You are on page 1of 117

~1~

~2~
~3~
‫ هادي العلوي الجزء الثالث‬- ‫األعمال الكاملة‬
‫ هادي العلوي‬.‫من تاري خ التعذيب يف اإلسالم‬

Author: Hadi Al Alawy ‫ هادي العلوي‬:‫اسم المؤلف‬


‫ من تاري خ التعذيب يف اإلسالم‬:‫عنوان الكتاب‬
from the history of Torture in Islam:Title
Al-Mada P.C. ‫ المدى‬:‫الناش‬
Second Edition: 1999 1999 :‫الطبعة الثانية‬
Third Edition: 2001 2001:‫الطبعة الثالثة‬
Fourth Edition: 2004 2004:‫الطبعة الرابعة‬
Copyright © Al- Mada ‫الحقوق محفوظة‬
‫دار المدى للثقافة والنش‬
:‫ فاکس‬-۲3۲۲۲۷6- 23۲۲۲۷5 :‫ تلفون‬۷۲۹۹ ‫ أو‬۸۲۷۲ :‫ ب‬،‫ دمشق ص‬- ‫سورية‬
۲3۲۲۲89
Al Mada Publishing Company F.K.A. - Damascus - Syria
P.0.Box.: 8272 of 7366 -Tel: 2322275 - 2322276 - Fax: 2322289
www.almadahouse.com E-mail: al-madahouse@net.sy
:‫ تلفاکس‬- ‫ بناية منصور الطابق األول‬- ‫ شارع ليون‬- ‫ ربيوت الحمراء‬- ‫لبنان‬
75۲6۱۷ -۷5۲6۱6
E-mail: al-madahouse@idm.net.Lb
۱4۱ ‫ بناء‬-۱3 ‫ زقاق‬- ۱۰۲ ‫ محلة‬-‫ أبو نواس‬- ‫ بغداد‬- ‫العراق‬
‫السفي‬
‫ر‬ ‫ جانب فندق‬- ‫مؤسسة المدى لإلعالم والثقافة والفنون‬
‫ تلفون‬۷۱۷0395 - 71۷5۹4۳ :‫ فاکس‬- 7170513
https://almadapaper.net/
almada119@hotmail.com almada112@yahoo.com

All rights reserved. No parts of this publication may be


reproduced, stored in a retrieval system, or transmitted in any
form or by any means; electronic, mechanical, photocopying,
recording or otherwise, without the prior permission, in writing,
of the publisher.
‫~‪~4‬‬

‫هادي العلوي‬

‫‪3‬‬ ‫األعمال الكاملة‬

‫من تاري خ التعذيب يف اإلسالم‬


‫~‪~5‬‬

‫ملحوظة‬

‫قسمي يروي أحدهما قصص التعذيب يف‬ ‫ر‬ ‫تتألف هذه الدراسة من‬
‫تاري خ اإلسالم ومواقف الفئات المختلفة منه وآراء الفقهاء فيه‪.‬‬
‫المقيبات الدينية للتعذيب كاشفا من‬ ‫ر‬ ‫الثان يف‬
‫ويبحث القسم ي‬
‫وف هذا القسم‬ ‫خاللها عن دور األديان يف هذه الظاهرة الجنائية‪ .‬ي‬
‫الدين للتعذيب من خالل استقصائها للبعد‬ ‫ي‬ ‫تركز الدراسة عىل البعد‬
‫التعذين يف األديان‪ ،‬السيما السماوية‪ ،‬ولو أنها ال تستبعد األبعاد‬
‫ي‬
‫مشيك لجميع المجتمعات والمعاش الطبقية‬ ‫األخرى كاق رياف ر‬
‫والالطبقية‪.‬‬
‫~‪~6‬‬
‫فارغة‬
‫~‪~7‬‬

‫القسم األول‬

‫مسح ترميي للتعذيب يف اإلسالم‬

‫يف االصطالح‪:‬‬

‫التعذيب اشتقاق حديث تقابله ثالثة أصطالحات قديمة‪:‬‬


‫العذاب والبسط والمثلة‪ .‬وقد إستعمل األوالن يف العصور‬
‫األسي أو المتهم عىل سبيل‬
‫ر‬ ‫يشي إىل إيالم‬
‫اإلسالمية بمعن واحد ر‬
‫بشء ما‪ .‬والبسط يتعدى‬ ‫ر‬
‫االنتقام أو الحصول منه عىل االعياف ي‬
‫بعبارة (عليه) وهو بهذا المعن مستعمل يف دارجة بغداد ولكن‬
‫متعديا بنفسه فيقال‪ :‬بسطه بمعن ضبه‪ ،‬والمبسوط هو‬
‫المضوب‪ ،‬خالفا للمراد منه يف بعض اللهجات العربية األخرى‬
‫المسيي ح والمرسور‪ ،‬وهو اشتقاق من معن‬ ‫ر‬ ‫يعن المبسوط‬‫حيث ي‬
‫فه تشويه الشخص حيا أو ميتا‬ ‫يعن االنرساح‪ .‬أما المثلة ي‬
‫االنبساط ي‬
‫يرد العذاب يف القرآن عند وصف العقاب األخروي الذي يتم‬
‫بتعريض أهل النار لصنوف من العقوبات وصفت يف القرآن‬
‫والحديث‪ .‬وما يعدده القرآن من هذه العقوبات ينطوي اصطالحا‬
‫تحت طائلة التعذيب ومنه‪ :‬التحريق‪ ،‬ي‬
‫الش بإنضاج الجلود‪،‬‬
‫التجوي ع والتعطيش‪،‬‬
‫~‪~8‬‬

‫ر‬
‫وسيأن‬ ‫سق الصديد وهو القيح ر‬
‫وسق المهل أي المعادن المذابة‪..‬‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫الثان من الرسالة‬
‫الكالم عن هذه األمور يف القسم ي‬
‫أغراض التعذيب وضحاياه‪:‬‬

‫استخدم التعذيب ف العصور اإلسالمية المختلفة ألغراض ر‬


‫شن‬ ‫ي‬
‫عريضي‪:‬‬
‫ر‬ ‫قسمي‬
‫ر‬ ‫سنقسمها لغرض الدراسة‬
‫‪ -۱‬تعذيب ألغراض سياسية‪ -۲ .‬تعذيب ألغراض أخرى‪.‬‬
‫السياس‬
‫ي‬ ‫التعذيب‬
‫سياس هو األسبق ظهورا يف الدولة‪ .‬ويرتبط‬‫ي‬ ‫إن التعذيب لغرض‬
‫الطبق الذي تتوىل الدولة إدارته من خالل‬ ‫ر‬ ‫ذلك بظاهرة الضاع‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫االجتماع‪ ،‬أو من خالل‬
‫ي‬ ‫سيورة االنتاج‬
‫دورها الرس يف المباش يف ر‬
‫التعبي عن حاجات الطبقة السائدة يف المجتمع‪.‬‬ ‫ر‬ ‫األورن يف‬
‫ي‬ ‫دورها‬
‫الطبق هو القمع بأشكاله‬ ‫ر‬ ‫وإحدى الوسائل األساسية يف إدارة الضاع‬
‫ي‬
‫المختلفة‪ .‬ويتوجه القمع أساسا ضد الطبقات المنتجة مستهدفة‬
‫المنتجي من الوصول إىل السلطة‪.‬‬
‫ر‬ ‫غرض ري‪ :‬إدامة اإلنتاج ومنع‬
‫الن ال تملك قاعدة‬‫ر‬
‫السياس الحكومات ي‬
‫ي‬ ‫وبوجه عام‪ ،‬تلجأ إىل القمع‬
‫شعبية تكفيها لتثبيت حكمها‪ .‬واعتماد وسائل التعذيب يف هذه‬
‫توفي‬
‫الحالة يخطط له كوسيلة معوضة عن عزلة الحكام بقصد ر‬
‫الشعن من أن يتحول إىل تحرك يهدد‬‫ي‬ ‫الرادع الذي يمنع المقت‬
‫سلطة الحاكم‪.‬‬
‫أن‬
‫أول تطبيق لهذا النوع من التعذيب يرجع إىل خالفة معاوية بن ي‬
‫سفيان‪ ،‬وكان معاوية يملك قاعدة شعبية متينة يف الشام ساعدته‬
‫عىل أن يشتهر بالحلم المأثور عنه‪ ،‬لكن استقالله بالسلطة بعد‬
‫عىل أثار يف وجهه عدة إشكاالت منها‪:‬‬ ‫تنازل الحسن بن ي‬
‫~‪~9‬‬

‫المسلمي الذين اعتادوا حكم الخلفاء المقيد‬‫ر‬ ‫‪ -‬موقف جمهور‬


‫بالرسع والذي تجاوزه معاوية بعد أن أقام سلطته الفردية المطلقة "‬
‫موقف العرب الذين لم يتعودوا الخضوع لسلطة‪ ،‬السيما سلطة‬
‫المتمسكي‬
‫ر‬ ‫مستبدة‪( .‬اللقاحية الجاهلية) ‪ -‬معارضة أهل العراق‬
‫أن طالب وأوالده‪.‬‬ ‫بالوالء ي‬
‫لعىل بن ي‬
‫اف لمعاوية‬ ‫ر‬
‫والمواقف الثالثة متكاملة متداخلة ألن الرفض العر ي‬
‫مرتبط من جهة بالتقاليد البدوية المناوئة لالستبداد ومن جهة‬
‫اإلسالم المستند إىل مبدأ سيادة الرسيعة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أخرى بأسلوب الحكم‬
‫ومن هنا كان العراق مركز النشاط المعارض للحكم األموي الجديد‪.‬‬
‫اشيى والء العديد من الزعامات القبلية لهذا‬ ‫ورغم أن معاوية ر‬
‫الن تحركت‬ ‫ر‬
‫اإلقليم الخطر فإنه لم يستطع السيطرة عىل المعارضة ي‬
‫أحيانا خارج إطار القبيلة‪ ،‬وقد لجأ أول األمر إىل المداراة فوىل‬
‫المغية‬
‫ر‬ ‫المغية بن شعبة‪ ،‬أحد دهاة العرب‪ ،‬حكم البالد‪ .‬لكن دهاء‬ ‫ر‬
‫لم يكن ناجعا يف تخفيف حدة المعارضة فعزل بوال آخر من طراز‬
‫مختلف‪ ،‬هو زياد بن أبيه‪ .‬وكان قد نجح يف استدراج زياد مستفيدا‬
‫اللتي يتألف‬
‫والين الكوفة والبضة ر‬ ‫ر‬ ‫من عقدة النسب وجمع له‬
‫ي‬
‫منهما إقليم العراق آنذاك‪ ،‬وقد أظهر زياد مواهب إرهابية نادرة يف‬
‫سلمي‪،‬‬ ‫صدر اإلسالم وصار قدوة لمن بعده من الوالة والحكام الم ر‬
‫وهو مرسع لعدة أمور سارت عليها السلطة اإلسالمية فيما بعد‪ ،‬مثل‬
‫لكيق وكان يعرف عندهم بالقتل عىل التهمة أو‬ ‫منع التجول والقتل ا ي‬
‫عىل الظن‪ ،‬وقتل الييء إلخافة المذنب‪ ،‬وقد طبقه عىل فالح خرج‬
‫ليال للبحث عن بقرته الضائعة خالفا لقراره بمنع التجول يف الليل‪،‬‬
‫غي مألوف عند العرب ويخينا الطيي (‪ )1‬أن‬ ‫وقتل النساء‪ ،‬وهو ر‬
‫لصحان سمرة بن جندب أعدم ثمانية‬ ‫ي‬ ‫وكيل زياد عىل البضة وهو ا‬
‫آالف من أهلها تطبيقا لمبدأ زياد يف القتل عىل‬
‫(‪ )1‬تاري خ األمم والملوك‪ ،‬القاهرة ‪۱۷6 /4 ،۱۹۳۹‬‬
‫~ ‪~ 10‬‬

‫السمعان يف األنصاب أن زياد أمر بقطع لسان رشید‬ ‫ي‬ ‫التهمة‪ .‬ويروي‬
‫الهجري وصلبه ألنه تكلم بالرجعة (‪ )2‬والحكم بقطع اللسان تطوير‬
‫الن تقدمت بها دولة اإلسالم‬ ‫ر‬
‫مبكر لفن التعذيب يدل عىل الرسعة ي‬
‫يف طريق تكاملها كمؤسسة قمعية‪.‬‬
‫يروى عن عمر بن عبد العزيز أنه قال‪« :‬تشبه زياد بعمر فأفرط‪،‬‬
‫ر‬
‫وتشبه الحجاج بزياد فأهلك الناس‪ .‬ومناط الشبه هو شدة عمر ي‬
‫الن‬
‫استوحاها زياد يف حكم العراق‪ .‬ومن المعروف مع ذلك أن شدة عمر‬
‫کيق‪ ،‬أو تعذيب‪ ،‬وإنما كانت درجة من الحزم‬ ‫ر‬
‫لم تقين بحاالت قتل ي‬
‫والضبط جعلته مهيبا يف عيون الناس‪ .‬ومناط اإلفراط هو أن شدة‬
‫ومض‬
‫ي‬ ‫عمر تحولت عند زياد إىل إرهاب دموي استوحاه الحجاج‬
‫فيه إىل مداه األبعد‪ ،‬والحجاج نسخة متطرفة من زياد وعىل يده‬
‫أصبح اإلرهاب حالة يومية شاملة يعيشها الناس عىل اختالف‬
‫فئاتهم ولمختلف األسباب من سياسية وعادية‪ .‬وقد أنشأ سجن‬
‫الديماس المشهور‪ ،‬ويقال انه كان بال سقوف‪ ،‬وقدر عدد من كان‬
‫فيه عند وفاتها بعرسة االف من الرجال والنساء‪ ،‬وكان التعذيب‬
‫يطبق عىل األشى والمعتقل ري تبعا لحاالتهم‪ ،‬لكن الشكل السائد‬
‫الكيق بوسيلته الشائعة وهو قطع الرأس‬ ‫ي‬ ‫إلرهاب الحجاج كان القتل‬
‫بالسيف‪ .‬وأضاف الحجاج الصلب بعد القتل لألشخاص الذين لهم‬
‫وزن خاص يف حركة المعارضة‪ ،‬وكان من ضحايا هذا اإلجراء ميثم‬
‫أن طالب المقرين‪.‬‬ ‫عىل بن ي‬ ‫الثمار‪ ،‬من أصحاب ي‬
‫قصية يف‬ ‫ر‬
‫استمرت سياسة التعذيب ألجل اإلرهاب بعد اسياحة ر‬
‫خالفة عمر بن عبد العزيز‪ ،‬لتأخذ مدى جديدة عىل يد هشام بن‬
‫عبد الملك يف الشام ووالته يف األقاليم‪.‬‬
‫األثي‪ .‬القاهرة ‪ ۱۳5۷‬ه ‪58/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬اللباب يف تهذيب األنساب البن ر‬
‫~ ‪~ 11‬‬

‫وطبق هشام بنفسه طريقة القتل بقطع األيدي واألرجل يف بعض‬


‫الدمشق بتهمة‬ ‫ر‬ ‫الحاالت المشددة ومنها إعدام غيالن بن مسلم‬
‫ي‬
‫القول بالقدر‪ .‬وبنفس التهمة أعدم خالد القرسي‪ ،‬عامله عىل‬
‫العراق‪ ،‬الجعد بن درهم‪ .‬وقد نفذ اإلعدام ذبحا وإلعدام هذين‬
‫والمعيلة) وكان‬ ‫ر‬ ‫الرجلي مالبسات سياسية معروفة يف تاري خ القدرية‬
‫ر‬
‫خالد القرسي قبل والية العراق واليا عىل الحجاز وأصدر حينذاك‬
‫تحذيرا لمن يطعن يف الخليفة أن يصلبه يف الحرم‪ ،‬أي يف داخل‬
‫البيت الحرام‪ .‬ومن المعروف أن الرسيعة حرمت قتل الحيوان يف‬
‫األفاع‬
‫ي‬ ‫هذا المسجد واختلف الفقهاء فيما إذا كان يجوز قتل‬
‫والعقارب فيه‪.‬‬
‫وطبق شقيقه أسد‪ ،‬حاكم خراسان‪ ،‬طريقة قطع األيدي واألرجل‬
‫ألمويي يف المرسق‬ ‫ر‬ ‫والصلب عىل أتباع الحارث بن شي ج الثائر عىل ا‬
‫(‪ .)4‬ولدينا رواية يف الطيي تفيد أن اإلحراق استخدم يف خالفة‬
‫العجل‪،‬‬
‫ي‬ ‫هشام اإلعدام داعية من غالة الشيعة هو المغية بن سعيد‬
‫وكان قد خرج عىل الدولة يف ظاهر الكوفة أيام والية خالد القرسي‬
‫لألمويي‪ ،‬وقد ورثه خلفاء قصار‬ ‫ر‬ ‫كانت خالفة هشام صحوة الموت‬
‫الن قضت‬ ‫ر‬
‫العمر وسط اضطرابات متالحقة انتهت بالثورة العباسية ي‬
‫عىل مروان بن محمد آخر خلفائهم‪ ،‬وبوي ع للسفاح كأول خليفة‬

‫األمويي‪ .‬وكان لغيالن نفسه موقف سي ي‬


‫اس‬ ‫ر‬ ‫(‪ )2‬كان القول بالقدر موجها ضد جيية‬
‫ضمن المعارضة اإلسالمية للحكم األموي‪ ،‬وقد انضم إىل عمر بن عبد العزيز فعينه‬
‫األمويي‪ .‬وكان غيالن ينادي عليها متشفيا‪ :‬تعالوا إىل‬
‫ر‬ ‫لبيع األموال المصادرة من‬
‫!‬
‫مناع الظلمة تعالوا إىل متاع الخونة واختق بعد وفاة عمر إىل أن قبض عليه يف‬
‫خالفة هشام وأعدم‪.‬‬
‫~ ‪~ 12‬‬
‫األمويي وأضافوا‬‫ر‬ ‫عباس (*)‪ ،‬وقد واصل العباسيون تراث أسالفهم‬ ‫ي‬
‫اسان يف‬ ‫)‬‫‪5‬‬ ‫(‬
‫إليه‪ ،‬ويذكر الطيي أن عدد من أعدمهم أبو مسلم الخر ي‬
‫المرسق بلغ ستمائة ألف ربي رجل وامرأة وغالم‪ .‬وكان إبراهيم اإلمام‬
‫زعيم الدعوة‪ ،‬قد كتب إليه‪ ،‬بقتل أي غالم بلغ خمسة أشبار إذا‬
‫شك يف والئه ‪ .‬واجه العباسيون بدءا من خليفتهم ي‬
‫الثان أبو جعفر‬ ‫(‪)6‬‬

‫الن عارضت‬ ‫ر‬ ‫ر‬


‫المنصور‪ ،‬معارضة ميايدة من نفس الجماعات ي‬
‫ر‬
‫والمعيلة‪ ،‬ومن فرق‬ ‫األمويي‪ :‬الشيعة اإلمامية والزيدية‪ ،‬والخوارج‬
‫ر‬
‫ظهرت فيما بعد ضمت الشيعة االسماعيلية ولواحقها وفروعها‬
‫والخارجي‬
‫ر‬ ‫المنافسي للخلفاء‬
‫ر‬ ‫المختلفة والخرمية والزنج‪ ،‬فضال عن‬
‫عليهم طمعا يف السلطان‪ ،‬واتبعوا لقمعها نفس األساليب ولكن بعد‬
‫تطويرها لمضاهاة التصاعد يف أشكال المعارضة المسلحة‪ .‬ولدينا‬
‫األصفهان تفيد أن‬
‫ي‬ ‫الطالبيي"‪ ،‬ألبو الفرج‬
‫ر‬ ‫روايات يف "مقاتل‬
‫العلويي بدفنهم أحياء (‪ .)7‬وتطور القتل‬
‫ر‬ ‫المنصور قتل بعض‬
‫بالتقطيع إىل زيادة يف عدد األوصال المقطعة‪ ،‬فبعد أن كانت األيدي‬
‫واألرجل تقطع دفعة واحدة صارت تقطع إىل عدة أوصال ويضم‬
‫إليها أجزاء أخرى من الجسم‪ ،‬وقد أبلغها الرشيد إىل أرب ع عرسة‬
‫غي حادة بدال‬ ‫قطعة‪ ،‬مع تطوير يف الوسيلة تضمنت استعمال مدية ر‬
‫من السيف (‪ )8‬وبلغ القتل تحت التعذيب‬
‫(*) أدىل الشيخ محمد أبو زهرة يف كتابه (اإلمام زيد وعضه) برأي ظريف علل فيه‬
‫العباسيي فقال أنها كانت مشيئة للا أن‬
‫ر‬ ‫عىل الثائر عىل هشام ونجاح‬‫فشل زید بن ي‬
‫األمويي يف أيدي رحيمة لئل يفوتهم نصيبهم من العقاب عىل ما‬
‫ر‬ ‫ينته حكم‬
‫ي‬ ‫ال‬
‫اقيفوه من جرائم‪ ،‬فسقطوا بأيدي ناس من طرازهم! وبضف النظر عن غائية‬ ‫ر‬
‫الشيخ أبو زهرة فإن فكرة الجزاء يف التاري خ قد مرت عىل لسان فیلسوف العض‬
‫االنكلي والمنشور ضمن مجموعة‬
‫ر‬ ‫كارل ماركس ‪ -‬انظر تعليقه عىل تمرد الهنود ضد‬
‫‪/‬‬ ‫‪.‬‬
‫" يف االستعمار" ترجمة فؤاد أيوب ‪ -‬دار دمشق ص ‪ ،17 6 )5( ۱۷6‬عند‬
‫اليعقون أنه قتل مئة ألف‪.‬‬
‫ي‬
‫وهو أقرب إىل المعقول‪ ،‬انظر‪85/2 :‬‬
‫الحلن ‪ -‬القاهرة ‪ ۱۹4۹‬ص‪( .228‬الفصل المتعلق‬
‫ي‬ ‫(‪ )7‬ط‪.‬‬ ‫(‪ )6‬نفسه ‪.۱4/6‬‬
‫(‪ )8‬الطيي ‪526/6‬‬ ‫بمقتل عبد للا بن الحسن وأوالده)‪.‬‬
‫~ ‪~ 13‬‬
‫أشنع حاالته بعد الحقبة العباسية األوىل‪ ،‬ويرتبط ذلك بتعقد‬
‫العرن الذي عان مع ظهور اإلسالم‬ ‫ي‬ ‫الوضع العام للمجتمع‬
‫مخاضات التدرج من البداوة إىل الحضارة وإستكملها يف غضون‬
‫اقين تبلور الدولة بالطالق البائن‬ ‫القرن األول للحكم العباس؛ حيث ر‬
‫ي‬
‫االجتماع متوازية‬
‫ي‬ ‫مع بقايا المثل البدوية‪ .‬وهكذا جاءت ذروة النمو‬
‫مع حالة القمع المنفلت من الضوابط (وهو ما يفرس تبعا لنفس‬
‫المعيار حدية الثورة االجتماعية لدى القرامطة‪ ،‬الذين ظهروا يف هذه‬
‫الن سبقتها)‪.‬‬ ‫ر‬
‫الحقبة‪ ،‬بالقياس إىل فرق المعارضة ي‬
‫وتأوبت الدويالت المنشقة عىل نهج الخالفة العباسية‪ ،‬لوجودها يف‬
‫نفس المرحلة‪ .‬وكان األمراء المتغلبون يف المرسق نماذج متممة‬
‫السياسيي وهو ما نجده‬
‫ر‬ ‫العباس يف التعامل مع خصومهم‬ ‫ي‬ ‫للخليفة‬
‫أيضا يف األندلس‪ ،‬السيما يف إبان الضاع ربي ملوك الطوائف‪ .‬ومن‬
‫السياس ظل مقتضا عىل الضاع‬ ‫ي‬ ‫الجدير بالذكر هنا أن التعذيب‬
‫الداخىل دون العالقات الخارجية إل يف النادر‪ .‬وكان هناك ر‬
‫تميي‬ ‫ي‬
‫ملحوظ يف المعاملة ربي أشى الحرب من الكفار وأشى الحرب من‬
‫سيق أو يفادى أو يقتل بالوسائل‬ ‫األسي الكافر ي ر‬ ‫سلمي‪ .‬وكان‬
‫ر‬ ‫الم ر‬
‫االعتيادية تبعا ألحكام الرسيعة يف أشى الحرب ولم تجر العادة عىل‬
‫قتله تحت التعذيب‪.‬‬

‫التعذيب ألغراض أخرى‬


‫السياس هو أقرب ظهورا يف الدولة وأنه موجه يف‬
‫ي‬ ‫قلنا أن التعذيب‬
‫األساس ضد الطبقات المنتجة لصالح الطبقة أو الطبقات السائدة‪.‬‬
‫الجبهتي‬ ‫بهاتي‬ ‫ر‬
‫ر‬ ‫الطبق ال يتحدد يف الواقع ر‬
‫ي‬ ‫عىل أن الضاع‬
‫العريضتي وإنما يسلك طريقه أيضا إىل داخل الطبقة السائدة آخذا‬
‫ر‬
‫شكل الضاع عىل‬
‫~ ‪~ 14‬‬
‫المنتجي‪ .‬ومع نشوء حافز السلطة كقيمة‬ ‫ر‬ ‫اإلستئثار بثمار عمل‬
‫مستقلة نسبيا عن وظيفة الدولة االجتماعية السيما يف المرسق‪،‬‬
‫ر‬
‫الن‬
‫يظهر ضاع آخر يتمثل يف التنافس عىل االستثمار بالمزايا ي‬
‫توفرها قيادة الدولة‪.‬‬
‫وتختلف هذه المزايا عن المزايا الطبقية يف كونها ناشئة عن السلطة‬
‫وه خصوصية‬ ‫ر‬
‫الطبق‪ ،‬ي‬
‫ي‬ ‫كمؤسسة لها خصوصياتها ضمن المجتمع‬
‫ناشئة بدورها عن امتالك أداة للقمع وللتمتع بالقدرة عىل توجيه‬
‫وتسيي المجتمع‪ .‬وبناء عىل تعدد جبهات الضاع‪ ،‬تتعدد‬ ‫ر‬ ‫األخرين‬
‫السياس ليصبح جزءا‬ ‫ي‬ ‫حوافز القمع فتخرج به عن محض الغرض‬
‫اليوم للحاكم‪ ،‬أي (نزوعا) يتعامل به مع سائر فئات‬ ‫ي‬ ‫من السلوك‬
‫المجتمع عىل اختالف مواقعها من الخارطة السياسية للدولة‪.‬‬
‫ويحدث أحيانا أن تتظاهر هذه األزمة يف شكل من العصاب الذي‬
‫الرومان رنيون‪ ،‬وظهر يف العض الحديث لدي‬ ‫ي‬ ‫اشتهر به اإلمياطور‬
‫االسالم‬
‫ي‬ ‫هتلر وبعض الحكام العرب الصغار‪ .‬وستجد يف تاريخنا‬
‫السياس‪.‬‬
‫ي‬ ‫آفات من هذا القبيل يتفق ظهورها مع استرساء القمع‬
‫وقد وجدت حاالت تعذيب يف وقت مبكر يتصل بصدر اإلسالم‬
‫حن‬ ‫غي سياسية ولكنها بقيت ممارسات معزولة ر‬ ‫استهدفت أمورا ر‬
‫السياس‬
‫ي‬ ‫األمويي حيث تفاقمت اليعة مع تفاقم التعذيب‬ ‫ر‬ ‫نهاية‬
‫السياس‬
‫ي‬ ‫غي‬‫العباسيي األوائل منتهية إىل نشوء التعذيب ر‬
‫ر‬ ‫عىل يد‬
‫كاتجاه سائد‪.‬‬
‫يشمل التعذيب يف هذا المنىح‪:‬‬
‫‪ -‬التعذيب للجباية‪.‬‬ ‫ر‬
‫لالعياف‪.‬‬ ‫‪ -‬التعذيب‬
‫‪ -‬تعذيب المقابلة بالمثل‪.‬‬ ‫‪ -‬التعذيب للعقوبة‪.‬‬
‫ر‬
‫لالعياف؛‬ ‫التعذيب‬
‫ر‬
‫االعيافات من المتهم يف القضايا العادية كالقتل‬ ‫يستهدف ر‬
‫انياع‬
‫~ ‪~ 15‬‬
‫الشخض والرسقة‪ ،‬وقد تطرق إليه أبو يوسف يف كتاب الخراج‬ ‫ّ ي‬
‫وتشک منه بمرارة مما يدل عىل انتشاره يف الحقبة العباسية األوىل ‪-‬‬
‫والشكل المعتاد لذلك هو ضب المتهم باليد أو بالهراوة أو السوط‪،‬‬
‫وبالنظر لعدم مساس هذه الجرائم بأمن الدولة والمصالح المباشة‬
‫كالن‬‫ر‬
‫للطبقة الحاكمة‪ ،‬لم تستخدم فيها اساليب خارقة للعادة ي‬
‫السياس‪ ،‬رغم أنها عكست يف ظهورها‬‫ي‬ ‫استعملت يف التعذيب‬
‫كحالة متكررة قوة اليعة وشمولها‪ .‬ولعل مما خفف االندفاع فيه‬
‫بشء من االستقالل عن‬ ‫اختصاص القضاة بالنظر يف هذه الجرائم ي‬
‫الدولة‪ .‬ومن شأن القضاة التحرج ‪ -‬كفقهاء‪ -‬عن مخالفة الرسيعة‬
‫مالم يتعرضوا للضغوط من أرباب السلطة أو يخضعوا العتبارات‬
‫شخصية معينة‪.‬‬
‫التعذيب للجباية‪ :‬وجه الستحصال الخراج أو الجزية من‬
‫وتشي رواية عن هشام بن حکیم بن حزام‬ ‫ر‬ ‫الفالحي وأهل الذمة‪،‬‬
‫ر‬
‫سنفصلها فيما بعد إىل ظهور هذه الممارسة أيام الصحابة‪ ،‬ألن‬
‫تعيي ما إذا كانت قد حصلت يف زمن‬ ‫صحان‪ ،‬ولكن دون ر‬
‫ي‬ ‫هشام‬
‫الخاضعي للضيبة‬ ‫ر‬ ‫خليفة راشد أو أموي‪ ،‬عىل أية حال فإن تعذيب‬
‫الداع إليه وهو الحصول عىل‬ ‫ي‬ ‫بتأثي قوة‬
‫األمويي ر‬
‫ر‬ ‫قد تفاقم عىل يد‬
‫الن‬‫ر‬
‫المال‪ ،‬مع شيوع االمتناع عن الدفع بنتيجة سياسة اإلفقار ي‬
‫الكثي من وقائع‬
‫اتبعها األمويون ضد مجمل السكان‪ ،‬وترجع ر‬
‫التعذيب لهذا الغرض إىل زمن الحجاج‪ ،‬الذي ربطت بعض الروايات‬
‫األبشيه يف (المستطرف) إحصائية بخراج السواد يف ايام عمر بن الخطاب‬
‫ي‬ ‫(‪ )9‬أورد‬
‫توخ فيها تسجيل أثر العدل والجور يف حصيلة‬ ‫والحجاج وعمر بن عبد العزيز ي‬
‫ه‪ :‬عمر بن الخطاب ‪۱۳۷‬مليون درهم (عند الماوردي ‪127‬ملیون)‪.‬‬ ‫الخراج و ي‬
‫الحجاج ‪۱۸‬ملیون درهم‪ .‬عمر بن عبد العزيز السنة األوىل ‪ 20‬مليون السنة الثانية‬
‫‪60‬مليون‪ .‬وفرس الهبوط يف زمن الحجاج بغشمه وظلمه‪ .‬أنظر ‪101/1‬‬
‫~ ‪~ 16‬‬

‫ربي شدة بطشه وتضاؤل حصيلة الخراج يف أيامه (‪ ،)۹‬وهناك ما يدل‬


‫عىل أن التعذيب أصبح قاعدة متبعة يف الجباية‪ ،‬وهو ما كان يعنيه‬
‫قصي األمد‬‫الخارخ يف خطبة ألقاها بالمدينة إثر احتالل ر‬
‫ي‬ ‫أبو حمزة‬
‫مشيا إىل الخليفة األموي ‪:‬‬
‫)‬‫‪10‬‬ ‫(‬
‫حي قال ر‬ ‫لها عام ‪ ۱۲۸‬ر‬
‫بردتي قد حيكتا له وقومتا عىل أهلها بألف دينار‪ ،‬قد أخذت‬ ‫ر‬ ‫"لبس‬
‫غي وجهها بعد أن ضبت‬ ‫غي حلها وضفت من ر‬ ‫الدناني‪ -‬من ر‬
‫ر‬ ‫‪ -‬أي‬
‫فيها األبشار وحلقت فيها األشعار"‪( .‬األبشار جمع برسة) يقصد أبو‬
‫الخاضعي للجزية والخراج وحلق شعرهم إلرغامهم عىل‬ ‫ر‬ ‫حمزة جلد‬
‫الدفع‪ ،‬وقد صدرت عن عمر بن عبد العزيز عند إستخالفه تعليمات‬
‫لنه عن كل صنوف التعذيب وألي‬ ‫لعالج هذا الوضع تضمنت ا ي‬
‫غرض‪ .‬ويبدو أنه حقق بعض النجاح يف وقف موجة التعذيب ولكن‬
‫رحيله العاجل بعد أقل من ثالث سنوات أعاد األمور إىل نصابها‬
‫حن‬‫السابق‪ ،‬وتدلنا رواية لليعقون عىل استمرار هذه األساليب ر‬
‫ي‬
‫عهد الرشيد حيث ذكر أن الفضيل بن عياض‪ ،‬المحدث الزاهد رأى‬
‫أناسا يعذبون يف الخراج فاستنكره باالستناد إىل حديث نبوي يف‬
‫النه عن التعذيب‪ .‬وتذكر الرواية أن الرشيد لما بلغه ذلك أمر برفع‬ ‫ي‬
‫العذاب عن الناس‪ .‬وارتفع العذاب من تلك السنة ‪ .‬والعذاب‬
‫)‬‫‪۱‬‬ ‫‪1‬‬ ‫(‬

‫غيه‪ ،‬وقد مر بنا انه‬ ‫الذي رفعه الرشيد هو عذاب الجباية وليس ر‬
‫السياس‪ ،‬وال شك يف أنه استؤنف بعد الرشيد‪ ،‬مع‬‫ي‬ ‫مارس التعذيب‬
‫افياض التقيد بالمنع يف حياته‪.‬‬ ‫ر‬
‫من قبيل تعذيب الجباية تعذيب عمال الخراج الذين يتهمون‬
‫باالختالس وهو أمر مألوف يف الوظائف المالية‪ ،‬وكان المتورطون‬
‫فيه من كافة المراتب‪ :‬الوزير فرئيس الديوان الموظفون‪.‬‬
‫(‪ )۱1‬اليعقو ين ‪122/2‬‬ ‫األغان‬
‫ي‬ ‫‪)10( 242/24‬‬
‫~ ‪~ 17‬‬
‫وكان من الشائع أن يسطو الوزير أو رئيس الديوان عىل قدر من‬
‫الن تحت يديه بعلم خليفته أو سلطانه‪ ،‬لكن حسابه يؤجل‬ ‫ر‬
‫األموال ي‬
‫يقين باستجواب ألجل المصادرة‬ ‫إىل ما بعد العزل‪ ،‬الذي غالبا ما ر‬
‫يتضمن التعذيب يف حالة اإلنكار‪ .‬أما الموظفون فهم عرضة‬
‫لالستجواب يف كل وقت‪ .‬وتشتد وقائع االختالس‪ ،‬وما يتبعه من‬
‫حي تكون الدولة يف حالة انحالل أو فساد عام وهذا هو‬ ‫تعذيب‪ ،‬ر‬
‫السبب يف استرسائه بعد الحقبة العباسية األوىل حيث سيطر‬
‫المتغلبون األتراك عىل الخالفة منذ مقتل المتوكل وتجزأت الدولة‬
‫المختلسي وسائل وأساليب‬
‫ر‬ ‫إىل دويالت‪ .‬وقد استخدمت لتعذيب‬
‫يحتمل أن تكون مكرسة لهذا الغرض‪ ،‬منها التنور الذي ابتكره وزير‬
‫الواثق محمد بن عبد الملك الزيات‪ ،‬وسنصفه الحقا‪ .‬وقد استمر‬
‫التعذيب دون أن يتوقف االختالس‪ ،‬فكان هناك عىل الدوام‬
‫مختلسون من مختلف المراتب ومعذبون بتهمة االختالس‪.‬‬
‫التعذيب عل سبيل العقوبة‪ :‬تتضمنه بعض مواد العقوبات‬
‫غي‬‫ان ر‬
‫وه الجلد للسكران والز ي‬ ‫المنصوص عليها يف الرسيعة ي‬
‫ان المحصن‪ ،‬وقطع يد‬ ‫المحصن والمحكوم بالقذف‪ ،‬والرجم للز ي‬
‫السارق‪ ،‬وقطع أيدي وأرجل قطاع الطرق وصلبهم‪ .‬ويصح عىل هذه‬
‫العقوبات اسم التعذيب من جهة كونها وسائل إليالم المحكوم‬
‫سواء كانت خفيفة نسبيا کالجلد أو شديدة كالرجم وقطع األوصال‪،‬‬
‫القواني‬ ‫تفيض‬‫يميها عن العقوبة االعتيادية بالسجن الذي ر‬ ‫وهو ما ر‬
‫ر‬
‫السجي إل يف الجرائم المعاقب عليها‬ ‫ر‬
‫الحديثة عدم اقيانه بإيالم‬
‫ر‬
‫باألشغال الشاقة ومن الناحية العملية‪ ،‬لم يستخدم الرجم إل نادرا‪،‬‬
‫الن استمرت يف مختلف األزمان‪،‬‬ ‫ر‬
‫بخالف الجلد والقطع والصلب ي‬
‫عىل أن عقوبات التعذيب لم تتعدد بالرسع وإنما امتدت إىل جرائم‬
‫النه عن تجاوز الحدود المقررة‪.‬‬ ‫عادية أخرى رغم التشديد يف ي‬
‫~ ‪~ 18‬‬
‫النن محمد نفسه حيث‬ ‫وتتصل بعض هذه الخروقات بأيام ي‬
‫فرسي جريا بها (‪ ،)12‬ولم‬ ‫ر‬ ‫أعدمت امرأة بأمر زيد بن حارثة بربطها إىل‬
‫ّ‬
‫تذكر المصادر ما إذا كان ذلك قد تم بعلمه‪ ،‬وقد مد الحكام‬
‫المسلمون هذه العقوبات إىل مخالفات أخرى كجرائم الفكر‬
‫الشخض‪ ،‬وشملت‬
‫ي‬ ‫والرسقة‪ ،‬كما استخدموها للتأديب واالنتقام‬
‫عقوبة التعذيب كذلك حاالت القصاص‪ ،‬وهو بحسب الرسع‪،‬‬
‫االعدام بقطع الرأس يف قتل العمد‪ ،‬لكنه تجاوز هذا الحد يف‬
‫السياس‪ ،‬ومن أمثلته تعذيب عبد الرحمن بن ملجم قاتل‬ ‫ي‬ ‫القصاص‬
‫الجنان‬
‫ي‬ ‫أن طالب (‪ ،)13‬وتعذيب الخادم الذي قتل أبو سعيد‬ ‫عىل بن ي‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫القرمط يف ش يف الجزيرة العربية‪.‬‬ ‫الحكم‬ ‫ؤسس‬ ‫م‬
‫ي‬
‫نيي‪.‬‬ ‫النن محمد يف حادث العر ر‬ ‫تعذيب المقابلة بالمثل‪ :‬ورد عن ي‬
‫للنن وقتلوا راعيها النو ين‪ ،‬وقطعوا‬
‫وكان هؤالء قد استولوا عىل إبل ي‬
‫ر‬
‫يديه ورجليه وغرزوا الشوك يف عينيه ولسانه حن مات‪ ،‬فأرسل‬
‫النن يف طلبهم فأدركوا‪ ،‬فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم‬ ‫ي‬
‫حن ماتوا (‪ .)14‬وتقر الرسيعة هذا الشكل من‬ ‫وألقاهم ف الشمس ر‬
‫ي‬
‫العقوبة يف القصاص‪ ،‬وهو مبدأ مستمد عي التوراة من قانون‬
‫ان‪ .‬ويوفر مبدأ المقابلة بالمثل عذر شعية للتعذيب ولذلك‬ ‫حمور ي‬
‫يفيض سلطة مفيدة بالقانون‪ .‬وهذا هو السبب يف أننا ال نجد‬ ‫فهو ر‬
‫المسلمي‪ ،‬الذين لم يكونوا يف حاجة‬‫ر‬ ‫له أثرا يف سلوك الحكام‬

‫(‪ )12‬السهي يىل‪( ،‬الروض النف) ‪ .361/2‬كانت من رؤوس غطفان الشديدة التأليب‬
‫المسلمي وكان لها ثالثة عرس ابن كلهم فرسان ‪ -‬وقد تحدت قريش محمد أن‬ ‫ر‬ ‫عىل‬
‫يتمكن منها فأرسل إليها زيد بن حارثة يف مفرزة وقتلها يف ديار غطفان وطافوا برأسها‬
‫يف المدينة للرد عىل تحدي قريش‪.‬‬
‫قاتىل واياك والمثلة ص‪150‬‬
‫(‪ )13‬يف االختصاص للمفيد أنه قال إلبنه الحسن أقتل ي‬
‫(‪ )14‬ابن عبد الي (االستيعاب) ‪6۳۳ /۲‬‬
‫~ ‪~ 19‬‬
‫لالعتذار عن سياستهم بإقامتها عىل أساس الرسيعة‪ .‬ظهر التعذيب‬
‫أيضا يف معاقبة الهار ربي من الجيش منذ الفتوحات األوىل‪ .‬وكانت‬
‫ه التعزير (*) وتتم بإقامة الهارب حاشا يف‬ ‫العقوبة أيام الراشدين ي‬
‫للتشهي به‪ .‬وقد أضاف مصعب بن ر‬
‫الزبي‪ ،‬يف العراق‪ ،‬إىل‬ ‫ر‬ ‫مكان عام‬
‫وف والية برس بن مروان ‪ -‬شقيق‬ ‫نزع العمامة حلق الرأس واللحية‪ .‬ي‬
‫عبد الملك للعراق فرض التعذيب الجسدي فكان الهارب يرفع عن‬
‫القاع ويسمر يف يديه مسماران يف حائط ‪ -‬عىل طريقة صلب‬
‫حن يموت وربما خرق‬ ‫وييك لشأنه‪ ،‬فربما ربق معلقا ر‬‫المسيح ر‬
‫ي‬
‫المسمار كفه فسلم (‪.)15‬‬
‫إن مصدر التعذيب يف الحاالت الموصوفة آنفا هو الدولة وضحاياه‬
‫هم عامة الناس‪ .‬وهو أمر مفهوم مادام القادر عىل التعذيب هو‬
‫المالك ألجهزة الدولة‪ .‬ولدينا مع ذلك استثناء هام كان فيه ضحايا‬
‫ّ‬
‫التعذيب هم الحكام أنفسهم‪ .‬جرى ذلك يف أوان التغلب الذي‬
‫العباسيي بعد المتوكل‪ ،‬وقد‬
‫ر‬ ‫فرضه العسكريون األتراك عىل الخلفاء‬
‫غي المرغوب‬ ‫ظهرت حينذاك طريقة سمل العيون إلرغام الخليفة ر‬
‫فيه عىل التنازل‪ .‬وي هدف السمل إىل حرمان الخليفة من أحد شوط‬
‫االستخالف وهو سالمة الجسد حيث يصبح بعد أن يفقد إحدى‬
‫عينيه أو كلتيهما يف حكم المنخلع‪ .‬وكان ذلك يتم يف هجوم مباغت‬
‫يدبره المتغلب ضد الخليفة يقوم المهاجمون خالله بسمل عينيه أو‬
‫التدبي خفيا بحيث يسجل الهجوم عىل مالك‬ ‫ر‬ ‫إحداهما‪ .‬وقد يكون‬
‫غي منضبطة‪ ،‬أو مباشة بحكم السلطة الفعلية‬ ‫االعتداء من عناض ر‬
‫(*) التعزير عقوبة معنوية تكون عادة بجلدات محدودة العدد‪.‬‬
‫األثي (الكامل يف التاري خ)‪ ،‬يف أخبار الحجاج وقد ورد فيه لمجند عاشق‬
‫(‪ )15‬ابن ر‬
‫كتب إىل حبيبته‪،‬‬
‫ش أو عقوبته *** وأن ينوط يف ك يف مسمار‬ ‫لوال مخافة ب ر‬
‫إذن لعطلت ثغري ثم زرتکم *** إن المحب لمن يهواه زوار‬
‫عطلت ثغري‪ :‬كناية عن الهرب من جبهة القتال‪ .‬والثغور يف خطوط التماس مع دار‬
‫الحرب وكانت بمثابة الحدود‪.‬‬
‫~ ‪~ 20‬‬
‫ّ‬ ‫ر‬
‫الحالتي يسقط أسم الخالفة عن‬
‫ر‬ ‫وف كلتا‬
‫الن يتمتع بها المتغلب‪ ،‬ي‬
‫ي‬
‫غيه‪ ،‬وكان السبب يف ذلك عدم قدرة‬‫الخليفة القائم ويستبدل به ر‬
‫يثي مقاومة‬
‫ع ألنه قد ر‬
‫المتغلبي عىل خلع الخليفة دون مير ش ي‬
‫ر‬
‫ينبغ‪.‬‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫الخليفة ويظهرهم للناس مستهيين أكي مما ي‬
‫فنون التعذيب وأبطاله‬
‫لم يكن التعذيب مألوفا يف الجاهلية بالنظر لقيم البداوة المناهضة‬
‫للتنكيل‪ ،‬وقد ظهرت منه بوادر يف المدن التجارية وجهت رئيسيا‬
‫وف بداية الدعوة اإلسالمية بمكة وجد تجار قريش‬ ‫ضد العبيد‪ .‬ي‬
‫حاجة إلرهاب عبيدهم ومواليهم الذين أسلموا فعذبوهم رليجعوا‬
‫ه التشميس الذي يعتمد‬ ‫عن اإلسالم‪ ،‬وكانت وسيلتهم يف ذلك ي‬
‫عىل شمس الجزيرة الحارقة‪ .‬فكانوا يكتفون الضحية ويلقونه يف‬
‫الشمس بعد إلباسه أدراع الحديد أو وضع جندلة عىل ظهره أو‬
‫غي محدودة قد تستمر‬ ‫وييك عىل هذا الحال ساعات ر‬ ‫صدره ر‬
‫مادامت شمس النهار يف عنفوانها‪ ،‬وظهر التشميس أيضا يف صدر‬
‫الممتنعي عن دفع الخراج‪ ،‬ويتفاوت مفعول هذه‬ ‫ر‬ ‫اإلسالم لتعذيب‬
‫فه يف العراق والجزيرة أوجع‬‫الوسيلة تبعا لشدة حرارة الشمس‪ ،‬ي‬
‫وف بالد الشام أقل إيالما‪.‬‬
‫للضحية‪ ،‬ي‬
‫ر‬
‫إن التشميس هو أقدم وسائل التعذيب وهو وسيلة مشيكة ربي‬
‫ر‬
‫الن ظهرت‬ ‫الجاهلية واالسالم‪ .‬ونبدأ الن بعرض مفصل للوسائل ي‬
‫يف اإلسالم‬
‫حمل الرؤوس المقطوعة‪:‬‬
‫وتدخل يف باب المثلة بالميت‪ ،‬وقد بدأها األمويون يف زمان معاوية‬
‫ويقال إن أول رأس حمل يف اإلسالم هو رأس عمرو بن الحمق‪ ،‬أحد‬
‫أن طالب‪ ،‬وقد قتله زياد بن أبيه‪ ،‬ومن الحوادث‬ ‫عىل بن ي‬
‫أتباع ي‬
‫~ ‪~ 21‬‬
‫الحسي وأصحابه بعد معركة‬ ‫ر‬ ‫المشهورة يف هذا الباب حمل رؤوس‬
‫كربالء وقد ثبتت الرؤوس عىل الرماح وس ري بها من كربالء إىل الكوفة‬
‫حيث قدمت لحاكمها عبيد للا بن زياد‪ .‬ثم استأنفوا ر‬
‫السي بها إىل‬
‫ر‬
‫دمشق لتقديمها إىل الخليفة األموي‪ .‬ولم تتكرر هذه المثلة بكية‬
‫العباسيي‪ ،‬إل أنها انترست يف األندلس أيام ملوك الطوائف‪،‬‬
‫ر‬ ‫أيام‬
‫ومن الميزين فيها المعتمد بن عباد صاحب اشبيلية الذي أقام يف‬
‫قضه حديقة لزرع الرؤوس المقطوعة‪ .‬وكان المعتمد شاعرا‪.‬‬

‫الضب والجلد‪:‬‬
‫باليد أو السوط أو الهراوة أو المقرعة‪ .‬وهو الشكل المعتاد يف تعذيب‬
‫السياس‪ ،‬والضب باليد‬ ‫ر‬
‫االعياف‪ ،‬كما استعمل يف التأديب واالنتقام‬
‫ي‬
‫والوجنتي ولم يكن الغرض منه‬
‫ر‬ ‫غالبا ما يكون صفعة عىل القفا‬
‫الكتفي والظهر‬
‫ر‬ ‫اإليالم بقدر اإلهانة‪ .‬ويضب بالهراوة عىل‬
‫وه أشد إيالما من اليد والهراوة‪،‬‬‫واألرداف‪ .‬أما المقرعة فللرأس ي‬
‫وه عصا خفيفة كان عمر بن‬ ‫ويمكن اعتبار المقرعة تطويرا للدرة‪ ،‬ي‬
‫المخالفي‬
‫ر‬ ‫الخطاب يحملها يف تطوافه باألسواق والدروب ويقرع بها‬
‫لتعلمياته‪ ،‬وقد استبدل بها عثمان السوط‪ ،‬أو العصا بحسب‬
‫الروايات‪ ،‬وكان ذلك من أسباب النقمة عليه‪.‬‬
‫أما الضب بالسوط فهو الجلد‪ ،‬وينفذ يف المضوب واقفا أو‬
‫واىل المدينة لجلد‬
‫مبطوحا‪ ،‬وقد يقنطر ويضب‪ ،‬وهو ما اختاره ي‬
‫أفن‪ ،‬كما يف رواية‬‫مالك بن أنس مؤسس المذهب المالك‪ .‬وكان قد ر‬
‫ي‬
‫إلبن عبد الي يف (االنتقاء)‪ ،‬بعدم شعية البيعة للمنصور ألنها أخذت‬
‫الواىل بتأديبه‪ ،‬وتم ذلك برفعه من يديه ورجليه بعد‬
‫ي‬ ‫باإلكراه‪ ،‬فأمر‬
‫أن قلبوه عىل وجهه وأخذوا بجلده عىل الظهر‪ .‬وليس لألسواط‬
‫~ ‪~ 22‬‬

‫الن تضمنت حدا أعىل هو‬ ‫ر‬


‫مقدار معلوم إل يف العقوبات الرسعية ي‬
‫ع لم يعمل به‪ .‬وكان‬‫مئة جلدة لجريمة الزنا‪ ،‬لكن التحديد الرس ي‬
‫حن الموت كما حدث‬ ‫المقدار يتحدد تبعا لرغبة المر وربما استمر ر‬
‫لبشار بن برد الذي جلد بأمر المهدي بعد أن هجاه‪ ،‬وغالبا ما يتم‬
‫الجلد دفعة واحدة ولكن يحدث أن يقسط‬
‫الحنق‪،‬‬
‫ي‬ ‫عىل دفعات‪ ،‬ومن أمثلته جلد أبو حنيفة‪ ،‬مؤسس المذهب‬
‫هبية لرفضه عرضا‬ ‫مئة سوط بأمر حاكم العراق األموي ‪ -‬عمربن ر‬
‫بالعمل يف إدارته‪ .‬وقد نفذ الحكم بالتقسيط؛ كل يوم عرسة أسواط‪،‬‬
‫للياجع وقبول المنصب‬ ‫وكان الهدف من التقسيط إعطائه فرصة ر‬
‫الذي عرض عليه (‪)16‬‬

‫تقطيع األوصال‪:‬‬
‫والرجلي واللسان وصلم األذان وجدع األنف‬
‫ر‬ ‫ويشمل قطع اليدين‬
‫المذاكي (األعضاء التناسلية للرجل)‪ .‬وقطع اليد الواحدة‬
‫ر‬ ‫وجب‬
‫منصوص عليه يف الرسيعة عقوبة للسارق‪ ،‬وكذلك قطع اليدين‬
‫ّ‬
‫والرجلي وهو لقطاع الطرق‪ ،‬وقد توسع الحكام المسلمون بعد‬‫ر‬
‫الراشدين يف هذه الوسيلة دون التقيد بالجرائم المنصوص عليها‬
‫وطبقت‪ ،‬رئيسيا‪ ،‬عىل الجرائم السياسية‪ ،‬وكان المقطوع ي ريك ح رن‬
‫يموت من تلقائه فإذا لم يمت قطعوا رأسه‪ .‬وأقدم مثال لهذه‬
‫الطريقة هو قتل‬
‫الن ترجمت للنعمان‪ .‬وقد نسب ابن حجر يف‬ ‫ر‬
‫(‪ )16‬هذا هو المروي‪ ،‬يف المصادر ي‬
‫الخيات الحسان) هذا اإلجراء إىل المنصور وقال إنه مات بعد الجلد بخمسة أيام‪،‬‬
‫( ر‬
‫ومن المعروف أن المنصور سجنه ولم يجلده وأنه مات يف السجن مسموما كما‬
‫ترجحه رواية أخرى‪ ،‬إلبن حجر‪،‬‬
‫~ ‪~ 23‬‬

‫أن طالب‪ ،‬وقد أعدم بب ري یدیه‬‫عىل بن ي‬


‫عبد الرحمن بن ملجم‪ ،‬قاتل ي‬
‫ر‬
‫ورجليه ولسانه وسمل عينيه‪ .‬ثم قطع رأسه (‪ .)۱۷‬والبي هو الغالب‬
‫يف هذه الحاالت‪ ،‬أما الصلم والجدع فنادرا ما يحصل‪ .‬ولكن جب‬
‫المذاك ري كان يف بعض األحيان عقوبة يفرضها السيد عىل عبده إذا‬
‫جنش ال يرضاه السيد‪.‬‬
‫ي‬ ‫صدر منه فعل‬
‫سلخ الجلود‪:‬‬
‫األثي(‪ )18‬أن قائدا من الخوارج يدع محمد بن عبادة‬ ‫يف رواية البن ر‬
‫أش يف أيام المعتضد باهلل فسلخ جلده كما تسلخ الشاة‪ .‬ونقل ابن‬
‫األثي حادثا آخر كان ضحيته أحمد بن عبد الملك بن عطاش‬ ‫ر‬
‫صاحب قلعة أصفهان اإلسماعيلية‪ .‬وكان السالجقة قد حاضوا‬
‫القلعة بقيادة السلطان محمد بن ملکشاه ثم افتتحوها وأشوا‬
‫حن مات‪ ،‬ثم‬ ‫األثي‪ :‬فسلخ جلده ر‬ ‫صاحبها ابن عطاش‪ ،‬يقول ابن ر‬
‫حش جلده تبنا‪ ،‬والغرض من حشوه عرضه بعد ذلك للتشه ري‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫الدمشق أبو بكر‬
‫ي‬ ‫م عىل الفقيه‬ ‫والتخويف‪ .‬وقبض المعز الفاط ي‬
‫مغ عرسة أسهم لرميت تسعة يف‬ ‫ي‬ ‫النابلش بعد أن بلغه قوله‪" :‬لو أن‬
‫ي‬
‫ر‬
‫(الفاطميي وواحدا يف الروم"‪ ،‬واعيف بالقول واغلظ لهم‬ ‫المغاربة‬
‫ر‬
‫بالكالم فسلخوا جلده وحشوه تبنا وصلبوه ‪ .‬والسلخ من أشنع‬
‫)‬ ‫‪20‬‬ ‫(‬

‫ويستدع اإلقدام عليه نزعة سادية يف غاية‬ ‫ي‬ ‫صنوف التعذيب‬


‫كثيا‪.‬‬
‫اإلفراط‪ ،‬ولذلك لم يتكرر ر‬
‫(‪ )۱۷‬الدينوري‪( ،‬األخبار الطوال)‪ ،‬ص ‪ - ،۲1۷‬ابن طاووس‪ ،‬فرحة الغري‪ ،‬ط‬
‫للثقق (من الكتب‬
‫ي‬ ‫المؤمني)‪،‬‬
‫ر‬ ‫حجر‪ ،‬ایران ‪ ۱3۱۱‬م ص ‪ .5‬نقال عن (مقتل ر‬
‫أمي‬
‫القديمة المفقودة) قال‪ :‬نقلته عن نسخة عتيقة تاريخها ‪355‬ه ‪ ،‬وابن طاووس من‬
‫األثي (أسد الغابة) طهران ‪۱32۲‬ه‪.۲۸5 /4 ،‬‬
‫رجال القرن السابع ‪ -‬ابن ر‬
‫(‪ )18‬الكامل يف التاري خ ‪ )19( 151/۷‬نفسه ‪151/10‬‬
‫حوادث ‪ ،۳63‬الرسمية للدولة اإلسالمية‪.‬‬ ‫(‪ )20‬نفسه ‪330/2‬‬
‫~ ‪~ 24‬‬

‫اإلعدام حرقا‪:‬‬
‫م‪ ،‬وكان قد نقل‬ ‫يدع الفجاءة السل ي‬
‫ي‬ ‫فرضه أبو بكر عىل رجل مأبون‬
‫ر‬
‫الن لم‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫إليه إنه يؤن من دبره كما تؤن النساء‪ ،‬وهو من األمور ي‬
‫يتعودها عرب الجاهلية وصدر اإلسالم‪ .‬وورد يف حروب الردة ما‬
‫الن أرسلها‬‫ر‬
‫يدل عىل أن أبا بكر ضمن تعليماته لقادة الجيوش ي‬
‫كتابي له يف هذا‬
‫لمحارية المرتدين أوامر باإلحراق‪ ،‬وروى الطيي ر‬
‫المعن كما نقل وقائع نفذت فيها أوامره(‪ .)21‬ويخينا البالذري يف‬
‫فتوح البلدان أن خالد بن الوليد أحرق بعض المرتدين بعد أشهم‬
‫ألن بكر ضد هذا اإلجراء‪ ،‬فردهم أبو‬ ‫وأن ر‬
‫قدم ي‬ ‫ّ‬
‫اعياضا من الصحابة‬
‫ا‬
‫قائل‪( :‬ال أشيم سيفا سله للا عىل الكفار)‪ .‬يقصد خالدا‪.‬‬ ‫بكر‬
‫األمويي هذه العقوبة ضد الثائرين عليهم‪ .‬وقد‬ ‫ر‬ ‫واستعمل بعض والة‬
‫العجىل حيا بأمر خالد القرسي‬‫ي‬ ‫المغية بن سعيد‬ ‫ر‬ ‫ذكرت آنفا إحراق‬
‫العباسيي أعدم الكاتب عبد للا بن المقفع‬ ‫ر‬ ‫وف أوائل‬
‫حاكم العراق‪ ،‬ي‬
‫حرقا بأمر سفيان بن معاوية أحد والة المنصور ‪ .‬وقد طور‬
‫)‬‫‪22‬‬ ‫(‬

‫س الضحايا فوق نار هادئة‪،‬‬ ‫العباسيون يف وقت الحق هذا الفن إىل ي‬
‫وهو ما فعله المعتضد بحق محمد بن الحسن المعروف بشيلمة‬
‫أحد قادة الزنج يف البضة‪ ،‬وكان المعتضد قد أعطاه األمان ثم‬
‫أكتشف أنه يواصل نشاطه المعادي شا فأمر بنار فأوقدت ثم شد‬
‫عىل خشبة من خشب الخيم وأدير عىل النار كما يدار الشواء ر‬
‫حن‬
‫تقطع جلده ثم ضبت عنقه (‪)22‬‬

‫(‪ )۲1‬تاري خ الطيي ‪491،490،488/2‬‬


‫(‪ )22‬ابن النديم‪ .‬الفهرست ط فلوجل ‪ .۱۷۸‬قال ابن النديم طل المنصور دمه لما‬
‫عىل‪ .‬وكان ابن المقفع قد حرر األمان الذي أعطاه‬
‫فعله يف شط عبد للا بن ي‬
‫المنصور لعمة عبد للا وضمنه شوط باهظة تقطع عليه سبيل نقضه‪.‬‬
‫(‪ )۲2‬الطيي ‪ .165/8‬انظر كذلك ابن النديم ص‪19‬‬
‫~ ‪~ 25‬‬

‫ان يرسب الخمر مع مسلمة يف نهار‬ ‫وف البداية والنهاية أنه وجد نض ي‬‫ي‬
‫ان‬
‫رمضان فحكم نائب دمشق للمنصور ابن قالوون بإحراق النض ي‬
‫وجلد المرأة‪ .‬فأحرق بسوق الخيل (حوادث ‪6۸۷‬ه) والمنصور من‬
‫ّ‬
‫حكام المماليك بمض‪.‬‬
‫تعذيب متعدد الوسائل‬
‫تجمع هذه الطريقة عدة أشكال من التعذيب ضد شخص واحد‪.‬‬
‫وقد استخدمت ضد أشى القرامطة يف بغداد‪ ،‬ومن أمثلتها تعذيب‬
‫أن الفوارس من قادة القرامطة يف سواد الكوفة‪ ،‬بأمر المعتضد‬ ‫ابن ي‬
‫وتفصيله كما أورده الطيي (‪:)22‬‬
‫(وعلقت باألخرى جندلة وترك يف حاله تلك من نصف النهار إىل‬
‫ا‬
‫المغرب‪ .‬ثم قلعت أضاسه أول‪ ،‬ثم خلعت إحدى يديه بشدها إىل‬
‫بكرة متحركة‪ ،‬قطعت يداه ورجاله يف الصباح وقطع رأسه وصلب‬
‫يف الجانب الرس ر يف ‪ -‬من بغداد – وحملت جثته بعد أيام إىل محلة‬
‫تدع الياشية كانت تعلق فيها جثت القرامطة ليصلب معهم)‪.‬‬
‫الحسي بن‬
‫ر‬ ‫مثال آخر وصفه الطيي أيضا وهو لصاحب الشامة‬
‫زكرويه قائد القرامطة يف السواد وكان قد أش مع عدد من أصحابه‬
‫وخء بهم إىل بغداد ليعدموا‪:‬‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫(بنيت دكة يف مكان عام ونودي عىل الناس لحضور حفلة اإلعدام‪.‬‬
‫وبدأوا يقتادون األشى واحدا واحدا وكان الرجل يؤخذ ويبطح‬
‫فتقطع يمن يديه ويحلق بها رلياها الناس ثم ترم‪ ،‬ثم تقطع رجله‬
‫اليرسى ويحلق بها لنفس الغرض وترم‪ ،‬ثم يرسى يديه فيمن رجليه‬
‫ويرم بكل ما يقطع إىل أسفل ثم يقعد فيقطع رأسه ويرم به مع‬
‫جثته إىل أسفل)‪.‬‬
‫(‪ )22‬الطيي ‪207/8‬‬
‫~ ‪~ 26‬‬

‫حسي بن زكروية وضب مئة سوط‪ ،‬وقطعت يداه ورجاله‬ ‫ر‬ ‫وقدم‬
‫فغش عليه فأخذ خشب فأضمت فيه نار ووضع يف‬ ‫ي‬ ‫وكوي بالنار‬
‫خواضه وبطنه فجعل يفتح عينيه ثم يغمضهما‪ .‬فلما خافوا أن‬
‫يموت ضبوا عنقه‪ ،‬ورفع رأسه عىل خشبة فكي الجالدون من فوق‬
‫ّ‬
‫بالتكبي يف‬
‫ر‬ ‫بالتكبي (‪ ،)24‬ولم تجر العادة‬
‫ر‬ ‫الدكة وتبعهم سائر الناس‬
‫حي يكون الرأس المقطوع لعدو خطر‪ ،‬وهو ما‬ ‫مثل هذه األحوال إل ر‬
‫عىل يف كربالء‪ ،‬وكان‬
‫الحسي بن ي‬
‫ر‬ ‫فعله األمويون عند قطع رأس‬
‫الحسي بن زکرويه حينما أدخل إىل بغداد واستقبله الناس خاطبهم‬ ‫ر‬
‫سي"‪.‬‬‫بقوله‪" :‬يا قتلة الح ر‬
‫تنور الزيات‪:‬‬
‫ابتكره محمد بن عبد الملك الزيات وزير الواثق لتعذيب عمال‬
‫مسامي حادة‬
‫ر‬ ‫المختلسي‪ .‬وكان يصنع من خشب تخرج منه‬
‫ر‬ ‫الخراج‬
‫ر‬
‫وف وسطه خشبة معيضة يجلس عليها المعذب‪ .‬وقد عذب فيه‬ ‫ي‬
‫صانعه بعد عزله زمن المتوكل بسبب إهانة كان قد وجهها إليه قبل‬
‫يستخلف‪ .‬ووصف الطيي تعذيبه عىل الوجه ي‬
‫التاىل (‪:)25‬‬
‫‪.‬ا‬
‫أن‬
‫(حبس أول ثم سوهر (منع من النوم) فوكل به سجان ينخسه‬
‫ّ ّ‬
‫بمسلة كلما أراد أن يعفو‪ .‬ثم ترك أياما فنام وانتبه فاشته فاكهة‬
‫وعنبا فقدمت إليه فأكل‪ .‬ثم أعيد إىل المساهرة أياما نقل بعدها إىل‬
‫التنور حيث مكث أياما كلما أراد أن يغفو سقط عىل مسمار فإنتبه‪،‬‬
‫ر‬
‫فكان يضطر إىل البقاء فوق الخشية المعيضة ومقاومة النوم‪ .‬ي‬
‫وه‬
‫الن تكمن وراء صنع التنور بهذا الشكل‪ ،‬أي أن المعذب يجد‬ ‫ر‬
‫الفكرة ي‬
‫المسامي أو السهر طبلة إقامته يف التنور‪.‬‬
‫ر‬ ‫أمامه خيارين إما النوم عىل‬
‫(‪ )25‬نفسه ‪340/7‬‬ ‫(‪ )24‬نفسه ‪،230/۸‬‬
‫~ ‪~ 27‬‬

‫أشكال مفردة‪:‬‬
‫تدخل هذه األشكال يف عداد المبادرات النية ولذلك ال تجري عىل‬
‫يىل وصف لبعض الوقائع‪:‬‬‫نسق واحد أو تصميم متبع‪ .‬وفيما ي‬
‫حم‪:‬‬
‫القتل بالطشت الم ي‬
‫العباس عىل "عبد الحميد الكاتب"‪ ،‬وكان يف معية‬
‫ي‬ ‫قبض السفاح‬
‫ّ‬
‫يحم‬
‫ي‬ ‫مروان آخر الخلفاء األمو ريي‪ ،‬فسلمه إىل صاحب شطته فكان‬
‫له طشتا ويضعه عىل رأسه إىل أن مات‪..‬‬
‫التعذيب بالمقدحة‪:‬‬
‫النن محمد دفع كنانة بن الربيع‪ ،‬من‬ ‫أوردت مصادر السية (‪)26‬‬
‫أن ا ي‬ ‫ر‬
‫حن تستأصل ما عنده‪ .‬وكان‬ ‫الزبي قائل عذبه ر‬‫نضي‪ ،‬إىل ر‬ ‫بن ال ر‬
‫زعماء ي‬
‫النضي‪ ...‬وعذبه ّ ر‬
‫الزبي بالقدحة فكان‬ ‫ر‬ ‫بن‬
‫تحت يده كي من أموال ي‬
‫ر‬
‫يقدح يف صدره حن أشف عىل الموت‪ .‬ثم سلمه ي‬
‫النن إىل محمد‬
‫النضي‪.‬‬
‫ر‬ ‫بن مسلمة لقتله ثأرا ألخيه الذي قتله بنو‬

‫الموت بالنورة‪:‬‬
‫ر‬
‫الن قيل ان ابراهيم اإلمام‪ ،‬زعيم الدعوة العباسية‪ ،‬قتل‬
‫من الوسائل ي‬
‫األمويي وضع رأسه يف‬
‫ر‬ ‫بها عىل يد مروان بن محمد آخر خلفاء‬
‫مىلء بالنورة وشده عليه بإحكام‪.‬‬
‫جراب ي‬
‫السية)‪ ،‬وقائع فتح خیي‪ - .‬ابن ر‬
‫كثي‪( ،‬البداية والنهاية)‪ ،‬القاهرة‬ ‫(‪ )26‬ابن هشام ( ر‬
‫‪197/4 ،۱۹3۲‬‬
‫~ ‪~ 28‬‬
‫وقد ترك عىل هذه الحالة إىل أن مات مختنقا (‪.)27‬‬
‫النفخ بالنمل‪:‬‬
‫هبية حاكم‬
‫الحرس كان واليا عىل خراسان لعمر بن ر‬‫ي‬ ‫سعيد بن عمر‬
‫ألمويي) وكان يستخف‬
‫ر‬ ‫العراق (كان المرسق يدار من العراق أيام ا‬
‫ا‬
‫بأوامره‪ ،‬فأرسل إليه رجل يستطلع حاله‪ .‬فعاد الرجل فأيد ما ذكروا‬
‫عنه‪ .‬وكان سعيد بعد أن علم بالرجل وضع له سما يف بطيخة لكنه‬
‫هبية‬
‫حن برئ‪ ،‬وعزل عمر بن ر‬ ‫لم يمت ورجع إىل العراق فعولج ر‬
‫سعيدا وعذبه بأن نفخ يف بطنه النمل(‪ ،)28‬ولم تذكر الرواية أن كان‬
‫قد مات أم ال‪.‬‬
‫التعطيش‪:‬‬
‫عام ‪ 403‬ه هجمت خفاجة عىل الحجاج فقتلوا منهم خلقا وهرب‬
‫ه فخر‬ ‫الكث ريون إىل الصحراء فماتوا عطشا فقبض الوزير البوي ي‬
‫الملك عىل قائدهم واركانه وأمر بصلبهم عىل مسيل ماء بحيث‬
‫يرونه وال يصلون إليه ر‬
‫حن ماتوا عطشا (‪.)29‬‬

‫ال رتييد بعد الجلد‪:‬‬


‫اىل يف "إحياء علوم الدين"‪ ،‬أن عبد الملك بن مروان خطب‬‫أورد الغز ي‬
‫التابغ سعيد بن المسيب‪ ،‬وكانت مشهورة بجمالها‪ ،‬إلبنه الوليد‬
‫ي‬ ‫إبنة‬
‫األمويي‪ ،‬فأمر عبد الملك‬
‫ر‬ ‫فرفض سعيد لورعه ومعارضته لسياسة‬
‫بتأديبه فضب مئة سوط يف يوم بارد وإلبس جبة صوف ثم صب‬
‫ا‬
‫عليه جرة ماء بارد‪ ،‬وإرتكب عمر بن عبد العزيز إجراء مماثل بحق‬
‫حي كان‬‫الزبي بأمر من الوليد بن عبد الملك ر‬
‫خبیب بن عبد للا بن ر‬
‫(‪ )۲۷‬تاري خ الدولة العباسية المؤلف مجهول‪ ،‬دار الطليعة ربيوت‪ ،‬فصل‪ ،‬ابراهیم‬
‫االمام (‪ )۲۸‬الطيي ‪ )۲۹( ۳6۹ /5‬ابن كث ري‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬حوادث سنة‪403‬ه‪.‬‬
‫~ ‪~ 29‬‬
‫عمر واليا عىل المدينة‪ ،‬وتقول بعض الروايات أن الوليد لم يضمن‬
‫أمره صب الماء البارد وأن عمر أضاف هذه العقوبة من عنده‪ ،‬ولعل‬
‫هذا هو السبب يف حدة شعوره الالحق بالجريمة كما تقول الروايات‬
‫ّ‬
‫حيث أعلن الندم والتوبة وحاول التخلص من الوالية(*)‪ .‬وكان‬
‫يومذاك يف الخامسة والعرسين من عمره‪.‬‬
‫التكسي بالعيدان الغليظة‪:‬‬
‫مر بنا ذكر خالد القرسي الذي كان واليا عىل الحجاز ثم عىل العراق‬
‫الثقق ثم‬
‫ي‬ ‫لهشام بن عبد الملك‪ ،‬وقد عزل خالد بيوسف بن عمر‬
‫قتل بسبب مخالفات صدرت منه ضد الخليفة‪ ،‬وكان قتله عىل‬
‫التاىل (‪:)30‬‬
‫الشكل ي‬
‫(وضع عود غليظ عىل قدميه وقام عليها عدد من الجالدين فكرست‬
‫قدماه‪ .‬ثم وضع العود يف ساقيه فكرست بنفس الطريقة‪ .‬ثم نقل إىل‬
‫فخذيه ومنها إىل حقويه وانته العمود إىل صدره فكرس‪ .‬وعندها‬
‫مات‪ ،‬وكان خالل ذلك ساكت اليتأوه‪)،،‬‬
‫قرض اللحم‪:‬‬
‫استخدمه قرامطة ش ر يف الجزيرة‪ .‬وكان مؤسس الدولة القرمطية أبو‬
‫الجنان قد اغتيل بيد خادمه بعد أن دخل الحمام‪ ،‬وقام‬
‫ي‬ ‫سعيد‬
‫الخادم بعده بقتل عدد من القادة استدرجهم إىل الحمام‪ ،‬وقبضوا‬
‫عىل الخادم بعد اكتشاف أمره فشدوه بالحبال ثم أخذوا يقرضون‬
‫(*) كان عمر بن عبد العزيز يقول لمن يبرسه بحسن العاقبة لما قام به يف خالفته‬
‫(فكيف بخبيب؟)‪ ،‬وكان خبيب قد مات نتيجة تعذيبه بهذه الطريقة‪ .‬ويبدو مما‬
‫ّ‬
‫ذكرته الرواية أنه كان شابا حكيما بعيد األدراك رفيع الخلق فأراد األمويون التخلص‬
‫الزبيي ‪ 240/6‬و(نسب قريش) ر‬
‫للزبي بن‬ ‫منه‪ .‬انظر (نسب قريش) لمصعب ر‬
‫بكار‪380/1‬‬
‫(‪ )30‬المصدر نفسه ‪563/5‬‬
‫~ ‪~ 30‬‬
‫لحمه بالمقاريض ر‬
‫حن مات (‪.)31‬‬
‫إخراج الروح من طريق آخر‪:‬‬
‫عقيدة خروج الروح من الفم عند الموت أوحت للمعتضد بأشكال‬
‫غي طريق الفم‪ .‬قال‬ ‫من القتل أراد بها إخراج روح المقتول من ر‬
‫المسعودي يف (مروج الذهب) إن المعتضد كان شديد الرغبة يف أن‬
‫يمثل بمن بقتله وذكر من وسائل ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬إذا غضب عىل القائد النبيل أو الذي يختصه من غلمانه أمر أن‬
‫الياب عليه ر‬ ‫ّ‬
‫دىل رأسه فيها ويطرح ر‬
‫ويبق نصفه‬ ‫حفية ي‬
‫تحفر له ر‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫األسفل ظاهرا فوق الياب‪ ،‬ثم يداس الياب باألرجل حن تخرج‬
‫الن يمكن أن‬ ‫ر‬
‫روحه من دبره بعد أن تكون قد سدت كل المنافذ ي‬
‫تخرج بواسطتها من فمه‪.‬‬
‫‪ -۲‬يؤخذ الرجل فيكتف ويؤخذ القطن ويحش يف أذنيه وخيشومه‬
‫حن ينتفخ ويتضخم جسده‪ ،‬ثم‬ ‫وفمه‪ ،‬ثم توضع منافخ ف دبره ر‬
‫ي‬
‫رقي فوق‬ ‫بشء من القطن‪ .‬وبعدها يفصد من الع ر‬ ‫يسد الدبر ي‬
‫حن تخرج الروح من ذلك الموضع‪.‬‬ ‫حاجبيه ر‬
‫قلع األظافر‪:‬‬
‫أميا‬
‫حي كان ر‬
‫أقيمت وليمة قرشية حضها هشام بن عبد الملك ر‬
‫لن‪ ،‬واقتض ترتيب الوليمة أن يجلس عمارة‬‫ووجيه يدع عمارة ر الك ي‬
‫من أفضت‬ ‫فوق هشام‪ ،‬فاستكيها منه وآىل عىل نفسه أن يعاقبه ر‬
‫إليه الخالفة‪ ،‬فلما استخلف أمر أن ي ر‬
‫ؤن به وتقلع أضاسه وأظافر‬
‫يديه‪.‬‬
‫(‪ )3۱‬المقريزي (اتعاظ الحنفاء) القاهرة ‪ ۱۹4۷‬ص ‪۲۲1‬‬
‫~ ‪~ 31‬‬
‫ففعلوا به ذلك‪ .‬وكان يقول فيما بعد يندب نفسه (‪.)32‬‬
‫اس‬‫عذبو ين بعذاب ** قلعوا جوهر ر ي‬
‫ساس‬
‫ي‬ ‫من ط‬
‫ادون عذابا ** نزعوا ي‬
‫ثم ز ي‬
‫المواس‬
‫ي‬ ‫م ** وبأطراف‬‫بالمدی حزز لح ي‬
‫ا‬
‫الطساس‪ :‬األظافر (لهجة يمنية) وهنا يذكر أشكال أخرى من‬
‫التعذيب لم تذكرها الرواية ولعلها جاءت استطرادا منه إلستكمال‬
‫صورة العدوان الذي وقع عليه‪.‬‬
‫التعذيب بالقصب؛‬
‫رفيوز بن حص ري من قادة انتفاضة ابن األشعث ضد الحجاج يف‬
‫العراق‪ .‬أش بعد فشل االنتفاضة‪ ،‬وكان تحت يديه أموال طائلة يعود‬
‫بعضها للحركة‪ ،‬وإلستحصال األموال منه أمر الحجاج بتعذيبه‪،‬‬
‫فعري من مالبسه ولفوه بقصب مشقوق ثم أخذوا يجرون القصب‬
‫فوق جسده‪ .‬ولزيادة إيالمه كانوا يذرون الملح ويصبون الخل عىل‬
‫الن يسببها القصب‪ ،‬وبعد أن يئس الحجاج من ر‬
‫اعيافه‬ ‫ر‬
‫الجروح ي‬
‫باألموال قطع رأسه‪.‬‬
‫الجنس‪:‬‬
‫ي‬ ‫التعذيب‬
‫من الوقائع النادرة يف هذا المجال اغتصاب نساء المدينة عىل يد‬
‫وسيد الكالم عليها‬
‫جنود من أهل الشام بأمر من يزيد بن معاوية‪ ،‬ر‬
‫حن الن عىل رواية موثوقة بشأن االعتداء‬ ‫أعي ر‬‫الحقا‪ .‬لكن لم ر‬
‫ي‬
‫مسي‬
‫ر‬ ‫ف‬ ‫الذهن‬
‫ي ي‬ ‫رواه‬ ‫ما‬ ‫سوى‬ ‫‪.‬‬ ‫المعتقلي‬
‫ر‬ ‫أو‬ ‫ى‬‫األش‬ ‫عىل‬ ‫الجنش‬
‫ي‬
‫الفاطم كان يتجول يف األسواق‬
‫ي‬ ‫للا‬ ‫بأمر‬ ‫الحاكم‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫النبالء‪،‬‬ ‫أعالم‬
‫عىل حمار ومعه غالم أسود ضخم فمن أراد تأديبه أمر األسود فأولج‬
‫اىل ‪ -‬ربيوت ص ‪5۷‬‬
‫اماىل الق ي‬
‫(‪ )32‬ي‬
‫~ ‪~ 32‬‬
‫النه عن الزنا جهرا‪ ،‬مع بقايا‬ ‫(‪)33‬‬
‫فيه جهارا ‪ ،‬ويبدو أن التغليظ يف ي‬
‫غي ميسورة‪.‬‬ ‫القيم والتقاليد القبلية قد جعل مثل هذه اإل رقيافات ر‬
‫ويي يعتقلون النساء ويقتلونهن أحيانا ولكن مع عدم‬ ‫وكان والة األم ر‬
‫واىل‬
‫الشخض‪ ،‬وقصة زوجة الكميت بن زيد مع ي‬ ‫ي‬ ‫المساس برسفهن‬
‫العراق خالد القرسي تحتفظ‪ ،‬هنا بداللة هامة‪ .‬فقد كان الكميت‬
‫ا‬
‫معتقل بأمر هشام بن عبد الملك وينتظر تنفيذ حكم من هشام‬
‫بقطع لسانه عىل قصائده الهاشميات‪ ،‬فدبر خطة هروب مع زوجته‬
‫ا‬
‫فلبس ثيابها وانسل من السجن ليل‪ ،‬وجاء السجانون صباحا لتنفيذ‬
‫ا‬
‫الحكم‪ ،‬فوجدوا زوجة الكميت يف السجن بدل منه‪ .‬وأخذوها إىل‬
‫ا‬
‫االرهان الخطر عىل أن قال‪ :‬حرة فدت‬‫ي‬ ‫خالد القرسي فلم يزد هذا‬
‫إبن عمها !‪.‬‬
‫أدن‪:‬‬
‫تعذيب ر ي‬
‫الن ال ر‬
‫ترف إىل درجة الجنحة أو الجناية‬ ‫ر‬
‫كان يطبق عىل المخالفات ي‬
‫الن ال تمس أمن السلطة ومصالحها‪ ،‬ومن وسائله حلق اللىح أو‬ ‫ر‬
‫أو ي‬
‫واألدن معا ‪ -‬وحلق‬
‫ي‬ ‫نتفها ‪ -‬والنتف يجمع ربي التعذيب الجسدي‬
‫الرؤوس‪ .‬وكانت هذه العقوبات تفرض أحيانا عىل الزعران والزنادقة‪،‬‬
‫اهقي أو الفتيان‬
‫ومنها قص الشعر الطويل‪ ،‬وكان يطبق عىل المر ر‬
‫الالهي‪ .‬وقد تباه ابن الجوزي يف (القصاص والمذكرون) بحملة‬ ‫ر‬
‫ر‬
‫قادها يف بغداد ضد هؤالء فقصوا فيها أكي من عرسة آالف طائلة ‪-‬‬
‫الن شاعت هو‬ ‫ر‬ ‫أي خصلة طويلة‪ .‬ومن وسائل التعذيب‬
‫األدن ي‬
‫ي‬
‫التشهي‪ ،‬وكان يتم يف الغالب بإركاب المشهر به عىل حمار والطواف‬
‫ر‬
‫به يف المدينة ومعه أشخاص ينادون بجريمته‪ .‬ويورد الجاحظ‬
‫تشهيا بهذه الوسيلة لجارية ماجنة يف‬
‫ر‬ ‫يف(مفاخرة الجواري والغلمان)‬
‫اصطناع)‬
‫ي‬ ‫وه تجامع مخنثا بكنديج (قضيب‬ ‫بغداد قبض عليها ي‬
‫ويوخذ من رواية الجاحظأنها اعتيت هذه الوسيلة معادلة للقتل‪،‬‬
‫الرواية يف حاجة إىل توثيق (‪176/15 )33‬‬
‫~ ‪~ 33‬‬
‫ألنها كانت تخاطب الرجال عند الطواف بها وتقول متهمة إياهم‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫بالظلم‪ :‬إنكم تنيكوننا الدهر كله فلما نكناكم مرة واحدة قتلتمونا)(*)‪.‬‬
‫األدن بهذه‬
‫ي‬ ‫وابتكر عبيد للا بن زياد وسيلة إضافية يف التعذيب‬
‫الحميي‪ ،‬أمر بأن‬
‫ر‬ ‫الطريقة طبقها عىل الشاعر المتمرد یزيد بن مفرغ‬
‫سق مادة مسهلة ثم يطاف به‪ .‬وكان الشاعر يسلح عىل نفسه أثناء‬ ‫ي ر‬
‫الطواف‪.‬‬
‫خارطة التعذيب‪:‬‬
‫األمويي‪ ،‬متالزما مع تحول دولة المدينة‬
‫ر‬ ‫تفاقم التعذيب عىل يد‬
‫البسيطة إىل امياطورية يحكمها خليفة مطلق السلطة‪ ،‬لكن ذلك ال‬
‫يعن أن التعذيب لم يمارس من قبل‪ .‬وقد أشنا آنفا إىل أوامر ي‬
‫أن‬ ‫ي‬
‫بكر بحرق المرتدين ودفاعه عن أفعال من هذا القبيل صدرت عن‬
‫خالد بن الوليد يف حروب الردة (**)‪ .‬ويمكن اعتبار خالفة عثمان‬
‫االسالم فهو مؤسس جهاز الرسطة يف‬‫ي‬ ‫نقطة تحول أولية يف القمع‬
‫اإلسالم‪ ،‬وقد ذكر ابن حبيب يف (المحي) اسم مدير الرسطة الذي‬
‫م ‪ -‬من قريش‪ -‬ونوه بما يدل عىل‬ ‫عينه وهو عبد للا بن منقذ التي ي‬
‫ر‬
‫المستهية مشهورة‪ ،‬ويبدو‬ ‫(*) يف العامية البغدادية المعاضة يقال للمرأة الماجنة أو‬
‫الن شاع استعمالها آنذاك يف بغداد‪ ،‬ومنه قولهم يف‬ ‫ر‬
‫أن هذا من آثار تلك العقوبة ي‬
‫التوبيخ‪ ،‬مسخم (بتفخيم ر‬
‫السي إىل الصاد) ويشار به إىل المشهر به قديما إذ كانوا‬
‫يلطخون وجهه بالسخام ونحوه‪ ،‬وورد أصطالح (تجبيه)‪ ،‬ومعناه يف القاموس‬
‫بعي أو حمار ويخالف ربي وجهيهما‪.‬‬ ‫المحيط أن تحمر وجوه الزان ري ويحمال عىل ر‬
‫ر‬
‫(**) يروي ابن سعد يف الطبقات أن أبا بكر كان يقول‪ :‬إن يىل شيطان يعي ي‬
‫ين فإذا‬
‫ون ال أؤثر يف أشعارکم وأبشارکم ‪ -‬أي يف رؤسكم وجلودكم‪-‬‬ ‫أيتمون غضبت فإجتنب ي‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫ج ‪ .151/3‬ويروي أبو عبيد عن اسحق أن أبا بكر بعث سلمة بن سالمة ربي وقش‬
‫ا‬ ‫ر‬
‫بن حنيفة رجل قد أنبت‪ .‬فوجد خالدا قد‬ ‫تبق من ي‬‫اىل خالد بأمره أن ال يس ي‬
‫صالحهم‪ .‬األموال‪ ،‬ص‪.257‬‬
‫ا‬
‫أنبت يع ين نبتت له عانة دليل عىل احتالمه‪ ،‬أي بلوغه العمر الذي يجوز فيه قتله‬
‫حسب الرسيعة‪.‬‬
‫~ ‪~ 34‬‬
‫بساطة جهازه‪ ،‬كمؤش عىل سلطة قمعية يف طور النشوء‪ .‬وانتهج‬
‫والة عثمان نهجا قمعيا‪ ،‬محدودا يف دار اإلسالم‪ ،‬منفلتة يف دار‬
‫سء من‬ ‫الحرب (جبهة الفتوحات)‪ ..‬ولم يرد عن عمر بن الخطاب ي‬
‫عىل فهناك رواية تقول بأنه أحرق مرتدين‪ .‬وقد أخرجها‬ ‫ذلك؛ أما ي‬
‫وجهي يرد يف أحدهما أنه‬
‫ر‬ ‫البالذري يف (أنساب األشاف) عىل‬
‫وف الخر أحرقهم بعد قتلهم بالسيف ‪ .‬وتربط‬
‫)‬‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫(‬
‫أحرقهم أحياء ي‬
‫بعض المصادر هذا الحدث بأتباع عبد للا بن سبأ الذي قيل أنهم‬
‫ألهوا عليا فأحرقهم يف روايات‪ ،‬ونفاهم يف روايات أخرى‪ .‬وتورد‬
‫عىل أنشده عند أو بعد‬ ‫ر‬
‫الن ذكرت األحراق رجزا قيل أن ي‬ ‫الروايات ي‬
‫إحراقهم‪ ،‬وعبد للا بن سبأ مشكوك يف تييخيته‪ ،‬كما أن الغلو لم‬
‫عىل‪ ،‬لكن رواية البالذري عن حرق المرتدين‬ ‫يكن قد ظهر يف زمان ي‬
‫ممكنة بالنظر لوجود مثل هذه الحاالت يف ذلك الوقت‪ .‬ومن‬
‫عىل قد أحرقهم أحياء لما نعرفه عنه‬ ‫المستبعد مع ذلك أن يكون ي‬
‫من تشدد يف مراعاة أحكام الرسيعة‪.‬‬
‫الثان لرواية البالذري أحرى عندي بالقبول‪ ،‬مع التنبيه إىل‬
‫والوجه ي‬
‫عىل يف هذا الحادث ركيك ال يحتمل‬ ‫أن الرجز الذي نسب إىل ي‬
‫صدوره عنه‪ ،‬وهو من عناض الضعف يف الرواية‪ ،‬مالم يكن أضيف‬
‫إليها فيما بعد‪.‬‬
‫األمويي عمر بن عبد العزيز‪ ،‬الذي حكم أقل من‬‫ر‬ ‫يستثن من خلفاء‬
‫ثالث سنوات‪ ،‬ويزيد الناقص الذي حكم ستة أشهر‪ .‬أما الباقون‬
‫قمعيي بدرجات متفاوتة‪ .‬وظهرت مالمح نزعة سادية لدى‬ ‫ر‬ ‫فكانوا‬
‫بعض الوالة والقواد مثل زياد بن أبيه وابنه عبيد للا ومسلم بن‬
‫عقبة المري والحجاج وقرة بن شيك وبرس بن مروان ويزيد بن‬
‫المهلب وخالد القرسي وأخوه أسد‪ .‬ويروى أن عمر بن عبد العزيز‬
‫استعرض بعض هؤالء يوما ‪ -‬قبل خالفته ‪ -‬فتحدث بما يشعر‬
‫(‪ ،)34‬أنساب األشاف ‪۱۸۸ /5‬‬
‫~ ‪~ 35‬‬
‫بالهول من اجتماع عدد منهم يف وقت واحد‪ ،‬قال‪ :‬الحجاج بالعراق‪،‬‬
‫والوليد بالشام‪ ،‬وقرة بمض‪ ،‬وعثمان بالمدينة‪ ،‬وخالد بمكة‪ ...‬اللهم‬
‫قد امتألت الدنيا ظلما وجورا فأرح الناس!‪ ،‬واشتهر الحجاج من ربي‬
‫هؤالء رغم أن فيهم من ال يقض عن شأوه‪ ،‬وتقول رواية شعبية إنه‬
‫ستمن عىل نفسه‪ ..‬ويكرس هذا الجنوح يف‬ ‫ي‬ ‫كان إذا أعدم أحد ي‬
‫السيكولوخ ربي الجنس والعنف مما عش أن‬ ‫الخيال حالة ر‬
‫االقيان‬
‫ي‬
‫الشعن قد لمسه من خالل نموذج سادي تصدر‬ ‫ي‬ ‫يكون الحدس‬
‫قصص االرهاب يف تاريخنا‪.‬‬
‫وينتظم الخلفاء العباسيون يف نفس السلك‪ ،‬مع استثناءات من‬
‫اليعة السادية يمكن أن تشمل المأمون والواثق‪ ،‬والخلفاء الذين‬
‫هيي والسالجقة ففقدوا سلطتهم الفعلية‪،‬‬ ‫وقعوا تحت طائلة البوي ر‬
‫األخية الذين عاشوا يف ظروف خاصة‬ ‫ر‬ ‫وخلفاء الحقبة العباسية‬
‫واقتضت سلطتهم يف الغالب عىل بغداد وما حولها‪ ،‬وعرف‬
‫اسان وعبد للا بن‬ ‫بالدموية من والتهم وقوادهم‪ :‬أبو مسلم الخر ي‬
‫عىل ومعن بن زائدة ويزيد بن مزيد وعقبة بن مسلم‪ ،‬ومن الوزراء‬ ‫ي‬
‫الفضل بن مروان ومحمد بن عبد الملك الزيات وحامد بن العباس‪.‬‬
‫تمي المعتمد بن عباد بميله إىل التلذذ بمشهد الرؤوس‬ ‫وف األندلس‪ ،‬ر‬ ‫ي‬
‫ال ر ين كان يأمر بقطعها‪ ،‬وقد مر بنا أنه كان يشتلها يف حديقة داره‪.‬‬
‫غي المعتمد‪ ،‬وكذا‬ ‫واشتهر بالقسوة معظم ملوك الطوائف من ر‬
‫اقين تاريخهم بأعمال اإلعدام‬ ‫المرابطون والموحدون الذين ر‬
‫الن ذهب ضحاياها مئات األلوف من خصومهم‪ .‬ومن‬ ‫ر‬
‫الجماعية ي‬
‫الن تجمع‬ ‫ر‬
‫الفاطميي عرف الحاكم بأمر للا بحالته المرضية ي‬ ‫ّر‬ ‫الخلفاء‬
‫ربي أعراض التقلب والمزاج الدموي‪ .‬وعرف من القرامطة أبو طاهر‬
‫الن امتدت‬ ‫ر‬
‫النواخ ي‬
‫ي‬ ‫القرمط بالمذابح المجانية يف مكة ر‬
‫وغيها من‬ ‫ي‬
‫الن‬‫ر‬ ‫أخباره‬ ‫ف‬ ‫المبالغة‬ ‫احتمال‬ ‫الحسبان‬ ‫ف‬ ‫نضع‬ ‫مالم‬ ‫غزواته‬ ‫إليها‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫وردتنا يف مصادر معادية للقرامطة‪.‬‬
‫***‬
‫~ ‪~ 36‬‬

‫جلدون من الخلفاء يندمون عند الموت‪:‬‬


‫الكيق والتعذيب كان بعض الخلفاء‬
‫ي‬ ‫بتأثي الحرمة المؤكدة للقتل‬
‫ر‬
‫يتنغصون عند الموت لخوفهم من دخول جهنم‪ .‬فقال عبد الملك‬
‫ا‬
‫ليتن كنت غسال‪ .‬وبلغت الفقيه أبو حازم فقال‪ :‬الحمد‬ ‫بن مروان ي‬
‫هلل الذي جعلهم يتمنون عند الموت ما نحن فيه‪ ،‬وال نتمن عند‬
‫الموت ما هم فيه‪...‬‬
‫العباس‪:‬‬
‫ي‬ ‫األثي) وقال الواثق‬
‫(ترجمة عبد الملك من الطيي وابن ر‬
‫أس)‪ ،‬وطلب منه‬ ‫ر‬
‫وأن حمال أحمل عىل ر ي‬ ‫أن أقلت العية ي‬ ‫(لوددت ي‬
‫(اليعقون‪.)۸۳/2‬‬
‫ي‬ ‫العهد لولده فقال‪ :‬ال ير ي‬
‫ان للا أتقلدها حيا وميتا‪.‬‬
‫اقيان القمع الدموي بالسلطة‬ ‫وف قوله هذا إشارة إىل حتمية ر‬
‫ي‬
‫الفردية‪ .‬وقال والده المعتصم عند الموت‪" :‬لو كنت أعلم أن عمري‬
‫قصي لم أفعل ما فعلت" ‪ -‬الطيي يف ترجمته‪ .‬وانفرد الحجاج‬ ‫هكذا ر‬
‫لألمويي‪.‬‬
‫ر‬ ‫الدين‬
‫ي‬ ‫براحة ضم ري مطلقة ترجع إىل والئه‬
‫موقف الفقهاء‪:‬‬
‫النه عن المثلة‪ ،‬أي‬
‫اشتملت مصادر الحديث عىل روايات يف ي‬
‫الىح وتشويه الميت حدد الفقهاء عىل أساسها مواقفهم من‬ ‫تعذيب ي‬
‫يىل‪:‬‬
‫التعذيب نعرضها فيما ي‬
‫صي‪ ،‬أخرجه أحمد بن حنبل يف المسند‬ ‫‪ -‬حديث عمران بن ح ر‬
‫والدارم يف (السي)‪ ،‬ونصه ‪:‬‬
‫)‬‫‪3‬‬ ‫‪5‬‬ ‫(‬
‫ي‬
‫(ما قام فينا رسول للا خطيبا إل أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة)‪.‬‬
‫أورداه من عدة طرق‪.‬‬
‫(‪ )35‬المسند ‪.445 ،440 ،439 ،432 ،329/4‬‬
‫‪ -‬سي الدرا يم ط كانفور بالهند‪1293 ،‬ه‪ ،‬نص‪382 :‬‬
‫~ ‪~ 37‬‬
‫الخطيم‪ ،‬أخرجه أحمد ونصه (‪.)36‬‬ ‫ي‬ ‫‪ -‬حديث عبد للا‬
‫(نىه رسول هللا عن النهبة والمثلة)‬
‫المغية بن شعبة‪ ،‬أخرجه أحمد ونصه (‪:)37‬‬ ‫ر‬ ‫‪ -‬حديث‬
‫(نهانا رسول هللا عن المثلة)‪.‬‬
‫السية‬
‫‪ -‬حديث سمرة بن جندب‪ ،‬أخرجه أحمد ورواه ابن هشام يف ر‬
‫حصي (‪.)3۸‬‬
‫ر‬ ‫ونصه مماثل لنص عمران بن‬
‫‪ -‬حديث هشام بن حكيم بن حزام‪ ،‬أخرجه أبو داود يف السي»‬
‫ومسلم يف الصحيح ونصه (‪:)39‬‬
‫(مر هشام بن حكيم على أناس من األنباط بالشام قد أقيموا في الشمس‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ما شأنهم؟ قالوا‪ :‬حبسوا في الجزية‪ ،‬فقال هشام‪ :‬أشهد لسمعت رسول‬
‫هللا يقول إن هللا يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا‪ .‬ودخل على حاكم‬
‫فلسطين فحدثه الحديث فأمر بهم فخلوا)‪.‬‬
‫اليمذي يف‬‫السية وأخرجها ر‬ ‫‪ -‬وصية إىل شاياه أوردها ابن هشام يف ر‬
‫(الصحيح)‪ ،‬نصها (‪:)40‬‬
‫السية؛ ال تغلوا وال تمثلوا‪.‬‬
‫يف ر‬
‫يف الصحيح‪ :‬ال تغدروا وال تمثلوا‪.‬‬
‫‪ -‬حديث هبار بن األسود‪ ،‬أخرجه الطيي يف (ذيل المذيل)‪ ،‬وأبو‬
‫داود يف (السي)‪ ،‬وابن عبد الي يف (االستيعاب)‪ ،‬وأورده ابن هشام‬
‫والزبي بن بكار يف (نسب قريش)‪ ،‬بصيغ تتفاوت قليال‬ ‫ر‬ ‫السية)‪،‬‬
‫يف ( ر‬
‫خالصتها أنه أوىص شية‪ ،‬أو عدة شايا‪ ،‬إذا ظفروا بهبار بن األسود‬
‫أن يحرقوه‪ ،‬ثم استأنف‪ :‬ال يعذب بالنار إل للا‪،‬‬
‫‪---------------------------‬‬
‫(‪ )37‬يف المسند‪346/4‬‬ ‫(‪ )36‬يف المسند ‪.307/4‬‬
‫السية‪.87/2‬‬
‫(‪ )38‬نفسه ‪ 482/4‬ر‬
‫(‪ )39‬صحيح مسلم‪ 32/8‬سي أبو داوود – باب الجهاد‪.‬‬
‫النه عن المثلة‪ .‬قال عن الحديث حسن‬ ‫ر‬
‫السية ‪ 409/2‬اليمذي‪ :‬يف باب ي‬ ‫(‪ )40‬ر‬
‫صحيح‪.‬‬
‫~ ‪~ 38‬‬
‫ا‬
‫بدل من ذلك (‪.)41‬‬ ‫وأمرهم بقطع يديه ورجليه‬
‫شخض معه ألنه طارد ابنته‬ ‫ي‬ ‫وللنن ثأر‬
‫ي‬ ‫وكان هبار من بلطجية قريش‬
‫زينب عندما هاجرت من مكة لتلتحق بوالدها وضب ها فسقطت من‬
‫ا‬
‫بالنه عن‬
‫ي‬ ‫بعيها‪ .‬وكانت حامل فأجهضت‪ .‬ويختص هذا الحديث‬ ‫ر‬
‫اإلعدام حرقا‪( .‬ظفر محمد بهبار يف فتح مكة وعفا عنه)‪.‬‬
‫النه‬
‫لليعقون تؤكد ي‬‫ي‬ ‫‪ -‬أحاديث وردت عن طريق الشيعة‪ ،‬فيها رواية‬
‫النه عن‬‫عن التعذيب ألي سبب كان‪ ،‬وحديث يف نهج البالغة ب ي‬
‫تكن التعذيب‬‫المثلة وأخر عن أئمة أهل البيت يف معاقبة مر ي‬
‫بالسجن المؤبد (‪.)42‬‬
‫تتصل بهذه الفئة من األحاديث فئة أخرى حرمت ضب العبيد‬
‫وتعذيبهم‪ ،‬منها‪:‬‬
‫لليعقون (‪.)43‬‬
‫ي‬ ‫‪ -‬حديث‬
‫(أال أخيكم برسار الناس من أكل وحده ومنع رفده وجلد عبده)‬
‫الرفد‪ :‬العطاء)‬
‫‪ -‬حديث عمر بن شعيب‪ ،‬أخرجه ابن ماجة (‪.)44‬‬
‫النن صارخا‪ .‬فقال رسول للا‪ :‬ما لك؟ قال‪ :‬سيدي‬ ‫(جاء رجل إىل ي‬
‫عىل بالرجل‪ ،‬فطلب‬ ‫النن ي‬ ‫اكيي‪ .‬فقال ي‬ ‫آن أقبل جارية له فجب مذ ر‬ ‫ر ي‬
‫فلم يقدر عليه‪ .‬فقال رسول للا للعبد‪( :‬اذهب فأنت حر)‪.‬‬
‫(المذاكي‪ :‬األعضاء التناسلية للرجل)‬
‫ر‬
‫(‪ )41‬االستيعاب ‪ ،616 /۲‬س رية ابن هشام ‪ 649 /۲‬ذيل المذيل (المنتخب) ملحق‬
‫األخي من تاري خ الطيي‪ .‬أبو داود ‪ :79/۲‬لم يذكر هبارا بأسمه‪.‬‬
‫ر‬ ‫بالجزء الثامن –‬
‫مسند أحمد ‪ -‬الحديث‪8054:‬‬
‫اليعقون‪ .111/2‬نهج البالغة (محمد عبده) ‪ .۸۷ /۲‬مفتاح الكتب‬ ‫ي‬ ‫(‪ )42‬تاري خ‬
‫الكاف‪.‬‬
‫ي‬ ‫األربعة ‪ 224/5‬عن‬
‫اليعقون ‪64/2‬‬
‫ي‬ ‫(‪ )43‬تاري خ‬
‫(‪ )44‬سي ابن ماجه ص ‪۸۹4‬‬
‫~ ‪~ 39‬‬
‫‪ -‬حدیث هالل بن عساف‪ ،‬أخرجه مسلم وابن عبد اليا (‪)45‬؛‬
‫كنا نبيع الي يف دار سويد بن مقرن فخرجت جارية وقالت لرجل منا‬
‫يتن سابع‬‫كلمة فلطمها‪ ،‬فغضب سويد وقال‪ :‬لطمت وجهها؟ لقد رأ ي‬
‫إخوان مع رسول للا ما لنا إل خادم واحدة فلطمها أحدنا‬ ‫ي‬ ‫سبعة من‬
‫فأمرنا رسول للا فاعتقناها‪( .‬الي‪ ،‬بضم الباء‪ ،‬القمح)‪.‬‬
‫‪ -‬حديث أخرجه أبو داود يف (السي) (‪.)46‬‬
‫(من لطم مملوكه فكفارته أن يعتقه)‬
‫‪ -‬حديث مقارب أخرجه الخطيب يف (تاري خ بغداد) ‪.‬‬
‫)‬‫‪47‬‬ ‫(‬

‫حن يسيل دمه فكفارته عتقه)‪.‬‬ ‫(من ضب عبده ف غي حد ى‬


‫ي‬
‫وهناك جملة أخرى من األحاديث بشأن تعذيب الحيوان‪ ،‬منها‪- :‬‬
‫الدارم يف (السي) (‪.)48‬‬ ‫ي‬ ‫جبي‪ ،‬أخرجه‬
‫حديث سعيد بن ر‬
‫(خرجت مع ابن عمر يف طريق المدينة فإذا غلمه يرمون دجاجة‪.‬‬
‫فقال ابن عمر من فعل هذا؟ فتفرقوا‪ .‬فقال‪ :‬إن رسول هللا لعن من‬
‫مثل بالحيوان)‪.‬‬
‫الدارم وأبو داود (‪.)49‬‬
‫ي‬ ‫‪ -‬حديث أبو أیوب األنصاري أخرجه‬
‫نفس بيده لو‬‫ي‬ ‫الصي‪ ،‬فو الذي‬ ‫ر‬ ‫(سمعت رسول هللا قد نىه عن قتل‬
‫البطء بوسائل‬ ‫ي‬ ‫كانت دجاجة ما ص ريتها)‪ ..‬قتل الصي هو القتل‬
‫التعذيب) ولهذا الحديث صيغة أخرى يف صحيح مسلم تفيد بأن‬
‫الدارم‬
‫ي‬ ‫النن نه أن (تصي البهائم)‪ ،‬وثالثة يف سي‬ ‫ي‬
‫(‪ )45‬االستيعاب‪ .594/2‬صحیح مسلم‪ .91/5‬وأخرج أبو داود حديثا يف نفس‬
‫المعن‪.‬‬
‫(‪ )46‬سي ابو داود ‪ -‬باب الحدود‪.‬‬
‫(‪ )47‬تاري خ بغداد ‪ )48( .۱6۲ /8‬نفسه ‪ ،253‬سي أبو داود ‪ -‬باب الجهاد‪.‬‬
‫الدارم ‪253‬‬
‫ي‬ ‫(‪ )49‬صحيح مسلم‪73 ،72/6‬‬
‫المسند حدیث ‪ 5956 ،5661‬وفيه أيضا حديث ي‬
‫النه عن التص ربي رقم‪5682‬‬
‫~ ‪~ 40‬‬
‫تفيد أنه نه عن المجثمة أي المصبورة (‪:)50‬‬
‫إن هذه الروايات تحط بتوثيق علماء الجرح والتعديل من حيث‬
‫الن تناولت‬‫ر‬
‫يثي الشك يف المصادر ي‬ ‫السند ولم يرد بشأنها ما ر‬
‫للسيوط‬
‫ي‬ ‫األحاديث الموضوعة أو الضعيفة كالآلىل المصنوعة‬
‫للشوكان‪ .‬لكن توثيق المسند‪ ،‬رغم أهميته‪،‬‬ ‫ي‬ ‫والفوائد المجموعة‬
‫ليس حاسمة يف تصويب الرواية‪ .‬ونحن نضع يف حسابنا‪:‬‬
‫‪ -1‬اتجاهات الفرق المعارضة وبعض المنتورين الذين وقفوا ضد‬
‫تثيه من الحاجة إىل مبادئ شعية تسند‬ ‫االرهاب وما يحتمل أن ر‬
‫كثية عىل ذلك‪،‬‬ ‫وف تاري خ الحديث أمثلة ر‬ ‫وقفتهم‪ .‬ي‬
‫وه تعارض منطوق األحاديث‬ ‫السية‪ ،‬ي‬
‫‪ -۲‬وقائع المثلة يف ر‬
‫المذكورة‪ ،‬وقد جرى المسترسقون عىل االستفادة من هذا التعارض‬
‫للتشكيك باألحاديث‪ ،‬وثمة مع ذلك حجة مقابلة لدى الطرف‬
‫م ‪ -‬السلطة المعذبة إىل شعنة سياساته يمكن أن تقف وراء‬ ‫الرس ي‬
‫السية وتخضعها لنفس القدر من التشكيك‪،‬‬ ‫رواية هذه الوقائع يف ر‬
‫أن ال أرى مسوغا لتصميم أحادي يمكن أن تغرى به الرغبة يف‬ ‫عىل ي‬
‫الن نقلت إلينا يف مصادر معتمدة ال‬ ‫ر‬
‫تجاوز أي من هذه الروايات‪ ،‬ي‬
‫اإلعتباط‪ .‬وتعارض التوجيه والممارسة ال‬ ‫ي‬ ‫يصح إخضاعها للتشكيك‬
‫ا‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫الن تحكم كل‬ ‫يكق هنا لليجيح بالنظر الختالف الدوافع والظروف ي‬ ‫ي‬
‫منها‪ ،‬وألن منىح االنفصام ربي الفكر والسلوك‪ ،‬كمنىح سائد‬
‫الوع البرسي يمنع من المعايرة بينهما‪.‬‬ ‫ي‬ ‫بدرجات متفاوتة يف تاري خ‬
‫سء‪ ،‬فقد تقبل الفقهاء هذه األحاديث واعتيوها‬ ‫مهما يكن من ي‬
‫نصا قاطعا يف تحريم التعذيب‪ .‬وال شك أنهم نظروا إىل ما صدر عن‬
‫الن ال تندرج يف عداد السنة‪.‬‬ ‫ر‬
‫النن يف هذا الشأن من خصوصياته ي‬ ‫ي‬
‫وبنيت عىل ذلك جملة من األحكام الفقهية تناولت قضايا التحقيق‬
‫والعقوبات وأمور الحرب سنلم بها يف السطور التية‪:‬‬
‫~ ‪~ 41‬‬
‫وسائل اإلعدام‬
‫ّ‬
‫لم يتطلع الفقهاء المسلمون إىل يوم تلغ فيه عقوبة االعدام‪،‬‬
‫الخي‬
‫ضي الضورة األبدية للعقوبات مادام اإلنسان مزيجا من ر‬ ‫ر‬
‫مفي ر‬
‫والرس‪ .‬وإنما تداولوا حديثا نبويا يقول‪" :‬أعف الناس قتلة أهل‬
‫اإليمان" أي أن المؤمن إذا اضطر إىل القتل نفذه بأقل الوسائل‬
‫إيالما‪ .‬وقد استنتج منه ابن تيمية أن القتل المرسوع هو ضب الرقبة‬
‫بالسيف ونحوه ألن ذلك أوخ أنواع القتل ‪ -‬بقصد أشع بحيث ال‬
‫وينبن عىل هذا أن اإلعدام يجب أن ينفذ‬ ‫ي‬ ‫يتعذب المحكوم به (‪.)51‬‬
‫بالسيف مادام الوسيلة األقل إيالما‪ ،‬فإذا وجدت وسيلة أخرى حلت‬
‫محله‪ .‬وهو المستفاد من الحديث‪ ،‬ولم يلتفت الفقهاء إىل تعارض‬
‫يقينان بالتعذيب‪ .‬أولهما حكم قطاع‬ ‫هذا الحكم مع حكمي بالقتل ر‬
‫ر‬
‫والرجلي والصلب‬‫ر‬ ‫الطرق‪ ،‬المنصوص عليه يف القرآن‪ ،‬بقطع اليدين‬
‫يقتض قتلهم بهذه الطريقة‪ .‬إل أن جمهور الفقهاء‪ ،‬جعلوا‬ ‫ي‬ ‫وهو‬
‫الصلب بعد القتل‪ .‬وقد أوله ابن تيمية برفعهم عىل مكان عال‬
‫رلياهم الناس ويشتهر أمرهم (‪ ،)52‬لكن القتل بقطع األطراف هو بحد‬
‫ذاته تعذيب‪ .‬ولم يكن للفقهاء الذين حرموا التعذيب إل االمتثال‬
‫اإلله‪ ،‬الحكم الخر هو رجم‬ ‫ي‬ ‫الوخ‬
‫ي‬ ‫لهذا الحكم بسبب صدوره عن‬
‫وه ذات أصل سومري‬ ‫ر‬
‫وجي ي‬‫ان والزانية المحص رني ‪ -‬أي المي ر‬ ‫الز ي‬
‫مسلمي عن‬
‫ر‬ ‫وكانت تفرض عىل المرأة المراهطة‪ .‬وانتقلت إىل ال‬
‫حن الموت‪ .‬وكانت‬ ‫طريق التوراة‪ .‬وينص هذا الحكم عىل الرجم ر‬
‫حن الموت‬ ‫عقوبة الزانية المحصنة حبسها ف ميلها ر‬
‫ي‬
‫اع والرعية ص‪78-77‬‬ ‫(‪ )51‬السياسية الرسعية يف إصالح الر ي‬
‫(‪ )52‬نفسه ‪ 78‬قال ابن تيمية أن بعض الفقهاء قالوا بالقتل أثناء الصلب خالفا‬
‫لقول جمهورهم‪.‬‬
‫~ ‪~ 42‬‬
‫وفقا لنص الية (‪ )15‬من سورة النساء‪ ،‬ثم نسخت بالرجم‪ .‬وقد أثار‬
‫حكم الرجم إلتباسات ناشئة عن شناعته من جهة وعدم النص عليه‬
‫المسلمي بينهم الخوارج‬
‫ر‬ ‫يف القرآن من جهة أخرى‪ ،‬فأنكره فريق من‬
‫القائلي به شعروا بالحاجة‬
‫ر‬ ‫وتساهل آخرون يف تنفيذه‪ .‬ويبدو أن‬
‫أمام اإلنكار‪ ،‬إىل توكيد وروده يف الكتاب والسنة فقالوا إن حكم‬
‫الرجم منصوص عليه يف آية منسوخة التالوة باقية الحكم (*)‪ .‬ونص‬
‫التفسي والناسخ والمنسوخ منسوبة إىل عمر‬ ‫ر‬ ‫الية كما ترد يف مصادر‬
‫بن الخطاب‪:‬‬
‫ا‬
‫(والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكال من هللا وهللا عزيز حكيم)‬
‫وقد نسخت تالوة الية برفعها من القرآن مع بقاء حكمها‪ .‬وال سبيل‬
‫إىل البت يف صحة هذه الرواية ألن أسلوب الية المدعاة من الركاكة‬
‫بحيث يصعب القول إنها صادرة عن مؤلف القرآن‪ .‬ويزداد األمر‬
‫حي يراد منا أن نقبل بأن آية باقية التالوة (الية ‪ 15‬من‬ ‫إلتباسا ر‬
‫سورة النساء تنسخها آية منسوخة التالوة "اية الرجم") مما ال نجد‬
‫نظيا يف الناسخ والمنسوخ‪ ،‬عىل أن مصادر الحديث والسنة‬ ‫له ر‬
‫النن وبعض األحاديث‬ ‫اشتملت عىل وقائع نفذ فيها الحكم عىل يد ي‬
‫ع منصوص‬ ‫ر‬
‫الن تضح به‪ ،‬مما يعزز االعتقاد بوروده کحكم ش ي‬ ‫ي‬
‫عليه يف األصول‪ .‬وعندئذ قد يكون من المعقول أن يقال بأن الية‬
‫األصوليي‬
‫ر‬ ‫‪ 15‬من سورة النساء قد نسخت بالسنة‪ ،‬ويوافق معظم‬
‫نعي يف طبقات الصوفية‪،‬‬ ‫عىل أن السنة تنسخ القرآن‪ .‬عىل أننا ر‬
‫النن قد رجم‬ ‫الصحان عبد للا ربي أ ين أوف سئل إن كان ي‬ ‫ي‬ ‫للسبک أن‬
‫ي‬
‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬
‫فقال نعم فسئل بعدما نزلت سورة النور أم قبلها؟‬
‫ر‬
‫الن حذفت من القرآن مع بقاء‬
‫ه ي‬ ‫(*) الية المنسوخة التالوة الباقية الحكم‪ ،‬ي‬
‫حكمها ساريا‪.‬‬
‫~ ‪~ 43‬‬

‫فقال ال أدري (ص‪ )۳۳۳‬وتعزز هذه الرواية الشك يف الرجم ألن‬


‫سورة النور اقتضت عىل عقوبة الجلد‬
‫ونظرا لتحريم االجتهاد يف موضع النص لم يكن ميسورة إعالن رأي‬
‫قوبتي‪ .‬ولعل الفقهاء قد وضعوهما عىل مالك‬ ‫هاتي الع ر‬
‫ما بشأن ر‬
‫ر‬
‫الن قال‬
‫االستثناء من حكم الحديث‪ ،‬وهو عام يف سائر األحكام ي‬
‫الفقهاء بوجوب تنفيذها بضبة واحدة شيعة بالسيف‬
‫ر‬
‫ويبدو التمسك بهذا الحديث موجها ضد وسائل اإلعدام ال ين‬
‫وه االعدام بالتعذيب‪ .‬وبناء عىل نفس‬ ‫شاعت بعد الراشدين ي‬
‫االعتبارات حرم الفقهاء االعدام بالنار‪ .‬وقد استندوا إىل حديث‬
‫هبار‪ ،‬ولم يجعلوا أفعال أبو بكر سابقة وإنما اعتذروا له بأحتمال‬
‫عدم سماعه بالحديث‪ .‬كذلك لم يعتدوا بروايات حرق المرتدين‬
‫أن طالب ألن األحكام الرسعية ال تؤخذ عندهم من‬ ‫عىل بن ي‬
‫عىل يد ي‬
‫مصادر التاري خ العام‪ ،‬السيما وأن هناك روایات تفيد أن كال من أبو‬
‫نه عن المثلة (‪.)53‬‬
‫وعىل ي‬
‫بكر ي‬
‫کتابي من أبو بكر إىل المهاجرين أمية قائد الجيش المبعوث إىل‬
‫(‪ )53‬أورد الطيي ر‬
‫غنيتي غنت احداهما بهجاء ي‬
‫النن‬ ‫اليمن يف حروب الردة بعد أن بلغه أنه عذب م ر‬
‫لمي‪ ،‬يف الكتاب األول استصغر أبو بکر عقاب المغنية‬‫واألخرى بهجاء المس ر‬
‫الثان‬
‫وف ي‬ ‫بالتعذيب وقال إن حكمها هو القتل ألن حد األنبياء ليس يشبه الحدود‪ .‬ي‬
‫ع اإلسالم فأدب وتقدمة دون المثلة‪ .‬وإن كانت‬ ‫استعظمه قائال‪ :‬إن كانت ممن تد ي‬
‫بالنه عن المثلة إل يف‬
‫ي‬ ‫ذمية فما صفحت عنه من الرسك أعظم‪ ،‬وأختتم الكتاب‬
‫القصاص ج ‪ .500/2‬وأورد أبن سعيد يف (الطبقات) ج ‪ 2‬ق‪ 2‬ص‪( 23‬ط بروکلمان‬
‫لعىل بعدم تعذيب أبن ملجم‬ ‫س يف (إعالم الوری) ص‪ ۲‬وصية ي‬ ‫ليدن) والطي ي‬
‫واالكتفاء بقتله قصاصا‪.‬‬
‫~ ‪~ 44‬‬

‫التعذيب مقابلة بالمثل‪:‬‬


‫اليمذي يف باب الديات من صحيحه أن يهودية قبض عىل‬ ‫أخرج ر‬
‫الحىل‪ .‬وقد‬
‫ي‬ ‫جارية محالة فرضخ رأسها بحجر وأخذ ما عليها من‬
‫لنن به فقتل بنفس‬ ‫ماتت الجارية‪ .‬وقبض عىل اليهودي فأمر ا ر ي‬
‫الطريقة ‪ -‬رضخ رأسه ربي حجرين‪ ،‬وعقب اليمذي عىل الخي‪:‬‬
‫حديث حسن صحيح‪ .‬والعمل عىل هذا عند أهل العلم وهو قول‬
‫أحمد واسحق‪ .‬وقال بعض أهل العلم القود ‪-‬قصاص‪ -‬إل بالسيف‬
‫نيي ‪ -‬الذي أشنا إليه آنفا‬ ‫(‪ .)54‬يبدو من هذا الحادث‪ ،‬وخي العر ر‬
‫جواز القتل تعذيبا عىل سبيل المقابلة بالمثل عند بعض الفقهاء‪.‬‬
‫اليك أفضل (‪ .)55‬وينقل‬ ‫وقد ضح ابن تيمية بذلك‪ ،‬لكنه قال إن ر‬
‫عن أبو بكر عدم جواز المقابلة بالمثل يف العالقات الخارجية‪ ،‬وقد‬
‫أن بكر برأس‬ ‫ان عن عقبة بن عامر الجه ين أنه قدم عىل ي‬ ‫أورد االقرس ي‬
‫ألحد بطارقة الروم فأنكر ذلك‪ .‬فقال له‪ :‬إنهم يفعلون ذلك بنا‪.‬‬
‫فأجابه‪ :‬فال استنان بفارس والروم ‪ .‬وقال االقرس ي‬
‫ان يف معرض‬ ‫(‪)56‬‬

‫ذلك انهم حرموا حمل رؤوس الكفار ألنه مثلة كذلك يتفق الفقهاء‬
‫وه أن يكون‬ ‫عىل عدم جواز المقابلة بالمثل يف مسألة الرهائن‪ ،‬ي‬
‫المسلمي وعدوهم رهائن متقابلة فإذا قتل العدو رهائن‬
‫ر‬ ‫لدى‬
‫حن يسلموا‪ ،‬أو‬ ‫المسلمي لم يجز قتل رهائن الكفار‪ .‬وإنما يحبسون ر‬
‫ر‬
‫يصيوا ذمة ‪ -‬أي يقبلوا رعوية الدولة اإلسالمية‪ ،‬وعندئذ يخىل عنهم‬ ‫ر‬
‫الجنان‪،‬‬
‫ي‬ ‫(‪ ،)57‬ومرد عدم الجواز هو المسؤولية الفردية عن العمل‬
‫اليمذي‪ ،‬ويقصد به الحديث‬ ‫(‪ )54‬الحديث الحسن الصحيح من مصطلحات ر‬
‫الخاىل من المطاعن والهنات ‪ -‬وهو شط الحسن‪ ،‬فهو حديث حسن‬ ‫ي‬ ‫الموثق السند‬
‫(‪ )55‬السياسة الرسعية ص ‪۷۸‬‬ ‫يف مرتبة الصحيح‪.‬‬
‫الحنق (سعید بن اسماعیل)‪( .‬سياسة الدنيا والدین)‪ ،‬مخطوط يف‬
‫ي‬ ‫ان‬
‫(‪ )56‬األقرس ي‬
‫السي‬ ‫ر‬
‫البيهق يف كتابه ر‬ ‫مكتبة األوقاف ببغداد‪ .‬رقم‪ ،640‬ورقة ‪ ،3۸‬والحديث أخرجه‬
‫ي‬
‫من سننه‪ .‬األستنان = االقتداء‬
‫(‪ )57‬انظر‪ ،‬أبو يعىل (األحكام السلطانية)‪ ،‬القاهرة ‪ ۱۳5۷‬ه ص‪ ،33‬أبو عبيد‬
‫(األموال) القاهرة ‪ ۱۹۷5‬م ص ‪۲11‬‬
‫~ ‪~ 45‬‬
‫الجماع‪ ،‬وهو ممنوع يف الرسيعة بنص‬
‫ي‬ ‫مما يدخله يف باب القصاص‬
‫ٌ‬
‫القرآن‪{ :‬ول تزر وازرة وزر أخرى}‪ ،‬مالم يثبت ارتكاب الرهائن جرائم‬
‫توجب العقوبة‪ ،‬وعندئذ يعاقبون قصاصا عىل فعل صدر منهم‪،‬‬
‫التعذيب دون القتل‪:‬‬
‫النه العام عن المثلة‪ .‬وهو‬‫ي‬ ‫حرمه الفقهاء بجميع أشكاله استنادا إىل‬
‫وغي ذلك‪ .‬وفيما‬
‫االعياف والعقوبة وتعذيب العبد ر‬ ‫ر‬ ‫يشمل تعذيب‬
‫ر‬
‫يتعلق باألول قال أبو يوسف إن االعياف الناس عن ضب المتهم‬
‫ّ‬
‫وإيذائه ال يعتد به (‪ .)58‬وهو ما قاله المحقق الح يىل ‪ -‬من فقهاء‬
‫األمامية يف باب الحدود من (المختض النافع)‪ ،‬بأن السارق إذا أقر‬
‫بالرسقة تحت الضب ال تقطع يده‪ .‬وفرق بعض الفقهاء ربي ضب‬
‫األخية إطالقا وتسامحوا‬ ‫ر‬ ‫المتهم وتعذيبه بالوسائل األخرى‪ ،‬فحرموا‬
‫يف األول ‪ -‬الضب‪ .‬فقد أجاز ابن تيمية ضب اللصوص الستخراج‬
‫األموال منهم (‪ .)59‬ووضع الماوردي قاعدة عامة بشأن الضب‬
‫تضمنت جوازه مع قوة التهمة‪ ،‬أي أن تكون هناك دالئل ترجح‬
‫صدور الفعل عن المتهم‪ ،‬عىل أن يكون ضب تعزير ال ضب حد‪..‬‬
‫أي دون القدر األدن للعقوبات الرسعية وهو أربعون سوطا‪ .‬ووضع‬
‫هدفي‪ :‬أن يضب ليصدق عن حاله‪ ،‬وأن يضب‬ ‫ر‬ ‫الماوردي للضب‬
‫ليقر‪ ،‬واألول هو أن يقدم إجابات صحيحة عن أمور أخرى يحتاج‬
‫المحقق إىل معرفتها يف مجرى التحقيق‪ ،‬فإذا ضب لهذا الغرض‬
‫أخذت إفادته باالعتبار‪ .‬أما إذا ضب ليقر فإن إقراره ال يصح‪ .‬لكن‬
‫ه أن يضب ليصدق عن حاله‬ ‫ر‬
‫الماوردي يفيض حالة ثالثة ي‬
‫فيتجاوز ذلك إىل اإلقرار ‪ -‬دون أن يكون هو المقصود من الضب‪،‬‬
‫بق عىل اإلقرار أخذ به‪ ،‬وإذا‬ ‫ر‬
‫وعندئذ يقطع ضبه ويعاد إقراره‪ ،‬فإذا ي‬
‫أنكر جاز للمحقق أن يعمل باإلقرار‬
‫(‪ )58‬الخراج‪ .‬ط القاهرة ‪ ۱۳52‬ه‪ .‬ص‪.175‬‬
‫(‪ )59‬السياسة الرسعية ص‪.58‬‬
‫~ ‪~ 46‬‬
‫فيعط‬
‫ي‬ ‫األول ولكن مع الكراهية (‪ )6۰‬وهنا يتسامح الماوردي‬
‫المحقق فرصة لالستفادة من اإلقرار بالضب عىل أن يكون الغرض‬
‫من الضب هو االخبار عن أموره العامة وليس اإلقرار بالتهمة‪ .‬وهذا‬
‫والشافغ ال‬
‫ي‬ ‫شافغ المذهب‪،‬‬‫ي‬ ‫اجتهاد من الماوردي المعروف أنه‬
‫يوافق عىل الضب‪ ،‬وكذا أبو حنيفة ومالك وهو موقف األمامية‬
‫ّ‬
‫أيضا كما أسلفنا عن المحقق الح يىل‪ ،‬لكن المالكية أجازوه خالفا‬
‫كي‬ ‫ألمامهم وقالوا ف اجازته بأنه يكون سببا ف اإلزدجار ح رن ال ي ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫اإلقدام عىل الجرائم (‪.)61‬‬
‫غي مسموح به خارج العقوبات المنصوص عليها‬ ‫التعذيب للعقوبة ر‬
‫المسلمي بعد الراشدين مخالفة‬ ‫ر‬ ‫واعتي الفقهاء ما صدر عن الحكام‬
‫الن تمس شخص‬ ‫ر‬
‫للرسع‪ ،‬ال سيما يف الجرائم السياسية والمخالفات ي‬
‫غيهم من فئات‬ ‫الحاكم‪ ،‬وقد عن الفقهاء بهذه المعضلة أ ر‬
‫كي من ر‬ ‫ي‬
‫المسلمي بحكم اختصاصهم كرجال قانون (وهم بهذه‬ ‫ر‬ ‫المثقفي‬
‫ر‬
‫يتميون عن كونهم رجال دين) وقاموا حينذاك بالدور الذي‬ ‫الصفة ر‬
‫تقوم به منظمات حقوق االنسان‪ ،‬ولو أنهم أخفقوا مثلها يف صد‬
‫بالكثي من البلدان‪،‬‬ ‫ر‬
‫الن ال تزال تعصف‬
‫ر‬ ‫هذه الموجة الجنونية ي‬
‫وفية مضادة للتعذيب‬ ‫وتحتوي مصادر الفقه والحديث عىل مادة ر‬
‫أكي إشاقا لو أن الفقهاء تجرأوا عىل إعادة النظر يف بعض‬ ‫ربما تكون ر‬
‫العقوبات الرسعية كالرجم والقطع لما فيها من عناض المثلة‪ .‬وقد‬
‫مر بنا مع ذلك أنهم اختلفوا حول الرجم حيث أنكره بعض فقهاء‬
‫الخوارج‪ ،‬ووضع آخرون لتنفيذه شوطا تؤدي مراعاتها إىل تقليص‬
‫أصىل يف‬ ‫اشيطوا الثبوت الزنا أربعة شهود‪ ،‬وهو شط‬ ‫مداه‪ ،‬فقد ر‬
‫ي‬
‫اف وهو أن‬ ‫الرسيعة ولكن معظم الفقهاء ذهب إىل إثقاله برسط إض ي‬
‫يكون الشاهد قد رأى فعل الزنا عيانا‪ ،‬أي أن «يرى الميل يف‬
‫(‪ )60‬األحكام السلطانية ص ‪.243‬‬
‫الشاطن‪« :‬االعتصام) القاهرة ‪.295-294/2 ،1913‬‬
‫ي‬ ‫(‪)61‬‬
‫~ ‪~ 47‬‬

‫المكحلة»‪ .‬كما تعي عنه عبارة تنسب إىل عمر بن الخطاب يف قصة‬
‫المغية بن شعبة‪ ،‬دون الوقوف عىل الهيئة الظاهرة للجماع‪ ،‬أي‬‫ر‬ ‫زنا‬
‫حن يف حدائق‬ ‫المضاجعة‪ .‬ومن المؤكد أن هذا لن يتهيأ للمشاهد ر‬
‫االسالم والفقهاء‬
‫ي‬ ‫أوروبا العامة ناهيك عن أن يكون يف المجتمع‬
‫غي‬‫عىل اتفاق يف أن الرجل والمرأة إذا وجدا يف لحاف واحد وكانا ر‬
‫زوجي يعاقبان بالتعزير فقط ‪ .‬إن عقوبة الرجم ي‬
‫ه كما قلنا‬ ‫(‪)62‬‬
‫ر‬
‫ان المحصن‪ ،‬أما العزاب فيعاقبون بالجلد مئة سوط‪ .‬وقد‬ ‫للز ي‬
‫ه (‪:)63‬‬
‫وضعت للجلد شوط تخفف من أضاره ي‬
‫واللي‪.‬‬
‫‪ -1‬أن يجلد بسوط خفيف ربي الشدة ر‬
‫‪ -۲‬أن ال يجرد من ثيابه إل ما كان منها ثخينا كالفرو‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن ال يضب يف الحر الشديد واليد الشديد وإنما عند اعتدال‬
‫الهواء‪.‬‬
‫‪ - 4‬تجنب المواضع المهلكة كالوجه والبطن‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن يضب قاعدا مع عدم المد والغل والقيد‪.‬‬
‫‪ -6‬يجوز تقسيط الجلدات إىل خمسة أيام‪.‬‬

‫يبق للجلد مفعول سوى داللته األدبية الماسة‬ ‫ومع هذه الرسوط ال ر‬
‫بالقواني الحديثة إىل إلغائه يف معظم‬
‫ر‬ ‫بكرامة االنسان وهو ما أدى‬
‫المجتمعات‪ ،‬وللفقهاء تقييدات إضافية للعقوبات‪ ،‬فقد قال أبو‬
‫حنيفة أن السكران ال يجلد إال إذا بلغ يف سكره حدا ال يفرق فيه ربي‬
‫السماء‪ .‬واألرض أو ربي الرجل والمرأة (‪.)64‬‬
‫الطالن‬
‫ي‬ ‫ىص‪( ،‬الموجز) من كتب الخوارج‪ ،‬تحقيق‪ ،‬عمار‬ ‫الكاف اإلبا ي‬
‫(‪ )62‬ابن عمار ي‬
‫الرسكة الوطنية للتوزي ع ‪ -‬الجزائر‪.211/2 ،1978 .‬‬
‫تفسي الرازي ‪ -‬المختض النافع ‪ -‬المحاضات والمحاورات‬ ‫ر‬ ‫(‪ )63‬ملخصا عن‪،‬‬
‫ر‬
‫للسيوط يف مکتب ين باريس األهلية وأوقاف بغداد)‪.‬‬ ‫(مخطوطة تنسب‬
‫ي‬
‫غن) إلبن قدامة‪ .‬ط القاهرة ‪۱36۷‬ه‪.213 /8 .‬‬ ‫(‪( )64‬الم ي‬
‫~ ‪~ 48‬‬
‫والمعروف عن أبو حنيفة أنه أباح النبيذ‪ .‬وقد استفاد الناس من هذه‬
‫ا‬
‫األصفهان أن رجل لقيه يف الطريق‬
‫ي‬ ‫وف محاضات الراغب‬ ‫الرخصة‪ .‬ي‬
‫وهو سكران من النبيذ فقال‪ :‬يا أبا حنيفة يا ابن الزانية قد شبت‬
‫ا‬
‫النبيذ بفتواك! بينما أثارت هذه الفتوى زوبعة ربي أتباعه فضل عن‬
‫خصومه (‪ .)65‬وقال الفقهاء إن السارق ال يقطع إال إذا شق من مال‬
‫ا‬
‫محرز‪ ،‬والمحرز أن يكون مقفل أو مدفونا من مالكه‪ ،‬ولذا ال يقطع‬
‫من شق الكعبة أو المسجد أو بيت المال لعدم توفر شط األحراز‬
‫البساتي والزروع‪ .‬وكذا من شق من حرز‬ ‫ر‬ ‫فيها‪ ،‬كما ال يقطع سارق‬
‫ر‬
‫غيه ‪ .‬وال يقطع سارق المواد ي‬
‫الن يرسع إليها التلف كاللحم‬ ‫(‪)66‬‬
‫هتكه ر‬
‫الكثي كالخشب (‪ .)67‬وحددوا معن الرسقة‬ ‫والفواكه وسارق المباح ر‬
‫بأخذ المال عىل سبيل الخفية واالستتار فإن اختلس أو نشل لم يكن‬
‫الي أو الطرارين‪.‬‬‫سارقا وال قطع عليه (‪ .)67‬ويشمل هذا الحكم النش ر‬
‫وال يستفاد من هذا إباحة الرسقة يف هذه األمور فالمقصود هو‬
‫عقوبة القطع فإذا لم تتوفر شوطها عوقب السارق بعقوبات أخف‬
‫كالحبس أو التعزير‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة بعدم العقوبة عىل اللواط يف رواية ‪ .‬ي‬
‫وف أخرى‬ ‫(‪)69‬‬

‫ان (‪ .)70‬ويروى عنه أنه قال من‬ ‫بالجلد ما دون الحد المقرر للز ي‬
‫يصي شبهة (‪ .)71‬يقصد أن‬ ‫استأجر امرأة رلي ين بها ال يحد ألن العقد ر‬
‫كني هما المهر الذي‬ ‫عقد االستئجار هو كعقد الزواج‪ ،‬ألنه يتضمن ر ر‬
‫‪------------------------‬‬
‫اف‪ ،‬وكان حنفيا‪ ،‬يف حديث عن إباحة أبو حنيفة للنبيذ‪:‬‬ ‫السي ي‬
‫(‪ )65‬قال أبو سعيد ر‬
‫وألن حنيفة مسائل أرتضيها له وقد خالفه فيها أعيان الصحابة والناقة لمذهبه‪.‬‬ ‫" ي‬
‫معجم األدباء الياقوت ‪ )66( .170/۷‬انظر أبواب الحدود يف (المختض النافع)‬
‫المغن البن قدامة ‪ -‬أعاله ‪.253/8-‬‬
‫ي‬ ‫وأحكام الماوردي السلطانية‪ .‬كذلك‬
‫المغن البن قدامة ‪ -‬أعاله – ‪.240/8‬‬
‫ّي‬ ‫(‪)68‬‬ ‫(‪ )67‬االقرسا ين‪ ،‬المصدر أعاله‪.‬‬
‫(‪ )70‬المحىل البن حزم‪ ،‬القاهرة ‪۱۳47‬ه ‪،‬‬ ‫(‪ )69‬نفسه ‪.189-188/8‬‬
‫الحرمي)‪( ،‬مغیث الخلق يف ترجيح‬
‫ر‬ ‫الجوين (أمام‬
‫ي‬ ‫المعاىل‬
‫ي‬ ‫‪ )71( .382/11‬أبو‬
‫القول الحق)‪ ،‬القاهرة ‪1934‬ص‪.44‬‬
‫~ ‪~ 49‬‬
‫اىص بينهما‪ .‬وأخذ األجرة دليل مادي‬ ‫ر‬
‫أجرة‪ ،‬والي ي‬
‫ّ‬
‫يدفع للمرأة يف شكل‬
‫وف المحىل البن حزم أن أبا حنيفة لم ير الزن إل ما‬ ‫عىل رضا المرأة‪ .‬ي‬
‫كان مطارفة‪ ،‬وأما ما كان فيه عطاء أو استئجار فليس زنا وال حد فيه‪،‬‬
‫الن أتت راعيا فسألته الطعام‬ ‫ر‬
‫وقد استند يف هذا إىل خي الجائعة ي‬
‫حن تعطيه نفسها فوافقت‪ .‬ثم جاءت إىل عمر (بن‬ ‫فأن عليها ر‬
‫ي‬
‫يعن هذا‬‫وال ي‬ ‫‪.‬‬ ‫)‬‫‪۷۲‬‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬
‫الخطاب) فأخيته فقال مهر‪ ،‬ودرأ عنها الحد‬
‫القول من أبو حنيفة أباح البناء‪ .‬ويجب عىل أي حال أن يفهم يف‬
‫ضوء االتجاه إىل تقليص حاالت تطبيق العقوبة عىل الزنا‪ ،‬مع ما‬
‫يحمله من التفريق ربي زنا الرغبة وزنا الحاجة ‪ -‬انظر الهامش‪.‬‬
‫يقصد بالمطارفة ما كان عن مجرد رغبة عابثة‪ ،‬ورواية ابن حزم‬
‫وه بحسب قصة الجائعة المنقولة عن عمر‬ ‫أقرب إىل المعقول‪ .‬ي‬
‫المزن بها دون الرجل‪ ،‬ألنها زنت اضطرارا – ال‬ ‫ي‬ ‫حكم خاص بالمرأة‬
‫اع الذي ال تذكر الرواية حكمه‪،‬‬ ‫مطارفة وهذا ال يرفع االعقوبة عن الر ي‬
‫إذ يبدو إنه كان مجهول لعمر‪ ،‬وإل لكان من المفروض أن يقع عليه‬
‫الجوين تفيد أن عدم العقوبة يشمل الرجل‪ .‬ويجب‬ ‫ي‬ ‫الحد‪ .‬ورواية‬
‫عدم الوثوق بها ألن كتابه مكرس للتشنيع بأبو حنيفة وليس لدراسة‬
‫األحكام الفقهية‪ ،‬ويمكن أن نفهم من مجمل هذه األقوال أن أبو‬
‫الن تز ين اضطرارا‪ .‬وبالطبع فهذا‬ ‫ر‬
‫حنيفة يريد رفع العقوبة عن المرأة ي‬
‫يشمل البغايا ألن زناهن للحاجة وليس للرغبة‪ ،‬والبد أن العقوبة ال‬
‫تسقط عن الرجل (الفاعل) لعدم توفر هذا القيد‪.‬‬
‫ويمكننا أن نرصد اتجاها عاما ربي الفقهاء يف التشدد يف جرائم القتل‬
‫العمد وقطع الطريق والتساهل فيما عداها‪ .‬وهناك قاعدة تقول‪:‬‬
‫خي الشهود (أي من شهدوا الجريمة) ربي إقامة الحد عند اإلمام‬ ‫ي ر‬
‫وب ري السي عىل المشهود عليه وإستتابته‪ ،‬بحسب المصلحة؛ فإن‬ ‫ر‬
‫ترجح عندهم أنه يتوب س ريوه وان كان يف ترك الحد عليه ضر‬
‫(‪ )72‬المحىل ‪ -‬أعاله – ‪.250/۱۱‬‬
‫~ ‪~ 50‬‬
‫وتعط هذه القاعدة دورا‬ ‫ي‬ ‫للناس كان الراجح رفعه إىل اإلمام (‪.)73‬‬
‫للجمهور يف معالجة الجريمة دون رفعها إىل السلطة‪ .‬ولم يحدد صنف‬
‫الجرائم المشمولة بهذا اإلجراء لكن اإلشارة إىل ما فيه ضر للناس‪،‬‬
‫ر‬
‫التسي عىل‬ ‫ر‬
‫الن ال يجوز‬
‫يمكن أن تنسحب عىل جرائم القتل والرسقة ي‬
‫ر‬
‫الن‬
‫بالتاىل أن يكون المقصود هنا هو الجرائم الشخصية ي‬ ‫ي‬ ‫فاعلها وال بد‬
‫وه الزنا وشب الخمر وما أشبه‪.‬‬ ‫يسميها القرآن فواحش‪ ،‬ي‬
‫وللقاعدة المذكورة أصل يف القرآن هو الية ‪16‬من سورة النساء‪:‬‬
‫{واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن‬
‫ّ‬
‫اّلل كان توابا رحيما}‬
‫تفسي هذه الية‬ ‫ر‬ ‫واالشارة إىل الرجل والمرأة‪ ،‬وقد ذكر الزمخرسي يف‬
‫إن المراد باإليذاء ذمهما وتعنيفهما وتهديدهما بالرفع إىل األمام‪ .‬فإن‬
‫تابا قبل الرفع إىل األمام فاعرضوا عنهما وال تتعرضوا لهما (‪ ،)۷4‬وقد‬
‫فق طبقات ابن سعد عن عبد‬ ‫وردت روايات تتضمن هذا المعن‪ .‬ي‬
‫الرحمن بن حرملة أنه جاء إىل سعيد بن المسيب يسأله‪ :‬وجدت‬
‫يسعن أن ال أرفعه إىل السلطان؟ فقال له سعيد‪:‬‬ ‫رجال سكرانا ر‬
‫أفياه‬
‫ي‬
‫فاسيه (‪ .)75‬ويورد ابن سعد توجيه‬ ‫ر‬ ‫تسيه بثوبك‬‫إن استطعت أن ر‬
‫تكن الفواحش وراء البيوت‬ ‫لعمر بن عبد العزيز بعدم التعرض لمر ي‬
‫لنن شجع‬ ‫(‪)۷6‬‬
‫اىل يف «إحياء علوم الدين‪ ،‬إىل أن ا ي‬ ‫‪ .‬وأشار الغز ي‬
‫السي واالنكار (‪ .)۷۷‬وقد ورد هذا التوجيه يف حديث‬ ‫المقارفي عىل ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫أخرجه مالك يف الموطأ نصه‪( :‬من أن شيئا من هذه القاذورات‬
‫بسي للا‪ ،‬فإن من أبدى لنا صفحته نقم عليه كتاب‬ ‫فليستي ر‬‫ر‬
‫للا)(‪.)۷۸‬‬
‫المقدس‪ ،‬حاشية عىل (المقنع) البن قدامة‪ ،‬السلفية ‪445-444/3 ،۱۳۸۲‬‬
‫ي‬ ‫(‪)73‬‬
‫تفسي سورة النساء‪ )75( .‬ابن سعد‪ ،‬ط لیدن ‪.99/5‬‬
‫ر‬ ‫‪/‬‬
‫(‪ )74‬الكشاف ‪256 1‬‬
‫‪/‬‬
‫(‪ )۷۷‬إحياء علوم الدين ‪،۱۲۰ 3‬‬ ‫(‪ )۷6‬نفسه ‪.۲6۹/5‬‬
‫ّ‬
‫(‪ )78‬الموطأ ص ‪ )79( ،335‬المحىل ‪153/11‬‬
‫~ ‪~ 51‬‬
‫النن كان‬ ‫وربما أمكننا استبعاد صحة هذا الحديث إذا استبعدنا كون ي‬
‫غيه‪ .‬لكن‬ ‫مجرد وكيل تنفيذ فهو يسغ لتخفيف قسوة أحكام شعها ر‬
‫الحديث عىل أي حال ينسجم مع القاعدة الفقهية المذكورة‬
‫النن‪« :‬تدرأ‪ ،‬أو إدرأوا‪ ،‬الحدود‬ ‫وأوردت مصادر الفقه والحديث قول ي‬
‫تفسي‬
‫ر‬ ‫قضان هام هو‬ ‫ي‬ ‫بالشبهات»‪ .‬ويشتمل هذا الحديث عىل مبدأ‬
‫ا‬
‫الشك لمصلحة المتهم‪ ،‬ويقول ابن حزم إن أشد الفقهاء قول‬
‫ا‬
‫بمضمونه واستعمال له هو أبو حنيفة وأصحابه‪ ،‬ثم مالك‪ ،‬ثم‬
‫الشافغ (‪.)۷9‬‬
‫ي‬
‫وشدد الفقهاء عىل مسألة تعذيب العبيد‪ .‬وقد استعرضنا بعض‬
‫األحاديث المتعلقة بذلك‪ ،‬وهناك اتفاق عام عل تحريم الخصاء‬
‫ألنه مثلة‪ .‬ويعتي العبد منعتقا تلقائيا إذا خصاه مواله‪ .‬ولهذا السبب‬
‫سالم آنذاك رغم الحاجة إىل‬ ‫ي‬ ‫لم تزدهر تجارة الخصيان يف العالم اإل‬
‫األندلسيي‬
‫ر‬ ‫هذا الصنف من العبيد‪ .‬ويقول أنجلز يف أصل العائلة‪ ،‬إن‬
‫كانوا يحصلون عىل حاجتهم من الخصيان من االمياطورية‬
‫الن تخصصت يف هذه التجارة) (‪ .)80‬وينعتق‬ ‫ر‬
‫الجرمانية المقدسة ي‬
‫العبد تلقائيا كذلك إذا عذبه مواله عىل رأي األمامية‪ .‬وحرموا‬
‫الضب واللطم للعبيد ولكن دون أن يرتبوا عليهما االنعتاق مالم‬
‫يبلغا حد التنكيل‪ ،‬وهو المبالغة يف اإليالم‪ ،‬كما خففت عقوبة الجلد‬
‫الن‬‫ر‬
‫الرسعية عىل العبد إىل نصف مقدارها عىل الحر يف الجرائم ي‬
‫أن طالب إنه قال يف تعليل هذا‬ ‫عىل بن ي‬ ‫تستوجبها‪ ،‬ويروى عن ي‬
‫التخفيف‪« :‬إن للا أكرم من أن يجمع عليه الرق والحد)‪..‬‬
‫واختلفوا عىل حكم السيد إذا قتل عبده‪،‬‬
‫(‪ )80‬انظر الهامش يف ص‪ ۳۱5‬من النص االنگ رليي المشهور ضمن األعمال‬
‫المختارة ‪ Selected Work‬لكارل ماكس وفريدريك إنجلز‪ .‬دار التقدم‪ -‬موسكو‬
‫ر‬
‫الن ال يتوفر لدي فيه منها يف الوقت‬ ‫ر‬
‫‪ ۱۹76‬ولمراجعته يف اليجمات العربية ‪ -‬ي‬
‫العرن ‪ -‬ينظر فصل نشوء الدولة عن الجرمان‪.‬‬
‫ي‬ ‫المباش لوجودي خارج العالم‬
‫~ ‪~ 52‬‬
‫النسان حديثة يقول (‪( :)81‬من قتل عبده قتلناه ومن‬ ‫ي‬ ‫وقد أخرج‬
‫جدعه جدعناه ومن خصاه خصيناه)‪ ،‬والحديث مقبول عند عامة‬
‫اليامه نصيا‪ :‬فرسه بعضهم عىل‬ ‫الفقهاء والمحدثي لكنهم تفاوتوا ف ر‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫النه فلم يعتيوه نصا يف العقوبة وقالوا‬ ‫ي‬ ‫سبيل الزجر والتغليظ يف‬
‫ر‬
‫البيهق‬ ‫بعقوبة القاتل بما دون القتل‪ ،‬واحتجوا عليه بخي يف سي‬
‫ي‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫النن ونفاه سنة ومحا سهمه من‬ ‫ي‬ ‫فجلده‬ ‫عبده‬ ‫قتل‬ ‫رجل‬ ‫يفيد أن‬
‫غيه ومن‬ ‫المسلمي ولم يقتله‪ .‬وقال آخرون بقتل الحر إذا قتل عبد ر‬ ‫ر‬
‫هؤالء‪ :‬أبو حنيفة وسفيان الثوري‪ ،‬يف رواية عنه‪ ،‬وابن ي‬
‫أن ليىل‬
‫والشافغ وداود الظاهري‪ .‬وقالت فئة ثالثة بقتل السيد إذا قتل‬ ‫ي‬
‫النخغ وسفيان الثوري يف رواية‬
‫ي‬ ‫اهيم‬ ‫ر‬ ‫واب‬ ‫البخاري‬ ‫ومنهم‬ ‫عبده‬
‫أخرى عنه‪ ،‬وأهل السنة واالمامية عىل اتفاق بأن الحر ال يقتل‬
‫الطائفتي‬
‫ر‬ ‫هاتي‬
‫غيه‪ ،‬ويكرس رأي ر‬ ‫بالعبد‪ ،‬سواء كان عبده أو عبد ر‬
‫اليدي األشمل يف العصور "البعد – إسالمية" مما يتضح عىل‬ ‫حالة ر‬
‫الخصوص من مقارنته بآراء الفقهاء الذين ذكرنا أسماءهم للتو‪ ،‬وهم‬
‫الطائق المعاض‪ ،‬من أئمة أهل السنة‬ ‫ي‬ ‫معدودون‪ ،‬حسب التصنيف‬
‫(‪.)82‬وتسقط الحدود بالتقادم وهو للخمر بزوال ريحته من الفم عند‬
‫مض شهر‬ ‫الشيبان‪ ،‬وللزنا والقذف والرسقة ي‬ ‫ي‬ ‫العموم‪ ،‬وشهر عند‬
‫عند الفقهاء الثالثة والتقادم ال يشمل القتل العمد‪.‬‬
‫النسان‪ )۸2( ،20/8‬الحظ هنا أن أتباع الفقهاء األوائل‪ ،‬ومنهم رؤساء‬ ‫ي‬ ‫(‪ )81‬سي‬
‫الكثي من آرائهم‪ ،‬ويرجع هذا من‬ ‫المذاهب األربعة وأئمة أهل البيت يختلفون حول ر‬
‫ر‬
‫بعض الوجوه إىل اختالف الروايات من الفقهاء الذين لم ييكوا مؤلفات‪ ،‬ولكننا نجد‬
‫من جهة أخرى أي الفقهاء المذكورين كانوا قد ظهروا يف وقت مبكر من العصور‬
‫اإلسالمية فأدلوا بآراء أشكلت عىل أتباعهم الذين جاؤوا يف أطوار متأخرة تبلور فيها‬
‫تمي بها معظم فقهاء الطور‬ ‫الن ر‬ ‫ر‬
‫دين عىل حساب العقالنية االجتماعية ي‬ ‫الوع ال ي‬
‫ي‬
‫األول ‪ -‬ومن هنا نقدهم لبعض آراء أبو حنيفة‪ ،‬كما مر بنا يف الهامش ‪ ،6۲‬وتعمد‬
‫الشافغ ضمن‬ ‫اليكية‪ .‬وإدراج‬‫بعضهم إخفاءها أو تجاهلها السيما ف عصور السلفية ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الفقه‬
‫ي‬ ‫وه كتابه‬
‫ي‬ ‫)‬ ‫الرسالة‬ ‫(‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫عليه‬ ‫نص‬ ‫أنه‬ ‫القائلي بعدم قتل الحر بالعيد رغم‬
‫ر‬
‫‪:‬‬
‫األرأس‪ .‬انظر ص ‪ 541‬البنود‪.1594 - 1589‬ط احمد محمد شاكر‪ ،‬القاهرة ‪1940‬‬
‫~ ‪~ 53‬‬

‫أحكام عامة‪:‬‬
‫‪ -1‬منع الخصاء لإلنسان والحيوان‪ .‬واعتيوه من واجبات‬
‫الخاىص ومالحقته بالقصاص أو الدية‬‫ي‬ ‫المحتسب الذي يتوىل تأديب‬
‫يف حال حدوث وفاة بسبب الخصاء‪ ،‬وقد طبق المنع بالملموس‪،‬‬
‫المسلمي وأغنيائهم يحصلون بالرساء عىل الخصيان‬ ‫ر‬ ‫فكان أمراء‬
‫المجلوبي من خارج دار اإلسالم (انظر الهامش ‪)۷۷‬‬ ‫ر‬
‫بغي اذن أهلها‪ .‬وسمح‬‫‪ -2‬مراعاة حرمة المنازل بمنع دخولها ر‬
‫للمحتسب بإقتحام الميل عند الشك بإحتمال وقوع جريمة كأن‬
‫ا‬
‫يصل إىل علم المحتسب أن رجل خال بآخر ليقتله أو احتمال‬
‫حصول زنا أو لواط‪ .‬وال يجوز اإلقتحام يف حال شب الخمر ألنه من‬
‫ر‬
‫وف السماح له‬‫عن صاحبها وحده‪ .‬ي‬ ‫الن ت ي‬
‫المخالفات الشخصية ي‬
‫بذلك يف حال الزنا واللواط إشكال ألنها معدودة يف المخالفات‬
‫الفقه مالبسات الحدث وما إذا كان‬ ‫ي‬ ‫الشخصية‪ .‬ولم يوضح النص‬
‫الفعل عىل سبيل االغتصاب‪.‬‬
‫ال‪:‬‬
‫آراء للغز ي‬
‫األصوليي (علماء أصول الفقه)‬ ‫غي معدود يف الفقهاء إنما يف‬ ‫اىل ر‬ ‫الغز ي‬
‫ر ّ‬ ‫ر‬
‫جتماع وكاتب‬
‫ي‬ ‫والهون ومتصوف ومفكر إ‬ ‫ي‬ ‫وهو قبل هذا فيلسوف‬
‫سياس‪ ،‬وكتابه «احیاء علوم الدين»‪ ،‬يجمع هذه االختصاصات يف‬ ‫ي‬
‫الثان‬
‫جملتها‪ ،‬وقد تعرض يف الكتاب الخامس من رب ع العادات ي‬
‫‪/‬کتاب آداب األلفة واالخوة‪ /‬من «األحياء» إىل كيفية التعامل مع‬
‫المعاىص وقسمهم لهذا الغرض إىل ثالثة أقسام‪:‬‬ ‫ي‬ ‫أهل‬
‫القسم األول‪ ،‬وهو أشدها ما يتضر به الناس بالظلم والغصب‬
‫وشهادة الزور والغيبة والنميمة وهؤالء يجب اإلعراض عنهم وترك‬
‫مخالطتهم واالنقباض عن معاملتهم ألن المعصية شديدة فيما‬
‫يرجع إىل إيذاء الخلق‪ .‬ثم هؤالء ينقسمون إىل من يظلم يف الدماء‬
‫~ ‪~ 54‬‬
‫وإىل من يظلم يف األموال وإىل من يظلم يف األعراض‪ ،‬وبعضها أشد‬
‫من بعض فاالستحباب يف اهانتهم واألعراض عنهم مؤكد جدا‪.‬‬
‫هء أسباب الفساد ويسهل‬ ‫الثان صاحب الماخور الذي ي ي‬ ‫القسم ي‬
‫طرقه عىل الخلق فهذا ال يؤذي الخلق يف دنياهم ولكن يفسد بفعله‬
‫دينهم وإن كان عىل وفق رضاهم‪ ،‬فهو قريب من األول ولكنه أخف‬
‫وبي للا إىل العفو أقرب‪ .‬ولكن من‬ ‫منه‪ ،‬فإن المعصية ربي العبد ر‬
‫يقتض‬
‫ي‬ ‫غيه فهو شديد‪ .‬وهذا أيضا‬ ‫حيث أنه متعد عىل الجملة إىل ر‬
‫اإلهانة واإلعراض والمقاطعة وترك جواب السالم إذا ظن أن فيه‬
‫لغيه‪.‬‬
‫نوع من الزجر له أو ر‬
‫القسم الثالث‪ ،‬الذي يفسق يف نفسه برسب خمر أو ترك واجب أو‬
‫مقارفة محظور يخصه فاألمر أخف‪ .‬لكنه يف وقت مباشته إن‬
‫صودف يجب منعه بما يمتنع به منه ولو بالضب واإلستخفاف فإن‬
‫النه عن المنكر واجب‪ .‬فإذا فرغ منه وعلم أن ذلك من عادته وهو‬ ‫ي‬
‫ض عليه؛ فإن تحقق أن نصحه يمنعه عن العودة إليه وجب‬ ‫م ر‬
‫النصح وإن لم يتحقق ولكنه كان يرجو فاألفضل النصح والزجر‬
‫باللطف أو بالتغليظ إن كان هو األنفع‪ .‬فاما اإلعراض عن جواب‬
‫سالمه والكف عن مخالطته حيث يعلم أنه يض وأن النصح ليس‬
‫ينفعه فهذا فيه نظر‪..‬‬
‫اىل ما يستحق هؤالء األصناف من العقوبة بموجب‬ ‫ال يذكر الغز ي‬
‫الرسع ويقتض عىل مسألة التعامل معهم يف المجتمع‪ ،‬وقد شدد‬
‫الن يؤذي بها‬‫ر‬ ‫ر‬
‫الن تمس الناس وتتساهل يف األفعال ي‬ ‫عىل األفعال ي‬
‫غيه‪ ،‬وهو الحكم العام عند الفقهاء‪ .‬والملخص‬ ‫االنسان نفسه دون ر‬
‫يف قولهم‪« :‬وإن حقوق العباد مبناها عىل الشح‪ ،‬وحقوق للا مبناها‬
‫عىل السعة»‪.‬‬
‫ه أفعال الفرد لنفسه كرسب الخمر وترك الصالة والزنا‬ ‫وحقوق للا ي‬
‫يسي ألن ضرها ال يصل إىل الناس‪،‬‬ ‫وما أشبه‪ .‬والحساب عىل هذه ر‬
‫~ ‪~ 55‬‬
‫الن ال يتعدى‬‫ر‬
‫النفس ي‬
‫ا‬
‫حي اعتي البغاء من أفعال‬ ‫اىل ر‬
‫وقد أشف الغز ي‬
‫الغي‪ ،‬فالبغاء آفة اجتماعية وليس فعل فرديا‪ .‬وإنما‬ ‫ضرها إىل ر‬
‫الطرفي‪،‬‬ ‫اىص‬ ‫ر‬
‫ر‬ ‫ه بي ي‬ ‫حمله عليه تقريره أن العالقة ربي الب يغ والرجل ي‬
‫البغ‪ ،‬االضطراري يف األصل‪.‬‬
‫ولم ينتبه إىل وضع ي‬
‫هوية الجالدين والسجاني‪:‬‬
‫عندما واجه األمويون مسألة أبطرة الدولة اصطدموا باللقاحية‬
‫حن يصبحوا رعايا‬ ‫الجاهلية فوجدوا حاجة إىل ترويض العرب ر‬
‫الن لم يألفها الجاهليون‪ .‬وقد استعانوا لهذا الغرض‬ ‫لدولتهم ر‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫بعناض أجنبية سلموها أمر السجون ومهمة الجلدين السيما بعد‬
‫يكق لهذه المهام من األفراد العرب‪ .‬وكان‬
‫أن تعذر عليهم تأم ري ما ي‬
‫عرن هرب من سجن‬ ‫األمويي من األتراك‪ .‬وإليه ي ر ر‬
‫شي فن ي‬ ‫ر‬ ‫جالدو‬
‫إبن زياد يف العراق‪:‬‬

‫وجاء البخاريون يبتدرونن ** لهم ٌ‬


‫أعي خز ٌر توقد كالجمر‬ ‫ي‬ ‫ٌ‬
‫عكوف عل األبواب من يؤمروا به ** فليس براء أهله آخر الدهر‬

‫والبخاريون نسبة إىل بخاری‪ ،‬من مدن آسيا الوسط‪.‬‬


‫ويصف جعفر بن علبة سجنا أمويا كان فيه‪:‬‬
‫األعجم‪ .‬وقوله‪ :‬جلجل إشارة إىل‬
‫ي‬ ‫والعرب يطلقون العلج عىل‬
‫المفاتيح لما تحدثه من قرقعة عند استعمالها‪.‬‬

‫مسؤولية الجلد‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء يف مسؤولية الجلد رفياه بعضهم ألنه مأمور وألقوا‬
‫بالمسؤولية عىل المر فقط‪ .‬وأشكه آخرون باإلثم‪ .‬لكن الشيعة‬
‫يقولون بتجريم الجلد الذي يعذب السجناء ويحكمون عليه‬
‫بالحبس األبدي ‪ -‬التخليد يف السجن يف اصطالحهم‪ .‬ولما توىل عمر‬
‫~ ‪~ 56‬‬
‫بن عبد العزيز الخالفة لم يعاقب الجالد الذي كان يعمل للخلفاء‬
‫قبله وإكتق بعزله‪.‬‬
‫رأي للمؤرخي‪:‬‬
‫يف سياق المعارضة الفقهية للتعذيب‪ ،‬دعا المؤرخ السخاوي إىل‬
‫تجنب رواية أخباره‪« ،‬إل ما يضطر المؤرخ إىل إيراده منها برسط‬
‫حن ال يكون تطرقا لمن ال‬‫اإلشعار بما يقتض اإلنكار‪ ،‬إذا أمكن‪ ،‬ر‬
‫ي‬
‫يروم فعل مثله وحجة يحتج بها»‪ .‬وأورد يف هذا المعن خيا يفيد أن‬
‫النن‪.‬‬
‫حدثن بأشد عقوبة عاقب بها ي‬ ‫ي‬ ‫الحجاج قال ألنس بن مالك‬
‫فحدثه بها‪ .‬فلما بلغ الحسن البضي ذلك قال‪ :‬وددت أنه لم يحدثه‬
‫(‪ .)۸3‬وإنكار البضي لحديث أنس‪ ،‬وهو أي أنس من الصحابة‬
‫االنتهاز ريي‪ ،‬مرجعه إىل الخوف من أن يستغل الحجاج تلك العقوبة‬
‫أكي يف هذا اإلتجاه‪ ،‬وأعرب ابن‬‫لتعزيز وسائله اإلرهابية او االندفاع ر‬
‫األث ري عن االمتعاض من هذه األفعال لكنه أدىل برأي مغاير إذ دعا‬
‫وتبق عىل‬‫حن يعلموا أن أخبارهم تنقل ر‬ ‫الظالمي ر‬ ‫إىل تدوين أخبار‬
‫ر‬
‫وجه الدهر فریما تركوا الظلم لهذا إن لم رييكوه هلل (‪ ،)84‬وهنا خالف‬
‫األثي لم يلحظه السخاوي‪.‬‬‫الحسن وابن ر‬ ‫يف المقصود من الرواية ربي‬
‫ّ‬
‫المسلمي والحسن البضي‬
‫ر‬ ‫األثي يتحدث عن أفعال حكام‬ ‫فابن ر‬
‫لنن‪ .‬وما أورده من اشكال يف هذا الخصوص‬ ‫يقصد الرواية عن ا ي‬
‫يتعلق بمسألة القدوة فالحديث الذي رواه أنس للحجاج يمكن أن‬
‫حي قد‬‫يوفر له عذرا يف التمادي كما قلنا‪ ،‬مستمدة من السنة‪ ،‬يف ر‬
‫الن ال تعتي‬ ‫ر‬
‫النن المروي عنه مأخوذة يف خصوصياته ي‬ ‫يكون تضف ي‬
‫يف عداد السنة‪ ،‬وهناك فرق ربي أن تروي خيا عن حاكم عرف‬
‫نن مرسع فتضيف مادة إىل الرسيعة‪.‬‬ ‫بالظلم فتفضحه‪ ،‬وخيا عن ي‬
‫(‪ )۸3‬االعالن بالتوبيخ لمن ذم التاري خ‪ .‬بغداد ‪ ۱۹۷3‬ص ‪.۱۲۷‬‬
‫(‪ )84‬الكامل يف التاري خ ‪۱۲4/8‬‬
‫~ ‪~ 57‬‬

‫ّ‬
‫ويبدو السخاوي مع هذا حذرا من أن يستفيد الحكام من رواية‬
‫حن ال يكون‬‫وسائل التعذيب فيطبقوها‪ .‬وهو المستفاد من قوله؛ ر‬
‫ذلك تطرقا لمن يروم فعل مثله‪ ،‬وينسحب هذا الحذر عىل دراستنا‬
‫أنن مطمي إىل أن فن التعذيب الحديث الذي صدره‬ ‫هذه‪ ،‬لوال ي‬
‫ر‬ ‫ّ‬
‫غن حكامنا عن الرجوع إىل الياث‪.‬‬
‫إلينا الغربيون ي ي‬

‫***‬
‫~ ‪~ 58‬‬
‫ص‪ 58‬فارغة‬
‫~ ‪~ 59‬‬

‫ملحق للمقارنة‬
‫من أجل تكوين فكرة تقريبية عن مستوى التعذيب يف اإلسالم نورد‬
‫أمثلة من التعذيب لدى بعض األمم األخرى‪.‬‬
‫‪ -1‬الخوزقة والتقطيع‪:‬‬
‫تميوا بوحشية استثنائية من ربي‬
‫عرف به الشوريون الذين ر‬
‫األسي عىل‬
‫ر‬ ‫الشعوب السامية األخرى‪ .‬وكانوا يقتلون أشاهم بإجالس‬
‫خازوق وقطع يديه ورجليه‪ ،‬ولم تعرف الخوزقة يف العصور‬
‫اإلسالمية وإنما أدخلها العثمانيون واتخذوها وسيلة رسمية لتنفيذ‬
‫حكم اإلعدام‪.‬‬
‫‪ -2‬االعدام حرقا‪:‬‬
‫انترس يف عصور أوربا الوسط‪ .‬وقد أعدمت جان دارك بهذه الطريقة‬
‫عىل يد االنگ رلي‪ ،‬وأعدم بعض الفالسفة بأمر الكنيسة يف العصور‬
‫الوسط وعض النهضة‪ .‬وأحرق فیلسوف وعالم إ ي‬
‫يطاىل سنة ‪۱6۱۹‬‬
‫الن قال بها معاضه‬ ‫ر‬
‫بعد أن مزقوا لسانه ألنه قال بالنظرية اإلرتقائية ي‬
‫الشيازي يف إيران‪ ،‬وبلغ من أحرقتهم محاكم التفتيش األسبانية عام‬ ‫ر‬
‫ألق رجل‪ .‬كما فرض اإلعدام حرقا عىل السحرة‪ ،‬ويذكر‬ ‫‪ 1483‬وحده ي‬
‫ول ديورانت (صاحب قصة الحضارة) أن كالفن أعدم بالنار يف عام‬
‫واحد ‪ 14‬إمرأة اتهمهن مجمع کرادلة جنيف بتحريض الشيطان عىل‬
‫جلب الطاعون للمدينة (‪.)۸5‬‬
‫‪ -3‬االعدام شيا‪:‬‬
‫خ هنغاريا عام‬
‫الفالحي»‪ ،‬أن دوشا "قائد فل ي‬
‫ر‬ ‫ذكر أنجلز يف «حرب‬
‫‪ 1514‬أش بعد القضاء عىل ثورته فشوي بإجالسه عىل مقعد‬
‫(‪ )85‬قصة الحضارة ‪ 3۹۰‬م‪ 6‬ص ‪ ،۲3۰‬ر‬
‫اليجمة العربية لمحمد بدران‪.‬‬
‫~ ‪~ 60‬‬
‫مسجور‪ .‬وبعد أن تم شيه خ ري أتباعه من األشى ب ري األكل من‬
‫لحمه أو شيهم عىل طريقته‪ ،‬وقد استجاب بعضهم فأكل خالصا من‬
‫والش مارسه العباسيون ضد أشى القرامطة والزنج كما مر‬ ‫ي‬ ‫الش‪.‬‬
‫ي‬
‫األوروبيي يف أكل‬ ‫بق قاضا عن مضاهاة خيال‬ ‫ر‬
‫ر‬ ‫بنا‪ .‬لكن خيالهم ي‬
‫اللحم البرسي بعد شيه‪.‬‬
‫جاكلي رورباخ" إىل عمود وأحيط‬
‫خ" ر‬ ‫وف ألمانيا ربط القائد الفل ي‬‫ي‬
‫وهذه الطريقة يستعملها العراقيون‬ ‫‪.‬‬ ‫)‬‫‪86‬‬ ‫(‬ ‫ر‬
‫بنار هادئة حن مات مشويا‬
‫لش السمك المعروف عندهم بالمسقوف لكن‬ ‫يف الوقت الحاض ي‬
‫هناك تكون السمكه ميته‪.‬‬
‫‪ -4‬سلخ الجلود‪:‬‬
‫انترس ف التبت عىل نطاق واسع ضد األقنان‪ ،‬واستمر ر‬
‫حن تحرير‬ ‫ي‬
‫بنفش عام ‪ ۱۹۷۷‬نماذج من‬
‫ي‬ ‫ذلك اإلقليم عام ‪ ،۱۹5۱‬وقد رأيت‬
‫الجلود المسلوخة حديثا حفظت يف متحف معهد القوميات‬
‫ّ‬
‫المركزي بمدينة بك ري‪.‬‬
‫‪ -5‬الصلم والجدع والسمل‪:‬‬
‫استعملها اإلقطاعيون األوروبيون ضد فالحيهم‪ .‬وذكر أنجلز يف‬
‫بكية يف االقطاعيات إىل جانب‬ ‫كتابه النف الذكر إنها كانت متداولة ر‬
‫وسائل أخرى ر‬
‫كاليبيع أي تقطيع الجسم إىل أربعة أجزاء وإنفاذ‬
‫(‪.)87‬‬
‫األسياخ المحماة يف الجسد‬
‫‪ -6‬قنطرة النار‪:‬‬
‫طريقة صينية قديمة ترجع إىل العصور القبل ميالدية‪ ،‬وتتم بحفر‬
‫حفرة واسعة تمأل بالجمر وتمد عليها قنطرة من نحاس تالمس‬
‫ر‬
‫ويؤن بالضحية فيؤمر بالعبور عىل القنطرة‬ ‫حن تسخن‪،‬‬ ‫الجمر ر‬
‫(‪ )86‬قصة الحضارة ص ‪.158‬‬
‫(‪ )87‬نفسه ص‪،60-59‬‬
‫~ ‪~ 61‬‬
‫ر‬
‫المحيق فاجتاز القنطرة وربما‬ ‫حافيا‪ ،‬فربما تحملت قدماه النحاس‬
‫ر‬
‫فألق بنفسه يف الحفرة ليموت مشويا‪.‬‬
‫عجز ي‬
‫‪ -7‬وسيلة لتعذيب النساء‪:‬‬
‫االنكلي يف الهند ضد العاجزين عن دفع‬ ‫ر‬ ‫التعذيب للجباية استخدمه‬
‫لفالحي‪ .‬وكانوا يرسكون النساء يف التعذيب وقد‬‫ر‬ ‫الضائب من ا‬
‫الرومانش‬
‫ي‬ ‫ابتكروا لهن طريقة مناسبة‪ ،‬متأثرة ‪ -‬كما يبدو‪ -‬بالخيال‬
‫وه إدخال قطط صغار يف صدورهن‪ .‬والتعذيب‬ ‫لألدب اإلنگ رليي‪ ،‬ي‬
‫للجباية قد ال يتطلب وسائل استثنائية تزيد عىل هذا‪ .‬أما التعذيب‬
‫ألغراض أخرى فلم يخضع لقيود معينة يف المستعمرات‪ .‬وإىل‬
‫القارئ هذا النص من رسالة كتبها أنجلز إىل ماركس يف ‪ 1‬كانون األول‬
‫‪ -‬ديسمي ‪ ۱۸65‬حول أعمال األنگ رلي يف جامايكا‪:‬‬
‫«إن كل بريد يحمل أخبار أبعث عىل الذهول عن األفعال الدنيئة‬
‫ر‬
‫المقيفة يف جامايكا‪ ...‬ورسائل الضباط األنگ رلي عن مآثرهم البطولية‬
‫يطان قد ظهرت‬ ‫ضد العبيد العزل ال تقدر بثمن‪ .‬إن روح الجيش الي ي‬
‫أخيا يف كل عري ها دون حياء البتة»‪.‬‬
‫ر‬
‫‪ -8‬المهابدة‪:‬‬
‫س هوانغ‪ ،‬القرن‬ ‫تشي ي‬ ‫الصي عىل يد االمياطور األول ر‬ ‫ر‬ ‫حدثت يف‬
‫ه فلسفة ذات‬ ‫ي‬ ‫الثالث ق‪.‬م‪ .‬وكان قد اعتنق الفلسفة الرسائعية و‬
‫أكي من مليون‬ ‫توجهات فاشية وأبيد ف أعوام حكمه الخمسة عرس ر‬
‫ي‬
‫صين‪.‬‬
‫ي‬
‫أهاىل المستعمرات‬‫ي‬ ‫عىل‬ ‫يقتض‬ ‫ولم‬ ‫‪.‬‬ ‫شائع‬ ‫أورون‬
‫ي‬ ‫مسلك‬ ‫والمهابدة‬
‫واسياليا بل طبق يف الداخل‪ ،‬وقد أمر هيي السابع‬ ‫ر‬ ‫واألمريكتي‬
‫ر‬
‫وسبعي ألف مترسد للتخلص منهم فقط‪ ،‬وكانوا من‬ ‫ر‬ ‫بإعدام اثن ري‬
‫حي الذين نزلوا إىل المدن بعد أن حولت‬ ‫الفالحي والجنود المرس ر‬
‫ر‬
‫لن‬‫ر‬
‫اىص الزراعية إىل مراع (لصناعة النسيج) وشحت الجيوش ا ي‬ ‫األر ي‬
‫~ ‪~ 62‬‬
‫االقطاعيي‪( ..‬عن األيديولوجيا األلمانية‬
‫ر‬ ‫استخدمها الملوك ضد‬
‫لماركس وأنجلز ‪ -‬الطبعة االنگ رليية من األعمال المختارة ‪ -‬دار‬
‫التقدم موسكو ص ‪.)5۷‬‬
‫يطانيي كانوا يتخذون من التعذيب‬ ‫ر‬ ‫وأشار أنجلز إىل أن الجنود الي‬
‫وسيلة للتمتع (‪.)88‬‬
‫من المفيد أن نختم هذا الملحق بتعليق من كتاب وليم هويت‬
‫اقتبسه کارل ماركس يف رأس المال (‪:)89‬‬
‫يقيفها الرس المسم‬ ‫الن ى‬ ‫ى‬
‫«إن االنتهاكات الهمجية الشنيعة ي‬
‫مسيحيا يف أية بقعة من الدنيا وضد أي شعب تمكنوا من إخضاعه‬
‫ال نظي لها عند أي رس آخر‪ ،‬مهما بلغت فظاظته ومهما كانت‬
‫جهالته‪ ،‬ومهما بلغ استخفافه بالرحمة والحياء‪ ،‬يف أي عض من‬
‫عصور األرض»‪.‬‬
‫وكتاب وليم هويت وثيقة تاريخية مريعة عن الفظائع األوروبية تبدأ‬
‫مع بداية االستعمار عىل أيدي األسبان يف أواخر القرن الخامس عرس‬
‫حن تاري خ صدور الكتاب عام‪ ،۱۸۳۸‬ويبدو أن شناعة‬ ‫وتنته ر‬
‫ي‬
‫محتوياته قد حالت دون انتشاره عىل نطاق واسع وهو يعتي اليوم‬
‫فعيت بالكاد عىل‬ ‫ف حكم المخطوطات‪ ،‬وقد بحثت عنه ف لندن ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫نسخة منه يف ‪BRITISH LIBRARY‬‬
‫عنوان الكتاب‪)*( :‬‬
‫‪“COLONIZATION AND CHRISTIANITY, POPULAR HISTORY OF‬‬
‫‪THE TREATMENT OF THE NATIVES BY THE EUROPIN IN ALL‬‬
‫”‪THEIR COLONIES‬‬
‫ا‬
‫حي‬
‫حسي واخوانه ألمه‪ .‬وهم يتمتعون به لیل ر‬
‫ر‬ ‫(‪ )88‬ينقل مثله عن صدام‬
‫يسكرون‪.‬‬
‫(‪ )89‬رأس المال ‪ -‬الطبعة اإلنگ رليية لندن‪1970 .‬ج ‪ 1‬ص‪704-703‬‬
‫~ ‪~ 63‬‬
‫وقد جاء يف مقدمته‪:‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫«غرض هذا السفر أن يكشف للجمهور أعظم منظومة إجرام اتساعا وخرقا‬
‫للعادة شهدها العالم حتى اآلن»‪.‬‬
‫تعقيب من المؤلف‪:‬‬
‫عىل بعد صدور هذا الكتاب‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫اف المغيب أسعد ي‬ ‫إىل الفنان العر ي‬
‫أرسل ي‬
‫حن مطلع‬ ‫إضمامة (ألبوم) تتضمن صور ألشكال التعذيب ف أوربا ر‬
‫ي‬ ‫ا‬
‫القرن التاسع عرس‪ .‬وبعد أن تصفحته قليل طويته وأخرجته من‬
‫ساعدن‬
‫ي‬ ‫تواتين الشجاعة عىل مواصلة النظر فيه‪ .‬وإنما‬
‫ي‬ ‫مي يىل إذ لم‬
‫عىل وصف فنون التعذيب يف تاريخنا أنها وردتنا محكية ال مصورة‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن كلما خضت يف تاري خ هذه الهمجية‬ ‫وأقول يف ختام هذا القسم ي‬
‫الكيى وددت لو أن البرسية لم توجد عىل األرض وان الحياة بقيت‬
‫عند حدود القردة العليا وذلك ألن همجية االنسان معززة بوجود‬
‫ام عىل مضاعيها‪،‬‬ ‫العقل المدبر الذي يفتح أبواب الخيال اإلجر ي‬

‫(*) رابط وضعته لتييل النسخة األنجل ريية بصيغة ‪PDF‬‬


‫الدليم‬
‫ي‬ ‫سالم‬
‫‪https://is.gd/H9yRJ6‬‬
‫~ ‪~ 64‬‬

‫تيسيا‬
‫بينما تقتض همجية الحيوان عىل تمزيق الفريسة برسعة ر‬
‫ألكلها‪.‬‬
‫الصي عندما اعتيوا المائز ربي االنسان والحيوان هو‬
‫ر‬ ‫ولعل فالسفة‬
‫ر‬
‫الن‬
‫اإلحساس بالعدل وليس العقل كانوا ينظرون إىل أفاعيل العقل ي‬
‫غي العاقل‪.‬‬‫نظي لها عند الحيوان ر‬
‫ال ر‬
‫~ ‪~ 65‬‬

‫الثان‬
‫ي‬ ‫القسم‬
‫ى‬
‫المقيبات الدينية للتعذيب‬
‫ّ‬
‫االجتماع الذي تسلطه‬
‫ي‬ ‫التعذيب يف األصل هو أحد أشكال القمع‬
‫الطبقات عىل بعضها‪ ،‬فهو محكوم بنفس الدوافع إىل القمع‪ ،‬ولو أنه‬
‫ليس جزءا ضوريا منه ألن القمع تتعدد أشكاله ووسائله تبعا‬
‫للظروف والهيئات واألفراد‪ ،‬والتعذيب صدر ويصدر عن فئات‬
‫شن ومورس ويمارس يف أطوار تاريخية ومواقع جغرافية‬ ‫وطبقات ر‬
‫شن ‪ -‬کما تختلط دوافعه االجتماعية بمالبسات نفسية‬ ‫ر‬
‫وايديولوجية يمكن أن تعطيه صورة ودرجات متفاوتة رتياوح ما ربي‬
‫الهمىح البحت‪ ،‬الذي ينصب عىل الجسد‪ ،‬والتعذيب‬ ‫ي‬ ‫التعذيب‬
‫الشخض أو يطال‬
‫ي‬ ‫النفش الذي ينصب عىل كرامة الضحية أو شفه‬ ‫ي‬
‫معتنقاته الخاصة به‪.‬‬
‫والتعذيب يف اإلسالم ال يخرج عن هذا التصميم‪ .‬أي أنه ليس‬
‫ممارسة منعزلة خاضعة لبواعث مخصوصة ‪ -‬فوق تاريخية‪ ،‬لكنه‬
‫بالتاىل من أن‬
‫ي‬ ‫يتمي بإطاريته الناجمة عن العالقة بالدين‪ ،‬والبد‬
‫ر‬
‫يبعث عىل تساؤالت تحمل عىل النظر والتوقف‪ ،‬من قبيل‪ :‬هل‬
‫دين؟ وهل‬ ‫ر‬
‫صدر الجالدون المسلمون يف إقيافاتهم عن مسلك ي‬
‫يمكن القول أن إيمان الجالدين يسجل لدى اإل رقياف درجة ما من‬
‫الشعن الخاضع للفطرة؟‬ ‫ي‬ ‫الهبوط تضعه يف مستوى أدن من اإليمان‬
‫أخيا‪ ،‬يتعارض الدين بما هو دين مع أخالقية التعذيب؟‬ ‫وهل‪ ،‬ر‬
‫الوع العام الذي اعتاد‬ ‫ي‬ ‫ومع أن هذه األسئلة تبدو خارجة عن سياق‬
‫عىل اعتبار الدين نقيضا للعدوان والنظر إىل الجالدين باعتبارهم‬
‫عصاة أو فساق ال يخافون للا كما يقال يف اللغة الشعبية فإن‬
‫~ ‪~ 66‬‬

‫طرحها واالجابة عليها قد يؤديان بنا إىل الخروج بنتائج مغايرة‪ ،‬وأنا‬
‫الشعن يف مسألة شائكة كهذه يقوم‬
‫ي‬ ‫أشعر من جه ر ين أن التبسيط‬
‫ا‬
‫الشخض لألديان‪ ،‬فضل عن الجهل بالجذور‬ ‫ي‬ ‫عىل إغفال التاري خ‬
‫الدين المحكوم بعوامل معقدة أيديولوجية‬ ‫ي‬ ‫البعيدة للسلوك‬
‫ونفسية وما أشبه‪ .‬وسنسغ لهذا الغرض إىل البدء من الجذور‬
‫الشخض لألديان يف إضاءة‬
‫ي‬ ‫لفحصها ثم نصعد منها إىل التاري خ‬
‫موجزة نأمل أن تنتقل بنا من بساطة الظاهرة إىل بعض الحقائق‬
‫الضورية‪.‬‬
‫***‬
‫اقين الدين منذ بدايته بالقربان‪ ،‬ويتبوأ هذا المنسك مكانة خاصة يف‬ ‫ر‬
‫مختلف األديان‪ ،‬كما ظهر يف بعض المذاهب الشبه ‪ -‬دينية ومنها‬
‫الكونفوس‪ ،‬وهو ليس دينا يف األصل ألنه ال يرتبط بمعبود‬ ‫ي‬ ‫المذهب‬
‫وينكر وجود الكائنات الروحية‪ ،‬ولكن الكونفوشية تدينت بقدسية‬
‫وبي السماء‬ ‫سء من التذاهن بينه ر‬ ‫مؤسسها الذي كان يعتقد بوجود ي‬
‫وأخذت هنا بالقربنة عىل أوسع نطاق‪.‬‬
‫البدان مقتضا عىل الحيوانات‪ ،‬ثم ظهرت مع‬ ‫ي‬ ‫وكان القربان يف الطور‬
‫بق ‪ -‬طور الحضارة ‪ -‬سنة ذبح اإلنسان‬ ‫ر‬
‫االنتقال إىل المجتمع الط ي‬
‫الن زاولتها مختلف األديان يف الرسق والغرب‪ .‬وكان الذبح‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫يشمل أحيانا عبيد وجواري الملك المقدس لك يدفنوا معه ر‬
‫حن‬ ‫ي‬
‫يحي يوم البعث ويعود الملك إىل الحياة فيعود معه عبيده‬ ‫ر‬
‫ابي‬‫ليواصلوا خدمته كما كان حالهم يف الحياة الدنيا‪ ،‬ومن القر ر‬
‫البرسية المعتادة عرائس الماء وهن فتيات جميالت كان ي رلق بهن يف‬
‫والصي‪ .‬وكان‬
‫ر‬ ‫لتسكي غضبها‪ ،‬وكانت متبعة يف مض‬ ‫ر‬ ‫األنهار الهائجة‬
‫ر‬ ‫ا‬
‫ذبح اإلنسان معمول به يف الديانة المضية القديمة حن زمان‬
‫~ ‪~ 67‬‬

‫ابي من‬ ‫المصلح العظيم أخناتون الذي أمر بإلغائه واستبدل به قر ر‬


‫اإلسالم حيث‬ ‫حن الفتح‬ ‫ابي النيل ر‬‫الحيوانات بينما استمرت قر ر‬
‫ي‬
‫ألغيت‪.‬‬
‫وقد واصلت األديان تمسكها بالقربنة يف طورها الوث ين‪ ،‬المساوق‬
‫غالبا للطور العبودي‪ ،‬عىل صعيدي اإلنسان والحيوان‪ .‬وكانت قرينة‬
‫اإلنسان منسكا مقدسا يتوله رجال الدين‪.‬‬
‫وعندما ظهرت األديان السماوية‪ ،‬وما يف حكمها من أديان الرسق‬
‫األقض‪ ،‬كان ذبح اإلنسان قد توقف من زمان بعيد مع التقدم يف‬
‫نسان‪ .‬والمعروف أن األديان الراقية قد ظهرت يف طور‬ ‫الوع اإل ي‬
‫ي‬ ‫سلم‬
‫متقدم من تاري خ الحضارة تفرعت عنه ظواهر مختلفة يف عدة‬
‫مجاالت‪ .‬وقد تمسكت األديان السماوية بمنسك القربان وأضفت‬
‫اقينت بالتوسع يف ذبح الحيوان‪ .‬ومن مظاهر‬ ‫عليه قداسة أشد ر‬
‫ذلك يف المسيحية احتواء الكنيسة عىل مذبح يندرج يف عداد‬
‫أقسامها الرئيسية ويستخدم فيه هذا اإلسم بنصه إىل جانب‬
‫الروحان‪ ،‬ومن مظاهره يف‬
‫ي‬ ‫المصطلحات الكنسية ذات المدلول‬
‫ابي الحج‪ ،‬وكانت منسكا وثنيا فبقاه‬ ‫وه قر ر‬ ‫اإلسالم شعائر (البدن)‪ ،‬ي‬
‫اإلسالم وشدد عليه‪ .‬ومنه أخذ اسم عيد األضىح ‪ -‬أ كي األعياد‬
‫وينبغ التنبيه إىل أن هذا التوسع يف الذبح ال‬‫ي‬ ‫اإلسالمية وأجلها شأنا‪،‬‬
‫توفي طعام للفقراء ألنه خاضع يف األصل ليعة‬ ‫يصدر عن الرغبة يف ر‬
‫القربنة يف األديان ومتوارث فيها‪ ،‬رغم أن المؤثرات اإلجتماعية يف كل‬
‫من المسيحية األوىل واإلسالم األول كانت حافزا وراء الدعوة إىل‬
‫بالتاىل نتيجة فرعية ظهرت‬
‫ي‬ ‫وه‬
‫إطعام الفقراء من هذه الذبائح‪ ،‬ي‬
‫عىل هامش المنسك‪ .‬ومن المعلوم أنها تزيد يف موسم الحج عن‬
‫حاجة فقراء الحجاز‪.‬‬
‫وقد عللت اليهودية هذا المنسك برغبة «يهوه‪ ،‬إله اليهود يف شم‬
‫القتار وهو ما جعل نوح‪ ،‬تبعا إلسطورة الطوفان‪ ،‬يقربن حيوانا‬
‫~ ‪~ 68‬‬

‫حن طابت نفسه وسكن‬ ‫مشويا إلرضاء اإلله الذي ما إن شم القتار ر‬


‫وتتمي أصول الذبح اليهودي بالبشاعة ألنها‬ ‫ر‬ ‫غضبه عىل أهل األرض‪.‬‬
‫ر‬
‫تشيط اللحم الحالل أن يذبح الحيوان نصف ذبحة وييك ح رن‬ ‫ر‬
‫يموت موتا بطيئا يستفرغ فيه كل دمه‪ .‬ويرجع ذلك إىل تحريم‬
‫اليهودية أكل الدم‪ ،‬وهو ما أخذ به اإلسالم – بوصفه جزءا من‬
‫التقاليد اليه مسيحية ‪ -‬فوضع شوطا مقاربة للتذكية‪ ،‬أي للذبح‬
‫بطريقة تؤدي إىل استفراغ دم الحيوان‪ ،‬لكنه تضمن من الجهة‬
‫األخرى تعليمات مشددة للتخفيف عن الحيوان تصدر يف األساس‬
‫االجتماع يف اإلسالم األول‪.‬‬
‫ي‬ ‫عن المنىح الدنيوي ‪-‬‬
‫نشأت عىل هامش القربنة يف األديان عقيدة الفداء‪ .‬ويرجع أصلها إىل‬
‫تلق يف‬‫اسطورة اسحق بن ابراهيم بن الخليل‪ .‬وكان ابراهيم قد ر‬
‫منامه أمرا بأن يقربن ولده أسحق لربه‪ ،‬وقد روت التوراة هذا األمر‬
‫لمؤلق‬
‫ي‬ ‫شي إىل احتمال كونه منسكا معروفا‬ ‫بطريقة اعتيادية ت ر‬
‫لعي عىل ممارسات قربنة اإلنسان‬ ‫التوراة‪ ،‬الذين البد أنهم كانوا مط ر‬
‫يف األديان الوثنية‪ .‬وقد استنسخ القرآن رواية التوراة فأظهر ابراهيم‬
‫اإلله‪ ،‬فلم ي ريدد الوالد يف تنفيذ األمر‪ ،‬كما لم‬
‫قانعي باألمر ّ ي‬‫ر‬ ‫وابنه‬
‫ا‬
‫يحاول الولد أن يتملص منه‪ .‬لكن للا أشع فأرسل كبشا ليذبح بدل‬
‫من اسحق (‪.)1‬‬
‫ابي‬
‫وربما كان لهذه الخرافة تعلق ما باصالح أخناتون الذي منع القر ر‬
‫البرسية‪ ،‬ومن الجدير باالنتباه أن رواية هذا الحدث يف التوراة‬
‫والقرآن ليس فيها ما يشعر باإلستفظاع حيث يأخذ الرسد مساره‬
‫يقيب‬‫حن ر‬ ‫االعتيادي ويتابعه المؤمنون كأمر إله مفروغ منه‪ ،‬ر‬
‫ا‬ ‫ي‬
‫وف يده کبش ليذبح بدل‬ ‫ر‬
‫فيأن الملك ي‬‫الحدث من نهايته المأمور بها ي‬
‫سم عوام العراق مجرة درب اللبانة ‪Mikyway‬‬ ‫(‪ )1‬وي ي‬
‫مسحال الكبش الذي ويقصدون بها الطريق الذي سلكه جيائيل وهو يسحل‬
‫الكبش الذي جاء به إىل إبراهيم‪.‬‬
‫~ ‪~ 69‬‬

‫من الولد‪ .‬ولذلك يقول مفرسو القرآن يف تعقيباتهم عىل هذه الرواية‬
‫أنه لو ذبح ابراهيم اسحق لصارت‪ ،‬سنة فيمن بعده‪ :‬أن يذبح الباء‬
‫ا‬
‫بدل من األغنام والماشية‪.‬‬
‫ويعن هذا بدوره أن الحيوان‬
‫ي‬ ‫أبناءهم‬
‫يذبح ال للحاجة وإنما ألجل القربان أو ليكون فداء عن شخص‬
‫عي‪ .‬ولذا ال تحدد أحكام القربان مآل لحم الذبيحة ألن المطلوب‬ ‫م ر‬
‫فجي دم)‪ ،‬كما يقول العامة يف العراق‪ .‬ويطبق هذا المنسك‬ ‫هنا هو (ت ر‬
‫يف الوقت الحاض عند اإلنتقال إىل مساكن جديدة أو شاء مركبة من‬
‫سيارة ونحوها وغالبا ما يتم غمس الكف يف دم الذبيحة وطبعه عىل‬
‫بوابة الميل أو عىل المركبة‪.‬‬
‫وقد توسعت فكرة الفداء إىل التعويض عن إنسان بإنسان آخر ولكن‬
‫عىل سبيل القضاء والقدر المحدد من قبل السماء‪ .‬ولتوضيح ذلك‬
‫وخ‪ ،‬من‬
‫أروي هذه الحكاية من كتاب (الفرج بعد الشدة)‪ ،‬للتن ي‬
‫وه عن رجل‪ ،‬يدع أبو القاسم العلوي كان يف‬ ‫القرن الرابع الهجري ي‬
‫وف الطريق خرج‬ ‫سفر ومعه أحد عبيده وكان كل منهما عىل حمار‪ ،‬ي‬
‫عليهم أسد وتقدم نحو أبو القاسم فتسمر يف مكانه بينما راح العبد‬
‫يضخ ويستغيث‪ ،‬ويبدو أن األسد قد تهيج بهذا الضاخ فتوجه نحو‬
‫التنوخ أن‬
‫ي‬ ‫العبد واقتلعه من عىل حماره وعاد به إىل األجمة‪ .‬ويذكر‬
‫فدان‬
‫ي‬ ‫حي روى هذا الحادث ختم الرواية بقوله‪« :‬قد‬ ‫أبو القاسم ر‬
‫بغالم‪،‬‬
‫ي‬ ‫للا‬
‫بن فاطمة محرمة عىل‬ ‫وعقب أحد الحاضين‪ :‬أال تعلم أن لحوم ي‬
‫بن فاطمة أبيحت‬‫نش أن لحوم ي‬ ‫السباع؟ ويالحظ أن المعقب ي‬
‫والعباسيي‪ ..‬وعىل أية حال تدل هذه الحكاية عىل أن للا‬
‫ر‬ ‫لألمويي‬
‫ر‬
‫غيهم‪ ،‬وليس من الضوري‬ ‫لك ينقذ ر‬ ‫يتوىل بنفسه ذبح بعض الناس ي‬
‫تبعا لهذا المبدأ أن يكون ربي الفادي والمفدي عداوة تستوجب‬
‫التضحية بأحدهما لآلخر‪ ،‬فالقرار يف هذا متعلق بحكمة الخالق‬
‫~ ‪~ 70‬‬

‫الدين بوصفه فكرا طبقيا يتجه يف الغالب‬ ‫ي‬ ‫وإرادته الحرة لكن الفكر‬
‫نحو جعل الفادي يف مرتبة اجتماعية أدن‪ ،‬كما هو حال أبو القاسم‬
‫ّ‬
‫ألساطي والحكايات‬
‫ر‬ ‫العلوي وغالمه‪ .‬وقلما يحدث العكس يف ا‬
‫الدينية‪.‬‬
‫تعن التضحية‬‫أن عقيدة الفداء بحسب حكاية أبو القاسم العلوي ي‬
‫بحياة إنسان ألجل آخر‪ .‬وقد شكلت العقيدة بهذا التحديد عنضا‬
‫الشعن يعي عنه يف بعض األحيان بطريقة‬ ‫ي‬ ‫الوع‬
‫ي‬ ‫من عناض‬
‫ا‬
‫خ بميت‬ ‫عدوانية واضحة‪ ،‬حيث يقال يف العراق‪ ،‬مثل‪ ،‬عند تعزية ي‬
‫افياض‬ ‫راح لك فدوة ‪ -‬أو فدا تبعا للهجات‪ ،‬وتقوم هذه التعزية عىل ر‬
‫أن موت إنسان هو بدوره زيادة يف عمر إنسان آخر‪.‬‬
‫ّ‬
‫وللعقيدة كذلك تعلقات أخروية وظفها رجال الدين لحسابهم ولنقرأ‬
‫هذا المقتبس من معجم األدباء لياقوت‪:‬‬
‫الحسي بن مهران يف اليوم‬
‫ر‬ ‫توف القارئ المحدث أبو بكر أحمد بن‬ ‫" ي‬
‫توف فيه الفيلسوف أبو الحسن العامري (‪ ۳۸۱‬ه)‪ ،‬قال‬ ‫الذي ي‬
‫فحدثن عمر بن أحمد الزاهد قال‪ :‬سمعت الثقة من‬ ‫ي‬ ‫الحاكم‪:‬‬
‫الحسي بن مهران رحمه للا يف‬ ‫ر‬ ‫أصحابنا يذكر أنه رأی أبا بكر بن‬
‫الن دفن فيها‪ .‬قال فقلت‪ :‬أيها األستاذ ما فعل للا‬ ‫ر‬
‫المنام يف الليلة ي‬
‫بحذان (أي‬
‫ي‬ ‫بك؟ فقال‪ :‬إن للا عز وجل أقام أبا الحسن العامري‬
‫بجانن) وقال‪ :‬هذا فداؤك من النار‪ ،‬ثم ذكر الحاكم بإسناد رفعه إىل‬ ‫ي‬
‫أبو موس األشعري أن رسول للا قال‪ :‬إذا كان يوم القيامة أعط للا‬
‫ا‬
‫كل رجل من هذه األمة رجل من الكفار فيقول‪ :‬هذا فداؤك من‬
‫اهي‬‫النار‪ ...‬وقد علق ياقوت‪" :‬وهذا الخي إذا قرن بالرؤيا صار من بر ر‬
‫الرسع (‪.")2‬‬
‫ابي‪ ،‬مع ربطها بعقيدة الفداء‪،‬‬ ‫إن عدم التقيد بالحاجة يف تقديم القر ر‬
‫(‪ )2‬ج ‪13/3‬‬
‫~ ‪~ 71‬‬

‫لمقيب سايكو‬ ‫يكرس نزعة دموية ف األديان ربما كانت صدى بعيدا ر‬
‫ي‬
‫ر‬
‫ينبغ البحث عنه يف مجاهل األنيوبولوجيا‪ ،‬عىل أننا‬
‫ر‬ ‫اجتماع ي‬
‫ي‬ ‫‪-‬‬
‫نجد هذه اليعة تقين يف األديان السماوية بأصول أخرى وثيقة‬
‫وه‪:‬‬
‫الصلة بها‪ ،‬ي‬
‫‪ -‬مبدأ اإلبادة الجماعية ‪ -‬العشوائية (المهابدة)‪.‬‬
‫‪ -‬عقيدة العقاب األخروي‪.‬‬
‫‪ -‬قانون العقوبات (الحدود)‪.‬‬
‫نفسان هو صدور الدين عن‬ ‫ي‬ ‫يضاف إىل هذه األصول الثالثة عنض‬
‫أب سماوي مطلق الوجود‪ ،‬وسنحاول تفصيل القول يف كل منها‪..‬‬
‫اإلسالم العذاب‬
‫ي‬ ‫تسم يف االصطالح‬ ‫ي‬ ‫اإلبادة العشوائية الجماعية‬
‫نن‬ ‫اإلستئصال‪ ،‬ويقصد به إبادة قوم من العصاة يبعث إليهم ي‬
‫إله يطال رجالهم ونساءهم وشيوخهم‬ ‫فيكذبونه فيعمهم غضب ي‬
‫وف العهد‬ ‫واطفالهم‪ ،‬مع ما يف ناحيتهم من أحياء نباتية أو حيوانية‪ ،‬ي‬
‫أساطي عديدة تضمنت هذه العقوبة وتبناها‬ ‫ر‬ ‫القديم – التوراة ‪-‬‬
‫أساطي عربية مماثلة‪ .‬وتبدو استعادة‬ ‫ر‬ ‫القرآن بعد أن أضاف إليها‬
‫األساطي يف القرآن متعارضة تماما مع مبدأ المسؤولية الفردية‬ ‫ر‬ ‫هذه‬
‫ا‬
‫الذي شعه «وال تزر وازرة وزر أخرى»‪.‬‬
‫شكىل ألن عذاب اإلستئصال‬ ‫ي‬ ‫وقد يرد عىل ذلك بأن التعارض هنا‬
‫يطبق عىل أساس اإلرادة الحرة للخالق أما مبدأ المسؤولية الفردية‬
‫فتطبقه الدولة‪ .‬وحدود االختصاص‪ ،‬عىل صعيد القانون‪ ،‬تتباين ربي‬
‫ر‬
‫األخالف كما‬ ‫الخالق والدولة لكن التعارض يظل قائما عىل الصعيد‬
‫ي‬
‫سنبينه الحقا‪.‬‬
‫أول تطبيق لعذاب اإلستئصال هو الطوفان‪ .‬وتبعا لألسطورة‬
‫التوراتية كان الطوفان عقوبة جماعية أهلكت أهل األرض كلهم‪ ،‬عدا‬
‫~ ‪~ 72‬‬

‫(‪)3‬‬‫نوح وأهله والنفر الذين آمنوا به ولذا يعتي نوح يف االشائيليات‬


‫الثان للبرس‪ ،‬ومع أن دعوة نوح كانت لقومه فإن العقوبة لم‬ ‫األب ي‬
‫قانون هام أقره القرآن‬
‫ي‬ ‫تقتض عليهم‪ .‬وهنا تعارض آخر مع مبدأ‬
‫وهو عدم جواز فرض العقوبة عىل فعل جر يم لم ينص عليه القانون‬
‫أو نص عليه يف حدود جغرافية معينة ولم يمتد التبليغ به إىل مكان‬
‫ا‬
‫ول} سورة اإلشاء الية‪.15‬‬ ‫آخر {‪ ..‬وما كنا معذب ري ح رن نبعث رس‬
‫غيها‪ .‬وهو هنا‬ ‫بقية اإلستئصاالت اختصت بأقوام ومواقع دون ر‬
‫شامل أيضا لكل الكائنات الحية يف الموقع المغضوب عليه‪.‬‬
‫وعشوان يف نفس الوقت‪ .‬وقد يعم‬ ‫ي‬ ‫جماع‬
‫ي‬ ‫والملحوظ فيه أنه‬
‫المذنب والييء كما قد يعم ضحايا الجرائم المعاقب عليها‪ .‬ويتضح‬
‫هذا يف قصة لوط حيث طبقت األديان السماوية حكما يتناسب مع‬
‫فه لم تكتف بأعدام‬ ‫ر‬
‫الن مر الحديث عنها‪ ،‬ي‬ ‫نزعة القربنة‪ ،‬ي‬
‫والمأبوني ‪ -‬وإنما أعدمت معهم جميع‬‫ر‬ ‫اطي‬
‫المنحرفي جنسيا ‪ -‬اللو ر‬
‫ر‬
‫النساء واألطفال الذين ال يمكن إتهامهم بهذه الجريمة‪ .‬ومن‬
‫الملحوظ أنها لم تأخذ يف اإلعتبار أن نساء قوم لوط کن بدورهن‬
‫ضحايا الشذوذ الذي حرمهن من ممارسة حقهن يف الزواج واالشباع‬
‫يقتض إخراجهن من تلك القرية‬ ‫ي‬ ‫الجنش المرسوع‪ .‬وكان العدل‬
‫ي‬
‫ا‬
‫ونقلهن إىل قرية أخرى يحصلن فيها عىل هذا الحق بدل من‬
‫إعدامهن مع الرجال‪.‬‬
‫يتكامل اإليمان بمبدأ اإلبادة الجماعية مع اإليمان بالعذاب األخروي‪،‬‬
‫األخي عىل مبدأ المسؤولية الفردية‪ ،‬لكنه يطبق بحق‬ ‫ر‬ ‫ويقوم‬
‫ذنبي بطريقة همجية يمكن أن تكون لها صلة مباشة بيعة‬ ‫الم ر‬
‫القربنة يف األديان‪ ،‬وتتضمن المأثورات الدينية يف اإلسالم‬
‫األساطي والخرافات اليهودية‬
‫ر‬ ‫األسالم عىل‬
‫ي‬ ‫(‪ )3‬االشائيليات تطلق يف اإلصطالح‬
‫ا‬ ‫ر‬
‫الن تداولها المسلمون نقل عن مصادر يهودية مكتوبة أو رواة من أصل يهودي مثل‬
‫ي‬
‫كعب األحبار ووهب بن منبه‪.‬‬
‫~ ‪~ 73‬‬

‫استعراضات ألصناف العقوبات األخروية تأخذ جميعها صفة‬


‫مشيكة ربي‬‫التعذيب‪ .‬إن األداة الرائسة لهذا العذاب ه النار‪ ،‬وه ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫تمي بخيال خصب‬ ‫االسالم ر‬
‫ي‬ ‫غي أن المأثور‬ ‫األديان السماوية الثالثة‪ ،‬ر‬
‫لعرن‪ .‬فقد ابتكرت‬ ‫البالع للمنش ا ي‬‫ي‬ ‫التمي‬
‫يف هذا المضمار يعكس ر‬
‫أساليب من قبيل‪ :‬شوي الجلود وإبدالها بإستمرار كلما نضجت‬
‫حن ال يتوقف الشعور باأللم‪ ،‬شب الصديد وهو قيح يف‬ ‫ر‬
‫باالحياق ر‬
‫حالة غليان يحتسيه المذنب عندما يظمأ فينشوي وجهه بحرارته‬
‫قبل أن ييل إىل جوفه ليشعل فيه الحرائق‪ ،‬وسالسل طولها سبعون‬
‫ذراعا يصفد بها المعذبون‪ .‬ويلبس أهل النار ثيابا من القطران‬
‫المصهور‪ .‬وقد أضاف الوعاظ المسلمون وسائل تعذيب أخرى‬
‫المذنبي‪ .‬منها وجود وادي يف جهنم‬ ‫ر‬ ‫اختصوا بها فئات معينة من‬
‫السني قبل أن يصل إىل‬ ‫ويبق هاويا عرسات‬ ‫ي رلق فيه شارب الخمر ر‬
‫ر‬
‫قيه ليستقر فيه‪.‬‬
‫وثعابي تطوق األجساد وتنهشها يف كل لحظة‪ ،‬ومن‬ ‫ر‬ ‫فاع‬
‫ووجود ا ي‬
‫األخيلة التعذيبية الخصبة حديث يقول أن من بن بناء فوق ما‬
‫يكفيه جاء يوم القيامة يحمله‪ ،‬وقد يكون حديثا صحيحا ألن فكرته‬
‫اليف واإلشاف‪ ،‬ويستفاد من‬ ‫تتمش مع اتجاه النن محمد ضد ر‬
‫ي‬
‫هذا الحديث أن أغنياء المسلم ري سيأتون يوم القيامة وعىل رأس كل‬
‫واحد قضه‪ ،‬الذي قد يكون مبنيا من عدة طوابق‪.‬‬
‫إرهان مفرط‪.‬‬
‫ي‬ ‫ولجهنم أوصاف كدسها الوعاظ تصدر عن خيال‬
‫اىل يف (احياء علوم الدين)‪- .‬‬‫ولنقرأ هذا الوصف الذي أورده الغز ي‬
‫والنه عن المنكر‪ ،‬وهو عىل لسان جيائيل‬ ‫ي‬ ‫كتاب األمر بالمعروف‬
‫النن‪:‬‬‫يف حديث له مع ي‬
‫ر‬
‫"إن للا تعاىل أمر بها فأوقد عليها ألف عام حن إحمرت‪ .‬ثم أوقد‬
‫حن اسودت؛‬ ‫حن اصفرت‪ ،‬ثم أوقد عليها ألف عام ر‬ ‫عليها ألف عام ر‬
‫ضء جمرها وال يطفأ لهيبها‪،‬‬ ‫فه سوداء مظلمة ال ي ي‬ ‫ي‬
‫~ ‪~ 74‬‬

‫والذي بعثك بالحق لو أن ثويا من ثياب أهل النار أظهر ألهل األرض‬
‫لماتوا جميعا‪ ،‬ولو أن ذنوبا (دلوا) من شابها صب يف مياه األرض‬
‫الن ذكرها للا‬ ‫ر‬
‫جميعا لقتل من ذاقه‪ ،‬ولو أن ذراعا من السلسلة ا ي‬
‫وضع عىل جبال األرض جميعا لذابت‪ .‬ولو أن رجل أدخل النار ثم‬
‫أخرج منها لمات أهل األرض من رني ريحه وتشويه خلقه"‪.‬‬
‫والمعذبون يف جهنم ال يموتون ألنهم محكومون بالعذاب المؤبد‬
‫الشيازي‬
‫وحي ضح صدر الدين ر‬ ‫يعن نهاية عذابهم‪ .‬ر‬ ‫وموتهم ي‬
‫المذنبي‬ ‫الن تقول بأن العذاب ال يمكن أن يزيد عىل عمر‬ ‫ر‬
‫ر‬ ‫بنظريته ي‬
‫يف الحياة الدنيا وأنه يصبح بعده نعيما‪ ،‬كفره رجال الدين‪ .‬ويروى‬
‫الشيازي عند ضي ح‬ ‫عن المال محمد كاظم الهزار جري ين أنه لعن ر‬
‫ا‬
‫الحسي لقوله هذا‪ .‬ويحتمل أنه جعل لعن الفيلسوف بديل عن‬ ‫ر‬
‫الدعاء المألوف يف زيارات األئمة‪ ،‬ألن الرواة يقولون أنه كرر اللعن‬
‫الن تكرر بها التحيات لألئمة والمالئكة داخل‬ ‫ر‬
‫مئة مرة‪ ،‬عىل الطريقة ي‬
‫المزارات الشيعية (‪.)4‬‬
‫غي منصوص‬ ‫إن كال من عذاب اإلستئصال والعذاب األخروي ر‬
‫عليهما يف الرسيعة ألنهما من خصوصيات الخالق‪ .‬وكما بينا‪ ،‬فقد‬
‫الجنان‪ ،‬بينما‬
‫ي‬ ‫تمسك القرآن بمبدأ المسؤولية الفردية يف القضاء‬
‫النن محمد إحراق األحياء‪ ،‬أي اإلعدام بالنار‪ ،‬ألنه داخل يف‬ ‫حرم ي‬
‫عذاب الخرة‪ ،‬الذي يتواله للا وال يجوز للبرس أن يتشبه به فيه‪،‬‬
‫الحكمي مندرجان يف العقيدة‪ ،‬أي أنهما ملزمان‬ ‫ر‬ ‫غي أن هذين‬‫ر‬
‫الن يخل إنكار‬ ‫ر‬
‫ايديولوجيا وال ينفصالن عن سائر األركان واألصول ي‬
‫ويعن هذا بدوره أن المؤمن يجب أن يكون‬ ‫ي‬ ‫بعضها بسالمة اإليمان‪،‬‬
‫موافقا عىل هذه األلوان من التعذيب بوصفها من نتائج الحكمة‬
‫(‪ )4‬أش إ يىل المرحوم السید كاظم الحيدري من الشخصيات الدينية واألدبية ببغداد‬
‫الشيازي لكنهم يكتمونه عن العامة ألنه‬
‫أن بعض علماء الشيعة يميلون إىل قول ر‬
‫الشيازي ألنه باح بالرس‪.‬‬
‫الدين‪ ...‬ولعل الهزار جري ين إنما لعن ر‬
‫ي‬ ‫يؤثر عىل الوازع‬
‫~ ‪~ 75‬‬

‫اإللهية الموجهة نحو تحقيق المصالح ودرء المفاسد‪ .‬وإذ يوافق‬


‫المؤمن هنا عىل أحكام من قبيل المهابدة العشوائية والعذاب يف‬
‫فه البد أن تصبح‪ ،‬بحكم اإليمان‪ ،‬جزءا من منظوره‬ ‫الخرة ي‬
‫وبالتاىل‪ ،‬ومع أن القبول بهذه األحكام يرد عىل‬ ‫ر‬
‫واألخالف‬ ‫جتماع‬ ‫اإل‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫غي المقين بالممارسة ما دامت الرسيعة قد حرمتها‬ ‫ر‬ ‫سبيل التعبد ر‬
‫األخالف للمؤمن يمكن‬ ‫ر‬ ‫عىل االنسان‪ ،‬فإن عدم تعارضها مع المنظور‬
‫ي‬
‫النفش للتعامل مع هكذا أفعال حينما‬ ‫ي‬ ‫أن يخلق لديه االستعداد‬
‫تصدر عن االنسان ولو عىل سبيل الخرق للقانون‪ .‬ومن المقرر يف‬
‫بمعاييه‬
‫ر‬ ‫كش أن شخصية الفرد تتكيف‬ ‫االجتماع المار ي‬
‫ي‬ ‫علم النفس‬
‫ه‬ ‫ر‬
‫والروخ أكي مما ي‬‫ي‬ ‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫األخالقية المستمدة من وسطه‬
‫بالمبادئ القانونية المفروضة عليه من فوق‪ .‬وبسبب ذلك‪ ،‬فإن‬
‫قدرا ملحوظا من االنفصام ربي القانون واألخالق ال يمكن أن يخلو‬
‫منه أي مجتمع؛ حيث نجد القيم األخالقية تساهم أحيانا يف‬
‫تخفيف قسوة القانون وأحيانا أخرى يف تشديده‪ .‬وسأضب ها هنا‬
‫مث رلي متعارض ري من تاري خ اإلسالم‪.‬‬
‫أن طالب‪ .‬وقد مر بنا أنهما لم‬ ‫وعىل بن ي‬
‫ي‬ ‫أولهما من عمر بن الخطاب‬
‫يمارسا شيئا من التعذيب ‪ -‬دون أن نهمل الروايات المختلف عليها‬
‫عىل‪ .‬وقد عرف االثنان بعمق العالقة مع‬ ‫بشأن قتل المرتدين بأمر ي‬
‫الجمهور إىل جانب قدر ملحوظ من التسامح يف العقوبات الرسعية‬
‫عىل أن أيامه لم تشهد أعمال‬ ‫تمي به عمر‪ ،‬ومن المالحظ بخصوص ي‬ ‫ر‬
‫قمع دموية من النمط الذي تشهده يف العادة مراحل االنتقال الحادة‬
‫ر‬
‫الن شهدتها خالفته واستغرقتها عىل‬ ‫وه المرحلة ي‬ ‫يف التاري خ‪ .‬ي‬
‫قضها ثالثة حروب طاحنة انتهت باالنهيار المري ع لإلسالم األول‪،‬‬
‫وتضمنت رسائله إىل الوالة تعليمات مشددة بشأن التعامل مع‬
‫الن تجمع ربي الحاكم‬ ‫ر‬
‫الرعية عىل أساس التسامح والعالقة اإلنسانية ي‬
‫الن اشتمل عليها‬ ‫ر‬
‫والمحكوم يف تعارض مع تلك اليعة اإلنتقامية ي‬
‫~ ‪~ 76‬‬

‫آن ومع أنه إ رليم بنصوص هذا القانون يف‬ ‫قانون العقوبات القر ي‬
‫القضايا الداخلة يف اختصاصه فقد قامت سياسته خارج هذا‬
‫االختصاص عىل التعاطف مع البنيان الجسدي لإلنسان‪ .‬ولدينا عن‬
‫حن‬‫شي إىل تجنبه سفك الدماء ر‬ ‫عمر بن الخطاب مرويات عديدة ت ر‬
‫وف‬‫آن المشمولة بقانون العقوبات‪ .‬ي‬ ‫يف حدود االختصاص القر ي‬
‫طبقات ابن سعد رواية هامة توضح اتجاهه يف هذا الشأن تقول أن‬
‫ا‬
‫واليا كتب إليه أن رجل وجد زوجته مع رجل آخر فقتلهما‪ .‬وكان عمر‬
‫الن تتضمن أحكام‬ ‫ر‬
‫قد عمم عىل الوالة أن يعرضوا عليه القضايا ي‬
‫الواىل كتابا علنيا‬
‫ي‬ ‫باإلعدام أو القطع ليبت فيها بنفسه‪ ،‬فكتب إىل‬
‫بإعدام الرجل وكتابا شيا بأخذ الدية منه (‪ ،)5‬وكان غرضه من هذا‬
‫توفي عامل الزجر‪،‬‬ ‫ع رسميا مع ما يف إعالنه من ر‬ ‫تطبيق الحكم الرس ي‬
‫ر‬
‫ويأن ضمن‬ ‫واإللتفاف عليه عمليا بسبب نفوره من هذه العقوبات‪ .‬ي‬
‫هذا التوجه عفوه الكوميدي عن الهرمزان‪.‬‬
‫اجتماع يرتهن يف‬
‫ي‬ ‫وعىل عامل دنيوي ‪-‬‬ ‫يقف وراء سلوك عمر ي‬
‫الن ساهمت يف تكوين‬ ‫ر‬
‫مجمل األصول البدوية واإلجتماعية ي‬
‫شخصيتهما إىل الحد الذي يمنع من الحكم عليهما وفقا إلعتبارات‬
‫رجىل دين من النمط الشائع‪ .‬ومن دون‬ ‫دينية خالصة‪ ،‬أي بوصفهما ي‬
‫الدين‪ ،‬فمن الواضح أنهما‬ ‫ي‬ ‫أن نتعسف التشكيك يف جدية إيمانهما‬
‫ا‬
‫قد أعطيا يف سياستهما هذه مثال عىل الدور الذي يمكن أن تلعبه‬
‫األخالق يف تخفيف قسوة القانون‪.‬‬
‫المثال الخر من رجال الدين المعاضين‪ ،‬أن انتماء هذ الفئة إىل‬
‫الدين الخالص يف‬
‫ي‬ ‫الطبقات الحاكمة الفاسدة قد عزز المنىح‬
‫النفش‪ ،‬وبالنظر لوجودهم خارج العصور اإلسالمية فقد‬ ‫ي‬ ‫تكوينهم‬
‫وبي استيعاب العناض الدنيوية يف اإلسالم األول أو رؤية‬ ‫حيل بينهم ر‬
‫الطبيعة التعددية الحضارة اإلسالم الذاهبة بشكل جعلهم يتمثلون‬
‫(‪ )5‬ج ‪ 6‬ص ‪107‬‬
‫~ ‪~ 77‬‬

‫سلمي وفق المعاي ري‬ ‫العقيدة الدينية بوصفهم مؤمن ري وليس مجرد م ر‬
‫ر‬
‫ينبغ أن نتوقع ارتهانا‬ ‫اإلنيوحضارية لإلسالم‪ .‬ومن هذا المنطلق ي‬
‫معينا ربي حضور هذه الفئة يف موقع ما‪ ،‬واسترساء حالة القمع يف‬
‫تفسي مقبول التجاه‬ ‫ر‬ ‫ذلك الموقع‪ .‬ويمكن أن نتوفر من هنا عىل‬
‫الدول الدينية المعاضة يف العالم اإلسال يم إىل التمسك بالتطبيق‬
‫آن ‪ -‬مع تجاوزه يف نفس الوقت‬ ‫الحر يف لقانون العقوبات القر ي‬
‫الن عرضها الفقهاء األقدمون بطريقة مرنة‬ ‫ر‬
‫بالتشدد يف األحكام ي‬
‫ومتسامحة ذكرنا بعض وقائعها يف القسم األول‪ .‬وبضف النظر عن‬
‫معايي‬
‫ر‬ ‫اختالفات سیاسات هذه الدول‪ ،‬مما يوجب تصنيفها وفق‬
‫الدين الخالص‬ ‫اليكيب‬ ‫مختلفة عىل صعيد التحليل السياس‪ ،‬فإن ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫اس عىل مستوي‬ ‫ر‬
‫الذي تشيك فيه يعرب عن نفسه يف شيوع نهج ف ي‬
‫اإلله الذي‬‫ي‬ ‫العالقات االجتماعية يحمل من بعيد ذكريات الغضب‬
‫ابي المشوية‪ ،‬وهكذا تواجهنا حالة‬ ‫النن نوح بالقر ر‬
‫نفس عنه ي‬
‫معكوسة تماما تقوم فيها األخالق الدينية بتشديد قسوة القانون‪،‬‬
‫الدين أن يتبلور ويعزز‬ ‫ي‬ ‫للوع‬
‫ي‬ ‫باالرتهان مع ظرف مساعد يتاح فيه‬
‫معطياته بقدر أوفر من االستقالل‪.‬‬
‫إن التجارب المستفادة من األديان تزودنا بأداة لإلستنتاج يمكن أن‬
‫الدين لتكوين‬‫ي‬ ‫نستخلص منها قابلية العوامل المكونة للسلوك‬
‫شخصية دموية فاشية المزاج معادية لإلنسان‪ .‬ومن المعروف أن‬
‫الدين قائم عىل التخويف‪ ،‬وهو المهمة األساسية لرجل الدين‬ ‫ي‬ ‫الوازع‬
‫المؤمني من غضب اللهة‪ ،‬لكنه كان يف‬ ‫ر‬ ‫الذي تخصص يف تحذير‬
‫اإلله عىل رعاياه‪ ،‬ولألديان‬ ‫ي‬ ‫نفس الوقت يساهم يف تطبيق الغضب‬
‫الن تجتمع فيها‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫أدوار مشيكة يف هذا المضمار تتفاقم يف الحاالت ي‬
‫سلطتان متكاملتان دينية وزمنية حيث تتداخل عوامل الخوف‬
‫وس‪،‬‬ ‫كلي ي‬ ‫الحكوم ‪ -‬األ ر‬ ‫ي‬ ‫الروخ من القوى الخارقة مع اإلرهاب‬ ‫ي‬
‫يقين أولهما‬ ‫وتتفرد األديان السماوية هنا بعاملي إضافيي ر‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫~ ‪~ 78‬‬

‫غي معروفة‬ ‫وه ر‬ ‫ر‬


‫الن تحدثنا عنها آنفا‪ ،‬ي‬ ‫بعقيدة المهابدة العشوائية ي‬
‫الثان يتعلق‬ ‫الغي سماوية بوجه عام‪ .‬العامل ي‬ ‫يف األديان الوثنية أو ر‬
‫بمفهوم سماوية الدين الذي يرتكس يف مالبسات نفسية تتحدد‬
‫ر‬
‫الن تتمتع‬ ‫تداخلي‪ :‬وجود القوة المطلقة ي‬ ‫ر‬ ‫عاملي م‬
‫ر‬ ‫بدورها يف‬
‫اف الهائل الذي‬ ‫بالقدرة الكلية وتنفرد بالجيوت‪ ،‬مع االمتداد الجغر ي‬
‫الوخ يف هذه األديان‪ ،‬إن اطمئنان رجل الدين‬ ‫ي‬ ‫يتداخل مع عقيدة‬
‫المتمي الذي يحتله يف الكون بحكم عالقته‬ ‫ر‬ ‫السماوي إىل الموقع‬
‫الخاصة جدا بالسماء يعطيه شعورا متضخمة بالهيمنة عىل رعاياه‬
‫الدين‬
‫ي‬ ‫ويعن المأثور‬ ‫ي‬ ‫مشفوعا يف نفس الوقت باستصغارهم‪.‬‬
‫له ويذهب يف‬ ‫بالمقارنة ربي ضآلة اإلنسان وضخامة الوجود اال ي‬
‫غي ملموس يف‬ ‫اعتباره اإلنسان عبدا هلل إىل جعله حاجة أو شيئا ر‬
‫حساب السماوات‪ ،‬كما يستخدم جسم اإلنسان إلشعاره دائما‬
‫بحقارته‪ ،‬ويعي رجال الدين عن االنسان بكونه يبدأ‪" :‬نطفة مذره‬
‫وينته جيفة قذرة‪ ،‬وأنه يحمل ما بينهما العذرة" ‪ -‬أي الخراء‪.‬‬ ‫ي‬
‫النفش‬
‫ي‬ ‫الجو‬ ‫هذا‬ ‫من‬ ‫استفادت‬ ‫قد‬ ‫المالكة‬ ‫الطبقات‬ ‫أن‬ ‫شك‬ ‫ال‬
‫الذي يعيش فيه أهل األديان السماوية الستخدام وسائل ناجعة يف‬
‫السياس‪ .‬ولو تجاوزنا نموذجا شائعا كاليهودي مناحيم‬ ‫ي‬ ‫االرهاب‬
‫قليل‪ ،‬فسوف نعير‬ ‫ا‬
‫بيغن وهو قليل يف اليهود ألنهم لم يحكموا إل‬
‫الكبي رتي‬
‫الديانتي ر‬ ‫ر‬ ‫عىل الحاالت الدالة الصالحة لإلستقراء يف تاري خ‬
‫المسيحية واإلسالم‪ ،‬ولكن لما كان موضوعنا الراهن هو اإلسالم‬
‫فسوف نمر بالمسيحية مرورا شيعا لنفرغ بعدها الستقصاء العناض‬
‫القمعية يف اإلسالم من حيث عالقتها بالتدين‪.‬‬
‫من المعروف أن المسيحية تخلو من قانون العقوبات‪ ،‬وأن المسيح‬
‫عارض قانون العقوبات اليهودي‪ ،‬الذي اقتبسته الرسيعة اإلسالمية‬
‫ا‬
‫فيما بعد‪ ،‬ولكن الكنيسة القروسطية يف أوربا سلکت سبيل آخر‬
‫مستمدا من روح األديان‪ ،‬قائمة عىل تلبية المطالب الدنيوية‬
‫~ ‪~ 79‬‬

‫األورن‪ ،‬وقد استفادت الكنيسة األوروبية من عدم‬ ‫ي‬ ‫لمجتمع االقطاع‬


‫الن تالئمها بحرية‬ ‫ر‬
‫قانون العقوبات‪ ،‬يف ديانتها لتفرض العقوبات ي‬
‫فق مقابل التمسك النظري للمؤسسة اإلسالمية‬ ‫أكي‪ .‬وهكذا‪ ،‬ي‬
‫بجعل النار وسيلة خاصة بالخالق‪ ،‬اتخذت الكنيسة األوربية منها‬
‫منسکا مقدسا لتعميد المفكرين والفالسفة‪ .‬وقد ظلت الكنيسة‬
‫طوال العصور الوسط وشطرا من عض النهضة مصدر االرهاب‬
‫الوحيد تقريبا يف أوربا‪ .‬وكانت كوادر األرهاب تتألف يف العادة من‬
‫كليوس الذين كانوا يديرون هيئات التحقيق والمحاكم ومحاكم‬ ‫األ ر‬
‫التفتيش بأنفسهم وينفذون أحكامها بأيديهم‪ .‬ولما ظهرت حركات‬
‫الدين لم يتوقف هذا الدور وإنما انتقل إىل أيدي جديدة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫االصالح‬
‫ّ‬
‫وقد مرت بنا إجراءات كالفن يف جنيف‪ .‬وكان اإلرهاب يتقلص مع‬
‫تقلص سلطة الكنيسة وظهور الدول العلمانية ر‬ ‫ّ‬
‫الن فصلت الدين‬ ‫ي‬
‫عن الدولة‪ ،‬ولهذا السبب استمرت محاكم التفتيش يف أسبانيا‬
‫حن أوائل القرن التاسع عرس حيث أغلقت‬ ‫الكاثوليكية المتعصبة ر‬
‫العلمان نابليون بونابرت‪.‬‬
‫ي‬ ‫نهائيا بأمر اإلمياطور‬
‫استدراك‪:‬‬
‫المسيىح اقتض عىل الكنيسة األوروبية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ينبغ التنبيه إىل أن القمع‬
‫ي‬
‫الن تألفت رئيسيا من نصارى العرب والرسيان‬ ‫ر‬
‫أما الكنيسة الرسقية ي‬
‫فلم تتورط يف هذه األدوار‪ .‬وقد يكون الفضل يف هذا لعدم وصولها‬
‫الن‬‫ر‬
‫إىل السلطة‪ ،‬فالكنيسة الرسقية لم تجد الطبقة اإلجتماعية ي‬
‫تحتاج إىل خدماتها‪ ،‬كما أن المسيحية لم تصبح دینا سائدا يف الرسق‬
‫حن قبل اإلسالم‪ ...‬وحسب علماء النفس فإن اليعات الخطرة ال‬ ‫ر‬
‫تنطلق إل إذا صادفت وسطا ماديا مساعدا‪ .‬وقد لعبت الكنيسة‬
‫الن تمركزت أساسا يف الرسق األوسط‪ ،‬دورا أقرب إىل روح‬ ‫ر‬
‫الرسقية‪ ،‬ي‬
‫الن لم تتمركز فيها سلطة ربينطية‬ ‫ر‬
‫المسيح ‪ -‬السيما يف الجهات ي‬
‫وقامت بوظائف مختلفة تماما عن وظائف قرينتها يف أوربا‪:‬‬
‫~ ‪~ 80‬‬

‫حن تسلمها‬ ‫المؤمني وتعهد الثقافة الهللينية ر‬


‫ر‬ ‫رعاية الفقراء من‬
‫العرب ‪ -‬اإلسالميون منها‪.‬‬
‫لم المعي‬ ‫قية قد تبلورت يف هذا الخط الس ي‬ ‫ويبدو أن المسيحية الرس‬
‫ّ‬
‫عن بساطة المسيحية المبكرة بشكل أضق عليها مسحة إجتماعية‬
‫الدين‪ .‬وقد بلغ األمر يف‬‫ي‬ ‫دنيوية حررتها إىل حد ما من عقدة اإلرهاب‬
‫ر‬
‫الن‬
‫بعض الحاالت إىل التصادم مع مقتضيات الحياة الجاهلية ي‬
‫قامت عىل الحرب‪ .‬يعي عن هذه النقطة بوضوح نص شعري هام‬
‫المتوف عام‬
‫ي‬ ‫ض) بن جابر‬
‫الشاعر تغل ين من الجاهلية هو ح ين (كق ي‬
‫الن عانت يف‬ ‫ر‬
‫‪5۷۰‬م تحدث فيه عن معاناة قبيلته المسيحية‪ ،‬ي‬
‫العراق‪ ،‬من عسف السلطات الساسانية آنذاك‪ ،‬وشاهدنا فيه قوله‪:‬‬
‫عيت تغلب أو استخفت بها ألن دينها‬ ‫و بهراء قبيلة أخرى يظهر أنها ر‬
‫يضعها يف موضع ضعيف‪ ،‬بوصفه دين سالم‪ .‬وقد انتفض الشاعر‬
‫التاىل بحمية لقاحية‪:‬‬
‫ضد هذا اإلستخفاف وأكد يف البيت ي‬
‫وعىل أي حال فقد كان مقدرا للمؤسسة الدينية يف اإلسالم أن تقوم‬
‫قيي السيما‬ ‫بهذا الدور‪ ،‬واالسالم كما يقول انجلز دین موافق للرس ر‬
‫أوسطيي دون الرسق ‪ -‬أقصو ريي الذين‬ ‫ر‬ ‫العرب‪ .‬أي أنه موافق للرسق‬
‫اعتنقوا البوذية وديانات مقاربة لها‪ ،‬أما اإلسالم فوصلهم متأخرا فلم‬
‫حن‬‫يتغلغل فيهم كما تغلغل ف الرسق األوسط‪ .‬وقد بقيت البوذية ر‬
‫ي‬
‫الدين يف تلك البقاع‪.‬‬
‫ي‬ ‫ئيش لإلرهاب‬
‫ه المصدر الر ي‬ ‫زمن متأخر ي‬

‫***‬
‫تناولت يف القسم األول من هذه الدراسة قضايا ومظاهر التعذيب‬
‫والقمع يف اإلسالم‪ ،‬وأريد الن أن أتحدث عن عالقة هذه الظاهرة‬
‫وعىل يختلط بهما المقوم‬ ‫بالدين‪ .‬لقد عرضت أنفا ر‬
‫مثالي من عمر ي‬
‫اإلنسان فيجعلهما تطبيقا ملموسا لدور‬
‫ي‬ ‫جتماع ‪-‬‬
‫ي‬ ‫الدين بالمقوم اإل‬
‫ي‬
‫~ ‪~ 81‬‬

‫األخالق يف تخفيف قسوة القانون‪ ،‬ثم تحدثت عن المحتوى‬


‫وبق لدي‬ ‫ر‬
‫التعذين للشخصية الدينية يف اإلسالم المعاض‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫القمغ ‪-‬‬
‫ي‬
‫الن عرفت باليوع إىل القمع والتعذيب‬ ‫ر‬
‫أن استعرض هوية الفئات ي‬
‫يف العصور اإلسالمية بينا يف القسم األول أن تاري خ صدر اإلسالم‬
‫يكشف عن إتجاه دموي أو قم يغ عرف به كل من أبو بكر وعثمان بن‬
‫تميا‬ ‫الخليفتي نجد أنهما قد ر‬
‫ر‬ ‫عفان‪ ،‬ولدى دراسة تاري خ هذين‬
‫دين من‬ ‫ر‬
‫كذلك بشخصية دينية ميمتة‪ ،‬فقد كان األول يتمتع بمزاج ي‬
‫حن انه‬ ‫النمط المعروف عند رجال الدين‪ ،‬فكان رقيق شي ع البكاء ر‬
‫لم يستطع إلقاء خطبته األوىل ألنه تذكر يف تلك اللحظة ي‬
‫النن‬
‫محمد فأجهش‪ ،‬وليس من الضوري مجاراة الشيعة يف اتهام الرجل‬
‫الممثلي‬
‫ر‬ ‫غي‬‫بالنفاق‪ ،‬فالبكاء ينم عن الوجد وليس من السهل عىل ر‬
‫الن تحدثت عنها‬ ‫ر‬
‫الموهوبي أن يفجروا دموعهم بنفس تلك العفوية ي‬ ‫ر‬
‫مصادر صدر اإلسالم‪ ،‬ولعل تلقيبه بالصديق يعكس هذه الدماثة‬
‫ّ‬ ‫ر‬
‫الن يتحىل بها المتدينون يف عالقاتهم اليومية‪.‬‬ ‫ي‬
‫أما عثمان فقد عرف بحبه للعبادة وقراءة القرآن‪ .‬وكان يختم القرآن‬
‫مؤرخ صدر اإلسالم أنه قتل‬
‫ي‬ ‫يف ليلة واحدة‪ ،‬والمعروف عند‬
‫والقرآن يف يده‪ ،‬فقد كانت عالقته بالقرآن سجية شائعة عنه‬
‫الن ر ر ين بها بعد وفاته ومنها هذا البيت‬ ‫ر‬
‫وانعكست يف الكلمات ي‬
‫النن‪:‬‬
‫لحسان بن ثابت شاعر ي‬
‫ونأن إىل مؤسس االستبداد األموي‪ ،‬معاوية‪ ،‬ورديفه مروان بن‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫الحكم‪ ،‬فنجد البالذري ينقل أنهما كانا يقوالن إذا سمعا األذان (‪:)6‬‬
‫ا‬
‫بالقائلي عدل وبالصالة مرحبا وأهلها"‪ .‬بينما يروى عن‬ ‫ر‬ ‫"مرحبا‬
‫وينبغ أن ال تحمل هذه الرواية‬ ‫ي‬ ‫مروان أنه كان يقوم الليل كله أحيانا‪.‬‬
‫وف رواية أبو زرعة أنه لما مات‬
‫(‪ )6‬أنساب األشاف ج ‪ 5‬ص ‪ ۱۲۹‬ط ربيوت‪ .‬ي‬
‫فضالة بن عبيد وكان من القراء‪ ،‬حمل معاوية نعشه وقال البنه عبيد للا‪ :‬أعقبنر‬
‫ي‬
‫مغ) فإنه ال تحمل بعده مثله‪( .‬التاري خ رواية ‪)۲۱۱۸‬‬
‫(إحمل ي‬
‫~ ‪~ 82‬‬

‫األمويي‬
‫ر‬ ‫عىل محمل االعالم الس ين الذي تخصص يف الدفاع عن‬
‫وغيهم من الفرق اإلسالمية المعارضة لإلستبداد‬ ‫ضد الشيعة ر‬
‫األموي‪ ،‬فقد كانت قریش متدينة قبل محمد وكانوا يلقبون بالحمس‬
‫أي المتشددين يف الدين‪ .‬ومع أن مروان لم يكن يحب محمد‪ ،‬وهو‬
‫القرس‪ ،‬بضف النظر‬ ‫ي‬ ‫يىح‪ ،‬فإن قيام الليل يعكس مزاجه‬‫عدوه التار ي‬
‫عن أن يكون ذلك لرب محمد أو لرب قريش ألن اشباع اليعة‬
‫الطقوس الذي يتم فيه‪.‬‬
‫ي‬ ‫الدينية ال عالقة له بالشكل‬
‫الثقق بطل اإلرهاب يف اإلسالم‪ ،‬يخينا أبو‬ ‫ي‬ ‫وعن الحجاج بن يوسف‬
‫ان‬
‫األصفهان أنه طلب مؤدبا لولده فقيل له هاهنا رجل نض ي‬ ‫ي‬ ‫الفرج‬
‫ان‪ ،‬قال ادعوا يىل المسلم‪ ،‬فلما‬ ‫وهاهنا مسلم ليس علمه كعلم النض ي‬
‫ان قد ذكروا أنه أعلم‬ ‫أتاه قال‪ :‬أال ترى يا هذا أنا قد دللنا عىل نض ي‬
‫أن كرهت أن أضم إىل ولدي من ال ينبههم للصالة عند‬ ‫منك غي‬
‫ر يّ‬
‫وقتها وال يدلهم عىل شائع اإلسالم ومعالمه ‪.‬‬
‫)‬‫‪7‬‬ ‫(‬

‫وتحدثت مصادر اإلسالم عن شخصية نموذجية من هذا النمط هو‬


‫مسلم بن عقبة المري‪ .‬وكان من قواد يزيد بن معاوية‪ ،‬وقد أرسله‬
‫عىل رأس جيش لتأديب أهل المدينة الذين أعلنوا عليه العصيان‪.‬‬
‫ا‬
‫وبعد أن اقتحمها مسلم أباحها لجنوده ثالثة أيام‪ ،‬قتل ونهبا‬
‫واغتصابا للنساء‪ .‬ويروى أن المغتصبات ناهزت السبعة آالف‬
‫الن حصلت يف المدينة‬ ‫ر‬
‫الغي شعية ي‬
‫أحصي عىل أساس الوالدات ر‬ ‫ر‬
‫بعد تلك الحادثة‪ .‬ويستدل من هذا الرقم عىل فظاعة ما جرى‬
‫حينذاك ولو اننا ال نستطيع أخذه عىل عالته مع احتساب العدد‬
‫ّ‬
‫الممكن لسكان المدينة آنذاك‪.‬‬
‫توف يف طريقه‬ ‫حي قام بهذه األعمال يف آخر أيامه وقد ي‬ ‫وكان مسلم ر‬
‫الن قصدها بعد أن فرغ من أهل المدينة للقضاء عىل حركة‬ ‫ر‬
‫إىل مكة ي‬
‫األغان ‪2۲۸ /۲۰‬‬
‫ي‬ ‫(‪)7‬‬
‫~ ‪~ 83‬‬

‫الزبي‪ .‬ونقل البالذري كالما له وهو يحتض هذا نصه (‪:)8‬‬ ‫ابن ر‬
‫أن لم أشاق خليفة ولم أفارق جماعة ولم أغش‬ ‫"اللهم إنك تعلم ي‬
‫ا‬
‫إماما شا وال عالنية‪ .‬ولم أعمل بعد اإليمان باهلل ورسوله عمل أحب‬
‫مغني‬
‫إىل وال أرخ عندي من قتل أهل الحرة" ويضيف البالذري أن ر‬ ‫ي‬
‫من أهل المدينة عرضوا إليه إيناسه بالغناء بعد انتهائه من تصفية‬
‫التمرد فأمر بقتلهم وقال ما جئنا للهو والغناء‪.‬‬
‫مثل هذه النماذج البرسية المريعة ربما أشكلت عىل الناس السيما‬
‫ا‬
‫أتباع الطوائف والفرق‪ .‬فعند الشيعة والخوارج مثل ال يمكن إعتبار‬
‫مسلم بن عقبة المري مسلما بل هو كافر من أهل النار‪ ،‬لكن مسلم‬
‫نفسه لم يكن يرى أن أهل المدينة مسلمون‪ ،‬ألنهم ثاروا عىل‬
‫مني‪ ،‬إذا نظرنا إليهما‬ ‫فريقي من المؤ ر‬ ‫ر‬ ‫الخليفة‪ .‬هنا إذن خالف ربي‬
‫من خارج‪ ،‬أي من موقع محايد ال يمكننا القبول بشهادة أحدهما‬
‫يعن أنه معادي‬ ‫ضد الخر‪ ،‬ألن كون مسلم معاديا ألهل المدينة ال ي‬
‫حي فتك بهؤالء الناس‬ ‫سالم ر‬
‫ي‬ ‫للدين‪ ،‬ال شك يف أنه خرق القانون اإل‬
‫الذين تمردوا عىل خليفة ظالم يجوز خلعه بموجب تعاليم الرسيعة‪.‬‬
‫لكنه قام بهذا الفعل من منطلق تدين بحيث أنه مات مقتنعا بنوال‬
‫سالم لم يخالف‬ ‫ي‬ ‫رضا للا وغفرانه‪ .‬وهو عندما خالف القانون اإل‬
‫سياس‬‫ي‬ ‫قانونا دينيا‪ ،‬ألن خروج أهل المدينة عىل الخليفة هو عمل‬
‫ه تعاليم سياسية‬ ‫ر‬
‫أي دنيوي‪ ،‬والتعاليم اإلسالمية ال ين نصت عليه ي‬
‫الن تجمع ربي المسلم وربه‪ ،‬واإلسالم‬ ‫ر‬
‫تتحدد خارج العالقة الدينية ي‬
‫كما نعلم هو حركة دينية سياسية والقطاع الدنيوي ظاهر فيه‬
‫المؤمني‬
‫ر‬ ‫ومتمي‪ .‬وإذا تضفنا كمحايدين فإننا قد نقبل اتهامات‬ ‫ر‬
‫ا‬
‫السياس فنعتي مسلم بن عقبة المري مثل‬ ‫ي‬ ‫لبعضهم عىل الصعيد‬
‫ا‬
‫طاغية وظالما ونتبن رأي الخوارج والشيعة فيه‪،‬‬
‫(‪ )۸‬أنساب االشاف ج ‪ 2‬ق‪ 2‬ص ‪46‬‬
‫~ ‪~ 84‬‬

‫لكننا ال نستطيع قبول أهل الحرة يقصد أهل المدينة وكان القتال قد‬
‫وقع قبل اقتحامها يف ضاحيتها المسماة بالحرة (بفتح الحاء)‬
‫فعرفت المعركة باسمها‪ ...‬ادعائهم بمروقه من الدين‪ .‬ومن‬
‫يقين دائما بالخالفات ربي‬ ‫المعروف أن هذا الشكل من االتهامات ر‬
‫الن تحدد التدين‬ ‫أبناء الم ّلة الواحدة وهو جزء من الذهنية الدينية ر‬
‫ي‬
‫يف إطار مذهبيتها الخاصة بها فتنفيه عن كل ما عداها‪.‬‬
‫أكيهم دموية وهم المهدي وابنه هارون‬ ‫نأن إىل العباسيي فنجد ر‬ ‫ر‬
‫ر‬ ‫ي‬
‫المثقفي‬
‫ر‬ ‫الرشيد قد عرفا بالتشدد يف الدين‪ ،‬المهدي خاض يف دماء‬
‫اإلسالم‪ ،‬ألجل مكافحة الزندقة‬ ‫ي‬ ‫الذين مثلوا يف عهده منىح التنوير‬
‫والداع إىل‬
‫ي‬ ‫وقتل بيده صالح بن عبد القدوس‪ ،‬شاعر الحكمة‬
‫نصفي بضبة واحدة عىل هامته وعلق جثته‬ ‫ر‬ ‫الزهد‪ .‬قالوا أنه شطره‬
‫بنصفيها يف إحدى ساحات بغداد‪ ،‬وكان قد شاخ وأدركه العم‪.‬‬
‫السبعي‪ .‬ويشغل المهدي‬ ‫ر‬ ‫وأعدم بشار بن برد جلدا وقد نيف عىل‬
‫ا‬
‫مكانة خاصة عند رجال الدين بسبب سلوكه هذا‪ .‬وقد استمعت مرة‬
‫إىل محاضة ألقاها شيخ أهل السنة يف البضة عالء الدين خروفة يف‬
‫مهرجان بغداد والكندي عام ‪ ۱۹6۲‬فكان فيما عدده من المآثر‬
‫اإلسالمية الغابرة (مالحقة المهدي للزنادقة وسجنهم وترسيدهم‬
‫وتعذيبهم وقتلهم)‪ .‬ورغم أن مالحقة الزنادقة تمت رئيسيا بدوافع‬
‫للعباسيي األوائل‪ ،‬فإن‬ ‫ر‬ ‫سياسية ألنهم كانوا ضمن فئات المعارضة‬
‫إدارة عمليات المالحقة عىل يد المهدي بالذات قد تمت بداللة‬
‫الغية‬
‫خاصة مستمدة من شخصية المهدي الذي عرف بشدة ر‬
‫المؤمني‬
‫ر‬ ‫الدينية‪ .‬وتجسد طريقة إعدامه لصالح وبشار حقد‬
‫الدموي عىل المتنورين ‪ -‬مما نجد صداه يف ارتياح الشيخ خروفة‬
‫ألعمال التعذيب إىل حد المباهاة بها علنا‪.‬‬
‫بكية الحج‪ ،‬قالوا‪ :‬كان يحج سنة ويغزو سنة‪،‬‬ ‫أما الرشيد فقد عرف ر‬
‫يستدع أبو العتاهية ليتلو عليه من زهدياته‬ ‫ي‬ ‫وبالولع بالمواعظ فكان‬
‫~ ‪~ 85‬‬

‫يصىل كل يوم مئة ركعة إىل‬ ‫األثي‪" :‬انه كان‬


‫حن يبكيه‪ ،‬ويقول ابن ر‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫أن فارق الدنيا" (‪ .)9‬ومن ربي آخر أعمال الرشيد إعدامه أحد‬
‫بشي بن الليث‪ .‬وتبعا لرواية‬ ‫الخارجي عليه يف المرسق ويدع ر‬ ‫ر‬
‫الطيي يف تاريخه‪ ،‬كانت طريقة إعدام هذا الرجل تعكس روح‬
‫العذاب األخروي ونزعة القربنة فقد استدع الرشيد جزارا وأمره أن‬
‫ال يشحذ مديته ثم أحضوا الضحية فأخذ الجزار بقطع أوصاله‬
‫ر‬
‫بمديته الكليلة حن فصله ‪ 14‬قطعة‪ ..‬وأود أن ال يأخذ القارئ ي‬
‫كالم‬
‫هذا عىل أنه تطاول من كاتب عاجز عىل حاكم عظيم‪ ،‬أنا هنا أقرر‬
‫حقائق نفس برسية يف أطوارها المتناقضة ولست أجهل قيمة رجل‬
‫ه ‪ -‬شأن‬ ‫ر‬
‫الن ي‬
‫کھارون الرشید وال دوره العظيم يف حضارة اإلسالم‪ ،‬ي‬
‫أي حضارة قديمة ‪ -‬من صنع الطغاة يف المقام األول‪.‬‬
‫العباسيي تدينا وأبعدهم عن‬‫ر‬ ‫يالحظ بوجه عام أن أقل الخلفاء‬
‫ّ‬
‫النموذخ هو المأمون‪ ،‬وكان‬ ‫ي‬ ‫ومثالنا‬ ‫‪.‬‬ ‫ا‬‫إرهاب‬ ‫هم‬ ‫أقل‬ ‫السلفية كان‬
‫ّ‬
‫كغيه من حكام العصور القديمة‪ ،‬لكنه مارس القمع‬ ‫المأمون طاغية ر‬
‫بطريقة دنيوية‪ ،‬مقننة بالحفاظ عىل مصالح دولته‪ .‬ولم يصدر عنه‬
‫ما يدل عىل نهم بالدم أو نزعة قربنة تتلذذ بالتعذيب‪ .‬وكانت‬
‫اإلسالم الذي كان‬ ‫المعيلية تسلكه يف عداد جيل التنوير‬ ‫ر‬ ‫عقالنيته‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫قد بدأ تألقه قبل زمانه بوقت طويل‪ .‬وعندما نسميه طاغية يجب‬
‫أن نضعه يف حدوده التاريخية كإمياطور يحکم رقعة تزيد مساحتها‬
‫عىل عرسين مليون کیلوم ري مرب ع‪ ،‬ومما له داللة يف هذا الصدد أن‬
‫عي يىل قد عرف بيعة‬ ‫خلف المأمون؛ المعتصم‪ ،‬الذي تابع خطه الم ر‬
‫تقين يف نفس الوقت بعدم تمتعه بعنض تنوير عقال ين‬ ‫دموية كانت ر‬
‫من الغرار الذي عرف به المأمون‪ .‬وكان المعتصم أقرب إىل السلفية‬
‫المعي يىل إل عىل سبيل‬ ‫ر‬ ‫عيلة ولم يكن استمراره يف الخط‬ ‫منه إىل الم ر‬
‫(‪ )9‬الكامل يف التاري خ ‪ -‬حوادث سنة ‪۱۹۷‬ه ‪ -‬يف الكالم عن وفاة الرشيد‪.‬‬
‫~ ‪~ 86‬‬

‫ّ‬ ‫ر‬
‫الن تسلمها من المأمون‪ ،‬ويقول مؤرخوه أنه كان يكره القراءة‬ ‫الوراثة ي‬
‫والكتابة‪.‬‬
‫تمي بيعة تعذيب متفاقمة ولكن لم‬ ‫عباس ر‬ ‫شي إىل خليفة‬ ‫بق أن ن ر‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫يعرف عنه تشدد يف الديانة‪ .‬وهذا هو المعتضد الذي ذكرته يف‬
‫القسم األول‪ .‬وتدل الظروف الخاصة بهذا الخليفة عىل أنه لم ييع‬
‫بتأثي شخصية ذات مزاج دموي رغم أن‬ ‫إىل هذا المسلك الشاذ ر‬
‫تميت بداللة مرضية واضحة‪ .‬وقد تكون حالته استثناء من‬ ‫تعذيباته ر‬
‫الدين للتعذيب يف اإلسالم محكوما بدوافع دنيوية من النمط‬ ‫ي‬ ‫الجذر‬
‫منتمي لدين ‪-‬‬ ‫ر‬ ‫الغي‬
‫المعتاد يف تاري خ التعذيب عند األمم أو األفراد ر‬
‫ر‬
‫أو دین سماوي عىل األقل‪ .‬والمعتضد ظهر يف أوان التغلب الي يك‬
‫وكان مدفوعا بالحرص عىل استعادة هيبة الخالفة من األتراك‪،‬‬
‫الن جرت عىل يديه أنها كانت موجهة‬ ‫ر‬
‫ويستفاد من وقائع التعذيب ي‬
‫يف األساس إىل أفراد يف الحاشية أو يف الجيش أو يف االدارة القريبة من‬
‫ديوان الخالفة‪ .‬ويبدو أنه اتخذ االرهاب وسيلة للسيطرة عىل‬
‫المتغلبي الذين اتبعوا نفس األسلوب مع أسالفه من الخلفاء‬ ‫ر‬
‫المستضعفي‪ .‬وربما كانت حالته المرضية نتيجة التباعه هذا‬
‫ر‬
‫األسلوب وليست سببا له‪.‬‬
‫تكملة‪:‬‬
‫الن يستعملها السلفيون من‬‫ر‬
‫الدين يف لغة السجال ي‬ ‫ي‬ ‫ينعكس االرهاب‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫شن الفرق والطوائف‪ .‬ويمتد ذلك إىل عناوين الكتب ي‬
‫الن تؤلف‬
‫المخالفي‪ ،‬ولنقرا العناوين التالية‪:‬‬
‫ر‬ ‫للرد عىل‬
‫(الصواعق المحرقة عىل أهل البدع والضالل والزندقة) ‪ -‬البن حجر‬
‫الهيتم ‪ -‬العاش الهجري‪.‬‬
‫ي‬
‫الثان‬
‫أن الحديد) البن عصفور ‪ -‬ي‬ ‫(سالسل الحديد يف تقييد ابن ي‬
‫عرس ه يف الرد عىل شارح نهج البالغة ألنه صوب خالفة الراشدين‬
‫خالفا لمذهب الشيعة‪.‬‬
‫~ ‪~ 87‬‬

‫مي‬
‫(الصارم الحديد يف عنق صاحبة سالسل الحديد) لمحمد أ ر‬
‫السويدي ‪-‬متأخر‪ -‬يف الرد عىل الكتاب السابق‪.‬‬
‫النصيي يف المهدي المنتظر‪:‬‬ ‫ر‬ ‫الخصين‬
‫ي‬ ‫ومن شعر‬
‫ويمض حكمه فرضا‬ ‫مام يرث األرضا ***‬ ‫إ ٌ‬
‫ي‬
‫فن الشك والشكا‬ ‫يقض *** وي ي‬ ‫عل الخلق كما‬
‫ى‬
‫ويفن الروم واليكا ** وأهل الهند واإلفكا‬
‫ويعط الخزرج الهلكا ** فال ي ى‬ ‫ي‬
‫بف لهم ملكا‬‫ي‬ ‫ي‬
‫~ ‪~ 88‬‬

‫ص‪ 88‬فارغة‬
‫~ ‪~ 89‬‬

‫خالصة من مجمل ما سبق‬


‫حن الن أن قمعية الشخصية الدينية ترتهن بوعائها‬ ‫بينت ر‬
‫السيكولوخ المتقوم بالمكونات الثالثة‪ :‬نزعة القربنة‪ ،‬عقيدة اإلبادة‬ ‫ي‬
‫مشيكة ربي‬ ‫الجماعية‪ ،‬وعقيدة العذاب األخروي‪ .‬واألوىل كما ذكرت ر‬
‫ه عقيدة يهودية انتقلت بالوراثة إىل المسيحية‬ ‫األديان‪ ،‬والثانية ي‬
‫واإلسالم‪ ،‬أي أنها مخصوصة باألديان السماوية‪ ،‬أما عقيدة العذاب‬
‫ر‬
‫الن‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫األخروي فيجع إىل عقيدة البعث المشيكة يف معظم األديان‪ ،‬ي‬
‫تتفق عىل فكرة العذاب‪ ،‬وإن كانت تختلف يف وسائله‪.‬‬
‫القمغ‬
‫ي‬ ‫وتنفرد اليهودية واإلسالم بعامل رابع يف تكوين السلوك‬
‫سالم‬
‫ي‬ ‫ألتباعهما هو قانون العقوبات المعروف يف االصطالح اإل‬
‫باسم الحدود‪ ..‬تقوم هذه العقوبات عىل أساس االنتقام من مر ي‬
‫تكن‬
‫ان‪،‬‬ ‫وه مستمدة يف األصل من قانون حمور ي‬ ‫المحرمات الدينية‪ .‬ي‬
‫وهذا القانون من أقدم الترسيعات يف التاري خ كما هو معروف‪ ،‬ويعتي‬
‫الثان قبل الميالد بمثابة ثورة يف تاري خ الترسي ع‪.‬‬ ‫ظهوره يف األلف ي‬
‫لكن اليهودية استعادته بعد ألف عام من ظهوره‪ ،‬أي يف مرحلة كانت‬
‫تفيض تطويره وتجاوزه إىل مدى يتطابق عىل األقل مع حدة النقد‬ ‫ر‬
‫الن ظهر هذا‬ ‫ر‬
‫الذي وجهته األديان السماوية إىل األديان الوثنية ي‬
‫القانون يف عهدها‪.‬‬
‫وقد استحدثت اليهودية عىل النقيض من هذا التوقع مبدأ لم‬
‫ان‪ ،‬هو مشاركة الجمهور يف تنفيذ بعض‬ ‫يتضمنه قانون حمور ي‬
‫العقوبات المفروض أنها من اختصاص السلطة‪ .‬ويشمل هذا المبدأ‬
‫ان والزانية‪ .‬وهذه العقوبة سومرية‬ ‫بوجه خاص عقوبة الرجم عىل الز ي‬
‫شي قصة الخاطئة‬ ‫األصل وكانت تفرض عىل المرأة المراهطة‪ ،‬وت ر‬
‫الن تجمع اليهود لرجمها فأنقذها المسيح إىل انتشار هذه الممارسة‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫يف اليهودية‪ .‬ومن المعروف أن المسيح األول أبطل عقوبة الرجم‪،‬‬
‫~ ‪~ 90‬‬

‫لكن اإلسالم أخذ بها وطبقها عىل الطريقة اليهودية (‪ ،)10‬أي طريقة‬
‫شيط فيما عداها أن يعذب‬ ‫مشاركة الجمهور ف التنفيذ‪ ،‬بينما ا ر‬
‫ٌ‬ ‫ي‬
‫المحكوم علنا ‪ ...{ -‬وليشهد عذابهما طائفة من المؤمن ري} النور‪.2‬‬
‫النفش‬
‫ي‬ ‫وتث ري المشاركة يف تنفيذ العقوبات إشكاالت تتعلق بالتكوين‬
‫ا‬
‫المؤمني يشاركون يف‬
‫ر‬ ‫القمغ لألديان منها أول أن‬
‫ي‬ ‫للمؤمني والطابع‬
‫ر‬
‫ر‬
‫عقوبة الرجم طلبا للثواب لكونهم ينفذون حكما إلهيا‪ ،‬ويتأن الثواب‬
‫من قدرة المؤمن عىل توجيه ضبة لرأس المرجوم بحجر أو عظم أو‬
‫قطعة خشب يتحصل بها رضوان للا‪ .‬ثانيا إن تنفيذ الرجم يف حالة‬
‫كون المرجوم إمرأة يتخذ بالنسبة للمؤمن الرجل وضعا خاصا‬
‫حي‬
‫نفش عن مطالب أهدرتها الزانية ر‬ ‫ي‬ ‫يشتمل عىل عنض تعويض‬
‫غيه‪ ،‬وعندئذ تكون المشاركة يف الرجم منفسا‬ ‫وهبت نفسها لرجل ر‬
‫ا‬
‫الغية الدينية فيكون عامل عىل زيادة القسوة يف‬ ‫جنسيا يضاف إىل ر‬
‫تنفيذ العقوبة‪.‬‬
‫اشياك الجمهور يف تنفيذ العقوبات يؤدي إىل‬ ‫الثالث واألهم أن ر‬
‫تعميم وظيفة الجلد بجعلها منسكا شعبيا متلبسا باإليمان‪ .‬ويقوم‬
‫ينق الشذوذ عن هذه الوظيفة بل‬ ‫الجمهور هنا بدور المطبع الذي ي‬
‫واالرتقاء بها إىل مستوى أعىل تكون فيه وسيلة لنشدان الثواب‪.‬‬
‫ا‬
‫تفسي آية‪{ :‬لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا‬‫ر‬ ‫(‪ )10‬يقول الفخر الرازي يف‬
‫ا‬
‫اليهود والذين أشكوا ولتجدن أقرب هم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ‪} ...‬‬
‫سورة المائدة الية‪82‬‬
‫إن كفر النصارى أغلظ من كفر اليهود لكونهم ينازعون يف اإللهيات والنبوات‬
‫واليهود ال ينازعون إل يف النبوات‪ ،‬فكيف صار النصارى أقرب‪ ،‬مودة؟ يجيب الفخر‬
‫عىل هذا بأن اليهود حريصون عىل الدنيا ومن كان حريصا عىل الدنيا طرح دينه يف‬
‫طلب الدنيا وأقدم عىل كل محظور ومنكر يف سبيلها‪ .‬وأشار الفخر الرازي‪ ،‬يف‬
‫المقابل إىل سلوك النصارى المتسم بالزهد وتحريم اإليذاء (يقصد بال شك مسيحية‬
‫الرسق ‪ -‬العرب والرسيان" وليس مسيحية أوروبا) وهذه إشارة إىل التقارب العقائدي‬
‫الفريقي مرده إىل أمور دنيوية‪.‬‬
‫ر‬ ‫والمسلمي وكون العداء ربي‬
‫ر‬ ‫ربي اليهود‬
‫~ ‪~ 91‬‬

‫يمكن القول من هنا أن قانون العقوبات السماوي يخلق بطبيعة‬


‫االشياك يف العقوبة حالة‬‫ر‬ ‫احكامه وطريقة تنفيذها‪ ،‬بما يف ذلك مبدأ‬
‫فق ظل هذا‬ ‫ارهاب متعاكس يقع عىل الجمهور كما يقع منه‪ .‬ي‬
‫القانون يعيش الناس يف رعب مستمر من الوقوع تحت طائلة إجراء‬
‫ع قد يؤدي إىل الموت بطريقة بشعة أو فقدان أحد األعضاء‬ ‫شي‬
‫لدى ارتکاب هفوة تنطبق عليها إحدى العقوبات‪ ،‬لكن الجمهور‬
‫الدين بقداسة العقوبة وموافق عىل تطبيقها‬ ‫ي‬ ‫مقتنع بحكم إيمانه‬
‫يعن أنه يجمع ربي‬ ‫الغي‪ ،‬وعىل المساهمة يف التطبيق‪ ،‬وهذا ي‬ ‫بحق ر‬
‫متضادتي؛ فهو ضحية‪ ،‬وهو جلد يف آن واحد‪ ..‬وعندما‬ ‫ر‬ ‫صفتي‬
‫ر‬
‫نتذكر أن جمهور األديان السماوية مشبع برؤى العذاب األخروي‬
‫وأساطي عذاب االستئصال المهابدة العشوائية ويعيش يف وسط‬ ‫ر‬
‫ابي المسفوكة للفداء أو النذر‪ ،‬فال بد لنا أن‬ ‫يصطبغ يوميا بدماء القر ر‬
‫نتوقع بناء نفسيا يتماه بالقمع المتعاكس فيدفع إىل التداخل مع‬
‫الن تقوم بها الدولة مدفوعة بمصالحها يف‬ ‫ر‬
‫ين ي‬ ‫حاالت القمع التعذ ي‬
‫الحكم‪.‬‬
‫مشيك ربي عناض‬ ‫يبدو من هنا مثول الوجدان القمغ كقاسم ر‬
‫ي‬
‫المجتمع عىل اختالفها‪ ،‬ويمكن أن يالحظ يف هذا الصدد أن عدم‬
‫بق ‪-‬‬‫ر‬
‫تغي جذري يف تركيبها الط ي‬‫تعريض المجتمعات العربية إىل ر‬
‫الموروث أساسيا من اليهة العثمانية ‪ -‬قد ساعد عىل احتفاظ هذا‬
‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫ع العام‪ .‬وإذ يكون ر‬
‫التغي‬ ‫الهاجس بموقعه المؤثر يف الو ي‬
‫حن الن عىل درجة من عدم العمق تمنعه من إحداث تحوالت‬ ‫ر‬
‫تغي عىل هذا الصعيد‬ ‫جذرية يف سلوك الناس ووعيهم‪ ،‬فإن الذي ر‬
‫القمغ‪ .‬لقد كان‬ ‫الن يتجىل بها الوجدان‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫هو يف الغالب‪ ،‬األشكال ي‬
‫المؤمنون يطلبون األجر بالمساهمة يف رجم الزناة ويالحقون‬
‫المرجوم إذا هرب ليحصلوا منه عىل شدخة يف رأسه تسجل لهم‬
‫~ ‪~ 92‬‬

‫نقطة إيمان اضافية‪ .‬أما المعاضون فقد توفرت لهم وسائل جديدة‬
‫لتطمي هذا الهاجس بعد أن تمت‪ ،‬إىل حدود معينة‪ ،‬تنحية اإليمان‬
‫ر‬
‫السياس ‪.‬‬
‫)‬‫‪11‬‬ ‫(‬
‫ي‬ ‫الدين لصالح االيمان‬
‫ي‬

‫واطني‬
‫ر‬ ‫(‪ )11‬أواخر ‪ ۱۹6۸‬قامت السلطة االنقالبية يف بغداد بإعدام عدد من الم‬
‫اتهمتهم بالتجسس‪ .‬وعلقت جثثهم يف ميدان عام‪ ،‬فخرج المواطنون العراقيون‬
‫بعوائلهم ليتفرجوا عىل الجثث‪ ،‬ثم جلسوا يف ظلها ليتناولوا‬
‫سياس أو مثقف‬
‫ي‬ ‫غدائهم ويأكلوا البوظة والحلويات‪ ،‬ولم يصدر إستنكار من أي‬
‫المقيمي يف الخارج بعيدا عن متناول‬
‫ر‬ ‫مؤيد للسلطة أو معارض‪ .‬وإمتد السكوت إىل‬
‫السلطة‪.‬‬
‫~ ‪~ 93‬‬

‫تذييل‬
‫الحجاج وهتلر‬
‫غراران للقمع يف حضارتي‬
‫الن‬‫ر‬
‫الحجاج بن يوسف بن الحكم من قبيلة ثقيف الحجازية ي‬
‫الن‬‫ر‬
‫الجاهىل‪ ،‬وكانت من ربي القبائل ي‬
‫ي‬ ‫استوطنت الطائف يف العض‬
‫وه‬ ‫هجرت البداوة واشتغلت يف الزراعة باستقرارها يف الطائف‪ .‬ي‬
‫بلدة تمتعت بوفرة المياه فكانت من أرياف العرب يف الجاهلية‪ .‬وقد‬
‫الن اعتمدت يف معيشتها عىل البلدة‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫اسيرعها بنو ثقيف وقريش‪ ،‬ي‬
‫البساتي والمزارع وصارت لها منتجع ومصيف‪.‬‬ ‫ر‬ ‫فاتخذت فيها‬
‫واشتهرت الطائف بالكروم وحدائق الزهر‪ .‬وهذه كانت توفر مادة‬
‫التحلية والتطييب لبي زمزم حيث كانت تجلب زهور الطائف وتنبذ‬
‫ع باعث‬ ‫يف البي حسب مواسمها‪ ،‬وكان استقرار ثقيف يف معرس زرا ي‬
‫عىل قدر من التحول يف تكويناتها االجتماعية والذهنية‪ ،‬فيز من‬
‫بينها دهاة تجاوزوا بساطة الشخصية البدوية ليكون لهم موقع يف‬
‫سيورة تطور ستقودها قريش التاجرة فيما بعد‪ ،‬وقد تساءل خصوم‬ ‫ر‬
‫الوخ عليه‪ ،‬وليس عىل رجل آخر‬ ‫ي‬ ‫محمد يف مكة عن الرس يف نزول‬
‫من قريش أو ثقيف‪( .‬الية ‪ /3۱‬زخرف)‪ ،‬واتجه أفراد من ثقيف إىل‬
‫(بفتحتي) إىل إيران ودرس‬
‫ر‬ ‫تحصيل المعرفة فسافر الحارث بن كلدة‬
‫ر‬
‫الن كان يديرها الرسيان‪ .‬وهو يف‬
‫يف مدرسة جنديسابور الطبية ي‬
‫مصادر تاري خ العلم العربية طبيب العرب األول‪ .‬وقد عاض ي‬
‫النن‬
‫وبق عىل حاله هذه بعد استكمال أسلمة‬ ‫ر‬
‫فلم يعارضه ولم يؤيده ي‬
‫النن يوجه المرىص من‬‫العرب وعاش إىل خالفة معاوية‪ .‬وكان ي‬
‫أصحابه لالستطباب عند الحارث‪ .‬وكانت له اهتمامات عدا الطب‪،‬‬
‫~ ‪~ 94‬‬

‫الموسيق‪ .‬وقد تعلم الضب عىل العود يف إيران واليمن‪ ،‬ال ر ين‬ ‫ر‬ ‫منها‬
‫يبدو أنه استفاد شيئا من بقايا حياتها الحضارية الغابرة‪ .‬ويمكن‬
‫اعتباره من رواد الثقافة اإلسالمية بتطورها عىل أساس الجمع ربي‬
‫مصادرها المحلية والخارجية‪ .‬وب هذا االعتبار فهو أحد آباء الحضارة‬
‫القرس محمد‪.‬‬ ‫الن أنشأها‬‫ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫وبرز من ثقيف شخصيات قيادية ساهمت مع محمد يف التأسيس‬
‫الثقق‬
‫ي‬ ‫المغية بن شعبة‬
‫ر‬ ‫من جوانبه العسكرية والسياسية‪ .‬وينظر إىل‬
‫كأحد الدهاة العرب‪ ،‬وقد استعان به محمد يف المهام الجليلة‬
‫وف صدر اإلسالم يف وقت مبكر من ظهور‬ ‫والمواقف الصعبة ي‬
‫الثقق كقائد للعبيد‬
‫ي‬ ‫الهرطقة اإلسالمية إلتمع المختار بن عبيد‬
‫والمواىل وكمؤسس نحلة من الغالة تجاوزت األطر الرسمية لإلسالم‪،‬‬ ‫ي‬
‫الفاتحي األوائل‪..‬‬
‫ر‬ ‫وبرز من ثقيف من يمكن اعتباره أم ري قائد ربي‬
‫الثقق جيشا من العراق فتح به السند‬ ‫ي‬ ‫فقد قاد محمد بن قاسم‬
‫وأدمج هذا الشطر الهام من القارة الهندية يف مجتمع اإلسالم‬
‫وف مجرى التفاقم الالحق‬ ‫الجديد‪ ،‬وكان عمره يقل عن العرسين‪ .‬ي‬
‫بزعيمي من ثقيف‬ ‫ر‬ ‫لالستبداد األموي حظيت هذه الدولة الرهيبة‬
‫تمثلت فيهما حاجة المستند إىل أدوات قمع مكافئة لمتطلبات‬
‫الن استعرت يف خالفة األموي عثمان واشتد أوارها‬ ‫ر‬
‫الحرب األهلية ي‬
‫الثقق‬
‫ي‬ ‫بن أمية بالخالفة‪ .‬وهذان هما الحجاج بن يوسف‬ ‫مع انفراد ي‬
‫الثقق رديف هشام بن‬ ‫ي‬ ‫رديف عبد الملك بن مروان ويوسف بن عمر‬
‫األخي طباق األول يف دمويته المنفلته لكنه‬ ‫ر‬ ‫عبد الملك‪ .‬وكان‬
‫انكسف يف ظل ابن عمه فلم يذكره التاري خ‪ .‬والشهرة حظوظ‪..‬‬
‫ولد الحجاج يف الطائف عام‪ 40‬ه‪ .‬ونشأ فيها ثم انتقل إىل الشام يف‬
‫خالفة عبد الملك‪ ،‬وأظهر الوالء للدولة قبل أن ينتظم يف سلكها‬
‫فكان ينبه إىل مواضع الخلل يف األداء ويتحسس ما يض بمصالحها‪.‬‬
‫~ ‪~ 95‬‬

‫ويخينا ابن عساكر يف ترجمة الحجاج (من تاري خ دمشق) أنه مر‬
‫سية أبو بكر وعمر بن الخطاب‬ ‫يوما بقاص يحدث الناس عن ر‬
‫المؤمني إل هذا وأشباهه‬ ‫ر‬ ‫فاستاء وقال‪{ :‬ما یفسد الناس عىل ر‬
‫أمي‬
‫سية أبو بكر وعمر‬ ‫يقعدون ويقعد إليهم أحداث الناس ويذكرون ر‬
‫المؤمني}‪ ،‬ويفرس هذا التدخل من‬ ‫ر‬ ‫أمي‬
‫فيخرجون (يثورون) عىل ر‬
‫سية أبو‬ ‫الحجاج أمرا أصدره عبد الملك بن مروان بمنع الكالم عن ر‬
‫وبق األمر ساري المفعول ر‬ ‫ر‬
‫حن خالفة عمر بن عبد‬ ‫بكر وعمر‪ .‬ي‬
‫السية‪.‬‬
‫العزيز الذي رتب بنفسه قصاص يحدثون الناس عن هذه ر‬
‫وكانت بداية خدمة الحجاج يف الجهاز األموي اشتغاله شطيا بإمرة‬
‫روح (بفتح الراء) بن زنباع الذي كان بمثابة وزير لعبد الملك‪،‬‬
‫وظهرت كفاءته يف الجهاز مبكرا فعهد إليه عبد الملك بقيادة جيش‬
‫الزبي‪ .‬وأنجز مهمته عىل‬ ‫جرار إىل الحجاز للقضاء عىل انفصال ابن ر‬
‫الوجه المطلوب فأعاد الحجاز إىل طاعة عبد الملك‪ .‬وورد عنه يف‬
‫السياس‬
‫ي‬ ‫ثقق ال يخضع يف أدائه‬ ‫أثناء ذلك ما يدل عىل ألمعية ي‬
‫لوساوس العقيدة‪ ،‬فقد حاض ابن الز ربي يف الكعبة وأمر برميها‬
‫بالمنجنيق وحدث أن تجمعت غيوم راعدة فيلت صاعقة عىل‬
‫فتطي الشاميون واعتيوا ذلك‬ ‫ر‬ ‫جيش أهل الشام وقتلت عدد منهم‪.‬‬
‫إله عىل قصف الكعبة‪ .‬فأوضح لهم الحجاج‪« :‬أنا ابن تهامة‬ ‫رد ي‬
‫حن يصيب عدوهم ما‬ ‫ر‬
‫وهذه صواعقها وطلب إليهم الييث ر‬
‫الزبي وقتلت‬ ‫التاىل نزلت صاعقة عىل جيش ابن ر‬ ‫وف اليوم ي‬‫أصابهم‪ ..‬ي‬
‫عدد منهم‪ ..‬وبذلك استطاع تجاوز األزمة يف معسكره‪.‬‬
‫واىل عىل الحجاز‪ .‬ثم وجد‬ ‫الزبي ي‬
‫وعينه عبد الملك بعد تصفية ابن ر‬
‫كفاءات تابعه الجديد أوسع مما يحتاج إليه يف الحجاز فوله عىل‬
‫العراق‪ .‬وكانت والية العراق أيام األموي ري مرکز المرسق كله فصار‬
‫الحجاج حاكم البقاع الممتدة ما ربي العراق ونهايات الثغور يف آسيا‬
‫~ ‪~ 96‬‬

‫لألمويي‪.‬‬
‫ر‬ ‫ثان)‬‫الوسط والهند‪ ،‬فكان بمثابة (امياطور ي‬
‫كان العراق منذ اندالع حركة المعارضة يف اإلسالم أيام الخليفة‬
‫الواىل األموي ينظم منه‬ ‫ي‬ ‫الثالث قد صار مقرها الدائم‪ ،‬ومثلما كان‬
‫نشاطات المرسق السياسية والعسكرية كان المعارضون من الشيعة‬
‫ّ‬
‫والخوارج ينظمون حركة المعارضة يف الواليات واألطراف مع‬
‫االمتداد شقا وغربا‪ ،‬وقد ترتب عىل الحجاج وهو يواجه مسؤولياته‬
‫األمويي أن يتعامل مع حركة‬ ‫ر‬ ‫الجسام يف إدارة امياطوريته لحساب‬
‫المعارضة بالقمع الدموي المنفلت‪ .‬وليس من المعلوم ما إذا كان‬
‫الحجاج ينطوي عىل نزعة دموية أو أنه قي القمع تبعا لمطالب أمن‬
‫الدولة االستبدادية‪ .‬وبالرجوع إىل مثال زياد ابن أبيه نقف عىل حالة‬
‫ه ما استغلها معاوية‬ ‫ع ي‬ ‫غي ش ي‬ ‫مرضية ّ ناشئة عن کون زياد ابن ر‬
‫حي سلمة العراق بعد أن ألحقه بأشته وصار ابنا شعيا ألبو‬ ‫ر‬
‫ع ونشأ‬ ‫سفيان‪ ،‬والحجاج لم يعان من هذه العقدة فقد ولد ألب ش ي‬
‫عشيته المرموقة الجانب‪ .‬وتقول بعض الحكايات‬ ‫نشأة سوية وسط ر‬
‫اليوم مع‬
‫ي‬ ‫غي ثابت يف سلوكه‬ ‫أنه كان يتلذذ بالقتل‪ .‬لكن ذلك ر‬
‫الناس‪ .‬يالحظ أيضا أن القمع األموي كان موجه ضد المعارضة‬
‫والطامعي بالسلطة‪ ،‬ولم يشمل األتباع واألعوان کما سيحصل فيما‬ ‫ر‬
‫العباسيي‪ .‬وكان أتباع وأعوان الحاكم األموي ر‬
‫آمني‬ ‫ر‬ ‫بعد عىل أيدي‬
‫ر‬
‫الن‬
‫غي ملغوم بمؤامرات البالط ي‬ ‫عىل حياتهم واشتغلوا يف وسط ر‬
‫عرفت يف سائر األمياطوريات ومنها إميطورية العباسي ري‪ ،‬ويرجع‬
‫تأثي اللقاحية العربية طيلة الحكم األموي مما‬ ‫ذلك إىل استمرار ر‬
‫يتقوم يف تحديد ابن خلدون للحقبة األموية بكونها داخلة يف‬
‫تصنيف البداوة‪ .‬ومن هنا لم يكن الحجاج مرعبا لحاشيته كما كانت‬
‫والسالطي الذين ظهروا عىل هامش‬ ‫ر‬ ‫العباس‬
‫ي‬ ‫حالة الخليفة‬
‫العباسيي‪.‬‬
‫ر‬
‫~ ‪~ 97‬‬

‫نان يف تاري خ اإلسالم‪ .‬وال شك‬ ‫لكن الحجاج اتبع سياسة قمع استث ي‬
‫الن جعلته غرار خاص للجالدين‬ ‫ر‬
‫ه ي‬ ‫أنه اتصف بخصائص جلد ي‬
‫لكن أعتقد أن جانب هام من غراريته يرتهن بحقبته‬ ‫المسلمي‪ .‬ي‬
‫ر‬
‫التاريخية من جهة بدت بالنسبة له حقبة تأسيس لالستبداد‬
‫عباس كان مرعب لخصومه‬ ‫ي‬ ‫اإلسالم‪ ،‬وكما قلت للتو فالخليفة ال‬ ‫ي‬
‫وتية‬
‫ر‬ ‫أو‬ ‫بعضهم‬ ‫ضحايا‬ ‫عدد‬ ‫يقل‬ ‫ال‬ ‫وقد‬ ‫السواء‪،‬‬ ‫عىل‬ ‫وحاشيته‬
‫وصورة تنكيلهم عما كان عند الحجاج إن لم نجد فيها زيادة مرهونة‬
‫وينبغ أن‬
‫ي‬ ‫األمويي‪.‬‬
‫ر‬ ‫والسياس بعد‬
‫ي‬ ‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫بدورها بتعقد الضاع‬
‫نضع هنا مسألة رد الفعل الذي جوبه به قمع الحجاج من جانب‬
‫جمهور كان اليزال حديث العهد بعض الالسلطة واللقاح‪ ،‬فضال عن‬
‫ظهوره كنقيض لرسيعة مستجدة قننت القمع يف حدود ال تسمح‬
‫بانفالت من هذا المستوى‪ .‬ومهما يكن فالحجاج تبلور يف ا ي‬
‫لوع‬
‫االسالم كغرار متفرد للقمع الدموي والنظر إليه من هذه الجهة‬ ‫ي‬
‫ّ‬
‫يمثل نظرة الناس إىل حكامهم بوصفهم ورثة الحجاج‪.‬‬
‫يف خطابه األول عىل مني الكوفة يوم استلم والية العراق قال‬
‫إن ألرى رؤوسا قد أينعت وحان‬ ‫الحجاج عبارته المشهورة‪ « :‬ي‬
‫قطافها»‪ ..‬وهو خطيب من البلغاء وكان الحسن البضي يقول‪« :‬ما‬
‫وف‬‫سمعت الحجاج يخطب إل وظننت أن أهل العراق يظلمونه!‪ ،‬ي‬
‫الن أعلن بها سياسته حلق الحجاج يف خياله‬ ‫ر‬
‫هذه الصورة البالغية ي‬
‫ر‬
‫وه‬‫الن يتكامل فيها أديب مبدع مع جلد متفرد‪ .‬ي‬ ‫األدن إىل النقطة ي‬ ‫ّ ي‬
‫يطان يف الهند حينما كان الموظفون الييطانيون‬ ‫تذكرنا بالخيال الي ي‬
‫يحرسون قطط صغار يف صدور الفالحات إلرغامهن عىل دفع‬
‫يقيب يف‬ ‫الضائب‪ .‬والجمع بي «بهاء الثدي وب هاء القطة الصغ رية ر‬
‫ر‬
‫إبداعيته من الجمع يف الصورة األدبية ربي رؤوس البرس وعناقيد‬
‫الن نضجت للقطاف‪.‬‬ ‫ر‬
‫الكروم ي‬
‫~ ‪~ 98‬‬

‫سية زياد بن‬ ‫يف سعيه إىل بلورة سياسته القمعية استقض الحجاج ر‬
‫أبية لالستفادة من تجاربه‪ .‬ولعله تعرف عن طريق سماره إىل تجارب‬
‫والساسانيي‪ .‬وألتمس له سند من السنة فسأل‬‫ر‬ ‫أقدم لملوك الروم‬
‫النن فحدثه‬ ‫الصحان أنس بن مالك عن أقض عقوبة عاقب بها ي‬ ‫ي‬
‫لعي والراء) وهم جماعة وفدوا عىل ي‬
‫النن‬ ‫حديث العرن ريي (بفتح ا ر‬
‫متظاهرين باإلسالم فتقبل اسالمهم ولما خرجوا إرتدوا ولقوا يف‬
‫للنن فمثلوا به وغرسوا الشوك يف‬‫طريقهم راعيا كان يرع الغنم ي‬
‫اع‪،‬‬
‫عينيه فوجه إليهم قوة ساقتهم إليه ففعل بهم مثلما فعلوا بالر ي‬
‫نيي خطب يف‬ ‫يقول أنس أن الحجاج بعد أن سمع حديث العر ر‬
‫ثن عن‬ ‫أن شديد العقوبة وهذا أنس حد ي‬ ‫الجمعة فقال‪« :‬تزعمون ي‬
‫رسول للا أنه قطع أيدي رجال وأرجلهم وسمل أعينهم» قال أنس‪:‬‬
‫أن مت قبل أن أحدثه»‪،.‬‬ ‫«فوددت ي‬
‫وغيه من أهل السلطان لتمشية أموره‬ ‫وكان أنس يداري الحجاج ر‬
‫النن فعل ذلك عىل‬ ‫ر‬
‫المعيشية فلم يعيض عليه ليوضح له بأن ي‬
‫سبيل المقابلة بالمثل يف جريمة عادية وانه لم يطبق هذه العقوبة‬
‫السياسيي‪ .‬وقد إستاء الحسن البضي لما بلغه‬
‫ر‬ ‫عىل خصومه‬
‫حديث أنس وقال ليته لم يحدثه‪ .‬ومن ثم جرى الفقهاء عىل التحرج‬
‫مي البحث‬ ‫حن ال يساء استغاللها‪ ،‬كما مر ف ر‬‫ف رواية هكذا أخبار ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫يف تاري خ التعذيب‪.‬‬
‫وسيلة القمع األرأس للحجاج كانت القتل صيا (اإلعدام)‪ .‬ويقدر‬
‫الن حكم فيها‬ ‫ر‬
‫المؤرخون عدد من أعدمهم يف غضون العرسين سنة ي‬
‫العراق والمرسق ما ربي مئة ألف ومئة وعرسين ألف‪ .‬ويمكن‬
‫يبق مهما أنزلناه بعد احتساب نسبة‬ ‫التشكيك ف الرقم‪ ،‬غ ري أنه ر‬
‫ي‬
‫المبالغة المألوفة عند الناس يف مثل هذه الحاالت‪ ،‬فريد يف بابه‪ ،‬وال‬
‫يفوقه أو يجارية يف تاري خ اإلسالم إل عدد الذين أعدمهم أبو مسلم‬
‫~ ‪~ 99‬‬

‫اسان صاحب الدعوة العباسية‪ .‬وقد قدر ما ربي مئة ألف‬ ‫الخر ي‬
‫وستمئة ألف‪ ،‬مع احتساب المبالغة هنا أيضا‪ .‬وطريقته باإلعدام‬
‫قطع الرأس بالسيف والذبح من الرقبة أو القفا يف حاالت‪ .‬وطبق‬
‫التعذيب لإلستجواب‪ .‬وتعذيبه هو الضب والجلد رئيسيا‪.‬‬
‫واستخدم طريقة بشعة يف تعذيب رجل من خصومه إلرغامه عىل‬
‫الكشف عن أمواله فكان يوضع عاريا عىل قصب مشقوق ويردد‬
‫جسده فوق القصب‪ .‬لكن تعذيباته لم تتطور إىل المستوى الذي‬
‫العباسيي‪ ،‬الذين كانوا يشوون الثائرين عليهم فوق نار‬
‫ر‬ ‫بلغته عند‬
‫ر‬
‫الفالحي‬
‫ر‬ ‫هادئة‪ / ،‬بنفس الطريقة ي‬
‫الن اتبعها األلمان يف حرب‬
‫واستعمل الضواري يف بعض العقوبات ولكن ليس عىل طريقة‬
‫الرومان‪ ،‬والحدث البارز هنا هو قضية اللص الفاتك جحدر‪ :‬أطلق‬
‫عليه أسد جائع بعد أن شد يده اليمن وأعطاه السيف باليرسى‪.‬‬
‫وقد تمكن جحدر رغم ذلك من قتل السبع فعفا عنه الحجاج‪.‬‬
‫واقتدى بزياد بن أبيه يف إعدام النساء‪ .‬وكن قد نشطن يف صفوف‬
‫الخوارج‪ .‬واقتبس طريقة زياد أيضا يف توسيع المسؤولية الجنائية‬
‫لتشمل أقرباء المطلوب من األبرياء‪ .‬كما اتبع سياسته يف منع‬
‫ادفي وألزم كل رجل أن‬ ‫ر‬
‫التجمهر وكان يمنع الناس من الركوب مي ر‬
‫يركب وحده‪ .‬ومن أبشع إجراءاته القمعية إنزال الجنود مع العوائل‬
‫ر‬ ‫ا‬
‫يبق لهم معسكرات خاصة بهم يعيشون فيها‪ ،‬وكان هذا‬ ‫بدل من أن ي‬
‫ه ثورة ابن‬
‫اإلجراء من أسباب ثورة عمت العراق والمرسق ي‬
‫األشعث‪ ،‬وكانت من خارج صفوف المعارضة وقد قام بها وقادها‬
‫اقيي‪ .‬وانضم إليها الناقمون عىل‬‫نفس أتباعه وأعوانه من العر ر‬
‫بن مدينة واسط‬ ‫وبن أمية يف بلدان المرسق‪ .‬ولما ي‬
‫سياسة الحجاج ي‬
‫للقادمي إليها وأنشأ سجن‬
‫ر‬ ‫واستعصمها له استحدث جوازات دخول‬
‫كبي يف الكوفة يزعم المؤرخون أنه كان بال سقوف وال غرف فكان‬ ‫ر‬
‫~ ‪~ 100‬‬

‫السجناء يتكدسون فيه دون حاجز فيما بينهم‪ ،‬وقد فتح السجن‬
‫بعد موته‪ .‬ويختلف الرواة يف تقدير عدد من وجد فيه‪ ،‬أقلهم يقول‬
‫وثالثي‬ ‫سجي‪ .‬وقال آخرون انهم ثالثة‬ ‫أكي من عرسين ألف‬‫انهم ر‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫ان انهم كانوا‬ ‫ألف‪ .‬ونقل ابن عساكر رواية المحدث يدع ابن األعر ي‬
‫وينبغ الشك عىل األقل يف عدد‬ ‫ي‬ ‫ثمان ري ألفا منهم ثالثون ألف امرأة‪.‬‬
‫النساء ألن المسيسات منهن اقتضن يف ذلك الوقت عىل الخوارج‬
‫مالم نتوقع أن يكون ضمن السجناء متهمون بجرائم ومخالفات‬
‫عادية‪.‬‬
‫الن استحدثها معاوية فكانت معظم‬ ‫ر‬
‫وتوسع الحجاج يف السخرة ي‬
‫الفالحي القبط‪ ..‬وقد واجه هؤالء‬ ‫ر‬ ‫تسخي‬ ‫ر‬ ‫منشآته ومشاريعه تبن ب‬
‫حي بدأوا يهجرون قراهم‬ ‫الفالحون محنة أخرى من الحجاج ر‬
‫وي هاجرون إىل المدن‪ ،‬وسببت الهجرة انخفاض مري ع يف االنتاج‬
‫اع‪ ،‬فشن الحجاج حمالت إلعادتهم إىل الريف واستئناف‬ ‫الزر ي‬
‫الزرع‪ .‬وكان عليه استخدام أساليب التحقيق البوليسية لمعرفة‬
‫اميي كانوا ال‬
‫العرن‪ ،‬ألن النبط وهم فرع من الر ر‬ ‫ي‬ ‫النبط من‬
‫ي‬
‫يختلفون يف أشكالهم عن العرب‪ .‬وقد تعلموا العربية برسعة ألن‬
‫حي ينطق بالعربية ال‬ ‫والنبط ر‬
‫ي‬ ‫لغتهم السامية كانت قريبة الشبه بها‪.‬‬
‫األعجم نظرا لتماثل األصوات‪ .‬ومن وسائل الكشف‬ ‫ي‬ ‫ينطقها بلكنة‬
‫الن استعملها جهاز الحجاج شم األيدي إذ يقال أن أيدي النبط‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫تتمي بها‪ .‬ولعل هذه من طريقة عملهم وعيشهم مع قلة‬ ‫ذات رائحة ر‬
‫الفالحي‪ ،‬وكان النبط الذين يكتشفهم‬ ‫ر‬ ‫اهتمامهم بالنظافة عىل سوية‬
‫جهاز الحجاج يحرسون ويعادون إىل قراهم‪ .‬وكانت هذه المظلمة‬
‫الن ساهم الفقهاء يف تأجيجها‪ .‬وكان‬ ‫ر‬
‫سبب آخر لوثبة ابن األشعث‪ ،‬ي‬
‫علني احتجاجهم بالبكاء‬ ‫الفقهاء يأتون إىل أماكن تجميع النبط م ر‬
‫غي ذلك يف المعارضة العلنية‬ ‫معهم‪ .‬ولم يكونوا قادرين عىل ر‬
‫~ ‪~ 101‬‬

‫لسياسة الحجاج قبل أن ينخرطوا يف ثورة ابن األشعث الدامية‪ ،‬ولم‬


‫تحقق الحمالت‪ ،‬عىل أي حال‪ ،‬مردود مكاف بسبب توزع المهاجرين‬
‫عىل المدن العراقية‪ .‬ثم أصيبت باإلخفاق التام بعد حركة ابن‬
‫اع زمن‬ ‫األشعث‪ .‬وقد تحدث المؤرخون عن هبوط االنتاج الزر ي‬
‫حواىل الخمس مما كان يف عهد الراشدين وأوائل‬ ‫ي‬ ‫الحجاج إىل‬
‫الن أوردوها لمختلف الحقب‪،‬‬ ‫ر‬
‫األمويي من خالل حصائل الخراج ي‬ ‫ر‬
‫للفالحي‪ .‬ومن الجدير بالذكر أن هذا‬ ‫ر‬ ‫الجماع‬
‫ي‬ ‫ويرتبط ذلك باليوح‬
‫الشكل من الهجرة كان يشجع عليه اإلسالم الذي اتجه إىل توسيع‬
‫رقعة المدن عىل حساب الريف والبوادي‪ .‬وحرم عىل المهاجر أن‬
‫يعود إىل موطنه السابق‪ .‬كما حرم إعادته من طرف السلطة‪.‬‬
‫وتقي ذلك بحديث‪« :‬ال تعرب بعد الهجرة»‪ ،‬أي ال عودة إىل‬
‫مواطن األعراب لمن هاجر إىل المدن‪.‬‬
‫كان كل إنسان يف عهد الحجاج عرضة للسجن أو القتل أو اإلبعاد‬
‫الواىل‪ .‬ومع بقاء اللقاحية العربية فاعلة يف‬
‫ي‬ ‫ألي تضف ال يرىص عنه‬
‫وجدان الناس السيما فرسانهم وشعراءهم فقد حصل نفور واسع‬
‫الن تضمنت اإلذالل المتعمد ألي شخصية حرة‬ ‫ر‬
‫من سياسته ي‬
‫الواىل‪ .‬وكانت‬
‫ي‬ ‫تتمسك بثوابتها الجاهلية أو اإلسالمية بإزاء سلوك‬
‫ّ‬
‫المسلمي‪ .‬ولم يتقرب‬
‫ر‬ ‫عالقته مع الشعراء سيئة خالفا لسائر الحكام‬
‫األمويي وكانت عالقته‬
‫ر‬ ‫إليه سوی جرير بن الخطق وهو من خلصاء‬
‫بهم عالقة مادح بممدوح من المستوى الذي تمع ري يف البالط‬
‫العباس‪ ،‬وقد تحداه الفرزدق رغم أنه اضطر إىل مدحه‪:‬‬ ‫ي‬

‫عل حبائله‬
‫ومن قبل ما أعييت كاس عينه *** زيادا فلم تعلق ي‬
‫~ ‪~ 102‬‬

‫وهرب منه شعراء ولغويون إىل الجزيرة العربية‪ .‬منهم أبو عمرو بن‬
‫طلبن الحجاج فهربت إىل‬
‫ي‬ ‫جامغ اللغة العربية قال‪:‬‬
‫ي‬ ‫العالء أحد كبار‬
‫ان يقول لخر‪ ،‬قد مات‬ ‫واد بصنعاء‪ ،‬فأقمت زمانا فسمعت أعر ي‬
‫ان‪:‬‬‫الحجاج فقال األعر ي‬
‫ٌ‬
‫ربما تجزع النفوس من األمر *** له فرجة كحل العقال‬
‫ا‬
‫سء كنت أشد فرحة! أبموت الحجاج أم بسماع‬ ‫فلم أدر بأي ي‬
‫البيت!‬
‫ا‬ ‫ويحدث آخر‪ :‬هربت من الحجاج ر‬
‫حن مررت بقرية فرأيت كلبة‬
‫ا‬
‫ليتن كنت كلبا لكنت‬ ‫ي‬ ‫‪:‬‬ ‫نفش‬
‫ي‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫فقلت‬ ‫ماء)‬ ‫ير‬
‫ز‬ ‫(‬ ‫ب‬ ‫ح‬ ‫ل‬ ‫ظ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫نائمة‬
‫ساعن فوجدت‬ ‫ر‬ ‫مسييحا من خوف الحجاج ومررت ثم عدت من‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ا‬
‫الكلب مقتول فسألت عنه فقيل‪ :‬جاء أمر الحجاج بقتل الكالب‪..‬‬
‫أراد صاحب هذا الحديث أن ي ربي شمول ظلم الحجاج للبرس‬
‫والحيوانات‪ .‬لكن يف حديثه مدلول هام ي‬
‫ينبغ اإللتفات إليه‪،‬‬
‫حن تشملها إعداماته‪ .‬ثمة المنىح‬ ‫فالكالب لم تكن تعارض الحجاج ر‬
‫مشيك يف‬ ‫الخر الوجه الخر‪ ،‬لهذا الطاغية النموذخ هو ما تجده ر‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫سية الحكام المستبدين والدول اإلستبدادية القديمة السيما‬ ‫مجمل ر‬
‫يف الرسق‪ .‬إن األمر بقتل الكالب هو إجراء يندرج يف تنظيمات‬
‫الحجاج المدنية والصحية‪ .‬وهنا كانت لرجل ثقيف منجزات‬
‫مشهودة‪ ،‬والحجاج منظم دولة ومجتمع مرموق‪ ،‬وإليه يرجع أقدم‬
‫تنظيم للييد الرسي ع بإنشاء سلسلة منظرات أقيمت ربي بحر قزوين‬
‫وواسط لنقل األخبار باإلشارة‪ .‬وقد إستعمل فيها الدخان نهارا والنار‬
‫ا‬
‫الفالحي‬
‫ر‬ ‫اع الناتج عن هجرة‬
‫ي‬ ‫ر‬‫الز‬ ‫االنتاج‬ ‫نقص‬ ‫مواجهة‬ ‫وف‬
‫ي‬ ‫‪،‬‬ ‫ليل‬
‫أنشأ الحجاج مرسوعات ري كيى صممت بطريقة تجمع ربي سكان‬
‫المدن وسکان الريف‪ ،‬ومن أضخم هذه المرسوعات نهر حفره من‬
‫~ ‪~ 103‬‬

‫الفرات عند بابل وسماه نهر النيل مضاهاة لنيل مض‪ ،‬وبن حول‬
‫النهر مدينة سماها مدينة النيل استمرت عامرة عدة قرون ثم‬
‫بتمصي الحلة المزيدية يف أواسط القرن الخامس الهجري‪.‬‬ ‫ر‬ ‫تقلصت‬
‫ّ‬
‫الكبي‪.‬‬
‫كبي يتخلج من الفرات ر‬ ‫وقال ياقوت عن النيل انه خليج ر‬
‫وحفر الحجاج نهر آخر من دجلة يف جنوب وسط العراق سماه نهر‬
‫الصي‪ ،‬نسبة إىل قرية هناك تعرف بهذا االسم‪ ،‬ونهر ثالث هو نهر‬ ‫ر‬
‫ر‬
‫الكردستان‪ ،‬واسيرع البقاع المحيطة بهذين‬ ‫غي الزاب‬ ‫الزاب وهو ر‬
‫ي‬
‫وف بنائه لمدينته واسط أظهر الحجاج خصاله الشخصية‬ ‫النهرين‪ .‬ي‬
‫أمن لإلبتعاد عن‬ ‫تمصي المدينة ي‬
‫ر‬ ‫كحاكم متمدن‪ .‬كان الغرض من‬
‫الكوفة المعادية له‪ .‬لكنه بذل جهدة الختبار موضع مالئم حضيا‬
‫اتيىح الذي تحدد تبعا لضورات األمن‪ .‬ولهذا‬ ‫ر‬
‫ضمن الموقع االسي ي‬
‫الغرض شكل هيئة من األطباء إلرتياد الموضع‪ .‬ويالحظ هنا إناطة‬
‫عي التمر‬ ‫اختيار موضع مدينته بأطباء‪ .‬وقام األطباء بجولة ما ربي ر‬
‫عند مدينة كربالء إىل قرب البضة فوقع اختيارهم عىل موضع‬
‫واسط‪ ،‬وذهب بنفسه رلياها فاستطاب كما يقول ياقوت ليلها‬
‫واستعذب أنهارها (أو نهارها) واستمرأ طعامها وشابها‪ ،‬وكان‬
‫فارس فاش رياه منه‪ ،‬وكان بمقدوره‬
‫ي‬ ‫الموضع مملولك لدهقان‬
‫ينيعه بدون عوض‪ .‬لكن طغيان الحجاج كان سياسيا‪.‬‬ ‫كطاغية أن ر‬
‫وعن بنظافة واسط فحرم التبول والتغوط داخل حدودها‪ ،‬وعاقب‬ ‫ي‬
‫والفالحي المارين بها‪،‬‬
‫ر‬ ‫‪.‬‬
‫المخالفي بالسجن وكانت هذه محنة للبدو‬ ‫ر‬
‫يقض الغرباء حاجتهم يف الفنادق والمساجد‬ ‫ي‬ ‫وكان من المعتاد أن‬
‫لكن البدو لم يتعودوا عىل ذلك‪.‬‬
‫كان آخر ضحية للحجاج هو سعيد بن جب ري وهو فقيه من أصل‬
‫بش تتلمذ عىل يد ابن عمر وابن عباس يف المدينة وأقام يف‬ ‫ح ي‬
‫الكوفة‪ .‬ثم انضم إىل حركة ابن األشعث مع زمالئه من الفقهاء‪،‬‬
‫~ ‪~ 104‬‬

‫وبعد اندحار الحركة لجأ إىل مكة فقبض عليه واليها األموي وأرسله‬
‫إىل الحجاج فقتله بواسط‪ .‬وكان الحجاج يتوجس من قتله لجاللة‬
‫قدره‪ .‬وصادف أن مات بعده بأقل من سنة ويروى أنه كان يهذي يف‬
‫ماىل ولسعيد»‪..‬‬‫ماىل ولسعيد‪ ،‬ي‬ ‫ساعة اإلحتضار‪ « :‬ي‬
‫الشعن ربي موته العاجل‪ ،‬وكان يف الخامسة‬ ‫ي‬ ‫وقد ربط الخيال‬
‫وبي قتله لسعيد‪ ..‬ونسبوا لسعيد أنه قال له‬ ‫والخمسي ومعاف‪ ،‬ر‬
‫ر‬
‫عندما قدمه ليقتل‪ ،‬أنه سيكون آخر قتيل يقتله‪..‬‬
‫اللقاخ مشدودا أمام ظاهرة الحجاج‪ .‬وكان لم يفق بعد‬ ‫ي‬ ‫الوع‬
‫ي‬ ‫وقف‬
‫من صدمة زياد وابنه عبيد للا‪ .‬ولم تنجح إجراءات القمع‬
‫اإلستثنائية يف حمل الناس عىل الهدوء‪ .‬فكانت حركات التمرد‬
‫مستمرة طيلة حكمه‪ ،‬ويشارك فيها الخوارج بنشاط بينما انكفأ‬
‫الن قادها عبد‬ ‫ر‬
‫ه ي‬ ‫الشيعة إللتقاط األنفاس ر‪ .‬وكانت أكي الثورات ي‬
‫الرحمن بن األشعث واشيك فيها أهل العراق عىل اختالف مواقفهم‬
‫السياسية وأوضاعهم االجتماعية‪ .‬وكانت آخر معاركها أضخمها ي‬
‫وه‬
‫الن دامت مئة يوم ولم يتوصل الحجاج إىل‬ ‫ر‬
‫معركة دير الجماجم ي‬
‫كسبها إل بعد أن توصل إىل شاء بعض األطراف يف معسكر الثوار‬
‫الن لعبها الرتل‬ ‫ر‬
‫األخية دور يشبه األدوار ي‬
‫ر‬ ‫ليلعبوا يف ساعات الصدام‬
‫الخامس يف الجيوش العربية يف الحروب العربية االشائيلية‪ .‬ومن‬
‫بق‬ ‫ر‬
‫الخارخ وفيها أيضا ي‬ ‫ي‬ ‫التحديات الكيى األخرى حركة شبيب‬
‫حن ساعده القدر فسقط فرس شبيب به يف نهر‬ ‫الحجاج عاجز‪ ،‬ر‬
‫كثية عن‬ ‫الفرات أثناء إحدى جوالته القتالية‪ ،‬ووردت حكايات ر‬
‫ينبغ أن‬‫فدائيي كانوا يردون عىل الحجاج أو يشتمونه يف وجهه ي‬ ‫ر‬
‫الشعن‪ .‬وكان من منتقدي الحجاج‬ ‫ي‬ ‫يكون معظمها من صنع الخيال‬
‫يف زمانه إمام أهل العراق الحسن البضي رغم أنه عارض الحركات‬
‫~ ‪~ 105‬‬

‫الالهون‪ .‬وكان حكمه يف الحجاج أنه فاجر‬‫ر‬ ‫المسلحة بحكم ميعه‬


‫ي‬
‫الجنش بل المعن العام‬
‫ي‬ ‫فاسق‪ ،‬وال يقصد بالفجور هنا معناه‬
‫للعصيان وارتكاب الكبائر كالقتل ونحوه ألن الحجاج لم يعرف‬
‫باإلفراط يف الجنس ولم يكن زير نساء كما لم يرسب الخمر ولم‬
‫يشتهر بحب الغناء‪ .‬وكان عمر بن عبد العزيز يندد بالحجاج يف‬
‫كأمي أموي‪ ،‬ولما جاءته الخالفة كان‬ ‫حياته مستفيدا من مكانته ر‬
‫الحجاج قد مات منذ أرب ع سنوات فنق أشته إىل اليمن وكتب إىل‬
‫أن عقيل وهم ش بيت يف‬ ‫فإن بعثت إليك بآل ي‬ ‫عامله عليها‪ :‬أما بعد ي‬
‫العرب ففرقهم يف عملك (واليتك) عىل قدر هوانهم عىل للا‪ .‬ابن‬
‫عي‬ ‫وف (إحياء علوم الدين)‪ ،‬أن عمر بن عبد العزيز ر‬ ‫عساكر ‪ .84 /4‬ي‬
‫ا‬
‫رجل يف والية فقيل له انه كان يعمل مع الحجاج‪ .‬فعزله‪ .‬فقال له‬
‫يسي‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬حسبك‬ ‫سء ر‬ ‫الرجل‪ :‬إنما عملت له عىل ي‬
‫بصحبته يوما أو بعض يوم شؤما وشا‪.)۱۳۲/2( ،‬‬
‫ومن ذيول والية الحجاج وثبة يزيد بن المهلب يف البضة وكانت‬
‫سية الفاسق‬ ‫تحت شعار العمل بالكتاب والسنة «وأن ال تعاد علينا ر‬
‫أن مسلم‬ ‫الحجاج»‪ ،.‬وكان للحجاج كاتب من أعوانه يدع يزيد بن ي‬
‫يسي فيهم‬‫واىل عىل المغرب فأراد أن ر‬ ‫عينه يزيد بن عبد الملك ي‬
‫بس رية الحجاج يف إعادة المهاجرين من اليبر إىل قراهم فوثبوا عليه‬
‫وقتلوه‪ .‬وأقرهم يزيد عىل ذلك لتسكينهم‪( ،‬طيي ‪.)۳5۹/5‬‬
‫ا‬
‫وعقد ابن عبد ربه يف العقد الفريد فصل بعنوان‪« :‬من قال ان‬
‫تكفي‬
‫وغيهم يف ر‬ ‫الحجاج كان كافرا»‪ ،‬استوف فيه أقوال الفقهاء ر‬
‫والتكفي هنا الزم عن سياسته ال عن عقيدته‪ ،‬لكن الفكر‬ ‫ر‬ ‫الحجاج‪،‬‬
‫~ ‪~ 106‬‬

‫الدين تحرج يف إدانة الحجاج‪ .‬ونبه رجال الدين إىل تدينه وإيمانه‬
‫ي‬
‫‪.‬‬
‫الصادق وعند أهل الدين أن المسلم إذا لم يكن من أهل األهواء‬
‫باطن) فهو مستحق للغفران وال يجوز لذلك‬ ‫(خارخ‪ ،‬أو ر‬
‫معي يىل‪ ،‬أو‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫سء (*)‪.‬‬
‫بشء من أفعاله‪ ،‬ألن اإليمان ال يض معه ي‬ ‫الحكم عليه ي‬
‫~ ‪~ 107‬‬

‫أدولف هتلر‬
‫أدولف بن ألويس (‪)Alois‬‬
‫ا‬
‫ولد أبوه نغل فاتخذ لقب أمه إذ لم يكن يعرف أباه‪ ،‬ثم حمل لقب‬
‫ع) النسب‪ ،‬وقد ترددت أقوال‬ ‫هتلر باختياره‪ .‬فهو يف هذا اللقب (د ي‬
‫عن يهودية الفاعل الذي جاء بألويس إىل الدنيا‪ ،‬وإن لم نجد لها‬
‫سند يوثق به‪.‬‬
‫اشتغل ألويس موظف جمرك وتزوج وولد له أوالد أحدهم أدولف‪.‬‬
‫ر‬
‫الن‬
‫ونفهم من هذا أن أدولف هتلر كان يحمل عقدة زياد بن أبيه‪ ،‬ي‬
‫خال منها الحجاج بن يوسف‪ .‬إتجه أدولف أول األمر إىل ألفن‪ ،‬وكان‬
‫يهوى الرسم‪ ،‬لكنه أخفق يف دخول أكاديمية الفنون الجميلة ألن‬
‫ر‬
‫فبق عىل مؤهله الثانوي‪،‬‬ ‫عالماته اإلمتحانية كانت دون المطلوب‪ .‬ي‬
‫ولم يبذل جهد لالشتغال من أجل كسب الرزق‪ .‬وإنما اعتمد عىل‬
‫التقاعد الذي ورثته الوالدة من الوالد‪ ،‬إىل أن ماتت الوالدة وانقطع‬
‫ا‬
‫التقاعد فترسد أدولف‪ .‬وكان يعيش يف مآوي البلدية متنقل من مأوى‬
‫إىل آخر‪ ،‬ولم تكن له قدرة عىل توطيد وشائج مع الناس وأظهر نزعة‬
‫عدم تسامح مبكرة‪.‬‬
‫الدين كما يتمثل يف مذاهب أهل السنة يضع األيمان قبل الفعل وااليمان‬ ‫ي‬ ‫(*) الفكر‬
‫مرسوط عندهم بعدم االنخراط يف مقوالت أهل األهواء وهم (الخوارج والباطنية‬
‫والمعيلة والمتصوفة) وفئات أخرى جنحت إىل التأويل‪ ،‬والحجاج عند أهل السنة‬ ‫ر‬
‫له‪.‬‬
‫يعط المانع المضاد للغضب اإل ي‬ ‫ي‬ ‫فاسق لكنه ال يدخل النار ألن وجود اإليمان‬
‫أما الشيعة فقد أدانوا الحجاج ليس بسبب جرائمه الدموية إنما إلنتمائه إىل‬
‫والمعيلة فكانوا أقل تأدلجا فيما يخص‬‫ر‬ ‫مويي‪ ،‬أي إىل الحزب الخر‪ ،‬أما الخوارج‬ ‫األ ر‬
‫عي يىل عند أصحابه‪ ،‬ورأي‬ ‫مداینیهم‪ .‬فالخارخ الفاسق يكفر ويخلع وكذلك الم ر‬
‫ي‬
‫أكي مما بإنتمائه األموي‪ .‬ولم يعرف‬ ‫والمعيلة ف الحجاج متأثر بأفعاله ر‬‫ر‬ ‫الخوارج‬
‫ي‬
‫المدايني‪ .‬إل يف مرحلة متأخرة من‬ ‫ر‬
‫الخوارج والمعيلة أسلوب التيير لجرائم‬
‫ر‬
‫تطورهما‪.‬‬
‫~ ‪~ 108‬‬

‫وه ضئيلة يف صباه‪ ،‬نزع إىل مقت الشعوب‬ ‫وف ثقافته السياسية‪ ،‬ي‬ ‫ي‬
‫الغي جرمانية‪ .‬وبسبب حرمانه ومنبوذيته كان يمقت العالم‬ ‫ر‬
‫كسيي‪.‬‬ ‫ر‬
‫البورجوازي‪ .‬لكنه لم يتحول إىل االشياكية بسبب كرهه للمار ر‬
‫كسيي‬ ‫ر‬
‫ويأن هذا الكره ليس من دوافع طبقية بل من أممية المار ر‬ ‫ي‬
‫ورفضهم للشوفينية األلمانية والعنضية الجرمانية‪ ،‬وإل فإن‬
‫منسحقا مثله كان بمقدوره أن يجد المالذ يف طبقية ماركس‬
‫الجذرية‪.‬‬
‫غي سوي جنسيا‪ .‬فقد‬ ‫تقول الموسوعة األمريكية أن أدولف كان ر‬
‫ا‬
‫الغي شقيقة‪ ،‬وعاشها كعشيقة‪ ،‬لكنها انتحرت‬ ‫عشق إبنة ألخته ر‬
‫اع طاغية كما بدا لها‪ ،‬فعاش‬ ‫فيما بعد لشعورها باالختناق تحت ذر ي‬
‫إیفا براون وكانت شغيلة يف حانوت‪ ،‬وبسبب ترسده لم يتكون لديه‬
‫فأبق عالقته مع إيفا حرة ولم رييوجها شعا إل يف أيامه‬ ‫مزاج عائىل ر‬
‫ي‬
‫األخية‪.‬‬
‫ر‬
‫ه ثقافة العنف‪ ،‬وقد درسه بإمعان‬ ‫الثقافة األساسية ألدولف هتلر ي‬
‫ا‬ ‫من ر‬
‫شن الوجوه‪ .‬ومن هنا توجه إىل الجيش‪ :‬أراد أول الدخول يف‬
‫الخدمة العسكرية فلم يقبل لعدم لياقته‪ .‬لكن اندالع الحرب‬
‫العالمية األوىل أتاح له فرصة للتطوع‪ .‬وكان ذلك كما تقول‬
‫الموسوعة الييطانية بمثابة إنقاذ له من اإلحباط والحياة المدنية‬
‫ساع للمقرات‪ ،‬وقیمت شجاعته‬ ‫ي‬ ‫الغي هادفة‪ .‬واشتغل يف البداية‬ ‫ر‬
‫الفعلية بصليب حديدي من الدرجة الثانية عام ‪ 1914‬ومن الدرجة‬
‫األلمان‬
‫ي‬ ‫وف ‪ ۱۹۱۹‬انضم إىل حزب العمال‬ ‫األوىل عام ‪ .1918‬ي‬
‫سياس عن الجيش‪ .‬ثم ترك الجيش وتفرغ للحزيب الذي‬ ‫ي‬ ‫كوكيل‬
‫الوطن (النازي)‪.‬‬ ‫اك‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫تطور فيما بعد إىل حزب هو الحزب االشي ي‬
‫كبلطىح مع تشكيل (عصابة الذراع‬ ‫ي‬ ‫ظهرت قدرات أدولف هتلر‬
‫الن خصصت لحماية اجتماعات الحزب‪ .‬وقد استطاع‬ ‫ر‬
‫المتي)‪ ،‬ي‬ ‫ر‬
‫الهيمنة‬
‫~ ‪~ 109‬‬

‫والشيوعيي‪ .‬ونما نفوذه‬ ‫اكيي‬ ‫ر‬


‫ر‬ ‫عىل العصابة ووجهها لمهاجمة االشي ر‬
‫وف ظروف كانت ألمانيا فيها‬ ‫شيعا مع نمو كفاءته يف هذا المضمار ي‬
‫متوعكة الروح بعد هزيمتها الشنعاء يف الحرب‪ .‬وأظهر هتلر إىل ذلك‬
‫الحزن‪.‬‬‫ي‬ ‫مواهب سياسية وتنظيمية ساعدته عىل التقدم يف نشاطه‬
‫السياستي الداخلية والخارجية‬ ‫ر‬ ‫وقد وفر فشل الحكومة األلمانية يف‬
‫ا‬
‫فرصة لنمو شعبية الحزب النازي استفاد منها هتلر لدفع الحزب إىل‬
‫والتأثي‬
‫ر‬ ‫المقدمة وأبدى يف هذه المرحلة قدرة عجيبة عىل الدعاية‬
‫ر‬
‫ذان‬
‫الجماهيي‪ .‬وقد تكاملت هذه العوامل يف مجملها من ي‬ ‫ر‬
‫وموضوع إلعطائه دفعة هائلة أوصلته إىل قيادة الحزب وأوصلت‬ ‫ي‬
‫الحزب إىل السلطة‪ ،‬ومن طريف ما حصل أنه وجد الطريق ممهد‬
‫إىل السلطة باالنتخابات دون حاجة إىل عنف! وكانت االنتخابات‬
‫حن نهاية‬ ‫الن نجح فيها هتلر وحزبه ه آخر انتخابات ف ألمانيا ر‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫الحرب العالمية الثانية‪..‬‬
‫الشخصية القمعية لهتلر معروفة‪ .‬وإجراءاته معروفة ولم تتحول بعد‬
‫مآس‬
‫ي‬ ‫إىل تراث شأن سياسة الحجاج‪ ،‬فقد عايشها جيلنا الذي أدرك‬
‫الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وهذه الحرب أشعلها هتلر وقد ابتلعت‬
‫األوروبيي عدا المجندين من آسيا وأفريقيا‪.‬‬‫ر‬ ‫عرسين مليون من‬
‫تهيأت لهتلر وسائل تعذيب وتنكيل لم تتوفر للحجاج بسبب التقدم‬
‫الجماع‬
‫ي‬ ‫والتكنولوخ‪ ،‬وقد مكنه ذلك من ممارسة القتل‬
‫ي‬ ‫الصناع‬
‫ي‬
‫‪.‬‬
‫الذي لم يكن يتيرس للحجاج بدون السيف ومعروف أن هتلر‬
‫السياسيي‬‫ر‬ ‫وغيهم من خصومه‬ ‫استخدم أفران الغاز إلبادة اليهود ر‬
‫ماليي‬
‫ر‬ ‫وااليديولوجيي‪ .‬وان ضحاياه من اليهود وحدهم بلغوا ست‬ ‫ر‬
‫مقابل مئة ألف من ضحايا الحجاج‪ .‬ويرجع الفارق يف الكم إىل‬
‫التكنولوخ‪ ..‬لكن هناك عوامل أخرى حکمت هذا‬ ‫ي‬ ‫الفارق يف التطور‬
‫~ ‪~ 110‬‬

‫الرسم ربي الغرارين‪ .‬نضع يف االعتبار‬


‫ي‬ ‫الفارق الضخم يف كم اإلرهاب‬
‫فروق الشخصية‪:‬‬
‫‪ -1‬ترسد هتلر وعائلية الحجاج‪.‬‬
‫‪ -2‬شعية والدة الحجاج ونغولة هتلر‪ .‬وهذه العالقة لها بمسألة‬
‫الدم وإنما تنتج مضاعفاتها السلبية يف شخصية الفرد من النبذ‬
‫العائىل‬ ‫حن يف أشد حاالت االنحالل‬ ‫االجتماع‪ .‬فالمجتمع البرسي ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫يمي ربي ابن الحالل والنغل‪.‬‬
‫ر‬ ‫ال‬‫ز‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫الغرب‬ ‫كما يف‬
‫‪ -3‬سوية الحجاج جنسيا وال سوية هتلر‪ .‬وتجربته مع ابنة اخته‬
‫االجتماع يف شخصيته‪ ،‬وحيث‬ ‫ي‬ ‫تكشف عن مضاعفات حادة للنبذ‬
‫أنه لم يعرف بالشبق أو اإلشاف يف الجنس والتهتك‪ ،‬فإقدامه عىل‬
‫ابنة أخته يجب أن يكون من مالبسات شخصيته االجتماعية‪ /‬أصله‬
‫العائىل‪.‬‬
‫ي‬
‫‪.‬‬
‫‪ -4‬إنعدام الروادع بالنسبة لهتلر وحضورها يف حالة الحجاج وهنا‬
‫نقف عىل جملة أمور‪:‬‬
‫يبق الجالد مضطرا إىل الرجوع إليها‬ ‫فق حالة الحجاج‪ ،‬هناك شيعة ر‬
‫ي‬
‫يف حاالت معينة‪ ،‬واستفساره من أنس بن مالك يكرس هذه‬
‫الضورة‪ .‬وثمة واقعة يروي ها المسعودي يف أخبار الحجاج من‬
‫خء برجل من‬ ‫ر‬
‫لق ضوء عىل هذه الحالة‪ ،‬قال ي‬ ‫«مروج الذهب» ت ي‬
‫بن عامر من أشى «دير الجماجم» فقال له الحجاج‪« :‬وللا‬ ‫ي‬
‫األسي‪:‬‬
‫ر‬ ‫ألقتلنك ش قتلة»‪ ،‬فقال‬
‫وللا ما ذلك لك‪ ...‬قال‪ :‬ولم؟ قال‪ :‬ألن للا يقول يف كتابه‪{ :‬فإذا‬
‫لقيتم الذين كفروا فضب الرقاب ح رن إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق‬
‫فإما منا بعد وإما فداء ح رن تضع الحرب أوزارها ‪ } ...‬سورة محمد‬
‫الية‪ ..4‬وأنت قد قتلت فأثخنت وأشته فأثخنت فإما أن تمن علينا‬
‫األسي‪ ،‬وأنكر‬‫ر‬ ‫أو تفدينا عشائرنا‪ ،‬رفياجع الحجاج أمام النص وأطلق‬
‫~ ‪~ 111‬‬

‫يحن‬‫النن فرد عليه متبحر يدع ر‬ ‫الحسني من ذرية ي‬ ‫ر‬ ‫مرة أن يكون‬
‫بن يعمر كان من الحاضين وقال له‪ :‬كذبت‪ .‬فقال له الحجاج‪:‬‬
‫لتأتين ببينة عىل ما قلت من كتاب للا أو ألضبن عنقك‪ .‬وتفيد‬ ‫ي‬
‫بعض الروايات أنها كانت مناسبة عيد األضىح فأراد الحجاج أن‬
‫ضىح به للعيد بدل الشاة‪ .‬فأحاله إىل آية تتحدث عن ابراهيم‬ ‫ي ي‬
‫ًّ‬
‫فتقول‪{ :‬ووهبنا له إسحاق ويعقوب كل هدينا ونوحا هدينا من قبل‬
‫ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموس وهارون وكذلك‬
‫نجزي المحسن ري * وزكريا ويح رن وعيش‪ }...‬سورة األنعام‪،85-84‬‬
‫يحن عيش من ذرية ابراهيم وهو إنما ينسب إىل أمه‬ ‫وهنا قال ر ي‬
‫والحسي ابنا رسول للا من قبل أمهم‪ ،‬فتوقف‬ ‫ر‬ ‫مريم‪ .‬والحسن‬
‫حن ال يواصل دعايته يف‬ ‫الحجاج عن قتله إل أنه نفاه إىل خراسان ر‬
‫العراق‪.‬‬
‫ووفرت الثقافة األدبية للحجاج رادع آخر‪ .‬فكان البعض من ضحاياه‬
‫بتخلصون من القتل بعبارة بليغة يطرب لها فيعفو عنهم‪ ،‬وتدخل يف‬
‫بابة البالغة مواقف مصارحة تعجبه فيفرج عن أصحابها‪ .‬ومن نوادر‬
‫أسيا قدم ليقتل فقال له‪:‬‬‫قضية األشى يف وثبة ابن األشعث أن ر‬
‫ا‬
‫ماه؟ قال‪ :‬ذكر ابن األشعث أمك‬ ‫إن يىل عندك يدا (فضل)‪ .‬قال ي‬
‫صاحن هذا‪ ،‬وأومأ إىل‬
‫ي‬ ‫فرددت عليه‪ ،‬فسأله من يشهد لك؟ فقال‪:‬‬
‫األسي‪ ،‬فسأله الحجاج‪ :‬وأنت ما منعك‬ ‫ر‬ ‫رجل من األشى‪ .‬فشهد له‬
‫بغض إياك‪ .‬فقال‬ ‫ي‬ ‫األسي الشاهد‪ :‬لقديم‬‫ر‬ ‫أن تفعل كما فعل؟ فأجابه‬
‫الحجاج‪ :‬أطلقوا هذا لصدقه وهذا لفضله‪.‬‬
‫هتلر لم يكن يف وضع مماثل‪ :‬فهو لم يكن يرجع إىل شيعة سماوية‬
‫ّ‬
‫أو أرضية يذكره بها ضحاياه‪ .‬وكان يفتقر إىل الثقافة‪ .‬ومعارفه تقتض‬
‫عىل السياسات والعسكريات‪ .‬ويمكن أن تضع إىل جانب ذلك‬
‫األوروبيي والعرب‪:‬‬
‫ر‬ ‫فوارق الوضع الحضاري والقيم الثقافية ربي‬
‫~ ‪~ 112‬‬

‫الغنان‪.‬‬
‫ي‬ ‫القصض‪ .‬وعند العرب لألدب‬
‫ي‬ ‫حيث الغلبة يف أوروبا لألدب‬
‫فحن لو كان هتلر امياطور مثقف فإن بيت من الشعر أو‬ ‫وبالتاىل ر‬
‫ٌ ي‬
‫‪.‬‬
‫لغ قرار بالقتل وثمة أيضا‬ ‫ر‬
‫نية بليغة ما كانت قادرة عىل جعله ي ي‬
‫إختالف طريقة أو آلية القمع‪ ،‬ذلك أن ضحايا الحجاج كانوا يوقفون‬
‫أمامه فتتاح لهم فرصة للكالم‪ .‬وكان هو يناكدهم ويتبادل معهم‬
‫الشتائم‪ ،‬أما هتلر فيصدر أوامره باإلعدام عن طريق المحاكم‪،‬‬
‫البوليش والعسكري‪،‬‬
‫ي‬ ‫وباإلبادة الجماعية عن طريق جهازه‬
‫وباالغتيال عن طريق عمالئه الرس ريي‪ ،‬فليس له عالقة مباشة‬
‫بضحاياه تسمح لهم بمحاورته وجها لوجه‪.‬‬
‫يل‪:‬‬
‫لدى البحث يف خلفية الجنوح لدى الغرارين نجد ما ي‬
‫الجرمان وتحركه الشوفينية‬ ‫ي‬ ‫هتلر الما ين مأخوذ بتفوق العرق‬
‫الن تنترس عىل نطاق أوروبا‬ ‫ر‬
‫األلمانية يف وسط مشبع بهذه اليعات ي‬
‫كعنضية للعرق األبيض‪ ،‬وتتفاعل يف ألمانيا العرقية الجرمانية‪.‬‬
‫والعنضية البيضاء ال ترى لإلنسان حرمة خارج النسب الري‪/‬‬
‫بالتحي‬
‫ر‬ ‫مشمولي‬
‫ر‬ ‫قيي‬
‫مرسوطا باإلقامة يف أوربا‪ ،‬ألن الر ريي الرس ر‬
‫وه لذلك تبيح دمه‪ ،‬وكانت إباحة دم اليهود من هذا‬ ‫العنضي‪ ،‬ي‬
‫مان الذي ال يوافق عىل هذه العقيدة يعامل كمرتد‪.‬‬ ‫الباب‪ ،‬لكن األل ي‬
‫كسيي األلمان‪.‬‬ ‫ر‬
‫اكيي والمار ر‬‫ومن هنا إباحة دماء اإلشي ر‬
‫ر‬
‫ولهتلر رافد من االديولوجيا األلمانية المتميسة بمبدأ القوة والدولة‬
‫كما تناوب عىل إشباعها وتأريثها فيخته ونيتشة وهيغل وشوبنهاور‬
‫ىح لنيتشه‪.‬‬‫وغيهم‪ .‬وهو عىل عدم عنايته بالفسلفة مريد تاری ي‬ ‫ر‬
‫له‪،‬‬
‫ه الحق األموي المصعد إىل مرتبة الحق اإل ي‬ ‫اديولوجيا الحجاج ي‬
‫وكان الحجاج يؤمن بالخليفة األموي إيمانا دينيا هو الذي جعله‬
‫~ ‪~ 113‬‬

‫يقول وقد مرض يوما‬


‫إن وهللا ال أرجو الخي إّل بعد الموت«‬
‫» ي‬ ‫ا‬
‫جاعل من إيمانه بالحق األموي طريقه إىل الجنة‪ ،‬وهو الطريق الذي‬
‫لبن أمية‪ ،‬ولم تكن للحجاج مشكلة عرقية‬‫المعارضي ي‬
‫ر‬ ‫بلطه بأجساد‬
‫ر‬
‫فضحاياه األكي عددا كانوا هم العرب‪ ،‬كما لم تكن وراءه فلسفة‬
‫ر‬
‫الن يستمد منها‬
‫تنظر للعنف الدموي فيما عدا الخلفية الدينية ي‬
‫القمغ‪ .‬والحجاج‬
‫ي‬ ‫حي يكون يف السلطة مقومات وجدانه‬ ‫المتدين ر‬
‫سيته الشخصية‪.‬‬
‫المتديني كما يستفاد من ر‬
‫ر‬ ‫من‬

‫ماذا قدم الغراران للحضارة والمدنية؟‬

‫تقول الموسوعة الييطانية أن هتلر لم يقدم للبرسية أي مساهمة‬


‫مادية وأخالقية وإذا استندنا إىل النية فهتلر معادي لإلنسان ويتعذر‬
‫وع‪ .‬لكن مغامراته العسكرية حملته‬ ‫عليه فعل ما يخدم البرس عن ي‬
‫عىل تنشيط الصناعة والتكنولوجيا‪ .‬فتقدمت ألمانيا يف زمانه أشواطا‬
‫بعيدة يف هذا المضمار‪ .‬وقد انتقلت التكنولوجيا األلمانية إىل البلدان‬
‫ر‬
‫غي‬ ‫صناعاتها وتقنياتها‪ .‬ي‬
‫ويأن هذا اإلنجاز ر‬
‫ر‬
‫األخرى فخدمت تطور‬
‫األورون‪،‬‬
‫ي‬ ‫ان تعيشه ألمانيا والمحيط‬‫المقصود يف مجرى نمو مدني ي‬
‫ومن شأن هكذا وضع أن تنخرط فيه السلطة بضف النظر عن‬
‫نواياها وطريقتها يف الحكم‪ .‬وهو نفس ما يقال عن منجزات الحجاج‬
‫كتحققات سياقية يف مجرى مدنية نامية‪ .‬وال مجال بالطبع للكالم‬
‫عن منجز حضاري قدمه أي من الغرارين الدموي ري‪ ،‬فهما مفلسان‬
‫معرف‬
‫ي‬ ‫أخالقيا‪ :‬المدنية يساهم فيها الجالدون‪ .‬أما الحضارة فإنشاء‬
‫الشعن كنقيض‬
‫ي‬ ‫اجتماع بتكامل فيه جهد الثقافة مع الفعل‬
‫ي‬
‫~ ‪~ 114‬‬

‫ر‬
‫الن تدخل يف‬
‫للسلطة وكمروج من جهته للقيم األخالقية ي‬
‫المنظومات المعرفية ألهل الفكر‪ .‬وال شغل للسلطة هنا‪.‬‬

‫خطوط اإلدانة‪:‬‬

‫لمسلمي بالحجاج ومواقفهم منه‪ .‬واالتفاق عىل إدانته‬ ‫ر‬ ‫مرت آراء ا‬
‫شامل لجميع المذاهب والفرق بمن فيهم الحنابلة الذين أظهرت‬
‫حنبىل متعصب‪:‬‬ ‫ي‬ ‫الذهن وهو‬
‫ي‬ ‫لألمويي‪ .‬وقال عنه‬
‫ر‬ ‫جماعاتهم انحياز‬
‫(سي أعالم النبالء ‪ /‬ترجمة‬ ‫«وله حسنات مغمورة يف بحر ذنوبه» ر‬
‫الحجاج) وهذا أدق تقييم يحط به الحجاج‪ :‬حسناته‪ ،‬إنجازاته‪،‬‬
‫صغية من الذهب‬ ‫ر‬ ‫مفردات مغمورة يف بحر من الذنوب‪ ،‬وكأنها قطع‬
‫غرقت يف المحيط ففقدها صاحبها وتالشت آثارها‪ ..‬وذنوب‬
‫الن يتمسك بها‬ ‫ر‬
‫ه الذنوب الدينية ي‬ ‫ه القتل وليست ي‬ ‫الحجاج ي‬
‫تميي الفاسق من المؤمن‪ ،‬فالحجاج كما بينا لم يكن‬ ‫رجال الدين يف ر‬
‫يرسب الخمر أو يستمع إىل الغناء ولم يعرف بالزنا وكان يتمسك‬
‫فحي يجعله‬ ‫بالفرائض والعبادات ويؤديها عىل أحسن وجه‪ ،‬وهكذا ر‬
‫حنبىل غارق يف بحر الذنوب فالبد أن نتصور حجم اإلدانة‬ ‫ي‬ ‫مؤرخ‬
‫المسلمي‪ ،‬ويخرج عن‬
‫ر‬ ‫الن لقيها هذا السفاك المسلم من مداينية‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫لألمويي آنذاك‪ ،‬ويقال أن‬
‫ر‬ ‫الخط شعبيته يف بالد الشام‪ ،‬الموالية‬
‫شاميا وقف عىل قيه بعد دفنه وقال‬
‫«اللهم ال تحرمنا شفاعة الحجاج»‪ ،‬والمقصود بالدعاء أن الحجاج‬
‫وه مكانة تختص باألنبياء‬ ‫ستكون له مكانة الشفيع عند للا‪ ،‬ي‬
‫حن يدخل الجنة‪ ،‬وال يدخل يف‬ ‫والشام يدعو أن تشمله شفاعته ر‬
‫ي‬
‫ثقاف‪ ،‬إذ لم يتجرأ فقيه‬ ‫حساب شعبية الحجاج الشامية إسناد ي‬
‫~ ‪~ 115‬‬

‫ّ‬
‫شام عىل تزكية الحجاج‪ .‬وكان الفقهاء والمتكلمون‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫متکل‬ ‫أو‬
‫لألمويي‪ .‬ولكن ذکر یاقوت يف مادة «واسط»‪،‬‬ ‫ر‬ ‫معارضي يف جملتهم‬
‫ر‬
‫الثقق دافع عن‬ ‫ي‬ ‫من معجم البلدان أن رجل يدع عبد الوهاب‬
‫إنجازات الحجاج‪ .‬ولم أقف عىل ترجمة لهذا الشخص‪ .‬ولعله كان‬
‫مدفوعا بعصبيته القبلية‪.‬‬
‫جوبه أدولف هتلر بنفس النطاق الشامل من اإلدانة عىل مستوى‬
‫أوروبا والكوكب‪ ..‬لكن ألمانيا مشت وراءه مثلما سار أهل الشام‬
‫خلف الحجاج‪ .‬وقد وصل إىل السلطة باالنتخابات‪ .‬واالنتخابات يف‬
‫بالكثي من األلمان وهو العرقية‬ ‫ر‬ ‫أوربا حرة دائما‪ ،‬وثمة ما يجمعه‬
‫ر‬
‫ولق هتلر‬‫الجرمانية والشوفينية األلمانية مع عبادة القوة والعنف‪ .‬ي‬
‫دعم أدباء وفالسفة ضخام من قبيل عزراباوند ومؤسس الوجودية‬
‫مثقق الطليان‬ ‫ي‬ ‫مارتن هايدجر‪ .‬وتبن مبادئه قطاع واسع من‬
‫واألسبان واليتغال‪ ،‬واليزال شطر وافر من الرأي العام يتمسك‬
‫بذكرياته من وراء اإلنخراط يف الحركات النازية والفاشية الجديدة‪.‬‬
‫ويمكن القول إن الغرب يف جملته يصدر بهذا القدر أو ذالك عن‬
‫منطلقات هتلر يف التعامل مع الشعوب الرسقية الملونة‪ .‬لكن التنوير‬
‫الكوكن يف العموم يواصل تصديه للهتلرية‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الغرباوي ومعه‬
‫الن ينتظم‬ ‫ر‬
‫السيورة الجديدة‪ ،‬ي‬ ‫كسيي فضل الصدارة يف هذه ر‬ ‫وللمار ر‬
‫اقضي مع‬‫الغي ماركسي ري بل والمتن ر‬ ‫فيها العديد من األحرار ر‬
‫وبي‬ ‫ر‬
‫اك‪ .‬ر‬‫العلم أم اقتصادها االشي ي‬ ‫ي‬ ‫الماركسية إن يف منهجها‬
‫نسان لألناجيل‬ ‫المعارضي للهتلرية رجال دين تأثروا بالمنىح اإل ي‬ ‫ر‬
‫المسلمي من الحجاج‪ .‬وبخالف‬ ‫ر‬ ‫وقفوا من هتلر موقف الفقهاء‬
‫لألمويي‪،‬‬
‫ر‬ ‫المواىل‬
‫ي‬ ‫غي جرير‪،‬‬
‫نصي من األدباء ر‬ ‫هتلر لم يكن للحجاج ر‬
‫الثقاف طيلة العصور اإلسالمية‬ ‫ي‬ ‫ولم يدافع عنه أحد من الوسط‬
‫~ ‪~ 116‬‬

‫أوصاف الحجاج لمن يريد رسمه من الفناني‬

‫كان أخفش ال يقوى عىل فتح عينيه يف الشمس‪ ،‬ساقاه نحيلتان‬


‫غي مكتمل الرجولة يف‬ ‫مجرودتان وبدنه ضئيل‪ ،‬وكان دقيق الصوت ر‬
‫نطقه برغم ما تمتع به من الفصاحة والبالغة‪ .‬هكذا وصفه‬
‫المؤرخون‪ .‬ومن األفضل أن ينظر إىل هذه الصفات يف حذر ألنها قد‬
‫الشيغ‬ ‫تكون انطباعية ر‬
‫أكي منها حقيقية‪ ..‬والحجاج يف الفولكلور‬
‫ي‬ ‫أعور‪ .‬وه صفة ر‬
‫مشيكة لجالدي الشيعة مثل يزيد بن معاوية‬ ‫ي‬
‫وعبيد للا بن زياد والشمر بن ذي الجوشن‪.‬‬
‫~ ‪~ 117‬‬

‫الفهرس‬

‫ملحوظة ‪5-------------------------------------------------‬‬
‫تزمين للتعذيب يف اإلسالم ‪7----------‬‬
‫ي‬ ‫القسم ا ألول ‪ -‬مسح‬
‫يف اإلصطالح ‪7 ---------------------------------------------‬‬
‫أغراض التعذيب وضحاياه‪1 ------------------------------- .‬‬
‫السياس ‪8 ----------------------------------------‬‬
‫ي‬ ‫التعذيب‬
‫التعذيب ألغراض اخرى‪13 -------------------------------- .‬‬
‫فنون التعذيب وأبطاله‪20 --------------------------------- .‬‬
‫خارطة التعذيب‪33---------------------------------------- .‬‬
‫موقف الفقهاء‪36 ----------------------------------------- .‬‬
‫اني‪55 ----------------------------- .‬‬‫هوية الجالدين والسج ر‬
‫ملحق للمقارنة‪ -‬التعذيب عند األمم األخرى‪59 ------------ .‬‬
‫المقيبات الدينية للتعذيب ‪65----------‬‬ ‫ى‬ ‫الثان‪-‬‬
‫القسم ي‬
‫تذييل – الحجاج وهتلر ‪-‬غراران للقمع يف حضار رتي ‪93 -----‬‬

‫إنتىه‬

You might also like