You are on page 1of 44

2

‫‪7‬‬ ‫تريث أيها الموت !‬

‫‪10‬‬ ‫كيف تنهي الكتاب؟‬

‫‪12‬‬ ‫قرطبة ‪ ..‬مدينة القراءة‬

‫‪18‬‬ ‫سلمان العودة ‪ ..‬المفكر القارئ‬

‫‪20‬‬ ‫أليس عبر المرآة‬

‫‪28‬‬ ‫فائق منيف وحكايته مع القراءة‬

‫‪40‬‬ ‫ال تسجن عقلك !‬

‫‪3‬‬
‫ِسم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫ب ْ‬

‫احلمد هلل والصالة والسالم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعني‪.‬‬
‫تسعون يوماً مضت على إطاللة (مجلة قوارئ) يف عددها األول‪ ،‬وهي املدة ذاتها التي‬
‫استغرقها فريق املجلة إلصدار العدد الثاني‪ ،‬وبعد النجاح الكبير واألصداء اجلميلة الذي‬
‫استُقبلت به املجلة يف باكورة أعدادها وهلل الفضل واملنة‪ ،‬انطلق فريق املجلة مؤمنني‬
‫بالرؤية والهدف‪ ،‬ومستعينني باهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وواضعني يف عني االعتبار املالحظات‬
‫التي اقترحها شركاء النجاح من القراء والكتاب‪ ،‬فبدأ الفريق برسم رؤية عامة عن‬
‫العدد الثاني‪ ،‬وفتح الباب الستقبال املشاركات من القراء حيث وصلت إلى قرابة خمسني‬
‫مشاركة‪ ،‬تالها مرحلة التصنيف والفرز والتدقيق واملراجعة التي متت عن طريق كوادر‬
‫متخصصة وأكادميية‪ ،‬ثم انتهى املشوار إلى تصميم وإخراج املجلة لتظهر بشكلها النهائي‪.‬‬
‫وانطالقا من حرص مشروع أصدقاء القراءة مع ما تستهدفه املجلة إلثراء احملتوى‬
‫العربي والقرائي‪ ،‬انبثقت فكرة «املسابقة األدبية» التي تخص املهتمني بالكتابة األدبية‪،‬‬
‫وتهدف إلى إبراز اجلوانب االبداعية لدى الشباب والشابات ‪ ،‬ويف املسابقة بعض‬
‫التفاصيل التي ستعلن عنها املجلة قري ًبا‪.‬‬
‫وأخي ًرا‪ ،‬فأسمى آيات الشكر والتقدير لكل من ساهم يف إعداد وإخراج هذا العدد‪،‬‬
‫سائلني املولى أن يرزقنا اإلخالص يف العمل‪.‬‬

‫‪@m_saad8‬‬

‫‪4‬‬
‫احلمداهلل الذي جعل القراءة أمر إلهي تُل ّبَى بها احتياج العقل لفهم ما حوله و تروي تعطشه للعلم و املعرفة ‪ ،‬و‬
‫قد حتدث عن أهميتها الكثير من بينهم الروائي األمريكي تيدور سوس جيزل‪ « :‬كلما قرأت أكثر كلما عرفت أشياء‬
‫أكثر‪ ،‬وكلما تعلمت أكثر كلما حققت إجنازات أكثر» ‪ ،‬وهذه معادلة القراءة فهي بداية ملسيرة التغيير والتطوير‪ ،‬ولو‬
‫أن كل مجتمع يقرأ قراءة واعية بعني ناقدة لتغير احلال‪ ،‬ولتخلصنا من سطوة التكنولوجيا واألجهزة احلديثة التي‬
‫حتاول إبعاد القراءة منا‪ ،‬بل جعلناها ط ّيعة لهدفنا ال أن جتعلنا عبيداً مسترقني لها‪.‬‬

‫إن القراءة يف حقيقتها ليست سباقاً مع الوقت والصفحات وإمنا هي منهج تستقيم به كثي ٌر من أمور احلياة‪،‬‬
‫فكما أنها تطوير لذواتنا وإثراء ملعارفنا‪ ،‬فهي أيضاً عالج ألرواحنا التي تشحب من قسوة املادية‪ ،‬والعالج بالقراءة‬
‫مفهوم قدمي يف علم املكتبات يسمى «العالج بالكتب» أو «الببليوثيرابيا»‪ ،‬تُستخدم فيه الكتب كعالج لبعض‬
‫االضطرابات النفسية‪ ،‬ووفقاً ملا يرويه املؤرخ اليوناني ديودورس فإن عبارة (املكتبة‪ ..‬مشفى الروح) كانت أحد‬
‫أقدم شعارات املكتبات املعروفة يف العالم‪ ،‬وقد ُكتبت فوق مدخل خزينة كتب امللك رمسيس الثاني يف مصر‪.‬‬

‫قد مير على كل قارئ فترة فتور أو ملل من القراءة كما مير على كل كاتب فترة ال يستطيع التعبير فيها عن ما‬
‫يختلج يف نفسه‪ ،‬فحلهما معاً هو القراءة عن القراءة والتمعن يف شغف القراء بها‪ ،‬وهنا يأتي دور (مجلة قوارئ)‬
‫التي جتمع لكم اجلميل عن حب الكتاب واملكتوب ‪ .‬قوارئ يف هذا العدد حاولت أن تشكل منبراً مفتوحاً جلميع‬
‫أطياف القراء‪ ،‬وأن تستقبل أعمالهم وكتاباتهم حولها‪.‬‬

‫كلما فتح لنا باب‪ ،‬كبرت آمالنا وتطلعاتنا‪ ،‬وهو احلال ذاته مع (مجلة قوارئ) فآمالنا وأحالمنا وتطلعاتنا لها‬
‫بال سقف أو حوائط حتدها من أي جانب‪ ،‬فها نحن هنا فريق كامل يعمل جاهداً لرسم املعالم واملؤشرات األولى‬
‫لطموح هذه املجلة ووجهتها‪.‬‬

‫شكراً لكل اجلمال الذي طوقتمونا به يف العدد األول‪ ،‬شكراً للمنظم واملؤمن األول بفكرتها األستاذ محمد‬
‫احلسيني رئيس التحرير ‪ .‬شكراً لفريق املجلة‪ ،‬لروحهم وإصرارهم على االستمرار‪ .‬شكراً لكل من ساهم بكلمة‬
‫أو عمل أو دعوة من أجل أن تصل (قوارئ) و (مشروع أصدقاء القراءة) ملا وصلوا إليه اليوم‪.‬‬

‫‪@SaraAlhumaidan‬‬

‫‪5‬‬
‫فالوصيــة إلــى طــاب العلــم و‬ ‫إنــي متق ـ ٌن يف ثمانيــة علــوم‪ ،‬مــا يســألني‬ ‫هــل مللــت القــراءة ؟! قــد يتبــادر إلــى‬
‫املعرفــة أ ّال يدعــو للملــل والســآمة إلــى‬ ‫ا‪.‬‬ ‫أحـ ٌد عــن علــم منهــا‪ ،‬وال أجــد لهــا أهـ ً‬ ‫تفكيــر أحدنــا هــذا الســؤال بعــد مــ ّدة‬
‫أنفســهم طريقــاً وال بابــاً إال أوصــدوه‪،‬‬ ‫الس ـبْكي‪ :‬أعــرف‬ ‫‪ -‬وقــال أبــو البقــاء ُّ‬ ‫مــن معانــاة القــراءة واالطــاع‪ ،‬فكيــف‬
‫ال إلــى التحصيــل إال‬ ‫وال مســلكاً أو ســبي ً‬ ‫عشــرين علمــاً‪ ،‬لــم يســألني عنهــا‬ ‫بطالــب العلــم وقــد خاجلتــه هــذه األفــكار‬
‫طرقــوه‪ ،‬وبإدامــة النظــر ومذاكــرة أخبــار‬ ‫بالقاهــرة أحــد‪.‬‬ ‫الســلبية‪.‬‬
‫الســابقني يف ســبل التعليــم‪ ،‬ولعلــي أختــم‬ ‫‪ -‬وقــال محمــد بــن أبــي بكــر بــن‬ ‫ال أخفيكم أن هذا الشعور ينتابني بني‬
‫ـرف مــن وصاياهــم‪ ،‬فمــن ذلــك‪:‬‬ ‫بذكــر طـ ٍ‬ ‫َج َماعــة‪ :‬أعــرف خمســة عشــر علم ـاً‪ ،‬ال‬ ‫احلــن و اآلخــر‪ ،‬حتــى كان ذلــك اليــوم‪،‬‬
‫‪ -‬قــال ابــن اجلــوزي يف (صيــد‬ ‫يعــرف علمــاء عصــري أســماءها‪.‬‬ ‫ابنتــي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يف قريــة األلعــاب متنزهــاً مــع‬
‫اخلاطــر)‪( :‬ليكــن لــك مــكان يف بيتــك‬ ‫‪ -‬و يُــروى أن محمــد بــن أحمــد بــن‬ ‫جــاء رجــل يف منتصــف العمــر ُمســلماً و‬
‫تخلــو فيــه‪ ،‬وحتــادث ســطور كتبــك‪،‬‬ ‫عثمــان بــن عليــم املالكــي قــال‪ :‬أعــرف‬ ‫ال عــن مســألة فقهيــة‪ ،‬فلمــا أجبتــه‬ ‫ســائ ً‬
‫وجتــري يف حلبــات فكــرك)‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫مســألة‬ ‫عشــرين عل ًمــا مــا ُســئل ْ ُت عــن‬ ‫تهلــل وجهــه و شــكر لــي اإلجابــة‪ ،‬لكــن‬
‫‪ -‬قــال أبــو هــال العســكري يف‬ ‫منهــا‪.‬‬ ‫جــاء يف قــرارة نفســي أن هــذا الرجــل قــد‬
‫(احلــث علــى طلــب العلــم)‪( :‬رتبــة األديــب‬ ‫فعلمــت عندهــا أن طالــب العلــم‬ ‫أهــدى لــي أجمــل عبــارات التشــجيع علــى‬
‫مــن أعلــى الرتــب‪ ،‬ودرجــة العلــم أشــرف‬ ‫خاص ـ ًة و طالــب املعرفــة عام ـ ًة ال ينبغــي‬ ‫املزيــد‪ ،‬و ســألت نفســي ‪ :‬مــاذا لــو لــم‬
‫الــدرج‪ ،‬فمــن أراد مداولتها بالدعة وطلب‬ ‫أن تكــون لــه يف العلــم غايــة وال نهايــة‪ ،‬بــل‬ ‫أجبــه علــى تســاؤله؟‬
‫البلــوغ إليهــا بالراحــة كان مخدوعــا‪،‬‬ ‫يطلــب العلــم و املعرفــة حتــى املمــات‪ ،‬ويف‬ ‫ال يهــم أن يعتقــد النــاس أنــك األفضل‪،‬‬
‫‪ -‬قــال اجلاحــظ‪ :‬العلــم عزيــز‬ ‫ذلــك نذكــر كمــا يف (الذيــل علــى طبقــات‬ ‫لكــن املهــم أن تســعى أنــت لألفضــل!‬
‫اجلانــب‪ ،‬ال يعطيــك بعضــه حتــى تعطيــه‬ ‫احلنابلــة) عــن الوفــاء بــن عقيــل رحمــه‬ ‫ودارت بــي الذاكــرة املتشــعبة يف بعــض‬
‫كلــك‪ ،‬وأنــت إذا أعطيتــه كلــك كنــت مــن‬ ‫اهلل قولــه‪( :‬إنــي ألجــد مــن ِح ْرصــي علــى‬ ‫النصــوص التــي تذكــر حالــة أمثالــي ممــن‬
‫إعطائــه إيــاك البعــض علــى خطــر)‪.‬‬ ‫العلــم‪ ،‬وأنــا يف َع ْشـ ِـر الثمانــن أشـ ّد ممــا‬ ‫ظــن أن مــا يقــرأه أو يطلبــه لــن يســتفيد‬
‫فأمثــال هــذه النصــوص و القصــص‬ ‫كنــت أجــده وأنــا ابــ ُن عشــرين ســنة)‪،‬‬ ‫منــه أو يفيــد بــه أحــداً مــن النــاس‪ ،‬فــكان‬
‫و املواقــف التــي يســوقها ربنــا عــز وجــل‬ ‫كذلــك قصــة ابــن اجلــوزي رحمــه اهلل‬ ‫األمــر مشــوقاً و مشــجعاً و طــارداً للملــل‪،‬‬
‫لإلنســان ماهــي إال مؤشــرات و منبهــات‬ ‫ٍ‬
‫محنــة‬ ‫يف (ســير أعــام النبــاء) ‪ :‬بعــد‬ ‫فمــن ذلــك مــا نقلــه الشــيخ احملقــق‬
‫‪ -‬كمــا أعتقــد‪ -‬لتثبتــه علــى الطريــق‪ ،‬و‬ ‫لــه‪ ،‬فخــرج مــع ابنــه يوســف ومــا رد مــن‬ ‫الدكتــور «علــي العمــران» يف كتابــه املاتــع‬
‫تســتحثه علــى طلــب املزيــد مــن العلــم و‬ ‫واســط حتــى قــرأ هــو وابنــه بتلقينــه‬ ‫(املشــوق إلــى القــراءة وطلــب العلــم) حتت‬
‫املعرفــة‪.‬‬ ‫بالعشــر علــى ابــن الباقالنــي‪ ،‬وســن‬ ‫عنــوان (علمــاء يعرفــون علومـاً ال يعرفهــا‬
‫الشــيخ نحــو الثمانــن‪ ،‬فانظــر إلــى هــذه‬ ‫أهــل عصرهــم) حيــث قــال‪:‬‬
‫الهمــة العاليــة‪.‬‬ ‫اخلشاب النحوي احلنبلي‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫‪ -‬قال ابن‬
‫هاشم العامري‬
‫‪hashem.alaamri@gmail.com‬‬

‫‪6‬‬
‫ـض فقــد تكــون قــو ًة ملــن حولــك‪ .‬‬
‫امـ ِ‬ ‫نضيــع يف املنعطفــات‪ ،‬نغــرق يف دوامــة‬ ‫نختنــق إلــى احلــد الــذي يشــعرنا‬
‫ويف كل ســقوط أظنــه األخيــر تأتــي‬ ‫احليــاة وننغمــس‪ .‬نربــح ونخســر‪،‬‬ ‫بأنهــا النهايــة ثــم نعــود لنتنفــس‬
‫لــي القوة ألمســك الــروح وأكتب‪ .‬‬ ‫نســقط وننهــض‪ .‬نقابــل الغربــاء‪،‬‬ ‫الصعــداء‪ ،‬نعــد أيامنــا‪ ،‬البعض يتشــابه‬
‫«تريث أيها املوت إني أكتب»‪ .‬‬ ‫نشــحذ األمــل‪ ،‬لكننــا يف النهاية منضي‬ ‫والبعــض يحمــل يف طياته خل ً‬
‫ال‪ ،‬ال يهم‬
‫كانــت رضــوى عاشــور تقــول أنهــا‬ ‫وحيديــن نلملــم شــتات أنفســنا‪ .‬ننتشــر‬ ‫إن كان يقتــرب مــن الصفــر أو يزيــد‪،‬‬
‫تخــاف املــوت لــذا تكتــب‪ ،‬و أنــا كذلــك‬ ‫يف الســكك‪ ،‬نتعثــر‪ ،‬ننفــض الغبــار‬ ‫األهــم أنــه يجعلنــا نشــعر باحليــاة‪،‬‬
‫أقــرأ ألننــي أخــاف املــوت‪  .‬أقــرأ‬ ‫لنواصــل‪ ،‬نخــاف الوحــدة ويف النهايــة‬ ‫يقيــس مــدى تفاعلنــا‪ ،‬يختبرنــا حتــت‬
‫ببســاطة ألعيــش حياتــي املقــدرة لــي‬ ‫نفتــرش األرض معهــا‪ .‬‬ ‫الضغــط إلــى الدرجــة التــي تســبق‬
‫وحيــاة مــن ســبقوني‪ ،‬أســلك طريقــي‪،‬‬ ‫أنــت وحــدك! ُخلقــت لتكــون أنــت‬ ‫التبخــر‪ ،‬يرفعنــا إلــى الســماء‪ ،‬يحلــق‬
‫وأعــرج علــى طــرق الســالكني قبلــي‪،‬‬ ‫ال غيــرك‪  .‬اســلك طريقــك‪ ،‬احفــر‬ ‫بنــا‪ ،‬يقيــس قدرتنــا علــى الطيــران‪،‬‬
‫أقطــف ثمــرة مــن كل شــجرة ُغرســت‬ ‫للبحــث عــن كنــزك‪ ،‬انقــش اســمك‬ ‫لكــن ثمــن الســقوط نحــن مــن يدفعــه‬
‫قبلــي‪ ،‬وبذلــك أتقــوى ألغــرس ملــن‬ ‫يف الصخــر‪ ،‬اتــرك لذكــراك بريــق‬ ‫يكــون علــى شــكل كســور يف‪  ‬أرواحنــا‪.‬‬
‫بعــدي‪  .‬لنواصــل يجــب علينــا أن‬ ‫يخصــك‪ .‬ابــدأ بالزحــف وأيقــن بأنــك‬ ‫ثــم تعــود األيــام إلــى التشــابه مــرة‬
‫نتشــارك‪ ،‬أن نلتقــي‪ ،‬ألن الرحلــة‬ ‫ســتطير يومــاً‪.‬‬ ‫أخــرى‪ ،‬نصنــع مــن خيــوط الصبــح‬
‫مظلمــة‪ ،‬ألن الطريــق بــارد‪  .‬ألننــا‬ ‫أنــا أكتــب اآلن ألجلــك‪ ،‬لــك أنــت ال‬ ‫أرجوحــة لنحلــق يف ســماء األمــل‪،‬‬
‫نحتــاج الرفقــة‪ ،‬تلــك التــي قــد ال تكــون‬ ‫غيــرك‪  .‬رســالة غريــب تعثــر‪ ،‬يتقــوى‬ ‫وعنــد املســاء ننســج منهــا ضمــادات‬
‫باألجســاد‪ ،‬فرفقــة الكلمــة تكفــي‪.‬‬ ‫بــك إذا رآك تــدك األرض بقدمــك‪،‬‬ ‫لتســ ّكن خيباتنــا‪ ،‬نســلك الطــرق‪،‬‬

‫محمد حمدان‬
‫‪@ideeeep‬‬

‫‪7‬‬
‫قبــل القائمــن عليهــا بــذكاء‪ ،‬ويتوفــر فيهــا أكثــر مــن ‪100.000‬‬ ‫كانــت و مازالــت القريــة األملانيــة يف ( كوملبــوس أوهايــو ) يف‬
‫عنــوان‪ ،‬ولــم تقتصــر علــى بيــع الكتــب فقــط بــل تعدتهــا إلــى‬ ‫أمريــكا مــن أهــم املناطــق التاريخيــة‪ ،‬حيــث ســكنها املهاجــرون‬
‫بيــع املالبــس والقمصــان الرياضيــة‪ ،‬واســطوانات الفيديــو‬ ‫األملــان يف أوائــل القــرن التاســع عشــر و يشــكلون ثلــث ســكان‬
‫واملوســيقى وبطاقــات املعايــدة‪،‬‬ ‫مدينــة كوملبــوس‪ ،‬نهضــت القريــة األملانيــة بشــكل مذهــل‪ ،‬و‬
‫وتتميــز كذلــك بطريقــة عــرض الكتــب مــن خــال تفعيــل حاســة‬ ‫اســتأثرت باهتمــام الــزوار والســياح ســنو ًّيا وبصفــة مســتمرة‬
‫الســمع لــدى الزائــر‪ ،‬فيكفــي ســماعه لصــوت العصافيــر ليعرف‬ ‫علــى مــدار العــام‪ ،‬وذلــك لتميزهــا بالعديــد مــن األماكــن‬
‫أنــه حال ًّيــا يف قســم الكتــب التــي تتعلــق بتنظيــم احلدائــق‪.‬‬ ‫واملعالــم التاريخيــة‪ ،‬والتــي مــن أهمهــا مكتبــة ( ‪)Book Loft‬‬
‫إن مكتبــة ( ‪ ) Book Loft‬جتــاوزت اخلدمــات التــي تقدمهــا‬ ‫والتــي تعرفنــا عليهــا مــن خــال حســاب الشــاب الســعودي‬
‫املكتبــات األخــرى عــادة‪ ،‬حيــث نظمــت العديــد مــن الفعاليــات‬ ‫البــراء العوهلــي يف ســناب شــات‪ ،‬والــذي أخذنــا يف جولــة أقــل‬
‫الرياضيــة مثــل ســباقات اجلــري املاراثونيــة‪ ،‬وشــاركت يف‬ ‫مــا يقــال عنهــا أنهــا رائعــة يف القريــة األملانيــة وحتديـ ًدا مكتبــة‬
‫تفعيــل األعيــاد الســنوية واملناســبات الدوريــة واأليــام العامليــة‬ ‫(‪.)Book Loft‬‬
‫مبــادرة منهــا يف تعزيــز ثقافــة القــراءة يف املجتمــع‪ ،‬باإلضافــة‬ ‫كانــت املكتبــة يف األســاس منـ ً‬
‫ـزل عاد ًّيــا منــذ أيــام احلــرب‬
‫إلــى أنهــا تتعــاون مــع دور النشــر لعــرض كتبهــا بأســعار رمزيــة‬ ‫األهليــة األمريكيــة ‪ ،‬ثــم حولــه صاحبــه ( روجــر تومكينــس) إلــى‬
‫ومغريــة لتتميــز بذلــك عــن جميــع املكتبــات‪.‬‬ ‫مكتبــة يف عــام ‪1977‬م تلبيــة الحتياجــات املهاجريــن األملــان‪.‬‬
‫( ‪ ) Book Loft‬ليســت مكتبــة عاديــة نظــ ًرا ملكانتهــا‬ ‫مــرت املكتبــة مبراحــل توســع بلغــت ثمــان توســعات إلــى أن‬
‫التاريخيــة و الثقافيــة و خدماتهــا املميــزة و عروضهــا املذهلــة‬ ‫وصــل عــدد غرفهــا ‪ 32‬غرفــة قســمت علــى إثرهــا إلــى جناحــن‬
‫التــي اســتقطبت بفضلهــا عــد ًدا كبيــ ًرا مــن الــزوار يقــدر‬ ‫( جنــاح شــرقي و جنــاح غربــي ) لتصبــح كل غرفــة مكتبــة‬
‫باملاليــن‪ ،‬لــذا ال تفوتــوا علــى أنفســكم فرصــة زيارتهــا‪.‬‬ ‫منفصلــة بحــد ذاتهــا‪.‬‬
‫اجلميــل يف مكتبــة ( ‪ ) Book Loft‬أنهــا متنوعــة وتــدار مــن‬

‫ندى ابراهيم‬
‫‪@ba7lah‬‬

‫‪8‬‬
‫النــوع من‪ ‬اإلبداع‪ ،‬وحتــى أولئــك الذيــن أظهــرت ُعق ُولهــم‬ ‫وأنــت يف البريــة ارفــع بصــرك إلى‪ ‬الســماء‪ ،‬وانظر يف‬
‫للبشــرية علوم ـاً لــم يكونــوا يعرفونهــا هــي مــن املصــدر ذاتــه‪ .‬‬ ‫َك ـ ِّم النجوم‪ ‬املتناثــر‪ ،‬أو قــل إن شــئت فوضى‪ ‬النجوم‪ ،‬وهــذا يف‬
‫رمبــا يكــون كالمــي هنــا فوضوياً‪ ‬أيضاً‪ ،‬لك ّنــي أرجــو أن تخرج‬ ‫نظــرك البشــري بالطبــع‪.‬‬
‫منــه بفكــرة عمليــة‪ ،‬فأنــا هنا أدافع عن طريقتــي يف‪ ‬القراءة‪ ،‬وال‬ ‫القــراءة بالفوضى‪ ‬املنظمة‪ ،‬هــي أقــرب مــا تكــون إلــى‬
‫يعنــي أنهــا طريقة‪ ‬مثالية‪ ،‬فهــي تعتمــد على‪ ‬الكم‪ ،‬بخــاف‬ ‫النظــام الكونــي الطبيعــي ‪-‬فيمــا نــراه نحن‪ ‬البشــر‪ -‬يُخ ّيل إلــى‬
‫الطريقــة األخــرى املعتمــدة على‪ ‬الكيف‪ ،‬والتــي ينتهجهــا‬ ‫مــن ينظــر نحو‪ ‬السماء‪ :‬وج ٌه‪ ‬قســيم‪ ،‬أو إطاللة‪ ‬حســناء‪ ،‬أو‬
‫صديقــي ماجد‪ . ‬أُشــفق علــى الكتــاب الــذي يقــع بني‪ ‬يديه‪ ،‬فــا‬ ‫أنــف ســاحر‪ ‬معقوف ‪ ،‬أو ظهــر محــدودب لشــيخ كبير‪ ..‬هكــذا‬
‫يــزال يُعيــده مــراراً وتكراراً‪ . ‬يُحامــي عــن طريقتــه هــذه ويــرى‬ ‫نتخيــل حــن ُنعــن النظــر إلــى النجــوم‪.‬‬
‫أنها‪ ‬األجدى‪ ،‬ولــكل وجهــة هــو موليهــا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وتصــورات‬ ‫حينمــا تقــرأ بالفوضى‪ ‬املنظمة‪ ،‬فــإن أفــكاراً‬
‫ولنأخــذ‪ ‬يف حســباننا أن اجلانب‪ ‬النفســي‪ ،‬واملكون الشــخصي‬ ‫ـك حتســن اســتجالبها‬ ‫ـات تُصنــع يف‪ ‬ذهنك‪ ،‬لــم تـ ُ‬ ‫ورؤى وتخيـ ٍ‬‫ً‬
‫هــو مــن يلعــب دوراً كبيــراً ‪ -‬فيما‪ ‬أظن‪ -‬بشــأن اختيــار هــذه‬ ‫بغيــر هــذا النــوع مــن القــراءة‪. ‬‬
‫الطريقــة أو تلــك يف‪ ‬القراءة‪ ،‬أحتــدث عن‪ ‬نفســي‪ ،‬هناك‬ ‫لكن‪ ،‬هــل يشــترط لهــذا النــوع مــن القــراءة أن يكــون يف‬
‫جوانــب يف شــخصيتي جتعــل مــن هــذه الطريقــة هي‪ ‬األوفــق‬ ‫علــم أو مجــال معــريف وحيد‪ ‬؟‪ ‬اجلواب‪ :‬ال‪ .. ‬فــا ميكــن‬
‫لــي‪ ،‬وإن ســألت كيــف أجمع‪ ‬شــتاته؟‪ ، ‬فإني ال أك ُّل‬ ‫أن تنتــج تلــك األفــكار اخلصبــة إال‪ ‬بتالقح‪ ‬أكبــر كميــة مــن‬
‫من‪ ‬التدوين‪ ،‬وجمــع النظيــر إلــى نظيــره واملثيــل إلى‪ ‬شــبيهه‪،‬‬ ‫املعــارف مــع بعضها‪ ‬البعض‪ ،‬مــع ضرورة‪ ‬إعطائها‪ ‬فرصــة‬
‫وهكذا‪ ،‬فيجتمــع عنــدي مــن اللطائــف يف املوضــوع الواحــد مــا‬ ‫الوقــت لتختمــر فيــه‪ ،‬أدخــل مــا تريــد مــن معــارف‬
‫يصعــب علــي جمعــه لــو أردت ذلــك يف بحــث طــارئ‪ ،‬وإن كنت ال‬ ‫‪-‬متضاربــة يف‪ ‬الظاهر‪ -‬إلى‪ ‬عقلــك‪ ،‬وانتظرهــا حتــى‬
‫أرى هــذه الطريقة‪ ‬منتجة‪ ،‬فهي‪ ‬مشــتتة‪ ،‬وال ميســك اإلنســان‬ ‫تســتقر‪ ‬وتتراكم‪ ،‬فينصهر بعضهــا يف‪ ‬بعــض‪ ،‬ومتحــو األفــكار‬
‫معهــا جادة‪ ‬متخصصــة‪ ،‬وال أحبهــا لغيــري ممــن أراد أن يبرز يف‬ ‫الكبيــرة األفكار‪ ‬الصغيرة‪ ،‬ثــم تنتفــي األفــكار غيــر املجدية‪ ،‬ثــم‬
‫علم‪ ‬ما‪ ،‬لكنــي و ‪-‬كمــا قلــت‪ -‬أجــد فيهــا نفسي‪ ‬وحســب‪ ،‬وأنا‬ ‫يحــدث مــا لــم حتتســب‪.‬‬
‫ال أقرأ‪ ‬لغيري‪ ،‬إمنــا أقــرأ لنفســي ومع‪ ‬نفســي‪ ،‬وأما مــن أراد‬ ‫أتظــن أن أولئــك الذيــن كتبــوا روايــات طويلــة‬
‫نفــع النــاس فــا بــد لــه مــن التخصــص‪.‬‬ ‫معقــدة ومتماســكة‪ ‬وخالدة‪ ،‬هكذا أنتجتهــا الصدفــة أو‬
‫احلظ‪ ‬الســعيد‪ ،‬ال‪ ! ‬هي نتــاج تراكمــات طويلــة أنتجــت هــذا‬

‫هشام سعد‬
‫‪dr.heshamm@gmail.com‬‬

‫‪9‬‬
‫لغايتهــا‪.‬‬ ‫التحليليــة واملتأنيــة هــي األنســب لهــذا‬ ‫حتمــل أرفــف مكتباتنــا العديــد مــن‬
‫إن مــن أفضــل األســاليب التــي تعــن‬ ‫النــوع مــن الكتــب‪ ،‬مــع وجــود مذكــرة‬ ‫الكتــب املتنوعــة‪ ،‬التــي تتطــرق إلــى الكثير‬
‫علــى االنتهــاء مــن الكتــاب هــو جعــل تاريخ‬ ‫صغيــرة تكتــب فيهــا املالحظــات املهمــة أو‬ ‫مــن التخصصــات اإلنســانية و العلميــة‪،‬‬
‫معــن للبدايــة والنهايــة مــع االلتــزام قــدر‬ ‫اإلضافــات والتعليقــات الذاتيــة‪ ،‬وعكســها‬ ‫وكل مــا يتطــرق للعلــم والفكــر‪ ،‬ولكننــا يف‬
‫اإلمــكان بذلــك‪ ،‬وتقســيم الكتــاب إلــى‬ ‫متامـاً عندمــا نبحــث عــن معلومــة معينــة‬ ‫الواقــع لــم نقــنِ الكثيــر منهــا إال رغبــة‬
‫أجــزاء و فصــول محــددة‪ ،‬مــع ضــرورة‬ ‫أو فكــرة طارئــة أو حتــى كلمــة يف‬ ‫يف قراءتهــا والوصــول إلــى أقاصــي‬
‫االهتمــام بالوقــت املناســب لقــراءة هــذا‬ ‫القواميــس واملعاجــم‪ ،‬فإننــا نســتخدم‬ ‫فوائدهــا‪ ،‬وجنــي ثمارهــا و بلــوغ النشــوة‬
‫النــوع مــن الكتــب حتــى نضمــن التركيــز‬ ‫هنــا القــراءة الســريعة أو كمــا تســمى‬ ‫واملتعــة بهــا‪ ،‬إال أن البعــض يجــد عجــزاً‬
‫العالــي لإلملــام بــكل مــا يُقــرأ‪ ،‬ولعلــي أجــد‬ ‫االنتقائيــة التــي يقفــز بهــا القــارئ ســريعاً‬ ‫يف إنهــاء هــذه الكتــب‪ ،‬أو حتــى العجــز عن‬
‫أن أفضــل األوقــات لقــراءة هــذه النوعيــة‬ ‫مــن ســطر إلــى آخــر‪ ،‬ومــن صفحــة إلــى‬ ‫اخلــوض يف مســاربها‪ ،‬واخلــروج منهــا‬
‫مــن الكتــب هــو الصبــاح الباكــر كمــا قــال‬ ‫أخــرى إلــى أن يلتقــط الكلمــة أو املعلومــة‬ ‫أكثــر فائــدة وأكثــر فهمـاً واســتيعاباً‪ ،‬وكل‬
‫رســولنا الكــرمي صلــى اهلل عليــه وســلم‪:‬‬ ‫ا علــى حرفيــة النــص‪،‬‬ ‫دون الوقــوف طويـ ً‬ ‫ذلــك يرجــع إلــى جهلهــم باألســئلة التاليــة‪:‬‬
‫«بــورك ألمتــي يف بكورهــا» ‪ ،‬إال أننــا‬ ‫و هلــم جــرا مــن أنــواع القــراءات التــي‬ ‫مــاذا أقــرأ؟ وكيــف أقــرأ؟ ولــ َم أقــرأ؟‬
‫يجــب أن ال نغفــل أن بعــض الكتــب هــي‬ ‫تضمــن لنــا الوصــول للهــدف املنشــود‬ ‫ووفقــاً لهــذه األســئلة نصــل للمــدارك‬
‫مجموعــة خواطــر أو مقــاالت متنوعــة‬ ‫بالطــرق املناســبة ‪.‬‬ ‫العظيمــة لهــذه املمارســة ‪ -‬القــراءة ‪ -‬إذا‬
‫و مســتقلة وهنــا ميكننــا بــكل حريــة أن‬ ‫أمــا الشــق اآلخــر الــذي يُعجــز‬ ‫اســتطعنا اإلجابــة عــن هــذه األســئلة آنفــة‬
‫تصاحبنــا يف أي وقــت وأن نقتطــف منهــا‬ ‫األكثريــة‪ ،‬فهــو كيــف أنتهــي مــن قــراءة‬ ‫الذكــر ‪.‬‬
‫مواضيــع معينــة مــن الفهــرس دون اللجــوء‬ ‫كتــاب بأكملــه دون تركــه أو التملمــل‬ ‫إن القــراءة لهــا أنــواع وتصانيــف ‪،‬‬
‫ا إال إذا رغبنــا‬ ‫إلــى قــراءة الكتــاب كامــ ً‬ ‫منــه؟ وهــذا يعتمــد علــى نــوع الكتــاب‬ ‫ومداخــل ومخــارج‪ ،‬علينــا أن نأخذهــا‬
‫بذلــك ‪.‬‬ ‫وعــدد صفحاتــه‪ ،‬فالروايــات والقصــص‬ ‫بعــن االعتبــار‪ ،‬وأن جنعلهــا معيــاراً‬
‫إذن‪ ،‬فالقــراءة فـ ٌن لــه معاييــر محــددة‬ ‫تعــد األســهل يف ختمهــا ملــا حتويــه مــن‬ ‫يُقــاس عليــه قبــل خوضنــا فيهــا‪ ،‬فالكتــب‬
‫وطــرق خاصــة ومفاتيــح تقيســها العقــول‬ ‫أحــداث مثيــرة و شــخصيات متجســدة‬ ‫ا التــي حتمــل‬ ‫العلميــة والفلســفية مثــ ً‬
‫ال ميكــن أن نخــرج منهــا بالفائــدة املرجــوة‬ ‫وأفــكار مترابطــة وأســلوب مشــوق‪ ،‬يجعــل‬ ‫بــن دفتيهــا احلقائــق واملعلومــات‬
‫مــا لــم نختــر املفتــاح املناســب للكتــاب‪ ،‬مع‬ ‫ا معهــا حتــى‬ ‫قارئهــا متعمقــاً ومسترســ ً‬ ‫والفرضيــات والعمليــات وكل مــا ينــدرج‬
‫ضــرورة اقتنــاء ومصاحبــة الكتــب املفيــدة‬ ‫يصــل إلــى النهايــة ‪ ،‬أمــا الكتــب العلميــة‬ ‫حتــت هــذا املجــال ‪ ،‬لهــا قــراءة خاصــة‬
‫التــي تثــري الــروح والعقــل مع ـاً و البعــد‬ ‫أو البحثيــة والفكريــة فرمبــا تأخــذ فتــرة‬ ‫ونوعيــة معينــة حتــى نصــل إلــى هدفنــا‬
‫عــن إضاعــة الوقــت فيمــا دون ذلــك‪.‬‬ ‫أطــول يف حتليلهــا واســتيعابها والوصــول‬ ‫املنشــود منهــا‪ .‬فالقــراءة االســتيعابية أو‬

‫هند العساف‬
‫‪hano7345@hotmail.com‬‬

‫‪10‬‬
‫ﻟﺘﻤﻜﻦ ﺃﻓﻀﻞ ﻭﺇﻧﻬﺎﺀ ﻛﺘﺎﺏ‬

‫مفســر‪ ،‬ومــن واجبنــا‬


‫ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ ﺃﻧﺘﻢ ﻭ ﻧــﺤﻦ‬
‫ﻣﻬﻼ‬ ‫مه ً‬
‫عــن إتيانــه مبعنـ ًـى ّ‬ ‫مه َملــة‪.‬‬ ‫ال‪ ،‬ليس يف القراءة أنتم ونح ُن ‪.‬‬
‫مراعــاة ذلــك‪.‬‬ ‫إن أكثر األمور التصاقاً باإلنســان هي‬ ‫كلمــات تُتلــى‪ ،‬ويتلقاهــا العقــ ُل ثــ ّم‬ ‫ٌ‬
‫مــا علينــا هــو أن نُشــهد اخللــق بأننــا‬ ‫التــي يختارهــا مبحــض إرادتــه‪ ،‬يختارهــا‬ ‫صياغتهــا اللســان‪ ،‬حتــى تقــع يف‬ ‫َ‬ ‫يُعيــد‬
‫نقــول لهــم أنــه علــى مــدى كل هــذا العمــر‬ ‫اســتجابة لرغبتــه وحاجتــه‪ ،‬بــل وينافــح‬ ‫آخــر يترجمهــا هــو بِــ َدوره ليعيــد‬ ‫ٍ‬ ‫عقــلِ‬
‫مــن البشــرية‪ ،‬حمــل الكتــاب معــه ســ ّر‬ ‫عنهــا ويجــادل مــن يتع ـ ّرض لهــا وإن لــم‬ ‫ً‬
‫صياغتهــا كالمــا مــر ًة أخــرى ‪ .‬‬
‫ـدق للمحتاجني‪،‬‬ ‫الكلمــة‪ ،‬وأفصــح عنه بصـ ٍ‬ ‫يكــن مــن أهــل اجلــدال! ذلــك أن االختيــار‬ ‫تلــك كانــت البداي ـ ُة الكبــرى‪ ،‬إلــى أن‬
‫ـولي احلــرف شــيئاً ســوى‬ ‫ولــم يُبقــي ملتسـ ّ‬ ‫احلــر مينــح املــرء قضيــة خاصــة ودوراً‬ ‫طيــب‬
‫ٌ‬ ‫األرض زر ٌع‬
‫ِ‬ ‫تفجــر مــن بواطــنِ‬ ‫ّ‬
‫الهوامــش امله َملــة‪ ،‬بــل جعلهــم يخوضــون‬ ‫هامــاً كأن يكــون حصنــاً الختياراتــه‪،‬‬ ‫َرجــم نفــس‬ ‫ـب أث ـ ُره‪ ،‬وحتــى ت َ‬ ‫ثمــره‪ ،‬وطا ِئـ ٌ‬
‫يف كتــب ومكتبــات دون جــدوى حتــى‬ ‫وبالتالــي فإنــه يراهــا صــورة أخــرى منــه‪،‬‬ ‫العقــل األول صياغــة الورقــة اخلضــراء‬
‫ســئموا البحــث‪ ،‬وجعلــوا مــن الكتــاب‬ ‫وجــزءاً متمم ـاً لــه ‪.‬‬ ‫إلــى ورقـ ٍـة خاضعـ ٍـة حتــت ســطوة القلــم ‪ .‬‬
‫متهمــاً‪ ،‬وقالبــاً فارغــاً إثــر ذلــك‪.‬‬ ‫كذلــك نــرى بــأن اختيــار القــراءة النابــع‬ ‫كان الــكالم‪ ،‬وكان الــورق‪ ،‬فكانــت‬
‫الكشــف عن هذا السـ ّر ره ُن حاجتك‪،‬‬ ‫من االســتجابة للحاجة هو ســلوك أســمى‬ ‫الكتابــة فالقــارئ ‪.‬‬
‫تكشــفت لــك حقــو ٌل‬‫تكشــف لــك ّ‬ ‫فــإذا مــا ّ‬ ‫مــن األمــر بهــا‪ ،‬نحــن بشــر ال نستســيغ‬ ‫ال يقــف األمــر علــى ذلــك إنهــا سلســلة‬
‫مــن البامبــو‪ ،‬وم ـ ّرت مــن أمامــك جســور‬ ‫فــرض أمـ ٍـر بيننــا‪ ،‬فكيــف إذا جــاء لفعـ ٍـل‬ ‫مــن النمــو والثــورة التــي تقتلــع كل متراكم‪،‬‬
‫باريــس‪ ،‬ومطــارات بكــن وســنغافورا‬ ‫هــو يف أصلــه «اختيــار» ال يفــرض علــى‬ ‫معرفــة إذا حلّــت موطــن العقــل فإنهــا‬
‫جلســت مــع كونفوشــيوس‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وميونيــخ‪،‬‬ ‫أحــد إال يف صفــوف الدراســة األوليــة‪،‬‬ ‫تعبــث بــه‪ ،‬عبــثٌ يليــق بهــذا العمــر مــن‬
‫ووقفــت مــع صــاح الديــن‪ ،‬ثــم رقصت مع‬ ‫ومــن هنــا جــاءت قدســية هــذا الفعــل‬ ‫التنقــل‪ ،‬عبــثٌ ال يســتوحش لــه اإلنســان‪،‬‬
‫زوربــا‪ .‬ســوف تطهــو قالــب احللــوى مــع‬ ‫«القــراءة» حــن ســمى بأمـ ٍـر إلهــي عظيــم‬ ‫يلطــف‪ ،‬ركا ٌم ال يثيــر‬ ‫عبــثٌ يرتــب و ّ‬
‫ســنووايت‪ ،‬وتقلــع علــى عصــاك الســحرية‬ ‫يف أول ســورة مــن الوحــي املنــزل‪.‬‬ ‫فوضــى!‬
‫مــع هــاري بوتــر ‪ ،‬ســوف تأخذك الدهشــة‬ ‫ولــم يكــن هــذا األمــر رغــم قدســيته‬ ‫مِ ــ ْن أظلــم املَواطــن التــي افتــرى بهــا‬
‫مــع حيــران يف قصــة اإلميــان‪ ،‬وتتملــكك‬ ‫واجبــاً يلــزم املؤمنــن إتيانــه وينــزل‬ ‫اإلنســان علــى نفســه حــن وصــف‬
‫الغرابــة وأنــت يف الغابــة مــع كافــكا ثــم‬ ‫العقوبــة بتاركــه‪ ،‬بــل جــاء كبوابــة خــاص‬ ‫مجتمع ـاً أو فئــة بأنهــا تقــرأ أو ال تقــرأ‪.‬‬
‫يعيــدك معــه لتتولــد قصــة أخــرى فأخــرى‬ ‫وكتلبيــة حلاجــة بشــرية يُقــاد لهــا البشــر‬ ‫فأصبحــت األولــى فضيلــة واألخــرى‬
‫فأخــرى‪ ،‬متضــي دون فهــم لكنــك تكبــر‬ ‫مهمــا كانــت ألوانهــم وأديانهــم وعروقهــم‪،‬‬ ‫ذنب ـاً َمعيب ـاً يترتــب عليــه فشــل وخســائر‬
‫وتنضــج وتعيــد النظــر بحــرص أكثــر‪.‬‬ ‫اســتجاب ًة فطريــة حلاجــة جتمــع البشــر‬ ‫وظنــون خائبــة‪.‬‬
‫مــن املهــم أنــك حــن تقــرأ ستُكشــف‬ ‫حــول «اقــرأ»‪.‬‬ ‫القــراءة نــوع مــن احليــاة‪ ،‬كمــا أن‬
‫باختصــار أمــام نفســك‪ ،‬وهــو األمــر الــذي‬ ‫إن لــم تكــن القــراءة ممارســة تل ّبــي حاجــة‬ ‫الرياضــة نــوع‪ ،‬واملوســيقى نــوع‪ ،‬الطهــي‬
‫س ـتُبقيه ســراً مــا حييــت‪ ،‬وســوف تقــول‬ ‫يف داخلــك‪ ،‬فإنهــا تتحــول لثقـ ٍـل ال طاقــة‬ ‫نــوع‪ ،‬وغيرهــا الكثيــر‪ .‬وال يعنــي االندمــاج‬
‫بعدهــا لآلخريــن ‪ ،‬تل ّمســوا حوائجكــم‬ ‫تــرف وصــورة‬ ‫ٍ‬ ‫لــك باحتمالــه‪ ،‬أو إلــى‬ ‫واخلــوض يف أحدهــا أنــه هــو صــورة‬
‫دون أن يشــير إصبعــك ألي كتــاب‪.‬‬ ‫رف‬ ‫فارغــة مــن املعنــى تضعهــا علــى ٍ‬ ‫أحــد‬‫حليــاة اســتثنائية ترفــع مــن شــأن ٍ‬
‫لــم يكــن الســر يف الكتــاب أبــداً‪ ،‬السـ ّر‬ ‫جمالــي تزيــن بــه شــخصك ‪.‬‬ ‫ـط منــه‪ .‬بــل إنهــا تســهم يف تخليــد‬ ‫أو حتـ ّ‬
‫كان يف نصفــن متالصقــن‪ ،‬أحدهمــا‬ ‫ليــس علينــا أن نــزرع يف النــاس‬ ‫املعنــى مــن خاللــه‪ ،‬وتكلّــف صاحبهــا عناء‬
‫أنــت ‪!..‬‬ ‫حاجــات تالئمهــم‪ ،‬أو أن نطلــب منهــم‬ ‫تأطيــره بأبهــى احللــل‪ ،‬بيــده أن يصنــع‬
‫آالء القويري‬ ‫الكشــف عنهــا‪ .‬احلاجــة قــد تتشــكل‬ ‫منهــا صــور ًة مقدســة تس ـ ّر الناظريــن‪ ،‬أو‬
‫‪alaa.abdulelah@gmail.com‬‬
‫بإحســاس داخلــي مح ّيــر يعجــز املــرء‬ ‫صــورة مزيفــة أو متكلّفــة‪ ،‬أو حتــى صــور ًة‬
‫‪11‬‬
‫سعيد الزهراني‬
‫‪@drpolymath85‬‬

‫عهــد احلكــم املســتنصر بــاهلل‪ .‬لقــد كان‬ ‫االســتقرار السياســي بــدأت قرطبــة تبنــي‬ ‫كانــت قرطبــة قبــل الفتــح العربــي‬
‫التنافــس شرســا بــن أبنــاء الناصــر علــى‬ ‫لهــا مجــدا حضاريــا وثقافيــا عظيمــا‬ ‫اإلســامي بلــدا موحشــا يضــج بالهمجيــة‬
‫حــب العلــم وجمــع الكتــب ‪ ،‬فــكل واحــد‬ ‫يقــارع مــدن املشــرقيني الثقافيــة مثــل‬ ‫والعبوديــة ‪ ،‬فالعقــول مســلوبة ‪ ،‬واجلهــل‬
‫منهــم أســس مكتبتــه اخلاصــة حتــى تــويف‬ ‫بغــداد ودمشــق والقاهــرة ‪ ،‬وتتربــع علــى‬ ‫شــائع ‪ ،‬وغالبيــة الســكان مزارعــون‬
‫األخ األصغــر وذهبــت مكتبتــه إلــى مكتبــة‬ ‫عــرش العلــم واألدب والثقافــة والفكــر ‪،‬‬ ‫فقــراء ‪ ،‬أو عبيــد مغتصبــة حقوقهــم‪.‬‬
‫أخيــه احلكــم الــذي ضــم أيضــا مكتبــة‬ ‫وزادهــا فتنــة وجمــاال طبيعتهــا اخلضــراء‬ ‫ثــم إن الكنيســة هــي الراعيــة لهــذا‬
‫القصــر إلــى مكتبتــه وبهــذا كان للحكــم‬ ‫وأريافهــا البهيــة التــي كانــت بحــق قطــع‬ ‫التخلــف والتــردي واالســتبداد ‪ ،‬فالغالبيــة‬
‫أكبــر مكتبــة يف العصــر الوســيط كلــه ‪.‬‬ ‫مــن النعيــم ‪.‬بــدأت العقــول الالمعــة‬ ‫الســاحقة ال تقــرأ وال تكتــب ‪ ،‬وحتــى‬
‫تتلمــذ احلكــم علــي يــد أبــي علــي القالــي‬ ‫تهاجــر إلــى األندلــس مــن بغــداد وكل‬ ‫لــو أرادت أن تقــرأ فــا تعــرف ملــاذا ؟‬
‫صاحــب كتــاب األمالــي الــذي أتــى مــن‬ ‫احلواضــر واملــدن اإلســامية الثقافيــة ‪،‬‬ ‫وكيــف ؟ فالقــراءة تــرف يف ذلــك الوقــت‬
‫بغــداد ليشــهد نهضــة قرطبــة الثقافيــة‬ ‫ومــع هجــرة العقــول والعلمــاء أو قبلهــا‬ ‫‪ ،‬فهــم يعيشــون ثقافــة العصــور الوســطى‬
‫ويكــون مــن أعمدتهــا األدبيــة ‪ ,‬ولــذا نشــأ‬ ‫بقليــل توافــدت الكتــب بكثــرة وبــا‬ ‫املظلمــة‪.‬‬
‫محبــا للعلــم واألدب مهووســا بالكتــب‪،‬‬ ‫انقطــاع علــى مــدار الســنني ‪ ،‬ونســتطيع‬ ‫لقــد كان العقــل األوروبــي مســكونا‬
‫ويقــول عنــه املستشــرق رانهــارت دوزي‬ ‫أن نقــول أنــه مــن عصــر اخلليفــة الناصــر‬ ‫باخلرافــة واجلهــل كأن التاريــخ توقــف‬
‫مؤلــف الكتــاب املشــهور ( تاريــخ املســلمني‬ ‫بــدأت ســماء قرطبــة تلمــع وتزدهــر‬ ‫عنــد القــرن الســادس للميــاد حتــى جــاء‬
‫يف أســبانيا ) «لم يســبق أن حكم أســبانيا‬ ‫وينطلــق عصــر ســيادتها يف العالــم ‪،‬‬ ‫العــرب املســلمون ونفضــوا عنهــا غبــار‬
‫حاكــم عالــم بهــذه الدرجــة ‪ ,‬ورغــم أن‬ ‫فالبعثــات الدبلوماســية والعقــول اجلائعــة‬ ‫الزمــان وأعلنــوا بدايــة عصــر العقــل‬
‫أســافه كانــوا رجــاال متعلمــن و أحبــوا‬ ‫النهمــة والكتــب النفيســة النــادرة كلهــا‬ ‫ونهايــة عصــر الظلمــات ‪ .‬وقــد عجــز‬
‫أن يغنــوا مكتباتهــم ‪ ,‬فــإن أحــدا منهــم لــم‬ ‫أصبحــت مــن عــادات املدينــة اليوميــة‬ ‫األوروبيــون عــن أن يبنــوا مكتبــات فــإذا‬
‫يبحــث بشــغف ونهــم عــن الكتــب النــادرة‬ ‫التــي اشــتهرت بهــا ‪ .‬فهــذا رومانــوس‬ ‫بنيــت مكتبــة فهــي حلفــظ الكتــب وليســت‬
‫والثمينــة كمــا فعــل احلكــم «‪ .‬ولــم يكتــف‬ ‫إمبراطــور البيزنطيــن لــم يجــد أثمــن‬ ‫لنشــر املعرفــة ‪ ،‬وهــذا أســقفهم إيــزدروا‬
‫احلكــم بذلــك بــل كان لــه يف كل بلــد‬ ‫هديــة يبعــث بهــا إلــى الناصــر ســوى‬ ‫األشــبيلي الــذي قيــل عنــه أنــه أعلــم أهــل‬
‫مراســلني يخبرونــه عــن الكتــب اجلديــدة‬ ‫كتــاب ديســقوريديس للنبــات مصــورا‬ ‫زمانــه لــم يســتطع أن يحظــى بأكثــر مــن‬
‫والقيمــة ويبعثــون بهــا إليــه ‪ ,‬وحتــى وصلــه‬ ‫ومكتوبــا مبــاء الذهــب لعلمــه بولعــه‬ ‫بضعــة كتــب‪ .‬هــذه صــورة موجــزة جــدا‬
‫أن أبــا الفــرج األصفهانــي يؤلــف كتابــه‬ ‫الشــديد وعشــقه للكتــب ‪.‬ويعــد هــذا‬ ‫عــن أســبانيا األوروبيــة قبــل الفتــح‬
‫األغانــي فبعــث إليــه بألــف دينــار مــن‬ ‫العصــر بدايــة العصــر الذهبــي لقرطبــة‬ ‫وســنرى كيــف تغيــرت هــذه الصــورة‬
‫الذهــب اخلالــص قيمــة نســخة واحــدة‬ ‫الثقافيــة ‪ ،‬حيــث اســتكمل الناصــر رفــد‬ ‫جذريــا ‪ ،‬وأصبحــت الفــردوس املوعــود‬
‫مــن الكتــاب قبــل أن ينشــر ويوضــع يف‬ ‫املكتبــة امللكيــة بالكتــب والتــي أنشــأها‬ ‫ومنوذجــا أرضيــا للجنــة كمــا يقــول املــؤرخ‬
‫مكتبــات بغــداد ‪.‬‬ ‫عبدالرحمــن األوســط ‪ ،‬ثــم أصبحــت‬ ‫الدكتــور حســن مؤنــس‪.‬‬
‫فيمــا بعــد أكبــر مكتبــة يف العالــم يف‬ ‫بعدمــا فتــح املســلمون األندلــس وبــدأ‬
‫‪12‬‬
‫كثيــر منهــا يســتخدم إلــى اآلن أو مت‬ ‫النــوادر والكنــوز ‪ ،‬فجمــع الكتــب وقراءتها‬ ‫وأمــا مكتبــة قرطبــة العامــة فكانــت‬
‫تطويــره مــن آالتــه املخترعــة ‪ ,‬ولــذا كانــت‬ ‫أصبــح حمــى منتشــرة بــن النــاس مــن كل‬ ‫حديــث الدنيــا والنــاس‪ ،‬فطورهــا ووســعها‬
‫األندلــس وقرطبــة خاصــة حلقــة الوصــل‬ ‫طبقــات املجتمــع فلقــد أصبحــت ثقافــة‬ ‫احلكــم وجعلهــا قبلــة العلمــاء واألدبــاء‬
‫التــي نقلــت العلــوم واآلداب إلــى أوروبــا‬ ‫شــعب كامــل يعشــق القــراءة والكتــب ‪،‬‬ ‫واملترجمــون وطــاب املعرفــة ‪ ،‬وكثيــر‬
‫فــكل النتــاج املعــريف القرطبــي ترجــم‬ ‫فمالــذي جعــل قرطبــة أم احلواضــر‬ ‫مــن املصــادر التاريخيــة تذكــر أنهــا‬
‫إلــى الالتينيــة التــي كانــت اللغــة الســائدة‬ ‫وجعلهــا نــورا ســاطعا يف ظــام أوروبــا‬ ‫كانــت حتتــوي علــى أربعمائــة ألــف مجلــد‬
‫يف ذلــك الزمــان ‪ ،‬واســتيقظ العقــل‬ ‫ســوى القــراءة وحــب الكتــاب ‪.‬‬ ‫وفهارســها كانت يف أربعة و أربعني مجلد‬
‫األوروبــي بعــد ذلــك ونــام العقــل العربــي‬ ‫يف ظــل هــذا اجلــو املشــبع بالثقافــة‬ ‫كل مجلــد يحتــوي علــى ‪ 50‬ورقــة ‪ ،‬وأنهــم‬
‫ومازلنــا يف أحالمنــا هائمــون ‪.‬‬ ‫وانفجــار وشــيوع املعرفــة وبعــد أن‬ ‫عندمــا نقلوهــا إلــى مقرهــا اجلديــد‬
‫أرأيتــم مــاذا فعلــت قرطبــة مدينــة‬ ‫اســتوعب العلمــاء واألدبــاء مــاكان يف‬ ‫اســتغرق النقــل ســتة أشــهر كاملــة ‪.‬كان‬
‫القــراءة واملكتبــات بســكانها لقــد صنعــت‬ ‫املكتبــات وبطــون الكتــب ‪ ،‬بــدأ حصــد‬ ‫للمكتبــة إدارة مســتقلة تعنــى بشــؤونها‬
‫منهــم عباقــرة يف فتــرة زمنيــة قياســية‬ ‫الثمــار وانطلقــت نهضــة علميــة وأدبيــة‬ ‫املاليــة وصــرف املرتبــات ولهــا أقســام‬
‫ولكــن تأثيــر هــذه احلقبــة الوجيــزة امتــد‬ ‫شــاملة الســابق لهــا يف كل املجــاالت ‪،‬‬ ‫متخصصــة مثــل قســم النســخ والوراقــة ‪،‬‬
‫إلــى عصرنــا وملســناه يف كل شــي ‪ .‬لقــد‬ ‫فظهــر الفالســفة والشــعراء واملؤرخــن‬ ‫وقســم الترجمــة والتجليــد الفنــي للكتــب‬
‫بنــت القــراءة مجتمعــا مثاليــا يف مدينــة‬ ‫و اجلغرافيــن و الفقهــاء و احملدثــن‬ ‫وجعلهــا فاخــرة مريحــة للنفــس والنظــر‪،‬‬
‫احلكمــة الباهــرة ذات املكتبــات العامــرة‪,‬‬ ‫واألطبــاء والصيادلــة والكيميائيــن‪،‬‬ ‫وقســم مخصــص جللــب الكتــب مــن‬
‫ووصــف أحــد املستشــرقني األوروبيــن‬ ‫وكان التأليــف علــى قــدم وســاق وظهــرت‬ ‫أقطــار العالــم ‪ ،‬ولهــم نســاخون ووراقــون‬
‫املتخصصــن يف التــراث األندلســي‬ ‫أســماء المعــة خلــدت عبــر التاريــخ مثــل‬ ‫يف مــدن احلواضــر العامليــة فــإذا وجــدوا‬
‫املجتمــع القرطبــي بــأن قــال «إن الواحــد‬ ‫ابــن حــزم القرطبــي عاملهــا وأديبهــا‬ ‫كتابــا قيمــا نســخوه وبعثــوا بــه إلــى املكتبــة‬
‫منهــم يتكلــم كأنــه الفيلســوف الرومانــي‬ ‫مؤلــف أول كتــاب يف دراســة احلــب‬ ‫التــي ال تســمع فيهــا إال تقليــب الــورق‬
‫ســينيكا ‪ ،‬ويتغنــى بالشــعر كأنــه الشــاعر‬ ‫واحملبــن ‪ ،‬وهــذا ابــن رشــد فيلســوف‬ ‫وصــوت احملابــر ‪.‬‬
‫اإلجنليــزي بليــك ‪ ،‬ويتصــرف كأنــه لويــس‬ ‫قرطبــة الــذي تتلمــذت أوروبــا علــى‬ ‫ولــن تصــدق أيضــا أن يف هــذه املدينــة‬
‫الرابــع عشــر عــراب النهضــة األدبيــة‬ ‫يديــه ‪ ،‬والننــس أشــهر جغرافيــي العالــم‬ ‫الباهــرة أكثــر مــن ‪ 20‬مكتبــة عامــة‬
‫والفنيــة يف فرنســا»‬ ‫يف العصــر الوســيط ( اإلدريســي )‬ ‫منتشــرة يف أنحــاء املدينــة ويف احلدائــق‬
‫فهــذا ماكنــا عليــه ســابقا وكيــف كانــوا‬ ‫التــي درســت خرائطــه واســتفاد منهــا‬ ‫التــي وضعــت عليهــا كراســي القيشــاني‬
‫يروننــا أمــة مــن الشــعراء والفالســفة‬ ‫مستكشــفوا البحــار األوربيــون ‪ ,‬ويف‬ ‫للجلــوس عليهــا واالســتمتاع بالقــراءة‪.‬‬
‫واحلكمــاء ‪,‬وهــذا مــا نريــد أن نســترجعه‬ ‫الطــب واجلراحــة لــن جنــد أعظــم مــن‬ ‫وهــذا كلــه غيــر مكتبــات املســاجد‬
‫وبشــدة بعد أن أصبح الفردوس مفقودا‪,‬‬ ‫أبــي القاســم الزهــراوي الــذي درس يف‬ ‫واجلوامــع واملــدارس ‪ ،‬وأيضــا انتشــرت‬
‫فأمــة اقــرأ يجــب أن تقــرأ وتنظــر كيــف‬ ‫قرطبــة ويعتبــر أبــا اجلراحــة احلديثــة‬ ‫ظاهــرة املكتبــات اخلاصــة فالــكل يريــد‬
‫غ ّيــر ربيــع قرطبــة العالــم‪.‬‬ ‫ومختــرع أكثــر مــن مائتــي آلــة جراحيــة‬ ‫أن يبنــي لــه مكتبــة يف منزلــه ويشــتري‬
‫‪13‬‬
‫احلساب) ص‪26:‬‬ ‫الكتــاب يبحــث يف موضــوع االســتخالف‪ .‬موضــوع وظيفتنــا‬
‫نزلــت ســورة «ص» يف قلــب الفتــرة املكيــة‪ ،‬ترتيــب نزولهــا هــو‬ ‫بوصفنــا خلفــاء يف األرض‪.‬‬
‫«‪ »38‬مــن أصــل «‪ »86‬ســورة نزلــت يف مكــة‪ ،‬وهــي أطــول ســورة‬ ‫وهــو موضــوع «مفتاحــي»‪ ،‬مبعنــى أنــه يُشــكل «مفتاحــاً‬
‫نســبياً مقارنــة مبــا ســبقها مــن ســور قصيــرة‪ ،‬أطــول ســورة‬ ‫ألساســات مهمــة يف فهــم النــص الدينــي‪ ،‬وفهــم وظيفتــه‬
‫ســبقتها هــي ســورة القمــر «‪ »55‬آيــة وســتليها ســورة األعــراف‬ ‫وبالتالــي فهــم املطلــوب منــا‪.‬‬
‫وهــي مــن الســبع الطــوال يف تغيــر جــذري‪.‬‬ ‫ملاذا نح ُن ُهنا‪ ،‬على هذا الكوكب؟‬
‫(واصبــر علــى مــا يقولــون واذكــر عبدنــا داود ذا األيــدِ إنــه‬ ‫ســؤال مهــم‪ ،‬مــع أن البعــض قــد ال يُفكــر فيــه‪ ،‬والبعــض‬
‫أواب)‬ ‫يحــاول جتاهلــه‪ ،‬يطــرده مــن بالــه كمــا يطــرد وسواسـاً شــريراً‪.‬‬
‫ســننتبه هنــا أن ســيدنا داود قــد وصــف بأنــه ذا األيــد‪ .‬كــم‬ ‫األمــر املهــم يف هــذا النــوع مــن األســئلة أن اجلــواب فيهــا‬
‫يــداً كان ميتلــك ســيدنا داود يــا تــرى؟ مثلنــا جميعـاً‪ ،‬كان ميتلــك‬ ‫ال ميكــن أن يتعــدد‪ ،‬إنــه إمــا أن يكــون صحيحــاً‪ ،‬أو أن يكــون‬
‫علــى األغلــب يديــن فقــط‪.‬‬ ‫خاطئــاً‪.‬‬
‫لكنــه علــى اخلــاف مــن أغلبنــا‪ ،‬كان ميتلــك أيــادي أخــرى‪ ،‬ال‬ ‫فــا ميكــن أن يؤمــن أحــد حقــاً أن اإلنســان يف الصــن‬
‫تتصــل بجســمه بالضبــط‪ ،‬ولكنهــا تــؤدي غرض األيدي نفســه‪.‬‬ ‫خُ لــق لهــدف آخــر غيــر الــذي خُ لــق ألجلــه يف أفريقيــا؛ مــا دام‬
‫(إنــا ســخرنا اجلبــال معــه يُســبحن بالعشــي واإلشــراق «‪»18‬‬ ‫النــوع اإلنســاني قــد وجــد مــرة واحــدة‪ ،‬يف زمــن هــو بــدء الزمــن‬
‫والطيــر محشــورة كل لــه أواب)‬ ‫اإلنســاني حق ـاً‪ ،‬فــا بــد أن يكــون الهــدف واحــداً‪.‬‬
‫إنهــا اليــد اجلماعيــة التــي تنصهــر مــع اليــد القائــدة ألنهــا‬ ‫ولهــذا‪ ،‬فــإن الهــدف مــن وجودنــا هــو قضيــة «عقائديــة»‬
‫تؤمــن بالهــدف‪.‬‬ ‫بطريقــة مــا‪ ،‬أي أنــه يدخــل يف صميــم عقيدتنــا وإمياننــا‪ ،‬فلفــظ‬
‫ومــا ميــز داود «عليــه الســام» ليــس فقــط تلــك األيــدي‪ ،‬أي‬ ‫العقيــدة الــذي اُشــتق منــه الفعــل «عقــد» تنطبــق متام ـاً علــى‬
‫الوســائل املتعــددة‪ ،‬إذ إن هــذا مــا تتصــف بــه مدنيات االســتعالء‬ ‫إمياننــا مبــا خُ لقنــا مــن أجلــه‪ ،‬الــذي هــو «عقــدة األمــر»‪ ،‬فحياتنا‬
‫والعلــو أيض ـاً‪ .‬لكــن أيــادي داود مختلفــة‪ .‬ال ننســى أن وســائله‬ ‫كلهــا علــى كوكــب األرض تقــوم علــى مــا ســنفعله فيهــا‪ ،‬ومــا‬
‫كانــت محكومــة بعبوديتهــا هلل‪.‬‬ ‫ســنفعله فيهــا يعتمــد بشــكل أو بآخــر علــى إمياننــا بوظيفتنــا‪.‬‬
‫فوصــف داود بكونــه «عبــداً هلل» ســبق وصــف بأنــه «ذو‬ ‫تع ّرف على اخلليفة‪:‬‬
‫األيــدي» وحلــق ذلــك بوصــف إنــه أواب‪.‬‬ ‫كانــت املــرة األولــى التــي تع ـ ّرف عليهــا الفــرد املســلم علــى‬
‫أي أن كل وســائل داود‪ ،‬كانــت منســجمة مــع أهدافــه‬ ‫لفــظ «اخلليفــة» ‪ -‬الــذي ســيصير الحقــاً لقبــاً لــه ‪ -‬عبــر‬
‫ومنطلقاتــه‪ ،‬خاضعــة لعبوديتــه هلل‪.‬‬ ‫مناســبة شــديدة األهميــة والتأثيــر والتفــرد‪.‬‬
‫(وشددنا ملكه وأتيناه احلكمة وفصل اخلطاب) ص‪20:‬‬ ‫عن أي آية أحتدث؟‬
‫يُقــدم اخلطــاب القرآنــي منوذجــاً للحكمــة مناقضــاً لتلــك‬ ‫عــن اآليــة األولــى التــي ذكــرت لفــظ «االســتخالف» أو أي‬
‫الصــورة الســلبية العالقــة يف أذهاننــا‪ .‬إنهــا صــورة داود ‪ -‬امللــك‪،‬‬ ‫لفــظ مشــتق منــه‪ ،‬والتــي ســتكون أيضـاً اآليــة الوحيــدة يف ذات‬
‫الــذي لــم تكــن حكمتــه نتيجــة النعــزال عــن الفعــل واألداء‪ ،‬بــل‬ ‫الفتــرة «املكيــة» التــي تتحــدث عــن اخلليفــة بصيغــة املفــرد‪.‬‬
‫كانــت نتيجــة مباشــرة ألداء مــا يجــب أداؤه‪ ،‬كانــت احلكمــة جزءاً‬ ‫ســيأتي لفــظ «اخلليفــة» أوالً كأول مــا يفتتــح بــه املعنــى‪ .‬ثــم‬
‫أساســياً مــن الفعــل بالنســبة لــداود «ذي األيــد»‪ ،‬ورمبــا كانــت‬ ‫لــن يأتــي قــط بعدهــا بهــذه الصيغــة يف الفتــرة املكيــة‪.‬‬
‫هــذه احلكمــة هــي الســبب يف أن فعاليتــه كانــت إلــى درجــة أنــه‬ ‫قولــه تعالــى‪( :‬يــا داود إنــا جعلنــاك خليفــة يف األرض فاحكــم‬
‫وصــف بـــ «ذي األيــد»‪.‬‬ ‫بــن النــاس باحلــق وال تتبــع الهــوى فيضلــك عــن ســبيل اهلل إن‬
‫الذيــن يضلــون عــن ســبيل اهلل لهــم عــذاب شــديد مبــا نســوا يــوم‬

‫‪14‬‬
‫تأخذنــا اآليــات التاليــة إلــى مــا ســيبدو للوهلــة األولــى كمــا أيضـاً‪ ،‬كجــزء مــن مســتحقات خالفتــه أو مســوغاتها أن يحكــم‬
‫لــو كان حدثـاً مــن األحــداث اليوميــة التــي ميكــن أن متــر بــأي بــن النــاس‪ .‬وأن يكــون ذلــك باحلــق‪.‬‬
‫حاكــم أو صاحــب ســلطة قضائيــة‪.‬‬
‫(وهــل أتــاك نبــأ اخلصــم إذ تســوروا احملــراب «‪ »21‬إذ كيف ُقتل اخلليفة؟‬
‫ثالث طعنات يف قلب اخلليفة؟‬ ‫دخلــوا علــى داوود ففــزع منهــم قالــوا ال تخــف خصمــان بغــى‬
‫معادلــة «االســتخالف» أُصيبــت بهــذه الطعنــات الثــاث‬ ‫بعضنــا علــى بعــض فاحكــم بيننــا باحلــق وال تشــطط واهدنــا‬
‫(حســب رأيــي)‪ ،‬وهــي املفاهيــم الســلبية التــي متكنــت مــن أن‬ ‫إلــى ســواء الصــراط‪ )...‬ص‪24 - 21:‬‬
‫تســلط اآليــات الكرميــة الضــوء علــى أن االســتخالف تســتغل التحيــز الســلبي لتحيــد إيجابيــات كثيــرة يف مفاهيمنــا‬
‫واخلالفــة يجــب أن يرتبطــا بالعدالــة االجتماعيــة‪ ،‬وتقليــص األساســية‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬تهميــش الدنيــا‪ ،‬ســاحة االمتحــان‪ ،‬وحتقيرهــا حتــى‬ ‫الهــوة بــن الفقــراء واألغنيــاء يف مجتمــع االســتخالف‪ .‬ولننتبــه‬
‫ا‪ ،‬يف آليــة‬ ‫هنــا إلــى إن اآليــات يف هــذا الســياق تضــع داود أمــام نتيجــة صــارت تبــدو كالزبالــة النتنــة‪ ،‬بــل صــارت كذلــك فعـ ً‬
‫نهائيــة لوضــع الســور بــن احملــراب والنــاس‪ .‬وجــود الســور تخدير لإلنســان عن دوره احلقيقي‪ ،‬حيث يتم إقناعه أن دوره‬
‫الفاصــل بــن احملــراب‪ ،‬أي بــن الشــعائر‪ ،‬بــن الديــن‪ ،‬وبــن يف هــذه احليــاة يقتصــر علــى بعــض الشــعائر و»التجنبــات»‪،‬‬
‫النــاس وهمومهــم ومشــاكلهم هــو الــذي يــؤدي إلــى هــذه ومــن ضمنهــا االبتعــاد عــن الدنيــا يف انتظــار اآلخــرة‪.‬‬
‫فــكان مــا كان مــن ابتعــاد حقيقــي عــن الدنيــا للبعــض‪،‬‬ ‫النتيجــة‪ ،‬إلــى هــذه الدرجــة التــي يبــدو معهــا االحتــكار‬
‫واالســتئثار حقــاً مشــروعاً تطالــب بــه هــذه الفئــات‪ ،‬وتعــده وإقبــال عليهــا للبعــض‪ ،‬ولكــن بطــرق غيــر شــرعية‪ ،‬أو بكثيــر‬
‫مــن تأنيــب الضميــر‪ ،‬كمــا لــو كانــوا يقترفــون إثمــاً‪.‬‬ ‫حقهــا الطبيعــي الــذي ال يُناقــش وال يســتحق املراجعــة‪.‬‬
‫ثانيـاً‪ :‬جــاء اإلميــان الســلبي «بالقــدر» ليكــون مبثابــة الضربة‬ ‫الســور يف الداخــل‪ :‬وأخطــر مــن كل ذلــك هــو ســور ثالــث‬
‫وهمــي‪ ،‬لكــن تأثيــره أكبــر بكثيــر مــن كل األســوار املاديــة‪ ،‬إنــه القاضيــة علــى معادلــة «االســتخالف» فقــد مت تســويغ الوضــع‬
‫ذلــك احلاجــز الــذي يســتقر يف نفــس اإلنســان ليكــون أقــوى الســلبي املتدنــي بكونــه جــزءاً مــن قضــاء وقــدر مســبق ال ســبيل‬
‫مــن أي حاجــز آخــر خــارج نفســه‪ ،‬ذلــك احلاجــز الــذي نضعــه لتغييــره‪ ،‬ومت ســلب نســبة الفعــل مــن العبــد‪ ،‬وإرجاعهــا إليــه‬
‫ا‪ ،‬بــن عــز وجــل يف تناقــض صــارخ مــع محاســبته لنــا الحقـاً‪.‬‬ ‫أحيانــاً بــا وعــي بــن مــا نؤمــن بــه‪ ،‬ومــا نؤديــه فعــ ً‬
‫ثالثــاً‪ :‬الفهــم الســلبي ملفهــوم ولــي األمــر الــذي رســخ‬ ‫مثلنــا ال ُعليــا‪ ،‬وإمياننــا وقيمنــا الدينيــة مــن جهــة‪ ،‬وبــن واقعنــا‬
‫الســلوكي الفعلــي مــن جهــة أخــرى‪ .‬إنــه ذلــك احلاجــز الــذي االســتبداد‪ ،‬وكبل الفرد اإلنســان ‪ -‬اخلليفة بقيود جتاه «خليفة‬
‫فــرد واحــد» تربــع علــى قمــة الهــرم‪ ،‬وفــرض ســلطته دون وجــه‬ ‫واد‪ ،‬وســلوكنا يف ٍ‬
‫واد آخــر‪.‬‬ ‫يجعــل عبادتنــا يف ٍ‬
‫(يــا داود إنــا جعلنــاك خليفــة يف األرض فاحكــم بــن النــاس حــق أو تخويــل مــن اخلالــق الــذي منــح حــق «االســتخالف»‬
‫و»اخلالفــة» لــكل فــرد يف النــوع البشــري‪ .‬فــإذا بهــذا احلــق‬ ‫باحلــق وال تتبــع الهــوى)‬
‫وينــح لشــخص واحــد فقــط عبــر فهــم‬ ‫«احلكــم» هنــا يف ســياق االســتخالف ال يتحــدث عــن أي يُســلب مــن اجلميــع‪ُ ،‬‬
‫حكــم‪ ،‬ال يتحــدث عــن احلكــم باعتبــاره وجهــة نظــر أو رؤيــة ســلبي تراكــم علــى النصــوص الدينيــة وطريقــة تعاملنــا معهــا‪.‬‬
‫مــع كل هــذا‪ ،‬هــل كان ميكــن ملعادلــة االســتخالف إال أن‬ ‫نســبية للحيــاة‪ ،‬بــل هــو يتحــدث عــن حكــم خــاص جــداً‪ ،‬حكــم‬
‫يكــون هــو احلكــم الصــواب‪ ،‬حكــم يكــون جــزءاً مــن فصــل حتبــط وتعطــل؟‬
‫ال‪ ،‬لم يكن ممكناً إال أن يحدث ما حدث بنا ولنا‪.‬‬ ‫اخلطــاب‪.‬‬
‫فلنتذكر هنا أن مفهوم «احلكم» هنا كان تابعاً لالستخالف‪.‬‬
‫وداود الــذي جعلــه اهلل عــز وجــل خليفــة يف األرض‪ ،‬قــد أُمــر‬
‫‪@books_guide‬‬
‫‪www.waraqcast.com‬‬

‫‪15‬‬
‫فهــذه كلهــا معــان وألفــاظ جــاءت يف‬ ‫مــن أي هواجيــس مــن بدايــة القــراءة إلــى‬ ‫أثــرى الدكتــور خالــد الالحــم أســتاذ‬
‫القــرآن الكــرمي تطلــب أن تكــون القــراءة‬ ‫نهايتهــا ‪ ،‬بحيــث يحصــل الربــط التــام‬ ‫القــرآن وعلومــه املســاعد يف جامعــة‬
‫واعيــة مركــزة ينتــج عنهــا مــا ذكــر مــن‬ ‫املســتمر بــن القلــب والعــن واللســان ‪،‬‬ ‫اإلمــام محمــد بــن ســعود اإلســامية‬
‫علــم وعقــل وتفكــر‪ .‬لقــد تطــرق الكاتــب‬ ‫وأال يوجــد يف القلــب غيــر مــا يتم قراءته‪.‬‬ ‫عقولنــا ولفــت أنظارنــا إلــى اســتراتيجية‬
‫إلــى مفاهيــم جميلــة وممتعــة فذكــر أنــه‬ ‫التعريــف الثانــي ‪ :‬هــي تركيــز القلــب‬ ‫مــن اســتراتيجيات القــراءة املهمــة والتــي‬
‫يوجــد يف القلــب ثالثــة مصــادر للقــراءة‬ ‫ومعنــى ومنــع أي‬
‫ً‬ ‫علــى مــا يقــرأ لفظــاً‬ ‫نغفــل عنهــا وهــي «القــراءة بقلــب» فقــد‬
‫أو الــكالم ‪ :‬األول ‪ :‬حديــث النفــس ‪.‬‬ ‫قــراءة أخــرى غيرهــا ‪.‬‬ ‫جعــل القلــب منظــاراً ننظــر بــه إلــى‬
‫الثانــي ‪ :‬إلهــام امللــك ‪ .‬الثالــث ‪ :‬وسوســة‬ ‫التعريــف الثالــث‪ :‬هــي ربــط القلــب‬ ‫كل كلمــة نقرأهــا فتدخــل يف أعماقنــا‬
‫الشــيطان ‪  .‬فمــا يوجــد مــن كالم يف‬ ‫باللســان والعــن حــن القــراءة ‪ ،‬وأال‬ ‫وتتخلــل عقولنــا وبالتالــي تقــع يف أفهامنــا‬
‫القلــب إمــا أن يكــون ابتــداء مــن النفــس‬ ‫يوجــد يف القلــب كالم أو صــورة غيــر‬ ‫وتغــرز يف تصوراتنــا‪ .‬إن القــراءة بقلــب‬
‫وليــس مــن مصــدر خارجــي ‪ ،‬أو يكــون‬ ‫الــذي ينطــق بــه اللســان أو تــراه العــن ‪.‬‬ ‫– كمــا يذكــر الدكتــور‪  -‬هــي مفتــاح‬
‫أصلــه مــن امللــك ثــم النفــس تقبلــه وتســلم‬ ‫وقــد ذكــر معنــى القــراءة بقلــب يف القــرآن‬ ‫مــن ‪ ‬مفاتيــح قــوة القلــب والنفــس ‪ ،‬تعيننــا‬
‫لــه ‪ ،‬أو يكــون مــن الشــيطان يلقيــه وميليــه‬ ‫الكــرمي بألفــاظ ومصطلحــات متعــددة‬ ‫علــى التحكــم بتفكيرنــا والســيطرة علــى‬
‫ثــم النفــس ترويــه وحتكيــه ‪  ،‬دل علــى‬ ‫منهــا‪:‬‬ ‫مشــاعرنا‪ ،‬هــي طريــق إلــى قــوة اإلرادة‬
‫هــذا عــدد مــن النصــوص‪  .‬‬ ‫‪ -1‬العلــم‪ -2  .‬العقــل‪ -3 .‬التدبــر‪.‬‬ ‫وقــوة الذاكــرة‪  .‬لقــد عــ ّرف الدكتــور‬
‫‪ -4‬التفكــر‪ -5 .‬النظــر‪ -6 .‬اإلنصــات‪.‬‬ ‫القــراءة بقلــب عــدة تعريفــات؛ التعريــف‬
‫‪ -7‬املواطــأة‪ -8 .‬الســمع‪ -9 .‬الشــهود‪.‬‬ ‫األول ‪ :‬هــي القــراءة النقيــة اخلالصــة‬

‫‪16‬‬
‫وقدميــة واإلقــاع عنهــا‪.‬‬ ‫ثــم ذ ّيــل الكتــاب بتدريبــات متنوعــة‬ ‫وذكــر الكاتــب ســتة عشــر فائــدة‬
‫‪ -4‬قــوة اإلرادة يف تــرك طعــام تــرى‬ ‫علــى القــراءة بقلــب ‪ ،‬وهــي ‪ /1 :‬ذكــر‬ ‫مــن فوائــد القــراءة بقلــب منهــا‪ :‬تثبيــت‬
‫املصلحــة يف تركــه‪.‬‬ ‫اهلل‪ /2 ،‬الصــاة‪ /3 ،‬قــراءة القــرآن‪/4 ،‬‬ ‫الفــؤاد واخلشــوع يف الصــاة وتطويــر‬
‫‪ -5‬قــوة التحكــم باخلواطــر‪ ،‬أي منــع أي‬ ‫القــراءة قبــل النــوم‪ /5 ،‬القــراءة العامــة‪.‬‬ ‫الــذات وحتســن النــوم وحتريــر القلــب‬
‫خواطــر مزعجــة ال تريدهــا‪.‬‬ ‫وقــد ركــز علــى التدريبــن األول والثانــي‪.‬‬ ‫مــن األمانــي وعــاج للوســواس القهــري‬
‫‪ -6‬االنضباط والتقيد باملواعيد‪.‬‬ ‫أما عن طريقة التدريب فقد تضمنت‬ ‫وشــفاء مــن األمــراض النفســية‪ ،‬لقــد‬
‫‪ -7‬نقص حاالت النسيان‪.‬‬ ‫ثالثــة أقســام‪- :‬أهــداف التدريــب‪- .‬نظام‬ ‫تطــرق الكاتــب إلــى العديــد مــن املباحــث‬
‫‪ -8‬نقص حاالت الغضب أو االستعجال‪.‬‬ ‫التدريب‪- .‬شرح التدريب‪.‬‬ ‫يف الكتــاب‪ ،‬عندمــا تبحــر يف ثنايــاه‬
‫‪ -9‬قــوة االنتبــاه للكلمــات التــي تســمعها‬ ‫ومــن املمتــع جــدا يف الكتــاب أن‬ ‫ســتجد نفســك إنســانا آخــر وقــد تفتــح‬
‫مــن اآلخريــن والتحكــم فيهــا‪.‬‬ ‫الكاتــب قــد أعطانــا طريقــة لقيــاس قــوة‬ ‫ذهنــك علــى الكثيــر مــن األمــور التــي‬
‫‪ -10‬الهــدوء والرفــق يف مخاطبــة‬ ‫القلــب‪ ،‬فذكــر أنهــا تقــاس بعــدة مقاييــس‬ ‫جنهلهــا عنــد القــراءة‪ .‬فالقــراءة بقلــب‬
‫اآلخريــن وانتقــاء العبــارات‪.‬‬ ‫وميكــن اختبــار قــوة القــراءة بقلــب‬ ‫هــي قلــب النجــاح كمــا اعتبرهــا الدكتــور‪.‬‬
‫وأخيــرا إن كتــاب «القــراءة بقلــب» قــد‬ ‫بعالمــات وأعــراض وصفــات النفــس‪،‬‬ ‫أورد الكاتــب يف كتابــه الثمــن مفاتيحـاً‬
‫يغيــر الكثيــر مــن مفاهيــم القــراءة ويزيــد‬ ‫وهــي اختبــارات وصفيــة ميكــن حتويلهــا‬ ‫للقــراءة بقلــب فقــال مفاتيــح القــراءة‬
‫مــن غــرس تصــورات جديــدة ممتعــة عنهــا‬ ‫إلــى أرقــام بالتقديــر والتحكيــم ومــن ذلــك‬ ‫بقلــب تنقســم إلــى ثالثــة أقســام‪:‬‬
‫فعندمــا تقــرأ وتتذكــر أن البــد لقلبــك مــن‬ ‫مــا يلــي‪:‬‬ ‫األول ‪ :‬مفاتيــح عامــة ‪ ،‬ومهمتهــا تهيئــة‬
‫احلضــور واالنتبــاه تعــي كل كلمــة تقرأهــا‬ ‫‪ -1‬قــوة التحكــم باالنفعــاالت واملشــاعر‬ ‫القلــب والنفــس للقــراءة‪.‬‬
‫فتتخلــل يف روحــك وإحساســك وتتحــول‬ ‫يف املواقــف اليوميــة‪.‬‬ ‫الثانــي ‪ :‬مفاتيــح التدبــر ‪ ،‬ووظيفتهــا‬
‫القــراءة لديــك إلــى متعــة مابعدهــا متعــة‪.‬‬ ‫‪ -2‬نشــاط البــدن وانخفــاض احلاجــة‬ ‫حتقيــق جــودة القــراءة‪.‬‬
‫للراحــة أو النــوم‪.‬‬ ‫الثالــث ‪ :‬مفاتيــح اإلجنــاز ‪ ،‬ومهمتهــا‬
‫‪ -3‬القــدرة علــى تــرك عــادات عميقــة‬ ‫التخطيــط والتنظيــم‪ ،‬وحتقيــق اإلجنــاز‪.‬‬

‫عبير مصطفى‬
‫‪abeerali@hotmail.com‬‬

‫‪17‬‬
‫الداعية اإلسالمي ‪ ،‬و املفكر السعودي ‪ ،‬و املشرف العام على مؤسسة اإلسالم اليوم ‪ ،‬و األمني العام للهيئة العاملية لنصرة‬
‫الرسول صلى اهلل عليه و سلم ‪ .‬ضيف مجلة قوارئ لهذا العدد الدكتور سلمان بن فهد العودة ‪.‬‬
‫ُولد فضيلة الشيخ الدكتور‪ /‬سلمان بن فهد العودة يف جمادى األولى عام ‪1376‬هـ يف قرية البصر التابعة ملدينة بريدة مبنطقة‬
‫القصيم‪ ،‬درس االبتدائية واملتوسطة والثانوية يف بريدة‪ ،‬ثم التحق بكلية اللغة العربية ثم بكلية الشريعة يف جامعة اإلمام محمد‬
‫بن سعود يف القصيم‪ ،‬ومن هناك كانت االنطالقة نحو طلب العلم واالرتقاء به‪..‬‬

‫أشــدها‪ ،‬والوســائل احلديثــة مدججــة‬ ‫كل ســاعة أخلــو فيهــا بنفســي فهي ســاعة‬ ‫‪ -1‬كيــف يصــف الدكتــور هــذه املرحلــة‬
‫بــأدوات إغرائيــة ال ميلكهــا الكتــاب‪..‬‬ ‫ذهبيــة للقــراءة‪.‬‬ ‫والتــي بــا شــك تعتبــر األســاس يف‬
‫حــن أقــارن نفســي يــوم كنــت يف املرحلــة‬ ‫ً‬
‫‪ -3‬ال شــك أن هنــاك كتب ـا قرأمتوهــا يف‬ ‫شــخصيته ؟‬
‫املتوســطة مــع أبنائــي يف اجلامعــة اآلن‬ ‫الصغــر مــا زالــت عالقــة يف ذهنكــم‪ ،‬فمــا‬ ‫كانــت مراحــل عديــدة ‪ ...‬يف االبتدائــي‬
‫أجــد الفــرق كبيــراً‪ ..‬بــل ال مقارنــة‪،‬‬ ‫هــي؟ ومــا هــي أبــرز الكتــب التــي أثــرت‬ ‫فــك احلــرف‪ ،‬ثــم حــب الكتــاب‬ ‫تعلّمــت ّ‬
‫فالوضــع مختلــف! األجيــال اجلديــدة‬ ‫يف تكويــن شــخصيتكم؟‬ ‫والولــع بــه‪ ،‬حضنــت املقــررات املدرســية؛‬
‫منفتحــة علــى الشــبكات االجتماعيــة‬ ‫ال زلــت أذكــر روايــة (وا إســاماه)‬ ‫ألنهــا كانــت املتعــة النــادرة آنــذاك‪ ،‬ثــم‬
‫ووســائل املعرفــة املتجــددة املــزودة‬ ‫لعلــي أحمــد باكثيــر؛ كأول روايــة قرأتهــا‬ ‫تنافســت مــع إخوتــي علــى قــراءة قصــص‬
‫بالصــور والدرامــا واإلثــارة‪ ..‬واملهــم كيــف‬ ‫معها‪..‬و(األصمع ّيــات)‪،‬‬ ‫واندمجــت‬ ‫األطفال؛ كالســندباد وسالســل احلكايات‬
‫توظــف هــذه األدوات لصالــح قيمنــا‬ ‫ّ‬ ‫و(املفضل ّيــات)‪ ،‬و(ديــوان احلماســة)‬ ‫اجلميلــة الصغيرة‪..‬ثــم وجدتنــي أدلــف‬
‫ومبادئنــا ومســتقبل أجيالنــا‪.‬‬ ‫يف عالــم الشــعر حيــث حفظــت منهــا‬ ‫إلــى الكتــب اجلــادة فأقــرأ ريــاض‬
‫‪ -5‬يقبــل الكثيــر مــن الشــباب والشــابات‬ ‫الكثيــر‪ ..‬وكتــب الطنطــاوي‪ ،‬واملنفلوطــي‪،‬‬ ‫الصاحلــن‪ ،‬والكبائــر وتفســير ابــن كثيــر‪،‬‬
‫احملبــون للقــراءة علــى كتــب الروايــات‬ ‫والرافعــي‪ ،‬والعقــاد‪ ،‬والكيالني‪..‬وأحيان ـاً‬ ‫والروايــات التاريخية‪.‬أجمــل مــا يف تلــك‬
‫واخلواطــر‪ ،‬هــل ســينتقلون منهــا إلــى مــا‬ ‫كنــت أتســلل إلــى روايــات وكتــب توفيــق‬ ‫الســنوات أن حت َّولــت القــراءة إلــى عــادة‪..‬‬
‫هــو أكثــر عمقــاً‪ ،‬أم أنهــم سيســتمرون‬ ‫احلكيــم‪ ،‬وجنيــب محفــوظ‪ ،‬ولــم أكــن‬ ‫ثــم صــرت أحاكــي أولئــك الك َّتــاب وأحاول‬
‫علــى هــذه الوتيــرة؟‬ ‫بعيــداً عــن الكتــب الفقهيــة مثــل‪ :‬فقــه‬ ‫أن أقــول شــيئاً‪ ..‬شــعراً أو نثــراً أو مــا‬
‫الروايــات تختلــف! فثـ َّم روايــات تتســم‬ ‫الســنة لـ»ســيد ســابق»؛ الــذي اقتنيتــه يف‬‫ُّ‬ ‫شــابه‪.‬‬
‫بالعمــق والتحليــل النفســي واالجتماعــي‬ ‫الســنة األولــى املتوســطة‪ ،‬وقرأتــه بنَ َهــم‪،‬‬ ‫‪ -2‬حدثونــا عــن جانــب القــراءة يف‬
‫واللغــة اجلميلــة‪ ،‬والغــوص يف أعمــاق‬ ‫وكل هــذا الطيــف املتنــوع أحــدث أثــراً يف‬ ‫حياتكــم‪ ،‬ومــا هــي الســاعة الذهبيــة‬
‫التاريــخ أو أعمــاق الواقــع‪ ..‬وث ـ َّم روايــات‬ ‫تكوينــي ال ميحــى‪.‬‬ ‫للعــودة التــي يحــب القــراءة فيهــا؟‬
‫ســطحية ركيكــة؛ جتنــح إلــى اإلغــراء‬ ‫‪ -4‬يف ضــوء مــا نعيشــه مــن نهضــة‬ ‫القــراءة هــي متعتــي الدائمــة‪ ،‬هــي‬
‫ومخاطبــة الغرائــز‪ .‬والتــد ّرب علــى‬ ‫قرائيــة عارمــة‪ ،‬كيــف تقــرؤون مســتقبل‬ ‫الوجبــة اليوميــة التــي بدونهــا تخــور‬
‫القــراءة جميــل‪ ،‬وصحبــة الكتــاب هــي‬ ‫القــراءة وتشــكالتها‪ ،‬ومــا ســتؤول إليــه‪،‬‬ ‫قواي‪..‬أحــب القــراءة ألنهــا العــادة التــي‬
‫صداقــة يكتســبها الفتــى أو الفتــاة فــا‬ ‫ومــا تقييمكــم للنشــاط الثقــايف والقرائــي‬ ‫التزمتهــا منــذ الصغــر‪ ،‬وألنهــا النافــذة‬
‫يــكاد يتخلَّــى عنهــا‪.‬‬ ‫يف الوطــن العربــي؟‬ ‫التــي أطــل منهــا علــى جماليــات املعرفــة‪،‬‬
‫الكتــاب إلــى تراجــع‪ ..‬واملنافســة علــى‬ ‫وألنهــا غــذاء العقــل والــروح والوجــدان‪..‬‬
‫‪18‬‬
‫و ُعقــدت مناظــرات وحلقــات للحديــث‬ ‫«متــذ ِّوق»؛ يقــرأ صفحــات مــن الكتــاب‬ ‫‪ -6‬يزاحــم الكتــاب اإللكترونــي الكتــاب‬
‫حولــه‪.‬‬ ‫ثــم يرميــه‪ ..‬عزمــت منــذ الصبــا أال أبــدأ‬ ‫الورقــي‪ ،‬أيهمــا تفضلــون‪ ،‬وملــن ســيكون‬
‫‪ -15‬أفضــل مكتبــة زارهــا د‪ .‬ســلمان‬ ‫بكتــاب إال وأمتمتــه مهمــا يكــن انطباعــي‬ ‫ال‪ ،‬مــن خــال جتربتكــم‬ ‫التســ ّيد مســتقب ً‬
‫العــودة أثنــاء التنقــل و الســفر ؟‬ ‫بتمعــن‬
‫ٍ‬ ‫عنه‪..‬فــإن وجدتــه جديــراً قرأتــه‬ ‫يف النشــر والقــراءة؟‬
‫تتميــز املكتبــات التركيــة بكثــرة‬ ‫واهتمــام‪ ،‬وإال مــررت عليــه بقــراءة‬ ‫قلَّمــا أقــرأ الكتــاب اإللكترونــي إذا‬
‫املخطوطــات العربيــة فيهــا‪ ..‬وقــد زرت‬ ‫ســريعة‪.‬‬ ‫كان متاح ـاً لــي ورق ّي ـاً‪ ..‬وهــي عــادة ذات‬
‫العديــد منهــا‪..‬ويف جامعاتنــا؛ كأم القــرى‪،‬‬ ‫‪ -11‬مــا هــي أبــرز املجــاالت التــي تــرون‬ ‫أبعــاد نفســية‪..‬وميزة الكتــاب اإللكترونــي‬
‫واجلامعــة اإلســامية مكتبــات ضخمــة‬ ‫أن الســاحة تفتقــد فيهــا الكتــب‪ ،‬وحتتــاج‬ ‫توفــره يف كل مــكان تنتقــل إليــه‪ ،‬وســهولة‬
‫للعلــوم اإلســامية والعربيــة‪.‬‬ ‫للكتابــة عنهــا؟‬ ‫الوصــول‪ ،‬وتوفــره بأكثــر مــن صيغــة‪،‬‬
‫‪ -16‬مــا هــي أبــرز الكتــب التــي تقترحهــا‬ ‫هنــاك الكثيــر مــن الكتــب املترجمــة التــي‬ ‫ووجــود خدمــات مصاحبــة‪.‬‬
‫للقــراءة لــدى القــارئ املبتــدئ؟‬ ‫متــأ جوانــب مــن املعرفــة اإلنســانية‬ ‫‪ -7‬مــا نــوع القــراءات التراكميــة التــي‬
‫أقتــرح أن يتــد ّرب علــى القــراءة عبــر‬ ‫نفتقــد فيهــا التأليــف العربــي؛ املتصــل‬ ‫تُخــرج لنــا إنســاناً واعيــاً؟‬
‫الكتــب الصغيــرة احلجــم‪ ،‬املــز ّودة بجاذبية‬ ‫بتراثنــا‪ ،‬وبيئتنــا‪ ،‬ومناذجنــا‪ ،‬وأمثلتنــا‪.‬‬ ‫حت ـ ّول القــراءة إلــى عــادة مهــم‪ ،‬لئــا‬
‫مــا‪ ..‬كأن تكــون قصــة أو فيهــا مــا يالئــم‬ ‫‪-12‬كيــف يــرى الدكتــور الســاحة العربيــة‬ ‫تكــون مجــردة (طفــرة) أو (نــار) تغــدو‬
‫ميولــه إن كانــت شــعراً أو شــرحاً ملســألة‬ ‫الثقافيــة وخاصــة بعــد الثــورة التقنيــة‪،‬‬ ‫رمــاداً عمــا قريب‪..‬والقــراءة حتــدد‬
‫تعنيــه‪ ،‬أو مــزودة باختبــارات وجتــارب أو‬ ‫ويف ظــل وجــود صراعــات بــن األفــكار؟‬ ‫للقــارئ مــع الزمــن نوعيــة املعرفــة التــي‬
‫مــا شــابه ذلــك‪.‬‬ ‫لســت قلقــاً مــن هــذه الثــورة التقنيــة‬ ‫مييــل إليهــا فيعتنــي بهــا أكثــر‪ ،‬وقــد‬
‫‪ -17‬مــا هــي آخــر كتبكــم وهــل هنــاك‬ ‫فهــي فتحــت مجــال احلــوار بــن النــاس‬ ‫تكشــف عــن إنســان موســوعي متنــوع‬
‫شــيء منهــا ســيطبع قريبــاً؟‬ ‫يف قضايــا كثيــرة‪ ،‬وســمحت أن يســتمع‬ ‫املعــارف واالهتمامــات‪.‬‬
‫آخــر إصداراتــي هــو كتــاب (زنزانــة)‪،‬‬ ‫بعضهــم لبعــض‪ ،‬ومــع الزمــن ســيكون هــذا‬ ‫‪ -8‬مــع مــرور الزمــن هــل يتحــول القــارئ‬
‫وهــو بحمــد اهلل مــن أكثــر الكتــب مبيع ـاً‪،‬‬ ‫ســبباً لبقــاء النافــع وحتجيــم الفاســد‪،‬‬ ‫مــن قــارئ عــادي إلــى قــارئ انتقائــي‪ ،‬أي‬
‫وكتــاب (أســئلة العنــف)‪ ،‬وهــو معاجلــة‬ ‫ـب ُج َفــاء َوأَ َّمــا َمــا يَن َفـ ُع‬‫{ َف َأ َّمــا ال َّزبَـ ُد َفيَ ْذ َهـ ُ‬ ‫منتقيــاً للكتــاب ومنتقيــاً للمقــروء مــن‬
‫لظاهــرة العنــف االجتماعــي والسياســي‬ ‫ض}(‪:17‬الرعــد)‪.‬‬ ‫َّــاس َفيَ ْم ُكــثُ ِف األَ ْر ِ‬ ‫الن َ‬ ‫الكتــاب‪ ،‬وكيــف ميكــن حتقيــق ذلــك؟‬
‫ـدي العديــد مــن الكتــب التــي‬ ‫والدينــي‪ ،‬ولـ ّ‬ ‫‪ -13‬مــع التطــور الــذي يشــهده املجتمــع‬ ‫قد يصبح االثنني معاً‪...‬فهو قارئ عام‬
‫أحضرها اآلن أهمها‪ :‬آدم (عليه الســام)‬ ‫ّ‬ ‫العربــي‪ ،‬كيــف تــرى اإلصــدارات التــي‬ ‫يتابــع اجلديــد ويحــرص علــى ّ‬
‫االطــاع‪..‬‬
‫حل ُجــب)؛ وهــو‬ ‫‪ ،‬و(علَّمنــي موســى)‪ ،‬و (ا ُ‬ ‫متتلــئ بهــا رفــوف املكتبــات‪ ،‬باختــاف‬ ‫ويف الوقــت ذاتــه فهــو متخصــص ينتقــي‬
‫كتــاب إميانـ ّـي يكشــف النقــاب عــن بعــض‬ ‫أنواعها؛ (األدبية ‪ -‬الفكرية ‪ -‬اإلســامية‬ ‫يف مجالــه مــا لــ ّذ وطــاب مــن جديــد‬
‫حل ُجــب التــي حتــول بيننــا وبــن اهلل‬ ‫ا ُ‬ ‫‪ -‬الثقافيــة)؟‬ ‫الكتــب‪ ،‬وكمــا قيــل‪« :‬مــن أراد أن يكــون‬
‫تعالــى‪.‬‬ ‫يف احلقيقــة لســت متابعــاً للحركــة‬ ‫عاملــاً فليلــزم فنــاً واحــداً‪ ،‬ومــن أراد أن‬
‫‪-18‬نصائــح وتوجيهــات مــن خبرتكــم يف‬ ‫التأليفيــة مبــا يعطينــي القــدرة علــى‬ ‫يكــون أديبــاً فليتســع يف العلــوم»‪.‬‬
‫القــراءة واختيــار الكتــب؟‬ ‫الرصــد والتقــومي‪ ،‬وقراءاتــي اآلن غالبــاً‬ ‫‪ -9‬يصــل القــارئ إلــى مرحلــة مــن التشــبع‬
‫أنصــح أبنائــي وبناتــي أن يتجنَّبوا قراءة‬ ‫تــدور حــول شــيئني‪ :‬موضوعــات تهمنــي‬ ‫والــدور‪ ،‬هــذه آفــة قــد تصيــب بعــض‬
‫الكتــب التــي تثيــر الشــبهات يف عقولهــم‪،‬‬ ‫ألننــي أف ّكــر فيهــا أو أهـ ّم بإعــداد برنامــج‬ ‫القــراء‪ ،‬مــا املخــرج منهــا؟‬
‫فكــم مــن قــارئ ملثــل هــذا اللــون مــن‬ ‫أو حلقــة أو كتــاب عنهــا‪ .‬أو منتــج يتميــز‬ ‫القــارئ اجلــاد هــو منهــوم ال يشــبع‪..‬‬
‫الكتابــة ابتلــع الشــبهات ولــم يســتطع أن‬ ‫بفــرض نفســه ويتجــاوز نطــاق الفئــة‬ ‫ومــع امتــاء الرفــوف بالغــث والســمني‪،‬‬
‫يتخلَّــص منهــا‪ ..‬ورمبــا ظــن نفســه عامل ـاً‬ ‫الضيقــة ليصــل إلــى عامــة القـ ّراء؛ الذيــن‬ ‫واتســاع دائــرة (خــداع العناويــن)‪ ،‬وشــيوع‬
‫أو فيلســوفاً وهــو ال يــزال يخطــو خطوتــه‬ ‫أُصنّــف نفســي منهــم!‬ ‫الســرقة العلمية‪ ،‬والســطو وتــداول طريقة‬
‫ويتهجــى حروف‬‫ّ‬ ‫األولــى يف طريــق املعرفــة‬ ‫‪ -14‬للدكتــور العــودة حضــور دائــم يف‬ ‫(خــذ مــن هنــا وضــع هنــا وقــل‪ :‬أ ّلفــت‬
‫األبجديــة!‬ ‫التأليــف والنشــر‪ ،‬فكيــف كانــت البدايــة‬ ‫أنــا‪ ،!)..‬فــإن القــارئ يحتــاج إلــى بصيــرة‬
‫‪ -19‬وصية أخيرة تق ّدمها للق ّراء؟‬ ‫واالنطالقــة مــع أول إصــدار ومــا قصــة‬ ‫فيمــا يشــتري ويقتنــي ويقــرأ مــن الكتــب؛‬
‫مــن العــادات اجلميلــة أن يكــون معــك‬ ‫املؤلــف األول‪ ،‬ح ّدثونــا عــن جتربتكــم‪..‬‬ ‫ا مبعــن املعرفــة الصادقــة‪.‬‬ ‫ليظــل متص ـ ً‬
‫قلــم وأنــت تقــرأ‪ ،‬فتــد ّون مــا يعجبــك مــن‬ ‫أول كتــاب لــي هــو (املســلمون بــن‬ ‫‪ -10‬مــا الــذي يفعلــه د‪ .‬ســلمان العــودة‬
‫الطرائــف‪ ،‬واملعــارف‪ ،‬واملعانــي‪ ..‬علــى‬ ‫التشــديد والتيســير)‪ ،‬وكان نقــداً جريئــاً‬ ‫حــن يشــرع يف قــراءة كتــاب مــا ليصــل‬
‫جوانــب الصفحــة أو يف دفتــر مســتقل‬ ‫لظاهــرة التشــدد املجتمعــي باســم الديــن‬ ‫إلــى شــعور أثنــاء قراءتــه أنــه لــم يــروق لــه‬
‫يكــون مســتودعاً الختياراتــك‪ ..‬العلميــة‪،‬‬ ‫الســنة‪ ..‬وقــد واجــه الكتــاب حملــة‬ ‫واتبــاع ُّ‬ ‫‪ ،‬أو لــم يجــد فيــه الفائــدة املرجــوة ؟‬
‫واألدبيــة‪ ،‬والتاريخيــة‪.‬‬ ‫ضاريــة‪ ،‬وصــدرت كتــب وفتــاوى وردود‪،‬‬ ‫ا أردت لنفســي أال أكــون مجــرد‬ ‫فعــ ً‬

‫‪19‬‬
‫يونس بن عمارة‬
‫‪younes2kc@gmail.com‬‬

‫أقــوى مــن اجلــزء الثانــي‪ ،‬لكــن اجلــزء‬ ‫للجزئــن) بترجمــة «ســهام بنــت ســنية»‬ ‫الكثيــر منــا لــم ي ـ َر «أليــس» إال بعــن‬
‫الثانــي ســيغازل املهندســن ومحبــي‬ ‫و»عبــد الســام» وطبعــة دار التنويــر‪،‬‬ ‫واحــدة تتمثــل يف ( أليــس يف بــاد‬
‫الرياضيــات واأللعــاب العقليــة واللفظيــة‬ ‫أمــا اجلــزء الثانــي فقــد تُرجــم مــرة‬ ‫العجائــب ) ‪ ،‬لكــن مــا ســيحكيه لنــا‬
‫ومحبــي لعبــة الشــطرجن ‪.‬‬ ‫واحــدة للعربيــة ترجمــة جديــدة وجيــدة‬ ‫األديــب البــارع «لويــس كارول» يف اجلــزء‬
‫مــا ســنخرج بــه عنــد قراءتنــا لقصــة‬ ‫واحترافيــة وهــي للطبعــة ســابقة الذكــر‬ ‫الثانــي ألليــس يف بــاد العجائــب املعنونــة‬
‫«أليــس» يف بــاد العجائــب كثيــر يــكاد‬ ‫وأحلقــت بــه‪ ،‬فالقصتــان متكاملتــان‪.‬‬ ‫بـــ ( أليــس عبــر املــرآة ) ســيمنحنا العــن‬
‫ال يحصــى و لكننــا ســنجمل بعضــه يف‬ ‫القصــة األولــى تبــدأ مبشــهد شــعور‬ ‫الثانيــة لتكتمــل حينهــا الرؤيــة‪ ( ،‬أليــس‬
‫نقــاط أهمهــا ‪:‬‬ ‫«أليــس» بامللــل يف نزهــة للحديقــة قامــت‬ ‫عبــر املــرآة ) ال يعــرف الكثيــر بوجودهــا‬
‫‪ /1‬قــوة الســرد وبســاطته ووضوحــه مــع‬ ‫بهــا هــي وأختهــا‪ ،‬حتــى حملــت أرنبــاً‬ ‫لعــدم اشــتهارها مثــل اجلــزء األول مــن‬
‫العمــق الشــديد ‪ .‬ولنضــرب علــى ذلــك‬ ‫مســرعاً يلبــس صديريــة‪ ،‬ثــم يتوقــف‬ ‫القصــة‪ ،‬ولزمــن طويــل ُطبــع يف أذهاننــا‬
‫ا باالقتبــاس التالــي مــن القصــة‬ ‫مثــ ً‬ ‫لينظــر إلــى الســاعة التــي أخرجهــا مــن‬ ‫أن قصــة «أليــس» هــي قصــة موجهــة‬
‫«الفصــل الســادس» ‪:‬‬ ‫جيبهــا‪ ،‬ويقــول إنــه تأخــر‪ ،‬ومــن هنــاك‬ ‫لألطفــال‪ ،‬لكنهــا يف نظــري ونظــر الكثيــر‬
‫«أال قلــت لــي رجــا ًء‪ ،‬يف أي طريــق يجــب‬ ‫فإنهــا تنطلــق مقتفيــة أثــره إلــى جحــره‪،‬‬ ‫مــن نقــاد األدب‪ ،‬ليســت قصــة أطفــال‬
‫أن أذهــب مــن هنــا ؟‬ ‫لتســقط يف هــ َّوة وتفكــر أفــكاراً كثيــرة‬ ‫وحســب ‪.‬‬
‫«ذلــك يتوقــف كثيــراً علــى أيــن تريديــن‬ ‫جــداً ومثيــرة‪ ،‬لدرجــة أن تفكيــر «أليــس»‬ ‫أُلوف الدراسات و مئات الكتب حلّلت‬
‫الذهــاب» قــال القــط»‪.‬‬ ‫وهــي تســقط مــن أروع مــا ُكتــب يف النثــر‬ ‫القصــة‪ ،‬علــى شــتى األوجــه واجلوانــب‬
‫ا ميكــن أن يقــول‬ ‫هــذه الكلمــة مثــ ً‬ ‫العاملــي ‪ -‬وهــي تســقط لقــرار الهــوة‬ ‫ويف هــذا املقــال القصيــر لــن نتحــدث‬
‫البعــض ومــا الــذي تعنيــه بالنســبة لــي؟‬ ‫حيــث جتــد غرفــة عجيبــة ‪...‬إلــخ ‪.‬‬ ‫عــن حتليلهــا أدبي ـاً بشــكل مفصــل فهــذا‬
‫أليســت نثــراً أدبي ـاً وحســب‪ ،‬نقــول إنهــا‬ ‫البنــاء الســردي للقصــة شــديد‬ ‫قــد مت‪ ،‬إمنــا نعــرض لهــا بعــرض بســيط‬
‫ليســت كذلــك ‪ .‬ملــاذا ؟ ألنــه كثيــراً مــا‬ ‫التشــويق‪ ،‬بســيط يف الظاهــر‪ ،‬عميــق‬ ‫يشــوق لقراءتهــا ملــن لــم يطالــع النــص‬
‫نقابــل أصدقــاء ومعــارف يف مــأزق أو‬ ‫للغايــة ‪ ..‬وهــذا مــا يبــرر أن ألــوف‬ ‫األصلــي والكامــل لهــا بعــد و قــد توفــر‬
‫وضــع معلــق ويســألوننا مــا الــذي يجــدر‬ ‫الدراســات األكادمييــة والقــراءات العامــة‬ ‫–أخيــراً‪ -‬وبترجمــة عربيــة جيــدة ج ـ ًدا‪.‬‬
‫بنــا فعلــه اآلن؟‬ ‫واجلــدل دارت حــول هــذا البنــاء األدبــي‬ ‫كِ ال اجلزأيــن تُرجمــا للعربيــة‪،‬‬
‫املتميــز‪ ،‬القــوي بنيويــاً‪ ،‬أي يف بنائهــا‬ ‫ولكننــا ننصــح بالنــص الكامــل ( احلــاوي‬
‫‪20‬‬
‫اكتفــى «لويــس كارول» بإثــارة األســئلة‬ ‫اجلواب املثالي هو ‪:‬‬
‫وشــحذ األذهــان‪ ،‬وهــذا أفضــل مــا‬ ‫هــذا يعتمــد علــى أيــن تريــد الذهــاب‬
‫ميكــن لكاتــب أن يفعلــه بالتفكيــر‬ ‫بالتحديــد ‪ .‬لــو أخبـ َ‬
‫ـرك أنــه ال يــدري‪،‬‬
‫البشــري ‪.‬‬ ‫ـت يف احلقيقــة بطلــة القصــة‬ ‫كمــا فعلـ ْ‬
‫‪ /3‬دعمــه للتســاؤل الطفولــي‬ ‫«أليــس»‪ ،‬فــإن رد القــط هــو اجلــواب‪:‬‬
‫و ا ســتمر ا ر ه ‪.‬‬ ‫إذن ال يهــم أي طريــق ســتختار‪ ،‬ألن‬
‫‪ /4‬احليــرة هــي مــا ســنتوصل إليــه‬ ‫وجهتــك غيــر محــددة ‪ .‬لكــن عندمــا‬
‫كنتيجــة عندمــا نزعــم أننــا فهمنــا‬ ‫يخبــرك أريــد الذهــاب إلــى النقطــة‬
‫هــذا العالــم‪.‬‬ ‫(ب) الهــدف املعــن‪ ،‬فــإن لــكل هــدف‬
‫‪ /5‬حس السخرية والتهكم ‪.‬‬ ‫خطــوات معينــة معروفة للوصول إليه‪،‬‬
‫‪ /6‬النسبية‪ :‬العالم يف بالد العجائب‬ ‫عندمــا نحــدد الهــدف يتحــدد الطريــق‬
‫عالــم نســبي‪ ،‬البشــر يتكلمــون‪،‬‬ ‫إليــه هــذه هــي روعــة فكــرة «لويــس‬
‫احليوانــات أيضــاً يف قصــة «لويــس‬ ‫كارول» الــذي كان يــدرس الرياضيــات‬
‫كارول»‪ ،‬يقــول العلمــاء احليوانــات ال‬ ‫ا و»لويــس كارول» هــو اســمه‬ ‫أصــ ً‬
‫تتكلــم‪ ،‬إذن كيــف تتفاهــم فيمــا بينهــا؟‬ ‫املســتعار‪ ،‬فهــا قــد رأيتــم النقطــة ألــف‬
‫يخبرونــك أن لديهــا لغــة خاصــة ‪ .‬إذن‬ ‫والنقطــة بــاء‪ ،‬فــإن لــم حتــدد إلــى‬
‫اجلــواب هــو أنهــا تتكلــم لكــن بلغتهــا‬ ‫أيــن تســير‪ ،‬فــا يهــم الطريــق الــذي‬
‫اخلاصــة‪ ،‬هــل ســيتاح لنــا يومــا فهمهــا‬ ‫ســتتخذه‪ ،‬وهكــذا وصلنــا إلــى هــذه‬
‫بشــكل كامــل؟ وهــل إن فهمناهــا‬ ‫النتيجــة التــي يريدنــا «لويــس كارول»‬
‫ســيؤثر ذلــك علــى تفكيرنــا و انتمائنــا‬ ‫أن نصــل إليهــا ‪.‬‬
‫وهويتنــا‪ ،‬ال نــدري ! ‪ .‬نســبية احلجــم‬ ‫‪ /2‬طرحــه لقضيــة الهويــة‪ :‬مــن أنــا؟‬
‫أيضــاً «أليــس» تكبــر وتصغــر عــدة‬ ‫وهــي القضيــة التــي أثــارت الكثيــر‬
‫مــرات وبشــكل مختلــف ال يوجــد يف‬ ‫مــن األفــكار يف عصرنــا احلديــث‪،‬‬
‫احلقيقــة كبيــر أو صغيــر إال بالنســبة‬ ‫قضيــة الهويــة وبعدهــا االنتمــاء‪ ،‬أن‬
‫رجــع مــا‪ ،‬وإن قلــت لــي أن هــذا‬ ‫مل َ ِ‬ ‫تكــون إنســاناً‪ ،‬مــا الــذي يعنيــه ذلــك‬
‫ا‪ ،‬كبيــر بالنســبة‬ ‫الشــيء كبيــر مثــ ً‬ ‫بالتحديــد؟‪ ،‬وإن كان يعنــي أن تكــون‬
‫ملــن؟ أو صغيــر بالنســبة ملــن؟‪.‬‬ ‫«إنســاناً» شــي ًئا مــا‪ ،‬فمــن أعطانــي‬
‫‪ /7‬ميكــن لــكل شــيء أن يتحــدث‬ ‫ذلــك املعنــى وملــاذا؟ وملــاذا ال يكــون‬
‫بطريقتــه اخلاصــة إذا مــا وجدنــا‬ ‫معنــى آخــر؟ وإن ســلمنا مبعنــى‬ ‫ً‬ ‫لــي‬
‫الطريقــة أو الســبيل لفهمــه ‪.‬‬ ‫معــن لإلنســانية‪ ،‬ســتظهر لنــا قضيــة‬
‫‪ /8‬العالَــ ُم‪ ،‬مــا لــم نتحــ َل بالدهشــة‬ ‫االنتمــاء ومــن ثــم قضيــة اآلخــر‪ ،‬وهــي‬
‫والتســاؤل ‪ :‬ممــ ٌل جــداً ‪.‬‬ ‫قضايــا فلســفية وجوديــة جـ ُد شــائكة‪،‬‬
‫‪21‬‬
‫حــن شــاهدته أمامــي يف أحــد املطاعــم‬ ‫كافــكا علــى الشــاطئ‪ ،‬لكــن ورغــم اجلمال‬ ‫تــوارد اقتبــاس عبــارة الع ّقــاد الشــهيرة‪:‬‬
‫صدفــة يف مدينــة لنــدن‪ ،‬كانــت تلــك هــي‬ ‫الــذي عشــته مــع تلكــم الصفحــات‪ ،‬إال‬ ‫ألن حيــاة واحــدة ال تكفــي”‪،‬‬ ‫“أقــرأ ّ‬
‫ذات الفرحــة التــي وجدتنــي أقــف حينهــا‬ ‫ً‬
‫فراغــا البــد وأن ميلــؤه‬ ‫ـأن‬
‫أننــي شــعرت بـ ّ‬ ‫ـنوات أربــع مــن القــراءة املك ّثفــة جعلتني‬
‫سـ ٌ‬
‫يف حديقــة الشــتاء كمــا يســمونها يف‬ ‫شــيء مختلــف‪ .‬وجدتنــي أبحــث علــى‬ ‫أنظــر لهــذه العبــارة مــن زاويــة أخــرى‪:‬‬
‫مدينــة شــيفيلد البريطانيــة والتــي حملــت‬ ‫الصديــق الــويف (جوجــل) عــن كافــكا‬ ‫ألن واحــدة ال تكفــي!‪.‬‬ ‫حــواس ِس ْ‬
‫ــت‪ّ ،‬‬ ‫ٌّ‬
‫بــن أرجائهــا البامبــو الفلبينــي الــذي هــو‬ ‫علــى الشــاطئ‪ ،‬والــذي بجمــال وســعة‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫زلــت أتذكــر نصيحــة أهدانــي إ ّياهــا‬ ‫ُ‬ ‫ال‬
‫رمــ ٌز ال يتجــزّأ مــن روايــة ســاق البامبــو‬ ‫اطالعــه املعــريف ـ نعــم أقصــد جوجــل ـ‬ ‫أحــ ُد القــ ّراء يف موقــع جودريــدز تعلي ًقــا‬
‫لســعود السنعوســي‪ .‬هــذا النــوع مــن‬ ‫أخــذ بيــدي لعالــم كافــكا علــى الشــاطئ!‬ ‫حينمــا قــرأ أحــد تعقيباتــي علــى روايــة‬
‫الذاكــرة ال ميكــن أن ميــر علــى جتربتــك‬ ‫ال أريــد أن “أحــرق” الروايــة علــى مــن لــم‬ ‫كنــت قــد‬
‫ُ‬ ‫ضــل عــدم ذكــر عنوانهــا)‬ ‫(أ ُ َف ِّ‬
‫مــع أي كتــاب مــرور الكــرام‪ ،‬فســيظ ُّل‬ ‫يقرأهــا‪ ،‬لكننــي وجــدت نفســي كأليــس‬ ‫ع ّبــرت فيــه عــن اســتيائي الشــديد منهــا‬
‫ذهــب مشــه ًدا ال‬‫دو ًمــا ذلــك الســماور امل ُ َّ‬ ‫يف بــاد العجائــب إن جــاز لــي التعبيــر‪،‬‬ ‫بــل و “كرهــي” لهــا‪ ،‬حينهــا قــال لــي‪:‬‬
‫يُنســى حــن ميــر اســمه أمامــي يف روايــة‬ ‫أن ناكاتــا هــو اسـ ٌم ملدينــة‬
‫اكتشــفت كيــف ّ‬ ‫“هــذه روايــة ال تُقــرأ فقــط‪ ،‬بــل البــد مــن‬
‫لديســتو‪ ،‬وســيظ ّل دو ًمــا عمــود البامبــو‬ ‫يف اليابــان تعـ ّـج بهــا القطــط‪ ،‬ثــم تعلّمــت‬ ‫التّو ُّقــف خاللهــا والبحــث عــن خلفيتهــا‬
‫ي ّذكرنــي بســبب اختيــار ســعود لــه رم ـزًا‬ ‫ـأن ســاكورا هــو اسـ ٌم لألشــجار الورديــة‬ ‫بـ ّ‬ ‫ومصطلحاتهــا التاريخيــة‪ ،‬بــدون ذلــك ال‬
‫لروايتــه (البــد أن تقــرأ الروايــة كــي‬ ‫يف اليابــان‪ ،‬ثــم وجدتنــي أرى وجــه ناكاتــا‬ ‫ميكــن فهمهــا واحلكــم عليهــا”‪  .‬مبــرور‬
‫تعــرف مــا أعنيــه)‪.‬‬ ‫تائهــا يف شــوارع طوكيــو‪ ،‬وأخــرى جلدائــل‬ ‫الوقــت‪ ،‬والقــراءة أكثــر‪ ،‬اكتشــفت مــرة‬
‫ســاكورا وبــراءة وجههــا‪ ،‬وكانــت املفاجــأة‬ ‫تلــو األخــرى بــأن القــراءة بحاســة‬
‫ال ّروح التي تَنفُذ إلى قلبك فال تغادره‪:‬‬ ‫حــن اســتمعت ملقطــع مــن أغنيــة “كافــكا‬ ‫“النّظــر” وحدهــا ال تكفــي! فمــا معنــى‬
‫نعــم‪ ،‬هــي الــ ّروح التــي تَنفُــ ُذ لقلبــك‬ ‫علــى الشــاطئ” ورجعــت بــي الذاكــرة‬ ‫ذلــك وكيــف؟ دعونــي آخذكــم يف رحلــة‬
‫فــا تغــادره ‪ ..‬روح الكتــب‪ ،‬وليــس حبرهــا‬ ‫وحلّــق بــي اخليــال مــع كافــكا يف مكتبــه‬ ‫بســيطة مــع احلــواس اخلمــس املظلومــة‪.‬‬
‫فقــط‪ ،‬شــيء كثيــر يظ ـ ُّل يربطــك بذلــك‬ ‫يشــاهد الشــاطئ أمــام نافــذة يعصــف‬
‫الــذي فــارق يــدك ولــم يفــارق روحــك‪،‬‬ ‫الهــواء مــن خاللهــا بالســتائر ذات اللــون‬ ‫رأيــت ناكاتــا و ســاكورا َو َســمِ ْع ُت‬
‫ُ‬ ‫حينمــا‬
‫هنالــك الكثيــر مــن األفــكار التــي ميكــن‬ ‫األزرق الفــاحت‪ .‬هــذه التجربــة املرئيــة‬ ‫ِب ـأُ ُذن كافــكا‪:‬‬
‫بح ـ َر فيهــا وينغمــس بهــا يف‬ ‫للقــارئ أن يُ ِ‬ ‫واملســموعة جعلتنــي أوقــن بأننــا حــن‬ ‫كنــت أالحــظ مــن خــال متابعتــي‬
‫مــا يقــرأ‪ .‬جــ ّرب يو ًمــا عزيــزي القــارئ‬ ‫حاســة واحــدة ال تكفــي!‬ ‫نقــرأ‪ ،‬فــإن ّ‬ ‫حلســابات القــ ّراء علــى تويتــر كيــف‬
‫أن تتــذ ّوق طب ًقــا قــرأت اســمه يف كتابــك‪،‬‬ ‫أنهــم خــال قراءتهــم لكتــاب مــا يضعــون‬
‫أن تستنشــق رائحــة تغــزّل بهــا الروائــي‬ ‫السماور الروسي والبامبو الفلبيني‪:‬‬ ‫روابطــا متنوعــة مابــن مقطــع يوتيوبــي‪،‬‬ ‫ً‬
‫األقــرب لقلبــك‪ ،‬ورمبــا أن تســافر ألرض‬ ‫ال ميكــن ملــن يقــرأ ترجمــة الدروبــي‬ ‫موســيقي أو حتــى فيلــم وثائقــي كامــل‪،‬‬
‫لــم تطأهــا قدمــاك بعــد‪ ،‬فقــط كــي تَن ُفـ َذ‬ ‫لــأدب الروســي أن ينســى الســماور‪،‬‬ ‫كل منهــم يعــرض بالصــوت والصــورة‬
‫بحــواس ِســت‪:‬‬‫ٍّ‬ ‫تلــك الــروح إلــى قلبــك‪،‬‬ ‫ذلــك اجلــزء مــن الضيافــة وليالــي الســمر‬ ‫شــخصيات‪ ،‬أماك ًنــا وأزمنــة ُك ِت َبــت حر ًفــا‬
‫ملســا‪ ،‬تذ ّو ٍقــا‬ ‫ٍ‬
‫استنشــاقا‪ً ،‬‬ ‫رؤيــة‪ ،‬ســم ًعا‪،‬‬ ‫يف روايــات ديستوفيســكي‪ ،‬فيشــ ّده‬ ‫تتجســد‬
‫ّ‬ ‫ضمــن مــا يقــرؤون ولكنّهــا لــم‬
‫واإلحســاس الــذي هــو مولــود كل ماســبق‪.‬‬ ‫الفضــول لرؤيتــه‪ ،‬ورغــم أننــي شــاهدت‬ ‫ســوى يف خيــال كل قــارئ‪ .‬لــم أستشــعر‬
‫ألن حاســة واحــدة‬ ‫الســت ّ‬‫اقــرأ بحواســك ِّ‬ ‫الســماور يف صــورة علــى صديقــي الــويف‬ ‫كيــف ميكــن أن يغ ّيــر هــذا “التكنيك” وجه‬
‫ال تكفــي‪.‬‬ ‫أن ســعادتي كانــت مختلفــة‬
‫ويكيبيديــا‪ ،‬إال ّ‬ ‫كنــت قــد انتهيــت مــن‬ ‫ُ‬ ‫قراءتــي لألبــد!‬

‫غيداء الجويسر‬
‫‪ghayda.aj@me.com‬‬
‫‪22‬‬
‫ء‬

‫‪23‬‬
‫سعيد الزهراني‬
‫‪@drpolymath85‬‬

‫حيــث األصالــة والعراقــة والواقعيــة وامليــل إلــى‬ ‫لقــد كان األدب قبلــه شــعرا يتلــى علــى املســامع‪،‬‬
‫العقالنيــة وكل هــذا ســتجده مالزمــا مالزمــة‬ ‫وقصائــد تضــج بهــا مجالــس اخللفــاء والندمــاء‪،‬‬
‫شــديدة يف كتــب وأدب اجلاحــظ ‪.‬وبعــد أن شــيدت‬ ‫والنثــر يحبــوا حبــ ًوا ملتمســا طرقــا يســلكها‬
‫مدينــة العلــم واحلضــارة بغــداد انتقــل اجلاحــظ‬ ‫وعقـ ً‬
‫ـول تتبنــاه ‪ ،‬فالنثــر لــم يكــن إال رســائل مكــررة‬
‫إليهــا ليبــدأ مرحلــة علميــة جديــدة يف حياتــه‬ ‫يف قوالــب جامــدة أغراضهــا بســيطة جــدا‪ ،‬حتــى‬
‫ويكــون شــاهدا بــل مشــاركا فيهــا ويكــون املثقــف‬ ‫ولــد معلــم العقــل واألدب الــذي أرســى قواعــد‬
‫األول يف العالــم اإلســامي يف ذلــك الزمــان ‪.‬‬ ‫النثــر وانتهــى بــه إلــى أبهــى غاياتــه ‪ ،‬ورفعــه مكانــة‬
‫يف عاصمــة الرشــيد قــرأ ونهــل مــن العلــوم‬ ‫تضــارع وتــوازي الشــعر وبــدأت معــه قصــة النثــر‬
‫اجلديــدة التــي ترجمــت مــن اليونانيــة والفارســية‬ ‫العربــي ‪ ،‬لقــد كان أبــو عثمــان اجلاحــظ عالمــة‬
‫والهنديــة فأصبــح الرجــل موســوعة متشــي علــى‬ ‫فارقــة يف تاريــح األدب العربــي مــن حيــث األصالة‬
‫األرض‪ ،‬ذو ثقافــة عاليــة وعقــل جــريء المــع‬ ‫والبالغــة واألســلوب وجمــال التراكيــب وســهولتها‬
‫وفكــر حــر‪ ،‬وبذلــك تكونــت لــه حصيلــة معرفيــة‬ ‫بــل ومتعتهــا ‪.‬‬
‫عظيمــة وخصوصــا إذا علمنــا أن أبــا عثمــان كان‬ ‫ولــد أديبنــا األريــب يف البصــرة وتشــبع مــن‬
‫ينــام يف دكاكــن الوراقــن ويســتأجرها ويقضــي‬ ‫علمهــا وعلمائهــا‪ ،‬ودرس يف املســاجد ويف حلقــات‬
‫األيــام والليالــي مشــغوال فيهــا بالقــراءة والكتابــة‪،‬‬ ‫الكتــاب و كان أشــهر معلميــه أبــا زيــد االنصــاري‪،‬‬
‫قــال عنــه أبــو هفــان « لــم أر قــط وال ســمعت مــن‬ ‫واألصمعــي والنظــام وكلهــم نوابــغ يف فنونهــم‬
‫أحــب الكتــب والعلــوم أكثــر مــن اجلاحــظ فإنــه لــم‬ ‫وعلومهــم ‪ ،‬وتشــرب اجلاحــظ علــوم العربيــة‬
‫يقــع بيــده كتــاب قــط إال اســتوفى قراءتــه كائنــا‬ ‫وفنونهــا وأخبــار العــرب وأنســابها يف البصــرة‬
‫مــا كان‪ ،‬حتــى إنــه كان يكتــري دكاكــن الوراقــن‬ ‫وحتديــدا يف املربــد التــي كانــت مثــل ســوق عــكاظ‬
‫ويبيــت فيهــا للنظــر » ‪.‬‬ ‫عنــد العــرب ‪ ،‬فــكان صــورة ملــا كانــت عليــه مدينتــه‬

‫‪24‬‬
‫‪ ،‬والتاريــخ القــدمي وأن اجلاحــظ لــو لــم يخلــف لنــا‬ ‫كان يعشــق القــراءة والكتابــة فهــي ســلوته يف‬
‫إال هــذا الكتيــب الســتحق امتنــان العــرب وإعجــاب‬ ‫خلوتــه ‪ ،‬ويف عصــر كان يقــوم أغلــب تعليمــه علــى‬
‫املســتعربني ‪.‬‬ ‫الســماع واحلفــظ‪ ،‬بــدأ ينتقــد هــذه الطريقــة يف‬
‫لقــد صنعــت منــه القــراءة كنــز ال يفنــى مــع‬ ‫التعليــم ويدعــو إلــى الكتابــة والتقييــد ويتفــن‬
‫الزمــان ‪ ،‬وطوفــان جــارف مــن العلــوم تخطــى‬ ‫أديبنــا يف وصــف الكتــاب وجمالــه فكتــب فصــا‬
‫املعقــول فانظــر إلــى كتابــه احليــوان عبــارة عــن‬ ‫كامــا عــن الكتــاب يقــول فيــه «اإلنســان ال يعلــم‬
‫دائــرة معــارف عظيمــة جــدا تشــمل فنونــا كثيــرة‬ ‫حتــى يكثــر ســماعه والبــد أن تكــون كتبــه أكثــر‬
‫فيهــا مــن احملاججــة العقليــة ونظريــات النقــد‬ ‫مــن ســماعه وال يعلــم وال يجمــع العلــم حتــى يكــون‬
‫األدبــي وعلــم االجتمــاع والتاريــخ وعلــم احليــوان‬ ‫اإلنفــاق عليــه مــن مالــه ألــذ عنــده مــن اإلنفــاق مــن‬
‫وإشــارات مهمــة إلــى علــوم جديــدة مثــل التطــور‬ ‫مــال عــدوه « ويقــول أيضــا « الكتــاب نعــم الذخــر‬
‫واألنثروبولوجيــا ‪ ،‬وأهــم مــن هــذا كلــه فهو صاحب‬ ‫والعقــدة واجلليــس والعمــدة ونعــم النشــوة والنزهة‬
‫الريــادة يف مجــال الفكــر واســتخدام املنهــج العقلــي‬ ‫ونعــم األنيــس ســاعة الوحــدة ونعــم املعرفــة ببــاد‬
‫الــذي ســبق بــه فرانســيس بيكــون وديــكارت كمــا‬ ‫الغربــة» ‪.‬‬
‫يقــول جميــل جبــر يف كتابــه اجلاحــظ معلــم‬ ‫هــذه الصداقــة الشــديدة بينــه وبــن الكتــاب‬
‫العقــل واألدب‪ ،‬يقــول مفكرنــا العظيــم «فالتذهــب‬ ‫جعلتــه يف عصــره إمامــا لــأدب فــكان اخللفــاء‬
‫إلــى ماتريــك العــن واذهــب إلــى مايريــك العقــل‬ ‫يفاخــرون بقربــه وصداقتــه ‪ ،‬وكتبــه تبــاع بــآالف‬
‫ولألمــور حكمــان ‪ :‬حكــم ظاهــر للحــواس وحكــم‬ ‫الدنانيــر وهــذا مــا جعلــه يتفــرغ للعلــم والقــراءة‬
‫باطــن للعقــول‪ ،‬والعقــل هــو احلجــة «‬ ‫والكتابــة حتــى وصلــت كتبــه ورســائله إلــى أكثــر من‬
‫اشــتهر مثقفنــا املوســوعي باالســتطراد يف‬ ‫مائتــي كتــاب و رســالة حســب صاحــب الفهرســت‬
‫كتبــه ورســائله املجيــدة ومــن غيــره يســتطيع ذلــك‬ ‫ابــن النــدمي‪ ،‬ورغــم أن الــذي وصلنــا ال يزيــد عــن‬
‫واليرهقــك اليجعلــك متــل وتســأم‪ ،‬فكتبــه رحــات‬ ‫ثالثــن كتابــا ورســالة إال أنهــا عاليــة القيمــة‬
‫استكشــافية عبــر بحــور املعرفــة‪ ،‬ثــم إنــه قــرأ‬ ‫ال حــدود لثرائهــا اللغــوي واألدبــي والعلمــي ‪،‬‬
‫ألــوف الكتــب وحينمــا يكتــب تزدحــم الكلمــات‬ ‫وكانــت ذات قيمــة اجتماعيــة وتربويــة ‪ ،‬وعــد مــن‬
‫واألفــكار واملعانــي وتكــون قــوة ضاغطــه تريــد أن‬ ‫أوائــل مــن أســس مفهــوم اإللتــزام يف األدب قبــل‬
‫تتفجــر علــى الــورق ‪ ،‬ولكنــه ينظمهــا ويتربهــا يف‬ ‫ظهــور النظريــات األخالقيــة املنطلقــة مــن واقــع‬
‫عقلــه وثــم يبدعهــا ويرســمها كلمــات وجمــل مليئــة‬ ‫املســؤولية التــي تقــع علــى عاتــق األديــب ‪ ،‬والتــي‬
‫بجمــال البالغــة واألســلوب‪ ،‬وعبقريــة األفــكار‬ ‫تبلــورت فكرتهــا يف أربعينيــات القــرن العشــرين‬
‫لتكــون بعــد ذلــك قطعــة خالــدة علــى صفحــات‬ ‫علــى يــد الفيلســوف واألديــب الفرنســي جــون‬
‫الــورق‪.‬‬ ‫بــول ســارتر وبهــذا يعتبرأســتاذا للفكــر التربــوي‬
‫إن طريــق العظمــة واخللــود يبــدأ مــع القــراءة‬ ‫واألخالقــي وســابقا لزمانــه بقــرون عديــدة‪.‬‬
‫فمعلمنــا أبــو عثمــان ولــد فقيــرا يبيــع اخلبــز‬ ‫ومــن خــال كتبــه التــي عالــج فيها مســائل كثيرة‬
‫والســمك وكان دميــم الوجــه كريــه املنظــر ‪ ،‬ولكــن‬ ‫ومــزج العلــم بــاألدب والفكاهــة فهــو فيلســوف‬
‫القــراءة أعطتــه جمــال العلــم واألدب ونقشــت‬ ‫األدب الســاخر يف األدب العربــي كلــه ‪ ،‬فرســالة‬
‫اســمه مــع زمــرة اخلالديــن ‪ ،‬فكتبــه التــزال تــدرس‬ ‫التربيــع والتدويــر خيــر مثــال يســتعرض اجلاحــظ‬
‫وتقــرأ وطــاب احلقيقــة واملعرفــة منكبــون علــى‬ ‫فيهــا قدرتــه علــى مــزج اجلــد بالهــزل‪ ،‬ويجعــل مــن‬
‫تراثــه بعــد أن مضــى عليــه أكثــر مــن ‪ 1000‬ســنة‪،‬‬ ‫أحمــد ابــن عبدالوهــاب أفكوهــة ‪ ،‬ويتهكــم بــه يف‬
‫وحتــى يــوم وفاتــه كان عجيبــا فقــد مــات قارئــا‬ ‫طــول الرســالة وعرضهــا فالرســالة موجهــة إليــه‬
‫يف مكتبتــه عندمــا ســقطت عليــه الكتــب وكان قــد‬ ‫وفيهــا مــن قــوة البيــان والــذكاء اللغــوي والبالغــة‬
‫جتــاوز عمــره التســعني‪ ،‬لقــد قــرأ معلــم العقــل‬ ‫النــادرة حتــى قــال عنهــا املستشــرق الفرنســي‬
‫واألدب حتــى أتــاه اليقــن وضمــت كتبــه إلــى تــراث‬ ‫شــارل بيــا املتخصــص يف أدب وفكــر اجلاحــظ ‪:‬‬
‫األدبــاء واملفكريــن اخلالديــن ‪.‬‬ ‫إن كتــاب التربيــع والتدويــر تهكــم مســتمر تتخللــه‬
‫مســائل جــادة عويصــة تتعلــق بالظواهــر الطبيعيــة‬

‫‪25‬‬
‫جتاوبــاً مــع مليعــة عبــاس عمــارة‬ ‫كيــف أنســى حســرة غشــيتني‬ ‫أغلقــت كتابــي‪ ،‬ورحــت أتأمــل‬
‫التــي أحبــت الســياب وأحبهــا‪ ،‬لكــن‬ ‫عنــد قــراءة فصــل «ملــاذا تخيــب‬ ‫رفــوف املكتبــة؛ مــا الــذي يدفــع كل‬
‫اهلل لــم يكتــب لهمــا جمعـاً‪ ،‬فمضــت‬ ‫اآلمــال» مــن «رحيــق العمــر» للدكتــور‬ ‫هــؤالء املؤلفــن إلى تقطيــع أرواحهم‬
‫الســنوات ورأت كتابــاً لهــا يجــاور‬ ‫جــال أمــن‪ ،‬وكيــف أصــف حالــي‬ ‫علــى شــكل أوراق‪ ،‬وضمهــا بــن‬
‫كتابــا للســياب فقالــت ‪:‬‬ ‫حــن قــرأت كلمــة فرانــز كافــكا‬ ‫دفتــن‪ ،‬وإرســالها يف تابــوت يســميه‬
‫يف رســالته ألبيــه‪« :‬أنــت وراء كل‬ ‫النــاس كتابــا ! هــذا اخليــال املخيــف‬
‫إذا بنا ورغمها نلتقي‬ ‫معاناتــي»‪ ،‬هــذا التناســخ الشــعوري‬ ‫طــرق بــاب روحــي فأيقظها‪ ،‬وجعلني‬
‫هنا كتابني على رف‬ ‫زارنــي مــراراً؛ فقــد كنــت أحتســس‬ ‫أســترجع ذكرياتــي مــع الكتــب؛ كــم‬
‫أظفــاري مــع مليكــة أوفقيــر عنــد‬ ‫دمعــة ســفحت علــى عتبــات نــص‬
‫آمنــت أن الكتــب توابيــت املعرفــة‪،‬‬ ‫حديثهــا عــن حفــر النفــق بيديهــا‬ ‫بائــس‪ ،‬وكــم ضحكــة فــرت لتختــرق‬
‫يف كتابهــا «الســجينة»‪ ،‬وكنــت وأن فيهــا ســكينة‪ ،‬وبقيــة ممــا تــرك‬ ‫جــو الصمــت املكانــي‪ ،‬وإن مــن‬
‫أتضــور مــع كنــوت هامســون يف العباقــرة‪ ،‬والبائســون‪ ،‬وفرســان‬ ‫لذائــذ احليــاة التــي ال مثيــل لهــا‪:‬‬
‫روايتــه «اجلــوع»‪ ،‬وأشــم ذرات الشــعور اإلنســاني ‪.‬‬ ‫أن ينبــت الكاتــب ألحرفــه ذراعــن‬
‫الغبــار مــع كل ســطر مــن «العطــر»‬ ‫تعانــق غريب ـاً طــوي يف بئــر روحــك‪،‬‬
‫لزوســكيند‪ ،‬وأحــس بضآلــة الدنيــا‬ ‫فيعانقــه‪ ،‬ويحادثــه‪ ،‬ويبثــه وجــده ‪.‬‬
‫بدر الثوعي‬
‫‪@badrTH_313‬‬

‫‪26‬‬
‫الليــل‪ ،‬وال ضيــاء يف البيــت غيــر شــمعة أو‬ ‫وعشــرين مجلــداً‪ ،‬أعــرف مــن قــرأه‬ ‫قبــل طــرح الكتــب املقترحــة لهــذا‬
‫مصبــاح ذي فتيــل»‪.‬‬ ‫كامــا يف ســبع ســنني‪ ،‬قبــل النــوم‪ ،‬إذ كان‬ ‫الغــرض البــد وأن نضــع توصيفــاً لهــذا‬
‫ويقــول أحمــد أمــن يف (حياتــي) ‪:‬‬ ‫هــو كتــاب الوســادة‪.‬‬ ‫النــوع مــن الكتــب‪ ،‬فالروايــات ال تصلــح‬
‫«أســتمر يف القــراءة إلــى نحــو احلاديــة‬ ‫مــن فوائــد القــراءة قبــل النــوم‪ :‬االبتعاد‬ ‫للقــراءة قبــل النــوم‪ ،‬ألنهــا رمبــا تسترســل‬
‫عشــرة فأنــام‪ ،‬وقــد وضعــت مصباحــا‬ ‫عــن األفــكار والهواجــس املقلقــة‪ ،‬وهــذا‬ ‫باإلنســان وتفــوت عليــه موعــده احملــدد‬
‫كهربائيــا بجانــب ســريري أقــرأ عليــه‬ ‫موجــود عنــد بعــض الشــخصيات القلقــة‪.‬‬ ‫للنــوم ‪.‬‬
‫حتــى يغشــاني النــوم‪ ،‬وملــا أصبــت يف‬ ‫فبعــض العقــول ال تكــف عــن التفكيــر‪،‬‬ ‫الكتــب الفلســفية أو املتخصصــة ال‬
‫عينــي منعنــي األطبــاء مــن القــراءة ليــا‬ ‫وهــذا مــن أجنــح املهدئــات لهــا‪.‬‬ ‫تصلــح كذلــك إذ ال بــد وأن يكــون الكتــاب‬
‫فاســتعنت علــى مــلء وقتــي مبــن يقــرأ‬ ‫ومــن الفوائــد أيض ـاً‪ :‬الشــعور بحالــة‬ ‫بعيــداً عــن اإلعمــال الفكــري الشــاق‪،‬‬
‫علــي ‪ .‬وإذا علقــت فكــرة بذهنــي كانــت‬ ‫االســترخاء والرضــا عــن النفــس‪ ،‬ممــا‬ ‫وأن يكــون إيجابيــاً فــا تقــرأ كتــب أدب‬
‫شــغلي الشــاغل ‪ -‬أقــرأ الكثيــر عنهــا‬ ‫يؤثــر إيجابــاً علــى املــزاج العــام أثنــاء‬ ‫الســجون مثـ ً‬
‫ا قبــل النــوم‪ ،‬فإنهــا ســتطبع‬
‫وأفكــر فيهــا وأحلــم بهــا»‪.‬‬ ‫النــوم‪.‬‬ ‫يف نفســك تصــورات ســيئة‪ ،‬رمبــا أورثــت‬
‫نصيحــة أخيــرة ‪-‬لســراة الليــل‪ -‬ينصــح‬ ‫وبعــد‪ :‬هــل تفضــل القــراءة علــى‬ ‫أحالمــاً وكوابيــس مرعبــة‪ ،‬وهــذا عــن‬
‫العقــاد بالكتابــة بالقلــم األحمــر أثنــاء‬ ‫الســرير‪ ،‬أو علــى مقعــد منفصــل داخــل‬ ‫جتربــة‪.‬‬
‫الليــل‪( .‬أنــا‪ ،‬العقــاد)‪ .‬كمــا أنــي بحثــت‬ ‫غرفــة النــوم ؟ لــك احلريــة يف أنفعهمــا‬ ‫يقتــرح قــراءة كتــب حتتــوي علــى‬
‫عــن مقالــة لطــه حســن عــن القــراءة قبــل‬ ‫لــك‪ ،‬لكــن إغــراء القــراءة علــى الســرير ال‬ ‫مقطوعــات‪ ،‬ككتــب التراجــم والســير‬
‫النــوم يف تــراث طــه حســن والــذي يقــع‬ ‫يعدلــه شــيء ‪.‬‬ ‫الذاتيــة‪ ،‬أو التاريــخ‪ ،‬أو حتــى الكتــب‬
‫يف ســتة مجلــدات ضخمــة‪ ،‬لكنــي لــم‬ ‫اإلضــاءة الســريرية هــل تؤثــر علــى‬ ‫األدبيــة‪ ،‬أو كتــب اخلواطــر‪ ،‬أو‬
‫أســتطع الوقــوف عليهــا‪.‬‬ ‫القــارئ‪ ،‬اجلــواب‪ :‬ال أظــن ذلــك ‪( ..‬وهــذا‬ ‫األقصوصــات القصيــرة‪.‬‬
‫يقــول العقــاد‪ :‬الليــل للــروح والنهــار‬ ‫رأي شــخصي وليــس لــه أي ســند علمي)‪.‬‬ ‫مــن الكتــب املقترحــة‪ :‬صيــد اخلاطــر‬
‫للجســد‪( .‬أنــا‪ ،‬العقــاد)‪.‬‬ ‫يقــول العقــاد يف (حيــاة قلــم) ‪« :‬أفتــح‬ ‫البــن اجلــوزي‪ .‬و ســير أعــام النبــاء‬
‫الكتــاب اجلديــد فيروقنــي مــا قرأتــه فيــه‬ ‫للذهبــي‪ ،‬وهــذا األخيــر كتــاب كبيــر‬
‫فــا ألقيــه مــن يــدي حتــى أفــرغ منــه آخــر‬ ‫كمــا هــو معــروف تقــع تراجمــه يف ثالثــة‬
‫هشام سعد‬
‫‪dr.heshamm@gmail.com‬‬

‫‪27‬‬
‫أ‪ .‬فائق منيف‬
‫‪@fmuneef‬‬

‫وبنــات احلــي الواحــد‪ ،‬فبعــد نهايــة‬ ‫والكلمــات‪ ،‬ومحاولــة كتابتهــا وتهجئتهــا‪.‬‬ ‫تشــرفت بطلــب مــن األخــت الكرميــة‬
‫كل عــام دراســي يطــرق الطفــل بــاب‬ ‫أمــا يف أثنــاء غيابهــم‪ ،‬فقــد أنشــأت أول‬ ‫نــدى إبراهيــم لكتابــة “جتربتــي مــع‬
‫جيــران جنــح ابنهــم‪ ،‬ليأخــذ منــه كتبــاً‬
‫ٍ‬ ‫مدرســة “اســطوانية” يف العالــم‪ ،‬وكنــت‬ ‫الكتــاب والقــراءة” يف املجلــة الفتيــة‬
‫دراســية لــم يعــد بحاجتهــا بعــد انتقالــه‬ ‫املالــك فيهــا واملعلــم والطالــب‪ ،‬كانــت‬ ‫“قــوارئ”‪ ،‬فانتهــزت الفرصــة لقــراءة‬
‫إلــى صــف دراســي متقــدم‪ ،‬ولــم يكــن‬ ‫اســطوانات الغــاز تُركــن حتــت الــدرج‬ ‫متأنيــة لطبيعــة املجلــة ومحتواهــا‪،‬‬
‫ذلــك لنقــص يف الكتــب املدرســية التــي‬ ‫املــؤدي إلــى الســطح‪ ،‬فاتخــذت مــن هــذا‬ ‫وأحســب أنهــا أول مجلــة متخصصــة‬
‫تُو ّفــر للمــدارس‪ ،‬وإمنــا يفعلهــا الطفــل‬ ‫املــكان مدرســة‪ ،‬أذهــب إليهــا بعــد ذهــاب‬ ‫يف القــراءة تقنيــة وعواملــا‪ ،‬وأتوقــع لهــا‬
‫مــن بــاب اســتغالل اإلجــازة للتهيــؤ للعــام‬ ‫إخوتــي إلــى مدارســهم‪ ،‬ومعــي حقيبتــي‪،‬‬ ‫‪-‬إن وجــدت الدعــم‪ -‬الــذي تســتحقه‬
‫املقبــل بقــراءة مناهجــه‪ ،‬حتــى يكــون علــى‬ ‫وإفطــاراً أتناولــه وقــت الفســحة‪ ،‬كان‬ ‫أن تكــون ذات شــأن ومنفعــة كبيــرة‬
‫أهبــة االســتعداد عنــد بــدء الدراســة‬ ‫لهــذه املدرســة االفتراضيــة مواعيــد‬ ‫للقــراء‪ ،‬واجلميــل فيهــا نشــأتها علــى يــد‬
‫للعــام املقبــل‪ .‬وكنــت أســتمتع بكتــب‬ ‫للطابــور والفســحة و”الطلعــة” (والطلعــة‬ ‫كــوادر شــابة‪ ،‬متطوعــة لتقــدمي الفائــدة‬
‫املطالعــة أو القــراءة وكتــاب األناشــيد‪،‬‬ ‫اســم شــعبي كان يطلــق علــى نهايــة اليــوم‬ ‫ملجتمعهــا ‪.‬‬
‫ويف مرحلــة متقدمــة بكتــب “صــور مــن‬ ‫الدراســي)‪ ،‬غيــر أن مــا مييــز نظــام‬ ‫احتــرت كيــف أتطــرق لتجربتــي مــع‬
‫حيــاة الصحابــة” التــي ألفهــا الدكتــور‬ ‫هــذه املدرســة عــن غيرهــا مــن املــدارس‬ ‫القــراءة والكتــاب‪ ،‬فوجــدت أســهل الســبل‬
‫عبدالرحمــن رأفــت الباشــا‪ ،‬وكانــت‬ ‫احلكوميــة‪ ،‬أن مواعيدهــا غيــر منضبطة‪،‬‬ ‫ســرد قصصــي معهــا‪ ،‬فمــا التجــارب إال‬
‫مقــررة علــى طــاب االبتدائــي مــع مــادة‬ ‫فبحكــم أنــي املالــك كانــت مواعيدهــا‬ ‫قصــص‪ ،‬وليــس ســرد هــذه احلكايــات من‬
‫القــراءة يف الصفــن اخلامــس و الســادس‬ ‫وفتحهــا وإقفالهــا تعتمــد علــى مزاجــي‬ ‫ص‬ ‫القص ِ‬
‫َ‬ ‫بــاب العجــب بالنفــس‪ ،‬فهــي مــن‬
‫االبتدائــي‪ ،‬ولــه أيضــا “صــور مــن حيــاة‬ ‫الشــخصي‪ ،‬ومــدى امللــل مــن الــدروس‬ ‫العــادي الــذي قــد يكــون مــر يف حيــاة أي‬
‫التابعــن” املقــررة يف املرحلــة املتوســطة‪.‬‬ ‫التــي ألقيهــا وأســمعها‪ ،‬وواجباتــي التــي‬ ‫قــارئ‪ .‬حاولــت التــزام التسلســل الزمنــي‬
‫كان املنهــج املقــرر يف مــادة القــراءة‬ ‫أفرضهــا علــي وأحلهــا‪.‬‬ ‫وترابــط احلكايــات ببعضهــا‪ ،‬ولكنــي ال‬
‫مواضيــع مختــارة‪ ،‬بينمــا كنــت خــال‬ ‫كان لهذا اجلو الدراســي األخوي أثره‬ ‫أضمــن قلمــي فمــن عادتــه الــزوغ عــن‬
‫اإلجــازة قــد قرأت كل مواضيعها‪ .‬ورددت‬ ‫يف تعليمــي القــراءة قبــل دخولي املدرســة‪،‬‬ ‫هــذا االلتــزام إلصابتــه بــداء االســتطراد‪.‬‬
‫أناشــيدها‪ ،‬ولــم أكــن أكتفــي بقراءتهــا‬ ‫وكان دخولــي املدرســة “مســتمعا”‪ ،‬ألن‬ ‫بــدأت حكايتــي مــع القــراءة منــذ‬
‫بــل كنــت أنشــدها بتلحــن طفولــي يف‬ ‫ســني حينهــا أصغــر بشــهور مــن الســن‬ ‫الصغــر‪ ،‬فقــد كنــت رابــع إخــوة أبنــاء‬
‫الصــف ويف اإلذاعــة املدرســية‪ ،‬وذات‬ ‫القانونيــة لدخــول الصــف األول ابتدائــي‪،‬‬ ‫وبنــات‪ ،‬وكانــوا بســبب التحاقهــم‬
‫يــوم اســتدعاني مــدرس املــواد العربيــة‬ ‫ابتــدأ مــدرس العربيــة أول حصــة لــه‬ ‫بالدراســة مشــغولني مبذاكرتهــم وحــل‬
‫إلــى فصلــه يف الصــف اخلامــس‪ ،‬وكنــت‬ ‫بكتابــة “بســم اهلل الرحمــن الرحيــم”‪،‬‬ ‫واجباتهــم‪ ،‬ولــم يجــد طفــ ٌل صغيــر‬
‫أضرب أخماســا بأســداس طوال الطريق‬ ‫وســأل إن كان هنــاك مــن يســتطيع‬ ‫مثلــي ‪-‬يف أيــام لــم تكــن فيهــا ملهيــات‬
‫عــن ســر هــذا االســتدعاء‪ ،‬إلــى أن وصلت‬ ‫قراءتهــا‪ ،‬فمــددت يــدي بحمــاس شــديد‪،‬‬ ‫التقنيــة شــائعة‪ -‬وســيلة لقضــاء الوقــت‪،‬‬
‫معلمــي الــذي أراد أن يســهل علــى طالبــه‬ ‫كادت تقلــع فيهــا يــدي كصــاروخ يحلــق‬ ‫ســوى التلصــص عليهــم‪ ،‬ومشــاغبتهم‪،‬‬
‫حفــظ قصيــدة مقــررة عليهــم‪ ،‬بإنشــادها‬ ‫إلــى الفضــاء‪ ،‬قرأتهــا‪ ،‬وكان هــذا أول‬ ‫واالســتماع لنقاشــاتهم املدرســية مــع‬
‫بلحـ ٍـن كنــت قــد أنشــدته العــام املاضــي‪.‬‬ ‫اختبــار حقيقــي يف القــراءة‪.‬‬ ‫بعضهــم بعــد عودتهــم مــن املدرســة‪،‬‬
‫كانــت هنــاك عــادة لطيفــة بــن أبنــاء‬ ‫والتعــرف مبســاعدتهم علــى احلــروف‬
‫‪28‬‬
‫يحــب أن يــراه اآلخــرون طفــا بــل رجــا‪،‬‬ ‫مليئتــان باملتعــة والفائــدة‪.‬‬ ‫كنــت محظوظــا خــال مراحلــي‬
‫شــكرت البائــع علــى نصيحتــه‪ ،‬ولكنــي‬ ‫ال أذكر بداية تعلقي بسلسلة “املغامرون‬ ‫الدراســية مبدرســي لغــة عربيــة يوقــدون‬
‫اقتنيــت الكتــاب‪ .‬وأول مــا ابتــدأت بــه بعــد‬ ‫اخلمســة” للكاتــب محمــود ســالم رحمــه‬ ‫احلمــاس يف عقلــي الصغيــر بحب القراءة‬
‫العــودة مــن هــذه الرحلــة اجلميلــة كان‬ ‫اهلل‪ .‬ولكــن أذكــر أن أبطالهــا محــب ولــوزة‬ ‫والكتابــة‪ ،‬ففــي املرحلــة االبتدائيــة كان‬
‫هــذا الكتــاب‪ ،‬اكتشــفت أن البائــع محــق‬ ‫ونوســة وعاطــف وتختــخ كانــوا أصدقائــي‬ ‫األســتاذان الســودانيان علــي ومجــذوب‬
‫يف نصيحتــه‪ ،‬لكــن هــذه احلادثــة التــي‬ ‫الورقيــن‪ ،‬وصــرت بهــم أعــرف أحيــاء‬ ‫محبــان للغــة وآدابهــا‪ ،‬وكان مجــذوب‬
‫عرفتنــي علــى أدب “توفيــق احلكيــم”‬ ‫“القاهــرة” أكثــر مــن أحيــاء “الريــاض”‪،‬‬ ‫شــاعرا‪ ،‬حتــى إنــه كتــب يف مــادة اخلــط‬
‫جعلتنــي مغرمــا مبؤلفاتــه وبأســلوبه‬ ‫وتعرفــت علــى مجلتــي “ماجــد” و”باســم”‬ ‫يف ويف زميلــي‪ ،‬لــم أعــد‬ ‫يومــا‪ ،‬بيتــان ّ‬
‫الســلس العــذب يف إيصــال فكرتــه‪،‬‬ ‫وإن كانــت األولــى األوفــر حظــا مــن‬ ‫أذكــر منهــا إال شــطر بيــت هــو “فــاق فائـ ٌق‬
‫وقدرتــه علــى شــحن قصصــه بالتشــويق‪،‬‬ ‫املتابعــة واحلــرص‪ ،‬وبلــغ احلــرص بــي أن‬ ‫اآلفــاق علمــا”‪ ،‬وجعلنــا ‪-‬نحــن الطــاب‪-‬‬
‫فكنــت أقــرأ كتبــه الواحــد منهــا تلــو‬ ‫غامــرت أكثــر مــن مــرة مــع أخــي األصغــر‬ ‫يف الصــف نخــط هذيــن البيتــن كتابــة‪،‬‬
‫اآلخــر‪ ،‬وعندمــا أســافر للقاهــرة أزور‬ ‫باملشــي إلــى محــل يبعــد كثيــرا عــن املنــزل‬ ‫فكانــت هــذه احلادثــة فاكهــة حديثــي بعــد‬
‫ســور األزبكيــة‪ ،‬وناشــر كتبــه “مكتبــة‬ ‫لشــراء عددهــم األســبوعي‪ ،‬ويف إحــدى‬ ‫العــودة إلــى املنــزل‪ ،‬وظللــت أحتفــظ بهــذا‬
‫مصــر” ألبحــث عــن كتــاب لــه ليــس يف‬ ‫املغامــرات‪ ،‬اعتــذر البائــع بــأن العــدد‬ ‫اخلــط طويــا‪ .‬ويف املرحلــة املتوســطة‬
‫مجموعتــي‪ ،‬وقــد أشــتري كتابــا‪ ،‬فأجــد‬ ‫اجلديــد لــم يصــل‪ ،‬وال أدري أي قصــة‬ ‫كان األســتاذ الســوري أحمــد أديبــا‬
‫يف مكتبتــي مثلــه‪ ،‬ولكنــه هــرب مــن‬ ‫أو مجلــة غيرهــا تأبطتهــا كــي ال يذهــب‬ ‫فكانــت مــواده العربيــة محفــزة علــى‬
‫ذاكرتــي‪ ،‬فأهديــه لقريــب أو صديــق‪،‬‬ ‫ســفري القصيــر هبــاء‪.‬‬ ‫االســتزادة مــن قــراءة األدب والشــعر‪.‬‬
‫وإبــان تعاونــي مــع الصفحــة الشــعبية يف‬ ‫أول مكتبــة حقيقــة لبيــع الكتــب زرتهــا‬ ‫ويف تلــك املرحلــة كانــت قــراءة‬
‫جريــدة “الريــاض”‪ ،‬كتبــت ثالثــة أربــاع‬ ‫رمبــا كانــت يف نهايــات الســنة السادســة‬ ‫الصحــف عــادة يوميــة‪ ،‬فكنــت إذا‬
‫صفحــة عــن موقــف توفيــق احلكيــم‬ ‫االبتدائيــة أو بدايــات الصــف األول‬ ‫أحضــر الوالــد صحيفــة التهمــت مــا‬
‫مــن األدب الشــعبي‪ ،‬وبعدهــا شــجعني‬ ‫املتوســط ‪ ،‬حــن أخذنــي أخــي األكبــر‬ ‫فيهــا مــن أخبــار ومقــاالت‪ ،‬حتــى ال‬
‫األســتاذ نايــف رشــدان املســؤول يف‬ ‫إلــى مكتبــة يف مبنــى العقاريــة القدميــة‬ ‫يــكاد يفلــت منهــا حــرف واحــد‪ ،‬ولــو‬
‫القســم الثقــايف باجلريــدة علــى التعــاون‬ ‫التــي تقــع علــى شــارع الســتني يف امللــز‪،‬‬ ‫كانــت إعالنــات مبوبــة‪ ،‬واســتمر عشــقي‬
‫مــع القســم‪ ،‬فكنــت أكتــب عرضــا للكتــب‪،‬‬ ‫وكان مــن ضمــن الكتــب التــي ابتعتهــا‪،‬‬ ‫للصحــف‪ ،‬لدرجــة أنــي كنــت أوفــر مــن‬
‫أقــرأ بتــأن مــا يشــدني منهــا‪ ،‬وســريعا مــا‬ ‫مســرحية “أهــل الكهــف” لتوفيــق احلكيم‪،‬‬ ‫مصــرويف الدراســي اليومــي الــذي يبلــغ‬
‫يشــعرني بامللــل‪ ،‬حتــى حــان ابتعاثــي إلــى‬ ‫اســتغرب البائــع شــرائي للكتــاب يف هــذا‬ ‫ريالــن ألشــتري بهــا صحيفــة‪ ،‬وكان ســعر‬
‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة فانقطــع‬ ‫العمــر‪ ،‬ناصحــا لــي باقتنــاء كتــب تناســب‬ ‫الصحيفــة ريــاال واحــدا‪ .‬ومــن املجــات‬
‫هــذا التعــاون‪.‬‬ ‫مرحلتــي العمريــة حتــى ال تكــون صعبــة‬ ‫التــي كنــت أحــرص علــى قراءتهــا مجلــة‬
‫الفهــم واالســتيعاب‪ ،‬وبكبريــاء طفــل ال‬ ‫اليمامــة واملجلــة العربيــة فقــد كانتــا‬

‫‪29‬‬
‫شــرح‪ ،‬فتذهــب متعــة القــراءة املتواصلــة‬ ‫اجلوزيــة‪ .‬يف أواســط املرحلــة املتوســطة‬ ‫تنوعــت القــراءات يف أيــام املرحلــة‬
‫لكلمــات الكاتــب بالقــراءة املتقطعــة بينهــا‬ ‫التحقــت بجمعيــة الثقافــة اإلســامية‪،‬‬ ‫املتوســطة‪ ،‬وكان ألجاتــا كريســتي نصيــب‬
‫وبــن الشــروحات‪ .‬رغــم أن القــراءة بــدون‬ ‫ويف إحــدى مســابقاتها‪ ،‬ســأل املــدرس‬ ‫األســد منهــا‪ ،‬فكنــت مشــدودا إلى سلســلة‬
‫الشــروحات حتــرم أحيانــا مــن معرفــة‬ ‫عــن مصــادر التشــريع‪ ،‬واختارنــي مــن‬ ‫رواياتهــا البوليســة‪ ،‬ومشــدوهاً بقدرتهــا‬
‫كلمــات ومواقــع لهــا دالئلهــا وتأثيرهــا‬ ‫بــن املتحفزيــن لإلجابــة‪ ،‬فأجبتــه بفــرح‬ ‫علــى إحــكام تصاعــد حبكــة قصصهــا‬
‫علــى ســياق احلديــث‪.‬‬ ‫مــن يعــرف املعلومــة‪ ،‬بأســماء كتــب منهــا‬ ‫لدرجــة يســتحيل معهــا مفارقــة القصــة‬
‫وأمــا الشــعر فــا أتذكــر يف البدايــات‬ ‫املغنــي البــن قدامــة‪ ،‬وفقــه الســنة للســيد‬ ‫حتــى إنهائهــا ملعرفــة املجــرم والبــريء‪.‬‬
‫أن شــاعرا حديثــا علــق بذهنــي‪ ،‬بــل جــل‬ ‫ســابق‪ ،‬وكنــت قرأتهمــا فظننــت أنهمــا لــم‬ ‫ومــن األمــور التــي لــم أكتشــفها إال بعــد‬
‫مــا أقــرأه كان لشــعراء قدامــى مــن الشــعر‬ ‫يبقيــا ولــم يــذرا بعدهمــا مــن ضــروب‬ ‫حــن‪ ،‬أنــي كنــت أقــرأ روايــات شــهيرة‬
‫اجلاهلــي حتــى العباســي‪.‬‬ ‫الفقــه والتشــريع شــيئا‪ ،‬ومــا إن علمــت‬ ‫مترجمــة ظنــا أنهــا كاملة‪ ،‬وهــي يف الواقع‬
‫ومــا دمــت ع ّرجــت علــى األخطــاء‪،‬‬ ‫بجنوحــي بعيــدا عــن اإلجابــة الصحيحــة‪،‬‬ ‫ملخصــة ومبســطة لتناســب الناشــئة‪،‬‬
‫فــإن إحداهــا أيضــاً تغ ّيــر عاداتــي‬ ‫حتــى كان هــذا دافعــا لــي لالســتزادة مــن‬ ‫كروايــات ديفيــد كوبرفيلــد وذهــب مــع‬
‫القرائيــة‪ ،‬فبعــد أن كنــت مدمــن قــراءة‪،‬‬ ‫القــراءة يف كتــب والفقــه‪.‬‬ ‫الريــح واألرض الطيبــة والبؤســاء وبــن‬
‫لدرجــة تفريــغ وقتــي كلــه إلنهــاء كتــاب‬ ‫وال أذكــر أنــي قــد ثنيــت ال ُركــب عنــد‬ ‫مدينتــن وغيرهــا‪ .‬عرفــت بعــد طــول‬
‫بــدأت فيــه‪ ،‬أو عــدم أكل وجبــة طعــام‬ ‫عالــم‪ ،‬إال يف ســن متقدمــة‪ ،‬وكانــت لــدى‬ ‫زمــن أن مــا قرأتــه‪ ،‬رغــم فائدتــه‪ ،‬كان‬
‫إال وبجانبــي صحيفــة أتصفحهــا أو‬ ‫الشــيخ عبدالكــرمي اخلضيــر حفظــه اهلل‪،‬‬ ‫اختصــارا يذهــب عبقريــة الروايــة وإبــداع‬
‫كتابــا أقــرؤه‪ ،‬مــ ّرت ســنوات كانــت يف‬ ‫فقــط حضــرت عنــده دروســا يف شــرح‬ ‫الكاتــب‪ ،‬وكان علــي أن أعيــد قراءتهــا‬
‫بدايــة احليــاة اجلامعيــة‪ّ ،‬قلــت فيهــا هــذه‬ ‫كتــاب “مــن اآلجروميــة” البــن آجــروم‪،‬‬ ‫بترجماتهــا التامــة‪.‬‬
‫العــادة‪ ،‬وأصبحــت أحمــل كتابــا معــي‬ ‫ولكنــي توقفــت بســبب ضيــق الوقــت‪،‬‬ ‫وللكتــب الدينيــة والتراثيــة نصيــب مــن‬
‫لالســتراحة أو املقهــى‪ ،‬آمــا أن أقــرأه‬ ‫وأعتقــد أن الشــيخ لــم يكملهــا أيضــا‪.‬‬ ‫القــراءة‪ ،‬فالوالــد رحمــه اهلل كان يحتفــظ‬
‫ــس‪ .‬وبعــد‬ ‫هنــاك‪ ،‬فأعــود بــه دون أن ُي ّ‬ ‫واســتمعت بعدهــا لــدروس الشــيخ ابــن‬ ‫ببعــض منهــا‪ ،‬وكان مــن عادتــه قبــل‬
‫تصحيــح خطــأ هــذه الســنوات‪ ،‬احتجــت‬ ‫عثيمــن يف شــرحها‪.‬‬ ‫اإلفطــار يف رمضــان‪ ،‬أن يجمعنــا نحــن‬
‫‪-‬ومــا زلــت يف حاجــة‪ -‬الســتعادة لياقــة‬ ‫وقــرأت املشــهور مــن الكتــب التراثيــة‬ ‫أبنــاؤه‪ ،‬لنقــرأ يف كتــاب نتناقلــه بيننــا‪،‬‬
‫القــراءة مــن جديــد‪ ،‬فلــم تعــد كمــا كانــت‬ ‫وهــي عديــدة ال أســتطيع حصرهــا‪ ،‬لكــن‬ ‫عــال صفحتــن‪،‬‬ ‫كل يقــرأ منــه بصــوت ٍ‬ ‫ٌّ‬
‫بلذتهــا وســحرها وســرعتها‪.‬‬ ‫أتذكــر متلملــي مــن الكتــب احملققة عندما‬ ‫وأتذكــر منهــا كتــاب ريــاض الصاحلــن‬
‫أضطــر كل حــن لقــراءة معنــى أو متابعــة‬ ‫للنــووي‪ ،‬وكتــاب الطــب النبــوي البــن قيــم‬

‫‪30‬‬
‫بهــا غيــر العلميــة‪ -‬فصــرت أقــرأ شــبه‬ ‫الزمــن‪ ،‬وتك ّيفــت مــع تق ّدمــه‪ ،‬فأصبحــت‬ ‫وفتحــت جتربــة االبتعــاث إلــى‬
‫يومــي مــا بــن ‪ ٥٠‬إلــى ‪ ١٠٠‬صفحــة‪،‬‬ ‫أقــرأ الكتــب اإللكترونيــة أكثــر مــن‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة البــاب‬
‫قــد تزيــد إلــى كتــاب كامــل عندمــا يتوفــر‬ ‫قراءتــي للكتــب الورقيــة‪ ،‬وأنهــي كتبــا‬ ‫لقــراءة كتــب مكتوبــة باللغــة االجنليزيــة‪،‬‬
‫الوقــت‪.‬‬ ‫مبئــات الصفحــات بالقــراءة الســماعية‪،‬‬ ‫وكان أول كتــاب قرأتــه هنــاك روايــة باســم‬
‫وتخليــت عــن عــادة ســيئة‪ ،‬وهــي‬ ‫وكل ذلــك باســتخدام “اجلــوال”‪ .‬لقــد‬ ‫ِ‬
‫املالحــق أو‬ ‫‪ The Stalker‬وميكــن ترجمتهــا‬
‫عــدم القــراءة للحديــث مــن النتــاج‬ ‫وفــرت علــي التقنيــة عنــاء حمــل الكتــب‬ ‫املطــارد‪ ،‬أهدانــي إياهــا كاتبهــا‪ ،‬الــذي‬
‫األدبــي والفكــري‪ ،‬فقــد كنــت أقــرأ فقــط‬ ‫الــذي كان يرهقنــي ويثقــل حقائبــي عنــد‬ ‫كان أيضــا معلمــي يف معهــد اللغــة‪ ،‬وبعــد‬
‫لكبــار األدبــاء وأعمالهــم الشــهيرة‪ ،‬حتــى‬ ‫الســفر‪ ،‬فصــرت أحمــل مكتبــة كبيــرة‬ ‫أيــام ســألني عــن رأيــي فيهــا‪ ،‬فــكان‬
‫اكتشــفت خطــأ ذلــك‪ ،‬لعزلــه القــارئ عــن‬ ‫متنوعــة يف جوالــي الصغيــر‪ .‬وكان األمــر‬ ‫ـان نقــدي أجنبــي‪ ،‬ذكــرت‬ ‫ذلــك أول امتحـ ٍ‬
‫عصــره‪ ،‬وجعلــه بعيــدا عــن التغيــرات‬ ‫يف البدايــة صعبــا‪ ،‬بســبب احلنــن إلــى‬ ‫لــه محاســنها‪ ،‬وذكــرت أن مــن عيوبهــا‬
‫والتطــورات التــي تســتجد علــى األدب‬ ‫الــورق‪ ،‬وحميميــة تصفحــه‪ ،‬لكــن مــع‬ ‫االســتطراد يف تفاصيــل األمكنــة ومواقــع‬
‫واملجتمــع إنتاجــا وذائقــة‪ .‬فيكتــب الكاتــب‬ ‫الوقــت اعتــدت هــذه الوســائل اجلديــدة‬ ‫األحــداث حتــى بلغــت إحداهــا صفحتــن‬
‫حينئــذ بعــد تشــبعه مــن هــذه القــراءات‬ ‫للقــراءة‪ ،‬بــل وجــدت أنهــا زادت معــدل‬ ‫كاملتــن‪ ،‬وتنفســت الصعــداء بعــد أن ذكــر‬
‫بــروح مندثــرة وليــس بــروح معاصــرة‪.‬‬ ‫القــراءة بعدمــا ســ ّهلت حمــل الكتــاب‬ ‫لــي أن هــذا فعــا أحــد االنتقــادات التــي‬
‫هــذه بعــض حكاياتــي مــع القراءة‪ ،‬التي‬ ‫يف كل مــكان‪ ،‬وقراءتــه يف أي موقــع‪،‬‬ ‫وجهــت للروايــة‪ .‬كشــفت لــي القــراءة بلغــة‬
‫كلمــا أوغلــت فيهــا اكتشــفت أنــي مــا زلــت‬ ‫وســماعه إن لــم أســتطع قراءتــه بالعــن‪.‬‬ ‫أخــرى حجــم الكارثــة التــي يرتكبهــا بعض‬
‫يف بقعــة صغيــرة منهــا‪ ،‬فهــي كالعالَــم ال‬ ‫وبقــدوم هــذه العــادة اجلديــدة‪ ،‬اضمحلّــت‬ ‫املترجمــن للعربيــة‪ ،‬فقــد كنــت أقــرأ‬
‫تســتطيع وضعــه يف جيبــك‪ ،‬لكــن تســتطيع‬ ‫عــادات أخــر‪ ،‬كزيــارة املكتبــات‪ ،‬وقضــاء‬ ‫كتبــا فكريــة وأدبيــة مترجمــة فأعجــب‬
‫بــن كل حــن زيــارة جــزء منــه للتعــرف‬ ‫الســاعات فيهــا‪ ،‬وزيــارة معــارض الكتــب‪،‬‬ ‫مــن شــهرتها‪ ،‬رغــم ثقلهــا علــى النفــس‪،‬‬
‫عليــه‪ ،‬وحتــى لــو زرت هــذا املــكان مــرة‬ ‫وعــدم التعــب مــن الــدوران فيهــا‪ ،‬وتصفــح‬ ‫وتعقيــد طرحهــا‪ ،‬وركاكــة أســلوبها‪ .‬وبعــد‬
‫أخــرى الكتشــفت فيــه جماليــات ومباهــج‬ ‫الكتــب‪ ،‬واختيــار املناســب منهــا‪.‬‬ ‫مــا تيســر لــي قــراءة بعضهــا بلغتهــا األم‬
‫لــم تكــن ظاهــرة يف املــرة األولــى‪ .‬القــراءة‬ ‫ومــن بــاب إلــزام النفــس بالقراءة‪ ،‬أنشــأت‬ ‫عرفــت أن املشــكلة مــن املترجــم ال مــن‬
‫عمليــة مســتمرة مــا اســتمرت احليــاة‪،‬‬ ‫وســما يف موقــع التواصــل “تويتــر”‪ ،‬كنــت‬ ‫الكاتــب‪ ،‬ولــو علــم الكاتــب مبــا فعــل‬
‫تفتــح اآلفــاق وتســبر األعمــاق‪ ،‬لذلــك‬ ‫أســتعرض فيــه كل أســبوع اقتباســات مــن‬ ‫املترجــم يف كتابــه لصــب عليــه غضبــه‬
‫حكاياتهــا ال تنتهــي‪ ،‬فمــع كل كتــاب تبــدأ‬ ‫كتــاب‪ ،‬ونقلــت ذلــك أيضــا ‪-‬بعــد نصيحــة‬ ‫ولعناتــه‪ .‬وهــذا مــا جعلنــي بعدهــا أد ّقــق‬
‫حكايــة قرائيــة جديــدة‪.‬‬ ‫زميلــة‪ -‬إلــى موقــع “قــود ريــدز” الــذي‬ ‫يف اســم املترجــم قبــل املؤلــف‪ ،‬حتــى ال‬
‫يتواصــل فيــه القــراء والكتــاب‪ ،‬ثــم زادت‬ ‫أظلــم الكاتــب بكــره الكتــاب‪.‬‬
‫غلــة الكتــب املقــروءة أســبوعيا ‪-‬وأقصــد‬ ‫ويف الســنوات األخيــرة‪ ،‬تصاحلــت مــع‬

‫‪31‬‬
‫ﻗﺮﺅﻭﺍ ﺻﻐﺎﺭًﺍ‬
‫الراحــل ( املهامتــا غانــدي ) إال أن‬ ‫إلــى الكــوخ ) ‪ ،‬و كــم كانــت لهــذه القــراءات‬ ‫أمســكت معلمتــه األمريكيــة مــن أصــل‬
‫جتربــة املهامتــا جتربــة إيجابيــة بــكل‬ ‫يف صغــره أثــر كبيــر علــى مجــرى تفكيــره‬ ‫لبنانــي يــده ‪ ،‬و وضعتــه علــى طريــق‬
‫مافيهــا و كانــت ســببا يف تقويــة عالقتــه‬ ‫حيــث وصفهــا قائــا ( لعبــت مبخــي )‬ ‫القــراءة ‪ ،‬غرســت يف روحــه بــذور حبهــا‬
‫بوالديــه ‪ ،‬و ذلــك عندمــا وقعــت عينــاه‬ ‫‪ ،‬كبــرت هــذه االســتفهامات محصــورة‬ ‫لتنمــو مــع األيــام ‪ ،‬جعلــت منــه و هــو‬
‫علــى كتــاب كان أبــاه قــد اشــتراه و كان‬ ‫باحليــرة و الشــك حتــى وصــل معهــا‬ ‫ابــن التســع ســنوات قار ًئــا نه ًمــا نوع ًّيــا ‪،‬‬
‫عبــارة عــن مســرحية عــن ( إخــاص‬ ‫لتــرك الصــاة فتــرة مــن حياتــه عندمــا‬ ‫علمتــه كيــف يقــرأ ؟ و مــاذا يقــرأ ؟ دلتــه‬
‫شــرافانا لوالديــه ) و لكــم أن تتخيلــوا‬ ‫كان شــا ًّبا ‪.‬‬ ‫علــى معظــم الكتــاب الكبــار ‪ ،‬فقــرأ عــن‬
‫كيــف اســتثار الكتــاب مشــاعره ‪ ،‬و حــدث‬ ‫هــذه التجربــة املريــرة احملفوفــة‬ ‫جــورج واشــنطن و عــن بوليفــار ‪ ،‬وقــع بــن‬
‫أن وفــد إلــى بلــده بعــض العارضــن‬ ‫مبخاطــر الشــك و التــي مــر بهــا أ‪.‬جنيــب‬ ‫فكــي قصــص إميرســون التــي تــدور حــول‬
‫املتجولــن ‪ ،‬و كان مــن بــن الصــور التــي‬ ‫الزامــل رمبــا تعــرض لهــا بعــض مــن‬ ‫أبطــال لديهــم مشــكلة دائ ًمــا مــع اخلالــق‬
‫عرضــت عليهــم صــورة متثــل ( شــرافانا )‬ ‫األطفــال ممــن واجهــوا أمــواج الســؤال و‬ ‫و الوجــود ‪ ،‬و مؤلفــات نيتشــة الــذي‬
‫و قــد حمــل والديــه الضريريــن إلــى احلــج‬ ‫لــم يجــدوا مــن يفتــح لهــم مغالــق األبــواب‪،‬‬ ‫أبطــال خارقــن بحيــث يكونــوا‬ ‫ً‬ ‫يصنــع‬
‫بواســطة ألــواح مــن اخلشــب شــدت إلــى‬ ‫فيتولــى بنفســه مهمــة البحــث ليغــرق‬ ‫آلهــة ‪ ،‬و علــى اجلانــب اآلخــر خضــع‬
‫كتفيــه ‪ ،‬فتــرك الكتــاب و الصــورة أثــ ًرا‬ ‫أكثــر‪ ،‬أو يصبــح كل مــا يســتقر بذهنــه‬ ‫لرغبــة جــده الــذي أقــرأه كتــب الشــيخ‬
‫يف ذهنــه ال ســبيل إلــى محــوه ‪ ،‬فقــد كان‬ ‫مــن قــراءات حقائــق ماثلــة ال تقبــل الشــك‬ ‫عبدالرحمــن الســعدي ‪ ،‬اســتقرت احليــرة‬
‫يقــول ‪ :‬إذا مــا قــدر لــي أن أقــرأ اليــوم‬ ‫و هنــا يبــدأ الصــراع احلقيقــي الــذي‬ ‫يف روع هــذا الطفــل الصغيــر الــذي يقــرأ‬
‫هــذه املســرحية أنــا واثــق أن عواطفــي‬ ‫يهــدم أســوار احلصــن الــذي كان يقبــع‬ ‫هــذا النتــاج الضخــم املتناقــض فكر ًّيا و ال‬
‫ستســتثار حــد البــكاء كشــأنها مــن قبــل ‪.‬‬ ‫فيــه فتــرة مــن الزمــن ‪.‬‬ ‫ميلــك الــرد و غيــر مؤهــل الســتقبال هــذا‬
‫إن معاجلة املعارف و األفكار يف ذهن‬ ‫ليــس أســوأ مــن أن يتــرك الطفــل‬ ‫التنــوع الفكــري لصغــر ســنه ‪..‬‬
‫الطفــل ليســت باألمــر الهــن ألنــه لــن يرى‬ ‫فريســة الســؤال و مرت ًعــا خصبــا للشــك‪،‬‬ ‫أثــر هــذا املزيــج ســل ًبا و إيجا ًبــا علــى‬
‫يف اقتحــام عقلــه و قلــب موازينــه اعتــداء‬ ‫فأصعــب اللحظــات التــي يعيشــها‬ ‫شــخصية هــذا الطفــل الصغيــر فكبــرت و‬
‫طاملــا أنــه يعيــش مــع اآلخــر الــذي يــدس‬ ‫العقــل البشــري أن يعيــا بالســؤال و ال‬ ‫تبلــورت هــذه األفــكار لينتــج عنهــا املفكــر‬
‫لــه الســم يف العســل قمــة املتعــة و اإلثــارة‬ ‫يجــد الــدواء يف أثنــاء رحلتــه بح ًثــا عــن‬ ‫الســعودي و رائــد العمــل التطوعــي‬
‫و هــذا مــا ينشــده الطفــل دائ ًمــا ‪ ،‬فيجــد‬ ‫احلقيقــة‪.‬‬ ‫أ‪.‬جنيــب الزامــل ‪ ،‬و الــذي كتــب قصتــه‬
‫بغيتــه يف النصــوص األجنبيــة و يفتقدهــا‬ ‫إن التجربــة التــي عاشــها أ‪ .‬جنيــب‬ ‫عندمــا تــرك الصــاة يف عــدة مقــاالت‬
‫يف النصــوص العربيــة ‪.‬‬ ‫الزامــل ‪ ،‬واجههــا الرئيــس الهنــدي‬ ‫واص ًفــا إياهــا بـــ( اخلــروج مــن القصــر‬

‫؟!‬
‫ندى إبراهيم‬
‫‪@ba7lah‬‬

‫‪32‬‬
‫سعيد الزهراني‬
‫‪@drpolymath85‬‬

‫‪33‬‬
‫ســامح اجلبــاس عــن روايــة «حبــل قــدمي‬ ‫اجلزائــري واســيني األعــرج عــن روايتــه‬ ‫انطلقــت فعاليــات مهرجــان كتــارا‬
‫وعقــدة مشــدودة» نــال كل منهــم جائــزة‬ ‫«مملكــة الفراشــة»‪ ،‬الروائــي الســوداني‬ ‫للروايــة العربيــة يف دورتــه األولــى والــذي‬
‫ماليــة قدرهــا ‪ 30‬أألف دوالر‪.‬‬ ‫أميــر تــاج الســر عــن روايتــه «‪،»366‬‬ ‫نظمتــه املؤسســة العامــة للحــي الثقــايف‬
‫جائــزة أفضــل روايــة قابلــة للتحويــل‬ ‫الروائيــة البحرينيــة منيــرة ســوار لروايــة‬ ‫«كتــارا» يف قطــر‪ ،‬وقــد بــدأ صبــاح اإلثنني‬
‫إلــى عمــل درامــي مــن بــن الروايــات‬ ‫«جاريــة»‪ ،‬الروائيــة العراقيــة ناصــرة‬ ‫املوافــق ‪ 18‬مايــو واســتمر حتــى ‪ 21‬مايــو‪،‬‬
‫املنشــورة كانــت مــن نصيــب الروائــي‬ ‫الســعدون لروايتهــا «دوامــة الرحيــل»‪،‬‬ ‫أقيــم خاللــه حفــل توزيــع جائــزة كتــارا‬
‫واســيني األعــرج عــن روايتــه «مملكــة‬ ‫والروائــي املصــري إبراهيــم عبــد املجيــد‬ ‫يــوم األربعــاء ‪ 20‬مايــو بحضــور عــدد مــن‬
‫الفراشــة» وقيمتهــا ‪200‬أألف دوالر‪ ،‬أمــا‬ ‫عــن روايتــه « أداجيــو‪ ،‬حصــل كل منهــم‬ ‫كبــار الشــخصيات والــوزراء واملســؤولني‬
‫أفضــل روايــة قابلــة للتحويــل إلــى عمــل‬ ‫علــى جائــزة ماليــة قدرهــا ‪ 60‬ألف دوالر‪.‬‬ ‫والســفراء واملدعويــن مــن داخــل وخــارج‬
‫درامــي مــن بــن الروايــات غيــر املنشــورة‬ ‫أمــا فئــة الروايــة غيــر املنشــورة فقــد‬ ‫دولــة قطــر‪.‬‬
‫فقــد كانــت مــن نصيــب الروائــي ســامح‬ ‫كانــت لــكل مــن‪ :‬الروائــي األردنــي جــال‬ ‫اشــتملت اجلوائــز علــى خمســة‬
‫اجلبــاس بروايتــه «حبــل قــدمي وعقــدة‬ ‫برجــس عــن روايــة « أفاعي النــار‪ -‬حكاية‬ ‫فائزيــن يف مجــال الروايــات املنشــورة‪،‬‬
‫مشــدودة» وبلغــت قيمتهــا ‪ 100‬ألــف‬ ‫العاشــق علــي بــن محمــود القصــاد»‪،‬‬ ‫وخمســة فائزيــن يف مجــال الروايــات غير‬
‫دوالر‪.‬‬ ‫الروائــي املغربــي عبداجلليــل التهامــي‬ ‫املنشــورة‪ ،‬وجائزتــن ألفضــل روايتــن‬
‫وتشــمل جائــزة كتــارا للروايــة العربيــة‬ ‫عــن روايــة «إمــرأة يف الظــل»‪ ،‬الروائيــة‬ ‫قابلتــن للتحويــل إلــى عمــل درامــي مــن‬
‫طباعــة وتســويق األعمــال الفائــزة‬ ‫العراقيــة ميســلون هــادي عــن روايــة‬ ‫بــن الروايــات املنشــورة والروايــات غيــر‬
‫غيــر املنشــورة‪ ،‬وترجمــة الروايــات إلــى‬ ‫«العــرش واجلــدول»‪ ،‬الروائــي املغربــي‬ ‫املنشــورة‪.‬‬
‫خمــس لغــات هــي اإلجنليزيــة واإلســبانية‬ ‫زكريــاء أبــو ماريــة عــن روايــة «مزاميــر‬ ‫وقــد كانــت جوائــز فئــة الروايــات‬
‫والفرنســية والصينيــة والهنديــة‪​.‬‬ ‫الرحيــل والعــودة»‪ ،‬والروائــي املصــري‬ ‫املنشــورة مــن نصيــب كل مــن ‪ :‬الروائــي‬

‫‪34‬‬
‫ود‪ .‬الــزواوي بغــورة‪ ،‬والروائيــة بثينــة‬ ‫ووســائل تشــكيل الفــرد القــارئ‪،‬‬ ‫بالتعــاون مــع مشــروع حــروف‬
‫العيســى والروائــي يوســف زيــدان‬ ‫وحركــة الترجمــة‪ ،‬ودور الســينما‬ ‫الثقــايف نظــم املجلــس الوطنــي للثقافــة‬
‫والشــاعرة برويــن حبيــب وغيرهــم‪.‬‬ ‫الثقــايف‪ ،‬والقــراءة النوعيــة‪ ،‬والتأصيــل‬ ‫والفنــون واآلداب املؤمتــر الوطنــي‬
‫كمــا أقيمــت علــى هامــش املؤمتــر‬ ‫املعــريف‪ ،‬وتهميــش وســائل اإلعــام‬ ‫األول للقــراءة والــذي حمــل عنــوان‬
‫عــدة فعاليــات وورش عمــل وحلقــات‬ ‫للثقافــة‪ ،‬باإلضافــة إلــى حلقــة نقاشــية‬ ‫«وألــقِ بصــرك» ‪ ،‬حيــث أقيــم يومــي ‪19‬‬
‫نقاشــية باإلضافــة إلــى فعاليــات‬ ‫بعنــوان (الرقابــة والتأويــل)‪.‬‬ ‫و ‪ 20‬مــن شــهر أبريــل للعــام اجلــاري‪.‬‬
‫الطفــل‪ ،‬واألمســيات الشــعرية‪.‬‬ ‫وجمــع املؤمتــر أبــرز الشــخصيات‬ ‫وكانــت محــاور املؤمتــر تــدور حــول‬
‫مــن املثقفــن والروائيــن واملفكريــن‪،‬‬ ‫مفهــوم القــراءة وبيــان هويــة القــارئ‬
‫منهــم د‪ .‬ســاجد العبدلــي‪ ،‬ود‪ .‬ســعد‬ ‫ودوره يف املجتمــع‪ ،‬والتأويــل وإشــكالية‬
‫البازعــي‪ ،‬و د‪ .‬محمــد العوضــي‪،‬‬ ‫فهــم النصــوص األدبيــة والفكريــة‪،‬‬

‫‪35‬‬
‫الليالــي العربيــة يف الثقافــة اليابانيــة»‪ ،‬أمــا جائــزة‬ ‫أعلنــت جائــزة الشــيخ زايــد للكتــاب عــن أســماء‬
‫النشــر والتقنيــات الثقافيــة فقــد حــازت عليهــا الــدار‬ ‫الفائزيــن لدورتهــا التاســعة ‪2015-2014‬م‪ ،‬و ُكــرم‬
‫العربيــة للعلــوم ناشــرون يف لبنــان‪ ،‬واختــارت اجلائــزة‬ ‫الفائــزون مســاء االثنــن ‪ 11‬مايــو ‪ 2015‬وذلــك‬
‫الشــيخ محمــد بــن راشــد آل مكتــوم للفــوز بشــخصية‬ ‫خــال احلفــل الــذي أقامتــه اجلائــزة علــى هامــش‬
‫العــام الثقافيــة‪.‬‬ ‫معــرض أبوظبــي الدولــي للكتــاب يف دورتــه اخلامســة‬
‫كمــا أعلــن مجلــس أمنــاء اجلائــزة عــن حجــب اجلائزة‬ ‫والعشــرين‪.‬‬
‫لــكل مــن فــرع «التنميــة وبنــاء الدولــة» وفــرع «الفنــون‬ ‫وأمــا عــن الفائزيــن‪ ،‬فقــد كانــت جائــزة الشــيخ‬
‫والدراســات النقديــة» وفــرع «املؤلــف الشــاب» و«أدب‬ ‫زايــد لــآداب مــن نصيــب كتــاب «مجانــن بيــت حلــم»‬
‫الطفــل والناشــئة»‪ ،‬وذلــك ألن األعمــال املشــاركة لــم‬ ‫للروائــي الصحفــي الفلســطيني أســامة العيســة‪ ،‬أمــا‬
‫حتقــق املعاييــر العلميــة واألدبيــة و الشــروط العامــة‬ ‫جائــزة الترجمــة فقــد فــاز بهــا البروفيســور اليابانــي‬
‫للجائــزة‪.‬‬ ‫هانــاوا هــاروو عــن ترجمــة ثالثيــة جنيــب محفــوظ‬
‫ويذكــر أن اجلائــزة تأسســت بدعــم ورعايــة مــن‬ ‫«قصــر الشــوق» و «بــن القصريــن» و «الســكرية»‬
‫هيئــة أبوظبــي للســياحة والثقافــة ‪ ،‬وتبلــغ القيمــة‬ ‫حيــث ترجمهــا إلــى اللغــة اليابانيــة ‪ ،‬وفــاز يف فــرع‬
‫اإلجماليــة لهــا ســبعة ماليــن درهــم إماراتــي‪.‬‬ ‫اجلائــزة للثقافــة العربيــة يف اللغــات األخــرى املــؤرخ‬
‫اليابانــي ســوغيتا هايدباكــي عــن كتابــه «تأثيــر‬

‫وحتقيــق مبيعــات أعلــى نظيــر فوزهــا بجائــزة البوكــر‬ ‫أعلنــت اجلائــزة العامليــة للروايــة العربيــة يف‬
‫العربيــة الشــهيرة‪.‬‬ ‫دورتهــا الثامنــة مســاء األربعــاء ‪ 7‬مايــو ‪2015‬م عشــية‬
‫و«شــكري املبخــوت» أكادميــي تونســي وناقــد‬ ‫افتتــاح معــرض أبوظبــي الدولــي للكتــاب عــن فــوز‬
‫معــروف‪ ،‬مــن مواليــد ‪1962‬م‪ ،‬ويشــغل منصــب رئيــس‬ ‫الكاتــب التونســي «شــكري املبخــوت» عــن روايتــه‬
‫جامعــة منوبــة‪ ،‬وتعــد «الطليانــي» روايتــه األولــى‪،‬‬ ‫«الطليانــي» الصــادرة عــن دار تنويــر بتونــس‪.‬‬
‫وقــد صــرح يف املؤمتــر الصحفــي الــذي أقيــم بعــد‬ ‫و كانت رواية «الطلياني» قد ترشــحت يف القائمة‬
‫حفــل اجلائــزة قائــ ً‬
‫ا بأنــه لــم يتفاجــأ بالفــوز‪ ،‬بــل‬ ‫القصيــرة التــي ضمــت ســت روايــات للتنافــس علــى‬
‫توقعــه عندمــا وجــد الشــباب يهتمــون بقــراءة روايتــه‪،‬‬ ‫اجلائــزة‪ ،‬و ُكــرم الكتــاب الســتة املرشــحني يف القائمــة‬
‫وجذبــت قــراء ال يقــرؤون إال باللغــة الفرنســية‪.‬‬ ‫القصيــرة ونــال كل واحــد منهــم جائــزة مبقــدار ‪10‬‬
‫ويذكــر أن اجلائــزة تدعمهــا مؤسســة جائــزة بوكــر‬ ‫آالف دوالر‪ ،‬كمــا حصــل الفائــز باجلائــزة علــى‬
‫يف لنــدن ومتولهــا هيئــة أبوظبــي للســياحة والثقافــة‬ ‫‪ 50‬ألــف دوالر‪ ،‬إضافــة إلــى ترجمــة روايتــه للغــة‬
‫يف أبــو ظبــي‪.‬‬ ‫اإلجنليزيــة‪ ،‬وســتحظى الروايــة‪  ‬باالنتشــار الواســع‬

‫‪36‬‬
37
‫مي أحمد‬
‫‪@mai_ahmd‬‬

‫مونتــاغ بأزمــة ضميــر وهــو اإلطفائــي‬ ‫النســخ ‪ ،‬تلــك الكتــب نفســها التــي أفنــى‬ ‫لــن أزعــم أن أيــة روايــة موضوعهــا‬
‫يف زمــن يقــوم فيــه بالنقيــض مــن عمــل‬ ‫البعــض حياتــه ألجلهــا اعتبرهــا البعــض‬ ‫الكتــاب ســتجعل أيــادي كثيــرة متتــد‬
‫األطفائــي املعتــاد ‪ ،‬فقــد كان مونتــاغ‬ ‫أيضــا ذلــك الكائــن التخريبــي اخلطيــر‬ ‫إليهــا‪ ،‬الكتــب التــي أشــبعت العطــش‬
‫يشــعل النــار وال يطفئهــا ‪ ،‬يرتكــب واحــدة‬ ‫والعــدو احملتمــل هــل ميكــن أن تتخيــل‬ ‫للمعرفــة و أنــارت التفكيــر وأشــعلت‬
‫مــن أخطــر اجلرائــم لتدميــر التــراث‬ ‫ذلــك ! لكــن علــى مــدار عصــور مختلفــة‬ ‫األســئلة‪ ،‬الكتــب التــي أثــرت العقــول و‬
‫األدبــي واإلنســاني ‪ ،‬يحــول املكتبــات‬ ‫خضعــت العديــد مــن الشــعوب للعبوديــة‬ ‫أثــارت العواطــف‪ ،‬احلقيقــة أن هــذا هــو‬
‫املنزليــة وأصحابهــا إلــى رمــاد ويســاويها‬ ‫الفكريــة ‪ ،‬ومورســت الديكتاتوريــة يف‬ ‫مــا يحــدث بالفعــل حــن يكــون املوضــوع‬
‫بــاألرض ‪ ،‬كالريــس هــي أرض أخــرى هــي‬ ‫محاولــة خلنــق الهــواء وقــد نالــت الكتــب‬ ‫هــو الكتــاب ‪ ،‬فاألمــر يصبــح مغريــا لــكل‬
‫املطــر هــي العشــب هــي النحــل إنهــا تقــول‬ ‫حظهــا مــن اإلهمــال اإلغــراق واحلــرق يف‬ ‫قــارىء وعاشــق للكتــاب ‪ ،‬وفهرنهايــت ‪451‬‬
‫أمــورا رائعــة ومتتلــك عيونــا مختلفــة‬ ‫محــاوالت جاهــدة للقضــاء علــى املنبــع‬ ‫لــراي برادبــوي جــاءت بذلــك املضمــون‬
‫بينمــا أصابهــم العمــى ‪ ،‬هــي احليــاة‬ ‫األساســي لقيــام احلضــارات اإلنســانية‪.‬‬ ‫الــذي ســيلفت انتبــاه أي عاشــق لرائحــة‬
‫احلقيقيــة و اجلانــب املشــرق يف الليالــي‬ ‫أمــام هــذا الكنــز الهائــل الــذي تقدمــه‬ ‫الكتــب ألغلفتهــا لســطورها وصفحاتهــا‪،‬‬
‫البــاردة ‪ ،‬وهــي الســبب الرئيســي يف حتـ ّرك‬ ‫الكتــب التــي متتلــك تلــك الرائحــة‬ ‫ألي عاشــق لزيــارة املكتبــات والتجــول بــن‬
‫ضميــر مونتــاغ يف عبــارة صغيــرة وخاطفة‬ ‫اجلذابــة واألغلفــة امللونــة البراقــة ذات‬ ‫أرففهــا متكبــدا الوقــوف لســاعات طــوال‬
‫وبريئــة ‪:‬‬ ‫امللمــس البــريء الناعــم والــذي يخطــف‬ ‫مــن أجــل احلصــول علــى كتــاب أو كتابني!‪.‬‬
‫هل أنت سعيد !‬ ‫قلــوب وعيــون عشــاقها ! كانــت الســلطة‬ ‫ال ميكــن أن ال يخطــر يف الذهــن إنــه‬
‫كالريــس تســير يف طريــق ال يجــب أن‬ ‫ونحــن هنــا نتحــدث عــن روايــة فهرنهايــت‬ ‫قبــل اختــراع الطباعــة كانــت الكتــب تنســخ‬
‫متــر بــه الــكالب اآلليــة وال النــار املســتعرة‬ ‫تضطهــد بشراســة أي شــخص ميتلــك‬ ‫نســخا وبالرغــم مــن ذلــك املجهــود الهائــل‬
‫! والتــي تنتظــر القــوم الضالــن مــن‬ ‫كتابــا ‪ ،‬أو أولئــك الذيــن كانــوا يخبئونهــا‬ ‫الــذي كان مــن املمكــن أن يؤثــر علــى نظــر‬
‫عشــاق الكتــب‪.‬‬ ‫ســرا‪ ،‬فالقــراءة وياللعجــب جرميــة يعاقــب‬ ‫هــؤالء النســاخ ويعــدم الرؤيــة لديهــم ‪،‬‬
‫عليهــا القانــون ! وال عجــب أن يصــاب‬ ‫إال إنهــم لــم يتوقفــوا يومــا واســتمروا يف‬

‫‪38‬‬
‫الطريــق إال إنــه يتركــه محتــارا يتســاءل‬ ‫كمــا كان يفعــل هتلــر عندمــا أوعــز بحــرق‬ ‫أمــا عــن الشــخصية األخــرى وهــي‬
‫هــل تكفــي ذاكــرة اإلنســان ؟! تلــك الذاكــرة‬ ‫الكتــب عــام ‪ ،1933‬كمــا فعــل املغــول عندمــا‬ ‫شــخصية ثانويــة يف القصــة إال إنهــا‬
‫املعرضــة لإلهتــراء وللمــرض واملــوت !‬ ‫أغرقــوا الكتــب يف نهــر دجلــة ‪ ،‬كمــا فعــل‬ ‫ملفتــة ومتثــل شــيئا بــا شــك ‪ ،‬وهــي‬
‫لعلــه أراد مــن خــال طابــور احلفظــة‬ ‫مــن أحرقــوا مكتبــة البابــا ســروج يف لبنــان‬ ‫ميلدريــد زوجــة مونتــاغ املــرأة الصقيــع ‪،‬‬
‫اإلنســاني أن يجعلنــا نــدرك أهميــة‬ ‫‪ ،‬كمــا أحــرق املجرمــون الكتــب يف العــراق‬ ‫حوارهــا مــع مونتــاغ يخلــو مــن أي دفء‬
‫وقيمــة الكتــاب‪.‬‬ ‫‪ ،‬إن حــرق الكتــب هــو حريــق يف القلــوب‬ ‫أي حميميــة إنــه كأي حــوار آلــي ‪ ،‬لــو كانــت‬
‫الروايــة علــى الرغــم مــن إنهــا رســالة‬ ‫العاشــقة وكل مــن أحــرق الكتــب لهــو‬ ‫يف زمــن اختــرع فيــه التيلفــون ألمضــت‬
‫حتذيريــة إال إنهــا أغنيــة يف حــب القــراءة‬ ‫الشــيطان بعينــه ! بيتــي ينــوي اإلضــرار‬ ‫وقتهــا يف التحــدث والغيبــة والنميمــة‬
‫وعشــق الكتــاب ‪ ،‬وهــي موجهــة لعمــر‬ ‫بتلــك املنــارات العاليــة قــد ميثــل نظامــا‬ ‫منــوذج لإلنســان اإلســتهالكي فــارغ الــرأس‬
‫معــن فيهــا رســالة واضحــة ومباشــرة‬ ‫سياســيا يســيطر على اجلمهور‪ ،‬قد يكون‬ ‫والــذي يعيــش كيفمــا أتفــق وال ميكــن أن‬
‫لألجيــال التــي ال تقــرأ ‪ ،‬لألجيــال التــي‬ ‫الــرداءة يف الفكــر قــد تكــون الصرامــة يف‬ ‫يكــون قــد عــرف يف حياتــه لــذة أو متعــة‬
‫وضعــت الكتــاب جانبــا واســتبدلته‬ ‫الرقابــة ‪ ،‬وإن كان راي برادبــري قــد نفــى‬ ‫القــراءة ‪ ..‬ميلدريــد لــم تعــرف كيــف‬
‫بأشــياء أخــرى أقــل أهميــة وأقــل ثــراءا ‪،‬‬ ‫ذلــك قــد يكــون ركــود األفــكار أو شــيء آخــر‬ ‫ممكــن أن تبقــى رائحــة الكتــاب يف اليــد‬
‫الكتــاب رســالة لــكل مــن لــه دور يف رســم‬ ‫قبيــح أشــبه بذلــك التنــن الهائــل الــذي‬ ‫لــم تشــمها يومــا ‪ ،‬لــم تتنقــل مــن مكتبــة‬
‫الثقافــة التــي حتــدد قيــم املجتمــع وتؤثــر‬ ‫يقــذف النــار وال ميلــك أحــد الســيطرة‬ ‫ألخــرى لتبحــث عــن كتــاب و لــم تطــارد‬
‫فيــه ولألنظمــة السياســية أيــا ماكانــت‬ ‫عليــه !‬ ‫كتابــا يف حياتهــا لذلــك كــم كان ســهال‬
‫والتــي حتــاول أو حاولــت غســل العقــول أو‬ ‫يف النهايــة يبــدو أن راي كان يتنبــأ‬ ‫عليهــا أن تتخــذ قرارهــا وتخضــع للنظــام‬
‫التالعــب بهــا‪ ،‬إنهــا دعــوة أيضــا لفضــاءات‬ ‫بــأن التكنولوجيــا ستســيطر علــى عقــل‬ ‫وتتخلــى عــن زوجهــا!‬
‫واســعة يف القــراءة و حريــة الكتابــة‪.‬‬ ‫اإلنســان يف مرحلــة مــا ‪ ،‬وعلــى الرغــم‬ ‫الكتــب منــارات تضــيء العالــم فيمــا‬ ‫ُ‬
‫مــن شــعور القــارىء بــأن راي يقــدم األمــل‬ ‫الكابــن بيتــي الــذي ميثــل الشــر يف‬
‫فهنــاك حفظــة ينتشــرون علــى طــول‬ ‫الروايــة أراد إغــراق العالــم يف العتمــة‬

‫‪39‬‬
‫أ‪ .‬فهد الشاطري‬
‫‪@fss232‬‬

‫• وجــود خبــرات متميــزة داخــل‬ ‫بيــد أننــا ال يجــب أن نقــف موقــف‬ ‫كل إنســان معــرض للخطــأ والصــواب‪،‬‬
‫اإلصالحيــات مــن حملــة الشــهادات‬ ‫اجلمهــور علــى حــال هــؤالء املســاكني‪،‬‬ ‫واخلطــأ‪ ،‬أو الذنــب‪ ،‬أمــر مجبــول عليــه‬
‫العليــا‪ :‬البكالوريــوس واملاجســتير‪ ،‬إضافة‬ ‫بــل ينبغــي– بوصفنــا مجتم ًعــا ينبغــي أن‬ ‫اإلنســان‪ ،‬فرســولنا الكــرمي –عليــه الصالة‬
‫إلــى وجــود املواهــب والطاقــات التــي‬ ‫تتوافــر فيــه املســؤولية‪ -‬أن نأخــذ بيــده‬ ‫والســام – يقــول‪ »:‬والــذي نفســي بِيــدهِ‪،‬‬
‫حتتــاج إلــى االهتمــام ‪ ،‬وحتريــر عقولهــم‬ ‫إلــى ســاحة النــور‪ ،‬ومســرح األمــل‪ ،‬وأن‬ ‫لــا َء‬ ‫ــب اهللُ ِب ُكــ ْم‪َ ،‬و َ َ‬
‫لَــ ْو لَــ ْم تُ ْذ ِنبُــوا لَ َذ َه َ‬
‫مــن الســجن بــدل أن تضــم اإلصالحيــة‬ ‫نتحلــى باألنــاة والصبــر يف مســاندته‬ ‫َ‬
‫ِب َقــ ْو ٍم يُ ْذ ِنبُــو َن َف َيســتَغْفِ ُرو َن اهلل؛ َف َيغْفِ ــ ُر‬
‫اجلســد والعقــل م ًعــا‪.‬‬ ‫ومعاضدتــه‪ ،‬مردديــن قــول الشــاعر ‪:‬‬ ‫لَ ُه ـ ْم»‪.‬‬
‫• وجــود نــواة القــراءة‪ ،‬واحلــرص‬ ‫ـجن خَ ِّي ْم إنّنا ن َْهـ َوى الظ َ‬
‫ـالما‬ ‫الس ِ‬
‫يا ظال َم ّ‬ ‫وبنــاء علــى مــا مضــى‪ ،‬فإننــا نعلــم‬
‫عليهــا‪ ,‬وقــد اتضحــت معالــم الفعــل ذلــك‬ ‫ـجن إال فج ُـر مج ٍـد يت ََسامى‬ ‫الس ِ‬‫ليس بع َد ّ‬
‫َ‬ ‫مــا تنــوء بــه الســجون مــن املذنبــن‬
‫مــن خــال أســئلتهم املتكــررة‪ ،‬واإلحلــاح‬ ‫نعــم‪ ،‬بعــد الضيــق الفــرج‪ ،‬وبعــد‬ ‫واملقصريــن‪ ،‬مــن إخواننــا وأخواتنــا‪،‬‬
‫بالســؤال عــن أفضــل الكتــب التــي يطلبون‬ ‫الظــام النــور‪ ,‬ينبغــي أن منــد لهــم أيدينا؛‬ ‫الذيــن ضلــوا طريــق الرشــاد‪ ،‬وســلكوا‬
‫النصيحــة حــول أفضلهــا‪.‬‬ ‫لنطمــس الصــورة الباهتــة عــن املاضــي‪،‬‬ ‫درب الغوايــة‪ ،‬واجتمعــت عليهــم مصائــب‬
‫• روح التعــاون التــي رأيتهــا منهــم يف‬ ‫ونحــل محلهــا صــورة زاهيــة رائعــة‪.‬‬ ‫الزمــان ومنغصاتــه‪ ،‬فتحملــوا تبعــات‬
‫طلــب العلــم عنــد بدايــة كل دورة تدريبيــة؛‬ ‫ومــن منطلــق املســؤولية تبــادرت إلــى‬ ‫كثيــرة‪ ،‬كانــت نهايتهــا الســجن‪.‬‬
‫فهــذا يجهــز املــكان‪ ،‬وآخــر يــوزع األوراق‪،‬‬ ‫ذهنــي فكــرة مشــروع القراءة ( ال تســجن‬ ‫والنزيــل عندمــا يخــرج مــن اإلصالحية‬
‫وثالــث يســجل األســماء‪.‬‬ ‫عقلــك ) باإلضافــة إلــى أســباب أخــرى‬ ‫إلــى مجتمعــه؛ فــإن لقطــات اإلصالحيــة‬
‫ــرص القائمــن علــى هــذه‬ ‫• ِح ُ‬ ‫لعلــي أوجزهــا فيمــا يلــي ‪:‬‬ ‫جرحــا‬
‫ً‬ ‫ال تنفــك عــن مالحقتــه‪ ،‬مســببة لــه‬
‫اإلصالحيــات بــأن تكــون منــار علــم وعمل‬ ‫• احلــرص الواضــح مــن النــزالء علــى‬ ‫غائـ ًرا تســمع أ َّناتــه بــن الفينــة واألخــرى؛‬
‫وتدريــب‪ ،‬وليــس مــكان عقــاب وحســب‪.‬‬ ‫العلــم‪ ،‬والتطويــر‪ ،‬واالطــاع‪ ،‬ومالحقــة‬ ‫لقســوة املــكان وأملــه‪ ،‬وارتباطــه مــن ناحيــة‬
‫• رغبتهــم يف االســتفادة مــن دروس‬ ‫املعرفــة‪ .‬وقــد اتضــح لــي ذلــك األمــر‬ ‫بالعقــاب واحلرمــان‪ ،‬لكــن هنــاك مــا هــو‬
‫املاضــي‪ ،‬واســتكمال احلاضــر‪ ،‬بنظــرة‬ ‫مــن خــال تقــدمي دورات تدريبيــة داخــل‬ ‫أقســى مــن ذلــك؛ وهــو أن يتخلــى عنــه‬
‫مشــرقة و َّثابــة‪.‬‬ ‫اإلصالحيــات‪.‬‬ ‫املجتمــع داخــل الســجن قبــل أن يخــرج‪،‬‬

‫‪40‬‬
‫االجتماعيــة‪ ،‬ورعايــة الشــباب‪ ،‬بأهميــة‬ ‫األيــام الثقافيــة‪ ،‬وأيــام الكتــاب داخــل‬ ‫و كمــا تبــادرت إلــى ذهنــي فكــرة‬
‫دعــم مثــل هــذه املشــاريع‪.‬‬ ‫اإلصالحيــات‪ ،‬كمــا تقــام خارجــه‪ ،‬مــا‬ ‫أنديــة القــراءة يف الســجون‪ ،‬أدركــت أنــه‬
‫‪ -‬خــروج النزيــل مــن اإلصالحيــة وهــو‬ ‫يدفعهــم إلــى اإلحســاس بعــدم اختالفهــم‬ ‫مــن العبــث أن نتــرك هــذه األنديــة داخــل‬
‫يحمــل ثقافــة قرائيــة ال يســتهان بهــا‪،‬‬ ‫مــع املجتمــع خــارج اإلصالحيــة‪ ،‬ولــو‬ ‫اإلصالحيــات بــدون تنظيــم واضــح لهــا‪،‬‬
‫وخبــرات إداريــة جيــدة‪ ،‬ال ســيما إذا‬ ‫ثقاف ًّيــا‪.‬‬ ‫لــذا حاولــت‪ -‬يف الســطور التاليــة‪ -‬أن‬
‫علمنــا عــدد الســنوات التــي يقضيهــا‬ ‫‪ -‬طرد السآمة وامللل ‪.‬‬ ‫أحدد مالمح تنفيذ املشــروع‪ ،‬يف خطوات‬
‫بعــض النــزالء داخــل اإلصالحيــة‪.‬‬ ‫‪ -‬إبعادهــم عــن األفــكار الســلبية التــي‬ ‫مبســطة‪ ،‬بعي ـ ًدا عــن التعقيــد واإلطنــاب‪،‬‬
‫فإلــى كل مــن أراد أن يكــون عنصــ ًرا‬ ‫قــد تنشــأ مــن خــال الفــراغ‪ ،‬والتفكيــر‬ ‫مــا يســهل عمــل النــزالء يف إنشــاء أنديــة‬
‫ـال يف تغييــر ثقافــة الســجني و متلكتــه‬ ‫فعـ ً‬ ‫يف املاضــي‪.‬‬ ‫خاصــة بهــم يف اإلصالحيــة‪.‬‬
‫الرغبــة يف تطبيــق هــذا املشــروع ‪ :‬تخلص‬ ‫‪ -‬ترســيخ حــب القــراءة داخــل‬ ‫• الرؤية للمشروع‪ :‬كل نزيل قارئ‪.‬‬
‫مــن األفــكار الســلبية جتــاه الســجناء قبــل‬ ‫اإلصالحيــات‪ ،‬وأنهــا مــكان للعلــم ال‬ ‫• الرســالة‪ :‬إنشــاء العديــد مــن األنديــة‬
‫القيــام باملشــروع‪ ،‬وال حتــاول النظــر إلــى‬ ‫للجهــل ‪.‬‬ ‫القرائيــة داخــل اإلصالحيــة‪ ،‬بحيــث تكون‬
‫قضاياهــم ومشــكالتهم‪ ،‬بقــدر مــا تنظــر‬ ‫‪ -‬إضافــة روح احلمــاس والتشــجيع مــن‬ ‫مشــابهة ألداء أنديــة القــراءة خارجــه‪.‬‬
‫إلــى قضيتــك معهــم‪ ،‬وهــي القــراءة‪.‬‬ ‫خــال إقامــة املســابقات القرائيــة‪.‬‬ ‫• األهداف‪:‬‬
‫فاجتهــد – مــا اســتطعت‪ -‬أن تســجن‬ ‫‪ -‬تشــجيع النــزالء علــى القيــادة‪ ،‬وإدارة‬ ‫‪ -‬نشــر ثقافــة القــراءة بــن نــزالء‬
‫القــراءة يف قلوبهــم‪ ،‬وأن حتــرر عقولهــم‬ ‫شــؤون النــادي ‪.‬‬ ‫ا إل صال حيــا ت ‪.‬‬
‫مــن التفكيــر الســلبي والتشــاؤم‪».‬‬ ‫‪ -‬تشــجيع النــزالء علــى اختيــار الكتــب‬ ‫‪ -‬قضــاء وقــت فراغهــم مبــا يعــود عليهــم‬
‫املناســبة لهــم‪ ،‬فهــم بذلــك ال يفقــدون‬ ‫بالنفــع والفائــدة‪.‬‬
‫ثقافــة االختيــار كمــا فقــدوا احلريــة‪.‬‬ ‫‪ -‬إشــراكهم يف أنديــة القــراءة‪ :‬هــي‬
‫‪ -‬تبصيــر املجتمــع‪ ،‬ومؤسســات املســؤولية‬ ‫مشــاركتهم للمجتمــع ‪,‬مــن خــال إقامــة‬

‫‪41‬‬
‫ﻣﺴﺎﺑﻘﺔ‬

‫اﻷدﺑﻴﺔ‬
‫اﻟﻜﺮام‬
‫أ ﱡﻳﻬﺎ اﻟﻘﻮارئ ﹺ‬

‫ﻣﺠﻠﺔ ﻗﻮارئ داﺋﻤﴼ ﺗﺒﺘﻬﻞ ﺑﻜﻢ وﺗﺴﻌﻰ ﻟﺮﺿﺎﻛﻢ وﻹﺛﺮاء‬


‫اﻟﻤﺤﺘﻮى اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻟﻘﺮاﺋﻲ ﻧﻘﺪم ﻟﻜﻢ اﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺔ اﻷدﺑﻴﺔ‬
‫واﻟﺘﻲ ﺗﺨﺺ اﻷدﺑﺎء واﻟﻤﻬﺘﻤﻴﻦ ﺑﺎﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷدﺑﻲ واﻟﻠﻐﻮي‪،‬‬

‫ﺗﺮﻗﺒﻮﻧﺎ‬
‫ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ﻧﺮﺟﻮ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﺻﻔﺤﺎت اﻟﻤﺸﺮوع ﻓﻲ ﺗﻮﻳﺘﺮ‬

‫‪42‬‬
‫ﺷــﺎﺭﻛﻨﺎ ﺍﻟﺘـــﺤﺮﻳﺮ‬

‫ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﻣﻌﻨﺎ ﻓﻲ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﺍﻟﻤﺠﻠﺔ‪..‬‬


‫ﺃﺭﺳﻞ ﻣﺸﺎﺭﻛﺘﻚ ﺇﻟﻰ ‪:‬‬

‫‪magazine.rfriends.net‬‬

‫‪43‬‬

You might also like