Professional Documents
Culture Documents
اصل السلطة
اصل السلطة
2020
-2-
ـقاد على
الراقص البارع ال جيعل املرأة تشعر أهنا تُـ ُ
اإلطالق ،يف حني أنه هو من يتحكم يف كل احلركات
واإليقاع.
(هذه املقولة من روبرت غرين تستحق أن تكتب برماد الشيطان عندما حيرتق يف اجلحيم -املرتجم).
-3-
أصل السلطة
روبرت غرين
جتميع
مارك بالسيين
ترمجة:
حممد اإلدريسي
-4-
تقدمي:
حتتل إسرائيل يف نظري املرتبة األول يف قائمة الدول األكثر اهتماما بكتب وأفكار
روبرت غرين ،وأقصد ابلتحديد شرحية كبرية من القواد واملسؤولني يف مفاصل
الدولة اليهودية ،ويعتب يهود أمريكا أول املشرتين لكتب روبرت غرين عند نزوهلا
للسوق ،وال يكاد بيت أي امرئ يهودي مسؤول أو كان مهتما ابلثقافة واملطالعة
خيلو من كتب روبرت غرين أو أنه اليعرف هذه الشخصية احلديثة ،بل إن بعض
األفراد من اليهود جيتمعون مرتني يف األسبوع ملدارسة كتاب "قواعد السطوة"
ويرجعون ملساءلة روبرت يف املسائل التوجيهية املعضلة! ومادام أن املشكل
الرئيسي الذي اليزال يعان منه اليهود منذ فجر التاريخ حت اآلن يرتبط ابلتوجيه،
فال داعي أن أيت السؤال التال يف رأسك :ملاذا يهتم اليهود بكتب روبرت غرين؟
لكن اجلواب عندي من وجهني:
أوال :ألن أغلب اليهود حيتلون مراكز قيادية يف منظماهتم املعلنة أو السرية مع
بقاء إشكالية التمرد اليت ال يوجد هلا حل حت اللحظة( ،شركاهتم ،ومجعياهتم،
ومسارحهم )..والكثري من هذه املواقع يتمركز ابلتحديد يف أمريكا ،فبني كل 20
يهودي يوجد 5قواد يف جماالت قيادية خمتلفة .وتكون لدى غالبيتهم قضااي
حتكمية وسلطوية ابلغة ال ختلو من التعقيد واالضطراب ،هلذا جند أن أكثر من
يستشري روبرت غرين ذو خلفية يهودية خالصة يف الغالب ،وهلذا ال يزال
مستعصيا على العديد منهم سبيل التحكم يف بعض اليهود املتمردين داخل
إسرائيل يف خمتلف قطاعاهتم احلكومية أو اجملتمعية (الشرحية النسائية خصوصا).
-5-
اثنيا :يعمل العديد من اليهود النخبويون يف ابب االستشارات واالدارة للمشاركة
يف صناعة القرار داخل منظماهتم ،سواء داخل أمريكا ،أو خارجها (إسرائيل).
وقد كان معدل االستشارات اليهودية التنافسية لدى روبرت غرين تتخطى 50
استشارة يف األسبوع ،مما اضطر روبرت غرين أن يرفع أسعار االستشارات
اليهودية الشخصية ،ويؤسس شركة استشارات خاصة غري معلنة ،ليخفف عليه
ضغط اليهود عب اإلحالة إل مساعديه يف االستشارات ،أو يعتذر عن استقباهلا.
ومبا أن مارك بالسيين هو جامع مادة كتاب أصل السلطة لروبرت غرين ،وهو
شخص يهودي حمض ،ومقرب أيضا من روبرت نفسه ،فإنه كرس بعض وقته
ليرتجم مقاطعه ومقاالته للعبية أيضا بشكل متكرر ،وهو الذي مجع مادة هذا
الكتاب الذي أمامك اآلن وعرضها على روبرت ومسح له بنشرها للقراء .ث
التقطناه بطريقتنا لنحوله للعربية ابلنهج الذي تراه بني انظريك.
لقد بلغ االهتمام اليهودي بروبرت غرين مستوايت انفرادية متقدمة ،فقد بلغين
من أحد معارف روبرت غرين أن (بنيامني نتنياهو) قد وفر له منصبا شاغرا جبنبه
وحثه عليه لغرض الرجوع إليه يف االستشارات السلطوية وطرق دمغ خصومه،
وبسط النفوذ السلطوي يف الشرق األوسط ،لكن روبرت غرين رفض الطلب،
كما رفض عروضا تلقاها من مؤسسات أمريكية عالية النفوذ ،ورفض ذلك عدة
-6-
مرات وفضل االستمرار يف مترير نظرايته اليت أنفق عليها 15عاما من البحث
قبل طرحها للمزيد من القراء الذين حيبهم روبرت حول العامل ،ألن قاعدته اليت
ينطلق منها تنسحب على مجلته املأثورة:
يريد أن حيقق أكب قدر من التأثري املمكن يف العامل ،وهذه أمنيته الوحيدة ،وهو
ما يريده روبرت غرين ،وفرغ له وقته وعقله ،ليقوم بتوسيع شرحية القراء واملتأثرين،
هلذا جتد منه هذا التفرغ الكامل للحوارات واللقاءات التلفزية وكتابة املقاالت
وإلقاء احملاضرات وكثرة املشاهدات التنظريية آلرائه يف العشر سنوات األخرية،
وهو شخص يتسم ابلتواضع وقبول الظهور الرسال ابلدرجة األول .سيقوم هذا
الكتاب بتقريبك من نوعية أخرى من شخصية روبرت غرين .لعل روبرت غرين
الذي قرأت له يف االتقان ،أو قواعد القوة ،أو فن اإلغواء ،ليس هو نفسه الذي
ستجده هنا يف الغالب ،سوف تقرتب منه أكثر وتقرتب من مشاركاته وجتاربه
ومواقفه املعلنة هاهنا يف األحداث واملنظمات وبعض الشخصيات املشهورة ،وكذا
أسلوبه اجلديد يف النصح والتوجيه ،وطريقته الواضحة يف التحليل واالستنباط.
إن االهتمام ابلقوة والسلطة ال ينبغي أن يقتصر على فئة معينة ،أو حتكرت معرفته
طبقة ما ،أو أن تتميز فئة ما مبتعلقاته ومفاهيمه ،ذلك ،ألن مستقبل السلطة
والقوة مزهر وخطري بال ريب ،والدعوة إليه ينبغي أن تضاف للمسائل املصريية
-7-
لالدراك يف املستوايت العليا لدى املهتمني ،وال جرم أن املعرفة الشاملة مبواضيع
القوة من االبتداء إل اخلبة التامة أمر يستطيعه املهتم ،وألن احلاجة العربية إليها
فقرية جدا ،وملحة جدا يف دراسة قواعد السطوة بشكل عام ،فإن الدعوة لتوزيع
وتنويع النسخ املعرفية الظاهرة من روبرت غرين و ميكيافيلي يف العامل العرب أمر
ملح ،ويف الشرق األوسط بشكل خاص ،ولعل رؤية مؤسسات خاصة مهتمة
بقواعد القوة يف الدول العربية أمر حممود ،ألن واقع احلكم يف العامل أصبح يفرض
هذه النظرية بقوة .وإذ يعان واقع السلطة يف العامل العرب عموما مما أمساه
(كراسنر)؛ "نفاق السيادة" يف كتابه {السيادة :النفاق املنظم} لعدم وجود آلية
استقرار مستدام ،فتعان معظم الدول يف العامل العرب من غياب السلطة ذات
الشرعية املؤسسة متمثال يف قصور فاعلية مؤسسات الدولة و كذا هشاشة حكم
القانون ،و ضعف التأييد الشعيب ،و ذلك يف مقابل حتدايت التدخل اخلارجي ،و
آتكل سلطة الدول املركزية ،وهنا أيت البعد العلين لعالقات القوة ،و يبدو هذا
البعد بتتبع سلوك القوة ،من يشارك ،من يفوز و من خيسر ،و من يعب عن نفسه
يف عملية صنع القرار ،و يقوم هذا البعد على افرتاض أن :األفراد دائما ما حياولون
املقاومة و التصرف .هذه املمارسات يف عالقات القوة حتدث بشكل علين و
واضح يف ساحة إختاذ القرار .هذه الساحات السياسية مفتوحة ألي جمموعة
منظمة ،وتؤدي إل نتيجة أن القيادات ليست خنبا هلا مصاحلها .وهنا أيت دور
املستشار اخلبري ابلقوة وعالقاهتا ليضع األعواد يف جذورها ،وتبين االقرتاحات و
تطبيق االصالحات ،و خصوصا اليت تتعلق بتعزيز رشادة عالقات القوة بني
أطراف اجملتمع .وأيت كتابنا املرتجم لإلشارة هلذه املفاهيم وبسط بعضها ومتييز
-8-
نقيضها ،ملعاينة السلطة بشكل سليم يف ظل الوضع احلال الذي تسيطر فيه
العوملة والتكنولوجيا وتعدد كثرة الصوارف عن ِعماايت األهداف.
-9-
بني يدي - -أصل السلطة - -
حنن نعيش يف عصر من عدم اليقني اهلائل واالقتصاد السريع املتغري .لقد غريت
اإلنرتنت والتكنولوجيا املُطورة حياتنا بشكل جذري – من الطريقة اليت نتواصل
هبا إل الطريقة اليت نقضي هبا أوقتنا ،إل الطريقة اليت نؤدي هبا أعمالنا .لقد خلق
لدينا هذا التحول ثالثة حتدايت رئيسية:
أوال ،بدأان نفقد الثقة يف السلطة .لقد أصبحنا أكثر دميقراطية وارتباطا من أي
وقت مضى .تعليق واحد سيء أو مقال سليب واحد ،أو إشاعة واحدة مروعة
ميكن أن تدمر مسعة ومصداقية شركة أو فرد من الناس .واألكثر من ذلك أن
اإلنرتنت أاتح املزيد من املعلومات لدرجة أننا ال نضطر لالعتماد على كالم
الشركات الكبى أو املؤسسات أو احلكومة نفسها :لدينا وصول كبري للحقائق.
اثنيا ،أصبح مدى انتباهنا صغريا .ينصرف انتباهنا ألي شيء المع .يتم قصفنا
ابستمرار وإغراءان مبقاطع الفيديو والتعليقات ومنشورات املدوانت وحتديثات
احلالة والصور وما إل ذلك .وها حنن أوالء مع هذه البياانت الضخمة اليت
تستطيع الشركات أن تعرف خالهلا كل رغباتنا وتعطينا ذلك اخليال الذي حنلم
به.
- 10 -
وأخريا ،أصبح املشهد املهين والتجاري أكثر قدرة على املنافسة .أنت ال تتنافس
مع أشخاص يف جمال عملك فحسب ،بل تتنافس مع اآلالف املؤلفة من الرسائل
– عمليات البحث وحتديثات احلالة ومقاطع فيديو – YouTubeكلها
تستدعي انتباه عميلك .يف الوقت ذاته جلب االقتصاد اجلديد هذا – "التحول
العظيم" كما يسميه روبرت غرين – فرصا غري مسبوقة مع زايدة الوصول إل
املعلومات ،لدينا املزيد من القوة لتجنب التعرض للخداع والشماتة.
مل يعد هناك حراس يعيقون جناحنا :ميكننا نشر كتبنا اخلاصة ،وإصدار موسيقاان
املستهلكة لآلخرين ،وبيع منتجاتنا وخدماتنا ،وبناء قاعدة مجاهريية خاصة ،أو
زايدة اجلمهور املتابع .ونظرا ملدى صعوبة هذا التحول اجلديد وإرابكاته وأمهيته،
ولتحقيق النجاح أيضا ،فنحن حباجة إل احلكمة والبصرية للتنقل بني هذه
التضاريس الصعبة .حنن حباجة إل مبادئ إرشادية لتساعدان يف متييز املاء السائغ
ص ّمم
من هذه املياه اآلسنة والعكرة ،ونلعب اللعبة الطويلة ونبين النفوذ .هذا ما ُ
هذا الكتاب ألجله .تقدم كل مقالة يف هذا الكتاب نوعا من البصرية ملساعدتك
على البقاء على قيد احلياة ،وحتقيق االزدهار النفسان يف ظل هذا االقتصاد
اجلديد .مثة ثالثة مبادئ متكررة للقوة والنجاح ستجدها يف هذه الكتاابت:
- 11 -
التنقل .املستقبل ملك ألولئك الذين يتسمون ابلسرعة – الذين .1
يستطيعون تصميم وحتسني املنتجات واخلدمات اجلديدة بسرعة،
والذين يتعلمون من أخطائهم بسرعة ،والذين ينتقلون إل أسواق
جديدة بسرعة .نظرا ملدى سرعة حدوث التغيري عندهم ،جيب أن تكون
أنت أو مؤسستك أو عملك قادرا على االستجابة لتعليقات السوق
ومن ث التحسني بسرعة.
التفكري على املدى الطويل .أخريا ،تعتمد القوة يف االقتصاد اجلديد .3
على قدرتك على لعب اللعبة الطويلة – ملعرفة املكان الذي ترغب
أن ينتهي به األمر ،وتنشئ إسرتاتيجية طويلة املدى لتساعدك على
حتقيق ذلك .يف عامل يسهل فيه تشتيت انتباهك عن أهدافك ،جيب أن
تتمتع بضبط النفس والبصرية للبقاء على الصراط املستقيم.
- 12 -
إن هذا جمرد غيض من فيض مما خيتبئ يف صفحات هذا الكتاب الذي يؤسس
لنظرة اثقبة حول كيف حنقق القوة احلقيقية يف هذا العصر اجلديد؟ – كيف نبين
القوة والتأثري وحتقيق اهلدف احلقيقي يف احلياة؟ كيف ننظر إل وضعنا هبدوء ونتقدم
بثقة؟ .قد ال يكون الطريق إل هذا النوع من القوة سهال ،لكنه سوف يصبح
أكثر وضوحا مع هذا الكتاب .وقد يكون مبثابة صديقك ومرشدك يف رحلتك.
- 13 -
أفكار حول التحوالت العظيمة مع ُسبُ ِل إتقاهنا.
-تغيري املنظور -
أوال:
يف عام 1996بدأت العمل على كتاب األول 48 ،قاعدة للقوة .كان لكتاب
مقدمة بسيطة :كل إنسان لديه رغبة فطرية يف السلطة .ما أعنيه ابلقوة هو القدرة
على التحكم إل حد ما يف األحداث من حولنا -لنكون قادرين على التأثري يف
الناس ،وحتريكهم الجتاهنا ،وتوجيه مساران املهين ومحاية أنفسنا من أولئك
األشرار .كما يعين وجود بعض السيطرة على دوافعنا املدمرة .عندما منارس مثل
هذه السيطرة ،نشعر ابلنشاط والثقة .عندما خنتب العكس -عاجزين يف مواجهة
الظروف -نصبح ابئسني نتعرض جلميع أنواع السلوكات الغري عقالنية .جنرب
أي شيء الكتساب القوة ،لكننا لسنا متأكدين مما قد ينجح منها .كانت املشكلة
يف كتابة مثل هذا الكتاب كما رأيتها حينها ،هي الكم اهلائل من االرتباك احمليط
ابملوضوع .قلة من الناس حيبون االعرتاف أبن دوافعهم هي الطمع أو اجلوع
للسلطة .هذا يبدو قبيح جدا .إذا حققوا بعض النجاح يف احلياة بطريقة أو أبخرى
فذلك بسبب صالحهم أو مواهبهم ،وليس بسبب أي مناورة أو ألعاب سياسية.
كثري من الناس ابرعون يف العدوان السليب -يتنكرون يف قبضتهم على السلطة
بسامة.
خلف واجهة محيدة ّ
- 14 -
كل هذا اإلنكار األخالقي خيلق قدرا كبريا من الضبابية .ابتكرت طريقة خدمتين
جيدا يف مجيع كتاابت الالحقة الخرتاق هذه الضبابية والوصول إل الواقع:
سأجتاهل كلمات الناس وتبيراهتم؛ و كنت أدرس أفعاهلم بدال من ذلك .إلظهار
ما هو خالد وعاملي يف هذا التعطش للسلطة ،كنت أنظر إل أكثر الناس شهرة
يف التاريخ -كل الفرتات ،كل الثقافات -وأشرح بال رمحة جناحاهتم وإخفاقاهتم.
أثناء القيام هبذا البحث ،اكتشفت أمناطا حتولت إل مثانية وأربعني قانوان .عندما
حترتم هذه القوانني حتدث لك األشياء اجليدة ،عندما تتعداها أتتيك الكارثة.
تنطبق هذه القوانني على لويس الرابع عشر بقدر ما تنطبق على بيل جيتس .إهنم
ميثلون الواقع املادي ملا حيدث يف العامل ،وليس املظاهر اخلادعة اليت حيب الناس
تقدميها .صدر الكتاب يف عام ،1998واكتسب بعض الزخم رويدا رويدا .بعد
حوال ثالث سنوات من النشر ،بدأ أيتيين أقوام يف جماالت عمل خمتلفة يريدون
املشورة .كان بعضهم أقوايء يف جماالهتم .شعرت ابخلوف إل حد ما يف البداية،
حيث مل يكن لدي خلفية قوية يف األعمال التجارية أو شهادة يف علم النفس ومل
أحصل شخصيا على أعلى مستوايت القوة .ولكن سرعان ما أصبح واضحا ل
أن هؤالء األشخاص ال يريدون املساعدة يف األمور التقنية أو يهتمون أبوراق
اعتمادي .كان ضعفهم هو التعامل مع اجلانب السياسي للطبيعة البشرية ،وكيفية
التعامل مع كل املناورات اليت أصفها يف القوانني الـ .48كانوا مرتبكني .رأيت أن
نصيحيت ميكن أن تكون مفيدة وأن األفكار اليت انقشتها يف الكتاب األول كانت
أكثر صلة بتجارهبم .عندما اكتسبت املزيد من هذه العالقات االستشارية ،بدأت
يف الوصول إل األعمال الداخلية للعديد من الشركات املهمة .لقد رأيت نوعا
من املشاكل اليت واجهها العديد من املدراء التفيذيون ،وعلى مر السنني اندجمت
- 15 -
أفكاري حول هذا يف النظرية التالية :حنن يف خضم واحدة من تلك اللحظات
االنتقالية العظيمة يف التاريخ اليت كانت فيها الطرق القدمية للعمل والتفكري ُمهلكة
يف النهاية.
شيء جديد حياول الظهور .كل هذا جيعل الناس يف حرية من أمرهم .إنه يصيب
اجلميع دون وعي .رأيت عالمات على هذا الصراع يف األعمال التجارية ،ولكن
يوجد يف السياسة أيضا -ال سيما يف محلة أوابما .وسط هذه التكهنات ،اهنار
االقتصاد العاملي وهذا يؤكد ما كنت أفكر فيه .أريد أن أحتدث إليكم عن هذه
التيارات املضادة للقدمي واجلديد ،ما الذي حيدث ابلفعل حتت السطح؟ وهو ما
خيلق االضطراب الذي منر به .كما هو احلال مع موضوع السلطة ،لست راضيًا
عن الكيفية اليت يصف هبا الناس هذه األحداث .هناك الكثري من التسييس
واآلفاق الضئيلة .يتعامل اإلنسان مع التغيري بصعوبة .جيعلنا نتمسك ابملاضي أو
تغمران الفوضى الظاهرة .جيعلنا أكثر عاطفية .األشخاص الذين يعيشون يف
حلظات ثورية ليست لديهم فكرة عما حيدث .يف هذه احلالة ابلذات ،جيعل افتقاران
إل الفهم عصيبا علينا الستغالل التغيريات والفرص اهلائلة اليت تنبت يف هذه
اللحظة .ما أريد القيام به هو توسيع وجهة نظران وتقدمي طريقة خمتلفة للنظر إل
هذا العامل اجلديد الغريب الذي دخلناه .ميكن أن يساعدان يف التخلص من بعض
ارتباكنا يف جعل أفعالنا أكثر فعالية .لتحقيق هذا االنعكاس يف املنظور ،سأقوم
إبحضار العديد من األفكار واألمثلة من التاريخ وما إل ذلك ،ولكن كل ذلك
هبدف شرح اللحظة احلالية ،هلذا اركب معي.
- 16 -
اثنيا:
يف األنثروبولوجيا هناك مفهوم يُعرف ابلوفاة التارخيية .ما يعنيه هذا هو أنه يف
بعض األحيان تظهر فكرة معينة ،طريقة معينة للقيام أبشياء مغرية للبشر حبيث
تنتشر يف النهاية حول العامل وتغري طريقة حياتنا لألبد .جيب أن تكون الزراعة
واحدة من أعظم األمثلة على ذلك .كانت تتمحور حول فكرة بسيطة -بدالً
من البحث ابستمرار عن مصادر طعام جديدة ،ميكن للبشر زرع طعامهم يف
مواقع مستقرة .ومبا أن هذا قد ترسخ يف عدة أماكن ،فقد أدى إل تكوين القرى
والبلدات واملدن ودول املدن وحضارات أبكملها.
مع هذا جاءت مجيع أنواع املؤسسات مثل احلكومة املدنية ،والتنظيم االجتماعي،
واحلرب ،والثقافة على مستوى جديد .لقد خلق مفهوم الفائض ووقت الفراغ.
ببطء وابلقوة أحياان غُ ِزي العامل .ت غزوه ألنه احتوى على فكرة مغرية بعمق
للطبيعة البشرية -رغبة يف االستقرار واجلذور واالتساق واأللفة .كان مصريه أن
ينتشر يف كل مكان مبجرد ظهوره .يف قانون الـ 48قانوان ،أضع ما أعتبه كارثة
اترخيية أخرى -تطور القوة من شيء شديد الرتكيز إل شيء ضعيف.
أحب أن أختيل هذا كنوع من املعادلة الرايضية .دعوان نتخيل قبيلة من حوال
1000شخص يف مكان ما يف العصور القدمية .ميكننا القول أن هذه القبيلة
لديها قدر معني من القوة ،بناء على ثروهتا ومواردها .غالبية هذه السلطة،
- 17 -
السيطرة عليها ،كانت يف يد رجل واحد -احلاكم ،امللك .قد يعتمد يف هذه
احلالة على كادر صغري من الناس ملساعدته ،لكنه حدد إل حد كبري األدوار اليت
ميكن أن يلعبوها .دعنا نقول مع النجاح واالزدهار منت هذه القبيلة إل حجم
حوال .10000اآلن ،كان هذا الرتكيز الفائق صعبا .سيتعني على احلاكم أن
أيت آبخرين -مستشارين ،جنراالت ،رؤساء كهنة .كان إبمكانه إبقاء هذا الرقم
حمدودا نسبيا ،وكانت النسبة املئوية للسلطة يف يده يف الغالب ،لكنها اآلن خمففة
قليال.
إذا تطورت هذه املدينة إل مدينة يبلغ عدد سكاهنا حوال ،100000فقد
حدث تغيري نوعي فجأة .منا تعقيد احلكم على مثل هذه األرقام بشكل كبري .كان
جيب توزيع القوة يف هذه اللحظة بشكل حقيقي من أجل احلفاظ على الشعور
ابلسيطرة .اآلن هناك فِرق من الوزراء واجليش واألرستقراطية املتنامية .كان على
البريوقراطيات أن تتطور .ظلت القوة مركزة ولكن بنطاق توزيع خمتلف .ميكننا أن
جنعل ثالثة تعميمات يف هذه املرحلة .عندما ُمتنح جمموعة من الناس السلطة،
فإهنا تشكل مركز قوة.
وهذا يعين على سبيل املثال ،أن فريقا من القادة العسكريني مييلون إل التفكري
يف اجتاهني -كيفية تعزيز مصاحل احلاكم ،مع دفع أجندته اخلاصة .أصبحت األمور
اآلن سياسية ،حيث ستتعارض مصاحلهم مع مراكز القوة األخرى .جيب على
احلاكم إدارة هذا التعقيد املتزايد .تصبح بيئة الطاقة خطرية بشكل متزايد .اثنيًا،
- 18 -
مبجرد منح الناس السلطة على هذا املستوى ،فإهنم ال يريدون إعادهتا أو العودة
إل طريقة قدمية للحكم .إهنم يعملون للحفاظ على ما لديهم ،ويسعون لتوسيع
قاعدة قوهتم .وأخريا ،مبجرد أن تضعف القوة وتنقسم هبذه الطريقة ،فإهنا متيل
إل االستمرار يف االنقسام ،مثل الذرة املنقسمة .جيب إحضار املزيد من الناس
للحفاظ على سري العمل أبكمله .وهكذا على مر القرون تصبح القوة أقل تركيزا.
أوال ،بعد العصور الوسطى ُولدت الرأمسالية احلديثة واجملتمع التجاري .كان هذا
يعين ظهور طبقة وسطى ومراكز قوة جديدة يف األعمال التجارية اليت بدأت متارس
نفوذا متزايدا .والثانية كانت الثورات السياسية الكبى يف القرنني الثامن عشر
والتاسع عشر ،واليت خلقت مركز قوة جديد بني مواطين تلك الدولة .وبدرجة
أقل ميكننا احلديث عن وسائل اإلعالم احلديثة كمركز قوة آخر برز يف القرن
العشرين ،وا لذي عمل بدوره على حل ومتييع تركيزات النفوذ السابقة .ميكننا
اآلن أن ننظر إل بلد مثل الوالايت املتحدة يف الوقت احلاضر ،ونرى نقطة تطور
متطرفة -شبكات من مئات من مراكز القوة تتقاطع مع بعضها البعض :من
داخل األحزاب السياسية ،على سبيل املثال ،مجيع أنواع اجملموعات املتخصصة،
أجنداهتم اخلاصة جتعل احلكم شبه مستحيل .ال تزال هناك تركزات للقوة والثروة
يف العامل اليوم .ولكن من انحية أخر ،ليس هناك من ينكر التطور امللحوظ
وختفيف القوة منذ آالف السنني عندما كانت يف الغالب يف يد رجل واحد.
- 19 -
من هذا املوقف يف الوقت احلاضر ميكننا أن نتوقع يف املستقبل فرتة من التخفيف
بشكل أكب ،حيث يشعر املزيد من الناس حول العامل ابحلق واحلاجة إل مزيد من
السيطرة على حياهتم .يف غضون 100أو 200عام ميكننا ختيل نقطة انقسام
كامل .ال يتعلق األمر أبنظمة سياسية أو اقتصادية معينة ،بل يتعلق بشيء عميق
يف الطبيعة البشرية .إن احلاجة إل مثل هذه القوة هلا جاذبية ال هوادة فيها ابلنسبة
لنا .مبجرد أن تبدأ العملية ال ميكن إيقافها حت تصل إل هنايتها املنطقية .وهلذا
السبب ميكننا أن نتحدث عن تقسيم السلطة هذا ابعتباره حادثة اترخيية كبرية،
رمبا على مستوى الزراعة أو حت أكب يف رأيي لتداعياهتا البعيدة املدى.
اثلثا:
ظهر يف التسعينيات شيء آخر أدى إل تسريع هذه العملية إل أبعد من ذلك.
وكان هذا أشبه بسرعة االلتفاف ،تسارع مفاجئ يف املستقبل .أان أحتدث عن
اإلنرتنت ،أو بشكل حمدد ،شبكة الويب العاملية كما تطورت يف أوائل
التسعينيات .وفرت شبكة اإلنرتنت للناس ثالثة أنواع جديدة من القوة كانت هلا
جاذبية هائلة .أوال ،أاتح لنا الوصول إل مجيع أنواع املعلومات ،دون احلاجة إل
الصحف أو األشكال التقليدية لوسائل اإلعالم .ميكننا جتاوز تلك املراكز اليت
تتحكم يف التدفق .ميكننا التواصل مع األشخاص ذوي التفكري املماثل ومشاركة
املعلومات بسرعة وبشكل مباشر مع بعضنا البعض .اثنيا ،منحنا القدرة على
شراء العناصر مباشرة من املصدر واالستغناء عن الوسيط .هذا من شأنه أن يؤدي
- 20 -
إل خفض األسعار ،ولكن األهم من ذلك أنه زاد بشكل كبري من خياراتنا .ميكننا
التسوق من أي مكان حول العامل وإجياد ما حنتاجه أو نريده.
اثلثا ،ميكننا التعبري عن آرائنا حول أي موضوع يهمنا وإجياد نوع من اجلمهور.
ميكننا مراجعة املنتجات اليت اشرتيناها واكتساب بعض القوة .أو ميكننا التعبري
عن آرائنا يف األمور السياسية والعثور على آخرين يشاركوهنا .ما يهمين هنا ليس
التكنولوجيا ،ولكن كيف تغرير عالقتنا ابلسلطة والقوة ،وتغري الديناميكية
االجتماعية بطرق عديدة -كيف يتفاعل الناس مع بعضهم البعض؟ يف هذه
احلالة تعمل اإلنرتنت على تسوية العالقات اليت كانت ذات يوم هرمية ت توجيهها
عب مراكز خمتلفة.
مييل هذا إل تقويض هيبة وسلطة املصادر التقليدية للمعلومات مثل الصحف أو
آراء اخلباء .إنه يدعو إل التساؤل عن احلاجة إل الكثري من الوسطاء يف العامل،
ويكشف عن املصدر املشكوك فيه لقوهتم .خذ على سبيل املثال توافر ملفات
غري عالقتنا ابملوسيقى
املوسيقى الرقمية و آيتونز .عندما بدأ هذا يف االنتشار ّ
نفسها .ميكننا قرصنتها على اإلنرتنت أو شراء هذه املوسيقى مباشرة إذا تطلب
األمر .ميكننا مشاركة هذه امللفات .أصبح من ممكنا جتميع مكتبة ضخمة من
املوسيقى وختزينها ابلطريقة اليت نريدها ،مما جيعلنا نشارك بطريقة خالقة يف هذه
العملية .مل نعد مضطرين لشراء ألبوم كامل ،والذي حيتوي على ٍ
أغان كانت
موجودة مللء الفراغ.
- 21 -
خلق هذا مشكلة كبرية لصناعة التسجيالت .ذهبوا مذعورين .لقد دمر منوذج
أعماهلم بشكل أساسي حيث كانوا القوى الوحيدة اليت تسوق هذه املوسيقى
وتوزعها وتبيعها .استند هذا النموذج إل قدرهتم على السيطرة على تدفق
األموال ،وإغواء الفنانني بقبول دورهم كقطاع اتبع للصناعة ،ليتم إمهاهلم عندما
خيمد محاسهم .حاول مديرو التسجيالت ايئسني كبح هذه التغيريات ،ولكن
مبجرد خروج اجلين من القمقم كان األوان قد ول .من كان سيعود إل الطريقة
القدمية لشراء املوسيقى؟ لقد حتطمت هالة سلطتهم وقوهتم .ميكننا رسم نفس
املسار لوسائل اإلعالم الرئيسية.
من املثري لالهتمام أن نالحظ أن هذا االحنالل الكبري ملراكز القوة هذه قد سبقه
تركيز مكثف لقوهتا .يكاد يكون هذا قانوان فيزايئيا رأيناه من قبل يف التاريخ،
لكنه موضوع أخر .أقارن هذه التغيريات اليت كان الويب ينتجها يف اجملتمع يف
أواخر التسعينيات وما بعده مبوجة صغرية كانت تتشكل بعيدا يف احمليط،
واكتسبت حجما وقوة ببطء مع انتشارها.
رابعا:
يف نفس الوقت الذي كانت فيه هذه املوجة تبين شيئا آخر ،كان هناك شيء
غريب نوعا ما .لقد مرران بفقاعتني اقتصاديتني يف فرتة زمنية قصرية .حتدث
- 22 -
الفقاعات االقتصادية بشكل عام لسببني .أوال ،فاألمر الذي يركز عليه معظم
الناس هو أن الشركات بشكل عام مليئة ابلنقود ولديها أموال لتحرقها .إهنم
يبحثون عن شيء جديد لالستثمار فيه ،مصدر جديد لرأس املال الفائق .إنه
شعور يف اهلواء -ميكن جين مبالغ طائلة بطريقة جديدة .املنافسة حتتدم .شخص
ما يضرب على شيء يعد ابملال السريع وحيقق عائدا كبريا وزمخا مكسواب .الربح
الذي يتم إنتاجه ليس له عالقة ابلقوى االقتصادية احلقيقية ،بل يتعلق بعلم النفس
البشري -اجلشع ،وعدوى العواطف واحليوية اليت أتت من شيء سريع وسهل.
يتم ضخ األموال يف أشياء ليس هلا قيمة حقيقية بصرف النظر عما يتخيله الناس،
مبجرد دخول قوى اقتصادية حقيقية يف اللعب تنفجر الفقاعة وتنهار كلها.
هناك جانب آخر من الفقاعات وهو ما ال تتم مناقشته بشكل عام ،وهو أهنا
متيل إل التكوين املسبق أو حتدث يف فرتات االنتقال .يشعر الناس أن شيئا ما
حيدث ،حيدث حتول كبري يف كيفية إجناز األعمال .هم أكثر عرضة لالعتقاد أبن
مجيع القواعد القدمية لالستثمار وبناء القيمة شيء من املاضي وأن كل شيء يسري
على ما يرام .يف مثل هذه الفرتات االنتقالية يكون الناس أكثر عرضة بكثري لعلم
نفس الفقاعة والوفرة اليت تولدها.
مرران يف احلقيقة بفقاعتني ،واحدة خلفت األخرى يف غضون بضع سنوات قصرية،
هي عالمة ال ميكن إنكارها لشيء ما يتحرك من األسفل -عالمة على التغيري
وعدم االستقرار الشامل .كانت الفقاعة األول يف أسهم شركات التكنولوجيا وكان
أتثريها خفيفا نسبيا .لكن الفقاعة الثانية (يف التمويل واإلسكان) انفجرت يف
وقت اكت سبت فيه املوجة اليت كانت تتشكل منذ التسعينيات زمخا كافيا يف
- 23 -
النهاية .هااتن القواتن -التغريات االجتماعية العميقة والفقاعة االقتصادية -
تقاربتا يف حلظة من الزمن خللق نوع من التسوانمي .النظام القدمي الذي كان
يتشبث ابلسلطة ويقاوم ما كان حيرك من أسفل قد ُجرف أخريا يف دورة الرأمسالية
املعروفة ابسم التدمري اخلالق.
نظرا ألن هذا التسوانمي بدأ اآلن يف االحنسار ،فإن ما نراه يف أعقابه هو منظر
ً
طبيعي متغري يبدو للوهلة األول وكأنه دمار شامل .الشركات اليت كانت تعتمد
على أوقات االزدهار واليت خلقت منتجات ليس هلا اتصال عميق ابملستهلكني
وحتتاج إل الكثري من التسويق لبيعها ،ت القضاء عليها من قبل التسوانمي ،ولن
تعود أبدا .الشركات الكبرية اليت استخدمت حجمها كرافعة هائلة يف السوق جتد
صعوبة يف التكيف؛ إهنم يعتمدون على حجم كتلتهم .إهنا مثل الديناصورات -
كبرية ومثقلة ،ستستمر يف إحداث ضوضاء لكنها حمكوم عليها ابالختفاء يف
غضون عقد أو عقدين .ومع ذلك ،فإن الشركات األخرى اليت توقعت التحول
اهلائل اجلاري وهيكلت أعماهلا وفقا لذلك ،فهي ليست على استعداد للنجاة
من كارثة تسوانمي فحسب ،بل سوف تكون مزدهرة .أان أشري إل شركة مثل
، Googleواليت سأحتدث عنها الحقا ،ولكن هناك أمثلة أخرى .أخريا،
واألهم م ع كل الدمار الذي حيدث هناك مساحة للشركات اجلديدة قابلة
للظهور ،بناء على منوذج يناسب العصر .ميكن اآلن أن تتفتح ألف زهرة.
- 24 -
خامسا:
أعلم أن هذه ليست الطريقة املعتادة اليت يناقش هبا الناس ما حيدث حاليا يف
العامل .بدال من ذلك ،نسمع الكثري عن الصناعة املصرفية والفساد داخلها،
وفريستها للمستهلكني العاجزين؛ تقنية التداول اجلديدة اليت جتعل من الصعب
التفكري والعمل على املدى الطويل؛ تواطؤ احلكومة يف هذا املخطط وغياب
التنظيم مرارا وتكرارا .كل هذه العوامل حقيقية .حتتوي على عناصر من احلقيقة.
لكنها ليست مصدر االضطراب األساسي .احلقيقة أن ما حيدث يف األسفل ،هو
أننا نشهد حاليا تغيريا عميقا مثل أي تغيري يف التاريخ.
بعد الثورة الصناعية يف القرن التاسع عشر وثورة اإلنتاج الضخم يف القرن
العشرين ،مع تركيزها على التقييس والتسويق ،نكون اآلن قد دخلنا عصر
املعلومات .وهذا يعين تسطيح هياكل السلطة ،واملزيد من امليوعة والفوضى،
وتسريع وترية االبتكار .هذا ميثل تغيريا جوهراي لسنا مستعدين له .عندما نواجه
مواقف جديدة ،فإننا منيل إل الرد إبحدى الطرق العديدة .حناول أن ننكر الواقع.
ونتمسك بقوة ابملاضي وكيفية إجناز األمور .نفسر األحداث وفقا للطريقة اليت
نريد رؤيتها هبا .أو نفعل العكس -نستسلم لكل الفوضى واالرتباك معتقدين
أنه ميكن التخلص من مجيع القواعد القدمية وأن كل شيء يسري وفق املراد .حناول
هذا وحناول ذاك ،بدون الكثري من التفكري أو احلساب .كال االستجابتني تفاعلي
وعاطفي .إهنا ال متثل حماولة للتصاحل مع التغيريات اجلارية والعمل على استغالهلا
بطريقة عقالنية.
- 25 -
اكتساب القوة ،يعين أن هناك طريقة واحدة لتوجيه أنفسنا يف مثل هذه األوقات
املضطربة -من خالل تبين طريقة تفكري خمتلفة ،ما أفضل أن أطلق عليه
"اإلسرتاتيجية يف العمق" .أان أفرق هذا عن الفكرة العادية لالسرتاتيجية ،واليت
غالب ما يتم اخللط بينها وبني جمرد التخطيط والتفكري يف املستقبل .اإلسرتاتيجية
ً
املتعمقة هي نظام عقلي قد يستغرق اكتسابه سنوات .إلعطائك فكرة عما أعنيه
هبذا ،أود استخدام االستعارة التالية :العمل ،أو احلياة ،هي نوع من ساحة املعركة.
على األرض ختوض املعارك اليومية جلعل عملك تنافسيا ،وللحفاظ على تقدم
جيشك ميكن أن يكون مربكا .يف بعض األحيان يتصرف من هم جبانبك مثل
األعداء أو العوائق كدخان كثيف مع وحتوالت مفاجئة يف املعركة .على األرض
ال متلك منظورا حقيقيا ملا جيري ابلفعل .أنت تتفاعل ابستمرار مع هذا أو ذاك.
إذا كنت ذا مقدرة على الوقوف على السلم رافعا منظورك مبقدار عشرة أقدام
سوف تستخلص فكرة خمتلفة عما حيدث .سوف ترى بعض أمناط القتال .كنت
تعتقد أنك تتقدم ،ولكن احلقيقة أنك ترتاجع .هناك املزيد مما كنت تتخيله .إذا
كنت قادرا على االرتفاع بطريقة ما إل مائة قدم ،فإن ما رأيته على ارتفاع عشرة
أقدام سيثبت لك أنه جمرد وهم .ستدرك أن املعارك اليت ختوضها اليوم ال تستحق
قتاال ،ألن هناك شيئا مهوال يتشكل يف األفق .سيكون إحساسك بنمط املعركة
اآلن دقيقا أكثر من ذي قبل ،وستكون اسرتاتيجياتك عقالنية فعّالة .إذا متكنت
بطريقة ما من رفع منظورك إل قمة جبل ،فإنك حاصل على وضوح اآلهلة على
- 26 -
جبل أوليمبوس ِّ
مكوان رؤية بعيدة وواسعة .ما رأيته على ارتفاع مائة قدم سيثبت
أنه غري دقيق إل حد ما.
األشخاص الذين بقوا على األرض يعملون فيما أمسيه اجلحيم التكتيكي .إهنم
يتفاعلون ابستمرار مع ما جيلبه اآلخرون وهذا خيلق نوعا من أتثري املوجة الثابتة
-كل ارتداد لفعل /رد فعل يبقيك حمبوسا يف هذا الوضع ،وتؤثر عواطفك
ابستمرار على هذا إقباال وإدابرا .قد تعتقد أنك عقالن ،ولعمري إنك بعيد عن
ذلك .املنظر من عشرة أقدام أفضل ،لكنه ال يزال جهنميا حلد ما .ميكنك أن
ختدع نفسك أبن لديك منظورا سليما ،عندما ترى قطعة صغرية من اللغز ببساطة.
كلما صعدت كلما دخلت جمال اإلسرتاتيجية ،األمر الذي يتطلب عمقا يف
التفكري ومنظورا سليما ابلفعل.
من الصعب جدا أن ترفع مستوى منظورك يف األوقات العادية -فمن غري
الطبيعي أال يتفا عل احليوان البشري وال ينشغل ابللحظة .يف أوقات االرتباك
والتغيري تصبح هذه العملية صعبة .أضف إل ذلك االحنرافات املذهلة اليت
أدخلتها التكنولوجيا اجلديدة يف حياتنا ،فأصبحت شبه مستحيلة .يف مثل هذه
الظروف ،منيل إل أخذ أجزاء من املعلومات من وسائل اإلعالم ،واليت تغمران
بكل أنواع اللقطات اللحظية ،وترقيها إل نوع من االجتاه املقصود ،ث نعطي هذه
القطع وزان غري متناسب ونعمل عليها دون إحساس ابالجتاه احلقيقي .مييل هذا
االرتباك إل إدامة نفسه حيث أن املزيد من الناس حماصرون يف هذا اجلحيم
- 27 -
التكتيكي .لكي تكون اسرتاتيجيًا بعمق يف هذا العصر جيب أن تعمل على
اكتساب العديد من املهارات .األول واألساسية هي القدرة على التحكم يف
مشاعرك اليت متيل إل التعتيم على إحساسك ابحلكم .ما يهم ليس غرورك أو
الظهور بشكل صحيح ،ما يهم هو الفوز.
جيب أن تكون واقعيا لكي تفوز ،وأن ترى األشياء كما هي .من قاعدة التوازن
الداخلي هذه تدرس التاريخ بدروسه العديدة ،وتنغمس يف احلاضر واالجتاهات
املتشكلة .أنت ال تشمل يف اعتبارك املعركة اليت أمامك ،ولكن احلرب الكبى ،
إهنا العوامل الثقافية واالجتماعية -كل شيء .أنت تفهم ما حيدث ،بدءا من
ٍ
عندئذ اللحظة التارخيية اليت نعيشها .مبجرد أن تصل إل االرتفاع املناسب ،ميكنك
اختاذ قرارات عقالنية -التحرك جبرأة مدروسة أو االنتظار حت حتني ساعتك .يف
أوقات التغيري العظيم قد يبدو أنه ال توجد أمناط ميكن متييزها يف الوقت احلاضر
وال شيء ميكن تعلمه من التاريخ .األحداث غري مسبوقة .لكن هذا وهم خرج
من رحم حريتنا .كانت هناك فرتات أخرى يف التاريخ من التغيري واالضطراب
املقارن.
سوف نرى أمناطا معينة أثناء النظر بعمق -ملاذا يستسلم معظم الناس للفوضى
بينما يتمكن القليل منهم من الصعود إل القمة؟ .أولئك الذين ينجحون بشكل
عام يتبعون نفس املسار البسيط ويلتزمون ببعض املبادئ اإلسرتاتيجية األساسية
ذات الصلة بشكل خاص ابألزمنة الثورية .إلعطائك فكرة عما أحتدث عنه ،أريد
- 28 -
أن آخذك داخل عقل الرجل الذي أعتبه أعظم اسرتاتيجي عاش على اإلطالق
-انبليون بوانبرت.
سادسا:
عُِّني قائدا عاما للجيش الفرنسي نتيجة جناحه .بعد احلملة اإليطالية روض انبليون
أفكاره .نظر أن هناك طريقة أفضل لشن احلرب .كان حباجة إل نوع جديد من
- 29 -
اجليوش أو املبدأ التنظيمي .بدأ انبليون بتحليل الطريقة اليت شن هبا أعداؤه
احلرب ومنوذجهم التنظيمي .سيكون للجنرال العادي حتت إمرته جيش حبجم
وتشكيل معني بشكل أساسي .وليجعل هذا اجليش أكثر قدرة على احلركة ،ميكن
للجنرال أن يقسمه إل جمموعات ،لكن ما قد يكتسبه من املرونة سيفقده
السيطرة .كيف ميكن جلنرال أن يواصل إدارة املعركة ومراقبتها إذا كان جيشه
منقسما ومشتتا؟ وهذا من شأنه أيضا أن ينتهك املبدأ العسكري الرئيسي املتمثل
يف إبقاء قوات املرء مركزة .كانت السيطرة يف ذلك الوقت أكثر أمهية من التنقل،
لذلك كان حيافظ على متاسك هذا اجليش.
سيبقى اجلنرال يف مؤخرة القوات املتقدمة ويقود املعركة من هذا املوقع اآلمن.
أولئك الذين يف املقدمة ،الكشافة والطليعة ،قد يرون شيئًا غري متوقع مع اقرتاب
العدو ،ولكن قبل أن يتمكنوا من جعل اجليش يتكيف مع هذه التغيريات ،سيتعني
عليهم مترير رسائل إل اجلنرال يف اخللف ،الذي سينقل رده بعد ذلك يف املقدمة،
كل ذلك يستغرق الكثري من الوقت .ابإلضافة إل ذلك ،كان البد من إطعام
هذه القوة اهلائلة ،وهلذا الغرض سرتافق العرابت الكبرية -بقيادة اخليول والثريان
– هذا اجليش ،مما يؤدي إل إبطائه .يف أوقات سوء األحوال اجلوية واليت كانت
متكررة تتوقف عرابت اإلمداد بشكل كامل .وبسبب كل هذا تقدمت اجليوش
بشمل بطيء ،ومييل كال اجلانبني إل السري إل نقطة حيث يلتقيان يف املعركة.
مبجرد الوصول إل هناك فرمبا تكون لبعض املناورات الذكية والقوة النارية املتفوقة
أن تقرر لب املشكلة.
- 30 -
كان هذا الشكل من احلرب خطيا متاما وميكن التنبؤ به .على الرغم من أن
اجليوش يف مطلع القرن التاسع عشر قد تبدو حديثة ،مع أحدث البنادق
واملدفعية ،كانت تقاتل وفق منوذج قدمي .كانت هذه هي الطريقة اليت خاضت هبا
احلروب منذ اإلسكندر األكب .لقد كان اخلوف هو أن اجلنراالت التزموا هبذا
النظام الصارم .احلرب فوضوية بطبيعتها وهذا النظام يوفر أقصى قدر من
السيطرة.
قارن انبليون هؤالء اجلنراالت مرة مباري أنطوانيت .ما قصده هو ما يلي :لقد
عاشت امللكة فرتة اضطراب غري معقول يف فرنسا -جماعة ،واستياء واسع النطاق
بني الفالحني والبجوازية ،ونشر أفكار خطرية يف الصحافة ،إخل .للتعامل مع كل
هذا استخدمت ماري أنطوانيت إسرتاتيجية :لقد زادت املسافة بينها وبني الشعب
الفرنسي للتحكم يف ما رأته ومسعته .ختيلت أن االضطراب كان يف احلقيقة سطحيا
إل حد ما .بعد كل شيء مرت امللكية الفرنسية ابلكثري وهذا سيمر أيضا .ال
ميكن حتدي هيبتها وسلطتها .ملاذا تفقد رأسك بسبب هذه التقلبات اللحظية؟
ولذلك متسكت هبذه املعتقدات حت النهاية املريرة.
هؤالء اجلنراالت عملوا بطريقة مماثلة .نظروا إل املاضي بدال من فحص احلاضر.
لقد زادوا من بعدهم عن اجلندي العادي واحلقائق املتغرية للحرب .متسكوا ابملبدأ
التنظيمي القدمي كما لو كان سحراي .مثل هذا اإلميان يف هناية املطاف ببنيته أو
منوذج قوته اخلالدة هو شكل من أشكال التفكري السحري -نظام إميانك بتخطي
الواقع .كان انبليون خمتلفا عن هؤالء القادة .كان أصغر بكثري .لقد نشأ مع الثورة
- 31 -
-حيث نشأ من قاع اجليش ،الذي ت تشكيله إل نوع من جيش املواطنني .كان
مدركا للتغريات العظيمة يف العامل -االجتماعية والسياسية والتكنولوجية .كان
يدرك أن هذا غري سيكولوجية احلرب -كان اجليش الفرنسي يقاتل من أجل
الثورة ،من أجل فكرة .لقد كانت ثقافة وديناميكية اجتماعية جديدة.
كان على احلرب أن تلحق هبذه التغيرياتت ،كان جيب أن يصبح سريعا وسلسا،
ليتناسب مع العصر .من الناحية العسكرية ،السرعة هي مضاعف القوة .إنه
جيلب الزخم واملفاجأة إل ساحة املعركة ،-ميكن أن يصل قوة جيش قوامه
25000فرد إل .100000من أجل احلصول على مثل هذه القوة كان على
انبليون إعادة بناء جيشه من األلف إل الياء .ويف هذه املرحلة ،حقق انبليون
أحد أعظم االكتشافات يف اتريخ احلرب -أال وهو أن اهليكل هو اإلسرتاتيجية.
إن هيكل جمموعتك ،جيشك ،هو ما مينحها السرعة والقدرة على احلركة ،وخيلق
هلجتها وإيقاعها وطريقة عملها .إذا قمت ببنائها بطريقة كثيفة وبريوقراطية،
فسيكون لديك جيش بطيء ومثقل ،بغض النظر عما حتاول جعله يفعله.
عليك أن تكون على استعداد لقبول درجة من الفوضى .جيب عليك أن تنسى.
السيولة اليت تكتسبها ستعوض أكثر من أي فقدان مؤقت للتحكم .بعد الكثري
من التحليل قرر انبليون ما يلي :سيقسم جيشه إل فرق صغرى ،يرتاوح حجمها
من 20.000إل .80.000كل من هذه الفرق سيقودها مشري ميدان ،سيتم
غرسه يف فلسفة انبليون للحرب وما يريده يف محلة معينة ،ولكنه يسمح هلؤالء
- 32 -
احلراس ابختاذ قراراهتم اخلاصة بناء على ما يرونه يف ساحة املعركة .كانوا يقاتلون
يف مقدمة الصفوف بدال من القتال أبمان يف اخللف ،حت يتمكنوا من الرد يف
الوقت الفعلي.
سيتم تكرار هذا على طول الطريق .ميكن للمالزمني والرقباء اختاذ قرارات
لوحداهتم بناء على ما يروه ،طاملا أنه يتناسب مع املهمة العامة للقسم .لقد فهم
انبليون جيدا النظام االجتماعي اجلديد وما الذي يدفع اجلندي العادي .متتع
ابحلرية من داخل هيكل اجليش وهي فرصة إلثبات نفسه ويظهر املبادرة .سيبين
انبليون يف هيكل هذا اجليش فرصة ألقل جندي لريتقي إل القمة ،بناء على
اجلدارة والشجاعة ،وهو مفهوم جديد يف ذلك الوقت .عالوة على ذلك،
سيقاتلون مجيعا من أجل فكرة -لنشر الثورة يف بقية أورواب.
أضاف انبليون أحد التفاصيل الفنية الصغرية اليت كشفت عن طريقة تفكريه:
سيحمل جنوده إمداداهتم يف حقائب ظهر مصممة ،وكل فرد مسؤول عن احلفاظ
على إمداداته يف حالة حسنة .كانت هذه مكوانت اجليش اجلديد -وحدات
أصغر وأكثر قدرة على احلركة .ال توجد عرابت إمداد إلبطائها ،القرارات املهمة
اليت ميكن أن يتخذها القادة يف الوقت احلال .جنود كانوا أكثر محاسا واخنراطا
يف النضال.
- 33 -
كانت القوة أسرع بكثري ،وأكثر مرونة من أي جيش آخر يف أورواب .ابستخدام
مثل هذا السالح استطاع أن يطور انبليون إسرتاتيجية جديدة ،ما يُعرف ابسم
حرب املناورة .بدالً من تقدم قواته على طول خط واحد ،ميكنه رمي فرقه اخلمسة
أو العشرة على العدو يف أمناط متفرقة ،وقرروا التقدم اعتمادا على رد فعل العدو.
ايتعاد هبذه الطريقة زمام املبادرة .ميكنه التكيف بشكل أسرع من العدو وتدمري
قوة إرادته فيكون من املستحيل توقع مناوراته .كما ميكنك أن تتخيل ،مع مثل
هذا اجليش سيطر انبليون على املشهد ملدة عشر سنوات بطريقة مل تفعلها أي
قوة عسكرية أخرى يف التاريخ .لكن هناك فصل اثن هلذه القصة .خالل السنوات
العشر القادمة ،من 1806إل ، 1816نرى تراجعا مطردا يف قواه .بدأ يعتقد
أن جناحه أيت من شخصيته السحرية وعبقريته ،على عكس االسرتاتيجيات اليت
اخرتعها .لقد خلق أرستقراطيته اخلاصة وأنى بنفسه عن املثل الثورية .يبدأ يف
التباطؤ مع تقدمه يف العمر ،وخيوض احلروب ابلطريقة اليت حارب هبا أعداؤه.
يؤمن بسحق العدو ابحلجم والقوة النارية بدال من القدرة على احلركة.
كل هذا أدى إل محلته املأساوية يف روسيا عام 1812وهزميته األخرية يف واترلو
يف عام .1816ويف جوهره حتول إل نوع من ماري أنطوانيت نفسها ،متمسكا
ابلسلطة اليت كان يتمتع هبا ،مؤمنا بسحر سلطته و تزايد غطرسته .هذا هو النمط
والدرس الذي ميكننا تعلمه من أي فرتة ثورية يف التاريخ :إما أن تكون ماري
أنطوانيت أو انبليون بوانبرت .متيل روح أو أخرى إل السيطرة على عملية صنع
القرار لديك .إذا كنت ماري أنطوانيت ،ميكنك إقناع نفسك أنه ال شيء يتغري
يف العامل .أنت هتتم ابحلاضر ابملتع يف متناول يدك .أنت تثق يف القوة واالمتيازات
- 34 -
اليت حصلت عليها يف املاضي .أخب نفسك أن كل هذا سيستمر .يف ميكنك
احلفاظ على مسافة بينك وبني األحداث من حولك أساسا .أنت تعيش يف
فقاعتك.
األوقات الصعبة أو الشدائد تقوي هذه الفقاعة .إذا كنت من انبليون بوانبرت،
فأنت تتحرك يف االجتاه املعاكس -حنو التغيري القادم من أسفل إل أعلى ،حنو
الواقع .تريد املزيد من التواصل مع العامل ،بغض النظر عن مدى الفوضى
والصعوبة اليت قد حتدث ،ألن القوة تكمن يف التحرك يف هذا االجتاه واستغالل
اللحظة.
فيما يلي أهم مبدأين اسرتاتيجيني جيب االلتزام هبما يف أوقات التغيري:
أوال ،السرعة هي اجلوهر .جيب أن تكون قادرا على التكيف بسرعة مع
األحداث .للقيام بذلك ،جيب أن تنظم جمموعتك لتسمح مبثل هذه السيولة.
هذا يعين إنشاء هيكل أكثر مرونة ويرتك جماال للمبادرة من الداخل .لن تعين
اسرتاتيجياتك الرائعة شيئا يف مثل هذه األوقات إذا كانت مؤسستك بريوقراطية
وهرمية.
اثنيا ،جيب أن توحد هذه اجملموعة حول فكرة ،أو سبب القتال أو التقدم ،مبا
يتجاوز املال .أنت تنشئ ثقافة تسخر فيها إبداع وطاقة جنودك .ميوت القدمي
أخريا ويرتك مساحة لشيء شاب وجديد .إنك تركب هذا املد ،هذا املوت
- 35 -
التارخيي الذي جيتاح العامل .ابالقرتان مع هذه املبادئ ،جيب أن تكون متيقظا
ابستمرار ألن أي نوع من النجاح لن حيولك ببطء إل ماري أنطوانيت.
اثمنا:
بينما كنت أكتب عن انبليون بوانبرت يف كتاب " ٣٣اسرتاتيجية للحرب" ،يف
عامي 2003و ، 2004أصبحت مفتوان بشركة بدت وكأهنا جتسد -بطريقة
غريبة -منوذج انبليون الذي أوجزته للتو .كانت تلك شركة جوجل .بدأت دراسة
غري رمسية -مجعت أكب قدر ممكن من املواد واالتصاالت داخل الشركة .وكلما
تعمقت يف هذا املوضوع ،رأيت املزيد من الروابط -مما يؤكد فكرت أن هناك
منطا لفرتات التغيري والثورة .ما يلي هو جوهر حتليلي :مثل انبليون ،جاء مؤسسا
، Googleسريجي برين والري بيدج ،من خلفية خمتلفة جذراي عن املدير
التنفيذي العادي .كانوا علماء يف جامعة ستانفورد ،جماهلم هو اإلحصاء
واالحتماالت .عند أتسيس Googleيف أواخر التسعينيات ،استنادا إل
ابتكاراهتم يف جمال حمركات البحث ،توصلوا إل عدة استنتاجات مهمة :اإلنرتنت
سوف يغري بيئة األعمال بشكل جذري .سيدخل العامل حقبة جديدة -عصر
املعلومات .لقد أرادوا أن تعكس شركتهم هذه التغيريات والوفاة التارخيية اليت
حتدثت عنها .لقد احتاجوا إل إنشاء منوذج أعماهلم وتنظيمها.
ولذا فقد درسوا بعمق كيف تعمل الشركات األخرى ،ال سيما يف جمال
التكنولوجيا ،ملعرفة ما إذا كانت هناك دروس ميكن تعلمها .معظم هذه الشركات،
م ثل مايكروسوفت ،لديها طبقات مكثفة من البريوقراطية .سيكون لديهم فريق
- 36 -
عمل ضخم من مهندسي البجميات البتكار منتجات جديدة .ولكن قبل إطالق
مثل هذه املنتجات ،كان ال بد من دجمها مع كل شيء آخر ،وجيب أن تكون
أقرب ما تكون إل الكمال قدر اإلمكان .مبجرد أن يصبح املنتج جاهزا ،ستبدأ
فرق املبيعات والتسويق على نطاق واسع يف العمل ،مع التأكد من إشباعهم
للجمهور .إذا كانت هذه الشركات تنشئ أي نوع من احملتوى ،فإن هناك طاقم
حترير .للحفاظ على كل هذا بسالسة ،كان جيب أن يكون لديهم فريق إدارة كبري.
قد يستغرق طرح أي منتج جديد عدة سنوات ،ألن هذه املاكينة كانت بطيئة
ومثقلة .كان ال بد من إشراك مجيع اإلدارات وطبقات البريوقراطية املختلفة يف
العملية .حبلول الوقت الذي ت فيه طرح املنتج ،كان املنافسون قد ظهروا ابلفعل،
ولكن بعد فوات األوان للتكيف مع ما كان متطورا .أدى احلجم اهلائل للشركة
إل صعوبة احلفاظ على عالقات وثيقة مع اجلمهور؛ من األفضل صنع منتجات
مثالية وبيعها بصعوبة بدال من الرد على التعليقات العامة .كان كل شيء موجها
حنو اهليمنة على السوق -ابستخدام موارد هائلة وقوة للحفاظ على ذلك.
كل هذه البريوقراطية خلقت قواعد قوة صغرية من داخل الشركة ،مما أدى إل
زايدة األلعاب السياسية اليت يتم لعبها وزايدة البطء .سيطرت شركة مثل IBM
على جمال الكمبيوتر ،لكنها خسرت يف الثمانينيات ،ويرجع ذلك يف الغالب إل
عدم إمياهنا ابلكمبيوتر الشخصي .كان هناك البعض من داخل الشركة الذين
فكروا بشكل خمتلف ،لكنهم مل يتمكنوا من إيصال أصواهتم أو التأثري على الثقافة
الراسخة .كانت مجيع املوارد اليت كانت متتلكها شركة IBMغري جمدية يف
مواجهة مثل هذه الصالبة -مما يثبت أن اهليكل واالسرتاتيجية واألفكار أهم من
- 37 -
املال والتكنولوجيا( .يف احلرب ،سيكون املثال املماثل هو احلرب اخلاطفة لعام
: 1941كان لدى الفرنسيني معدات وتكنولوجيا متفوقة لكن أفكارهم حول
كيفية استخدامها كانت ابلية واهنارت يف مواجهة اسرتاتيجية متفوقة).
- 38 -
تطوير عالقات وثيقة مع قاعدة عمالئهم وجعل الناس يشعرون أبهنم يشاركون
يف العملية.
نتيجة لكل هذا ،ستحتاج الشركة إل عدد أقل بكثري من املديرين للحفاظ على
تشغيل .Googleسيكون املوظفون ُمدارين ذاتيا .هذه اخلفة الرائعة لـ
Googleهي اليت مسحت هلم ابلتحرك والتكيف والتوسع مبثل هذا املعدل
السريع .إنه أساس قوهتم ،كما كان ابلنسبة لنابليون .جتاهل هذه احلقيقة البسيطة
يعين جتاهل مبدأ أساسي لالسرتاتيجية .ابإلضافة إل ذلك ،ابتكرت Google
ثقافة خمتلفة ،لتعكس الوفاة التارخيية اليت ذكرهتا يف البداية .ت تقسيم الشركة إل
وحدات صغرية ميكن إدارهتا ذاتيا .لقد أنشأوا قاعدة :٪20جيب على مجيع
املوظفني تكريس ٪20من وقتهم إلنشاء شيء خاص هبم -مشروع حيوان
أليف ،فكرة مبتكرة ميكن أن تنسجم الحقا مع Googleأو إذا مل تكن
كذلك ،ميكن نقلها إل مكان آخر .تقوم فرق صغرية من األقران بشكل دوري
مبراجعة هذه املشاريع وانتقادها .أصبح من املمكن االرتقاء بسرعة داخل الشركة
وحتقيق ثروة.
متحورت الثقافة حول فكرة أن Googleكانت رأس حربة الثورة :كانت هذه
الشركة اليت كانت ستمنح العامل إمكانية الوصول إل املعلومات واألخبار وكل ما
حيدث يف العامل ،وفتح األشياء والسماح للناس ابلقيام ما أرادوا .خلق هذا
اإلحساس بكونك جزءا من قضية قوة عاملة شديدة التحفيز ال حتتاج إل مراقبة
من قبل فرق من املديرين .درجة من الفوضى مسموح هبا بل يتم تشجيعها .مع
- 39 -
وجود مثل هذه املنظمة ،ميكن لـ Googleممارسة نوع من حرب املناورة .تركز
معظم الشركات على السيطرة على موقع معني يف السوق ،مثل اجليوش اليت
سارعت ملواجهة العدو يف نقطة حمددة .هذا أسلوب حرب وأعمال قدمي -خطي
وميكن التنبؤ به .يف البيئة اجلديدة ما يهم هو وضع شركتك يف وضع ميكنها فيه
التكيف بسرعة مع أحدث االجتاهات واحلصول على موطئ قدم هناك قبل
اآلخرين .للقيام بذلك عليك أن تبين من أجله.
كشركة تركز بشكل أساسي على وجود حمرك حبث كمركز هلا ،ميكن أن تنتقل
Googleبسرعة إل مناطق أخرى Gmail -أو أخبار ،Google
وآخرون -كل ذلك هبدف إنشاء نوع من نظام التشغيل لإلنرتنت .إذا ظهر اجتاه
جديد يف األفق ،فهم مستعدون لالنقضاض عليه واستغالله .على سبيل املثال،
رأوا إمكاانت كبرية ملوقع ،YouTubeوحاولوا إنتاج نسختهم اخلاصة منه
وعندما فشل ذلك ،قاموا بشراء .YouTubeهذا النوع من السيولة اندر
يف األعمال وقوي بشكل مدمر .على عكس النماذج السابقة ،ال خترتع
Googleشيئا تعتقد أنه ذكي ث تكتشف كيفية تسويقه للجماهري ،بكل
الوقت واملال الذي يتطلبه .إهنم يعملون على ما هو موجود ابلفعل -الطلب
امللموس .على عكس املمارسات التجارية التقليدية كما تطورت يف عصر
االستهالك الشامل ،فإن املثل األعلى لديهم هو خلق مسافة أقل بينهم وبني
عمالئهم .أركز على Googleألهنم ابلنسبة ل اإلصدار األكثر تطرفا من
منوذج األعمال اجلديد الذي جنح على نطاق واسع.
- 40 -
ميكنين أيضا جلب شركات أخرى قامت ابلتجربة وحققت جناحا .قامت شركة
مثل ،Zaraاليت تكيفت بباعة مع البيئة اجلديدة ،ببناء منوذجها على السرعة
اليت ميكن أن تنتج هبا العناصر اليت تستجيب ألحدث االجتاهات ،مما مينح
املستهلكني خيارات أوسع بكثري .ت تنظيم الشركة بطريقة فضفاضة مماثلة جلوجل.
هناك العديد من األمثلة األخرى على املقاييس األصغر يف مجيع أحناء العامل .مع
احنسار تسوانمي االهنيار العاملي ،فإن هذه هي الشركات اليت تستعد لتول
املسؤولية .ال أقصد اإلحياء أبن Googleمعصومة من اخلطأ ونرى ابلفعل
عالمات على حدودها .مثل انبليون ،ميكن أن يتحولوا ببطء إل عدو ،إل
إصدار أكثر قابلية للحركة من .Microsoftكان هذا لإلشارة إل االنطالق
اجلذرية اليت قاموا هبا يف اهليكل األول للشركة والقوة اليت جلبتهم .إذا كانوا
أذكياء ،فيمكنهم السيطرة على املشهد لسنوات قادمة ،لكن ال شيء مؤكد.
هذه إذن هي النقطة اليت وصلنا إليها .ما يتغري يف العامل ليس التكنولوجيا ،أو
عوملة رأس املال ،بل العالقات بني الناس -العالقات اليت كانت ذات يوم هرمية
وقائمة على قوة السلطة .ت تسوية هذا بشكل جذري .ما يهم اآلن هو الروابط
بني الناس والشبكات اليت ميكن تشكيلها وتدفق املعلومات دون عوائق .أي نوع
من عرقلة هذا التدفق سوف يُنظر إليه على أنه شيء من املاضي ،شخص ما أو
جمموعة ما حتاول وقف مسار وفاة اترخيية .حنن يف خضم تيار معاكس .بينما
يتدفق اجلديد ،ال يزال تيار القدمي موجودا .نرى عالمات هذا التدهور يف كل
مكان .ابلنظر إل الشركات الكبرية من خالل محالهتا التسويقية الكبرية ،واليت
غالبا ما تكون مرتبطة ابملشاهري ،فإننا نرى الديناصورات تصدر الكثري من
- 41 -
الضوضاء قبل أن ختتفي .عالمات هذا النظام القدمي املتشبث ابلسلطة موجودة
يف كل مكان ،وسيكون مشهدا كبريا أن نراها تنقرض يف السنوات القادمة .بدون
استيعاب هذا املنظور األوسع ملا حيدث يف العامل ،قمة التغيري الذي بدأ منذ آالف
السنني ،ولكن تسارع بشكل كبري مع ظهور عصر املعلومات ،لن يكون ألي
شيء تفعله أي نوع من التأثري الدائم.
اثمنا:
يف اخلتام ،أود إخباركم عن حلم رأيته قبل شهرين -أعين ذلك احللم الذي تراهُ
أنت يف نومتك .حلمت بقدوم عام ،2070وأرى نفسي أسري يف الشوارع
املزدمحة يف بعض املدن .يظهر ل الناس سعداء بشكل غريب ،وكان لدي شعور
ابخلفة يف اهلواء ،كما لو أن شيئا ما قد تغري ابلفعل يف العامل ،واكتشفنا طريقة
أفضل للعيش.
كان األمر األكثر غرابة يف هذا احللم هو أنين يف خضم ذلك كنت أمجع تفكريي
أثناء العودة إل عام ،2010منذ زمن بعيد .خطر يف ابل لسبب ما أن تلك
اللحظة كانت مبثابة نقطة حتول .كان ذلك عندما بدأت األمور يف تصحيح
نفسها ،قلت ذلك يف نفسي ،لكن قلة من الناس رأوا ذلك أو فهموه .آه ،لو
كنا مدركني ما حيدث يف ذلك الوقت وإل أين تتجه األمور .كم هذا حمزن .يف
وسط هذا الفكر الغريب استيقظت .ظل احللم ومزاجه احلاد معي لبعض الوقت.
جعلين أفكر -من الواضح أن هذا هو احلال يف التاريخ .ال يقدر الناس أبدا
اللحظة اليت يعيشون فيها .ميكننا أن ننظر إل الوراء يف مجيع الفرتات املضطربة
- 42 -
واملثرية يف التاريخ جبو من احلنني إل املاضي ،لكنه جمرد وهم .أولئك يف تلك
اللحظة ليس لديهم مثل هذا املنظور وال مثل هذا التقدير .وماذا لو متكنا اآلن
من احلصول على هذا املنظور وندرك أننا نعيش إحدى اللحظات التحويلية
العظيمة وأن القدمي خيتفي أخريا؟ أتركك هبذه الفكرة.
- 43 -
فن األحاديث.
يعتمد املستقبل على أشكال جديدة من التواصل .ألن الطرق القدمية تتماوت
أو متوت ابلكلية .وألن الناس ذوو فرتات اهتمام قصرية ُمغرقة يف املعلومات
الصغرية .املستقبل الذي أحتدث عنه غري مباشر متاما ،وأدعو هاهنا إل اسرتاتيجية
واعية .لكل شيء عالمة ،وليس ما تقوله فحسب ،ولكن كيف تقول ذلك وكيف
تقود الناس إل استنتاجات وأفكار معينة تريدها؟ .إذا كان هذا املفهوم يراوغك
فعندئذ جيب عليك التوقف عن القراءة .إنه جوهر كل شيءٍ أو يرتكك جافا،
أكتب عنه .إنه مكيافيلي للقرن احلادي والعشرين.
املقابالت أحد األمثلة املبتذلة و الكاشفة .أعين هبذا :البامج احلوارية التلفزيونية
أو اإلذاعية ،واملقابالت الصحفية ،واملقابالت الوظيفية ،إخل .وبعبارة أخرى ،فأي
منتدى أو وسيط يكون لديه الوقت الكايف لتوجيه أسئلتهم حنو هدف
واسرتاتيجي.
أوال ،بدأان نفقد الثقة يف السلطة .لقد أصبحنا دميقراطيني مرتبطني أكثر مما
ينبغي .مراجعة سيئة واحدة ،أو مقال سليب ،أو شائعات مروعة ،ميكن أن تدمر
مسعة ومصداقية عمل أو شخص ما .أكثر من ذلك ،اإلنرتنت جعل املعلومات
متاحة بشكل أكب بكثري حبيث ال يتعني علينا االعتماد على كلمة الشركات أو
املؤسسات الكبى أو احلكومة نفسها :لدينا الكثري من سبل الوصول إل احلقائق.
- 44 -
اثنيا ،أصبح مدى انتباهنا أصغر بكثري .يشتتنا أي شيء يلمع .نتعرض للقصف
ابستمرار ،قصف ابلفيديوهات ،التعليقات ،املدوانت ،املشاركات ،وحتديثات
احلالة ،والصور وما إل ذلك ،واآلن مع هذه البياانت الضخمة ،ميكن للشركات
أن تعرف رغباتنا وتعطينا اخلياالت اليت حنلم هبا .وأخريا ،املشهد املهين والتجاري
يصبح أكثر قدرة على املنافسة .أنت لست منافسا للناس يف جمال عملك؛ بل
تتنافس معه األلوف املؤلفة من الرسائل.
معظم الناس يرفعوهنا إليك ،أو يلطخونك بكراهتم التكتيكية الصغرية اليت
صمموها ليستفزوك .يعتقدون أهنم اسرتاتيجيون من خالل حماولة السؤال عن نوع
التضارب احملتمل يف عملك أو اهتامك بشيء ما .هو تكتيك براءات االخرتاع
ورد الفعل .عندما يُشار إليك ابلبنان أنك حتاول االستفزاز بشيء ما يف أسئلتك،
فإنك جتعل الشخص اآلخر مدافعا ،وعلى أهبة االستعداد .عندما ينغلق الشخص
الذي تقابله ،فإنك ترى حوارا اثبتا .فن إجراء املقابالت يكمن يف تقليل
الدفاعات ،وأن جتعل الناس منفتحني ،وإذا كنت ذا حاجة إل اهلجوم ،اهلجوم
من االجتاه الذي ال ميكنهم توقعه ،فإنين أحيلك للفصل 30يف كتاب 33
اسرتاتيجية للحرب وإل سقراط حتدي دا ،فهو أعظم سيد يف هذا الفن .سيبدأ
ابلسماح للشخص اآلخر ابلتعبري عن رغباته ،ويبدو أنه يوافق على االعرتاف
بذكاء ما يقوله .ث يبدأ بطرح األسئلة اليت تبدو وكأهنا تتجنب املوضوع الرئيسي
يف حديثه ،لكنه يبدأ يف إدخال الثقوب يف حديثه ببطء .يف النهاية يدمر نقطتك
األ صلية ،لكنه جيعلها خترج من فمك .اي هلا من عبقرية اندرة .إذا أجريت حوارا
مع شخص ما ،على سبيل املثال حول حرب العراق ،دعنا نقول أن شخصا يف
- 45 -
البداية عنيف بشكل كبري ،سأبدأ ابسرتاتيجية .أود احلصول عليها منهم حنو
النقطة (د) .هذه النقطة هي االعرتاف أبهنا كانت اسرتاتيجية فاشلة من البداية،
مل يكن لديها فرصة حقيقية للنجاح و كان الدعم األول هلا كان خاطئا ببساطة.
هذا صعب ولكن تستحق اجلهد.
سوف أحتدث عن هذا بشكل غري مباشر دون اإلفصاح عن نواايي .أود أن
أطرح أسئلة ،مثل سقراط ،عليهم أن جييبوا عليها بطريقة أو أبخرى .اعتمادا على
املسار الذي سلكوه ،ميكنين أن أحجزهم ببطء يف تناقضاهتم .دعنا نقول أن
نقطتهم الرئيسية كانت أن صدام حسني كان هو هتلر ،وأن جلب الدميقراطية إل
الشرق األوسط يستحق اخلسارة املؤسفة يف األرواح ،إخل .ومن شأنه أن خيلق
االستقرار (الدميقراطيات ال تشجع الثورات ،كما يريدون أن يقولوا) ،وهذا
االستقرار سينتشر ،وابملناسبة ،هذا هو الشيء الصحيح أخالقيا لفعله .مل تكن
املشكلة يف احلرب ،ولكن يف طريقة شنها (كذا يقولون).
اجعلهم يعرتفون هبذا ،ويلتزمون مبوقف اثبت .ومن هناك تعمل يف طريقك .هل
تعتقد أن التاريخ مهم ،وأن األمثلة املاضية ميكن أن توجهنا يف الوقت احلاضر؟
إذا اعرتفوا بذلك ،فإنك تسأهلم (بطريقة ملتوية أكثر مما أفعله هنا ،هذا اختزال):
هل هناك أمثلة يف العامل من الدميقراطيات اليت أصبحت راسخة يف أماكن ليس
فيها مثل هذه التقاليد ،ولديها تقاليد على العكس؟ اجلواب هنا بوضوح ال .إذا
قالوا إن التاريخ ال يهم ،فقد جعلت من املستحيل عليهم الرجوع إليه أبي طريقة
ليدعموا حجتهم.
- 46 -
ميكنك بناء هذا أن تثبت بيقني .ستقودهم إل النقطتني Bو Cاليت تتضمن
انعدام السيطرة على أي جيش ذو تغريات يف الوضع .كيف ميكنك أتمني احلدود؟
كيف كنت ستتعامل مع إيران وسوراي بشكل خمتلف؟ طريقتك املختلفة لشن
هذه احلرب ستجلب املشاكل اجلديدة يف أعقاهبا ال حمالة .املزيد من القوات؟
فُعل ذلك العمل يف فيتنام أو أفغانستان من أجل الروس؟
لقد وصلين ب األمر لدرجة أنين عندما أمسع أي مقابلة على التلفزيون أو الراديو
درجة الصراخ والعويل .ال أحد يطرح األسئلة املهمة ،اليت ميكن أن تثري ثقواب يف
اجل دل .يتولد الكثري من الوقت الضائع .استمع اآلن وسوف تسمع التالية مرارا
وتكرارا" :حتدث معي عن االنتخاابت ،ماذا؟ لقد فعل الدميقراطيون الصواب".
حتدث معي عن هذا ،حتدث معي عن ذاك .ملاذا ال تطرح سؤاال يوجه الشخص
- 47 -
حنو شيء مضيء ومثري لالهتمام ،وخيبئ لكمة خفية؟ كما قال املاركيز دي ساد،
"حاول جبد أكثر (اجذب جهد األمم املتحدة) ،إذا كنت تريد ثورة".
زوااي
يف مجيع ألعاب الطاولة تقريبا -الشطرنج والذهاب (وي تشي) ولعبة الطاولة،
وما إل ذلك -تشري الزوااي إل اهلزمية واملوت .يف كل لعبة يتم تكوين الزوااي
بشكل خمتلف ،ولكن بصفيت شخصا يلعبها مجيعا ،فأان أعرف الشعور الذي
أصابين أوال يف أحشائي ألنين أجد نفسي حماصرا يف زاوية .يزيد نبض قليب ،
وتشد مشاعري (الغضب ،واإلحباط ،ونفاد الصب) وغالبا ما ينتهي ب األمر
ابرتكاب أخطاء تؤدي إل تفاقم املوقف .املفتاح يف النهاية هو تقليل الضرر
واستعادة السيطرة على املركز .لكن املفتاح احلقيقي يكمن يف العقل والشعور
الذي تشعر به وأنت حماصر .يصبح هذا اجلانب العقلي للزاوية جسداي أكثر يف
الرايضات مثل املالكمة وكرة القدم (دفعها إل هناية امللعب) وكرة السلة وفنون
الدفاع عن النفس .أنت تشنج جسداي ،ويضيق حلقك ،ويضيق جسمك وأنت
تتحرك يف املساحة الضيقة .كان لدى موساشي الكثري ليكتب عنه يف هذا
املوضوع ،وال ميكنين أن أفعل ما هو أفضل.
يف 33إسرتاتيجية للحرب ،أضع نظرية من أين أيت هذا؟ ،يف فصل "التغليف"
- 48 -
.كنا حنن البشر ملاليني السنني من البدو الرحل .لقد ربطنا احلرية والرفاهية
ابلقدرة على االنتقال إل األماكن املفتوحة ،للعثور على أماكن أكثر مالءمة
للصيد .السنوات اليت أمضيناها يف االستقرار يف املدن ضئيلة مقارنة بسنوات
البدو .ولكن حت يومنا هذا ،فإن فكرة تقييد املساحات ،واخليارات احملدودة
،والشعور ابلضيق ،تغرس فينا الذعر واالرتباك .من الواضح ،يف احلرب ،
كانت الزاوية تعين املوت الفوري ،على الرغم من أنه ميكن قلب هذا األمر يف
ديناميكية اسرتاتيجية أرض املوت .اآلن ،توجد هذه الزوااي على مستوايت أعلى
وأكثر جتريدا.
حتدث على املستوى املهين والعمل .على سبيل املثال ،يكتشف الشخص أن
الذهاب إل حد معني مع شخصيته يكتسب الكثري من االهتمام والشهرة
والنجاح .هذه السمة ميكن أن تكون ميزة عدوانية ،عقلية احملارب .ولكن عندما
يتم تشغيله ،فإنه يتحول إل زاوية .ميكن للناس أن يتوقعوا منك فقط أن تكون
نفس الشخص العدوان ،لكن سرعان ما يتعبون منك لتجسيد ذلك ،ويلجؤون
إل شخص أصغر سنًا .إذا قمت بتغيري شخصيتك وتكييفها ،يُنظر إليك على
أنك غري أصيل ؛ إذا بقيت الشاب الغاضب ،فإنك تتالشى من االنتباه أو تبدو
متعبًا .ما جلب لك الشهرة ،يصبح فخك .وغالبًا ما حيدث هذا مع األشخاص
يف حياهتم املهنية ،مدفوعني بشيء يعمل يف الشباب ولكن ينتهي به األمر جبلب
املزيد واملزيد من اخليارات احملدودة للتحرك .وليس هناك شعور أسوأ من رؤية ما
- 49 -
جنح لك يف املاضي ومل يعد يعمل من أجلك اآلن .وميكنك أن جتعل األمر أسوأ
من خالل الرد :أن تصبح أكثر عدوانية.
تبدأ يف عالقة يواجه فيها الشخص اآلخر مشكلة يف جانب واحد من شخصيتك
وينتقدك مر ًارا وتكر ًارا .أنت تتعلم الرتاجع ألن العالقة بشكل عام جيدة وال يبدو
القتال على شيء بسيط نسبيًا يستحق كل هذا العناء .يستمر هذا ألشهر أو
سنوات وينتهي بك األمر إل الرتاجع عن قضااي أخرى لتجنب الصراعات
القبيحة ،وجتد نفسك مركوان يف زاوية .إذا حاولت اخلروج ،فهذا يعين االنفصال.
ال ميكنك املغادرة حت اآلن تشعر أنك حماصر يف البقاء .هذه زاوية مأزق أيضا.
القطع مل تعد تتحرك.
يف السياسة ،أنت ترسم مسارا يف اجتاه قوي ،لتمييز نفسك عن سلفك يف املنصب
الذي بدا غري حاسم يف املقارنة .يف البداية يكون هذا منعشا وجيعلك تبدو قواي.
لكن التحرك يف اجتاهات قوية ال يكون ابلضرورة اسرتاتيجيا ،إذا مل تكن مثل هذه
التحركات مدروسة جيدا ،ومبا أن هذا حيدث نفسه ،فإنه يصبح فخا وركنا .ال
ميكنك تغيري االجتاهات دون أن تبدو ضعيفا .ال ميكنك الرتاجع .أصبحت
خياراتك حمدودة ،وألن حتركاتك اجلريئة األول مل تكن مدروسة جيدا ،فأنت
مضبوط على مسار ال ميكن أن يكون جيدا .ما جنح يف السنة األول أو الثانية
يصبح طريقا مسدودا .كما أنت اآلن ،يف مهنتك أو عالقاتك أو املعارك اليت
تواجهها ميكنك أن تساند نفسك يف الزاوية .واخلالصة أنك اندرا ما تدرك ذلك
كما حيدث ،ألنه غالبًا عندما تكون متحمسا وعاطفيا ،وتشعر ابالخنراط وتتحرك
يف اجتاه ما ،أو أنك قد حللت مشكلة ،فأنت حتاصر نفسك عن غري قصد.
- 50 -
دائما طرق إلخراج نفسك ابملعىن التكتيكي .ولكن املسار األكثر حكمة
هناك ً
هو أن تصبح خبريا اسرتاتيجيا مبعىن نسخة بسيطة من . Sun-tzuما يهم
يف عامل Sun-tzuليس مواقع القوة ،ولكن املواقف اليت تكون لديك فيها
خيارات مليئة ابلقوة احملتملة .إهنا طريقة تفكري خمتلفة عما اعتدان عليه ،خاصة
يف الغرب ،حيث يدور الكثري حول التحرك حنو اهلدف .هذا هو التفكري اخلطي.
ما تريده هو أن تستهدف شيئا يزيد من خياراتك يف القوة والتنقل .هذا يشبه
الوضع الناعم واملشرق ،أكثر من كونه شيئا صلبا حمفورا يف األرض .يف السياسة
كان روزفلت هو سيد ذلك( .أقرتح قراءة أفضل ما كتب حوله يف The
.)Lion and the Foxيف املالكمة ،حممد علي هو املثال .يف كرة القدم
أجد بيل بيليشيك أفضل العب يف هذا اجملال على مستوى التدريب .يف موسيقى
اهليب هوب يقولون إن جاي زي هو ملك هذه املناورة ،لكن من السابق ألوانه
معرفة ذلك .يف القتال ابلسيف هذا هو املكان الذي يسود فيه موساشي ،وكتاب
احللقات اخلمس هو دليل لكيفية القتال هبذه الطريقة املرنة .يف احلرب هناك أمثلة
ال حصر هلا للدراسة واملتابعة.
- 51 -
أهدف إل كتابة كتب حول مواضيع أاثرتين وقدمت إمكانيات ال حصر هلا للسري
يف هذا االجتاه أو ذاك .لقد حظيت ببعض احلظ السعيد على طول الطريق ،لكنين
اآلن أشعر أخريا أنين اقرتبت من هذا املوقف من القوة احملتملة ،على الرغم من
أن املعركة مل تنته بعد.
اجلحيم التكتيكي أو اجلنة اإلسرتاتيجية :يف أي مكان أنت؟ معظمنا موجود يف
عامل أمسيه اجلحيم التكتيكي .يتكون هذا اجلحيم من كل األشخاص من حولنا
الذين يتنافسون على السلطة أو نوع من السيطرة ،والذين تتقاطع أفعاهلم مع
حياتنا يف آالف االجتاهات املختلفة .حنن مضطرون ابستمرار إل الرد على ما
يفعله هذا الشخص أو يقوله ،ونصبح عاطفيني يف هذه العملية .مبجرد أن تغرق
يف هذا اجلحيم من الصعب أن ترفع عقلك فوقه .أنت تتعامل مع معركة تلو
األخرى وال ينتهي أي منها بقرار .من الصعب عليك أن ترى اجلحيم على
حقيقته ،أنت قريب جدا منه ،غارق جدا فيه ،وال ميكنك التفكري يف أي طريقة
أخرى .نظرا لوجود عدد كبري من األشخاص الذين يتنافسون اآلن على السلطة
يف هذا العامل ،واهتمامنا مشتت للغاية يف اجتاهات خمتلفة ،فإن هذه الديناميكية
تزداد سوءا.
االسرتاتيجية هي اجلواب الوحيد .هذه ليست نقطة خالف أكادميية جافة ،أو
أنين أحاول بيعك املزيد من الكتب .ميكنك قراءة الكثري من الكتب األخرى عن
اإلسرتاتيجية .إهنا مسألة ابلغة األمهية ،الفرق بني حياة البؤس وحياة التوازن
والنجاح .اإلسرتاتيجية هي عملية عقلية يرفع فيها عقلك نفسه فوق ساحة
- 52 -
املعركة .لديك إحساس بوجود هدف أكب حلياتك ،حيث تريد أن تكون على
الصراط ،وما الذي كنت مؤهال لتحقيقه؟ هذا جيعل من السهل حتديد ما هو
مهم ،وما هي املعارك اليت جيب جتنبها؟ أنت قادر على التحكم يف عواطفك،
لرؤية العامل بدرجة من االنفصال .إذا حاول شخص ما جذبك إل معاركه أو
مشاكله ،فلديك املسافة واملنظور الالزمني لالبتعاد عنه ،أو مساعدته دون أن
تفقد توازنك .ترى كل شيء على أنه مصدر قلق اسرتاتيجي ،مبا يف ذلك كيفية
تنظيم اجملموعة اليت تقودها -للتنقل وللروح املعنوية .مبجرد أن تكون على هذا
املسار يصبح كل شيء سهال .اهلزمية أو االنتكاسة هي درس جيب تعلمه ،وليست
إهانة شخصية .النجاح ال يذهب إل رأسك بل جيعلك متضي تتجاوز.
هناك اسرتاتيجيون زائفون يف هذا العامل ليسوا أكثر من خباء تكتيكيني ابرعني.
إهنم يبدون مثل االسرتاتيجيني ألهنم قادرون على إدارة املشاكل الفورية بدرجة
من الثقة النفسية .يعرفون كيف يصلحون املشاكل .إهنم يتقدمون ،أو ابألحرى
ميكنهم رفع رؤوسهم فوق املاء .لكنهم خيطئون حتما .أان أعتب الرئيس بيل
كلينتون مثاال على ذلك االسرتاتيجي الزائف .ابملقارنة مع أبراهام لينكولن أو
فرانكلني ديالنو روزفلت ،فهم االسرتاتيجيون احلقيقيون .هناك آخرون يبدو أن
لديهم رؤية أيضا ،ولديهم خطة كبرية يف احلياة .يبدو أهنم اسرتاتيجيون أيضا،
لكن خططهم ال عالقة هلا ابلواقع .خططهم وأهدافهم يف انعكاسات لرغباهتم
يف احلقيقة .وميكننا أن نرى هذا يف التنفيذ .كل شيء يتحول إل احتكاك .كانت
"اإلسرتاتيجية الكبى" للرئيس بوش إلعادة صياغة الشرق األوسط مثاال على
ذلك .إنه يبدو كبريا وشامال ،على الورق يبدو منطقيا لكنه فشل فشال ذريعا يف
- 53 -
الواقع ألنه ال عالقة له ابلواقع على األرض .االسرتاتيجيون واقعيون ،وليس
هناك شيء آخر -ميكنهم النظر إل العامل وإل أنفسهم بدرجة أعلى من
املوضوعية من اآلخرين.
ُوصفت كتيب أبهنا شريرة وغري أخالقية ،وأان شخص يسبب املزيد من الضرر يف
هذا العامل .أبصر ذلك يف بعض التعليقات على اإلنرتنت ،ورأيتها طوال الوقت.
أان ال أعتب األمر شخصيا ،ولكن احلقيقة كما أراها أن هذه الكتب ليست شريرة
على اإلطالق .أعتقد أن املزيد من األشياء السيئة حتدث يف هذا العامل ألن الناس
ال يعرفون كيفية العمل بشكل اسرتاتيجي فعال .يشنون احلروب دون أن يعرفوا
إل أين يتجهون؟ .يبدأون أعماال جتارية على أرضية متزعزعة وال تصل إل أي
مكان ،يوجهون احلمالت السياسية اليت يتم التفكري فيها بشكل سيئ ،ث تفشل
وقتئذ ،إهنم يهدرون وقتا وطاقة عظيمني على أشياء اتلفة .من املغري أن يتحدث
الناس عن اخلري والشر داخل أقبيتهم ،فال شيء أسهل من ذلك .لكن ترمجة هذه
األفكار إل واقع يتطلب تفكريا اسرتاتيجيا .حت غاندي كان يعرف ذلك .ابلنسبة
لليواننيني القدماء فإن الغباء وعدم الكفاءة يتسببان يف ضرر أكب بكثري يف هذا
العامل من الشر الصريح .ميكن حماربة أولئك األشرار ،ألنه من السهل التعرف
عليهم ومكافحتهم .وأما األغبياء وغري األكفاء فهم أكثر خطورة من غريهم،
ألننا لسنا متأكدين إل أين يقودوننا حت يفوت األوان .لقد نشأت أعظم
الكوارث العسكرية يف التاريخ يف أغلب األحيان من طرف قادة يفتقرون إل
احلكمة االسرتاتيجية.
- 54 -
يكاد يكون األمر دينيا :هل ستتحول إل اجلانب اخلفيف إل اإلسرتاتيجية؟ أم
أنك ستبقى يف اجلحيم التكتيكي؟ االلتزام العقلي أبن تكون اسرتاتيجيا يف احلياة
هو نصف املعركة .هذا هو كل ما أطلب من قرائي أن يعرفوه.
- 55 -
معضلة اإلرهاب
أريد أن أبدأ حديثا عن جنرال رمبا مل تسمع به ،اللهم إذا كنت قارائ لكتيب .امسه
{فريدريش لودفيج} أمري هوهنلوه .ولد يف بروسيا عام 1746وينحدر من
إحدى أقدم العائالت يف أملانيا وأكثرها أرستقراطية .خدم األمري يف اجليش حتت
قيادة امللك البوسي فريدريك الكبري وترقى ببطء يف الرتب .كان األمري من أشد
املؤمنني أبسلوب احلرب الذي ابتكره فريدريك العظيم .استند هذا األسلوب إل
وجود جيش شديد االنضباط ،يقدم فرضية اهلجوم دوما ،وبعض املناورات
اإلبداعية اليت اخرتعها امللك .برز البوسيون بقيادة فريدريك على أهنم القوة
القتالية األكثر رعبا وجناحا يف القارة ،وبقيت على هذا النحو بعد وفاة فريدريك
يف عام .1786
يف عام ،1796أصبح األمري جنراال يف سن اخلمسني شااب وفق املعايري البوسية.
يف نفس العام ت تسمية انبليون بوانبرت البالغ من العمر 27عاما أيضا جنراال
وقائدا للقوات الفرنسية اليت تقاتل يف إيطاليا .على مدى السنوات التسع التال،
سيطر انبليون على أورواب وبلغ كل هذا ذروته ابنتصاراته املذهلة يف أومل وأوسرتليتز
يف عام .1805ابلنسبة لألمري فقد كان انبليون حمظوظا ال غري .متت مواجهته
- 56 -
ضد دول ضعيفة ومنحلة (النمسا وروسيا) مل تستطع حتمل أسلوبه العدوان يف
احلرب .إذا التقى ابلبوسيني يف ساحة املعركة فسيتم الكشف عنه على أنه حمتال
عسكري .ومع أخذ ذلك يف االعتبار عمل األمري سرا على خطة معركة يف حالة
اندالع احلرب بني البلدين.
حسنا ..يف عام 1806أعلن امللك البوسي احلرب أخريا ،ويف سبتمب من ذلك
العام طُلب من اجلنراالت البوسيني التحضري حلملة ضد انبليون .قام األمري
بتخطيط خطته القتالية املصممة بعناية .أجرى اجلنراالت اآلخرون تغيرياهتم على
خطة األمري ،ويف النهاية وافقوا عليها مجيعا وقدموها إل امللك .ولكن بينما كانت
القوات البوس ية حتشد وصلت األخبار إل األمري وزمالئه اجلنراالت أبن جيش
انبليون سريع احلركة ،وقد دخل ابلفعل األراضي البوسية ،وجاء يف اجتاهات
متفرقة يصعب التنبؤ هبا ،وقد جتمع يف جنوب البالد.
مل يكن هناك وقت للرد .أجب البوسيون على الرتاجع .كانوا يتجمعون يف الشمال
ويهامجون أجنحة جيش انبليون أثناء تقدمه يف برلني .ت تعيني األمري مسؤوال عن
احلرس اخللفي حلماية الرتاجع البوسي .بعد أايم قليلة برزت فرقة بقيادة انبليون
نفسه مع هوهنلوه ،ابلقرب من بلدة جينا ووقعت املعركة األول بني هاتني القوتني
القويتني .كأنه مثل لقاء بني املاضي واملستقبل .شكل البوسيون خطوطا يف موكب
للتقدم يف طقوس تعود إل أايم فريدريك .انتشر جيش انبليون يف كل االجتاهات
وقام بقنص البوسيني من فوق أسطح املنازل وخلفها .سرعان ما طغى هذا
الشكل الفوضوي من املعركة على البوسيني وسرعان ما استسلموا .ث ُهزموا يف
هناية اليوم.
- 57 -
يف نفس الوقت ،هزمت فرقة فرنسية بقيادة املشري دافوت قوة بروسية كبرية يف
أويرشتات ،ويف غضون أايم اهنار الصرح العسكري البوسي أبكمله ،حيث
سقطت تباعا قلعة تلو األخرى يف أيدي الفرنسيني .كانت واحدة من أكثر
االهنيارات املذهلة يف اتريخ احلرب ،حيث ُدمرت قوة عظمى بني عشية وضحاها.
بعد هذه املعركة تعرض األمري للعار وتراجع إل قلعة أسالفه .على مدى السنوات
الـ 12املاضية من حياته حاول أن يفهم هذا السقوط املخزي .وألقى ابللوم
على اجلنراالت اآلخرين يف إبطاء الرد البوسي على هجوم انبليون من خالل
مشاجراهتم وغرورهم .وانتقد اجليش البوسي الهنياره يف االنضباط أثناء انسحابه.
ونسب اللوم إل نظام التجسس لنابليون ملنحهم ضربة سريعة على اإلسرتاتيجية
البوسية ومفاجأهتم .وأكد أن الشكل الفرنسي للحرب كان غري أخالقي ومنحهم
ميزة غري عادلة ألهنم كانوا على استعداد للقتال بطريقة قذرة.
إذا فكرت يف األمر ،فكل هذا مذهل إل حد ما .مل يكن األمري أمحقا .لقد كان
طالبا عظيما يف التاريخ العسكري .كان قادرا على دراسة اجليش الفرنسي ملدة
تسع سنوات قبل أن يقابله يف املعركة .كان قادرا على مشاهدته مباشرة يف جينا.
كل ما كان عليه فعله هو فتح عينيه ث التفكري .ومع ذلك مع كل هذه األدلة
اليت كانت حتدق يف وجهه ،ومع مرور سنوات وبعض املسافة لتحليلها ،استمر
يف إساءة فهم جوهر احلرب النابليونية .كل ما حاوله يف النهاية أعذار تقليدية
معتادة .كان يستطيع أن يصب عينيه يف الرتكيز على التكتيكات والتفاصيل؛ مل
يستطع رؤية الغابة كلها.
- 58 -
يف أعقاب هذه الكارثة ،كان هناك بروسي آخر حياول أن يتصاحل مع الثورة
النابليونية بطريقة خمتلفة .رمبا مسعت به .كان امسه كارل فون كالوزفيتز .يف سن
السادسة والعشرين شهد االهنيار مباشرة ،وأسره الفرنسيون واحتجزوه لعدة
سنوات .كان هو واملصلحون اآلخرون داخل اجليش البوسي ،رجال مثل
شارهنورست وجنيساو مصممني على اكتساب الدرس الصحيح مما حدث
هلوهينلوه واجليش البوسي .ما فعله فون كالوزفيتز يف أعقاب جينا اورستاد-
ميثل حلظة حامسة يف النظرية واالسرتاتيجية العسكرية .توصل بناء على حتليل
انبليون إل طريقة تؤدي إل كل اكتشافاته العظيمة.
أوال ،أجب نفسه على التخلص من أي رد فعل عاطفي عند النظر إل احلرب
النابليونية وال سيما مشاعر الكبايء املؤذية والغضب مما حصل ،لريى ما حدث
على حقيقته .ث حلل هذه احلرب من خالل فحص ما هو جديد وغري مسبوق
فيها .كان هذا ترايقا للطريقة املعتادة يف رؤية أوجه التشابه مع األشياء يف املاضي
لتحويل شيء جديد إل شيء تقليدي ومألوف .وهذا يعين االستمتاع بعدة
إمكانيات والنظر إل هذا الشكل من احلرب من عدة زوااي.
أخريا ،قام بتقسيمها إل األجزاء املكونة هلا ،ورؤية ما الذي جعل هذا الشكل
من املعركة يعمل؟ .هبذه الطريقة كان فون كالوزفيتز أول من توصل إل مبادئ
أساسية معينة أسست الثورة النابليونية .يبدو للوهلة األول أن األمر وكأنه
فوضى ،فهذه التقسيمات سريعة احلركة أتت من اجتاهات متفرقة وتعيد توحيدها
يف أمناط جديدة .ولكن عندما نظر إليه عن كثب خلُص فون كالوزفيتز أن هذا
عبارة عن شكل من أشكال الفوضى اخلاضعة للرقابة .وأثناء التعمق يف جذور
- 59 -
هذا الشكل غري املسبوق من احلرب ،اكتشف أن يف أتسيسه كانت ثورة تنظيمية
بناءا على ما أصبح معروفا ابللغة األملانية ابسم ،auftragstaktikوهو
النظام الذي ت من خالله إعطاء احلراس امليدانيني بيان مهمة شامل حول احلملة.
ث ُمسح للحراس امليدانيني الذين قادوا جيوشهم الصغرية ابختاذ قراراهتم يف الوقت
الفعلي دون احلاجة إل انتظار االتصاالت ذهااب وإاياب .كانت سرعة وإبداع هذا
الشكل من احلرب جديدا ،وقد طغت بسهولة على البوسيني اجلامدين.
ما فعله فون كالوزفيتز من حيث اجلوهر هو أخذ تفاصيل انبليون وجتريدها يف
إسرتاتيجية كبى إل نظرية مصغرة .مل يكن هذا جمرد مترين :لقد جلب مستوى
عميقا من الفهم للحرب بشكل عام وأثبت أنه عملي بشكل ال يصدق يف النهاية.
القصة هلا هناية سعيدة :فون كالوزفيتز واإلصالحيون البوسيون انتصروا واعتمدوا
أسلوب احلرب النابليون جليشهم .كجزء من هذا قاموا إبنشاء ما أصبح يعرف
ابسم هيئة األركان العامة األملانية .كانت الفكرة هي تشكيل جمموعة من الضباط
ذوو الدراية بفن احلرب ،حيث ميكنهم التغلب على عدم كفاءة امللوك
والسياسيني .كان على هؤالء الضباط أن يُغرسوا بفكرة واحدة مهيمنة :جيب أال
يسمحوا لفلسفتهم يف احلرب ابلتحول إل عقيدة .كانوا ينظرون إل كل حدث
من جهات عديدة مبا يف ذلك العدو ،جيبون أنفسهم على حتدي أي عقيدة.
وعلى مدى 120عاما أو حنو ذلك ،سيتفوق اجليش األملان على منافسيه يف
ساحات املعارك.
- 60 -
هذه القصة توضح ما حيدث للبشر يف مواجهة الثورة والفوضى يف أي مسعى
ابلنسبة ل .إنه جيب مع ظم الناس ،مثل هوهينلوه ،على أن يصبحوا أكثر حتفظا
وهلعا ،وأن يتفاعلوا ابالعتماد على العقائد واالتفاقيات املاضية؛ لتصبح أكثر
هوسا ابلتكتيكات والتفاصيل العملياتية .مبجرد أن حيدث هذا لنا ،فإننا نتخلف
أكثر فأكثر عن األحداث املتغرية ،العدو املبتكر يعمل على عابرات مسرعة .حنن
موجودون يف نوع من عامل األحالم ،حيث أن ما نراه هو انعكاس لرغباتنا وخماوفنا
وجتاربنا املاضية .حنن قريبون من التغيري لرؤيته على حقيقته .النضال هو استهداف
منوذج فون كالوزفيتز ،للعمل عكس اجتاه الطبيعة البشرية ،للسماح بدخول بعض
الضوء من خالل النظر إل الظاهرة اجلديدة من اجتاهات خمتلفة بطريقة غري
عاطفية قدر اإلمكان .أثناء النظر إل اإلسرتاتيجية الثورية على حقيقتها فمن
املمكن ٍ
حينئذ اخلروج ابسرتاتيجية مضادة .هذا هو التفكري االسرتاتيجي يف االعم،
على عكس االنعكاسات السطحية ألولئك الذين يرتكزون عاطفيا .إهنا مطابقة
تعقيد العدو بعمق تفكريك.
أعتقد أننا نعيش فرتة ثورة عظيمة -ثقافية واجتماعية وسياسية وعسكرية -
شبيهة ابضطراابت العصر النابليون .يف مواجهة مراكز القوة الكبرية واملستعصية،
ابتكرت اجملموعات الصغرية وأتقنت اسرتاتيجية نسميها اإلرهاب .إهنا مرتبطة
ابلتقدم التكنولوجي واإلعالم والضعف التدرجيي للمعايري األخالقية .إهنا
اسرتاتيجية مرنة وقابلة للتكيف بشكل ملحوظ ،وهي اسرتاتيجية تعطي مظهرا
من الفوضى ودرجة من العشوائية .وال ينمو إال يف قوهتا وشعبيتها .يف مواجهة
- 61 -
مثل هذه الثورة ،ميكننا إما أن نقع يف فخ البوسيني ونغمض أعيننا عن احلقائق
اليت حتدق يف وجوهنا ونفسر ما نراه وفقا ملا قرران ابلفعل رؤيته .أو ميكننا توجيه
روح كارل فون كالوزفيتز وحماولة فهم أفضل لإلرهاب كاسرتاتيجية .إهنا ليست
جمرد معركة ضد عدو ال يُرسم اجتاهه ،ولكن ضد قوى الغباء من جانبنا اليت تقود
هذه املعركة .بينما أحتدث عن اإلرهاب ،ضع يف اعتبارك أنه مترين وطريقة لتحدي
افرتاضاتك اخلاصة وفتح بعض االحتماالت للفكر ،ألنين مقتنع أبننا أخطأان يف
قراءة اإلرهاب على املستوى االسرتاتيجي وهذا هو املصدر لفشلنا يف مكافحته
بشكل فعال.
أثناء حتليل أي ظاهرة ،أحب العودة إل بداايهتا ،مظاهرها األول ،ألراها يف شكل
بدائي بسيط .ولذا أعتقد أن قصة اإلرهاب احلديث -ما أحب أن أمسيه محلة
اإلرهاب احلديثة ،ورؤية اهلجمات على أهنا روابط يف سلسلة -بدأت ابلفعل يف
روسيا يف ستينيات القرن التاسع عشر .كان القيصر ،ألكسندر الثان ،إصالحيا
يف الصميم ،لذلك قام بسن حترير األقنان .أولئك الذين على اليسار كانوا
مستائني إل حد ما .بدا أن هذا يقوض فكرهتم عن حتويل روسيا من خالل ثورة
الفالحني .بدأوا يف التنظيم والعمل يف العراء ،وعندما شعر القيصر ابخلوف من
أنه فتح صندوق ابندورا مع التحرر ،كان رد فعله يف االجتاه اآلخر ،وشن محلة
شديدة ضد قوى االنشقاق .كانت احلملة شرسة لدرجة أن خمتلف الراديكاليني
الروس أدركوا أن فكرهتم عن ثورة مفتوحة مستحيلة .انقسموا وذهبوا يف عدة
اجتاهات.
- 62 -
ومن هذا املنطلق ظهرت جمموعة تعرف ابسم انروداناي فوليا ،أو "إرادة الشعب".
أبقوا جمموعتهم صغرية .كانوا يرتدون مالبس غري واضحة ،يذوبون يف املدن اليت
كانوا يعيشون فيها .وبدأوا يف تصنيع قنابلهم أبنفسهم .بدأوا محلة إرهابية ضد
احلكومة ،ومتكنوا من قتل العديد من الوزراء املهمني .يف عام ،1880قاموا
بتفجري قنبلة يف قصر الشتاء نفسه ،مما أدى إل فقدان القيصر .يبدو أن هناك
القليل من األمناط اليت ميكن متييزها يف مكان وزمان حدوث هذه التفجريات.
ابلنسبة لإلسكندر الثان ،كان هذا حتداي خطريا لسلطته .كانت روسيا دولة تؤمن
ابلقيادة القوية وكانت شديدة املركزية .كانت ضرابت كهذه ملركز القوة الروسية
خطرية للغاية .أراد هؤالء املتطرفون االستيالء على روسيا نفسها عن طريق نوع
من االنقالب املخادع .كان مجيع وزرائه مرعوبني ،كما كان مرعواب بنفسه .كان
اإلرهابيون أذكياء وقوة ال يستهان هبا ،لكنهم كانوا عددا صغريا عُزلوا سياسيا.
ما كان مطلواب هو نقل القتال إليهم ،والعثور عليهم ،وتدخينهم كسيجارة،
وحماصرهتم وتدمريهم بيد ثقيلة قبل أن يتمكنوا من اكتساب أي زخم .كان حباجة
إل إظهار قوته -لوزرائه وللشعب الروسي .كان ال بد من أتجيل أي نوع من
اإلصالح .أطلق العنان للشرطة للقيام بكل ما يلزم للقبض على اإلرهابيني .ت
تقليص احلرايت املدنية .نظرا ألن عدد اإلرهابيني كان قليال وكان من الصعب
جدا قراءة نواايهم ،فقد أرسل جواسيس يف مجيع االجتاهات للتسلل إل هذه
اجملموعة املتماسكة .ت توجيه املزيد من موارد الدولة حنو هذه احلملة .دون أن
يقصد ذلك ،سن دولة بوليسية افرتاضية ،وعاش بنفسه كسجني يف قصره .على
الرغم من كل شيء متكن انروداناي فوليا من اغتيال القيصر نفسه يف عام .1881
- 63 -
ضاعف اخلليفة ،القيصر ألكسندر الثالث اإلجراءات األمنية ثالث مرات .يف
عام ،1888كاد ألكسندر أوليانوف ،شقيق نيكوالي لينني ،أن ينجح يف قتل
اإلسكندر الثالث.
أخريا ،بعد املطاردة األكثر كثافة ،متكنت احلكومة من القبض على عدد كاف
من قادة اجملموعة لتعطيلها وفسخها.
ا هذه محلة إرهابية يف أكثر أشكاهلا وحشية ،لكنها كاشفة .اإلرهابيون جمموعة
صغرية من الرجال ،ليس لديهم أي أمل على اإلطالق يف مواجهة احلكومة بشكل
مباشر .إهنم معزولون إل حد كبري عن عامة الناس .إهنم يواجهون موقفا يكاد
يكون من املستحيل تغيريه ،لكنهم ايئسون لفعل شيء ما .كما نعلم مجيعا ،ال
يوجد شيء قوي ابلكلية أو ضعيف ابلكلية يف الطبيعة أو يف الشؤون اإلنسانية.
ميكن االستفادة من كونك صغري العدد فتكون قوة كبرية ،مما يزيد من املراوغة
والتنقل اليت أتت مع صغر احلجم .وأما كونك كبريا جيعل أي كائن حي هدفا
سهال .يف هذه احلالة كانت مركزية احلكومة الروسية نقطة ضعفها .النجاح يف
احلرب ليس أكثر من احلساب الصحيح ملطابقة نقاط القوة مع نقاط الضعف.
مل تكن محلة قصف انروداناي فوليا تشكل هتديدا كبريا يف حد ذاهتا ،ولكنها متت
بطريقة دراماتيكية وغري متوقعة ،مبثل هذا العنف الذي ال يرحم فال ميكن
لألهداف أن تساعد ،بل تتحول إل غضب عاطفي ،وحتول إل رغبات انتقام.
جلأوا إل اليد الثقيلة يف الدر ،ألن هذا هو ما بدا أنه ضروري.
- 64 -
واالنتقام .وجد أولئك الذين ينتمون إل الطبقة الوسطى الذين تعاطفوا مع حركة
اإلصالح أنفسهم معزولني عن احلكومة .ت حتفيز أولئك الذين كانوا على اليسار،
انضم العديد منهم إل اجلماعات املتطرفة األخرى اليت خططت للثورة .وجود
الشرطة يف كل مكان أسفر عن انفجار قنبلة هنا أو هناك ،وأعطت االنطباع أبن
اإلرهابيني كانوا أكب بكثري مما كانوا عليه .زاد رد احلكومة من الوجود العام
لإلرهابيني ،مم ا ساعدهم على جتنيد جمندين للقضية ،وتوحيد اليسار الذين كانوا
منقسمني يف يوم من األايم .مل تبد احلكومة معرضة للخطر كما كانت من قبل.
عند النظر إل انروداناي فوليا فإن الرد الكالسيكي هو القول أنه كان فشال ذريعا
مثله مثل مجيع احلمالت اإلرهابية تقريبا .اإلرهابيون منفصلون عن اجملتمع ككل،
أفعاهلم غري عقالنية .رد الفعل الذي حيدثونه يسحقهم حتما .إهنم خيلقون بعض
الدراما ولكن هذا ال يؤدي إل أي سبيل .إهنا ليست اسرتاتيجية فعالة طويلة
املدى .هذه ذبذابت شبيهة هبوهينلوه ابلنسبة ل ،أخطأ يف قراءة املوقف
واالسرتاتيجية ككل .وعندما ال تفهم اسرتاتيجية العدو ،ينتهي بك األمر مبهامجة
شيء غري موجود.
يف سنوات القمع وبعد تفكك انروداناي فوليا ،انتشر السخط يف مجيع أحناء البالد.
رجال مثل لينني نفسه صاغوا أفكارهم يف هذه الفرتة ،اليت بدأت خالهلا احلركة
الشيوعية يف النمو يف السلطة .احلكومة اليت كانت حتاول إصالح نفسها قبل
احلملة ،خرجت عن مسارها .لوال احلملة اإلرهابية رمبا كان التاريخ الروسي قد
اختذ مسارا خمتلفا .كانت محلة اإلرهاب قادرة على تفكيك وضع جامد وزرع
البذور لشيء أكب بكثري ،استغرق هذا حوال ثالثني لتلعب نفسها .لكن
- 65 -
اإلرهابيون بشكل عام لديهم متسع من الوقت لالنتظار .يف املنظور الغرب للحرب
يواجه خصمان معركة على األرض والسلطة .ميكن خوض املعركة بعدة طرق،
حت بشكل غري متماثل ،لكنها معركة على الفضاء والقوة .هذه هي هناية أي
حرب .ول كن ماذا لو مل يكن ألحد األطراف مثل هذا اهلدف؟ ماذا لو كانت
أهدافهم أقل ما ميكن -جمرد خلق الفوضى وفضاء لنوع من التغيري؟ أهدافهم
سهلة التحقيق -خلق الفوضى .أو على حد تعبري لينني نفسه " ،كلما كان
أسوأ ،كان ذلك أفضل".
حبكم طبيعة العنف والدراما ابلفعل ،ألن اإلرهاب ليس أكثر من مشهد منظم
للعنف ،فمن املؤكد أنه يثري املشاعر .من خالل فهم منطق اإلرهاب من األفضل
إبقاء اهلجمات غري متوقعة وأن تبدو عشوائية .يتم زرع البذرة األول من خالل
عدم توازن عقل القائد املعارض .يبدو أن العمل اإلرهاب يتطلب ردا قواي .يف
هذه احلالة يستبدل ابلذكاء القوي .للعثور على هذه اجملموعة الصغرية من
- 66 -
املتطرفني يتطلب قوة شرطة ضخمة .إن أتثري التفاعل املتسلسل يتحرك حتما من
خالل االنتقام القاسي .من خالل الدخول إل مساحتهم مع وجود الشرطة أو
اجليش ،هناك املزيد من األهداف اليت جيب ضرهبا ،واملزيد من موجات الدعاية
لكسبها ،وجعلها تبدو أكب ،مما يغذي قدرهتم على خلق املشهد .كل شيء يصبح
غري متوازن -اجملتمع مستقطب ،اخلوف غري املتناسب يتم حتريكه ،املزيد من
نفاد الصب وتصنع احلاجة إل االنتقام .ومن هنا ينطلق االهنيار اجلليدي املطلوب.
مع هذا العمل كنوع من منوذج لالسرتاتيجية يف شكلها الغاشم ،دعوان نلقي نظرة
على أحداث 11سبتمب كما تبَّجت أمام أعيننا .تواجه جمموعة صغرية من
املتعصبني املعروفة ابسم القاعدة وضعا جامدا وساكنا يف الشرق األوسط ،يشبه
إل حد كبري الوضع الذي ظهر يف روسيا يف سبعينيات القرن التاسع عشر .يف
نظرهم ،فإن "العدو البعيد" ،الوالايت املتحدة ،هو ما يبقي هذه الديناميكية
مقفلة وجممدة .ال ميكنهم أن أيملوا يف مواجهة هذه القوة العظمى أبي شكل
يشبه الطريقة املباشرة .وهكذا يف تعصبهم وأيسهم ،يلجؤون إل عمل إرهاب
من شأنه أن خيلق أتثريا متسلسال غري مسبوق.
نظرا ألن اإلرهاب هو يف األساس مشهد ،وقليال من املسرح الذي يتم سنه
للجمهور أو وسائل اإلعالم ،فإن القاعدة ختتار شيئا سيكون له أقصى أتثري يف
اجتاهني -أحدمها مصمم جلذب أكب قدر ممكن من االهتمام ،وخمصص لإلعالم،
واآلخر إلاثرة مشاعر اهلدف أبكب قدر ممكن من القوة .القوة تتطابق مع الضعف
-الطبيعة الفريوسية لوسائل اإلعالم واخلوف ،املشاعر اليت ميكن أن تتحول إل
شيء ال ميكن السيطرة عليه.
- 67 -
تتبع االستجابة منطا مألوفا من جانبنا :يبدو غزو أفغانستان ذكيا ودقيقا يف
البداية ،ويستهدف مركز ثقل العدو .إذا كانت ستتحالف مع عنصر مدن
وسياسي ثقيل ،فسيكون مبثابة إسرتاتيجية مضادة ذكية .ولكن مع تقدمه ،فإننا
نقع يف غرام رد الفعل املبالغ فيه ،موقف الرجل القوي الذي يعتبه اإلرهاب
اإلغراء املطلق .حنن نغزو العراق .كما حدث مع انروداناي فوليا ،متثل اجملموعة
هتديدا كبريا ولكن يبدو أن حجمها الصغري يدعو إل الضربة الساحقة.
من الصعب قياس مدى عمق انشغال عواطفنا وتلوين خططنا .تشمل هذه
املشاعر الرغبة يف االنتقام ،لكنها تشمل الرغبة غري الواقعية يف أن تكون غرس
الدميقراطية يف العراق هو احلل االسرتاتيجي األكب .يف حماولة ايئسة إلظهار
استجابة فعالة وتناسب دورة االنتخاابت األمريكية ،أصبحنا مغرمني ابلسيناريو
الوردي لتحول األمة .اجلاذبية العاطفية لإلرهاب خفية لكنها خطرية .الرد الكبري
ال يتناسب مع حجم التهديد ،بل يتناسب مع املشهد ،وابلتال فإن الغاايت
والوسائل مشوهة بشكل كبري.
يستمر النمط .تبدو عصابة اإلرهابيني األصلية أكب وأكثر خطورة مما هي عليه
اآلن .يساعدهم هذا التأثري املكب على اكتساب الدعاية والتجنيد .ال ميكننا أن
نرى من خالل نواايهم .ميكنهم استخدام املعلومات املضللة وإطعامنا مبا يريدون،
بينما حنن واضحون هلم مثل النهار .وهذا مينحهم املزيد من اخليارات اإلسرتاتيجية
والعبور السريع يف التكيف مع العمليات .ميكنهم القتل مت شاءوا ،بينما علينا
أن منر على رؤوس أصابعنا عب حقل ألغام أخالقي .أخريا ،يدخل أتثري
- 68 -
االستقطاب حيز التنفيذ .تنشأ اخلالفات بني احللفاء والرأي العام األمريكي .جزء
من الفوضى هو خلق انقسام وقهر ديناميكية ينقسم فيها احللفاء واجلماعات.
يف النهاية نكون العبني لصاحلهم ،وعلينا أن نواجه هذه الكارثة ببودة مثلما حلل
فون كالوزفيتز الكارثة البوسية .لقد اختذان وضعا كان ميكن إدارته ومستقرا
ابلنسبة لنا وأدخلنا انعدام األمن والفوضى اهلائلة يف املنطقة .زادت فرص انتشار
الصراع عب احلدود بشكل كبري .قد ننظر إل الوراء بعد ثالثني عاما من اآلن
ونرى شيئا مشاهبا ملا حدث يف روسيا .إذا كان األمر كذلك يف النهاية ،فإن
- 69 -
هجوم 11سبتمب جيب اعتباره أجنح املشاريع العسكرية يف التاريخ كله -بناء
على حجم املهامجني وأتثريات أعماهلم.
يف األساس ،خاض قادتنا احلرب األخرية .مثل هوهنلوه ،ال يرون ما حيدث أمام
أعينهم .إهنم يتبعون مناذج مكافحة التمرد من حقبة أخرى .إهنم يرون ما يريدون
رؤيته دون التفكري يف الثقافة املختلفة اليت دخلوها .هذه هي الطريقة اليت تعمل
هبا حكومتنا :فهي تبدأ دائما ابلنظر إل تقنيتنا وقوتنا النارية املتفوقة ووضع
إسرتاتيجية من هناك .إهنم يتجاهلون حتما النصيحة احلكيمة لسن-تزو الذي
قال" ،ما يكون ذا أمهية قصوى يف احلرب هو مهامجة اسرتاتيجية العدو ".جيب
أن تكون هذه دوما نقطة البداية -النظر إل اخلارج وليس إل الداخل.
دعوان نعود للحظة إل روح فون كالوزفيتز .إن الرد املناسب على اإلرهاب يعتمد
على فهم ديناميكيته أوال ،وكيف يعمل؟ .ال ميكن جتنب الفخاخ املختلفة اليت
يضعها -رد الفعل املفرط ونفاد الصب والرغبة يف االنتقام الفوري ،واالستقطاب
الذي يغرونك به -إال إذا ت فهمها أوال .جيب أن نستهدف مركز ثقلهم وضعفهم
وليس الوهم الذي خيلقونه .هذا املركز هو قدرهتم على التواصل ،ومتويل أنفسهم،
وجتنيد املتعاطفني واحلفاظ على هذه احلركة النائية معا .كنا حباجة إل استهداف
نقاط الضعف هذه بعناية فائقة .إذا كنا قد قللنا خالل هذه السنوات من قدرهتم
على متويل أنفسهم ،والتواصل بينهم ،وجلب اجملندين من خالل العمل على
اكتساب املزيد من النوااي السياسية احلسنة يف املنطقة ،لكان العدو قد بدأ يف
الكشف عن املزيد من نقاط ضعفه .عندما هتاجم مركز ثقل فإن العدو يستخدم
أرجال أخرى ليحافظ على نفسه ومينحك املزيد من األهداف لتضرهبا.
- 70 -
مفتاح هذه اإلسرتاتيجية املضادة هو قيادة الدولة املعرضة للهجوم وقدرهتا على
إظهار القوة وتوحيد السكان من خلفها (جتنب فخ االستقطاب) ،مع مقاومة
إغراء رد الفعل املبالغ فيه .يف هذا السياق ،أذكر يف كتاب ونستون تشرشل
وشارل ديغول كقائدين مثاليني هبذه الطريقة .إهنا ليست مسألة سياسة ،بل قيادة
وذكاء .اخلوف اإلرهاب نفسي حبت واألمر مرتوك للقيادة لرسم التهديد أبلوان
واقعية .عندما تبالغ يف ردة فعلك هبجوم كبري ،فأنت تظهر فقط للعدو نفاد
صبك وضعفك ؛ جنحوا .عندما ترد حبملة مدروسة بعناية تستهدف نقاط ضعفهم
،فأنت تُظهر أنك تعين ح ًقا العمل وال ميكن أن يغريك مشهد الرعب .أدرك أن
مثريا مثل التحليل
هذا قد يبدو أساسيًا للغاية ،بطريقة واضحة إل حد ما ،وليس ً
التفصيلي الستخدامهم للتكنولوجيا واحلرب مفتوحة املصدر .ولكن لفهم
اسرتاتيجية أبعلى مستوايهتا ،فإن معظم مستوايهتا التجريدية ال ميكن إال أن يتم
ترشيحها وجعل كل شيء آخر أكثر منطقية ،كما أوضح فون كالوزفيتز.
إن رأيي اآلن هو أننا سنواجه املزيد من هذه اإلسرتاتيجية يف املستقبل ،دون
أخوض يف أسباب ذلك هنا .بعض هذا اإلرهاب خميف بكل معىن الكلمة يف
إمكانياته ،وخاصة اإلرهاب البيولوجي .ستكون هناك اختالفات وتكييفات
مرتبطة ابلتقدم التكنولوجي .إهنا اسرتاتيجية مرنة تعمل بنظام قيادة املهام اخلاصة
هبا وتقدم جبهة فوضوية .أنتم كقادة املستقبل ستكونون يف طليعة هذه املعركة.
اإلغراء ات عظيمة :الوقوع يف حب الطعم ،من أجل الضربة القاضية العظيمة،
لتصبح مهووسا ابلتفاصيل والتكنولوجيا والتكتيكات ذهااب وإاياب .لكن املفتاح
- 71 -
ابلنسبة ل يف هذه احلرب سيكون دائما اسرتاتيجية اإلرهاب نفسه .هذا يف الواقع
هو عدوك -ليس حماربيهم أو قادهتم املتعصبني ،ولكنها اإلسرتاتيجية نفسها .يف
كل معركة جيب أن تواجهها ،جيب أن تعود ابستمرار إل السؤال حول ما الذي
جيعل هذه اإلسرتاتيجية عالمة ،وما هو منطها؟ وما الذي جيعلها خمتلفة عن كل
شيء آخر؟ عقلك هو خط الدفاع األخري -فهي تعتمد على قدرتك على عدم
الوقوع يف فخ الوهم اإلرهاب ورؤية إسرتاتيجية العدو بشكل واقعي قدر اإلمكان.
- 72 -
OODA
و أنـ ـ ـ ــت
قبل بضعة أسابيع ألقيت حماضرة يف مؤمتر شركة يف جنوب كاليفورنيا .هذه
الشركة لديها مكاتب يف مجيع أحناء العامل ،وهي انجحة يف جمال عملها ،ولكن
بعض املخاطر تتخلل آفاقها .لقد أحضرون ملواجهة تلك املخاطر .ال هتم
التفاصيل هنا كثريا .ميكن القول أن مثل الكثري من الشركات اليت جنحت يف
الثمانينيات وحت الوقت احلاضر ،أصبحت تعتمد على منوذج عمل معني ميثل
جزءا من الظروف والتصميم اجلزئي .يعمل موظفو الطبقة العليا بشكل فضفاض
مثل رواد األعمال ،كل واحد منهم يعمل لصاحله .مييل كل مكتب إل التفكري يف
نفسه كجزيرة ،يتنافس مع الفروع األخرى يف مجيع أحناء العامل .يعمل هذا إل حد
ما ،حيث أن رواد األعمال هؤالء لديهم دافع كبري لتوسيع نطاق األعمال .من
انحية أخرى فإنه جيعل من الصعب إنشاء روح مجاعية شاملة.
بينما كنت أستعد للخطاب ظلت الصورة ختطر على ابل لسبب ما -طيار
املقاتلة النفاثة ،ون ظرايت الكولونيل جون بويد من حيث صلتها هبذا الشكل من
احلرب .قد يكون الكثري منكم على دراية بنظرية بويد األكثر شهرة :حلقة
. OODAسأعيد صياغتها ألولئك الذين ليسوا على دراية هبا ،على أساس
أهنا أغىن بكثري من الكلمات القليلة اليت أكرسها ها هنا.
- 73 -
OODA
تعين :املالحظة ،التوجيه ،القرار ،التصرف .مير الطيار ابستمرار هبذه احللقات أو
الدورات يف معركة عنيفة :إنه حياول مراقبة العدو أبفضل ما يستطيع ،هذه
املالحظة سائلة إل حد ما ،حيث ال يوجد شيء اثبت ،وكل هذا حيدث بسرعة
كبرية .مبالحظة سريعة جيب عليه بعد ذلك توجيه حركة العدو هذه ،ما يعنيه؟
ما هي نواايه؟ وكيف تتناسب مع املعركة الشاملة؟ .هذا هو اجلزء احلاسم من
الدورة .بناء على هذا التوجه يتخذ قرارا بشأن كيفية االستجابة ث يتخذ اإلجراء
املناسب.
يف سياق معركة مجاعية منوذجية ،سيخوض الطيار رمبا عشرات أو حنو ذلك من
هذه احللقات ،اعتمادا على مدى تعقيد القتال ومدى انسياب اجملال .إذا كان
إبمكان أحد الطيارين اختاذ قرارات وإجراءات أسرع ،بناء على املالحظات
والتوجيهات املناسبة ،فإنه يكتسب ميزة واضحة ببطء .ميكنه القيام مبناورة إلرابك
العدو .بعد عدد قليل من هذه املناورات اليت يتقدم فيها قليال يف الدورات،
يرتكب العدو خطأ ،ويكون قادرا على اإلغارة لقتله .يسمي{بويد} هذه:
"العابرون املسرعون" ،وإذا كنت متقدما ،فإن اخلصم يفقد االتصال ابلواقع
ببطء .ال يستطيع فك شفرة ما تفعله ،ومع ازدايد قطعه عن واقع ساحة املعركة،
يتفاعل مع األشياء غري املوجودة ،وتؤدي أخطائه إل موته .رأى بويد أن هذه
النظرية تنطبق على مجيع أشكال احلرب .لقد عاد إل الوراء يف التاريخ العسكري
- 74 -
وأظهر كيف كان ذلك وثيق الصلة بنجاح بيليزوريوس واملغول وانبليون بوانبرت
وت .لورانس .كما رأى أهنا وثيقة الصلة أبي نوع من البيئة التنافسية :األعمال
التجارية ،والسياسة ،والرايضة ،وحت صراع الكائنات احلية من أجل البقاء .أثناء
القراءة عن حلقة OODAألول مرة ،أدهشين أتلقها لكنين مل أكن متأكدا
متاما مما سأفعله.
كيف ينطبق هذا على معاركي اخلاصة ،أو حيات اخلاصة ،أو على من أنصحهم
يف شؤوهنم؟
بعد ذلك ،أثناء العمل على اخلطاب بدأت الصورة والفكرة يف االندماج .الطيار
املقاتل يف مكان فريد .إنه فرد صارم ال ميكنه االعتماد إال على مناوراته اإلبداعية
اخلاصة للبقاء والنجاح .من انحية أخرى فإنه يكون جزءا من الفريق ،وإذا عمل
ابلكامل وفقا السرتاتيجيته اخلاصة ،فإن جناحه الشخصي سوف يرتجم إل ارتباك
يف ساحة املعركة .يف الوقت نفسه ،فإن ساحة املعركة نفسها مائعة لدرجة أن
الطيار ال يستطيع التفكري يف املصطلحات اخلطية التقليدية .إنه أشبه ابهلندسة
املعقدة ،أو الشطرنج ثالثي األبعاد .إذا كان الطيار بطيئا وتقليداي يف تفكريه،
فسيجد نفسه يرتاجع أكثر يف احللقات .أفكاره لن تواكب الواقع .العقلية املناسبة
هي التخلي قليال ،للسماح لبعض الفوضى أبن تصبح جزءا من نظامه العقلي،
واستخدامه لصاحله عن طريق خلق املزيد من الفوضى واالرتباك للخصم .إنه
يوجه الفوضى احلتمية يف ساحة املعركة يف اجتاه العدو.
- 75 -
بدا ل أن هذه هي االستعارة املثالية ملا منر به مجيعا يف القرن احلادي والعشرين.
حتدث التغيريات بسرعة كبرية حبيث يتعذر على أي منا معاجلتها ابلطريقة
التقليدية .متيل اسرتاتيجياتنا إل أن تكون متجذرة يف املاضي .تعمل أعمالنا على
مناذج من الستينيات وا لسبعينيات .ميكن للتغيريات اجلارية أن تعطينا بسهولة
الشعور أبننا ال نتحكم يف األحداث .تتمثل االستجابة القياسية يف مثل هذه
املواقف يف حماولة السيطرة أكثر من الالزم ،ويف هذه احلالة سيميل كل شيء إل
االهنيار عندما نتخلف عن الركب( .أولئك الذين حياولون السيطرة على الكثري
يفقدون االتصال ابلواقع ،ويتفاعلون عاطفيا مع املفاجآت) .أو للتخلي عن ذلك
فإن العقلية الكارثية تكون مسا آخر .ما منر به يتطلب طريقة خمتلفة يف التفكري
واالستجابة للعامل ،وهو شيء سأتناوله يف كتاب القادمني بتفصيل كبري(.يقصد
كتاب قوانني الطبيعة البشرية ،وكتاب السمو-املرتجم ).السرعة هي العنصر
احلاسم يف اسرتاتيجياتنا( .انظر الفصل اخلاص ابلالمباالة يف 48قاعدة للقوة
واحلرب اخلاطفة يف 33اسرتاتيجية للحرب) .ومع ذلك فإن السرعة شيء ال يتم
فهمه اندرا .خلق انبليون السرعة يف هجماته بسبب الطريقة اليت نظم هبا جيشه.
إذا قرأت كتاب مارتن كريفلد عن هذا األمر (يقصد كتاب :القيادة يف احلرب
ملارتن) فإنه يوضح أن سرعة جيش انبليون ميكن مقارنتها أبي جيش معاصر،
ولكن مع التكنولوجيا منذ مائيت عام .أتت هذه السرعة من اهليكل املوجه حنو
املهمة والذي يتمتع فيه حراسه حبرية كبرية للرد يف الوقت الفعلي واختاذ قرارات
سريعة ،بناء على األهداف اإلسرتاتيجية الشاملة لنابليون ،ومع االتصاالت
السريعة بشكل حثيث ألعلى وألسفل يف سلسلة القيادة.
- 76 -
زاد انبليون من سرعة جيشه من خالل إرخاء اهليكل ،والسماح مبزيد من الفوضى
يف عملية صنع القرار ،وإطالق العنان لإلبداع يف حراسه .السرعة ليست ابلضرورة
من وظائف التكنولوجيا .التكنولوجيا كما أظهر كريفلد ،ميكنها يف إبطاء اجليش.
انظر إل الفيتناميني الشماليني مقابل الوالايت املتحدة يف حرب فيتنام .حنن يف
موقع هؤالء الطيارين املقاتلني .أولئك الذين ينجحون يف هذه البيئة يعرفون كيف
يلعبون لعبة الفريق بطريقة خمتلفة ،وليس ألهنم بشر آليون ،ولكن ليس بنفس
القطعة .حنن مراتحون للعمل مببادرتنا اخلاصة ،ولكننا أيضا جند املتعة يف جعل
فرديتنا تتناسب مع اجملموعة .حنن قادرون على تبين التغيري ،والتخلي عن أمناط
العمل القدمية ،والبقاء متجذرين يف الوقت احلال ،ومراقبة ساحة املعركة على
حقيقتها ،وعدم تشوشها ابألفكار املسبقة .ميكننا التفكري بسرعة ،والتخلي عن
احلاجة إل التحكم يف كل شيء ،والبقاء على مقربة من البيئة اليت نعمل فيها
(الشوارع ،عمالئنا).
هو نوع جديد من احليواانت اليت تزدهر يف هذا النظام اجلديد .عقلك هو املفتاح
الذي سيحول هذا إل ميزة ،وليس ثروتك ،أو التكنولوجيا حتت قيادتك ،أو عدد
احللفاء الذين متتلكهم .مهما كان النجاح الذي حتققه اآلن ،فسوف يعمل على
مصلحتك ألنك لن تكون على دراية مبدى بطء ختلفك يف الدورة العابرة السريعة.
تعتقد أنك خبري .وأنت لست مضطرا للتكيف حت يفوت األوان .إننا نعيش يف
أوقات قاسية.
- 77 -
الزوااي واملخادعون واملصاصون
لقد نسيت شيئا مهما جيب أن تتذكره حىت تنزل حتت ستة أقدام… .ال يوجد
سوى نوعني من الناس يف جمموع العامل الواسع ،املخادعون واملصاصون…[ .مع
املصاصني] دعهم أغبياء ،ألن أدمغتهم تبقى انئمة يف عاملهم احلميد .حافظ على
دماغك شحذا للحدة يف العامل السري للخداع - .إيسبريج سليم
قبل بضع سنوات ،قررت أن أساعد ذهين يف التغلب على مشاكل كتاب 33
اسرتاتيجية للحرب ،فاشرتيت طاولة بلياردو .بعد يوم شاق من العمل ،كنت
أستقر يف لعبة البلياردو وأجعل نفسي أركز بشكل كامل على اللباد األخضر،
والعصا ،واملشارب ،واملواد الصلبة .انتهى به األمر ليكون اخليار األمثل للتحويل.
أصبح من الواضح ل أن الكرة تدور حول الزوااي .أوال ،هناك زوااي بسيطة ،حيث
جيب عليك ضرب الكرة الرئيسية على أي من اجلانبني عندما ال تكون مستقيما.
هذا غالبا ليس ابلسهولة اليت يبدو عليها .ث ،هناك الزوااي اليت أتخذها عندما
تضع الكرة املستهدفة على اجلانبني ،وهي لعبة جديدة يف حد ذاهتا .هذا يذهب
إل أبعد من ذلك مع لقطة مزدوجة .هناك زوااي اللقطات املركبة ،وحت املزيد
من الرتكيبات الزلقة ،عندما تستخدم مادة صلبة لالنزالق من شريط وتطرق يف
مادة صلبة .ث هناك لغة الزوااي الكاملة اليت تلعب دورا عندما تفكر وحتاول
إبقاء الكرة البيضاء يف وضع اثبت ،والعمل مع املساحات املفتوحة على الطاولة.
- 78 -
أخريا ،هناك الزوااي اجملردة يف املكان والزمان النفسيني :اللعب بعقل خصمك،
والسماح له ابملضي قدما ،فيضع نفسه يف زاوية للكرات األخرية على الطاولة،
أو دفعه إل وضعيات مستحيلة (حقيبة اخلدعة) ،أو رؤية اجلدول أبكمله وكيفية
تشغيله يف وقت قصري .بعبارة أخرى هناك طبقات من الزوااي ،كلها أكثر دقة
وفنية كلما صعدت السلم لتحسن لعبتك .مل أعد مبتدائ ،لكنين ابلتأكيد لست
حمتاال ،ليس بعد.
للعب بشكل جيد ،لرفع مستوى لعبتك ،جيب أن يكون تركيزك شامال .كما يف
البلياردو ،كذلك يف احلياة .يتم حبس املصاصني يف عقلية الكرة الواحدة يف املرة
الواحدة ،ويتحمسون مجيعا عندما تضرب أحدهم يف تسديدة ذكية ،لكن ال
يرتكون ألنفسهم مكاان يذهبون إليه .إهنم ال يتعلمون أبدا :الزوااي بعض فوق
بعض .ث هناك أشخاص يرفعون مستوى لعبهم قليال ،والذين يظهرون أهنم يعرفون
كيفية الصخب ،والذين ميكنهم إطالق بضع طلقات متتالية .عملت يف هوليوود
لدى بعض األشخاص مثل هؤالء .كانوا يسمحون لآلخرين ابلقيام ابلعمل
واحلصول على كل الفضل .أحد الكتاب /املخرجني الذين كنت أعرفهم سيلعب
ابستمرار لعبة توظيف شخص آخر لتوجيه السيناريو الذي كتبه ،شخص صغري
متحمس وعدمي اخلبة .هذا الشخص سيفشل حتما يف وقت مبكر من العملية؛
سيتعني على الكاتب /املخرج أن أيت وينقذ املوقف .من األفضل إعداده هبذه
الطريقة ،بدال من أن يُنظر إليه على أنه يريد توجيه مشاريعه اخلاصة .على غرار
الطريقة اليت هندس هبا ابت رايلي عودته ابلكامل إل التدريب .لكن هذه األنواع
- 79 -
مل تشاهد اجلدول ابلكامل ،أو لديها خطة هناية جيدة للعبة .كان لديهم بعض
الزوااي ،ولكن ليس من مرتبة عالية .مل يصلوا إل هذا احلد .إهنم حمتالون من
املستوى املنخفض إل املتوسط.
جاء إل أحد معاريف الذي يدير أعماله اإلعالمية اخلاصة قبل بضعة أشهر
مبشكلة :قامت موظفة رفيعة املستوى بتسريب شيء حمرج عنه ملوظفني آخرين.
كانت زاوية تسريبها هي لفت انتباهه وحتذيره مما قد تفعله .كانت مستاءة ،قلقة
من أن يسرحها ،وكانت هذه رصاصتها عب قوسه .نصيحيت كانت أن تكون على
دراية أوال بلعبتها ،وعلى هذا املستوى حت ال تشري إل أي نوع من ردود الفعل
السلبية من جانبه .كان عليه أن يستمر يف الظهور بشكل ودود ،وكأن شيئا مل
حيدث .كانت هذه مقدمة ،جمرد إهلاء .كان عليها الرتكيز على هذا ومعرفة ما
يعنيه .هل كان خجوال؟ أمل يهتم؟ هل كان حياول استعادهتا؟ هل ترهبه؟ هذا من
شأنه أن يكسبه بعض الوقت.
ث حققنا يف املوقف ،ورأينا املزيد مما كان حيدث وتوصلنا إل حل .أوال ،قام بطرد
موظفني آخرين كاان صديقني هلا ،وكاان مشاغبني .والثالث نُقل إل مكتب يف
مكان بعيد ،كرد فعل على قلة أدائهم ،ومل يكن له صالت واضحة ابملرأة املسربة
املعنية .كان اهلدف ذو شقني :عزل اهلدف ،وجعل املرأة يف زاوية من الصعب
عليها التآمر من خالهلا وإاثرة الفوضى ،وأن يرسل هلا حتذيرا غري مباشر أبن املدير
مل يكن شخصا يعبث به هبذه الطريقة .مل تكن حتركاته سهلة الفهم جذبوا انتباهها
وقاموا بتثليجها .عندما نظران يف ردود أفعاهلا احملتملة على هذا وكيف ميكنها
- 80 -
تصعيد كل شيء إذا شعرت ابلتهديد ،عملنا على زاوية أعلى لرد الفعل هذا،
حبيث قمنا بتغطية أكب عدد ممكن من القواعد .لقد حددان طريقة ملواجهتها حت
لو كانت تناور لتعلن معلوماهتا .لقد قمت مؤخرا إبعادة القراءة لـ{:اسيبريج
سليم} أحد املفضلني لدي .ابلنسبة إل اسيبريج فإن العامل ينقسم عنده إل حمتال
وأمحق .إما أن تكون أحدمها أو اآلخر .املصاص ليس له زوااي على احلياة ،ال
يوجد لديه حس بفن املراوغة ،ميكنه أن يقوم بلعب دور غيب واحد يف كل مرة.
يهدف احملتال دائما إل الزوااي ،ويتعلم كيفية لعبها ،ويصبح فناان يف اللعبة .فيما
يلي أهم الفروق بني النوعني:
°تفضيل اخلشبات الكذابة اجلميلة على احلقيقة القبيحة .يريد املغفل تصديق
أشياء معينة عن احلياة ،وابلتال يعرض هذه الرغبات على العامل احلقيقي ،ويرى
ما يريد أن يراه .املخادع يزدهر على الواقع ،قبيحا أو غري سار -جيد ضالته يف
احلقيقة .يرى الطاولة أبكملها ويلعبها فيها كما هي.
- 81 -
°توقف عن السماح لعقلك ابلقفز مثل املصاص اللوليب .يتحرك عقل األبله يف
كل مكان ،متناسيا ترتيب األشياء ،وحيدث الفوضى حيث ال يوجد شيء .جيب
أن يظل احملتالون هادئني وأن يركزوا على سلسلة األحداث أثناء تطورها ،والزوااي
املختلفة اليت تُلعب ،مع ردود الفعل احملتملة .احملتال ال ينسى مكان الكرة الثامنة
وكيفية الوصول إليها بشكل منهجي.
ال ميكنك تعلم اخلدع حبفظ الكلمات .كل عالمة يف أي لعبة خمادعة خمتلفة.
عليك أن حتفظ عناصر املخالفة .يريد املصاص صيغا ميكنه حفظها وإدخاهلا يف
املواقف .ليس لديه تدفق ألنه صارم يف عقله .يتدفق احملتال ألنه يلعب يف اللعبة
ككل ،ويعرف العناصر وميكنه االرجتال وصنع الزوااي حيث ال يراها أحد.
°أان ال أأتخر عن فواتريي مثل املصاص .املصاصون لديهم عالقة خاطئة ابملال.
حياولون ادخار البنسات هنا وهناك ،أو فهم القتل الكبري الذي يواجه كل
االحتماالت .املال خيرج كل أعصاهبم .احملتال يفهم املال .إهنا أداة للقوة واخلداع
ومصدر للمتعة .وهو يعرف دائما االحتماالت.
°ال تتهرب من رصيدك .اخلدعة مصنوعة للجميع ،كما تتعلم .أي شخص عرضة
للخداع .ميكن أن يقع احملتال األكثر حكمة فجأة يف أسوأ متشرد ويفقد كل
- 82 -
أمواله .املخادع على دراية بنقاط ضعفه وفتحاته للخداع .هذا اإلدراك هو ميزته.
يعتقد املغفل أنه يعرف كل شيء وال ميكن أن ينخدع .هذا هو عيبه القاتل.
°ال تنس أبدا أن كلمة الشجاع جيب أن تكون مثل رابطة ذهبية لشركائه .بعبارة
أخر ، :تكرمي اللصوص .ينسى احملتالون من املستوى األدىن هذا وأمهية السمعة.
يضيعون يف اللحظة ويفسدون الشخص اخلطأ .جيب أال يتغلب اجلشع على
مصداقيتك أبدا .إذا كنت ال تفهم التفاصيل الدقيقة هلذا ،فأنت مبتذل.
°ذهبت إل اهلاتف ألتصل ابإلهلة .ابتعدت عنه .كانت مسرحية صغرية .نفاد
الصب هو السمة املميزة للمغفل ،وهو ليس أوضح مما هو عليه يف مسائل اإلغواء.
ال ميكنه االنتظار لالتصال ،أو إراقة شجاعته ابعرتاف ابحلب ،أو حماولة الكشف
عن مدى حرصه على اإلعجاب والرضا .العاطفة تتفوق على اإلسرتاتيجية .الصب
والوقت هو عقيدة احملتال" .ألعب من أجل الوقت وأرى ما سيحدث "،تقول
إليزابيث األول ،ملكة إجنلرتا احملتالة.
..." °منذ أن فجرت القميص مثل العالمة .كان جيب أن تظل هادائ وتفكر يف
بعض اخلدع معي لفصل سونوفابيتش عن القليل من العظماء " .الغضب قاتل
وغيب .يف عامل تنافسي وخطري ،الغضب هو إغراء عظيم .لكن الشخص املغفل
هو الذي يستسلم للغضب الطبيعي من حالة األشياء ،من خالل الرد على
- 83 -
الصخب واالنفجارات .يلعب املخادع الزاوية األكب وينتقم من اهلدف بضربه يف
جيبه أو مسعته .ال يتم قمع الغضب ولكن يتم توجيهه بشكل صحيح.
جيب أن تستمر يف رفع هذه اللعبة إل مستوايت أعلى ،كما هو احلال على طاولة
البلياردو -إتقان الزوااي النفسية يف النهاية .لعبك اخلاص متعة حت النهاية ،حت
املوت ،عندما تنتهي اللعبة.
- 84 -
نظرية السيطرة
ليس للتحكم يف الكلمات أكثر الدالالت إجيابية يف ثقافتنا .تعبريات مثل مهووس
التحكم تتحدث عن هذا .لكن فكرت عن السلطة مرتبطة مباشرة مبفهوم
السيطرة .أوال وقبل كل شيء هناك فكرة ضبط النفس .القوة احلقيقية الوحيدة
اليت هتمك يف النهاية هي القوة على نفسك والقدرة على التحكم يف مشاعرك.
على رأس القائمة نفاد الصب ،حاجتك لإلشباع الفوري .املشاعر األخرى ستكون
اخلوف ،واليت جيب مواجهتها .الرغبة يف أن تكون حمبواب فيعجبون بك هي عائق
مماثل ،وكذلك الغضب الذي ال ميكن السيطرة عليه .ال ميكنك السيطرة الكاملة
على هذه املشاعر ،ولن ترغب يف ذلك .كل ما يُطلب منك هو التحكم أكثر مما
كان لديك يف املاضي ،حتكم أكثر من منافسيك .كلما كانت هذه املشاعر
واضحة ،كانت االسرتاتيجيات والقرارات اليت ستتخذها أفضل( .ملزيد من
املعلومات حول هذا املوضوع ،يرجى الرجوع إل الفصول األول والثان والثالث
والرابع والثان عشر يف كتاب اسرتاتيجيات احلرب البالغ عددها )33
- 85 -
يف الوقت الذي كنت أكتب فيه الكتاب تؤيد نظرييت .أوال كانت هناك حرب
العراق :أصبح مع تقدمها أن أعداء جيشنا املتعددين يسيطرون على الديناميكية.
ميكن أن يشنوا هجماهتم اإلرهابية مبعدل جناح منخفض ،لكن كل واحد وضعنا
يف موقف دفاعي ،وجعلنا نرد ونبالغ يف رد الفعل .ظل اجليش األمريكي مضطرا
إل إعادة تعديل اسرتاتيجيته ،وهي عالمة أكيدة على فقدان السيطرة.
راقبت بعناية محلة كريي الفاشلة عام 2004وكان واضحا ل أنه يف كل خطوة
تقريبا من الطريقة اليت كان كريي يستجيب فيها لألحداث اليت ت أتطريها أو
استفزازه به من قبل اجلمهوريني .أرى رد فعل الدميقراطيني على أفعال وكلمات
بوش وفريقه ،بدال من وضع جدول األعمال بطريقة عدوانية .ميكن أن يفوزوا يف
االنتخاابت هذا العام ،ولكن كما أشرت يف 33إسرتاتيجية للحرب ،غالبا ما
يكون الفوز هو املهم .ميكنك الفوز بطريقة تؤدي إل هزائم مستقبلية ،وميكن أن
ختسر بطريقة تؤدي إل انتصارات مستقبلية .ميكن للفوز بطريقة دفاعية وتفاعلية،
وأن يؤدي إل خسارة يف اجلولة التالية ألنك ال تتحكم يف النقاش.
أصبحت مهووسا مبتابعة هذا يف الرايضة .لطاملا تساءلت عن ظاهرة الزخم ،خاصة
يف رايضيت املفضلة كرة القدم وكرة السلة .لقد توصلت إل استنتاج مفاده أن
هناك نقطة حتول يف مثل هذه األلعاب حيث يتغري الزخم ،حيث يتول جانب
واحد املسؤولية ،ويتمتع ابألفضلية ويطبقها على طول الطريق .يف كثري من
األحيان ،نرى فريقا واحدا ينتزع الصدارة ،لكن تقدمه يف اللعبة يرتاجع وخيسر
- 86 -
يف النهاية .يف نظرييت ،هناك نقطة يف املسابقة يفقدون فيها السيطرة ،عقليا
وجسداي ،واجلانب الفائز يقوده هذا إل النصر .ميكنين مشاهدة مباراة كرة سلة
على سبيل املثال ،وأرى يف الربع األول من سيفوز ،على الرغم من أن النتيجة
رمبا كانت ضد الفريق الذي اخرتته .لقد حكمت على هذا من خالل أي جانب
كنت أعتقد أنه يتحكم يف اإليقاع وأسلوب اللعب من بني عوامل أخرى .لقد
حققت نسبة جناح عالية يف االتصال ابلفائز يف الربع األول أو الثان.
- 87 -
أان أرسم هذه النظرية من أجلك ،لكين أدعوك لتجربتها يف حياتك .عند قراءة
الورقة البحثية وحتليل األحداث يف األخبار ،أو أثناء متابعة لعبة ،أو النظر إل
حياتك املهنية وعالقاتك ،قم بتحليل الصورة وحاول حتديد اجلانب الذي يتمتع
بقدر أكب من التحكم يف الديناميكية .اندرا ما يكون هذا أبيض وأسود .سيكون
لكل جانب قوته وحلظاته ،ولكن بشكل عام ميكن اكتشاف التحوالت
واالجتاهات .يف العالقات ،أو يف حياتك املهنية ،ميكن أن يكون هذا ذاتيا
وستميل إل االعتقاد أبنك الشخص املسيطر ،أو سرتى نفسك ضحية لآلخر،
اهلدف الظامل لسلوكهم املسيطر .هناك طرق لقراءة العالمات بشكل صحيح،
لكن عليك أن تضع غرورك جانبا .ال ميكنك التحكم يف كل شيء يف احلياة،
وأولئك الذين يسعون إل القيام بذلك ينتهي هبم األمر يف الغالب إل فقدان
السيطرة .هناك مفارقة غريبة هاهنا ،واحدة أوجزهتا يف احلرب العاملية الثانية يف
مناقشة انبليون .ختلى انبليون عن سيطرته املشددة على جيشه من أجل السيطرة
بشكل أكب على املعارك اليت بدأها .فعل جورج مارشال الشيء نفسه مع
البنتاغون .وهناك قوة ميكن أن أتت من قبول أشياء معينة والتخلي عن السيطرة
يف الوقت احلال ،كما أوضحت يف اسرتاتيجية الرتاجع يف 33إسرتاتيجية
للحرب .لكن التخلي عن السيطرة يف حلظات معينة هو املفتاح األساسي للسيطرة
على الديناميكية الحقا.
مل نتطرق حت إل اإلغواء هاهنا .إن رأيي هو أن املُغوي الناجح سوف يتمكن
من إخفاء عنصر التحكم ،جلعل الضحية تعتقد أنه أو أهنا متتلك سيطرة مساوية
- 88 -
أو أكب على املوقف .يتطلب هذا الكثري من هذا الصب والذكاء :فأنت تسمح
للطرف اآلخر أبن يشق طريقه ،وأن يقرر إل أين أنت ذاهب ،ويرفض تقدمك،
ويطلب هذا وذاك .لكن مساحك هبذا هو ما جيعلك متحكما يف املوقف .يتحكم
املُغوي يف الديناميكية عن طريق الرتاجع غالبا.
- 89 -
جتربة يف مكافحة الغباء.
عندما نفقد تلك القوى املنطقية ،فإن األمر يشبه الوقوع بني شأنني :ال ميكننا
االعتماد على غرائزان ،وال ميكننا االعتماد على ذكائنا .حنن نسقط وخنلق موجات
من املشاكل .لقد طورت هذا املفهوم يف اإلسرتاتيجية رقم ،12لكن الرؤية
الكاملة تنتظر كتاب .أريده أن يكون التحليل النهائي لظاهرة الغباء العاملية ،مليئة
ابألمثلة التارخيية ،واملأساوية واملضحكة .واحدة من أكثر أشكال الغباء قسوة
هي الفكرة اجملمدة .كلنا نعان من هذا ،ما أعنيه هو ما يلي :نطور فكرة عن
احلياة .ميكن أن أيت هذا من األشياء اليت نقرأها ونسمعها يف وسائل اإلعالم ،
- 90 -
أو من جتاربنا اخلاصة .تتجمد هذه األفكار يف رأي حول شيء ما .مع مرور
الوقت مييل رأينا هذا إل فقدان االتصال ابلواقع .نتمسك أحياان مبثل هذه اآلراء
ألن االعرتاف أبهنا كانت خاطئة أو غري ذات صلة يسبب لنا االضطراب العاطفي
مع القلق بدافع الغرور والكسل ،ال نريد أبدا االعرتاف أبننا كنا خمطئني .استمع
إل األشخاص يف الستينيات أو السبعينيات من العمر ،كل فكرة يعبون عنها
هي نوع من الذبذابت املتشددة اليت تشكلت يف شباهبم.
كنت مؤخرا يف إجازة صغرية يف منطقة اخلليج (زار روبرت غرين االمارات أواخر
سنة -2015املرتجم) ،وشعرت ابحلاجة إل بعض العالج النفسي ،قررت إجراء
جتربة صغرية على نفسي .سأحاول أن أفكر يف كل شيء على عكس الطريقة
املعتادة للتعامل مع األشياء .وضعت اخلات الوحيد الذي أرتديه (ورثته من والدي
عند وفاته) يف إصبع على اليد اليمىن بدال من اليد اليسرى .سيكون هذا ملحوظا
ابلنسبة ل وجيعلين دائما على دراية بشيء خمتلف .سيذكرن جسداي ابلبقاء يف
االجتاه املعاكس .جعلتين جتربيت اجلانبية أقوم بتقييم ردود أفعال العادية جتاه
األشياء وتسليط الضوء عليها وجعلتين على دراية مبدى استجابيت لآلخرين .أجد
نفسي خالل الرحلة شاعرا ابلضيق بسبب شيء قاله أحدهم (كنت مسافرا مع
العائلة) .أجبت نفسي يف البداية على الشعور ابلعكس ،شعور ابلبهجة للتعبري
عما هو واضح .أو رمبا مل يكن األمر واضحا جدا .رمبا كان هناك قدر غريب من
احلكمة الواردة يف هذه الذبذابت اليت كانوا ينطقوهنا .على أي حال ،كان من
املمتع اللعب هبذه الطريقة ،ومشاهدة كيف يبىن هذا الزخم .إن التصرف
- 91 -
والتفاعل بشكل خمتلف ،حت لو أجبن احلال على ذلك ،جعلين أشعر
ابالختالف ،وكان ذلك عالجا جيدا.
حسنا ،خطرت ل العديد من األفكار املثرية لالهتمام أثناء هذه التجربة .فكرة
جديدة يف فلسفة حديثة للعيش ،كتاب جديد أعمل عليه ،طريقة جديدة للتكيف
مع العامل .ميكنين أن أكتب ما ال هناية عن النتائج .لكنين سوف أشارك يف كشف
واحدة :كما نعلم مجيعا ،منطقة اخلليج هي مركز التصحيح السياسي العاملي.
تعمل بشكل عام ابلطريقة التالية :يتم فحص كل خيار يف احلياة والتحقق منه مرة
أخرى ملعرفة مدى مالءمته جملموعة مرتبة من اخلاانت األخالقية /أو القيمية اليت
- 92 -
تشغل العقل .تتعلق هذه الفتحات ابلبيئة :قيادة سيارة بريوس ،وإعادة التدوير،
وعدم قراءة الكثري من الصحف اليت تتضمن قطع األشجار ،وتفضيل كبري
لوسائل النقل العام ،ومناقشة مستمرة لالحتباس احلراري ،وما إل ذلك .ستشمل
الفتحات القريبة الطعام :كل شيء عضوي ،يتم اختيار القهوة ابلطريقة
الصحيحة ،وعدم إهدار الكثري من املاء ،والرتدد على املتاجر املناسبة .يقع هذا
ابلقرب من فتحة التسوق :من األفضل عدم الشراء من متاجر بيع الكتب
الكبرية ،ادعم الرجل الصغري (سييت اليتس ،ول ابرنيس وارابن) ،اش ِرت مالبسك
هنا ،وليس هناك؛ إن مظهر (أورابن أوت فيرتز) املتهالك أفضل ،ألنه يدل على
موقف غري رمسي ،وليس مرتبطا ابألشياء املادية.
بعض املدن واألماكن صحيحة بطبيعتها :منطقة اخلليج ،أوريغون ،أو سانتا ،أو
أي شيء يف املكسيك أو العامل الثالث ،مينيابوليس ،الوالايت الزرقاء من كندا.
بعض األماكن شريرة بطبيعتها :جنوب كاليفورنيا ،أي شيء يف تكساس (إل
جانب أوسنت) ،والكثري من اجلنوب وابلتأكيد فلوريدا .بعض الكتاب بطبيعتهم
رائعني ومليئني ابحلكمة :جور فيدال ،نعوم تشومسكي ،على سبيل املثال ال
احلصر .يستطيعون إطالق الريح وستكون رائحة ظرطتهم مثل احلكمة العابرة
لألزمان .جيب أن تعرف حمطات الراديو الصحيحة .رمبا يكون من احلكمة عدم
امتالك جهاز تلفزيون .جيب أن يتغذى أطفالك على االختيارات الصحيحة:
الطعام ،املالبس ،املوسيقى.
يصبح العقل كهفا مليئا هبذه الفتحات .ملاذا يرتبط هذا بتجربيت يف مكافحة
الغباء؟ حسنا ،ألنين اكتشفت العشرات من هذه الفتحات يف ذهين ونظام القيم.
- 93 -
وقد أزعجين ذلك .كل هذا يصبح عقبة أمام التجربة .بدال من استجواب نفسك
أو اآلخرين حول ما يفعلونه فإن لديك نظاما جاهزا من اخليارات لتلتزم به .ال
تتحدى احلياة وال تدعوك للتفكري بعمق .بدال من مالحظة العامل كما هو ،كل
حدث فريد وتعليمي جيعلك متواجدا يف فقاعته.
وهذا الصواب الشديد حتما ،أحب أن أطلق عليه "العفة اجلديدة" ،ليس أكثر
اختالفا عن الغباء .عندما أكون حول املتعففني اجلدد ،وهم موجودون يف كل
مكان هذه األايم ترفع روح معاكسة رأسها القبيح يف داخلي ،وال بد ل من التعبري
عن عكس القيم والذبذابت اليت يروجون هلا .لكن رمبا جيب أن أحاول العكس
وأن أصبح متشددا ليوم واحد .عندما كنا أطفاال كان متاحا جتربة العامل بطريقة
فورية .مل تكن أدمغتنا مليئة ابألحكام واآلراء املهضومة .ميكننا أن ننظر إل العامل
من حولنا بقليل من اإلعجاب واإلاثرة يف أصغر شيء.
كما قلت يف 33إسرتاتيجية للحرب ،ما نود استعادته من شبابنا ليس مظهران
اجلميل ،أو احلياة اخلالية من اهلموم ،ولكنه العقل -املرونة واالنفتاح -الذي
كنا منلكه ذات يوم .من الصعب حماربة ثقل الغباء ألنه يسحقنا مبرور السنني،
لكن األشياء اجليدة هي اليت ميكن أن أتت من هذا اجلهد.
- 94 -
إعالانت احلرب
أب للجميع .بعض احلروب تصنع آهلة ،وبعضها رجاال ،وبعضها عبيدا،
احلرب ٌ
والبعض اآلخر أحرارا - .هرياقليطس
لقد الحظت يف كتاابت أنين ما أنين أبدع فيها بشكل جيد عندما أكون غاضبا
قليال .كان هذا سهال عندما كتبت قوانني القوة الـ ،48ولكن حبلول الوقت
الذي وصلت فيه إل اسرتاتيجيات احلرب الـ ،33كنت حباجة إل حتفيز هذا
جمددا بطريقة ما .بدأت ألعب لعبة مع نفسي :قبل كتابة فصل ،كنت أفكر يف
أشياء أو أشخاص أو أفكار معينة أغضبتين سلفا ،وأعلن احلرب عليهم مجيعا.
كلما أكتب أختيل هذا ،وماذا عنه أو عنها ،أو فيما أاثر الكراهية؟
هناك البعض ممن لديهم فكرة خاطئة أنين أدعو إل قمع املشاعر .يف عدة فصول
من كتاب احلرب أعود إل فكرة مكيافيلي واإلغريق القدماء أبننا مجيعا جزء من
احليواانت واألهلة ،وأن اجلزء احليوان من طبيعتنا هو ما مينحنا الطاقة والقيادة .ال
يستطيع احملارب القتال دون الشعور ابإلهلام أو اإلميان ابلقضية .املرتزقة هم أسوأ
املقاتلني .لكن هذا اجلزء العاطفي منا جيب أن يكون حتت السيطرة ويُوجه بشكل
صحيح .هذا ما ستفعله لك اسرتاتيجية أرض املوت ،على سبيل املثال .أجد
- 95 -
بشكل عام أن إعالن احلرب على شيء ما (موضوع الفصل األول من الكتاب)
هو وسيلة صحية لتجاوز صراعات احلياة ،وحتديد ما تؤمن به ،والرد على شيء
حتتقره.
فيما يلي قائمة ببعض إعالانت املفضلة عن احلرب أثناء أتليف الكتاب ،وهي
اليت ظللت أعود إليها:
الدجالون
هذه فئة كبرية من الناس حلد ما ،لذا امسحوا ل أن أشرح ما تعنيه ل .الدجالون
هم أشخاص خيفون افتقارهم إل األفكار الواضحة ،وافتقارهم إل نظام معتقد
مركزي ،بكل أنواع التجريدات الغامضة واحلاملة .قمت بتحليلها يف كتاب القوة،
يف القانون 27ويف عدة فصول أخرى .الدجالون ابرعون يف التسويق ،وهناك
الكثري الذي ميكننا تعلمه منهم يف هذا اجملال .كان الدجالون يف القرن الثامن
عشر على دراية اتمة ابللعبة اليت كانوا يلعبوهنا ،وكانوا مسلون بشكل ال يصدق.
األشخاص من حولنا مزعجون وليسوا مدركني لذواهتم .أجد أن الكثري من
األكادمييني دجالون فاقدون للوعي .كتاابهتم مليئة ابألفكار اليت يبدو أهنا تلمح
إل شيء ما ولكنها ال تضيف شيئا .كاتب مثل {هيجل} ليس دجاال ابلنسبة ل.
لكن عمله صعب ،وعندما تقرأه وتفهم ما يقوله ،فسوف يبقى معك إل األبد.
- 96 -
كاتب مثل {دريدا} ليس له مثل هذا التأثري .ميأل الكثري من األكادمييني عملهم
بتلميحات ألشياء أنيقة وعصرية ،تتماشى مع مجيع األسباب الصحيحة .إهنم ال
يلتزمون أبي وجهة نظر ،ألن ذلك قدمي الطراز.
عندما أصادف كاتبا مثل هؤالء فإن الرغبة جتتاحين لطردهم ،أجعلهم يعرتفون
مبا حياولون قوله بدل إخفاءه بذكاء .هذه األنواع جتعلين غاضبا وجتعل دمي يبقبق
ويغلي( .أعلم أنين كنت غامضا بعض الشيء بشأن اسرتاتيجية أساطري احلزب
الدميقراطي ،لكنين أعدك أال أبدو مثل هذا الدجال هناك وأن أوضح ذلك فيما
يلي من األايم).
العول ِميُّون
لقد انتهى هذا األمر قليال إبدخال األشياء العشوائية ،وصراخي السابق ضد
{أجنلينا جول} مثال على هذا( ،أرسل روبرت غرين خطاابت متكررة للممثلة
أجنلينا جول ،كوهنا شخصية خضعت آلاثر العوملة احلديثة ،وقام بنصيحتها دون
أن تسعى للظهور على فقر أفريقيا وحياة البسطاء لطلب املزيد من االهتمام
والشهرة ،وقام مبهاتفتها يف أحاديث شخصية ،وطلب منها أن تصرف اهتمامها
لفقراء أمريكا ودعم اجلمعيات اخلريية فيها -املرتجم) لكن لنكرر :نعيش مجيعا
يف عامل مباشر ألصدقائنا وجمتمعنا وبلدان .هذه أشياء حقيقية وملموسة وميكننا
التأثري عليها .وجيب علينا أوال أن نلفت انتباهنا إل تلك األشياء اليت ميكننا
- 97 -
التأثري فيها .لكن بعض الناس يعيشون يف عامل غري واقعي ُمعومل .اهتماماهتم
وشغفهم الرئيسي ال عالقة له مبا جيري حوهلم أو حت حبياهتم اليومية .إهنم يفرون
من هنا إل هناك ،إهنم يفضلون القلق بشأن إفريقيا وجماعاهتا وقلة خبزها ،أو
يهتمون ابلصني وسياساهتا وحتكمها ،بدال من القلق الرئيسي بشأن املشكالت
احلقيقية يف جمتمعهم وبلداهنم .إهنم مهتمون ابملظاهر بدال من التأثري على التغيري
يف العامل .والتغيري الذي يتجدر عليهم .
املعتدون السلبيون
ينطبق هذا الكثري من األشخاص الذين قابلتهم على مر السنني والذين يؤثرون
بكوهنم من ذوي األلطاف والود والتهذيب ،لكن مظهرهم اخلارجي اللطيف خيفي
الكثري من العداء .أيت هذا يف حفرايت صغرية ،أو متلق يتضمن لدغة مسمومة،
أحيلك إل فصل العدوانية السلبية يف كتاب احلرب .كنت أفكر يف هذه األنواع
كثريا مؤخرا ،ال سيما من حيث عالقتها ابحلسد .أريد أن أكتب كتااب يوما ما عن
احلسد ألن هذا املوضوع أيخذ مين مأخذا .إهنا لغة غريبة يتحدث هبا الناس
وكلنا ن فهمها ،ألننا شعران ابحلسد يف حياتنا .لكن بعض الناس يستهلكونه وهم
خطرون جدا .وإذا حصلت على أي نوع من االعرتاف العام ،فإن كونك هدفا
للحسد يزداد سوءا .كتب أحدهم ذات مرة أهنا الضريبة اليت ندفعها مقابل أي
جناح حنققه يف احلياة .أحببت هذا القول.
- 98 -
احلشد املناهض للحرب والتالعب
هذه خيمة مزدمحة نوعا ما ،لذلك جيب أن أميز قليال بني األنواع .األولون هم
أولئك الذين يعتقدون أن احلرب شريرة بطبيعتها ودراستها ،انهيك عن الكتابة
عنها ،أمر سيء ابلفعل .ماذا يعين هذا يف النهاية؟ للتخلص من احلرب أو القتال
من أجل العدالة أو أي قضية تتطلب اسرتاتيجية .لكي تعرف اإلسرتاتيجية ،جيب
أن تكون لديك بعض اإلملامات احلربية ،حيث يرتفع التفكري االسرتاتيجي إل
أعلى مستوايته.
إذا مل تكن مهتم ابالسرتاتيجية فهذا يعين أنك لست مهتما ابلنتائج ،ألنه ال
ميكنك االنتقال من النظرية إل العمل بدون جسر االسرتاتيجي .هذا يعين أنك
مهتم بصوتك فقط .تريد أن يعتقد الناس أنك هنا من أجل كل األشياء
الصحيحة .املظاهر هي كل ما هتتم به .ث تعلن حراب كبرية على كل هذه األنواع.
املضادون للتالعب هم أولئك الذين يدعون بطريقة أو أبخرى إل اإلعفاء من
احلاجة اإلنسانية للغاية واالندفاع للتالعب بطريقة ما .وأولئك الذين ينكرون
ذلك هم بشكل عام أكب املتالعبني هبم وهم خطريون للغاية .أان لست شخصا
تستهلكه الكراهية .أان أجد أنه من املناسب أن أكون ضد األشياء ،وأن أختذ
- 99 -
موقفا وأقاتل بذكاء .هذه إسرتاتيجية تلعبها لتحفيز نفسك وتعريف نفسك .وهذا
سيكون أمرا ممتعا.
ابلطبع ،قائمة األشخاص واألشياء اليت سأعلن احلرب عليها ذاتية ،وأدعوك اآلن
لتتخيل أنك تكتب كتااب حول نفس املوضوع ،وجيب أن تفعل ما فعلت .يرجى
مشاركتنا ما الذي ستعلن احلرب عليه ابلضبط ،ما الذي جيعلك تريد أن تقول:
(نيك أمك) ،حاول أن ترفعها فوق األفراد الذين ال نعرفهم ،واجعلها عمومية
أكثر ،مثل ما ميثله هذا الشخص الذي تكرهه .وإذا كنت ال حتب هذا التمرين،
وتعتقد أنه أمر مروع جدا أن تفكر هبذه الطريقة ،فأنت تعلم جيدا ما أفكر فيه
عنك وأين ميكنك الذهاب.
تبدأ نظرية أو فكرة املركز مبالحظة واقع اإلنسان الفوضوي ،وارتباكه ،وأحزانه .وتعزى
هذه إىل جهله ،مما جيعله فريسة سهلة لظواهر غري جوهرية ،إىل "الظالل" اليت حتوله
يف هناية املطاف ضد نفسه ،ضد صاحبه ،وضد العامل .سعى رجال احلكمة يف آسيا
إىل إدراك اجلوهر أو مركز الوجود األساسي -املركز حيث أصبح العمى املصاب
ابلدوار واملتأمل هادائ وواضحا ،يف حماولة ملواجهة آاثر تبعية اإلنسان القاتلة واالستعباد
على جمموعة متنوعة ومربكة من الظواهر الوجودية.
-من أسرار الساموراي
فيما يتعلق ابالسرتاتيجية ،جند ثالثة أنواع من الناس على هذا الكوكب .يف أدىن
درجة جند أولئك الذين يستجيبون عمليا لكل شيء مبشاعرهم .إهنم مرتبطون
ابحلاضر .كما أوضحت يف 33إسرتاتيجية للحرب ،فإن التفكري االسرتاتيجي
ليس من وظائف التعليم .غالبا ما جند األشخاص األكثر تعليما يف العامل يعيشون
ويتنفسون يف هذا اجلو املنخفض .املتعلمون هم األكثر خطورة .حيتل العديد من
العاملني يف وسائل اإلعالم هذه الدرجة .رمبا الحظت مرات عديدة يف وسائل
اإلعالم مقدار الدور الذي تلعبه اهلسترياي .هجوم إرهاب حمتمل ،أو هبوط سيء
لطائرة ،أو القليل من البارود يف ظرف وجيز ،ومجيع اخلباء يضربون موجات
األثري لرفع مستوايت التأهب .الكثري من هذا جمرد عمل .وسائل اإلعالم تزدهر
من الغريب عدم حماسبة أاي منهم على توقعاهتم وحتليالهتم السخيفة .خذ ديفيد
بروكس ،على سبيل املثال ،كاتب عمود ذكي يف صحيفة نيويورك اتميز .بعد غزو
العراق مباش رة كان على وشك النشوة لنعومة كل شيء ،ووبخ كل الليباليني
واملبللني الذين شككوا يف ضرورة هذه احلرب .عندما بدأ الواقع يسلم محامه
البارد بردت أعمدته .أصبح اآلن يوبخ عدم الكفاءة يف كيفية خوض احلرب.
بعد قليل ،قد يقول املرء .لكنه مل يقل يف أي وقتmea culpa ،؛ (عبارة
التينية تعين اإلقرار ابخلطأ -املرتجم) لقد كنت خمطئ؛ أرى الضوء اآلن.
يف هذه الدرجة الدنيا من احلياة ،يتفاعل الناس مع هذا أو ذاك ،وحيللون األحداث
الفورية من خالل مرشح حتيزاهتم ،ويتم تسخينهم وهتدئتهم مع مرور األايم ،وال
يرتفعون فوق كل شيء لتحليل أين أخطأوا .يتم جتاهل الصورة الكبى .منذ اليوم
أعلنت أن هذه احلرب كانت متهورة وغري قابلة للفوز .لقد أعلنت هذا
ُ األول
بسبب قراءت للتاريخ وحتليلي للظروف .لقد استندت إل احلكمة اخلالدة أنه
عندما يكون هناك الكثري من العوامل اليت ال ميكنك السيطرة عليها ،فإن هذا يف
احلرب سيؤدي إل الفوضى واهلزمية .ومشلت هذه العوامل احلدود اليت يسهل
اخرتاقها ،ووجود أعداء لدودين للوالايت املتحدة (سوراي ،إيران ،وآخرون) على
أان لست عبقري .هذه العوامل واضحة وميكن ألي شخص قرأ جزءا بسيطا من
التاريخ العسكري أن يقول الشيء نفسه .كتبت مقاالت افتتاحية قبل بدء احلرب
أعرضت فيها عن هذه األفكار ،وطلبت من دعاييت اخلاصة إرساهلا إل الصحف
املختلفة .أرسلت هذه األفكار أيضا إل العديد من املنتجني يف البامج
التلفزيونية .مل نتلق لفتة واحدة .ابلنظر إل هذه الصورة الكبى ،اليت جتري فيها
األحداث على مدى سنوات ،ال يوجد صب على هذا النوع من التحليل يف
وسائل اإلعالم .وإذا مل يكن هناك صب على ذلك يف هذه الدوائر ،فإنه مييل إل
التصفية للجميع .يف غضون ذلك ،يشغل العديد من اجلنراالت والنقاد
اإلسرتاتيجيني وقت البث جبميع أنواع التحليل التكتيكي للحرب على األرض.
يتغريون من شهر آلخر .يف مرحلة ما كان مجيع كبار الضباط واخلباء العسكريني
مندهشني من سرعة االنتصار .ومن ث فهم قلقون بشأن التمرد ،لكن من املؤكد
أن قوتنا النارية املتفوقة ستسود ث يصبحون أكثر اهتماما ،ويدعون إل هذا
العمل التكتيكي أو ذاك ،و الذي ال يغري أي شيء من الديناميكية .مل يقدم أحد
عمليا أي شخص يف السنوات األول من هذه احلرب أدىن حتليل منطقي ملا قد
يرتتب على هذه املغامرة العسكرية يكون إجراميا ابلنسبة ل.
ميكن التعرف على هذه األنواع عند احلديث عن أي نوع من البيئة التنافسية .إذا
كان األمر يتعلق ابلسياسة ،فإهنم متحمسون مجيعا هليالري كلينتون أو ابراك
على سبيل املثال ،حياول السيد "ب" من النوع الثان احلديث عن حرب العراق.
يذكر كل األشياء اليت ذكرهتا أعاله ،واملخاطر املختلفة اليت جتعلها مغامرة غري
منتجة ،إهنا مقامرة ال غري .يتدخل احملاور املتدرب يف مدرسة بيل أورايلي لكي
يتنمر :حسنا ،الوضع ابلتأكيد ليس أسوأ مما كان عليه مع صدام حسني .ماذا
من النوع الثان يود أن جيادل أبنه على املدى الطويل كان إبمكاننا تطوير
اسرتاتيجيات أخرى ضد صدام ،مع مراعاة فكرة مهامجته عندما تكون اللحظة
مناسبة ،رمبا بعد سنوات .لكن هذا غري مسموح به .أان أؤكد أن أساس هذا النوع
من التنمر يف أورايلي عاطفي .للوهلة األول رجل مثل هذا ذكي ويبدو أنه
يستمتع ابجلانبني .لكنه كان مؤيدا هلذه احلرب ،ومن الصعب االعرتاف أبنه رمبا
كان على خطأ .تفوق عدم أمانه وأاننيته على رغبته يف الوصول إل احلقيقة .أؤكد
أن العديد من األشخاص الذين شنوا هذه احلرب كانوا خملوقات عاطفية أرادوا
االنتقام من صدام ،االنتقام لـ 11سبتمب ،الذي وقع يف غرام السيناريو الوردي
النتشار الدميقراطية يف الشرق األوسط.
كان أحد هذه الكتب كتاب( :أسرار الساموراي) :هو مسح لفنون القتال يف
الياابن اإلقطاعية ،من أتليف أوسكار رات وأديل ويستبوك .أان أوصي بشده به.
كانت هناك مفاهيم أعود إليها مرارا وتكرارا .يتعلق أحد هذه املفاهيم يف القتال
ابلسيف بوضعك األول .هذه الوضعية األولية ليست جسدية فحسب ،بل هي
عقلية أيضا .إذا وضعت نفسك يف الوضع الصحيح ،فسيتدفق كل شيء آخر
من ذلك .إن فقدان التوازن أمر ال مفر منه يف أي قتال ابلسيف ،ولكن إذا كنت
قادرا على استئناف هذا الوضع األساسي للتوازن بسرعة ،مسرعا أكثر من
خصمك فسوف تنتصر .هذا الوضع هو مركزك وخراجك .إنه خيتلف ابختالف
األفراد ويعتمد على عقلك ونوعك اجلسدي .ابلنسبة للبعض فإنه يكون
كالسيكيا ،ويف وضع مثال للهجوم أو الدفاع .ابلنسبة لآلخرين مثل موساشي
فإن الوضع األقل توقعا من قبل خصمك ،هو الذي حيتوي على مفاجأة ،ولكنها
لقد أصبحت هذه الصورة تطاردن .عندما أجد نفسي تفقد التوازن من قبل
شخص عاطفي متفاعل ،أفكر يف هذا الوضع األساسي الذي جيب أن أعود إليه.
كان لدي هذا الوضع عندما كتبت الكتب :واثق ومتأكد مما كنت أفعله .لدي
ما يعادل بصراي جتارب حمارب الساموراي يف االستعداد ملصارعة السيف.
عندما ميزقين الناس ،حماولني ج ِّري إل أسفل عب هجوم شخصي ،أذهب إل هذا
الوضع وينقذن من الوقوع يف هراءهم .عندما أشعر حيسدن شخص ما وهو
يتنفس قرب رقبيت ،أركز نفسي وأساحمهم .كلنا نشعر ابحلسد ،وهم يتأملون مين
أكثر .ال يوجد شيء سيء يف هذه احلياة (موضوع سأقوم بتوضيحه يف كتاب
أعمل عليه) .كل شيء يعتمد على الطريقة اليت حتكم هبا بعد حدوثها .ميكنك
حتويل أي شيء سيئ إل شيء جيد إذا أقسمت أن تتعلم منه درسا ،وانظر فيه
إل إمكانية وجود شيء إجياب.
احبث عن خراجك ،واعرف أين يكمن توازنك ومت تكون حول الذين من النوع
األول فتسحبهم إل دوامة ردود الفعل العاطفية ،واضغط على هذا الوضع،
واسرتجع ،واستعد السيطرة على ديناميكية نفسك .ليس من اخلطيئة أن تكون
من النوع الثان .أود أن أضع نفسي هناك .اخلطيئة الوحيدة هي أال هتدف إل
األعلى ،وترضى أن تتذلل يف الدرجات الدنيا.
ذات يوم ،بينما كنت أكتب كتاب ،فن اإلغواء ،خطرت على ابل الصورة التالية:
كل شخص لديه جانب مظلم مثل القمر .ال نرى هذا اجلانب أبدا ،لكننا نعلم
أنه موجود ونلتقط حملات منه يف حلظات معينة ونتخيل الباقي .وإليك كيف يعمل.
يقدم الناس إل اجملتمع جانب شخصيتهم الذي يريدون رؤيته .قد تكون هذه
مساهتم اإلجيابية وغري األاننية؛ ميكن أن تكون صفاهتم العدوانية والقوية .يتم تعلم
هذا منذ الطفولة ،كنوع من آلية الدفاع .حتت هذا اجلانب االجتماعي يكمن
الكثري من عدم األمان والضعف .نرى كأطفال أن السماح للناس إبلقاء نظرة
على نقاط الضعف هذه ميكن أن يؤذينا ويثري شكوكنا .لذلك حنن نغطيهم بشيء
يقرتب من العكس .أتت كلمة شخصية من الكلمة الالتينية ،persona
(بريسوان) واليت تعين القناع .الشخص الذي يكون مبتهجا وممتعا ومتشوقا ،غالبا
ما خيفي الكثري من العدوان اخلفي واالستياء والغضب .سيظهر هذا يف أفعال
عدوانية سلبية خملة .شخص آخر حمق سياسيا -أيكل األشياء الصحيحة ويقوم
بدعم كل األسباب السليمة ،ويقود سيارة بريوس.
عندما ترى أشخاصا ،وتركز على جانبهم املضيء املشرق الذي يقدمونه للعامل
كأنه شخصياهتم احلقيقية ،فأنت ختطئ يف قراءة املوقف .سوف تنحرف
اسرتاتيجيتك يف السلطة أو احلرب .وسوف تفوتك أغىن الفرص يف اإلغواء
إلاثرة التعدي واحملرمات .يف كتابيت عن هذا يف الكتب الثالثة ،مل أقصد ذلك
بروح الكراهية واالستخفاف .بدال من ذلك كان من املقرر احتضان هذا اجلزء
من الطبيعة البشرية .لدينا كل هذا اجلانب املظلم .إنه جزء منا مثل صفاتنا
اإلجيابية واالجتماعية .حنملها مدفونة أو مظلمة .كما كتبت أجنيال كارتر ،فإننا
نفضل أن نصطف مع املالئكة ،بدالً من الرئيسيات اليت حنذر منها ابلفعل .أولئك
الذين خيافون من هذا اجلانب من أنفسهم ،هم الذين يقمعون كثريا ،وهم األكثر
خطورة.
طريقة استخدام هذا بسيطة .أنت تفرتض أن الناس يقدمون لك جانبهم املشمس.
إذا أظهروا مسات معينة قوية كانت أو صاحلة فغالبا ما يؤدي ذلك إل حجب
العكس يف العمق .سيكشفون عن هذا اجلانب املظلم بلغة أخرى جيب أن تتعلم
أخبهتا أن الكتاب مل يكن ابلضرورة كما بدا للوهلة األول .سألت عن القصد؟
شرحت أن األمر يتعلق خبلق السحر يف الواقع ،وكيف جتعل الناس يقعون يف
حبك من خالل إلقاء نوع من التعويذة النفسية .ميكنك قراءة هذا على أنه
تالعب ،ميكنك قراءة هذا على أنه رومانسي .سرتى يف الكتاب ما تريد أن تراه،
بناء على شخصيتك وحتيزاتك اخلاصة .كانت متحمسة جدا ،وقالت أهنا ستتعمق
يف هذا بني أمور أخرى يف املقالة.
عندما أخرجت الكتاب أخريا ،كانت النظرات صعبة .ت تصويري كنوع من أليسرت
كراول يف فن اإلغواء( .كان أليسرت ساحرا ورومنسيا وشاعرا يستهوي قلوب
النساء بلسانه العذب ،قال عن نفسه أنه النيب املكلف بتوجيه اإلنسانية فصدقه
الكثري -املرتجم) ،ت تصويري كزعيم غسيل دماغ لعبادة شيطانية .لقد قورنت
هبتلر .ت إحضار جمموعة من اخلباء لتأكيد ذلك ،اخلباء الذين من الواضح أهنم
بعد أسابيع قليلة من نشر املقال ،تلقيت مكاملة هاتفية شديدة احلماسة من
الناشرين .ارتفعت مبيعات كتاب فن اإلغواء بشكل فظيع .وعلى موقعي اخلاص.
كتبت ل مجيع أنواع النساء ليتحدثوا ل عن كيفية وصوهلن للكتاب عب مقالة
يف جملة .ALLUREأاثر ذلك فضوهلن .كان عليهن رؤية ما يدور حوله كل
شيء ،أرادوا املعرفة الفضولية .غالبا ما يعمل اإلغواء بطرق غريبة ومتناقضة.
غالبا ما ختضع حياتنا لنمط من احلركة يبدأ عند الوالدة .يقضي احليوان البشري
وقتا مفرطا يف رحم األم .عندما حيصل إخراجنا من منطقة الراحة تلك -حيث
تلىب مجيع احتياجاتنا -ندخل إل عامل غري مألوف من الضوضاء واألضواء .ال
يسعنا إال أن نرغب يف العودة إل الرحم .األم هي بديل هلذه الرغبة وحنن نتشبث
هبا .نشعر بغياهبا يف أي فرتة طويلة كنوع من الرعب .هذا هو مصدر خوفنا
العميق -التخلي عن أنفسنا ومواجهة احلياة وحدان ،من الفراغ واالنفصال .هذا
اخلوف الطفول ال عالقة له ابلواقع (األم ليست بعيدة جدا) ؛ بل ينبع من
الضعف واجلهل .قد نعتقد أثناء بلوغنا أننا تركنا هذا اخلوف وراءان ،لكنه يظل
مدفوان يف أعماقنا وحيدد أفعالنا بطرق ال ميكننا ختيلها .منذ والدتنا وحت موتنا،
نتوق ابستمرار إل الراحة والدفء واألمان أبي شكل ميكننا العثور عليه .حنو
األمام وهو احلياة والقوة ،لكن جزءا منا يريد الرجوع إل الرحم دائما.
نصل يف مرحلة الطفولة إل مرحلة حرجة .مل نعد ضعفاء وعاجزين .لدينا روح
مغامرة مضطربة ونريد استكشاف العامل من حولنا .إذا كنا جريئني وأعطينا والدينا
مساحة لتجربة األشياء ،فيمكننا تطوير طعم املخاطرة واحلرية اليت ستجعلنا نصل
إل مرحلة البلوغ .لكن إذا أتخران ،إذا عانينا من صدمات على شكل تغيري غري
مرغوب فيه ومواجهات ،إذا عانينا الشدائد والفشل وانتقاد اآلخرين ،إذا عانينا
الشعور ابلوحدة املفرطة ،فإن احلركة املعاكسة ستحدث .سننمي خماوف غري
خماوفنا الطفولية حتمل قدرا من احلقيقة يف الغالب :هناك خطر يف العامل وأمل ميكن
أن أيت مع املغامرة بعيدا .لكن القلق الذي نشعر به جيعلنا نبالغ يف اخلطر ،ونركز
داع على التهديد وجيعلنا نتوقف عن اخلروج إل العامل .هذا على األقل
دون ٍ
يعطينا وهم السيطرة .إذا بقينا ضمن دائرة ما هو دافئ ومألوف فيمكننا محاية
أنفسنا من املشقة واملعاانة -أو هكذا يبدو .يف مرحلة املراهقة نضيف طبقة
جديدة من اخلوف .حنن ننظر إل ما وراء عائلتنا وأقراننا .قلقنا األكب هو السخرية
واالستبعاد من مجاعة ما ،واليت متثل لنا دائرة جديدة من الدفء .نسعى للحصول
على موافقتهم .تتشكل شخصيتنا حول هذه الرغبة .حنن نزيل حوافنا اخلشنة،
ما جيعلنا فردا ،ونصبح مهووسني مبا يعتقده الناس عنا وكيف ميكننا إرضائهم؟ يف
مرحلة ما من هذه الرحلة ،جند أنفسنا مدفوعني إل عامل العمل البارد الذي ال
يرحم .لقد انتهى اآلن وهم احلماية من قبل األم أو األسرة أو اجملموعة .جيب أن
ندافع عن أنفسنا .ستحدد أفعالنا إل أي مدى نتقدم حنو السلطة.
إذا واصلنا محل خماوف شبابنا غري العقالنية وغري القابلة للتحدي يف داخلنا،
فسنلجأ حتما إل النمط الرجعي الذي بدأ يف الطفولة .سوف نتمسك بوظيفة
تبدو آمنة .ضمن هذه الوظيفة ِّ
حنصل راتبا وتلبية احتياجاتنا -عالقة تشبه الرحم.
سوف نلتزم أبمناط سلوك أقراننا ،أو نستمع إل أصوات آابئنا .ستصاب أيضا
عملية تفكريان يف األعماق .سوف تصبح بعض األفكار واملعتقدات العزيزة
ميكن التعبري عن هذا ابلطريقة التالية :نبدأ احلياة يف التمسك مبواقف الراحة
واالعتماد .ننجذب بشكل طبيعي إل اخلارج مع تقدمنا يف السن حنو اإلجراءات
اليت ستجلب لنا القوة .تبدو هذه املنطقة اخلارجية غري مألوفة وال ميكن التنبؤ هبا
ولكنها جذابة .ومع ذلك يف نقاط معينة من التحرك يف هذا االجتاه ،فإننا نواجه
مقاومة أو عقبة تثري اخلوف -اخلوف من الوحدة ،واالضطرار إل مواجهة الناس
ورمبا عدم إرضائهم ،وارتكاب األخطاء وخوف النقد ،والشعور ابمللل والفراغ،
والتعامل مع التغيري والشدائد احملتملة ،فقدان ما لدينا و مواجهة املوت نفسه.
يف اللحظة اليت نشعر فيها هبذا اخلوف ،ننظر إل الوراء حنو ما هو آمن ومريح
ونتحرك يف هذا االجتاه .حنن ال نستكشف أو خناطر .نتفاعل ونرتاجع يف سطر
واحد .نرسم دائرة حول أنفسنا لتقطعنا عن السلطة ،دائرة تصبح نوعا من
السجن املفروض على الذات .تنطوي احلياة بطبيعة احلال على حلظات من األمل
والوحدة واملعارك والنكسات .الشعور ابخلوف والرتاجع بسببها صراع مع احلياة
نفسها .بصفتنا ابلغني واعني وعقالنيني فإننا مدعوون لتجاوز هذه األوهام
واملخاوف الطفولية ،الحتضان احلياة والواقع .هذا هو جوهر كتاب :القانون
مخسون (الكتاب متوفر برتمجتنا) :عندما تتخطى هذه الدائرة اليت فرضتها على
نفسك ،فإنك اخليارات تكون لديك .أنت تدخل عامل القوة .يف مواجهة الشدائد،
مل تعد ترتاجع على طول خط واحد .أنت تستكشف العامل وتظل منفتحا على
جتربة العديد من األشياء حسب الظروف.
التحرك يف االجتاه اآلخر جيلب الديناميكية املعاكسة .عندما تكون جريئا وخملصا
لشخصيتك ،فإنك جتعل الناس حيرتمونك .إهنم مييلون إل االبتعاد عن طريقك
أو متابعتك .أنت ختلق ظروفك اخلاصة ،ومييل النجاح إل حتقيق اآلخر .لديك
تدفق يتحرك مع الفوضى والتغيريات يف العامل احلديث ،بدالً من التمسك
ابملاضي .كل هذا يُرتجم إل قوة حمتملة ،كما حددها (صن تزو) .يف مثل هذه
املرحلة ،وهي اليت تنعكس على املخاوف امللحوظة على الدائرة إل أشكال من
القوة .التغلب على اخلوف من الوحدة ،على سبيل املثال ،يساعدك على تطوير
االعتماد على الذات؛ جتاوز اخلوف من النقد مينحك القدرة على التعلم من
أخطائك؛ يساعدك التغلب على اخلوف من امللل واللحظات الفارغة على تنمية
االنضباط والقدرة على تعلم أي حرفة.
افهم ما يلي :نشعر مجيعا ابخلوف الشديد يف حياتنا .إنه مصدر تعاستنا .يشعر
مجيع األشخاص األقوايء واملبدعني يف هذا العامل خبوف أقل من اآلخرين؛ إنه سر
جناحهم يف أي جمال .عدم اخلوف ليس ابلضرورة ما تعتقده .هذا ال يعين أن تكون
إن مواجهة اخلوف من املوت والتغلب عليه مينحهم إحساسا ابلتناسب واألولوية
-ابلنظر إل أن أايمنا معدودة ،فغالبا ما ال يستحق االنزعاج من املعارك الصغرية
يف الوقت احلال؛ من األفضل أن يصرف جمهوده إبحلاح وطاقة فيما هو أهم منه.
ال هتتم هذه األنواع مبا يفكر فيه الناس عنهم ،فال ترتدد يف إبداء رغباهتم ونزواهتم
ليكونوا أنفسهم.
ما مييز روحهم هو الشعور ابهلدوء واحلرية والتنقل يف النهاية ،وهي الصفات
الضرورية للسلطة يف فرتات التغيري الديناميكي مثل اآلن .ال تثقل كاهلهم كل
املشاعر السلبية اليت أتت من اإلفراط يف القلق بشأن آراء اآلخرين ،أو الشعور
ابالعتماد على الناس .هذا حيرر املزيد من الطاقة لتكون مبدعا .وما يبز
االختالف بني هذه األنواع واملُحاطني ابخلوف هو جمرد املوقف من احلياة الذي
خيتارونه.
يستند كتاب القانون مخسون على فرضية واسرتاتيجية بسيطة :أنت انئم .أنت
لست على دراية ابلدرجة اليت حيدد هبا اخلوف أفعالك .ما يزعج الناس اآلن
وجيعلهم يشعرون ابلقلق والرتاجع مل يكن يزعج األمريكيني يف القرن التاسع عشر،
حيث يواجهون هتديدات مستمرة من البيئة .ال ميكننا رؤية هذا مع ذلك .ليس
لذا فإن القانون مخسون يعمل كأداة لقيادتك إل مستوايت مماثلة من الوعي.
يركز كل فصل على خوف بدائي معني نشعر به مجيعا .إنه يوضح كيف خيتبئ
اخلوف يف داخلك ويوجهك مبهارة يف احلياة .إنه يشري إل طرق ملواجهة والتغلب
على كل من هذه املخاوف ،واسرتاتيجيات حول كيفية حتويلها إل أضدادها .كل
صور بقصص من حياة فيفيت ،وكذلك من شخصيات اترخيية متثل منوذجا
فصل ُم َّ
للقانون اخلمسني .هذه القصص مبثابة إهلام وإرشادات .هذا ليس سوى نصف
املعادلة .ما سيحدث على األرجح هو أنه يف مرحلة ما أثناء القراءة أو بعدها ،
سيتعني عليك مواجهة بعض املواقف أو الصعوابت اجلديدة .مدركا كيف
سيجعلك اخلوف تتفاعل وترتاجع دون وعي ،ستتوقف هذه احلركة وتفكر .لن
تول اهتماما ال داعي له للتهديد أو اخلطر الذي ينطوي عليه.
قم خبطوة زائفة ،ال لتمريرها خلطوة حقيقية ،ولكن لتحويلها إل خطوة حقيقية
بعد اقتناع العدو بزيفها - .حيل احلرب 36 :اسرتاتيجية عسكرية من الصني
القدمية.
أوال ،افعل شيئا عاداي وتقليداي إلصالح صورهتم عنك ،ث اضرهبم مبا ال يكون
متوقعا .الرعب أكب لكونه مفاجئا جدا .ابلنسبة إل {صن تزو} والصينيني
القدماء فإن القيام بشيء غري عادي كان له أتثري ضئيل دون إعداد شيء عادي.
كان عليك أن ختلط بني االثنني -إلصالح توقعات خصمك ببعض املناورة
العادية ،وهو منط مريح يتوقعون منك اتباعه بعد ذلك .مع افتتان العدو مبا فيه
الكفاية ستضربه ابستعراض غري عادي ،عرض للقوة املذهلة من زاوية جديدة
متاما .يف إطار ما ميكن التنبؤ به ،سيكون للضربة أتثري مضاعف.
حت عندما كان طفال ،كان حممد علي يشعر مبتعة منحرفة لكونه خمتلفا .لقد
أحب االهتمام الذي حظي به ،لكن األهم من ذلك كله أنه أحب أن يكون على
طبيعته :غريب ومستقل .عندما بدأ يتدرب كمالكم ،يف سن الثانية عشرة ،كان
يرفض القتال ابلطريقة املعتادة ،مستهينا ابلقواعد.
عادة ما يبقي املالكم قفازاته يف اجتاه رأسه واجلزء العلوي من جسمه ،استعدادا
لتفادي الضربة .كان علي حيب إبقاء يديه منخفضتني ،ويبدو أنه دعا للهجوم -
لكنه اكتشف يف وقت مبكر أنه أسرع من املالكمني اآلخرين ،وأفضل طريقة
جلعل سرعته تعمل من أجله هي جذب ذقن اخلصم إل مسافة قريبة مبا يكفي
ليقوم علي بنقره .ضربة يف وجهه من شأهنا أن تسبب الكثري من األمل لكوهنا قريبة
جدا وسريعة جدا .تطور علي جعل من الصعب على املالكم اآلخر الوصول إليه
من خالل خفة ساقيه ،حت أكثر من قوة لكمة .بدال من الرتاجع ابلطريقة اليت
اتبعها معظم املقاتلني قدم علي قدما واحدة يف كل مرة ،ظل علي على أصابع
قدميه ،متقلبا للخلف راقصا يف حركة دائمة إليقاعه الغريب .كان هدفا متحركا
أكثر من أي مالكم آخر .غري قادر على توجيه اللكمة ،سيصاب املالكم اآلخر
وعرض
ابإلحباط ،وكلما كان أكثر إإحباطا زاد وصوله إل علي ،وفتح حارسه ّ
نفسه للطعنة من العدم اليت قد تطرده من اللعبة .كان أسلوب علي يتعارض مع
حكمة املالكمة التقليدية بكل الطرق تقريبا ،ومع ذلك كان أسلوهبا غري التقليدي
هو ابلضبط ما جعل من الصعب حماربتها.
افهم ما يلي :يتم تعليمنا االلتزام ببعض قواعد السلوك وطرق القيام ابألشياء
كأطفال وشباب .نتعلم أن االختالف أيت بثمن اجتماعي .ولكن هناك مثن أكب
جيب دفعه مقابل االمتثال اخلاضع للخداع :نفقد القوة اليت أتت من فرديتنا ،من
طريقة فعل األشياء اليت هي تكون ملكنا أساسا .حنن نقاتل مثل أي شخص آخر
مما جيعلنا متوقعني وتقليديني .الطريقة اليت جتعلك غري تقليدي هي أال تقلد أي
شخص ،وأن تقاتل وتعمل وفقا إليقاعاتك اخلاصة ،وتكييف االسرتاتيجيات مع
خصوصياتك وليس العكس .سيؤدي رفض اتباع األمناط الشائعة إل صعوبة
ختمني ما ستفعله بعد ذلك .أنت فرد قد يثري هنجك غري التقليدي غضبا وانزعاجا