ؟ ه ل آ أ تيت ﻷ مر يتعلق ابلصاحل‬
‫العام آ أ م ل أ مر خا ص بك " ‪.‬‬
‫فقال تل اميخ ‪ " :‬آ أ تيت آ أ سآ أ كل آ أ نباء وادلي ‪ ،‬عكل تعمل‬
‫مهنا شيئا ‪ .‬فا ن خطاب آ أ يم يلهتمون ما آ أ مكل الهتاما ‪ ،‬ول‬
‫آ أ جد من آ أ حد عوان ‪ ،‬فاصد قين اخلرب ا ذا ‪ ،‬ول جتنبين ا ﻵ لم ‪،‬‬
‫ب ل ق ل ما علمته بنفسك ‪ ،‬آ أ و ما ا س تقيته من غريك " ؟‬
‫فآ أ جاب مانيال ‪ " :‬ا نه ليسوءين آ أ ن آ أ مسع خ رب هؤلء‬
‫اجلبناء ‪ ،‬اذلين يقصدون ا ىل اختاذ آ أ حد ا ل أ بطال ‪ .‬ا ن مثلهم‬
‫مكث ل ظبية اختذت من عرين ا ل أ سد م آ أ وى لصغارها ‪،‬‬

‫‪48‬‬
‫ول كنه يقبل فيآ أ يت علهيا وعلهيم مجيعا ‪ .‬وهذا س يكون شآ أ ن‬
‫هؤلء يوم يرجع آ أ وذيس " ‪.‬‬
‫و آ أ ما ما س آ أ لتنيه ؛ فس آ أ جيبك عليه جوااب جليا ليس‬
‫فيه التواء‪:‬‬
‫‪ " -‬لقد م كثت ردحا من الزمن عند هنر " مرص " ‪ ،‬مع‬
‫لك رغبيت يف الرجوع ا ىل وطين ‪ .‬وقد آ أ مس كت يب ال آ لهة هناك‬
‫طويال ؛ ل أ نين مل آ أ قدم هلم واجب التضحية ‪ .‬وهنا كل مقابل‬
‫آ أ رض مرص جزيرة تتالطم علهيا ا ل أ مواج ‪ ،‬ويدعوها الناس ابمس‬
‫فاروس ‪ .‬ويه تبعد عن مرص مسرية هنار يف ا ل سفينة ا ذا آ تهتا‬
‫الرحي ‪ .‬هنا آ أ مسك يب ال آ لهة عرشين يوما مل هتب يف آ أ ثناهئا‬
‫رحي حبرية ‪ .‬وقد نفدت غاليل ‪ ،‬وهكل رجايل ‪ ،‬حىت آ أ خذت‬
‫ابنة فروتوس الشفقة عيل ‪ ،‬وتآ أ ثر قلهبا لرؤييت آ أ همي عىل‬
‫وهج ىي وحيدا ‪ ،‬منفردا عن حصيب اذلين اكنوا يطوفون يف آ أ حناء‬
‫اجلزيرة ‪ ،‬يطلبون بشصوصهم صيدا ‪ ،‬وقد عضهم اجلوع ‪.‬‬
‫جفلست ا يل وقالت ‪ " :‬ه ل مس تك آ أ هيا الغريب جنة ؟ آ أ م‬
‫هل آ أ نت قليل الفطنة ؟ وهل تقمي هنا لذلة كل خاصة ‪ ،‬ل أ نه‬
‫حيلو كل آ أ ن تتآ أ مل ؟ لقد آ أ مقت طويال يف هذا املاكن ل جتد منه‬
‫خالصا ‪ ،‬آ أ ما قومك فقد وهنت مهنم القلوب يف الصدور " ‪.‬‬
‫فآ أ جبهتا‪ " :‬س آ أ قول كل احلق آ أ اي كنت ‪ ،‬فليست ا راديت‬

‫‪49‬‬
‫يه اليت متسك يب هنا ‪ ،‬ب ل ل بد آ أ ن آ أ كون قد آ أ ذنبت ا ىل‬
‫ال آ لهة ‪ .‬ف آ أ خ ربيين ال ن آ أ ي ال آ لهة آ أ غظت ؟ و آ أ ي الس بل‬
‫آ أ سكل للرجوع ا ىل وطين " ؟‬
‫قلت هذا ف آ أ جابتين ال لهة فورا ‪ " :‬سآ أ علمك اب ل أ مر لكه‬
‫‪ .‬ا ىل هذا املاكن يآ أ وي فروتوس اذلي عنده العمل بآ أ ع امق‬
‫البحار مجيعا ‪ ،‬وهو آ أ يب ‪ ،‬فا ذا قدرت آ أ ن تقمي هل مكينا‬
‫وتقبض عليه ‪ ،‬فا نه يدكل عىل سبيكل ‪ ،‬وطريق آ أ وبتك فوق‬
‫ا ل أ ع امق ‪ .‬ك ام آ أ نه يريك ما حدث يف آ أ هبائك من اخل ري والرش ‪،‬‬
‫و آ أ نت جتوب ا ل أ رض بعيدا ‪ .‬قالت هذا فآ أ جبهتا ‪ " :‬دبري يل‬
‫آ أ نت آ أ مر هذا المكني ‪ ،‬فقد يتفق آ أ ن يراين آ أ ول ف يتجنب‬
‫لقايئ ‪ .‬وا نه ملن العسري عىل ال نسان آ أ ن يت غلب عىل ا هل ‪.‬‬
‫فقالت ال لهة ‪ :‬حي امن تبلغ الشمس يف س ريهيا كبد الس امء ‪،‬‬
‫عندها يآ أ يت الش يخ من البحر ‪ .‬ا نه يآ أ يت قبل هبوب الرحي‬
‫الغربية ‪ ،‬تغطيه موجيات رقاق ‪ .‬وحيامن خيرج من البحر ‪،‬‬
‫يس تلقي يف املغاور لينام ‪ ،‬وترقد حوهل جعول البحر ‪ ،‬ويه‬
‫نتاج ا ل أ وقيانوس ‪ ،‬و ل أ نفا سها راحئة مرة ‪ ،‬يه راحئة ملح‬
‫البحر ‪ .‬ا ىل هناك سآ خذك عند بزوغ الهنار مع ثالثة من‬
‫حصبك ‪ .‬فاخ رتمه من سفنك ولي كونوا آ أ جشع رجاكل ‪ .‬وس آ أ خربك‬
‫ال ن ما يصنعه‬

‫‪50‬‬
‫الرجل العجوز ‪ .‬ا نه يبد آ أ بعد جعول البحر ‪ ،‬وبعد آ أ ن ينهتىي‬
‫من هممته هذه ‪ ،‬ي رقد يف وسطها ك ام يرقد الراعي وسط قطيعه‬
‫‪ .‬وعليك ال ن عندما تشاهده مس تلقيا آ أ ن تستنجد بلك قواك‬
‫وتقي ض عليه ‪ ،‬همام اكحف للخال ص ‪ .‬ا ذ آ أ نه سيتخذ لك آ أ شاكل‬
‫اخمللوقات اليت تد ب عىل ا ل أ رض ‪ ،‬واليت تس بح يف املاء عىل‬
‫السواء ‪ ،‬ب ل ا نه سيتخذ شلك النار املش تعةل ‪ .‬وعليك آ أ ن‬
‫تظل م تشبثا به ‪ ،‬واضغطه طغطا شديدا ‪ .‬و حيامن يلقي عليك‬
‫ا ل أ س ئةل ‪ ،‬بعد آ أ ن يتخذ شلكه ا ل أ صيل ‪ ،‬آ أ طلق سبيهل ‪ ،‬وسهل‬
‫آ أ ي ال آ لهة حيم ل كل احلقد ‪ ،‬وسهل عن سبي ل آ أ وبتك فوق‬
‫ا ل أ ع امق ‪ .‬قالت هذا وغاصت يف البحر ‪ .‬وقصدت آ أ ان السفن ‪،‬‬
‫وقد م ل أ قليب القلق ‪ .‬ويف اليوم التايل آ أ خذ ت ثالثة من حصيب‬
‫ممن آ أ ضع فهيم ثقيت ‪ ،‬فرآ أ ينا ها قد آ أ تت من البحر بآ أ ربعة من‬
‫جلود جعول البحر ‪ ،‬اكنت قد سلخهتا حديثا ‪ ،‬ﻷ هنا نوت آ أ ن‬
‫تنصب ل أ بهيا رشاك ‪ .‬وقد حفرت لنا يف الرم ل خمائب ‪ ،‬جعلتنا‬
‫نرقد فهيا ‪ ،‬وطرحت فوق لك منا جدل من جلود العجول ‪ .‬واكد‬
‫تربصنا يف املمكن ي كون فاجعا ‪ ،‬ﻷ ن هذه اجللود قد انبعثت‬
‫مهنا راحئة كرهية آ ذتنا كث ريا ‪ .‬ومن ذا اذلي يرىض آ أ ن يرقد‬
‫ا ىل جانب آ أ حد وحوش البحر ؟ ول كهنا وجدت لنا من هذا‬
‫الضيق خمرجا ‪ .‬ف آ أ خذ ت‬

‫‪51‬‬
‫شيئا من العن رب ال لهىي الزيك ‪ ،‬وجعلته عند خيا ش مينا ليطرد‬
‫ننت الوحوش ‪.‬‬
‫وه كذا انتظران الصباح بطوهل بعزم اثبت مكني ‪.‬‬
‫و آ أ قدمت العجول حنوان قادمة من املاء ا ل أ جاج ‪ ،‬واصطفت يف‬
‫نظام عىل الشاط ئ ‪ .‬وعند الظهر آ أ قب ل الرج ل العجوز من‬
‫البحر ‪ ،‬ومىش حماذاي ص ف احليواان ت وهو يعدها ‪ .‬وقد عدان‬
‫معها من غري آ أ ن يفطن حل يلتنا ‪ .‬مث اس تلق عىل ا ل أ رض لينام‬
‫‪ .‬عندها آ أ رسعنا ا ليه صاحئني ‪ ،‬و آ أ مس كنا به بشدة ‪ .‬ولكنه مل‬
‫يسه عن م كره ‪ ،‬فانقلب آ أ سدا ملتحيا ‪ ،‬مث صار ثعباان ‪،‬‬
‫ف منرا ‪ ،‬فداب براي خضم اجلثة ‪ .‬واختذ آ أ يضا هيئة املاء اجلاري ‪،‬‬
‫والشجرة املزهرة ‪ .‬وظللنا حنن يف هذه احلالت لكها ممس كني به‬
‫مشددين عليه ‪ .‬وملا وهنت قواه آ أ خ ريا ‪ ،‬قال ‪ " :‬آ أ ي ا هل‬
‫آ أ وعز ا ليك اي ابن آ أ تريذ آ أ ن تمكن يل ؟ ولكنين آ أ جبته ‪ " :‬مل‬
‫ختدعين آ أ هيا العجوز ابللكم املوارب ؟ فلقد آ أ مسكت يف هذه‬
‫اجلزيرة ‪ ،‬ول آ أ جد للنجاة مهنا سبيال ‪ .‬فآ أ خ ربين ال ن آ أ ي‬
‫ال آ لهة يعيقين عن السري ‪ ،‬و آ أ ي طريق آ أ سكل ل أ وبيت فوق‬
‫البحار ؟ " فآ أ جاب الرجل العجوز ‪ " :‬اكن جيب عليك آ أ ن‬
‫تتقرب ابلتضحية لزفس وبقية ا ل أ رابب قبل ا حبارك ‪ .‬ولو‬
‫فعلت ذكل لبلغت آ أ رض آ ابءك رسيعا ‪ .‬آ أ ما ال ن فعليك آ أ ن‬
‫تعود‬

‫‪52‬‬
‫ا ىل هنر مرص ‪ ،‬وتقدم القرابني لل آ لهة ‪ ،‬ل مينحوك ما ترغب "‬
‫‪ .‬فتحطمت مين الرو ح عند س امعي آ أ نه جيب عيل آ أ ن آ أ عود ا ىل‬
‫قطع هذه الطريق املهنكة مرة آ أ خرى ‪ .‬ولكنين قلت ‪" :‬ا نين‬
‫س آ أ قوم بلك ما طلبت آ أ هيا الش يخ ‪ .‬آ أ ما ال ن ف آ أ توس ل ا ليك‬
‫آ أ ن خت ربين هل رجع ال غريق الذلين تركهتم ونس ط ور وراءان يف‬
‫طروادة ؟ وهل رجعوا ساملني ا ىل بالدمه ‪ ،‬آ أ م هل هكل مهنم‬
‫آ أ حد مبوت مريع ‪ ،‬وهو راكب يف البحر آ أ و بني حصبه " ؟‬
‫فآ أ جاب الش يخ عىل ذكل بقوهل‪ :‬لقد آ أ سآ أ ت ابلسؤال عن آ أ مور‬
‫كهذه ؛ ﻷ نك ستب يك لس امعها ‪ .‬مل هيكل من الزع امء عند رجوعهم‬
‫ا ل اثنان فقط ‪ ،‬و آ أ ما البا قون فعندك آ أ خبارمه ‪ .‬لقد حتطمت‬
‫سفينة آ أ ايس ا ل أ صغر ‪ ،‬ولعهل جنا من كره آ أ ثينا هل ‪ ،‬فا ن معو نة‬
‫فوس يذون جعلته ي بلغ الصخور ‪ :‬ول كن النجاة آ أ زاغت بص ريته‬
‫جفعل يتبجح بآ أ نه جنا من ا لبحر فمل يبتلعه رمغ ال آ لهة مجيعا ‪،‬‬
‫مفا اكن من فوس يذون ا ل آ أ ن رضب بصوجلانه الصخرة اليت‬
‫جلس علهيا ‪ ،‬فهوى قسم مهنا ا ىل البحر حيمل معه آ أ ايس اذلي‬
‫هكل وهو يبتلع املاء ا ل أ جاج ‪ .‬ولقد جنا آ أ خوك من الهالك يف‬
‫الب حر ‪ ،‬ل أ ن ه ريا آ أ نقذته ‪ ،‬ول كن الر اي ح العاصفة محلته ا ىل‬
‫ا ل أ رض اليت يس كهنا آ أ وغيس توس بن ثيستس ‪ .‬وملا وط ئ‬
‫آ أ غاممنون ا ل أ رض اليت ودل فهيا بقدميه ‪ ،‬قبلها وهو ينتحب‬

‫‪53‬‬
‫ذارفا دموعا حارة لشدة غبطته برؤيهتا ‪ ،‬ول كن اخلفري برص‬
‫به من آ أ عىل ال ربج ‪ .‬وهذا اخلفري اكن قد ا س ت آ أ جره آ أ وغيس توس‬
‫املاكر بوزنتني من اذلهب ‪ .‬وبقي ي رتصد هناك س نتني ل يك ل‬
‫مير آ أ غاممنون يف خفية عنه ‪ .‬فل ام رآ ه اخلفري ابدر ا ىل م زنل‬
‫آ أ وغس توس حيم ل ا ليه اخلرب ‪ :‬فدبر هذا مكيدة حممكة احلبك‬
‫للفتك به ‪ ،‬ف آ أ قام يف الهبو مكينا آ أ عد هل عرشين من آ أ جشع‬
‫الرجال ‪ ،‬وجعلهم هييؤون يف الطرف ال خر من الهبو م آ أ دبة ‪.‬‬
‫مث ذهب هو مبركباته وخيوهل ا ىل آ أ غاممنون يدعوه ا ىل الو ل مية ‪.‬‬
‫جفاء به ا ىل م زنهل ‪ ،‬وهو ل يعمل مما قدر هل شيئا ‪ .‬وذحبه بعد‬
‫الو ل مية ك ام يذحب الرجل ثورا يف اصطب ل ‪ ،‬ومل يبق من حصب‬
‫آ أ غاممنون ول من حصب آ أ وغيس توس آ أ حد " ‪ .‬وب كيت عند ذكل‬
‫باكء مرا غ ري آ هبا للحياة ‪ .‬ول كن الش يخ قال يل ‪ " :‬ل تآ أ س‬
‫عىل ما فا ت اي ابن آ أ تريذ ولست واجدا يف ادلموع عوان ‪.‬‬
‫وا ل أ جدر بك آ أ ن تعج ل يف الرجوع ‪ ،‬فقد جتد آ أ وغس توس ل‬
‫يزال عىل قيد احلياة ‪ ،‬وقد يكون آ أ ور ست قد فتك به ‪ ،‬فال‬
‫تفوتن ك و ل مية د فنه " نطق الش يخ هبذا ‪ ،‬فشعرت ابلعزاء‬
‫يش يع يف قليب ‪ ،‬وقلت ‪ " :‬لقد علمت ال ن مصائر هؤلء ‪،‬‬
‫ول يزال هنا كل رج ل آ أ توق ا ىل سامع آ أ خباره ‪ ،‬آ أ ميت هو آ أ م‬
‫ل يزال حيا يطوف فوق البحار ؟‬

‫‪54‬‬
‫قل ولو اكن يف س امع قو كل ما يشجيين " ‪ .‬فآ أ جابين الش يخ‬
‫فورا ‪ " :‬ا ن ابن لريت هو املقصود من الكمك ‪ ،‬ول ريب ‪.‬‬
‫لقد رآ أ يته يف احدى اجلزر يف موطن اك ل يبسو يذرف ادلمع‬
‫السخني ‪ ،‬ل أ ن احلورية ت ستبقيه هناك قرسا ‪ ،‬ومتنعه من‬
‫الرجوع ا ىل وطنه ‪ .‬وليس دليه سفينة ول حصاب ‪ .‬آ أ ما آ أ نت اي‬
‫مانيال فلن متوت كبايق الرجال ‪ ،‬فا ن ال آ لهة ستنقكل ا ىل سه ل‬
‫ا ليس يا يف آ أ قىص ا ل أ رض حيث ل ثلج ول زوابع ول آ أ مطار ‪،‬‬
‫بل ا ن ا ل أ قيانوس ل يفت آ أ يرسل حنوه رحيا غريبة تنعش آ أ نفاس‬
‫البرش ‪ .‬هذا ما س يكون من آ أ مرك ‪ ،‬ل أ نك زوج هيالنة ‪،‬‬
‫ف ك أنك لهذا ابن زفس " ‪ .‬قال بروتوس هذا ‪ ،‬وغاص يف‬
‫ال بحر ‪ .‬ويف اليوم التايل قصدان ا ىل هنر مرص ‪ ،‬ا ىل الهنر اذلي‬
‫متد ه الس امء مباهئا ‪ .‬وقدمنا القرابني لل آ لهة ‪ .‬وملا س كنت من‬
‫غضهبم ‪ ،‬آ أ مقت ل أ يخ آ أ غاممنون نصبا عظ امي ‪ ،‬ليك ل ينىس امسه‬
‫بني البرش ‪ .‬وملا آ أ متمت ما عيل من واجب ‪ ،‬آ أ حبرت راجعا ا ىل‬
‫وطين ا ذ خسرت يل ال آ لهة رحيا رخاء ‪ .‬آ أ ما آ أ نت ف آ أ مق ال ن يف‬
‫آ أ هباء قرصي ‪ ،‬وحيامن تفكر يف الرجوع آ أ عطيك مركبة ومعها‬
‫ثالثة جياد و ك أ سا فاخرة تصب مهنا لل آ لهة ‪ ،‬ول كن اذكرين لك‬
‫آ أ ايم حياتك " ‪.‬‬
‫فآ أ جابه تل اميخ ‪" :‬ل متسك يب طويال اي ابن آ أ تريذ ؛‬

‫‪55‬‬
‫ل أ ن حصيب ينتظرونين يف فيلوس ‪ .‬وا ين ل أ ود لو آ أ قمي هنا س نة‬
‫اكمةل ‪ ،‬آ أ قضهيا معك من غري آ أ ن ي ربح يب الشوق ا ىل وطين ‪.‬‬
‫ولك هدية متنحنهيا سآ أ دخرها ك زنا ‪ ،‬ول كنين لن آ خذ جيادا ا ىل‬
‫ا يثاكة ‪ .‬خفري لها آ أ ن تبق هنا ينعم هبا بدلك ‪ ،‬ل أ نك س يد‬
‫سه ل فس يح ‪ ،‬فيه احلنطة واجلودار والشع ري ‪ .‬وليس يف‬
‫ا يثاكه مروج ‪ ،‬ول تصلح مراعهيا ا ل للمعز ‪ .‬وا هنا مع هذا‬
‫وامي احلق آ أ هبج يف عيين مهنا لو اكنت تصلح مرع للخيول " ‪.‬‬
‫فقال مانيال ‪ " :‬ا نك تنطق مبا يليق اببن آ أ بيك ‪ .‬فهمل‬
‫ال ن آ أ بدل الهدااي ‪ ،‬وسآ أ عطيك من كنوز بييت آ أ نفسها ‪،‬‬
‫و آ أ خص مهنا ابذلكر ك أ سا آ أ هدانهيا مكل الصيدانيني ‪ .‬ويه من‬
‫الفضة ‪ ،‬وحواش هيا حمالة ابذلهب " ‪.‬‬
‫واكن اخلطا ب يف ا يثاكة يف آ أ ثناء هذا قد علموا آ أ ن‬
‫تل اميخ قد رح ل ليبحث عن آ أ بيه ‪ ،‬فغاظهم ذكل جدا ‪ ،‬وع قدوا‬
‫جملسا وتشاوروا يف ا ل أ مر ‪ ،‬ف آ أ مجعوا عىل آ أ ن خ ري ما يفعلون‬
‫هو آ أ ن يق ميوا هل مكينا ويقتلوه عند رجوعه ‪ .‬وعىل هذا‬
‫ا س تصحب انطينوس عرشين رجال و آ أ حبر هبم ‪ ،‬يبغي ال رتصد هل‬
‫يف املضيق ما بني ا يثاكة وساموس ‪.‬‬
‫ومل خي ف آ أ مر هذا القرار عن بنلوب ‪ ،‬فقد مسع به‬
‫ميذون آ أ حد ادلعاة ‪ ،‬فآ أ خ ربها بذهاب تل اميخ ل يتسقط آ أ خبار‬

‫‪56‬‬
‫آ أ بيه‪ ،‬وان اخلطاب قد تآ مروا عىل قتهل عند رجوعه ‪ .‬فدعت‬
‫نساءها العجائز مهنن والفتيات ‪ ،‬ووخبهتن قائةل ‪ " :‬لقد علمنت‬
‫اي وصيفات السوء آ أ نه آ أ زمع الرحي ل فهال آ أ يقظتنين من نو يم ‪.‬‬
‫لقد اكن يف وسعي آ أ ن آ أ حول دون رحلته مع شدة رغبته يف‬
‫السفر ‪ .‬ومل آ أ كن ل أ دعه يذهب ا ل ا ذا خلفين ميتة " ‪.‬‬
‫فقالت آ أ وريلكيا ‪ " :‬آ أ قتليين ا ذا شئت ‪ ،‬ول كين ل‬
‫آ أ خفي عنك شيئا ‪ .‬لقد كنت عىل عمل بغايته ‪ ،‬وزودته بلك ما‬
‫حيتاج ا ليه يف رحلته ‪ .‬ول كنه جعلين آ أ قسم آ أ ل آ أ خ ربك بيشء‬
‫قب ل آ أ ن ينقيض آ أ حد عرش آ أ و اثنا عرش يوما عىل سفره ‪.‬‬
‫فاذهيب ال ن مع وصيفاتك ‪ ،‬وصيل ﻷ ثينا ليك تنجيه من املوت‬
‫‪ .‬وا ين لعىل يقني آ أ ن هذا البيت ل متقته ال آ لهة مجةل " ‪.‬‬
‫فهتيآ أ ت بنلوب ‪ ،‬وصعدت مع وصيفا هتا ا ىل العلية‬
‫ودعت آ أ ثينا عاليا ليك تنقذ ابهنا ‪ .‬ومسعها اخلطاب تصيل‬
‫فقالوا ‪ " :‬ل شك يف آ أ ن امللكة تصيل ‪ ،‬ويه تف كر يف زواهجا‬
‫‪ ،‬غري عاملة آ أ ن املوت لبهنا ابملرصاد " ‪.‬‬
‫مث اجضعت لتنام ومل تطعم ومل ترشب ‪ .‬و آ أ رسلت ا لهيا‬
‫آ أ ثينا يف آ أ ثناء نوهما حل ام يف هيئة آ أ خهتا ا فتامي زوجة ا ميلوس‬
‫بن آ أ لسس تيس ‪ .‬ووق ف الطيف عند رآ أ سها وقال ‪:‬‬

‫‪57‬‬
‫" آ أ تنامني اي بنلوب ؟ ا ن ال آ لهة لن تفجعك ‪ ،‬فا ن‬
‫ابنك س ريجع دون ريب " ‪.‬‬
‫فقالت بنلوب ‪ " :‬كيف آ أ تيت ا ىل هنا اي آ أ ختاه؟ فا ن‬
‫مسكنك لبعيد ‪ .‬وكيف آ أ كف عن الباكء وزويج فقيد ؟ وهذا‬
‫ابين قد رح ل ال ن وانين شديدة اجلزع عليه خش ية آ أ ن يقتهل‬
‫آ أ عداؤه " ‪.‬‬
‫ول كن الطيف آ أ جاب " ل ختيش شيئا ‪ .‬فا ن معه‬
‫مساعدا من ا ل أ برار ‪ ،‬وهو آ أ ثي نا اليت آ أ رسلتين ل أ نقل ا ليك‬
‫هذه ا ل أ خبار " ‪.‬‬
‫فقالت ينلوب ‪ " :‬ا ذا كنت ا لهة خفربيين آ أ ل يزال زويج‬
‫يف قيد احلياة " ؟ ول كن ال ط يف آ أ جا ب ‪ :‬هذا ما ل آ أ قدر عىل‬
‫الا فصا ح به ‪ ،‬وا بالغك آ أ يح هو آ أ م ميت " ‪ .‬قال الطيف هذا‬
‫‪ ،‬وتالىش يف الفضاء ‪ ،‬فا ستيقظت بنلوب من نوهما ‪ ،‬وقد‬
‫ا طمآ أ ن قلهبا‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫‪6‬‬
‫آأ وذيس في طوفه‬
‫عاد ال آ لهة ا ىل عقد جملسهم يف آ أ عايل ا ل أ وملب ‪ ،‬وتلكم ت‬
‫فهيم آ أ ثينا قائةل‪" :‬ليعدل امللوك ال ن عن العناية ابخلري وا قامة‬
‫العدل بني الناس! هامك آ أ وذيس‪ ،‬فقد اكن خ ري آ أ ب لرعيته‪،‬‬
‫وليذكره مهنم اليوم آ أ حد‪ .‬وهو قد حبس عن الرحيل يف جزيرة‬
‫لك يبسو النائية‪ .‬وليس من سفينة حتمهل ا ىل بالده‪ .‬مث ا ن‬
‫اخلطاب يتآ مرون عىل قتل ودله اذلي ذهب ا ىل فيلوس وا ىل‬
‫لقدمونيا‪ ،‬آ مال آ أ ن ي تنسم آ أ خبار ابيه ‪".‬‬
‫فآ أ جاهبا زفس‪ :‬ما هذا اذلي تقولني؟ آ أ مل ت دبري آ أ مر هذه‬
‫املكيدة بنفسك ليك حيل ابخلطاب انتقام آ أ وذيس؟ آ أ ما تل اميخ‪،‬‬
‫فكل آ أ ن ترشديه حبمكتك ك ام تشائني ل يك يرجع‬

‫‪59‬‬
‫ا ىل بدله سل امي ‪ ،‬ويرتد كيد اخلطاب ا ىل حنورمه ‪".‬‬
‫مث قال لهرمس‪" :‬ا ذهب اي هرمس ا ىل احلورية لك يبسو‬
‫وبلغها رغبيت ال أ كيدة يف آ أ ن يرجع آ أ وذيس ال ن ا ىل وط نه ‪".‬‬
‫فانتعل هرمس خفيه اذلهبيني ‪ ،‬ومحل صوجلانه بيده‪،‬‬
‫و آ أ ىت جزيرة آ أ وجيجيا ‪ ،‬وقصد ا ىل ال كه ف حيث تقمي لك يبسو‪.‬‬
‫واكن املاكن حس نا تش تعل فيه انر حطب زيك الراحئة‪ .‬وقد‬
‫جلست لك يبسو ا ىل نولها تغين بصوت عذ ب‪ .‬و آ أ حاطت ابل كهف‬
‫حديقة ‪ ،‬ج مثت فهيا طيور كث رية من الصقور والبوم وال زيغان‪،‬‬
‫عىل آ أ غصان احلور والعرعر والرسو‪ .‬وامتد ت عىل مدخل‬
‫الكهف كرمة تدل ت مهنا عناقيد العنب ا ل أ رجوانية‪ .‬وتد فقت‬
‫عنده آ أ ربعة ينابيع‪ ،‬اجتهت ا ىل آ أ ربع هجا ت خترتق مروجا من‬
‫املقدونس وا ل بنفسج‪ .‬واكن املاكن من امجلال حبيث يدهش لك‬
‫من رآ ه حىت ال آ لهة‪ .‬ولقد دهش هرمس لرؤيت ه ‪ ،‬مث دخل‬
‫الكهف فعرفته لك يبسو حيامن رآ أ ته وهجا لوجه ‪ ،‬ل أ ن ال آ لهة‬
‫يعرف آ أ حدمه ال خر ‪ ،‬وا ن تباعد ت مساكهنم ‪ ،‬وشط بيهنم‬
‫املزار‪ .‬ول كن آ أ وذيس مل ي كن هناك بل آ أ قام ‪ ،‬عىل حسب‬
‫رغبته‪ ،‬عند الشاطئ يبيك ويت آ أ وه ‪ ،‬خش ية آ أ ل يعود ف ريى‬
‫‪.‬‬ ‫زوجته وبيته وو طنه‬

‫‪60‬‬
‫ا لينا اي هرمس‬ ‫عندها قالت لك يبسو لهرم س‪ ” :‬مل آ أ تيت‬
‫ول كنك مل تعتد‬ ‫اي ذا الصوجلان اذلهيب ؟ ا نين آ أ رحب بك ‪،‬‬
‫عل ين آ أ قدر عىل‬ ‫زايريت يف سالف ا ل أ ايم ‪ .‬ف آ أ طلعين عىل رغباتك‬
‫من الطعام ‪” .‬‬ ‫حتقيقها ‪ .‬ول كن اتبعين آ أ ول ليك آ أ قدم كل شيئا‬
‫مث مد ت مائدة علهيا الطعام ال لهىي‪ ،‬ووضعهتا آ أ مامه‪،‬‬
‫ومزجت هل الرحيق الوردي ‪ ،‬فآ أ لك رسول ال هل و رشب ‪ .‬وملا‬
‫تناول كفايته من الطعام وتشددت نفسه‪ ،‬تلكم قائال ‪:‬‬
‫” ‪ -‬لقد س آ أ لت عن سبب قدو يم ‪ ،‬وس آ أ صد قك اخل رب ‪.‬‬
‫ا نين آ ت ا ليك عن رغبة خاصة ‪ ،‬ومن اذلي يقدم من تلقاء‬
‫نفسه ‪ ،‬فيجوز البحر الوا سع ‪ ،‬حيث ل مدينة يقدم فهيا‬
‫الناس القرابني ل ل آ لهة ؟ ا ن زفس هو اذلي آ أ مرين ابجمليء‪،‬‬
‫ولن يعيص آ أ حد لزفس آ أ مرا ‪ .‬وهو يقول ا ن دليك رجال ‪ ،‬هو‬
‫آ أ تعس حظا من مجيع رفاقه ال كثريين ‪ ،‬اذلين حاربوا طروادة‬
‫تسع س نني ‪ ،‬و آ أ حبروا يف الس نة العا رشة عائدين ا ىل بالدمه ‪.‬‬
‫وقد ف ُ قد مجيع حصبه ‪ ،‬ومل يبق مهنم سواه ‪ ،‬حفملته ا ل أ مو اج‬
‫ا ىل هذا املاكن فآ أ رجعيه ال ن ا ىل وطنه ب آ أ رسع ما تس تطيعني‬
‫‪ ،‬ا ذ مل ي ُ قد ر هل آ أ ن ميوت بعيدا عن آ أ ههل ‪ ،‬ب ل ل بد آ أ ن يرجع‬
‫لرؤية سقفه العايل و آ أ رض مودله ‪” .‬‬

‫‪61‬‬
‫وقد اش تد بلك يبسو الغيظ لس امعها هذا اللكم ‪ ،‬ل أ هنا‬
‫اكنت ترغب يف آ أ ن تستبقي آ أ وذيس عندها آ أ بدا ‪ ،‬وقالت ‪:‬‬
‫” ‪ -‬ا نمك آ أ هيا ال آ لهة ليآ أ خذمك احلسد عندما ترون ا حدى‬
‫ال لهات قد آ أ حبت ا نساان فانيا ‪ .‬آ أ ما آ أ وذيس ‪ ،‬آ أ فمل آ أ نقذه‬
‫حي امن رضب زفس سف ينته بصاعقة ‪ ،‬فهكل مجيع حصبه ؟‬
‫فليذهب ال ن ‪ ،‬ا ذا اكن ذهابه يريض زفس ‪ .‬ول كنين ل آ أ قدر‬
‫عىل ا رساهل ‪ ،‬ا ذ ليس دلي سفينة ول جمذ فون ‪ ،‬وا ين مع هذ ا‬
‫عىل ا س تعداد ل أ رشده ا ىل طريق عودته ساملا ‪” .‬‬
‫فقال هرمس ‪ :‬آ أ رسعي يف عكل هذا ل يك ل يلحق بك‬
‫غضب زفس ‪” .‬‬
‫قال هذا وانرصف ‪ ،‬وذهبت لك يبسو تطلب آ أ وذيس ‪،‬‬
‫فوجدته عند الشاطئ يرس ح ال طرف فوق مياه البحر كام هو‬
‫د آ أ به ‪ ،‬وينتحب ‪ ،‬فقد آ أ ضنته حياته هذه لشدة رغبته يف آ أ ن‬
‫يعود ‪ ،‬ويرى ا يثاكة مرة آ أ خرى ‪ .‬فوقفت جبانبه وقالت ‪:‬‬
‫” ‪ -‬ل جتزعن عىل وطنك ‪ ،‬ول ُهت ل كن ك ادلموع ‪ .‬وا ذا‬
‫شئت الرجوع فا نين آ أ جعل يف ترسحيك لتذهب يف سبيكل ‪ .‬خذ‬
‫ف آ أ سك وا قطع هبا جذوعا ‪ ،‬وشد بعضها ا ىل بعض واصنع كل‬
‫عامة ‪ .‬وسآ أ عطيك خ زبا وماء ونبيذا ‪،‬‬

‫‪62‬‬
‫وآ أ كسوك ابلثيا ب حىت تص ل ساملا ا ىل موطنك ‪ ،‬فا ن ال آ لهة‬
‫تريد ذكل ‪” .‬‬
‫فقال آ أ وذيس ‪ ” :‬ماهذا اذلي تقولني ؟ ه ل آ أ قطع عىل‬
‫طوف هذا البحر املروع اذلي ل تقطعه السفن الكب رية نفسها‬
‫دون آ أ ن ميسها آ أ ذى ؟ ا نين لن آ أ عيص كل آ أ مرا ‪ ،‬ول كن عليك‬
‫آ أ ن تقسمي يل قسم ال آ لهة العظمي آ أ نك ل تدبرين يل رشا ‪” .‬‬
‫ف آ أ قسمت لك يبسو عند ذ كل ‪ ،‬وقالت ‪ ” :‬ا ن الكمك هذا‬
‫لغريب ‪ .‬آ أ قسم كل بهنر ا ستي كس العظمي آ أ ين ل آ أ هئي كل رضا‬
‫‪ ،‬ول آ أ ريد كل ا ل اخلري اذلي آ أ ريده لنفيس ‪ ،‬ا ذا مستين‬
‫احلاجة ا ليه ‪ ،‬فا ن قليب مل يقد من احلديد بل هو مفعم‬
‫ابحلنان ‪ .‬مث ذهبا الكهام ا ىل الكهف ‪ ،‬وجلسا ا ىل الطعام ‪.‬‬
‫وقد وضعت آ أ مامه مما يآ أ لك البرش ‪ ،‬آ أ ما يه فتناولت من طعام‬
‫ال آ لهة ‪ ،‬واحتست من الرحيق اخلاص هبم ‪ ،‬وخا طبته بعد ذكل‬
‫قائةل ‪:‬‬
‫” ‪ -‬مل اش تد بك الشوق ا ىل مزن كل ؟ قسام لو كن ت‬
‫تعمل ما ينتظرك هنا ك من عناء ‪ ،‬لعدلت عن اذلها ب وفض لت‬
‫البقاء بقريب ‪ .‬وانك لتقيض هنارك لكه متشوقا ا ىل رؤية‬
‫زوجك ‪ ،‬مع اين و آ أ مي احلق لست آ أ ق ل مهنا ج امل ‪” .‬‬
‫فقال آ أ وذيس‪ ” :‬ل يآ أ خذنك الغضب ‪ ،‬فا ن بنلوب‬

‫‪63‬‬
‫ا حلك مية آ أ بعد من آ أ ن تقاس بك ‪ ،‬مفا يه ا ل امرآ أ ة فانية‬
‫و آ أ نت ا ل هة ‪ .‬غري آ أ ن مزن يل مع هذا عزيز دلي ‪ ،‬وا ين لرؤيته‬
‫جلد مش تاق ‪ .‬وا ذا شاء آ أ حد ال آ لهة آ أ ن حيطم يب مركيب و آ أ ان‬
‫فوق الغمر ‪ ،‬فا ين آ أ حتم ل ذ كل بصرب مجي ل ‪ .‬فلشد ما قاسيت‬
‫‪ ،‬ولشد ما عانيت من بالء احلرب وهماكل البحار ‪ .‬وا ذا اكن‬
‫لبد من بالء لحق ‪ ،‬فليضف حديثه ا ىل حديث البالء‬
‫السابق ‪” .‬‬
‫ويف اليوم التايل آ أ عطته لك يبسو ف آ أ سا عصاها من خشب‬
‫الزيتون ‪ ،‬و آ أ عطته آ أ يضا قد وما ‪ ،‬و آ أ خذته ا ىل طرف اجلزيرة‬
‫‪ ،‬حيث ا ل أ جشار ا لعظ مية من احلور والصفصاف والصنوبر قد‬
‫ذوت وجفت منذ زمن طويل ‪ .‬فقطع مهنا عرشين ‪ ،‬وشذهبا‬
‫وجعلها صفا ‪ .‬مث جاءته ال لهة مبثقب خفرق به اجلذوع ‪ ،‬ومض‬
‫بعضها ا ىل بعض ابدل رس ‪ ،‬وجعل فوقها سطوحا وجوانب ‪،‬‬
‫وفناء ور فع علهيا صاراي ‪ ،‬وزود هذا الطوف بدفة يدار هبا ‪.‬‬
‫وحص نه من ا ل أ مواج بسور من القصب ‪ .‬آ أ ما الرشع ‪ ،‬حفاكهتا‬
‫لك يبسو ‪ ،‬وركهبا آ أ وذيس حب املت و آ أ مراس و آ أ طناب ‪ ،‬ودفع‬
‫الطوف آ أ خ ريا ا ىل البحر مس تعينا بعتالت ‪.‬‬
‫ومل ي آ أ ت اليوم الرابع حىت اكن قد آ أ عد لك يشء ‪ ،‬و آ أ حبر‬
‫يف اليوم اخلامس ‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫وقد خلعت عليه لك يبسو ا ل أ ثواب الفاخرة ‪ ،‬و آ أ عطته زق مخر‬
‫وقربة ماء ‪ ،‬وزادا طيبا يف جراب من اجلدل ‪ .‬مث خسرت هل‬
‫رحيا جسسجا هتب وراءه ‪ .‬ونرش آ أ وذيس رشعه وسار يف سبيهل‬
‫جذل ‪ .‬ومل يغمض هل جفن ‪ ،‬بل آ أ قام يرا قب النجوم والرثاي‬
‫والعوائذ وادلب ال أ كرب اذلي يسميه البرش آ أ يضا املركبة ‪ ،‬وهو‬
‫ل يفت آ أ يدور يف ماكن واحد ‪ .‬متطلعا ا ىل الكوكب الصياد ‪،‬‬
‫ل أ ن لك يبسو قالت هل‪ ” :‬اجع ل ادل ب ال أ ك رب دا مئا عن يسارك‬
‫و آ أ نت مت خر البحر ‪” .‬‬
‫وظ ل يقطع البحر س بعة عرش يوما ‪ ،‬حىت لحت هل يف‬
‫اليوم الثامن عرش ظالل الهضبات يف جزيرة الفيس يانيني ‪،‬‬
‫آ أ قرب اجلزر ا ليه ‪ .‬وقد بد ت هل اجلزيرة من خالل ضباب‬
‫البحر ك أ هنا ال رتس ‪ .‬واتفق عندئذ آ أ ن فوس يذون ‪ ،‬دلى‬
‫رجوعه بعد آ أ ن قىض شعائر العيد مع الثيوبيني ‪ ،‬حمله مبحرا ‪،‬‬
‫مف ل أ ذكل قلبه غيظا ‪ .‬وهز رآ أ سه وقال يف نفسه ‪ ” :‬لريب‬
‫آ أ ن ال آ لهة قد غ ريوا نيهتم حنو آ أ وذيس يف غيايب عند الثيوبيني‬
‫‪ .‬وها هو ال ن يدنو من جزيرة الفيس يانيني ‪ ،‬وقد قد ر هل ا ن‬
‫بلغها آ أ ن ينجو من بالايه ‪ .‬بيد آ أ ين س آ أ د فعه ال ن بعيدا جدا‬
‫يف سبيل املصا عب واملهاكل ‪” .‬‬
‫وعىل هذا حشد الغيوم ‪ ،‬وهاج مياه ا ل أ ع امق ‪ ،‬وهو‬

‫‪65‬‬
‫حيم ل صوجلانه بيده ‪ ،‬و آ أ اثر عاصفة من لك ما هيب من الراي ح‬
‫‪ ،‬وغط ا ل أ رض والبحر ابلغيوم ‪ .‬وا ش تد ب آ أ وذيس اجلزع وقال‬
‫يف نفسه ‪ ” :‬ابلصواب نطقت لك يبسو مل ا ذكرت ما ل بد آ أ ن‬
‫آ أ لقاه من الويال ت ‪ ،‬و آ أ ان عائد ا ىل وطين ‪ .‬آ أ ل ليتين مت يوم‬
‫سد د ت رماح رجال طروادة ا ىل آ أ خيل امليت! ا ذن لواراين‬
‫رجال ال غريق يف حلد‪ .‬ول كين ا ل ن س آ أ هكل ابئسا ذليال ” ‪.‬‬
‫وفامي هو يتلكم انقض ت موجة عظ مية عىل طوفه فقذ فت به‬
‫بعيدا و آ أ فلتت ادل فة من يده ‪ .‬وانقضت مدة طويةل قبل آ أ ن‬
‫ي مت كن من الارتفاع ‪ ،‬ل أ نه قد غا ص ا ىل عق كب ري ‪ ،‬و ل أ ن‬
‫الثياب الفاخرة اليت خلعهتا عليه لك يبسو اكنت كثيفة ثقيةل ‪.‬‬
‫ا ل آ أ نه عال آ أ خ ريا فوق ا ل أ مواج ‪ ،‬ومج املاء املاحل من مفه ‪.‬‬
‫واكن من جشاعته آ أ ن وثب ا ىل الطوف ‪ ،‬و آ أ مسك به ‪ ،‬وجلس‬
‫عليه ف آ أ خذ ت تتقاذ فه ا ل أ مواج ‪ .‬ول كن ا ينو رآ أ ته ف آ أ شفقت‬
‫عليه ‪ .‬وقد اكنت قبال امرآ أ ة ‪ ،‬ويه ال ن ا لهة البحر ‪،‬‬
‫وصعد ت ا ليه من ا ل أ ع امق ك أ هنا زمج املاء الطائر ‪ ،‬وجلست‬
‫عىل الطوف ‪ ،‬وتلكمت قائةل ‪:‬‬
‫” ‪ -‬آ أ هيا الانسان اليسء احلظ‪ ،‬ملاذا ي كرهك فوس يذون‬
‫لك هذا ال كره ؟ ا نه لن هيل كك ‪ ،‬وا ن اكن شديد الرغبة يف‬
‫ذكل ‪ .‬فاخلع هذه الثيا ب ‪ ،‬وا س بح ا ىل آ أ رض‬

‫‪66‬‬
‫فيس يا ‪ ،‬واضعا هذا احلجا ب حتت صدرك ‪ .‬وحيامن تبلغ‬
‫ا ل أ رض انزعه عنك و آ أ لقه يف البحر ‪ ،‬وحو ل نظ رك بعيدا حني‬
‫ا لقائه ‪” .‬‬
‫و آ أ عطته ال لهة احلجا ب ‪ ،‬وعاد ت فغاصت ا ىل ا ل أ ع امق‬
‫ك ام يغوص زمج املاء‪ .‬وانطبقت ا ل أ مواج من فوقها ‪ .‬وف كر‬
‫آ أ وذيس يف ا ل أ مر قائال يف نفسه‪ ” :‬تبا يل! آ أ ل يكون آ أ حد‬
‫ال لهة قد دب ر يل م كيدة ‪ ،‬وهو يوعز ا يل آ أ ن آ أ غادر طويف‬
‫يقينا آ أ ين لن آ أ عل هبذه النصيحة ؛ ل أ ن ا ل أ رض حني حملهتا‬
‫بد ت بعيدة جدا لعيين ‪ .‬وقد آ أ زمعت آ أ ن آ أ قمي عىل الطوف ما‬
‫دام مامت ساك ‪ ،‬وس آ أس بح حيامن تشطره ا ل أ مواج ‪ ،‬ا ذ تكون‬
‫الس باحة خري ما يف وسعي آ أ ن آ أ عل ‪” .‬‬
‫فامي اكن هذا هيجس يف صدره‪ ،‬آ أ رسل فوس يذون عىل‬
‫الطوف موجة آ أ خرى عظ مية ‪ .‬وك ام ت آ أ يت عاصفة هوجاء عىل‬
‫كومة من قرش احلب فتذروها ‪ ،‬ه كذا بعرثت ا ل أ مواج آ أ خشا ب‬
‫الطوف ‪ .‬ول كن آ أ وذيس امتط آ أ حد ا ل أ لوا ح كام ميتطي الرجل‬
‫جوادا ‪ ،‬وخلع عنه الثياب الفاخرة اليت آ أ عطته ا ايها لك يبسو‬
‫‪ ،‬ووضع احلجا ب يف صدره وقفز ا ىل البحر اب سطا ذراعيه‬
‫للس باحة ‪ .‬وملا رآ ه فوس يذون هز رآ أ سه ‪ ،‬وخا طب نفسه‬
‫قائال ‪ ” :‬اذهب عىل هذا الوجه بعد لك ما لقيت ‪ ،‬وته فوق‬
‫الغمر حىت تبلغ ا ل أ رض ‪ .‬ولن‬

‫‪67‬‬
‫تزمع آ أ نك مل تلق من الهول ما فيه ال كفاية ‪” .‬‬
‫بيد آ أ ن آ أ ثينا عقلت سائر الراي ح ‪ ،‬و آ أ اثرت رحي الشامل‬
‫الرسيعة ل يك ينجو آ أ وذيس من املوت ‪.‬‬
‫وه كذا ظل يس بح هنارين وليلتني ‪ .‬ويف اليوم الثالث‬
‫صفا اجلو ‪ .‬ومن فوق موجة عظ مية ‪ ،‬ا ذ اكن املوج ما زال‬
‫عاليا ‪ .‬رآ أ ى ا ل أ رض عىل مقربة منه ‪ .‬وكفرحة ا ل أ بناء بوادلمه‬
‫العزيز ‪ ،‬وهو يهنض من مرض خطري ‪ ،‬ه كذا اكنت فرحة‬
‫آ أ وذيس اب ل أ رض اليت بدت لعينيه ‪ .‬ول كنه مل يكد يدنو مهنا‬
‫حىت مسع ا ل أ مواج تت كرس عىل الشاطئ ‪ ،‬ا ذ مل ي كن مثة ميناء‬
‫ب ل نفان ف وخصور انتئة ‪.‬‬
‫فتخاذلت عندئذ ركبتاه جزعا وذا ب قلبه يف صدره ‪،‬‬
‫وخا طب نفسه وهو مثقل غام ‪ ” :‬الويل يل! فال ن ‪ ،‬وقد‬
‫منحين زفس فوق ما آ أ ملت جفعلين آ أ برص ا ل أ رض ‪ ،‬ل آ أ جد‬
‫ماكان آ أ بلغ به الشاط ئ من البحر ‪ .‬فا ن رؤوس الصخ ور حادة‬
‫‪ ،‬وا ل أ مواج تزجمر حولها ‪ ،‬والصخور امللساء تذهب صعدا من‬
‫البحر ‪ ،‬واملاء بعيد الغور ‪ ،‬فال آ أ جد لقد يم مس تقرا ‪ .‬وا ذا‬
‫رغبت يف الوصول ا ىل اليا بسة ‪ ،‬فقد حتملين موجة عظ مية‬
‫وترضب يب الصخور ‪ .‬وا ذا ما س بحت حماذاي الشاط ئ ‪ ،‬آ أ مل‬
‫العثور عىل ميناء ‪ ،‬فا نين آ أ خىش آ أ ن تعود الرايح ‪ ،‬فتختطفين‬
‫وحتملين ا ىل ا ل أ ع امق ‪ .‬آ أ و قد يرسل‬

‫‪68‬‬
‫عيل آ أ حد ا ل أ راب ب وحشا مائيا ‪ .‬وا ن مهنا ل كثري يف مراعي‬
‫البحار ‪ .‬و آ أ ان آ أ عمل ‪ ،‬ا ىل ذكل ‪ ،‬آ أ ن فوس يذون يضمر يل احلقد‬
‫العظمي ‪” .‬‬
‫وفامي هذا هيجس يف فؤاده ‪ ،‬مح لته موجة عظ مية ا ىل‬
‫الصخور ‪ .‬ف ُس ل ِ خ عنه جدله وت كرس ت منه العظام مجيعا ‪.‬‬
‫ول كن آ أ ثينا آ أ وحت ا ليه رآ أ اي ‪ ،‬فقد آ أ رسع ا ىل الشاط ئ ‪،‬‬
‫وتشب ث ابلصخر بلكتا يديه ‪ ،‬وظ ل م متساك به ‪ ،‬حىت مرت‬
‫املوجة ‪ .‬ول كهنا عاد ت حني اجلزر ‪ ،‬و آ أ حد قت به ورد ته ا ىل‬
‫ا ل أ ع امق ‪ .‬وك ام ُجتر آ أ م حرب‪ 1‬من حجرها يف الصخر ‪ ،‬ه كذا‬
‫جرته املياه فانسلخ جدل يديه عىل الصخور ‪.‬‬
‫ولو مل تلق آ أ ثينا بنصيحة يف فؤاد آ أ وذيس لهكل عىل رمغ‬
‫القضاء ‪ .‬فا نه س بح خارج نطاق ا ل أ مواج الكبرية املت كرسة ‪،‬‬
‫حماذاي الشاط ئ ابحثا عن ماكن تن كرس فيه حدة املوج ‪ ،‬آ أ و‬
‫ماكن فيه ميناء ‪ .‬وبلغ آ أ خ ريا مصب آ أ حد ا ل أ هنار يف البحر ‪.‬‬
‫وقد خال هذا املاكن من الصخور ‪ ،‬وجتنبته الرايح ‪ ،‬فآ أ حس‬
‫آ أ وذيس ‪ ،‬وهو يرك ض مبجرى الهنر ودعا ا هل الهنر قائال ‪:‬‬
‫” ‪ -‬آ أ هيا املليك ‪ ،‬آ أ اي كنت آ أ صغ ا يل ‪ .‬ا ين قد آ أ تيتك‬

‫‪1‬‬
‫آ أ م ح رب ‪ ،‬د و ي ب ة م ا ئ ي ة ت ف رز م ا د ة اك حل رب ل ت خ ف ي ن ف س ه ا ‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫مس تج ريا هاراب من غضب فوس يذون ‪ ،‬فآ أ نقذين آ أ هيا املليك!‬
‫آ أ نقذين ‪” .‬‬
‫ف كف ا لهنر عند ذ كل عن اجلراين ‪ ،‬وغدا املاء سلسا‬
‫آ أ مام آ أ وذيس ‪ ،‬حىت فاز آ أ خ ريا مبجاز ا ىل ا ل أ رض ‪ .‬فتقوست‬
‫ركبتاه من حتته ‪ ،‬وتدل ت يداه عىل جانبيه ‪ ،‬وسال املاء امل ل ِ ح‬
‫من مفه ومنخريه ‪.‬وقد تقطعت آ أ نفاسه ‪ ،‬و ح ُ بس الكمه ‪ .‬ولكنه‬
‫ملا رجع ا ىل نفسه ‪ ،‬عد ا ىل احلجا ب حتت صدره فف كه ‪،‬‬
‫ورماه يف جمرى الهنر امللح حفمهل ا ىل البحر ‪ ،‬وهناك صعدت‬
‫ا ليه ا ينو وتلقته بيدهيا ‪.‬‬
‫مث ارمت عىل احللفاء عىل ضفة الهنر ‪ ،‬وقب ل ا ل أ رض وهو‬
‫يقول يف نفسه ‪ ” :‬ماذا آ أ فع ل ال ن ؟ ا نين آ أ خىش ا ذا منت عند‬
‫الهنر آ أ ن آ أ هكل ابالندى والصقيع ؛ ل أ ن الرحي هتب ابردة من‬
‫الهنر عند الصباح ‪ .‬وا ذا ذهبت ا ىل الغاب يف ادلغ ل ‪ ،‬آ أ خىش‬
‫آ أ ن يفرتس ين آ أ حد الوحوش الضارية ‪” .‬‬
‫و خُ ي ل ا ليه آ أ ن ا ل أ فضل هل آ أ ن يقصد الغا ب ففع ل ‪.‬‬
‫واكن الغاب قريبا من الهنر ‪ ،‬فوجد فيه مخيلتني ‪ ،‬ا حداهام من‬
‫حشر الزيتون الربي ‪ ،‬وا ل أ خرى من جشر الزيتون ا مل مثر ‪ .‬واكنت‬
‫آ أ جشارهام كثيفة ملتف ة حىت ل جتد الرحي لهبوهبا بيهنام جمال ‪ .‬ول‬
‫جتد الشمس لشعا عها منفذا ‪ ،‬وحىت قطرات املطر ل تبلغ من‬
‫آ أ رضها منال ‪ .‬ا ىل هناكل‬

‫‪70‬‬
‫زحف آ أ وذيس ‪ ،‬ف آ أ لف قدرا عظامي من ورق الشجر ‪ ،‬واكن‬
‫املاكن اكفيا ليك يلوذ به خشصان آ أ و ثالثة حىت يف فصل‬
‫الش تاء ‪ ،‬ويف آ أ ايم املطر الغزير ‪ .‬فنعم آ أ وذيس ابل س تلقاء يف‬
‫وسط ذكل املاكن ‪ ،‬متدثرا بآ أ و راق الشجر ‪ .‬وك ام حيرص رجل‬
‫يعيش بعيدا عن العامل ‪ ،‬فيرتفق بناره ويطمرها ابلرماد ‪،‬‬
‫ه كذا ترفق آ أ وذيس بنفسه فطمرها اب ل أ وراق ‪ .‬و آ أ رسلت آ أ ثينا‬
‫عىل جفنيه نوما عيقا ل ريحيه من عنائه ‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫‪7‬‬
‫نوس ياك‬
‫ذهبت آ أ ثينا يف آ أ ثناء هذا ا ىل مدينة الفيس يانيني‬
‫وقصدت قرص مل كهم آ أ لسينوس ‪.‬‬
‫وهناك اجتهت ا ىل اخملدع ‪ ،‬حيث تنام نوس ياك ابنة املكل‬
‫الفتاة ‪ ،‬ذات امجلال ال له ىي ‪ .‬فوقفت ال آ له ة عند رآ أ سها يف‬
‫هيئة ابنة دمياس ( ودمياس هذا اكن رائدا شه ريا من رواد‬
‫البحر ) واكنت الفتاة من دلا ت ابنة املكل ‪ ،‬وقد انلت حظوة‬
‫دلهيا ‪.‬‬
‫وتلكم ت آ أ ثينا قائةل ‪ " :‬مل هتمكل آ أ مك هذا ال هامل اي‬
‫نوس ياك ؟ فها ثيابك ملقاة هنا مل تغسل ‪ ،‬وقد ا قرتب يوم‬
‫زفا فك ‪ .‬وهو يوم جيب آ أ ن حتوزي فيه آ أ مج ل الثيا ب كل ‪،‬‬
‫و ل أ ولئك اذلين يرا فقونك ا ىل بيت عرسك ‪ ،‬ا ذ‬

‫‪72‬‬
‫هبذا تكسب العروس طيب ا ل أ حدوثة ‪ .‬فاهنيض ا ذا عند‬
‫بزوغ الهنار لغس ل مال بسك ‪ ،‬وسآ أ ذهب مع ك ‪ .‬فب كري ا ىل‬
‫آ أ بيك يف الغداة واس آ أ ليه بغال ‪ ،‬وجعةل تنق ل املال بس وا ل أ ردية‬
‫‪ .‬مث ا نه آ أ ليق بك آ أ ن تذهيب راكبة من آ أ ن تذهيب مش يا عىل‬
‫قدميك ‪ ،‬ﻷ ن آ أ مكنة الغس ل بعيدة عن املدينة ‪.‬‬
‫وملا جاء الصبا ح استيقظت نوس ياك من نوهما مس تغربة‬
‫ذكل احلمل ‪ ،‬وذهبت يف طلب وادلهيا ‪ ،‬ف وجدت آ أ هما عند‬
‫وصولها مهنم كة مع وصيفا هتا يف غزل صوف مصبوغ بآ أ رجوان‬
‫البحر ‪ .‬والتقت آ أ ابها يف طريقه ا ىل جملس يعقده مع زع امء‬
‫بدله ‪ .‬فقالت ‪ " :‬آ أ عطين اي آ أ يب العجةل مع البغال ‪ ،‬ليك آ أ ذهب‬
‫ابلثياب ا ىل الهنر ف آ أ غسلها ‪ ،‬ا ذ جيب آ أ ن ترتدي دا مئا نظيف‬
‫املال بس ‪ ،‬حي امن تذهب ا ىل اجمللس ‪ .‬مث ا ن آ أ خويت امخلسة‬
‫حيبون آ أ ن تكون ثياهبم حديثة العهد ابلغسل عند ذهاهبم ا ىل‬
‫الرقص " ‪.‬‬
‫آ أ ما عن زفافها فمل تفه بلكمة ‪ ،‬ول كن آ أ ابها ‪ ،‬وهو يعمل‬
‫آ أ فاكرها قال ‪ " :‬ل آ أ ضن عليك ابلبغال ‪ ،‬ول ب آ أ ي يشء آ خر‬
‫اي بنييت العزيزة ‪ .‬فا ن الرجال س هييؤون كل العجةل بآ أ قوى‬
‫دو اليهبا ‪ ،‬وس يجهزوهنا فوق ذكل ابحلواجز " ‪.‬‬
‫مث اندى الرجال ‪ ،‬فهي آ أ وا العجةل ‪ ،‬وشدوا ا لهيا البغال ‪،‬‬
‫و آ أ خرجت الفتاة املال بس من غرفهتا ‪ ،‬ووضعهتا فهيا ‪ ،‬مث‬

‫‪73‬‬
‫م ل أ ت وادل هتا سةل ب آ أ نواع ا ل أ طعمة ‪ ،‬وم ل أ ت ابلنبيذ زقا من‬
‫جدل املعز ‪ .‬و آ أ عطهتا شيئا من زيت الزيتون تد هن به مع‬
‫وصيفا هتا بعد الا س تح امم ‪ .‬و آ أ مس كت نوس ياك اب ل أ عن ة ‪،‬‬
‫ومس ت البغال ابلسوط ‪ ،‬فسمع وقع حوا فرها وسارت بآ أ حاملها‬
‫ل يعرتهيا اللكل ‪.‬‬
‫وملا بلغن من الهنر ا ىل حيث تفي مياهه حباجة الغسل‬
‫‪ ،‬عىل ما يالزهما من الكدر ‪ ،‬حلت الوصيفات واثق البغال‬
‫عن العجةل ‪ ،‬و آ أ رسلهنا ترع الربس مي جبانب ضفة الهنر ‪ .‬مث‬
‫آ أ خذن املال بس من العجةل ‪ ،‬ومحلهنا ا ىل الهنر ‪ ،‬وجعلن يطآ أ هنا‬
‫يف احلفر ‪ ،‬وهن يتنافسن يف علهن ‪ .‬وملا ذهبت عهنا آ أ وساخها‬
‫نرشهنا عىل شاط ئ البحر ‪ ،‬حيث آ أ جادت ا ل أ مواج غسل‬
‫احلصباء ‪ .‬وبعد ذكل اغتسلن وتطي نب ‪ ،‬مث جلسن ا ىل طعا همن‬
‫ورشاهبن عند ضفة الهنر ‪ .‬وعدن بعد الطعام ا ىل كرة يتقاذ فهنا‬
‫‪ ،‬وهن ينشدن ا ل أ غاين تقودهن يف ذ كل نوس ياك ‪ .‬و ك أ رطميس‬
‫ويه تصطاد املعز ال ربي وا ل أ وعال ‪ ،‬وقد بذ ت دلاهتا من‬
‫احلورايت مجيعا ‪ ،‬عىل ما هن عليه من جامل مما آ أ ثلج قلب‬
‫آ أ هما لطونة ‪ ،‬ه كذا بذ ت نوس ياك صواحهبا ج امل ‪ .‬وملا آ أ هنني‬
‫لعهبن ‪ ،‬و رشعن يف شد البغال ا ىل العجةل وطي املالبس ‪،‬‬
‫دب رت اثينا آ أ مرا ‪ ،‬جفعلت ا ل أ م رية تقذف ابل كرة ا ىل ا حدى‬
‫وصيفا هتا‬

‫‪74‬‬
‫بعيدا جدا ‪ ،‬حبيث تقع ال كرة يف الهنر فصاحت الوصيفا ت‬
‫عندئذ معا صيحة عالية آ أ يقظت آ أ وذيس من نومه ‪ .‬فقال يف‬
‫نفسه ‪ " :‬آ أ ي آ أ رض هذه اليت آ أ تيت اي ترى ؟ وه ل جيايف‬
‫ساكنوها الغريب ‪ ،‬آ أ م هل به يرفقون ؟ وخييل ا يل آ أ ين مسعت‬
‫ال ن صوت حوراي ت ‪ ،‬آ أ و لعيل قريب من مساكن البرش " ؟‬
‫مث لف غصنا مورقا عىل خارصتيه ‪ ،‬وهنض قاصدا حيث‬
‫الفتيات اللوايت فزعن لرؤيته ( ﻷ نه اكن وحيش املنظر ) ‪،‬‬
‫وفررن آ أ ش ت اات ‪ .‬ول كن نوس ياك مكثت ماكهنا ومل هترب ‪ .‬وف كر‬
‫آ أ وذيس يف نفسه هل جيثو آ أ ما هما وميسك بركبتهيا آ أ م ‪ ،‬خش ية‬
‫آ أ ن يغضهبا ذكل ‪ ،‬ه ل يق ف آ أ ما هما وخيا طهبا ؟ ففعل هذا‬
‫وقال ‪:‬‬
‫‪" -‬انين مس تجري بك آ أ يهتا امللكة ‪ ،‬ولست آ أ دري فقد‬
‫تكونني ا لهة ‪ .‬وا ذا كنت برشا مفا آ أ سعد آ أ ابك و آ أ مك ‪ ،‬وما‬
‫آ أ سعد آ أ خوتك بك ‪ ،‬بل ما آ أ عظم ذكل اذلي سيتخذك زوجا ‪.‬‬
‫ا ين مل آ أ ر قط رجال ول امرآ أ ة يف مث ل هذا امجلال ‪ .‬و ا نك‬
‫لتش هبني رقةل ‪ 2‬غضة رآ أ يهتا من عهد قريب يف دلوس ‪ ،‬انمجة‬
‫عىل مقربة من هيلك ال هل ‪.‬‬

‫ا ل رق ةل ‪ :‬ا ل ن خ ةل ا ل ط وي ةل ا ل يت ت ف وت ا ل ي د ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪75‬‬
‫و آ أ ما آ أ ان فقد د فعت ا ىل هذا الشاطئ قادما من جزيرة‬
‫آ أ وجيجيا ‪ .‬ف آ أ شفقي عيل ا ذا ‪ ،‬وخذيين ا ىل املدينة و آ أ عطيين‬
‫شيئا ‪ ،‬آ أ و ا ن آ أ م كن م زئرا من هذه الثياب اجعهل حويل‬
‫و آ أ س ترت به ‪ .‬و ل متنحك ال آ لهة لك ال رباكت " ‪.‬‬
‫فآ أ جابت نوس ياك ‪ :‬خيي ل ا يل آ أ هيا الغريب آ أ نك لست‬
‫ابلرشير ول اب ل أ محق ‪ ،‬وما آ أ نت فيه من الضيق مفن ال آ له ة اليت‬
‫تويل السعود والنحوس كام تشاء ‪ .‬ولن يعوزك عندان ما يعوز‬
‫املس تجري من امللبس واملآ أ لك ‪ .‬وسآ خذك ا ىل املدينة ‪ .‬واعمل‬
‫آ أ ن هذه ا ل أ رض يه فيس يا ‪ ،‬وانين ابنة آ أ لسينوس مل كها " ‪.‬‬
‫مث اند ت وصيفا هتا وقالت ‪ " :‬ما معىن ه رب كن عندما‬
‫ترين رجال ؟ فليس من عدو ي آ أ تينا برض ل أ ننا آ أ عزاء عىل‬
‫ال آ لهة ‪ ،‬مث ا ننا نعيش يف ا حدى جزر البحر ‪ ،‬حىت ل يقربنا‬
‫البرش اب ل أ ذى ‪ .‬وا ذا ما جاءها آ أ حد ‪ ،‬وقد برح به اهلم ‪،‬‬
‫فيجدر بنا آ أ ن نسعفه ‪ .‬فآ أ طعمن هذا الرج ل ا ذن وا سقينه‬
‫واغسلنه يف الهنر يف منج من الرحي " ‪.‬‬
‫فآ أ نزلنه ا ىل الهنر ‪ ،‬مث آ أ عطينه ثواب ومعطف ا ليكتيس هب ام‬
‫‪ ،‬و آ أ عطينه آ أ يضا شيئا من زيت الزيتون يف قارورة من‬
‫اذلهب ‪ .‬مث طلب ا لهين آ أ ن يبتعدن قليال ‪ ،‬فاغتسل و آ أ زال‬
‫امللح عن جدله وشعره ‪ ،‬وادهن ابلزيت ‪ ،‬وارتدى‬

‫‪76‬‬
‫املال بس ‪ .‬وجعلته آ أ ثينا آ أ طول قامة و آ أ مجل منظرا ‪ .‬وبدا‬
‫كثيف الشعر يف لون اخلزاىم ‪ .‬مث جلس عىل شاطئ البحر‬
‫فبدا مجيال ل ل أ نظار ‪ ،‬فقالت الفتاة ‪:‬‬
‫ال آ لهة‬ ‫‪ " -‬مل يآ أ ت هذا الرج ل آ أ رضنا من غري ا يعاز من‬
‫شبهيا‬ ‫‪ .‬ولقد حسبناه آ أ ول ا ل أ مر زراي ‪ ،‬ولكنه ال ن يبدو‬
‫يس كن‬ ‫ابل آ لهة ‪ .‬وانين ل أ رح ب مبثهل زوجا ‪ ،‬ولعهل يرىض آ أ ن‬
‫طعاما‬ ‫هذه ا ل أ رض ‪ .‬و آ أ ننت آ أ يهتا الوصيفات قد من لهذا الرجل‬
‫و رشااب " ‪.‬‬
‫فقد من هل حبسب طلهبا فالهتم الطعام الهتاما لطول‬
‫صيامه ‪ .‬مث آ أ مرت نوس ياك آ أ ن تشد البغال ا ىل العجةل وقالت‬
‫ﻷ وذيس ‪:‬‬
‫‪ " -‬اهن ض آ أ هيا الغريب ‪ ،‬وتعال معي ا ىل بيت آ أ يب ‪،‬‬
‫ول كن عليك آ أ ن تعمل مبا آ أ قوهل كل ‪ ،‬فآ أ نت عىل ما يظهر يل‬
‫من الفطانة مباكن ‪ .‬جع ل ابتباع العجةل مع الوصيفا ت ما دمنا‬
‫جنوز السهول ‪ .‬ول كن حيامن ندنو من املدينة ‪ -‬وس رتى هناك‬
‫سورا عاليا ومرفآ عىل جانيب املدخ ل الضيق املؤدي ا ىل ابب‬
‫املدينة ‪ -‬عندها ك ف عن اتباع العجةل ‪ .‬وهناك ف امي ييل السور‬
‫غابة من الصفصاف ﻷ ثينا ‪ ،‬يتوس طها ينبوع وحيدق هبا مرج ‪،‬‬
‫فآ أ مق هناك ري امث آ أ بلغ بيت آ أ يب ‪ .‬فلست آ أ حب آ أ ن يتقو ل الناس‬
‫عين ا ل أ قاوي ل ‪ .‬ولست‬

‫‪77‬‬
‫آ أ ستبعد ‪ ،‬ا ن را فقتين ‪ ،‬آ أ ن يقول آ أ حد السفةل ‪ " :‬من ي كون‬
‫هذا الغريب الطويل القامة امجليل املنظر يف رفقة نوس ياك ؟‬
‫آ أ هو زوهجا العتيد ؟ ولعهل آ أ حد ال آ لهة هبط ا ل أ رض بدعوة‬
‫مهنا ‪ ،‬آ أ و رج ل قادم من حسيق ا ل أ رجاء ‪ .‬آ أ ما حنن ‪ ،‬رجال‬
‫فيس يا ‪ ،‬فا هنا تنظر ا لينا ابزدراء " ؟ وا نه ملن العار آ أ ن‬
‫يقال مثل هذا القول ‪ .‬ومن احلق آ أ نه ل يليق بفتاة آ أ ن‬
‫تصحب رجال من غري عمل آ أ بهيا و آ أ هما ‪ .‬ول كن حيامن تقدر آ أ ين‬
‫بلغت القرص ‪ ،‬فاذهب بنفسك وس ل عن بيت آ أ يب ‪ .‬ويف‬
‫ا ماكن آ أ ي اكن ‪ ،‬حىت الطف ل الصغ ري آ أ ن يرشدك ا ليه ل أ ن‬
‫سائر الفيس يانيني ل يق ميون يف مث ل هذا البيت ‪ .‬وعندما‬
‫تدخ ل من ا ل أ بوا ب ‪ ،‬جز الهبو مرسعا ا ىل حيث جتلس آ أ يم ‪،‬‬
‫فا ن مقعدها قرب املوقد ‪ ،‬ويالصقه مقعد آ أ يب ‪ ،‬حيث جيلس‬
‫ويف يده ك أ س النبيذ ‪ ،‬ك أ نه آ أ حد ال آ لهة ‪ .‬مفر به و آ أ مسك‬
‫بركبيت آ أ يم وسلها عودة م آ أ مونة ا ىل وطنك " ‪.‬‬
‫مث سا طت البغال ‪ ،‬خفلفت الهنر وراءها رسيعا ‪ .‬بيد آ أ ن‬
‫الفتاة حرصت عىل آ أ ن تسوقها حبيث اكن يف وسع آ أ وذيس‬
‫والوصيفات آ أ ن يتبعوها مش يا عىل ا ل أ قدام ‪ .‬وبلغوا عند‬
‫غياب الشمس غابة آ أ ثينا املقدسة ‪ ،‬ف آ أ قام آ أ وذيس هناك ‪،‬‬
‫ودعا آ أ ثينا قائال ‪ " :‬آ أ صغي ا يل ال ن اي ابنة زفس ‪،‬‬

‫‪78‬‬
‫فا نك مل تصغي ا يل قبال يوم رضبين فوس يذون ‪ ،‬وهيب آ أ ن‬
‫يكون يل هؤلء القوم من الرح امء " ‪.‬‬
‫قال هذا فآ أ صغت ا ليه آ أ ثينا ول كهنا مل تظهر هل وهجا‬
‫لوجه ‪ ،‬ل أ هنا خشيت غضب عها فوس يذون ‪ ،‬فقد اكن حنقه‬
‫عىل آ أ وذيس عظامي ‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫‪9‬‬
‫آأل سينوس‬
‫بلغت نوس ياك قرص آ أ بهيا ‪ ،‬وهناك حل آ أ خوهتا البغال‬
‫عن العجةل ‪ ،‬ومحلوا املالبس ا ىل امل زنل ‪ ،‬وذهبت الفتاة ا ىل‬
‫خمدعها ‪ ،‬حيث آ أ وقدت لها حاضنهتا انرا ‪ ،‬وهي آ أ ت لها طعاما‬
‫‪.‬‬
‫ويف الوقت ذاته ‪ ،‬هنض آ أ وذيس قاصدا املدينة ‪.‬‬
‫ونرشت آ أ ثينا ضبااب من حوهل ل أ هنا مل تش آ أ آ أ ن يراه آ أ حد‬
‫الفيس يانيني وهيزآ أ به‪ .‬وملا اكد يدخ ل املدينة ‪ ،‬ل قته ال لهة ‪،‬‬
‫وقد اختذت هيئة فتاة حتم ل جرة ‪.‬‬
‫فسآ أ لها آ أ وذيس ‪ " :‬ه ل مي كنك اي بنييت آ أ ن ترشديين ا ىل‬
‫مس كن آ أ لسينوس ؟ فا نين غريب ادلار "‬

‫‪80‬‬
‫فآ أ جابت ‪ " :‬سآ أ رشدك ا ىل املاكن ‪ ،‬ﻷ نه يس كن قرب‬
‫م زنل وادلي ‪ .‬ول كن الزم الصمت ﻷ ننا ‪ ،‬حنن الفيس يانيني ‪ ،‬ل‬
‫حنب الغرابء كث ريا " ‪.‬‬
‫مث تقدمت آ أ ثينا وتبعها آ أ وذيس ‪ .‬وقد آ أ جعب كث ريا ‪ ،‬وهو‬
‫سائر ‪ ،‬ابملرائف والسفن ‪ ،‬و آ أ م كنة الاج امتع ‪ ،‬وا ل أ سوار وملا بلغا‬
‫القرص قالت آ أ ثينا ‪ " :‬هذا هو املاكن اذلي س آ أ لت عنه ‪،‬‬
‫فادخ ل وس تجد هنا ملواك حيتفلون ‪ ،‬فال ختش رشا ‪ ،‬ﻷ ن‬
‫املقدام هو اذلي تيرس هل ا ل أ مور ‪ .‬واحبث آ أ ول عن املل كة ‪،‬‬
‫وامسها آ أ ريتا ‪ ،‬و يه شديدة الش به ابملكل ‪ ،‬ل أ هنا ابنة آ أ خيه ‪.‬‬
‫فا ن ركسينور اكن آ أ خا املكل ‪ ،‬فرماه آ أ فلون بنباهل ‪ ،‬واكن ل‬
‫يزال شااب ‪ ،‬فاختذ من ابنته زوجا هل ‪ .‬ومل تنل زوجة من‬
‫اح رتام س يدها واكرام الناس ما انلته هذه ‪ .‬ول يعوزها‬
‫ال دراك ‪ ،‬ولك اذلين ختصهم بعطفها تضع ملتاعهبم حد ا ‪ .‬وا ذا‬
‫ما نلت حظوة دلهيا ‪ ،‬فال شك يف آ أ نك س تعود لرؤية وطنك "‬
‫‪.‬‬
‫قالت آ أ ثينا هذا ‪ ،‬وانرصفت قاصدة آ أ رض ا ل أ ثينيني ‪،‬‬
‫ودخل آ أ وذيس القرص ‪ .‬واكن فيه ا رشا قا ك أ نه ا رشاق الشمس‬
‫آ أ و القمر ‪ .‬واكن القرص من العجائب ‪ ،‬جدرانه من النحاس ‪:‬‬
‫و آ أ بوابه من اذلهب قامئة عىل دعامئ من الفضة ‪ .‬وعىل جانيب‬
‫الباب الكب من اذلهب والفضه ‪،‬‬

‫‪81‬‬
‫يفس ت ‪ .‬وقد ص ف ت املقاعد عىل حماذاة اجلدار من‬ ‫من صنع هِ ْ‬
‫العتبة ا ىل الغرفة ادلاخلية ‪ ،‬وجلس علهيا زع امء الفيس يانيني‬
‫حيتفلون ‪ .‬وهناكل ودلان صيغت من اذلهب ‪ ،‬حتم ل يف آ أ يدهيا‬
‫مشاعل تيضء يف الظالم‪ .‬واكن يف امل زنل مخسون امرآ أ ة يطحن‬
‫احلنطة ‪ ،‬وحي كن الثياب ‪ ،‬فمل ت كن نساء هذه ا ل أ رض يف‬
‫احلياكة آ أ ق ل همارة من رجالهن يف خوض البحر‪.‬‬
‫واكن حوايل امل زنل حدائق يف غاية امجلال ‪ ،‬مع بساتني من‬
‫التني ‪ ،‬والتفا ح ‪ ،‬والمكرثى والرمان ‪ ،‬والزيتون‪ .‬ويه بساتني‬
‫ل يؤذهيا جفاف ول صقيع ‪ ،‬ب ل تؤيت آ أ لكها املرة تلو املرة دون‬
‫انقطاع ‪ .‬واكن هناك كرم ‪ ،‬واكن به عناقيد العنب صائرا ا ىل‬
‫اجلفاف شيئا فشيئا حتت آ أ شعة الشمس ‪ ،‬وبعضها قد نضج‬
‫للقطاف ‪ ،‬والبع ض ال خر ل يزال يف آ أ ول امحراره ‪ .‬واكن هنا كل‬
‫آ أ حواض من لك آ أ نواع ا ل أ زهار ‪ ،‬ويف الوسط عينا ماء جارية ل‬
‫ينضب ماؤه ام‪ .‬وقد آ أ لق آ أ وذيس عىل هذا لكه نظرة عابرة ‪،‬‬
‫مث دخل الهبو ‪ .‬وهناك اكن زع امء الفيس يانيني حيتسون ال ك أس‬
‫ا ل أ خرية م كر سة لهرمس ‪ .‬ف آ أ رسع يف خطوه بيهنم ووضع يديه عىل‬
‫ركبيت آ أ ريتا وقال ‪ ،‬وقد تالىش الضباب من حوهل وهو يتلكم‬
‫حىت رآ ه لك من يف القاعة ‪:‬‬

‫‪82‬‬
‫‪ " -‬ا نين مس تجري بك وبزوجك وبضيوفك ‪ .‬لتباركك‬
‫ال آ لهة ولتباركهم ‪ ،‬و ل متنحمك عيشا رغدا تعيشونه ويعيشه‬
‫آ أ ولد مك من بعدمك يف سالم ! ولست آ أ بغي سوى آ أ ن تت كريم‬
‫اب رسايل ا ىل بدلي ومسقط رآ أ يس " ‪.‬‬
‫مث جلس عىل رماد املوقد ‪ ،‬ومصت امجليع هنهية ‪ ،‬تلكم‬
‫بعدها ا خنيوس كب ري القوم فقال ‪:‬‬
‫‪ " -‬ل يليق بك آ أ هيا املكل آ أ لسينوس آ أ ن ترتك هذا الرجل‬
‫جيلس عىل رماد املوقد ‪ ،‬فآ أ هنضه ودعه جيلس عىل مقعد ‪ ،‬ول رنق‬
‫امخلر ل أ بينا زفس صديق املس تجريين ‪ ،‬وليقدم هل قمي البيت محلا‬
‫و رشااب " ‪.‬‬
‫ففعل آ أ لسينوس ما طلب منه و آ أ مر ابنه البكر لوذاماس‬
‫آ أ ن يهنض عن مقعده ‪ .‬مث صب آ أ حد الغل امن املاء عىل يديه ‪،‬‬
‫وقدم هل قمي املزنل محلا و رشااب ‪ .‬وملا آ أ هرقوا مجيعا شيئا من‬
‫امخلر لزفس ال هل ال ب ‪ ،‬تلكم املكل آ أ لسينوس ‪ ،‬فقال ‪ " :‬ا ننا‬
‫عند الصبا ح س ندعو الشعب لالج امتع ‪ ،‬ل رنى كيف نوص ل هذا‬
‫الغريب ا ىل بدله دون آ أ ن ميسه آ أ ذى ‪ ،‬ول كننا ل ندري ماذا‬
‫حيل به هناك ‪ .‬وس ي كون شآ أ ن ذكل كام غزلته هل ا ل أ قدار حيامن‬
‫محلت به آ أ مه ‪ .‬وا ذا اتفق آ أ ن اكن هذا ا لها ل برشا ‪ ،‬فوجوده‬
‫بيننا قد ي كون خطرة جديدة من خطرا ت ال آ لهة ‪ .‬فقد‬

‫‪83‬‬
‫س بق آ أ ن ظهروا عالنية بيننا وحنن نقدم الضحااي ‪ ،‬وجلسوا‬
‫ا ىل جانبنا يف ا ل أ عياد ‪ .‬آ أ ج ل ا هنم مل ي كونوا ليتنكروا ملسا فر‬
‫يصادفهم يف طريقه ‪ ،‬فهم من ا و آ أ مي احلق آ أ حسن القرىب " ‪.‬‬
‫مث تلكم آ أ وذيس فقال ‪ " :‬ل خيامر فؤادك يشء من هذا‬
‫آ أ هيا املكل ! فا ين لست اب هل ‪ ،‬وا ذا كنت تعرف آ أ حدا هو‬
‫آ أ تعس بين البرش ‪ ،‬فبه تقدر آ أ ن تش هبين ‪ .‬ومي كنين آ أ ن آ أ رسد‬
‫عليمك خرب الكثري من البال اي وا ل أ رزاء ‪ .‬ول كن آ أ هملوين ريامث آ لك‬
‫مفا يف جوع الانسان من حياء ‪ ،‬فهو حيمهل عىل املآ أ لك واملرشب‬
‫همام اكن مبلغ ح زنه ‪ .‬ولكن عندما يآ أ يت الهنار ‪ ،‬هتيآ أ وا للعمل‬
‫وامحلوين ا ىل موطين ‪ ،‬فا ين ل أ رىض ابملوت ا ذا مت كنت من رؤيته‬
‫مرة آ أ خرى " !‬
‫فآ أ جابوه آ أ ن ا ل أ مر س يكون كام قال ‪ ،‬وتفرقوا لك ا ىل‬
‫بيته ‪ .‬ومل يبق يف القاعة ا ل آ أ وذيس ‪ ،‬وبقي معه آ أ لسينوس‬
‫و آ أ ريتا ‪ .‬ور آ أ ت آ أ ريتا معطفه وثوبه ‪ ،‬واكنت يه قد صنعهتام مع‬
‫وصيفا هتا ‪ ،‬فقالت هل ‪:‬‬
‫‪ " -‬من آ أ ين آ أ نت آ أ هيا الغريب ‪ ،‬ومن آ أ عطاك هذه‬
‫املالبس " ؟‬
‫فقص علهيا آ أ وذيس خ رب قدومه من جزيرة لك يبسو ‪،‬‬

‫‪84‬‬
‫وما لقيه من العناء ‪ ،‬وكيف وجدته نوس ياك عىل الشاطئ‬
‫وقادته ا ىل املدينة ‪.‬‬
‫جفعل آ أ لسينوس يلوم الفتاة ل أ هنا مل حترضه يه نفسها ا ىل‬
‫املزنل وقال ‪ " :‬ذ كل ل أ نك كنت هبا مس تج ريا " ‪.‬‬
‫فقال آ أ وذيس ‪ " :‬ل تلمها ‪ ،‬فقد اكن بود ها آ أ ن حترضين ‪،‬‬
‫ول كين مل آ أ قب ل خش ية غضبك " ‪.‬‬
‫قال هذا ل أ نه مل يش آ أ آ أ ن يوجه اللوم ا ىل الفتاة ‪ .‬فقال‬
‫آ أ لسينوس ‪ " :‬لست من الذلين يغضهبم آ أ مر كهذا ‪ ،‬وا ين ل أ ود‬
‫لو اكن يل صهر مثكل آ أ منحه م زنل و آ أ عطيه ثروة ‪ ،‬ول كين ل‬
‫آ أ مسك بآ أ حد رمغ ارادته ‪ .‬آ أ ما ا رساكل ا ىل بدلك فآ أ مره يسري‬
‫علينا ‪ ،‬مفا عليك ا ل آ أ ن ت ستسمل ا ىل النوم ‪ ،‬يف حني يرضب‬
‫رجايل البحر مبجاذيفهم ‪ ،‬حىت يوصلوك ا ىل حيث تشاء ‪ ،‬ولو‬
‫اكن ذكل آ أ بعد من آ أ وبيا ‪ ،‬اليت يقولون ا هنا يف آ أ قىص ا ل أ رض ‪.‬‬
‫حىت هذه بلغها رجايل ‪ ،‬ومه حيملون راذام ن ْ ثوس ‪ .‬وقد بلغوها‬
‫ورجعوا يف يوم واحد ‪ ،‬دون آ أ ن ي آ أ خذمه لكل ‪ .‬ول بدع ‪،‬‬
‫فسفين خ ري السفن اليت مت خر البحر ‪ ،‬وفتياين آ أ همر من كد عىل‬
‫مِ جذاف " ‪.‬‬
‫قال هذا فابهتج آ أ وذيس لس امع الكمه ‪ .‬ودعا يف نفسه‬
‫قائال ‪ " :‬آ أ هيا ال هل زفس ‪ ،‬امنحين آ أ ن يفي آ أ لسينوس بلك ما‬
‫وعد ‪ ،‬ويرس يل بلوغ وطين " !‬

‫‪85‬‬
‫و آ أ مرت آ أ ريتا خادما هتا آ أ ن هيينئ للغريب فرا شا ‪ ،‬فغادرن‬
‫القاعة ويف آ أ يدهين املشاع ل ا ىل حيث آ أ عددن الفراش ‪ .‬وملا‬
‫آ أ هنني علهن دعون آ أ وذيس بقولهن ‪ " :‬ا هنض آ أ هيا الغريب ‪،‬‬
‫وارقد فا ن الفراش قد هييء ‪" .‬‬
‫وقد اكن جذهل عظامي لشد ة حاجته ا ىل الرقاد ‪ ،‬بعد لك‬
‫ما لك ما اك بده من املشاق ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫‪9‬‬
‫ا لفي س يا ن يون‬
‫هن ض املكل يف اليوم التايل مع الفجر ‪ ،‬وهن ض آ أ وذيس‬
‫كذ كل ‪ ،‬وتقدمه املكل ا ىل ماكن الاج امتع ‪ .‬واكنت آ أ ثينا يف‬
‫غضون ذ كل جتوب املدينة ‪ ،‬يف هيئة داعي املكل وتقول للك من‬
‫تلقاه ‪ " :‬هلموا ا ىل الاج امتع اي قواد الفيس يانيني و م ستشارهيم‬
‫ليك تقفوا عىل آ أ مر هذا الغريب اذلي نزل بساحة آ أ لسينوس " ‪.‬‬
‫وه كذا آ أ اثرت فهيم الرغبه ‪ ،‬فغ ص هبم ماكن الاج امتع ‪.‬‬
‫وقد آ أ جعب الرجال برؤية آ أ وذيس ‪ ،‬فقد آ أ فاضت عليه آ أ ثينا‬
‫مالحة رائعة ‪ ،‬فبدا للناظرين آ أ مج ل هيئة ‪ ،‬و آ أ طول قامة ‪،‬‬
‫و آ أ شد قو ة ‪.‬‬
‫مث هنض املكل لللكم فقال ‪ :‬آ أ صغوا اي قو اد الشعب‬

‫‪87‬‬
‫و م ستشاريه ا ىل ما آ أ قول ‪ .‬لقد نزل هذا الغريب قرصي ‪،‬‬
‫ولست آ أ عمل من هو ‪ ،‬ول من آ أ ين آ أ ىت ‪ .‬ول آ أ عمل آ أ من مرشق‬
‫الشمس قدومه ‪ ،‬آ أ م من مغرهبا ‪ .‬وقد رجاان آ أ ن نرجعه ساملا‬
‫ا ىل وطنه ‪ .‬واكن من عاداتنا منذ القدم آ أ ن نبذل هذا العون‬
‫للغرابء ‪ .‬فلنخ رت ا ذا مركبا مل ميخر البحر من قبل ‪ ،‬ولننتخب‬
‫اثنني ومخسني شااب ‪ ،‬مه خري من كدح عىل جمذاف ‪ ،‬وحيامن‬
‫هتيؤون ا ل سفينة ‪ ،‬تعالوا ا ىل قرصي لنقمي عيدا ‪ ،‬وس آ أ عد ما‬
‫يلزم ذل كل من العد ة ‪ .‬وا طلبوا من ذومودوك املنشد آ أ ن حيرض‬
‫‪ ،‬فا ن ال آ لهة خص ته بعطية الغناء ليهبج قلوب البرش " ‪.‬‬
‫وعل القوم ح ينئذ مبا آ أ شار به املكل ‪ ،‬فهي آ أ وا ا ل سفينة ‪،‬‬
‫و آ أ رسوها عند الشاط ئ ‪ ،‬وذهبوا بعد ذ كل ا ىل قرصه ‪ .‬وقد‬
‫غ ص القرص ابلقادمني من الش بان والش يوخ اذلين احتشدوا‬
‫فيه من اجلانب الواحد ا ىل اجلانب ال خر ‪ .‬وذحب هلم آ أ لسينوس‬
‫اثين عرش خرو فا ومثانية خنازير وثورين ‪ .‬و آ أ عد رجاهل للشعب‬
‫عيدا عظامي ‪.‬‬
‫مث جا ء خدم املكل يقودون املنشد من يده ‪ .‬وقد آ أ حبته‬
‫ا ل هة الفن احلب اجلم ‪ ،‬غ ري آ أ هنا آ أ عطته اخل ري والرش عىل‬
‫السواء ‪ .‬فقد منحته نعمة الغناء امجلي ل ‪ ،‬ول كهنا سلبته نور‬
‫عينيه ‪ .‬وقد آ أ جلسه اخلدم عىل كريس من الفضة يف وسط‬

‫‪88‬‬
‫الضيوف ‪ ،‬وعلقوا القيثار عىل وتد فوق رآ أ سه ‪ ،‬و آ أ رش دوا يده‬
‫‪ ،‬حىت ي كون يف وسعه آ أ ن يتناوهل ‪ .‬ووضعوا بقربه منضدة‬
‫وسةل و ك أ سا من النبيذ ليرشب مهنا حيامن يشاء ‪.‬‬
‫وه كذا آ أ قام الفيس يانيون يف الهبو عيدا ‪ ،‬وملا آ أ خذوا‬
‫كفايهتم من الطعام والرشاب ‪ ،‬آ أ خذ املنشد يف الغناء ‪ .‬فغىن‬
‫آ أ نشودة بلغت شهرهتا الس امء ‪ ،‬تصف خصام آ أ وذيس و آ أ خيل ‪،‬‬
‫وكي ف تشاجرا يف آ أ حد آ أ عياد ال آ لهة ‪ ،‬وتصف فرح آ غاممنون ملا‬
‫رآ أ ى آ أ رشف ال غريق يف خصام ‪ .‬وذكل ل أ ن آ أ ف ُ ل ون اكن قد‬
‫آ أ نبآ أ ه بذكل يف فيثو ‪ ،‬آ أ ي آ أ ن خال فا ل بد آ أ ن يش جُ ر بني‬
‫آ أ حمكهم و آ أ قوامه ‪ ،‬قب ل آ أ ن ي مت كن من الاستيالء عىل مدينة‬
‫طروادة ا لعظ مية ‪.‬‬
‫وفامي اكن املنشد يغين ‪ ،‬اكن آ أ وذيس ممساك معطفه‬
‫ا ل أ رجواين آ أ مام وهجه ‪ ،‬فقد جخ ل آ أ ن ينتحب عىل مرآ أ ى من‬
‫الناس ‪ .‬ولكام اكن املنشد يكف عن ا نشاده اكن آ أ وذيس ميسح‬
‫دموعه ‪ ،‬ويريق امخلر لل آ لهة ‪ .‬وا ذا ما عاد ا ىل ال نشاد لرغبة‬
‫الزعامء يف سامعه ‪ ،‬عاد آ أ وذيس ا ىل سرت وهجه ‪ ،‬وعاد ا ىل حن يبه‬
‫‪ .‬ومل يلحظ ذكل من احلارضين آ أ حد سوى آ أ لسينوس ‪.‬‬
‫مث قال املكل للزع امء ‪ " :‬ال ن ‪ ،‬وقد مقنا ابحتفالنا‬
‫وابهتجنا ابل نشاد ‪ ،‬فلنخرج خارجا ل رني هذا الغريب‬

‫‪89‬‬
‫حذقنا للمالمكة واملصارعه والعدو " ‪.‬‬
‫فلبوا دعوة املكل وخرحوا ‪ ،‬وقاد آ أ حد ادلعاة ذميودوك‬
‫بيده ‪ ،‬ل أ ن املنش د اكن رضيرا ‪ .‬ووقف عندئذ كث ريون من‬
‫الش بان الفيس يانيني ‪ ،‬واكن آ أ مجلهم و آ أ قوامه مجيعا لوذاماس ‪،‬‬
‫ابن املكل الب كر ‪ ،‬ويليه آ أ ورايلوس ‪ .‬مث تسابقوا فاكن آ أ رسعهم‬
‫لكيتونوس ‪ .‬واكن آ أ ورايلوس خري املصارعني ‪ ،‬واكن لوذاماس‬
‫آ أ فضل املالمكني ‪ .‬وتفوق ا لتريوس يف قذف القرص وتف وق‬
‫آ أ مفيالوس يف القفز فوق احلواجز ‪.‬‬
‫وقال لوذاماس ل أ وذيس ‪ ،‬وقد آ أ حل عليه آ أ ورايلوس ‪" :‬‬
‫آ أ ل جتر ب همارتك آ أ هيا ا ل أ ب يف بعض هذه ا ل أ لعاب وتطرح اهلم‬
‫من فؤادك " ؟‬
‫ول كن آ أ وذيس آ أ جاب ‪ " :‬مل تسآ أ لين هذا ؟ ا ين آ أ فكر يف‬
‫مهو يم دون هذه ا ل أ لعاب الرايضية ‪ .‬وا ين ل أ جلس بينمك ول‬
‫شاغل يل ا ل وطين والسبي ل ا ىل رؤيته اثنية " ‪.‬‬
‫فقال آ أ ورايلوس ‪ " :‬حقا آ أ هيا الغريب آ أ نه تلوح عليك‬
‫خمايل املصارع آ أ و املالمك ‪ .‬بل قد يرى املرء فيك اتجرا من‬
‫التجار جيوب البحار يف طلب الرحب " ‪.‬‬
‫فآ أ جابه آ أ وذيس ‪ :‬بئس القول قوكل ‪ .‬ول ريب يف آ أ ن‬

‫‪90‬‬
‫ال آ لهة ل جتود عىل الناس لكهم بلك عطاايها ‪ ،‬فهىي متنح هذا‬
‫امجلال ‪ ،‬وجتود عىل ذاك حبسن اخلطا ب ‪ ،‬وا نك لبديع التكوين‬
‫‪ ،‬وليس ل هل آ أ ن يفضكل يف ذكل ‪ ،‬ولكنك يسء املنطق ‪ .‬ل ‪ ،‬ل‬
‫تعوزين امل ه ارة يف هذه ا ل أ مور ‪ ،‬فقد كنت فامي سلف من ا ل أ ايم‬
‫يف ا ل أ ولني مقاما ‪ .‬بيد آ أ ين عانيت كث ريا يف املعارك ‪ ،‬وحتطمت‬
‫يب سفن كث رية ‪ .‬عىل آ أ ين سآ أ متحن قويت ‪ ،‬فقد آ أ غضبين الكمك‬
‫"‪.‬‬
‫مث آ أ خذ قرصا ‪ ،‬يرىب يف ثقهل كث ريا عىل لك ا ل أ قراص اليت‬
‫اعتاد الفيس يانيون قذفها ‪ ،‬فآ أ رسهل وهو ملتف مبعطفه ‪،‬‬
‫فانطلق يدوم يف القضاء ‪ ،‬حىت خر الفيس يانيون ا ل أ بطال عىل‬
‫ا ل أ رض رعبا ‪ ،‬وسقط ع ىل مسافه بعيدة من سائر ا ل أ قراص ‪.‬‬
‫عندئذ آ أ قبلت آ أ ثينا ‪ ،‬وقد اختذت هيئة آ أ حد الفيس يانيني‬
‫‪ ،‬وجعلت يف ماكن سقوط القرص عالمة ‪ ،‬وتلكمت قائةل ‪" :‬‬
‫حقا آ أ هيا الغريب ا ن ا ل شاهد عىل قو تك ليت ضح حىت ملن به‬
‫ع ‪ .‬فا ن الرمية مل تضع بني سائر الرميات ‪ ،‬ول كهن ا ختطهتا‬
‫مجيعا ا ىل حد بعيد ‪ .‬فتشجع ا ذا يف هذه املباراة عىل ا ل أ ق ل ‪،‬‬
‫فليس بني الفيس يانيني من يبذ ك فهيا " ‪.‬‬
‫فرس آ أ وذيس ا ذ وجد بني القوم صديقا ‪ ،‬وقال ‪" :‬‬
‫هلموا آ أ هيا الش بان وابروين يف هذه الرمية ا ن ا س تطعمت ‪:‬‬

‫‪91‬‬
‫وسآ أ ريم ع ا قليل رمية آ أ خرى تبلغ مبلغ هذه آ أ و ق د تتخطاه ‪.‬‬
‫آ أ ج ل ليتقدم منمك من يشاء ملبارايت ‪ .‬وا ين ل أ حتدى يف املالمكة‬
‫واملصارعة ‪ ،‬ويف العدو آ أ يضا ‪ ،‬لك رج ل يف فيس يا ‪ ،‬واس تثين‬
‫لوذاماس وحده ‪ ،‬ل أ نه صديقي ‪ .‬ويف وسعي آ أ ن آ أ ر يم ابلقوس ‪،‬‬
‫ول يفوقين يف ذكل ا ل فيلوكتيت وحده ‪ ،‬و آ أ قدر آ أ ن آ أ بعد‬
‫الرمية برحمي ا ىل اذلي ير يم ا ليه سواي بسهمه ‪ .‬آ أ ما الس باق‬
‫فقد يبذ ين فيه البع ض ﻷ نين لقيت كث ريا من آ أ هوال البحر " ‪.‬‬
‫خفمي الصمت عليعم مجيعا ‪ ،‬حىت هنض املكل وقال ‪ " :‬نعم‬
‫ما قلت ‪ ،‬ول كننا حنن ‪ ،‬رجال فيس يا ‪ ،‬ل ن متزي بقدرتنا عىل‬
‫املصارعة ‪ ،‬ول عىل املالمكة ‪ ،‬ول كننا رسيعو ا ل أ رجل خب ريو ن يف‬
‫خوض البحار ‪ .‬وحنن مولعون اب ل أ عياد والرقص ‪ ،‬وحنب القيثار‬
‫‪ ،‬والثيا ب الزاهية ‪ ،‬والاس تحامم ‪ ،‬وليس يف وسع آ أ حد آ أ ن‬
‫جيارينا يف هذا " ‪.‬‬
‫مث طلب املكل من ذميودوك املنشد آ أ ن يعاود الغناء ‪ .‬وملا‬
‫فعل هذا رق ص ابنا املكل آ أ ليوس ولوذاماس معا ‪ ،‬مث لعبا‬
‫ابل كرة فاكان يرس الهنا يف الفضاء ا ىل آ أ ن تبلغ الغامم ويتلقياهنا‬
‫مبهارة فائقة ‪.‬‬
‫وقال املكل بعد ذكل ‪ " :‬ليعط لك منا هذا الغريب‬

‫‪92‬‬
‫معطفا وثواب وو زنة من اذلهب ‪ ،‬وليتقدم آ أ ورايلوس فيسرتضيه‬
‫ابللكم وابلهدية ‪" .‬‬
‫واتفقوا مجيعا ( واكنوا اثين عرش آ أ م ريا ‪ ،‬و آ أ لسينوس‬
‫الثالث عرش فهيم ) عىل ذ كل ‪ .‬وقدم آ أ ورايلوس ا ىل آ أ وذيس‬
‫س يفا نصابه من الفضة ومغده من العاج ‪.‬‬
‫وملا قد مه قال ‪ :‬سالم عليك آ أ هيا ا ﻷ ب ! ا ن اكن يف‬
‫الكيم يشء من ال ساءة فلتذهب به الرايح ! و ل متنحك ا ﻵ لهة‬
‫العودة ا ىل رؤية زوجك و آ أ صد قائك ومسقط رآ أ سك "!‬
‫فآ أ حابه آ أ وذيس ‪ " :‬وعليك السالم اي صديقي ! ل متنحك‬
‫ال آ لهة السعادة ‪ ،‬و ل تيرس يل الاحتفاظ هبذا الس ي ف اذلي‬
‫آ أ هديته ا يل " !‬
‫مث آ أ حرض مجيع ا ل أ مراء عطاايمه ‪ .‬وقال آ أ لسينوس للمل كة ‪:‬‬
‫" آ أ حرضي لنا آ أ يهتا الس يدة صندوقا ‪ .‬ولي كن آ أ حسن ما دليك‬
‫‪ ،‬وضعي فيه ثواب ومعطفا ‪ .‬وس آ أ عطي ضيفنا ك أ سا ذهبية مجيةل‬
‫من كؤويس ‪ ،‬ل يك يذكرين هبا لك آ أ ايم حياته حيامن يريق مهنا‬
‫لل آ لهة " ‪.‬‬
‫فآ أ حرضت املل كة من غرفهتا صندوقا طريفا ‪ ،‬ووضعت‬
‫فيه عطااي ا ل أ مراء ‪ ،‬ووضعت فيه آ أ يضا بيدها ثواب ومعطفا ‪،‬‬
‫وقالت ‪:‬‬
‫‪ " -‬اهمت ال ن ابلغطاء ‪ ،‬واعقد عليه عقدة ل يقدر‬

‫‪93‬‬
‫معها آ أ حد عىل رسقتك يف سفرك ‪ ،‬و آ أ نت انمئ يف ا ل سفينة ‪.‬‬
‫فآ أ حمك آ أ وذيس تثبيت الغطاء يف موضعه ‪ ،‬وعقد عليه عقدة‬
‫ماكرة علمته ا ايها سريسة الساحرة ‪ .‬مث ذهب ا ىل امحلام ‪ .‬وفامي‬
‫هو راجع من امحلام ‪ ،‬لقي نوس ياك عند مدخل القاعة ‪،‬‬
‫فدهشت لرؤيته ‪ ،‬فقد اكن مجيال يروق ا ل أ نظار ‪ .‬وقالت هل ‪:‬‬
‫وداعا آ أ هيا الغريب ‪ ،‬ولكن عندما تآ أ يت بدلك آ أ ذكرين احلني بعد‬
‫احلني فا نك مدين يل حبياتك " ‪.‬‬
‫فآ أ جاهبا آ أ وذيس ‪ :‬ا يه اي نوس ياك ! ا ذا قدر يل زفس‬
‫وه ريا آ أ ن آ أ رجع ساملا ا ىل وطين ‪ ،‬فا ين س آ أ كر مك ما دمت حيا‬
‫ك ام آ أ كر م ا لهة ‪ ،‬ﻷ ين مدين كل حقا حبيايت " ‪.‬‬
‫مث دخل القاعة ‪ ،‬وجلس ا ىل جانب املكل ‪ ،‬وجاء‬
‫الوصيف يقود املنشد الرضير من يده ‪ .‬وقطع آ أ وذيس قطعة‬
‫وا فرة من ظهر خزنير وضع آ أ مامه ‪ ،‬وقال للوصيف ‪ " :‬خذ هذه‬
‫و آ أ عطها ذومودوك ‪ ،‬فا ن املنشد خلليق اب كرام الناس ؛ ل أ ن‬
‫ا ل هة الفن يه اليت تويح ا ليه وتوليه احلب " ‪ .‬حفم ل الوصيف‬
‫الص حفة ‪ ،‬ووضعها عىل ركبيت املنشد ف آ أ ثلج فؤاده ‪.‬‬
‫وملا آ أ خذ امجلع كفايته من الطعام والرشا ب ‪ ،‬خا طب‬
‫آ أ وذيس املنشد فقال ‪ " :‬ل آ أ عمل اي ذومودوك آ أ ا ل هة الفن يه‬
‫اليت تويح ا ليك ما تنشده آ أ م آ أ فل ون ‪ ،‬ول كنك ‪ ،‬و آ أ مي ُ‬

‫‪94‬‬
‫احلق تش يد مبا عاانه ال غريق آ أ مام طروادة ا لعظ مية ‪ ،‬وما لق وه‬
‫من ا ل أ هوال ‪ ،‬ك ام لو شهد ت ذ كل بنفسك ‪ .‬فهمل ال ن وغن نا‬
‫بذكر احلصان اخلش يب اذلي صنعه ا فيوس اب يعاز من آ أ ثينا ودب ر‬
‫آ أ وذيس آ أ مر ا صعاده ا ىل قلعة طروادة ‪ ،‬بعد آ أ ن م ل أ ه بآ أ جشع‬
‫الزعامء ‪ .‬آ أ جد غناء هذا ‪ ،‬ف آ أ شهد كل بآ أ نك املنشد اذلي لق نته‬
‫ا ل أ راب ب " ‪.‬‬
‫وغىن املنشد هذه ا ل أ غنية اب حياء من ال آ لهة ‪ ،‬فذكر كيف‬
‫آ أ ن قسام من ال غريق آ أ شعلوا النار يف خم ميهم ‪ ،‬و آ أ حبروا يف‬
‫سفهنم بعيدا ‪ ،‬وكيف آ أ ن القسم ال خر ‪ ،‬آ أ ي آ أ وذيس وحصبه‬
‫اختبآ أ وا يف احلصان ‪ ،‬اذلي جر ه رجال طروادة بآ أ يدهيم ا ىل‬
‫ماكن اج امتعهم ‪ .‬مث ج لس القوم من حوهل ‪ ،‬وعرضوا ثالثة آ راء‬
‫‪ .‬آ أ و لها آ أ ن تشق ق آ أ خشابه ‪ ،‬واثنهيا آ أ ن جير ا ىل شفا اجلب ل‬
‫ويقذف من هناك ‪ ،‬واثلهثا آ أ ن ي رتك ك ام هو تقدمة لل آ لهة ‪ .‬وقد‬
‫تغل ب الرآ أ ي الثالث ‪ ،‬ا ذ اكن مقدورا للمدينة آ أ ن هتكل‬
‫ابحلصان ‪.‬‬
‫خرج الزعامء من احلصان ‪،‬‬ ‫وغىن املنشد آ أ يضا ذاكرا كي ف‬
‫ادلمار ‪ ،‬وذكر كي ف آ أ ن‬ ‫وجاسوا خالل املدينة معملني فهيا‬
‫م زنل ذيفوب ‪ ،‬يف مغامرة‬ ‫آ أ وذيس ذهب مع املكل مانيال ا ىل‬
‫‪ .‬غىن املنشد هبذا ‪ ،‬فذاب‬ ‫جريئة خطرة ‪ ،‬وتغلبا مبساعدة آ أ ثينا‬
‫قلب آ أ وذيس يف صدره وهو يصغي ‪،‬‬

‫‪95‬‬
‫وسالت الع ربا ت عىل خد يه ‪ .‬واكمرآ أ ة ترمتي عىل جثة زوج عزيز‬
‫‪ ،‬سقط مدا فعا عن وطنه ‪ ،‬وهو جيهد يف التنفس مرشفا عىل‬
‫الهناية ‪ ،‬فترصخ وت ُ ع وِ ل ‪ ،‬مث يآ أ تهيا ا ل أ عداء من خلفها ‪،‬‬
‫فيرضبون ظهرها وكتفهيا برماهحم ‪ ،‬ويقودوهنا ا ىل الس يب ‪ ،‬وقد‬
‫بر ح ادلمع خبدهيا ‪ ،‬ه كذا اكنت ادلموع هتمي من عيين آ أ وذيس ‪.‬‬
‫ومل ينتبه آ أ حد من امجلاعة غري املكل آ أ لسينوس ا ىل ما اكن‬
‫من شد ة وقع الغناء عليه ‪ ،‬عندئذ تلكم املكل فقال ‪ " :‬امسعوا‬
‫اي آ أ مراء الفيس يانيني ودعوا ذومودوك يكف عن غنائه ‪ ،‬مفذ‬
‫وضع يده عىل القيثارة مل ينقطع هذا الغريب عن النحيب لي كف‬
‫املنشد ا ذا ‪ ،‬و ل منرح ونبهتج كام يليق بنا آ أ ن نفعل ‪ .‬آ أ مل جن متع‬
‫معا لنقد م الهدااي لهذا الغريب ‪ ،‬ونرسهل ا ىل بدله ؟ وا ن‬
‫الغريب واملس تجري لكهيام ل مب زنةل ا ل أ خ للك من مل يصب ابجلنون ‪.‬‬
‫و آ أ نت آ أ هيا الغريب ل ِ‬
‫ختف عنا شيئا مما آ أ س آ أ كل عنه ‪ .‬فآ أ خ ربان‬
‫بآ أ ي امس تدع يف بدلك ‪ ،‬فليس من آ أ نسان سواء آ أ اكن نبيال‬
‫آ أ م وضيعا ا ل وهل امس يسم به ‪ ،‬وهو اذلي يطلقه عليه آ أ بواه‬
‫ساعة مودله ‪ .‬و آ أ خ ربان عن آ أ رضك وبدلك ‪ ،‬يك تتخذ سفننا‬
‫الطريق ا لهيا ل يصاكل ؛ ل أ هنا ليست كسفن سائر الناس اليت‬
‫لها د ف ة ‪ ،‬ومن يقوم عىل ا دارة هذه ادلفة ‪ ،‬ب ل ا ن لرجالها‬
‫ا درااك‬

‫‪96‬‬
‫خاصا هبم ‪ ،‬ومه يعرفون بالد الناس لك ها ‪ ،‬وجيوزون فوق‬
‫الغمر يغشامه الغامم ‪ ،‬ول خيشون عىل سفهنم الغرق ‪ .‬غري آ أ ن‬
‫وادلي كث ريا ما اكن يقول ا ن فوس يذون حيمل لنا حقدا ؛ ل أ ننا‬
‫نوصل الناس ساملني ا ىل بالدمه ‪ .‬و آ أ نه ل بد آ أ ن يرضب ا حدى‬
‫سفننا ويه عائدة من مث ل هذه املهمة ‪ ،‬فيحولها ا ىل خصرة‬
‫تظل ل مدينتنا آ أ بدا ‪ .‬فلي كن آ أ مر ال هل ‪ ،‬آ أ و فليقلع عنه حس امب‬
‫يشاء ! ول كن آ أ خربان آ أ هيا الغريب عن نفسك ‪ ،‬وق ل ا ىل آ أ ين‬
‫آ أ دى بك التطواف ‪ ،‬و آ أ ي البالد رآ أ يت ‪ ،‬سواء آ أ اكنت بالدا‬
‫آ هةل اب ل أ رشار ‪ ،‬آ أ م اكنت بالدا آ هةل مبن ي كرمون الغريب‬
‫ويت قون ال آ لهة ‪ .‬و آ أ خ ربان آ أ يضا ملاذا كنت تنتحب دلى س امعك‬
‫حاكية طروادة ‪ .‬هل اكن كل بني الهالكني يف طروا دة قريب ‪،‬‬
‫آ أ و نسيب مصاهرة ‪ ،‬آ أ و صديق ؟ فا ن الصديق احلكمي اك ل أ خ‬
‫سواء بسواء " ‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫‪10‬‬
‫ا ل س يلكوب‪1‬‬

‫( قصة آ أ وذيس )‬

‫فآ أ جا ب آ أ وذيس املكل قائال ‪ :‬بآ أ ي ا ل أ خبار آ أ بتدئ وبآ أ هيا‬


‫آ أ نهتىي ؟ فا ن ال آ لهة محلتين كث ريا من ال آ لم ‪ .‬وسآ أ بد آ أ اب عالممك‬
‫امسي ليك تعرفوه ‪ ،‬ول يك تنشآ أ بيننا صدا قة تدوم حىت بعد آ أ ن‬
‫آ أ كون عنمك بعيدا ‪ .‬آ أ ان آ أ وذيس بن ل ِ ري ْ ت ‪ .‬و آ أ سكن ا يثاكة ‪،‬‬
‫وعىل مقربة مهنا جزر كثرية ‪ ،‬ول كن ا يثاكة تبعد حنو الغرب ‪،‬‬
‫يف حني آ أ ن اجلزر البا قية تواجه مطلع الشمس ‪ .‬وا يثاكه هذه‬
‫جزيرة و ع ْ رة جدا ‪ ،‬ولكهنا آ أ م رجال آ أ بطال ‪ ،‬وليس واحلق‬
‫يقال ‪ ،‬آ أ عز عىل ال نسان‬

‫‪ 1‬مه يف ا ل أ س ا ط ري الا غ ري ق ي ة ق وم م ن ا ل ع ام ل ق ة ‪ ،‬هل م ع ني وا ح د ة و ي ص ن ع و ن ا ل ص و ا ع ق‬


‫ل زف س ‪.‬‬
‫‪98‬‬
‫من وطنه ‪ .‬وقد آ أ رادتين اك ل يبسو ال لهة امجليةل عىل آ أ ن آ أ قمي‬
‫معها ‪ ،‬و آ أ ن آ أ كون لها زوجا ‪ .‬ومثل هذا آ أ رادتين عليه س ريسة‬
‫ذات املاكيد الكثرية ‪ .‬ولكن مل يقد ر هل ام النجا ح ‪ .‬ا ذ ليس من‬
‫يشء آ أ حب ا ىل ال نسان من وطنه و آ أ ههل ‪ .‬وس آ أ رسد عليك ال ن‬
‫خرب املشاق اليت رمتين هبا ال آ لهة يف عوديت من طروادة ‪.‬‬
‫ا ن الرحي اليت محلتين من طروادة آ أ وصلتين ا ىل‬
‫ا يس امروس ‪ ،‬ا حدى مدن الس يكونيني ‪ .‬فد ك ك ْ تُ هذه املدينة‬
‫وفت كت بساكهنا ‪ .‬وقد غ مننا الكث ري من ا ل أ سال ب فقسمناها بيننا‬
‫‪ ،‬فنال لك رجل منا نصيبه ‪ .‬وملا آ أ متمنا ذكل ‪ ،‬آ أ مرت رجايل‬
‫ابلرحي ل مبنهت ى الرسعة ‪ ،‬ول كن طيشهم زي ن هلم آ أ ل يس متعوا‬
‫ا ىل نصحي ‪ .‬فقد اكن هنا كل كثري من امخلر للرشب ‪ ،‬وكث ري من‬
‫الغمن وا ل أ بقار لذلحب جفلسوا عىل الشاطئ يعي ِ دون ‪ .‬واكن آ أ ه ل‬
‫اجلزيرة عند ذاك يستنفر ون آ أ قارهبم من ساكين اجلبال ‪ .‬واكن‬
‫هؤلء آ أ كرث مهنم عددا ‪ ،‬و آ أ شد ب آ أ سا ‪ ،‬وقد م ه روا لك‬
‫آ أ ساليب القتال ‪ .‬فآ أل بوا مجوعهم يف الصباح الباكر وتاكثفوا‬
‫تاكث ف ورق النبت والزهر يف الربيع ‪ ،‬واصطفوا للقتال ‪.‬‬
‫فقاتلنامه وتغلبنا علهيم ورددانمه ما سطع ضوء الهنار ‪ ،‬مع آ أ هنم‬
‫ال أ ك رثون عددا ‪ .‬ول كن ملا بد آ أ ت الشمس تنحدر يف‬

‫‪99‬‬
‫الس اموا ت ‪ ،‬تغلب الس يكونيون علينا ‪ ،‬وطاردوان ا ىل سفننا ‪.‬‬
‫وهكل منا من آ أ هل لك سفينة س ت ة رجال ‪ ،‬وجنا الباقون من‬
‫املوت ‪.‬‬
‫مث آ أ حبران وقد برح بنا احلزن لفقد رفا قنا ا ل أ عزاء ‪،‬‬
‫وفرحنا مع ذكل لنجاتنا من الهالك ‪ .‬عىل آ أ ننا قبل آ أ ن نبحر ‪،‬‬
‫اندينا لك رج ل من اذلين سقطوا يف املعركة ابمسه ثالاث ‪.‬‬
‫وملا آ أ حبران وقطعنا مسافة قصرية ‪ ،‬آ أ رس ل علينا زفس رحيا‬
‫ش املية ‪ ،‬عاصفة جبارة ‪ ،‬غطت ابلسحب ا ل أ رض والبحر ‪،‬‬
‫ود فعت السفن آ أ ماهما ‪ .‬ف آ أ نزلنا الرشع ‪ ،‬وجذفنا ابلسفن حنو‬
‫الرب بلك قواان ‪ .‬وبقينا يومني ناليق الهول وا ل أ ىس ‪ .‬ومل يرشف‬
‫صباح اليوم الثالث حىت نرشان الرشع وس كن ا ا ىل الراحة ‪ .‬ولو‬
‫وااتان احلظ لوصلت ا ىل وطين ‪ .‬ول كن البحر والرحي الش املية‬
‫حادا يب عن سبييل ‪ ،‬ود فعاين ا ىل ما بعد س ي رثا ‪ ،‬وظلت الرحي‬
‫تد فعنا آ أ ما هما ثالثة آ أ ايم ‪.‬‬
‫ويف اليوم العا رش آ أ قبلنا عىل ا ل أ رض اليت تنبت (النبق )‬
‫اللوتيس ‪ ،‬وهو مثر جعيب يرصف آ لكه عن الا هامتم برؤية وطنه‬
‫وزوجته و آ أ ولده ‪ .‬واكن آ أ لكة اللوتيس ‪ -‬وهو الامس اذلي يطلقونه‬
‫عىل آ أ نفسهم ‪ -‬كرام اخللق‪ ،‬وقد قدموا ا ىل بعض حبارتنا شيئا من‬
‫مثرمه هذا ‪ ،‬ومه ل يريدون هبم رشا ‪ ،‬بل ظنوا آ أ هنم ا منا‬
‫يقدمون ا لهيم خري ما دلهيم ‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫وملا آ أ لك هؤلء آ أ علنوا آ أ هنم ل يرغبون يف ركوب البحر اثنية ‪.‬‬
‫فل ام مسعت هذا ‪ ،‬آ أ مرت رفا قهم ف آ أ وثقومه ومحلومه ا ىل السفن ‪،‬‬
‫ومه يتظلمون ‪.‬‬
‫وسكنت الرحي عندئذ ‪ ،‬فعمدان ا ىل جماذيفنا وجذفنا آ أ ايما‬
‫كث رية ‪ ،‬آ أ قبلنا بعدها عىل ا ل أ رض اليت يس كهنا الس يلكوب ‪.‬‬
‫واكن عىل مسافة مي ل من الشاط ئ آ أ و حنوه جزيرة رائعة املنظر‬
‫‪ ،‬وا فرة اخلصب ‪ ،‬وليس هنا كل من آ أ حد يس كهنا آ أ و حيرث‬
‫آ أ رضها ‪ .‬واكن يف اجلزيرة ميناء ‪ ،‬تآ أ من فيه السفن ‪ ،‬اختالف‬
‫الراي ح ‪ .‬وعند رآ أ س امليناء جدول يتد فق من الصخر ‪ ،‬وهيمس‬
‫جشر احلور حوهل ‪ ،‬فدخلته السفن آ منة ‪ ،‬ور ست عند الشاطئ‬
‫‪ ،‬وانم النوايت هبا ينتظرون الصباح ‪.‬‬
‫وملا ب زغ الفجر جس نا خالل اجلزيرة ‪ ،‬و آ أ اثرت حوراي هتا‬
‫املعز ال ربي ليك يكون منه لصحيب طعاما يآ أ لكونه ‪ .‬فآ أ خذان‬
‫آ أ قواس نا ورماحنا من املراكب ‪ ،‬وسد دانها ا ىل املعز ‪ ،‬و م نحتنا‬
‫ال آ لهة صيدا وا فرا ‪ .‬وقد اكن يف حصبيت اثنتا عرش سفينة ‪،‬‬
‫فآ أ صا ب لك سفينة تسع ع زنا ت ‪ ،‬واكن نصييب اخل ا ص مهنا عرشا‬
‫‪.‬‬
‫ومكثنا طول الهنار يف عيد ‪ ،‬حنتيس نبيذا حلوا ‪،‬‬
‫آ أ خذانه من مدينة الس يكونيني ‪ ،‬ونآ أ لك من حلم املعز‬

‫‪101‬‬
‫وكن ا وحنن جالسون ننظر من هناك ا ىل آ أ رض الس يلكوب ف رنى‬
‫ادلخان ‪ ،‬ونسمع آ أ صوات الرجال وثغاء الغمن واملعز ‪ ،‬حىت‬
‫آ أ قبل اللي ل ‪ ،‬وخمي عىل ا ل أ رض الظالم ‪ ،‬فا س تلقينا عند‬
‫الشاط ئ وا س تسلمنا ا ىل النوم ‪.‬‬
‫وعند الصباح مجعت رجايل وخا طبهتم قائال‪ :‬آ أ ق ميوا هنا اي‬
‫آ أ صد قايئ ا ل أ عزاء ‪ ،‬آ أ ما آ أ ان فا ين ذاهب ب سفينيت اخلاص ة ‪ ،‬مع‬
‫خوا ص حصيب نس تجيل لمك خرب الساكن يف تكل اجلزيرة ‪ ،‬فنعمل‬
‫آ أ من ا ل أ رشار مه آ أ م من ا ل أ خيار ‪.‬‬
‫وصعد ت ا ىل سفينيت ‪ ،‬و آ أ هبت برفايق آ أ ن يتبعوين ‪،‬‬
‫فآ أ تينا آ أ رض الس يلكوب ‪ .‬واكن بقرب الشاط ئ كه ف ‪ ،‬قامت‬
‫عىل جانيب اببه آ أ جشار الغار ‪ .‬وقد اختذه الس يلكوب مس كنا ‪.‬‬
‫وهو خملوق يعيش منفردا ول خيضع لقانون ‪ ،‬ول يش به البرش‬
‫الفانني ‪ ،‬ب ل يش به مقة هضبة ملتفة ا ل أ جشار ‪ ،‬نت آ أ ت مبعزل عن‬
‫سائر الهضاب ‪.‬‬
‫فطلبت من حصيب آ أ ن مي كثوا عند ا ل سفينة حلراس هتا ‪،‬‬
‫وانتخبت من بيهنم اثين عرش رجال ‪ ،‬مه آ أ بسل البحارة ‪،‬‬
‫وتقد مت هبم ‪ .‬واكن معي قربة من جدل املعز م ل أ ى من نبيذ‬
‫حلو آ أ محر قان ‪ ،‬آ أ عطانيه اكهن آ أ فلون يف ا يس امروس ‪ ،‬ﻷ ننا‬
‫ُص ن اه مع زوجه وودله من السوء حيامن دككنا املدينة ‪ .‬وقد‬
‫آ أ عطانيه ل أ ننا فعلنا ما فعلنا معه ا كراما لال هل ‪ .‬وقد‬

‫‪102‬‬
‫آ أ عطاين من العطااي ثالاث ‪ :‬س بع وزانت من اذلهب ‪ ،‬و ك أ سا‬
‫فضية للمزج ‪ ،‬واثنيت عرشة جر ة من النبيذ ‪ .‬وقد اكن هذا‬
‫النبيذ من الفخارة حبيث مل ي كن يعمل به من آ أ هل داره سواه ‪،‬‬
‫وسوى زوجه ‪ ،‬و امرآ أ ة اكنت ق مية امل زنل ‪ .‬واكنوا عندما يرشبون‬
‫من هذا النبيذ ميزجون جزءا منه بعرشين جزءا من املاء ‪.‬‬
‫واكنت تفوح منه راحئة عطرية غريبة ‪ ،‬حبيث ل يس تطيع آ أ حد‬
‫آ أ ن ميكل نفسه يف سهوةل عن رشبه ‪ .‬من هذا النبيذ م ل أ ت قربة‬
‫كب رية ومحلهتا معي ‪ ،‬ومحلت كذكل كيسا من القمح حدثين‬
‫فؤادي آ أ نين سآ أ حتاج ا ليه ‪.‬‬
‫ودخلنا الكه ف ‪ ،‬فقدران آ أ نه مس كن راع غين حاذق ‪.‬‬
‫فقد اكنت هناك حظائر لصغار الغمن واملعز ‪ ،‬مقس مة حبسب‬
‫آ أ ع امرها ‪ .‬واكن هناك سالل م ل أ ى ابجلنب ‪ ،‬ودلء طاحفة ابللنب‬
‫ُص ف ت حذاء احلائط آ أ ما الس يلكوب نفسه فاكن قد خرج ا ىل‬
‫املراعي ‪ .‬وقد رغب ا يل حصيب آ أ ن آ أ برح املاكن و آ أ مح ل معي منه‬
‫‪ ،‬ا ذا شئت ‪ ،‬شيئا من اجلنب و آ أ نواعا من امحلالن واجلداين‬
‫فآ أ بيت ل أ نين آ أ رد ت ‪ ،‬جراي عىل عاديت ‪ ،‬آ أ ن آ أ س تطلع خرب هذا‬
‫الراعي الغريب ‪ ،‬و آ أ عرف آ أ ي مضيف يكون ‪ ،‬وهل يف ال ماكن‬
‫آ أ ن تؤخذ من يده هدية كام حيق للغرابء ‪ .‬بيد آ أ ن جميئه مل ي كن‬
‫جملبة رسور لرفايق ‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫وملا حل املساء قدم الس يلكوب ‪ ،‬واكن عال قا جبارا ‪ ،‬خضم‬
‫اجلثة مديدها ‪ .‬ففزعنا مجيعا لرؤيته غاية الفزع ‪ ،‬وجلآ أ ان ا ىل‬
‫اجلانب اخلفي من ال كه ف‪.‬‬
‫واكن حيم ل عىل كتفه حزمة خضمة من جذوع الصنوبر‬
‫ليوقد انره ‪ ،‬فطرهحا خارج ال كه ف فسمعت لها هد ة عظ مية ‪،‬‬
‫مث ساق القطعان آ أ مامه ا ىل ادلاخ ل ‪ ،‬وسد املدخل بصخرة‬
‫هائةل تعجز عن محلها عرشون جعةل ‪ .‬مث حلب النعاج والع زنات ‪.‬‬
‫و آ أ عد من اللنب شطرا للتخثري وع ل اجلنب ‪ ،‬وشطرا‬
‫لعشاءه ‪ .‬مث آ أ شع ل من جذوع الصنوبر انرا آ أ ضاء لهيهبا آ أ رجاء‬
‫الكهف ‪ ،‬وكشف هل عين وعن رفايق ‪ .‬فصا ح فوليفم ‪ ،‬واكن‬
‫هذا امس العمالق‪:‬‬
‫‪ " -‬من آ أ نمت ؟ آ أ جت ار آ أ نمت آ أ م قرصان آ أ ف اقون ؟‬
‫فارتعدت فريص يت للصوت املريع وا ل هيئة اخمليفة ‪ ،‬ول كين‬
‫متال كت نفيس وتشجعت و آ أ جبت ‪ :‬لس نا قرصان آ أ هيا الس يد‬
‫اجلبار ‪ ،‬ول كننا من ال غريق العائدين من طروادة وحنن من‬
‫رعااي املكل العظمي آ أ غاممنون ‪ ،‬اذلي ذاعت شهرته من آ أ قىص‬
‫الس امء ا ىل آ أ قصاها ‪ .‬وقد آ أ تيناك مس تضيفني ابمس زفس ‪ ،‬وهو‬
‫اذلي جيازي آ أ و يعا قب الضي ف واملضيف ‪،‬‬

‫‪104‬‬
‫وفقا لوفاء آ أ حدهام لل خر آ أ و عدمه ‪ .‬فآ أ جابين العمالق ‪ :‬ليس‬
‫حديثك يل عن زفس وسائر ال آ لهة ا ل من قبي ل السخف‬
‫والهراء ‪ .‬وحنن الس يلكوبيني ل نقمي لل آ لهة وزان ‪ ،‬ونعد آ أ نفس نا‬
‫آ أ عىل مهنم مقاما و آ أ شد ب آ أ سا ‪ .‬ول كن تعال ال ن و آ أ خ ربين آ أ ين‬
‫تركمت سف ينتمك ؟‬
‫فآ أ دركت مراده حيامن س آ أ ل عن ا ل سفينة ‪ ،‬وعلمت آ أ نه ا منا‬
‫يبغي حتط ميها والقضاء عىل لك آ أ مل فينا للنجاة ‪ ،‬ولهذا آ أ جبته‬
‫يف م كر‪:‬‬
‫ا ننا ل منكل سفين ة ‪ ،‬فقد حطم املكل فوس يذون تكل اليت‬
‫محلتنا ‪ ،‬بآ أ ن د فعها ا ىل خصر انئت عىل هذا الشاطئ ‪ .‬وحنن‬
‫اذلين ترى آ أ مامك لك الناجني من ا ل أ مواج ‪.‬‬
‫فمل جيب فوليفم بلكمة ‪ .‬ولكنه ‪ ،‬دون مزيد من الانزعاج‬
‫‪ ،‬قبض عىل اثنني من الرجال كام يقبض الانسان عىل جروين‬
‫من اللكب ورض ب هيام ا ل أ رض ‪ ،‬مفزقه ام عضوا عضوا ‪ ،‬والهتمها‬
‫الهتاما ‪ .‬واكن بني العضو وا ﻵ خر جيرع جرعا ت كبرية من اللنب ‪،‬‬
‫ومل يبق مهن ام شيئا ‪ ،‬حىت آ أ ىت عىل العظام مجيعا ‪.‬‬
‫ور آ أ ى الباقون منا هذا العمل ‪ ،‬الفظيع فمل يقدروا ا ل‬
‫عىل الباكء والامتس العون من زفس ‪ .‬وملا م ل أ اجلبار كرشه‬

‫‪105‬‬
‫من اللحم ال ديم ومن لنب القطعان ‪ ،‬متد د بني غ منه وانم ‪.‬‬
‫فرتددت عند ذ كل ا ل أ س ئةل يف صدري ‪ ،‬وجعلت آ أ سائ ل‬
‫نفيس هل آ أ قوم ف آ أ قتل هذا اخمللوق اخملي ف وهو انمئ ‪ ،‬فقد كنت‬
‫عىل ثقة من جودة س يفي وقدرته عىل النفاذ ا ىل قلب هذا‬
‫العمالق ‪ ،‬همام اكن مبلغ ج ربوته ‪ .‬ول كن ف كرة اث نية صد تين عن‬
‫ذكل‪ ،‬فذكرت آ أ نين لو قتلته لهل كت ور فايق رش هالك ‪ .‬مفن ذا‬
‫يقدر آ أ ن يزحزح هذا الصخر العظمي القامئ عند ابب ال كهف ؟‬
‫وه كذا انتظران ا ىل الصباح بقلوب جزعة ‪ .‬واستيقظ ال ه ُ وةل‬
‫وحلب قطعانه ‪ ،‬مث آ أ مسك برجلني فالهتمها طعام وجبة ‪ .‬وذهب‬
‫ا ىل املراعي ‪ ،‬ول كنه و ضع الصخر العظمي عند مف الغار ‪ ،‬كام‬
‫يضع الرجل ل نيته غطاءها‪.‬‬
‫وقد قضيت ذ كل الهنار و آ أ ان آ أ ف كر يف خري الس ب ُ ل‬
‫ل نقاذي وا نقاذ رفايق ‪ ،‬ف آ أ دى يب تفك ريي ا ىل هذا ‪:‬‬
‫اكن يف الكه ف عود عظمي ‪ ،‬جذع زيتونة آ أ خرض ك أ نه‬
‫لطوهل سارية سفينة ‪ ،‬وقد آ أ راد فوليفم آ أ ن جيع ل منه عاكزا ب عد‬
‫آ أ ن جيففه ادلخان ‪ .‬فقطعت منه قدر ابع ‪ ،‬ف رباه رفايق وجعلوه‬
‫يف النار ليصلب ويش تد ‪ ،‬مث آ أ خفيناه عن ا ل أ نظار ‪ .‬ورجع‬
‫العمالق يف املساء ‪ ،‬وساق قطيعه آ أ مامه ا ىل داخ ل الكه ف ‪،‬‬
‫ومل ي رتك الكباش خارجا ‪ ،‬كام‬

‫‪106‬‬
‫اعتاد آ أ ن يفعل ‪ ،‬ب ل آ أ دخلها مجيعا ‪ .‬وبعد آ أ ن قام مبا جيب عىل‬
‫الراعي من العم ل ‪ ،‬آ أ خذ اثنني من رفايق ‪ ،‬ك ام فع ل سابقا ‪،‬‬
‫والهتمها ‪.‬‬
‫وحي امن فرغ من عشائه ‪ ،‬تقد مت حنوه ‪ ،‬آ أ محل ِز ق امخلر‬
‫يف يدي ‪ ،‬وقلت ‪:‬‬
‫‪ " -‬ارشب آ أ هيا الس يلكوب بعد طعامك ‪ ،‬ا رشب وانظر‬
‫آ أ ي نفائس اكنت حتوي سف ينتنا ‪ .‬ول كن لن ي آ أ تيك آ أ حد بعد‬
‫ال ن مبثل هذا ‪ ،‬ما دم ت تعامل الغرابء هبذه القسوة اليت‬
‫عاملتنا هبا ‪" .‬‬
‫فرشب الس يلكوب ‪ ،‬وبلغت منه الذل ة آ أ ن قال آ أ عطين‬
‫املزيد ﻷ رشب ‪ ،‬وقل يل ما امسك آ أ هيا الغريب ‪ ،‬وسآ أ عطيك‬
‫هدية تليق ابملضيف آ أ ن ُهي دهيا ‪ .‬حقا آ أ نه لرشاب اندر ‪ .‬دلينا‬
‫حنن آ أ يضا كرمة ‪ ،‬ول كهنا ل تعرص نبيذا كهذا النبيذ اذلي ما‬
‫آ أ حس به ا ل شبهيا بذكل اذلي ترشبه ال آ لهة يف الساموات ‪.‬‬
‫مث انولته ال ك أس مرة آ أ خرى فرشب ‪ ،‬وكر ر ت ذ كل ثالاث‬
‫ف كر ر الرشب ثالاث ‪ ،‬وهو ل يعمل ماهيته ‪ ،‬ول يدري ما يكون‬
‫من تآ أ ث ريه يف دماغه ‪.‬‬
‫وخا طبته قائال ‪ " :‬قد س آ أ لتين عن امسي اي س يلكوب‬

‫‪107‬‬
‫فا عمل آ أ نين آ أ دع (ل آ أ حد) ‪ .‬وال ن وقد علمت امسي ‪ ،‬فقد‬
‫حق ت يل عليك الهدية ‪.‬‬
‫" فآ أ جاب ‪ :‬آ أ ما هدييت كل فه ىي آ أ نين لن آ لكك ا ل بعد‬
‫آ أ ن آ يت عىل رفا قك مجيعا ‪ .‬وفامي هو يتلكم اس تلق عىل قفاه‬
‫وانم نوم الساكرى ‪ .‬ف آ أ هبت برفايق آ أ ن يتشجعوا ا ذ قد حان‬
‫وقت خالصهم ‪ .‬فآ أ لقوا بعود الزيتون ا ىل النار حىت اكد ‪ ،‬عىل‬
‫اخرضاره ‪ ،‬آ أ ن يش تعل ‪ ،‬مث زج وا به يف عني الوحش ‪ ،‬ا ذ مل‬
‫ت كن هل غ ري عني واحدة يف وسط ج بينه ‪ ،‬واحلاجب من آ أ سفلها‬
‫‪ .‬وو قفت آ أ ان فوقه وملت عىل العود بلك قواي ‪ ،‬وجعلت آ أ ديره‬
‫ك ام يدير الرجل مثقبا يف خش بة سفينة ‪ ،‬وقد نش العود‬
‫املش تعل يف عينه ‪ ،‬ك ام ينش احلديد ا ذا آ أ محي وامحر يف املاء ‪،‬‬
‫ا ذا ما آ أ راد آ أ حدمه آ أ ن يسقي ال ف ولذ ليصنع منه س يفا ‪ .‬فوثب‬
‫العمالق من مرقده وحطم العود ورصخ رصاخا عاليا مسعه‬
‫الس يلكوبيون القا طنون يف آ أ كتاف اجلبل ‪ ،‬فدنو ا من الكهف‬
‫يس تطلعون اخلرب وسآ أ لوه‪:‬‬
‫‪ " -‬ماذا آ أ صابك اي فوليفم ‪ ،‬حىت آ أ طلقت هذه الزجمرة يف‬
‫هد آ أ ة الليل ‪ ،‬فآ أ يقظت النيام ؟ ه ل سطا عليك آ أ حد قاصدا‬
‫آ أ ن يرسق ما شيتك ‪ ،‬آ أ و آ أ ن يقتكل ابخلديعة آ أ و ابلقوة ؟‬
‫‪ " -‬ف آ أ جا ب العمالق ‪( :‬ل آ أ حد) يقتلين ابخلديعة‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫فقالوا ‪ " :‬ولكننا ل نقدر عىل معونتك ا ذا اكن ل آ أ حد يؤذيك‬
‫‪ .‬ومن ذا يقدر عىل د فع مرض ‪ ،‬ا ذا ما ابتاله به زفس العظمي‬
‫؟ فابهت ل ا ذا ا ىل آ أ بينا فوس يذون وا طلب منه العون ‪.‬‬
‫قالوا هذا فضح كت يف رس ي ل مت كين من خداعهم هبذا‬
‫الامس اذلي ادعيته لنفيس ‪.‬‬
‫ول كن الس يلكوب دحرج احلجر العظمي عن اب ب الكهف ‪،‬‬
‫وجلس يف الوسط اب سطا يديه ‪ ،‬ليقبض هب ام عىل من قد تسول‬
‫هل نفسه من الرجال يف داخل ال كهف آ أ ن خيرج مند س ا بني الغمن‬
‫‪.‬‬
‫وقد ف كرت طويال يف آ أ فض ل ذريعة لنجايت وجناة رفايق ‪.‬‬
‫فاهتديت آ أ خ ريا ا ىل وس يةل رآ أ يهتا خري الوسائل ‪ .‬ومحدت زفس‬
‫كث ري امحلد ﻷ ن العمالق هذه املرة قد آ أ دخ ل الكباش ا ىل الكه ف‬
‫مع سائر الغمن ‪ .‬فقد اكنت هذه الكباش من العظم والقوة حبيث‬
‫قدرت آ أ ن آ أ شد آ أ حصايب ا ىل بطوهنا بصفاحئ من اخل زيران صنع‬
‫مهنا العمال ق رسيره ‪ .‬فكنت آ أ عد ا ىل ال كبش و آ أ وثق الرج ل‬
‫حتته ‪ ،‬واجع ل كبشني آ خرين عىل جانبيه ‪ .‬وه كذا فعلت‬
‫بآ أ حصايب الس تة ‪ ،‬ا ذ مل يبق من الثين عرش رجال اذلي‬
‫خاطروا ابجمليء معي من ا ل سفينة سوامه ‪ .‬واكن بني الكباش‬
‫كبش عظمي يفوقها‬

‫‪109‬‬
‫خضامة ا ىل حد كب ري ‪ ،‬فتعلقت به وتش ب ثت بصوفه بلكتا يدي‪.‬‬
‫و آ أ مق ن ا مجيعا عىل هذه احلا ةل ننتظر الصبا ح‪ .‬وملا آ أ قب ل الصباح‬
‫اند فعت ال كباش تطلب املرع ‪ .‬ول كن ال عمالق قعد عىل اب ب‬
‫الكهف وجعل يت ح سس ظهورها ويه منطلقة ‪ ،‬ومل خيطر بباهل‬
‫آ أ ن جيرب وحيس ما قد يمكن حتهتا‪ .‬جاء ال كبش العظمي آ خر‬
‫القطيع فعرفه الس يلكوب عند مروره وخا طبه قائال ‪:‬‬
‫كيف هذا و آ أ نت قائد القطيع ؟ ليس من عادتك آ أ ن تتل ك أ‬
‫ه كذا ‪ ،‬فقد اعتد ت آ أ ن تبادر يف الطليعة ا ىل ورود الغدران‬
‫وانتجاع املراعي يف الصباح‪ ،‬وكنت ا ل أ ول يف العودة ا ىل‬
‫احلظرية عند املساء ‪ ،‬وها آ أ ان آ أ راك آ خر امجليع‪ .‬فلعكل قلقت ملا‬
‫آ أ صا ب عني س يد ك اليت آ أ تلفها شقي يدع ل آ أ حد ‪ ،‬بعد آ أ ن‬
‫آ أ س كرين ابمخلرة ‪.‬و آ أ عتقد آ أ نه مل يفلت مين فياليتك تقدر عىل‬
‫اللكم ل تنبئين مبمكنه ‪ .‬ا ذا حلطمت رآ أ سه عىل ا ل أ رض وجفرت‬
‫دماغه ‪ ،‬وانتقمت لنفيس من (ل آ أ حد) هذا‪ .‬قال هذا و آ أ طلق‬
‫الكبش خفرج من الكهف ‪ .‬وملا آ أ صبحنا يف منجاة من قبضة‬
‫للعمالق ‪ ،‬آ أ فلت الكبش مث حللت واثق رفايق و آ أ رسعنا ا ىل‬
‫سف ينتنا ‪ ،‬ومل ننس آ أ ن نسوق الغمن آ أ مامنا ‪ ،‬وكنا نكرث من‬
‫التلفت ورائنا ا ىل آ أ ن بلغنا الشاطئ‪ .‬فل ام رآ ان آ أ ولئك اذلين‬
‫آ أ قاموا عند ا ل سفينة‬

‫‪110‬‬
‫ينتظرون رجوعنا ‪ ،‬بلغ رسورمه غايته ‪ ،‬ومل يبكوا اذلين ماتوا‬
‫منا ‪ ،‬مع شدة رغبتنا مجيعا يف ذكل ‪ .‬فقد حظرت علهيم الباكء‬
‫خيفة آ أ ن يمن العويل علينا ‪ ،‬فيس تدل العمالق عىل ماكن‬
‫وجودان ‪ .‬وصعدان مجيعا ا ىل ا ل سفينة وجلس نا يف نظام عىل‬
‫املقاعد ‪ ،‬و ج علنا نرضب البحر مبجاذيفنا ‪ ،‬جادين يف تقومي‬
‫ا ل سفينة ليك نبعد عن هذه ا ل أ رض املشؤومة يف آ أ رسع ما مي كننا‬
‫‪ .‬وملا جذفنا ا ىل مسافة مئة ايردة آ أ و ما يقرب مهنا ‪ ،‬حبيث اكن‬
‫ل يزال يف ال ماكن آ أ ن يسمع صوت الواحد منا من هو واقف‬
‫عند الشا طئ ‪ ،‬وقفت يف ا ل سفينة وحصت عاليا ‪:‬‬
‫‪ " -‬آ أ هيا الس يلكوب ‪ ،‬مل ي كن جباان ذ كل اذلي فت كت‬
‫بصحبه يف وجارك خس ة وغدرا ‪ .‬وقد اكن عقابك عا دل ‪ ،‬آ أ هيا‬
‫الوحش اذلي تف رتس ضيوفك يف س كنك ‪ .‬ولت زنل بك ال آ لهة من‬
‫املصائب ما هو رش من هذا! " ‪.‬‬
‫عندها عد الس يلكوب ‪ ،‬وقد ا ش تد به الغيظ ‪ ،‬ا ىل مقة‬
‫هضبة عظ مية ‪ ،‬واكنت خصرة هائةل ‪ ،‬فقصمها وقذف هبا ا ىل‬
‫مصدر الصوت اذلي مسعه ‪ ،‬فوقعت آ أ مام مقدم ا ل سفينة متاما ‪،‬‬
‫و آ أ اث رت ويه تغوص موجا عاليا د فع اب ل سفينة القهقرى حنو‬
‫الشاط ئ ‪ .‬ول كنين آ أ مس كت بلكتا يدي عودا‬

‫‪111‬‬
‫طويال و آ أ بعد ت ا ل سفينة عن الشاط ئ ‪ ،‬و آ أ رشت عىل رفايق آ أ ن‬
‫يعملوا جماذيفهم ‪ ،‬و آ أ ان آ أ وم ئ برآ أ يس ‪ ،‬ومل آ أ ش آ أ آ أ ن آ أ تلكم‬
‫خش ية آ أ ن يعرف الس يلكوب ماكننا ‪ .‬جفذفوا بلك ما آ أ وتوا من‬
‫قوة و عزم ‪.‬‬
‫وملا بلغنا ضعفي املسا فة اليت قطعناها سابقا ‪ ،‬مهمت‬
‫ابللكم اثنية ‪ ،‬ول كن رفايق حالوا دون ذكل وقالوا ‪:‬‬
‫ل تعد اي مولي ا ىل ا اثرة غضب العمالق ‪ ،‬فقد ظننا‬
‫حقا آ أ ننا من الهال كني عندما قذ فنا ابلصخرة ا لعظ مية و آ أ رجع‬
‫سف ينتنا ا ىل الشاط ئ ‪ .‬وا ذا ما مسعك ال ن فقد يسحق‬
‫سف ينتنا ويسحقنا ‪ ،‬ﻷ ن هذا الرج ل يقذف ابلصخور ا لعظ مية‬
‫بعيدا ‪.‬‬
‫ول كنين مل آ أ قتنع بلكهمم ‪ ،‬ب ل وقفت وحصت ‪:‬‬
‫" امسع آ أ هيا الس يلكوب ! ا ذا ما س آ أ كل آ أ حد ‪ :‬من مسل‬
‫عينك ‪ ،‬فقل هو احملارب آ أ وذيس بن ل ريت املقمي يف ا يثاكة ‪.‬‬
‫فآ أ جاب الس يلكوب يف آ أ ن ة ‪ :‬حقا لقد صد قت ا ل تكهنات‬
‫القدمية ‪ ،‬فلقد قدم هذه ا ل أ رض منذ زمن طويل نيب يدع‬
‫تلموس ‪ ،‬و آ أ قام بيننا حىت طعن يف السن وقد تنب آ أ يل هذا‬
‫الرج ل ب آ أ ن خشصا يدع آ أ وذيس س يفقدين برصي ‪ .‬وقد كنت‬
‫آ أ حسب آ أ ن هذا رج ل قدير جبار ‪ ،‬يغلبين ابلقوة‬

‫‪112‬‬
،
‫وها آ أ ن هذا قد مت عىل يد رجل ضعيف ‪ ،‬بعد آ أ ن خدعين‬
‫ابمخلر ‪ .‬ول كن تعال ا ىل هنا اي آ أ وذيس ‪ ،‬وسآ أ كون كل نعم‬
‫املضيف ‪ .‬آ أ و عىل ا ل أ قل ‪ ،‬لي ت ُ ح كل فوس يذون سفرا ا ىل‬
‫وطنك اكذلي آ أ متناه كل ‪ .‬واعمل آ أ ن فوس يذون آ أ يب ‪ ،‬وقد يربئين‬
‫من جريح ا ل أ لمي ‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬آ أ متىن عىل ال هل لو آ أ س تطيع آ أ ن آ أ حدرك ا ىل عامل‬
‫مقر ا ل أ موات ‪ ،‬حيث ل يعود ينجع فيك دواء ‪ ،‬ولو اكن آ تيا‬
‫من فوس يذون نفسه ‪.‬‬
‫عندها رفع الس يلكوب يديه ا ىل فوس يذون ‪ ،‬وابهتل ا ليه‬
‫قائال ‪ :‬ا س متع ا يل اي فوس يذون ا ذا ما كنت ودلك حقا وكنت‬
‫آ أ نت وادلي ‪ .‬ل تبلغ آ أ وذيس هذا بدله ! وا ذا س بق حمك‬
‫ا ل أ قدار بآ أ ن يبلغ موطنه ‪ ،‬فليآ أ ته وحيدا ‪ ،‬بعد آ أ ن يفقد حصبه‬
‫مجيعا ‪ ،‬لي آ أ ت وير الفوىض الشديدة سائدة يف م زنهل ‪.‬‬
‫وفامي هو يهن ىي الكمه قذ فنا بصخرة عظ مية آ أ خرى ‪،‬‬
‫فسق طت عند طرف ادلف ة ‪ ،‬ومل ختطهئا ا ل مبقدار شعرة واكن‬
‫املوج اذلي آ أ اثرته عظامي جدا حىت آ أ نه محلنا ا ىل الشاط ئ ال خر‬
‫‪.‬‬
‫وه كذا بلغنا جزيرة املعز ال ربي ‪ ،‬ولقينا رفاقنا‬

‫‪113‬‬
‫اذلين اكنوا ينتظروننا ومه يف آ أ شد اخلوف علينا من الهالك ‪.‬‬
‫فوزعت بني رفايق ما غ منناه من غمن الس يلكوب ‪ .‬وقد آ أ مجعوا‬
‫عىل آ أ ن ت كون حص يت ذكل ال كبش العظمي اذلي محلين ا ىل خارج‬
‫الكهف ‪ ،‬فقدمته لزفس حضية ‪.‬‬
‫و آ أ مقنا ذ كل الهنار عيدا ‪ ،‬وقضيناه يف املرح نآ أ لك من حلوم‬
‫الغمن ونرشب النبيذ ‪ ،‬وملا آ أ قبل الليل اضطجعنا عىل الشاطئ‬
‫وا س تسلمنا ا ىل النوم ‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫‪11‬‬
‫ايلوس ‪ ،‬ا للي س رتيغون ‪ ،‬سريسة‬
‫( ق صة آ أ وذيس)‬

‫و آ أ حبران يف الصبا ح التايل ‪ ،‬فبلغنا بعد ف رتة من الزمن‬


‫اجلزيرة اليت يقطهنا ا يلوس ‪ .‬ويه جزيرة عامئة حييط هبا سور‬
‫منيع من ال ربونز ‪ ،‬ويذهب جرفها صعدا من البحر ‪ .‬واكن‬
‫ل يلوس هذا اثنا عرش ودلا ‪ ،‬س تة آ أ بناء وست بنا ت ‪ ،‬يق ميون‬
‫معه ويشاركونه يف ا ل أ عياد وا ل أ فراح مع وادلهتم يوما فيوما ‪.‬‬
‫وقد احتف يب املكل شهرا اكمال احتفاء الصديق ابلصديق ‪.‬‬
‫وحدثته عىل التوايل بلك ما مقنا به يف طروادة ‪.‬‬
‫مث حدثته بآ أ خبار سفريت ‪ ،‬وطلبت معونته ‪ .‬فمل يآ أ هبا‬
‫عيل‪ ،‬بل آ أ عطا ين قربة من جدل ثور بلغ التا سعة من العمر ‪،‬‬

‫‪115‬‬
‫حبس فهيا لك الرايح املعاكسة يل ‪ ،‬فقد آ أ قامه زفس حارسا‬
‫عىل الرايح ‪ ،‬يث ريها آ أ و ميس كها كام يشاء ‪ ،‬وقد ربط هذه‬
‫القربة اليت صنعت من جدل ثور ا ىل ظهر ا ل سفينة ‪ ،‬ربطا حم كام‬
‫بسكل من الفضة حىت ل تفلت مهنا رحي ‪ ،‬ول كنه آ أ طل ق رحيا‬
‫غربية لطيفة لتحملين مع رفايق ا ىل الوطن ‪ .‬وظلت هذه الرحي‬
‫هتب تسعة آ أ ايم حىت قربنا من وطننا ا يثاكة ‪ ،‬ورصان نرى‬
‫الرجال القا مئني عىل خدمة املنائر ‪ ،‬ا ذ كنا حينذاك قد آ أ رشفنا‬
‫عىل جفر اليوم العارش ‪.‬‬
‫العاثر جفعلين آ أ ستسمل ا ىل النوم ‪،‬‬ ‫عندئذ خانين احلظ‬
‫ا ذ بقيت ممساك ابدل فة تسعة آ أ ايم ل‬ ‫بعد آ أ ن آ أ هن كين التعب ‪،‬‬
‫آ أ حدا ‪ .‬وفامي آ أ ان انمئ ‪ ،‬قال رفايق‬ ‫آ أ ئ متن علهيا من آ أ صدقايئ‬
‫نظروا ا ىل القربة ا لعظ مية نظر احلسد‬ ‫آ أ حدمه لل خر ‪ ،‬واكنوا قد‬
‫‪:‬‬
‫ا نه لعجيب حقا آ أ ن يلق آ أ وذيس هذا ‪ ،‬ما يلقاه من‬
‫احلب وال كرام آ أ يامن ح ل ‪ .‬وها هو يرجع ال ن من طروادة‬
‫اب ل أ سالب الكثرية ‪ ،‬يف حني نرجع حنن بآ أ يد خاوية ‪ .‬ولرن ال ن‬
‫ماذا آ أ عطاه ا يلوس ‪ ،‬ا ذ ل شك يف آ أ ن قربة اجلدل هذه حتوي‬
‫الكثري من الفضة واذلهب ‪.‬‬
‫وه كذا حل وا القربة الكب رية ‪ ،‬وعندها اي لهول ما وقع!‬
‫فا ن الرايح مجيعا اند فعت من القربة ومحلتنا بعيدا‬

‫‪116‬‬
‫ع ن وطننا ‪ .‬آ أ ما آ أ ان فقد آ أ يقظتين اجللبة ومهمت ‪ ،‬آ أ ول وهةل‬
‫آ أ ن آ أ لقي بنفيس ا ىل البحر و آ أ هكل ‪ .‬ول كنين جتدلت ‪ ،‬ور آ أ يت‬
‫العيش آ أ جدر يب ‪ .‬ومل آ أ عد آ أ ن غط يت وهج ىي ‪ ،‬و آ أ خدل ت ا ىل‬
‫الهدوء ‪ ،‬يف حني اكنت الراي ح تد فع سفننا آ أ ما هما ‪ ،‬حىت‬
‫آ أ رجعتنا ا ىل جزيرة ا يلوس ‪ .‬فآ أ رسينا هناك و آ أ حرضان شيئا من‬
‫املاء ‪ ،‬و آ أ لكنا طعامنا قرب السفن ‪ .‬وملا فرغنا من الطعام‬
‫آ أ خذ ت آ أ حد السعاة و آ أ حد رفايق ‪ ،‬وقصدان ا ىل قرص املكل ‪،‬‬
‫فآ أ لفيناه يف عيد هو وامرآ أ ته و آ أ ولده ‪ ،‬وجلست عىل العتبة ‪.‬‬
‫فآ أ خذمه العجب لرؤييت وقالوا ‪ :‬آ أ ي قوة رشيرة آ أ عا قتك عن‬
‫بلوغ وطنك وبيتك ؟ "‬
‫فآ أ جبت ‪ :‬ل توهجوا لوممك ا يل ‪ ،‬ول كهنا مؤامرة السوء‬
‫اليت دبرها رفايق ‪ ،‬وهذا النوم اذلي غلبين لتعيس ‪ .‬فآ أ رجومك آ أ ن‬
‫تعينوين مرة اثنية ‪.‬‬
‫ول كن املكل آ أ جاب ‪" :‬اذهب فال ميكننا مساعدة من متقته‬
‫ال آ لهة ‪ ،‬وا نك ول ريب ‪ ،‬بغيض ا لهيا ‪" .‬‬
‫وه كذا طردين ا يلوس ‪ ،‬فعدان ا ىل سفننا و رسان يف البحر‬
‫جنذف يف سآ أ م ‪ ،‬وم لء قلوبنا ا ل أ ىس ‪.‬‬
‫وبقينا جنذف س تة آ أ ايم ‪ ،‬ل نس كن فهيا ا ىل الراحة ليال‬
‫‪ ،‬حىت بلغنا يف اليوم السابع لموس ‪ .‬ويه ا حدى مدن‬
‫الليس رتيغونيني ‪ ،‬اذلين يتساوى يف آ أ رضهم اللي ل والهنار ‪،‬‬

‫‪117‬‬
‫حبيث يس تطيع الرج ل مهنم آ أ ن يرحب آ أ جرا مضاعفا ا ذا اكن ل‬
‫يرغب يف النوم ‪ .‬في كون راعيا يف الهنار وحارسا للقطيع يف‬
‫الليل ‪ .‬واكن لهذه اجلزيرة ميناء مجيل ‪ ،‬حتيط به ا ل أ جراف‬
‫الشاخمة ‪ ،‬وهل ترعة ضي قة تقوم عىل جانبهيا الصخور ا لعظ مية ‪.‬‬
‫وليس يف داخهل موج ‪ ،‬بل سكون دامئ ‪.‬‬
‫فآ أ رسعت ب سفينيت ا ىل الصخور اليت اكنت خارجا ‪ ،‬و آ أ ما‬
‫السفن الباقية فقد دخلت امليناء ‪ .‬مث آ أ رسلت رجلني ومعه ام‬
‫آ أ حد السعاة فسلكوا طريقا معب دا ‪ ،‬تنقل عليه العجالت‬
‫احلطب من اجلبل ا ىل املدينة ‪ .‬وهناك لقوا فتاة عصبي ة ‪ ،‬يه‬
‫ابنة آ أ نتيفات مكل البالد ‪ ،‬وس آ أ لوها من يكون س يد تكل‬
‫ا ل أ رض ‪ .‬فدل هتم عىل قرص آ أ بهيا السامق ‪ .‬وعند دخوهلم القرص‬
‫‪ ،‬رآ أ وا آ أ م الفتاة ‪ ،‬واكنت خضمة اكجلب ل ‪ ،‬قبيحة املنظر ‪،‬‬
‫فدعت زوهجا آ أ نتيفات يف احلال ‪ .‬وعندها فر الرسل هاربني‬
‫‪ .‬فت آ أ لب‬ ‫ا ىل السفن ‪ ،‬ول كنه آ أ رس ل صوات جملجال‬
‫الليس رتيغونيون حوهل ‪ ،‬ومل يكونوا برشا بل ع املقة جبارين ‪.‬‬
‫و آ أ خذ هؤلء يقتلعون من ا ل أ جراف جحارة كب رية ‪ ،‬لك مهنا بقدر‬
‫ما يف طا قة الانسان محهل ‪ ،‬ويقذفون هبا السفن حىت حتطمت ‪.‬‬
‫و آ أ ما الرجال فقد طعنومه ابلرما ح ك أ هنم آ أ سامك والهتمومه ‪ .‬وقد‬
‫حل مثل هذا جبميع السفن اليت داخل امليناء ‪ .‬ومل ينج آ أ حد‬
‫سواي ‪ ،‬فقد قطعت‬

‫‪118‬‬
‫حب ل ا ل سفينة بس يفي و آ أ هبت برجايل آ أ ن ي ك دحوا عىل جماذيفهم‬
‫‪ ،‬فلبوا طليب طائعني خمتارين ‪.‬‬
‫و آ أ قبلنا بعد حني عىل جزيرة ا اي ‪ ،‬حيث تقمي سريسة ابنة‬
‫الشمس ‪ .‬فقضينا يومني وليلتني عىل شاط ئ اجلزيرة ‪ ،‬وقد‬
‫متل كنا اذلعر وا ل أ ىس ‪ .‬ويف اليوم الثالث آ أ خذ ت رحمي وس يفي ‪،‬‬
‫وتسل قت هضبة اكنت هناك ‪ ،‬ﻷ ين آ أ رد ت آ أ ن آ أ رى ما ه ذه‬
‫ا ل أ رض اليت آ أ تينا ‪ .‬وملا بلغت القمة رآ أ يت ادلخان يتصاعد من‬
‫قرص سريسة القامئ يف وسط غاب هناك ‪ .‬وعندها ف كرت قليال‬
‫‪ ،‬وسآ أ لت نفيس ‪ :‬هل آ أ توجه توا ا ىل القرص آ أ م آ أ رجع ا ىل رفايق‬
‫عند الشاطئ ‪ .‬فبدا يل آ أ ن الوجه ا ل أ صوب آ أ ن آ أ ذهب ا ىل‬
‫ا ل سفينة ‪ ،‬و آ أ وعز ا ىل رفايق آ أ ن هييؤوا طعام الغداء ‪ ،‬مث‬
‫آ أ رسلهم بعد ذكل ليس تقصوا املاكن ‪ .‬ول كن يظهر آ أ ن آ أ حد‬
‫ال آ لهة آ أ خذته الرآ أ فة يب ‪ ،‬فآ أ رس ل وعال كب ريا ذا ق رنني عظ ميتني‬
‫‪ ،‬ف آ أ عرض يل يف طريقي ‪ .‬واكن الوعل منحدرا ا ىل الهنر ل ِري دْ‬
‫املاء ‪ ،‬ل أ ن الشمس اكنت وقتئذ شديدة احلر ‪ ،‬فرميته برحمي‬
‫فنفذه ‪ ،‬فربطت رجليه معا بنبات اللبال ب ا ل أ خرض ‪ ،‬وحببل‬
‫بقدر الباع ‪ ،‬مث آ أ لقيت ابلوحش حول عنقي ومحلته ا ىل ا ل سفينة‬
‫متكئا عىل رحمي ‪ ،‬فقد اكن ‪ ،‬و آ أ مي احلق ‪ ،‬ثقيال ‪ ،‬ومل ي كن يف‬
‫قدريت آ أ ن آ أ محهل عىل كتفي بيد واحدة ‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫وملا بلغت ا ل سفينة آ أ لقيت حبميل ا ىل ا ل أ رض ‪ .‬واكن رجايل‬
‫ح ينئذ جالسني ‪ ،‬وقد سرتوا وجوههم حزان ومكدا ‪ .‬ول كن ‪ ،‬ملا‬
‫طلبت ا لهيم آ أ ن يبهتجوا ‪ ،‬رفعوا رؤوسهم وجعبوا لرؤية الوعل‬
‫العظمي ‪ .‬و آ أ مقنا ذ كل الهنار نطعم حل م الوعل ونرشب حلو النبيذ‬
‫‪ ،‬وملا جن الليل ‪ ،‬رقدان عند الشاط ئ ‪ .‬مث لح الصبا ح ‪،‬‬
‫جفمعت رفايق وقلت ‪ :‬ل آ أ عمل آ أ هيا الرفاق آ أ ين حنن ‪ ،‬ول كين‬
‫آ أ يقنت ‪ ،‬بعد آ أ ن رآ أ يت آ أ مس من الهضبة دخاان ‪ ،‬آ أ ن هذه‬
‫اجلزيرة م آ أ هوةل ‪.‬‬
‫فاضطرب رجايل دلى س امعهم هذا ‪ ،‬وتذكروا الس يلكوب‬
‫واللي س رتيغون ‪ ،‬فرفعوا آ أ صواهتم ابلعويل ومل يرزقوا من آ أ مرمه‬
‫رشدا ‪ .‬عندئذ قسمهتم ا ىل فرقتني ‪ ،‬وجعلت آ أ وريلوخ قائدا‬
‫لحداهام ‪ ،‬وتوليت آ أ ان نفيس قيادة ا ل أ خرى ‪ .‬وجعلت سهمني يف‬
‫خوذة ‪ ،‬و آ أ جلهتا لنعمل عىل من تقع القرعة ‪ ،‬حىت يذهب‬
‫ويستنف ض اجلزيرة ‪ ،‬خفرج سهم آ أ وريلوخ ‪ .‬فاصط حب اثنني‬
‫وعرشين رجال ورحل ‪ .‬فآ أ لفوا قرص س ريسة يف منفر ج وسط‬
‫الغاب ‪ ،‬حتوط به اذلئا ب وا ل أ سود ‪ .‬ومل ت كن هذه تؤذي الناس‬
‫ب ل اكنت ت ُقعي وت ُبصبص هلم ك ام ت ُبصب ص اللكب لس ي دها ‪،‬‬
‫ا ذا ما اكن قادما من تناول طعامه ‪ ،‬حامال ا لهيا ما حتبه من‬
‫البقااي ‪ .‬ول كن الرجال فزعوا لرؤيهتا ‪ ،‬فوقفوا عند‬

‫‪120‬‬
‫سد ة الباب ‪ ،‬ومسعوا سريسة تغين بصوت رخمي ‪ ،‬ويه مقبةل‬
‫عىل نولها ‪ .‬فقال فوليت اذلي اكن آ أ عز الرفاق عندي ‪ ،‬واذلي‬
‫كنت آ أ وثره بثقيت ‪ " :‬ل شك يف آ أ ن آ أ حدا يف ادلاخل ي كدح‬
‫عىل نول عظمي ويغين عالي ا ‪ .‬وقد ي كون املغين ا حدى ال لهات‬
‫آ أ و ا حدى النساء ‪ ،‬فلنعج ل يف النداء " ‪.‬‬
‫وه كذا اندوها ‪ ،‬خفرجت ‪ ،‬و آ أ ومآ أ ت ا لهيم آ أ ن يتبعوها ‪،‬‬
‫فذهبوا ا لهيا حيدومه الطيش ‪ .‬وطلبت ا لهيم آ أ ن جيلسوا ‪،‬‬
‫ومزجت هلم خليطا من النبيذ ا ل أ محر ‪ ،‬فيه من دقيق الشعري‬
‫واجلنب والعس ل ‪ .‬وزادت عليه عقاق ري قوية ‪ ،‬ا ذا رشب مهنا‬
‫الانسان نيس لك ما حيب ‪ .‬وملا رشبوا رضبهتم بعصاها السحرية‬
‫مفسخوا حال ‪ ،‬واي للهول! خنازير هلم رؤوسها و آ أ صوا هتا‬
‫وشعورها الشائكة ‪ .‬ولكن بقيت هلم قلوب البرش يف صدورمه ‪،‬‬
‫وجعلهتم سريسة يف زرائب ‪ ،‬و آ أ طعمهتم من مثر ادل فل والبلوط‬
‫والشوح ‪.‬‬
‫و آ أ ما اوريلوخ فقد هرب راجعا ا ىل ا ل سفينة ‪ ،‬حيمل نبآ أ‬
‫ما حل برفاقه ‪ .‬وبقي مدة ل يقدر عىل النطق لشدة ما امت ل أ‬
‫به قلبه من الغم ‪ ،‬ول كرثة ما امت ل أ ت به عيناه من ادلموع ‪.‬‬
‫و آ أ خ ريا بعد آ أ ن آ أ حلحنا عليه يف ا ل أ س ئةل الكثرية رسد علينا‬
‫قصته فقال ‪:‬‬
‫ذهبنا جنوس خالل الغا ب مذعنني ملا آ أ مرتنا ‪ ،‬وهناك‬

‫‪121‬‬
‫يف وسط منفرج ‪ ،‬رآ أ ينا م زنل يف غاية امجلال بين ابحلجارة‬
‫الصقيةل ‪ .‬ويف داخهل امرآ أ ة تنسج عىل منوال كبري ‪ ،‬وتغين‬
‫بصوت رخمي ‪ .‬ومل ندر آ أ ا لهة يه آ أ م امرآ أ ة ‪ .‬فناداها رفايق ‪،‬‬
‫خفرجت ا لهيم وفتحت ا ل أ بواب وس آ أ لهتم آ أ ن يدخلوا فدخلوا‬
‫مجيعا ‪ ،‬وب قيت آ أ ان وحدي يف اخلارج ل أ ين خشيت آ أ ن يكون يف‬
‫ا ل أ مر خدعة ‪ .‬وقد طال انتظاري ومل يعد مهنم آ أ حد ‪.‬‬
‫فل ام مسعت ذ كل آ أ لقيت س يفي املرصع مبسامري من الفضة‬
‫عىل كتفي ‪ ،‬و آ أ خذت قويس وطلبت من رفيقي آ أ ن يقودين يف‬
‫الطريق اليت سل كها ‪ .‬ولكنه آ أ مسك بلكتا يدي ‪ ،‬ورجاين قائال‬
‫‪ :‬ل ت آ أ خ ذين ا ىل هناك مرغام ‪ ،‬فا ين موقن آ أ نك لن تعود ولن‬
‫ت ُ رجع من رفا قك آ أ حدا ‪ .‬وا ل أ حرى بنا ‪ ،‬حنن البا قِ ي ْني ‪ ،‬آ أ ن‬
‫نرسع يف الهرب ‪ ،‬وننجو من املوت ‪ .‬فآ أ جبته ‪ :‬ابق عند السفن‬
‫تآ أ لك وترشب ا ذا شئت ‪ ،‬و آ أ ما آ أ ان فال بد يل من اذلهاب ‪.‬‬
‫وملا بلغت املزنل قابلين هرمس ذو الصوجلان اذلهيب ‪،‬‬
‫وقد اختذ شلك مجيل الصورة ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫" ‪ -‬ه ل آ أ تيت لنجدة رفاقك اذلين آ أ صبحوا ال ن خنازير‬
‫يف بيت س ريسة ؟ الك لن ترجع آ أ نت نفسك ‪ .‬ول كن همال ‪،‬‬
‫فآ أ عطيك دواء مينحك قوة تقاوم هبا لك‬

‫‪122‬‬
‫ما حتاوهل سريسة من حسر ‪ .‬وا ذا ما مزجت كل اخلليط ورضبتك‬
‫بعصاها ‪ ،‬فاجهم علهيا بس يفك ك أ نك تريد ذحبها ‪ .‬وحيامن تس آ أ كل‬
‫الرمحة امحلها عىل آ أ ن تقسم القسم العظمي اذلي يرتبط به ال آ لهة‬
‫آ أ هنا لن متسك ب آ أ ذى ‪.‬‬
‫مث آ أ ن هرمس آ أ راين عش بة سوداء اجلذر بيضاء الزهر يف‬
‫لون احلليب ‪ ،‬تسمهيا ال آ لهة الثوم الربي ‪ ،‬وهذه العش بة يعرس‬
‫عىل البرش آ أ ن هيتدوا ا لهيا ‪ ،‬و آ أ ما ال آ لهة فا ن لك عسري دلهيم‬
‫يسري ‪.‬‬
‫وعندئذ فارقين هرمس ا ىل ا ل أ وملب ‪ ،‬و آ أ ما آ أ ان مفشيت‬
‫ا ىل قرص ال لهة ‪ ،‬وقد م ل أ الوجل قليب ‪ .‬وملا آ أ تيته وقفت عند‬
‫سد ة الباب وانديت ‪ ،‬خفرجت ا يل سريسة ‪ ،‬وفتحت ا ل أ بواب‬
‫ودعتين ا ىل ادلخول ‪.‬‬
‫مث آ أ جلستين عىل كريس كبري آ أ حمك صنعه ‪ ،‬وجعلت قد يم‬
‫عىل موطئ ‪ ،‬وقدمت يل بعد ذكل ك أ سا ذهبية وضعت فهيا‬
‫رشااب حسراي مميتا ‪ .‬فرشبت ال ك أس ومل يؤثر يف السحر ‪ ،‬ل أ ن‬
‫العش بة العجيبة آ أ نقذتين ‪.‬‬
‫مث رضبتين بعصاها وقالت ‪ « :‬اذهب ال ن ا ىل زريبة‬
‫اخلنازير و آ أ مق هناك مع حصبك » ‪ .‬فاس تللت عند ذاك س يفي‬
‫وجهمت علهي ا ك أ ين آ أ ريد الفتك هبا ‪ .‬فآ أ مس ك تْ‬

‫‪123‬‬
‫بركبيت ورصخت عاليا ‪ :‬من آ أ نت ؟ وا ىل آ أ ي ا ل أ جناس تن متي ؟‬
‫ا نه ليدهش ين آ أ ن جترع من رشايب املسحور هذا دون آ أ ن يؤثر‬
‫فيك شيئا ‪ .‬ومل آ أ كن آ أ عمل آ أ ن ا نساان فانيا يس تطيع ذكل ‪ .‬ول‬
‫بد آ أ ن تكون كل نفس ل يفعل فهيا حسر ‪ ،‬ول ريب آ أ نك‬
‫آ أ وذيس اذلي ق ُ د ر هل آ أ ن يآ أ يت هذه اجلزيرة دلى رجوعه من‬
‫طروادة ‪ ،‬ل أ ن هرمس آ أ خ ربين هبذا ‪ .‬فتعال ا ذن نقم عهد‬
‫الصداقة ما بيننا ‪.‬‬
‫نوثق‬ ‫فآ أ جبهتا قائال ‪ " :‬الك آ أ يهتا ال لهة ‪ ،‬كيف مي كن آ أ ن‬
‫وا ين‬ ‫ت رفايق ا ىل خنازير ‪.‬‬ ‫ما بيننا عهدا ‪ ،‬بعد آ أ ن آ أ ح ل ْ ِ‬
‫غر ة‬ ‫ل أ خىش آ أ ن تضمري يف نفسك رشا ‪ ،‬فتآ أ خذيين عىل‬
‫اذلي‬ ‫وتؤذيين آ أ بلغ ا ل أ ذى ‪ .‬فآ أ قسمي يل القسم العظمي ‪ ،‬القسم‬
‫يرتبط به ال آ لهة ‪ ،‬آ أ نك لن تلحقي يب رضا ‪.‬‬
‫ف آ أ قسمت سريسة القسم العظمي اذلي ترتبط به ال آ لهة ‪.‬‬
‫وبعد هذا آ أ قبلت وصيفا هتا امجليال ت ‪ ،‬وهن من نسل‬
‫الربيع واجلداول والغاابت ‪ ،‬وهي آ أ ن و ل مية ‪ .‬فوضعت ا حداهن‬
‫آ أ غطية آ أ رجوانية عىل الكرايس ‪ ،‬وقر بت ا ل أ خرى من ال كرايس‬
‫مناضد فضية ‪ ،‬وضعت علهيا سالل من اذلهب ‪ .‬ومزجت‬
‫الثالثة نبيذا حلوا يف ا انء من الفضة ‪ ،‬وجاءتنا ب كؤوس من‬
‫اذلهب ‪ .‬وم ل أ ت الرابعة مرجال عظ امي ابملاء ‪ ،‬و آ أ وقدت حتته‬
‫انرا ‪ .‬وملا بلغ الغليان مزجته مباء‬

‫‪124‬‬
‫يف حوض الا س تح امم ‪ ،‬وعد لت حرارته ‪ ،‬فآ أ زال الا س تح امم ما‬
‫حل بآ أ عضايئ من ا عياء ‪ .‬وملا انهتيت من الاغتسال آ أ تتين‬
‫ا حدى الوصيفا ت مباء يف ا بريق من اذلهب ‪ ،‬وصب ته يف طست‬
‫من ال بريز ل أ غسل يدي ‪ .‬و آ أ حرضت يل ا لقهرمانة خزب القمح ‪،‬‬
‫ووضعت عىل املنضدة آ أ مايم كث ريا من الطيبات ‪ ،‬ودعتين‬
‫س ريسة ا ىل الطعام ‪ .‬ولكين جلست صامتا كئيبا ‪ ،‬وقد شغلت‬
‫عن ذكل لكه مبا يساورين من ا ل أ فاكر ‪.‬‬
‫وملا آ أ برصتين ال لهة صامتا ‪ ،‬ل آ أ مد ا ىل الطعام يدا ‪،‬‬
‫قالت ‪ :‬مل تقمي اي آ أ وذيس و ك أ ن بك بك ام ؟ ه ل ختىش آ أ ن آ أ م كر‬
‫بك ؟ الك ا ن هذا لن ي كون ‪ ،‬آ أ فمل آ أ قسم كل القسم العظمي‬
‫اذلي تتقيد به ال آ لهة ؟‬
‫فآ أ جبهتا ‪ :‬من ذا اذلي يف كر يف طعام و رشاب ‪ ،‬ور فا قه‬
‫يالقون من الويل ما يالقون ؟‬
‫فهنضت س ريسة وسارت آ أ مامنا حتمل عصاها السحرية يف‬
‫يدها ‪ ،‬وفتحت آ أ بواب الزرائب ‪ ،‬و آ أ خرجت اخلنازير اليت اكنت‬
‫قب ل رجال ‪ .‬مث ف ر ك تْ لك واحد مهنم بنوع من العقاقري قوي‬
‫ا ل أ ثر ‪ ،‬فتسا قطت يف احلال شعورمه اخلش نة عن آ أ جساهمم ‪،‬‬
‫وعادوا كام اكنوا رجال ‪ ،‬بيد آ أ هنم اكنوا آ أ مجل منظرا و آ أ نرض‬
‫ش بااب ‪ .‬فل ام رآ أ وين تشبثوا‬

‫‪125‬‬
‫يب وبكوا فرحا ‪ .‬ف آ أ اثر ذ كل الشفقة يف سريسة ذا هتا ‪.‬‬
‫مث قالت يل ‪ " :‬اذهب ا ىل سف ينتك اي آ أ وذيس و آ أ فرغ ما‬
‫فهيا من بضاعة ومعد ا ت وضعها يف ال كهوف اليت عىل الشاطئ ‪،‬‬
‫مث ارجع ا ىل هنا و آ أ حرض معك رفا قك ‪" .‬‬
‫فذهبت ‪ ،‬وفرح رفايق ا ملق ميون برؤييت فرحا عظ امي آ أ ش به‬
‫بفرح امحلالن الصغ رية املزر وبة عندما ترجع ا لهيا آ أ م اهتا يف‬
‫املساء ‪ .‬وملا آ أ ب ْ ل غهتم ما جرى وسآ أ لهتم آ أ ن يصحبوين لب وا‬
‫طليب مجيعا ‪ ،‬ما عدا آ أ وريلوخ اذلي قال ‪:‬‬
‫ا ىل آ أ ين نذهب آ أ هيا امحلق ؟ آ أ نذهب ا ىل مزنل س ريسة‬
‫ليك حتولنا مجيعا ا ىل خنازير وذئاب و آ أ سود ‪ ،‬و ت سجننا كام‬
‫جسننا الس يلكوب ؟ آ أ ليس هذ ا هو آ أ وذيس املهتور نفسه اذلي‬
‫آ أ ضاع رفا قنا هناك ؟‬
‫فعظم غيظي ‪ ،‬وكد ت آ أ فتك بآ أ وريلوخ عىل ما بيننا من‬
‫قرابة النسب ‪ .‬ول كن حصيب حالوا دون ذ كل وقالوا ‪" :‬دعه يقمي‬
‫هنا حلراسة ا ل سفينة ا ذا شاء ‪ .‬و آ أ ما حنن فس نصحبك ا ىل م زنل‬
‫س ريسة ‪" .‬‬
‫فآ أ مس كت عن الفتك به ‪ ،‬ومل يتخل ف آ أ وريل وخ عنا ‪ ،‬بل‬
‫حصبنا ا ىل مس كن سريسة ‪ ،‬اليت احتفت بنا احتفاء ملكيا ‪،‬‬
‫وبقينا ننعم يف ضيا فهتا عاما اكمال ‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫وملا انهت ى العام قال يل حصيب ‪ " :‬لقد آ ن آ أ وان التفكري‬
‫يف العودة ا ىل بالدك ‪ ،‬ا ذا شاءت ا ل أ رابب آ أ ن تعود يوما ا لهيا‬
‫‪".‬‬
‫عندئذ رجوت سريسة آ أ ن تطلق سبييل ﻷ س ري ا ىل بالدي‬
‫‪ ،‬وفاء بوعدها ‪ .‬ف آ أ جابت قائةل ‪ :‬لست آ أ رغب يف بقاك يف م زنيل‬
‫عىل كره منك ‪ .‬ول كن ل بد كل عىل لك حال من القيام برحةل‬
‫آ أ خرى تفيض بك ا ىل مساكن املوىت ‪ .‬وهناك تاكمل العراف‬
‫ث رييس يا ‪.‬‬
‫فا ش تد جزعي لسامع هذا اللكم ‪ ،‬و آ أ عولت قائال ‪ :‬من‬
‫ذا اذلي يقودان يف ه ذه الرحةل ؟ ا ذ مل تقم سفينة مبثلها قبل‬
‫اليوم ‪.‬‬
‫فآ أ جابت سريسة ‪ " :‬ل جتزع اي ابن لريت ‪ ،‬ا ذا مل ي كن‬
‫من يقودك مفا عليك ا ل آ أ ن تنصب ساريتك وتنرش رشعك ‪،‬‬
‫وجتلس مع حصبك ‪ ،‬وس تحمكل رحي الشامل ا ىل ماكن مصريك ‪.‬‬
‫وحي امن جتتاز جمرى ا ل أ وقيانوس فس تآ أ يت شا طئا تكرث فيه آ أ جشا ر‬
‫احلور البا سقة والصفصاف ‪ .‬هناك آ أ رس سف ينتك عىل شاطئ‬
‫الاوقيانوس ‪ ،‬ورس ا ىل مقر ا ل أ رواح الرشيرة ‪ ،‬جتد خصرة عظ مية‬
‫يلتقي بقرهبا جمراين ‪ ،‬آ أ حده ام فل يغيثون هنر النار ‪ ،‬واثنهيام‬
‫كوسيتوس هنر العويل ‪ .‬فاحفر هناك حفرة طولها ابع وعرضها‬
‫ابع ‪ ،‬وصب فهيا‬

‫‪127‬‬
‫رشااب تقدمة للموىت ‪ .‬فصب آ أ ول شيئا من العسل ‪ ،‬وثن‬
‫بيشء من النبيذ احللو ‪ ،‬مث ثل ث ابملاء ‪ ،‬وذر فوق ذكل شع ريا‬
‫آ أ بي ض ‪ .‬وف امي تقوم هبذه ا ل أ عامل ابهت ل ا ىل املوىت ‪ ،‬وعد ب آ أ ن‬
‫تضحي عند رجوعك ا ىل ا يثاكة بعجةل عقمي تكون خري ما عندك‬
‫‪ ،‬وب آ أ ن تضحي لث رييس يا وحده ب كبش آ أ سود ل تشوبه شائبة ‪،‬‬
‫يكون آ أ فضل ما يف القطيع ‪ .‬وبعد آ أ ن تنهتىي من صلواتك‬
‫للموىت ‪ ،‬حض ب كبش آ أ سود ونعجة سوداء ‪ ،‬وعليك آ أ ن حتول‬
‫رآ أ س هيام حنو ا ريبوس ‪ ،‬و آ أ ما آ أ نت فول وهجك شطر شاطئ‬
‫الاوقيانوس ‪ .‬وس يحرض عند ذاك كث ري من آ أ رواح املوىت ‪ ،‬فال‬
‫تدعها ترشب من ادلماء قبل آ أ ن تلكم ثرييس يا ‪ .‬وس ي آ أ تيك‬
‫العراف عاجال وهيديك سبيل رجوعك ا ىل وطنك ‪" .‬‬
‫فآ أ يقظت رفايق يف الصبا ح التايل ‪ ،‬و آ أ ان آ أ قول ‪ :‬كفامك‬
‫نوما فس رنح ل ال ن ل أ ن سريسة آ أ وحضت يل جلي ة ا ل أ مر ‪.‬‬
‫قلت هذا ف آ أ طاعوا قويل ‪ .‬ول كين مل آ أ رجع بصحيب مجيعا‬
‫ساملني من مس كن ال ل هة فا ن آ أ لفينور ‪ ،‬وقد اكن آ أ صغرمه مجيعا‬
‫‪ ،‬ومل ي كن ابلشجاع ول ابذليك املدرك ‪ ،‬قد انم بعيدا عن رفاقه‬
‫‪ ،‬واختار سطح امل زنل ‪ ،‬ل أ نه اكن مثقال ابمخلر ‪ ،‬فطلب الهواء‬
‫الرطب ‪ .‬فل ام مسع آ أ صواتنا وتبني وقع آ أ قدام الرجال غادين‬
‫وراحئني ‪ ،‬وثب جف آ أ ة من‬

‫‪128‬‬
‫مرقده ‪ ،‬ومل يف كر يف الزنول عىل املرقاة اليت صعد علهيا ‪ ،‬بل‬
‫سقط من فوق السطح ‪ ،‬فد ق ت عنقه واحندر ا ىل مساكن املوىت‬
‫‪.‬‬
‫وقلت لرفايق ومه يف الطريق ‪ :‬ه ل ظننمت آ أ نمك ذاهبون‬
‫ا ىل وطنمك ؟ الك ‪ ،‬ليس ا ل أ مر كذكل ‪ ،‬فا ن سريسة قد‬
‫آ أ رشدتين ا ىل طريق آ أ خرى علينا آ أ ن نسل كها ‪ .‬فال بد من‬
‫اذلها ب ا ىل مقر ا ل أ رواح ل يك آ أ لك م روح العراف ث رييس يا ‪.‬‬
‫قلت هذا ‪ ،‬فتصد عت قلوب رفايق يف صدورمه ‪ ،‬وجلسوا‬
‫حيث اكنوا يعولون وينتفون شعورمه ‪ .‬فمل ُجي ِ دمه نواهحم شيئا ‪.‬‬

‫واكنت س ريسة قد غادرتنا يف غضون ذكل ‪ ،‬وابدرت ا ىل‬


‫كبش ونعجة سوداء ‪ ،‬فسا قهتام يف رسعة ا ىل ا ل سفينة مار ة بنا ‪،‬‬
‫ا ذ ليس ل أ حد آ أ ن يلمح ال آ لهة اخلادلين يف مسريمه ‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫‪12‬‬
‫منازل ا لأ موات‬

‫وهيآ أ ان ا ل سفينة بعدئذ للسفر ‪ ،‬ووضعنا فهيا الغمن السود‬


‫مث آ أ حبران ‪ .‬و آ أ رسلت سريسة رحيا من خلفنا م ل أ ت الرشع ‪،‬‬
‫وظلت سف ينتنا الهنار بطوهل تنسا ب مرسعة فوق المي ‪.‬‬
‫وبلغنا عند مغيب الشمس آ أ بعد حد ل ل أ وقيانوس حيث‬
‫يس كن الس اميريون اذلين ل ينف ك ون حما طني ابلضبا ب والغ امم فال‬
‫تقع علهيم الشمس ل يف صعودها ا ىل الس امء ‪ ،‬ول يف احندارها‬
‫مهنا ‪ ،‬بل يكتنفهم الظالم آ أ بدا ‪ .‬عندئذ طلبت ا ىل اثنني من‬
‫رفايق آ أ ن يعد ا الغمن للتضحية ‪ .‬و آ أ ما آ أ ان حففرت حفرة ‪ ،‬لك هجة‬
‫من هجا هتا ا ل أ ربع يف قدر اب ع ‪ .‬و آ أ رقت فهيا رشااب من العسل‬
‫واللنب ‪ ،‬ومن النبيذ احللو واملاء ‪ ،‬وذررت الشعري فوق‬
‫الرشاب اذلي آ أ رقته قرابان ‪ .‬مث‬

‫‪130‬‬
‫عد ت ا ىل الغمن فذحبهتا حىت سالت دماؤها ا ىل احلفرة ‪ .‬فا ج متع‬
‫ا ىل املاكن آ أ بناء املوىت ‪ ،‬واكن مهنم الفتيا ت ‪ ،‬والش يوخ اذلين‬
‫محلوا آ أ حزان الس نني ا لطوال ‪ ،‬واحملاربون اذلين رصعوا يف‬
‫امليدان ‪ ،‬واكنت آ أ سلحهتم خمضبة ابدلماء ‪ .‬لك هؤلء جتمعوا‬
‫حول احلفرة ‪ ،‬ومه يرصخون رصاخا مرعبا ‪ ،‬ففزعت ذل كل آ أ شد‬
‫الفزع ‪ .‬عندئذ طلبت ا ىل رفايق آ أ ن يسلخوا جثث الغمن ‪،‬‬
‫وحيرقوها ابلنار ويصلوا ل آ لهة املوىت ‪ .‬و آ أ ما آ أ ان جفلست حبانب‬
‫احلفرة ‪ ،‬ومل آ أ دع آ أ رواح املوىت تقرتب من ادلماء قب ل آ أ ن آ أ ق ف‬
‫عىل خرب ث رييس يا ‪.‬‬
‫وقد جاءتين آ أ ول رو ح رفيقي آ أ لفينور ‪ .‬فدهشت كث ريا‬
‫دلى رؤيته ‪ ،‬وس آ أ لته ‪ " :‬كيف آ أ تيت ا ىل هنا اي آ أ لفينور ‪ ،‬ا ىل‬
‫آ أ رض الظالم ؟ " وكيف مت كنت رجالك من س بق سفينيت ؟"‬
‫فقال آ أ لفينور ‪ " :‬ا ين سقط ت عن سطح قرص سريسة ‪ ،‬ومل‬
‫آ أ ف كر يف املرقاة اليت صعدت علهيا ‪ ،‬فدق عنقي ‪ .‬ول كين‬
‫آ أ توس ل ا ليك ال ن ‪ ،‬ا ذا ما كنت حتب حق ا زوجتك و آ أ ابك‬
‫وودلك آ أ ل تنساين عندما ترجع ا ىل جزيرة سريسة ‪ ،‬و آ أ ل حترمين‬
‫املناحة وادل فن ‪ .‬آ أ حرقين ابلنار و آ أ حرق معي ساليح ‪ ،‬و آ أ قمي يل‬
‫را بي ة عند شاط ئ البحر ‪ ،‬حىت يتسامع الناس يف ما ييل من‬
‫الزمن بذكري ويعلموا‬

‫‪131‬‬
‫مبصريي ‪ ،‬واجعل جمذايف فوق ق ربي ‪ ،‬ذكل اجملذاف اذلي آ أ لفت‬
‫ال كدح به مع رفايق ‪.‬‬
‫فقلت هل ‪ " :‬ا ن هذا مجيعه س ي كون كام تش هت ىي وترغ ب‬
‫"‪.‬‬
‫وكنا ‪ ،‬وحنن نتلكم ‪ ،‬جالسني عىل جانيب احلفرة ‪ ،‬وقد‬
‫بسطت س يفي فوق ادلماء ‪ .‬و آ أ تتين بعده روح آ أ يم اليت كنت‬
‫قد غادرهتا حي ة دلى ا حباري ا ىل طروادة ‪ .‬وقد ب كيت يف حرقة‬
‫عند رؤيهتا ‪ ،‬ومل آ أ دعها مع ذكل تدنو وترشب من ادلماء ‪ ،‬قبل‬
‫آ أ ن آ أ ق ف عىل خ رب ث رييس يا ‪ .‬عندئذ آ أ قبل ث رييس يا حيمل يف يده‬
‫صوجلاان من اذلهب ‪ ،‬وتلكم قائال ‪ " :‬مل تركت ضو ء الهنار ‪،‬‬
‫و آ أ تيت ا ىل هنا ا ىل آ أ رض املوىت ‪ ،‬حيث ل هبجة ول رسور ؟‬
‫فتعال ال ن ‪ ،‬وغادر احلفرة ون س يفك حىت آ أ دنو منك ‪،‬‬
‫و آ أ قول كل القول احلق " ‪.‬‬
‫فآ أ رجعت س يفي ا ىل مغده ‪ ،‬فرشب ث رييس يا من ادلماء ‪.‬‬
‫وملا رشب قال ‪" :‬ا نك تطلب آ أ ن تسمع شيئا عن عودتك ا ىل‬
‫بدلك ‪ .‬فاعمل ا ذ ن آ أ هنا س تكون حمفوفة ابملهاكل واملشاق ‪ .‬ا ذ‬
‫ليس من السهل آ أ ن يتخىل فوس يذون عن حنقه عليك ‪ ،‬بعد‬
‫آ أ ن سلبت البرص من عني الس يلكوب ودله العزيز ‪ .‬ومع لك هذا‬
‫فقد ترجع ساملا ا ىل وطنك ‪،‬‬

‫‪132‬‬
‫عىل آ أ ن ت كبح جام ح نفسك ونفوس حصبك ‪ ،‬عندما ت زنلون‬
‫جزيرة الرؤوس الثالثة ‪ ،‬حيث جتدون ث ريان الشمس و غ منها ‪.‬‬
‫فا ذا ترك متوها وشآ أ هنا ومل متس وها بآ أ ذى ‪ ،‬فقد ترجعون ا ىل‬
‫ا يثاكة ‪ ،‬ولو اكن ذ كل بعد آ أ ن تالقوا ا ل أ هوال والشدائد ‪ ،‬وا ل‬
‫فس هتلكون من دوهنا ‪ .‬وا ذا ما جنوت بنفسك فسرتجع بعد زمن‬
‫طويل ‪ ،‬وبعد آ أ ن تفقد رفا قك مجيعا ‪ ،‬وس تحمكل سفينة من‬
‫سفن الغرابء ‪ ،‬فتجد الفوىض يف مزن كل ‪ ،‬وجتد هنا كل رجال‬
‫قساة يلهتمون رزقك ‪ ،‬ومه قد جاءوا يطلبون امرآ أ تك زوجة هلم‬
‫‪ .‬وبعد آ أ ن تنتقم لنفسك من هؤلء ا ما ابخلداع وا ما هجرا حبد‬
‫الس ي ف ‪ ،‬خذ جمذا فك ‪ ،‬وسا فر حىت تآ أ يت ا ل أ رض اليت ل يعرف‬
‫آ أ هلها البحر ‪ ،‬ول يآ أ لكون اللحم ممزوجا ابمللح ‪ ،‬ومل يروا قط‬
‫سفنا ول جماذيف يه مبثابة ا ل أ جنحة للسفن ‪ .‬وس يكون جمذا فك‬
‫عالمة واحضة كل ‪ ،‬وحي امن يلقاك مسافر آ خر يف الطريق تقول هل‬
‫ا نك حتم ل عىل كتفيك منسفة ‪ .‬عندها اغرس جمذا فك يف‬
‫ا ل أ رض وقدم لفوس يذون حضية ‪ ،‬ولت كن من خروف وثور‬
‫وخ زنير بري ‪ .‬مث ارجع آ أ دراجك ا ىل وطن ك ‪ ،‬وقدم حضية من‬
‫مائة حيوان ا ىل ا ل أ رابب مجيعا ‪ ،‬وس يآ أ تيك املوت بعيدا عن‬
‫البحر ‪ ،‬وس يكون شديد الرفق بك ‪ ،‬بعد آ أ ن تبلغ الش يخوخة‬
‫‪ ،‬وي كون آ أ هكل مق ميني من‬

‫‪133‬‬
‫حوكل يف آ أ من وسالم ‪.‬‬
‫فآ أ جبته ‪ " :‬لي كن هذا اي ث رييس يا ‪ ،‬فقد قىض ا ل أ رابب‬
‫هبذا لكه وفق مش يئهتم ‪ .‬ول كن آ أ علمين رس هذا ا ﻷ مر ‪ ،‬ا ين‬
‫رآ أ يت هنا رو ح آ أ يم اليت فارقت احلياة ‪ ،‬ويه جتلس قرب‬
‫ادلماء ‪ ،‬ول كهنا ل تنظر ا يل ول تلكمين ‪ .‬ف كي ف لها آ أ ن تعرف‬
‫آ أ ين ابهنا حقا ؟‬
‫فقال ثرييس يا ‪ " :‬لك ميت تدعه يرشب من ادلماء يلكمك‬
‫‪ ،‬ولك من حتول بينه وبني ادلم يويل صامتا " ‪.‬‬
‫فقمت يف ماكين ‪ ،‬ودنت رو ح آ أ يم و رشبت من ادلم ‪ ،‬وملا‬
‫فعلت عرفت يف ابهنا ‪ ،‬وقالت ‪ " :‬مل آ أ تيت آ أ رض الظالم اي‬
‫ودلي ‪ ،‬و آ أ نت ل تزال حيا ؟ آ أ مل ترجع ا ىل بيتك حىت ال ن ؟‬
‫"‬
‫فآ أ جبهتا ‪ " :‬قد آ أ تيت هذا املاكن يف طلب ثرييس يا الثييب‬
‫‪ .‬و آ أ ما وطين فمل آ أ ره حىت ال ن ‪ .‬ول ريب يف آ أ ن اهلم يالحقين‬
‫منذ ذ كل اليوم اذلي را فقت فيه املكل آ أ غاممنون ا ىل آ أ رض‬
‫طروادة ‪ .‬ول كن خربيين كيف اكن موتك ؟ هل قىض عليك مرض‬
‫وبيل ‪ ،‬آ أ م هل رمتك آ أ رطميس بسهمها رمية مفاجئة ؟ وما‬
‫شآ أ ن آ أ يب وودلي ؟ هل ينع امن خب ريايت آ أ م هل اغتصهبا مهنام‬
‫مغتصب ‪ ،‬وما اذلي جرى لزويج ؟ ه ل يه مق مية عىل عهد ي ؟‬
‫آ أ م تزوجت ب آ أ حد آ أ مراء ال غريق ؟ "‬

‫‪134‬‬
‫فقالت آ أ يم ‪ " :‬ا ن امرآ أ تك مق مية عىل عهدك ‪ ،‬ويه‬
‫تبكيك ليل هنار ‪ .‬وودلك ينعم مبق تنياتك وهل ماكنه الالئق يف‬
‫آ أ عياد القوم ‪ .‬و آ أ ما آ أ بوك فال يآ أ يت املدينة مطلقا بل يس كن‬
‫الريف ‪ .‬ول يتخذ عند الرقاد فرا شا ‪ ،‬ول كنه ا ذا ما جاء‬
‫الش تاء ينام ك ام ينام العبيد يف الرماد قريبا من النار ‪ .‬وا ذا‬
‫آ أ قبل الصيف آ أ وى ا ىل زاوية ال كرم ‪ ،‬وانم فوق آ أ وراق الشجر‬
‫‪ .‬ولشد ما يقايس من ا ل أ ىس وهو يتوقع عودتك ‪ .‬مث ا ن‬
‫الش يخوخة قد آ أ وقرته بآ أ ثقالها ‪ .‬و آ أ ما آ أ ان فمل يقض عيل مرض‬
‫وبيل ‪ ،‬ومل ترمين آ أ رطميس بسها هما ‪ ،‬وا منا مت شوقا ا ليك ‪،‬‬
‫و آ أ ىس عىل ما فاتين من حمكتك وحبك " ‪.‬‬
‫وقد حاولت عبثا آ أ ن آ أ ضع يدي عىل رو ح آ أ يم ‪،‬‬
‫واند فعت ثالاث ا ىل ا ل أ مام راغبا يف عناقها ‪ ،‬وثالاث آ أ فلتت من‬
‫يدي كام يفلت الظل ‪ .‬وملا قلت لها ‪ :‬كيف هذا اي آ أ ماه ؟ آ أ ما‬
‫آ أ نت ا ذن سوى ش بح آ أ رس لته مل كة املوت ا يل ؟ آ أ جابتين آ أ يم‬
‫‪ " :‬هذا شآ أ ن ا ل أ موات اي ودلي ‪ ،‬فال تبق هلم حلوهمم وعظاهمم‬
‫اليت تلهتمها قوة النار ‪ .‬و آ أ ما آ أ رواهحم فه ىي اك ل أ حالم تطري هنا‬
‫وهناك ‪ .‬فارجع يف آ أ رسع ما تس تطيع ا ىل الضياء ‪ ،‬وقص عىل‬
‫زوجك لك ما رآ أ يت ومسعت " ‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫وبعد آ أ ن آ أ هنيت حدييث مع آ أ يم آ أ تتين آ أ رواح نساء اكنت‬
‫لهن شهرة يف قدمي الزمان ‪ ،‬وقد آ أ رسلهتا ا يل املل كة فريسفني ‪،‬‬
‫و آ أ ج ز تُ لهن آ أ ن يق رتبن واحدة فواحدة ‪ ،‬وي رشبن من ادلماء ‪.‬‬
‫واكنت لك واحدة مهنن بعد آ أ ن ترشب تعلمين ابمسها ونس هبا ‪.‬‬
‫وه كذا رآ أ يت آ أ لمكينا اليت محلت من زفس هبرقول ‪ ،‬ولكوريس‬
‫آ أ م نسطور آ أ حمك بين البرش ‪ ،‬وليدا آ أ م ك س تور مرو ض اخليل‬
‫‪ ،‬وفول ُ كس املال مك اجلبار ‪ .‬ور آ أ يت امرآ أ ت ع ل ُ ويس اليت محلت‬
‫ب آ أ وتوس وا فيالتس الذلين اكان آ أ طول البرش قامة ‪ ،‬و آ أ مجلهم‬
‫منظرا بعد آ أ وريون النبي ل ‪ .‬واكان حقا فارعني يف الطول فقد‬
‫اكن الواحد مهنام يبلغ آ أ ربعا ومخسني قدما طول ‪ ،‬ومخس عرشة‬
‫قدما عرضا ‪ ،‬وهام مل ا يمكالن الس نة التا سعة من عرهام ‪.‬‬
‫وقد فك را يف حماربة ا ل أ رابب ‪ ،‬ﻷ هنام رغبا يف نقل جب ل‬
‫آ أ وس ا ا ىل ا ل أ وملب ‪ ،‬و آ أ ن يق امي جب ل ف ِ ليون بغاابته مجيعها فوق‬
‫آ أ وس ا ‪ .‬هذا ما رغبا فيه ‪ ،‬وقد اكن يف مقدرهتام حقا آ أ ن يفعال‬
‫ذكل لو بلغا متام ا ل منو ‪ .‬غري آ أ ن ابن زفس ‪ ،‬اذلي محلت به‬
‫لطونة ‪ ،‬فتك هب ام بسهامه قبل آ أ ن ينبت ع ِ ذا ُر هام ‪ .‬وقد رآ أ يت‬
‫آ أ يضا آ أ رايدنة ابنة‬

‫‪136‬‬
‫املكل مينوس اليت اختطفها ثيسوس من آ أ رض كريت ‪ ،‬وقد مه‬
‫آ أ ن يزتوهجا ‪ ،‬لول آ أ ن رمهتا آ أ رطميس بسها هما فقتلهتا ‪ .‬ور آ أ يت‬
‫آ أ يضا ا ريفيل ال يت ابعت حياة زوهجا ابذلهب ‪ .‬رآ أ يت مجيع‬
‫هؤلء ‪ ،‬ك ام رآ أ يت كث ريات غريهن من زوجات ا ل أ بطال وبنا هتم ‪.‬‬
‫ومل ا ابرحتين هؤلء ‪ ،‬ا ذ آ أ مرهتن امللكة ابلرجوع كام اكن ت‬
‫قد آ أ رسلهتن ‪ ،‬آ أ تت روح آ أ غاممنون بن آ أ تريذ ‪ ،‬واكن احلزن‬
‫الشديد ابداي علهيا ‪ ،‬وحولها آ أ رواح آ أ ولئك اذلين هلكو ا معه‬
‫حبيةل اوغيس توس الرشيرة ‪ .‬وملا رشبت روحه من ادلماء ‪،‬‬
‫عرفين وبسط يل يديه يريد آ أ ن يضمين ‪ ،‬فمل يقدر عىل ذ كل ل أ نه‬
‫مل ي كن سوى ش بح ‪ ،‬ول مادة هل ‪ .‬وملا رآ أ يته آ أ خذتين الشفقة‬
‫عليه ‪ ،‬وقلت هل ‪ " :‬آ أ ل آ أ خ ربين آ أ هيا املكل آ أ غاممنون اذلي كنت‬
‫آ أ عظم ملوك ا ل أ رض مجيعا ‪ ،‬آ أ ي حمك من آ أ حاكم املوت اكن‬
‫نصيبك ؟ هل آ أ اثر فوس يذون يف وهجك عاصفة جبارة عصفت‬
‫بسفنك حفطمهتا ؟ آ أ م فتك بك آ ُ انس عىل ا ل أ رض و آ أ نت حتاول‬
‫آ أ ن تسوق آ أ مامك آ أ بقارمه و آ أ غناهمم ‪ ،‬آ أ و آ أ ن تس تويل عىل‬
‫مدينهتم عنوة ؟‬
‫فآ أ جاب آ أ غاممنون ‪ " :‬الك مل حيطم فوس يذون سفين ‪ ،‬ومل‬
‫يفتك يب آ أ انس عىل ا ل أ رض ‪ ،‬وا منا هو آ أ وغيس توس‬

‫‪137‬‬
‫اذلي دب ر آ أ مر مويت ‪ ،‬فقد تآ مر وزويج اللعينة عيل فدعاين‬
‫ا ىل و ل مية ‪ ،‬وذحبين بعدها كام يذحب الرجل ثورا عند مذوده ‪.‬‬
‫وه كذا مت آ أ فظع ميتة ‪ ،‬آ أ ان ور فايق من حويل ‪ ،‬ل أ هنم ذ ُ حبوا‬
‫من غري رمحة ‪ ،‬كام ت ُذحب اخلنازير يف مزنل آ أ حد ا ل أ غنياء يف‬
‫عرس ‪ ،‬آ أ و يف عيد من ا ل أ عياد ‪ ،‬آ أ و يف و ل مية ‪ .‬لقد شهدت‬
‫و آ أ مي ُ احلق ‪ ،‬موت ال كثريين من الرجال ‪ ،‬مفهنم من ف ُ تك به‬
‫منفردا ‪ ،‬ومهنم من ق ُ تل يف مع رتك القتال ‪ .‬ول كنين مل آ أ ر جمزرة‬
‫شنيعة كهذه سقطنا فهيا رصع عىل آ أ رض القاعة جنود بآ أنفاس نا‬
‫‪ ،‬حول كؤوس امخلر املمزوجة وا ملوائد املثقةل ابللحوم ‪ ،‬وقد‬
‫سالت عىل ا ل أ رض ادلماء ‪ .‬ومسعت و آ أ ان رصيع صوات حزينا يثري‬
‫الشفقة ‪ ،‬صوت ك س ندرا ابنة املكل فرايم ‪ ،‬وقد قتلهتا زوجيت‬
‫من آ أ جيل ‪ .‬عندئذ القيت يدي عىل س يفي و آ أ ان آ ُ عاين س كرات‬
‫املوت ‪ ،‬وقد مه مْ تُ آ أ ن آ أ رفعه للرضب ‪ .‬ول كن زوجيت الرشيرة‬
‫انتبذتْ جانبا ‪ ،‬ومل متد لتغم ض عيين آ أ و تغلق مفي يدا ‪ .‬حقا‬
‫ليس عىل وجه ا ل أ رض رش من املرآ أ ة ‪ ،‬ول آ أ قل مهنا حياء ‪.‬‬
‫تصو ر آ أ ي فعةل فعلهتا هذه املرآ أ ة ‪ ،‬ا هنا قد دب رت ميتة زوهجا‬
‫نفسه ! وكنت وقد ظننت انين سآ أ نزل بني ُو دلي و آ أ هيل مزنةل‬
‫الضي ف الكرمي ‪ ،‬وهاك الرتحا ب اذلي لقيت ! حقا ا ن هذه‬
‫املرآ أ ة قد آ أ تت ما يلحق‬

‫‪138‬‬
‫عاره بلك النساء بعدها ‪ ،‬حىت الل وايت يسل كن مهنن السبيل‬
‫القومي " ‪.‬‬
‫عندئذ آ أ جبته ‪ " :‬حقا ا ن هذا البيت قد آ أ نزل به زفس‬
‫رشا عظامي عىل يد جنس النساء ‪ .‬فقد هكل ال كثريون يف احلرب‬
‫من آ أ جل هيالنة ‪ ،‬وها آ أ ن لكي متنس رتا قد سعت يف موتك " ‪.‬‬
‫عندئذ عاد آ أ غاممنون ا ىل اللكم فقال ‪ " :‬ا اي ك آ أ ن ت كون‬
‫رفيقا اب مرآ أ ة آ أ اي اكنت ‪ ،‬آ أ و آ أ ن ت ُطلعها عىل لك دخيلتك ‪،‬‬
‫ول كن آ أ طلعها عىل بعضها واكمت بعضها ال خر ‪ .‬وعىل لك فا ن‬
‫ا ل أ جل ‪ ،‬اي آ أ وذيس ‪ ،‬لن يآ أ تيك عىل يد امرآ أ تك ‪ ،‬ل أ ن بنلوب‬
‫ابنة ا ياكروس امرآ أ ة صاحلة حك مية ‪ .‬وا ين ل أ ذكر آ أ ننا غادرانها‬
‫يف بيتك ‪ ،‬ويه ل تزال حديثة العهد ابلزوا ج ‪ ،‬عندما آ أ حبران‬
‫ا ىل طروادة ‪ ،‬وغادران ابنك عىل صدرها رضيعا ‪ .‬و آ أ حسب آ أ نه‬
‫بلغ ال ن مبلغ الرجال ‪ .‬اي لسعده ! فا ن آ أ ابه العزيز س رياه عند‬
‫عودته ‪ ،‬وس يضم الواحد مهن ام ال خر بني ذراعيه كام هو خليق‬
‫ابل ابء وا ل أ بناء ‪ .‬و آ أ م ا آ أ ان فا ن امرآ أ يت مل ت ُتح يل آ أ ن آ ُ ش بع‬
‫نظري مب رآ أ ى ودلي ‪ ،‬ولكهنا قتلتين قبل هذا ‪ .‬آ أ صغ ال ن مرة‬
‫آ أ خرى ا ىل ما آ أ قوهل كل ‪ .‬ا ذا ما رجعت ا ىل بدلك ‪ ،‬فال ي كن‬
‫ذكل هجرة‬

‫‪139‬‬
‫بل خفية ‪ ،‬ا ذ ل يسع الرجال آ أ ن يثقوا ابلنساء بعد ال ن ‪.‬‬
‫آ ُ ذكر هذا ‪ ،‬وخربين آ أ يضا هل اتفق آ أ ن مسعت شيئا من آ أ خبار‬
‫ودلي آ أ ور ست ‪ ،‬وهل اكن يقمي يف فيل وس عندما كنت فهيا ‪،‬‬
‫آ أ م هل يقمي يف ا س بارطة عند آ أ يخ مانيال ؟ ل أ ين موقن بآ أ نه ل‬
‫يزال حيا " ‪.‬‬
‫فآ أ جبته عىل ذ كل بقويل ‪ " :‬ل تسلين عن يشء من آ أ مره ‪،‬‬
‫فا ين ل آ أ عمل آ أ يح هو آ أ م ميت ‪ ،‬ومن العبث آ أ ن آ أ تلكم مبا ليس‬
‫فيه فائدة " ‪.‬‬
‫هذا ما حتدثنا به ‪ ،‬و آ أ تت بعدئذ آ أ رواح آ أ خرى ‪ ،‬مهنا‬
‫روح آ أ خي ل ‪ ،‬وفطرق ل ‪ ،‬و آ أ نطيلوخ ابن املكل نسطور الب كر ‪،‬‬
‫وروح آ أ ايس آ أ شد ال غريق بآ أ سا بعد ابن فيال ‪.‬‬
‫وقد خا طبين آ أ خيل آ أ ول بصوت حزين فقال ‪ " :‬آ أ ي عل‬
‫جعيب قد آ أ تيت اي ابن ل ريت ؟ كيف جرؤت عىل القدوم ا ىل‬
‫هذه ا ل أ رض حيث تقمي آ أ روا ح املوىت ؟ "‬
‫فآ أ جبته قائال ‪ " :‬قد آ أ تيت اي آ أ خي ل يف طلب العرا ف‬
‫ث رييس يا عهل يرشدين ا ىل وس يةل آ أ رجع هبا ا ىل ا يثاكة ‪ .‬فا نين مل‬
‫آ أ بلغ آ أ رض ال غريق ومل آ أ صل ا ىل موطين ‪ ،‬بل ا ين ل آ أ زال اتهئا‬
‫يف اضطراب ل هناية هل ‪ .‬ذ كل هو حظي العاثر ‪ .‬آ أ ما آ أ نت ‪ ،‬فمل‬
‫ي آ أ ِت ‪ ،‬ولن يآ أ يت بعدك رجل‬

‫‪140‬‬
‫آ أ سعد منك حظا ‪ ،‬فعندما ك نت يف قيد احلياة ‪ ،‬كنا حنن‬
‫ال غريق ن كرمك ك ام ي كرم الناس ا ل أ رابب ‪ ،‬وها انك بعد موتك‬
‫مكل عىل مجيع القا طنني يف هذا املاكن " ‪.‬‬
‫ول كن آ أ خيل آ أ جابين عىل الفور ‪ " :‬ل ختا طبين بلكم‬
‫تعزيين به عن مويت اي آ أ وذيس ‪ .‬ا ين ل أ فضل وامي احلق ان اكون‬
‫آ أ ج ريا يف خدمة رجل رقيق احلال ‪ ،‬ليس عنده من القوت ا ل‬
‫ال زنر القليل ‪ ،‬و آ أ ظ ل حيا عىل وجه ا ل أ رض ‪ ،‬عىل آ أ ن آ أ كون‬
‫ملاك عىل ا ل أ موا ت مجيعا ‪ .‬ول كن همل وحدثين عن ودلي ‪ ،‬ا ذا‬
‫كنت تعمل من آ أ خباره شيئا ‪ .‬ه ل سار ا ىل احلرب ليكون يف‬
‫طليعة ا ل أ مراء ؟ مث حدثين آ أ يضا عن آ أ يب فيال الش يخ العجوز ‪.‬‬
‫آ أ ل يزال حم تفظا مباكنه الرفيع بني املرامدة ؟ ﻷ م آ أ هنم ل يآ أ هبون‬
‫هل ال ن ‪ ،‬بعد آ أ ن آ أ انخت به الش يخوخة ‪ ،‬وسلبته خفة‬
‫القدمني وقوة اليدين ؟ آ أ ل حبذا لو ي ُ تاح يل آ أ ن آ أ ابدر ا ىل‬
‫معونته يف ضوء الشمس ‪ ،‬و آ أ عود ا ىل ما اكنت عليه يف سالف‬
‫ا ل أ ايم ‪ ،‬حي امن فت كت بآ أ بطال ل حيصهيم العد عند آ أ سوار طروادة‬
‫‪ ،‬حقا لو ي ُ تاح يل هذا لصددت عنه من يقصدونه بعن ف ‪ ،‬آ أ و‬
‫مينعون عنه ما يس توجبه من ا كرام " ‪.‬‬
‫فآ أ جبت ‪ " :‬آ أ ما فيال فمل آ أ مسع عنه شيئا ‪ ،‬و آ أ ما‬

‫‪141‬‬
‫ودلك نفطولمي ف آ أ قول عنه قول الصدق اذلي تآ أ مهل مين ‪ .‬لقد‬
‫جئت به آ أ ان نفيس من جزيرة س ريوس ا ىل جيش ال غريق يف‬
‫طروادة ‪ .‬وملا غدا بيننا مل ي كن دون آ أ حد عند املشورة ‪ .‬و آ أ ما‬
‫يف احلرب فمل ي كن يتلبث بني امجلوع بل اكن دوما يف السابقني‬
‫ا ل أ ولني ‪ ،‬وقد فتك من جيش الطرواديني ابل كثريين ‪ .‬ولست‬
‫آ أ قدر آ أ ن آ أ ذكر كل آ أ س امءمه ل كرثة عددمه ‪ .‬غري آ أ ن آ أ جل هم ش آ أ ان‬
‫اكن اوريفيل امليس ياين ‪ ،‬ابن ا ملكل تليفوس ‪ .‬واكن هذا آ أ هب ى‬
‫من رآ أ يت من الرجال طلعة ‪ ،‬ما عدا مِ مْ نون ابن الصبا ح ‪ .‬وملا‬
‫دخلنا ا ىل جوف احلصان اخلش يب ‪ ،‬اذلي صنعه ا فيوس‬
‫لال غريق ليك نتخذه وس يةل لال ستيالء عىل مدينة طروادة ‪ ،‬بىك‬
‫امراء ال غريق مجيعا باكء مرا و آ أ خذوا يرجتفون رعبا ‪ .‬و آ أ ما هو‬
‫تس ل عىل خده‬ ‫فقد اكن ا ل أ وحد اذلي مل ختالط لونه صفرة ‪ ،‬ومل ِ‬
‫ع ربة ‪ .‬بل ظل يتوقع اخلروج من احلصان يف ت وق ‪ ،‬ويده ل‬
‫تفارق مقبض حسامه مع زتما آ أ ن يوقع الرش برجال طروادة ‪.‬‬
‫وملا دك كنا مدينة املكل فرايم امجليةل ‪ ،‬انل من ا ل أ سال ب خري‬
‫نصيب ‪ ،‬و آ أ حبر بسف ينته قاصدا وطنه ‪ ،‬ومل يصبه جرح من‬
‫رمح آ أ و س يف ‪ ،‬كام حيد ث للرجال عند احتدام القتال " ‪.‬‬
‫قلت‬

‫‪142‬‬
‫هذا فغادرتين روح آ أ خيل ختطو خطوات عظ مية وا سعة تقطع‬
‫مرج الرب واق ‪ .‬وقد ُرس كث ريا ل أ ن ابنه قد آ أ صاب شهرة عظ مية‬
‫يف احلرب ‪.‬‬
‫ولكمتين آ أ يضا آ أ رواح آ أ بطال آ خرين ‪ ،‬و آ أ فضت ا يل‬
‫بآ أ جش اهنا ‪ .‬غري آ أ ن آ أ ايس بن تالمون انتبذ جانبا ولزم الصمت ‪.‬‬
‫فقد اكن حانقا ل أ ين تغلبت عليه ملا تبارينا معا للفوز بسال ح‬
‫ايس العظمي من آ أ جل‬‫آ أ خي ل ‪ .‬فقلت هل ‪ " :‬آ أ ل تزال حانقا اي آ أ ُ‬
‫هذا السالح اللعني ؟ ل ريب آ أ ن ا ل أ رابب قد جعلهتا فتنة ‪ ،‬ا ذ‬
‫قد س ببت كل الهالك و آ أ نت للجي ش حصن منيع ‪ .‬واكن ح ِ داد‬
‫ال غريق عليك مثل حدادمه عىل آ أ خيل بن فيال ‪ .‬وا ين آ أ رجوك‬
‫الا توجه اللوم ا يل ‪ ،‬ب ل ا ىل زفس اذلي حيم ل حقدا لال غريق ‪.‬‬
‫وتعال ا يل ولكمين " ‪.‬‬
‫ول كن آ أ ايس ذهب ومل ين ب ِ س بلكمة ‪.‬‬
‫" وبعد هذا رآ أ يت املكل مينوس جالسا عىل عرش حيمل‬
‫بيده صوجلاان م ن اذلهب ‪ .‬وقد جلس للقضاء بني املوىت ‪.‬‬
‫ور آ أ يت كذكل آ ُ وريون اجلبار يسوق الوحوش معا ‪ ،‬كام‬
‫يسوقها الصياد ‪ ،‬يف مرج من ال ربواق ‪ ،‬وقد محل‬

‫‪143‬‬
‫بيده هراوة عظ مية ُص نعت لكها من الربونز ‪.‬‬
‫ور آ أ يت تيثوس اجلبار ابن ا ل أ رض ‪ ،‬واكن منطرحا عىل‬
‫ا ل أ رض مغطيا س بعة فراخس ‪ ،‬و بقربه نرسان ميز قان كبده وهو‬
‫ل يقدر آ أ ن يصد هام عنه بيديه ‪.‬‬
‫ور آ أ يت آ أ يضا تنطالوس ‪ ،‬وقد وقع يف حمنة شديدة ‪ ،‬ا ذ‬
‫اكن وا قفا يف حوض قارب ماؤه عند ذ قنه ‪ ،‬ول كنه ا ذا ما‬
‫ا ش تد به العطش ‪ ،‬و آ أ راد آ أ ن يرشب ‪ ،‬مل ي مت كن من ذكل ‪ ،‬ل أ ن‬
‫املاء اكن يغي ض لك ام احنىن ليرشب ‪ ،‬وتظهر ا ل أ رض حتت رجليه ‪.‬‬
‫واكنت تتدىل فوق رآ أ سه آ أ جشار شهي ة ا ل مثر ‪ ،‬فاكن مهنا المك رثى‬
‫والرمان والتفاح هبجة للناظرين ‪ ،‬واكن مهنا التني احللو‬
‫والزيتون ‪ ،‬ول كهنا اكنت لكام مد حنوها يده لقتطافها ‪ ،‬حتملها‬
‫الرحي بعيدا ‪ ،‬حىت آ أ هنا اكنت تصل هبا ا ىل السحاب ‪.‬‬
‫ور آ أ يت سيس يفوس ‪ ،‬واك ن هو آ أ يضا يعاين ك ْر اب عظامي ‪.‬‬
‫فقد اكن قابضا بلكتا يديه عىل خصرة خضمة حياول د فعها عىل‬
‫منحدر هضبة ا ىل مقهتا ‪ .‬واكن يد فعها بعد آ أ ن ُجي هد ُر كبتيه‬
‫وذراعيه ‪ ،‬ول كهنا اكنت ‪ ،‬ا ذا ما شارفت القم ة ‪ ،‬تفلت منه‬
‫وتتدحرج يف رسعة عظ مية مرتد ة ا ىل سفح الهضبة ‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫ور آ أ يت آ خر امجليع ش بح هرقول ‪ ،‬ومل آ أ ر منه ا ل ظهل ‪،‬‬
‫ل أ ن البط ل نفسه اكن جالسا مع ا ل أ رابب يف ا ل أ عايل مير ح ‪ ،‬بعد‬
‫آ أ ن اختذ هيبا ابنة زفس هل زوجا ‪ .‬وقد ارتفع من حوهل صيا ح‬
‫ا ل أ روا ح ك أ نه زقزقة العصاف ري ‪ .‬آ أ ما هو فقد وق ف متجهم الوجه‬
‫مظل ام اكللي ل ‪ ،‬ويف يده قوسه وقد ُش د سهم ا ىل وترها ‪ ،‬وبدا‬
‫يف عينيه عزم خميف مكن يوشك آ أ ن يطلق سهمه ‪ .‬واكن عىل‬
‫صدره ت ُ رس من اذلهب ‪ ،‬نقشت عليه رسوم بديعة ‪ ،‬رسوم‬
‫دببة وخنازير برية ‪ ،‬وس باع برا قة العيون ‪ ،‬ورسوم معارك‬
‫ومذاحب مرعبة ‪ .‬ولكمين ظ ل هرقول قائال ‪ " :‬آ أ ل خ ربين هل‬
‫ق ُ سمت كل يف احلياة قسمة رش كتكل اليت قسمها يل زفس ؟‬
‫فقد سل ط عيل جلفا يسومين آ أ بدا آ أ شق ا ل أ ع امل ‪ .‬وهاهو قد‬
‫آ أ رسلين ا ىل هنا ل تيه بلكب هجمن ‪ ،‬ظاان آ أ نه ل يقدر آ أ ن‬
‫ي ُ رهقين بعمل آ أ شق من هذا ‪.‬ول كنين آ أ تيت به من هجمن ا ىل‬
‫ضوء الهنار ‪ ،‬ل أ ن هرمس و آ أ ثينا آ أ عاانين عىل ذ كل " ‪.‬‬
‫قال ش بح هرقول ه ذا ومىض يف طريقه ‪ .‬مث انتظرت‬
‫هنهية عيل آ أ جد آ أ روا ح آ أ بطال آ خرين من آ أ بطال الزمن القدمي ‪،‬‬
‫ول كنين ‪ ،‬ف امي آ أ ان واقف الت ف من حويل آ أ لوف‬

‫‪145‬‬
‫و آ أ لوف من املوىت ‪ ،‬ومه يصيحون صياحا خميفا ارجتفتُ هل رعبا‬
‫‪ .‬وخشيت آ أ ن ترسل ايل امللكة ا لعظ مية فرسفني رآ أ س ال غ ُ رغون‬
‫الهائل ‪ ،‬ف غادرت ماكين ‪ ،‬و آ أ هبت برفايق آ أ ن يركبوا الس ف ُ ن‬
‫وحيلوا احلبال ‪ .‬فركبنا وجلس نا عىل املقاعد ‪ ،‬حفملنا تيار‬
‫الاوقيانوس العظمي ا ىل الامام ‪ .‬وقد جذ فنا يف ابدئ ا ل أ مر ‪ ،‬مث‬
‫نرشان الرش ُ ع ‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫‪13‬‬
‫ع رائس املاء ‪ ،‬س يال ‪ ،‬ث ريان‬
‫ا ل شمس‬
‫( قصة آ أ وذيس)‬

‫ملا رجعنا ا ىل جزيرة سريسة اكن الليل قد آ أ رىخ سدوهل ‪.‬‬


‫فآ أ رسينا ا ل سفينة ومننا عند الشاط ئ حىت الصبا ح ‪ .‬وملا اكن‬
‫الصباح قصدان قرص سريسة ‪ ،‬وجئنا من هناك جبثة رفيقنا‬
‫آ أ لفينور ‪ .‬و آ أ مقنا راكم اجلنازة يف آ أ قىص رآ أ س من ا ل أ رض داخل‬
‫يف البحر ‪ ،‬و آ أ حرقنا الرج ل امليت وسالحه ‪ ،‬مث آ أ مقنا فوق‬
‫عظامه را بية ‪ ،‬ونصبنا عىل مقهتا عودا ‪ ،‬ووضعنا جمذافه فوق‬
‫العمود ‪.‬‬
‫وقد علمت س ريسة حبضوران ومبا فعلناه ‪ ،‬فقدمت ا لينا ‪،‬‬
‫وجلست بيننا وحصبهتا وصيفا هتا حيملن ا لينا مقادير وا فرة‬

‫‪147‬‬
‫من اللحم واخلزب والنبيذ ‪ .‬مث تلكمت وقالت ‪ " :‬لقد آ أ ْر بتْ‬
‫جشاعتك عىل الغاية ‪ ،‬فقد ذهبت ا ىل م زنل املوىت مرتني يف حني‬
‫ل يراه آ أ كرث الناس ا ل مرة واحدة ‪ .‬ول كن هلموا ال ن ولكوا‬
‫وا رشبوا هذا اليوم ‪ ،‬وغدا تعودون ا ىل ركوب البحر ‪،‬‬
‫وس آ أ هديمك الطريق وآ أ كش ف لمك ما س يح ل بمك ‪ ،‬فال تقوم‬
‫العوائق والصعا ب يف طريقمك " ‪ .‬وهكذا آ أ مقنا طول ذ كل الهنار‬
‫يف عيد نآ أ لك ومنرح ‪ .‬وملا خمي الظالم عىل ا ل أ رض اضطجع رفايق‬
‫عند السفن وانموا ‪ .‬و آ أ خذ ت سريسة بيدي و آ أ قصتين عن حصيب‬
‫‪ ،‬وس آ أ لتين ع ا رآ أ يت وما فعلت ‪ .‬وملا رسدت علهيا قصيت‬
‫حبذاف ريها ‪ ،‬قالت ‪ " :‬آ أ صغ ِ ال ن ا ىل ما آ أ لقيه عليك ‪ .‬ا نك‬
‫س ت ُ قبل يف ابدئ ا ل أ مر عىل عرائس املاء اللوايت يسحرن الرج ال‬
‫مجيعا بغناهئن ‪ .‬فا ن من يدنو مهنن عىل غري عمل ‪ ،‬ويسمع‬
‫غناءهن ل يعود ا ىل رؤية امرآ أ ته و آ أ ولده ؛ ل أ ن العرائس‬
‫يصبنه بسحرهن ‪ ،‬وجيذبنه ا ىل حيث جيلسن ‪ ،‬حييط هبن ُر اكم‬
‫عظمي من املوىت ‪ .‬ف آ أ رسع بسف ينتك حني مرورك هبن ‪ ،‬وعليك‬
‫آ أ ول آ أ ن تسد آ ذان رفاقك ابلشمع ‪ ،‬يك ل يسمع واحد مهنم‬
‫غناءهن ‪ .‬ول كن ا ذا رغبت آ أ نت نفسك يف آ أ ن تسمعهن ‪،‬‬
‫فليشد ك رجا كل ا ىل سارية ا ل سفينة شد ا حمك ام ‪ .‬وه كذا تس متع‬
‫ا ىل الغناء ول ينا كل آ أ ذى ‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫ول كن ا ذا آ أ خذت تتوس ل ا لهيم آ أ ن حيلوك ‪ ،‬فل زييدوا رابطك‬
‫توثيقا ‪.‬‬
‫وبعد آ أ ن جتوز جزيرة عرائس املاء ‪ ،‬عليك آ أ ن ختتار‬
‫السبيل اذلي تسلكه ‪ .‬ففي اجلهة الواحدة تقوم الصخور اليت‬
‫يسمهيا الناس خصور الت يه ‪ .‬وهذه الصخور ل تقدر اخمللوقا ت ‪،‬‬
‫حىت اجملن حة مهنا ‪ ،‬آ أ ن جتتازها دون آ أ ن يلحق هبا آ أ ذى ‪.‬‬
‫وامحلامئ عي ُهن ا ‪ ،‬اليت حتم ل ا ىل ال هل زفس طعامه ‪ ،‬ت آ أ خذها‬
‫الصخور لكها ‪ ،‬ف ي ُ ضطر ال هل ا ىل آ أ ن ي ُ رسل غ ريها لتحل ماكهنا‬
‫‪ .‬ول تقدر سفينة آ أ ن جتتاز هبا ساملة ‪ .‬ول تنفك ا ل أ مواج من‬
‫حولها تتقاذف آ أ خشاب السفن احملط مة وجثث الرجال الغرىق ‪.‬‬
‫ومل ت مت كن من اجتيازها سوى سفينة واحدة ‪ ،‬يه آ أ رغو ‪ .‬وهذه‬
‫ا ل سفينة ذا ُهت ا ‪ ،‬اكن ل بد آ أ ن حتط مها ا ل أ مواج ع ىل الصخور ‪،‬‬
‫لو مل مته د لها ه ريا سبيل النجاة من آ أ جل حهبا جلا سون ‪.‬‬
‫هذه الصخور قامئة يف اجلهة الواحدة ‪ ،‬وتقوم يف اجلهة‬
‫الثانية خصراتن ‪ .‬تذهب الواحدة مهنام بقرهنا احلاد ا ىل عنان‬
‫الس امء ‪ ،‬وحت ف هبذا القرن غ اممة دكناء ‪ ،‬ل تبارهحا ل يف‬
‫الصيف ول يف زمن احلصاد ‪ .‬وهذه الصخرة ل يقدر عىل تسلقها‬
‫ا نسان ‪ ،‬ولو اكن هل عرشون يدا ورجال ‪ ،‬ل أ هنا ملساء صعبة‬
‫امل ُ نحدر ‪ .‬ويف جوف هذه‬

‫‪149‬‬
‫الصخرة كه ف تقطنه س يال هُ وةل البحر اخمليفة ‪ .‬وصوت هذه‬
‫الهو ةل يش به صوت جرو حد يث العهد ابلولدة ‪ .‬و آ أ قدا هما‬
‫الثنتا عرشة ضئيالت مشوهات ‪ ،‬غري آ أ ن آ أ عناقها الس تة يف‬
‫غاية الطول ‪ ،‬وقد عال الك مهنا رآ أ س مريع املنظر ‪ ،‬ويف لك‬
‫رآ أ س ثالثة صفوف من ا ل أ س نان انتظمت خثينة مليئة ابملوت ‪.‬‬
‫ويه ختتئب ابلكه ف ا ىل وسطها ‪ ،‬ول كهنا ُخت رج رؤوسها ل تتصيد‬
‫ادل ل فني ‪ ،‬والكب البحر ‪ ،‬وغ ريها من خملوقات البحر ‪ ،‬ويه‬
‫هناك كث رية ا ل أ فواج تفوت احلرص ‪ .‬وما من سفينة متر هبا يف‬
‫سالم ‪ ،‬فه ىي ختتطف الناس عن ظهر ا ل سفينة ويعود لك رآ أ س‬
‫من رؤوسها اب نسان ‪ .‬و آ أ ما الصخرة الثانية فقريبة جدا من‬
‫ا ل أ وىل ‪ ،‬ويه عىل مرىم سهم مهنا ‪ ،‬ول كهنا تنخف ض عهن ا كث ريا ‪،‬‬
‫وتعلوها جشرة تني كب رية ‪ .‬ومتتص خاريبديس املاء من حتهتا ثالاث‬
‫يف اليوم مث متج ه يف اليوم ثالاث ‪ .‬وا ذا اتفق آ أ ن كنت هناك‬
‫حني متت ص املاء فال ينجيك يشء حىت عون فوس يذون نفسه ‪.‬‬
‫فعليك ا ذن آ أ ن توجه سف ينتك حبيث تقرب من س يال وتبتعد‬
‫عن ا ل أ خرى ‪ ،‬خفري كل آ أ ن خترس س تة من رجاكل من آ أ ن تبيدوا‬
‫مجيعا " ‪.‬‬
‫قالت سريسة هذا ‪ ،‬فآ أ جبهتا ‪" :‬خرب يين ‪ ،‬آ أ يهتا‬

‫‪150‬‬
‫ال ل هة ‪ ،‬هل آ أ قدر عىل النجاة من خاريبديس بوس يةل ما ‪،‬‬
‫و آ أ نتقم يف الوقت عينه من هذه ال ه ُو ةل حي امن تفرتس رفايق ؟ " ‪.‬‬
‫ول كن ال ل هة قالت ‪" :‬ا ن جشاعتك لتفوق لك جشاعة ‪،‬‬
‫ول تف كر ا ل يف القتال ‪ .‬وا نك ول ريب ت ُقدم عىل قتال‬
‫ا ل أ راب ب آ أ نفسهم ‪ ،‬ول تنس آ أ ن س يال ليست من نسل فان ‪،‬‬
‫وليس يف قتالها من نصري ‪ ،‬والهرب مهنا خري و آ أ بق ‪ ،‬ل أ هنا ‪،‬‬
‫ا ذا متهلت ري امث تضع عليك ِش ك ة سالحك ‪ ،‬ت ُعاود ال كرة‬
‫وختتط ف من رجاكل مقدار ما اختطفت آ أ ول ‪ .‬وذلا عليك آ أ ن‬
‫ترسع بسف ينتك ما وسعتك الرسعة ‪ ،‬واد ع ُ ا ل أ م اليت محلت‬
‫بس يال هذه لتكون آ فة لال نسان ‪ ،‬لعل ها حتول دون انقضا ض‬
‫ابنهتا للمرة الثانية ‪.‬‬
‫وس تآ أ تون بعد ذ كل جزيرة الرؤوس الثالثة ‪ ،‬حيث رعال‬
‫الشمس و ق ُ طعاهنا ‪ .‬ويه س بعة رعال من البقر ‪ ،‬وس بعة‬
‫ق ُ طعان من الغمن ‪ ،‬ويف لك مهنا مخسون رآ أ سا ‪ .‬وهذه كل ت ُودل‬
‫ول متوت ‪ ،‬وترعاها ا له تان ‪ .‬فا ن مل متس وا هذه البقر والغمن‬
‫بآ أ ذى ‪ ،‬فا نمك س رتجعون لكمك ا ىل ا يثاكة ‪ ،‬ول كن ا ذا انلها منمك‬
‫سوء ‪ ،‬فا ن سف ينتك ستتحط م وهيكل حص بك مجيعهم ‪ ،‬وترجع‬
‫وحدك بعد ﻷ ي طويل ا ل أ جل " ‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫نطقت ال لهة هبذا وانرصفت ‪ .‬فآ أ يقظتُ رجايل حفد روا‬
‫ا ل سفينة ا ىل البحر ورضبوا املاء مبجاذيفهم ‪ .‬و آ أ رسلت ال ل هة‬
‫رحيا مؤاتية ‪ ،‬فنرشان الرش ع ‪ ،‬وركن ا ا ىل الراحة ‪ .‬وفامي حنن‬
‫كذكل يف الطريق ‪ ،‬خاطبت رفايق قائال ‪ " :‬ل خري لنا اي‬
‫آ أ صد قايئ يف آ أ ن يعمل منا واحد آ أ و اثنان فقط ما تنب آ أ ت يل به‬
‫ال ل هة ‪ .‬وذلا فا ين سآ أ طلعمك عليه ل يك ن كون عىل بي نة مما س يقع‬
‫لنا ‪ ،‬فا ما آ أ ن منوت وا ما آ أ ن حنيا " ‪.‬‬
‫و آ أ خربهتم آ أ ول خ رب عرائس املاء ‪ ،‬وفامي آ أ ان آ أ تلكم آ أ قبلنا‬
‫عىل جزيرهتن ‪ .‬عندئذ سكن الهواء سكوان ل نسمة فيه ‪ .‬ف آ أ نزل‬
‫رفايق الرش ُ ع و آ أ خذوا اجملاذيف ‪ .‬واقتطعت بس يفي قطعة كب رية‬
‫من الشمع ‪ ،‬ف آ أ ذبهتا يف الشمس ‪ ،‬ودهنت ابلشمع آ ذان رجايل ‪.‬‬
‫مث آ أ وثقوا يدي ورجيل ‪ ،‬و آ أ ان واقف م نتصبا ‪ ،‬ا ىل سارية‬
‫ا ل سفينة ‪ .‬وملا اق رتبنا من الشاط ئ وكنا حبيث يص ل ا لينا منه‬
‫صوت ال نسان ‪ ،‬آ أ برصت العرائس ا ل سفينة ‪ ،‬و آ أ خذن يغن ني ‪.‬‬
‫واكن غناؤهن هذا ‪:‬‬
‫" همل ‪ ،‬اي آ أ وذيس اي ذا الامس ال يخ العظمي ‪،‬‬
‫عد مبركبك الرسيع و آ أ نصت ا ىل نش يدان ‪،‬‬
‫فمل يد ُن من قب ُل زائر من هذه ا ل أ رجاء ‪،‬‬
‫اتهئا يف ال فاق الالزوردية بسف ينته ادلكناء ‪،‬‬
‫ا ل مسع قبل ا حباره صوتنا العذب ‪،‬‬
‫‪152‬‬
‫مث مىض مبهتجا طاحف القلب ابذلكرايت ‪.‬‬
‫ا ننا نعمل ما جرى من ا ل أ ع امل يف سالف الزمان ‪،‬‬
‫بقضاء ا ل أ رابب يف طروادة الوا سعة ا ل أ رجاء ‪،‬‬
‫وحنن ندري بلك هجاد بين الانسان يف لك ماكن " ‪.‬‬

‫فرجوت ح ينئذ رفايق آ أ ن حيل وا واثيق مومئا ا لهيم برآ أ يس‬


‫معب سا ‪ ،‬ل أ ن آ ذاهنم اكنت مسدودة ‪ ،‬ول كهنم آ أ علوا جماذيفهم ‪،‬‬
‫و آ أ ضاف آ أ وريلوخ وفرمييد ا ىل واثيق واث قا جديدا ‪ .‬وملا اجزتان‬
‫اجلزيرة ‪ ،‬نزعوا الشمع من آ ذاهنم ‪ ،‬وحل وا واثيق ‪.‬‬
‫ور آ أ وا بعد هذا دخاان وزبدا ‪ ،‬ومسعوا زجمرة شديدة ‪،‬‬
‫فوقعت اجملاذي ف من آ أ يدهيم خوفا ورعبا ‪ ،‬ول كنين طلبت ا لهيم‬
‫آ أ ن يستنجدوا ابلشجاعة ؛ ل أ هنم قد جنبوا فامي مىض آ أ خطارا غري‬
‫هذه اب رشادي ونصحي ‪ .‬و آ أ هبتُ ابجملذفني آ أ ن ي كدحوا هجد‬
‫طا قهتم ‪ .‬ول كنين قلت ملدير ادلف ة ‪ " :‬وج ه الفكل خارج ادلخان‬
‫والزبد ‪ ،‬ورس قريبا من الصخور ل يك ل ترتطم ا ل سفينة عىل‬
‫حني غر ة فهنكل مجيعا " ‪ .‬ول كين مل آ أ ذكر س يال بلكمة ‪ ،‬خش ية‬
‫آ أ ن ختوهنم جشاعهتم فيصد ف ُ وا عن التجذي ف ‪ .‬مث ا ين تسل حت ‪،‬‬
‫ووق فت عند مقدمة ا ل سفينة آ أ نتظر ظهور س يال ‪.‬‬
‫وه كذا خمرت بنا ا ل سفينة املضيق ‪ ،‬فساورين قلق‬

‫‪153‬‬
‫عظمي ا ذ اكنت س يال يف انحية ‪ ،‬وخاريبديس يف الناحية‬
‫ا ل أ خرى متت ص املاء عىل وجه خميف ‪ .‬وما لبثت آ أ ن جم ته ‪،‬‬
‫فظ ل يغيل حينا كام يغيل فوق النار مِ رجل عظمي ‪ .‬وتطاير‬
‫الرشاش حىت بلغ ذ ُ رى النفانف عىل اجلانبني ‪ .‬مث عادت‬
‫وابتلعت املاء حىت بدت لنا آ أ غواره البعيدة ‪ ،‬وانكشف لنا‬
‫الرمل ا ل أ بي ض يف قاع البحر ‪ .‬وجعلنا ننظر ا لهيا خائفني عىل‬
‫آ أ نفس نا من الهالك ‪ .‬وف امي حنن شاخصون ا لهيا بآ أ بصاران ‪،‬‬
‫التقطت س يال س تة من رفايق ‪ ،‬واكن هؤلء آ أ وفرمه جشاعة‬
‫و آ أ شد مه ب آ أ سا ‪ .‬وملا حولت نظري ا ىل سفينيت ابحثا عن رجايل‬
‫رآ أ يت عند ذاك آ أ رجلهم و آ أ يدهيم ومسعهتم ينادونين ابمسي‬
‫ويلكمونين للمر ة ا ل أ خ رية ‪ .‬وكام يفعل الص ياد ا ذا ما جلس عىل‬
‫آ أ حد الرؤوس ‪ ،‬و آ أ لق خيط صنارته الطوي ل ابلطعم ‪ ،‬ليغري به‬
‫مسك البحر ‪ ،‬ولكام آ أ مسك واحدة آ أ لقاها تتلوى عىل الشا طئ ‪،‬‬
‫ه كذا محلت س يال رجايل يتلو ون ُص عدا يف النفن ف ا ىل كهفها ‪.‬‬
‫وقد الهتمهتم هناك ومه يرصخون رصاخا غريبا مستنجدين يب ‪.‬‬
‫ولقد اكن هذا املشهد وا مي ُ احلق ‪ ،‬آ أ جش ما مر يب يف البحر من‬
‫ا ل أ هوال ‪.‬‬
‫و آ أ تينا بعد هذا جزيرة الرؤوس الثالثة ‪ ،‬فسمعت من‬
‫سفينيت خُ وار البقر وث ُ غاء الغمن ‪ .‬فذكرت قول ثرييس يا‬

‫‪154‬‬
‫العر اف ‪ ،‬ووصي ته يل ب آ أ ن آ أ حنرف عن جزيرة الشمس ‪ ،‬فقلت‬
‫لرفايق ‪ " :‬ا س متعوا ال ن ا ىل نصيحة ث رييس يا ال عراف وسريسة ‪.‬‬
‫ا هنام نصحاين آ أ ن آ أ رسع يف املرور جبزيرة الشمس ‪ ،‬وزعام آ أ ن‬
‫آ أ عظم رش حي ل بنا هناك ‪ .‬فهي وا ا ذن وانشطوا يف التجدي ف "‬
‫‪.‬‬
‫" قلت هذا ‪ ،‬بيد آ أ ن آ أ وريلوخ آ أ جابين حانقا ‪ " :‬حقا اي‬
‫آ أ وذيس ا نك ل تعرف التعب ‪ ،‬و ك أ نك ق ُ دِ دْ ت من احلديد حىت‬
‫متنع رفا قك ‪ ،‬اذلين هن ك هم التعب والس هر ‪ ،‬من ال زنول ا ىل‬
‫هذه اجلزيرة ‪ ،‬حيث ابلماكن آ أ ن ن ُنعش آ أ نفس نا ‪ .‬وا نك عىل‬
‫هذا مهتو ر ‪ ،‬ا ذ تآ أ مران آ أ ن نس ري يف اللي ل ‪ .‬ويف الليل تثور‬
‫رايح هملكة ‪ ،‬ف آ أ ىن لنا النجاة ا ذا ما د مه تنا من الغرب آ أ و من‬
‫اجلنوب عاصفة مفاجئة ‪ ،‬حفطمت سف ينتنا ون رثهتا قطع ا ؟‬
‫فا ل َ وىل آ أ ن تدعنا نقمي ‪ ،‬ونتناول طعامنا ونرقد ا ىل جانب‬
‫سف ينتنا ‪ ،‬مث نعود يف الغد ا ىل ركوب البحر " ‪.‬‬
‫قال هذا فوا فقه امجليع عىل قوهل ‪ .‬فعلمت عندئذ آ أ ن‬
‫ال آ لهة تريد بنا رشا ‪ ،‬و آ أ جبت ‪ " :‬ا نمك ترمغوين لكونمك كثريين‬
‫و آ أ ان واحد ‪ ،‬ول كن آ أ قسموا مجيعا آ أ نمك ‪ ،‬ا ذا وج دمت هنا رعيال‬
‫من البقر آ أ و قطيعا من الغمن ‪ ،‬لن تطغ عليمك الشهوة ‪،‬‬
‫فتغريمك بذحب رآ أ س من العجول آ أ و ا ل أ غنام ‪ ،‬بل ت كتفون‬

‫‪155‬‬
‫مبا آ أ عطتنا سريسة من القوت " ‪.‬‬
‫ف آ أ قسموا مجيعا عىل ذكل ‪ ،‬وملا آ أ قسموا آ أ رسوا ا ل سفينة‬
‫يف ج ْو ن ‪ ،‬عنده ينبوع ماء من ري ‪ ،‬وهناك تناولنا طعامنا ‪ .‬وملا‬
‫آ أ خذان كفايتنا من الطعام والرشاب ‪ ،‬ذكران رفا قنا اذلين‬
‫اختطفهتم س يال من ا ل سفينة وافرتس هتم ‪ ،‬جفعلنا نن ُد هبم ا ىل آ أ ن‬
‫سطا علينا النعاس ‪.‬‬
‫ويف الصبا ح التايل خا طبت رفايق قائال ‪ :‬ل يزال دلينا ‪،‬‬
‫اي آ أ صد قايئ يشء من القوت ‪ ،‬فعندان اخلزب والنبيذ ‪ ،‬فآ أ مسكوا‬
‫ا ذن عن الرعال والقطعان ل يك ل حيل بنا ا ل أ ذى ‪ ،‬ل أ هنا رعال‬
‫الشمس وقطعاهنا ‪ ،‬والشمس ا هل جبار ل ينجو من ر قابته آ أ حد‬
‫"‪.‬‬
‫وقد آ أ قنعهتم بلكيم هذا ‪ .‬وظلت الرحي اجلنوبية هتب‬
‫شه را اكمال بال انقطاع ‪ .‬ومل ت كن رحي غ ريها سوى الرحي‬
‫الرشقية اليت اكنت هتب احلني بعد احلني ‪ .‬واحلق آ أ ن رفايق آ أ بقوا‬
‫عىل القطعان ‪ ،‬فمل ميس وها بآ أ ذى ما دام زادمه من اخلزب والنبيذ‬
‫مل ينفذ ‪ ،‬ل أ هنم اكنوا خيشون املوت ‪ .‬ول كهنم بعد آ أ ن آ أ توا عىل‬
‫مجيع ما دلينا من املؤون ة آ أ خذوا يطوفون يف اجلزيرة يف طلب‬
‫القوت ‪ .‬واكنوا وقد آ أ هجدمه اجلوع ‪ ،‬يصطادون العصافري‬
‫وا ل أ سامك ابلصنانري ‪ .‬وكنت آ أ ان وحدي آ أ طوف منفردا آ أ دعوا‬
‫ال آ لهة آ أ ن هتبنا‬

‫‪156‬‬
‫النجاة ‪ .‬واتفق آ أ ن غلبين النعاس يوما ‪ -‬واكن هذا هو جواب‬
‫ال آ لهة الوحيد ‪ -‬ومنت بعيدا جدا عن حصيب ‪.‬‬
‫و اكن آ أ وريلوخ يف هذه ا ل أ ثناء يلكم البا قني مس تعينا‬
‫حبيةل شؤوم ويقول ‪:‬‬
‫" آ أ صغوا اي رفايق ا ىل من عاىن معمك آ أ شد احملن ‪ .‬ا ن‬
‫املوت مما ينبغي آ أ ن حناذره دا مئا ‪ ،‬بيد آ أ ن املوت جوعا هو‬
‫آ أ فظع و آ أ ش نع ما ُخي ىش ‪ .‬فتعالوا ا ذن ول ن ُ ض ح ل ل أ رابب يف‬
‫الس امء خب ري ث ريان الشمس ‪ .‬ولننذر آ أ ن نبين للشمس هيلك‬
‫عظامي حي امن نبلغ ا يثاكة ‪ ،‬ونزي نه بكث ري الهدااي ونفيسها ‪ .‬ول كن‬
‫ا ذا شاء ا هل الشمس آ أ ن يغرق سف ينتنا ‪ ،‬غضبا منه ذلحبنا‬
‫ثوره ‪ ،‬فا ين ل أ فض ل آ أ ن آ أ موت ‪ ،‬و آ أ ان آ أ قابل ا ل أ مواج فاحتا مفي‬
‫‪ ،‬عىل آ أ ن آ أ دلف ا ىل املوت متفانيا عىل همل يف هذه اجلزي رة‬
‫القفر " ‪.‬‬
‫وقد آ أ يدوه لكهم يف ذ كل ‪ .‬وعندها ساق آ أ وريلوخ آ أ مسن‬
‫رآ أ س يف القطيع ‪ -‬وقد اكن ل ي ربح يرع عىل مقربة من ا ل سفينة‬
‫‪ -‬وذحبه الرجال حضي ة ل ل أ رابب ‪ .‬وبعد آ أ ن قاموا ابملراس مي‬
‫املرعية ‪ ،‬ذروا آ أ ورا قا خرضا من آ أ وراق الشجر ‪ ،‬ا ذ مل ي كن‬
‫دلهيم يشء من الشع ري ‪ ،‬و آ أ راقوا ماء بدل من النبيذ ‪ ،‬وصل وا‬
‫لل آ لهة ‪ ،‬و آ أ حرقوا عظم الفخذين مع ادلهن ‪ ،‬و آ أ لكوا من‬
‫ا ل أ حشاء ‪ .‬عندئذ جهر‬

‫‪157‬‬
‫النوم عيين فاجتهت ا ىل الشاطئ ‪ ،‬غري آ أ ين قبل آ أ ن آ أ صل ا ىل‬
‫ماكن ا ل سفينة تلقاين ال ق ُ تار ‪ ،‬وملا آ أ دركت ما حد ث رصخت‬
‫عاليا ‪ " :‬ا ن هذا النوم اذلي آ أ غريتين به اي زفس ‪ ،‬ليك آ أ س رتحي‬
‫‪ ،‬لنوم مميت فقد آ أ غضب رفايق الشمس آ أ شد الغضب بطيشهم‬
‫"‪.‬‬
‫وفامي كنت اتلك م طارت ا حدى احلوراي ت اللوايت كن‬
‫يرعني القطعان ا ىل الشمس بنب آ أ ما حد ث ‪ .‬عندها تلكمت‬
‫الشمس يف سائر ا ل أ رابب قائةل ‪ " :‬انتقموا يل ال ن من رفاق‬
‫آ أ وذيس اجملرمني ‪ ،‬فقد فتكوا ب ق ُ طعاين ا ل يت آ أ بهتج برؤيهتا سواء‬
‫عند صعودي ا ىل الس امء آ أ م عند هبوطي مهنا ‪ .‬قسام ا ذا مل‬
‫ينالوا العقاب العدل عىل سوء ص نيعهم فا ين س آ أ حندر و آ أ نري‬
‫آ فاق املوىت " ‪.‬‬
‫فآ أ جاب زفس عندئذ ‪ " :‬آ أ رشيق آ أ يهتا الشمس عىل ا ل أ رض‬
‫كام يف السابق ‪ .‬آ أ ما هؤلء اجلناة فا نه من اليسري آ أ ن تنال‬
‫مركهبم صاعقة من دلين فتحطمه يف وسط البحر " ‪.‬‬
‫وقد مسعت هذا لكه فامي بعد من احلورية اك ل يبسو‪ ،‬واكنت‬
‫قد مسعته يه من هرمس الساعي ‪.‬‬
‫فآ أ وسعت رفايق تآ أ نيبا بلكم يقطر غضبا ‪ ،‬ول كين مل آ أ جد‬
‫لسوء علهم عالجا بعد آ أ ن رآ أ يت ا ل أ بقار ذبيحة ‪ .‬مث‬

‫‪158‬‬
‫عالما ت خميفة من الس امء ‪ .‬فقد تقل صت جلود ا ل أ بقار‬ ‫تال هذا‬
‫للحوهما فوق السفا فيد خُ وار ك أ نه صوت خملوقا ت حية‬ ‫‪ُ ،‬‬
‫ومس ع‬
‫رفايق س تة آ أ ايم يف عيد ي طعمون من قطيع الشمس ‪.‬‬ ‫‪ .‬و آ أ قام‬
‫اليوم السابع ‪ ،‬دفعنا سف ينتنا ا ىل البحر ونرشان الرشع‬ ‫وملا اكن‬
‫‪.‬‬
‫وملا رصان عىل مسا فة ل نرى مهنا جزيرة الرؤوس الثالثة‬
‫‪ ،‬ومل تظهر لنا آ أ رض سواها ‪ ،‬بعث زفس علينا غاممة قامتة ‪،‬‬
‫وانقضت الرحي الغربية بغتة عىل ا ل سفينة ‪ ،‬فان زتعت حبال‬
‫الصاري من اجلانبني ‪ .‬وعندئذ سقط الصاري ‪ ،‬وحطم مججمة‬
‫نويت منا فغطس ك ام يغطس الغوا ص يف البحر ‪ .‬مث رضب زفس‬
‫ا ل سفينة بصاعقته ‪ ،‬مف ل أ ها ك ربيتا من جانهبا الواحد ا ىل اجلانب‬
‫ال خر ‪ .‬فسقط رفايق من ا ل سفينة‪ ،‬ور آ أ يهتم حيومون يف املاء‬
‫حولها كطيور الزم ج ‪ .‬وه كذا خيبت ا ل أ رابب آ أ م لهم يف العودة‬
‫‪ .‬ول كين بقيت مع ذكل يف ا ل سفينة حىت انفصلت جوانهبا عن‬
‫قاعدهتا ‪ ،‬و ح ينئذ آ أ وثقت نفيس بس ري من اجلدل ا ىل السارية‬
‫والقاعدة ‪ ،‬فقد اكنتا ملتصقتني الواحدة اب ل أ خرى ‪ .‬وجلست‬
‫علهيام واستسلمت ا ىل الرحي ‪ ،‬فظل ت تد فعين طوال الليل‬
‫ورجعت عند الصباح ا ىل س يال وخا ريبديس ‪ ،‬واكن عند ذكل‬
‫موعد امتصا ص خاريبديس ل ل أ مواج ‪ .‬غ ري آ أ ن موجة‬

‫‪159‬‬
‫رفعتين فتش ب ثت بلك قواي بآ أ غصان جشرة التني ال ربية النابتة‬
‫فوق الصخر ‪ ،‬و آ أ مقت متشب ثا هبا مدة طويةل ‪ ،‬و آ أ ان ل آ أ دري‬
‫كي ف ميكنين التسل ق ا ىل آ أ عىل من ماكين ‪ .‬وبقيت آ أ رقب آ أ ن‬
‫تقذف ابلسارية والقاعدة اللتني ابتلعهتام مع املاء ‪ .‬وملا رآ أ يهتا‬
‫اثنية آ أ لقيت بنفيس عن الصخر ‪ ،‬و آ أ مس كت هبام ‪ ،‬وجلست‬
‫علهيام وجعلت آ أ ج ذ ف جاد ا براحيت ‪ .‬ومل يسمح آ أ بو ا ل أ راب ب‬
‫لس يال آ أ ن تراين ‪ ،‬ولول هذا لهل كت ‪ .‬وبقيت طا فيا تسعة‬
‫آ أ ايم ‪ ،‬ويف اليوم العا رش محلتين ا ل أ رابب ا ىل جزيرة اك ل يبسو ‪.‬‬
‫وا نك تعمل كي ف رصت ا ىل هناك ‪ ،‬فقد س بق يل آ أ ن‬
‫قصصت خ رب ذ كل عليك وعىل زوجك ‪ .‬ورويته لكام آ أ مس وليس‬
‫يطيب يل آ أ ن آ أ عيد ما قلت ‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫‪14‬‬
‫ا ي ثاكة‬

‫وملا آ أ مت آ أ وذيس قصته ساد الس كون يف الهبو قليال ‪.‬‬


‫وبعد حني تلكم املكل آ أ لسينوس فقال ‪ " :‬لقد آ أ تيت مزنيل اي‬
‫آ أ وذيس ‪ ،‬فلن يقوم بعد ال ن عائق يف سبيل عودتك ‪ .‬ا ليمك اي‬
‫زع امء الفيس يانيني ‪ ،‬آ أ نمت اذلين ل ت ربحون ترشبون النبيذ ‪،‬‬
‫وتنصتون ا ىل آ أ غاين املنشد يف قرصي ‪ ،‬ا ليمك آ أ لقي هذا ا ل أ مر ‪.‬‬
‫ا ن احل ُل ل ‪ ،‬واذلهب احملمك الصيغة ‪ ،‬وغري ذكل من العطااي اليت‬
‫آ أ هداها ا ل أ مراء ا ىل هذا الرج ل حمفوظة هل يف ِص وان ‪ .‬فل ي ُ ع ِط ه‬
‫لك منا ال ن زايدة عىل ذ كل مِ نصبا كب ريا لل ق ِ ْد ر ومرجال عظامي‬
‫‪ ،‬نعطيه ذكل ‪ ،‬مث جنمع مثنه من الشعب ‪ ،‬فليس جيوز آ أ ن يقع‬
‫عبء كهذا العبء عىل اكه ل رجل واحد ‪" .‬‬

‫‪161‬‬
‫ف آ أ جعب ا ل أ مراء هذا القول ‪ ،‬وذهبوا لك هم ‪ ،‬وعادوا‬
‫حيملون الهدااي يف اليوم التايل ‪ .‬ووضعها املكل نفسه حتت‬
‫املقاعد لئال ت ُعيق اجملذ فني يف علهم ‪.‬‬
‫وملا انهتى آ أ مر هذا لك ه ‪ ،‬قصد ا ل أ مراء ا ىل قرص املكل ‪،‬‬
‫وحض وا لزفس بثور ‪ ،‬وقضوا يوهمم يف عيد ‪ ،‬وغن امه املنشد ‪.‬‬
‫و ظ ل آ أ وذيس مع ذ كل ي رنو ا ىل الشمس ‪ ،‬ك أ نه يس تعج ل غياهبا‬
‫‪ .‬واكنت رغبته يف العودة ملح ة ت ُ ش به رغبة الفالح يف تناول‬
‫عشائه ‪ ،‬بعد آ أ ن قىض هناره جير حمراثه يف آ أ رض ب ُ ور ‪ ،‬و آ أ مامه‬
‫الن ري ُش د ت ا ليه الث ريان ‪ .‬وك ام ميتلئ قلب هذا فرحا حي امن يرى‬
‫الشمس تغوص يف املغرب ‪ ،‬ه ك ذا امت ل أ قلب آ أ وذيس فرحا‬
‫حيامن توارى آ أ مامه ضوء الهنار ‪ .‬وتلكم فقال ‪:‬‬
‫" آ أ ِر ِق الرشا ب تقدمة لل آ لهة اي س يدي املكل ‪،‬‬
‫و آ أ رسلين يف سبييل ‪ .‬و آ أ ين آ أ س تآ أ ذنك ال ن يف الوداع ‪ ،‬فقد‬
‫منحتين لك ما تش هتيه نفيس ‪ ،‬منحتين عطااي سني ة ‪ ،‬وحرسا‬
‫يرا فقين ا ىل وطين ‪ .‬فلهتبين ال آ ل هة معهم حظا سعيدا ‪ ،‬و ل متنحين‬
‫آ أ يضا آ أ ن آ أ جد زوجيت و آ أ هيل مق ميني يف مزنيل ساملني ! و آ أ ما‬
‫آ أ نت فا ين آ أ دعو كل آ أ ن تقمي هنا هانئا مع زوجاتك و آ أ ولدك ‪،‬‬
‫تنعم بآ أ نواع الطي بات ‪ ،‬ول يق ربمك آ أ ذى ‪ ،‬ول ميس مك سوء ‪" .‬‬

‫‪162‬‬
‫عندئذ خا طب املكل وصيفه فقال ‪:‬‬
‫" امزج النبيذ ال ن اي ف ونت ُ نوس ‪ ،‬و د ُ ْر عىل القوم‬
‫ابلرشا ب ‪ ،‬ليك نتقد م ا ىل زفس ابدلعاء ‪ ،‬ونرسل هذا الغريب‬
‫يف سبيهل ‪" .‬‬
‫مفزج فونتنوس النبيذ ‪ ،‬و آ أ داره عىل احلارضين ‪ ،‬ف آ أ راقوا‬
‫منه وتوهجوا ا ىل زفس ابدلعاء ‪ .‬مث هن ض آ أ وذيس من ماكنه ‪،‬‬
‫ووضع ك أ سه يف يد املل كة آ أ ريتا ‪ ،‬وقال ‪ " :‬ل ِ يلزمْ ِك السعد‬
‫آ أ يهتا املل كة ا ىل آ أ ن تآ أ تيك الش يخوخة ‪ ،‬واملوت اذلي ليس‬
‫لاكئن منه مفر ! ا ين ذاهب ال ن ا ىل بدلي ‪ ،‬فاهنيئ بآ أ ولدك‬
‫وبقومك ‪ ،‬وابملكل زوجك ‪" .‬‬
‫وملا قال هذا ختط العتبة ‪ .‬و آ أ رس ل آ أ لسينوس معه‬
‫وصيفا ليقوده ا ىل ا ل سفينة ‪ ،‬و آ أ رسلت امللكة وصيفا هتا ‪ ،‬حتمل‬
‫ا حداهن ثواب قشيبا ومقيصا ‪ ،‬وحتمل الثانية الصندوق ‪،‬‬
‫وحتمل الثالثة خ زبا ونبيذا ‪ .‬وملا بلغوا ا ل سفينة تناول اجملذ فون‬
‫هذه ا ل أ ش ياء وجعلوها يف العن رب ‪ ،‬وفرشوا ل أ وذيس بسا طا يف‬
‫مؤخرة ا ل سفينة ‪ ،‬وطرحوا فوقه غطاء ليك حيظ بنوم هينء ‪.‬‬
‫وملا متت عد هتم ‪ ،‬صعد آ أ وذيس ا ىل الفكل واضطجع يف‬
‫ماكنه و آ أ خذ الرجال آ أ ماكهنم من املقاعد وحل وا احلبال ‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫ومل ياكدوا ميسون املاء مبجاذيفهم حىت ا س توىل عىل آ أ وذيس‬
‫س بات عيق ‪ .‬وقد آ أ رسعت ا ل سفينة فوق ا ل أ مواج ك أ هنا مركبة‬
‫جتر ها آ أ ربعة من اجلياد تعدو هبا يف السه ل ‪ .‬ومل يكن يف قدرة‬
‫البازي نفسه ‪ ،‬وهو آ أ رسع ا ل أ جسام الطائرة ‪ ،‬آ أ ن يبارهيا ‪.‬‬
‫وملا بزغ يف الس امء النجم رسو ُل الصباح ‪ ،‬اق رتبت‬
‫ا ل سفينة من اجلزيرة ‪ .‬وهناك ‪ ،‬يف ا يثاكة ‪ ،‬مرف آ أ هو مرف آ أ‬
‫فور سيس ا هل البحر ‪ ،‬يقوم عىل جانبيه جرفان عظ امين يصد ان‬
‫عنه قوة ا ل أ مواج ‪ .‬ولك سفينة جتد السبيل ا ليه تصبح قادرة‬
‫عىل الرسو ‪ ،‬ول حتتاج ا ىل املرايس ‪ ،‬ويف آ أ عىل املرفآ أ جشرة‬
‫زيتون بقرهبا كه ف خاص حبورايت املاء ‪ .‬ولهذا الكهف ابابن ‪،‬‬
‫آ أ حدهام يتجه ا ىل الشامل ويلج منه البرش ‪ ،‬وال خر يتجه ا ىل‬
‫الغرب وهو خاص ابل آ لهة ‪ .‬ا ىل هذا املاكن وجه الفيس يانيون‬
‫ا ل سفينة ‪ ،‬ومه عىل آ أ مت عمل به ‪ .‬وقد اند فعت فوق الساحل ا ىل‬
‫منتصف قاعد هتا لرسعة جتذيفهم ‪ .‬مث محلوا آ أ وذيس من ماكنه يف‬
‫ا ل سفينة ‪ ،‬وهو يف البساط والغطاء اذلين آ أ عطهتام هل امللكة ‪.‬‬
‫وظل مع ذكل ان مئا ‪ .‬و آ أ خرجوا آ أ يضا هدااي آ أ مراء الفيس يانيني ‪،‬‬
‫وجعلوها ُر اكما عند جذع الزيتونة ‪ ،‬عىل مسافة قص رية من‬
‫الطريق العا م ‪ ،‬لئال يرسقها آ أ حد املار ة و آ أ وذيس انمئ ‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫وبعد هذا عادوا آ أ دراهجم ا ىل وطهنم ‪.‬‬
‫غري آ أ ن فوس يذون ما برح ذاكرا غضبه ‪ ،‬فقال لزفس ‪:‬‬
‫" ال ن ميس ين العار بني ا ل أ رابب من آ أ جل برش فانني ‪.‬‬
‫فا ن هؤلء الفيس يانيني آ أ نفسهم ‪ ،‬ومه من ذوي قرابي ‪ ،‬قد بلغ‬
‫هتاوهنم يب آ أ هنم مل يعودا يك رتثون يل ‪ .‬فقد قلت ا ن آ أ وذيس هذا‬
‫ل بد آ أ ن يلق حمنة عظ مية دلى عودته ا ىل وطنه ‪ ،‬وها مه قد‬
‫جازوا به البحر ساملا ‪ ،‬ومعه من الهدااي ما مل ي كن ليحظ‬
‫مبثهل من طروادة ‪ ،‬لو رجع مهنا ساملا حيم ل لك ما آ أ صابه من‬
‫الغنامئ ‪" .‬‬
‫فآ أ جابه زفس ‪ " :‬ما هذا اذلي تقوهل اي س يد البحر ؟‬
‫و آ أ ىن ل ل أ راب ب آ أ ن يعيبوك و آ أ نت آ أ ك ربمه س نا ؟ وا ذا آ أ مسك‬
‫البرش عن تقدمي ما جيب كل من ال كرام ‪ ،‬فعليك آ أ ن تزنل هبم‬
‫العقاب اذلي ترضاه ‪ .‬فا فع ل ا ذن ما تشاء ‪" .‬‬
‫فقال فوس يذون ‪ " :‬لقد فعلت هذا فامي مىض ‪ ،‬ول كين‬
‫كنت آ أ خىش غضبك ‪ .‬و آ أ ما ال ن فسآ أ رضب سفينة هؤل ء‬
‫الفيس يانيني عند رجوعها بعد آ أ ن محلت هذا الرجل ا ىل بدله ‪.‬‬
‫وس ي كون يف عيل هذا عربة هلم ‪ ،‬فال حيملون الناس بعد ال ن‬
‫ويوصلوهنم ا ىل غااي هتم آ منني ‪ .‬وس آ أ ظل ل مدينهتم جبب ل عظمي ‪" .‬‬
‫فآ أ جابه زفس عىل ذ كل بقوهل ‪:‬‬

‫‪165‬‬
‫" افعل ما بدا كل ‪" .‬‬
‫فهبط فوس يذون آ أ رض الفيس يانيني ‪ ،‬وتلب ث ريامث دنت‬
‫ا ل سفينة مرسعة يف سبيلها ‪ .‬وعندئذ آ أ نزل هبا رضبته وحو لها‬
‫ا ىل جحر و آ أ رخسها يف قاع البحر ‪.‬‬
‫و آ أ ما الفيس يانيون فقال آ أ حدمه لل خر ‪:‬‬
‫" من ذا اذلي حال دون عودة سف ينتنا ا ىل قاعد هتا ؟‬
‫لقد اكنت ال ن ملء البرص ‪" .‬‬
‫غري آ أ ن املكل آ أ لسينوس قال ‪:‬‬
‫ِ‬
‫حتققت النبوءا ت اليت اكن حيدثنا هبا آ أ يب ‪ .‬فقد اكن‬ ‫" لقد‬
‫يقول ا ن فوس يذون حانق علينا ل أ ننا جنوز البحر ابلناس ساملني‬
‫‪ ،‬وا ن ال هل ل بد آ أ ن يرضب يوما ا حدى سفننا وحيو لها ا ىل‬
‫جحر ‪ ،‬ويظل ل مدينتنا جبب ل عظمي ‪ .‬فلن ك ُ ف ال ن عن ا يصال‬
‫الناس ا ىل آ أ وطاهنم ‪ ،‬ولنتقر ب ا ىل فوس يذو ن ابلقرابني ول ن ُ ض ح‬
‫ابثين عرش ثورا لئال ي ُ ظل ل مدينتنا جببل عظمي ‪" .‬‬
‫قال املكل هذا ‪ ،‬فقام ا ل أ مراء بتنفيذ ما آ أ مرمه به ‪.‬‬
‫واستيقظ آ أ وذيس يف هذه ا ل أ ثناء من منامه يف آ أ رض ا يثاكه ‪،‬‬
‫فمل يعرف املاكن ؛ ل أ ن آ أ ثينا نرشت ضبااب كثيفا‬

‫‪166‬‬
‫حوهل ‪ .‬وسيتضح فامي بعد آ أ هنا ا من ا آ أ رادت هل بذكل اخلري ‪ ،‬ل يك‬
‫ينف ذ يف آ أ من ما عزم عليه ‪.‬‬
‫فهنض آ أ وذيس و آ أ خذ يندب حظه قائال ‪ " :‬اي لت عيس !‬
‫ا ىل آ أ ية آ أ رض قدمت ؟ آ أ متوحشون ساكهنا جائرون آ أ م‬
‫مِ ضيافون من آ أ هل ال ِرب والصالح ؟ ا ىل آ أ ين آ أ محل ثرويت هذه‬
‫؟ وا ىل آ أ ين آ أ ذهب آ أ ان نفيس ؟ حقا آ أ ن الفيس يانيني قد‬
‫آ أ ساءوا ا يل صنعا ‪ .‬فهم قد وعدوا بآ أ ن حيملوين ا ىل وطين ‪،‬‬
‫زفس حا يم‬‫ُ‬ ‫ول كهنم آ أ خذوين ا ىل آ أ رض غريبة ‪ .‬فل ي ُ عا قهبم‬
‫املتوسلني عىل ذكل ! و ﻷ همت ال ن مبتاعي و ل أ ح ِص ه ِ ‪ ،‬فقد يكون‬
‫هؤلء الرجال قد آ أ خذوا منه شيئا ‪" .‬‬
‫قال هذا و آ أ حىص مناصب القدور ‪ ،‬واملراجل ‪ ،‬والثياب‬
‫‪ ،‬وا ذلهب ‪ ،‬فوجدها مل تنق ص شيئا ‪ .‬ولكنه ظ ل ينوح شوقا‬
‫ا ىل وطنه ‪.‬‬
‫وفامي اكن سائرا يند ب بقرب الشاط ئ ‪ ،‬قابلته آ أ ثينا يف‬
‫هيئة راع فيت يروق جامهل ا ل أ نظار ‪ ،‬ك أ نه من آ أ ولد امللوك ‪.‬‬
‫فابهتج آ أ وذيس ملرآ ها مع آ أ نه مل يعرفها ‪ ،‬وقال ‪ " :‬ا نك آ أ هيا‬
‫الصديق آ أ ول من آ أ رى يف هذه ا ل أ رض ‪ .‬فآ أ رجوك آ أ ن ت ُنقذ مايل‬
‫‪ ،‬وتنقذين آ أ ان آ أ يضا ‪ .‬ولكن آ أ ص ُد قين اخلرب آ أ ول ‪ ،‬وقل يل ما‬
‫يه هذه ا ل أ رض اليت آ أ تيتُ ‪ ،‬ومن مه ساكهنا ؟ آ أ جزيرة يه آ أ م‬
‫جزء من اليا بسة ؟ ‪" .‬‬

‫‪167‬‬
‫فقال الراعي الزائف ‪ " :‬ا م ا آ أ ن ت كون آ أ محق ‪ ،‬وا ما آ أ ن‬
‫ت كون قادما من آ أ رض بعيدة ‪ ،‬جلهكل هذه ا ل أ رض ‪ .‬فال كثريون‬
‫يف الرشق والغرب يعرفوهنا ‪ .‬فه ىي خصرية ل تصلح للخي ل ‪،‬‬
‫ويه قليةل العرض ‪ ،‬ول كهنا آ أ رض خصبة صاحلة للخمر ‪ .‬ول‬
‫ينقصها املطر ‪ ،‬ب ل يه مرع خصب للثريان واملعز ‪ .‬ويسم هيا‬
‫الناس ا يثاكة ‪ .‬وقد مسع الناس بذكرها حىت يف طروادة اليت‬
‫تبعد جدا عن هذه ا ل أ رض من بالد ال غريق ‪" .‬‬
‫فابهتج آ أ وذيس مبا مسع ‪ ،‬ومل يش آ أ مع ذكل آ أ ن ي ُ ظهر نفسه‬
‫‪ ،‬بل آ ثر آ أ ن ي ُ لف ق حاكية ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫" آ أ جل ‪ ،‬ا ين مسعت وا مي ُ احلق اب يثاكة هذه يف كريت ‪،‬‬
‫اليت قدمت مهنا حديثا هبذه الرثوة لك ها ‪ ،‬بعد آ أ ن تركت مثلها‬
‫ل أ ولدي ‪ .‬فقد قتلت آ أ ور س يلوخ ابن املكل ايذومني ‪ ،‬ل أ نه‬
‫آ أ راد آ أ ن يسلبين غنا مئي ‪ .‬وقد قتلته و آ أ ان م رتص د هل عىل طريقه‬
‫‪ .‬مث تعاهد ت مع ج امعة من ا لفي نيقيني آ أ ن يآ أ خذوين ا ىل فيلوس‬
‫ا و ا ىل ايليس ‪ .‬واكن يف عزهمم آ أ ن يقوموا هبذا ‪ ،‬ول كن الرحي‬
‫سا قهتم غىل هنا ؛ وقد محلوين و آ أ ان انمئ ا ىل الشا طئ مع متاعي ‪،‬‬
‫وعادوا آ أ دراهجم ا ىل صيداء ‪" .‬‬
‫فرس ت آ أ ثينا جدا هبذه احلاكية ‪ ،‬وغ ري ت صور هتا ‪،‬‬
‫ُ‬

‫‪168‬‬
‫فغد ت امرآ أ ة طويةل القامة مجيةل املنظر ‪ ،‬وقالت ل أ وذيس ‪:‬‬
‫" ا ن اذلي يقدر عىل خ ِ داعك ي ُ عد آ أ م كر املاكرين ‪ .‬فا نك‬
‫‪ ،‬و آ أ نت يف ع قر بدلك ‪ ،‬ل تنفك تلج آ ُ ا ىل الكم امل كر واخلداع‬
‫! ول ْ ن دع هذا ال ن ‪ ،‬فا نك عىل ما آ أ عتقد آ أ وف ُر البرش حمكة ‪،‬‬
‫و آ أ ان آ أ جو د ا ل أ راب ب رآ أ اي ‪ ،‬فآ أ ان آ أ ثينا بنت زفس ‪ ،‬وقد كنت‬
‫دامئا ا ىل جانبك ‪ ،‬و آ أ ابدر ا ىل معونتك ‪ .‬ولنت خذ ال ن ل أ مواكل‬
‫هذه خمب آ أ ‪ .‬و آ أ م ا آ أ نت فالزم الصمت ‪ ،‬ول ت ُعر ف آ أ حدا‬
‫بنفسك ‪ ،‬وعليك آ أ ن ت ُعاين ال كثري قبل آ أ ن ترجع ا ىل سابق‬
‫عهدك ‪" .‬‬
‫فآ أ جاهبا آ أ وذيس ‪" :‬ا نه ل يعرس عىل برش همام اكن حكامي آ أ ن‬
‫ِ‬
‫كنت‬ ‫ي ُ مزيك آ أ يهتا ال ل هة ‪ ،‬ل أ نك تتخذين هيئا ت ش ىت ‪ .‬وقد‬
‫دامئا رفيقة يب مل ا كنت آ أ حارب الطرواد مع غ ريي من الاغريق ‪.‬‬
‫غري آ أ ين ‪ ،‬منذ استيالئنا عىل مدينة فرايم ‪ ،‬وا حباران ا ىل‬
‫آ أ وطاننا ‪ ،‬مل آ أ ر ِك حىت قابل ت ِ ين يف آ أ رض الفيس يانيني ‪،‬‬
‫فشد دت عزمييت و آ أ رشدتين آ أ نت نفسك ا ىل املدينة ‪ .‬وا ﻵ ن‬
‫آ أ توس ل ا ليك بآ أ بيك زفس آ أ ن ت ص ُد قيين القول ‪ :‬هل هذه‬
‫ا ل أ رض اليت آ أ رى يه ا يثاكة؟ فا نه ليخي ل ا يل آ أ ين آ أ تيتُ آ أ رضا‬
‫سواها ‪ ،‬و آ أ نك تسخرين يب ‪ .‬آ أ ل قويل يل قول الصدق ه ل‬
‫بلغت وطين حقا ؟ "‬
‫فآ أ جابته آ أ ثينا ‪ " :‬لن آ ُ غادرك بعد ال ن ‪ ،‬ﻷ ن كل من‬

‫‪169‬‬
‫احلمكة والفطنة ما تبذ به سائر الرجال ‪ .‬ف لك رج ل غريك ‪،‬‬
‫يعود مثكل بعد تط و اف طوي ل ا ل أ مد ‪ ،‬ي ُ بادر ا ىل رؤية زوجته‬
‫و آ أ ولده ‪ .‬ول كنك آ أ ردت آ أ ن متتحن زوجك آ أ ول ‪ .‬و آ أ ما قو كل‬
‫ا نك مل تعد تراين يف طوفانك ‪ ،‬ف ذ كل ل أ ين مل آ أ شآ أ آ أ ن آ أ عادي‬
‫فوس يذون آ أ خا آ أ يب ‪ ،‬فقد اكن حانقا عليك ‪ ،‬ل أ نك مس ل ْ ت عني‬
‫ابنه الس يلكوب فاعيته ‪ .‬ول كن تعال ال ن فآ أ ريك هذه ا ل أ رض‬
‫آ أ رض ا يثاكة ‪ ،‬ليطمنئ قلبك ‪ .‬فانظر ! هذا هو مرفآ أ فور سيس‬
‫‪ .‬ويف آ أ عاله جشرة الزيتون ‪ .‬وهنا آ أ يضا الكه ف امجلي ل اخلاص‬
‫حبوراي ت املاء ‪ .‬وانظر ‪ ،‬فهناك هضبة ن ريتون تغطهيا الغااب ت "‬
‫‪.‬‬
‫عندئذ بد د ت ال لهة الضبا ب ‪ ،‬فرآ أ ى ا ل أ رض وعرف‬
‫آ أ هنا ا يثاكة حقا ‪ ،‬خفر عىل ركبتيه ‪ ،‬وقب ل ا ل أ رض ‪ ،‬ودعا‬
‫احلورايت قائال ‪:‬‬
‫" مل آ أ كن آ أ رجو آ أ ن آ أ راكن ‪ ،‬وها آ أ ان آ ُ حي ي ك ُ ن ال ن حتي ة‬
‫الوداد ‪ ،‬وس آ أ قدم ل كن آ أ يض ا الهدااي ال كث رية ا ذا تعطفت آ أ ثينا‬
‫ف ع ُ نيت اب رجاعي ا ىل سابق عهدي ‪" .‬‬
‫فقالت آ أ ثينا عندئذ ‪ " :‬شد دِ العزم ول جتزع ‪ .‬وعلينا‬
‫قبال آ أ ن نضع متاعك يف ماكن خفي آ أ مني من ال كهف ‪" .‬‬
‫ح ينئذ مح ل آ أ وذيس النحاس واذلهب والثياب اليت‬
‫آ أ هداها‬

‫‪170‬‬
‫ا ليه الفيس يانيون ‪ ،‬وتعاوان عىل وضعها يف الكهف ‪ .‬مث آ أ لقت‬
‫آ أ ثينا جحرا كب ريا عىل اببه وقالت ‪:‬‬
‫" ف ك ر ال ن آ أ هيا الرجل ال كثري احليةل يف ما جيب عهل‬
‫لتقبض عىل هؤلء الرجال خ ُ ط ا ب امرآ أ تك اذلين يق ميون يف‬
‫مزن كل منذ ثال ث س نوا ت ‪ ،‬ويلهتمون رزقك ‪ .‬ويه قد‬
‫م ك ر تْ هبم يف جواهبا ‪ ،‬ومن هتم ابلوعود ال كث رية ‪ ،‬ول كهنا ل‬
‫تزال تنتظر عودتك ‪" .‬‬
‫فقال آ أ وذيس‪ " :‬حقا ا نين لولك لهل كت كام هكل‬
‫آ أ غاممنون ‪ .‬فآ أ جنديين ال ن ك ام آ أ جندتين يف سالف ا ل أ ايم يف‬
‫طروادة ‪ ،‬ففي قدريت ‪ ،‬و آ أ نت ا ىل جانيب ‪ ،‬آ أ ن آ أ حارب ثال مثئة‬
‫من الرجال ‪" .‬‬
‫فقالت آ أ ثينا ‪ " :‬س آ أ حدث بك تغي ريا ل يعرفك معه آ أ حد‬
‫‪ ،‬فلحمك الغض س يذوي عىل آ أ طرا فك ‪ ،‬ويذهب شعرك الالمع‬
‫عن رآ أ سك ‪ ،‬وتمكد عيناك ‪ .‬فال يآ أ به كل اخلط اب ‪ ،‬ول تعرفك‬
‫امرآ أ تك ول ودلك ‪ .‬فاذهب ا ىل حيث يس كن عوس ‪ ،‬راعي‬
‫اخلنازير ‪ ،‬قرب نبع آ أ ريثوسا ‪ ،‬فهو كل ولبيتك ويف آ أ مني ‪.‬‬
‫وس آ أ ابدر آ أ ان ا ىل بيت مانيال يف ا س بارطة ليك آ ُ حرض تل اميخ‬
‫اذلي رح ل ا ىل هناك يتقىص آ أ خبارك ‪" .‬‬
‫ول كن آ أ وذيس قال لال ل هة ‪ " :‬مل مل ت ُطلعيه عىل آ أ خباري‬
‫‪،‬‬

‫‪171‬‬
‫نت بلك يشء عل مية ؟ فه ل اكن ذ كل ليك يعاين الكروب اتهئا‬ ‫وآ أ ِ‬
‫فوق البحار كام عانيتُ ‪ ،‬في مت كن ا ل أ غيار آ أ ثناء ذ كل من الهتام‬
‫آ أ مواهل ؟ "‬
‫فآ أ جابته آ أ ثينا ‪ " :‬ل جتزع عليه ول خت ف فقد آ أ رشدته آ أ ان‬
‫نفيس ‪ ،‬ل يك يغمن ذكرا طيبا ‪ ،‬ك ام يليق بودل يبحث عن آ أ بيه ‪.‬‬
‫وهو يقمي ال ن يف بيت مانيال آ منا مطمئنا ‪ .‬وهناك رجال‬
‫يرقبون عودته ليفتكوا به ‪ ،‬ول كن مآ أ رهبم لن يتحق ق ‪ ،‬بل‬
‫س هيلكون مه وهيكل معهم غ ريمه مم ن الهتموا آ أ موا كل ‪" .‬‬
‫عندئ ذ مس ته بصوجلاهنا فذوى جدله وغدا كجدل رجل‬
‫هرم ‪ ،‬وذهب شعره عن رآ أ سه ‪ ،‬وامكد ت عيناه ‪ .‬و آ أ م ا مال بسه‬
‫حفو ل هتا ا ىل آ أ خالق ي غشاها الوح ل ويلو هثا ادلخان ‪ .‬و آ أ لقت‬
‫فوق ذ كل لك ه جدل وع ل كب ري ذهب عنه الوبر ‪ .‬وجعلت يف يده‬
‫عاكزا ‪ ،‬و آ أ عطته جرااب راث وحبال يربطه به ‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫‪15‬‬
‫عوس ‪ ،‬راعي ا خل نا زير‬

‫ذهبت آ أ ثينا ا ىل لقدمونيا ل ت ُ حرض تل اميخ ‪ ،‬وذهب آ أ وذيس‬


‫ا ىل م زنل عوس راعي اخلنازير ‪ .‬وقد اكنت هناك حظ رية كبرية‬
‫واثنتا عرشة زريبة للخنازير ‪ ،‬و آ أ ربعة الك ب للحراسة يف رشا سة‬
‫الوحوش الضارية ‪ ،‬وقد رابها عىل ذ كل راعي اخلنازير ‪ .‬واكن‬
‫يف لك زريبة مخسون خزنيرا ‪ .‬واكنت ال كبار مهنا آ أ ق ل عددا ؛‬
‫ﻷ ن اخلطا ب ما برحوا يلهتمون مهنا يف ولمئهم ‪ .‬واكن عدد ما يف‬
‫احلظرية ل يتجاوز ثال مثئة وس تني خزنيرا ‪ .‬واكن الراعي نفسه‬
‫خيصف ن ِ عال ‪ .‬واكن ثالثة من رجاهل مع اخلنازير يف املروج ‪.‬‬
‫واكن آ أ حدمه يسوق آ أ مامه خ زنيرا مسينا ا ىل املدينة لي كون‬
‫طعاما‬

‫‪173‬‬
‫للخطاب ‪ .‬وملا دان آ أ وذيس ه ر ت ْ هُ اللكب وجهمت عليه ‪ ،‬فآ أ لق‬
‫عصاه وجلس ‪ ،‬واكد يلق ا ل أ ذى عىل عتبة م زنهل ‪ .‬غري آ أ ن‬
‫الراعي هرع ا ليه ‪ ،‬وطرد عنه اللك ب ابحلجارة ‪ ،‬وخا طب‬
‫موله ‪ ،‬وهو ل يعرفه ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫" اكدت اللك ب تفتك بك آ أ هيا الش يخ ‪ ،‬وا ن هذا ملم ا‬
‫يلحقين منه العار وا ل أ ىس ‪ .‬وا ن ما عندي من ا ل أ جشان غ ري ذ كل‬
‫لكثري ‪ .‬فا ين مقمي هنا ي ُ رب ح يب احلزن من آ أ ج ل مولي ‪ ،‬و آ ُ ريب‬
‫اخلنازير و آ أ مس هنا ل يك يلهتمها غ ريه ‪ ،‬عىل حني ي كون هو يف جوع‬
‫اتهئا فوق الغمر ‪ ،‬آ أ و مطو فا يف آ أ رض الغرابء ‪ .‬هذا ا ذا اكن ل‬
‫يزال من ا ل أ حياء ‪ .‬ول كن همل ال ن آ أ هيا الش يخ ا ىل م زنيل ‪،‬‬
‫و آ أ عل مْ ين من آ أ نت ‪ ،‬و آ أ طلعين عىل ما عانيت من ا ل أ جشان " ‪.‬‬
‫وقاده راعي اخلنازير عندئذ ا ىل مس كنه ‪ ،‬و آ أ جلسه عىل‬
‫مقعد من آ أ غصان الشجر ‪ ،‬عليه جدل تيس بر ي ‪ .‬واكن اجلدل‬
‫ضافيا لينا ‪ ،‬فشعر ابلرغبة يف آ أ ن ينام عليه ‪.‬‬
‫واكن فرح آ أ وذيس هبذا الرتحا ب عظامي فقال ‪" :‬‬
‫لي مْ ن ح ُ ك زفس وسائر ال آ لهة رغائب فؤادك لحتفاءك و ِر ف ق ُ ك‬
‫يب " ‪.‬‬
‫فآ أ جاب الراعي ‪ " :‬من الرش آ أ ن آ أ زدري الغريب ‪،‬‬

‫‪174‬‬
‫فا ن الغريب والسائل موف دان من ق ِ ب ل زفس ‪ ،‬و آ أ ما العطاء‬
‫همام ض ُؤ ل ‪ ،‬فهو كثري منا حنن ا ل أ رقا ء العائشني يف خ ش ية من‬
‫مولان ‪ .‬وقد آ أ عا قت ا ل أ رابب عودة س يدي ‪ .‬ول ريب عندي‬
‫آ أ نه لو عاد ل أ عطاين بيتا ‪ ،‬ومنحين بقعة من ا ل أ رض ‪ ،‬و آ أ هدى‬
‫ا يل فوق هذا ‪ ،‬زوجة مجيةل ‪ .‬ل أ ن هذا هو عطاء السادة ملن‬
‫حيس نون اخلدمة من آ أ تباعهم ‪ ،‬ويف آ أ يدهيم ت منو ثروهتم كام منت‬
‫ثروة مولي يف يدي ‪ .‬ولو آ أ قام س يدي يف م زنهل ل أ اثبين خ ريا ‪،‬‬
‫ول كنه لىق الهالك ‪ ،‬كام آ أ و د آ أ ن هيكل لك قوم هيالنة ‪ ،‬ل أ هنا‬
‫آ أ ْو د ت ابل كثريين من آ أ بناء ال غريق البواسل ‪ .‬فا نه هو آ أ يضا‬
‫قد ذهب مع من ذهب ا ىل طروادة ‪ ،‬ليك يساعد آ أ غاممنون‬
‫و آ أ خاه مانيال عىل الانتقام من الطرواديني " ‪.‬‬
‫وقصد الراعي بعدئذ ا ىل الزرائب ‪ ،‬وجاء مهنا خبزنيرين‬
‫صغريين فقطعه ام بعد آ أ ن ش ي طهام مث شواهام عىل السفا فيد ‪ .‬وملا‬
‫مت نضجهام وضعهام آ أ مام السائل ‪ .‬مث مزج نبيذا يف كوب من‬
‫خشب اللبالب ‪ ،‬وجلس ق ُ باةل ضيفه ‪ ،‬ودعاه ا ىل الطعام قائال‬
‫‪ُ " :‬لك ِ ال ن مما يسعين آ أ ن آ أ قدمه كل من الطعام ‪ .‬و آ أ ما‬
‫اخلنازير ا ل سمينة فليهتمها اخلط اب ‪ .‬ا ن هؤلء الرجال ‪ ،‬وا مي ُ‬
‫احلق ‪ ،‬ل يعرفون الرمحة ‪ ،‬ول‬

‫‪175‬‬
‫خيافون ا ل أ رابب ‪ .‬ول بد آ أ ن يكونوا قد مسعوا مبوت س يدي‬
‫حىت سلكوا هذا السلوك الشائن ‪ ،‬ل خيشون عىل آ أ ع امهلم‬
‫الرشيرة عقااب ‪ .‬ا هنم ل يتوددون ك ام يتودد اخلطاب ‪ ،‬ول‬
‫يرجعون ا ىل منازهلم ‪ ،‬بل يق ميون يف راحة يلهتمون ثروتنا ا ىل‬
‫ما لحد هل ‪ .‬واهنم ليك رثون من تضحية اذلابحئ لي ل هنار ‪ ،‬ول‬
‫يقترصون عىل ذبيحة واحدة آ أ و اثنتني ‪ ،‬ول كهنم يضح ون ابل كثري‬
‫‪ ،‬ويرسفون يف الرشاب ا ىل حد البطر ‪ .‬وقد اكن ملولي من‬
‫ا ل أ مالك ما يفوت احلرص ‪ ،‬ومل ي كن يف ا يثاكة ول ال غريق من‬
‫يضارعه غىن ‪ .‬فامسع ال ن تعداد هذه املمتلاك ت ‪ :‬اكن هل عىل‬
‫اليابسة عرشون من رعال البقر ومثلها من قطعان الغمن ‪ ،‬ومثل‬
‫ذكل من آ أ رساب اخلنازير واملعز ‪ .‬وهل آ أ يضا هنا يف آ أ قىص هذه‬
‫اجلزيرة آ أ حد عرش قطيعا من املعز ‪ ،‬يؤخذ مهنا ا ىل اخلطاب‬
‫رآ أ س يف لك يوم ‪ ،‬و آ أ ان آ أ محل ا لهيم آ أ فض ل كبار اخلنازير " ‪.‬‬
‫قال الراعي هذا فامي اكن آ أ وذيس يآ أ لك اللحم ويرشب‬
‫النبيذ ‪ .‬ومل ينطق بلكمة ‪ ،‬ب ل اكن يدب ر يف نفسه آ أ مر القضاء‬
‫عىل اخلطا ب ‪ .‬ول كنه تلكم آ أ خ ريا فقال ‪ " :‬من ي كون مولك‬
‫اذلي تلكمت عنه آ أ هيا الصديق ؟ تقول بآ أ نه هكل وهو يسع يف‬
‫الانتقام للمكل مانيال ‪ .‬آ أ علمين ابمسه‬

‫‪176‬‬
‫ال ن ‪ ،‬فقد آ أ كون رآ أ يته و آ أ ان آ أ جوب ال فاق البعيدة ؟ "‬
‫فآ أ جا ب عوس ‪ " :‬الك آ أ هيا الش يخ ‪ ،‬فا نك تردد ما يقوهل‬
‫مجيع عابري السبيل ‪ .‬ول كننا مل نسمع مهنم خ ربا صادقا ‪ .‬ومل مير‬
‫هبذه اجلزيرة آ أ حد من ُش ذ اذ ال فاق ا ل رآ أ ته ملكتنا ‪ ،‬وسآ أ لته‬
‫ا ل أ س ئةل الكثرية ويه تنتحب ‪ .‬و آ أ ما آ أ نت ‪ ،‬فلست آ أ شك آ أ نك‬
‫تق ص علينا آ أ جعب احلاكاي ت لتنال رداءا آ أ و معطفا ‪ .‬ولكنين‬
‫آ أ عمل آ أ ن آ أ وذيس قد ما ت ‪ ،‬وذهب طعاما ا ما لطري الس امء وا ما‬
‫لسمك البحر " ‪.‬‬
‫غري آ أ ن الفقري الزائف قال ‪ " :‬آ أ صغ ا يل ال ن ‪ ،‬ا ين‬
‫آ أ قول ‪ ،‬ولست آ ُ لقي القول جزا فا ‪ ،‬بل آ أ دمع الكيم ابلقس م ‪،‬‬
‫ا ن آ أ وذيس س يعود ‪ .‬وس تجزين عند ذ كل جزاء طيب ا ل أ نباء ‪.‬‬
‫فس تعطيين معطفا وثواب ولن آ خذ منك شيئا قبل ذ كل مع‬
‫حاجيت امللح ة ‪ ،‬فا ين آ أ كره الرجل اذلي ي ُ ل ْ ِج ئ ُ هُ الفقر ا ىل‬
‫التحدث بلكم الغش ‪ ،‬ك ام آ أ كره آ أ بوا ب املوت ‪ .‬وال ن ا ين‬
‫آ ُ شهد زفس و آ ُ شهد هذا البيت اذلي آ أ تيت ‪ ،‬بيت آ أ وذيس‬
‫املضياف ‪ ،‬عىل آ أ ن هذا سيتحقق ك ام قلت ‪ ،‬وس يعود آ أ وذيس‬
‫هذا العام ‪ .‬آ أ جل ‪ ،‬ا نه س ي آ أ يت عندما يدخل القمر يف احملاق‬
‫وس ينتقم من مجيع هؤلء اذلين آ أ حلقوا ابمسه العار " ‪.‬‬
‫فآ أ جاب عوس ‪ " :‬يقينا آ أ ين لن آ ُ عطيك ماك فآ أ ة ا ل أ نباء‬

‫‪177‬‬
‫الطيبة آ أ هيا الش يخ ‪ ،‬فال ريب عندي آ أ ن آ أ وذيس لن يعود ا ىل‬
‫بيته ‪ .‬ولنوج ه آ أ فاكران ال ن وهجة آ ُ خرى ‪ ،‬ول تعد ا ىل تذكريي‬
‫هبذه ا ل أ مور ‪ ،‬ل أ ن قليب يطفح آ أ ىس ا ذا ما ذك رين آ أ حد مبولي‬
‫‪ .‬آ أ ما ق س م ك فلي كن من شآ أ نه ما يكون ‪ ،‬فا ين ل أ دعو آ أ حر‬
‫ادلعاء ليك يعود آ أ وذيس حقا ‪ ،‬ففي هذا حتقيق لرغبيت ورغبة‬
‫زوجته ‪ ،‬ورغبة الش يخ ل ريت وتل اميخ ‪ .‬وا ين ال ن يف قلق عىل‬
‫تل اميخ ‪ .‬فقد ظننت آ أ نه لن يتور ط يف مث ل ما تور ط فيه آ أ بوه‬
‫‪ ،‬ول كن آ أ حدا ‪ ،‬ل آ أ عمل آ أ ا هل هو آ أ م ا نسان ‪ ،‬قد جر ده من‬
‫فطنته ‪ ،‬ومحهل عىل اذلهاب ا ىل فيلوس ليس تقيص آ أ خبار آ أ بيه ‪.‬‬
‫و ها مه اخلطا ب قاعدون هل ابملرصاد ‪ ،‬م متنني انقراض نسل‬
‫آ أ وذيس عن ظهر ا ل أ رض ‪ .‬ولكنين لن آ أ ذكر من آ أ مره هو آ أ يضا‬
‫‪ ،‬شيئا بعد ال ن ‪ ،‬ولست آ أ دري آ أ هيكل آ أ م ينجو مبعونة زفس ‪.‬‬
‫فتعال ال ن آ أ هيا الش يخ و آ أ خ ربين من آ أ نت ‪ ،‬ومن آ أ ين آ أ تيت ؟‬
‫و آ أ ي سفينة محلتك ؟ فقدومك ا ىل ا يثاكة يف سفينة مما ل ريب‬
‫فيه " ‪.‬‬
‫فآ أ جاب آ أ وذيس عندئذ وقال ‪ " :‬لو اكن دلينا من الطعام‬
‫والنبيذ ما ي كفينا س نة ‪ ،‬وجلس نا هنا نتحدث يف طم آ أ نينة ‪،‬‬
‫عىل حني يذهب غريان من الناس ا ىل آ أ ع امهلم ‪،‬‬

‫‪178‬‬
‫ل أ مقت لك هذه املدة ارسد عليك لك م ل آ أ صابين من اهلموم ‪،‬‬
‫وقاسيته من ا ل أ هوال عىل وجه ا ل أ رض ‪ ،‬و آ أ ما قصيت فهىي هذه‬
‫‪:‬‬
‫" ا ين كرييت ‪ ،‬وابن رجل يدع كس تور من امرآ أ ة من‬
‫الرقيق ‪ .‬وملا اكن آ أ يب عىل قيد احلياة ‪ ،‬اكن يعاملين معاملته‬
‫لسائر آ أ بنائه ‪ .‬ول كن ملا ما ت اقتسم آ أ ولده ثروته ‪ ،‬ومل‬
‫يعطوين مهنا ا ل اليشء القلي ل ‪ ،‬وسلبوين مسكين ‪ .‬ول كين‬
‫تزوجت ابمرآ أ ة غنية ‪ ،‬ل أ ين كنت جشاعا حسن السمعة ‪ .‬ومل‬
‫ي كن بني الرجال من يس بقين ا ىل قتال آ أ و مكني ‪ .‬وقد آ أ حببت‬
‫السفن والرماح والسهام اليت آ أ عتقد آ أ ن البعض ميقهتا ‪ .‬وقد ت‬
‫رفايق يف السفن تسع مرا ت لقتال الغرابء ‪ ،‬ويف املرة العارشة‬
‫حصبت املكل ا يذومني ا ىل طروادة ‪ .‬وملا سقطت مدينة فرايم ‪،‬‬
‫رجعت ا ىل وطين ‪ .‬وقد آ أ مقت هناك مع زوجيت مدة شهر ‪ ،‬مث‬
‫آ أ حبرت بتسع سفن ا ىل مرص ‪ .‬ويف اليوم اخلامس بلغنا هنر مرص‬
‫‪ ،‬ﻷ ن ال آ لهة م نحتنا سفرا موفقا ‪ .‬وهنا كل آ أ وقع رفايق يف آ أ هل‬
‫البالد آ أ ذى عظ امي ‪ .‬فعاثوا يف حقوهلم ‪ ،‬وس بوا زوجاهتم‬
‫و آ أ ولدمه ‪ ،‬ومل يصغوا ا ىل نصحي حيامن كنت آ أ هنامه ‪ .‬عندئذ مجع‬
‫املرصيون مجوعهم وهامجوان ففتكوا‬

‫‪179‬‬
‫ببعضنا و آ أ رسوا بعضنا ال خر ‪ .‬و آ أ ما آ أ ان فقد آ أ لقيت خوذيت‬
‫ورحمي وابدرت ا ىل حيث اكن مكل البالد جالسا يف مركبته ‪،‬‬
‫وتوسلت آ أ ليه آ أ ن يرمحين ويعفو عين ‪ ،‬ففعل ‪ .‬و آ أ مقت معه س بع‬
‫س نوات مجعت خاللها ثروة طائةل ‪ .‬ويف الس نة الثامنة قدم‬
‫اتجر ف ينيقي ف آ أ غراين ابذلهاب معه فرا فقته ا ىل بدله ‪ .‬و آ أ مقت‬
‫هناك س نة ‪ ،‬ومحلين بعدها يف سفينة ا ىل ليبيا ‪ ،‬ويف عزمه آ أ ن‬
‫يبيعين بيع الرقيق ‪ ،‬ولكن زفس حطم ا ل سفينة فمل ين ُج مهنا‬
‫سواي ‪ .‬وبقيت طافيا تسعة آ أ ايم م تشبثا ابلسارية ‪ ،‬ا ىل آ أ ن‬
‫قذ فتين موجة يف اليوم العا رش ا ىل آ أ رض ث رِ ْس ربوثيا ‪ ،‬حيث‬
‫آ أ حسن مل كها فايدون معامليت ‪ ،‬بآ أ ن آ أ مر يل بطعام وكسوة ‪.‬‬
‫وهناك مسعت خبرب آ أ وذيس ‪ ،‬حىت ا ين رآ أ يت ما مجعه من‬
‫اخل ريات اليت حفظها هل املكل فايدون ا ىل حني عودته من دودوان‬
‫‪ ،‬اليت ذهب ا لهيا يس تويح زفس يف هيلكه ‪ .‬ومن هناك آ أ حبرت‬
‫يف سفينة ا ىل دوليخيوم قاصدا املكل آ أ اك س توس ‪ ،‬ول كن‬
‫املال حني اكن يف عزهمم آ أ ن يبيعوين بيع الرقيق ‪ .‬ولهذا تركوين‬
‫موثقا يف ا ل سفينة ون زلوا ا ىل الشاطئ ليتناولوا عشاءمه ‪،‬‬
‫حفللت يف غضون ذكل واثيق مبعونة ا ل أ راب ب ‪ ،‬وقفزت ا ىل البحر‬
‫‪ ،‬وس بحت ا ىل الشاط ئ ‪ ،‬واختبآ أ ت يف غابة قريبة " ‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫عندها قال راعي اخلنازير ‪ " :‬لقد آ أ ث رت فؤادي آ أ هيا‬
‫الغريب حباكية ما لقيت من الشقاء ‪ ،‬غري آ أ ين آ أ خىش آ أ ل تكون‬
‫صاد قا يف قوكل ا ن آ أ وذيس س يعود ‪ .‬فا ين آ أ عمل جيدا آ أ نه اكن‬
‫بغيضا ا ىل ا ل أ رابب ‪ ،‬ولهذا مل يقضوا عليه حيامن اكن حيارب‬
‫آ أ هل طروادة ‪ ،‬ول ف امي بعد بني آ أ صد قائه ‪ ،‬بعد هناية احلرب‬
‫‪ .‬ل أ نه لو قىض ح ينئذ ‪ ،‬ل أ قام هل اجليش ن ُصبا كب ريا ‪ ،‬و آ أ صاب‬
‫اذلكر العظمي هل و ل أ ولده ‪ .‬ولكنه ما ت ميتة خ ِ لوا من اجملد بني‬
‫عواصف البحر ‪ .‬و آ أ ما آ أ ان فآ أ قمي عىل حدة مع اخلنازير ‪ ،‬ول‬
‫آ أ ذهب ا ىل املدينة ‪ ،‬ا ل ا ذا دعتين بنلوب حيامن ت ُنقل ا لينا‬
‫آ أ نباء عن مولي ليس من يعمل مصدرها ‪ .‬ح ينئذ حييط امجليع‬
‫بناق ل ا ل أ خبار وميطرونه ا ل أ س ئةل ‪ ،‬سواء يف ذ كل الراغب يف‬
‫عودة موله ‪ ،‬واملرسور ابلهتام رزقه من غري عوض ‪ .‬غري آ أ ين مل‬
‫آ أ عد آ أ ابيل اب لقاء ا ل أ س ئةل عىل حاميل ا ل أ نباء بعد آ أ ن خدعين‬
‫آ أ حد ال توليني حباكيته ‪ ،‬فقد زمع هو آ أ يضا آ أ نه قتل رجال‬
‫وجاب بالدا كث رية ‪ ،‬وملا آ أ ىت م زنيل آ أ كرمت وفادته ‪ .‬وقد قال‬
‫هذا الرجل ا نه رآ أ ى مولي مع ا يذومني مكل كريت ‪ ،‬وا نه‬
‫آ أ صلح هل سفنه اليت كرسهتا العاصفة ‪ .‬و آ أ ضاف آ أ ن س يدي‬
‫س يعود يف الصيف آ أ و يف وقت احلصاد ‪ ،‬حامال معه الكثري من‬
‫ا ل أ موال ‪ .‬فال حتاول آ أ هيا الش يخ آ أ ن تنال‬

‫‪181‬‬
‫حُ ظوة عندي ابل كذب آ أ و آ أ ن تنعش يف ا ل أ م ل ابللكم الفارغ ‪،‬‬
‫فا نك لن تنال عطفي مبث ل هذا لك ه ‪ ،‬وحس يب خ ش ية زفس‬
‫وشفقيت عليك " ‪.‬‬
‫ول كن آ أ وذيس آ أ جاب ‪ " :‬حقا ا ن قلبك لبطيء ال ميان ‪،‬‬
‫فا ين مل آ أ قدر عىل ا قناعك حىت ابلقسم ‪ .‬ول كن تعال نقم ما بيننا‬
‫عهدا ‪ ،‬ولت كن ا ل أ راب ب شهودان ‪ .‬ا ذا ما عاد مولك تعطيين‬
‫عباءة وثواب ‪ ،‬وترسلين يف سبييل ا ىل حيث آ أ شاء ‪ ،‬ول كن ا ذا‬
‫مل يرجع كام آ أ خربتك ‪ ،‬فعليك آ أ ن تآ أ مر رجاكل بآ أ ن يلقوين عن‬
‫خصرة عظ مية ‪ ،‬حىت خيىش غ ريي بعد ذكل آ أ ن خيدع الناس " ‪.‬‬
‫‪ " :‬آ أ ي ماكنة تكون يل بني الناس ا ذا ما‬ ‫فقال الراعي‬
‫آ أ كون آ أ ضفتك يف م زنيل ! وبآ أ ي قلب صاحل‬ ‫فت كت بك بعد آ أ ن‬
‫زفس بعد ذ كل ! غري آ أ ن وقت العشاء قد‬ ‫آ أ توجه بصاليت ا ىل‬
‫يعودون ليك هن ىي ء الطعام " ‪.‬‬ ‫حان ‪ ،‬فليت رجايل‬
‫وفامي هو يتلكم اق رتبت اخلنازير ورعاهتا ‪ ،‬فنادى عوس‬
‫رجاهل قائال ‪ " :‬هلم وا ب آ أ فض ل خ زنير فا ين آ أ رغب آ أ ن آ أ كرم‬
‫ضيفا آ أ اتان من بعيد ‪ .‬وا ننا ‪ ،‬وا مي ُ احلق ‪ ،‬لناليق التعب املضين‬
‫يف سبيل هاته احليواانت ‪ ،‬يف حني يلهتمها غ ريان دون مقابل " ‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫فآ أ حرضوا خ زنيرا كب ريا عره مخس س نوات ‪ ،‬و آ أ شعل‬
‫الراعي انرا ‪ ،‬ويعد آ أ ن آ أ لق فهيا شيئا من شعر اخلزنير ت كرميا‬
‫لل آ لهة ‪ ،‬ذحب احليوان وهي آ أ اللحم ‪ .‬جفعهل س بعة آ أ قسام ‪ ،‬وضع‬
‫ا حداها جانبا حلوراي ت املاء وهرمس ‪ ،‬و آ أ عط قسام من البايق‬
‫للك واحد ‪ .‬و آ أ ما آ أ وذيس فنال آ أ فضلها وهو حلم الص لب ‪.‬‬
‫فرس آ أ وذيس وتلكم فقال ‪ " :‬لت كن اي عوس ح بيبا ا ىل‬
‫زفس ‪ ،‬ك ام كنت يب رفيقا " ‪.‬‬
‫فآ أ جا ب عوس ‪ " :‬لك آ أ هيا الغريب ‪ ،‬وابهتج مبا دليك ‪،‬‬
‫فا ن ا ل أ راب ب متنح آ أ ش ياء ‪ ،‬ومتنع آ أ ش ياء " ‪.‬‬
‫واكن اللي ل ابردا ‪ ،‬واملطر يسقط بال انقطاع ‪ ،‬ل أ ن الرحي‬
‫الغربية اليت تآ أ يت ابملطر اكنت هتب شديدة ‪ .‬وقد آ أ راد آ أ وذيس‬
‫آ أ ن ميتحن الراعي ‪ ،‬ويرى هل يعطيه عباءته اخلاصة ‪ ،‬آ أ و ه ل‬
‫يسآ أ ل غ ريه آ أ ن يفعل ذ كل ‪ ،‬فقال هل ‪ ،‬وقد دان وقت النوم ‪:‬‬
‫" آ أ صغ ا يل فا ن النبيذ اذلي يفقد ال نسان صوابه حيملين‬
‫عىل اللكم ‪ .‬آ أ ل ليتين كنت فتيا ‪ ،‬وليت قواي مل تتحطم ‪ ،‬كام‬
‫كنت آ أ ايم كنا حنارب آ أ مام مدينة طروادة !‬

‫‪183‬‬
‫يف يوم من ا ل أ ايم آ أ مقنا مكينا قريبا من مدينة طروادة ‪.‬‬
‫وكنا آ أ ان ومانيال و آ أ وذيس ‪ ،‬عىل رآ أ س هذا المكني ‪ .‬فآ أ لبدان بني‬
‫القصب ‪ ،‬واكن اللي لُ ابردا ‪ ،‬والثلج قد ترامك عىل دروعنا ‪.‬‬
‫واكن رفايق مجيعا يرتدون معا طفهم ‪ ،‬و آ أ ما آ أ ان فقد تركت‬
‫معطفي عند السفن ‪ .‬وملا مىض من الليل الهزيع الثالث ‪،‬‬
‫خا طبت آ أ وذيس ‪ ،‬وقلت هل ‪ " :‬ها آ أ ان من غري معطف ‪،‬‬
‫و آ أ حسب آ أ ين سآ أ لق حتفي بردا " ‪ .‬فف كر عىل الفور يف عالج‬
‫لهذه احلاةل ‪ ،‬فقد اكن دا مئا حارض الرآ أ ي ‪ ،‬وقال ‪ " :‬اخفض‬
‫صوتك لئال يسمعك آ أ حد " ‪ .‬مث التفت ا ىل ال خرين وقال ‪" :‬‬
‫لقد آ ُ ن ْ ذِ رتُ يف احلمل ‪ .‬وحنن هنا بعيدون جدا عن السفن ‪،‬‬
‫ويف خطر ‪ .‬فليبادر آ أ حد مك ا ىل آ أ غاممنون لينجدان ابلرجال " ‪.‬‬
‫فهب ثواس بن آ أ ندرميون عندئذ ‪ ،‬وذهب يركض ‪ ،‬و آ أ لق‬
‫عنه معطفه ‪ ،‬ف آ أ خذته ومنت متلفعا به انعام ابدلفء ‪ .‬ولو كنت‬
‫الليةل كام كنت يف ذكل العهد ‪ ،‬ملا حرمت مثل هذه ا ل أ لطاف "‬
‫‪.‬‬
‫فقال عوس عند ذاك ‪ " :‬لقد آ أ حسنت القول ‪ ،‬آ أ هيا‬
‫الش يخ ‪ .‬وستنال '' ال ن معطفا تتدث ر به ‪ .‬ول كن يف الصبا ح‬
‫جيب آ أ ن تعود ا ىل ارتداء ثوبك اخللق ‪ ،‬ومىت عاد ابن‬

‫‪184‬‬
‫آ أ وذيس يعطيك مالبس جديدة " ‪.‬‬
‫وهنض عندئذ وهيآ أ ل أ وذيس فرا شا من جلود الغمن وجلود‬
‫املعز قرب النار ‪ .‬وملا انطرح عليه آ أ وذيس آ أ لق عليه معطفا‬
‫خثينا ‪ ،‬اكن قد آ أ دخره ل ل أ ايم الشديدة العواصف ‪ ،‬وانم هو‬
‫ا ىل جانب اخلنازير ليحرسها ‪ .‬وقد ُرس آ أ وذيس ا ذ رآ ه شديد‬
‫احلرص عىل رزق موله مع طول غيابه ‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫‪16‬‬
‫عودة تلاميخ‬

‫اكن تل اميخ لك هذه املدة مق امي مع املكل مانيال ‪ ،‬واكن معه‬


‫ابن نسطور ‪ .‬فذهبت آ أ ثينا ا ليه هناك ‪ ،‬وقد آ أ لفت ابن‬
‫نسطور م ستسلام ا ىل النوم ‪ ،‬و آ أ ما تل اميخ فمل يسعفه النوم‬
‫ل ش تغال ابهل بآ أ بيه ‪ ،‬ووقفت آ أ ثينا قريبا منه وقالت ‪ " :‬ل‬
‫حيسن اي تل اميخ ‪ ،‬آ أ ن تطي ل ا قامتك بعيدا عن بيتك ‪ ،‬وفيه‬
‫آ أ انس يهنبون رزقك ويبد دونه ‪ .‬فتعال ا ذن و آ أ يقظ مضيفك‬
‫مانيال ‪ ،‬وا طلب ا ليه آ أ ن يرسكل يف سبيكل ‪ ،‬فلعكل جتد آ أ مك‬
‫ل تزال يف مزنلها ‪ .‬ل أ ن آ أ ابها واخوهتا ي ُ لح ون علهيا آ أ ن ت زتوج‬
‫اورمياخ ‪ ،‬فقد بذ اخلطاب مجيعا ب كرثة هداايه ‪ ،‬فانتبه ا ذن‬
‫لئال تآ أ خذ شيئا من نفائس بيتك ‪ ،‬فا ن قلب املرآ أ ة ميي ل دا مئا‬
‫ا ىل زايدة ثروة الرجل اذلي يتخذها زوجة ‪ ،‬ول تعود تفك ر يف‬
‫آ أ ولدها ‪ ،‬ول يف‬

‫‪186‬‬
‫ذاك اذلي اكن زوهجا قبال ‪ .‬فاذهب ا ذن وضع آ أ موا كل يف يد‬
‫امرآ أ ة من آ أ هل بيتك تثق هبا لك الوثوق ‪ ،‬ا ىل آ أ ن جيد ا ل أ رابب‬
‫كل زوجة ‪ .‬مث آ أ صغ ِ ا ىل آ أ مر آ خر ‪ .‬ا ن آ أ جشع اخلط ا ب يمكنون‬
‫كل يف املضيق ما بني ا يثاكة وصاموس ‪ ،‬ومه يود ون قتكل قبل‬
‫رجوعك ا ىل بيتك ‪ .‬فابتعد ا ذن بسف ينتك عن املاكن ‪ ،‬وواصل‬
‫الس ري ليل هنار ‪ ،‬وسريسل كل آ أ حد ا ل أ رابب رحيا ُر خاء ‪.‬‬
‫وحي امن تبلغ آ أ رض ا يثاكة آ أ رس ل سف ينتك ورفاقك ا ىل املدينة ‪،‬‬
‫واقصد آ أ نت عوس راعي اخلنازير ‪ ،‬فهو ما برح كل خملصا ‪.‬‬
‫واقض ليلتك عنده مث ا طلب اليه آ أ ن يذهب ا ىل املدينة يف‬ ‫ِ‬
‫اليوم التايل ‪ ،‬ليحم ل ا ىل آ أ مك خ رب رحوعك ساملا " ‪.‬‬
‫عندئذ آ أ يقظ تل اميخ ابن نسطور ‪ ،‬بآ أ ن آ أ صابه ب كعب‬
‫قدمه ‪ ،‬وقال ‪ " :‬اهنض اي ابن نسطور ‪ ،‬و آ أ حرض خيوكل وشد‬
‫املركبة ‪ ،‬ولنذهب يف سبيلنا " ‪.‬‬
‫ول كن ِ‬
‫فيس ْس رتا ت آ أ جا ب ‪ " :‬ل مي كن آ أ ن نسوق املركبة يف‬
‫الظالم ‪ ،‬همام اش تد ت بنا الرغبة يف الرحي ل ‪ .‬و س ينبثق الفجر‬
‫قريبا ‪ .‬ف آ أ مق ا ىل آ أ ن ي آ أ يت مانيال هبداايه ‪ ،‬ويضعها يف املركبة ‪،‬‬
‫ويرسكل يف سبيكل ‪ .‬ا ذ جيدر ابلضي ف آ أ ن حي ف ِ ل ابمل ُ ضي ف اذلي‬
‫آ أ حسن وِ فادته " ‪.‬‬
‫وملا آ أ قبل الصباح ‪ ،‬وهنض مانيال من فرا شه ‪ ،‬خا طبه‬

‫‪187‬‬
‫تل اميخ وقال ‪ " :‬آ أ رسلين اي مانيال ا ىل بدلي رسيعا ‪ ،‬ﻷ ين شديد‬
‫الرغبة يف اذلهاب " ‪.‬‬
‫فآ أ جابه مانيال ‪ " :‬ل آ أ صد ك عن الرحيل بعد ال ن ‪ ،‬و آ أ ان‬
‫آ أ رى شدة رغبتك يف العودة ‪ .‬ا ذ ل يليق ابمل ُ ضيف آ أ ن ي ُ فرط‬
‫يف احلفاوة بضيفه آ أ و آ أ ن ي ُ قرص يف هذه احلفاوة ‪ .‬وا ل أ جدر به‬
‫آ أ ن يعدل يف ا ل أ مر ‪ ،‬فال يس تعج ل الضيف اذلي يود ال قامة ‪،‬‬
‫ول ميسك ذاك اذلي يرغب يف الرحي ل ‪ .‬ول كن اص رب ري امث آ أ حرض‬
‫كل هداايي و آ أ ضعها يف مركبتك ‪ .‬ودعين آ أ يضا آ مر النساء آ أ ن‬
‫هيي نئ الطعام يف ردهة قرصي ‪ ،‬ففي ذ كل رشف يل من هجة ‪،‬‬
‫وفائدة كل من هجة آ أ خرى ‪ ،‬ا ذ جيب آ أ ن تآ أ لك جيدا قب ل آ أ ن‬
‫ترشع يف رحةل طويةل ‪ .‬ول كن ا ذا كنت تريد آ أ ن توغل يف هذه‬
‫ا ل أ رض ‪ ،‬فتذهب ا ىل هيالس و آ أ رغوس ‪ ،‬فدعين آ أ را فقك‬
‫فنقصد ا ىل كثري من املدن ‪ ،‬ولن ترد ان ا حداها خائبني من غ ري‬
‫زاد " ‪.‬‬
‫ول كن تل اميخ آ أ جاب ‪ " :‬ليس ا ل أ مر كام تقول اي مانيال ‪،‬‬
‫ب ل ا ين آ أ ود اذلها ب تو ا ا ىل بدلي ‪ ،‬فا ين مل آ أ مق آ أ حدا عىل‬
‫حرا سة آ أ موايل ‪ .‬ومن سوء الصنيع آ أ ن آ أ هكل و آ أ ان آ أ حبث عن‬
‫وادلي ‪ ،‬آ أ و آ أ ن آ أ فقد شيئا مما آ أ مكل من النفائس يف بييت " ‪.‬‬
‫ح ينئذ طلب مانيال من زوجته ومن الوصيفات آ أ ن هيي نئ‬

‫‪188‬‬
‫الطعام ‪ .‬و آ أ مر خادمه آ أ ن يشع ل النار ويشوي اللحم ‪ .‬وقصد‬
‫ا ىل خزائنه ومعه هيالنه ومغاابنث حفمل مهنا ك أ سا مزدوجة ‪،‬‬
‫ومح ل مغاابنث طا سا كبريا من الفضة للمزج ‪ ،‬و آ أ ما هيالنة‬
‫فآ أ خذ ت من آ أ صونهتا ثواب صنعته بيدها ‪ .‬واكن من آ أ مج ل الثيا ب‬
‫‪ ،‬يت آ أ ل ق ك ام يت آ أ ل ق النجم ‪ ،‬واكن حتت سائر الثياب ‪.‬‬
‫عندها قال مانيال ‪ " :‬خذ هذا الطاس للمزج ‪ ،‬فهو من‬
‫يفس ت بيديه‬‫الفضة ‪ ،‬وحا فته من اذلهب ‪ .‬وقد صنعه هِ ْ‬
‫و آ أ عطانيه مكل الصيداويني ‪ .‬وا ين آ أ عطيك آ أ يضا هذ ه ال ك أس "‬
‫‪.‬‬
‫و آ أ قبلت هيالنة احلس ناء حتمل الثوب بيدهيا وتلكمت‬
‫فقالت ‪ " :‬خذ اي بين العزيز هذا الثوب من ع ل يدي هيالنة‬
‫عىل سبيل التذاكر ‪ ،‬فاحفظه ليوم زواجك ل تلبسه عروسك ‪.‬‬
‫ود ع ْ آ أ مر صيانته ا ىل ذكل اليوم ل أ م ك ‪ .‬وال ن فلت كن عودتك‬
‫ا ىل بدلك وبيتك حمفوفة ابلهناءة والرسور " ‪.‬‬
‫مث جلسوا للطعام والرشا ب ‪ ،‬وملا فرغوا من ذكل ‪ ،‬شد‬
‫تل اميخ وابن نسطور اجلياد ا ىل النري ‪ ،‬وقفزا ا ىل املركبة ‪.‬‬
‫و آ أ قب ل مانيال حيمل النبيذ يف ك أ س من اذلهب ‪ ،‬ليك‬
‫ي ُ راق تقدمة لل آ لهة قبل سفرهام ‪ .‬ووق ف آ أ ما م اجلياد‬

‫‪189‬‬
‫وتلكم فقال ‪ " :‬وداعا آ أ هيا الشاابن النبيالن ‪ ،‬ا هداي نسطور‬
‫مين السالم ‪ ،‬فلقد اكن يل مبزنةل ا ل أ ب حيامن كنا حنارب طروادة‬
‫"‪.‬‬
‫فآ أ جابه تل اميخ ‪ " :‬س نفعل هذا ‪ ،‬وا ين ل أ رجو من ال آ لهة‬
‫آ أ ن آ أ جد وادلي قد عاد و آ أ خربه مبا لقيت يف ِر حابك من رعاية‬
‫وا كرام " ‪.‬‬
‫وفامي اكن ينطق هبذا طار عن ميينه نرس حيمل بني خمالبه‬
‫ا وز ة اختطفها من ف ِ ناء ادلواجن ‪ .‬وحلقه الرجال والنساء‬
‫يتصاحيون ‪ ،‬وطار من فوق اجلياد مالزما اجلهة ا ل ميىن ‪ ،‬فرس وا‬
‫لرؤيته ‪.‬‬
‫وقال ابن نسطور ‪ " :‬ما ظن ك اي مانيال ‪ ،‬هل آ أ رس ل‬
‫زفس هذه العالمة كل آ أ و لنا ؟ " ‪.‬‬
‫وفامي اكن مانيال ي ُ عمل الفكر ‪ ،‬قالت هيالنة ‪ " :‬آ أ صغوا‬
‫ا ىل ما آ أ لقته ا ل أ رابب يف ُر وعي ‪ ،‬فكام انق ض هذا النرس من‬
‫اجلبل اذلي نش آ أ فيه ‪ ،‬واختطف ا ل أ وزة من املزنل ‪ ،‬هكذا‬
‫س يعود آ أ وذيس ا ىل بيته بعد جت ْ وال طويل ‪ ،‬وينتقم لنفسه ‪.‬‬
‫وا ن قليب ل ي ُ حد ثين آ أ نه ال ن هناك يكيد للخطاب كيدا " ‪.‬‬
‫فهتف تل اميخ ‪ " :‬لي كن هذا قضاء رفس ! " ‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫مث برحا املاكن ‪ ،‬و آ أ رسعا يقطعان السهول ‪ ،‬وابات تكل‬
‫الليةل يف ف ريي ‪ .‬وملا بلغا فيلوس يف اليوم التايل ‪ ،‬قال تل اميخ‬
‫لف يسس رتا ت ‪ " :‬هل كل اي ابن نسطور آ أ ن جتيبين ا ىل رجايئ كام‬
‫جيدر ابلصديق ‪ ،‬فت رتكين عند سفينيت ‪ ،‬ول تآ أ خذين ا ىل آ أ بعد‬
‫من هذا ‪ ،‬لئال حيمل آ أ ابك الش يخ لط ف ُ ه عىل استبقايئ دليه رمغ‬
‫ا راديت ‪ .‬فا ين ‪ ،‬وا مي ُ احلق ‪ ،‬لشديد الرغبة يف اذلها ب ا ىل‬
‫وطين " ‪.‬‬
‫وفعل ابن نسطور هذا حفول جياده ا ىل الشاطئ حنو‬
‫ا ل سفينة ‪ .‬وملا وصال ا ىل هناك ‪ ،‬آ أ خذ الهدااي من املركبة ‪،‬‬
‫ووضعها يف مؤخرة ا ل سفينة ‪ .‬وبعد آ أ ن فعل ذكل اندى تل اميخ‬
‫قائال ‪ " :‬اصعد ا ىل سف ينتك ‪ ،‬ورس هبا قبل آ أ ن آ أ بلغ بييت ‪.‬‬
‫فا ين آ أ عمل جيدا آ أ ن آ أ يب ل بد آ أ ن يآ أ يت ا ليك ويس آ أ كل الرجوع‬
‫معه ا ىل بيته ‪ .‬ولن يذهب ا ل و آ أ نت معه ا ذا ما وجدك هنا ‪،‬‬
‫فا نه ُص لب الرآ أ ي " ‪.‬‬
‫وطلب تل اميخ من رفاقه آ أ ن يصعدوا ا ىل ا ل سفينة ففعلوا ‪.‬‬
‫وفامي اكن تل اميخ ي ُ عد نفسه ‪ ،‬ويصيل ويقدم مُ حرق ة ل أ ثينا‬
‫‪ ،‬آ أ قب ل خشص فارا م ن آ أ رغوس ‪ ،‬واكن قد قتل رجال ‪ .‬واكن‬
‫هذا عر افا ي ُ دع ثولكامين من نسل مالمفوس ‪ ( .‬ومالمفوس‬
‫هذا رسق ث ريان فيالوس ل يك ينال ابنة ن ِ لوس ل أ خيه ) ‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫فوقف هذا الرجل عند ا ل سفينة وقال ‪ " :‬اصد ق ُ وين اخلرب‬
‫‪ ،‬وقولوا من آ أ نمت ‪ ،‬ومن آ أ ي البالد قدممت " ‪.‬‬
‫فآ أ جابه تل اميخ ‪ " :‬آ أ ين خمربك بلك يشء آ أ هيا الغريب ‪ .‬آ أ ان‬
‫من ا يثاكة و آ أ يب هو آ أ وذيس ‪ .‬وقد خرجت يف سفينيت آ أ تسقط‬
‫آ أ خباره " ‪.‬‬
‫فقال العراف ح ينئذ ‪ " :‬قد هربتُ من وطين ل أ ين قتلت‬
‫آ أ حد آ أ فراد قبيليت ‪ ،‬خفذين يف سف ينتك ‪ ،‬ل أ ن القوم ساعون يف‬
‫ا ثري لينتقموا مين " ‪.‬‬
‫فآ أ جابه تل اميخ ‪ " :‬ا ذا آ أ ردت اجمليء فلن آ أ طردك ‪ ،‬فتعال‬
‫معنا ا ىل ا يثاكة وسآ أ عطيك مما عندي " ‪.‬‬
‫وعىل هذا برحوا املاكن ‪ ،‬و آ أ رسلت آ أ ثينا رحيا من خلفهم‬
‫‪ ،‬ف آ أ رسعوا ا ىل وهجهتم ‪ .‬واكن آ أ وذيس يف غضون ذكل يتناول‬
‫عشاءه مع راعي اخلنازير ورجاهل ‪ .‬وقد آ أ راد آ أ وذيس آ أ ن خي ْ ُرب‬
‫خ ُ لق الرجل ‪ ،‬فقال ‪ " :‬ا ين آ أ ود آ أ ن آ أ ذهب يف الصباح ا ىل‬
‫املدينة ‪ ،‬فلست آ أ ريد آ أ ن آ أ كون عبئا عليك ‪ .‬دعين ا ذن آ أ ذهب‬
‫ا ىل املدينة ‪ ،‬فقد يعطيين بعضهم ك أ س ماء وكرسة من اخلزب ‪.‬‬
‫وا ين آ أ ود آ أ ن آ أ قصد بيت آ أ وذيس ذاته ‪ ،‬فلع ل اخلط ا ب يعطوين‬
‫طعاما ‪ .‬وا ين لقادر عىل خدمهتم آ أ حسن خدمة ‪ ،‬فليس من هو‬
‫آ أ قدر مين عىل‬

‫‪192‬‬
‫ا شعال النار ‪ ،‬آ أ و شق احلطب ‪ ،‬آ أ و تقطيع الل حم ‪ ،‬آ أ و صب‬
‫النبيذ " ‪.‬‬
‫فقال الراعي ‪ " :‬ا ل أ فضل كل آ أ ل تذهب ا ىل هؤلء‬
‫اخلطا ب ‪ ،‬فا هنم متكرب ون متج رب ون ‪ ،‬وليس اذلين خيدموهنم من‬
‫آ أ مثاكل ‪ .‬ا هنم ش بان حس نو الصورة ويرتدون املالبس الهبي ة ‪،‬‬
‫ويضم خون شعورمه ابلطيب ‪ .‬وا ل أ وىل آ أ ن تقمي هنا ‪ ،‬ولن تكون‬
‫عبئا علينا ‪ .‬وقد يعطيك ابن آ أ وذيس حي امن يآ أ يت معطفا وثواب "‬
‫‪.‬‬
‫فآ أ جاب آ أ وذيس ‪ " :‬ل ي ُ باركك زفس عىل ا حسانك ا يل ‪،‬‬
‫ووضعك حد ا لتجوايل ‪ ،‬فليس آ أ شد عىل املرء من آ أ ن يكون‬
‫رشيدا طريدا ‪ ،‬ول كن اجلوع يضطر ه ا ىل ذكل ‪ .‬ف آ أ خ ربين ال ن‬
‫مبا تعرف عن آ أ م آ أ وذيس و آ أ بيه ‪ .‬آ أ ل يزالان عىل قيد احلياة ؟‬
‫"‪.‬‬
‫فقال الراعي ‪ " :‬سآ أ طلعك عىل لك يشء ‪ .‬ا ن لريت وادل‬
‫آ أ وذيس ما يزال حيا ‪ .‬ا ل آ أ نه يدعو لك يوم طالبا املوت لشدة‬
‫ما انهل من ا ل أ ىس من آ أ جل ابنه البعيد عن وطنه ‪ ،‬وامرآ أ ته‬
‫اليت ماتت ‪ .‬واحلق ا ن موهتا هو اذلي آ أ اته ابلهرم قبل ا ل أ وان ‪.‬‬
‫ويه قد ماتت غام وحزان عىل ودلها ‪ .‬وانلين مهنا ويه يف احلياة‬
‫كث ري من العط ف وال رب ‪ ،‬وقد خرست ذكل بفقدها ‪ .‬و آ أ ما موليت‬
‫بنلوب فقد نزل‬

‫‪193‬‬
‫ببيهتا بالء عظمي ‪ ،‬و ن ُ ك ِ بت آ أ يضا حبشد من آ أ رشار الرجال " ‪.‬‬
‫فقال آ أ وذيس لعموس ‪ " :‬ق ل يل ال ن ما اذلي آ أ قصاك‬
‫عن وادليك حيامن كنت ل تزال طفال ؟ هل دك ا ل أ عداء املدينة‬
‫اليت اكن يقمي فهيا آ أ بوك ‪ ،‬آ أ و هل وجدك بعضهم منفردا ترع‬
‫قطيعا من املاش ية فع ربوا بك البحر وابعوك ؟ "‬
‫فرسد الراعي عندئذ هذه القصة ‪ " :‬هنا كل جزيرة ت ُ سم‬
‫سوراي ‪ ،‬ل يس كهنا كث ري من الناس ‪ ،‬ول كهنا آ أ رض خ ِ صبة ‪ ،‬فهيا‬
‫املوايش الوافرة ‪ ،‬وي كرث فهيا القمح وامخلر ‪ .‬ل ت زنل هبا جماعة ول‬
‫ي ُ مل بآ أ هلها وابء جارف ‪ .‬ول كن عندما تتقدم ابلرجال مهنم‬
‫السن ‪ ،‬يرمهيم ا فل ون بسهامه فتقتلهم من غ ري آ أ مل ‪ .‬و آ أ ما‬
‫النساء فتتوىل آ أ مرهن آ أ رطميس ‪ .‬واكن يف اجلزيرة مدينتان ‪،‬‬
‫واكن آ أ يب ميكل عىل لكتهي ام ‪.‬‬
‫واكن يف بيت وادلي امرآ أ ة في نيقية طويةل القامة مجيةل‬
‫الصورة ‪ ،‬ص ناع اليدين ‪ .‬و آ أ يت عىل اجلزيرة جامعة من‬
‫ا لفي نيقيني يف سفينة حيملون بضاعة من ح ُ يل النساء و آ أ ش باهها‬
‫‪ .‬وقد خدع هولء املرآ أ ة اليت اكنت يف م زنل آ أ يب ‪ ،‬وسآ أ لها‬
‫آ أ حدمه من ت كون ومن آ أ ي البالد يه ؟ فقالت هل ‪ " :‬قد اتيت‬
‫من صيدا وامس آ أ يب آ أ ريباس ‪ ،‬ول كن قرصان التفيانيني‬

‫‪194‬‬
‫س بوين ‪ ،‬و آ أ ان عائدة من احلقول ا ىل مزنلنا وعربوا يب البحر ‪،‬‬
‫وابعوين لس يدي ب مثن ابهظ " ‪ .‬فقال الرجل ‪ " :‬هل تريدين‬
‫آ أ ن ترجعي معنا ا ىل بدلك ‪ ،‬وتري آ أ ابك و آ أ مك ‪ ،‬فا هنام ل‬
‫يزالان من ا ل أ حياء ‪ .‬واملعروف عهنام آ أ هن ام من آ أ هل ال رثاء " ‪.‬‬
‫فآ أ جابت املرآ أ ة ‪ " :‬افعل ذكل بلك رسور ا ذا آ أ قسممت يل آ أ ن‬
‫تعيدوين ا ىل بدلي " ‪ .‬ف آ أ قسموا لها ك ام آ أ رادت ‪ .‬وعندها قالت‬
‫املرآ أ ة ‪ " :‬الزموا الس كينة ال ن ‪ ،‬ول يلكمين منمك آ أ حد آ أ و‬
‫ُحي ي يين ا ذا ما لقيين اتفاقا يف املدينة آ أ و عند عني املاء ‪ .‬فقد‬
‫ينق ل آ أ حدمه اخل رب ا ىل مولي ‪ ،‬فيوثقين عندئذ ويفتك بمك ‪.‬‬
‫ول كن عندما تمكلون حشن سف ينتمك آ أ رسلوا ا يل من خي ربين يف‬
‫بيت س يدي فآ تيمك ومعي لك ما تقع عليه يدي من الت حف ‪ .‬مث‬
‫ا ين آ أ د فع عن رىض شيئا آ خر آ أ جرا لسفري ‪ .‬وذكل آ أ ين‬
‫حاضنة لبن س يدي ‪ ،‬وهو صيب صغري يالزمين يف غدوايت‬
‫وروحايت ‪ .‬وسآ تيمك به ‪ ،‬وتقدرون آ أ ن تبيعوه ب مثن كب ري " ‪.‬‬
‫وقد آ أ قام هؤلء الغرابء يف آ أ رضنا س نة اكمةل مجعوا فهيا‬
‫آ أ موال طائةل ‪ .‬ويف هناية الس نة آ أ رسلوا ا ىل املرآ أ ة ا لفي نيقية‬
‫ا شارة ‪ ،‬بآ أ ن جلآ أ وا ا ىل وس يةل حك مية ‪ .‬فقد قام آ أ حدمه ا ىل‬
‫م زنل وادلي ‪ ،‬ومعه سلسةل ذهبية انتظمت فهيا ك ُ رات من‬
‫الكهرابء ‪ .‬وفامي اكنت آ أ يم والوصيفات يتداولن السلسةل‬

‫‪195‬‬
‫يف الهبو ويساومن فهيا ‪ ،‬آ أ وم آ أ الرجل ا ىل املرآ أ ة خ ُ فية ‪ ،‬مث برح‬
‫املاكن بعد قليل ‪ .‬فآ أ خذ ت املرآ أ ة بيدي و آ أ خرجتين ‪ ،‬فآ أ لفت‬
‫يقص فون‬
‫دلى خروهجا ثالث كؤوس ‪ ،‬حيث اكن ضيوف وادلي ُ‬
‫‪ ،‬فآ أ خذ هتا وخب آ أ هتا يف صدرها ‪ ،‬وتبع ُهت ا و آ أ ان ل آ أ دري من آ أ مري‬
‫شيئا ‪ .‬واحندران ا ىل ا ل سفينة ‪ ،‬وقد آ أ قبل اللي ل ‪ ،‬حفملنا‬
‫ا لفي نيقيون ا ىل ظهرها ‪ ،‬ونرشوا القلوع ‪ ،‬و آ أ رسل زفس رحيا‬
‫مؤاتية ‪ .‬وظللنا نسري يف البحر س تة آ أ ايم ‪ .‬ويف اليوم السابع‬
‫رطميس املرآ أ ة بسها هما فسقطت يف جوف ا ل سفينة ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫رمت آ أ‬
‫فآ أ لقاها الرجال يف البحر فريسة ل ل أ س امك ‪ ،‬وبقيت آ أ ان كئيبا‬
‫حزينا ‪ .‬ودفعهتم الرحي ا ىل ا يثاكة ‪ ،‬فا ش رتاين لريت ‪ ،‬وعىل هذه‬
‫الصورة قدمت هذه البالد " ‪.‬‬
‫فقال آ أ وذيس عندئذ ‪ " :‬لقد منحك ا ل أ راب ب اخل ري والرش‬
‫عىل السواء ‪ .‬فهم قد دفعوك ا ىل بيت رجل كرمي " ‪ .‬مث‬
‫اضطجع الثنان وانما ‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫‪17‬‬
‫اوذيس وتلاميخ‬

‫وصل تل اميخ يف سف ينته ساملا ا ىل ا يثاكة ‪ ،‬ا ىل آ أ قرب‬


‫ماكن من بيت راعي اخلنازير ‪ .‬وهناك آ أ رىس رجاهل ا ل سفينة ‪،‬‬
‫فثب توا مقدمهتا ابملرايس وشدوا مؤخرهتا ابحلبال ‪ ،‬مث ن زلوا ا ىل‬
‫الرب و آ أ عد وا هلم طعاما ‪.‬‬
‫وملا تناولوا كفايهتم من الطعام والرشا ب قال تل اميخ ‪" :‬‬
‫خذوا ا ل سفينة ال ن ا ىل املدينة ‪ ،‬وس آ أ وا فيمك ا ىل هناك يف‬
‫املساء بعد آ أ ن آ أ عر ج عىل مزرعيت ‪ ،‬وعندئذ آ أ د فع لمك آ أ جورمك‬
‫"‪.‬‬
‫ح ينئذ قال ثيولكامين ‪ " :‬ا ىل آ أ ين تريد آ أ ن آ أ ذهب اي‬
‫ودلي ؟ هل آ أ ذهب ا ىل آ أ ي بيت يف ا يثاكة ‪ ،‬آ أ م آ أ ذهب ا ىل‬
‫بيت آ أ م ك ؟ "‬

‫‪197‬‬
‫فآ أ جاب تل اميخ ‪ " :‬لو اكنت ا ل أ ايم غري هذه ا ل أ ايم دلعوتك‬
‫ا ىل م زنلنا نفسه ‪ ،‬حيث لك ما به ي ُ رف ه عن الضيوف ‪ ،‬و آ أ ما‬
‫ال ن فا ل أ مر عسري ‪ ،‬ل أ ين ل آ أ كون هناك ‪ .‬مث ا ن آ أ يم ل تقابل‬
‫آ أ حدا ‪ ،‬ول تربح تنسج يف خمدعها عىل منوالها ‪ .‬فاذهب ا ذن‬
‫ا ىل بيت آ أ ورمياخ ‪ ،‬فهو آ أ فضل اخلط ا ب ‪ ،‬و آ أ جدرمه ابلح رتام ‪.‬‬
‫و آ أ ما ما س يكون مص ريه ومصري رفاقه ‪ ،‬فهذا ما ليس يل به عمل‬
‫"‪.‬‬
‫وفامي هو يتلكم ‪ ،‬طار عن ميينه صقر حيمل مبخالبه حاممة‬
‫‪ .‬ونت ف الصقر ريش امحلامة ‪ ،‬ونرثه عىل ا ل أ رض ما بني ثيولك امين‬
‫وا ل سفينة ‪.‬‬
‫عندئذ آ أ خذ العر اف تل اميخ جانبا و آ أ رس ا ليه ‪ " :‬ان‬
‫ط ريان هذا الصقر اكن من عل ا ل أ رابب ‪ .‬وليس يف ايثاكة بيت‬
‫آ أ حق بآ أ ن يكون بيتا ملكيا من بيتك ‪ ،‬وس تكون كل الس يادة‬
‫ع ام قريب " ‪.‬‬
‫مث خا طب تل اميخ فِ ريوز ‪ ،‬واكن يؤثره بثقته عىل سائر‬
‫رفاقه ‪ ،‬فقال ‪ " :‬خذ هذا الغريب ا ىل مزنكل ‪ ،‬و آ أ حسن وفادته‬
‫ا ىل حني قدو يم " ‪.‬‬
‫فآ أ جا ب فريوز ‪ " :‬ثق اي تل اميخ آ أ نه لن ي ُ ع وِ زه يشء من‬
‫آ أ س با ب الانبساط همام طالت ا قامتك " ‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫وبعد هذا اجتهت ا ل سفينة ا ىل املدينة ‪ .‬وصعد تل اميخ ا ىل‬
‫بيت الراعي ‪ .‬واكن الراعي و آ أ وذيس قد آ أ شعال النار ‪ ،‬و آ أ خذا‬
‫يف ا عداد طعام الف طور ‪ .‬ومسع آ أ وذيس وقع خطوا ت ا نسان ‪،‬‬
‫ومل تنبح اللك ب ‪ ،‬فقال لعموس ‪ " :‬ها ا ن آ أ حد الرفاق آ أ و‬
‫ا ل أ صدقاء قادم ا لينا ل أ ن اللكب مل تنبح " ‪.‬‬
‫وفامي هو يتلكم وقف تل اميخ ابلباب ‪ ،‬ف آ أ سقط الراعي من‬
‫يده الطاس اذلي اكن ميزج فيه النبيذ ‪ ،‬وابدر ا ليه و آ أ خذ يقبل‬
‫رآ أ سه وعينيه ويديه ‪ ،‬ك ام يقب ل وادل ودله الوحيد ‪ ،‬دلى عودته‬
‫من بدل بعيد بعد غيبة عرش س نني ‪ .‬وملا دخل تل اميخ ‪ ،‬هنض‬
‫السائل املتن كر مع آ أ نه وادله حقا ‪ ،‬و آ أ راد آ أ ن يتخىل هل عن‬
‫ماكنه ‪ ،‬ول كن تل اميخ مل يدعه يفعل ‪ .‬وبعد آ أ ن آ أ لكوا و رشبوا ‪،‬‬
‫سآ أ ل تل اميخ الراعي عن هذا الغريب ومن يكون ‪.‬‬
‫فآ أ خ ربه الراعي خب ربه ك ام مسعه ‪ ،‬مث قال ‪ " :‬انين آ ُ سمل‬
‫آ أ مره ا ليك ‪ ،‬فهو مس تجري بك ‪ ،‬فافعل ما تشاء " ‪.‬‬
‫ول كن تل اميخ آ أ جا ب ‪ " :‬الك اي عوس ‪ ،‬وهل آ أ ان الس يد‬
‫يف بييت ؟ آ أ ل يبدد اخلط ا ب آ أ موايل ؟ مث آ أ ليست وادليت يف ريب‬
‫من آ أ مرها ‪ ،‬ل تدري آ أ تقمي معي وتذكر آ أ وذيس العظمي اذلي اكن‬
‫زوهجا ‪ ،‬آ أ م تتبع آ أ حد هؤلء اذلين جاؤوا خيطبون ود ها ؟‬
‫سآ أ عطي هذا الغريب طعاما‬

‫‪199‬‬
‫وكساء وس يفا ‪ ،‬و آ أ رسهل ا ىل حيث يشاء ‪ ،‬ول كين ل آ أ حب آ أ ن‬
‫يكون بني هؤلء اخلطاب ‪ ،‬ﻷ هن م قساة متكربون " ‪.‬‬
‫فقال آ أ وذيس ‪ " :‬ول كن ملاذا حت متل لك هذا من هؤلء‬
‫الرجال ؟ فه ل ي كرهك قومك حىت ل تقدر عىل الانتقام من‬
‫هؤلء ؟ آ أ وليس كل من ذويك من يعينك علهيم ؟ ولو كنت آ أ ان‬
‫ماكنك لف ضلت املوت عىل آ أ ن آ أ رى آ أ مورا شائنة كهذه تقع يف‬
‫م زنيل " ‪.‬‬
‫فآ أ جاب تل اميخ ‪ " :‬ا ن قو يم ل ي كرهونين ‪ ،‬و آ أ ما ا ل أ هلون‬
‫ذوو ق ُ رابي فليس يل مهنم آ أ حد ‪ ،‬ل أ ن آ أ كريس يوس مل ينسل‬
‫سوى لريت ‪ ،‬ومل ي ُ نجب هذا غري آ أ وذيس ‪ ،‬وليس ل أ وذيس ودل‬
‫غ ريي ‪ .‬ولهذا يهنب هؤلء القوم رزيق ل خيشون رادعا ‪ ،‬وقد‬
‫يسلبونين حيايت ‪ .‬وعىل لك فآ أ مر هذا لكه منوط اب ل أ رابب ‪.‬‬
‫ول كن اذهب آ أ نت اي عوس ا ىل بنلوب ‪ ،‬و آ أ خ ربها برجوعي ‪،‬‬
‫ول تدع آ أ حدا من الرجال يدري بذ كل ‪ ،‬ل أ هنم يريدون يب رشا‬
‫‪ ،‬وس آ أ قمي هنا ري امث تعود " ‪.‬‬
‫فذهب عوس ‪ ،‬ومل ي كد ي ربح املاكن حىت ظهرت آ أ ثينا يف‬
‫هيئة امرآ أ ة طويةل القامة مجيةل الصورة ‪ ،‬ومل يرها تل اميخ ا ذ مل‬
‫ي ُ عط امجليع آ أ ن ير وا ا ل أ راب ب اخلادلين ‪ .‬غري آ أ ن آ أ وذيس رآ ها ‪،‬‬
‫ور آ أ هتا اللكب فهر ت ُر عبا ‪ .‬و آ أ شارت ا ىل آ أ وذيس خفرج ‪،‬‬
‫وقالت هل ‪:‬‬

‫‪200‬‬
‫" ل ُخت ِف ا ل أ مر عىل ودلك ‪ ،‬بل دب ر معه وس يةل‬
‫ل هالك هؤلء اخلط ا ب ‪ ،‬وها آ أ ان معك ام " ‪.‬‬
‫مث مس ته بصوجلاهنا اذلهيب خفلعت عليه آ أ ول ثواب قشيبا‬
‫من الكتان وصدارا جديدا ‪ .‬مث جعلته آ أ طول قامة و آ أ مجل‬
‫صورة ‪ .‬فغدا آ أ شد مسرة ‪ ،‬واس تدارت وجنتاه وانترشت حليته‬
‫سوداء عىل ذقنه ‪.‬‬
‫فعلت هذا وغادرت املاكن ‪ .‬وملا دخل آ أ وذيس الكوخ‬
‫نظر ا ليه ابنه و آ أ خذته دهشة عظ مية ‪ ،‬وقد خيش آ أ ن يكون‬
‫ا ل ها من ال آ لهة ‪ ،‬فقال ‪ " :‬ل ريب آ أ هيا الغريب آ أ نك غري‬
‫ماكنت منذ هنهية ‪ ،‬فقد اكنت ثيابك غري هذه الثيا ب ‪ ،‬واكن‬
‫لون جدلك غري هذا اللون ‪ .‬ول بد آ أ ن ت كون ا ل ها هبط من‬
‫الس امء ‪ .‬فآ َ ن ْ ِظ ْر ان ن ُقد م كل القرابني ليك ترف ق بنا وترمحنا ! "‬
‫‪ .‬فآ أ جاب آ أ وذيس ‪ " :‬لست ا ل ها اي ب ُ ين ‪ ،‬ب ل آ أ ان آ أ بوك اذلي‬
‫ا ح متلت اهلموم امجل ة ابحثا عنه " ‪.‬‬
‫قال هذا وقب ل ابنه ‪ ،‬فاحندرت دمعة من عينه بعد آ أ ن‬
‫حبس دمعه طويال ‪ .‬غري آ أ ن تل اميخ آ أ جا ب ‪ ،‬واكن ل يزال يف‬
‫شك من آ أ ن ي كون حمد ثه آ أ ابه حقا ‪:‬‬
‫" ل مي كن آ أ ن تكون آ أ يب ‪ ،‬وما ظين ا ل آ أ ن آ أ حد ال آ لهة‬
‫خيدعين لزييدين حزان عىل حزن ‪ ،‬فليس يف قدرة‬

‫‪201‬‬
‫برش فان آ أ ن يآ أ يت من تلقاء نفسه ما آ أ تيت ‪ ،‬فيكون فىت اترة‬
‫و ش يخا اترة آ أ خرى ‪ ،‬عىل ما يشاء ‪ .‬فقد كنت منذ هنهية‬
‫ش يخا ترتدي آ أ س امل ابلية ‪ ،‬وها آ أ نت ال ن ك أ حد آ أ راب ب الس امء‬
‫"‪.‬‬
‫فآ أ جابه آ أ وذيس قائال ‪ " :‬ل يليق بك اي تل اميخ آ أ ن‬
‫تدهشك عودة وادلك ا ىل وطنه ا ىل هذا احلد ‪ .‬ف آ أ ان آ أ بوك حقا‬
‫‪ ،‬وقد ع ُ دت بعد آ أ ن غبت عرشين س نة عانيت فهيا آ أ هوال‬
‫كث رية ‪ ،‬ورضبت اتهئا يف آ فاق ا ل أ رض ‪ .‬وهذا ا ل أ مر اذلي‬
‫آ أ دهشك مين ا منا هو من ع ل آ أ ثينا ‪ ،‬فهىي اليت جتعلين حينا يف‬
‫مظهر ش يخ متسو ل ‪ ،‬وحينا يف مظهر شاب فيت يرتدي آ أ خفر‬
‫الثياب " ‪.‬‬
‫قال هذا وجلس ‪ ،‬فارمت تل اميخ عىل عنق آ أ بيه ‪ ،‬و آ أ خذ‬
‫يب يك ويذرف ادلمع الغزير ‪ .‬وجعل الثنان ينتحبان ‪ ،‬كام‬
‫ينتحب زوج من النسور آ أ و العقبان آ ُ خذت فراخهام من العش‬
‫‪ ،‬قب ل آ أ ن ينبت علهيا الريش ‪ .‬وبقيا عىل ذ كل حىت غابت‬
‫الشمس ‪ .‬و آ أ خ ريا قال تل اميخ ﻷ بيه ‪ " :‬آ أ خ ْرب ين كيف رجعت اي‬
‫آ أ يب ؟ " ‪.‬‬
‫فآ أ جابه آ أ وذيس وقال ‪ " :‬لقد آ أ عادين الفيس يانيون من‬
‫بدلمه يف آ أ ثناء نو يم ‪ ،‬بعد آ أ ن زو دوين ابلعطااي ال كث رية ‪ ،‬وقد‬
‫خب آ أ هتا يف الكه ف ‪ ،‬وقصد ت هذا املاكن عال بنصح‬

‫‪202‬‬
‫آ أ ثينا ليك نضع معا خطة نقيض هبا عىل اخلط ا ب ‪ .‬ف آ أ ع ل ِ مين‬
‫ال ن مك عددمه و آ أ ي نوع من الرجال مه ؟ وهل نقدر حنن الثنني‬
‫آ أ ن حنارهبم آ أ م ه ل حنتاج ا ىل معونة غريان " ‪.‬‬
‫فقال تل اميخ ‪ " :‬ا ين آ أ عرف اي آ أ يب آ أ نك ح كمي كب ري وحمارب‬
‫عظمي ‪ ،‬ول كن ذكل آ أ مر ل نقدر عليه ‪ ،‬ل أ ن هؤلء الرجال‬
‫ليسوا عرشة ‪ ،‬ول ِض ع ْ ف ي هذا العدد ‪ ،‬فقد قدم مهنم اثنان‬
‫ومخسون من دوليخيوم ‪ ،‬و آ أ ربعة وعرشون من صاموس ‪،‬‬
‫وعرشون من زا ِس ن ْ ثوس ‪ ،‬واثنا عرش من ا يثاكة ‪ ،‬ومعهم‬
‫ميدون ادلاعية ‪ ،‬ومنشد آ أ يضا وحشد من احل شم " ‪.‬‬
‫فقال آ أ وذيس ‪ " :‬ا ذهب غدا صباحا ا ىل البيت واختلط‬
‫ابخلطاب ‪ ،‬وسآ يت آ أ ان يف هيئة سائل ش يخ ‪ .‬وا ذا ما ساموين‬
‫خ سفا ‪ ،‬فا ح متل ذكل ‪ ،‬وا ن جر وين ا ىل الباب ‪ .‬وكل ا ن‬
‫شئت آ أ ن تتفو ه ببضع لكامت ح ك مية ‪ ،‬ول كهنم لن حيفلوا بك ‪،‬‬
‫ل أ ن هالكهم قد دان ‪ .‬مث عليك آ أ يضا آ أ ن تتنب ه لهذا ‪ :‬حيامن‬
‫آ أ عطيك ال شارة ‪ ،‬امجع لك ما يف البيت من ا ل أ سلحة وخب هئا‬
‫يف غرفتك ‪ .‬وا ذا ما س آ أ لوك عن السبب اذلي دعاك ا ىل هذا ‪،‬‬
‫فقل ا نك ختىش علهيا ادلخان ‪ ،‬وا ن حالها قد تغري فمل تعد ك ام‬
‫تركها آ أ وذيس حي امن ذهب ا ىل طروادة ‪ ،‬ب ل ذهب ادلخان‬
‫برونقها ‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫وقل آ أ يضا آ أ نه قد يثور بيهنم خصام ومه عاكفون عىل كؤؤوسهم‬
‫‪ ،‬فليس حيسن آ أ ن يكون السال ح يف مُ ت ناول آ أ يدهيم ‪ ،‬فا ن جمرد‬
‫رؤية الفولذ حتمل الرجل عىل القتال ‪ ،‬ول كن است ب ْ ِق س يفني‬
‫ورحمني ودرعني لت كون يل و كل ‪ ،‬وا ايك آ أ ن يدري آ أ حدا بعوديت‬
‫حىت لريت والراعي وبنلوب نفسها " ‪.‬‬
‫و آ أ قبلت سفينة تل اميخ يف غضون ذكل عىل املدينة ‪،‬‬
‫ومح ِ لت الهدااي ا ىل بيت لكيثيوس ‪ ،‬وذهب آ أ حد ادلعاة ا ىل‬ ‫ُ‬
‫القرص حيمل ا ىل بنلوب ا ل أ نباء كيال جتزع عىل ابهنا ‪ .‬وه كذا‬
‫قدم الثنان وه ام الراعي وادلاعية يف همم ة واحدة ‪ .‬وتلكم‬
‫ادلاعية يف حمرض من الوصيفات فقال ‪ " :‬آ أ يهتا امللكة ‪ ،‬ا ن‬
‫ابنك قد رجع من فيلوس ! " و آ أ ما الراعي فصعد ا ىل خمدع‬
‫بنلوب ‪ ،‬و آ أ خ ربها عىل انفراد مبا آ أ مره تل اميخ ‪ .‬وملا فعل ذ كل‬
‫قفل راجعا ا ىل بيته وا ىل اخلنازير ‪.‬‬
‫و آ أ قلق هذا النب آ أ آ أ فئدة اخلطا ب ‪ ،‬فقال آ أ ورمياخ ‪ " :‬ا ن‬
‫ما آ أ قدم عليه تل اميخ فيه من اجلرآ أ ة ما فيه ‪ .‬فها هو قد آ ب من‬
‫رحلته اليت زعنا آ أ نه لن يعود مهنا ‪ .‬فلنجمع ا ذن جامعة من‬
‫اجملذفني ولرنسل سفينة ا ىل آ أ صد قائنا ونسآ أ هلم العودة ا لينا يف‬
‫آ أ رسع ما يس تطيعون " ‪.‬‬
‫وفامي اكن آ أ مفينوموس يتلكم ‪ ،‬حانت منه التفاتة فرآ أ ى‬

‫‪204‬‬
‫الرشُ ع ‪ .‬فقال‬ ‫ا ل سفينة يف املرف آ أ ‪ ،‬ور آ أ ى الرجال ي ُ زنلون ُ‬
‫ضاحاك ‪ " :‬ل داعي ا ىل رساةل نوصلها ا ىل رجالنا ‪ ،‬فها مه‬
‫آ أ نفسهم قد عادوا ‪ .‬فقد يكون آ أ حد ا ل أ راب ب آ أ نب آ أ مه ابلواقع ‪،‬‬
‫آ أ و يكونون قد شاهدوا سفينة تل اميخ عىل مقربة مهنم ‪ ،‬فمل‬
‫ي متكنوا من اللحاق هبا " ‪.‬‬
‫واجته اخلطا ب من مث ا ىل ماكن الاجامتع ‪ ،‬فوقف فهيم‬
‫آ أ نطي ن ُ وس وقال ‪ " :‬انظروا كيف جن ت ا ل أ رابب هذا الرجل !‬
‫فقد اكن كشافوان ل يربحون يف الهنار يرقبون من آ أ عىل الرؤوس‬
‫‪ ،‬وحي ل الواحد مهنم حمل ال خر ‪ .‬ومل ن كن عند مغيب الشمس‬
‫نتلب ث عىل الساح ل ‪ ،‬بل كنا نسري فوق املاء منتظرين الصباح‬
‫‪ .‬وها قد آ أ رجعه آ أ حد ا ل أ راب ب مع ذكل ا ىل وطنه ‪ .‬ول كننا‬
‫س نورده آ أ خ ريا مورد الهالك ‪ ،‬ل أ ننا لن ن مت كن من تنفيذ مآ أ ربنا‬
‫مادام عىل قيد احلياة ‪ .‬فلنرسع قبل آ أ ن جيمع قومه ‪ ،‬ويطلعهم‬
‫عىل امل كيدة اليت دب رانها هل ؛ ل أ هنم س ي كرهوننا ح ينئذ ون ُطرد‬
‫من ا ل أ رض ‪ .‬فعلينا واحلاةل هذه آ أ ن نفتك به ‪ ،‬ا ما يف الربية‬
‫وا ما يف الطريق ‪ ،‬ونقتسم آ أ مواهل ف امي بيننا ‪ .‬غري آ أ ننا نرتك‬
‫البيت ﻷ مه ‪ ،‬وذلكل اذلي س يزتوهجا ‪ .‬ول كن ا ذا كنمت تؤثرون‬
‫آ أ ن يظل حيا فلن نبق هنا للهتام آ أ رزاقه ‪،‬‬

‫‪205‬‬
‫وليذهب لك منا ا ىل مزنهل ‪ .‬مث نبعث يف خ ِ طبة امللكة من‬
‫آ أ ماكننا ‪ ،‬ونرسل ا لهيا هدااي الزواج ‪ ،‬ا ىل آ أ ن ي مت كن آ أ حدان من‬
‫ا قناعها " ‪.‬‬
‫عندها تلكم آ أ مفينوموس ‪ ،‬ومل ي كن يف اخلط اب آ أ كرث منه‬
‫ا درااك ‪ ،‬فقال ‪ " :‬لست آ أ رغب آ أ هيا ا ل أ صد قاء يف آ أ ن ي ُ قتل‬
‫تل اميخ ‪ ،‬فا ن قتل ابن املكل من ا ل أ مور اخمليفة ‪ .‬فلن س ت خِ ر‬
‫ا ل أ رابب يف شآ أ نه آ أ ول ‪ ،‬حىت ا ذا جاء ويح زفس ابملوافقة ‪،‬‬
‫قتلته آ أ ان بيدي هاتني ‪ .‬و آ أ ما ا ذا جاء ابملنع فا ين آ أ صد مك عام‬
‫تقصدون " ‪.‬‬
‫وعىل ا ثر ذكل تركوا ماكن الاجامتع ‪ ،‬وذهبوا بيت آ أ وذيس‬
‫‪ .‬وقد علمت بنلوب من ادلاعية ميذون بتآ مر اخلطا ب عىل قتل‬
‫ابهنا ‪ ،‬فذهبت ا ىل الهبو ‪ ،‬تصحهبا وصيفا هتا ‪ ،‬ووقفت ابلبا ب‬
‫ممس كة بنقاهبا آ أ مام وهجها ‪ ،‬وتلكمت فقالت ‪ " :‬يزمع الناس اي‬
‫آ أ نطينوس آ أ نك آ أ فضل آ أ مراء ا يثاكة رآ أ اي و آ أ حس هنم منطقا ‪،‬‬
‫ول كين ل آ أ جدك كذكل حقا ‪ .‬فكيف ت آ أ متر بودلي غري مك رتث‬
‫ل ل أ رابب ‪ ،‬وغري ذاكر حسن الصنيع ؟ آ أ ل تذكر هرب آ أ بيك ا ىل‬
‫هذا البيت خش ية من غضب القوم ‪ ،‬وقد اكن قد انضم ا ىل‬
‫القراصنة التفيانيني ‪ ،‬وغزا قوما مساملني لنا ‪ .‬ف آ أ راد الشعب‬
‫لهذا قتهل وهنب متاعه ‪ ،‬ول كن آ أ وذيس حال دون ذكل ‪ .‬وها‬
‫آ أ نت‬

‫‪206‬‬
‫ال ن تعبث يف بيت هذا الرجل عينه وهتم بقتل ودله " ‪.‬‬
‫فآ أ جا ب آ أ ورمياخ ‪ " :‬عليك ابلشجاعة اي بنلوب ا حلك مية ‪،‬‬
‫ول يزنجع فؤادك ‪ .‬ا ن الرجل اذلي يرفع عىل تل اميخ يدا مل يودل‬
‫‪ ،‬ولن يودل ما دمت حيا عىل وجه البس يطة ‪ .‬ومن تسو ل هل‬
‫نفسه ذكل ‪ ،‬يتدف ق دمه يف احلال عىل س ِ نان رحمي ‪ .‬فمك من‬
‫مر ة آ أ جلس ين آ أ وذيس عىل ركبتيه ‪ ،‬و آ أ طعمين من الشواء ‪،‬‬
‫ورفع ك أ س النبيذ ا ىل شفيت ‪ .‬ولهذا اكن تل اميخ آ أ عز الرجال‬
‫يش عليه املوت بيد اخلط اب ‪ ،‬و آ أ ما ا رادة‬ ‫عندي ‪ .‬فال خت ْ‬
‫ا ل أ راب ب فال ق ِ ب ل ل أ حد بتفادهيا " ‪.‬‬
‫قال هذا آ مال آ أ ن ي ُ لقي الطمآ أ نينة يف ُر وعها ‪ ،‬وقد اكن‬
‫مع ذ كل ل يربح ي آ أ متر بودلها ‪ .‬وصعدت بعد ذكل ا ىل ع ُ ل يهتا‬
‫تبيك س ي دها ‪ ،‬حىت آ أ رسلت آ أ ثينا عىل عينهيا النوم الهينء ‪.‬‬
‫ورجع الراعي يف آ أ ثناء ذكل ا ىل بيته ‪ .‬وقبل وصوهل آ أ عادت‬
‫آ أ ثينا آ أ وذيس ا ىل هيئة السائل اليت اكن علهيا ‪ ،‬لئال يعرفه‬
‫فيخرب بنلوب اب ل أ مر ‪.‬‬
‫وخا طبه تل اميخ قائال ‪ " :‬ما يه آ أ خبار املدينة ؟ هل رجع‬
‫اخلط اب من مكيهنم آ أ م هل ل يزالون يرقبون سفينيت ؟ "‬
‫فآ أ ج اب عوس ‪ " :‬ا نين مل آ أ فك ر يف التطواف يف آ أ رجاء‬

‫‪207‬‬
‫املدينة وا لقاء ا ل أ س ئةل عىل الناس ‪ ،‬غري آ أ ين مُ خربك مبا آ أ عرف‬
‫‪ .‬فاعمل آ أ ن رسوكل قد انضم ا يل ‪ ،‬واكن آ أ ول من بل غ امللكة‬
‫ا ل أ خبار ‪ .‬واعمل آ أ يضا آ أ ين رآ أ يت سفينة تدخل امليناء حامةل‬
‫الرجال ال كثريين والر ماح وادلروع ‪ ،‬وقد يكون هؤلء مه‬
‫اخلط اب ‪ ،‬ول كنين لست من ذ كل عىل يقني " ‪.‬‬
‫فنظر تل اميخ ا ىل آ أ بيه ول كنه حتاىش من عني الراعي ‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫‪18‬‬
‫آأ وذيس يف بيته‬

‫ملا آ أ قبل الصباح ‪ ،‬قال تل اميخ للراعي ‪ " :‬ا ين ذاهب ا ىل‬
‫املدينة ؛ ﻷ ن آ أ يم لن ي ُ ْر ضهيا آ أ ل رؤية وهج ىي ابذلا ت ‪ .‬و آ أ م ا‬
‫هذا الغريب خفذه ا ىل املدينة ليس تعطي خ زبه هناك ممن قد‬
‫يكرتث للعطاء " ‪.‬‬
‫عند هذا تلكم آ أ وذيس فقال ‪ " :‬و آ أ ان آ أ يضا ل آ أ ريد آ أ ن‬
‫ت ُغادرين هنا اي صديقي ‪ ،‬فال س تعطاء يف املدن خ ري منه يف‬
‫الريف ‪ .‬فاذهب آ أ نت وسآ أ حلق بك حيامن تش تد حرارة الشمس‬
‫‪ ،‬ل أ ن مالبيس قد رث ت ا ىل الغاية و آ أ خىش آ أ ن هيرآ أ ين ال ربد " ‪.‬‬
‫فسار تل اميخ يف سبيهل ‪ ،‬وهو ي كيد الرش للخط اب ‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫برص ت به حاضنته آ أ وريلكيا آ أ ول ‪ ،‬فبادرت‬ ‫وملا بلغ بيته ُ‬
‫ا ليه وقبلته ‪ ،‬وهبطت بنلوب من ع ُ ل يهتا ‪ ،‬فطوقته بذراعهيا ‪،‬‬
‫وقب لت وهجه وعينيه وقالت ‪ " :‬ها قد رجعت اي تل اميخ ‪ ،‬اي نور‬
‫عيين ! وقد ظننت آ أ نين لن آ أ راك اثنية ‪ .‬ول كن آ أ علمين ب آ أ ي نب آ أ‬
‫جئت عن آ أ بيك ؟ "‬
‫فآ أ جاب تل اميخ ‪ " :‬ل آ أ قدر آ أ ن آ أ قول شيئا من هذا ال ن ‪.‬‬
‫فاذهيب ا ىل خمدعك ‪ ،‬وانذري الضحااي ل ل أ رابب ل مينحوان‬
‫الانتقام ممن آ أ ساؤوا ا لينا ‪ .‬وسآ أ ذهب ال ن ا ىل السوق ل يت‬
‫برجل غريب قد آ أ حرضت ُه من فيلوس ‪ ،‬وطلبتُ ا ىل فريوز آ أ ن‬
‫ي ُ عىن به ا ىل حني قدويم " ‪.‬‬
‫ففعلت بنلوب ما آ أ شار به ‪ ،‬ول كن تل اميخ ذهب ا ىل ماكن‬
‫الاجامتع ‪ ،‬و آ أ لقت عليه آ أ ثينا روعة آ أ دهشت مجيع من رآ ه ‪ .‬وقد‬
‫جتن ب اخلط اب ‪ ،‬وقصد ا ىل حيث اكن منطور وغ ريه من‬
‫آ أ صد قاء بيته جم متعني ‪ .‬وجاء ف ريوز بعدئذ يقود الغريب ‪ ،‬وتلكم‬
‫فقال ‪ " :‬مُ ر النساء آ أ ن يذهنب حال ا ىل بييت ‪ ،‬ليك حيرضن‬
‫الهدااي اليت آ أ عطاك ا ايها مانيال " ‪.‬‬
‫ول كن تل اميخ آ أ جا ب ‪ " :‬الك فا ننا ل نعمل ما س ت كون‬
‫العاقبة ‪ .‬فا ذا هنب اخلطا ب آ أ موايل ‪ ،‬فا ين آ أ فض ل آ أ ن ت كون‬

‫‪210‬‬
‫الهدااي من نصيبك عىل آ أ ن يس تولوا مه علهيا ‪ ،‬و آ أ ما ا ذا هلكوا‬
‫فس تحرضها آ أ نت ا ىل مزنيل " ‪.‬‬
‫مث قاد الغريب ا ىل بيته ‪ ،‬و آ أ مر آ أ ن ي ُ قد م هل الطعام‬
‫والرشا ب ‪.‬‬
‫وملا آ أ هنوا الطعام قالت هل بنلوب ‪ " :‬ا ين ذاهبة ا ىل‬
‫غرفيت ‪ ،‬ول كن آ أ خ ربين آ أ ول هل دليك نبآ أ عن آ أ بيك ؟ " ‪.‬‬
‫فآ أ عاد علهيا تل اميخ لك ما آ أ خربه به نسطور ومانيال ‪ .‬وملا‬
‫انهت ى تلكم ثيولك امين العر اف فقال ‪ " :‬امسعي ال ن اي زوجة‬
‫آ أ وذيس ‪ ،‬ولي كن ِز فس ‪ ،‬ومائدة آ أ وذيس هذه املضيا فة ‪ ،‬وهذا‬
‫املو ق ُ د شهودي عىل صدق ما آ أ قول ‪ ،‬ا ن آ أ وذيس يقمي ال ن يف‬
‫آ أ رضه وبالده ‪ ،‬يدب ر الهالك للخطاب ‪ .‬وا ين ل أ عمل هذا عمل‬
‫اليقني ‪ ،‬ل أ ن البشائر اليت رآ أ يهتا يف غاية الوضوح " ‪.‬‬
‫فآ أ جابته بنلوب ‪ " :‬ل ِ متنحنا ا ل أ راب ب حتقيق ذكل آ أ هيا‬
‫الغريب ! ولن ن ن ْ ق ُ صك عند ذكل حسن العطاء " ‪.‬‬
‫واكن اخلطاب آ نذاك يتله ون برفع ا ل أ ثقال وريم الهدف‬
‫ابلرماح يف مُ نب سط من ا ل أ رض ‪ .‬وملا حان موعد العشاء‬

‫‪211‬‬
‫قال ميذون ادلاعية ‪ " :‬هلم وا ال ن ا ىل عشاءان ‪ ،‬فليس آ أ فضل‬
‫من تناول الطعام يف حينه " ‪.‬‬
‫وه كذا هتي آ أ وا للو ل مية ‪.‬‬
‫واكن السائل الزائ ف حني ذاك قادما ا ىل املدينة مع‬
‫عوس ‪ .‬وملا اقرتاب مهنا ‪ ،‬قادمني بطريق النبع اذلي حفره‬
‫ا يثاكوس واخوته ‪ ،‬حيث يقوم آ أ يضا هيلك للحوراي ت ‪ ،‬ل قهيام‬
‫مالنثيوس راعي امل ع ز ‪ ،‬فآ أ غلظ لعموس يف اخلطاب ‪ ،‬و آ أ حن‬
‫عليه ابللوم ل حضاره هذا املتسو ل ا ىل املدينة ‪ .‬مث دان مهنام‬
‫ورض ب خفذ آ أ وذيس برجهل ‪ ،‬ول كنه مل يزحزحه عن ماكنه ‪ .‬وف ك ر‬
‫آ أ وذيس هنهية هل يرضبه هبراوته فيقيض عليه ‪ ،‬آ أ و يطرحه عىل‬
‫ا ل أ رض ‪ ،‬ولكنه رآ أ ى ا ل أ ْو ىل يف آ أ ن يصرب عىل ا ل أ ذى " ‪.‬‬
‫ول كن عوس رفع يديه وقال ‪ " :‬ليت حورايت النبع‬
‫ُحي ق قن رجايئ ‪ ،‬ف ريجع آ أ وذيس ا ىل بيته ‪ ،‬وجيردك من زينتك‬
‫هذه اليت آ أ تيت هبا ا ىل املدينة خملفا القطيع ‪ ،‬ليسطو عليه‬
‫آ أ رشار الرعاة ! " ‪.‬‬
‫مث واصال السري ا ىل القرص ‪ .‬واكن اللكب آ أ رغوس اذلي‬
‫رابه آ أ وذيس بيديه رابضا عند اب ب ر حبته ‪ .‬وقب ل آ أ ن يبلغ هذا‬
‫اللكب آ أ ُش د ه ‪ ،‬سافر آ أ وذيس ا ىل طروادة ‪،‬‬

‫‪212‬‬
‫وقد اس تخدمه الرجال للصيد ملا اكن قواي ‪ ،‬فصاد معهم املاعز‬
‫ال ربي ‪ ،‬والوعل ‪ ،‬وا ل أ رنب ‪ ،‬و آ أ ما ال ن فقد اكن راقدا عىل‬
‫املزبةل ‪ ،‬ينغ ر القمل يف جسمه ‪ .‬وقد عرف اللكب موله ‪ ،‬وملا‬
‫مل يقدر عىل ادلنو منه حر ك ذنبه و آ أ رىخ آ ُ ذ ُ نيه ‪.‬‬
‫فلام رآ ه آ أ وذيس مسح دمعة وقال ‪ " :‬حقا ‪ ،‬اي عوس ‪،‬‬
‫ا نه ل أ مر غريب آ أ ن ي ُ لق لكب كهذا جي د السالةل عىل املزبةل "‬
‫‪ .‬فآ أ جاب عوس ‪ " :‬ا نه لكب مات صاحبه بعيدا ‪ .‬وملا اكن هذا‬
‫اللكب فامي مىض ل أ وذيس اكن آ أ قوى اللك ب و آ أ رسعها ‪ ،‬و آ أ ما‬
‫ال ن ‪ ،‬وقد هكل س يدي العزيز بعيدا ‪ ،‬فال توليه النساء‬
‫امله مِ ال ت شيئا من العناية ‪ .‬ومىت غا ب الس يد آ أ مهل العبيد‬
‫واجهبم ‪ ،‬ول ب ِ دع فالس رتقاق ي ُ فقد الانسان نصف مزاايه " ‪.‬‬
‫وف امي اكن يتلكم ‪ ،‬ما ت اللكب ارغوس ‪ ،‬فقد انتظر‬
‫عرشين عاما مث رآ أ ى س يده آ أ خ ريا ‪.‬‬
‫وبعد ذ كل دخل الثنان الهبو ‪ ،‬وملا رآ ه ام تل اميخ آ أ خذ من‬
‫السةل خ زبا ومحلا بقدر ما متسكه يداه ‪ ،‬وطلب آ أ ن ي ُ عط ذ كل‬
‫للسائل ‪ ،‬و آ أ ن ي ُ قال هل ا نه يقدر آ أ ن يدور عىل‬

‫‪213‬‬
‫اخلط اب ‪ ،‬ويطلب مهنم صدقة ‪ .‬وعىل هذا طاف ابخلط اب ماد ا‬
‫يده مس تعطيا ‪ .‬فآ أ عطاه بعضهم ‪ ،‬وقد آ أ خذ هتم الرآ أ فة به وجعبوا‬
‫لرؤيته ‪ ،‬وسآ أ هل بعضهم عن نفسه من يكون ‪ .‬ولكن آ أ نطينوس‬
‫اكن آ أ قلهم حياء ‪ .‬فقد آ أ قب ل عليه آ أ وذيس ‪ ،‬و آ أ خربه مبا اكن هل‬
‫من ال رثوة الطائةل والقدرة يف سال ف ا ل أ ايم ‪ ،‬و آ أ نه ذهب ا ىل‬
‫مرص ‪ ،‬وبيع ب يع الرقيق يف ق ربص ‪ ،‬فهزآ أ به آ أ نطينوس قائال ‪:‬‬
‫" تنح عن مائديت ‪ ،‬وا ل وجدت مين آ أ سو آ أ مما وجدت يف مرص‬
‫و آ أ شد مما ل قيت يف قربص " ‪.‬‬
‫فقال آ أ وذيس ‪ " :‬ل ريب يف آ أ ن كل نفسا رشيرة ‪ ،‬وا ن‬
‫اكن جسدك مجيال ‪ .‬فا نك جتلس ا ىل طعام رجل سواك ‪ ،‬ومع‬
‫هذا فال تعطيين شيئا " ‪.‬‬
‫فآ أ مسك انطينوس عندئذ ابملوط ئ الصغري من حتت قدميه‬
‫‪ ،‬ورضب به آ أ وذيس ‪ ،‬غري آ أ ن هذا ثبت يف ماكنه اكلصخر ‪،‬‬
‫وجالت يف نفسه ف كرة الانتقام ‪ .‬وذهب وجلس عند البا ب ‪،‬‬
‫وقال وهو يف ذكل املاكن ‪:‬‬
‫" آ أ صغوا ا يل اي خط اب امللكة ! ينبغي لال نسان آ أ ل‬
‫يغضب ا ذا ما ُرض ب وهو يقاتل من آ أ جل ماهل ‪ ،‬ول كن‬
‫انطينوس رضبين ل أ ين فقري ‪ .‬فلتح ل عليه ا ذن لعنة اجلائع ا ىل‬
‫يوم زواجه ! "‬

‫‪214‬‬
‫فتلكم انطينوس عند ذكل وقال ‪ " :‬اجلس آ أ هيا الغريب‬
‫ولك خزبك صامتا ‪ ،‬لئال يطردك الفتيان ‪ ،‬آ أ و جير دوا محلك عن‬
‫عظامك " ‪.‬‬
‫قال هذا يف وقاحة وص ل ف ‪ ،‬ول كن ال خرين لموه قائلني‬
‫‪ " :‬بئس ما فعلت برضبك هذا الفقري اجلو ابة ‪ .‬فقد جتر ف ِ عةل‬
‫كهذه الهالك ‪ ،‬ا ذا اكن يف الس امء ا هل ‪ .‬وكث ريا ما يتخذ ال آ لهة‬
‫هيئة البرش ‪ ،‬وجيوسون خالل املدن ليقفوا عىل ما جيري فهيا‬
‫من آ أ ع امل الصالح آ أ و آ أ عامل الط الح " ‪.‬‬
‫آ أ ما انطينوس فمل يكرتث ذل كل ‪ ،‬و آ أ ما تل اميخ فقد اغمت‬
‫آ أ شد الاغ امتم لرؤيته آ أ ابه ي ُ رضب عىل هذا الوجه ‪ ،‬ولكنه مل‬
‫يذرف مع ذ كل دمعة ‪ ،‬بل جلس ساكنا يف ك ر يف هالك اخلطاب‬
‫‪ .‬وملا مسعت بنلوب كيف ُرض ب الغريب يف الهبو ‪ ،‬خا طبت‬
‫وصيفا هتا قائةل ‪ " :‬ه كذا فليرضب آ أ فل ون النابل آ أ نطينوس ! "‬
‫‪.‬‬
‫وقالت آ أ ورينومة قي مة البيت ‪ " :‬ليت د ع واتنا‬
‫ت ُ س تجاب ! ا ذن ملا عاش واحد من هؤلء ا ل أ رشار ل ريى لهذا‬
‫اليوم غدا " ‪.‬‬
‫فآ أ جابت بنلوب ‪ " :‬آ أ ج ل آ أ يهتا احلاضنة ‪ .‬لك هم‬

‫‪215‬‬
‫عدو ‪ ،‬ول كن انطينوس آ أ شد مه عداوة ‪ .‬حقا ا نه بغي ض اكملوت‬
‫"‪.‬‬
‫مث دعت بنلوب الراعي ‪ ،‬وقالت ‪ " :‬اذهب ال ن وجئين‬
‫هبذا الغريب ‪ .‬فا ين آ أ رغب يف آ أ ن آ أ رح ب به ‪ ،‬و آ أ سآ أ هل هل مسع‬
‫بآ أ خبار آ أ وذيس ‪ ،‬وقد ي كون رآ ه بعينيه ‪ ،‬ل أ نه عىل ما يظهر قد‬
‫طو ف بعيدا يف آ فاق ا ل أ رض " ‪.‬‬
‫فآ أ جاب عوس ‪ " :‬حقا ان هذا الرجل س يفنت ل ُ ب ك آ أ يهتا‬
‫امللكة ! وقد آ أ بقيته يف مس كين ثالثة آ أ ايم مل يك ف فهيا عن‬
‫التحدث مبصائبه ‪ .‬وكام يفنت منشد ا ل أ غاين امجليةل قلوب الناس‬
‫‪ ،‬ه كذا فتنين هذا الرجل ‪ .‬وهو يقول ا نه كرييت ‪ ،‬وا نه مسع‬
‫آ أ ن آ أ وذيس ما يزال حيا ‪ ،‬و آ أ نه س يآ أ يت ابلكثري من ا ل أ موال ا ىل‬
‫بيته " ‪.‬‬
‫فقالت بنلوب ‪ " :‬اذهب واد ع ُ هذا الغريب ليك آ أ حادثه‬
‫‪ .‬آ أ ل ليت آ أ وذيس يعود حقا ! ليته يبادر هو وودله ا ىل‬
‫الانتقام من هؤلء الرجال للك ما صنعوه من الرش !‬
‫وفامي يه تتلكم ‪ ،‬عطس تل اميخ ‪ ،‬فدوى ع ُ طاسه يف آ أ حناء‬
‫املزنل ‪ .‬وعادت بنلوب وقالت لعموس ‪ " :‬آ أ د ع ُ هذا الغريب‬
‫ال ن ‪ ،‬آ أ مل تر آ أ ن ابين عطس ع ُ طاس ال ربكة و آ أ ان آ أ تلكم ؟ ان‬
‫هذا الانتقام ‪ ،‬وا مي ُ احلق ‪ ،‬ل بد منه ‪،‬‬

‫‪216‬‬
‫ولن يفلت منه آ أ حد ‪ ،‬و آ أ ما هذا الغريب ‪ ،‬ا ذا ما آ أ دركتُ آ أ نه‬
‫يتلكم صد قا ‪ ،‬فسآ أ عطيه معطفا جديدا وثواب " ‪.‬‬
‫وخا طب راعي اخلنازير الغريب فقال ‪ " :‬ا ن بنلوب‬
‫ترغب يف حمادثتك ‪ .‬والا س تعالم عن زوهجا ‪ .‬فا ذا رآ أ ت آ أ نك‬
‫تقول الصدق تعطيك معطفا وثواب ‪ ،‬وس تكون كل احلرية‬
‫لتس تعطي يف لك آ أ حناء هذه ا ل أ رض ‪ .‬ول كن السائل الزائف قال‬
‫‪ " :‬سآ ُ طلع بنلوب عىل قصة زوهجا طي ب النفس راضيا ‪ ،‬ل أ نين‬
‫آ أ عرفه جي د املعرفة ‪ .‬ول كين آ أ خىش هؤلء اخلطاب ‪ .‬وحيامن‬
‫رضبين هذا الرجل منذ حني ‪ ،‬بال سبب ‪ ،‬مل ُحي ل آ أ حد دون‬
‫الرضبة حىت تل اميخ ذاته ‪ .‬فاذهب اذن ‪ ،‬وقل للملكة آ أ ن تنتظر‬
‫حىت غيا ب الشمس " ‪.‬‬
‫فذهب الراعي ‪ ،‬وفامي هو جيتاز العتبة قالت بنلوب ‪:‬‬
‫" ا نك مل حترضه ! مفاذا يقصد من هذا اجلواب ؟ ا ن السائل‬
‫احليي ل جييد حِ ْر فته " ‪.‬‬
‫ِ‬
‫فآ أ جاهبا الراعي ‪ " :‬ا نه قد آ أ حسن صنعا اي موليت‬
‫خبشيته رش هؤلء الرجال ال ُو ق ُ ح ‪ .‬وهو يرغب ا ِ‬
‫ليك آ أ ن‬
‫تنتظري ريامث تغيب الشمس ‪ .‬وا ل أ وىل ‪ ،‬ول ريب ‪ ،‬آ أ ن حتادثيه‬
‫عىل انفراد " ‪.‬‬
‫فقالت بنلوب ‪ " :‬س آ أ فعل ذكل ‪ ،‬فا ن هذا الغريب من‬

‫‪217‬‬
‫ذوي ال ف ِ ط ن ‪ .‬واحلق آ أ ن وقاحة هؤلء الرجال جتاوز ت لك حد‬
‫"‪.‬‬
‫مث اجته ا ىل حشد اخلط ا ب ‪ ،‬ولك م تل اميخ مُ دنيا رآ أ سه‬
‫منه لئال يسمعه آ أ حد ‪ ،‬فقال ‪ " :‬ا ين ذاهب لتدبري آ أ مور‬
‫املزرعة ‪ .‬فراقب آ أ نت ما جيري هنا ‪ ،‬فا ن ال كثريين من الشعب‬
‫يضمرون لنا كرها آ أ خزامه زف ِ س ! " ‪.‬‬
‫فآ أ جا ب تل اميخ ‪ " :‬ا ذهب اي آ أ يب ك ام قلت ‪ ،‬وارجع يف‬
‫الصباح ‪ ،‬ومعك احليواانت للتضحية " ‪.‬‬
‫وعىل هذا برح راعي اخلنازير املاكن ‪ ،‬وانرصف اخلط اب‬
‫ا ىل الق ْص ف ‪ ،‬وجعلوا يرقصون وينشدون ل أ ن الشمس اكنت‬
‫عىل وشك الغروب ‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫‪19‬‬
‫آأ وذيس يف بيته‬
‫« ت متة »‬

‫وقدم بعد هنهية حش اذ من املدينة ‪ ،‬واكن خض م اجلسم‬


‫آ أ كول رش يبا ‪ ،‬غري آ أ ن قو ته مل ت كن عىل قدر جسمه ‪ .‬واكن‬
‫ي ُ دع آ أ ِر نوس ‪ ،‬ول كن الفتيان اكنوا يلقبونه اب يروس ‪ ،‬ل أ نه اكن‬
‫رسوهلم ‪ ،‬تشبهيا هل اب يريس رسوةل زفس ‪ .‬خفا طب هذا الشح اذ‬
‫آ أ وذيس ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫" خل ماكنك آ أ هيا الش يخ ‪ ،‬وا ل طردتك خارجا ‪ .‬وا ن‬
‫الفتيان ل ريغبون يف ذكل ال ن ‪ ،‬ول كين آ أ رى من العار آ أ ن‬
‫ي ُ رضب رجل مثكل " ‪.‬‬
‫فقال آ أ وذيس ‪ " :‬ا ن يف املاكن متسعا يل وكل ‪ ،‬حفص ل‬
‫ما آ أ نت قادر عىل حتصيهل ‪ ،‬فلن آ أ حقد عليك ذل كل ‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫ول كن ا ايك آ أ ن تثري غضيب ‪ ،‬ﻷ ين آ ُ وذيك عندئذ وا ن كنتُ‬
‫ش يخا " ‪.‬‬
‫ول كن ا يروس مل ينق ْد للكم السالم ‪ ،‬بل ظ ل يتحدى‬
‫آ أ وذيس ويدعوه للقتال ‪.‬‬
‫وملا رآ أ ى آ أ نطينوس ذكل ُرس وقال ‪ " :‬ا هنا آ أ فضل رايضة‬
‫رآ أ يهتا يف هذا امل زنل ‪ .‬فا ن هذين السائلني يتحف زان للقتال ‪،‬‬
‫فل ْ ن حْ مِ ل ْ هام عىل آ أ ن يتباراي " ‪.‬‬
‫فرس مه القول ‪ ،‬وعاد انطينوس ا ىل اللكم فقال ‪" :‬‬
‫آ أ صغوا ا يل اي خطا ب املل كة ‪ .‬ا ننا جعلنا آ أ حشاء املع ز جانبا‬
‫لعشائنا ‪ ،‬فلنتفق ا ذا عىل آ أ ن نرتك الغالب من هذين الثنني‬
‫خيتار مهنا ما حيلو هل ‪ .‬و آ أ ن يكون هل احلق بعد ذكل يف آ أ ن يآ أ لك‬
‫معنا ‪ ،‬و آ أ ن ل جيلس غريه عىل املائدة يف ماكنه " ‪.‬‬
‫فقال آ أ وذيس ‪ " :‬ا نه يعرس عىل الش يخ آ أ ن يقاتل شااب ‪،‬‬
‫ا ل آ أ ين س آ أ فع ل ذ كل ‪ ،‬ا ذا آ أ قسممت يل آ أ ن ل ميد آ أ حد مك ا يل يدا‬
‫برضبة مُ خا ل ِ سة ‪ ،‬و آ أ ان آ ُ قاتهل " ‪.‬‬
‫فقال تل اميخ ان ا ل أ مر س ي كون كام يشاء ‪ ،‬ووافق امجليع‬
‫عىل الكمه ‪ .‬وبعدئذ مش ر آ أ وذيس آ أ ذايهل اس تعدادا للقتال ‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫ونظر مجيع احلارضين ا ىل خفذيه ‪ ،‬فرؤوهام ع ب ْ ل تني قويتني ‪،‬‬
‫ور آ أ وا رحابة من كبيه ‪ ،‬وشدة ساعديه ‪ .‬فقال آ أ حدمه لل خر ‪" :‬‬
‫لن يبق من ايروس ا ل القلي ل ملا يبدو عىل هذا املتسول من‬
‫اجلالدة " ‪.‬‬
‫آ أ ما ايروس نفسه ‪ ،‬فقد ود لو ا س تطاع آ أ ن يتسل ل‬
‫وخيتفي عن ا ل أ نظار ‪ ،‬غ ري آ أ ن اذلين رشعوا يف تشمري ثيابه‬
‫آ أ كرهوه عىل التقدم ‪ .‬وقال انطينوس ‪ " :‬كيف ختاف هذا‬
‫الش يخ آ أ هيا املد عي ‪ ،‬وهو عىل ما هو عليه من الشقاء ؟ مث‬
‫آ أ صغ ِ ا ىل ما آ أ قول ‪ :‬ا ذا ما انترص هذا الرجل عليك ‪ ،‬فا نك‬
‫س تطرح يف سفينة ‪ ،‬وتؤخذ ا ىل آ أ رض املكل ا ختوس فيصمل‬
‫آ ُ ذُ نيك ‪ ،‬وجيدع آ أ نفك ‪ ،‬ويطرهحا للكبه " ‪.‬‬
‫وتشابك الرجالن ‪ .‬وقد ف كر آ أ وذيس ه ل يرضب الرجل‬
‫رضبة قاتةل آ أ و هل يطرحه عىل ا ل أ رض ‪ .‬وظهر هل آ أ ن ا ل أ مر‬
‫ا ل أ خري آ أ فض ل ‪ ،‬فل ام ساق ا ليه ايروس رضبته ابدره بلمكة عىل‬
‫ف ك ه كرست عظمه ‪ ،‬فوقع عىل ا ل أ رض مولول ‪ ،‬وتفجر ادلم‬
‫غزيرا من مفه ‪.‬‬
‫عندئذ عال حضك اخلطاب ‪ .‬وجر آ أ وذيس خصمه ا ىل‬
‫خارج الهبو ‪ ،‬و آ أ س نده ا ىل حائط الفناء ‪ ،‬ووضع يف يده عصا‬
‫وقال ‪ " :‬اجلس هنا ‪ ،‬وا طرد اللكب‬

‫‪221‬‬
‫واخلنازير عن البا ب ‪ ،‬ول كن ا ايك آ أ ن جترؤ بعد ال ن وترفعها‬
‫عىل رجل ‪ ،‬ول عىل غريب آ أ و سائل ‪ ،‬لئال حيل بك آ أ سو آ أ مما‬
‫لقيت " ‪.‬‬
‫مث ا ن آ أ نطينوس آ أ عط آ أ وذيس قطعة كب رية من ال كبد ‪،‬‬
‫و آ أ عطاه آ أ مفينوموس رغيفني ‪ ،‬ودعاه ا ىل رشب ك أ س قائال ‪" :‬‬
‫لي كن السعد حليفك ‪ ،‬آ أ هيا ا ل أ ب ‪ ،‬فامي بع ُد ‪ ،‬وا ن كنت ال ن‬
‫من العيش يف الرض اء " ‪.‬‬
‫فآ أ جاب آ أ وذيس ‪ " :‬ا ين آ أ حسب آ أ نك ممن يت صفون بفرط‬
‫احلمكة اي آ أ مفينوموس ‪ .‬و آ أ عرف آ أ ن آ أ ابك من ع ُ قالء الرجال !‬
‫ف كن ا ذن عىل حذر ‪ .‬فليس عىل وجه البس يطة آ أ ضعف من‬
‫ال نسان ‪ .‬فهو يف آ أ ايم العز والصفو ل حيسب للنوازل حسااب ‪،‬‬
‫ول كن مىت آ أ نزلت به ا ل أ رابب املصائب ‪ ،‬يعود ل حول هل ول‬
‫قوة ‪ .‬فقد كنت آ أ ان آ أ يضا واثقا من نفيس ومن قبييل ‪ ،‬و آ أ ما‬
‫ال ن انظر ا ىل آ أ ي حاةل ترد يت ! فال ي ُ قدمن رجل ا ذا عىل‬
‫ع ل من آ أ ع امل القسوة والظمل ؛ ل أ ن زفس ل بد آ أ ن يعاقب يف‬
‫الهناية عىل مث ل هذه ا ل أ ع امل ‪ .‬وها ا ن خطا ب امللكة هؤلء‬
‫ي ُسيئون ا ىل ذكل الرجل الغائب عن بيته ‪ ،‬ولكنه س يعود‬
‫يوما ويفتك بآ أ عدائه ‪ .‬فباد ْر ا ىل الهرب ما دام يف الوقت‬
‫مت سع ‪ ،‬ول ت ل ْ ق ه حني جميئه " ‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫وقد قال هذا ‪ ،‬وهو ينوي هل اخلري ‪ ،‬ول كن خما طبه دخل‬
‫القرص مكتئب القلب متوقعا رشا ‪ .‬غري آ أ نه اكن قد ق ُ يض عليه‬
‫آ أ ن ميوت ‪.‬‬
‫و آ أ لقت آ أ ثينا بعد ذ كل يف ُر وع بنلوب آ أ ن تظهر للخط اب‬
‫سا فرة حىت جتيش قلوهبم يف صدورمه ‪ ،‬ف ِري دوا مورد الهالك ‪،‬‬
‫وتنال يه كرامة آ أ عظم عند زوهجا وودلها ‪ .‬خفاطبت بنلوب‬
‫احلاضنة وقالت ‪ " :‬ا ين آ أ شعر ل أ ول مرة ابلرغبة يف السفور‬
‫لهؤلء اخلط اب ‪ ،‬عىل شد ة كريه هلم ‪ .‬و آ أ ود آ أ يضا آ أ ن آ أ قول‬
‫لودلي لكمة احذ ره هبا من الاختالط هبؤلء الس فهاء ‪ ،‬لئال‬
‫ي ُ لحقوا به ا ل أ ذى " ‪.‬‬
‫فآ أ جابت احلاضنة ‪ " :‬حس نا تفعلني آ أ يهتا الس يدة فاذهيب‬
‫وخا طيب ابنك ‪ ،‬ول كن اغسيل وهجك آ أ ول ‪ ،‬ومض خيه ابلط يب ‪،‬‬
‫لئال تظهر آ اثر ادلموع عىل خديك ‪ .‬فال خري يف مالزمة احلزن‬
‫بال انقطاع " ‪.‬‬
‫ول كن بنلوب آ أ جابت ‪ " :‬ل ت ُعز يين هبذا اللكم ‪ ،‬ول‬
‫تطليب آ أ ن آ أ غس ل وهجىي و آ ُ طي به ‪ .‬فقد ذهب ُر وايئ يوم سافر‬
‫زويج ‪ .‬ول كن دعي وصيفتني ترافقانين ‪ ،‬فا ين آ أ جخل من الظهور‬
‫وحدي بني الرجال " ‪.‬‬
‫وذهبت املرآ أ ة العجوز تس تعجل قدوم الوصيفتني ‪ ،‬غري‬

‫‪223‬‬
‫آ أ ن آ أ ثينا اكنت لها مقاصد آ أ خرى ‪ ،‬فآ أ رسلت عىل امللكة نوما‬
‫هنيئا ‪ ،‬وجادت علهيا يف آ أ ثناء نوهما بعطاايها اخلادلة ‪ .‬فغمرت‬
‫وهجها جبامل يش به ج امل افروديت ويه ذاهبة ا ىل رق ص راب ت‬
‫امجلال ‪ .‬وقد جعلهتا آ أ طول قامة و آ أ ج ل مظهرا ‪ ،‬و آ أ هب ى من‬
‫العاج وقد خرج من يد الصانع ‪ .‬وبعد آ أ ن آ أ مت ت علها هذا ‪،‬‬
‫برحت املاكن ‪ ،‬واق رتبت الوصيفتان ‪.‬‬
‫وزايل النوم عيين بنلوب فقالت ‪ " :‬ليت آ أ رطميس‬
‫متنحين ميتة خ ِ لوا من ا ﻷ مل كهذه الهجعة ‪ ،‬يك ل آ أ قيض ما بقي‬
‫من حيايت و آ أ ان آ أ ند ب س يدي اذلي رحل ومل يعد ! "‬
‫مث جاءت ووقفت بباب الهبو ‪ ،‬وعىل لك من جانبهيا‬
‫وصيفة ‪ .‬وقد بدت يف جامل رائع آ أ فعم قلوب اخلط اب فدعا لكل‬
‫مهنم يف نفسه آ أ ن تكون هل زوجة ‪.‬‬
‫ول كن بنلوب خا طبت تلاميخ وقالت ‪ " :‬ما اذلي دهاك اي‬
‫ودلي حىت مل يعد كل من ال ف ِ طنة ما اكن كل يف سال ف ا ل أ ايم ؟‬
‫فقد كنت يف صغرك حارض البدهية ‪ .‬و آ أ ما ال ن ‪ ،‬وقد بلغت‬
‫مبلغ الرجال ‪ ،‬ورصت من القوام وامجلال عىل ما يليق اببن مكل‬
‫‪ ،‬فقد ضل ُر شدك ‪ .‬ف آ أ ي ف ِ عةل وقعت يف بيتك ال ن ‪ ،‬حيامن‬
‫آ ُ يسء ا ىل هذا الغريب ! فلو حلقه آ أ ذى من جر اء ذكل لر كبك‬
‫العار ا ىل ا ل أ بد " ‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫فآ أ جاهبا تل اميخ ‪ " :‬لست آ أ لومك عىل غضبك ‪ ،‬اي آ أ ماه ‪.‬‬
‫ول كن آ أ ىن يل آ أ ن آ أ حسن تدبري ا ل أ مور لكها ‪ ،‬ما دام آ أ ه ل‬
‫السوء يضايقونين ‪ .‬و آ أ م ا الرصاع بني ا يروس والغريب ‪ ،‬فمل‬
‫ت كن عاقبته ما آ أ راده اخلط اب ‪ ،‬فا ن الغريب قد تغل ب عليه ‪.‬‬
‫وليت مجيع اخلط اب يناهلم ما انهل ! فهو جيلس ال ن عند‬
‫ا ل أ بواب مرحن ا رآ أ سه ‪ ،‬ل يقدر عىل الوقوف ‪ ،‬ول عىل اذلها ب‬
‫ا ىل بيته ‪ ،‬بعد آ أ ن آ أ وهن هذا الغريب آ أ وصاهل " ‪.‬‬
‫وقال آ أ ورمياخ لبنلوب ‪ " :‬حقا اي ابنة ا ياكروس ‪ ،‬لو‬
‫اكن لال غريق مجيعا آ أ ن حيظوا برؤيتك ‪ ،‬لحتشد يف ساحتك‬
‫غدا عدد آ أ عظم من اخلط ا ب ‪ ،‬فقد ف ُ ض ِ‬
‫لت عىل سائر النساء‬
‫مبا كل من ج امل ابهر ‪ ،‬وقامة فارعة ‪ ،‬ور آ أ ي سديد " ‪.‬‬
‫فآ أ جابت بنلوب ‪ " :‬لقد ذوى جاميل يوم ابرحين س يدي‬
‫آ أ وذيس ا ىل طروادة ‪ .‬ليته يرجع فتس تقمي ا ل أ مور ! وا ين ل أ ذكر‬
‫آ أ نه يوم رحيهل آ أ خذ بيدي ‪ ،‬وقال ‪ " :‬آ أ يهتا الس يدة ‪ ،‬ا ين‬
‫ل أ حسب آ أ ن ال غريق لن يرجعوا مجيعا ساملني من طروادة ‪.‬‬
‫فالطرواديون ‪ ،‬عىل ما يقال ‪ ،‬قوم همروا يف الطعن ابلرما ح ‪،‬‬
‫ور يم السهام ‪ .‬وذلا لست آ أ عمل آ أ آ أ رجع ساملا آ أ م آ أ لق الهالك‬
‫آ أ مام تكل املدينة ‪ .‬فعليك واحلاةل هذه آ أ ن ت ُ ع ْ ين بآ أ يب و آ أ يم يف‬

‫‪225‬‬
‫غيبيت عنايتك هبام ال ن ‪ ،‬ب ل آ أ شد ‪ .‬وعندما يشب ودلك ‪،‬‬
‫ويغدو رجال ملتحيا ‪ ،‬عندئذ كل آ أ ن تزتويج من تشائني " ‪.‬‬
‫هذا ما قاهل زويج ‪ .‬وال ن ‪ ،‬وقد حدثت هذه ا ل أ مور ‪،‬‬
‫فسآ أ ضطر يوما ‪ ،‬آ أ ان الشقي ة ‪ ،‬ا ىل آ أ ن آ أ تزوج رجال غ ريه ‪ .‬مث‬
‫حي زنين آ أ مر آ خر ‪ ،‬وهو آ أ ن خط ايب ليسوا كسائر اخلط ا ب ‪ ،‬فقد‬
‫جرت عادة الراغبني يف خطبة س يدة كرمية ‪ ،‬بنت رجل غين ‪،‬‬
‫آ أ ن ي آ أ توا ابخلراف والث ريان من عندمه ‪ ،‬وهييئوا الولمئ ل أ صدقاء‬
‫العروس ‪ ،‬ل آ أ ن يلهتموا رزق غريمه من غري عوض " ‪.‬‬
‫قالت هذا ‪ ،‬فرس آ أ وذيس ا ذ رآ ها حتتال عىل اخلط ا ب‬
‫لتن زتع مهنم الهدااي ‪ ،‬يف حني آ أ هنا تضمر يف نفسها مقاصد آ أ خرى‬
‫‪.‬‬
‫و آ أ جاب آ أ نطينوس ‪ " :‬تقب يل الهدااي اليت حنرضها كل اي‬
‫بنلوب ‪ ،‬ا ذ ل يليق آ أ ن ت ُ رفض الهدي ة ‪ .‬ول كن اعلمي آ أ ننا لن‬
‫نربح ساحتك حىت ختتاري آ أ فضلنا زوجا كل " ‪.‬‬
‫قال هذا ‪ ،‬فوافق امجليع عىل الكمه ‪ .‬و آ أ رسل لك رجل‬
‫مهنم اتبعه ليآ أ يت هبديته ‪ .‬واكنت هدية آ أ نطينوس ثواب موىش‬
‫فضفاضا يف غاية امجلال ‪ ،‬مع اثين عرش مش باك من اذلهب‬
‫واثنيت عرشة ر صيعة ‪ .‬واكنت هدية اورمياخ سلسةل بديعة الصنع‬
‫انتظمت فهيا خرزات من‬

‫‪226‬‬
‫الكهرابء ‪ ،‬وقدم اوريداموس قرطني تدل ت مهن ام ثال ث حب ا ت‬
‫لك من‬‫من اللؤلؤ ‪ ،‬و آ أ هداها فيس ن ْ د ر ح ِ لية نفيسة ‪ .‬وقد م ل‬
‫ال خرين هدية ‪.‬‬
‫عندئذ ذهبت املل كة ا ىل خمدعها ‪ ،‬وانرصف اخلطاب ا ىل‬
‫املوس يق والرقص ‪ .‬و آ أ قام آ أ وذيس عند املوقد ي ُ عىن هبا ويراقب‬
‫الرجال ‪.‬‬
‫وخا طب اورمياخ آ أ حصابه فقال ‪ " :‬امسعوا اي خطاب‬
‫امللكة ! ل ريب يف آ أ ن ال آ لهة مه اذلين آ أ رسلوا الينا هذا الرجل‬
‫‪ .‬مفا آ أ بدع ما ي ُرشق ضوء املشاع ل عىل رآ أ سه ا ل أ صلع اذلي مل‬
‫تنبت عليه شعرة ! " ‪.‬‬
‫مث التفت ا ىل آ أ وذيس وقال ‪ " :‬ه ل كل آ أ هيا الغريب آ أ ن‬
‫ختدمين اب ل أ جرة يف مزرعيت بني الهضا ب ؟ فا ن آ أ جرك يكون‬
‫مضموان ‪ ،‬وتعمل يف مجع احلجارة لبناء اجلدران ‪ ،‬ويف غرس‬
‫ا ل أ جشار ‪ .‬و آ أ عطيك خ زبا وكسوة ‪ ،‬وحذائني لقدميك ‪ .‬ول كين‬
‫آ أ حسب آ أ نك ل ترغب يف العمل يف احلقول ‪ ،‬بل تفضل آ أ ن‬
‫تظل رشيدا مت ل أ بطنك بال عل " ‪.‬‬
‫ول كن آ أ وذيس آ أ جا ب ‪ " :‬و دِ دت اي آ أ ورمياخ لو تبارينا ‪،‬‬
‫لك منا منجال ‪ ،‬و آ أ قبلنا عىل العشب حن ُ ش ه يف الربيع‬ ‫فآ أ خذ ل‬
‫عندما يطول الهنار ! عندها ُخي رب آ أ حدان‬

‫‪227‬‬
‫ال خر ‪ ،‬وهو دائب يف عهل ا ىل آ ن ميتد به املساء ‪ ،‬من غري‬
‫آ أ ن يذوق طعاما ‪ .‬وو دِ د تُ لو ساق لكل منا ن ريا ُش د ا ليه‬
‫ثوران خض امن قواي ن ‪ ،‬آ ُ جيد عل ْ فه ام ‪ ،‬يف حقل مساحته آ أ ربعة‬
‫آ أ فدنة ! ا ذن لرآ أ يت قدريت عىل شق آ أ خدود مس تقمي آ أ ما يم !‬
‫وو دِ د تُ آ أ يضا لو آ أ اثر زفس حراب ! ا ذن لرآ أ يتين يف طليعة‬
‫القتال ‪ ،‬ومل تعري ين كام تع ري ين ال ن مبا عندي من شهوة للطعام‬
‫‪ .‬ا نك مغ لرت بنفسك كث ريا ‪ ،‬ول كن ا ذا رجع آ أ وذيس ملا ات سع‬
‫هذا الباب لهربك وهرب رفاقك ‪.‬‬
‫فا ش تد حنق آ أ ورمياخ لهذا اللكم وقال ‪ " :‬آ أ هيا الش يخ‬
‫‪ ،‬سيناكل مين ا ل أ ذى ملا فهت به من الكم سفيه ‪ ،‬فهل سلبت‬
‫امخلرة ُهن اك آ أ م هل تعو دت الرثثرة الفارغة ‪ ،‬آ أ و هل ا س تفز ك‬
‫الفرح و آ أ خرجك عن طورك لتغل بك عىل ا يروس ؟ "‬
‫قال هذا و آ أ مسك مبوطئ قدميه ‪ ،‬جفلس آ أ وذيس عند‬
‫ركبيت آ أ مفينوموس خش ية من ا ل أ مري ‪ .‬و آ أ صاب آ أ ورمياخ حامل‬
‫ا ل أ قداح يف يده ا ل ميىن ‪ ،‬وهو يصب امخلر ‪ ،‬فسقط الفىت ا ىل‬
‫الوراء ينئ من ا ل أ مل ‪ .‬فقال آ أ حد اخلط ا ب لرفيقه " ليت هذا‬
‫الغريب هكل قب ل جميئه ا ىل هنا ! فانظر آ أ ي شغب آ أ اثر ‪ .‬ولن‬
‫يعاودان الرسور بعد هذا " ‪.‬‬
‫ول كن تل اميخ آ أ جا ب ‪ " :‬ل ريب آ أ هيا ا ل أ س ياد آ أ نمك قد‬
‫ط ع ِ مْ مت ورشبمت ‪ .‬وال ن ‪ ،‬وقد نلمت كفايتمك ‪ ،‬فاذهبوا‬

‫‪228‬‬
‫ا ىل منازلمك واس رتحيوا " ‪.‬‬
‫قال هذا فدهشوا جلرآ أ ته ‪.‬‬
‫وقال امفينوموس ‪ " :‬ن ِ ع ْ م ما قال ا ل أ مري ‪ُ .‬‬
‫فلرن ِ ق ال ن‬
‫امخلر ل ل أ راب ب ولننرصف " ‪.‬‬
‫ففعلوا ما به آ أ شار ‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫‪20‬‬
‫آأ وذيس تعرفه حا ض ن ته‬

‫وخا طب آ أ وذيس تل اميخ وقال ‪ " :‬همل ال ن ول ْ ن ُ ْخ ِف‬


‫ا ل أ سلحة اليت يف الهبو ‪ .‬وا ذا ما س آ أ كل آ أ حد اخلطاب عهنا فقل‬
‫‪ ( :‬اين قد آ أ زلهتا من ماكهنا ل أ بعدها عن ادلخان ‪ ،‬فا ن حالهتا‬
‫تغريت ع ام اكنت عليه حي امن سافر آ أ وذيس ‪ ،‬وذهب و ه ُ النار‬
‫برونقها ‪ .‬مث ا ين قد جعلهتا جانبا لسبب آ خر ‪ ،‬وهو آ أ نين‬
‫خشيت آ أ ن يقع بينمك خصام ‪ ،‬فيجرح آ أ حد مك ال خر ‪ ،‬ا ذا ما‬
‫آ أ خذتمك محي ا امخلر ‪ ،‬ﻷ ن رؤية السال ح تبعث الانسان عىل‬
‫الرضب ) ‪ .‬هذا ما جيب آ أ ن تقوهل للخطا ب ‪.‬‬
‫فقال تل اميخ ﻷ وريلكيا احلاضنة ‪ " :‬استبقي النساء يف‬
‫غرفهن ‪ ،‬ري امث آ أ ضع آ أ سلحة آ أ يب يف خزائهنا ‪ .‬فقد ذهب‬

‫‪230‬‬
‫ادلخان جبِ د هتا ف آ أ صبحت قامتة دكناء " ‪.‬‬
‫فآ أ جابت احلاضنة ‪ " :‬ليتك وهج ت مثل هذه العناية ا ىل‬
‫لك ما ميكل آ أ بوك ! ول كن من حيمل املشعل ا ذا كنت ل تريد‬
‫آ أ ن حتمهل آ أ مامك ا حدى النساء ؟ "‬
‫فقال تل اميخ ‪ " :‬س يقوم بذكل هذا الغريب ‪ ،‬فلست آ أ ريد‬
‫آ أ ن يآ أ لك خ زبي ا نسان بط ال من غري آ أ ن يآ أ يت عال " ‪.‬‬
‫وه كذا حبست احلاضنة النساء يف غرفهن ‪ ،‬و آ أ قبل‬
‫آ أ وذيس وابنه عىل نقل ا ل أ سلحة ‪ ،‬من ادلروع واخلوذ والرماح ‪،‬‬
‫من الهبو ا ىل خزانة ا ل أ سلحة ‪ .‬وقد تقدمهتام آ أ ثينا حتمل مصباحا‬
‫من اذلهب هبىي النور ‪.‬‬
‫فقال تل اميخ ‪ " :‬ا ن ما آ أ راه اي آ أ يب ل حدى املعجزا ت !‬
‫فانظر ا ىل اجلدران وادلعامئ وا ل أ عدة ‪ ،‬ا هنا ترشق ك أ هنا يف لهب‬
‫من النار ‪ .‬ول ريب يف آ أ ن هذا من ُص نع ا هل " ‪.‬‬
‫فآ أ جا ب آ أ وذيس ‪ " :‬ا لزم الس كون ‪ ،‬واحفظ ا ل أ مر يف‬
‫صدرك ‪ ،‬ول تتقص سببه ‪ .‬فاذهب ال ن واضطجع ومن ‪ ،‬فا ين‬
‫آ أ ود آ أ ن آ أ حادث آ أ مك " ‪.‬‬
‫فذهب تل اميخ ا ىل غرفته وانم ‪ ،‬وبقي آ أ وذيس وحد ه ُ يف‬
‫الهبو ‪ ،‬يدب ر يف نفسه آ أ مر الفتك ابخلط اب ‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫ونزلت بنلوب وجلست بقرب النار عىل كريس من الفضة‬
‫والعاج آ ُ جيد صنعه ‪ ،‬هل موط ئ للقدمني متص ل به ‪ .‬وحرضت‬
‫الوصيفا ت يف احلال ‪ .‬ومحلن ا ىل اخلارج ما بقي من فضالت‬
‫الطعام والكؤوس اليت رشب هبا اخلطاب ‪ ،‬ور مك ْ ن قطعا جديدة‬
‫من احلطب يف النار ‪.‬‬
‫واندت بنلوب احلاضنة وقالت ‪ " :‬آ أ حرضي يل ال ن آ أ يهتا‬
‫احلاضنة مُ تك ‪ ،‬وضعي عليه ِج زة ليك جيلس هذا الغريب‬
‫ويقص عيل قصته " ‪.‬‬
‫فآ أ حرضت احلاضنة امل ُ ت ك أ واجلزة ‪ ،‬وجلس آ أ وذيس ‪.‬‬
‫وتلكمت بنلوب وقالت ‪ " :‬آ أ س آ أ كل آ أ هيا الغريب آ أ ول عن نفسك‬
‫‪ ،‬من آ أ نت ؟ ومن آ أ ي ماكن قدمت ؟ ومن آ أ ي مدينة آ أ نت ‪،‬‬
‫وما امس آ أ بيك ؟ " ‪.‬‬
‫فآ أ جا ب آ أ وذيس ‪ " :‬ل يس تطيع ا نسان آ أ ن يل متس ِ‬
‫فيك‬
‫نقصا آ أ يهتا الس يدة ‪ ،‬فا ن صيتك صيت مكل خيىش ا ل أ رابب ‪،‬‬
‫وميكل عىل شعب ابسل ‪ ،‬وت ُ غ ِ ل آ أ رض ه الكث ري من القمح‬
‫والشعري ‪ ،‬وتنو ء ُ آ أ جشاره مبا حتمل من ا ل مثر ‪ ،‬وتنتج غ منه ول‬
‫حتول ‪ ،‬وي كرث السمك يف حبره ‪ ،‬وحيالفه النجاح يف لك آ ُ موره ‪.‬‬
‫فسليين ال ن ما تشائني ؛ ول كن ل تسآ أ ليين عن امسي وقويم‬
‫ومسقط رآ أ يس لئال آ أ نتحب لهذه‬

‫‪232‬‬
‫اذلكرى ‪ ،‬فا ين رج ل كثري اهلموم وا ل أ حزان ‪ .‬وليس من الالئق‬
‫آ أ ن يتفجع الانسان وينتحب يف بيت غ ريه ‪ .‬وقد تراين الوصيفات‬
‫‪ ،‬فيحنقن عيل ‪ ،‬ويقلن ا ين رجل آ أ ذابه ادلمع ك ام تذيب امخلرة‬
‫شارهبا " ‪.‬‬
‫فآ أ جابته بنلوب ‪ " :‬آ أ هيا الغريب ‪ ،‬ا ن ال آ لهة سلبتين‬
‫جامل الوجه وحسن التكوين يوم ذهب آ أ وذيس زويج مع‬
‫ال غريق ا ىل طروادة ‪ .‬وت كتنفين ال ن اهلموم وا ل أ حزان ‪ ،‬فا ن‬
‫آ أ مراء اجلزر من حولنا ‪ ،‬و آ أ مراء ا يثاكة نفسها خيطبون ود ي‬
‫عىل ك ُ ره مين ‪ ،‬ويلهتمون ما يف بييت ‪ .‬وقد حاولت عبثا آ أ ن‬
‫آ أ رصفهم عن خطبيت ‪ ،‬فقد آ أ وحت ا يل آ أ ثينا آ أ ن آ أ قول هلم ‪" :‬‬
‫آ أ هيا الفتيان النبالء الراغبون يف تزو يج ‪ ،‬عليمك ال ن ‪ ،‬وقد‬
‫ما ت آ أ وذيس ‪ ،‬آ أ ن تلج آ أ وا ا ىل الص رب ‪ ،‬وا ن كنمت راغبني يف‬
‫تعجي ل الزواج ‪ ،‬ا ىل آ أ ن آ أ نهت ىي من نسج هذا الثوب لي كون‬
‫كفنا ل ِ لريت ‪ ،‬ا ذ من العار بعد ما اكن هل من ال رثاء العظمي ‪،‬‬
‫آ أ ن ي آ أ وي ا ىل حلده ‪ ،‬من غري كفن يلف ه " ‪ .‬قلت هذا فوافقوا‬
‫عىل قويل ‪ .‬وبقيت آ ُ خادعهم ثالث س نوات ‪ ،‬ا ذ كنت آ أ حوك‬
‫النس يج يف الهنار و آ أ نقضه يف اللي ل ‪ .‬ويف الس نة الرابعة آ أ فشت‬
‫الوصيفا ت رس ي ‪ .‬وليس يل ال ن من الزواج‬

‫‪233‬‬
‫م هرب ‪ ،‬فوادلي ي ُ لحان عيل يف ذ كل ‪ .‬وودلي يغيظه آ أ ن يرى‬
‫هؤلء الرجال يلهتمون رزقه ‪ .‬وهو ال ن يف سن متكنه من‬
‫ادراة بيته اخلاص ‪ .‬ول كن تعال و آ أ علمين من آ أ ي قوم آ أ نت ‪،‬‬
‫فا نك مل تنحدر من س نداينة آ أ و خصرة ‪ ،‬كام تزمع ا ل أ ساط ري‬
‫القدمية " ‪.‬‬
‫فقال آ أ وذيس عندئذ ‪ " :‬ا ذا كنت ل تزالني راغبة يف‬
‫سؤايل عن آ أ صيل ‪ ،‬فا ين خم ربك بذكل ‪ ،‬ولكنك هبذا جتلبني يل‬
‫من احلزن آ أ كرث مما آ ُ طيق ‪ ،‬مفن املؤمل للرجل اذلي طو ف بعيدا‬
‫‪ ،‬وعاىن كث ريا آ أ ن يتلكم ع ا قا ساه ‪ .‬ا ن يف وسط البحر جزيرة‬
‫تدع كريت ‪ .‬وا هنا ل أ رض مجيةل خصبة ‪ ،‬يقمي فهيا ال كثري من‬
‫الساكن ‪ ،‬وفهيا من املدن تسعون ‪ .‬ففي ا حدى هذه املدن ‪،‬‬
‫وامسها كنوسوس حمك املكل مينوس ‪ .‬واكن عره تسع س نوات‬
‫حيامن تسمل آ أ زم ة امل ُ كل ‪ .‬وقد آ أ جنب مينوس ذوقاليون ‪ ،‬و ر زق‬
‫ذوقاليون ودلان هام ا يذومني و آ أ ان ‪ .‬واكن آ أ يخ آ أ ك رب مين س نا‬
‫و آ أ فضل مين كث ريا ‪ .‬و آ أ ما امسي فهو آ أ ثيون ‪ .‬ا ىل هناك قدم‬
‫آ أ وذيس حيامن اكن مبحرا ا ىل طروادة ‪ ،‬فقد حادت به الرحي عن‬
‫سبيهل ‪ .‬وجاء املدينة يف طلب ايذومني قائال ا نه صديقه ‪.‬‬
‫ول كن ذكل اليوم اكن اليوم العارش آ أ و احلادي عرش ل حبار‬
‫ايذومني ا ىل‬

‫‪234‬‬
‫طروادة فضيفته مع حصبه وقدمت هل م خ زبا من الشعري ومخرا‬
‫وث رياان للتضحية ‪ .‬و آ أ قاموا معي اثين عرش يوما اكنت الرحي‬
‫الش املية هتب يف آ أ ثناهئا بال انقطاع ‪ ،‬ول كهنا سكنت يف اليوم‬
‫الثالث عرش فرفعوا املرساة و آ أ قلعوا " ‪.‬‬
‫ه كذا رسد آ أ وذيس قصته ‪ .‬واكنت قصته مُ ختلقة ول كهنا‬
‫بدت حقيقية ‪ .‬وب كت بنلوب لسامعها ‪ .‬وكام يذوب الثلج فوق‬
‫الهضا ب ‪ ،‬ا ذا ما هبت رحي جنوبية رشقية ‪ ،‬فتس يل الينابيع‬
‫دا فقة ‪ ،‬ه كذا ب كت بنلوب س يدها ‪ .‬فرق آ أ وذيس لزوجه ملا‬
‫رآ ها تبيك ‪ .‬و آ أ ما عيناه فقد حبس دمعهام ‪ ،‬ف ك أهن ام من قرون‬
‫احليوان آ أ و من احلديد ‪ .‬ول كن بنلوب قالت ‪ " :‬امسح يل آ أ ن‬
‫امتحنك آ أ هيا الصديق ‪ ،‬ل أ عمل ه ل اكن ذ كل الرجل آ أ وذيس‬
‫زويج حقا ‪ .‬آ أ خربين آ أ ي ثوب اكن يرتدي ‪ ،‬و آ أ ي نوع من‬
‫الرجال هو ‪ ،‬ومن مه آ أ حصابه ؟ "‬
‫فآ أ جاب آ أ وذيس ‪ " :‬ا ين آ أ ذكر آ أ نه اكن يرتدي معطفا‬
‫مزدوجا من الصوف ‪ ،‬يف لون ا ل أ رجوان البحري ‪ ،‬شُ ب ك‬
‫مب ِ ش بك من اذلهب نقشت عليه صورة لكب آ أ مسك ظبيا من‬
‫ع ُ نقه ‪ ،‬وقد صيغ صوغا جعيبا وحض به تشبث اللكب بفريس ته‬
‫‪ ،‬وهجاد الظيب لال فالت ‪ .‬واكن يلبس آ أ يضا ثواب آ أ بيض ا انع ام‬
‫يش به آ أ دمي البصل اجلاف ‪ .‬اكن النساء ي ُ ع ْ ج نب‬

‫‪235‬‬
‫به كث ريا ‪ .‬ول آ أ عمل هل آ أ عطاه هذه ا ل أ ش ياء آ أ حد ‪ ،‬فقد قد م‬
‫هل الكث ريون العطااي ‪ ،‬و آ أ عطيته آ أ ان آ أ يضا س يفا وثواب ‪ .‬واكن‬
‫يصح ب ه داعية امسه آ ُ وريبا ت ‪ ،‬واكن هذا آ أ ك رب منه س نا آ أ مسر‬
‫اللون ‪ ،‬ل ف الكتفني ‪ ،‬ج ع ْ د الشعر " ‪.‬‬
‫فل ام مسعت بنلوب هذا ا ستشد باكؤها ‪ ،‬ا ذ عرفت من‬
‫تكل العالمات آ أ ن ذكل الرجل اكن س يدها حقا ‪ ،‬وقالت ‪" :‬‬
‫ا نك ل صادق آ أ هيا الغريب ‪ ،‬فقد آ أ عطيته آ أ ان نفيس هذه الثياب‬
‫وطويهتا بيدي ‪ .‬و آ أ عطيته كذكل ا حلِ لية ‪ .‬و آ أ ما ال ن فواحرساته‬
‫ﻷ ين لن آ أ راه اثنية " ‪.‬‬
‫ول كن آ أ وذيس آ أ جا ب ‪ " :‬ل تقويل هذا اي زوجة آ أ وذيس ‪،‬‬
‫وكف ي عن الندب ل أ ن آ أ وذيس ما زال حيا ‪ ،‬وهو جد قريب‬
‫يقمي يف آ أ رض التسفروتيني ‪ ،‬ومعه ال كثري من الهدااي ‪ ،‬وهذا ما‬
‫قاهل يل فيذون مكل البالد ‪ .‬وقد آ أ راين الهدااي اليت مجعها ‪،‬‬
‫واكنت كثرية عظ مية ‪ ،‬ت ُغين بيته ا ىل اجلي ل العا رش ‪ .‬و آ أ ما‬
‫آ أ وذيس نفسه فقد ذهب ا ىل ذوذوان حي امن كنت هناك ‪ ،‬ذهب‬
‫يس تويح زفس ‪ ،‬ا ذ هل هناك هاتف غيب يف وسط س نداينة ‪،‬‬
‫هل يرجع ا ىل بدله هجرا آ أ و خفية ‪ .‬فكوين عىل يقني آ أ يهتا‬
‫الس يدة آ أ ن آ أ وذيس راجع يف هذه الس نة العارشة ‪ ،‬عندما‬
‫يدخل القمر القدمي يف‬

‫‪236‬‬
‫امل حاق ‪ ،‬ويتودل القمر اجلديد " ‪.‬‬
‫فقالت بنلوب ‪ " :‬ليت الكمك يتحقق آ أ هيا الغريب !‬
‫وسينا كل اخل ري الكثري عىل يدي مع العطاء اجلم ‪ .‬بيد آ أ ن قليب‬
‫حيدثين آ أ ن هذا لن يكون ‪ .‬وس هتىي ء الوصيفا ت ال ن كل‬
‫مضجعا وجيعلن عليه الفراش وا ل أ غطية ‪ ،‬حىت تنام دا فئا ا ىل‬
‫آ أ ن حيني الصبا ح ‪ .‬وس يغسلن آ أ يضا رجليك " ‪.‬‬
‫ول كن آ أ وذيس تلكم فقال ‪ " :‬ان الف ُر ش وا ل أ غطية بغيضة‬
‫ا يل منذ فارقت كريت ‪ ،‬وسآ أ ضطجع كام تعو د ت يف ليال عد ة ‪،‬‬
‫مسه دا آ أ رقب الصباح ‪ .‬ول يرس ين الاس تحامم ‪ ،‬ولن متس‬
‫قد يم واحدة من هذه الوصيفات ‪ .‬ول كن ا ذا اكنت بيهنن جعوز‬
‫وفي ة القلب ‪ ،‬فا ين آ أ مسح لها آ أ ن متس قديم " ‪.‬‬
‫فقالت بنلوب ‪ " :‬بيهنن الوصيفة اليت حتب ‪ .‬ويه املرآ أ ة‬
‫اليت حضنت س يدي ‪ ،‬ف آ أحب ته و آ أ نزلته من نفسها ماكان عزيزا‬
‫‪ ،‬ومحلته عىل ذراعهيا ‪ ،‬منذ اليوم اذلي وضعته فيه آ أ مه ‪ .‬ويه‬
‫اليوم قد آ أ وههنا ال ك ِ رب ‪ ،‬ول كهنا س تغسل قدميك " ‪.‬‬
‫مث خا طبت احلاضنة وقالت ‪ " :‬اهنضين ال ن آ أ يهتا املرآ أ ة‬
‫واغسيل هذا الرجل ‪ ،‬فهو يف سن مولك " ‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫فغط ت املرآ أ ة وهجها براحتهيا ‪ ،‬وانتحبت قائةل ‪" :‬‬
‫سآ أ غسل قدميك طي بة النفس راضية ا كراما لبنلوب وا كراما‬
‫كل ‪ .‬فقد جاءان كث ريون من الغرابء هنكهم السفر ‪ ،‬ول كين مل آ أ ر‬
‫فهيم من هو آ أ شد منك ش هب ا بآ أ وذيس يف صوته ويف قدميه " ‪.‬‬
‫فآ أ جاب آ أ وذيس ‪ " :‬لقد مسعت مثل هذا من قبل ‪،‬‬
‫فالرجال ما زالوا يرد دون القول ا ن آ أ ح د ان شدي ُد الش به‬
‫ابل خر " ‪.‬‬
‫وملا آ أ عد ت امحل ام ‪ ،‬جلس آ أ وذيس بعيدا عن املوقد ‪،‬‬
‫مول يا وهجه شطر الظالم ‪ ،‬فقد خيش آ أ ن تعرفه العجوز ا ذا ما‬
‫عاجلت ساقه ‪ ،‬من ن د ب عظمي اكن فهيا ‪ .‬وهذه قصة هذه‬
‫الندب ‪:‬‬
‫ذهب آ أ وذيس ا ىل ف رانس لرؤية اوتوليخ وادل آ أ مه ‪ .‬واكن‬
‫هذا قد بذ سائر الناس يف التلص ص وحل ف ال ميان ‪ .‬وقد انل‬
‫هذه الهبة من هرمس نفسه ‪ .‬وذهب آ أ وتوليخ هذا يوما ا ىل‬
‫ا يثاكة ‪ ،‬ف آ أ لف حفيده قد ُو دل حديثا ‪ .‬و آ أ حرضته حاضنته‬
‫آ ُ ريلكيا نفسها بعد العشاء ‪ ،‬ووضعته يف حضن جد ه قائةل ‪" :‬‬
‫آ أ طلق آ أ نت اس ام اي اوتوليخ ‪ ،‬عىل هذا الودل ‪ ،‬فهو ابن ا ل أ دعية‬
‫الكثرية " ‪ .‬فقال آ أ وتوليخ ‪ " :‬عىل ابنيت وزوهجا آ أ ن يدعوا‬
‫املولود ابلمس اذلي آ أ طلقه عليه ‪ .‬وقد آ أ تيت هذه‬

‫‪238‬‬
‫البالد و آ أ ان آ أ ت قد غضبا عىل الكث ريين من الرجال ‪ .‬فلي كن امسه‬
‫آ أ وذيس ( رجل الغضب ) ولي آ أ ت ا يل حيامن يبلغ مبلغ الرجال‬
‫فآ أ عطيه عطي ة تهبج فؤاده " ‪.‬‬
‫وقد حد ث ذ كل ‪ ،‬فذهب آ أ وذيس لرؤية آ أ وتوليخ ف آ أ حسن‬
‫جد ه وجد ته و آ أ ولدهام وفادته ‪ ،‬و آ أ وملوا هل و ل مية ‪ .‬ويف الصبا ح‬
‫التايل ذهبوا مجيعا ا ىل الصيد ومعهم آ أ وذيس فتسل قوا هضبة‬
‫فرانس ‪ ،‬واكن ذ كل عند رشوق الشمس ‪ .‬ووصل الص يادون ا ىل‬
‫م خْ رفة يف الغابة و آ أ ماهمم اللكب تقتفي ا ل أ ثر ‪ ،‬وخلفهم آ أ بناء‬
‫آ أ وتوليخ ومعهم آ أ وذيس ‪ .‬فآ أ لف وا هناك خزنيرا براي عظامي رابضا‬
‫يف وجار ضيق ‪ ،‬التف ت آ أ غصانه وتاكثفت ‪ ،‬فمل ت كن الشمس‬
‫لتخرتقه ول املطر ‪.‬‬
‫واكن هنا كل ُر اكم عظمي من ورق الشجر املتسا قط ‪ .‬وملا‬
‫اللكب وو ق عُ آ أ قدام الرجال ‪ ،‬هب من مرقده‬‫ُ‬ ‫آ أ يقظت اخل زنير‬
‫‪ ،‬وقف شع ُر ظهره ‪ ،‬وملعت عيناه ‪ ،‬ووقف وقفة اليآ أ س ‪.‬‬
‫فبادر ا ليه آ أ وذيس قبل آ أ حصابه مجيعا مرشعا رحمه ‪ ،‬تواقا ا ىل‬
‫البطش ابلوحش ‪ .‬ول كن اخلزنير اكن آ أ رسع منه ‪ ،‬فهجم عليه‬
‫وجرحه فوق ركبته ‪ ،‬فشق اللحم بآ أ نيابه شقا كبريا عريضا ‪،‬‬
‫ا ل آ أ نه مل يبلغ العظم ‪ .‬بيد آ أ ن آ أ وذيس سد د ا ىل اخلزنير رحمه‬
‫ورضب كتفه ا ل ميىن فاخرتقها ‪ ،‬وسقط الوحش عىل ا ل أ رض ميتا‬
‫‪ .‬مث مض د‬

‫‪239‬‬
‫آ أ بناء آ أ وتوليخ اجلرح ‪ ،‬ووقفوا نزف ادلماء بآ أ ن غنوا ا حدى‬
‫آ أ غاين الشفاء ‪ ،‬وعادوا ا ىل بيت آ أ بهيم ‪ .‬وا ستبقوه هناك حىت‬
‫اندمل جرحه ‪ ،‬مث آ أ رسلوه ا ىل بيته مزودا ابلكثري من العطااي‬
‫السنية ‪ .‬ول كن ن د ب اجلرح ظل اب قيا ‪ .‬ومن هذا الن د بِ‬
‫عرفت احلاضنة آ أ نه آ أ وذيس ابذلا ت فقالت ‪ " :‬آ أ ي آ أ وذيس ‪ ،‬اي‬
‫ودلي تصور آ أ ين مل آ أ عرفك قبال ! " ‪.‬‬
‫والتفتت ا ىل حيث اكنت امللكة ‪ ،‬ك أ هنا تريد آ أ ن تعلمها‬
‫اب ل أ مر ‪ ،‬ول كن آ أ وذيس آ أ خذ خبناقها وقال ‪ " :‬ه ل تريدين قتيل‬
‫اي آ أ ماه ؟ لقد رجعت بعد عرشين عاما ‪ ،‬وجيب آ أ ل يعمل آ أ حد‬
‫برجوعي قب ل آ أ ن آ أ س تعد ل ل أ خذ ابلثآ أ ر " ‪.‬‬
‫فلزمت العجوز الس كون ‪ ،‬وعاد ت بنلوب ا ىل خماطبته ‪،‬‬
‫وقص ت عليه آ أ حالهما ‪ ،‬فقالت ا هنا رآ أ ت رساب من ال و ز يف‬
‫قرصها انقض عليه نرس وفتك به ‪ ،‬وملا جعلت تند ُب ال وز‬
‫مسعت صوات يقول ‪ " :‬ما ال وز ا ل اخلطاب ومالنرس ا ل زوجك‬
‫"‪.‬‬
‫فقال لها آ أ وذيس ا ن حلمها لن عِ م احلمل ‪ .‬مث قالت ا ن‬
‫علهيا يف الغد آ أ ن تقرر اختيارها ‪ .‬فقد وعدت آ أ ن حترض قوس‬
‫آ أ وذيس ا لعظ مية ‪ ،‬واذلي يبذ آ أ قرانه يف جذب القوس‬

‫‪240‬‬
‫بال عناء ‪ ،‬ويسدد سهام ا ىل الهدف تسديدا آ أ فض ل س ي كون‬
‫لها زوجا ‪.‬‬
‫فآ أ جاهبا آ أ وذيس ‪ " :‬هذا حسن آ أ يهتا الس يدة ‪ .‬فال تعديل‬
‫عن جتربة القوس ‪ ،‬ا ذ قبل آ أ ن ي مت كن آ أ حدمه من جذب الوتر‬
‫يآ أ يت آ أ وذيس العظمي ويسد د رضبته الصائبة ا ىل الهدف " ‪.‬‬
‫وبعد ذ كل ا ستسلمت بنلوب ا ىل النوم ‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫‪21‬‬
‫جت ربة القوس‬

‫ا ضطجع آ أ وذيس يف رواق الهبو لينام ‪ .‬وقد رقد عىل جدل‬


‫ثور مل ي ُ دبغ ‪ ،‬وتدثر بعدد من ِج ز ات الغمن اذلي ذحب للتضحية‬
‫والولمئ ‪ ،‬و آ أ لقت عليه قي مة البيت معطفا ‪.‬‬
‫ول كنه مل يمن ل كرثة اخلوا طر اليت تواردت عليه ‪ .‬وكام‬
‫يقل ب رج ل ب ِ ضعة من اللحم عىل النار ‪ ،‬كذ كل اكن آ أ وذيس‬
‫يتقل ب من اجلانب الواحد ا ىل ال خر ‪ ،‬وهو يف كر كيف‬
‫يس تطيع القضاء عىل آ أ ولئك اخلطاب يف هبو قرصه ‪ ،‬وهو واحد‬
‫جتاه كثريين ‪.‬‬
‫عندئذ هبطت ا ليه آ أ ثينا من ا ل أ وملب ‪ ،‬ووقفت فوق‬
‫رآ أ سه متخذة هيئة امرآ أ ة ‪ .‬وتلك مت فقالت ‪ " :‬آ أ ل تزال‬

‫‪242‬‬
‫ساهرا آ أ هيا الرجل الكثري اهلموم ؟ آ أ ليس هذا املزنل م زنكل ؟‬
‫آ أ وليست زوجتك مق مية فيه مع ابنك ‪ ،‬وهو قد غدا كام كنت‬
‫ت متىن آ أ ن ي كون ؟ ف آ أ جا ب آ أ وذيس ‪ " :‬ا ن ه احلق آ أ يهتا ال ل هة ‪،‬‬
‫ول كين آ أ ف ك ر يف الوس ي ةل ِ اليت آ أ مت كن هبا من التغل ب عىل‬
‫اخلطاب يف قرصي ‪ ،‬و آ أ ان واحد جتاه كثريين ‪ .‬وهناكل آ أ مر آ خر‬
‫ي ُ قض مضجعي ‪ ،‬وهو تف كريي يف وس يةل للنجاة من املنتقمني‬
‫دلماهئم بعد آ أ ن آ أ فتك هبم " ‪.‬‬
‫فآ أ جابت ال ل هة ‪ " :‬حقا ا ن ا ميانك لضعي ف ‪ ،‬فقد يضع‬
‫بعضهم ثقته ابلبرش ‪ ،‬مع آ أ ن البرش آ أ ضع ف من ال آ لهة ‪ ،‬فمل ل‬
‫جتعلين موضع ثقتك ؟ فا نين معك وسآ أ حرسك ا ىل الهناية ‪،‬‬
‫ول كن عليك ال ن آ أ ن تنام ل أ ن ا ل أ رق طيةل الليل مزجع للروح "‬
‫‪.‬‬
‫قالت هذا وسكبت النوم عىل عينيه ‪ ،‬مث عادت ا ىل‬
‫ا ل أ وملب ‪.‬‬
‫وملا اكن الصباح هنض آ أ وذيس من نومه ‪ ،‬ومحل جز ا ت‬
‫الصوف ووضعها عىل مقعد يف الهبو ‪ ،‬و آ أ خرج جدل الثور خارجا‬
‫‪ .‬مث رفع يديه ابلصالة ا ىل زفس قائال ‪ " :‬زفس ‪ ،‬اي آ أ اب اخللق‬
‫‪ ،‬ا ذا كنت قد آ أ رجعتين ا ىل بدلي عن رىض منك ‪ ،‬فاجعل يل‬
‫عىل ذكل عالمة " ‪.‬‬
‫وفامي هو يتلكم آ أ رسل زفس من ا ل أ وملب رعدا ‪ ،‬فسمعه‬

‫‪243‬‬
‫آ أ وذيس و ُرس به ‪ .‬مث ا ن امرآ أ ة يف الطاحون تفو هت بلكمة فآ أ ل‬
‫‪ .‬واكن هناك اثنتا عرشة امرآ أ ة يطحن القمح والشعري ‪ .‬فنامت‬
‫مهنن احدى عرشة بعد آ أ ن آ أ هنني ما علهين ‪ ،‬و آ أ ما الثانية عرشة‬
‫‪ ،‬فظلت تطحن ل أ هنا اكنت آ أ ضعفهن مجيعا ‪ .‬فل ام مسعت الرعد ‪،‬‬
‫وقفت عن العمل وقالت ‪ " :‬ل ريب آ أ هيا ال هل زفس يف آ أ ن هذا‬
‫الرعد عالمة منك ‪ ،‬فقد آ أ رسلت الرعد يف سامء صا فية ‪،‬‬
‫فاجعل هذه املر ة ا ل أ خرية اليت آ أ طحن فهيا ادلقيق للخط ا ب يف‬
‫م زنل آ أ وذيس " ‪.‬‬
‫مث آ أ قب ل تل اميخ وخا طب احلاضنة قائال ‪ " :‬هل آ أ عطيت‬
‫الضيف ما يليق به من الطعام والفراش ‪ ،‬آ أ م تركته ينام من‬
‫غري عناية ؟ "‬
‫فآ أ جابت احلاضنة ‪ " :‬قد رشب هذا الغريب القدر اذلي‬
‫آ أ راد ‪ ،‬و آ أ لك حىت قال ا نه اكتف ‪ ،‬ول كنه رف ض الفراش‬
‫وا ل أ غطية ‪ ،‬وانم عىل جدل ثور مل ي ُ دبغ ‪ ،‬وتغط ببع ض جزات‬
‫الغمن ‪ ،‬وقد آ أ لقينا عليه معطفا " ‪.‬‬
‫مث قدم راعي اخلنازير ‪ ،‬يسوق آ أ مامه ثالثة خنازير مسينة‬
‫اكنت آ أ حسن ما يف القطيع وقال ‪ " :‬آ أ هيا الغريب ‪ ،‬هل آ أ حسن‬
‫هؤلء القوم العناية بك ؟ فآ أ جاب آ أ وذيس ‪ " :‬فل ت ُ ْج زِ مه‬
‫ا ل أ راب ب عىل السفاهة اليت عاملوين هبا ! " ‪.‬‬
‫وجاء بعده مالنثيوس راعي امل عز ومعه آ أ مْ ع ُ ز لو ل مية‬

‫‪244‬‬
‫الهنار ‪ ،‬خفا طب آ أ وذيس مبر اللكم قائال ‪ " :‬آ أ ل تزال آ أ هيا‬
‫الغريب تقلقنا بتسو كل ؟ وما ظين ا ل آ أ ننا لن نفرتق قبل آ أ ن‬
‫جير ب آ أ حدان لكام ت ال خر ‪ .‬فا ن ا س تعطاءك ل ي ُ طاق ‪ .‬وهناك‬
‫ولمئ آ أ خرى تقدر آ أ ن تذهب ا لهيا " ‪.‬‬
‫ول كن آ أ وذيس مل جيبه بلكمة ‪.‬‬
‫وجاء آ أ خ ريا فيلوثيوس راعي البقر ‪ ،‬ومعه جعةل عقمي‬
‫لو ل مية اخلطا ب ‪ .‬فلكم آ أ وذيس قائال ‪ " :‬ليحا ل ِ فك السعد بعد‬
‫ال ن آ أ هيا الغريب ! فآ أ نت ال ن ت كتنفك اهلموم ‪ ،‬وا ن عيين‬
‫ل متتلئان دمعا حيامن تقعان عليك ‪ ،‬فقد يكون آ أ وذيس ‪ ،‬ا ذا اكن‬
‫ل يزال حيا ‪ ،‬ي ُ طو ف بني الناس ‪ ،‬مرتداي آ أ س امل ابلية ك أ س امكل‬
‫‪ ،‬وا ذا اكن قد ما ت فا ن موته لفاجعة كربى ‪ .‬فهو قد آ أ قامين‬
‫عىل بقره ‪ ،‬فتاكثرت حىت آ أ هنا لتفوت العد ‪ .‬ومل ت من ُ ق ُ طعان ك ام‬
‫منت قطعانه ‪ .‬وهذه الزايدة مع ذكل تؤملين ‪ ،‬ل أ نين آ أ رى الغرابء‬
‫ل ي ربحون يلهتموهنا يف قرصه ‪ ،‬ولقد و د د ْ تُ آ أ ن آ أ هرب منذ‬
‫زمن طويل ‪ ،‬ل أ ن ا ل أ مر جتاوز حد الاحامتل ‪ ،‬ول كنين ل آ ُ ؤمل‬
‫آ أ ن يرجع آ أ وذيس ا ىل بيته و آ أ مالكه " ‪.‬‬
‫فآ أ جاب آ أ وذيس ‪ " :‬ا ن كل ‪ ،‬اي راعي البقر ‪ ،‬فطانة‬
‫و ا درااك ‪ ،‬ف آ أ صغ ال ن ا ىل ما آ أ قوهل كل ‪ ،‬و آ أ ؤك ده ابلقس م ‪ ،‬ا ن‬
‫آ أ وذيس س ريجع ا ىل بيته ‪ ،‬و آ أ نت ل تزال يف هذا املاكن‬

‫‪245‬‬
‫وس رتاه بعينيك ‪ ،‬وس رتى هالك اخلط اب آ أ يضا " ‪.‬‬
‫و آ أ قب ل اخل طا ب بعد هنهية جفلسوا ا ىل الو ل مية عىل جاري‬
‫عادهتم ‪ .‬و آ أ شار تل اميخ ا ىل اخلدم حفملوا ا ىل آ أ وذيس نصيبا‬
‫اكمال آ أ سوة ابلبا قني ‪ .‬وملا رآ أ ى س تيس بوس ‪ ،‬آ أ حد آ أ مراء‬
‫ساموس ‪ ،‬ذكل ( واكن رجال ل ي كرتث للعدل ول خيىش ا ل أ رابب‬
‫) قال ‪ " :‬هل حيسن آ أ ن ينال هذا الرجل من الطعام مث ل ما‬
‫ننال ؟ فانظروا ال ن ا ىل عطييت هل " ‪ .‬مث تناول من سةل هناك‬
‫ك ُ راع ثور ‪ ،‬ورىم به آ أ وذيس ‪.‬‬
‫ول كن آ أ وذيس آ أ مال رآ أ سه يرسة ‪ ،‬فزاغ عنه ‪ ،‬وطار‬
‫ال كراع ا ىل احلائط وترك عليه آ أ ثرا ‪ ،‬فصا ح تلاميخ يف حنق‬
‫شديد ‪ " :‬من حُ سن حظك اي س تيس بوس آ أ نك مل ت ُ ِص ب هذا‬
‫الغريب ‪ ،‬ولو فعلت ذكل لنفذك رحمي هذا ‪ ،‬و ل أ قام كل آ أ بوك‬
‫مآ أ مت ادلفن ماكن و ل مية العرس " ‪.‬‬
‫فقال آ أ جيل ‪ " :‬ن ِ عم القول هذا القول ‪ ،‬مفن الواجب آ أ ل‬
‫ي ُساء ا ىل تل اميخ ‪ ،‬ك ام جيب آ أ ل ي ُساء ا ىل هذا الغريب ‪ .‬ول كن‬
‫جيب عليه ‪ ،‬من هجته آ أ ن يش ري عىل آ أ مه ابختيار من تريد من‬
‫اخلطا ب ليكون لها زوجا ‪ ،‬فال نضي ع وقتنا بعد ال ن " ‪.‬‬
‫فقال تل اميخ ‪ " :‬حسن ما تقول ‪ .‬ويه س تزتوج م ن‬

‫‪246‬‬
‫تشاء ‪ .‬ول كين لن آ ُ خرهجا من بييت عىل كره مهنا " ‪.‬‬
‫فضحك اخلط اب ‪ ،‬ول كنه مل ي كن حضك فرح وابهتاج ‪،‬‬
‫فاللحوم اليت اكنوا يآ أ لكوهنا تقط رت مهنا ادلماء ‪ ،‬وعيوهنم‬
‫امت ل أ ت ابدلموع ‪ ،‬وانفتحت عينا العر اف ثيولك امين فصا ح قائال‬
‫‪ " :‬ما اذلي دهامك آ أ هيا البؤساء ‪ .‬فها آ أ ن رؤوسمك ووجوهمك قد‬
‫غش هيا الظالم ‪ ،‬وصوت ا ل أ نني خيرج منمك ‪ ،‬وخدودمك قد ابتل ت‬
‫ابدلموع ‪ .‬وها ا ن اجلدران وا ل أ عدة قد تلط خت ابدلماء ‪،‬‬
‫والهبو وسد ة اببه قد امت ل أ ت ب آ أش باح تتجه حنو اجلحمي ‪ .‬وها‬
‫ا ن الشمس قد ا مضحل ت من الس امء ‪ ،‬ولف ا ل أ ش ياء لك ها‬
‫ضباب كريه " ‪.‬‬
‫ول كهنم حضكوا عند س امعهم هذا اللكم ‪ ،‬وقال اورمياخ ‪:‬‬
‫" ا ن هذا الغريب معتوه ‪ ،‬فلنطرده خارج ا ل أ بوا ب ا ىل سوق‬
‫املدينة ‪ ،‬ل أ ن هذا املاكن تعم ه الظلمة عىل ما يظهر " ‪.‬‬
‫وهزآ أ وا بتل اميخ آ أ يضا ‪ ،‬ول كن ه مل يآ أ به هلم ‪ ،‬بل ظل‬
‫جالسا ينتظر ا شارة من آ أ بيه ‪.‬‬
‫مث ذهبت بنلوب ل حضار قوس آ أ وذيس ا لعظ مية ‪ ،‬اليت‬
‫آ أ عطاه ا اي ها افتيوس ‪ .‬فتناولهتا يه وغالفها من الو ت ِ د اذلي‬
‫اكنت معلقة عليه ‪ .‬مث جلست ووضعهتا عىل ركبتهيا ‪،‬‬

‫‪247‬‬
‫وجعلت تبيك ‪ ،‬مث هنضت واجتهت ا ىل حيث اكن اخلط اب‬
‫يقص فون يف الهب و ‪ .‬وقد آ أ حرضت القوس ومعها الكنانة م ل أ ى‬ ‫ُ‬
‫ابلسهام ‪ .‬واستندت ا ىل عود ال ق ُ ب ة وقالت ‪:‬‬
‫" آ أ هيا اخلط اب اذلين تلهتمون ما يف هذا املزنل حبج ة آ أ نمك‬
‫تريدون الزواج يب ‪ .‬هامك ال ن مِ حاك ملهاراتمك ‪ .‬هامك قوس‬
‫آ أ وذيس العظمي مفن اس تطاع منمك آ أ ن حينهيا بيديه يف سهوةل‬
‫ويريم عهنا سه ام مي ُر ق من خروت اثنيت عرشة فآ أ سا ينصهبا‬
‫تل اميخ ‪ ،‬فهو اذلي س آ أ تبعه مغادرة هذا البيت اذلي لن آ أ ذكره‬
‫ا ل يف آ أ حال يم " ‪.‬‬
‫مث آ أ شارت ا ىل عوس آ أ ن حيمل القوس والسهام ا ىل‬
‫اخلط اب ‪ .‬فبىك الراعي الصاحل دلى رؤيته قوس س يده ‪ ،‬وب ىك‬
‫آ أ يضا راعي البقر ف يلتيوس ‪ ،‬ل أ نه اكن صاحلا حمبا لبيت‬
‫آ أ وذيس ‪.‬‬
‫مث غرز تل اميخ الفؤوس يف نظام توالت فيه خروهتا ‪ ،‬واكن‬
‫بود ه آ أ ن ير يم عن القوس هو آ أ يضا ‪ ،‬وقد اكن ذ كل يف وسعه ‪.‬‬
‫ول كن آ أ وذيس آ أ شار ا ليه آ أ ل يفعل ‪ ،‬فقال ‪ " :‬آ أ حسب آ أ ين ل‬
‫آ أ زال ضعيفا فتيا ‪ ،‬فلمك ‪ ،‬و آ أ نمت آ أ ك رب مين س نا ‪ ،‬آ أ ن جتربوا‬
‫قبيل " ‪.‬‬
‫جفر هبا آ أ ول ل ِ ي ُ وذ الاكهن ‪ ،‬واكن وحده من بني‬

‫‪248‬‬
‫اخلط اب اكرها ل أ ع امهلم البغيضة ‪ ،‬ول كن ه مل يقدر آ أ ن ُحي ر كها ‪،‬‬
‫بل آ أ تعب يديه الناعتني اللتني مل تتعو دا العمل ‪ ،‬وقال ‪ " :‬ل‬
‫آ أ قدر آ أ ن آ أ حين هذه القوس ‪ ،‬فليجر هبا غريي ‪ ،‬ولكين آ أ ظن آ أ ن‬
‫فهيا ا ل أ ىس وا ل أ مل لكث ريين هذا اليوم " ‪.‬‬
‫فغضب انطينوس عند س امعه هذا اللكم ‪ ،‬وطلب من‬
‫مالنثيوس آ أ ن حيرض من بيت املؤونة قرصا من الشحم ليدهنوا‬
‫به الوتر فيلني هلم ‪ .‬فآ أ لنوا الوتر ابلشحم ‪ ،‬ول كهنم مل‬
‫يس تطيعوا مع ذكل آ أ ن حينوا القوس ‪ .‬وقد جر بوها لك هم عىل‬
‫غري جدوى ومل يبق مهنم ا ل آ أ نطينوس و آ أ ورمياخ ‪ ،‬واكان حقا‬
‫آ أ بسل امجليع و آ أ قوامه ‪.‬‬
‫وخرج راعي اخلنازير وراعي البقر خارج الفناء ‪ ،‬وحلقهام‬
‫آ أ وذيس وقال ‪ " :‬ما عساك ام تصنعان ا ذا رجع آ أ وذيس ا ىل بيته‬
‫؟ فهل تقاتالن من آ أ جهل آ أ و من آ أ ج ل اخلط ا ب ؟‬
‫فآ أ جااب آ أ هنام يقاتالن من آ أ جهل ‪ .‬فقال آ أ وذيس ‪ " :‬ها آ أ ان‬
‫قد رجعت بعد غيبة عرشين عاما ‪ .‬وا ين ل أ عمل آ أ نكام مبهتجان‬
‫بعوديت ‪ ،‬و آ أ ان ل آ أ عرف آ أ حدا سواكام ‪ .‬فا ذا ساعدمتاين اليوم‬
‫و آ أ بديامت الشجاعة والب آ أ س ‪ ،‬فلكام آ أ عطي زوجتني و آ أ مالاك‬
‫ومزنلني قريبني من مزنيل ‪ .‬وس تكوانن لتل اميخ آ أ خوين ور فيقني ‪.‬‬
‫وكعالمة ل كام عىل آ أ ين آ أ ان هو آ أ وذيس ‪ ،‬هاكام الن د ب اذلي‬
‫خل فه جرح اخلزنير الرب ي ‪ ،‬يوم خرجت للصيد مع آ أ وتوليخ " ‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫فب كيا فرحا ‪ ،‬وقب ال آ أ وذيس وقب لهام هو آ أ يضا ‪ .‬مث طلب‬
‫من عوس آ أ ن حيرض هل القوس ‪ ،‬بعد آ أ ن ينهت ىي اخلط ا ب مجيعا‬
‫من جتربة حظهم هبا ‪ .‬وطلب منه آ أ يضا آ أ ن يشري عىل النساء‬
‫بآ أ ن يلزمن داخل امل زنل ‪ ،‬ول خيرجن ا ذا ما مسعن ج ل بة القتال‬
‫‪ .‬وطلب من فيلوثيوس آ أ ن يقفل آ أ بواب الهبو ويوثقها ابحلبال ‪.‬‬
‫مث رجع ا ىل الهبو واكن اورمياخ حيمل القوس يف يديه ‪،‬‬
‫وحيمهيا عىل النار ‪ .‬مث حاول آ أ ن جيذهبا فامتنعت عليه ‪ .‬وعندئذ‬
‫رفع صوته متحرس ا وقال ‪ " :‬الويل يل ! ل ل أ ين خرست هذا‬
‫وحسب ‪ ،‬ففي بالد ال غريق نساء غري هذه للزواج ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الزواج‬
‫بل ل أ ن نا آ أ ضعف جدا من آ أ وذيس العظمي ‪ .‬ومن العار حقا آ أ ن‬
‫نقول هذا " ‪.‬‬
‫عندئذ قال آ أ نطينوس ‪ " :‬ليس ا ل أ مر ما تقول ‪ ،‬فهذا‬
‫اليوم مقد س ل هل الر ماة ‪ ،‬ولهذا مل نقدر عىل الزن ع يف القوس ‪.‬‬
‫ول كننا س نجر هبا غدا بعد آ أ ن نقد م ل أ فلون التضحية الالئقة "‬
‫‪.‬‬
‫وقد آ أ رضامه هذا القول مجيعا ‪ ،‬ول كن آ أ وذيس قال ‪" :‬‬
‫دعوين آ أ جر ب هذه القوس ‪ ،‬فا ين آ أ ود آ أ ن آ أ عرف هل آ أ ان من‬
‫القوة عىل ما كنت يف سال ف ا ل أ ايم " ‪.‬‬
‫فآ أ غضب ذكل اخلط اب ‪ ،‬واكن آ أ نطينوس آ أ شد مه غضبا ‪،‬‬

‫‪250‬‬
‫ول كن بنلوب قالت ا ن هل آ أ ن يفعل ‪ ،‬ووعدت الرجل ابلعطاء‬
‫الوافر ا ْن هو مت كن من جذب القوس " ‪.‬‬
‫ول كن تل اميخ تلكم وقال ‪ " :‬ا ن هذه قويس اي آ أ ماه ‪ ،‬ويل‬
‫آ أ ن آ أ عطهيا آ أ و آ أ ن آ أ منعها ‪ .‬وا ذا آ أ رد ت آ أ ن جيرهبا هذا الغريب‬
‫‪ ،‬فلن ين كر عيل ذكل آ أ حد ‪ .‬ول كن اذهيب مع وصيفاتك ا ىل‬
‫خمدعك ‪ .‬ودعي الرجال ي ُ عن ْو ن هبذه ا ل أ مور " ‪.‬‬
‫قال هذا راغبا يف ا بعادها من الهبو لعلمه ما س يحدث‬
‫يف داخهل ‪ .‬و آ أ ما يه فقد آ أ دهشها آ أ ن تسمعه يتلكم هبذه السلطة‬
‫ومل جتب ‪ ،‬ب ل خرجت مع وصيفا هتا ‪.‬‬
‫وملا آ أ راد عوس آ أ ن حيمل القوس ا ىل آ أ وذيس ‪ ،‬آ أ غلظ هل‬
‫اخلط اب يف اللكم ‪ ،‬ول كن تل اميخ آ أ كرهه عىل ذكل ‪ .‬ف آ أ خذ‬
‫القوس وانولها موله ‪ .‬مث ذهب ا ىل اوريلكيا و آ أ شار علهيا آ أ ن‬
‫تقفل آ أ بوا ب غرف الوصيفا ت وتبقهين داخال همام مسعن من‬
‫لغط ‪.‬‬
‫و آ أ خذ آ أ وذيس القوس ا لعظ مية ‪ ،‬وحفصها لريى هل آ أ صاهبا‬
‫خ ل ل ‪ .‬ول كن اخلط ا ب هزآ أ وا به ‪ .‬وملا وجد آ أ هنا مل ميس ها ل‬
‫رض‬
‫شد وترها بال عناء ‪ ،‬كام يشد املغين وتر قيثارته ا ىل القدر‬
‫الالزم ‪ ،‬مث آ أ مسك الوتر بيده ا ل ميىن وجر ب صوته ‪ ،‬فاكن حلوا‬
‫كزقزقة الس نونو ة ‪ ،‬مث آ أ خذ من‬

‫‪251‬‬
‫الكنانة سهام وجعل ف ُ وقه عىل الوتر ‪ ،‬وجذبه وهو جالس يف‬
‫ماكنه ‪ ،‬مفر ق السهم من خُ روت الفؤوس لك ها ‪ ،‬وا س تقر عىل‬
‫احلائط وراءها ‪ .‬وقال عندئذ لتل اميخ ‪ " :‬ل بد من ا قامة و ل مية‬
‫آ أ خرى قبل غياب الشمس " ‪.‬‬
‫مث آ أ وم آ أ ا ىل تل اميخ ‪ ،‬فدان الفىت منه ووقف جبانبه‬
‫متسل حا ابلرمح واخلوذة واجملن ‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫‪22‬‬
‫الفتك ابخلطاب‬

‫عندئذ لك م آ أ وذيس اخلطاب فقال ‪ " :‬لقد انهتينا ال ن من‬


‫هذا العمل ‪ ،‬فدعوين آ ُ جر ب هد فا آ خر " ‪.‬‬
‫مث سد د سهمه ا ىل انطينوس ‪ ،‬واكن هذا يرفع ال ك أس‬
‫عندئذ ا ىل شفتيه ل يف ك ر يف املوت ‪ .‬ومن اكن يظن آ أ ن رجال‬
‫‪ ،‬وا ن اكن آ أ شد البرش ج ربوات ‪ ،‬جي رتىء عىل مثل هذا العمل ‪،‬‬
‫وهو واحد بني كث ريين ؟ فاخ رتق رآ أ س الس ه م رقبته وانبثق ادلم‬
‫من مِ نخ ريه ‪ ،‬فرىم ال ك أس ودفع املنضدة من آ أ مامه ‪ .‬وملا رآ ه‬
‫اخلط اب هيوي ا ىل ا ل أ رض قفزوا مجيعا عن مقاعدمه ‪ ،‬ونظروا‬
‫فمل جيدوا عىل اجلدران رماحا ول دروعا ‪ .‬ومل يدروا هل‬

‫‪253‬‬
‫رضبه الغريب عرضا آ أ و عدا ‪ ،‬ول كن آ أ وذيس كش ف حقيقته‬
‫قائال ‪:‬‬
‫" ظننمت آ أ هيا اللكب آ أ نين لن آ أ عود ! فالهتممت م زنيل ‪،‬‬
‫وخطبمت ود امرآ أ يت ‪ ،‬و آ أ ان ل آ أ زال حيا ‪ ،‬ومل ختشوا ا ل أ راب ب ومل‬
‫حتس بوا للبرش حسااب ‪ .‬ولهذا آ أ ات مك مجيعا الهالك بغتة " ‪.‬‬
‫وملا آ أ خ ذ هتم الرجفة مجيعا خوفا وفزعا ‪ ،‬قال اورمياخ ‪:‬‬
‫" ا ذا كنت آ أ وذيس ايثاكة حقا ‪ ،‬فبالصوا ب نطقت ‪ .‬فقد‬
‫آ ُ يسء ا ليك ا ساءة فاحضة ‪ ،‬سواء آ أ اكن ذكل يف البيت آ أ م يف‬
‫احلقل ‪ .‬ول كن هوذا اذلي آ أ اثر لك هذا قد سقط آ أ مامك ‪ ،‬وهو‬
‫آ أ نطينوس ول آ أ حد سواه ‪ .‬ومل ي كن يقصد ا ىل الزواج قصده‬
‫ا ىل آ أ ن ميكل عىل هذه اجلزيرة ‪ ،‬بعد آ أ ن يدم ر بيتك تدم ريا ‪.‬‬
‫ول كننا س نعيد اليك ما الهتمناه من رزقك عرشين ِض عفا " ‪.‬‬
‫ول كن آ أ وذيس آ أ جاب ‪ " :‬ل تتلكم عن ا عادة ما آ أ خذمت ‪.‬‬
‫فا ن يدي لن ت كف ا عن الفتك حىت آ خذ بثآ أ ري منمك مجيعا " ‪.‬‬
‫عندئذ قال آ أ ورمياخ لصحبه ‪ " :‬ا ن ي د ْي هذا الرجل‬

‫‪254‬‬
‫لن ت كف ا عن الرضب ‪ .‬و س يقتلنا مجيعا بسهامه وهو يف ماكنه ‪،‬‬
‫فلهنرع ا ىل الباب ونل ِق الصيحة يف املدينة ‪ ،‬ل أ ن هذا النابل ل‬
‫يلبث آ أ ن يريم آ خر رجل فينا " ‪.‬‬
‫وابدر ا ىل الباب ويف يده موىس ذات حد ين ‪ ،‬ول كن‬
‫آ أ وذيس عاجهل ‪ ،‬وهو مرسع ‪ ،‬بسهم اس تقر يف صدره ‪ ،‬خفر‬
‫ا ىل ا ل أ مام رصيعا ‪ .‬وملا اق رتب آ أ مفينوموس فتك به تل اميخ برحمه‬
‫‪ ،‬ومل ينزتعه من اجلثة خش ية آ أ ن يفتك به عىل حني غ ِ رة ‪.‬‬
‫مث آ أ رسع ا ىل آ أ بيه وقال ‪ " :‬ه ل آ أ جلب لنا و ل أ عواننا‬
‫سالحا ؟ " ‪.‬‬
‫فقال ‪ " :‬آ أ جل ول تبطئ لئال تنفذ سهايم " ‪.‬‬
‫جفاء من خزانة السال ح بآ أ ربع آ أ درع و آ أ ربع خُ و ذ ومثانية‬
‫رماح ‪ .‬وتسل ح هو والراعيان عوس وفيلي ث يوس ‪ .‬وتناول‬
‫آ أ وذيس خوذة وترسا حيامن ن ف ِ دت منه السهام ‪ ،‬و آ أ خذ يف لك‬
‫يد رحما عظ امي ‪ .‬غري آ أ ن مِ النثيوس راعي املع ز تسل ل ا ىل‬
‫خزانة السالح ‪ ،‬و آ أ نزل مهنا اثنيت عرشة خوذة وترسا ومثلها‬
‫من الرما ح ‪ .‬وملا رآ أ ى آ أ وذيس اخلطا ب يتسل حون ‪ ،‬اش تد‬
‫خوفه وقال لبنه ‪:‬‬

‫‪255‬‬
‫" ا ن يف ا ل أ مر خيانة ‪ ،‬فقد تكون الفاعةل ا حدى النساء‬
‫‪ ،‬آ أ و قد ي كون اخلائن مِ النثيوس راعي امل ع ز " ‪.‬‬
‫فقال تل اميخ ‪ " :‬ا ن اذلنب ذنيب اي آ أ يب ‪ ،‬فقد تركت ابب‬
‫الغرفة غري موث ق " ‪.‬‬
‫مث آ أ برص عوس مِ النثيوس يتسل ل ا ىل الغرفة مرة اثنية ‪،‬‬
‫فتبعه ومعه ف يلثيوس ‪ .‬وهناكل قبضا عليه ‪ ،‬وقد آ أ خذ خوذة‬
‫اب حدى يديه وترسا اب ل أ خرى ‪ ،‬ف آ أ وثقاه من يديه ورجليه‬
‫وشد اه حبب ل ا ىل دعامئ السقف عاليا ‪.‬‬
‫ورجع الكهام ا ىل الهبو ‪ ،‬وا ىل هناك هبطت آ أ ثينا يف هيئة‬
‫مِ ن ْ طور ‪ .‬ومل تتقدم ملعونة آ أ وذيس وابنه اختبارا لشجاعهتام ‪،‬‬
‫ب ل غ ري ت هيئهتا فغد ت سُ نون ُو ة وحطت عىل دِ عامة السق ف ‪.‬‬
‫فصا ح آ أ غيالوس ‪ " :‬آ أ هيا ا ل أ صد قاء ‪ ،‬ا ن منطور قد‬
‫ذهب ‪ ،‬وختىل عن مساعد هتم ‪ .‬فال ن ُطلق رماحنا كيف ام اتفق ‪،‬‬
‫ب ل ليتقد م من ا س ت ة معا ‪ ،‬فلعل نا نتغل ب علهيم " ‪.‬‬
‫مث آ أ طلقوا رماهحم ‪ ،‬ولكن آ أ ثينا حن هتا جانبا ‪ ،‬فاجته‬
‫آ أ حدها ا ىل آ أ حد ا ل أ عدة ‪ ،‬واجته آ خر ا ىل الباب ‪ ،‬واثلث ا ىل‬
‫احلائط ‪ .‬و آ أ ما آ أ وذيس وتل اميخ والراعيان فقد فتك‬

‫‪256‬‬
‫لك مهنم خبصمه ‪ ،‬مث آ أ عادوا ال كرة مرة بعد مرة ‪ .‬غري آ أ ن‬ ‫ل‬
‫آ أ مف مييذون جرح تل امخ ‪ ،‬وك ش ط ستس يفوس كت ف عوس ‪.‬‬
‫ول كن تل اميخ آ أ طاح آ أ مف مييذون ‪ ،‬وفتك راعي البقر ب ستس يفوس‬
‫قائال ‪ " :‬خذ هذه عوضا من ك ُ راع الثور اليت قد مهتا لضيفنا "‬
‫‪.‬‬
‫واكنت آ أ ثينا طيةل هذه املدة ت ُل وِ ح ب رتسها ال رب اق احلايم‬
‫من ع ِل ‪ ،‬فتسا قط اخلط ا ب كام تتسا قط العصافري وقد بد دهتا‬
‫ومز قهتا النسور ‪.‬‬
‫وتوس ل ل ِ ي ُ وذ الاكهن ا ىل آ أ وذيس قائال ‪ " :‬مل آ أ صنع يف‬
‫هذا البيت رشا ‪ .‬آ أ ردت آ أ ن اصد ال خرين عن الرش فمل‬
‫يرتدعوا ‪ .‬ومل آ أ ق ُ ْم ا ل ابلصالة عىل املذحب ‪ ،‬فآ أ ب ِق ا ذن عيل ول‬
‫تقتلين " ‪.‬‬
‫فآ أ جابه آ أ وذيس ‪ " :‬ا ن قيامك ابلصالة عىل مذحب هؤلء‬
‫الرجال ِ‬
‫اكف دلينونتك ‪ ،‬مث ا نك كنت تبغي الزواج ابمرآ أ يت " ‪.‬‬
‫قال هذا وقتهل ‪ ،‬ول كنه عفا عن ف مييوس املنشد ‪ ،‬ل أ ن‬
‫غناءه بني اخلط ا ب يف الهبو اكن عن ك ُ ره ل عن رىض ‪ ،‬وعفا‬
‫آ أ يضا عن ميذون ادلاعية و آ أ مرهام ابخلروج ا ىل فِ ناء القرص ‪،‬‬
‫جفلسا هناك متش ب ثني ابملذحب ‪ ،‬متلف ِ تني‬

‫‪257‬‬
‫يف ُر عب ا ىل لك ِ انحية ‪ ،‬ل أ هن ام اكان ل يزالان خيش يان املوت ‪.‬‬
‫وه كذا انهتت مذحبة اخلط ا ب ‪ ،‬فآ أ مر آ أ وذيس بتنظيف‬
‫الهبو ‪ ،‬وغس ل املقاعد واملناضد ابملاء ‪ ،‬وتطهريها ابلكربيت ‪.‬‬
‫وملا مت ذ كل آ أ شار ا ىل اوريلكيا احلاضنة آ أ ن تذهب ا ىل بنلوب‬
‫وتعلمها آ أ ن زوهجا قد عاد حقا ‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫‪23‬‬
‫خامتة املطاف‬

‫ذهبت اوريلكيا ا ىل خمدع س ي دهتا حتمل البشائر السار ة‬


‫‪ .‬واكن الفرح العظمي يس تحهث ا حىت اكنت ا حدى قدمهيا تتعرث‬
‫اب ل أ خرى ‪.‬‬
‫فوقفت عند رآ أ س بنلوب وتلكمت قائةل ‪ " :‬اهنيض اي‬
‫بني يت العزيزة ‪ ،‬وانظري بعيين رآ أ سك ما آ أ م لته طويال ‪ ،‬فقد‬
‫عاد آ أ وذيس حقا وفتك ابلرجال اذلين عاثوا يف مُ لكه " ‪.‬‬
‫ول كن بنلوب آ أ جابت ‪ " :‬ل ريب ‪ ،‬آ أ يهتا احلاضنة العزيزة‬
‫‪ ،‬يف آ أ ن ا ل أ راب ب قد جر دوك من ال دراك‪ ،‬فهم قادرون عىل‬
‫ا بدال العاقل من حمكته محقا ‪ ،‬كام آ أ هنم قادرون عىل منح‬
‫ال نسان العادي حمكة ‪ .‬فمل هتزئني يب ‪،‬‬

‫‪259‬‬
‫وتوقظيين من نوم هينء مل ت ُذ ْق مثهل عيناي ‪ ،‬منذ اليوم اذلي‬
‫آ أ حبر فيه آ أ وذيس ا ىل طروادة ‪ ،‬آ أ بغض املدن ا يل ؟ فاذهيب‬
‫وادخيل غرفة النساء ! ولو آ أ ن واحدة غريك من الوصيفات يه‬
‫اليت آ أ يقظتين عىل هذا الوجه ‪ ،‬لطردهتا و آ أ وسعهتا توبيخا ‪.‬‬
‫ول كن س ن ك املتقد ِ مة تشفع ِ‬
‫كل " ‪.‬‬
‫فقالت احلاضنة ‪ " :‬حا شا آ أ ن آ أ هزآ أ ِ‬
‫بك اي بنييت العزيزة ‪.‬‬
‫فا ن آ أ وذيس هنا حقا ‪ .‬وهو ذكل الغريب اذلي عومل هبذا‬
‫الازدراء ‪ .‬واكن تل اميخ يعمل من هو منذ زمن طويل ‪ ،‬وقد آ أ خف‬
‫ا ل أ مر ليك ي مت ك نا من الانتقام من اخلط اب " ‪.‬‬
‫فابهتجت بنلوب ‪ ،‬ووثبت من فرا شها ووقعت عىل عنق‬
‫املرآ أ ة العجوز ويه تبيك وتقول ‪ْ " :‬‬
‫اص ُد قيين اخلرب ال ن ‪ ،‬ه ل‬
‫رجع حقا ا ىل بيته ‪ ،‬وفتك ابخلط اب وهو واحد فرد ومه ك ُ رث ؟‬
‫"‬
‫فآ أ جابت احلاضنة ‪ " :‬لست آ أ دري كيف حصل ذ كل ‪،‬‬
‫ول كنين مسعت آ أ نني الرجال الهال كني ‪ .‬وقد لزمنا حنن النساء‬
‫غرفتنا حُ يارى ا ىل آ أ ن انداين ودلك ‪ .‬عندئذ رآ أ يت آ أ وذيس‬
‫وا قفا بني املوىت ‪ ،‬وقد سقطوا الواحد فوق ال خر ‪ .‬ولو رآ أ ي ت ِ ه‬
‫‪ ،‬وهو آ أ ش به ما ي كون ابلل يث ‪ ،‬وقد ختضب ابدلماء وآ اثر‬
‫املعركة ‪ ،‬لمت ل أ قلبك فرحا ‪ .‬وها آ أ ن اخلط اب‬

‫‪260‬‬
‫قد ُر مكوا ال ن ُر اكما واحدا ‪ .‬و آ أ ما هو فا نه يطه ر بيته‬
‫ابلكربيت ‪ .‬ول كن تعايل واجعيل حد ا مجليع ا ل أ حزان اليت حتم لهتا‬
‫طويال ‪ ،‬فقد حتققت آ ماكل ‪ ،‬ورجع زوجك ‪ ،‬واث آ أ ر لنفسه‬
‫ثآ أ را اكمال من هؤلء الرجال ا ل أ رشار " ‪.‬‬
‫فقالت بنلوب ‪ " :‬ل يس تخفن ك الفرح آ أ يهتا احلاضنة‬
‫العزيزة ‪ .‬ا ِ‬
‫نك تعلمني آ أ ي رسور آ أ جده بلقياه ‪ ،‬ول كن هذا ليس‬
‫آ أ وذيس ‪ ،‬بل ا ن آ أ حد ال آ لهة هو اذلي فتك ابخلط اب لغضبه‬
‫علهيم لوقاحهتم وسوء علهم ‪ ،‬و آ أ ما آ أ وذيس نفسه فقد آ أ صبح‬
‫من الهال كني " ‪.‬‬
‫عندئذ تلك مت احلاضنة وقالت ‪ " :‬ما هذا اذلي تقولني ؟‬
‫آ أ تزعني آ أ ن زوجك لن يرجع يف حني آ أ نه ال ن يف م زنهل ؟ حقا‬
‫ا نك بطيئة ال ميان ‪ .‬فهاك ال ن هذه العالمة اليت رآ أ يهتا بعيين‬
‫‪ :‬ا ن ن د ب اجلرح اذلي آ أ حدثه انب اخلزنير الرب ي فيه منذ آ أ مد‬
‫طويل قد رآ أ ي ت ُ ه و آ أ ان آ أ غسل قدميه ‪ .‬وقد مه مْ ت آ أ ن آ ُ علمك‬
‫اب ل أ مر ‪ ،‬ول كنه ‪ ،‬ل ِ فرط حمكته ‪ ،‬جعل يده عىل مفي ومنعين من‬
‫اللكم " ‪.‬‬
‫فآ أ جابهتا بنلوب ‪ " :‬يعرس عليك آ أ ن تدريك مقاصد‬
‫ا ل أ راب ب ‪ .‬ا ل آ أ ين ذاهبة ا ىل ودلي ‪ ،‬فآ أ رى آ أ ولئك اخلط اب‬

‫‪261‬‬
‫آ أ مواات ‪ ،‬و آ أ رى الرجل اذلي فتك هب م " ‪.‬‬
‫وذهبت بنلوب جفلست عند الغسق قرب اجلدار املقابل‬
‫‪ ،‬وجلس آ أ وذيس عند آ أ حد ا ل أ عدة مُ طرقا منتظرا آ أ ن ت ُبا دِ ر ه ُ‬
‫امرآ أ ته ابللكم ‪ .‬و آ أ ما يه فقد اش تد ارتباكها ‪ ،‬و خ ُ ي ل ا لهيا‬
‫اترة آ أ هنا تعرفه ‪ ،‬واترة آ ُ خرى تن كره للحاةل السيئة اليت اكن‬
‫علهيا ‪ ،‬فقد آ أ ىب آ أ ن تضع النساء عليه آ أ ثوااب جديدة ‪.‬‬
‫وقال تل اميخ ‪ " :‬آ أ م اه اي آ أ م السوء ! كيف جتلسني بعيدة‬
‫عن آ أ يب ول تلكم ينه ؟ ل شك آ أ ن قلبك آ أ قىس من الصخر " ‪.‬‬
‫ول كن آ أ وذيس قال ‪ " :‬دعها اي تل اميخ ‪ ،‬فا ن آ أ م ك س تعمل‬
‫احلقيقة عندما حيني الوقت ‪ .‬و آ أ ما ال ن فلنعمل عىل ا خفاء معامل‬
‫هذه اجملزرة ا ىل حني ‪ ،‬حىت ل يسع آ أ صد قاء هؤلء الرجال ا ىل‬
‫الانتقام منا ‪ .‬وذلا ابعثوا يف القرص آ أ صوات املوس يق ‪ ،‬و آ أ ق ميوا‬
‫الرق ص يف الهبو ‪ ،‬حىت يقول الناس ‪ " :‬ا نه ِز فاف املل كة ‪،‬‬
‫وا ل أ فراح ت ُقام يف القرص " ‪ .‬ول يعرفون من احلقيقة شيئا " ‪.‬‬
‫وعىل هذا رضب املنشد آ أ واتره ‪ ،‬ورقصت النساء ‪.‬‬
‫وذهب آ ُ وذيس آ أ ثناء ذكل ا ىل امحلام فاغتس ل وارتدى لبا سا‬

‫‪262‬‬
‫هبي ا ‪ ،‬مث عاد ا ىل الهبو وقد صري ته آ أ ثينا مجيال فتيا ؛ جفلس كام‬
‫اكن سابقا مقابل امرآ أ ته وقال ‪:‬‬
‫" حقا آ أ يهتا الس يدة ا ن ا ل أ رابب جعلتك آ أ قىس النساء‬
‫قلبا ‪ ،‬فهل اكن لمرآ أ ة سواك آ أ ن جتلس بعيدا عن زوهجا ‪ ،‬وقد‬
‫عاد ا لهيا بعد عرشين عاما ؟ "‬
‫وملا رآ ها ل تزال عىل الشك عاد ا ىل اللكم وقال ‪" :‬‬
‫امسعي هذا اي بنلوب ‪ ،‬واعلمي آ أ ين آ أ وذيس حقا ‪ ،‬ول آ أ حد‬
‫سواه ‪ .‬فا ين مُ ع ْ ل ِ مك اب ل هيئة اليت علهيا فرايش ‪ .‬اكنت جشرة‬
‫زيتون قد نبتت يف الفناء ادلاخيل ‪ ،‬وغدا لها جذع ك أ نه العمود‬
‫الضخم ‪ ،‬حفول هذه الشجرة بنيت غرفيت وسقفهتا ‪ ،‬وجعلت لها‬
‫ا ل أ بواب ‪ .‬مث شذ بت آ أ غصان الزيتونة وجعلت مهنا عودا‬
‫للرسير ‪ ،‬مث آ أ خذت يف صنع الرسير نفسه ‪ ،‬مبتدئا من العمود‬
‫‪ ،‬حىت آ أ هنيته ‪ ،‬بعد آ أ ن رص عته ابذلهب والفضة والعاج ‪.‬‬
‫وشد دْ ت يف داخهل ق ِ د ة من جدل ثور ُص بغت ابللون ا ل أ رجواين‬
‫‪ .‬ولست آ أ عمل هل الرسير ما يزال اثبتا يف ماكنه ‪ ،‬آ أ و آ أ زاحه‬
‫آ أ حد ‪ .‬واحلق آ أ ن ا زاحته ليست اب ل أ مر اليسري ‪ .‬ول كن هذه يه‬
‫ا ل هيئة اليت اكن علهيا يف سالف ا ل أ ايم " ‪.‬‬
‫عندها حتق قت بنلوب آ أ ن ه زوهجا ‪ ،‬فركضت اليه‬

‫‪263‬‬
‫وطو قته بذراعهيا ‪ ،‬وقب لته قائةل ‪ " :‬عفوا اي مولي ا ذا كنت‬
‫قد آ أ بط آ أ ت يف التعر ف ا ليك ‪ ،‬فا ن للرجال ماكيد كث رية ‪،‬‬
‫وكنت آ أ خىش دا مئا آ أ ن خيدعين آ أ حدمه ‪ ،‬ف زيمع آ أ نه زويج ‪ .‬و آ أ ما‬
‫ال ن فاين آ أ عمل آ أ نك زويج ول آ أ حد سواه " ‪.‬‬
‫وب كيا وه ام متعانقان وتبادل ال ق ُ ب ُ الت ‪ .‬وه كذا عاد‬
‫آ أ وذيس ا ىل بي ت ِ ه بعد عرشين عاما ‪.‬‬

‫‪264‬‬
‫‪24‬‬
‫ا ن تصار آ أ وذيس‬

‫ملا ق ُ تل اخلط اب ‪ ،‬قاد هرمس آ أ رواهحم ا ىل مقر املوىت ‪،‬‬


‫حامال يف يده عصاه اذلهبية اليت ميس هبا عيون البرش ‪ ،‬فينام‬
‫بعضهم ‪ ،‬ويستيقظ بعضهم ال خر ‪ .‬قادمه ا ىل هناك ‪ ،‬فتبعوه‬
‫وهلم جلبة آ أ ش به ما ت كون جبلبة اخلفا فيش ‪ ،‬ويه تطري جيئة‬
‫وذهائبا يف آ أ حد ال كهوف ‪ .‬مث مشوا يف حماذاة مياه املوت‬
‫املظلمة عىل جانب جمرى ا ل أ وقيانوس ‪ ،‬وعند آ أ بواب الش مس ‪،‬‬
‫و آ أ رض ا ل أ حالم ‪ ،‬ا ىل آ أ ن بلغوا مرج الرب واق ‪ ،‬حيث تقمي‬
‫آ أ روا ح آ أ انس عاشوا مثل عيش هتم ‪.‬‬
‫وهناك شاهدوا آ أ روا ح آ أ خي ل وفط ُر ق ل و آ أ نطيلوخ بن‬
‫نسطور و آ أ ايس ‪ .‬ور آ أ وا بعدها روح آ أ غاممنون ‪ ،‬ومعه آ أ ولئك‬
‫اذلين‬

‫‪265‬‬
‫هلكوا يف حصبته بيد آ أ غِ س توس ‪.‬‬
‫وعندها قال آ أ خيل ل أ غاممنون ‪ " :‬حقا اي ابن آ أ ت ْ ريذ ا ن‬
‫الناس قد اعتادوا القول ا ن زفس آ ثرك حببه عىل لك ِ العاملني ‪،‬‬
‫فآ أ م رك عىل هذا العدد الكبري من الرجال البسالء يف آ أ رض‬
‫طروادة ‪ .‬ومع ذ كل فقد آ أ اتك املوت عىل آ أ ش نع وجه ‪ .‬واكن‬
‫ا ل أ ْو ىل كل لو قضيت حنبك آ أ مام آ أ سوار طروادة ‪ ،‬ا ذن ل أ قام‬
‫كل ال غريق مد فنا عظ امي ! "‬
‫فآ أ جابه آ أ غاممنون ‪ " :‬لقد كنت سعيد احلظ اي ابن فيال‬
‫ا ذ مت بعيدا عن آ أ رض ال غريق ‪ .‬فقد ق ُ تل ال كثريون من‬
‫ب ُسالء الطرواديني وال غريق من حوكل ‪ .‬و آ أ نت طرحي عىل‬
‫ا ل أ رض ان س يا لك صناعة احلرب ‪ ،‬والعجاج خيمي فوقك ‪ .‬وقد‬
‫حاربنا طيةل ذكل الهنار بال انقطاع ‪ ،‬حىت و ق ف ِز فس القتال‬
‫اب عصار شديد ‪ .‬حفملناك عندئذ وعدان بك ا ىل السفن ‪ ،‬ومددان‬
‫جثتك عىل فراش ‪ ،‬وغسلناها ابملاء ‪ ،‬مث دهن اها ابلطيب ‪ .‬وفامي‬
‫حنن عاكفون عليك نب كيك ‪ ،‬آ أ تت آ أ مك مع بنات البحر‬
‫اخلادلا ت ‪ ،‬فسمعنا لهن صوات خميفا اش تد هل ذعران ‪ .‬فهربنا‬
‫ا ىل السفن ‪ ،‬ول كن نسطور الش يخ احل كمي صد ان عن ذكل قائال‬
‫‪ " :‬آ أ ق ميوا هنا اي آ أ بناء ال غريق فا ن آ ُ م آ أ خيل آ تية مع بنات‬
‫البحر لتندب ودلها " ‪.‬‬
‫فزايل نا عند ذكل اخلوف ‪ ،‬ووقفت حوكل بنات‬

‫‪266‬‬
‫البحر يندبنك ‪ ،‬وجس ي ْ ن ك بكساء ال آ لهة ‪ .‬و آ أ نشدت عرائس‬
‫الفن ِ التسع مراثيك ‪ ،‬وجتاوبن بآ أ صوا هتن العذبة حىت مل يبق‬
‫رجل من ال غريق ا ل بىك متآ أ ثرا من ا نشادهن الشجي ‪ .‬وقد‬
‫ب كيناك س بع عرشة ليةل وس بعة عرش هنارا ‪ ،‬اختلط فهيا‬
‫ال آ لهة ابلبرش ‪ ،‬حىت اكن اليوم الثامن عرش ‪ ،‬فآ أ وقدان انرا‬
‫عظ مية و آ أ حرقنا فهيا جثتك ‪ .‬وذحبنا ال كثري من الغمن والث ريان ‪.‬‬
‫وكنت آ أ نت ملق عىل ُر اكم احلطب يف كساء ال آ لهة حمن طا‬
‫ابل كثري من الطيب والعسل ‪ .‬وطاف الزع امء ابلراكم املش تعل‬
‫شايك السالح ‪ ،‬وصعد حنيب اجليش ا ىل الس امء ‪ .‬وملا آ أ ىت‬
‫الل هب عىل جثتك ‪ ،‬مجعنا عظامك البيض معا ‪ ،‬وجعلناها يف‬
‫قارورة من اذلهب آ أ حرضهتا آ أ مك معها ‪ ،‬وقد آ أ عطاها ا ايها‬
‫ذيونيس ‪ ،‬ويه من صنع ا هل النار ‪ .‬و مُ زجت عظام فطرقل‬
‫بعظامك ‪ .‬واكنت عظام آ أ نطيلوخ ابن نسطور بقرهبا ‪ ،‬ول كهنا‬
‫اكنت منفصةل عهنا ‪ ،‬وذكل ل أ نك كنت ت ْؤ ثره مبود تك عىل حصبك‬
‫مجيعا بعد فطرقل ‪ .‬وهناك عىل خصرة مرتفعة قرب هِ ال س بون ‪،‬‬
‫آ أ قام ال غريق لمك آ أ نمت الثالثة قربا عظامي حىت يراه لك من جيتاز‬
‫ذكل املاكن عىل مدى ا ل أ زمان ‪.‬‬
‫و آ أ حرضت آ ُ مك اجلوائز ‪ ،‬ليك يتبارى يف سبيل نيلها‬
‫آ أ بناء ال غريق يف الرك ض واملالمكة ‪ ،‬وما ا ىل ذ كل ‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫لقد شهدتُ مآ مت ال كثريين ‪ ،‬ور آ أ يت الفتيان ي ُشد ون‬
‫حِ قاءمه للتباري ا كراما ل أ حد امللوك يف م آ أ مته ‪ ،‬ول كين ما‬
‫شهدت قط م آ أ متا يش به م آ أ متك يف س ناء اجلوائز اليت جاءت هبا‬
‫ثيتيس ذات القدمني الفض يتني ووضعهتا آ أ مام زعامء اجليش ‪.‬‬
‫ول ريب يف آ أ نك كنت عزيزا عىل ال آ لهة ‪ ،‬و آ أ ن امسك س يخدل‬
‫ا ىل ا ل أ بد ‪ .‬و آ أ م ا آ أ ان فقد مت ميتة شنيعة بيد آ أ غيس توس ويد‬
‫امرآ أ يت اللعينة " ‪.‬‬
‫ه كذا اكان يتخا طبان ‪ ،‬عندما اق رتبت مهنام آ أ رواح‬
‫اخلط اب ‪ ،‬يف مجع كث ري العدد ‪ .‬و د ُ هِ ش البطالن لرؤيهتم وعرف‬
‫آ أ غاممنون آ أ مف مييذون من بيهنم ‪ ،‬فقد آ أ ضا فه ضيا فة صديق يف ما‬
‫سل ف من ا ل أ ايم ‪ ،‬وخا طبه قائال ‪ " :‬خرب ين اي آ أ مف مييذون ‪،‬‬
‫كيف قدممت ا لينا عىل هذه احلاةل ‪ ،‬ولك مك زعمي يف قومه ‪ ،‬و آ أ نمت‬
‫متقاربون س نا ‪ .‬ه ل رضبمك فوس يذون و آ أ نمت مبحرون عىل ظهر‬
‫سفينة ‪ ،‬بآ أ ن آ أ اثر يف وهجمك عواص ف الراي ح وا ل أ مواج ا لعظ مية ؟‬
‫آ أ م ه ل وقعمت يف قبضة عدو يف ال رب ؟ آ أ رجو آ أ ن خت ربين فآ أ نت‬
‫صديقي ابلوراثة ‪ .‬آ أ ل تذكر جمييئ ا ىل قرص آ أ بيك مع آ أ يخ مانيال‬
‫‪ ،‬لنحمل آ أ وذيس عىل مرافقتنا حملاربة طروادة ؟‬
‫فآ أ جابه آ أ مف مييذون ‪ " :‬ا نين آ أ ذكر لك هذا ‪ ،‬آ أ ما آ أ مر‬
‫م يتتنا فآ أ ذكره كل عىل وهجه الصحيح ‪ .‬لقد قصدان ا ىل‬

‫‪268‬‬
‫الزواج من امرآ أ ة آ أ وذيس ‪ ،‬وحنن نظن آ أ نه اكن من الهال كني ‪.‬‬
‫ول كهنا مل ُجت ب واحدا منا ا ىل طلبه ‪ ،‬ب ل دب رت حيةل ختدعنا‬
‫هبا ‪ .‬فقد نصبت ن ْو ل عظامي وقالت ‪ " :‬آ أ هملوين ريامث آ أ حوك‬
‫كفنا ل ل ِ ريت وادل زويج ‪ .‬لئال توج ه ا يل بنات ال غريق لوما ‪.‬‬
‫وعندما آ أ مت حياكته سآ أ تزوج الرجل اذلي آ أ ختاره ! " وملا‬
‫آ أ جبناها ا ىل طلهبا خدع ت ْ نا بآ أ ن اكنت حتوك ال كفن يف الهنار ‪،‬‬
‫ول كهنا يف الليل اكنت تنقض لك ما حتوكه ‪ .‬وظلت مت ك ُ ر بنا عىل‬
‫هذا الوجه ثال ث س نوا ت ‪ ،‬حىت كشفنا آ أ مرها يف الس نة‬
‫الرابعة ‪ .‬ول كن القدر املشؤوم آ أ عاد آ أ وذيس ا ىل بيته بعد ذكل‬
‫‪ ،‬فدب ر مع ابنه تل اميخ وعوس راعي اخلنازير آ أ مر هالكنا ‪ .‬فقد‬
‫آ أ شار عىل املل كة بنلوب آ أ ن ُحت ِرض قوسه ‪ ،‬وتقول ا ن اذلي ي زنع‬
‫يف القوس ي كون لها زوجا ‪ .‬فتناولنا القوس ول كن مل يس تطع‬
‫واحد منا آ أ ن يزنع فهيا ‪ .‬فل ام آ أ خذها آ أ وذيس بيده نزع فهيا عىل‬
‫هِ ينته ‪ ،‬مث وقف عىل عتبة القاعة ‪ ،‬وجعل يرسل السهام علينا‬
‫‪ .‬فبد آ أ بقتل آ أ نطينوس مث عك ف عىل ال خرين يفتك هب م ‪ ،‬حىت‬
‫مل يب ِق منا عىل آ أ حد ‪ .‬ول تزال آ أ جسادان ال ن طرحية يف هبوه ل‬
‫يآ أ به لها آ أ حد ‪ .‬وليس هناك من يندبنا آ أ و هيمت بدفننا " ‪.‬‬
‫فقال آ أ غاممنون عندئذ ‪ " :‬ما آ أ سعد حظك اي آ أ وذيس ‪،‬‬

‫‪269‬‬
‫وما آ أ شد ما انتقمت لزوجك ! ول ريب يف آ أ ن لها قلبا طيبا‬
‫خملصا ‪ .‬ولن تزول شهرهتا بني الناس ‪ .‬آ أ ما ك ـ لي ـ ت ِ مْ ن ْس رتا‬
‫ف ت ُ ذكر ابلرش ا ىل ا ل أ بد ل أ هنا قتلت زوهجا " ‪.‬‬
‫هذا ما اكن يتحدث به هؤلء يف مقر املوىت ‪ ،‬و آ أ ما‬
‫آ أ وذيس فقد خرج من قرصه ا ىل مس كن لريت يف احلقول ‪ .‬هناك‬
‫اكن الش يخ يقمي ‪ ،‬وتقوم خبدمته امرآ أ ة من صقل ية ‪ .‬ولكم‬
‫آ أ وذيس ودله والراعيني قائال ‪ " :‬ادخلوا آ أ نمت املزنل ‪ ،‬وهي ئوا‬
‫طعاما من حل م اخل زنير ‪ ،‬ولي كن آ أ شه ى ما تس تطيعون ‪.‬‬
‫و آ أ ذهب آ أ ان ا ىل وادلي و آ أ رى ه ل يعرفين ‪ .‬مفن ا حمل متل آ أ ن يكون‬
‫قد نسيين بعد آ أ ن طالت غيبيت " ‪.‬‬
‫قال آ أ وذيس هذا ‪ ،‬و آ أ ودع الرجال سالحه ليحفظوه هل ‪.‬‬
‫مث دخلوا امل زنل ‪ ،‬وذهب آ أ وذيس ا ىل البس تان يف طلب آ أ بيه ‪،‬‬
‫فمل جيد هناك ذوليوس اذلي اكن قي ام عند لريت ‪ ،‬ومل جيد آ أ حدا‬
‫من خدمه ‪ ،‬ول من آ أ ولده ‪ ،‬فقد ذهبوا مجيعا ليصنعوا للحقل‬
‫س ياجا ‪ .‬وقد وجد الش يخ وحده مهنماك يف احلفر حول جشرة ‪.‬‬
‫واكن عليه ق باء قذر ل ُ ف ِ ق ابخليوط ‪ ،‬وعىل لك ِر جل من رجليه‬
‫لفافة من جدل ثور لتحمهيا من الشوك ‪ ،‬ويف يديه ق ُ ف از ان ‪،‬‬
‫وعىل رآ أ سه قلنسوة من جدل لكب ‪ .‬وملا آ أ برصه آ أ وذيس ور آ أ ى ما‬
‫فعلت به الس نون وا ل أ حزان ‪ ،‬وقف حتت جشرة‬

‫‪270‬‬
‫ُمك ْرث ى وجعل ينتحب ‪ .‬مث آ أ قام ه ُ نهية يقل ب ا ل أ مور يف نفسه ‪،‬‬
‫ويتساءل آ أ يذهب ا ىل آ أ بيه ويقب هل ويعانقه ‪ ،‬ويعر فه بنفسه ‪،‬‬
‫وخيربه بعودته ‪ ،‬آ أ م يس تفهمه آ أ ول ‪ ،‬فيعمل منه لك ما يرغب يف‬
‫معرفته ‪ .‬فرآ أ ى ا ل أ وىل آ أ ن يس تفهمه آ أ ول ‪ .‬وعىل هذا دان من‬
‫الش يخ ‪ ،‬واكن هذا ل يزال حيفر حول الشجرة مطرقا رآ أ سه‬
‫ا ىل ا ل أ رض ‪ .‬فقال آ أ وذيس ‪ " :‬حقا آ أ هيا الش يخ ا ن ادلراية ل‬
‫ت ع وِ ُز ك يف قيامك عىل هذا البس تان ‪ ،‬ول ريب يف آ أ ن جشرة‬
‫من التني آ أ و العنب آ أ و الزيتون آ أ و المك رثى ل مي كن آ أ ن ت ُفلح‬
‫وت رتعرع ا ذا آ أ عوز هتا العناية ‪ .‬غ ري آ أ ين آ أ ود آ أ ن آ أ قول شيئا ‪،‬‬
‫فال ي ُ غضبك سامعه ‪ .‬ا ن جن تك ول ريب ل تعوزها العناية ‪،‬‬
‫ول كنك آ أ نت نفسك يف حاةل سي ئة من ال هامل ‪ .‬فقد آ أ انخ بك‬
‫ال ك ِ رب ‪ ،‬وترتدي ثيااب رث ة قذرة ‪ ،‬ولست مع ذكل ابلك ِس ل‬
‫حىت يعامكل س ي دك مثل هذه املعامةل ‪ .‬ولست تش به العبد يف‬
‫وجه من الوجوه ‪ ،‬فكل من وهجك وقامتك ما جيعكل خليقا ب آ أ ن‬
‫ت كون ملاك ‪ .‬وجيدر مبن اكن مثكل آ أ ن يغتسل وجيلس لطعامه‬
‫وينام يف فراش لني ‪ .‬وهذا حق من حقوق الش يخوخة ‪ .‬ول كن‬
‫آ أ علمين ال ن من هو س يدك ؟ وملن هذا البس تان اذلي تتعه ده‬
‫بعنايتك ؟ وقل يل آ أ يضا ه ل هذه ا ل أ رض اليت قدم ُهت ا يه‬
‫ا يثاكة حقا ؟‬

‫‪271‬‬
‫فقد قال يل ذكل رجل لقيته يف طريقي ا ىل هذا املاكن ‪ ،‬ول كين‬
‫خ ِ لته انق ص ال دراك ‪ ،‬ل أ نه مل يصغ ِ ا ىل الك يم ‪ ،‬ومل يطلعين عىل‬
‫امر صديق يل ‪ ،‬اكن قد نزل يب ضيفا ‪ ،‬يقمي يف هذا املاكن‬
‫يح هو آ أ م ميت ‪ .‬وقد آ أ ضفت هذا الصديق يف م زنيل قبل‬ ‫آأ ل‬
‫حيب هل ‪ .‬وقال ا نه ابن‬ ‫زمن طويل ‪ ،‬ومل آ أ حب رجال غريبا ِ‬
‫لريت وانه قادم من آ أ رض ا يثاكة ‪ .‬وقد آ أ عطيته من الهدااي‬
‫س بع وزانت من اذلهب ‪ ،‬وطا سا للمزج من الفضة نقشت عليه‬
‫ا ل أ زهار ‪ ،‬واثين عرش معطفا مل ت ُغسل من قبل ‪ ،‬ومثلها من‬
‫ال ب ُ ُس ط و آ أ ربعة آ أ ثوا ب ‪ ،‬ومثلها من ا ل أ قبية ‪ .‬و آ أ عطيته آ أ يضا‬
‫آ أ ربع نساء حسان املنظر ُص ن ُ ع ا ل أ يدي " ‪.‬‬
‫فآ أ جابه لريت وهو يب يك ‪ " :‬كن عىل يقني آ أ هيا الغريب‬
‫آ أ نك قدمت ا ل أ رض اليت تسآ أ ل عهنا ‪ ،‬ول كهنا ال ن يف حوزة‬
‫رجال آ أ رشار ظاملني ‪ .‬و آ أ ما ابن لريت ‪ ،‬فا نك لو وجدته هنا‬
‫لغمرك بعطائه ‪ ،‬و آ أ هدى ا ليك مث ل ما آ أ هديت ا ليه ‪ .‬ول كن‬
‫اص ُد قين اخل رب ه ل مر عىل ا ضا فتك هل زمن طويل ؟ فهو حقا‬
‫ودلي آ أ ان الرجل التعس ‪ .‬وهو ‪ ،‬ول ريب ‪ ،‬ا ما قد غرق يف‬
‫البحر فذهب طعاما ل ل أ س امك ‪ ،‬وا ما قد هكل يف الرب فريسة‬
‫للوحوش وجوارح الط ري ‪،‬‬

‫‪272‬‬
‫ومل ي مت كن آ أ بوه ول آ أ مه ‪ ،‬ول زوجته بنلوب آ أ حمك النساء من‬
‫ندبه ومحهل ا ىل مدفنه ‪ .‬ول كن ق ل يل من آ أ نت و آ أ ين مدينتك‬
‫ومن مه ذووك ‪ .‬وهل آ أ قل تك سف ينتك ا ىل هنا ومعك حصبك ‪،‬‬
‫آ أ و قدمت يف جتارة عىل سفينة غ ريك ؟ " فقال آ أ وذيس ‪" :‬‬
‫سآ أ توىخ الصدق يف ا جابتك عن لك هذا ‪ ،‬ا ين من مدينة‬
‫آ أ ليباس ‪ ،‬ووادلي هو آ أ فيداس ‪ ،‬وامسي ا فريت ‪ ،‬وقدويم ا ىل‬
‫هنا من صقلية ع ل من آ أ ع امل ال آ لهة وليس مبح ض ا راديت ‪ .‬وقد‬
‫رست سفينيت قريبا من هنا ‪ .‬و آ أ ما آ أ وذيس فقد انقىض عىل‬
‫تركه ا ايي مخس س نوات ‪ .‬ومع هذا فقد ابرحين وسافر عىل‬
‫الطالع ا مل ميون ‪ ،‬فابهتجنا ‪ ،‬وتوق عنا آ أ ن تكون سفرته مآ أ مونة‬
‫و آ أ ن نظ ل صديقني يف ال يت من ا ل أ ايم " ‪.‬‬
‫قال آ أ وذيس هذا ‪ ،‬وملا مسع آ أ بوه الش يخ هذا اللكم حز‬
‫ا ل أ مل فؤاده ‪ ،‬و آ أ خذ الرتاب بيديه وحثاه عىل شعر رآ أ سه‬
‫ا ل أ بي ض ‪ .‬وملا رآ أ ى آ أ وذيس ذ كل اختلج قلبه يف صدره ‪ ،‬واكد‬
‫يب يك ملشاهدته آ أ ابه عىل تكل احلال ‪ .‬فطو قه عندئذ بذراعيه‬
‫وقب هل ‪ ،‬وقال ‪ " :‬ها آ أ ان اي آ أ يب ودلك اذلي تب كيه ‪ .‬ها آ أ ان ذا‬
‫آ أ عود ا ىل بدلي بعد غياب عرشين عاما ‪ .‬وقد انتقمت من‬
‫آ أ ولئك اذلين اكنوا يسعون للزواج ابمرآ أ يت ‪ ،‬فقتلهتم مجيعا " ‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫فآ أ جابه الش يخ ‪ " :‬ا ذا كنت آ أ نت ابين آ أ وذيس نفسه‬
‫فاذكر يل عالمة بي نة آ أ عرفك هبا " ‪.‬‬
‫فقال آ أ وذيس ‪ " :‬دونك هذا الن د ب يف خفذي حيث‬
‫جرحين اخلزنير ال ِرب ي يف جبل ف رانس ‪ .‬فقد آ أ رسلتين آ أ نت و آ أ يم‬
‫ا ىل جد ي آ أ وتوليخ ‪ ،‬جف ُ رحتُ يف الصيد ‪ .‬وهاك عالمة آ أ خرى ‪،‬‬
‫فا ين خمربك ما يه ا ل أ جشار اليت آ أ عطيتين من آ أ جشار البس تان ف امي‬
‫مىض من الزمان ‪ ،‬حي امن كنتُ صبي ا آ أ س ري معك مس تفهام عن‬
‫آ أ س امهئا ‪ .‬فقد آ أ عطيتين ثال ث عرشة من جشر ال ُمك رثى ‪ ،‬وعرشا‬
‫من جشر التفاح ‪ ،‬و آ أ ربعني من جش ر التني ‪ .‬ووعدتين خبمسني من‬
‫جشر ال كرمة حيامن حيني مومس العنب " ‪ .‬خففق قلب الش يخ بني‬
‫ج نبيه ‪ ،‬وختاذلت رجاله ‪ ،‬فقد عرف صدق تكل العالمات ‪،‬‬
‫فآ أ لق ذراعيه حول ودله ‪ ،‬ومض ه هذا ا ليه ‪ ،‬فانتعشت روحه‬
‫وقال ‪ " :‬لقد آ أ يقنت ال ن آ أ ن يف الس امء آ أ راباب ا ذ علمت آ أ ن‬
‫آ أ ولئك اخلط اب ا ل أ رشار قد عوقبوا بسوء علهم ‪ .‬ول كين آ أ خىش‬
‫آ أ ن تث ري قبا ئ ِ ل ُ هم آ أ ه ل ا يثاكة واجلزر اجملاورة علينا " ‪ .‬فقال‬
‫آ أ وذيس ‪ " :‬ل تقلق نفسك هبذه ا ل أ مور اي آ أ يب ‪ ،‬بل دعنا‬
‫نذهب ا ىل البيت ‪ .‬فهناك تل اميخ وعوس وراعي البقر وقد‬
‫هي آ أ وا لنا الطعام " ‪.‬‬
‫فدخال البيت فآ أ لفيا تل اميخ ور فيقيه يقطعون اللحم للغداء‬
‫‪،‬‬

‫‪274‬‬
‫وميزجون النبيذ ‪ .‬وعندئذ غسلت املرآ أ ة الصقلي ة لريت ‪،‬‬
‫ودهنته ابلزيت ‪ ،‬وكس ته معطفا زاهيا ‪ .‬ووقفت آ أ ثينا ا ىل‬
‫جانبه وصري ته آ أ طول قامة و آ أ صلب عودا ‪ .‬فدهش ابنه عندما‬
‫رآ ه ‪ ،‬وهو عىل هذه احلاةل من امجلال ‪ ،‬شبهيا اب ل أ رابب اذلين‬
‫يعيشون آ أ بد ادلهر ‪ ،‬فلك مه قائال ‪:‬‬
‫" ل ريب يف آ أ ن آ أ حد ا ل أ رابب اخلادلين قد ص ري ك اي آ أ يب‬
‫مجيل املنظر طويل القامة ! "‬
‫مس‬‫فآ أ جاب لريت ‪ " :‬و دِ دْ ت لو شاء ال هل آ أ ن آ أ قف آ أ ِ‬
‫ا ىل جانبك ‪ ،‬و آ أ نت تث ِئ من اخلط اب كام كنتُ يف سالف ا ل أ ايم‬
‫حيامن اس توليت عىل مدينة نريكوس امجليةل ‪ ،‬ا ذن لفت كتُ‬
‫ابل كثريين مهنم برحمي و آ أ فعم قلبك رسورا " ‪.‬‬
‫هذا ما اكان به يتحاداثن ‪ .‬وملا آ ُ عد الطعا م ُ جلسوا ا ليه‬
‫مجيعا ‪ .‬ودان الش يخ ذوليوس مع آ أ ولده قادمني من علهم ‪ ،‬ﻷ ن‬
‫املرآ أ ة الصقلي ة ‪ ،‬ويه آ أ م ا ل أ ولد ‪ ،‬فد دعهتم ‪ .‬وملا رآ أ وا‬
‫آ أ وذيس ‪ ،‬وقفوا ذاهلني ل ميلكون نطقا ‪ .‬فقال آ أ وذيس ‪" :‬‬
‫ك ُ ف عن جعبك لهذا املشهد آ أ هيا الش يخ ‪ ،‬واجلس للطعام ‪.‬‬
‫فقد ه ُ ئي طعامنا ‪ ،‬وانتظرانمك طويال " ‪.‬‬
‫فركض اليه ذوليوس اب سطا لكتا يديه ‪ ،‬وقبض عىل يد‬
‫آ أ وذيس وجعل يقب ِ ل مِ ع ْ ص م ها ‪ ،‬وتلكم فقال ‪ " :‬ا ن‬

‫‪275‬‬
‫رسوران مبجيئك لعظمي ‪ ،‬ل أ ننا مل ن كن ننتظرك ‪ .‬ل ريب يف آ أ ن‬
‫عودتك من عل ا ل أ رابب ‪ .‬فل ْ تج ِر آ أ مورك مجيعها عىل خري ما‬
‫ترغب ‪ .‬ول ك ْن قل يل آ أ تعمل املل كة بنلوب مبجيئك آ أ م آ ُ رسل‬
‫ا لهيا رسول خي ربها ؟ "‬
‫فقال آ أ وذيس ‪ " :‬ا هنا عاملة اب ل أ مر " ‪ .‬وعندها جلس‬
‫الش يخ ا ىل الطعام ‪ ،‬وجلس آ أ بناؤه آ أ يضا بعد آ أ ن حي وا‬
‫آ أ وذيس ‪ .‬ويف غضون ذ كل انترش اخلرب يف املدينة آ أ ن اخلط اب‬
‫قد قتلوا ‪ ،‬و آ أ قبل آ أ قارب الرجال عىل بيت آ أ وذيس ابلعويل‬
‫وا ل أ نني ‪ ،‬ومحلوا جثث املوىت ود فنوها ‪ .‬و آ أ ما اذلين قدموا من‬
‫بالد آ أ خرى فقد محلوا جثث قتالمه ا ىل السفن لينقلوها ا ىل‬
‫مدافن آ ابهئم ‪ .‬وملا مت هذا مجيعه احتشدوا يف سوق املدينة ‪،‬‬
‫ووق ف فهيم آ أ وفيث ‪ ،‬وقد ا ش تد ح زنه عىل ودله آ أ نطينوس اذلي‬
‫قتهل آ أ وذيس قبل سائر اخلط اب ‪ ،‬وقف يف وسطهم وقال ‪ " :‬ل‬
‫ريب يف آ أ ن هذا الرجل قد آ أ نزل هبذه ا ل أ رض رشا عظامي ‪ ،‬ا ذ‬
‫ا س تصحب كث ريين من الرفاق البسالء ا ىل طروادة ‪ ،‬فآ أ ضاعهم‬
‫مجيعا مع سفهنم ‪ .‬وقد عاد ال ن وقت ل آ أ مراء الشعب ‪ .‬وذكل‬
‫عار علينا ‪ ،‬ت ِص مُ نا به ا ل أ جيال القادمة ‪ ،‬ا ذا مل ننتقم من‬
‫هؤلء اذلين فتكوا بآ أ بنائنا وا خوتنا ‪ .‬حقا انين ل آ أ رغب يف‬
‫احلياة ‪ ،‬ا ذا بقي‬

‫‪276‬‬
‫ع ل كهذا بال انتقام ‪ .‬فتعالوا ا ذن ولنرسع لئال يركبوا البحر‬
‫وينجوا بآ أ نفسهم " ‪.‬‬
‫قال آ أ وفيث هذا وهو يب يك ‪ .‬ورىث هل الناس مجيعا دلى‬
‫س امعهم الكمه ‪ .‬ول كن ميذون ادلاعية وق ف يف امجلع ‪ ،‬وتلكم‬
‫فقال ‪ " :‬آ أ صغوا ا يل اي رجال ا يثاكة ! ل ريب يف آ أ ن آ أ وذيس مل‬
‫يقم هبذه ا ل أ عامل من غري معونة ا ل أ رابب اخلادلين ‪ .‬وقد رآ أ يت‬
‫بعيين هاتني ‪ ،‬آ أ حد ا ل أ رابب وا قفا ا ىل جانب آ أ وذيس متخذا‬
‫شلك ا ل أ مري مِ نطور ‪ .‬فا ىل جانب آ أ وذيس وقف ا هل يشد آ أ زره‬
‫‪ ،‬ووقف ا هل آ خر بني اخلط اب ‪ ،‬يوقع هب م الاضطرا ب حىت‬
‫سقطوا " ‪.‬‬
‫قال ميذون ادلاعية هذا ‪ ،‬ووق ف بعده آ أ لي ْرث س العر اف‬
‫العامل مبا اكن ومبا س ي كون ‪ ،‬وتلكم قائال ‪ " :‬ا ن حام قتمك اي‬
‫رجال ا يثاكة يه السبب يف لك ما وقع من آ أ حداث ‪ .‬فا نمك مل‬
‫تصغوا ا يل ول ا ىل منطور ‪ ،‬ومل تردعوا آ أ بناء مك عن سفاههتم ‪.‬‬
‫فقد آ أ توا رشا عظ امي ‪ ،‬ا ذ جعلوا يهنبون آ أ موال رجل ابسل ‪،‬‬
‫وخيطبون ود زوجته ‪ ،‬ظنا مهنم آ أ نه لن يرجع ‪ .‬فهلم وا ال ن‬
‫و آ أ صغوا ا يل ليك ل ي ُ صيبمك من ا ل أ ذى آ أ سو آ أ مم ا آ أ صابمك " ‪.‬‬
‫عندئذ هن ض بعضهم وذهبوا مرسعني ‪ ،‬واكن هؤلء مه‬
‫القسم ا ل أ عظم ‪ ،‬و آ أ ما البا قون فظل وا يف آ أ ماكهنم ومل‬

‫‪277‬‬
‫يآ أ هبوا لنصيحة ميذون والعر اف ‪ ،‬ب ل انقادوا ا ىل الكم آ أ وفيث‬
‫‪ .‬فلبسوا سالهحم ومشوا حنو املدينة يقودمه آ أ وفيث ‪.‬‬
‫عندها خا طبت آ أ ثينا زفس قائةل ‪ " :‬قل يل اي آ أ يب آ أ ي‬
‫مقصد ترس ه يف نفسك ‪ ،‬هل تريد آ أ ن تثور الفتنة آ أ و آ أ ن تقوم‬
‫الصداقة بني هذين الفريقني ؟ "‬
‫فآ أ جاهبا زفس ‪ " :‬مل تس توحضني عن هذه ا ل أ مور ؟ آ أ مل‬
‫ي كن قتل آ أ وذيس للخط اب يف قرصه من تدبريك ؟ فلي كن ما‬
‫تريدين ‪ .‬ولينت ه ِ ا ل أ مر بسالم ووفاق ‪ ،‬حىت حيال ف النجا ح‬
‫آ أ وذيس يف هذه ا ل أ رض ‪ ،‬ويعيش الناس من حوهل يف غ ِ بطة‬
‫وسالم " ‪.‬‬
‫مث انطلقت آ أ ثينا ومي مت آ أ رض ايثاكة ‪ .‬وملا انهتى آ أ وذيس‬
‫ليذهب آ أ حدمك وير‬
‫ْ‬ ‫وحصبه من طعاهمم و رشاهبم قال املكل ‪" :‬‬
‫هل هؤلء الرجال قريبون ؟ "‬
‫خفرج ابن ذوليوس ‪ .‬وملا وقف عىل عتبة الباب رآ مه‬
‫يق رتبون ‪ ،‬فصا ح قائال ‪ " :‬لقد صاروا عىل مقربة منا ‪،‬‬
‫فلنعج ل يف التسل ح لك التعجيل " ‪.‬‬
‫فتسل حوا ‪ .‬واكن مع آ أ وذيس تل اميخ وعوس وراعي البقر ‪.‬‬
‫ووق ف معه آ أ يضا س تة من آ أ بناء ذوليوس ‪ ،‬ووق ف كذ كل‬
‫الش يخان ل ريت وذوليوس عىل تقد همام يف الس ن واش تعال‬

‫‪278‬‬
‫رآ أ س هيام شيبا ‪ .‬وملا خرجوا من امل زنل اق رتبت آ أ ثينا متخذة شلك‬
‫ا ل أ مري منطور وصوته ‪ .‬فلام رآ ها آ أ وذيس ابهتج قلبه ‪ ،‬وخا طب‬
‫تل اميخ قائال ‪ " :‬ا ين آ أ عرفك اي بين جيدا ‪ ،‬و آ أ عرف آ أ نك‬
‫تتجم ل ابلشجاعة ‪ ،‬ول تآ أ يت ما يشني بيت آ ابئك اذلين‬
‫ا ش هتروا يف البالد عىل ادلوام يف الشجاعة والنجدة " ‪.‬‬
‫فآ أ جا ب تل اميخ ‪ " :‬س تخرب هذا ا ل أ مر بنفسك ا ذا شئت‬
‫"‪.‬‬
‫فابهتج قلب لريت وقال ‪ " :‬ما آ أ سعد هذا اليوم اذلي‬
‫يتبارى فيه ابين وحفيدي يف البساةل واملروءة ! " ‪.‬‬
‫مث دنت آ أ ثينا من الش يخ ‪ ،‬وقالت ‪ " :‬آ أ د ع ُ اي لريت آ أ ول‬
‫ل أ ثينا ولزفس آ أ يب البرش مث آ أ ط ل ِ ق رحمك " ‪.‬‬
‫قالت هذا ‪ ،‬وبثت يف صدره قوة عظ مية ‪ .‬فآ أ طلق رحمه‬
‫بعد آ أ ن دعا فرضب آ أ وفيث واخرتق خوذته ‪ ،‬فوقع عىل ا ل أ رض‬
‫قتيال ‪ .‬مث انقض آ أ وذيس وابنه عىل رجال ايثاكة ابلس يوف‬
‫والرماح املزدوجة ا ل أ س نة ‪ .‬واكدوا يفت كون هب م مجيعا ‪ ،‬ول كن‬
‫آ أ ثينا صاحت عاليا وقالت ‪:‬‬
‫" كف وا عن القتال اي رجال ايثاكة فا نه ل شديد عليمك " ‪.‬‬

‫‪279‬‬
‫فا ش تد فزع الرجال دلى س امعهم صوهتا ‪ ،‬وطرحوا‬
‫آ أ سلحهتم عىل ا ل أ رض ‪ ،‬ولذوا ابلهرب ا ىل املدينة لينجوا‬
‫بآ أ نفسهم ‪ .‬وملا آ أ راد آ أ وذيس اللحاق هبم ‪ ،‬آ أ رسل زفس صاعقة‬
‫من السامء فوقعت عند قد يم آ أ ثينا ‪ ،‬فصاحت هذه قائةل ‪" :‬‬
‫ك ُ ف عن القتال اي ابن لريت ليك ل تث ري حنق زفس " ‪.‬‬
‫ف كف آ أ وذيس عن القتال ‪ ،‬و آ أ ح ل زفس و آ أ ثينا السالم‬
‫بني املكل و آ أ ه ل ا يثاكة ‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫فهرس ا لأ عالم‬
‫آ أ ثينا ‪ -‬ا لهة الفكر عند ال غريق ‪ ،‬ابنة زفس ‪.‬‬
‫آ أ رطميس ‪ -‬احدى ا لهات امليثيولوجية ال غريقية ‪ ،‬تقابلها دايان‬
‫الرومانية ‪ ،‬ويه ا لهة الغاابت والصيد ‪.‬‬
‫آ أ رغوس ‪ -‬احدى املدن يف ج نوب بالد ال غريق ‪.‬‬
‫ارايدنة ‪ -‬بنت مينوس مكل كريت ‪ ،‬اختطفها ثيسوس ‪ ( .‬انظر‬
‫ثيسوس ) ‪.‬‬
‫اريبوس ‪ -‬امس تطلقه ا ل أ ساطري عىل ا ل أ قطار املظلمة اليت متتد‬
‫حتت ا ل أ رض فوق اجلحمي ‪.‬‬
‫اريثوسا ‪ -‬امس لينبوع تزمع ا ل أ ساطري انه اكن يف ا ل أ صل حورية‬
‫ووصيفة ل أ رطميس ا لهة الصيد ‪ ،‬حفولهتا هذه الالهة ا ىل ينبوع لتنقذها‬
‫من احد ا ل آلهة ‪.‬‬
‫اس بارطة ‪ -‬احدى املدن ال غريقية القدمية ‪ .‬لها ش آ أ ن يف‬
‫التارخي ‪.‬‬

‫‪281‬‬
‫استيكس ‪ -‬آ أ حد اهنار اجلحمي ‪ .‬اكن من عادة آ آلهة ا ل أ ساطري آ أ ن‬
‫حيلفوا هبذا الهنر ‪ ،‬وحلفهم هذا ل رجوع فيه ‪ .‬وا ذا اس تحم آ أ حد يف‬
‫هذا الهنر ل ميس ه رض من سالح آ أ و غريه ‪ .‬وقد غطست ثيتيس آ أ م‬
‫آ أ خيل ودلها يف هذا الهنر ممسكة به من عقبه ‪ ،‬فاكن املوضع الوحيد‬
‫اذلي آ أ صابه فيه جرح فامي بعد ف آ أ ودى حبياته ‪.‬‬
‫آ أ طلس ‪ -‬مكل موريتانيا ( آ أ فريقية الشاملية ) يف ا ل أ ساطري‬
‫القدمية وابن زفس ‪ .‬غضب عليه فريسا البطل ال غريقي لرفضه تضييفه‬
‫( حفوهل ا ىل جبل عال ) ‪.‬‬
‫آ أ غاممنون ‪ -‬ابن آ أ تريذ وآ أ خو مانيال ‪ ،‬مكل مسينا وآ أ رغوس ‪،‬‬
‫وزعمي آ أ بطال ال غريق اذلين حارصوا طروادة ‪ .‬قتلته امرآ أ ته‬
‫ك ـ لي ـ ت ِ ْم ن ْس رتا وصاحهبا اغيس توس دلى عودته من طروادة ‪.‬‬
‫اغيس توس ‪ -‬آ أ حد آ أ حفاد آ أ تريذ مكل مسينا ‪ .‬قتل آ أ غاممنون بعد‬
‫آ أ ن آ أ غوى امرآ أ ته ك ـ لي ـ ت ِ ْم ن ْس رتا وقتهل اوريست بن آ أ غاممنون ‪.‬‬
‫آ أ ف ُ ل ون ‪ -‬هو عند اليوانن والرومان ا هل الغيب والطب والشعر‬
‫والفنون والقطعان ‪ ،‬وا هل الهنار والشمس ‪.‬‬
‫افرية ‪ -‬من آ أ قطار بالد ال غريق القدمية ا ىل جنوب من مقدونيا‬
‫‪.‬‬

‫‪282‬‬
‫افيوس ‪ -‬صانع احلصان اخلش يب اذلي اس تعان به خنبة من‬
‫آ أ بطال ال غريق عىل دخول طروادة ‪.‬‬
‫افيالتس ‪ -‬ابن اولوس وآ أ خ اوتوس ‪.‬‬
‫ا ف مييداي ‪ -‬ابنة ت ريوفس وحمبوبة فوس يذون اكنت حلظوهتا عنده‬
‫كثريا ما تسري عىل شاطئ البحر حتتضن مياهه ‪ ،‬خفطفها قرصان تراقيا‬
‫وآ أ خذوها ا ىل ج زيرة انكسوس يف ا ل أ رخبيل ‪ ،‬ف آ أ نقذها ودلاها ‪.‬‬
‫الثيوبيون ‪ -‬ساكن آ أ عايل النيل عند القدماء ‪.‬‬
‫الاوملب ‪ -‬امس جبال عدة يف بالد ال غريق ‪ ،‬آ أ شهرها يقع بني‬
‫مقدونيا وتساليا ‪ .‬تزمع ا ل أ ساطري آ أ هنا مقر ا ل آ لهة ‪.‬‬
‫التفيانيون ‪ -‬ساكن جزر صغرية يف البحر الايوين اكنت ملج آ أ‬
‫لقرصان البحر ‪.‬‬
‫الس يلكوب ‪ -‬مه عىل زمع ا ل أ ساطري جبابرة عظام هلم عني‬
‫واحدة يف جباههم ‪ .‬ويصنعون يف براكن اتنا يف ج زيرة صقلية الصواعق‬
‫لزفس ‪ ،‬ابرشاف ِه ْ‬
‫يفس ت ا هل النار واملعادن ‪.‬‬
‫الس يكونيون ‪ -‬قوم من تراقيا يقطنون الساحل الغريب قرب‬
‫جبل اسامروس ‪.‬‬
‫اسامروس ‪ -‬بدلة يف تراقيا تقع عىل جبل اسامروس ‪ .‬اكنت تنتج‬
‫آ أ خفر امخلور ‪ .‬ويه مدينة الس يكونيني ‪.‬‬
‫الس اميريون ‪ -‬شعب قدمي اكن موطنه سواحل البحر ا ل أ سود ‪.‬‬

‫‪283‬‬
‫آ أ لسينوس ‪ -‬زعت ا ل أ وذيسة آ أ نه مكل الفس يانيني ووادل‬
‫نوس ياك ‪ .‬وقد آ أ حسن وفادة آ أ وذيس النايج من الغرق ‪.‬‬
‫الغرغون ‪ -‬رآ أ س الغرغون هو رآ أ س ميدوزا ‪ ،‬احدى آ أ خوات‬
‫ثالث ‪ ،‬تزمع ا ل أ ساطري آ أ هن ن آ أ عطني القدرة عىل حتويل لك من ينظر‬
‫الهين ا ىل جحر ‪ .‬وهذه القدرة تعزى ا ىل ميدوزا خاصة ‪.‬‬
‫الفيس يانيون ‪ -‬قوم ورد ذكرمه يف الاوذيسة ‪ ،‬واكنوا يسكنون‬
‫ج زيرة اسكرياي اليت مل يعني موقعها ‪.‬‬
‫المكينا ‪ -‬آ أ م هرقول آ أ شهر آ أ بطال ا ل أ ساطري ال غريقية ‪.‬‬
‫اللسرتوغونيون ‪ -‬قوم متوحشون من آ لكي حلوم البرش ‪.‬‬
‫املرامدة ‪ -‬من ساكن بالد ال غريق القدماء ‪ .‬ذكرت ال لياذة آ أ ن‬
‫آ أ خيل اكن ملاك علهيم بعد آ أ بيه فيال ‪.‬‬
‫اوتوس ‪ -‬ابن اولوس ‪.‬‬
‫اوجيجيا ‪ -‬ج زيرة يف البحر الايوين ‪.‬‬
‫اوريفيل ‪ -‬ابن تليفوس مكل ميس يا ‪ ،‬واحد آ أ بطال حرب‬
‫طروادة اكن ذا جامل خارق ‪.‬‬
‫اوريون ‪ -‬هو يف ا ل أ ساطري صياد جبار ذو جامل فائق حولته‬
‫آ أ رطميس ا له ة الصيد ا ىل برج يف السامء هو اجلوزاء ‪.‬‬
‫اوذيس ‪ -‬او عوليس ‪ ،‬آ أ حد مشاهري ا ل أ بطال اذلين حا ربوا‬
‫طروادة ‪ .‬عرف ابحلمكة وسعة احليةل ‪ .‬والاوذيسة‬

‫‪284‬‬
‫يه حاكية عودته من تكل احلرب وما لقاه يف طريقه من ا ل أ هوال ‪.‬‬
‫اوريست ‪ -‬ابن اغاممنون و ك ـ لي ـ ت ِ ْم ن ْس رتا ‪ .‬قتل امه وصاحهبا‬
‫اغيس توس انتقاما ل أ بيه ‪.‬‬
‫اوس ا ‪ -‬جبل يف تساليا ‪.‬‬
‫اليس يا ‪ ( -‬سهل اليس يا ) هو الفردوس عند اليوانن والرومان‬
‫‪ ،‬ومقر ا ل أ رواح الفاضةل ‪.‬‬
‫ايبيا ‪ -‬آ أ و يوبيا احدى جزر الارخبيل ‪.‬‬
‫ايذومني ‪ -‬مكل كريت وآ أ حد آ أ بطال حرب طروادة ‪ ،‬نذر بدون‬
‫ترو نذرا اضطره ا ىل التضحية بودله ‪.‬‬
‫ايلوس ‪ -‬ابن هيبوتوس صديق ا ل آ لهة اكن يعيش يف ج زيرة‬
‫ايوليا الغ ربية العامئة ‪ .‬واكن ملاك عادل تقيا يعمل ساكهنا اس تعامل‬
‫الرشع ويتنب آ أ هلم عن الرايح ‪ .‬اعطاه زفس السلطة عىل الرايح ‪ .‬وع ُ د‬
‫فامي بعد ا لها للرحي يقبضها ويثريها كام يشاء ‪.‬‬
‫ايلس ‪ -‬ابن مرمروس وحفيد ايسون وميداي ‪ .‬اكن يعيش يف‬
‫افرية ‪ ،‬وقد رفض آ أ ن يعطي آ أ وذيس مس ا لسهامه خوف انتقام ا ل آلهة ‪.‬‬
‫آ أ ايس ‪ ( -‬ا ل أ صغر ) آ أ حد آ أ بطال ال غريق ‪ .‬انكرست به سف ينته‬
‫دلى عودته من طروادة ‪ ،‬وقام عىل خصر هيد د السامء ‪ ،‬فابتلعته‬
‫ا ل أ مواج ‪.‬‬

‫‪285‬‬
‫آ أ ايس ‪ ( -‬ال أ كرب ) احد آ أ بطال ال غريق ‪ .‬انزع آ أ وذيس سالح اخيل‬
‫فغلبه اوذيس ‪.‬‬
‫آ أ اي ‪ -‬امس جل زي رتني ورد ذكرهام يف ا ل أ ساطري ا حداهام رشقية‬
‫وا ل أ خرى غ ربية ‪ ،‬واكنت سريسة الساحرة تسكن يف الغ ربية مهنام ‪.‬‬
‫بنلوب ‪ -‬زوجة آ أ وذيس وآ أ م تلاميخ ‪ .‬مثال الزوجة الوفية ‪،‬‬
‫اش هترت برفضها عروض خطاهبا الكث ريين يف غيبة زوهجا اليت دامت‬
‫ع رشين س نة ‪.‬‬
‫تليفوس ‪ -‬مكل ميس يا ‪ ،‬جرحه آ أ خيل برحمه فمل يشف ا ل مبرمه‬
‫صنع من صد آ أ ذكل الرمح ‪.‬‬
‫تلاميخ ‪ -‬ابن آ أ وذيس وبنلوب ‪ .‬اكن ل يزال طفال عندما سافر‬
‫آ أ بوه ا ىل حرب طروادة مث سافر ابحثا عن آ أ بيه تقوده آ أ ثينا يف هيئة‬
‫منطور ‪.‬‬
‫تنتالوس ‪ -‬مكل ليداي ابن زفس من احلورية بلوتو ‪ .‬تزمع‬
‫ا ل أ ساطري آ أ نه عوقب يف اجلحمي ابلعقاب اذلي ذك رته ا ل أ وذيسة ‪ ،‬ل أ نه‬
‫آ أ ىت ذنبا ‪ ،‬اختلف الرواة يف حقيقته ‪ ،‬آ أ هان به ا ل آ لهة ‪.‬‬
‫تنيدوس ‪ -‬ج زيرة عىل ساحل آ س يا الصغرى ‪.‬‬
‫تيتيوس ‪ -‬عالق جبار اكن هل هيلك يف ج زيرة يوبيا ‪ .‬اكن ا ذا‬
‫افرتش ا ل أ رض غط جسمه مساحة تسعة‬

‫‪286‬‬
‫آ أ فدنة ‪ .‬ماتت آ أ مه حني وضعته لضخامة جسمه ‪ .‬قتهل آ أ بولون‬
‫وآ أ رطميس بسهاهمام ‪ .‬فقيض عليه يف اجلحمي آ أ ن تهنش آ أ فع كبده عىل‬
‫ادلوام ‪ .‬وقيل ان النسور ل تنفك تهنش آ أ حشاءه ‪.‬‬
‫ثيبة ‪ -‬عامصة بيوثيا من بالد ال غريق القدمية ‪ .‬واكن آ أ هلها‬
‫جفاة خسفاء العقول ‪.‬‬
‫ثيتيس ‪ -‬ا ل هة حب رية وزوجة فيال مكل ا يولكس اخلرايف ‪ ،‬وآ أ م‬
‫آ أ خيل البطل ال غريقي الشهري ‪.‬‬
‫ث رييس يا ‪ -‬عر اف ثيبة ‪ .‬واكن آ أ هل هذه املدينة ي زنلونه مزنةل‬
‫ا ل آلهة ‪.‬‬
‫ثيسوس ‪ -‬بطل ا غريقي ابن اجية مكل آ أ ثينا ‪ ،‬خشصية اترخيية‬
‫وخرافية معا ‪ .‬قام ب آ أ عامل جبارة تش به آ أ عامل هرقول ‪ .‬آ أ عطته ارايدنة‬
‫ابنة مينوس مكل كريت خيطا اسرتشد به يف التيه وقتل الوحش‬
‫مونطور واختطف ارايدنة مث جهرها ‪ .‬وحمك عليه يف اجلحمي آ أ ن يبق‬
‫جالسا ا ىل ا ل أ بد ل أ نه آ أ هان فوس يذون ا هل البحر ‪.‬‬
‫جاسون ‪ -‬ابن ايسون مكل ايولكس ا حدى مدن تساليا ‪ .‬خرج‬
‫مهنا عىل رآ أ س مخسني من آ أ بطال ال غريق يف ا ل سفينة آ أ رغوس‬
‫لالستيالء عىل اجلزة اذلهبية ‪.‬‬

‫‪287‬‬
‫خا ريبديس ‪ -‬خصرة كبرية عند مضيق مسينة مواهجة للصخرة‬
‫س يال اليت متث ل كوحش حبري خطر اكن البحارة القدماء خيشون عبور‬
‫هذا املضيق لتالطم ا ل أ مواج عند هاتني الصخ رتني واكنت السفن‬
‫الناجية من ا حدى الصخ رتني تتحطم يف الغالب عىل ا ل أ خرى ‪.‬‬
‫خيوس ‪ -‬ج زيرة من ج زر ا ل أ رخبيل ‪.‬‬
‫دلوس ‪ -‬احدى جزر الارخبيل ‪ .‬اكن فهيا معبد عظمي ل أ فلون ‪.‬‬
‫وتزمع ا ل أ ساطري آ أ ن آ أ فلون وآ أ رطميس ودلا فهيا ‪.‬‬
‫دودوان ‪ -‬احدى مدن افرية يف بالد ال غريق القدمية جنويب‬
‫مقدونيا ‪ .‬اكن فهيا هاتف ابلغيب يف هيلك لزفس بقرب آ أ مجة من‬
‫الس نداين ‪.‬‬
‫دوليخيوم ‪ -‬ج زيرة يف البحر الايوين ‪ ،‬اكنت جزءا من مملكة‬
‫آ أ وذيس ‪.‬‬
‫ذيفوب ‪ -‬آ أ حد آ أ بناء فرايم مكل طروادة ‪ ،‬وزوج هيالنة بعد‬
‫موت فا ريس ‪ ،‬قتهل مانيال عند سقوط طروادة ‪.‬‬
‫ذيوميذ ‪ -‬مكل آ أ رغوس ‪ ،‬وآ أ حد آ أ بطال حرب طروادة ‪.‬‬
‫ذيونيس ‪ -‬ابن زفس وا هل امخلر عند ال غريق ‪.‬‬
‫راذمنثوس ‪ -‬ابن زفس ‪ ،‬وآ أ حد قضاة اجلحمي الثالثة ‪.‬‬
‫زفس ‪ -‬الامس اليوانين جلوبيرت الروماين ا هل ا ل آلهة ‪.‬‬

‫‪288‬‬
‫زاسنثوس ‪ -‬ج زيرة يف البحر الايوين ا ىل الغرب من البلوبونزي ‪.‬‬
‫س يرثا ‪ -‬ا حدى جزر ا ل أ رخبيل ‪ ،‬اكن فهيا هيلك لفينوس‬
‫(افروديت) ا لهة امجلال ‪.‬‬
‫سريسة ‪ -‬ساحرة خرافية شهرية ‪ ،‬لها ش آ أ ن كبري يف آ أ وذيسة‬
‫هومريوس اذلي زمع آ أ هنا آ أ خت الشمس ‪.‬‬
‫سريوس ‪ -‬احدى جزر حبر اجية ‪ .‬آ أ رسلت ا لهيا ثيتيس ودلها‬
‫آ أ خيل ل تنجيه من املوت آ أ مام طروادة ‪ ،‬ل أ ن النبوءات زعت آ أ نه‬
‫مالقيه هناك ‪ .‬فتنك ر آ أ وذيس بثياب اتجر وذهب ا ىل اجل زيرة وعرض‬
‫يف مجةل آ أ متعته س يفا ‪ .‬واكن آ أ خيل ح ينئذ بني النساء لبسا مثل‬
‫ثياهبن ‪ ،‬فقبض البطل اذلي اكن ل يقمي لغري اجملد وزان عىل الس يف‬
‫حبامسة ‪ ،‬وتبع آ أ وذيس ا ىل طروادة حيث لىق حتفه ‪.‬‬
‫سيسفوس ‪ -‬آ أ حد آ أ بناء ا يلوس ال هل املولك ابلرايح ‪ .‬اكن يهنب‬
‫املارة ويضع علهيم جحارة خضمة ف ميوتون بعد آ أ ن يقاسوا آ أ شد ا ل أ هوال ‪،‬‬
‫حفمك عليه ذلكل يف اجلحمي ابلعقاب املذكور يف الاوذيسة ‪.‬‬
‫طروادة ‪ -‬من مدن آ س يا الصغرى ‪ .‬حارصها ال غريق عرش‬
‫س نوات ودك وها بعدها ‪ .‬خدل ها هومريوس يف‬

‫‪289‬‬
‫ال لياذة ‪ .‬عرث ا ل أ ثري شلامين عىل آ أ نقاضها حديثا عىل مق ربة من بدلة‬
‫حصاركل ‪.‬‬
‫علويس ‪ -‬ابن فوس يذون ‪ ،‬تزوج ا ف مييداي ف آ أ حهبا فوس يذون‬
‫وآ أ جنب مهنا اوتوس وآ أ فيالتس ‪.‬‬
‫عوس ‪ -‬خادم آ أ وذيس ا ل أ مني وراعي قطعانه ‪ .‬آ أ صبح امسه‬
‫مرادفا للخادم ا ل أ مني اذلي يزنل عند س يده مزنةل الصديق ‪.‬‬
‫فرسفني ‪ -‬ا حدى ا لهات ال غريق ‪ ،‬ابنة زفس وملكة اجلحمي ‪.‬‬
‫فرايم ‪ -‬آ خر ملوك طروادة اليت دك ها ال غريق ‪.‬‬
‫فرانس ‪ -‬جبل مقدس يف بالد ال غ ريق جنويب تساليا خاص‬
‫ب آ أ فلون وعرائس الشعر ‪.‬‬
‫فروتوس ‪ -‬آ أ حد ا ل آ لهة البحريني يت خذ آ أ شاكل خمتلفة لينجو من‬
‫اذلين يلح ون عليه يف ا ل أ س ئةل ‪.‬‬
‫فطرقل ‪ -‬بطل ا غريقي صديق ل أ خيل ‪ ،‬وقد رافقه ا ىل حرب‬
‫طروادة ‪ .‬قتهل ‪ ،‬وهو لبس سالح آ أ خيل ‪ ،‬هكطور البطل الطروادي‬
‫‪.‬‬
‫فل يغيثون ‪ -‬هنر اجلحمي ‪ ،‬ومل يكن يس يل ماء بل لهبا ‪.‬‬
‫فليون ‪ -‬جبل يف تساليا قريب من جبل آ أ وس ا ‪ .‬يف ا ل أ ساطري‬
‫آ أ ن اجلبابرة متردوا عىل زفس وآ أ رادوا الصعود ا ىل السامء حملا ربته ‪،‬‬
‫جفعلوا جبل فليون فوق جبل آ أ وسا ل ريتقوا علهيام ‪.‬‬

‫‪290‬‬
‫فاروس ‪ -‬ج زيرة صغرية عىل مق ربة من الاسكند رية ‪.‬‬
‫فوس يذون ‪ -‬ا هل البحر عند ال غريق القدماء ‪.‬‬
‫فوليفم ‪ -‬ابن فوس يذون ا هل البحر وآ أ شهر الس يلكوبيني ذوي‬
‫العني الواحدة يف ا ل أ ساطري ال غريقية ‪.‬‬
‫فرياي ‪ -‬احدى املدن ال غريقية من آ أ عامل تساليا ‪.‬‬
‫فيلوس ‪ -‬احدى املدن ال غريقية القدمية ‪ ،‬اكن نسطور ملاك‬
‫علهيا ‪.‬‬
‫فيلوكتيت ‪ -‬من آ أ شهر احملا ربني يف حصار طروادة ‪ .‬آ أ وىص هل‬
‫هرقول آ أ شهر آ أ بطال ال غريق ‪ ،‬بسهامه املسمومة عند موته ‪ ،‬وهبذه‬
‫السهام اس توىل ال غريق عىل طروادة ‪.‬‬
‫كريت ‪ -‬احدى اجلزر اليواننية يف البحر املتوسط ‪.‬‬
‫كس ندرا ‪ -‬ابنة فرايم مكل طروادة ‪ .‬اكنت بعد سقوط طروادة‬
‫من س يب آ أ غاممنون وقد قتلهتا زوجته ال رشيرة ‪.‬‬
‫ك ـ لي ـ ت ِ ْم ن ْس رتا ‪ -‬زوجة آ أ غاممنون وآ أ م آ أ وريست ‪ .‬قتلت زوهجا‬
‫وقتلها ودلها ‪.‬‬
‫اكس تور ‪ -‬هو البطل الشهري ابن زفس وآ أ خو فولكس ‪ .‬وهام‬
‫ابنا ليداي امرآ أ ة تنداروس مكل لقدمونيا ‪ ،‬واخته هيالنة ‪ .‬عرف‬
‫بقد رته عىل ترويض اخليول ‪.‬‬
‫اك ل يبسو ‪ -‬حورية وملكة ج زيرة آ أ وجيجيا يف البحر الايوين ‪.‬‬
‫رح بت ب آ أ وذيس اذلي قذف به البحر ا ىل ج زيرهتا ‪ ،‬واستبقته عندها‬
‫س بع س نني ‪.‬‬
‫‪291‬‬
‫كوسيتوس ‪ -‬هنر يف اجلحمي اكنت مياهه املر ة الطينية حتدق بقاع اجلحمي‬
‫‪.‬‬
‫لقدمونيا ‪ -‬يه مدينة اس بارطة احدى املدن ال غريقية القدمية ‪.‬‬
‫لطونة ‪ -‬زوجة زفس وآ أ م آ أ فلون وآ أ رطميس ‪.‬‬
‫لموس ‪ -‬ابن فوس يذون ومكل اللسرتوغونيني ‪.‬‬
‫لريت ‪ -‬مكل ايثاكة وآ أ بو آ أ وذيس ‪.‬‬
‫ليس بوس ‪ -‬الامس القدمي جل زيرة متيلني ال غريقية ا حدى جزر‬
‫الارخبيل ‪.‬‬
‫مانيال ‪ -‬مكل اس بارطة وآ أ خو آ أ غاممنون ‪ .‬وزوجته هيالنة‬
‫اختطفها فا ريس ‪ ،‬فاكن هذا الاختطاف سببا حلرب طروادة ‪.‬‬
‫ممنون ‪ -‬خشصية شهرية يف ا ل أ ساطري القدمية ‪ .‬وهو ابن الصباح‬
‫‪ .‬آ أ رسهل آ أ بوه مكل مرص واثيوبيا ملساعدة الطرواديني فقتهل آ أ خيل ‪.‬‬
‫ول تزال آ أ مه الصباح تبكيه لك يوم بدموع يه الندى ‪.‬‬
‫م يسينا ‪ -‬مدينة اغريقية تزمع ا ل أ ساطري آ أ ن آ أ غاممنون اكن ملاك‬
‫علهيا ‪.‬‬
‫ميس يا ‪ -‬قطر من آ أ قطار آ س يا ‪.‬‬
‫مينوس ‪ -‬مكل كريت ومرشع حكمي وآ أ حد قضاة اجلحمي ‪.‬‬
‫نسطور ‪ -‬مكل فيلوس آ أ سن ا ل أ مراء اذلين حا ربوا طروادة ‪،‬‬

‫‪292‬‬
‫اش هتر حبمكته وخطبه الطويةل اليت اكن يلقهيا يف ا جمل متعات ‪.‬‬
‫نوس ياك ‪ -‬ابنة آ أ لسينوس مكل الفيس يانيني ‪.‬‬
‫هرقول ‪ -‬ابن زفس وآ أ لمكينا وآ أ شهر آ أ بطال امليثيولوجية‬
‫ال غريقية ‪ .‬اش هتر بعمل اخلوارق ‪ ،‬وقد مات ب آ أ ن آ أ حرق نفسه عىل‬
‫جبل ا يتا يف تساليا ‪.‬‬
‫هرمس ‪ -‬ابن زفس ورسول ا ل آلهة ‪ .‬وهو نفسه ا هل الفصاحة‬
‫والتجارة واللصوص ‪.‬‬
‫هادس ‪ -‬مكل اجلحمي وا هل ا ل أ موات ‪ .‬وهو ابن زحل وآ أ خو‬
‫زفس وفوس يذون ‪.‬‬
‫هريا ‪ -‬زوجة زفس وا له ة الزواج عند ال غريق ‪.‬‬
‫ِه ْ‬
‫يفس ت ‪ -‬ا هل النار واملعدن عند ال غريق ‪.‬‬
‫هيالس ‪ -‬امس تساليا القدمي ‪ ،‬ويطلق عىل سبيل التعممي عىل‬
‫مقاطعات عدة من بالد اليوانن ‪ ،‬وقد يطلق عىل بالد اليوانن مجيعها‬
‫‪.‬‬

‫‪293‬‬
‫فهرست‬
‫متهيد ‪5 . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬
‫‪ . 1‬مشورة آ أ ثينا ‪11 . . . . . . . . . . . . . .‬‬
‫‪ . 2‬اجمللس ‪21 . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬
‫‪ . 3‬حاكية نسطور ‪30 . . . . . . . . . . . . .‬‬
‫‪ . 4‬يف ا س بارطة ‪41 . . . . . . . . . . . . . .‬‬
‫‪ . 5‬قصة مانيال ‪48 . . . . . . . . . . . . . .‬‬
‫‪ . 6‬آ أ وذيس يف طوفه‪59 . . . . . . . . . . . . .‬‬
‫‪ . 7‬نوس ياك ‪72 . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬
‫‪80 . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫‪ . 8‬آ أ لسينوس‬
‫‪ . 9‬الفس يانيون ‪87 . . . . . . . . . . . . . .‬‬
‫‪ . 10‬الس يلكوب ‪98 . . . . . . . . . . . . . .‬‬
‫‪ . 11‬ايلوس ‪ ،‬الليس رتيغون ‪ ،‬سريسة‪115 . . . . . . . .‬‬

‫‪294‬‬
‫‪ . 12‬منازل ا ل أ موات ‪130 . . . . . . . . . . . .‬‬
‫‪ . 13‬عرائس املاء ‪ ،‬س يال ‪ ،‬ث ريان الشمس ‪147 . . . . .‬‬
‫‪ . 14‬ا يثاكة ‪161 . . . . . . . . . . . . . . .‬‬
‫‪ . 15‬عوس ‪ ،‬راعي اخلنازير ‪173 . . . . . . . . . .‬‬
‫‪ . 16‬عودة تل اميخ ‪186 . . . . . . . . . . . . .‬‬
‫‪ . 17‬آ أ وذيس وتل اميخ ‪197 . . . . . . . . . . . .‬‬
‫‪ . 18‬آ أ وذيس يف بيته ‪209 . . . . . . . . . . . .‬‬
‫‪ . 19‬آ أ وذيس يف بيته ( ت متة) ‪219 . . . . . . . . . .‬‬
‫‪ . 20‬آ أ وذيس تعرفه حاضنته ‪230 . . . . . . . . . .‬‬
‫‪242 . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫‪ . 21‬جتربة القوس‬
‫‪ . 22‬الفتك ابخلط اب ‪253 . . . . . . . . . . . .‬‬
‫‪ . 23‬خامتة املطاف ‪259 . . . . . . . . . . . . .‬‬
‫‪ . 24‬انتص ار آ أ وذيس‪265 . . . . . . . . . . . . .‬‬
‫فهرس ا ل أ عالم ‪281 . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫‪295‬‬
‫هذا الكتاب‬
‫" هذه يد كرمية هتدهيا س يدة كرمية اىل اللغة العربية‬
‫والنا طقني هبا ‪ .‬فقد فرغ الناس منذ عهد بعيد من اثبات ان‬
‫هنوض الرشق العريب يف العرص احلديث كهنوضه يف العرص القدمي‬
‫ل يكون ابلعزةل ‪ ،‬وامنا ي كون ابلتعرف اىل الشعوب الا ج نبية‬
‫والتصال هبا وا ل أ خذ مهنا والاعطاء لها ‪.‬‬
‫وقد عنينا يف العرص احلديث ابلدب اليوانين عناية ضئيةل‬
‫متواضعة فنقلت الالياذة اىل اللغة العربية ول كهنا نقلت شعرا ‪.‬‬
‫وقد ظلت ترمجة هذا الاد ب مقصورة النفع عىل املثقفني‬
‫املمتازين ل تتجاوزمه اىل احصاب الثقا فة املتوسطة ‪ .‬ومع ذ كل‬
‫فلن جتد يف اورواب وامرياك طبقة من طبقات الناس اذلين‬
‫يقرؤون الا والسبيل ميرسة لها لتقرآ أ الالياذة والاودسا يف غري‬
‫مشقة ول عناء ‪ .‬تقرؤها يف ال رتمجة ادلقيقة وتقرؤها يف ال رتمجة‬
‫املقاربة وتقرؤها ان شاءت يف ملخصا ت سهةل قريبة املنال وهذا‬
‫هو اذلي قصد ت اليه الس يدة اجلليةل واليت يرشفين ان اقدم‬
‫كتاهبا اىل القراء العرب ‪.‬‬
‫واحلق انه لو مل ي كن لصاحبة هذا الكتاب الا اهنا حاولت‬
‫ان جتعل من هوم ريوس الشاعر الشعيب اليوانين شاعرا شعبيا‬
‫عربيا لاكن هذا وحده يدا كرمية تسدهيا اىل العربية و آ أ بناهئا " ‪.‬‬
‫طه حسني‬

You might also like