Professional Documents
Culture Documents
مظلمة إلى عمر بن الخطاب (رضى هللا عنه) ،فقال له يا أمير المؤمنين إنى عائذ بك من
الظلم ..فأجابه عمر« :عذت بمعاذ» ،فقال :سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته ،فجعل
يضربنى بالسوط ويقول :أنا ابن األكرمين.
لقد اشتكى المصرى إلى الخليفة كيف أن ابن والى مصر عبدهللا بن عمرو بن العاص قد
غضب لهزيمته فى سباق!!
والواقع إننى أتساءل ع ّما يمكن أن يفعله خليفة -أى خليفة -فى أمر بسيط كهذا!!
ولكن األمر لم يكن بسيطا ً عند الفاروق ،فقد كتب إلى عمرو بن العاص يأمره بالقدوم
عليه ،ويَ ْق ُدم بابنه معه ،فما إن وصل وكان بحضرته أمر الخليفة عمر أن يأتوا بالمصرى
الذى قدم الشكوى ..وقال له :خذ السوط فاضرب.
يقول أنس ابن مالك« :فجعل يضربه بالسوط» ،وعمر يقول« :اضرب ابن ْ
األليَ َميْن،
فوهللا لقد ضربه ونحن نحب ضربه» .يقول أنس :فما أقلع عنه حتى تمنينا أن يرفع عنه،
ضلعة عمرو ،فقال :يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذى
ثم قال عمر للمصرى :ضع على ِ
ضربنى ،وقد اشتفيت منه!
لقد اكتفى المصرى eبما فعل ..وأجاب الخليفة أنه قد اقتص من الذى ضربه ،فال داعى
للثأر من والده أيضاً.
فما كان من عمر إال أن وجه حديثه لعمرو بن العاص بكلمته الشهيرةُ « :م ْذ كم تعبدتم
الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً».
الطريف أن البعض ينكر سندها ومتنها لقول ابن عبدالحكم فى إسنادها «حدثنا» ..وفى
هذه الكلمة انقطاع بين ما قبلها وما بعدها ..ولكن معظم المؤرخين قد ذكروها فى مجمل
كتاباتهم ..األمر الذى يجعلها أقرب للصواب ..وفى حكم المؤكدة.
ربما كانت القصة تثبت أن عظمة اإلسالم فى عدله ،وتؤكد أنه لم يفرق بين مسلم
ومسيحى فى الحقوق والواجبات ،فهى تأكيد عملى لمبدأ «المواطنة» ومفهوم «المساواة
بين الجميع» ..حتى وإن اختلفت الملل وتباينت المستويات.
لكننى أزيد أن األمر كله قد حدث على أرض مصر ..وكأن هللا أراد أن يؤكد العدل على
أرض الكنانة تحديداً دون غيرها!
سيدنا عمر وابن سيدنا عمرو بن العاص -رضي هللا عنهما -سندًا ومتنًا ،وأن سندها
منقطع بقول ابن عبد الحكم :حُدثَنا عن أبي عبدة .وبالعودة إلى موقعكم في الفتوى رقم:
36194تم ذكر القصة في كتاب "الوالية على البلدان" e،فأرجو منكم شرح ذلك لي،
ولكم جزيل الشكر.
اإلجابــة
الحمد هلل ،والصالة والسالم على نبينا محمد ،وعلى آله ،وصحبه ،ومن وااله ،أما بعد:
فالفتوى التي أشرت إليها ذكرنا فيها القصة ومصدرها ،ولم نتطرق للحكم عن سندها،
والقصة رواها ابن عبد الحكم أبو القاسم المصري (المتوفى257 e:هـ) في كتابه فتوح
مصر والمغرب فقال:
ح ّدثنا عن أبي عبدة ،عن ثابت البناني ،وحميد ،عن أنس ،إلى عمر بن الخطّاب ،فقال :يا
أمير المؤمنين ،عائذ بك من الظلم ،قال :عذت معا ًذا ،قال :سابقت ابن عمرو بن العاص،
فسبقته ،فجعل يضربني بالسّوط ،ويقول :أنا ابن األكرمين ،فكتب عمر إلى عمرو يأمره
ي؟ خذ السوط ،فاضرب، بالقدوم عليه ،ويقدم بابنه معه ،فقدم ،فقال عمر :أين المصر ّ
فجعل يضربه بالسوط ،ويقول عمر :اضرب ابن األكرمين ،قال أنس :فضرب ،فوهللا،
لقد ضربه ونحن نحبّ ضربه ،فما أقلع عنه حتى تمنّينا أنه يرفع عنه ،ثم قال عمر
ي :ضع على ضلعة عمرو ،فقال :يا أمير المؤمنين ،إنما ابنه الذي ضربني ،وقد للمصر ّ
اشتفيت منه ،فقال عمر لعمرو :مذ كم تعبّدتم الناس وقد ولدتهم أ ّمهاتهم أحرارًا؟ قال :يا
أمير المؤمنين ،لم أعلم ،ولم يأتني .اهــ.
وفي إسناده سقط ،كما يدل عليه قولهُ " :حدِّثنا" ،ثم إن أبا عبدة- واسمه يوسف بن عبدة
بن ثابت -وثقه بعضهم ،وضعفه آخرون ،قال الحافظ في تهذيب التهذيب :وقال األثرم:
قلت ألبي عبد هللا :يوسف بن عبدة أبو عبدة ،كيف هو؟ قال :له أحاديث مناكير عن
حميد ،وثابت ،وكأنه ضعفه ،وقال أبو حاتم :شيخ ليس بالقوي ،ضعيف ،وقال العقيلي e:له
مناكير ..اهــ .وهو يروي هذه القصة عن ثابت ،وحميد.