Professional Documents
Culture Documents
~2~
~3~
هادي العلوي الجزء الثالث- األعمال الكاملة
هادي العلوي.من تاري خ التعذيب يف اإلسالم
هادي العلوي
ملحوظة
قسمي يروي أحدهما قصص التعذيب يف ر تتألف هذه الدراسة من
تاري خ اإلسالم ومواقف الفئات المختلفة منه وآراء الفقهاء فيه.
المقيبات الدينية للتعذيب كاشفا من ر الثان يف
ويبحث القسم ي
وف هذا القسم خاللها عن دور األديان يف هذه الظاهرة الجنائية .ي
الدين للتعذيب من خالل استقصائها للبعد ي تركز الدراسة عىل البعد
التعذين يف األديان ،السيما السماوية ،ولو أنها ال تستبعد األبعاد
ي
مشيك لجميع المجتمعات والمعاش الطبقية األخرى كاق رياف ر
والالطبقية.
~~6
فارغة
~~7
القسم األول
يف االصطالح:
ر
وسيأن سق الصديد وهو القيح ر
وسق المهل أي المعادن المذابة.. ر
ي ي ي
الثان من الرسالة
الكالم عن هذه األمور يف القسم ي
أغراض التعذيب وضحاياه:
السمعان يف األنصاب أن زياد أمر بقطع لسان رشید ي التهمة .ويروي
الهجري وصلبه ألنه تكلم بالرجعة ( )2والحكم بقطع اللسان تطوير
الن تقدمت بها دولة اإلسالم ر
مبكر لفن التعذيب يدل عىل الرسعة ي
يف طريق تكاملها كمؤسسة قمعية.
يروى عن عمر بن عبد العزيز أنه قال« :تشبه زياد بعمر فأفرط،
ر
وتشبه الحجاج بزياد فأهلك الناس .ومناط الشبه هو شدة عمر ي
الن
استوحاها زياد يف حكم العراق .ومن المعروف مع ذلك أن شدة عمر
کيق ،أو تعذيب ،وإنما كانت درجة من الحزم ر
لم تقين بحاالت قتل ي
والضبط جعلته مهيبا يف عيون الناس .ومناط اإلفراط هو أن شدة
ومض
ي عمر تحولت عند زياد إىل إرهاب دموي استوحاه الحجاج
فيه إىل مداه األبعد ،والحجاج نسخة متطرفة من زياد وعىل يده
أصبح اإلرهاب حالة يومية شاملة يعيشها الناس عىل اختالف
فئاتهم ولمختلف األسباب من سياسية وعادية .وقد أنشأ سجن
الديماس المشهور ،ويقال انه كان بال سقوف ،وقدر عدد من كان
فيه عند وفاتها بعرسة االف من الرجال والنساء ،وكان التعذيب
يطبق عىل األشى والمعتقل ري تبعا لحاالتهم ،لكن الشكل السائد
الكيق بوسيلته الشائعة وهو قطع الرأس ي إلرهاب الحجاج كان القتل
بالسيف .وأضاف الحجاج الصلب بعد القتل لألشخاص الذين لهم
وزن خاص يف حركة المعارضة ،وكان من ضحايا هذا اإلجراء ميثم
أن طالب المقرين. عىل بن ي الثمار ،من أصحاب ي
قصية يف ر
استمرت سياسة التعذيب ألجل اإلرهاب بعد اسياحة ر
خالفة عمر بن عبد العزيز ،لتأخذ مدى جديدة عىل يد هشام بن
عبد الملك يف الشام ووالته يف األقاليم.
األثي .القاهرة ۱۳5۷ه 58/2 ،
( )2اللباب يف تهذيب األنساب البن ر
~ ~ 11
غيه ،وقد مر بنا انه الذي رفعه الرشيد هو عذاب الجباية وليس ر
السياس ،وال شك يف أنه استؤنف بعد الرشيد ،معي مارس التعذيب
افياض التقيد بالمنع يف حياته. ر
من قبيل تعذيب الجباية تعذيب عمال الخراج الذين يتهمون
باالختالس وهو أمر مألوف يف الوظائف المالية ،وكان المتورطون
فيه من كافة المراتب :الوزير فرئيس الديوان الموظفون.
( )۱1اليعقو ين 122/2 األغان
ي )10( 242/24
~ ~ 17
وكان من الشائع أن يسطو الوزير أو رئيس الديوان عىل قدر من
الن تحت يديه بعلم خليفته أو سلطانه ،لكن حسابه يؤجل ر
األموال ي
يقين باستجواب ألجل المصادرة إىل ما بعد العزل ،الذي غالبا ما ر
يتضمن التعذيب يف حالة اإلنكار .أما الموظفون فهم عرضة
لالستجواب يف كل وقت .وتشتد وقائع االختالس ،وما يتبعه من
حي تكون الدولة يف حالة انحالل أو فساد عام وهذا هو تعذيب ،ر
السبب يف استرسائه بعد الحقبة العباسية األوىل حيث سيطر
المتغلبون األتراك عىل الخالفة منذ مقتل المتوكل وتجزأت الدولة
المختلسي وسائل وأساليب
ر إىل دويالت .وقد استخدمت لتعذيب
يحتمل أن تكون مكرسة لهذا الغرض ،منها التنور الذي ابتكره وزير
الواثق محمد بن عبد الملك الزيات ،وسنصفه الحقا .وقد استمر
التعذيب دون أن يتوقف االختالس ،فكان هناك عىل الدوام
مختلسون من مختلف المراتب ومعذبون بتهمة االختالس.
التعذيب عل سبيل العقوبة :تتضمنه بعض مواد العقوبات
غيان ر
وه الجلد للسكران والز ي المنصوص عليها يف الرسيعة ي
ان المحصن ،وقطع يد المحصن والمحكوم بالقذف ،والرجم للز ي
السارق ،وقطع أيدي وأرجل قطاع الطرق وصلبهم .ويصح عىل هذه
العقوبات اسم التعذيب من جهة كونها وسائل إليالم المحكوم
سواء كانت خفيفة نسبيا کالجلد أو شديدة كالرجم وقطع األوصال،
القواني تفيضيميها عن العقوبة االعتيادية بالسجن الذي ر وهو ما ر
ر
السجي إل يف الجرائم المعاقب عليها ر
الحديثة عدم اقيانه بإيالم
ر
باألشغال الشاقة ومن الناحية العملية ،لم يستخدم الرجم إل نادرا،
الن استمرت يف مختلف األزمان، ر
بخالف الجلد والقطع والصلب ي
عىل أن عقوبات التعذيب لم تتعدد بالرسع وإنما امتدت إىل جرائم
النه عن تجاوز الحدود المقررة. عادية أخرى رغم التشديد يف ي
~ ~ 18
النن محمد نفسه حيث وتتصل بعض هذه الخروقات بأيام ي
فرسي جريا بها ( ،)12ولم ر أعدمت امرأة بأمر زيد بن حارثة بربطها إىل
ّ
تذكر المصادر ما إذا كان ذلك قد تم بعلمه ،وقد مد الحكام
المسلمون هذه العقوبات إىل مخالفات أخرى كجرائم الفكر
الشخض ،وشملت
ي والرسقة ،كما استخدموها للتأديب واالنتقام
عقوبة التعذيب كذلك حاالت القصاص ،وهو بحسب الرسع،
االعدام بقطع الرأس يف قتل العمد ،لكنه تجاوز هذا الحد يف
السياس ،ومن أمثلته تعذيب عبد الرحمن بن ملجم قاتل ي القصاص
الجنان
ي أن طالب ( ،)13وتعذيب الخادم الذي قتل أبو سعيد عىل بن ي ي
ر
القرمط يف ش يف الجزيرة العربية. الحكم ؤسس م
ي
نيي. النن محمد يف حادث العر ر تعذيب المقابلة بالمثل :ورد عن ي
للنن وقتلوا راعيها النو ين ،وقطعوا
وكان هؤالء قد استولوا عىل إبل ي
ر
يديه ورجليه وغرزوا الشوك يف عينيه ولسانه حن مات ،فأرسل
النن يف طلبهم فأدركوا ،فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ي
حن ماتوا ( .)14وتقر الرسيعة هذا الشكل من وألقاهم ف الشمس ر
ي
العقوبة يف القصاص ،وهو مبدأ مستمد عي التوراة من قانون
ان .ويوفر مبدأ المقابلة بالمثل عذر شعية للتعذيب ولذلك حمور ي
يفيض سلطة مفيدة بالقانون .وهذا هو السبب يف أننا ال نجد فهو ر
المسلمي ،الذين لم يكونوا يف حاجةر له أثرا يف سلوك الحكام
( )12السهي يىل( ،الروض النف) .361/2كانت من رؤوس غطفان الشديدة التأليب
المسلمي وكان لها ثالثة عرس ابن كلهم فرسان -وقد تحدت قريش محمد أن ر عىل
يتمكن منها فأرسل إليها زيد بن حارثة يف مفرزة وقتلها يف ديار غطفان وطافوا برأسها
يف المدينة للرد عىل تحدي قريش.
قاتىل واياك والمثلة ص150
( )13يف االختصاص للمفيد أنه قال إلبنه الحسن أقتل ي
( )14ابن عبد الي (االستيعاب) 6۳۳ /۲
~ ~ 19
لالعتذار عن سياستهم بإقامتها عىل أساس الرسيعة .ظهر التعذيب
أيضا يف معاقبة الهار ربي من الجيش منذ الفتوحات األوىل .وكانت
ه التعزير (*) وتتم بإقامة الهارب حاشا يف العقوبة أيام الراشدين ي
للتشهي به .وقد أضاف مصعب بن ر
الزبي ،يف العراق ،إىل ر مكان عام
وف والية برس بن مروان -شقيق نزع العمامة حلق الرأس واللحية .ي
عبد الملك للعراق فرض التعذيب الجسدي فكان الهارب يرفع عن
القاع ويسمر يف يديه مسماران يف حائط -عىل طريقة صلب
حن يموت وربما خرق وييك لشأنه ،فربما ربق معلقا رالمسيح ر
ي
المسمار كفه فسلم (.)15
إن مصدر التعذيب يف الحاالت الموصوفة آنفا هو الدولة وضحاياه
هم عامة الناس .وهو أمر مفهوم مادام القادر عىل التعذيب هو
المالك ألجهزة الدولة .ولدينا مع ذلك استثناء هام كان فيه ضحايا
ّ
التعذيب هم الحكام أنفسهم .جرى ذلك يف أوان التغلب الذي
العباسيي بعد المتوكل ،وقد
ر فرضه العسكريون األتراك عىل الخلفاء
غي المرغوب ظهرت حينذاك طريقة سمل العيون إلرغام الخليفة ر
فيه عىل التنازل .وي هدف السمل إىل حرمان الخليفة من أحد شوط
االستخالف وهو سالمة الجسد حيث يصبح بعد أن يفقد إحدى
عينيه أو كلتيهما يف حكم المنخلع .وكان ذلك يتم يف هجوم مباغت
يدبره المتغلب ضد الخليفة يقوم المهاجمون خالله بسمل عينيه أو
التدبي خفيا بحيث يسجل الهجوم عىل مالك ر إحداهما .وقد يكون
غي منضبطة ،أو مباشة بحكم السلطة الفعلية االعتداء من عناض ر
(*) التعزير عقوبة معنوية تكون عادة بجلدات محدودة العدد.
األثي (الكامل يف التاري خ) ،يف أخبار الحجاج وقد ورد فيه لمجند عاشق
( )15ابن ر
كتب إىل حبيبته،
ش أو عقوبته *** وأن ينوط يف ك يف مسمار لوال مخافة ب ر
إذن لعطلت ثغري ثم زرتکم *** إن المحب لمن يهواه زوار
عطلت ثغري :كناية عن الهرب من جبهة القتال .والثغور يف خطوط التماس مع دار
الحرب وكانت بمثابة الحدود.
~ ~ 20
ّ ر
الحالتي يسقط أسم الخالفة عن
ر وف كلتا
الن يتمتع بها المتغلب ،ي
ي
غيه ،وكان السبب يف ذلك عدم قدرةالخليفة القائم ويستبدل به ر
يثي مقاومة
ع ألنه قد ر
المتغلبي عىل خلع الخليفة دون مير ش ي
ر
ينبغ. ر ر
الخليفة ويظهرهم للناس مستهيين أكي مما ي
فنون التعذيب وأبطاله
لم يكن التعذيب مألوفا يف الجاهلية بالنظر لقيم البداوة المناهضة
للتنكيل ،وقد ظهرت منه بوادر يف المدن التجارية وجهت رئيسيا
وف بداية الدعوة اإلسالمية بمكة وجد تجار قريش ضد العبيد .ي
حاجة إلرهاب عبيدهم ومواليهم الذين أسلموا فعذبوهم رليجعوا
ه التشميس الذي يعتمد عن اإلسالم ،وكانت وسيلتهم يف ذلك ي
عىل شمس الجزيرة الحارقة .فكانوا يكتفون الضحية ويلقونه يف
الشمس بعد إلباسه أدراع الحديد أو وضع جندلة عىل ظهره أو
غي محدودة قد تستمر وييك عىل هذا الحال ساعات ر صدره ر
مادامت شمس النهار يف عنفوانها ،وظهر التشميس أيضا يف صدر
الممتنعي عن دفع الخراج ،ويتفاوت مفعول هذه ر اإلسالم لتعذيب
فه يف العراق والجزيرة أوجعالوسيلة تبعا لشدة حرارة الشمس ،ي
وف بالد الشام أقل إيالما.
للضحية ،ي
ر
إن التشميس هو أقدم وسائل التعذيب وهو وسيلة مشيكة ربي
ر
الن ظهرت الجاهلية واالسالم .ونبدأ الن بعرض مفصل للوسائل ي
يف اإلسالم
حمل الرؤوس المقطوعة:
وتدخل يف باب المثلة بالميت ،وقد بدأها األمويون يف زمان معاوية
ويقال إن أول رأس حمل يف اإلسالم هو رأس عمرو بن الحمق ،أحد
أن طالب ،وقد قتله زياد بن أبيه ،ومن الحوادث عىل بن ي
أتباع ي
~ ~ 21
الحسي وأصحابه بعد معركة ر المشهورة يف هذا الباب حمل رؤوس
كربالء وقد ثبتت الرؤوس عىل الرماح وس ري بها من كربالء إىل الكوفة
حيث قدمت لحاكمها عبيد للا بن زياد .ثم استأنفوا ر
السي بها إىل
ر
دمشق لتقديمها إىل الخليفة األموي .ولم تتكرر هذه المثلة بكية
العباسيي ،إل أنها انترست يف األندلس أيام ملوك الطوائف،
ر أيام
ومن الميزين فيها المعتمد بن عباد صاحب اشبيلية الذي أقام يف
قضه حديقة لزرع الرؤوس المقطوعة .وكان المعتمد شاعرا.
الضب والجلد:
باليد أو السوط أو الهراوة أو المقرعة .وهو الشكل المعتاد يف تعذيب
السياس ،والضب باليد ر
االعياف ،كما استعمل يف التأديب واالنتقام
ي
والوجنتي ولم يكن الغرض منه
ر غالبا ما يكون صفعة عىل القفا
الكتفي والظهر
ر اإليالم بقدر اإلهانة .ويضب بالهراوة عىل
وه أشد إيالما من اليد والهراوة،واألرداف .أما المقرعة فللرأس ي
وه عصا خفيفة كان عمر بن ويمكن اعتبار المقرعة تطويرا للدرة ،ي
المخالفي
ر الخطاب يحملها يف تطوافه باألسواق والدروب ويقرع بها
لتعلمياته ،وقد استبدل بها عثمان السوط ،أو العصا بحسب
الروايات ،وكان ذلك من أسباب النقمة عليه.
أما الضب بالسوط فهو الجلد ،وينفذ يف المضوب واقفا أو
واىل المدينة لجلد
مبطوحا ،وقد يقنطر ويضب ،وهو ما اختاره ي
أفن ،كما يف روايةمالك بن أنس مؤسس المذهب المالك .وكان قد ر
ي
إلبن عبد الي يف (االنتقاء) ،بعدم شعية البيعة للمنصور ألنها أخذت
الواىل بتأديبه ،وتم ذلك برفعه من يديه ورجليه بعد
ي باإلكراه ،فأمر
أن قلبوه عىل وجهه وأخذوا بجلده عىل الظهر .وليس لألسواط
~ ~ 22
تقطيع األوصال:
والرجلي واللسان وصلم األذان وجدع األنف
ر ويشمل قطع اليدين
المذاكي (األعضاء التناسلية للرجل) .وقطع اليد الواحدة
ر وجب
منصوص عليه يف الرسيعة عقوبة للسارق ،وكذلك قطع اليدين
ّ
والرجلي وهو لقطاع الطرق ،وقد توسع الحكام المسلمون بعدر
الراشدين يف هذه الوسيلة دون التقيد بالجرائم المنصوص عليها
وطبقت ،رئيسيا ،عىل الجرائم السياسية ،وكان المقطوع ي ريك ح رن
يموت من تلقائه فإذا لم يمت قطعوا رأسه .وأقدم مثال لهذه
الطريقة هو قتل
الن ترجمت للنعمان .وقد نسب ابن حجر يف ر
( )16هذا هو المروي ،يف المصادر ي
الخيات الحسان) هذا اإلجراء إىل المنصور وقال إنه مات بعد الجلد بخمسة أيام،
( ر
ومن المعروف أن المنصور سجنه ولم يجلده وأنه مات يف السجن مسموما كما
ترجحه رواية أخرى ،إلبن حجر،
~ ~ 23
اإلعدام حرقا:
م ،وكان قد نقل يدع الفجاءة السل ي
ي فرضه أبو بكر عىل رجل مأبون
ر
الن لم ر ر
إليه إنه يؤن من دبره كما تؤن النساء ،وهو من األمور ي
يتعودها عرب الجاهلية وصدر اإلسالم .وورد يف حروب الردة ما
الن أرسلهار
يدل عىل أن أبا بكر ضمن تعليماته لقادة الجيوش ي
كتابي له يف هذا
لمحارية المرتدين أوامر باإلحراق ،وروى الطيي ر
المعن كما نقل وقائع نفذت فيها أوامره( .)21ويخينا البالذري يف
فتوح البلدان أن خالد بن الوليد أحرق بعض المرتدين بعد أشهم
ألن بكر ضد هذا اإلجراء ،فردهم أبو وأن ر
قدم ي ّ
اعياضا من الصحابة
ا
قائل( :ال أشيم سيفا سله للا عىل الكفار) .يقصد خالدا. بكر
األمويي هذه العقوبة ضد الثائرين عليهم .وقد ر واستعمل بعض والة
العجىل حيا بأمر خالد القرسيي المغية بن سعيد ر ذكرت آنفا إحراق
العباسيي أعدم الكاتب عبد للا بن المقفع ر وف أوائل
حاكم العراق ،ي
حرقا بأمر سفيان بن معاوية أحد والة المنصور .وقد طور
)22 (
س الضحايا فوق نار هادئة، العباسيون يف وقت الحق هذا الفن إىل ي
وهو ما فعله المعتضد بحق محمد بن الحسن المعروف بشيلمة
أحد قادة الزنج يف البضة ،وكان المعتضد قد أعطاه األمان ثم
أكتشف أنه يواصل نشاطه المعادي شا فأمر بنار فأوقدت ثم شد
عىل خشبة من خشب الخيم وأدير عىل النار كما يدار الشواء ر
حن
تقطع جلده ثم ضبت عنقه ()22
ان يرسب الخمر مع مسلمة يف نهار وف البداية والنهاية أنه وجد نض يي
ان
رمضان فحكم نائب دمشق للمنصور ابن قالوون بإحراق النض ي
وجلد المرأة .فأحرق بسوق الخيل (حوادث 6۸۷ه) والمنصور من
ّ
حكام المماليك بمض.
تعذيب متعدد الوسائل
تجمع هذه الطريقة عدة أشكال من التعذيب ضد شخص واحد.
وقد استخدمت ضد أشى القرامطة يف بغداد ،ومن أمثلتها تعذيب
أن الفوارس من قادة القرامطة يف سواد الكوفة ،بأمر المعتضد ابن ي
وتفصيله كما أورده الطيي (:)22
(وعلقت باألخرى جندلة وترك يف حاله تلك من نصف النهار إىل
ا
المغرب .ثم قلعت أضاسه أول ،ثم خلعت إحدى يديه بشدها إىل
بكرة متحركة ،قطعت يداه ورجاله يف الصباح وقطع رأسه وصلب
يف الجانب الرس ر يف -من بغداد – وحملت جثته بعد أيام إىل محلة
تدع الياشية كانت تعلق فيها جثت القرامطة ليصلب معهم).
الحسي بن
ر مثال آخر وصفه الطيي أيضا وهو لصاحب الشامة
زكرويه قائد القرامطة يف السواد وكان قد أش مع عدد من أصحابه
وخء بهم إىل بغداد ليعدموا:
ي
ّ
(بنيت دكة يف مكان عام ونودي عىل الناس لحضور حفلة اإلعدام.
وبدأوا يقتادون األشى واحدا واحدا وكان الرجل يؤخذ ويبطح
فتقطع يمن يديه ويحلق بها رلياها الناس ثم ترم ،ثم تقطع رجله
اليرسى ويحلق بها لنفس الغرض وترم ،ثم يرسى يديه فيمن رجليه
ويرم بكل ما يقطع إىل أسفل ثم يقعد فيقطع رأسه ويرم به مع
جثته إىل أسفل).
( )22الطيي 207/8
~ ~ 26
حسي بن زكروية وضب مئة سوط ،وقطعت يداه ورجاله ر وقدم
فغش عليه فأخذ خشب فأضمت فيه نار ووضع يف ي وكوي بالنار
خواضه وبطنه فجعل يفتح عينيه ثم يغمضهما .فلما خافوا أن
يموت ضبوا عنقه ،ورفع رأسه عىل خشبة فكي الجالدون من فوق
ّ
بالتكبي يف
ر بالتكبي ( ،)24ولم تجر العادة
ر الدكة وتبعهم سائر الناس
حي يكون الرأس المقطوع لعدو خطر ،وهو ما مثل هذه األحوال إل ر
عىل يف كربالء ،وكان
الحسي بن ي
ر فعله األمويون عند قطع رأس
الحسي بن زکرويه حينما أدخل إىل بغداد واستقبله الناس خاطبهم ر
سي".بقوله" :يا قتلة الح ر
تنور الزيات:
ابتكره محمد بن عبد الملك الزيات وزير الواثق لتعذيب عمال
مسامي حادة
ر المختلسي .وكان يصنع من خشب تخرج منه
ر الخراج
ر
وف وسطه خشبة معيضة يجلس عليها المعذب .وقد عذب فيه ي
صانعه بعد عزله زمن المتوكل بسبب إهانة كان قد وجهها إليه قبل
يستخلف .ووصف الطيي تعذيبه عىل الوجه ي
التاىل (:)25
.ا
أن
(حبس أول ثم سوهر (منع من النوم) فوكل به سجان ينخسه
ّ ّ
بمسلة كلما أراد أن يعفو .ثم ترك أياما فنام وانتبه فاشته فاكهة
وعنبا فقدمت إليه فأكل .ثم أعيد إىل المساهرة أياما نقل بعدها إىل
التنور حيث مكث أياما كلما أراد أن يغفو سقط عىل مسمار فإنتبه،
ر
فكان يضطر إىل البقاء فوق الخشية المعيضة ومقاومة النوم .ي
وه
الن تكمن وراء صنع التنور بهذا الشكل ،أي أن المعذب يجد ر
الفكرة ي
المسامي أو السهر طبلة إقامته يف التنور.
ر أمامه خيارين إما النوم عىل
( )25نفسه 340/7 ( )24نفسه ،230/۸
~ ~ 27
أشكال مفردة:
تدخل هذه األشكال يف عداد المبادرات النية ولذلك ال تجري عىل
يىل وصف لبعض الوقائع:نسق واحد أو تصميم متبع .وفيما ي
حم:
القتل بالطشت الم ي
العباس عىل "عبد الحميد الكاتب" ،وكان يف معية
ي قبض السفاح
ّ
يحم
ي مروان آخر الخلفاء األمو ريي ،فسلمه إىل صاحب شطته فكان
له طشتا ويضعه عىل رأسه إىل أن مات..
التعذيب بالمقدحة:
النن محمد دفع كنانة بن الربيع ،من أوردت مصادر السية ()26
أن ا ي ر
حن تستأصل ما عنده .وكان الزبي قائل عذبه رنضي ،إىل ر بن ال ر
زعماء ي
النضي ...وعذبه ّ ر
الزبي بالقدحة فكان ر بن
تحت يده كي من أموال ي
ر
يقدح يف صدره حن أشف عىل الموت .ثم سلمه ي
النن إىل محمد
النضي.
ر بن مسلمة لقتله ثأرا ألخيه الذي قتله بنو
الموت بالنورة:
ر
الن قيل ان ابراهيم اإلمام ،زعيم الدعوة العباسية ،قتل
من الوسائل ي
األمويي وضع رأسه يف
ر بها عىل يد مروان بن محمد آخر خلفاء
مىلء بالنورة وشده عليه بإحكام.
جراب ي
السية) ،وقائع فتح خیي - .ابن ر
كثي( ،البداية والنهاية) ،القاهرة ( )26ابن هشام ( ر
197/4 ،۱۹3۲
~ ~ 28
وقد ترك عىل هذه الحالة إىل أن مات مختنقا (.)27
النفخ بالنمل:
هبية حاكم
الحرس كان واليا عىل خراسان لعمر بن ري سعيد بن عمر
ألمويي) وكان يستخف
ر العراق (كان المرسق يدار من العراق أيام ا
ا
بأوامره ،فأرسل إليه رجل يستطلع حاله .فعاد الرجل فأيد ما ذكروا
عنه .وكان سعيد بعد أن علم بالرجل وضع له سما يف بطيخة لكنه
هبية
حن برئ ،وعزل عمر بن ر لم يمت ورجع إىل العراق فعولج ر
سعيدا وعذبه بأن نفخ يف بطنه النمل( ،)28ولم تذكر الرواية أن كان
قد مات أم ال.
التعطيش:
عام 403ه هجمت خفاجة عىل الحجاج فقتلوا منهم خلقا وهرب
ه فخر الكث ريون إىل الصحراء فماتوا عطشا فقبض الوزير البوي ي
الملك عىل قائدهم واركانه وأمر بصلبهم عىل مسيل ماء بحيث
يرونه وال يصلون إليه ر
حن ماتوا عطشا (.)29
ذلك انهم حرموا حمل رؤوس الكفار ألنه مثلة كذلك يتفق الفقهاء
وه أن يكون عىل عدم جواز المقابلة بالمثل يف مسألة الرهائن ،ي
المسلمي وعدوهم رهائن متقابلة فإذا قتل العدو رهائن
ر لدى
حن يسلموا ،أو المسلمي لم يجز قتل رهائن الكفار .وإنما يحبسون ر
ر
يصيوا ذمة -أي يقبلوا رعوية الدولة اإلسالمية ،وعندئذ يخىل عنهم ر
الجنان،
ي ( ،)57ومرد عدم الجواز هو المسؤولية الفردية عن العمل
اليمذي ،ويقصد به الحديث ( )54الحديث الحسن الصحيح من مصطلحات ر
الخاىل من المطاعن والهنات -وهو شط الحسن ،فهو حديث حسن ي الموثق السند
( )55السياسة الرسعية ص ۷۸ يف مرتبة الصحيح.
الحنق (سعید بن اسماعیل)( .سياسة الدنيا والدین) ،مخطوط يف
ي ان
( )56األقرس ي
السي ر
البيهق يف كتابه ر مكتبة األوقاف ببغداد .رقم ،640ورقة ،3۸والحديث أخرجه
ي
من سننه .األستنان = االقتداء
( )57انظر ،أبو يعىل (األحكام السلطانية) ،القاهرة ۱۳5۷ه ص ،33أبو عبيد
(األموال) القاهرة ۱۹۷5م ص ۲11
~ ~ 45
الجماع ،وهو ممنوع يف الرسيعة بنص
ي مما يدخله يف باب القصاص
ٌ
القرآن{ :ول تزر وازرة وزر أخرى} ،مالم يثبت ارتكاب الرهائن جرائم
توجب العقوبة ،وعندئذ يعاقبون قصاصا عىل فعل صدر منهم،
التعذيب دون القتل:
النه العام عن المثلة .وهوي حرمه الفقهاء بجميع أشكاله استنادا إىل
وغي ذلك .وفيما
االعياف والعقوبة وتعذيب العبد ر ر يشمل تعذيب
ر
يتعلق باألول قال أبو يوسف إن االعياف الناس عن ضب المتهم
ّ
وإيذائه ال يعتد به ( .)58وهو ما قاله المحقق الح يىل -من فقهاء
األمامية يف باب الحدود من (المختض النافع) ،بأن السارق إذا أقر
بالرسقة تحت الضب ال تقطع يده .وفرق بعض الفقهاء ربي ضب
األخية إطالقا وتسامحوا ر المتهم وتعذيبه بالوسائل األخرى ،فحرموا
يف األول -الضب .فقد أجاز ابن تيمية ضب اللصوص الستخراج
األموال منهم ( .)59ووضع الماوردي قاعدة عامة بشأن الضب
تضمنت جوازه مع قوة التهمة ،أي أن تكون هناك دالئل ترجح
صدور الفعل عن المتهم ،عىل أن يكون ضب تعزير ال ضب حد..
أي دون القدر األدن للعقوبات الرسعية وهو أربعون سوطا .ووضع
هدفي :أن يضب ليصدق عن حاله ،وأن يضب ر الماوردي للضب
ليقر ،واألول هو أن يقدم إجابات صحيحة عن أمور أخرى يحتاج
المحقق إىل معرفتها يف مجرى التحقيق ،فإذا ضب لهذا الغرض
أخذت إفادته باالعتبار .أما إذا ضب ليقر فإن إقراره ال يصح .لكن
ه أن يضب ليصدق عن حاله ر
الماوردي يفيض حالة ثالثة ي
فيتجاوز ذلك إىل اإلقرار -دون أن يكون هو المقصود من الضب،
بق عىل اإلقرار أخذ به ،وإذا ر
وعندئذ يقطع ضبه ويعاد إقراره ،فإذا ي
أنكر جاز للمحقق أن يعمل باإلقرار
( )58الخراج .ط القاهرة ۱۳52ه .ص.175
( )59السياسة الرسعية ص.58
~ ~ 46
فيعط
ي األول ولكن مع الكراهية ( )6۰وهنا يتسامح الماوردي
المحقق فرصة لالستفادة من اإلقرار بالضب عىل أن يكون الغرض
من الضب هو االخبار عن أموره العامة وليس اإلقرار بالتهمة .وهذا
والشافغ ال
ي شافغ المذهب،ي اجتهاد من الماوردي المعروف أنه
يوافق عىل الضب ،وكذا أبو حنيفة ومالك وهو موقف األمامية
ّ
أيضا كما أسلفنا عن المحقق الح يىل ،لكن المالكية أجازوه خالفا
كي ألمامهم وقالوا ف اجازته بأنه يكون سببا ف اإلزدجار ح رن ال ي ر
ي ي
اإلقدام عىل الجرائم (.)61
غي مسموح به خارج العقوبات المنصوص عليها التعذيب للعقوبة ر
المسلمي بعد الراشدين مخالفة ر واعتي الفقهاء ما صدر عن الحكام
الن تمس شخص ر
للرسع ،ال سيما يف الجرائم السياسية والمخالفات ي
غيهم من فئات الحاكم ،وقد عن الفقهاء بهذه المعضلة أ ر
كي من ر ي
المسلمي بحكم اختصاصهم كرجال قانون (وهم بهذه ر المثقفي
ر
يتميون عن كونهم رجال دين) وقاموا حينذاك بالدور الذي الصفة ر
تقوم به منظمات حقوق االنسان ،ولو أنهم أخفقوا مثلها يف صد
بالكثي من البلدان، ر
الن ال تزال تعصف
ر هذه الموجة الجنونية ي
وفية مضادة للتعذيب وتحتوي مصادر الفقه والحديث عىل مادة ر
أكي إشاقا لو أن الفقهاء تجرأوا عىل إعادة النظر يف بعض ربما تكون ر
العقوبات الرسعية كالرجم والقطع لما فيها من عناض المثلة .وقد
مر بنا مع ذلك أنهم اختلفوا حول الرجم حيث أنكره بعض فقهاء
الخوارج ،ووضع آخرون لتنفيذه شوطا تؤدي مراعاتها إىل تقليص
أصىل يف اشيطوا الثبوت الزنا أربعة شهود ،وهو شط مداه ،فقد ر
ي
اف وهو أن الرسيعة ولكن معظم الفقهاء ذهب إىل إثقاله برسط إض ي
يكون الشاهد قد رأى فعل الزنا عيانا ،أي أن «يرى الميل يف
( )60األحكام السلطانية ص .243
الشاطن« :االعتصام) القاهرة .295-294/2 ،1913
ي ()61
~ ~ 47
المكحلة» .كما تعي عنه عبارة تنسب إىل عمر بن الخطاب يف قصة
المغية بن شعبة ،دون الوقوف عىل الهيئة الظاهرة للجماع ،أير زنا
حن يف حدائق المضاجعة .ومن المؤكد أن هذا لن يتهيأ للمشاهد ر
االسالم والفقهاء
ي أوروبا العامة ناهيك عن أن يكون يف المجتمع
غيعىل اتفاق يف أن الرجل والمرأة إذا وجدا يف لحاف واحد وكانا ر
زوجي يعاقبان بالتعزير فقط .إن عقوبة الرجم ي
ه كما قلنا ()62
ر
ان المحصن ،أما العزاب فيعاقبون بالجلد مئة سوط .وقد للز ي
ه (:)63
وضعت للجلد شوط تخفف من أضاره ي
واللي.
-1أن يجلد بسوط خفيف ربي الشدة ر
-۲أن ال يجرد من ثيابه إل ما كان منها ثخينا كالفرو.
- 3أن ال يضب يف الحر الشديد واليد الشديد وإنما عند اعتدال
الهواء.
- 4تجنب المواضع المهلكة كالوجه والبطن.
- 5أن يضب قاعدا مع عدم المد والغل والقيد.
-6يجوز تقسيط الجلدات إىل خمسة أيام.
يبق للجلد مفعول سوى داللته األدبية الماسة ومع هذه الرسوط ال ر
بالقواني الحديثة إىل إلغائه يف معظم
ر بكرامة االنسان وهو ما أدى
المجتمعات ،وللفقهاء تقييدات إضافية للعقوبات ،فقد قال أبو
حنيفة أن السكران ال يجلد إال إذا بلغ يف سكره حدا ال يفرق فيه ربي
السماء .واألرض أو ربي الرجل والمرأة (.)64
الطالن
ي ىص( ،الموجز) من كتب الخوارج ،تحقيق ،عمار الكاف اإلبا ي
( )62ابن عمار ي
الرسكة الوطنية للتوزي ع -الجزائر.211/2 ،1978 .
تفسي الرازي -المختض النافع -المحاضات والمحاورات ر ( )63ملخصا عن،
ر
للسيوط يف مکتب ين باريس األهلية وأوقاف بغداد). (مخطوطة تنسب
ي
غن) إلبن قدامة .ط القاهرة ۱36۷ه.213 /8 . (( )64الم ي
~ ~ 48
والمعروف عن أبو حنيفة أنه أباح النبيذ .وقد استفاد الناس من هذه
ا
األصفهان أن رجل لقيه يف الطريق
ي وف محاضات الراغب الرخصة .ي
وهو سكران من النبيذ فقال :يا أبا حنيفة يا ابن الزانية قد شبت
ا
النبيذ بفتواك! بينما أثارت هذه الفتوى زوبعة ربي أتباعه فضل عن
خصومه ( .)65وقال الفقهاء إن السارق ال يقطع إال إذا شق من مال
ا
محرز ،والمحرز أن يكون مقفل أو مدفونا من مالكه ،ولذا ال يقطع
من شق الكعبة أو المسجد أو بيت المال لعدم توفر شط األحراز
البساتي والزروع .وكذا من شق من حرز ر فيها ،كما ال يقطع سارق
ر
غيه .وال يقطع سارق المواد ي
الن يرسع إليها التلف كاللحم ()66
هتكه ر
الكثي كالخشب ( .)67وحددوا معن الرسقة والفواكه وسارق المباح ر
بأخذ المال عىل سبيل الخفية واالستتار فإن اختلس أو نشل لم يكن
الي أو الطرارين.سارقا وال قطع عليه ( .)67ويشمل هذا الحكم النش ر
وال يستفاد من هذا إباحة الرسقة يف هذه األمور فالمقصود هو
عقوبة القطع فإذا لم تتوفر شوطها عوقب السارق بعقوبات أخف
كالحبس أو التعزير.
وقال أبو حنيفة بعدم العقوبة عىل اللواط يف رواية .ي
وف أخرى ()69
ان ( .)70ويروى عنه أنه قال من بالجلد ما دون الحد المقرر للز ي
يصي شبهة ( .)71يقصد أن استأجر امرأة رلي ين بها ال يحد ألن العقد ر
كني هما المهر الذي عقد االستئجار هو كعقد الزواج ،ألنه يتضمن ر ر
------------------------
اف ،وكان حنفيا ،يف حديث عن إباحة أبو حنيفة للنبيذ: السي ي
( )65قال أبو سعيد ر
وألن حنيفة مسائل أرتضيها له وقد خالفه فيها أعيان الصحابة والناقة لمذهبه. " ي
معجم األدباء الياقوت )66( .170/۷انظر أبواب الحدود يف (المختض النافع)
المغن البن قدامة -أعاله .253/8-
ي وأحكام الماوردي السلطانية .كذلك
المغن البن قدامة -أعاله – .240/8
ّي ()68 ( )67االقرسا ين ،المصدر أعاله.
( )70المحىل البن حزم ،القاهرة ۱۳47ه ، ( )69نفسه .189-188/8
الحرمي)( ،مغیث الخلق يف ترجيح
ر الجوين (أمام
ي المعاىل
ي )71( .382/11أبو
القول الحق) ،القاهرة 1934ص.44
~ ~ 49
اىص بينهما .وأخذ األجرة دليل مادي ر
أجرة ،والي ي
ّ
يدفع للمرأة يف شكل
وف المحىل البن حزم أن أبا حنيفة لم ير الزن إل ما عىل رضا المرأة .ي
كان مطارفة ،وأما ما كان فيه عطاء أو استئجار فليس زنا وال حد فيه،
الن أتت راعيا فسألته الطعام ر
وقد استند يف هذا إىل خي الجائعة ي
حن تعطيه نفسها فوافقت .ثم جاءت إىل عمر (بن فأن عليها ر
ي
يعن هذاوال ي . )۷۲ ( :
الخطاب) فأخيته فقال مهر ،ودرأ عنها الحد
القول من أبو حنيفة أباح البناء .ويجب عىل أي حال أن يفهم يف
ضوء االتجاه إىل تقليص حاالت تطبيق العقوبة عىل الزنا ،مع ما
يحمله من التفريق ربي زنا الرغبة وزنا الحاجة -انظر الهامش.
يقصد بالمطارفة ما كان عن مجرد رغبة عابثة ،ورواية ابن حزم
وه بحسب قصة الجائعة المنقولة عن عمر أقرب إىل المعقول .ي
المزن بها دون الرجل ،ألنها زنت اضطرارا – ال ي حكم خاص بالمرأة
اع الذي ال تذكر الرواية حكمه، مطارفة وهذا ال يرفع االعقوبة عن الر ي
إذ يبدو إنه كان مجهول لعمر ،وإل لكان من المفروض أن يقع عليه
الجوين تفيد أن عدم العقوبة يشمل الرجل .ويجب ي الحد .ورواية
عدم الوثوق بها ألن كتابه مكرس للتشنيع بأبو حنيفة وليس لدراسة
األحكام الفقهية ،ويمكن أن نفهم من مجمل هذه األقوال أن أبو
الن تز ين اضطرارا .وبالطبع فهذا ر
حنيفة يريد رفع العقوبة عن المرأة ي
يشمل البغايا ألن زناهن للحاجة وليس للرغبة ،والبد أن العقوبة ال
تسقط عن الرجل (الفاعل) لعدم توفر هذا القيد.
ويمكننا أن نرصد اتجاها عاما ربي الفقهاء يف التشدد يف جرائم القتل
العمد وقطع الطريق والتساهل فيما عداها .وهناك قاعدة تقول:
خي الشهود (أي من شهدوا الجريمة) ربي إقامة الحد عند اإلمام ي ر
وب ري السي عىل المشهود عليه وإستتابته ،بحسب المصلحة؛ فإن ر
ترجح عندهم أنه يتوب س ريوه وان كان يف ترك الحد عليه ضر
( )72المحىل -أعاله – .250/۱۱
~ ~ 50
وتعط هذه القاعدة دورا ي للناس كان الراجح رفعه إىل اإلمام (.)73
للجمهور يف معالجة الجريمة دون رفعها إىل السلطة .ولم يحدد صنف
الجرائم المشمولة بهذا اإلجراء لكن اإلشارة إىل ما فيه ضر للناس،
ر
التسي عىل ر
الن ال يجوز
يمكن أن تنسحب عىل جرائم القتل والرسقة ي
ر
الن
بالتاىل أن يكون المقصود هنا هو الجرائم الشخصية ي ي فاعلها وال بد
وه الزنا وشب الخمر وما أشبه. يسميها القرآن فواحش ،ي
وللقاعدة المذكورة أصل يف القرآن هو الية 16من سورة النساء:
{واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن
ّ
اّلل كان توابا رحيما}
تفسي هذه الية ر واالشارة إىل الرجل والمرأة ،وقد ذكر الزمخرسي يف
إن المراد باإليذاء ذمهما وتعنيفهما وتهديدهما بالرفع إىل األمام .فإن
تابا قبل الرفع إىل األمام فاعرضوا عنهما وال تتعرضوا لهما ( ،)۷4وقد
فق طبقات ابن سعد عن عبد وردت روايات تتضمن هذا المعن .ي
الرحمن بن حرملة أنه جاء إىل سعيد بن المسيب يسأله :وجدت
يسعن أن ال أرفعه إىل السلطان؟ فقال له سعيد: رجال سكرانا ر
أفياه
ي
فاسيه ( .)75ويورد ابن سعد توجيه ر تسيه بثوبكإن استطعت أن ر
تكن الفواحش وراء البيوت لعمر بن عبد العزيز بعدم التعرض لمر ي
لنن شجع ()۷6
اىل يف «إحياء علوم الدين ،إىل أن ا ي .وأشار الغز ي
السي واالنكار ( .)۷۷وقد ورد هذا التوجيه يف حديث المقارفي عىل ر
ر
ر
أخرجه مالك يف الموطأ نصه( :من أن شيئا من هذه القاذورات
بسي للا ،فإن من أبدى لنا صفحته نقم عليه كتاب فليستي رر
للا)(.)۷۸
المقدس ،حاشية عىل (المقنع) البن قدامة ،السلفية 445-444/3 ،۱۳۸۲
ي ()73
تفسي سورة النساء )75( .ابن سعد ،ط لیدن .99/5
ر /
( )74الكشاف 256 1
/
( )۷۷إحياء علوم الدين ،۱۲۰ 3 ( )۷6نفسه .۲6۹/5
ّ
( )78الموطأ ص )79( ،335المحىل 153/11
~ ~ 51
النن كان وربما أمكننا استبعاد صحة هذا الحديث إذا استبعدنا كون ي
غيه .لكن مجرد وكيل تنفيذ فهو يسغ لتخفيف قسوة أحكام شعها ر
الحديث عىل أي حال ينسجم مع القاعدة الفقهية المذكورة
النن« :تدرأ ،أو إدرأوا ،الحدود وأوردت مصادر الفقه والحديث قول ي
تفسي
ر قضان هام هو ي بالشبهات» .ويشتمل هذا الحديث عىل مبدأ
ا
الشك لمصلحة المتهم ،ويقول ابن حزم إن أشد الفقهاء قول
ا
بمضمونه واستعمال له هو أبو حنيفة وأصحابه ،ثم مالك ،ثم
الشافغ (.)۷9
ي
وشدد الفقهاء عىل مسألة تعذيب العبيد .وقد استعرضنا بعض
األحاديث المتعلقة بذلك ،وهناك اتفاق عام عل تحريم الخصاء
ألنه مثلة .ويعتي العبد منعتقا تلقائيا إذا خصاه مواله .ولهذا السبب
سالم آنذاك رغم الحاجة إىل ي لم تزدهر تجارة الخصيان يف العالم اإل
األندلسيي
ر هذا الصنف من العبيد .ويقول أنجلز يف أصل العائلة ،إن
كانوا يحصلون عىل حاجتهم من الخصيان من االمياطورية
الن تخصصت يف هذه التجارة) ( .)80وينعتق ر
الجرمانية المقدسة ي
العبد تلقائيا كذلك إذا عذبه مواله عىل رأي األمامية .وحرموا
الضب واللطم للعبيد ولكن دون أن يرتبوا عليهما االنعتاق مالم
يبلغا حد التنكيل ،وهو المبالغة يف اإليالم ،كما خففت عقوبة الجلد
النر
الرسعية عىل العبد إىل نصف مقدارها عىل الحر يف الجرائم ي
أن طالب إنه قال يف تعليل هذا عىل بن ي تستوجبها ،ويروى عن ي
التخفيف« :إن للا أكرم من أن يجمع عليه الرق والحد)..
واختلفوا عىل حكم السيد إذا قتل عبده،
( )80انظر الهامش يف ص ۳۱5من النص االنگ رليي المشهور ضمن األعمال
المختارة Selected Workلكارل ماكس وفريدريك إنجلز .دار التقدم -موسكو
ر
الن ال يتوفر لدي فيه منها يف الوقت ر
۱۹76ولمراجعته يف اليجمات العربية -ي
العرن -ينظر فصل نشوء الدولة عن الجرمان.
ي المباش لوجودي خارج العالم
~ ~ 52
النسان حديثة يقول (( :)81من قتل عبده قتلناه ومن ي وقد أخرج
جدعه جدعناه ومن خصاه خصيناه) ،والحديث مقبول عند عامة
اليامه نصيا :فرسه بعضهم عىل الفقهاء والمحدثي لكنهم تفاوتوا ف ر
ي ر
النه فلم يعتيوه نصا يف العقوبة وقالوا ي سبيل الزجر والتغليظ يف
ر
البيهق بعقوبة القاتل بما دون القتل ،واحتجوا عليه بخي يف سي
ي ا ا
النن ونفاه سنة ومحا سهمه من ي فجلده عبده قتل رجل يفيد أن
غيه ومن المسلمي ولم يقتله .وقال آخرون بقتل الحر إذا قتل عبد ر ر
هؤالء :أبو حنيفة وسفيان الثوري ،يف رواية عنه ،وابن ي
أن ليىل
والشافغ وداود الظاهري .وقالت فئة ثالثة بقتل السيد إذا قتل ي
النخغ وسفيان الثوري يف رواية
ي اهيم ر واب البخاري ومنهم عبده
أخرى عنه ،وأهل السنة واالمامية عىل اتفاق بأن الحر ال يقتل
الطائفتي
ر هاتي
غيه ،ويكرس رأي ر بالعبد ،سواء كان عبده أو عبد ر
اليدي األشمل يف العصور "البعد – إسالمية" مما يتضح عىل حالة ر
الخصوص من مقارنته بآراء الفقهاء الذين ذكرنا أسماءهم للتو ،وهم
الطائق المعاض ،من أئمة أهل السنة ي معدودون ،حسب التصنيف
(.)82وتسقط الحدود بالتقادم وهو للخمر بزوال ريحته من الفم عند
مض شهر الشيبان ،وللزنا والقذف والرسقة ي ي العموم ،وشهر عند
عند الفقهاء الثالثة والتقادم ال يشمل القتل العمد.
النسان )۸2( ،20/8الحظ هنا أن أتباع الفقهاء األوائل ،ومنهم رؤساء ي ( )81سي
الكثي من آرائهم ،ويرجع هذا من المذاهب األربعة وأئمة أهل البيت يختلفون حول ر
ر
بعض الوجوه إىل اختالف الروايات من الفقهاء الذين لم ييكوا مؤلفات ،ولكننا نجد
من جهة أخرى أي الفقهاء المذكورين كانوا قد ظهروا يف وقت مبكر من العصور
اإلسالمية فأدلوا بآراء أشكلت عىل أتباعهم الذين جاؤوا يف أطوار متأخرة تبلور فيها
تمي بها معظم فقهاء الطور الن ر ر
دين عىل حساب العقالنية االجتماعية ي الوع ال ي
ي
األول -ومن هنا نقدهم لبعض آراء أبو حنيفة ،كما مر بنا يف الهامش ،6۲وتعمد
الشافغ ضمن اليكية .وإدراجبعضهم إخفاءها أو تجاهلها السيما ف عصور السلفية ر
ي ي
الفقه
ي وه كتابه
ي ) الرسالة ( ف
ي عليه نص أنه القائلي بعدم قتل الحر بالعيد رغم
ر
:
األرأس .انظر ص 541البنود.1594 - 1589ط احمد محمد شاكر ،القاهرة 1940
~ ~ 53
أحكام عامة:
-1منع الخصاء لإلنسان والحيوان .واعتيوه من واجبات
الخاىص ومالحقته بالقصاص أو الديةي المحتسب الذي يتوىل تأديب
يف حال حدوث وفاة بسبب الخصاء ،وقد طبق المنع بالملموس،
المسلمي وأغنيائهم يحصلون بالرساء عىل الخصيان ر فكان أمراء
المجلوبي من خارج دار اإلسالم (انظر الهامش )۷۷ ر
بغي اذن أهلها .وسمح -2مراعاة حرمة المنازل بمنع دخولها ر
للمحتسب بإقتحام الميل عند الشك بإحتمال وقوع جريمة كأن
ا
يصل إىل علم المحتسب أن رجل خال بآخر ليقتله أو احتمال
حصول زنا أو لواط .وال يجوز اإلقتحام يف حال شب الخمر ألنه من
ر
وف السماح لهعن صاحبها وحده .ي الن ت ي
المخالفات الشخصية ي
بذلك يف حال الزنا واللواط إشكال ألنها معدودة يف المخالفات
الفقه مالبسات الحدث وما إذا كان ي الشخصية .ولم يوضح النص
الفعل عىل سبيل االغتصاب.
ال:
آراء للغز ي
األصوليي (علماء أصول الفقه) غي معدود يف الفقهاء إنما يف اىل ر الغز ي
ر ّ ر
جتماع وكاتب
ي والهون ومتصوف ومفكر إ ي وهو قبل هذا فيلسوف
سياس ،وكتابه «احیاء علوم الدين» ،يجمع هذه االختصاصات يف ي
الثان
جملتها ،وقد تعرض يف الكتاب الخامس من رب ع العادات ي
/کتاب آداب األلفة واالخوة /من «األحياء» إىل كيفية التعامل مع
المعاىص وقسمهم لهذا الغرض إىل ثالثة أقسام: ي أهل
القسم األول ،وهو أشدها ما يتضر به الناس بالظلم والغصب
وشهادة الزور والغيبة والنميمة وهؤالء يجب اإلعراض عنهم وترك
مخالطتهم واالنقباض عن معاملتهم ألن المعصية شديدة فيما
يرجع إىل إيذاء الخلق .ثم هؤالء ينقسمون إىل من يظلم يف الدماء
~ ~ 54
وإىل من يظلم يف األموال وإىل من يظلم يف األعراض ،وبعضها أشد
من بعض فاالستحباب يف اهانتهم واألعراض عنهم مؤكد جدا.
هء أسباب الفساد ويسهل الثان صاحب الماخور الذي ي ي القسم ي
طرقه عىل الخلق فهذا ال يؤذي الخلق يف دنياهم ولكن يفسد بفعله
دينهم وإن كان عىل وفق رضاهم ،فهو قريب من األول ولكنه أخف
وبي للا إىل العفو أقرب .ولكن من منه ،فإن المعصية ربي العبد ر
يقتض
ي غيه فهو شديد .وهذا أيضا حيث أنه متعد عىل الجملة إىل ر
اإلهانة واإلعراض والمقاطعة وترك جواب السالم إذا ظن أن فيه
لغيه.
نوع من الزجر له أو ر
القسم الثالث ،الذي يفسق يف نفسه برسب خمر أو ترك واجب أو
مقارفة محظور يخصه فاألمر أخف .لكنه يف وقت مباشته إن
صودف يجب منعه بما يمتنع به منه ولو بالضب واإلستخفاف فإن
النه عن المنكر واجب .فإذا فرغ منه وعلم أن ذلك من عادته وهو ي
ض عليه؛ فإن تحقق أن نصحه يمنعه عن العودة إليه وجب م ر
النصح وإن لم يتحقق ولكنه كان يرجو فاألفضل النصح والزجر
باللطف أو بالتغليظ إن كان هو األنفع .فاما اإلعراض عن جواب
سالمه والكف عن مخالطته حيث يعلم أنه يض وأن النصح ليس
ينفعه فهذا فيه نظر..
اىل ما يستحق هؤالء األصناف من العقوبة بموجب ال يذكر الغز ي
الرسع ويقتض عىل مسألة التعامل معهم يف المجتمع ،وقد شدد
الن يؤذي بهار ر
الن تمس الناس وتتساهل يف األفعال ي عىل األفعال ي
غيه ،وهو الحكم العام عند الفقهاء .والملخص االنسان نفسه دون ر
يف قولهم« :وإن حقوق العباد مبناها عىل الشح ،وحقوق للا مبناها
عىل السعة».
ه أفعال الفرد لنفسه كرسب الخمر وترك الصالة والزنا وحقوق للا ي
يسي ألن ضرها ال يصل إىل الناس، وما أشبه .والحساب عىل هذه ر
~ ~ 55
الن ال يتعدىر
النفس ي
ا
حي اعتي البغاء من أفعال اىل ر
وقد أشف الغز ي
الغي ،فالبغاء آفة اجتماعية وليس فعل فرديا .وإنما ضرها إىل ر
الطرفي، اىص ر
ر ه بي ي حمله عليه تقريره أن العالقة ربي الب يغ والرجل ي
البغ ،االضطراري يف األصل.
ولم ينتبه إىل وضع ي
هوية الجالدين والسجاني:
عندما واجه األمويون مسألة أبطرة الدولة اصطدموا باللقاحية
حن يصبحوا رعايا الجاهلية فوجدوا حاجة إىل ترويض العرب ر
الن لم يألفها الجاهليون .وقد استعانوا لهذا الغرض لدولتهم ر
ّ ي
بعناض أجنبية سلموها أمر السجون ومهمة الجلدين السيما بعد
يكق لهذه المهام من األفراد العرب .وكان
أن تعذر عليهم تأم ري ما ي
عرن هرب من سجن األمويي من األتراك .وإليه ي ر ر
شي فن ي ر جالدو
إبن زياد يف العراق:
مسؤولية الجلد:
اختلف الفقهاء يف مسؤولية الجلد رفياه بعضهم ألنه مأمور وألقوا
بالمسؤولية عىل المر فقط .وأشكه آخرون باإلثم .لكن الشيعة
يقولون بتجريم الجلد الذي يعذب السجناء ويحكمون عليه
بالحبس األبدي -التخليد يف السجن يف اصطالحهم .ولما توىل عمر
~ ~ 56
بن عبد العزيز الخالفة لم يعاقب الجالد الذي كان يعمل للخلفاء
قبله وإكتق بعزله.
رأي للمؤرخي:
يف سياق المعارضة الفقهية للتعذيب ،دعا المؤرخ السخاوي إىل
تجنب رواية أخباره« ،إل ما يضطر المؤرخ إىل إيراده منها برسط
حن ال يكون تطرقا لمن الاإلشعار بما يقتض اإلنكار ،إذا أمكن ،ر
ي
يروم فعل مثله وحجة يحتج بها» .وأورد يف هذا المعن خيا يفيد أن
النن.
حدثن بأشد عقوبة عاقب بها ي ي الحجاج قال ألنس بن مالك
فحدثه بها .فلما بلغ الحسن البضي ذلك قال :وددت أنه لم يحدثه
( .)۸3وإنكار البضي لحديث أنس ،وهو أي أنس من الصحابة
االنتهاز ريي ،مرجعه إىل الخوف من أن يستغل الحجاج تلك العقوبة
أكي يف هذا اإلتجاه ،وأعرب ابنلتعزيز وسائله اإلرهابية او االندفاع ر
األث ري عن االمتعاض من هذه األفعال لكنه أدىل برأي مغاير إذ دعا
وتبق عىلحن يعلموا أن أخبارهم تنقل ر الظالمي ر إىل تدوين أخبار
ر
وجه الدهر فریما تركوا الظلم لهذا إن لم رييكوه هلل ( ،)84وهنا خالف
األثي لم يلحظه السخاوي.الحسن وابن ر يف المقصود من الرواية ربي
ّ
المسلمي والحسن البضي
ر األثي يتحدث عن أفعال حكام فابن ر
لنن .وما أورده من اشكال يف هذا الخصوص يقصد الرواية عن ا ي
يتعلق بمسألة القدوة فالحديث الذي رواه أنس للحجاج يمكن أن
حي قديوفر له عذرا يف التمادي كما قلنا ،مستمدة من السنة ،يف ر
الن ال تعتي ر
النن المروي عنه مأخوذة يف خصوصياته ي يكون تضف ي
يف عداد السنة ،وهناك فرق ربي أن تروي خيا عن حاكم عرف
نن مرسع فتضيف مادة إىل الرسيعة. بالظلم فتفضحه ،وخيا عن ي
( )۸3االعالن بالتوبيخ لمن ذم التاري خ .بغداد ۱۹۷3ص .۱۲۷
( )84الكامل يف التاري خ ۱۲4/8
~ ~ 57
ّ
ويبدو السخاوي مع هذا حذرا من أن يستفيد الحكام من رواية
حن ال يكونوسائل التعذيب فيطبقوها .وهو المستفاد من قوله؛ ر
ذلك تطرقا لمن يروم فعل مثله ،وينسحب هذا الحذر عىل دراستنا
أنن مطمي إىل أن فن التعذيب الحديث الذي صدره هذه ،لوال ي
ر ّ
غن حكامنا عن الرجوع إىل الياث.
إلينا الغربيون ي ي
***
~ ~ 58
ص 58فارغة
~ ~ 59
ملحق للمقارنة
من أجل تكوين فكرة تقريبية عن مستوى التعذيب يف اإلسالم نورد
أمثلة من التعذيب لدى بعض األمم األخرى.
-1الخوزقة والتقطيع:
تميوا بوحشية استثنائية من ربي
عرف به الشوريون الذين ر
األسي عىل
ر الشعوب السامية األخرى .وكانوا يقتلون أشاهم بإجالس
خازوق وقطع يديه ورجليه ،ولم تعرف الخوزقة يف العصور
اإلسالمية وإنما أدخلها العثمانيون واتخذوها وسيلة رسمية لتنفيذ
حكم اإلعدام.
-2االعدام حرقا:
انترس يف عصور أوربا الوسط .وقد أعدمت جان دارك بهذه الطريقة
عىل يد االنگ رلي ،وأعدم بعض الفالسفة بأمر الكنيسة يف العصور
الوسط وعض النهضة .وأحرق فیلسوف وعالم إ ي
يطاىل سنة ۱6۱۹
الن قال بها معاضه ر
بعد أن مزقوا لسانه ألنه قال بالنظرية اإلرتقائية ي
الشيازي يف إيران ،وبلغ من أحرقتهم محاكم التفتيش األسبانية عام ر
ألق رجل .كما فرض اإلعدام حرقا عىل السحرة ،ويذكر 1483وحده ي
ول ديورانت (صاحب قصة الحضارة) أن كالفن أعدم بالنار يف عام
واحد 14إمرأة اتهمهن مجمع کرادلة جنيف بتحريض الشيطان عىل
جلب الطاعون للمدينة (.)۸5
-3االعدام شيا:
خ هنغاريا عام
الفالحي» ،أن دوشا "قائد فل ي
ر ذكر أنجلز يف «حرب
1514أش بعد القضاء عىل ثورته فشوي بإجالسه عىل مقعد
( )85قصة الحضارة 3۹۰م 6ص ،۲3۰ر
اليجمة العربية لمحمد بدران.
~ ~ 60
مسجور .وبعد أن تم شيه خ ري أتباعه من األشى ب ري األكل من
لحمه أو شيهم عىل طريقته ،وقد استجاب بعضهم فأكل خالصا من
والش مارسه العباسيون ضد أشى القرامطة والزنج كما مر ي الش.
ي
األوروبيي يف أكل بق قاضا عن مضاهاة خيال ر
ر بنا .لكن خيالهم ي
اللحم البرسي بعد شيه.
جاكلي رورباخ" إىل عمود وأحيط
خ" ر وف ألمانيا ربط القائد الفل يي
وهذه الطريقة يستعملها العراقيون . )86 ( ر
بنار هادئة حن مات مشويا
لش السمك المعروف عندهم بالمسقوف لكن يف الوقت الحاض ي
هناك تكون السمكه ميته.
-4سلخ الجلود:
انترس ف التبت عىل نطاق واسع ضد األقنان ،واستمر ر
حن تحرير ي
بنفش عام ۱۹۷۷نماذج من
ي ذلك اإلقليم عام ،۱۹5۱وقد رأيت
الجلود المسلوخة حديثا حفظت يف متحف معهد القوميات
ّ
المركزي بمدينة بك ري.
-5الصلم والجدع والسمل:
استعملها اإلقطاعيون األوروبيون ضد فالحيهم .وذكر أنجلز يف
بكية يف االقطاعيات إىل جانب كتابه النف الذكر إنها كانت متداولة ر
وسائل أخرى ر
كاليبيع أي تقطيع الجسم إىل أربعة أجزاء وإنفاذ
(.)87
األسياخ المحماة يف الجسد
-6قنطرة النار:
طريقة صينية قديمة ترجع إىل العصور القبل ميالدية ،وتتم بحفر
حفرة واسعة تمأل بالجمر وتمد عليها قنطرة من نحاس تالمس
ر
ويؤن بالضحية فيؤمر بالعبور عىل القنطرة حن تسخن، الجمر ر
( )86قصة الحضارة ص .158
( )87نفسه ص،60-59
~ ~ 61
ر
المحيق فاجتاز القنطرة وربما حافيا ،فربما تحملت قدماه النحاس
ر
فألق بنفسه يف الحفرة ليموت مشويا.
عجز ي
-7وسيلة لتعذيب النساء:
االنكلي يف الهند ضد العاجزين عن دفع ر التعذيب للجباية استخدمه
لفالحي .وكانوا يرسكون النساء يف التعذيب وقدر الضائب من ا
الرومانش
ي ابتكروا لهن طريقة مناسبة ،متأثرة -كما يبدو -بالخيال
وه إدخال قطط صغار يف صدورهن .والتعذيب لألدب اإلنگ رليي ،ي
للجباية قد ال يتطلب وسائل استثنائية تزيد عىل هذا .أما التعذيب
ألغراض أخرى فلم يخضع لقيود معينة يف المستعمرات .وإىل
القارئ هذا النص من رسالة كتبها أنجلز إىل ماركس يف 1كانون األول
-ديسمي ۱۸65حول أعمال األنگ رلي يف جامايكا:
«إن كل بريد يحمل أخبار أبعث عىل الذهول عن األفعال الدنيئة
ر
المقيفة يف جامايكا ...ورسائل الضباط األنگ رلي عن مآثرهم البطولية
يطان قد ظهرت ضد العبيد العزل ال تقدر بثمن .إن روح الجيش الي ي
أخيا يف كل عري ها دون حياء البتة».
ر
-8المهابدة:
س هوانغ ،القرن تشي ي الصي عىل يد االمياطور األول ر ر حدثت يف
ه فلسفة ذات ي الثالث ق.م .وكان قد اعتنق الفلسفة الرسائعية و
أكي من مليون توجهات فاشية وأبيد ف أعوام حكمه الخمسة عرس ر
ي
صين.
ي
أهاىل المستعمراتي عىل يقتض ولم . شائع أورون
ي مسلك والمهابدة
واسياليا بل طبق يف الداخل ،وقد أمر هيي السابع ر واألمريكتي
ر
وسبعي ألف مترسد للتخلص منهم فقط ،وكانوا من ر بإعدام اثن ري
حي الذين نزلوا إىل المدن بعد أن حولت الفالحي والجنود المرس ر
ر
لنر
اىص الزراعية إىل مراع (لصناعة النسيج) وشحت الجيوش ا ي األر ي
~ ~ 62
االقطاعيي( ..عن األيديولوجيا األلمانية
ر استخدمها الملوك ضد
لماركس وأنجلز -الطبعة االنگ رليية من األعمال المختارة -دار
التقدم موسكو ص .)5۷
يطانيي كانوا يتخذون من التعذيب ر وأشار أنجلز إىل أن الجنود الي
وسيلة للتمتع (.)88
من المفيد أن نختم هذا الملحق بتعليق من كتاب وليم هويت
اقتبسه کارل ماركس يف رأس المال (:)89
يقيفها الرس المسم الن ى ى
«إن االنتهاكات الهمجية الشنيعة ي
مسيحيا يف أية بقعة من الدنيا وضد أي شعب تمكنوا من إخضاعه
ال نظي لها عند أي رس آخر ،مهما بلغت فظاظته ومهما كانت
جهالته ،ومهما بلغ استخفافه بالرحمة والحياء ،يف أي عض من
عصور األرض».
وكتاب وليم هويت وثيقة تاريخية مريعة عن الفظائع األوروبية تبدأ
مع بداية االستعمار عىل أيدي األسبان يف أواخر القرن الخامس عرس
حن تاري خ صدور الكتاب عام ،۱۸۳۸ويبدو أن شناعة وتنته ر
ي
محتوياته قد حالت دون انتشاره عىل نطاق واسع وهو يعتي اليوم
فعيت بالكاد عىل ف حكم المخطوطات ،وقد بحثت عنه ف لندن ر
ي ي
نسخة منه يف BRITISH LIBRARY
عنوان الكتاب)*( :
“COLONIZATION AND CHRISTIANITY, POPULAR HISTORY OF
THE TREATMENT OF THE NATIVES BY THE EUROPIN IN ALL
”THEIR COLONIES
ا
حي
حسي واخوانه ألمه .وهم يتمتعون به لیل ر
ر ( )88ينقل مثله عن صدام
يسكرون.
( )89رأس المال -الطبعة اإلنگ رليية لندن1970 .ج 1ص704-703
~ ~ 63
وقد جاء يف مقدمته:
ا ا
«غرض هذا السفر أن يكشف للجمهور أعظم منظومة إجرام اتساعا وخرقا
للعادة شهدها العالم حتى اآلن».
تعقيب من المؤلف:
عىل بعد صدور هذا الكتاب ر ر
اف المغيب أسعد ي إىل الفنان العر ي
أرسل ي
حن مطلع إضمامة (ألبوم) تتضمن صور ألشكال التعذيب ف أوربا ر
ي ا
القرن التاسع عرس .وبعد أن تصفحته قليل طويته وأخرجته من
ساعدن
ي تواتين الشجاعة عىل مواصلة النظر فيه .وإنما
ي مي يىل إذ لم
عىل وصف فنون التعذيب يف تاريخنا أنها وردتنا محكية ال مصورة.
ّ
إن كلما خضت يف تاري خ هذه الهمجية وأقول يف ختام هذا القسم ي
الكيى وددت لو أن البرسية لم توجد عىل األرض وان الحياة بقيت
عند حدود القردة العليا وذلك ألن همجية االنسان معززة بوجود
ام عىل مضاعيها، العقل المدبر الذي يفتح أبواب الخيال اإلجر ي
تيسيا
بينما تقتض همجية الحيوان عىل تمزيق الفريسة برسعة ر
ألكلها.
الصي عندما اعتيوا المائز ربي االنسان والحيوان هو
ر ولعل فالسفة
ر
الن
اإلحساس بالعدل وليس العقل كانوا ينظرون إىل أفاعيل العقل ي
غي العاقل.نظي لها عند الحيوان ر
ال ر
~ ~ 65
الثان
ي القسم
ى
المقيبات الدينية للتعذيب
ّ
االجتماع الذي تسلطه
ي التعذيب يف األصل هو أحد أشكال القمع
الطبقات عىل بعضها ،فهو محكوم بنفس الدوافع إىل القمع ،ولو أنه
ليس جزءا ضوريا منه ألن القمع تتعدد أشكاله ووسائله تبعا
للظروف والهيئات واألفراد ،والتعذيب صدر ويصدر عن فئات
شن ومورس ويمارس يف أطوار تاريخية ومواقع جغرافية وطبقات ر
شن -کما تختلط دوافعه االجتماعية بمالبسات نفسية ر
وايديولوجية يمكن أن تعطيه صورة ودرجات متفاوتة رتياوح ما ربي
الهمىح البحت ،الذي ينصب عىل الجسد ،والتعذيب ي التعذيب
الشخض أو يطال
ي النفش الذي ينصب عىل كرامة الضحية أو شفه ي
معتنقاته الخاصة به.
والتعذيب يف اإلسالم ال يخرج عن هذا التصميم .أي أنه ليس
ممارسة منعزلة خاضعة لبواعث مخصوصة -فوق تاريخية ،لكنه
بالتاىل من أن
ي يتمي بإطاريته الناجمة عن العالقة بالدين ،والبد
ر
يبعث عىل تساؤالت تحمل عىل النظر والتوقف ،من قبيل :هل
دين؟ وهل ر
صدر الجالدون المسلمون يف إقيافاتهم عن مسلك ي
يمكن القول أن إيمان الجالدين يسجل لدى اإل رقياف درجة ما من
الشعن الخاضع للفطرة؟ ي الهبوط تضعه يف مستوى أدن من اإليمان
أخيا ،يتعارض الدين بما هو دين مع أخالقية التعذيب؟ وهل ،ر
الوع العام الذي اعتاد ي ومع أن هذه األسئلة تبدو خارجة عن سياق
عىل اعتبار الدين نقيضا للعدوان والنظر إىل الجالدين باعتبارهم
عصاة أو فساق ال يخافون للا كما يقال يف اللغة الشعبية فإن
~ ~ 66
طرحها واالجابة عليها قد يؤديان بنا إىل الخروج بنتائج مغايرة ،وأنا
الشعن يف مسألة شائكة كهذه يقوم
ي أشعر من جه ر ين أن التبسيط
ا
الشخض لألديان ،فضل عن الجهل بالجذور ي عىل إغفال التاري خ
الدين المحكوم بعوامل معقدة أيديولوجية ي البعيدة للسلوك
ونفسية وما أشبه .وسنسغ لهذا الغرض إىل البدء من الجذور
الشخض لألديان يف إضاءة
ي لفحصها ثم نصعد منها إىل التاري خ
موجزة نأمل أن تنتقل بنا من بساطة الظاهرة إىل بعض الحقائق
الضورية.
***
اقين الدين منذ بدايته بالقربان ،ويتبوأ هذا المنسك مكانة خاصة يف ر
مختلف األديان ،كما ظهر يف بعض المذاهب الشبه -دينية ومنها
الكونفوس ،وهو ليس دينا يف األصل ألنه ال يرتبط بمعبود ي المذهب
وينكر وجود الكائنات الروحية ،ولكن الكونفوشية تدينت بقدسية
وبي السماء سء من التذاهن بينه ر مؤسسها الذي كان يعتقد بوجود ي
وأخذت هنا بالقربنة عىل أوسع نطاق.
البدان مقتضا عىل الحيوانات ،ثم ظهرت مع ي وكان القربان يف الطور
بق -طور الحضارة -سنة ذبح اإلنسان ر
االنتقال إىل المجتمع الط ي
الن زاولتها مختلف األديان يف الرسق والغرب .وكان الذبح ر
ي
يشمل أحيانا عبيد وجواري الملك المقدس لك يدفنوا معه ر
حن ي
يحي يوم البعث ويعود الملك إىل الحياة فيعود معه عبيده ر
ابيليواصلوا خدمته كما كان حالهم يف الحياة الدنيا ،ومن القر ر
البرسية المعتادة عرائس الماء وهن فتيات جميالت كان ي رلق بهن يف
والصي .وكان
ر لتسكي غضبها ،وكانت متبعة يف مض ر األنهار الهائجة
ر ا
ذبح اإلنسان معمول به يف الديانة المضية القديمة حن زمان
~ ~ 67
من الولد .ولذلك يقول مفرسو القرآن يف تعقيباتهم عىل هذه الرواية
أنه لو ذبح ابراهيم اسحق لصارت ،سنة فيمن بعده :أن يذبح الباء
ا
بدل من األغنام والماشية.
ويعن هذا بدوره أن الحيوان
ي أبناءهم
يذبح ال للحاجة وإنما ألجل القربان أو ليكون فداء عن شخص
عي .ولذا ال تحدد أحكام القربان مآل لحم الذبيحة ألن المطلوب م ر
فجي دم) ،كما يقول العامة يف العراق .ويطبق هذا المنسك هنا هو (ت ر
يف الوقت الحاض عند اإلنتقال إىل مساكن جديدة أو شاء مركبة من
سيارة ونحوها وغالبا ما يتم غمس الكف يف دم الذبيحة وطبعه عىل
بوابة الميل أو عىل المركبة.
وقد توسعت فكرة الفداء إىل التعويض عن إنسان بإنسان آخر ولكن
عىل سبيل القضاء والقدر المحدد من قبل السماء .ولتوضيح ذلك
وخ ،من
أروي هذه الحكاية من كتاب (الفرج بعد الشدة) ،للتن ي
وه عن رجل ،يدع أبو القاسم العلوي كان يف القرن الرابع الهجري ي
وف الطريق خرج سفر ومعه أحد عبيده وكان كل منهما عىل حمار ،ي
عليهم أسد وتقدم نحو أبو القاسم فتسمر يف مكانه بينما راح العبد
يضخ ويستغيث ،ويبدو أن األسد قد تهيج بهذا الضاخ فتوجه نحو
التنوخ أن
ي العبد واقتلعه من عىل حماره وعاد به إىل األجمة .ويذكر
فدان
ي حي روى هذا الحادث ختم الرواية بقوله« :قد أبو القاسم ر
بغالم،
ي للا
بن فاطمة محرمة عىل وعقب أحد الحاضين :أال تعلم أن لحوم ي
بن فاطمة أبيحتنش أن لحوم ي السباع؟ ويالحظ أن المعقب ي
والعباسيي ..وعىل أية حال تدل هذه الحكاية عىل أن للا
ر لألمويي
ر
غيهم ،وليس من الضوري لك ينقذ ر يتوىل بنفسه ذبح بعض الناس ي
تبعا لهذا المبدأ أن يكون ربي الفادي والمفدي عداوة تستوجب
التضحية بأحدهما لآلخر ،فالقرار يف هذا متعلق بحكمة الخالق
~ ~ 70
الدين بوصفه فكرا طبقيا يتجه يف الغالب ي وإرادته الحرة لكن الفكر
نحو جعل الفادي يف مرتبة اجتماعية أدن ،كما هو حال أبو القاسم
ّ
ألساطي والحكايات
ر العلوي وغالمه .وقلما يحدث العكس يف ا
الدينية.
تعن التضحيةأن عقيدة الفداء بحسب حكاية أبو القاسم العلوي ي
بحياة إنسان ألجل آخر .وقد شكلت العقيدة بهذا التحديد عنضا
الشعن يعي عنه يف بعض األحيان بطريقة ي الوع
ي من عناض
ا
خ بميت عدوانية واضحة ،حيث يقال يف العراق ،مثل ،عند تعزية ي
افياض راح لك فدوة -أو فدا تبعا للهجات ،وتقوم هذه التعزية عىل ر
أن موت إنسان هو بدوره زيادة يف عمر إنسان آخر.
ّ
وللعقيدة كذلك تعلقات أخروية وظفها رجال الدين لحسابهم ولنقرأ
هذا المقتبس من معجم األدباء لياقوت:
الحسي بن مهران يف اليوم
ر توف القارئ المحدث أبو بكر أحمد بن " ي
توف فيه الفيلسوف أبو الحسن العامري ( ۳۸۱ه) ،قال الذي ي
فحدثن عمر بن أحمد الزاهد قال :سمعت الثقة من ي الحاكم:
الحسي بن مهران رحمه للا يف ر أصحابنا يذكر أنه رأی أبا بكر بن
الن دفن فيها .قال فقلت :أيها األستاذ ما فعل للا ر
المنام يف الليلة ي
بحذان (أي
ي بك؟ فقال :إن للا عز وجل أقام أبا الحسن العامري
بجانن) وقال :هذا فداؤك من النار ،ثم ذكر الحاكم بإسناد رفعه إىل ي
أبو موس األشعري أن رسول للا قال :إذا كان يوم القيامة أعط للا
ا
كل رجل من هذه األمة رجل من الكفار فيقول :هذا فداؤك من
اهيالنار ...وقد علق ياقوت" :وهذا الخي إذا قرن بالرؤيا صار من بر ر
الرسع (.")2
ابي ،مع ربطها بعقيدة الفداء، إن عدم التقيد بالحاجة يف تقديم القر ر
( )2ج 13/3
~ ~ 71
لمقيب سايكو يكرس نزعة دموية ف األديان ربما كانت صدى بعيدا ر
ي
ر
ينبغ البحث عنه يف مجاهل األنيوبولوجيا ،عىل أننا
ر اجتماع ي
ي -
نجد هذه اليعة تقين يف األديان السماوية بأصول أخرى وثيقة
وه:
الصلة بها ،ي
-مبدأ اإلبادة الجماعية -العشوائية (المهابدة).
-عقيدة العقاب األخروي.
-قانون العقوبات (الحدود).
نفسان هو صدور الدين عن ي يضاف إىل هذه األصول الثالثة عنض
أب سماوي مطلق الوجود ،وسنحاول تفصيل القول يف كل منها..
اإلسالم العذاب
ي تسم يف االصطالح ي اإلبادة العشوائية الجماعية
نن اإلستئصال ،ويقصد به إبادة قوم من العصاة يبعث إليهم ي
إله يطال رجالهم ونساءهم وشيوخهم فيكذبونه فيعمهم غضب ي
وف العهد واطفالهم ،مع ما يف ناحيتهم من أحياء نباتية أو حيوانية ،ي
أساطي عديدة تضمنت هذه العقوبة وتبناها ر القديم – التوراة -
أساطي عربية مماثلة .وتبدو استعادة ر القرآن بعد أن أضاف إليها
األساطي يف القرآن متعارضة تماما مع مبدأ المسؤولية الفردية ر هذه
ا
الذي شعه «وال تزر وازرة وزر أخرى».
شكىل ألن عذاب اإلستئصال ي وقد يرد عىل ذلك بأن التعارض هنا
يطبق عىل أساس اإلرادة الحرة للخالق أما مبدأ المسؤولية الفردية
فتطبقه الدولة .وحدود االختصاص ،عىل صعيد القانون ،تتباين ربي
ر
األخالف كما الخالق والدولة لكن التعارض يظل قائما عىل الصعيد
ي
سنبينه الحقا.
أول تطبيق لعذاب اإلستئصال هو الطوفان .وتبعا لألسطورة
التوراتية كان الطوفان عقوبة جماعية أهلكت أهل األرض كلهم ،عدا
~ ~ 72
والذي بعثك بالحق لو أن ثويا من ثياب أهل النار أظهر ألهل األرض
لماتوا جميعا ،ولو أن ذنوبا (دلوا) من شابها صب يف مياه األرض
الن ذكرها للا ر
جميعا لقتل من ذاقه ،ولو أن ذراعا من السلسلة ا ي
وضع عىل جبال األرض جميعا لذابت .ولو أن رجل أدخل النار ثم
أخرج منها لمات أهل األرض من رني ريحه وتشويه خلقه".
والمعذبون يف جهنم ال يموتون ألنهم محكومون بالعذاب المؤبد
الشيازي
وحي ضح صدر الدين ر يعن نهاية عذابهم .ر وموتهم ي
المذنبي الن تقول بأن العذاب ال يمكن أن يزيد عىل عمر ر
ر بنظريته ي
يف الحياة الدنيا وأنه يصبح بعده نعيما ،كفره رجال الدين .ويروى
الشيازي عند ضي ح عن المال محمد كاظم الهزار جري ين أنه لعن ر
ا
الحسي لقوله هذا .ويحتمل أنه جعل لعن الفيلسوف بديل عن ر
الدعاء المألوف يف زيارات األئمة ،ألن الرواة يقولون أنه كرر اللعن
الن تكرر بها التحيات لألئمة والمالئكة داخل ر
مئة مرة ،عىل الطريقة ي
المزارات الشيعية (.)4
غي منصوص إن كال من عذاب اإلستئصال والعذاب األخروي ر
عليهما يف الرسيعة ألنهما من خصوصيات الخالق .وكما بينا ،فقد
الجنان ،بينما
ي تمسك القرآن بمبدأ المسؤولية الفردية يف القضاء
النن محمد إحراق األحياء ،أي اإلعدام بالنار ،ألنه داخل يف حرم ي
عذاب الخرة ،الذي يتواله للا وال يجوز للبرس أن يتشبه به فيه،
الحكمي مندرجان يف العقيدة ،أي أنهما ملزمان ر غي أن هذينر
الن يخل إنكار ر
ايديولوجيا وال ينفصالن عن سائر األركان واألصول ي
ويعن هذا بدوره أن المؤمن يجب أن يكون ي بعضها بسالمة اإليمان،
موافقا عىل هذه األلوان من التعذيب بوصفها من نتائج الحكمة
( )4أش إ يىل المرحوم السید كاظم الحيدري من الشخصيات الدينية واألدبية ببغداد
الشيازي لكنهم يكتمونه عن العامة ألنه
أن بعض علماء الشيعة يميلون إىل قول ر
الشيازي ألنه باح بالرس.
الدين ...ولعل الهزار جري ين إنما لعن ر
ي يؤثر عىل الوازع
~ ~ 75
آن ومع أنه إ رليم بنصوص هذا القانون يف قانون العقوبات القر ي
القضايا الداخلة يف اختصاصه فقد قامت سياسته خارج هذا
االختصاص عىل التعاطف مع البنيان الجسدي لإلنسان .ولدينا عن
حنشي إىل تجنبه سفك الدماء ر عمر بن الخطاب مرويات عديدة ت ر
وفآن المشمولة بقانون العقوبات .ي يف حدود االختصاص القر ي
طبقات ابن سعد رواية هامة توضح اتجاهه يف هذا الشأن تقول أن
ا
واليا كتب إليه أن رجل وجد زوجته مع رجل آخر فقتلهما .وكان عمر
الن تتضمن أحكام ر
قد عمم عىل الوالة أن يعرضوا عليه القضايا ي
الواىل كتابا علنيا
ي باإلعدام أو القطع ليبت فيها بنفسه ،فكتب إىل
بإعدام الرجل وكتابا شيا بأخذ الدية منه ( ،)5وكان غرضه من هذا
توفي عامل الزجر، ع رسميا مع ما يف إعالنه من ر تطبيق الحكم الرس ي
ر
ويأن ضمن واإللتفاف عليه عمليا بسبب نفوره من هذه العقوبات .ي
هذا التوجه عفوه الكوميدي عن الهرمزان.
اجتماع يرتهن يف
ي وعىل عامل دنيوي - يقف وراء سلوك عمر ي
الن ساهمت يف تكوين ر
مجمل األصول البدوية واإلجتماعية ي
شخصيتهما إىل الحد الذي يمنع من الحكم عليهما وفقا إلعتبارات
رجىل دين من النمط الشائع .ومن دون دينية خالصة ،أي بوصفهما ي
الدين ،فمن الواضح أنهما ي أن نتعسف التشكيك يف جدية إيمانهما
ا
قد أعطيا يف سياستهما هذه مثال عىل الدور الذي يمكن أن تلعبه
األخالق يف تخفيف قسوة القانون.
المثال الخر من رجال الدين المعاضين ،أن انتماء هذ الفئة إىل
الدين الخالص يف
ي الطبقات الحاكمة الفاسدة قد عزز المنىح
النفش ،وبالنظر لوجودهم خارج العصور اإلسالمية فقد ي تكوينهم
وبي استيعاب العناض الدنيوية يف اإلسالم األول أو رؤية حيل بينهم ر
الطبيعة التعددية الحضارة اإلسالم الذاهبة بشكل جعلهم يتمثلون
( )5ج 6ص 107
~ ~ 77
سلمي وفق المعاي ري العقيدة الدينية بوصفهم مؤمن ري وليس مجرد م ر
ر
ينبغ أن نتوقع ارتهانا اإلنيوحضارية لإلسالم .ومن هذا المنطلق ي
معينا ربي حضور هذه الفئة يف موقع ما ،واسترساء حالة القمع يف
تفسي مقبول التجاه ر ذلك الموقع .ويمكن أن نتوفر من هنا عىل
الدول الدينية المعاضة يف العالم اإلسال يم إىل التمسك بالتطبيق
آن -مع تجاوزه يف نفس الوقت الحر يف لقانون العقوبات القر ي
الن عرضها الفقهاء األقدمون بطريقة مرنة ر
بالتشدد يف األحكام ي
ومتسامحة ذكرنا بعض وقائعها يف القسم األول .وبضف النظر عن
معايي
ر اختالفات سیاسات هذه الدول ،مما يوجب تصنيفها وفق
الدين الخالص اليكيب مختلفة عىل صعيد التحليل السياس ،فإن ر
ي ي
اس عىل مستوي ر
الذي تشيك فيه يعرب عن نفسه يف شيوع نهج ف ي
اإلله الذيي العالقات االجتماعية يحمل من بعيد ذكريات الغضب
ابي المشوية ،وهكذا تواجهنا حالة النن نوح بالقر ر
نفس عنه ي
معكوسة تماما تقوم فيها األخالق الدينية بتشديد قسوة القانون،
الدين أن يتبلور ويعزز ي للوع
ي باالرتهان مع ظرف مساعد يتاح فيه
معطياته بقدر أوفر من االستقالل.
إن التجارب المستفادة من األديان تزودنا بأداة لإلستنتاج يمكن أن
الدين لتكويني نستخلص منها قابلية العوامل المكونة للسلوك
شخصية دموية فاشية المزاج معادية لإلنسان .ومن المعروف أن
الدين قائم عىل التخويف ،وهو المهمة األساسية لرجل الدين ي الوازع
المؤمني من غضب اللهة ،لكنه كان يف ر الذي تخصص يف تحذير
اإلله عىل رعاياه ،ولألديان ي نفس الوقت يساهم يف تطبيق الغضب
الن تجتمع فيها ر ر
أدوار مشيكة يف هذا المضمار تتفاقم يف الحاالت ي
سلطتان متكاملتان دينية وزمنية حيث تتداخل عوامل الخوف
وس، كلي ي الحكوم -األ ر ي الروخ من القوى الخارقة مع اإلرهاب ي
يقين أولهما وتتفرد األديان السماوية هنا بعاملي إضافيي ر
ر ر
~ ~ 78
***
تناولت يف القسم األول من هذه الدراسة قضايا ومظاهر التعذيب
والقمع يف اإلسالم ،وأريد الن أن أتحدث عن عالقة هذه الظاهرة
وعىل يختلط بهما المقوم بالدين .لقد عرضت أنفا ر
مثالي من عمر ي
اإلنسان فيجعلهما تطبيقا ملموسا لدور
ي جتماع -
ي الدين بالمقوم اإل
ي
~ ~ 81
األمويي
ر عىل محمل االعالم الس ين الذي تخصص يف الدفاع عن
وغيهم من الفرق اإلسالمية المعارضة لإلستبداد ضد الشيعة ر
األموي ،فقد كانت قریش متدينة قبل محمد وكانوا يلقبون بالحمس
أي المتشددين يف الدين .ومع أن مروان لم يكن يحب محمد ،وهو
القرس ،بضف النظر ي يىح ،فإن قيام الليل يعكس مزاجهعدوه التار ي
عن أن يكون ذلك لرب محمد أو لرب قريش ألن اشباع اليعة
الطقوس الذي يتم فيه.
ي الدينية ال عالقة له بالشكل
الثقق بطل اإلرهاب يف اإلسالم ،يخينا أبو ي وعن الحجاج بن يوسف
ان
األصفهان أنه طلب مؤدبا لولده فقيل له هاهنا رجل نض ي ي الفرج
ان ،قال ادعوا يىل المسلم ،فلما وهاهنا مسلم ليس علمه كعلم النض ي
ان قد ذكروا أنه أعلم أتاه قال :أال ترى يا هذا أنا قد دللنا عىل نض ي
أن كرهت أن أضم إىل ولدي من ال ينبههم للصالة عند منك غي
ر يّ
وقتها وال يدلهم عىل شائع اإلسالم ومعالمه .
)7 (
الزبي .ونقل البالذري كالما له وهو يحتض هذا نصه (:)8 ابن ر
أن لم أشاق خليفة ولم أفارق جماعة ولم أغش "اللهم إنك تعلم ي
ا
إماما شا وال عالنية .ولم أعمل بعد اإليمان باهلل ورسوله عمل أحب
مغني
إىل وال أرخ عندي من قتل أهل الحرة" ويضيف البالذري أن ر ي
من أهل المدينة عرضوا إليه إيناسه بالغناء بعد انتهائه من تصفية
التمرد فأمر بقتلهم وقال ما جئنا للهو والغناء.
مثل هذه النماذج البرسية المريعة ربما أشكلت عىل الناس السيما
ا
أتباع الطوائف والفرق .فعند الشيعة والخوارج مثل ال يمكن إعتبار
مسلم بن عقبة المري مسلما بل هو كافر من أهل النار ،لكن مسلم
نفسه لم يكن يرى أن أهل المدينة مسلمون ،ألنهم ثاروا عىل
مني ،إذا نظرنا إليهما فريقي من المؤ ر ر الخليفة .هنا إذن خالف ربي
من خارج ،أي من موقع محايد ال يمكننا القبول بشهادة أحدهما
يعن أنه معادي ضد الخر ،ألن كون مسلم معاديا ألهل المدينة ال ي
حي فتك بهؤالء الناس سالم ر
ي للدين ،ال شك يف أنه خرق القانون اإل
الذين تمردوا عىل خليفة ظالم يجوز خلعه بموجب تعاليم الرسيعة.
لكنه قام بهذا الفعل من منطلق تدين بحيث أنه مات مقتنعا بنوال
سالم لم يخالف ي رضا للا وغفرانه .وهو عندما خالف القانون اإل
سياسي قانونا دينيا ،ألن خروج أهل المدينة عىل الخليفة هو عمل
ه تعاليم سياسية ر
أي دنيوي ،والتعاليم اإلسالمية ال ين نصت عليه ي
الن تجمع ربي المسلم وربه ،واإلسالم ر
تتحدد خارج العالقة الدينية ي
كما نعلم هو حركة دينية سياسية والقطاع الدنيوي ظاهر فيه
المؤمني
ر ومتمي .وإذا تضفنا كمحايدين فإننا قد نقبل اتهامات ر
ا
السياس فنعتي مسلم بن عقبة المري مثل ي لبعضهم عىل الصعيد
ا
طاغية وظالما ونتبن رأي الخوارج والشيعة فيه،
( )۸أنساب االشاف ج 2ق 2ص 46
~ ~ 84
لكننا ال نستطيع قبول أهل الحرة يقصد أهل المدينة وكان القتال قد
وقع قبل اقتحامها يف ضاحيتها المسماة بالحرة (بفتح الحاء)
فعرفت المعركة باسمها ...ادعائهم بمروقه من الدين .ومن
يقين دائما بالخالفات ربي المعروف أن هذا الشكل من االتهامات ر
الن تحدد التدين أبناء الم ّلة الواحدة وهو جزء من الذهنية الدينية ر
ي
يف إطار مذهبيتها الخاصة بها فتنفيه عن كل ما عداها.
أكيهم دموية وهم المهدي وابنه هارون نأن إىل العباسيي فنجد ر ر
ر ي
المثقفي
ر الرشيد قد عرفا بالتشدد يف الدين ،المهدي خاض يف دماء
اإلسالم ،ألجل مكافحة الزندقة ي الذين مثلوا يف عهده منىح التنوير
والداع إىل
ي وقتل بيده صالح بن عبد القدوس ،شاعر الحكمة
نصفي بضبة واحدة عىل هامته وعلق جثته ر الزهد .قالوا أنه شطره
بنصفيها يف إحدى ساحات بغداد ،وكان قد شاخ وأدركه العم.
السبعي .ويشغل المهدي ر وأعدم بشار بن برد جلدا وقد نيف عىل
ا
مكانة خاصة عند رجال الدين بسبب سلوكه هذا .وقد استمعت مرة
إىل محاضة ألقاها شيخ أهل السنة يف البضة عالء الدين خروفة يف
مهرجان بغداد والكندي عام ۱۹6۲فكان فيما عدده من المآثر
اإلسالمية الغابرة (مالحقة المهدي للزنادقة وسجنهم وترسيدهم
وتعذيبهم وقتلهم) .ورغم أن مالحقة الزنادقة تمت رئيسيا بدوافع
للعباسيي األوائل ،فإن ر سياسية ألنهم كانوا ضمن فئات المعارضة
إدارة عمليات المالحقة عىل يد المهدي بالذات قد تمت بداللة
الغية
خاصة مستمدة من شخصية المهدي الذي عرف بشدة ر
المؤمني
ر الدينية .وتجسد طريقة إعدامه لصالح وبشار حقد
الدموي عىل المتنورين -مما نجد صداه يف ارتياح الشيخ خروفة
ألعمال التعذيب إىل حد المباهاة بها علنا.
بكية الحج ،قالوا :كان يحج سنة ويغزو سنة، أما الرشيد فقد عرف ر
يستدع أبو العتاهية ليتلو عليه من زهدياته ي وبالولع بالمواعظ فكان
~ ~ 85
ّ ر
الن تسلمها من المأمون ،ويقول مؤرخوه أنه كان يكره القراءة الوراثة ي
والكتابة.
تمي بيعة تعذيب متفاقمة ولكن لم عباس ر شي إىل خليفة بق أن ن ر ر
ي ي
يعرف عنه تشدد يف الديانة .وهذا هو المعتضد الذي ذكرته يف
القسم األول .وتدل الظروف الخاصة بهذا الخليفة عىل أنه لم ييع
بتأثي شخصية ذات مزاج دموي رغم أن إىل هذا المسلك الشاذ ر
تميت بداللة مرضية واضحة .وقد تكون حالته استثناء من تعذيباته ر
الدين للتعذيب يف اإلسالم محكوما بدوافع دنيوية من النمط ي الجذر
منتمي لدين - ر الغي
المعتاد يف تاري خ التعذيب عند األمم أو األفراد ر
ر
أو دین سماوي عىل األقل .والمعتضد ظهر يف أوان التغلب الي يك
وكان مدفوعا بالحرص عىل استعادة هيبة الخالفة من األتراك،
الن جرت عىل يديه أنها كانت موجهة ر
ويستفاد من وقائع التعذيب ي
يف األساس إىل أفراد يف الحاشية أو يف الجيش أو يف االدارة القريبة من
ديوان الخالفة .ويبدو أنه اتخذ االرهاب وسيلة للسيطرة عىل
المتغلبي الذين اتبعوا نفس األسلوب مع أسالفه من الخلفاء ر
المستضعفي .وربما كانت حالته المرضية نتيجة التباعه هذا
ر
األسلوب وليست سببا له.
تكملة:
الن يستعملها السلفيون منر
الدين يف لغة السجال ي ي ينعكس االرهاب
ر ر
شن الفرق والطوائف .ويمتد ذلك إىل عناوين الكتب ي
الن تؤلف
المخالفي ،ولنقرا العناوين التالية:
ر للرد عىل
(الصواعق المحرقة عىل أهل البدع والضالل والزندقة) -البن حجر
الهيتم -العاش الهجري.
ي
الثان
أن الحديد) البن عصفور -ي (سالسل الحديد يف تقييد ابن ي
عرس ه يف الرد عىل شارح نهج البالغة ألنه صوب خالفة الراشدين
خالفا لمذهب الشيعة.
~ ~ 87
مي
(الصارم الحديد يف عنق صاحبة سالسل الحديد) لمحمد أ ر
السويدي -متأخر -يف الرد عىل الكتاب السابق.
النصيي يف المهدي المنتظر: ر الخصين
ي ومن شعر
ويمض حكمه فرضا مام يرث األرضا *** إ ٌ
ي
فن الشك والشكا يقض *** وي ي عل الخلق كما
ى
ويفن الروم واليكا ** وأهل الهند واإلفكا
ويعط الخزرج الهلكا ** فال ي ى ي
بف لهم ملكاي ي
~ ~ 88
ص 88فارغة
~ ~ 89
لكن اإلسالم أخذ بها وطبقها عىل الطريقة اليهودية ( ،)10أي طريقة
شيط فيما عداها أن يعذب مشاركة الجمهور ف التنفيذ ،بينما ا ر
ٌ ي
المحكوم علنا ...{ -وليشهد عذابهما طائفة من المؤمن ري} النور.2
النفش
ي وتث ري المشاركة يف تنفيذ العقوبات إشكاالت تتعلق بالتكوين
ا
المؤمني يشاركون يف
ر القمغ لألديان منها أول أن
ي للمؤمني والطابع
ر
ر
عقوبة الرجم طلبا للثواب لكونهم ينفذون حكما إلهيا ،ويتأن الثواب
من قدرة المؤمن عىل توجيه ضبة لرأس المرجوم بحجر أو عظم أو
قطعة خشب يتحصل بها رضوان للا .ثانيا إن تنفيذ الرجم يف حالة
كون المرجوم إمرأة يتخذ بالنسبة للمؤمن الرجل وضعا خاصا
حي
نفش عن مطالب أهدرتها الزانية ر ي يشتمل عىل عنض تعويض
غيه ،وعندئذ تكون المشاركة يف الرجم منفسا وهبت نفسها لرجل ر
ا
الغية الدينية فيكون عامل عىل زيادة القسوة يف جنسيا يضاف إىل ر
تنفيذ العقوبة.
اشياك الجمهور يف تنفيذ العقوبات يؤدي إىل الثالث واألهم أن ر
تعميم وظيفة الجلد بجعلها منسكا شعبيا متلبسا باإليمان .ويقوم
ينق الشذوذ عن هذه الوظيفة بل الجمهور هنا بدور المطبع الذي ي
واالرتقاء بها إىل مستوى أعىل تكون فيه وسيلة لنشدان الثواب.
ا
تفسي آية{ :لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوار ( )10يقول الفخر الرازي يف
ا
اليهود والذين أشكوا ولتجدن أقرب هم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى } ...
سورة المائدة الية82
إن كفر النصارى أغلظ من كفر اليهود لكونهم ينازعون يف اإللهيات والنبوات
واليهود ال ينازعون إل يف النبوات ،فكيف صار النصارى أقرب ،مودة؟ يجيب الفخر
عىل هذا بأن اليهود حريصون عىل الدنيا ومن كان حريصا عىل الدنيا طرح دينه يف
طلب الدنيا وأقدم عىل كل محظور ومنكر يف سبيلها .وأشار الفخر الرازي ،يف
المقابل إىل سلوك النصارى المتسم بالزهد وتحريم اإليذاء (يقصد بال شك مسيحية
الرسق -العرب والرسيان" وليس مسيحية أوروبا) وهذه إشارة إىل التقارب العقائدي
الفريقي مرده إىل أمور دنيوية.
ر والمسلمي وكون العداء ربي
ر ربي اليهود
~ ~ 91
نقطة إيمان اضافية .أما المعاضون فقد توفرت لهم وسائل جديدة
لتطمي هذا الهاجس بعد أن تمت ،إىل حدود معينة ،تنحية اإليمان
ر
السياس .
)11 (
ي الدين لصالح االيمان
ي
واطني
ر ( )11أواخر ۱۹6۸قامت السلطة االنقالبية يف بغداد بإعدام عدد من الم
اتهمتهم بالتجسس .وعلقت جثثهم يف ميدان عام ،فخرج المواطنون العراقيون
بعوائلهم ليتفرجوا عىل الجثث ،ثم جلسوا يف ظلها ليتناولوا
سياس أو مثقف
ي غدائهم ويأكلوا البوظة والحلويات ،ولم يصدر إستنكار من أي
المقيمي يف الخارج بعيدا عن متناول
ر مؤيد للسلطة أو معارض .وإمتد السكوت إىل
السلطة.
~ ~ 93
تذييل
الحجاج وهتلر
غراران للقمع يف حضارتي
النر
الحجاج بن يوسف بن الحكم من قبيلة ثقيف الحجازية ي
النر
الجاهىل ،وكانت من ربي القبائل ي
ي استوطنت الطائف يف العض
وه هجرت البداوة واشتغلت يف الزراعة باستقرارها يف الطائف .ي
بلدة تمتعت بوفرة المياه فكانت من أرياف العرب يف الجاهلية .وقد
الن اعتمدت يف معيشتها عىل البلدة ر ر
اسيرعها بنو ثقيف وقريش ،ي
البساتي والمزارع وصارت لها منتجع ومصيف. ر فاتخذت فيها
واشتهرت الطائف بالكروم وحدائق الزهر .وهذه كانت توفر مادة
التحلية والتطييب لبي زمزم حيث كانت تجلب زهور الطائف وتنبذ
ع باعث يف البي حسب مواسمها ،وكان استقرار ثقيف يف معرس زرا ي
عىل قدر من التحول يف تكويناتها االجتماعية والذهنية ،فيز من
بينها دهاة تجاوزوا بساطة الشخصية البدوية ليكون لهم موقع يف
سيورة تطور ستقودها قريش التاجرة فيما بعد ،وقد تساءل خصوم ر
الوخ عليه ،وليس عىل رجل آخر ي محمد يف مكة عن الرس يف نزول
من قريش أو ثقيف( .الية /3۱زخرف) ،واتجه أفراد من ثقيف إىل
(بفتحتي) إىل إيران ودرس
ر تحصيل المعرفة فسافر الحارث بن كلدة
ر
الن كان يديرها الرسيان .وهو يف
يف مدرسة جنديسابور الطبية ي
مصادر تاري خ العلم العربية طبيب العرب األول .وقد عاض ي
النن
وبق عىل حاله هذه بعد استكمال أسلمة ر
فلم يعارضه ولم يؤيده ي
النن يوجه المرىص منالعرب وعاش إىل خالفة معاوية .وكان ي
أصحابه لالستطباب عند الحارث .وكانت له اهتمامات عدا الطب،
~ ~ 94
الموسيق .وقد تعلم الضب عىل العود يف إيران واليمن ،ال ر ين ر منها
يبدو أنه استفاد شيئا من بقايا حياتها الحضارية الغابرة .ويمكن
اعتباره من رواد الثقافة اإلسالمية بتطورها عىل أساس الجمع ربي
مصادرها المحلية والخارجية .وب هذا االعتبار فهو أحد آباء الحضارة
القرس محمد. الن أنشأهار
ي ي
وبرز من ثقيف شخصيات قيادية ساهمت مع محمد يف التأسيس
الثقق
ي المغية بن شعبة
ر من جوانبه العسكرية والسياسية .وينظر إىل
كأحد الدهاة العرب ،وقد استعان به محمد يف المهام الجليلة
وف صدر اإلسالم يف وقت مبكر من ظهور والمواقف الصعبة ي
الثقق كقائد للعبيد
ي الهرطقة اإلسالمية إلتمع المختار بن عبيد
والمواىل وكمؤسس نحلة من الغالة تجاوزت األطر الرسمية لإلسالم، ي
الفاتحي األوائل..
ر وبرز من ثقيف من يمكن اعتباره أم ري قائد ربي
الثقق جيشا من العراق فتح به السند ي فقد قاد محمد بن قاسم
وأدمج هذا الشطر الهام من القارة الهندية يف مجتمع اإلسالم
وف مجرى التفاقم الالحق الجديد ،وكان عمره يقل عن العرسين .ي
بزعيمي من ثقيف ر لالستبداد األموي حظيت هذه الدولة الرهيبة
تمثلت فيهما حاجة المستند إىل أدوات قمع مكافئة لمتطلبات
الن استعرت يف خالفة األموي عثمان واشتد أوارها ر
الحرب األهلية ي
الثقق
ي بن أمية بالخالفة .وهذان هما الحجاج بن يوسف مع انفراد ي
الثقق رديف هشام بن ي رديف عبد الملك بن مروان ويوسف بن عمر
األخي طباق األول يف دمويته المنفلته لكنه ر عبد الملك .وكان
انكسف يف ظل ابن عمه فلم يذكره التاري خ .والشهرة حظوظ..
ولد الحجاج يف الطائف عام 40ه .ونشأ فيها ثم انتقل إىل الشام يف
خالفة عبد الملك ،وأظهر الوالء للدولة قبل أن ينتظم يف سلكها
فكان ينبه إىل مواضع الخلل يف األداء ويتحسس ما يض بمصالحها.
~ ~ 95
ويخينا ابن عساكر يف ترجمة الحجاج (من تاري خ دمشق) أنه مر
سية أبو بكر وعمر بن الخطاب يوما بقاص يحدث الناس عن ر
المؤمني إل هذا وأشباهه ر فاستاء وقال{ :ما یفسد الناس عىل ر
أمي
سية أبو بكر وعمر يقعدون ويقعد إليهم أحداث الناس ويذكرون ر
المؤمني} ،ويفرس هذا التدخل من ر أمي
فيخرجون (يثورون) عىل ر
سية أبو الحجاج أمرا أصدره عبد الملك بن مروان بمنع الكالم عن ر
وبق األمر ساري المفعول ر ر
حن خالفة عمر بن عبد بكر وعمر .ي
السية.
العزيز الذي رتب بنفسه قصاص يحدثون الناس عن هذه ر
وكانت بداية خدمة الحجاج يف الجهاز األموي اشتغاله شطيا بإمرة
روح (بفتح الراء) بن زنباع الذي كان بمثابة وزير لعبد الملك،
وظهرت كفاءته يف الجهاز مبكرا فعهد إليه عبد الملك بقيادة جيش
الزبي .وأنجز مهمته عىل جرار إىل الحجاز للقضاء عىل انفصال ابن ر
الوجه المطلوب فأعاد الحجاز إىل طاعة عبد الملك .وورد عنه يف
السياس
ي ثقق ال يخضع يف أدائه أثناء ذلك ما يدل عىل ألمعية ي
لوساوس العقيدة ،فقد حاض ابن الز ربي يف الكعبة وأمر برميها
بالمنجنيق وحدث أن تجمعت غيوم راعدة فيلت صاعقة عىل
فتطي الشاميون واعتيوا ذلك ر جيش أهل الشام وقتلت عدد منهم.
إله عىل قصف الكعبة .فأوضح لهم الحجاج« :أنا ابن تهامة رد ي
حن يصيب عدوهم ما ر
وهذه صواعقها وطلب إليهم الييث ر
الزبي وقتلت التاىل نزلت صاعقة عىل جيش ابن ر وف اليوم يأصابهم ..ي
عدد منهم ..وبذلك استطاع تجاوز األزمة يف معسكره.
واىل عىل الحجاز .ثم وجد الزبي ي
وعينه عبد الملك بعد تصفية ابن ر
كفاءات تابعه الجديد أوسع مما يحتاج إليه يف الحجاز فوله عىل
العراق .وكانت والية العراق أيام األموي ري مرکز المرسق كله فصار
الحجاج حاكم البقاع الممتدة ما ربي العراق ونهايات الثغور يف آسيا
~ ~ 96
لألمويي.
ر ثان)الوسط والهند ،فكان بمثابة (امياطور ي
كان العراق منذ اندالع حركة المعارضة يف اإلسالم أيام الخليفة
الواىل األموي ينظم منه ي الثالث قد صار مقرها الدائم ،ومثلما كان
نشاطات المرسق السياسية والعسكرية كان المعارضون من الشيعة
ّ
والخوارج ينظمون حركة المعارضة يف الواليات واألطراف مع
االمتداد شقا وغربا ،وقد ترتب عىل الحجاج وهو يواجه مسؤولياته
األمويي أن يتعامل مع حركة ر الجسام يف إدارة امياطوريته لحساب
المعارضة بالقمع الدموي المنفلت .وليس من المعلوم ما إذا كان
الحجاج ينطوي عىل نزعة دموية أو أنه قي القمع تبعا لمطالب أمن
الدولة االستبدادية .وبالرجوع إىل مثال زياد ابن أبيه نقف عىل حالة
ه ما استغلها معاوية ع ي غي ش ي مرضية ّ ناشئة عن کون زياد ابن ر
حي سلمة العراق بعد أن ألحقه بأشته وصار ابنا شعيا ألبو ر
ع ونشأ سفيان ،والحجاج لم يعان من هذه العقدة فقد ولد ألب ش ي
عشيته المرموقة الجانب .وتقول بعض الحكايات نشأة سوية وسط ر
اليوم مع
ي غي ثابت يف سلوكه أنه كان يتلذذ بالقتل .لكن ذلك ر
الناس .يالحظ أيضا أن القمع األموي كان موجه ضد المعارضة
والطامعي بالسلطة ،ولم يشمل األتباع واألعوان کما سيحصل فيما ر
العباسيي .وكان أتباع وأعوان الحاكم األموي ر
آمني ر بعد عىل أيدي
ر
الن
غي ملغوم بمؤامرات البالط ي عىل حياتهم واشتغلوا يف وسط ر
عرفت يف سائر األمياطوريات ومنها إميطورية العباسي ري ،ويرجع
تأثي اللقاحية العربية طيلة الحكم األموي مما ذلك إىل استمرار ر
يتقوم يف تحديد ابن خلدون للحقبة األموية بكونها داخلة يف
تصنيف البداوة .ومن هنا لم يكن الحجاج مرعبا لحاشيته كما كانت
والسالطي الذين ظهروا عىل هامش ر العباس
ي حالة الخليفة
العباسيي.
ر
~ ~ 97
نان يف تاري خ اإلسالم .وال شك لكن الحجاج اتبع سياسة قمع استث ي
الن جعلته غرار خاص للجالدين ر
ه ي أنه اتصف بخصائص جلد ي
لكن أعتقد أن جانب هام من غراريته يرتهن بحقبته المسلمي .ي
ر
التاريخية من جهة بدت بالنسبة له حقبة تأسيس لالستبداد
عباس كان مرعب لخصومه ي اإلسالم ،وكما قلت للتو فالخليفة ال ي
وتية
ر أو بعضهم ضحايا عدد يقل ال وقد السواء، عىل وحاشيته
وصورة تنكيلهم عما كان عند الحجاج إن لم نجد فيها زيادة مرهونة
وينبغ أن
ي األمويي.
ر والسياس بعد
ي االجتماع
ي بدورها بتعقد الضاع
نضع هنا مسألة رد الفعل الذي جوبه به قمع الحجاج من جانب
جمهور كان اليزال حديث العهد بعض الالسلطة واللقاح ،فضال عن
ظهوره كنقيض لرسيعة مستجدة قننت القمع يف حدود ال تسمح
بانفالت من هذا المستوى .ومهما يكن فالحجاج تبلور يف ا ي
لوع
االسالم كغرار متفرد للقمع الدموي والنظر إليه من هذه الجهة ي
ّ
يمثل نظرة الناس إىل حكامهم بوصفهم ورثة الحجاج.
يف خطابه األول عىل مني الكوفة يوم استلم والية العراق قال
إن ألرى رؤوسا قد أينعت وحان الحجاج عبارته المشهورة « :ي
قطافها» ..وهو خطيب من البلغاء وكان الحسن البضي يقول« :ما
وفسمعت الحجاج يخطب إل وظننت أن أهل العراق يظلمونه! ،ي
الن أعلن بها سياسته حلق الحجاج يف خياله ر
هذه الصورة البالغية ي
ر
وهالن يتكامل فيها أديب مبدع مع جلد متفرد .ي األدن إىل النقطة ي ّ ي
يطان يف الهند حينما كان الموظفون الييطانيون تذكرنا بالخيال الي ي
يحرسون قطط صغار يف صدور الفالحات إلرغامهن عىل دفع
يقيب يف الضائب .والجمع بي «بهاء الثدي وب هاء القطة الصغ رية ر
ر
إبداعيته من الجمع يف الصورة األدبية ربي رؤوس البرس وعناقيد
الن نضجت للقطاف. ر
الكروم ي
~ ~ 98
سية زياد بن يف سعيه إىل بلورة سياسته القمعية استقض الحجاج ر
أبية لالستفادة من تجاربه .ولعله تعرف عن طريق سماره إىل تجارب
والساسانيي .وألتمس له سند من السنة فسألر أقدم لملوك الروم
النن فحدثه الصحان أنس بن مالك عن أقض عقوبة عاقب بها ي ي
لعي والراء) وهم جماعة وفدوا عىل ي
النن حديث العرن ريي (بفتح ا ر
متظاهرين باإلسالم فتقبل اسالمهم ولما خرجوا إرتدوا ولقوا يف
للنن فمثلوا به وغرسوا الشوك يفطريقهم راعيا كان يرع الغنم ي
اع،
عينيه فوجه إليهم قوة ساقتهم إليه ففعل بهم مثلما فعلوا بالر ي
نيي خطب يف يقول أنس أن الحجاج بعد أن سمع حديث العر ر
ثن عن أن شديد العقوبة وهذا أنس حد ي الجمعة فقال« :تزعمون ي
رسول للا أنه قطع أيدي رجال وأرجلهم وسمل أعينهم» قال أنس:
أن مت قبل أن أحدثه»،. «فوددت ي
وغيه من أهل السلطان لتمشية أموره وكان أنس يداري الحجاج ر
النن فعل ذلك عىل ر
المعيشية فلم يعيض عليه ليوضح له بأن ي
سبيل المقابلة بالمثل يف جريمة عادية وانه لم يطبق هذه العقوبة
السياسيي .وقد إستاء الحسن البضي لما بلغه
ر عىل خصومه
حديث أنس وقال ليته لم يحدثه .ومن ثم جرى الفقهاء عىل التحرج
مي البحث حن ال يساء استغاللها ،كما مر ف رف رواية هكذا أخبار ر
ي ي
يف تاري خ التعذيب.
وسيلة القمع األرأس للحجاج كانت القتل صيا (اإلعدام) .ويقدر
الن حكم فيها ر
المؤرخون عدد من أعدمهم يف غضون العرسين سنة ي
العراق والمرسق ما ربي مئة ألف ومئة وعرسين ألف .ويمكن
يبق مهما أنزلناه بعد احتساب نسبة التشكيك ف الرقم ،غ ري أنه ر
ي
المبالغة المألوفة عند الناس يف مثل هذه الحاالت ،فريد يف بابه ،وال
يفوقه أو يجارية يف تاري خ اإلسالم إل عدد الذين أعدمهم أبو مسلم
~ ~ 99
اسان صاحب الدعوة العباسية .وقد قدر ما ربي مئة ألف الخر ي
وستمئة ألف ،مع احتساب المبالغة هنا أيضا .وطريقته باإلعدام
قطع الرأس بالسيف والذبح من الرقبة أو القفا يف حاالت .وطبق
التعذيب لإلستجواب .وتعذيبه هو الضب والجلد رئيسيا.
واستخدم طريقة بشعة يف تعذيب رجل من خصومه إلرغامه عىل
الكشف عن أمواله فكان يوضع عاريا عىل قصب مشقوق ويردد
جسده فوق القصب .لكن تعذيباته لم تتطور إىل المستوى الذي
العباسيي ،الذين كانوا يشوون الثائرين عليهم فوق نار
ر بلغته عند
ر
الفالحي
ر هادئة / ،بنفس الطريقة ي
الن اتبعها األلمان يف حرب
واستعمل الضواري يف بعض العقوبات ولكن ليس عىل طريقة
الرومان ،والحدث البارز هنا هو قضية اللص الفاتك جحدر :أطلق
عليه أسد جائع بعد أن شد يده اليمن وأعطاه السيف باليرسى.
وقد تمكن جحدر رغم ذلك من قتل السبع فعفا عنه الحجاج.
واقتدى بزياد بن أبيه يف إعدام النساء .وكن قد نشطن يف صفوف
الخوارج .واقتبس طريقة زياد أيضا يف توسيع المسؤولية الجنائية
لتشمل أقرباء المطلوب من األبرياء .كما اتبع سياسته يف منع
ادفي وألزم كل رجل أن ر
التجمهر وكان يمنع الناس من الركوب مي ر
يركب وحده .ومن أبشع إجراءاته القمعية إنزال الجنود مع العوائل
ر ا
يبق لهم معسكرات خاصة بهم يعيشون فيها ،وكان هذا بدل من أن ي
ه ثورة ابن
اإلجراء من أسباب ثورة عمت العراق والمرسق ي
األشعث ،وكانت من خارج صفوف المعارضة وقد قام بها وقادها
اقيي .وانضم إليها الناقمون عىلنفس أتباعه وأعوانه من العر ر
بن مدينة واسط وبن أمية يف بلدان المرسق .ولما ي
سياسة الحجاج ي
للقادمي إليها وأنشأ سجن
ر واستعصمها له استحدث جوازات دخول
كبي يف الكوفة يزعم المؤرخون أنه كان بال سقوف وال غرف فكان ر
~ ~ 100
السجناء يتكدسون فيه دون حاجز فيما بينهم ،وقد فتح السجن
بعد موته .ويختلف الرواة يف تقدير عدد من وجد فيه ،أقلهم يقول
وثالثي سجي .وقال آخرون انهم ثالثة أكي من عرسين ألفانهم ر
ر ر
ان انهم كانوا ألف .ونقل ابن عساكر رواية المحدث يدع ابن األعر ي
وينبغ الشك عىل األقل يف عدد ي ثمان ري ألفا منهم ثالثون ألف امرأة.
النساء ألن المسيسات منهن اقتضن يف ذلك الوقت عىل الخوارج
مالم نتوقع أن يكون ضمن السجناء متهمون بجرائم ومخالفات
عادية.
الن استحدثها معاوية فكانت معظم ر
وتوسع الحجاج يف السخرة ي
الفالحي القبط ..وقد واجه هؤالء ر تسخي ر منشآته ومشاريعه تبن ب
حي بدأوا يهجرون قراهم الفالحون محنة أخرى من الحجاج ر
وي هاجرون إىل المدن ،وسببت الهجرة انخفاض مري ع يف االنتاج
اع ،فشن الحجاج حمالت إلعادتهم إىل الريف واستئناف الزر ي
الزرع .وكان عليه استخدام أساليب التحقيق البوليسية لمعرفة
اميي كانوا ال
العرن ،ألن النبط وهم فرع من الر ر ي النبط من
ي
يختلفون يف أشكالهم عن العرب .وقد تعلموا العربية برسعة ألن
حي ينطق بالعربية ال والنبط ر
ي لغتهم السامية كانت قريبة الشبه بها.
األعجم نظرا لتماثل األصوات .ومن وسائل الكشف ي ينطقها بلكنة
الن استعملها جهاز الحجاج شم األيدي إذ يقال أن أيدي النبط ر
ي
تتمي بها .ولعل هذه من طريقة عملهم وعيشهم مع قلة ذات رائحة ر
الفالحي ،وكان النبط الذين يكتشفهم ر اهتمامهم بالنظافة عىل سوية
جهاز الحجاج يحرسون ويعادون إىل قراهم .وكانت هذه المظلمة
الن ساهم الفقهاء يف تأجيجها .وكان ر
سبب آخر لوثبة ابن األشعث ،ي
علني احتجاجهم بالبكاء الفقهاء يأتون إىل أماكن تجميع النبط م ر
غي ذلك يف المعارضة العلنية معهم .ولم يكونوا قادرين عىل ر
~ ~ 101
عل حبائله
ومن قبل ما أعييت كاس عينه *** زيادا فلم تعلق ي
~ ~ 102
وهرب منه شعراء ولغويون إىل الجزيرة العربية .منهم أبو عمرو بن
طلبن الحجاج فهربت إىل
ي جامغ اللغة العربية قال:
ي العالء أحد كبار
ان يقول لخر ،قد مات واد بصنعاء ،فأقمت زمانا فسمعت أعر ي
ان:الحجاج فقال األعر ي
ٌ
ربما تجزع النفوس من األمر *** له فرجة كحل العقال
ا
سء كنت أشد فرحة! أبموت الحجاج أم بسماع فلم أدر بأي ي
البيت!
ا ويحدث آخر :هربت من الحجاج ر
حن مررت بقرية فرأيت كلبة
ا
ليتن كنت كلبا لكنت ي : نفش
ي ف ي فقلت ماء) ير
ز ( ب ح ل ظ ف ي نائمة
ساعن فوجدت ر مسييحا من خوف الحجاج ومررت ثم عدت من ر
ي ا
الكلب مقتول فسألت عنه فقيل :جاء أمر الحجاج بقتل الكالب..
أراد صاحب هذا الحديث أن ي ربي شمول ظلم الحجاج للبرس
والحيوانات .لكن يف حديثه مدلول هام ي
ينبغ اإللتفات إليه،
حن تشملها إعداماته .ثمة المنىح فالكالب لم تكن تعارض الحجاج ر
مشيك يف الخر الوجه الخر ،لهذا الطاغية النموذخ هو ما تجده ر
ي ّ
سية الحكام المستبدين والدول اإلستبدادية القديمة السيما مجمل ر
يف الرسق .إن األمر بقتل الكالب هو إجراء يندرج يف تنظيمات
الحجاج المدنية والصحية .وهنا كانت لرجل ثقيف منجزات
مشهودة ،والحجاج منظم دولة ومجتمع مرموق ،وإليه يرجع أقدم
تنظيم للييد الرسي ع بإنشاء سلسلة منظرات أقيمت ربي بحر قزوين
وواسط لنقل األخبار باإلشارة .وقد إستعمل فيها الدخان نهارا والنار
ا
الفالحي
ر اع الناتج عن هجرة
ي رالز االنتاج نقص مواجهة وف
ي ، ليل
أنشأ الحجاج مرسوعات ري كيى صممت بطريقة تجمع ربي سكان
المدن وسکان الريف ،ومن أضخم هذه المرسوعات نهر حفره من
~ ~ 103
الفرات عند بابل وسماه نهر النيل مضاهاة لنيل مض ،وبن حول
النهر مدينة سماها مدينة النيل استمرت عامرة عدة قرون ثم
بتمصي الحلة المزيدية يف أواسط القرن الخامس الهجري. ر تقلصت
ّ
الكبي.
كبي يتخلج من الفرات ر وقال ياقوت عن النيل انه خليج ر
وحفر الحجاج نهر آخر من دجلة يف جنوب وسط العراق سماه نهر
الصي ،نسبة إىل قرية هناك تعرف بهذا االسم ،ونهر ثالث هو نهر ر
ر
الكردستان ،واسيرع البقاع المحيطة بهذين غي الزاب الزاب وهو ر
ي
وف بنائه لمدينته واسط أظهر الحجاج خصاله الشخصية النهرين .ي
أمن لإلبتعاد عن تمصي المدينة ي
ر كحاكم متمدن .كان الغرض من
الكوفة المعادية له .لكنه بذل جهدة الختبار موضع مالئم حضيا
اتيىح الذي تحدد تبعا لضورات األمن .ولهذا ر
ضمن الموقع االسي ي
الغرض شكل هيئة من األطباء إلرتياد الموضع .ويالحظ هنا إناطة
عي التمر اختيار موضع مدينته بأطباء .وقام األطباء بجولة ما ربي ر
عند مدينة كربالء إىل قرب البضة فوقع اختيارهم عىل موضع
واسط ،وذهب بنفسه رلياها فاستطاب كما يقول ياقوت ليلها
واستعذب أنهارها (أو نهارها) واستمرأ طعامها وشابها ،وكان
فارس فاش رياه منه ،وكان بمقدوره
ي الموضع مملولك لدهقان
ينيعه بدون عوض .لكن طغيان الحجاج كان سياسيا. كطاغية أن ر
وعن بنظافة واسط فحرم التبول والتغوط داخل حدودها ،وعاقب ي
والفالحي المارين بها،
ر .
المخالفي بالسجن وكانت هذه محنة للبدو ر
يقض الغرباء حاجتهم يف الفنادق والمساجد ي وكان من المعتاد أن
لكن البدو لم يتعودوا عىل ذلك.
كان آخر ضحية للحجاج هو سعيد بن جب ري وهو فقيه من أصل
بش تتلمذ عىل يد ابن عمر وابن عباس يف المدينة وأقام يف ح ي
الكوفة .ثم انضم إىل حركة ابن األشعث مع زمالئه من الفقهاء،
~ ~ 104
وبعد اندحار الحركة لجأ إىل مكة فقبض عليه واليها األموي وأرسله
إىل الحجاج فقتله بواسط .وكان الحجاج يتوجس من قتله لجاللة
قدره .وصادف أن مات بعده بأقل من سنة ويروى أنه كان يهذي يف
ماىل ولسعيد»..ماىل ولسعيد ،ي ساعة اإلحتضار « :ي
الشعن ربي موته العاجل ،وكان يف الخامسة ي وقد ربط الخيال
وبي قتله لسعيد ..ونسبوا لسعيد أنه قال له والخمسي ومعاف ،ر
ر
عندما قدمه ليقتل ،أنه سيكون آخر قتيل يقتله..
اللقاخ مشدودا أمام ظاهرة الحجاج .وكان لم يفق بعد ي الوع
ي وقف
من صدمة زياد وابنه عبيد للا .ولم تنجح إجراءات القمع
اإلستثنائية يف حمل الناس عىل الهدوء .فكانت حركات التمرد
مستمرة طيلة حكمه ،ويشارك فيها الخوارج بنشاط بينما انكفأ
الن قادها عبد ر
ه ي الشيعة إللتقاط األنفاس ر .وكانت أكي الثورات ي
الرحمن بن األشعث واشيك فيها أهل العراق عىل اختالف مواقفهم
السياسية وأوضاعهم االجتماعية .وكانت آخر معاركها أضخمها ي
وه
الن دامت مئة يوم ولم يتوصل الحجاج إىل ر
معركة دير الجماجم ي
كسبها إل بعد أن توصل إىل شاء بعض األطراف يف معسكر الثوار
الن لعبها الرتل ر
األخية دور يشبه األدوار ي
ر ليلعبوا يف ساعات الصدام
الخامس يف الجيوش العربية يف الحروب العربية االشائيلية .ومن
بق ر
الخارخ وفيها أيضا ي ي التحديات الكيى األخرى حركة شبيب
حن ساعده القدر فسقط فرس شبيب به يف نهر الحجاج عاجز ،ر
كثية عن الفرات أثناء إحدى جوالته القتالية ،ووردت حكايات ر
ينبغ أنفدائيي كانوا يردون عىل الحجاج أو يشتمونه يف وجهه ي ر
الشعن .وكان من منتقدي الحجاج ي يكون معظمها من صنع الخيال
يف زمانه إمام أهل العراق الحسن البضي رغم أنه عارض الحركات
~ ~ 105
الدين تحرج يف إدانة الحجاج .ونبه رجال الدين إىل تدينه وإيمانه
ي
.
الصادق وعند أهل الدين أن المسلم إذا لم يكن من أهل األهواء
باطن) فهو مستحق للغفران وال يجوز لذلك (خارخ ،أو ر
معي يىل ،أو
ي ي
سء (*).
بشء من أفعاله ،ألن اإليمان ال يض معه ي الحكم عليه ي
~ ~ 107
أدولف هتلر
أدولف بن ألويس ()Alois
ا
ولد أبوه نغل فاتخذ لقب أمه إذ لم يكن يعرف أباه ،ثم حمل لقب
ع) النسب ،وقد ترددت أقوال هتلر باختياره .فهو يف هذا اللقب (د ي
عن يهودية الفاعل الذي جاء بألويس إىل الدنيا ،وإن لم نجد لها
سند يوثق به.
اشتغل ألويس موظف جمرك وتزوج وولد له أوالد أحدهم أدولف.
ر
الن
ونفهم من هذا أن أدولف هتلر كان يحمل عقدة زياد بن أبيه ،ي
خال منها الحجاج بن يوسف .إتجه أدولف أول األمر إىل ألفن ،وكان
يهوى الرسم ،لكنه أخفق يف دخول أكاديمية الفنون الجميلة ألن
ر
فبق عىل مؤهله الثانوي، عالماته اإلمتحانية كانت دون المطلوب .ي
ولم يبذل جهد لالشتغال من أجل كسب الرزق .وإنما اعتمد عىل
التقاعد الذي ورثته الوالدة من الوالد ،إىل أن ماتت الوالدة وانقطع
ا
التقاعد فترسد أدولف .وكان يعيش يف مآوي البلدية متنقل من مأوى
إىل آخر ،ولم تكن له قدرة عىل توطيد وشائج مع الناس وأظهر نزعة
عدم تسامح مبكرة.
الدين كما يتمثل يف مذاهب أهل السنة يضع األيمان قبل الفعل وااليمان ي (*) الفكر
مرسوط عندهم بعدم االنخراط يف مقوالت أهل األهواء وهم (الخوارج والباطنية
والمعيلة والمتصوفة) وفئات أخرى جنحت إىل التأويل ،والحجاج عند أهل السنة ر
له.
يعط المانع المضاد للغضب اإل ي ي فاسق لكنه ال يدخل النار ألن وجود اإليمان
أما الشيعة فقد أدانوا الحجاج ليس بسبب جرائمه الدموية إنما إلنتمائه إىل
والمعيلة فكانوا أقل تأدلجا فيما يخصر مويي ،أي إىل الحزب الخر ،أما الخوارج األ ر
عي يىل عند أصحابه ،ورأي مداینیهم .فالخارخ الفاسق يكفر ويخلع وكذلك الم ر
ي
أكي مما بإنتمائه األموي .ولم يعرف والمعيلة ف الحجاج متأثر بأفعاله رر الخوارج
ي
المدايني .إل يف مرحلة متأخرة من ر
الخوارج والمعيلة أسلوب التيير لجرائم
ر
تطورهما.
~ ~ 108
وه ضئيلة يف صباه ،نزع إىل مقت الشعوب وف ثقافته السياسية ،ي ي
الغي جرمانية .وبسبب حرمانه ومنبوذيته كان يمقت العالم ر
كسيي. ر
البورجوازي .لكنه لم يتحول إىل االشياكية بسبب كرهه للمار ر
كسيي ر
ويأن هذا الكره ليس من دوافع طبقية بل من أممية المار ر ي
ورفضهم للشوفينية األلمانية والعنضية الجرمانية ،وإل فإن
منسحقا مثله كان بمقدوره أن يجد المالذ يف طبقية ماركس
الجذرية.
غي سوي جنسيا .فقد تقول الموسوعة األمريكية أن أدولف كان ر
ا
الغي شقيقة ،وعاشها كعشيقة ،لكنها انتحرت عشق إبنة ألخته ر
اع طاغية كما بدا لها ،فعاش فيما بعد لشعورها باالختناق تحت ذر ي
إیفا براون وكانت شغيلة يف حانوت ،وبسبب ترسده لم يتكون لديه
فأبق عالقته مع إيفا حرة ولم رييوجها شعا إل يف أيامه مزاج عائىل ر
ي
األخية.
ر
ه ثقافة العنف ،وقد درسه بإمعان الثقافة األساسية ألدولف هتلر ي
ا من ر
شن الوجوه .ومن هنا توجه إىل الجيش :أراد أول الدخول يف
الخدمة العسكرية فلم يقبل لعدم لياقته .لكن اندالع الحرب
العالمية األوىل أتاح له فرصة للتطوع .وكان ذلك كما تقول
الموسوعة الييطانية بمثابة إنقاذ له من اإلحباط والحياة المدنية
ساع للمقرات ،وقیمت شجاعته ي الغي هادفة .واشتغل يف البداية ر
الفعلية بصليب حديدي من الدرجة الثانية عام 1914ومن الدرجة
األلمان
ي وف ۱۹۱۹انضم إىل حزب العمال األوىل عام .1918ي
سياس عن الجيش .ثم ترك الجيش وتفرغ للحزيب الذي ي كوكيل
الوطن (النازي). اك ر
ي تطور فيما بعد إىل حزب هو الحزب االشي ي
كبلطىح مع تشكيل (عصابة الذراع ي ظهرت قدرات أدولف هتلر
الن خصصت لحماية اجتماعات الحزب .وقد استطاع ر
المتي) ،ي ر
الهيمنة
~ ~ 109
يحنالنن فرد عليه متبحر يدع ر الحسني من ذرية ي ر مرة أن يكون
بن يعمر كان من الحاضين وقال له :كذبت .فقال له الحجاج:
لتأتين ببينة عىل ما قلت من كتاب للا أو ألضبن عنقك .وتفيد ي
بعض الروايات أنها كانت مناسبة عيد األضىح فأراد الحجاج أن
ضىح به للعيد بدل الشاة .فأحاله إىل آية تتحدث عن ابراهيم ي ي
ًّ
فتقول{ :ووهبنا له إسحاق ويعقوب كل هدينا ونوحا هدينا من قبل
ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموس وهارون وكذلك
نجزي المحسن ري * وزكريا ويح رن وعيش }...سورة األنعام،85-84
يحن عيش من ذرية ابراهيم وهو إنما ينسب إىل أمه وهنا قال ر ي
والحسي ابنا رسول للا من قبل أمهم ،فتوقف ر مريم .والحسن
حن ال يواصل دعايته يف الحجاج عن قتله إل أنه نفاه إىل خراسان ر
العراق.
ووفرت الثقافة األدبية للحجاج رادع آخر .فكان البعض من ضحاياه
بتخلصون من القتل بعبارة بليغة يطرب لها فيعفو عنهم ،وتدخل يف
بابة البالغة مواقف مصارحة تعجبه فيفرج عن أصحابها .ومن نوادر
أسيا قدم ليقتل فقال له:قضية األشى يف وثبة ابن األشعث أن ر
ا
ماه؟ قال :ذكر ابن األشعث أمك إن يىل عندك يدا (فضل) .قال ي
صاحن هذا ،وأومأ إىل
ي فرددت عليه ،فسأله من يشهد لك؟ فقال:
األسي ،فسأله الحجاج :وأنت ما منعك ر رجل من األشى .فشهد له
بغض إياك .فقال ي األسي الشاهد :لقديمر أن تفعل كما فعل؟ فأجابه
الحجاج :أطلقوا هذا لصدقه وهذا لفضله.
هتلر لم يكن يف وضع مماثل :فهو لم يكن يرجع إىل شيعة سماوية
ّ
أو أرضية يذكره بها ضحاياه .وكان يفتقر إىل الثقافة .ومعارفه تقتض
عىل السياسات والعسكريات .ويمكن أن تضع إىل جانب ذلك
األوروبيي والعرب:
ر فوارق الوضع الحضاري والقيم الثقافية ربي
~ ~ 112
الغنان.
ي القصض .وعند العرب لألدب
ي حيث الغلبة يف أوروبا لألدب
فحن لو كان هتلر امياطور مثقف فإن بيت من الشعر أو وبالتاىل ر
ٌ ي
.
لغ قرار بالقتل وثمة أيضا ر
نية بليغة ما كانت قادرة عىل جعله ي ي
إختالف طريقة أو آلية القمع ،ذلك أن ضحايا الحجاج كانوا يوقفون
أمامه فتتاح لهم فرصة للكالم .وكان هو يناكدهم ويتبادل معهم
الشتائم ،أما هتلر فيصدر أوامره باإلعدام عن طريق المحاكم،
البوليش والعسكري،
ي وباإلبادة الجماعية عن طريق جهازه
وباالغتيال عن طريق عمالئه الرس ريي ،فليس له عالقة مباشة
بضحاياه تسمح لهم بمحاورته وجها لوجه.
يل:
لدى البحث يف خلفية الجنوح لدى الغرارين نجد ما ي
الجرمان وتحركه الشوفينية ي هتلر الما ين مأخوذ بتفوق العرق
الن تنترس عىل نطاق أوروبا ر
األلمانية يف وسط مشبع بهذه اليعات ي
كعنضية للعرق األبيض ،وتتفاعل يف ألمانيا العرقية الجرمانية.
والعنضية البيضاء ال ترى لإلنسان حرمة خارج النسب الري/
بالتحي
ر مشمولي
ر قيي
مرسوطا باإلقامة يف أوربا ،ألن الر ريي الرس ر
وه لذلك تبيح دمه ،وكانت إباحة دم اليهود من هذا العنضي ،ي
مان الذي ال يوافق عىل هذه العقيدة يعامل كمرتد. الباب ،لكن األل ي
كسيي األلمان. ر
اكيي والمار رومن هنا إباحة دماء اإلشي ر
ر
ولهتلر رافد من االديولوجيا األلمانية المتميسة بمبدأ القوة والدولة
كما تناوب عىل إشباعها وتأريثها فيخته ونيتشة وهيغل وشوبنهاور
ىح لنيتشه.وغيهم .وهو عىل عدم عنايته بالفسلفة مريد تاری ي ر
له،
ه الحق األموي المصعد إىل مرتبة الحق اإل ي اديولوجيا الحجاج ي
وكان الحجاج يؤمن بالخليفة األموي إيمانا دينيا هو الذي جعله
~ ~ 113
ر
الن تدخل يف
للسلطة وكمروج من جهته للقيم األخالقية ي
المنظومات المعرفية ألهل الفكر .وال شغل للسلطة هنا.
خطوط اإلدانة:
لمسلمي بالحجاج ومواقفهم منه .واالتفاق عىل إدانته ر مرت آراء ا
شامل لجميع المذاهب والفرق بمن فيهم الحنابلة الذين أظهرت
حنبىل متعصب: ي الذهن وهو
ي لألمويي .وقال عنه
ر جماعاتهم انحياز
(سي أعالم النبالء /ترجمة «وله حسنات مغمورة يف بحر ذنوبه» ر
الحجاج) وهذا أدق تقييم يحط به الحجاج :حسناته ،إنجازاته،
صغية من الذهب ر مفردات مغمورة يف بحر من الذنوب ،وكأنها قطع
غرقت يف المحيط ففقدها صاحبها وتالشت آثارها ..وذنوب
الن يتمسك بها ر
ه الذنوب الدينية ي ه القتل وليست ي الحجاج ي
تميي الفاسق من المؤمن ،فالحجاج كما بينا لم يكن رجال الدين يف ر
يرسب الخمر أو يستمع إىل الغناء ولم يعرف بالزنا وكان يتمسك
فحي يجعله بالفرائض والعبادات ويؤديها عىل أحسن وجه ،وهكذا ر
حنبىل غارق يف بحر الذنوب فالبد أن نتصور حجم اإلدانة ي مؤرخ
المسلمي ،ويخرج عن
ر الن لقيها هذا السفاك المسلم من مداينية ر
ي
لألمويي آنذاك ،ويقال أن
ر الخط شعبيته يف بالد الشام ،الموالية
شاميا وقف عىل قيه بعد دفنه وقال
«اللهم ال تحرمنا شفاعة الحجاج» ،والمقصود بالدعاء أن الحجاج
وه مكانة تختص باألنبياء ستكون له مكانة الشفيع عند للا ،ي
حن يدخل الجنة ،وال يدخل يف والشام يدعو أن تشمله شفاعته ر
ي
ثقاف ،إذ لم يتجرأ فقيه حساب شعبية الحجاج الشامية إسناد ي
~ ~ 115
ّ
شام عىل تزكية الحجاج .وكان الفقهاء والمتكلمون ي م متکل أو
لألمويي .ولكن ذکر یاقوت يف مادة «واسط»، ر معارضي يف جملتهم
ر
الثقق دافع عن ي من معجم البلدان أن رجل يدع عبد الوهاب
إنجازات الحجاج .ولم أقف عىل ترجمة لهذا الشخص .ولعله كان
مدفوعا بعصبيته القبلية.
جوبه أدولف هتلر بنفس النطاق الشامل من اإلدانة عىل مستوى
أوروبا والكوكب ..لكن ألمانيا مشت وراءه مثلما سار أهل الشام
خلف الحجاج .وقد وصل إىل السلطة باالنتخابات .واالنتخابات يف
بالكثي من األلمان وهو العرقية ر أوربا حرة دائما ،وثمة ما يجمعه
ر
ولق هتلرالجرمانية والشوفينية األلمانية مع عبادة القوة والعنف .ي
دعم أدباء وفالسفة ضخام من قبيل عزراباوند ومؤسس الوجودية
مثقق الطليان ي مارتن هايدجر .وتبن مبادئه قطاع واسع من
واألسبان واليتغال ،واليزال شطر وافر من الرأي العام يتمسك
بذكرياته من وراء اإلنخراط يف الحركات النازية والفاشية الجديدة.
ويمكن القول إن الغرب يف جملته يصدر بهذا القدر أو ذالك عن
منطلقات هتلر يف التعامل مع الشعوب الرسقية الملونة .لكن التنوير
الكوكن يف العموم يواصل تصديه للهتلرية. ي الغرباوي ومعه
الن ينتظم ر
السيورة الجديدة ،ي كسيي فضل الصدارة يف هذه ر وللمار ر
اقضي معالغي ماركسي ري بل والمتن ر فيها العديد من األحرار ر
وبي ر
اك .رالعلم أم اقتصادها االشي ي ي الماركسية إن يف منهجها
نسان لألناجيل المعارضي للهتلرية رجال دين تأثروا بالمنىح اإل ي ر
المسلمي من الحجاج .وبخالف ر وقفوا من هتلر موقف الفقهاء
لألمويي،
ر المواىل
ي غي جرير،
نصي من األدباء ر هتلر لم يكن للحجاج ر
الثقاف طيلة العصور اإلسالمية ي ولم يدافع عنه أحد من الوسط
~ ~ 116
الفهرس
ملحوظة 5-------------------------------------------------
تزمين للتعذيب يف اإلسالم 7----------
ي القسم ا ألول -مسح
يف اإلصطالح 7 ---------------------------------------------
أغراض التعذيب وضحاياه1 ------------------------------- .
السياس 8 ----------------------------------------
ي التعذيب
التعذيب ألغراض اخرى13 -------------------------------- .
فنون التعذيب وأبطاله20 --------------------------------- .
خارطة التعذيب33---------------------------------------- .
موقف الفقهاء36 ----------------------------------------- .
اني55 ----------------------------- .هوية الجالدين والسج ر
ملحق للمقارنة -التعذيب عند األمم األخرى59 ------------ .
المقيبات الدينية للتعذيب 65---------- ى الثان-
القسم ي
تذييل – الحجاج وهتلر -غراران للقمع يف حضار رتي 93 -----
إنتىه