You are on page 1of 122

‫منشورات دار املالكي للدراسات واالستشارات والرتمجة والنشر‬

2020

.‫مجيع احلقوق حمفوظة‬

All rights reserved © to Dar Al-Maliki for consulting, translation and


publishing The translation of this book is reserved in
the Saudi Authority for Intellectual Property Rights
under number:
20/5554345
Recorded by Dr. Ibrahim El-Malky.
It is not allowed to quote from this book without referring to the
original source with its mention

-2-
‫ـقاد على‬
‫الراقص البارع ال جيعل املرأة تشعر أهنا تُـ ُ‬
‫اإلطالق‪ ،‬يف حني أنه هو من يتحكم يف كل احلركات‬
‫واإليقاع‪.‬‬
‫(هذه املقولة من روبرت غرين تستحق أن تكتب برماد الشيطان عندما حيرتق يف اجلحيم‪ -‬املرتجم)‪.‬‬

‫‪-3-‬‬
‫أصل السلطة‬
‫روبرت غرين‬

‫جتميع‬

‫مارك بالسيين‬

‫ترمجة‪:‬‬

‫د‪ .‬إبراهيم املالكي‬

‫حممد اإلدريسي‬

‫‪-4-‬‬
‫تقدمي‪:‬‬

‫حتتل إسرائيل يف نظري املرتبة األول يف قائمة الدول األكثر اهتماما بكتب وأفكار‬
‫روبرت غرين‪ ،‬وأقصد ابلتحديد شرحية كبرية من القواد واملسؤولني يف مفاصل‬
‫الدولة اليهودية‪ ،‬ويعتب يهود أمريكا أول املشرتين لكتب روبرت غرين عند نزوهلا‬
‫للسوق‪ ،‬وال يكاد بيت أي امرئ يهودي مسؤول أو كان مهتما ابلثقافة واملطالعة‬
‫خيلو من كتب روبرت غرين أو أنه اليعرف هذه الشخصية احلديثة‪ ،‬بل إن بعض‬
‫األفراد من اليهود جيتمعون مرتني يف األسبوع ملدارسة كتاب "قواعد السطوة"‬
‫ويرجعون ملساءلة روبرت يف املسائل التوجيهية املعضلة! ومادام أن املشكل‬
‫الرئيسي الذي اليزال يعان منه اليهود منذ فجر التاريخ حت اآلن يرتبط ابلتوجيه‪،‬‬
‫فال داعي أن أيت السؤال التال يف رأسك‪ :‬ملاذا يهتم اليهود بكتب روبرت غرين؟‬
‫لكن اجلواب عندي من وجهني‪:‬‬

‫أوال‪ :‬ألن أغلب اليهود حيتلون مراكز قيادية يف منظماهتم املعلنة أو السرية مع‬
‫بقاء إشكالية التمرد اليت ال يوجد هلا حل حت اللحظة‪( ،‬شركاهتم‪ ،‬ومجعياهتم‪،‬‬
‫ومسارحهم‪ )..‬والكثري من هذه املواقع يتمركز ابلتحديد يف أمريكا‪ ،‬فبني كل ‪20‬‬
‫يهودي يوجد ‪ 5‬قواد يف جماالت قيادية خمتلفة‪ .‬وتكون لدى غالبيتهم قضااي‬
‫حتكمية وسلطوية ابلغة ال ختلو من التعقيد واالضطراب‪ ،‬هلذا جند أن أكثر من‬
‫يستشري روبرت غرين ذو خلفية يهودية خالصة يف الغالب‪ ،‬وهلذا ال يزال‬
‫مستعصيا على العديد منهم سبيل التحكم يف بعض اليهود املتمردين داخل‬
‫إسرائيل يف خمتلف قطاعاهتم احلكومية أو اجملتمعية (الشرحية النسائية خصوصا)‪.‬‬

‫‪-5-‬‬
‫اثنيا‪ :‬يعمل العديد من اليهود النخبويون يف ابب االستشارات واالدارة للمشاركة‬
‫يف صناعة القرار داخل منظماهتم‪ ،‬سواء داخل أمريكا‪ ،‬أو خارجها (إسرائيل)‪.‬‬
‫وقد كان معدل االستشارات اليهودية التنافسية لدى روبرت غرين تتخطى ‪50‬‬
‫استشارة يف األسبوع‪ ،‬مما اضطر روبرت غرين أن يرفع أسعار االستشارات‬
‫اليهودية الشخصية‪ ،‬ويؤسس شركة استشارات خاصة غري معلنة‪ ،‬ليخفف عليه‬
‫ضغط اليهود عب اإلحالة إل مساعديه يف االستشارات‪ ،‬أو يعتذر عن استقباهلا‪.‬‬

‫ومبا أن مارك بالسيين هو جامع مادة كتاب أصل السلطة لروبرت غرين‪ ،‬وهو‬
‫شخص يهودي حمض‪ ،‬ومقرب أيضا من روبرت نفسه‪ ،‬فإنه كرس بعض وقته‬
‫ليرتجم مقاطعه ومقاالته للعبية أيضا بشكل متكرر‪ ،‬وهو الذي مجع مادة هذا‬
‫الكتاب الذي أمامك اآلن وعرضها على روبرت ومسح له بنشرها للقراء‪ .‬ث‬
‫التقطناه بطريقتنا لنحوله للعربية ابلنهج الذي تراه بني انظريك‪.‬‬

‫لقد بلغ االهتمام اليهودي بروبرت غرين مستوايت انفرادية متقدمة‪ ،‬فقد بلغين‬
‫من أحد معارف روبرت غرين أن (بنيامني نتنياهو) قد وفر له منصبا شاغرا جبنبه‬
‫وحثه عليه لغرض الرجوع إليه يف االستشارات السلطوية وطرق دمغ خصومه‪،‬‬
‫وبسط النفوذ السلطوي يف الشرق األوسط‪ ،‬لكن روبرت غرين رفض الطلب‪،‬‬
‫كما رفض عروضا تلقاها من مؤسسات أمريكية عالية النفوذ‪ ،‬ورفض ذلك عدة‬

‫‪-6-‬‬
‫مرات وفضل االستمرار يف مترير نظرايته اليت أنفق عليها ‪ 15‬عاما من البحث‬
‫قبل طرحها للمزيد من القراء الذين حيبهم روبرت حول العامل‪ ،‬ألن قاعدته اليت‬
‫ينطلق منها تنسحب على مجلته املأثورة‪:‬‬

‫‪The largest impact possible‬‬

‫يريد أن حيقق أكب قدر من التأثري املمكن يف العامل‪ ،‬وهذه أمنيته الوحيدة‪ ،‬وهو‬
‫ما يريده روبرت غرين‪ ،‬وفرغ له وقته وعقله‪ ،‬ليقوم بتوسيع شرحية القراء واملتأثرين‪،‬‬
‫هلذا جتد منه هذا التفرغ الكامل للحوارات واللقاءات التلفزية وكتابة املقاالت‬
‫وإلقاء احملاضرات وكثرة املشاهدات التنظريية آلرائه يف العشر سنوات األخرية‪،‬‬
‫وهو شخص يتسم ابلتواضع وقبول الظهور الرسال ابلدرجة األول‪ .‬سيقوم هذا‬
‫الكتاب بتقريبك من نوعية أخرى من شخصية روبرت غرين‪ .‬لعل روبرت غرين‬
‫الذي قرأت له يف االتقان‪ ،‬أو قواعد القوة‪ ،‬أو فن اإلغواء‪ ،‬ليس هو نفسه الذي‬
‫ستجده هنا يف الغالب‪ ،‬سوف تقرتب منه أكثر وتقرتب من مشاركاته وجتاربه‬
‫ومواقفه املعلنة هاهنا يف األحداث واملنظمات وبعض الشخصيات املشهورة‪ ،‬وكذا‬
‫أسلوبه اجلديد يف النصح والتوجيه‪ ،‬وطريقته الواضحة يف التحليل واالستنباط‪.‬‬

‫إن االهتمام ابلقوة والسلطة ال ينبغي أن يقتصر على فئة معينة‪ ،‬أو حتكرت معرفته‬
‫طبقة ما‪ ،‬أو أن تتميز فئة ما مبتعلقاته ومفاهيمه‪ ،‬ذلك‪ ،‬ألن مستقبل السلطة‬
‫والقوة مزهر وخطري بال ريب‪ ،‬والدعوة إليه ينبغي أن تضاف للمسائل املصريية‬

‫‪-7-‬‬
‫لالدراك يف املستوايت العليا لدى املهتمني‪ ،‬وال جرم أن املعرفة الشاملة مبواضيع‬
‫القوة من االبتداء إل اخلبة التامة أمر يستطيعه املهتم‪ ،‬وألن احلاجة العربية إليها‬
‫فقرية جدا‪ ،‬وملحة جدا يف دراسة قواعد السطوة بشكل عام‪ ،‬فإن الدعوة لتوزيع‬
‫وتنويع النسخ املعرفية الظاهرة من روبرت غرين و ميكيافيلي يف العامل العرب أمر‬
‫ملح‪ ،‬ويف الشرق األوسط بشكل خاص‪ ،‬ولعل رؤية مؤسسات خاصة مهتمة‬
‫بقواعد القوة يف الدول العربية أمر حممود‪ ،‬ألن واقع احلكم يف العامل أصبح يفرض‬
‫هذه النظرية بقوة‪ .‬وإذ يعان واقع السلطة يف العامل العرب عموما مما أمساه‬
‫(كراسنر)؛ "نفاق السيادة" يف كتابه {السيادة‪ :‬النفاق املنظم} لعدم وجود آلية‬
‫استقرار مستدام‪ ،‬فتعان معظم الدول يف العامل العرب من غياب السلطة ذات‬
‫الشرعية املؤسسة متمثال يف قصور فاعلية مؤسسات الدولة و كذا هشاشة حكم‬
‫القانون‪ ،‬و ضعف التأييد الشعيب‪ ،‬و ذلك يف مقابل حتدايت التدخل اخلارجي‪ ،‬و‬
‫آتكل سلطة الدول املركزية‪ ،‬وهنا أيت البعد العلين لعالقات القوة‪ ،‬و يبدو هذا‬
‫البعد بتتبع سلوك القوة‪ ،‬من يشارك‪ ،‬من يفوز و من خيسر‪ ،‬و من يعب عن نفسه‬
‫يف عملية صنع القرار‪ ،‬و يقوم هذا البعد على افرتاض أن‪ :‬األفراد دائما ما حياولون‬
‫املقاومة و التصرف‪ .‬هذه املمارسات يف عالقات القوة حتدث بشكل علين و‬
‫واضح يف ساحة إختاذ القرار‪ .‬هذه الساحات السياسية مفتوحة ألي جمموعة‬
‫منظمة‪ ،‬وتؤدي إل نتيجة أن القيادات ليست خنبا هلا مصاحلها‪ .‬وهنا أيت دور‬
‫املستشار اخلبري ابلقوة وعالقاهتا ليضع األعواد يف جذورها‪ ،‬وتبين االقرتاحات و‬
‫تطبيق االصالحات‪ ،‬و خصوصا اليت تتعلق بتعزيز رشادة عالقات القوة بني‬
‫أطراف اجملتمع‪ .‬وأيت كتابنا املرتجم لإلشارة هلذه املفاهيم وبسط بعضها ومتييز‬

‫‪-8-‬‬
‫نقيضها‪ ،‬ملعاينة السلطة بشكل سليم يف ظل الوضع احلال الذي تسيطر فيه‬
‫العوملة والتكنولوجيا وتعدد كثرة الصوارف عن ِعماايت األهداف‪.‬‬

‫د‪ .‬إبراهيم املالكي‬

‫‪-9-‬‬
‫بني يدي ‪ - -‬أصل السلطة ‪- -‬‬

‫تصدير مارك بالسيين‪@markblasini .‬‬

‫حنن نعيش يف عصر من عدم اليقني اهلائل واالقتصاد السريع املتغري‪ .‬لقد غريت‬
‫اإلنرتنت والتكنولوجيا املُطورة حياتنا بشكل جذري – من الطريقة اليت نتواصل‬
‫هبا إل الطريقة اليت نقضي هبا أوقتنا‪ ،‬إل الطريقة اليت نؤدي هبا أعمالنا‪ .‬لقد خلق‬
‫لدينا هذا التحول ثالثة حتدايت رئيسية‪:‬‬

‫أوال ‪ ،‬بدأان نفقد الثقة يف السلطة‪ .‬لقد أصبحنا أكثر دميقراطية وارتباطا من أي‬
‫وقت مضى‪ .‬تعليق واحد سيء أو مقال سليب واحد‪ ،‬أو إشاعة واحدة مروعة‬
‫ميكن أن تدمر مسعة ومصداقية شركة أو فرد من الناس‪ .‬واألكثر من ذلك أن‬
‫اإلنرتنت أاتح املزيد من املعلومات لدرجة أننا ال نضطر لالعتماد على كالم‬
‫الشركات الكبى أو املؤسسات أو احلكومة نفسها‪ :‬لدينا وصول كبري للحقائق‪.‬‬

‫اثنيا‪ ،‬أصبح مدى انتباهنا صغريا‪ .‬ينصرف انتباهنا ألي شيء المع‪ .‬يتم قصفنا‬
‫ابستمرار وإغراءان مبقاطع الفيديو والتعليقات ومنشورات املدوانت وحتديثات‬
‫احلالة والصور وما إل ذلك‪ .‬وها حنن أوالء مع هذه البياانت الضخمة اليت‬
‫تستطيع الشركات أن تعرف خالهلا كل رغباتنا وتعطينا ذلك اخليال الذي حنلم‬
‫به‪.‬‬

‫‪- 10 -‬‬
‫وأخريا‪ ،‬أصبح املشهد املهين والتجاري أكثر قدرة على املنافسة‪ .‬أنت ال تتنافس‬
‫مع أشخاص يف جمال عملك فحسب‪ ،‬بل تتنافس مع اآلالف املؤلفة من الرسائل‬
‫– عمليات البحث وحتديثات احلالة ومقاطع فيديو ‪ – YouTube‬كلها‬
‫تستدعي انتباه عميلك‪ .‬يف الوقت ذاته جلب االقتصاد اجلديد هذا – "التحول‬
‫العظيم" كما يسميه روبرت غرين – فرصا غري مسبوقة مع زايدة الوصول إل‬
‫املعلومات‪ ،‬لدينا املزيد من القوة لتجنب التعرض للخداع والشماتة‪.‬‬

‫مل يعد هناك حراس يعيقون جناحنا‪ :‬ميكننا نشر كتبنا اخلاصة‪ ،‬وإصدار موسيقاان‬
‫املستهلكة لآلخرين‪ ،‬وبيع منتجاتنا وخدماتنا‪ ،‬وبناء قاعدة مجاهريية خاصة‪ ،‬أو‬
‫زايدة اجلمهور املتابع‪ .‬ونظرا ملدى صعوبة هذا التحول اجلديد وإرابكاته وأمهيته‪،‬‬
‫ولتحقيق النجاح أيضا‪ ،‬فنحن حباجة إل احلكمة والبصرية للتنقل بني هذه‬
‫التضاريس الصعبة‪ .‬حنن حباجة إل مبادئ إرشادية لتساعدان يف متييز املاء السائغ‬
‫ص ّمم‬
‫من هذه املياه اآلسنة والعكرة‪ ،‬ونلعب اللعبة الطويلة ونبين النفوذ‪ .‬هذا ما ُ‬
‫هذا الكتاب ألجله‪ .‬تقدم كل مقالة يف هذا الكتاب نوعا من البصرية ملساعدتك‬
‫على البقاء على قيد احلياة‪ ،‬وحتقيق االزدهار النفسان يف ظل هذا االقتصاد‬
‫اجلديد‪ .‬مثة ثالثة مبادئ متكررة للقوة والنجاح ستجدها يف هذه الكتاابت‪:‬‬

‫‪- 11 -‬‬
‫التنقل‪ .‬املستقبل ملك ألولئك الذين يتسمون ابلسرعة – الذين‬ ‫‪.1‬‬
‫يستطيعون تصميم وحتسني املنتجات واخلدمات اجلديدة بسرعة‪،‬‬
‫والذين يتعلمون من أخطائهم بسرعة‪ ،‬والذين ينتقلون إل أسواق‬
‫جديدة بسرعة‪ .‬نظرا ملدى سرعة حدوث التغيري عندهم‪ ،‬جيب أن تكون‬
‫أنت أو مؤسستك أو عملك قادرا على االستجابة لتعليقات السوق‬
‫ومن ث التحسني بسرعة‪.‬‬

‫السيولة‪ .‬جبانب هذا التنقل هو قدرتك على التكيف مع التغيري –‬ ‫‪.2‬‬


‫التخلي عن األفكار القدمية واعتماد أمناط جديدة من التفكري‪ .‬يعتمد‬
‫جناحك يف هذا العامل غري املؤكد على قدرتك على التخلص من‬
‫االفرتاضات القدمية حول البيع‪ ،‬وزايدة حصتك يف السوق‪ ،‬وما إل‬
‫ذلك ‪ ،‬واليت قد تعيقك عن النمو وبناء القوة‪.‬‬

‫التفكري على املدى الطويل‪ .‬أخريا‪ ،‬تعتمد القوة يف االقتصاد اجلديد‬ ‫‪.3‬‬
‫على قدرتك على لعب اللعبة الطويلة – ملعرفة املكان الذي ترغب‬
‫أن ينتهي به األمر‪ ،‬وتنشئ إسرتاتيجية طويلة املدى لتساعدك على‬
‫حتقيق ذلك‪ .‬يف عامل يسهل فيه تشتيت انتباهك عن أهدافك‪ ،‬جيب أن‬
‫تتمتع بضبط النفس والبصرية للبقاء على الصراط املستقيم‪.‬‬

‫‪- 12 -‬‬
‫إن هذا جمرد غيض من فيض مما خيتبئ يف صفحات هذا الكتاب الذي يؤسس‬
‫لنظرة اثقبة حول كيف حنقق القوة احلقيقية يف هذا العصر اجلديد؟ – كيف نبين‬
‫القوة والتأثري وحتقيق اهلدف احلقيقي يف احلياة؟ كيف ننظر إل وضعنا هبدوء ونتقدم‬
‫بثقة؟ ‪ .‬قد ال يكون الطريق إل هذا النوع من القوة سهال‪ ،‬لكنه سوف يصبح‬
‫أكثر وضوحا مع هذا الكتاب‪ .‬وقد يكون مبثابة صديقك ومرشدك يف رحلتك‪.‬‬

‫‪- 13 -‬‬
‫أفكار حول التحوالت العظيمة مع ُسبُ ِل إتقاهنا‪.‬‬
‫‪ -‬تغيري املنظور ‪-‬‬

‫أوال‪:‬‬

‫يف عام ‪ 1996‬بدأت العمل على كتاب األول‪ 48 ،‬قاعدة للقوة‪ .‬كان لكتاب‬
‫مقدمة بسيطة‪ :‬كل إنسان لديه رغبة فطرية يف السلطة‪ .‬ما أعنيه ابلقوة هو القدرة‬
‫على التحكم إل حد ما يف األحداث من حولنا ‪ -‬لنكون قادرين على التأثري يف‬
‫الناس‪ ،‬وحتريكهم الجتاهنا‪ ،‬وتوجيه مساران املهين ومحاية أنفسنا من أولئك‬
‫األشرار‪ .‬كما يعين وجود بعض السيطرة على دوافعنا املدمرة‪ .‬عندما منارس مثل‬
‫هذه السيطرة‪ ،‬نشعر ابلنشاط والثقة‪ .‬عندما خنتب العكس ‪ -‬عاجزين يف مواجهة‬
‫الظروف ‪ -‬نصبح ابئسني نتعرض جلميع أنواع السلوكات الغري عقالنية‪ .‬جنرب‬
‫أي شيء الكتساب القوة‪ ،‬لكننا لسنا متأكدين مما قد ينجح منها‪ .‬كانت املشكلة‬
‫يف كتابة مثل هذا الكتاب كما رأيتها حينها‪ ،‬هي الكم اهلائل من االرتباك احمليط‬
‫ابملوضوع‪ .‬قلة من الناس حيبون االعرتاف أبن دوافعهم هي الطمع أو اجلوع‬
‫للسلطة‪ .‬هذا يبدو قبيح جدا‪ .‬إذا حققوا بعض النجاح يف احلياة بطريقة أو أبخرى‬
‫فذلك بسبب صالحهم أو مواهبهم‪ ،‬وليس بسبب أي مناورة أو ألعاب سياسية‪.‬‬
‫كثري من الناس ابرعون يف العدوان السليب ‪ -‬يتنكرون يف قبضتهم على السلطة‬
‫بسامة‪.‬‬
‫خلف واجهة محيدة ّ‬

‫‪- 14 -‬‬
‫كل هذا اإلنكار األخالقي خيلق قدرا كبريا من الضبابية‪ .‬ابتكرت طريقة خدمتين‬
‫جيدا يف مجيع كتاابت الالحقة الخرتاق هذه الضبابية والوصول إل الواقع‪:‬‬
‫سأجتاهل كلمات الناس وتبيراهتم؛ و كنت أدرس أفعاهلم بدال من ذلك‪ .‬إلظهار‬
‫ما هو خالد وعاملي يف هذا التعطش للسلطة‪ ،‬كنت أنظر إل أكثر الناس شهرة‬
‫يف التاريخ ‪ -‬كل الفرتات‪ ،‬كل الثقافات ‪ -‬وأشرح بال رمحة جناحاهتم وإخفاقاهتم‪.‬‬
‫أثناء القيام هبذا البحث‪ ،‬اكتشفت أمناطا حتولت إل مثانية وأربعني قانوان‪ .‬عندما‬
‫حترتم هذه القوانني حتدث لك األشياء اجليدة‪ ،‬عندما تتعداها أتتيك الكارثة‪.‬‬
‫تنطبق هذه القوانني على لويس الرابع عشر بقدر ما تنطبق على بيل جيتس‪ .‬إهنم‬
‫ميثلون الواقع املادي ملا حيدث يف العامل‪ ،‬وليس املظاهر اخلادعة اليت حيب الناس‬
‫تقدميها‪ .‬صدر الكتاب يف عام ‪ ،1998‬واكتسب بعض الزخم رويدا رويدا‪ .‬بعد‬
‫حوال ثالث سنوات من النشر‪ ،‬بدأ أيتيين أقوام يف جماالت عمل خمتلفة يريدون‬
‫املشورة‪ .‬كان بعضهم أقوايء يف جماالهتم‪ .‬شعرت ابخلوف إل حد ما يف البداية‪،‬‬
‫حيث مل يكن لدي خلفية قوية يف األعمال التجارية أو شهادة يف علم النفس ومل‬
‫أحصل شخصيا على أعلى مستوايت القوة‪ .‬ولكن سرعان ما أصبح واضحا ل‬
‫أن هؤالء األشخاص ال يريدون املساعدة يف األمور التقنية أو يهتمون أبوراق‬
‫اعتمادي‪ .‬كان ضعفهم هو التعامل مع اجلانب السياسي للطبيعة البشرية‪ ،‬وكيفية‬
‫التعامل مع كل املناورات اليت أصفها يف القوانني الـ ‪ .48‬كانوا مرتبكني‪ .‬رأيت أن‬
‫نصيحيت ميكن أن تكون مفيدة وأن األفكار اليت انقشتها يف الكتاب األول كانت‬
‫أكثر صلة بتجارهبم‪ .‬عندما اكتسبت املزيد من هذه العالقات االستشارية‪ ،‬بدأت‬
‫يف الوصول إل األعمال الداخلية للعديد من الشركات املهمة‪ .‬لقد رأيت نوعا‬
‫من املشاكل اليت واجهها العديد من املدراء التفيذيون‪ ،‬وعلى مر السنني اندجمت‬

‫‪- 15 -‬‬
‫أفكاري حول هذا يف النظرية التالية‪ :‬حنن يف خضم واحدة من تلك اللحظات‬
‫االنتقالية العظيمة يف التاريخ اليت كانت فيها الطرق القدمية للعمل والتفكري ُمهلكة‬
‫يف النهاية‪.‬‬

‫شيء جديد حياول الظهور‪ .‬كل هذا جيعل الناس يف حرية من أمرهم‪ .‬إنه يصيب‬
‫اجلميع دون وعي‪ .‬رأيت عالمات على هذا الصراع يف األعمال التجارية‪ ،‬ولكن‬
‫يوجد يف السياسة أيضا ‪ -‬ال سيما يف محلة أوابما‪ .‬وسط هذه التكهنات‪ ،‬اهنار‬
‫االقتصاد العاملي وهذا يؤكد ما كنت أفكر فيه‪ .‬أريد أن أحتدث إليكم عن هذه‬
‫التيارات املضادة للقدمي واجلديد‪ ،‬ما الذي حيدث ابلفعل حتت السطح؟ وهو ما‬
‫خيلق االضطراب الذي منر به‪ .‬كما هو احلال مع موضوع السلطة‪ ،‬لست راضيًا‬
‫عن الكيفية اليت يصف هبا الناس هذه األحداث‪ .‬هناك الكثري من التسييس‬
‫واآلفاق الضئيلة‪ .‬يتعامل اإلنسان مع التغيري بصعوبة‪ .‬جيعلنا نتمسك ابملاضي أو‬
‫تغمران الفوضى الظاهرة‪ .‬جيعلنا أكثر عاطفية‪ .‬األشخاص الذين يعيشون يف‬
‫حلظات ثورية ليست لديهم فكرة عما حيدث‪ .‬يف هذه احلالة ابلذات‪ ،‬جيعل افتقاران‬
‫إل الفهم عصيبا علينا الستغالل التغيريات والفرص اهلائلة اليت تنبت يف هذه‬
‫اللحظة‪ .‬ما أريد القيام به هو توسيع وجهة نظران وتقدمي طريقة خمتلفة للنظر إل‬
‫هذا العامل اجلديد الغريب الذي دخلناه‪ .‬ميكن أن يساعدان يف التخلص من بعض‬
‫ارتباكنا يف جعل أفعالنا أكثر فعالية‪ .‬لتحقيق هذا االنعكاس يف املنظور‪ ،‬سأقوم‬
‫إبحضار العديد من األفكار واألمثلة من التاريخ وما إل ذلك‪ ،‬ولكن كل ذلك‬
‫هبدف شرح اللحظة احلالية‪ ،‬هلذا اركب معي‪.‬‬

‫‪- 16 -‬‬
‫اثنيا‪:‬‬

‫يف األنثروبولوجيا هناك مفهوم يُعرف ابلوفاة التارخيية‪ .‬ما يعنيه هذا هو أنه يف‬
‫بعض األحيان تظهر فكرة معينة‪ ،‬طريقة معينة للقيام أبشياء مغرية للبشر حبيث‬
‫تنتشر يف النهاية حول العامل وتغري طريقة حياتنا لألبد‪ .‬جيب أن تكون الزراعة‬
‫واحدة من أعظم األمثلة على ذلك‪ .‬كانت تتمحور حول فكرة بسيطة ‪ -‬بدالً‬
‫من البحث ابستمرار عن مصادر طعام جديدة‪ ،‬ميكن للبشر زرع طعامهم يف‬
‫مواقع مستقرة‪ .‬ومبا أن هذا قد ترسخ يف عدة أماكن‪ ،‬فقد أدى إل تكوين القرى‬
‫والبلدات واملدن ودول املدن وحضارات أبكملها‪.‬‬

‫مع هذا جاءت مجيع أنواع املؤسسات مثل احلكومة املدنية‪ ،‬والتنظيم االجتماعي‪،‬‬
‫واحلرب‪ ،‬والثقافة على مستوى جديد‪ .‬لقد خلق مفهوم الفائض ووقت الفراغ‪.‬‬
‫ببطء وابلقوة أحياان غُ ِزي العامل‪ .‬ت غزوه ألنه احتوى على فكرة مغرية بعمق‬
‫للطبيعة البشرية ‪ -‬رغبة يف االستقرار واجلذور واالتساق واأللفة‪ .‬كان مصريه أن‬
‫ينتشر يف كل مكان مبجرد ظهوره‪ .‬يف قانون الـ ‪ 48‬قانوان‪ ،‬أضع ما أعتبه كارثة‬
‫اترخيية أخرى ‪ -‬تطور القوة من شيء شديد الرتكيز إل شيء ضعيف‪.‬‬

‫أحب أن أختيل هذا كنوع من املعادلة الرايضية‪ .‬دعوان نتخيل قبيلة من حوال‬
‫‪ 1000‬شخص يف مكان ما يف العصور القدمية‪ .‬ميكننا القول أن هذه القبيلة‬
‫لديها قدر معني من القوة‪ ،‬بناء على ثروهتا ومواردها‪ .‬غالبية هذه السلطة‪،‬‬

‫‪- 17 -‬‬
‫السيطرة عليها‪ ،‬كانت يف يد رجل واحد ‪ -‬احلاكم‪ ،‬امللك‪ .‬قد يعتمد يف هذه‬
‫احلالة على كادر صغري من الناس ملساعدته‪ ،‬لكنه حدد إل حد كبري األدوار اليت‬
‫ميكن أن يلعبوها‪ .‬دعنا نقول مع النجاح واالزدهار منت هذه القبيلة إل حجم‬
‫حوال ‪ .10000‬اآلن‪ ،‬كان هذا الرتكيز الفائق صعبا‪ .‬سيتعني على احلاكم أن‬
‫أيت آبخرين ‪ -‬مستشارين‪ ،‬جنراالت‪ ،‬رؤساء كهنة‪ .‬كان إبمكانه إبقاء هذا الرقم‬
‫حمدودا نسبيا‪ ،‬وكانت النسبة املئوية للسلطة يف يده يف الغالب‪ ،‬لكنها اآلن خمففة‬
‫قليال‪.‬‬

‫إذا تطورت هذه املدينة إل مدينة يبلغ عدد سكاهنا حوال ‪ ،100000‬فقد‬
‫حدث تغيري نوعي فجأة‪ .‬منا تعقيد احلكم على مثل هذه األرقام بشكل كبري‪ .‬كان‬
‫جيب توزيع القوة يف هذه اللحظة بشكل حقيقي من أجل احلفاظ على الشعور‬
‫ابلسيطرة‪ .‬اآلن هناك فِرق من الوزراء واجليش واألرستقراطية املتنامية‪ .‬كان على‬
‫البريوقراطيات أن تتطور‪ .‬ظلت القوة مركزة ولكن بنطاق توزيع خمتلف‪ .‬ميكننا أن‬
‫جنعل ثالثة تعميمات يف هذه املرحلة‪ .‬عندما ُمتنح جمموعة من الناس السلطة‪،‬‬
‫فإهنا تشكل مركز قوة‪.‬‬

‫وهذا يعين على سبيل املثال‪ ،‬أن فريقا من القادة العسكريني مييلون إل التفكري‬
‫يف اجتاهني ‪ -‬كيفية تعزيز مصاحل احلاكم‪ ،‬مع دفع أجندته اخلاصة‪ .‬أصبحت األمور‬
‫اآلن سياسية‪ ،‬حيث ستتعارض مصاحلهم مع مراكز القوة األخرى‪ .‬جيب على‬
‫احلاكم إدارة هذا التعقيد املتزايد‪ .‬تصبح بيئة الطاقة خطرية بشكل متزايد‪ .‬اثنيًا‪،‬‬

‫‪- 18 -‬‬
‫مبجرد منح الناس السلطة على هذا املستوى‪ ،‬فإهنم ال يريدون إعادهتا أو العودة‬
‫إل طريقة قدمية للحكم‪ .‬إهنم يعملون للحفاظ على ما لديهم‪ ،‬ويسعون لتوسيع‬
‫قاعدة قوهتم‪ .‬وأخريا ‪ ،‬مبجرد أن تضعف القوة وتنقسم هبذه الطريقة‪ ،‬فإهنا متيل‬
‫إل االستمرار يف االنقسام‪ ،‬مثل الذرة املنقسمة‪ .‬جيب إحضار املزيد من الناس‬
‫للحفاظ على سري العمل أبكمله‪ .‬وهكذا على مر القرون تصبح القوة أقل تركيزا‪.‬‬

‫حداثن يف التاريخ سرعا هذه العملية‪.‬‬

‫أوال‪ ،‬بعد العصور الوسطى ُولدت الرأمسالية احلديثة واجملتمع التجاري‪ .‬كان هذا‬
‫يعين ظهور طبقة وسطى ومراكز قوة جديدة يف األعمال التجارية اليت بدأت متارس‬
‫نفوذا متزايدا‪ .‬والثانية كانت الثورات السياسية الكبى يف القرنني الثامن عشر‬
‫والتاسع عشر‪ ،‬واليت خلقت مركز قوة جديد بني مواطين تلك الدولة‪ .‬وبدرجة‬
‫أقل ميكننا احلديث عن وسائل اإلعالم احلديثة كمركز قوة آخر برز يف القرن‬
‫العشرين‪ ،‬وا لذي عمل بدوره على حل ومتييع تركيزات النفوذ السابقة‪ .‬ميكننا‬
‫اآلن أن ننظر إل بلد مثل الوالايت املتحدة يف الوقت احلاضر‪ ،‬ونرى نقطة تطور‬
‫متطرفة ‪ -‬شبكات من مئات من مراكز القوة تتقاطع مع بعضها البعض‪ :‬من‬
‫داخل األحزاب السياسية‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬مجيع أنواع اجملموعات املتخصصة‪،‬‬
‫أجنداهتم اخلاصة جتعل احلكم شبه مستحيل‪ .‬ال تزال هناك تركزات للقوة والثروة‬
‫يف العامل اليوم‪ .‬ولكن من انحية أخر ‪ ،‬ليس هناك من ينكر التطور امللحوظ‬
‫وختفيف القوة منذ آالف السنني عندما كانت يف الغالب يف يد رجل واحد‪.‬‬

‫‪- 19 -‬‬
‫من هذا املوقف يف الوقت احلاضر ميكننا أن نتوقع يف املستقبل فرتة من التخفيف‬
‫بشكل أكب‪ ،‬حيث يشعر املزيد من الناس حول العامل ابحلق واحلاجة إل مزيد من‬
‫السيطرة على حياهتم‪ .‬يف غضون ‪ 100‬أو ‪ 200‬عام ميكننا ختيل نقطة انقسام‬
‫كامل‪ .‬ال يتعلق األمر أبنظمة سياسية أو اقتصادية معينة‪ ،‬بل يتعلق بشيء عميق‬
‫يف الطبيعة البشرية‪ .‬إن احلاجة إل مثل هذه القوة هلا جاذبية ال هوادة فيها ابلنسبة‬
‫لنا‪ .‬مبجرد أن تبدأ العملية ال ميكن إيقافها حت تصل إل هنايتها املنطقية‪ .‬وهلذا‬
‫السبب ميكننا أن نتحدث عن تقسيم السلطة هذا ابعتباره حادثة اترخيية كبرية‪،‬‬
‫رمبا على مستوى الزراعة أو حت أكب يف رأيي لتداعياهتا البعيدة املدى‪.‬‬

‫اثلثا‪:‬‬

‫ظهر يف التسعينيات شيء آخر أدى إل تسريع هذه العملية إل أبعد من ذلك‪.‬‬
‫وكان هذا أشبه بسرعة االلتفاف‪ ،‬تسارع مفاجئ يف املستقبل‪ .‬أان أحتدث عن‬
‫اإلنرتنت‪ ،‬أو بشكل حمدد‪ ،‬شبكة الويب العاملية كما تطورت يف أوائل‬
‫التسعينيات‪ .‬وفرت شبكة اإلنرتنت للناس ثالثة أنواع جديدة من القوة كانت هلا‬
‫جاذبية هائلة‪ .‬أوال‪ ،‬أاتح لنا الوصول إل مجيع أنواع املعلومات‪ ،‬دون احلاجة إل‬
‫الصحف أو األشكال التقليدية لوسائل اإلعالم‪ .‬ميكننا جتاوز تلك املراكز اليت‬
‫تتحكم يف التدفق‪ .‬ميكننا التواصل مع األشخاص ذوي التفكري املماثل ومشاركة‬
‫املعلومات بسرعة وبشكل مباشر مع بعضنا البعض‪ .‬اثنيا‪ ،‬منحنا القدرة على‬
‫شراء العناصر مباشرة من املصدر واالستغناء عن الوسيط‪ .‬هذا من شأنه أن يؤدي‬

‫‪- 20 -‬‬
‫إل خفض األسعار‪ ،‬ولكن األهم من ذلك أنه زاد بشكل كبري من خياراتنا‪ .‬ميكننا‬
‫التسوق من أي مكان حول العامل وإجياد ما حنتاجه أو نريده‪.‬‬

‫اثلثا‪ ،‬ميكننا التعبري عن آرائنا حول أي موضوع يهمنا وإجياد نوع من اجلمهور‪.‬‬
‫ميكننا مراجعة املنتجات اليت اشرتيناها واكتساب بعض القوة‪ .‬أو ميكننا التعبري‬
‫عن آرائنا يف األمور السياسية والعثور على آخرين يشاركوهنا‪ .‬ما يهمين هنا ليس‬
‫التكنولوجيا‪ ،‬ولكن كيف تغرير عالقتنا ابلسلطة والقوة‪ ،‬وتغري الديناميكية‬
‫االجتماعية بطرق عديدة ‪ -‬كيف يتفاعل الناس مع بعضهم البعض؟ يف هذه‬
‫احلالة تعمل اإلنرتنت على تسوية العالقات اليت كانت ذات يوم هرمية ت توجيهها‬
‫عب مراكز خمتلفة‪.‬‬

‫مييل هذا إل تقويض هيبة وسلطة املصادر التقليدية للمعلومات مثل الصحف أو‬
‫آراء اخلباء‪ .‬إنه يدعو إل التساؤل عن احلاجة إل الكثري من الوسطاء يف العامل‪،‬‬
‫ويكشف عن املصدر املشكوك فيه لقوهتم‪ .‬خذ على سبيل املثال توافر ملفات‬
‫غري عالقتنا ابملوسيقى‬
‫املوسيقى الرقمية و آيتونز‪ .‬عندما بدأ هذا يف االنتشار ّ‬
‫نفسها‪ .‬ميكننا قرصنتها على اإلنرتنت أو شراء هذه املوسيقى مباشرة إذا تطلب‬
‫األمر ‪ .‬ميكننا مشاركة هذه امللفات‪ .‬أصبح من ممكنا جتميع مكتبة ضخمة من‬
‫املوسيقى وختزينها ابلطريقة اليت نريدها‪ ،‬مما جيعلنا نشارك بطريقة خالقة يف هذه‬
‫العملية‪ .‬مل نعد مضطرين لشراء ألبوم كامل‪ ،‬والذي حيتوي على ٍ‬
‫أغان كانت‬
‫موجودة مللء الفراغ‪.‬‬

‫‪- 21 -‬‬
‫خلق هذا مشكلة كبرية لصناعة التسجيالت‪ .‬ذهبوا مذعورين‪ .‬لقد دمر منوذج‬
‫أعماهلم بشكل أساسي حيث كانوا القوى الوحيدة اليت تسوق هذه املوسيقى‬
‫وتوزعها وتبيعها ‪ .‬استند هذا النموذج إل قدرهتم على السيطرة على تدفق‬
‫األموال‪ ،‬وإغواء الفنانني بقبول دورهم كقطاع اتبع للصناعة‪ ،‬ليتم إمهاهلم عندما‬
‫خيمد محاسهم‪ .‬حاول مديرو التسجيالت ايئسني كبح هذه التغيريات‪ ،‬ولكن‬
‫مبجرد خروج اجلين من القمقم كان األوان قد ول‪ .‬من كان سيعود إل الطريقة‬
‫القدمية لشراء املوسيقى؟ لقد حتطمت هالة سلطتهم وقوهتم‪ .‬ميكننا رسم نفس‬
‫املسار لوسائل اإلعالم الرئيسية‪.‬‬

‫من املثري لالهتمام أن نالحظ أن هذا االحنالل الكبري ملراكز القوة هذه قد سبقه‬
‫تركيز مكثف لقوهتا‪ .‬يكاد يكون هذا قانوان فيزايئيا رأيناه من قبل يف التاريخ‪،‬‬
‫لكنه موضوع أخر‪ .‬أقارن هذه التغيريات اليت كان الويب ينتجها يف اجملتمع يف‬
‫أواخر التسعينيات وما بعده مبوجة صغرية كانت تتشكل بعيدا يف احمليط‪،‬‬
‫واكتسبت حجما وقوة ببطء مع انتشارها‪.‬‬

‫رابعا‪:‬‬

‫يف نفس الوقت الذي كانت فيه هذه املوجة تبين شيئا آخر‪ ،‬كان هناك شيء‬
‫غريب نوعا ما‪ .‬لقد مرران بفقاعتني اقتصاديتني يف فرتة زمنية قصرية‪ .‬حتدث‬

‫‪- 22 -‬‬
‫الفقاعات االقتصادية بشكل عام لسببني‪ .‬أوال‪ ،‬فاألمر الذي يركز عليه معظم‬
‫الناس هو أن الشركات بشكل عام مليئة ابلنقود ولديها أموال لتحرقها‪ .‬إهنم‬
‫يبحثون عن شيء جديد لالستثمار فيه‪ ،‬مصدر جديد لرأس املال الفائق‪ .‬إنه‬
‫شعور يف اهلواء ‪ -‬ميكن جين مبالغ طائلة بطريقة جديدة‪ .‬املنافسة حتتدم‪ .‬شخص‬
‫ما يضرب على شيء يعد ابملال السريع وحيقق عائدا كبريا وزمخا مكسواب‪ .‬الربح‬
‫الذي يتم إنتاجه ليس له عالقة ابلقوى االقتصادية احلقيقية‪ ،‬بل يتعلق بعلم النفس‬
‫البشري ‪ -‬اجلشع‪ ،‬وعدوى العواطف واحليوية اليت أتت من شيء سريع وسهل‪.‬‬
‫يتم ضخ األموال يف أشياء ليس هلا قيمة حقيقية بصرف النظر عما يتخيله الناس‪،‬‬
‫مبجرد دخول قوى اقتصادية حقيقية يف اللعب تنفجر الفقاعة وتنهار كلها‪.‬‬

‫هناك جانب آخر من الفقاعات وهو ما ال تتم مناقشته بشكل عام‪ ،‬وهو أهنا‬
‫متيل إل التكوين املسبق أو حتدث يف فرتات االنتقال‪ .‬يشعر الناس أن شيئا ما‬
‫حيدث‪ ،‬حيدث حتول كبري يف كيفية إجناز األعمال‪ .‬هم أكثر عرضة لالعتقاد أبن‬
‫مجيع القواعد القدمية لالستثمار وبناء القيمة شيء من املاضي وأن كل شيء يسري‬
‫على ما يرام‪ .‬يف مثل هذه الفرتات االنتقالية يكون الناس أكثر عرضة بكثري لعلم‬
‫نفس الفقاعة والوفرة اليت تولدها‪.‬‬

‫مرران يف احلقيقة بفقاعتني‪ ،‬واحدة خلفت األخرى يف غضون بضع سنوات قصرية‪،‬‬
‫هي عالمة ال ميكن إنكارها لشيء ما يتحرك من األسفل ‪ -‬عالمة على التغيري‬
‫وعدم االستقرار الشامل‪ .‬كانت الفقاعة األول يف أسهم شركات التكنولوجيا وكان‬
‫أتثريها خفيفا نسبيا ‪ .‬لكن الفقاعة الثانية (يف التمويل واإلسكان) انفجرت يف‬
‫وقت اكت سبت فيه املوجة اليت كانت تتشكل منذ التسعينيات زمخا كافيا يف‬

‫‪- 23 -‬‬
‫النهاية‪ .‬هااتن القواتن ‪ -‬التغريات االجتماعية العميقة والفقاعة االقتصادية ‪-‬‬
‫تقاربتا يف حلظة من الزمن خللق نوع من التسوانمي‪ .‬النظام القدمي الذي كان‬
‫يتشبث ابلسلطة ويقاوم ما كان حيرك من أسفل قد ُجرف أخريا يف دورة الرأمسالية‬
‫املعروفة ابسم التدمري اخلالق‪.‬‬

‫نظرا ألن هذا التسوانمي بدأ اآلن يف االحنسار‪ ،‬فإن ما نراه يف أعقابه هو منظر‬
‫ً‬
‫طبيعي متغري يبدو للوهلة األول وكأنه دمار شامل‪ .‬الشركات اليت كانت تعتمد‬
‫على أوقات االزدهار واليت خلقت منتجات ليس هلا اتصال عميق ابملستهلكني‬
‫وحتتاج إل الكثري من التسويق لبيعها‪ ،‬ت القضاء عليها من قبل التسوانمي‪ ،‬ولن‬
‫تعود أبدا‪ .‬الشركات الكبرية اليت استخدمت حجمها كرافعة هائلة يف السوق جتد‬
‫صعوبة يف التكيف؛ إهنم يعتمدون على حجم كتلتهم‪ .‬إهنا مثل الديناصورات ‪-‬‬
‫كبرية ومثقلة‪ ،‬ستستمر يف إحداث ضوضاء لكنها حمكوم عليها ابالختفاء يف‬
‫غضون عقد أو عقدين‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن الشركات األخرى اليت توقعت التحول‬
‫اهلائل اجلاري وهيكلت أعماهلا وفقا لذلك ‪ ،‬فهي ليست على استعداد للنجاة‬
‫من كارثة تسوانمي فحسب‪ ،‬بل سوف تكون مزدهرة‪ .‬أان أشري إل شركة مثل‬
‫‪ ، Google‬واليت سأحتدث عنها الحقا‪ ،‬ولكن هناك أمثلة أخرى‪ .‬أخريا‪،‬‬
‫واألهم م ع كل الدمار الذي حيدث هناك مساحة للشركات اجلديدة قابلة‬
‫للظهور‪ ،‬بناء على منوذج يناسب العصر‪ .‬ميكن اآلن أن تتفتح ألف زهرة‪.‬‬

‫‪- 24 -‬‬
‫خامسا‪:‬‬

‫أعلم أن هذه ليست الطريقة املعتادة اليت يناقش هبا الناس ما حيدث حاليا يف‬
‫العامل‪ .‬بدال من ذلك‪ ،‬نسمع الكثري عن الصناعة املصرفية والفساد داخلها‪،‬‬
‫وفريستها للمستهلكني العاجزين؛ تقنية التداول اجلديدة اليت جتعل من الصعب‬
‫التفكري والعمل على املدى الطويل؛ تواطؤ احلكومة يف هذا املخطط وغياب‬
‫التنظيم مرارا وتكرارا‪ .‬كل هذه العوامل حقيقية‪ .‬حتتوي على عناصر من احلقيقة‪.‬‬
‫لكنها ليست مصدر االضطراب األساسي‪ .‬احلقيقة أن ما حيدث يف األسفل‪ ،‬هو‬
‫أننا نشهد حاليا تغيريا عميقا مثل أي تغيري يف التاريخ‪.‬‬

‫بعد الثورة الصناعية يف القرن التاسع عشر وثورة اإلنتاج الضخم يف القرن‬
‫العشرين‪ ،‬مع تركيزها على التقييس والتسويق‪ ،‬نكون اآلن قد دخلنا عصر‬
‫املعلومات‪ .‬وهذا يعين تسطيح هياكل السلطة‪ ،‬واملزيد من امليوعة والفوضى‪،‬‬
‫وتسريع وترية االبتكار‪ .‬هذا ميثل تغيريا جوهراي لسنا مستعدين له‪ .‬عندما نواجه‬
‫مواقف جديدة‪ ،‬فإننا منيل إل الرد إبحدى الطرق العديدة‪ .‬حناول أن ننكر الواقع‪.‬‬
‫ونتمسك بقوة ابملاضي وكيفية إجناز األمور‪ .‬نفسر األحداث وفقا للطريقة اليت‬
‫نريد رؤيتها هبا‪ .‬أو نفعل العكس ‪ -‬نستسلم لكل الفوضى واالرتباك معتقدين‬
‫أنه ميكن التخلص من مجيع القواعد القدمية وأن كل شيء يسري وفق املراد‪ .‬حناول‬
‫هذا وحناول ذاك‪ ،‬بدون الكثري من التفكري أو احلساب‪ .‬كال االستجابتني تفاعلي‬
‫وعاطفي‪ .‬إهنا ال متثل حماولة للتصاحل مع التغيريات اجلارية والعمل على استغالهلا‬
‫بطريقة عقالنية‪.‬‬

‫‪- 25 -‬‬
‫اكتساب القوة‪ ،‬يعين أن هناك طريقة واحدة لتوجيه أنفسنا يف مثل هذه األوقات‬
‫املضطربة ‪ -‬من خالل تبين طريقة تفكري خمتلفة‪ ،‬ما أفضل أن أطلق عليه‬
‫"اإلسرتاتيجية يف العمق"‪ .‬أان أفرق هذا عن الفكرة العادية لالسرتاتيجية‪ ،‬واليت‬
‫غالب ما يتم اخللط بينها وبني جمرد التخطيط والتفكري يف املستقبل‪ .‬اإلسرتاتيجية‬
‫ً‬
‫املتعمقة هي نظام عقلي قد يستغرق اكتسابه سنوات‪ .‬إلعطائك فكرة عما أعنيه‬
‫هبذا‪ ،‬أود استخدام االستعارة التالية‪ :‬العمل‪ ،‬أو احلياة‪ ،‬هي نوع من ساحة املعركة‪.‬‬
‫على األرض ختوض املعارك اليومية جلعل عملك تنافسيا‪ ،‬وللحفاظ على تقدم‬
‫جيشك ميكن أن يكون مربكا‪ .‬يف بعض األحيان يتصرف من هم جبانبك مثل‬
‫األعداء أو العوائق كدخان كثيف مع وحتوالت مفاجئة يف املعركة‪ .‬على األرض‬
‫ال متلك منظورا حقيقيا ملا جيري ابلفعل‪ .‬أنت تتفاعل ابستمرار مع هذا أو ذاك‪.‬‬

‫إذا كنت ذا مقدرة على الوقوف على السلم رافعا منظورك مبقدار عشرة أقدام‬
‫سوف تستخلص فكرة خمتلفة عما حيدث‪ .‬سوف ترى بعض أمناط القتال‪ .‬كنت‬
‫تعتقد أنك تتقدم‪ ،‬ولكن احلقيقة أنك ترتاجع‪ .‬هناك املزيد مما كنت تتخيله‪ .‬إذا‬
‫كنت قادرا على االرتفاع بطريقة ما إل مائة قدم‪ ،‬فإن ما رأيته على ارتفاع عشرة‬
‫أقدام سيثبت لك أنه جمرد وهم‪ .‬ستدرك أن املعارك اليت ختوضها اليوم ال تستحق‬
‫قتاال‪ ،‬ألن هناك شيئا مهوال يتشكل يف األفق‪ .‬سيكون إحساسك بنمط املعركة‬
‫اآلن دقيقا أكثر من ذي قبل‪ ،‬وستكون اسرتاتيجياتك عقالنية فعّالة‪ .‬إذا متكنت‬
‫بطريقة ما من رفع منظورك إل قمة جبل‪ ،‬فإنك حاصل على وضوح اآلهلة على‬

‫‪- 26 -‬‬
‫جبل أوليمبوس ِّ‬
‫مكوان رؤية بعيدة وواسعة‪ .‬ما رأيته على ارتفاع مائة قدم سيثبت‬
‫أنه غري دقيق إل حد ما‪.‬‬

‫األشخاص الذين بقوا على األرض يعملون فيما أمسيه اجلحيم التكتيكي‪ .‬إهنم‬
‫يتفاعلون ابستمرار مع ما جيلبه اآلخرون وهذا خيلق نوعا من أتثري املوجة الثابتة‬
‫‪ -‬كل ارتداد لفعل ‪ /‬رد فعل يبقيك حمبوسا يف هذا الوضع‪ ،‬وتؤثر عواطفك‬
‫ابستمرار على هذا إقباال وإدابرا‪ .‬قد تعتقد أنك عقالن‪ ،‬ولعمري إنك بعيد عن‬
‫ذلك‪ .‬املنظر من عشرة أقدام أفضل‪ ،‬لكنه ال يزال جهنميا حلد ما‪ .‬ميكنك أن‬
‫ختدع نفسك أبن لديك منظورا سليما‪ ،‬عندما ترى قطعة صغرية من اللغز ببساطة‪.‬‬
‫كلما صعدت كلما دخلت جمال اإلسرتاتيجية‪ ،‬األمر الذي يتطلب عمقا يف‬
‫التفكري ومنظورا سليما ابلفعل‪.‬‬

‫من الصعب جدا أن ترفع مستوى منظورك يف األوقات العادية ‪ -‬فمن غري‬
‫الطبيعي أال يتفا عل احليوان البشري وال ينشغل ابللحظة‪ .‬يف أوقات االرتباك‬
‫والتغيري تصبح هذه العملية صعبة‪ .‬أضف إل ذلك االحنرافات املذهلة اليت‬
‫أدخلتها التكنولوجيا اجلديدة يف حياتنا‪ ،‬فأصبحت شبه مستحيلة‪ .‬يف مثل هذه‬
‫الظروف‪ ،‬منيل إل أخذ أجزاء من املعلومات من وسائل اإلعالم‪ ،‬واليت تغمران‬
‫بكل أنواع اللقطات اللحظية‪ ،‬وترقيها إل نوع من االجتاه املقصود‪ ،‬ث نعطي هذه‬
‫القطع وزان غري متناسب ونعمل عليها دون إحساس ابالجتاه احلقيقي‪ .‬مييل هذا‬
‫االرتباك إل إدامة نفسه حيث أن املزيد من الناس حماصرون يف هذا اجلحيم‬

‫‪- 27 -‬‬
‫التكتيكي‪ .‬لكي تكون اسرتاتيجيًا بعمق يف هذا العصر جيب أن تعمل على‬
‫اكتساب العديد من املهارات‪ .‬األول واألساسية هي القدرة على التحكم يف‬
‫مشاعرك اليت متيل إل التعتيم على إحساسك ابحلكم‪ .‬ما يهم ليس غرورك أو‬
‫الظهور بشكل صحيح‪ ،‬ما يهم هو الفوز‪.‬‬

‫جيب أن تكون واقعيا لكي تفوز‪ ،‬وأن ترى األشياء كما هي‪ .‬من قاعدة التوازن‬
‫الداخلي هذه تدرس التاريخ بدروسه العديدة‪ ،‬وتنغمس يف احلاضر واالجتاهات‬
‫املتشكلة‪ .‬أنت ال تشمل يف اعتبارك املعركة اليت أمامك‪ ،‬ولكن احلرب الكبى ‪،‬‬
‫إهنا العوامل الثقافية واالجتماعية ‪ -‬كل شيء‪ .‬أنت تفهم ما حيدث‪ ،‬بدءا من‬
‫ٍ‬
‫عندئذ‬ ‫اللحظة التارخيية اليت نعيشها‪ .‬مبجرد أن تصل إل االرتفاع املناسب‪ ،‬ميكنك‬
‫اختاذ قرارات عقالنية ‪ -‬التحرك جبرأة مدروسة أو االنتظار حت حتني ساعتك‪ .‬يف‬
‫أوقات التغيري العظيم قد يبدو أنه ال توجد أمناط ميكن متييزها يف الوقت احلاضر‬
‫وال شيء ميكن تعلمه من التاريخ‪ .‬األحداث غري مسبوقة‪ .‬لكن هذا وهم خرج‬
‫من رحم حريتنا‪ .‬كانت هناك فرتات أخرى يف التاريخ من التغيري واالضطراب‬
‫املقارن‪.‬‬

‫سوف نرى أمناطا معينة أثناء النظر بعمق ‪ -‬ملاذا يستسلم معظم الناس للفوضى‬
‫بينما يتمكن القليل منهم من الصعود إل القمة؟‪ .‬أولئك الذين ينجحون بشكل‬
‫عام يتبعون نفس املسار البسيط ويلتزمون ببعض املبادئ اإلسرتاتيجية األساسية‬
‫ذات الصلة بشكل خاص ابألزمنة الثورية‪ .‬إلعطائك فكرة عما أحتدث عنه‪ ،‬أريد‬

‫‪- 28 -‬‬
‫أن آخذك داخل عقل الرجل الذي أعتبه أعظم اسرتاتيجي عاش على اإلطالق‬
‫‪ -‬انبليون بوانبرت‪.‬‬

‫سادسا‪:‬‬

‫جاء انبليون إل السلطة يف واحدة من أكثر حلظات الفوضى يف التاريخ ‪ -‬الثورة‬


‫الفرنسية‪ .‬أطاح الشعب الفرنسي بنظام ملكي كان قائما ملئات السنني وأسس‬
‫نوعا جدي ًدا من النظم السياسية‪ .‬ونظرا جلودهتا‪ ،‬مل يفهم أحد ما تعنيه كلها‪ .‬أدت‬
‫ً‬
‫من الثورة إل اإلرهاب والتقلبات الرجعية واملزيد من االندفاع‪ ،‬حت عام ‪1796‬‬
‫وقعت نقطة التحول‪ .‬كان أعداء فرنسا بقيادة النمساويني يهددون بغزو البالد‬
‫وإعادة النظام امللكي القدمي‪ .‬اشتد القتال بشكل خاص يف إيطاليا‪ .‬إذا كان‬
‫النمساويون وحلفاؤهم قادرون على اجتياح الفرنسيني يف إيطاليا فسوف يتدفقون‬
‫إل فرنسا من اجلنوب وستنتهي الثورة‪ .‬كانت احلملة يف إيطاليا تسري بشكل سيء‬
‫ابلنسبة للفرنسيني‪ ،‬ولذلك أطلقوا يف أيسهم على انبليون بوانبرت‪ ،‬البالغ من‬
‫العمر ‪ 26‬عاما مالزما مدفعيا سابقا وقائدا جلميع القوات الفرنسية اليت تقاتل يف‬
‫إيطاليا‪ .‬من خالل بعض املناورات اجلريئة وبعض االسرتاتيجيات املبتكرة‪ ،‬متكن‬
‫انبليون ابلكاد من إنقاذ فرنسا من الكارثة‪.‬‬

‫عُِّني قائدا عاما للجيش الفرنسي نتيجة جناحه‪ .‬بعد احلملة اإليطالية روض انبليون‬
‫أفكاره‪ .‬نظر أن هناك طريقة أفضل لشن احلرب‪ .‬كان حباجة إل نوع جديد من‬

‫‪- 29 -‬‬
‫اجليوش أو املبدأ التنظيمي‪ .‬بدأ انبليون بتحليل الطريقة اليت شن هبا أعداؤه‬
‫احلرب ومنوذجهم التنظيمي‪ .‬سيكون للجنرال العادي حتت إمرته جيش حبجم‬
‫وتشكيل معني بشكل أساسي‪ .‬وليجعل هذا اجليش أكثر قدرة على احلركة‪ ،‬ميكن‬
‫للجنرال أن يقسمه إل جمموعات‪ ،‬لكن ما قد يكتسبه من املرونة سيفقده‬
‫السيطرة‪ .‬كيف ميكن جلنرال أن يواصل إدارة املعركة ومراقبتها إذا كان جيشه‬
‫منقسما ومشتتا؟ وهذا من شأنه أيضا أن ينتهك املبدأ العسكري الرئيسي املتمثل‬
‫يف إبقاء قوات املرء مركزة‪ .‬كانت السيطرة يف ذلك الوقت أكثر أمهية من التنقل‪،‬‬
‫لذلك كان حيافظ على متاسك هذا اجليش‪.‬‬

‫سيبقى اجلنرال يف مؤخرة القوات املتقدمة ويقود املعركة من هذا املوقع اآلمن‪.‬‬
‫أولئك الذين يف املقدمة‪ ،‬الكشافة والطليعة‪ ،‬قد يرون شيئًا غري متوقع مع اقرتاب‬
‫العدو‪ ،‬ولكن قبل أن يتمكنوا من جعل اجليش يتكيف مع هذه التغيريات‪ ،‬سيتعني‬
‫عليهم مترير رسائل إل اجلنرال يف اخللف‪ ،‬الذي سينقل رده بعد ذلك يف املقدمة‪،‬‬
‫كل ذلك يستغرق الكثري من الوقت‪ .‬ابإلضافة إل ذلك‪ ،‬كان البد من إطعام‬
‫هذه القوة اهلائلة‪ ،‬وهلذا الغرض سرتافق العرابت الكبرية ‪ -‬بقيادة اخليول والثريان‬
‫– هذا اجليش‪ ،‬مما يؤدي إل إبطائه‪ .‬يف أوقات سوء األحوال اجلوية واليت كانت‬
‫متكررة تتوقف عرابت اإلمداد بشكل كامل‪ .‬وبسبب كل هذا تقدمت اجليوش‬
‫بشمل بطيء ‪ ،‬ومييل كال اجلانبني إل السري إل نقطة حيث يلتقيان يف املعركة‪.‬‬
‫مبجرد الوصول إل هناك فرمبا تكون لبعض املناورات الذكية والقوة النارية املتفوقة‬
‫أن تقرر لب املشكلة‪.‬‬

‫‪- 30 -‬‬
‫كان هذا الشكل من احلرب خطيا متاما وميكن التنبؤ به‪ .‬على الرغم من أن‬
‫اجليوش يف مطلع القرن التاسع عشر قد تبدو حديثة‪ ،‬مع أحدث البنادق‬
‫واملدفعية‪ ،‬كانت تقاتل وفق منوذج قدمي‪ .‬كانت هذه هي الطريقة اليت خاضت هبا‬
‫احلروب منذ اإلسكندر األكب‪ .‬لقد كان اخلوف هو أن اجلنراالت التزموا هبذا‬
‫النظام الصارم‪ .‬احلرب فوضوية بطبيعتها وهذا النظام يوفر أقصى قدر من‬
‫السيطرة‪.‬‬

‫قارن انبليون هؤالء اجلنراالت مرة مباري أنطوانيت‪ .‬ما قصده هو ما يلي‪ :‬لقد‬
‫عاشت امللكة فرتة اضطراب غري معقول يف فرنسا ‪ -‬جماعة‪ ،‬واستياء واسع النطاق‬
‫بني الفالحني والبجوازية‪ ،‬ونشر أفكار خطرية يف الصحافة‪ ،‬إخل‪ .‬للتعامل مع كل‬
‫هذا استخدمت ماري أنطوانيت إسرتاتيجية‪ :‬لقد زادت املسافة بينها وبني الشعب‬
‫الفرنسي للتحكم يف ما رأته ومسعته‪ .‬ختيلت أن االضطراب كان يف احلقيقة سطحيا‬
‫إل حد ما‪ .‬بعد كل شيء مرت امللكية الفرنسية ابلكثري وهذا سيمر أيضا‪ .‬ال‬
‫ميكن حتدي هيبتها وسلطتها‪ .‬ملاذا تفقد رأسك بسبب هذه التقلبات اللحظية؟‬
‫ولذلك متسكت هبذه املعتقدات حت النهاية املريرة‪.‬‬

‫هؤالء اجلنراالت عملوا بطريقة مماثلة‪ .‬نظروا إل املاضي بدال من فحص احلاضر‪.‬‬
‫لقد زادوا من بعدهم عن اجلندي العادي واحلقائق املتغرية للحرب‪ .‬متسكوا ابملبدأ‬
‫التنظيمي القدمي كما لو كان سحراي‪ .‬مثل هذا اإلميان يف هناية املطاف ببنيته أو‬
‫منوذج قوته اخلالدة هو شكل من أشكال التفكري السحري ‪ -‬نظام إميانك بتخطي‬
‫الواقع‪ .‬كان انبليون خمتلفا عن هؤالء القادة‪ .‬كان أصغر بكثري‪ .‬لقد نشأ مع الثورة‬

‫‪- 31 -‬‬
‫‪ -‬حيث نشأ من قاع اجليش‪ ،‬الذي ت تشكيله إل نوع من جيش املواطنني‪ .‬كان‬
‫مدركا للتغريات العظيمة يف العامل ‪ -‬االجتماعية والسياسية والتكنولوجية‪ .‬كان‬
‫يدرك أن هذا غري سيكولوجية احلرب ‪ -‬كان اجليش الفرنسي يقاتل من أجل‬
‫الثورة‪ ،‬من أجل فكرة‪ .‬لقد كانت ثقافة وديناميكية اجتماعية جديدة‪.‬‬

‫كان على احلرب أن تلحق هبذه التغيرياتت‪ ،‬كان جيب أن يصبح سريعا وسلسا‪،‬‬
‫ليتناسب مع العصر‪ .‬من الناحية العسكرية‪ ،‬السرعة هي مضاعف القوة‪ .‬إنه‬
‫جيلب الزخم واملفاجأة إل ساحة املعركة ‪ ،-‬ميكن أن يصل قوة جيش قوامه‬
‫‪ 25000‬فرد إل ‪ .100000‬من أجل احلصول على مثل هذه القوة كان على‬
‫انبليون إعادة بناء جيشه من األلف إل الياء‪ .‬ويف هذه املرحلة‪ ،‬حقق انبليون‬
‫أحد أعظم االكتشافات يف اتريخ احلرب ‪ -‬أال وهو أن اهليكل هو اإلسرتاتيجية‪.‬‬
‫إن هيكل جمموعتك‪ ،‬جيشك‪ ،‬هو ما مينحها السرعة والقدرة على احلركة‪ ،‬وخيلق‬
‫هلجتها وإيقاعها وطريقة عملها‪ .‬إذا قمت ببنائها بطريقة كثيفة وبريوقراطية‪،‬‬
‫فسيكون لديك جيش بطيء ومثقل‪ ،‬بغض النظر عما حتاول جعله يفعله‪.‬‬

‫عليك أن تكون على استعداد لقبول درجة من الفوضى‪ .‬جيب عليك أن تنسى‪.‬‬
‫السيولة اليت تكتسبها ستعوض أكثر من أي فقدان مؤقت للتحكم‪ .‬بعد الكثري‬
‫من التحليل قرر انبليون ما يلي‪ :‬سيقسم جيشه إل فرق صغرى‪ ،‬يرتاوح حجمها‬
‫من ‪ 20.000‬إل ‪ .80.000‬كل من هذه الفرق سيقودها مشري ميدان‪ ،‬سيتم‬
‫غرسه يف فلسفة انبليون للحرب وما يريده يف محلة معينة‪ ،‬ولكنه يسمح هلؤالء‬

‫‪- 32 -‬‬
‫احلراس ابختاذ قراراهتم اخلاصة بناء على ما يرونه يف ساحة املعركة‪ .‬كانوا يقاتلون‬
‫يف مقدمة الصفوف بدال من القتال أبمان يف اخللف‪ ،‬حت يتمكنوا من الرد يف‬
‫الوقت الفعلي‪.‬‬

‫سيتم تكرار هذا على طول الطريق‪ .‬ميكن للمالزمني والرقباء اختاذ قرارات‬
‫لوحداهتم بناء على ما يروه‪ ،‬طاملا أنه يتناسب مع املهمة العامة للقسم‪ .‬لقد فهم‬
‫انبليون جيدا النظام االجتماعي اجلديد وما الذي يدفع اجلندي العادي‪ .‬متتع‬
‫ابحلرية من داخل هيكل اجليش وهي فرصة إلثبات نفسه ويظهر املبادرة‪ .‬سيبين‬
‫انبليون يف هيكل هذا اجليش فرصة ألقل جندي لريتقي إل القمة‪ ،‬بناء على‬
‫اجلدارة والشجاعة‪ ،‬وهو مفهوم جديد يف ذلك الوقت‪ .‬عالوة على ذلك‪،‬‬
‫سيقاتلون مجيعا من أجل فكرة ‪ -‬لنشر الثورة يف بقية أورواب‪.‬‬

‫أضاف انبليون أحد التفاصيل الفنية الصغرية اليت كشفت عن طريقة تفكريه‪:‬‬
‫سيحمل جنوده إمداداهتم يف حقائب ظهر مصممة‪ ،‬وكل فرد مسؤول عن احلفاظ‬
‫على إمداداته يف حالة حسنة‪ .‬كانت هذه مكوانت اجليش اجلديد ‪ -‬وحدات‬
‫أصغر وأكثر قدرة على احلركة‪ .‬ال توجد عرابت إمداد إلبطائها‪ ،‬القرارات املهمة‬
‫اليت ميكن أن يتخذها القادة يف الوقت احلال‪ .‬جنود كانوا أكثر محاسا واخنراطا‬
‫يف النضال‪.‬‬

‫‪- 33 -‬‬
‫كانت القوة أسرع بكثري‪ ،‬وأكثر مرونة من أي جيش آخر يف أورواب‪ .‬ابستخدام‬
‫مثل هذا السالح استطاع أن يطور انبليون إسرتاتيجية جديدة‪ ،‬ما يُعرف ابسم‬
‫حرب املناورة‪ .‬بدالً من تقدم قواته على طول خط واحد‪ ،‬ميكنه رمي فرقه اخلمسة‬
‫أو العشرة على العدو يف أمناط متفرقة‪ ،‬وقرروا التقدم اعتمادا على رد فعل العدو‪.‬‬
‫ايتعاد هبذه الطريقة زمام املبادرة‪ .‬ميكنه التكيف بشكل أسرع من العدو وتدمري‬
‫قوة إرادته فيكون من املستحيل توقع مناوراته‪ .‬كما ميكنك أن تتخيل‪ ،‬مع مثل‬
‫هذا اجليش سيطر انبليون على املشهد ملدة عشر سنوات بطريقة مل تفعلها أي‬
‫قوة عسكرية أخرى يف التاريخ‪ .‬لكن هناك فصل اثن هلذه القصة‪ .‬خالل السنوات‬
‫العشر القادمة‪ ،‬من ‪ 1806‬إل ‪ ، 1816‬نرى تراجعا مطردا يف قواه‪ .‬بدأ يعتقد‬
‫أن جناحه أيت من شخصيته السحرية وعبقريته‪ ،‬على عكس االسرتاتيجيات اليت‬
‫اخرتعها‪ .‬لقد خلق أرستقراطيته اخلاصة وأنى بنفسه عن املثل الثورية‪ .‬يبدأ يف‬
‫التباطؤ مع تقدمه يف العمر‪ ،‬وخيوض احلروب ابلطريقة اليت حارب هبا أعداؤه‪.‬‬
‫يؤمن بسحق العدو ابحلجم والقوة النارية بدال من القدرة على احلركة‪.‬‬

‫كل هذا أدى إل محلته املأساوية يف روسيا عام ‪ 1812‬وهزميته األخرية يف واترلو‬
‫يف عام ‪ .1816‬ويف جوهره حتول إل نوع من ماري أنطوانيت نفسها‪ ،‬متمسكا‬
‫ابلسلطة اليت كان يتمتع هبا‪ ،‬مؤمنا بسحر سلطته و تزايد غطرسته‪ .‬هذا هو النمط‬
‫والدرس الذي ميكننا تعلمه من أي فرتة ثورية يف التاريخ‪ :‬إما أن تكون ماري‬
‫أنطوانيت أو انبليون بوانبرت‪ .‬متيل روح أو أخرى إل السيطرة على عملية صنع‬
‫القرار لديك‪ .‬إذا كنت ماري أنطوانيت‪ ،‬ميكنك إقناع نفسك أنه ال شيء يتغري‬
‫يف العامل‪ .‬أنت هتتم ابحلاضر ابملتع يف متناول يدك‪ .‬أنت تثق يف القوة واالمتيازات‬

‫‪- 34 -‬‬
‫اليت حصلت عليها يف املاضي‪ .‬أخب نفسك أن كل هذا سيستمر‪ .‬يف ميكنك‬
‫احلفاظ على مسافة بينك وبني األحداث من حولك أساسا‪ .‬أنت تعيش يف‬
‫فقاعتك‪.‬‬

‫األوقات الصعبة أو الشدائد تقوي هذه الفقاعة‪ .‬إذا كنت من انبليون بوانبرت‪،‬‬
‫فأنت تتحرك يف االجتاه املعاكس ‪ -‬حنو التغيري القادم من أسفل إل أعلى‪ ،‬حنو‬
‫الواقع‪ .‬تريد املزيد من التواصل مع العامل‪ ،‬بغض النظر عن مدى الفوضى‬
‫والصعوبة اليت قد حتدث‪ ،‬ألن القوة تكمن يف التحرك يف هذا االجتاه واستغالل‬
‫اللحظة‪.‬‬

‫فيما يلي أهم مبدأين اسرتاتيجيني جيب االلتزام هبما يف أوقات التغيري‪:‬‬

‫أوال‪ ،‬السرعة هي اجلوهر‪ .‬جيب أن تكون قادرا على التكيف بسرعة مع‬
‫األحداث‪ .‬للقيام بذلك ‪ ،‬جيب أن تنظم جمموعتك لتسمح مبثل هذه السيولة‪.‬‬

‫هذا يعين إنشاء هيكل أكثر مرونة ويرتك جماال للمبادرة من الداخل‪ .‬لن تعين‬
‫اسرتاتيجياتك الرائعة شيئا يف مثل هذه األوقات إذا كانت مؤسستك بريوقراطية‬
‫وهرمية‪.‬‬

‫اثنيا ‪ ،‬جيب أن توحد هذه اجملموعة حول فكرة‪ ،‬أو سبب القتال أو التقدم‪ ،‬مبا‬
‫يتجاوز املال‪ .‬أنت تنشئ ثقافة تسخر فيها إبداع وطاقة جنودك‪ .‬ميوت القدمي‬
‫أخريا ويرتك مساحة لشيء شاب وجديد‪ .‬إنك تركب هذا املد‪ ،‬هذا املوت‬

‫‪- 35 -‬‬
‫التارخيي الذي جيتاح العامل‪ .‬ابالقرتان مع هذه املبادئ ‪ ،‬جيب أن تكون متيقظا‬
‫ابستمرار ألن أي نوع من النجاح لن حيولك ببطء إل ماري أنطوانيت‪.‬‬

‫اثمنا‪:‬‬

‫بينما كنت أكتب عن انبليون بوانبرت يف كتاب "‪ ٣٣‬اسرتاتيجية للحرب"‪ ،‬يف‬
‫عامي ‪ 2003‬و ‪ ، 2004‬أصبحت مفتوان بشركة بدت وكأهنا جتسد ‪ -‬بطريقة‬
‫غريبة ‪ -‬منوذج انبليون الذي أوجزته للتو‪ .‬كانت تلك شركة جوجل‪ .‬بدأت دراسة‬
‫غري رمسية ‪ -‬مجعت أكب قدر ممكن من املواد واالتصاالت داخل الشركة‪ .‬وكلما‬
‫تعمقت يف هذا املوضوع‪ ،‬رأيت املزيد من الروابط ‪ -‬مما يؤكد فكرت أن هناك‬
‫منطا لفرتات التغيري والثورة‪ .‬ما يلي هو جوهر حتليلي‪ :‬مثل انبليون‪ ،‬جاء مؤسسا‬
‫‪ ، Google‬سريجي برين والري بيدج‪ ،‬من خلفية خمتلفة جذراي عن املدير‬
‫التنفيذي العادي‪ .‬كانوا علماء يف جامعة ستانفورد‪ ،‬جماهلم هو اإلحصاء‬
‫واالحتماالت‪ .‬عند أتسيس ‪ Google‬يف أواخر التسعينيات‪ ،‬استنادا إل‬
‫ابتكاراهتم يف جمال حمركات البحث‪ ،‬توصلوا إل عدة استنتاجات مهمة‪ :‬اإلنرتنت‬
‫سوف يغري بيئة األعمال بشكل جذري‪ .‬سيدخل العامل حقبة جديدة ‪ -‬عصر‬
‫املعلومات‪ .‬لقد أرادوا أن تعكس شركتهم هذه التغيريات والوفاة التارخيية اليت‬
‫حتدثت عنها‪ .‬لقد احتاجوا إل إنشاء منوذج أعماهلم وتنظيمها‪.‬‬

‫ولذا فقد درسوا بعمق كيف تعمل الشركات األخرى‪ ،‬ال سيما يف جمال‬
‫التكنولوجيا‪ ،‬ملعرفة ما إذا كانت هناك دروس ميكن تعلمها‪ .‬معظم هذه الشركات‪،‬‬
‫م ثل مايكروسوفت‪ ،‬لديها طبقات مكثفة من البريوقراطية‪ .‬سيكون لديهم فريق‬

‫‪- 36 -‬‬
‫عمل ضخم من مهندسي البجميات البتكار منتجات جديدة‪ .‬ولكن قبل إطالق‬
‫مثل هذه املنتجات‪ ،‬كان ال بد من دجمها مع كل شيء آخر‪ ،‬وجيب أن تكون‬
‫أقرب ما تكون إل الكمال قدر اإلمكان‪ .‬مبجرد أن يصبح املنتج جاهزا‪ ،‬ستبدأ‬
‫فرق املبيعات والتسويق على نطاق واسع يف العمل‪ ،‬مع التأكد من إشباعهم‬
‫للجمهور‪ .‬إذا كانت هذه الشركات تنشئ أي نوع من احملتوى‪ ،‬فإن هناك طاقم‬
‫حترير‪ .‬للحفاظ على كل هذا بسالسة‪ ،‬كان جيب أن يكون لديهم فريق إدارة كبري‪.‬‬
‫قد يستغرق طرح أي منتج جديد عدة سنوات‪ ،‬ألن هذه املاكينة كانت بطيئة‬
‫ومثقلة‪ .‬كان ال بد من إشراك مجيع اإلدارات وطبقات البريوقراطية املختلفة يف‬
‫العملية‪ .‬حبلول الوقت الذي ت فيه طرح املنتج‪ ،‬كان املنافسون قد ظهروا ابلفعل‪،‬‬
‫ولكن بعد فوات األوان للتكيف مع ما كان متطورا‪ .‬أدى احلجم اهلائل للشركة‬
‫إل صعوبة احلفاظ على عالقات وثيقة مع اجلمهور؛ من األفضل صنع منتجات‬
‫مثالية وبيعها بصعوبة بدال من الرد على التعليقات العامة‪ .‬كان كل شيء موجها‬
‫حنو اهليمنة على السوق ‪ -‬ابستخدام موارد هائلة وقوة للحفاظ على ذلك‪.‬‬

‫كل هذه البريوقراطية خلقت قواعد قوة صغرية من داخل الشركة‪ ،‬مما أدى إل‬
‫زايدة األلعاب السياسية اليت يتم لعبها وزايدة البطء‪ .‬سيطرت شركة مثل ‪IBM‬‬
‫على جمال الكمبيوتر‪ ،‬لكنها خسرت يف الثمانينيات‪ ،‬ويرجع ذلك يف الغالب إل‬
‫عدم إمياهنا ابلكمبيوتر الشخصي‪ .‬كان هناك البعض من داخل الشركة الذين‬
‫فكروا بشكل خمتلف‪ ،‬لكنهم مل يتمكنوا من إيصال أصواهتم أو التأثري على الثقافة‬
‫الراسخة‪ .‬كانت مجيع املوارد اليت كانت متتلكها شركة ‪ IBM‬غري جمدية يف‬
‫مواجهة مثل هذه الصالبة ‪ -‬مما يثبت أن اهليكل واالسرتاتيجية واألفكار أهم من‬

‫‪- 37 -‬‬
‫املال والتكنولوجيا‪( .‬يف احلرب‪ ،‬سيكون املثال املماثل هو احلرب اخلاطفة لعام‬
‫‪ : 1941‬كان لدى الفرنسيني معدات وتكنولوجيا متفوقة لكن أفكارهم حول‬
‫كيفية استخدامها كانت ابلية واهنارت يف مواجهة اسرتاتيجية متفوقة)‪.‬‬

‫ابلنسبة إل ‪ ،Page and Brian‬كان على الشركة يف هذه البيئة اجلديدة‬


‫أن تكون خفيفة الوزن وسريعة وقادرة على البقاء يف صدارة دورة االبتكار‬
‫والتكيف بسرعة مع االجتاهات‪ .‬كان عليهم بناء نوع جديد من اهلياكل‪ .‬حكم‬
‫هذا معظم قراراهتم التنظيمية الرئيسية‪ .‬لن ينتجوا أي حمتوى؛ ستعمل ‪Google‬‬
‫كمنصة لآلخرين إلنشاء احملتوى أو نقله‪ ،‬مما يعزز تدفق املعلومات‪ .‬لن يكون‬
‫لديهم طاقم حترير‪ .‬كانوا يبيعون مساحات إعالنية لكسب املال‪ ،‬لكن كل هذا‬
‫سيكون آليا‪ .‬سيشرتي العمالء من خالل منصة اخلدمة الذاتية‪.‬‬

‫مسح هذا لـ ‪ Google‬ابحلصول على احلد األدىن من موظفي املبيعات‪ .‬ميكن‬


‫أن يتدفق أي نوع من التعليقات أو البياانت املتعلقة مببيعات اإلعالانت بشكل‬
‫مباشر وفوري إل أي شخص داخل الشركة ‪ -‬مل تكن هناك اختناقات من الداخل‬
‫إلبطاء تدفق املعلومات‪ .‬سيكون لدى ‪ Google‬عدد قليل نسبيا من‬
‫املهندسني‪ .‬كانوا سيوظفون األفضل لكنهم يبقون األرقام منخفضة‪ .‬لقد استندوا‬
‫إل كل هذا على فلسفتهم يف اإلفراج يف كثري من األحيان‪ ،‬واإلفراج مبكرا لن‬
‫يقودهم إلمضاء شهور يف إتقان أحدث منتجاهتم ‪ -‬كانوا يصدروهنا يف إصدار‬
‫جترييب ويسمحون للعمالء ابملساعدة يف حتسينها من خالل مالحظاهتم‪ .‬هذا يعين‬
‫عدم وجود فريق تسويق أو مبيعات لدفع املنتج اجلديد‪ .‬سيساعدهم ذلك على‬

‫‪- 38 -‬‬
‫تطوير عالقات وثيقة مع قاعدة عمالئهم وجعل الناس يشعرون أبهنم يشاركون‬
‫يف العملية‪.‬‬

‫نتيجة لكل هذا‪ ،‬ستحتاج الشركة إل عدد أقل بكثري من املديرين للحفاظ على‬
‫تشغيل ‪.Google‬سيكون املوظفون ُمدارين ذاتيا‪ .‬هذه اخلفة الرائعة لـ‬
‫‪ Google‬هي اليت مسحت هلم ابلتحرك والتكيف والتوسع مبثل هذا املعدل‬
‫السريع‪ .‬إنه أساس قوهتم‪ ،‬كما كان ابلنسبة لنابليون‪ .‬جتاهل هذه احلقيقة البسيطة‬
‫يعين جتاهل مبدأ أساسي لالسرتاتيجية‪ .‬ابإلضافة إل ذلك ‪ ،‬ابتكرت ‪Google‬‬
‫ثقافة خمتلفة‪ ،‬لتعكس الوفاة التارخيية اليت ذكرهتا يف البداية‪ .‬ت تقسيم الشركة إل‬
‫وحدات صغرية ميكن إدارهتا ذاتيا‪ .‬لقد أنشأوا قاعدة ‪ :٪20‬جيب على مجيع‬
‫املوظفني تكريس ‪ ٪20‬من وقتهم إلنشاء شيء خاص هبم ‪ -‬مشروع حيوان‬
‫أليف‪ ،‬فكرة مبتكرة ميكن أن تنسجم الحقا مع ‪ Google‬أو إذا مل تكن‬
‫كذلك‪ ،‬ميكن نقلها إل مكان آخر‪ .‬تقوم فرق صغرية من األقران بشكل دوري‬
‫مبراجعة هذه املشاريع وانتقادها‪ .‬أصبح من املمكن االرتقاء بسرعة داخل الشركة‬
‫وحتقيق ثروة‪.‬‬

‫متحورت الثقافة حول فكرة أن ‪ Google‬كانت رأس حربة الثورة‪ :‬كانت هذه‬
‫الشركة اليت كانت ستمنح العامل إمكانية الوصول إل املعلومات واألخبار وكل ما‬
‫حيدث يف العامل‪ ،‬وفتح األشياء والسماح للناس ابلقيام ما أرادوا‪ .‬خلق هذا‬
‫اإلحساس بكونك جزءا من قضية قوة عاملة شديدة التحفيز ال حتتاج إل مراقبة‬
‫من قبل فرق من املديرين‪ .‬درجة من الفوضى مسموح هبا بل يتم تشجيعها‪ .‬مع‬

‫‪- 39 -‬‬
‫وجود مثل هذه املنظمة‪ ،‬ميكن لـ ‪ Google‬ممارسة نوع من حرب املناورة‪ .‬تركز‬
‫معظم الشركات على السيطرة على موقع معني يف السوق‪ ،‬مثل اجليوش اليت‬
‫سارعت ملواجهة العدو يف نقطة حمددة‪ .‬هذا أسلوب حرب وأعمال قدمي ‪ -‬خطي‬
‫وميكن التنبؤ به‪ .‬يف البيئة اجلديدة ما يهم هو وضع شركتك يف وضع ميكنها فيه‬
‫التكيف بسرعة مع أحدث االجتاهات واحلصول على موطئ قدم هناك قبل‬
‫اآلخرين‪ .‬للقيام بذلك عليك أن تبين من أجله‪.‬‬

‫كشركة تركز بشكل أساسي على وجود حمرك حبث كمركز هلا‪ ،‬ميكن أن تنتقل‬
‫‪ Google‬بسرعة إل مناطق أخرى ‪ Gmail -‬أو أخبار ‪،Google‬‬
‫وآخرون ‪ -‬كل ذلك هبدف إنشاء نوع من نظام التشغيل لإلنرتنت‪ .‬إذا ظهر اجتاه‬
‫جديد يف األفق‪ ،‬فهم مستعدون لالنقضاض عليه واستغالله‪ .‬على سبيل املثال‪،‬‬
‫رأوا إمكاانت كبرية ملوقع ‪ ،YouTube‬وحاولوا إنتاج نسختهم اخلاصة منه‬
‫وعندما فشل ذلك‪ ،‬قاموا بشراء ‪ .YouTube‬هذا النوع من السيولة اندر‬
‫يف األعمال وقوي بشكل مدمر‪ .‬على عكس النماذج السابقة‪ ،‬ال خترتع‬
‫‪ Google‬شيئا تعتقد أنه ذكي ث تكتشف كيفية تسويقه للجماهري‪ ،‬بكل‬
‫الوقت واملال الذي يتطلبه‪ .‬إهنم يعملون على ما هو موجود ابلفعل ‪ -‬الطلب‬
‫امللموس‪ .‬على عكس املمارسات التجارية التقليدية كما تطورت يف عصر‬
‫االستهالك الشامل‪ ،‬فإن املثل األعلى لديهم هو خلق مسافة أقل بينهم وبني‬
‫عمالئهم‪ .‬أركز على ‪ Google‬ألهنم ابلنسبة ل اإلصدار األكثر تطرفا من‬
‫منوذج األعمال اجلديد الذي جنح على نطاق واسع‪.‬‬

‫‪- 40 -‬‬
‫ميكنين أيضا جلب شركات أخرى قامت ابلتجربة وحققت جناحا‪ .‬قامت شركة‬
‫مثل ‪ ،Zara‬اليت تكيفت بباعة مع البيئة اجلديدة‪ ،‬ببناء منوذجها على السرعة‬
‫اليت ميكن أن تنتج هبا العناصر اليت تستجيب ألحدث االجتاهات‪ ،‬مما مينح‬
‫املستهلكني خيارات أوسع بكثري‪ .‬ت تنظيم الشركة بطريقة فضفاضة مماثلة جلوجل‪.‬‬
‫هناك العديد من األمثلة األخرى على املقاييس األصغر يف مجيع أحناء العامل‪ .‬مع‬
‫احنسار تسوانمي االهنيار العاملي‪ ،‬فإن هذه هي الشركات اليت تستعد لتول‬
‫املسؤولية‪ .‬ال أقصد اإلحياء أبن ‪ Google‬معصومة من اخلطأ ونرى ابلفعل‬
‫عالمات على حدودها‪ .‬مثل انبليون‪ ،‬ميكن أن يتحولوا ببطء إل عدو ‪ ،‬إل‬
‫إصدار أكثر قابلية للحركة من ‪ .Microsoft‬كان هذا لإلشارة إل االنطالق‬
‫اجلذرية اليت قاموا هبا يف اهليكل األول للشركة والقوة اليت جلبتهم‪ .‬إذا كانوا‬
‫أذكياء ‪ ،‬فيمكنهم السيطرة على املشهد لسنوات قادمة‪ ،‬لكن ال شيء مؤكد‪.‬‬

‫هذه إذن هي النقطة اليت وصلنا إليها‪ .‬ما يتغري يف العامل ليس التكنولوجيا‪ ،‬أو‬
‫عوملة رأس املال ‪ ،‬بل العالقات بني الناس ‪ -‬العالقات اليت كانت ذات يوم هرمية‬
‫وقائمة على قوة السلطة‪ .‬ت تسوية هذا بشكل جذري‪ .‬ما يهم اآلن هو الروابط‬
‫بني الناس والشبكات اليت ميكن تشكيلها وتدفق املعلومات دون عوائق‪ .‬أي نوع‬
‫من عرقلة هذا التدفق سوف يُنظر إليه على أنه شيء من املاضي‪ ،‬شخص ما أو‬
‫جمموعة ما حتاول وقف مسار وفاة اترخيية‪ .‬حنن يف خضم تيار معاكس‪ .‬بينما‬
‫يتدفق اجلديد‪ ،‬ال يزال تيار القدمي موجودا‪ .‬نرى عالمات هذا التدهور يف كل‬
‫مكان‪ .‬ابلنظر إل الشركات الكبرية من خالل محالهتا التسويقية الكبرية‪ ،‬واليت‬
‫غالبا ما تكون مرتبطة ابملشاهري‪ ،‬فإننا نرى الديناصورات تصدر الكثري من‬

‫‪- 41 -‬‬
‫الضوضاء قبل أن ختتفي‪ .‬عالمات هذا النظام القدمي املتشبث ابلسلطة موجودة‬
‫يف كل مكان‪ ،‬وسيكون مشهدا كبريا أن نراها تنقرض يف السنوات القادمة‪ .‬بدون‬
‫استيعاب هذا املنظور األوسع ملا حيدث يف العامل‪ ،‬قمة التغيري الذي بدأ منذ آالف‬
‫السنني‪ ،‬ولكن تسارع بشكل كبري مع ظهور عصر املعلومات‪ ،‬لن يكون ألي‬
‫شيء تفعله أي نوع من التأثري الدائم‪.‬‬

‫اثمنا‪:‬‬

‫يف اخلتام‪ ،‬أود إخباركم عن حلم رأيته قبل شهرين ‪ -‬أعين ذلك احللم الذي تراهُ‬
‫أنت يف نومتك‪ .‬حلمت بقدوم عام ‪ ،2070‬وأرى نفسي أسري يف الشوارع‬
‫املزدمحة يف بعض املدن‪ .‬يظهر ل الناس سعداء بشكل غريب‪ ،‬وكان لدي شعور‬
‫ابخلفة يف اهلواء‪ ،‬كما لو أن شيئا ما قد تغري ابلفعل يف العامل‪ ،‬واكتشفنا طريقة‬
‫أفضل للعيش‪.‬‬

‫كان األمر األكثر غرابة يف هذا احللم هو أنين يف خضم ذلك كنت أمجع تفكريي‬
‫أثناء العودة إل عام ‪ ،2010‬منذ زمن بعيد‪ .‬خطر يف ابل لسبب ما أن تلك‬
‫اللحظة كانت مبثابة نقطة حتول‪ .‬كان ذلك عندما بدأت األمور يف تصحيح‬
‫نفسها‪ ،‬قلت ذلك يف نفسي‪ ،‬لكن قلة من الناس رأوا ذلك أو فهموه‪ .‬آه‪ ،‬لو‬
‫كنا مدركني ما حيدث يف ذلك الوقت وإل أين تتجه األمور‪ .‬كم هذا حمزن‪ .‬يف‬
‫وسط هذا الفكر الغريب استيقظت‪ .‬ظل احللم ومزاجه احلاد معي لبعض الوقت‪.‬‬
‫جعلين أفكر ‪ -‬من الواضح أن هذا هو احلال يف التاريخ‪ .‬ال يقدر الناس أبدا‬
‫اللحظة اليت يعيشون فيها‪ .‬ميكننا أن ننظر إل الوراء يف مجيع الفرتات املضطربة‬

‫‪- 42 -‬‬
‫واملثرية يف التاريخ جبو من احلنني إل املاضي‪ ،‬لكنه جمرد وهم‪ .‬أولئك يف تلك‬
‫اللحظة ليس لديهم مثل هذا املنظور وال مثل هذا التقدير‪ .‬وماذا لو متكنا اآلن‬
‫من احلصول على هذا املنظور وندرك أننا نعيش إحدى اللحظات التحويلية‬
‫العظيمة وأن القدمي خيتفي أخريا؟ أتركك هبذه الفكرة‪.‬‬

‫‪- 43 -‬‬
‫فن األحاديث‪.‬‬

‫يعتمد املستقبل على أشكال جديدة من التواصل‪ .‬ألن الطرق القدمية تتماوت‬
‫أو متوت ابلكلية‪ .‬وألن الناس ذوو فرتات اهتمام قصرية ُمغرقة يف املعلومات‬
‫الصغرية‪ .‬املستقبل الذي أحتدث عنه غري مباشر متاما‪ ،‬وأدعو هاهنا إل اسرتاتيجية‬
‫واعية‪ .‬لكل شيء عالمة‪ ،‬وليس ما تقوله فحسب‪ ،‬ولكن كيف تقول ذلك وكيف‬
‫تقود الناس إل استنتاجات وأفكار معينة تريدها؟‪ .‬إذا كان هذا املفهوم يراوغك‬
‫فعندئذ جيب عليك التوقف عن القراءة‪ .‬إنه جوهر كل شيء‬‫ٍ‬ ‫أو يرتكك جافا‪،‬‬
‫أكتب عنه‪ .‬إنه مكيافيلي للقرن احلادي والعشرين‪.‬‬

‫املقابالت أحد األمثلة املبتذلة و الكاشفة‪ .‬أعين هبذا‪ :‬البامج احلوارية التلفزيونية‬
‫أو اإلذاعية‪ ،‬واملقابالت الصحفية‪ ،‬واملقابالت الوظيفية‪ ،‬إخل‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬فأي‬
‫منتدى أو وسيط يكون لديه الوقت الكايف لتوجيه أسئلتهم حنو هدف‬
‫واسرتاتيجي‪.‬‬

‫أوال ‪ ،‬بدأان نفقد الثقة يف السلطة‪ .‬لقد أصبحنا دميقراطيني مرتبطني أكثر مما‬
‫ينبغي‪ .‬مراجعة سيئة واحدة‪ ،‬أو مقال سليب‪ ،‬أو شائعات مروعة‪ ،‬ميكن أن تدمر‬
‫مسعة ومصداقية عمل أو شخص ما‪ .‬أكثر من ذلك‪ ،‬اإلنرتنت جعل املعلومات‬
‫متاحة بشكل أكب بكثري حبيث ال يتعني علينا االعتماد على كلمة الشركات أو‬
‫املؤسسات الكبى أو احلكومة نفسها‪ :‬لدينا الكثري من سبل الوصول إل احلقائق‪.‬‬

‫‪- 44 -‬‬
‫اثنيا‪ ،‬أصبح مدى انتباهنا أصغر بكثري‪ .‬يشتتنا أي شيء يلمع‪ .‬نتعرض للقصف‬
‫ابستمرار‪ ،‬قصف ابلفيديوهات‪ ،‬التعليقات‪ ،‬املدوانت‪ ،‬املشاركات‪ ،‬وحتديثات‬
‫احلالة‪ ،‬والصور وما إل ذلك‪ ،‬واآلن مع هذه البياانت الضخمة ‪ ،‬ميكن للشركات‬
‫أن تعرف رغباتنا وتعطينا اخلياالت اليت حنلم هبا‪ .‬وأخريا‪ ،‬املشهد املهين والتجاري‬
‫يصبح أكثر قدرة على املنافسة‪ .‬أنت لست منافسا للناس يف جمال عملك؛ بل‬
‫تتنافس معه األلوف املؤلفة من الرسائل‪.‬‬

‫معظم الناس يرفعوهنا إليك‪ ،‬أو يلطخونك بكراهتم التكتيكية الصغرية اليت‬
‫صمموها ليستفزوك‪ .‬يعتقدون أهنم اسرتاتيجيون من خالل حماولة السؤال عن نوع‬
‫التضارب احملتمل يف عملك أو اهتامك بشيء ما‪ .‬هو تكتيك براءات االخرتاع‬
‫ورد الفعل‪ .‬عندما يُشار إليك ابلبنان أنك حتاول االستفزاز بشيء ما يف أسئلتك‪،‬‬
‫فإنك جتعل الشخص اآلخر مدافعا‪ ،‬وعلى أهبة االستعداد‪ .‬عندما ينغلق الشخص‬
‫الذي تقابله‪ ،‬فإنك ترى حوارا اثبتا‪ .‬فن إجراء املقابالت يكمن يف تقليل‬
‫الدفاعات‪ ،‬وأن جتعل الناس منفتحني‪ ،‬وإذا كنت ذا حاجة إل اهلجوم‪ ،‬اهلجوم‬
‫من االجتاه الذي ال ميكنهم توقعه‪ ،‬فإنين أحيلك للفصل ‪ 30‬يف كتاب ‪33‬‬
‫اسرتاتيجية للحرب وإل سقراط حتدي دا‪ ،‬فهو أعظم سيد يف هذا الفن‪ .‬سيبدأ‬
‫ابلسماح للشخص اآلخر ابلتعبري عن رغباته‪ ،‬ويبدو أنه يوافق على االعرتاف‬
‫بذكاء ما يقوله‪ .‬ث يبدأ بطرح األسئلة اليت تبدو وكأهنا تتجنب املوضوع الرئيسي‬
‫يف حديثه‪ ،‬لكنه يبدأ يف إدخال الثقوب يف حديثه ببطء‪ .‬يف النهاية يدمر نقطتك‬
‫األ صلية‪ ،‬لكنه جيعلها خترج من فمك‪ .‬اي هلا من عبقرية اندرة‪ .‬إذا أجريت حوارا‬
‫مع شخص ما‪ ،‬على سبيل املثال حول حرب العراق‪ ،‬دعنا نقول أن شخصا يف‬

‫‪- 45 -‬‬
‫البداية عنيف بشكل كبري‪ ،‬سأبدأ ابسرتاتيجية‪ .‬أود احلصول عليها منهم حنو‬
‫النقطة (د)‪ .‬هذه النقطة هي االعرتاف أبهنا كانت اسرتاتيجية فاشلة من البداية‪،‬‬
‫مل يكن لديها فرصة حقيقية للنجاح و كان الدعم األول هلا كان خاطئا ببساطة‪.‬‬
‫هذا صعب ولكن تستحق اجلهد‪.‬‬

‫سوف أحتدث عن هذا بشكل غري مباشر دون اإلفصاح عن نواايي‪ .‬أود أن‬
‫أطرح أسئلة‪ ،‬مثل سقراط‪ ،‬عليهم أن جييبوا عليها بطريقة أو أبخرى‪ .‬اعتمادا على‬
‫املسار الذي سلكوه‪ ،‬ميكنين أن أحجزهم ببطء يف تناقضاهتم‪ .‬دعنا نقول أن‬
‫نقطتهم الرئيسية كانت أن صدام حسني كان هو هتلر‪ ،‬وأن جلب الدميقراطية إل‬
‫الشرق األوسط يستحق اخلسارة املؤسفة يف األرواح‪ ،‬إخل‪ .‬ومن شأنه أن خيلق‬
‫االستقرار (الدميقراطيات ال تشجع الثورات‪ ،‬كما يريدون أن يقولوا)‪ ،‬وهذا‬
‫االستقرار سينتشر‪ ،‬وابملناسبة‪ ،‬هذا هو الشيء الصحيح أخالقيا لفعله‪ .‬مل تكن‬
‫املشكلة يف احلرب‪ ،‬ولكن يف طريقة شنها (كذا يقولون)‪.‬‬

‫اجعلهم يعرتفون هبذا‪ ،‬ويلتزمون مبوقف اثبت‪ .‬ومن هناك تعمل يف طريقك‪ .‬هل‬
‫تعتقد أن التاريخ مهم‪ ،‬وأن األمثلة املاضية ميكن أن توجهنا يف الوقت احلاضر؟‬
‫إذا اعرتفوا بذلك‪ ،‬فإنك تسأهلم (بطريقة ملتوية أكثر مما أفعله هنا‪ ،‬هذا اختزال)‪:‬‬
‫هل هناك أمثلة يف العامل من الدميقراطيات اليت أصبحت راسخة يف أماكن ليس‬
‫فيها مثل هذه التقاليد‪ ،‬ولديها تقاليد على العكس؟ اجلواب هنا بوضوح ال‪ .‬إذا‬
‫قالوا إن التاريخ ال يهم ‪ ،‬فقد جعلت من املستحيل عليهم الرجوع إليه أبي طريقة‬
‫ليدعموا حجتهم‪.‬‬

‫‪- 46 -‬‬
‫ميكنك بناء هذا أن تثبت بيقني‪ .‬ستقودهم إل النقطتني ‪ B‬و ‪ C‬اليت تتضمن‬
‫انعدام السيطرة على أي جيش ذو تغريات يف الوضع‪ .‬كيف ميكنك أتمني احلدود؟‬
‫كيف كنت ستتعامل مع إيران وسوراي بشكل خمتلف؟ طريقتك املختلفة لشن‬
‫هذه احلرب ستجلب املشاكل اجلديدة يف أعقاهبا ال حمالة‪ .‬املزيد من القوات؟‬
‫فُعل ذلك العمل يف فيتنام أو أفغانستان من أجل الروس؟‬

‫دائما خامتة انجحة‪،‬‬


‫نعم‪ ،‬هذه حجة جمردة ومن املمكن يف اخلالصة أن نتخيل ً‬
‫ولكن بناء العديد من نقاط الضعف يف االسرتاتيجية األصلية جيعل ذلك أكثر‬
‫فاعليه‪ ،‬فال ميكن الدفاع عنه‪ .‬يف النهاية‪ ،‬هل من األخالقي شن حرب ال ميكن‬
‫أن تؤدي بشكل واقعي إل النجاح؟ ال يتم ذلك كوسيلة خلداع الشخص اآلخر‬
‫أو اجلمهور لتصديق شيء ما‪ .‬تعتقد بنفسك أن احلرب كانت معيبة يف مفهومها‪.‬‬
‫ما يهم هو كيفية إيصال هذا إل الشخص اآلخر وفتحه أمام احتمال أنه أو أهنا‬
‫خمطئة‪ .‬ال ميكنك القيام بذلك بطريقة مباشرة‪ ،‬مما جيعل الناس متفاعلني وعاطفيني‪.‬‬
‫ليس هدفك إبعاد مشاعرك عن صدرك (اترك ذلك ألغبياء هذا العامل)‪ ،‬ولكن‬
‫لتغيري آراء الناس فعليا‪ ،‬افتح أعينهم‪.‬‬

‫لقد وصلين ب األمر لدرجة أنين عندما أمسع أي مقابلة على التلفزيون أو الراديو‬
‫درجة الصراخ والعويل‪ .‬ال أحد يطرح األسئلة املهمة‪ ،‬اليت ميكن أن تثري ثقواب يف‬
‫اجل دل‪ .‬يتولد الكثري من الوقت الضائع‪ .‬استمع اآلن وسوف تسمع التالية مرارا‬
‫وتكرارا‪" :‬حتدث معي عن االنتخاابت‪ ،‬ماذا؟ لقد فعل الدميقراطيون الصواب"‪.‬‬
‫حتدث معي عن هذا‪ ،‬حتدث معي عن ذاك‪ .‬ملاذا ال تطرح سؤاال يوجه الشخص‬

‫‪- 47 -‬‬
‫حنو شيء مضيء ومثري لالهتمام‪ ،‬وخيبئ لكمة خفية؟ كما قال املاركيز دي ساد‪،‬‬
‫"حاول جبد أكثر (اجذب جهد األمم املتحدة)‪ ،‬إذا كنت تريد ثورة‪".‬‬

‫زوااي‬

‫يف مجيع ألعاب الطاولة تقريبا ‪ -‬الشطرنج والذهاب (وي تشي) ولعبة الطاولة‪،‬‬
‫وما إل ذلك ‪ -‬تشري الزوااي إل اهلزمية واملوت‪ .‬يف كل لعبة يتم تكوين الزوااي‬
‫بشكل خمتلف‪ ،‬ولكن بصفيت شخصا يلعبها مجيعا‪ ،‬فأان أعرف الشعور الذي‬
‫أصابين أوال يف أحشائي ألنين أجد نفسي حماصرا يف زاوية‪ .‬يزيد نبض قليب ‪،‬‬
‫وتشد مشاعري (الغضب ‪ ،‬واإلحباط ‪ ،‬ونفاد الصب) وغالبا ما ينتهي ب األمر‬
‫ابرتكاب أخطاء تؤدي إل تفاقم املوقف‪ .‬املفتاح يف النهاية هو تقليل الضرر‬
‫واستعادة السيطرة على املركز‪ .‬لكن املفتاح احلقيقي يكمن يف العقل والشعور‬
‫الذي تشعر به وأنت حماصر‪ .‬يصبح هذا اجلانب العقلي للزاوية جسداي أكثر يف‬
‫الرايضات مثل املالكمة وكرة القدم (دفعها إل هناية امللعب) وكرة السلة وفنون‬
‫الدفاع عن النفس‪ .‬أنت تشنج جسداي‪ ،‬ويضيق حلقك‪ ،‬ويضيق جسمك وأنت‬
‫تتحرك يف املساحة الضيقة‪ .‬كان لدى موساشي الكثري ليكتب عنه يف هذا‬
‫املوضوع‪ ،‬وال ميكنين أن أفعل ما هو أفضل‪.‬‬

‫يف ‪ 33‬إسرتاتيجية للحرب‪ ،‬أضع نظرية من أين أيت هذا؟‪ ،‬يف فصل "التغليف"‬

‫‪- 48 -‬‬
‫‪ .‬كنا حنن البشر ملاليني السنني من البدو الرحل‪ .‬لقد ربطنا احلرية والرفاهية‬
‫ابلقدرة على االنتقال إل األماكن املفتوحة ‪ ،‬للعثور على أماكن أكثر مالءمة‬
‫للصيد‪ .‬السنوات اليت أمضيناها يف االستقرار يف املدن ضئيلة مقارنة بسنوات‬
‫البدو‪ .‬ولكن حت يومنا هذا ‪ ،‬فإن فكرة تقييد املساحات ‪ ،‬واخليارات احملدودة‬
‫‪ ،‬والشعور ابلضيق ‪ ،‬تغرس فينا الذعر واالرتباك‪ .‬من الواضح ‪ ،‬يف احلرب ‪،‬‬
‫كانت الزاوية تعين املوت الفوري ‪ ،‬على الرغم من أنه ميكن قلب هذا األمر يف‬
‫ديناميكية اسرتاتيجية أرض املوت‪ .‬اآلن ‪ ،‬توجد هذه الزوااي على مستوايت أعلى‬
‫وأكثر جتريدا‪.‬‬

‫حتدث على املستوى املهين والعمل‪ .‬على سبيل املثال ‪ ،‬يكتشف الشخص أن‬
‫الذهاب إل حد معني مع شخصيته يكتسب الكثري من االهتمام والشهرة‬
‫والنجاح‪ .‬هذه السمة ميكن أن تكون ميزة عدوانية ‪ ،‬عقلية احملارب‪ .‬ولكن عندما‬
‫يتم تشغيله ‪ ،‬فإنه يتحول إل زاوية‪ .‬ميكن للناس أن يتوقعوا منك فقط أن تكون‬
‫نفس الشخص العدوان ‪ ،‬لكن سرعان ما يتعبون منك لتجسيد ذلك ‪ ،‬ويلجؤون‬
‫إل شخص أصغر سنًا‪ .‬إذا قمت بتغيري شخصيتك وتكييفها ‪ ،‬يُنظر إليك على‬
‫أنك غري أصيل ؛ إذا بقيت الشاب الغاضب ‪ ،‬فإنك تتالشى من االنتباه أو تبدو‬
‫متعبًا‪ .‬ما جلب لك الشهرة ‪ ،‬يصبح فخك‪ .‬وغالبًا ما حيدث هذا مع األشخاص‬
‫يف حياهتم املهنية ‪ ،‬مدفوعني بشيء يعمل يف الشباب ولكن ينتهي به األمر جبلب‬
‫املزيد واملزيد من اخليارات احملدودة للتحرك‪ .‬وليس هناك شعور أسوأ من رؤية ما‬

‫‪- 49 -‬‬
‫جنح لك يف املاضي ومل يعد يعمل من أجلك اآلن‪ .‬وميكنك أن جتعل األمر أسوأ‬
‫من خالل الرد‪ :‬أن تصبح أكثر عدوانية‪.‬‬

‫تبدأ يف عالقة يواجه فيها الشخص اآلخر مشكلة يف جانب واحد من شخصيتك‬
‫وينتقدك مر ًارا وتكر ًارا‪ .‬أنت تتعلم الرتاجع ألن العالقة بشكل عام جيدة وال يبدو‬
‫القتال على شيء بسيط نسبيًا يستحق كل هذا العناء‪ .‬يستمر هذا ألشهر أو‬
‫سنوات وينتهي بك األمر إل الرتاجع عن قضااي أخرى لتجنب الصراعات‬
‫القبيحة‪ ،‬وجتد نفسك مركوان يف زاوية‪ .‬إذا حاولت اخلروج ‪ ،‬فهذا يعين االنفصال‪.‬‬
‫ال ميكنك املغادرة حت اآلن تشعر أنك حماصر يف البقاء‪ .‬هذه زاوية مأزق أيضا‪.‬‬
‫القطع مل تعد تتحرك‪.‬‬

‫يف السياسة‪ ،‬أنت ترسم مسارا يف اجتاه قوي‪ ،‬لتمييز نفسك عن سلفك يف املنصب‬
‫الذي بدا غري حاسم يف املقارنة‪ .‬يف البداية يكون هذا منعشا وجيعلك تبدو قواي‪.‬‬
‫لكن التحرك يف اجتاهات قوية ال يكون ابلضرورة اسرتاتيجيا‪ ،‬إذا مل تكن مثل هذه‬
‫التحركات مدروسة جيدا‪ ،‬ومبا أن هذا حيدث نفسه‪ ،‬فإنه يصبح فخا وركنا‪ .‬ال‬
‫ميكنك تغيري االجتاهات دون أن تبدو ضعيفا‪ .‬ال ميكنك الرتاجع‪ .‬أصبحت‬
‫خياراتك حمدودة‪ ،‬وألن حتركاتك اجلريئة األول مل تكن مدروسة جيدا‪ ،‬فأنت‬
‫مضبوط على مسار ال ميكن أن يكون جيدا‪ .‬ما جنح يف السنة األول أو الثانية‬
‫يصبح طريقا مسدودا ‪ .‬كما أنت اآلن‪ ،‬يف مهنتك أو عالقاتك أو املعارك اليت‬
‫تواجهها ميكنك أن تساند نفسك يف الزاوية‪ .‬واخلالصة أنك اندرا ما تدرك ذلك‬
‫كما حيدث‪ ،‬ألنه غالبًا عندما تكون متحمسا وعاطفيا‪ ،‬وتشعر ابالخنراط وتتحرك‬
‫يف اجتاه ما‪ ،‬أو أنك قد حللت مشكلة‪ ،‬فأنت حتاصر نفسك عن غري قصد‪.‬‬

‫‪- 50 -‬‬
‫دائما طرق إلخراج نفسك ابملعىن التكتيكي‪ .‬ولكن املسار األكثر حكمة‬
‫هناك ً‬
‫هو أن تصبح خبريا اسرتاتيجيا مبعىن نسخة بسيطة من ‪ . Sun-tzu‬ما يهم‬
‫يف عامل ‪ Sun-tzu‬ليس مواقع القوة ‪ ،‬ولكن املواقف اليت تكون لديك فيها‬
‫خيارات مليئة ابلقوة احملتملة‪ .‬إهنا طريقة تفكري خمتلفة عما اعتدان عليه‪ ،‬خاصة‬
‫يف الغرب‪ ،‬حيث يدور الكثري حول التحرك حنو اهلدف‪ .‬هذا هو التفكري اخلطي‪.‬‬
‫ما تريده هو أن تستهدف شيئا يزيد من خياراتك يف القوة والتنقل‪ .‬هذا يشبه‬
‫الوضع الناعم واملشرق‪ ،‬أكثر من كونه شيئا صلبا حمفورا يف األرض‪ .‬يف السياسة‬
‫كان روزفلت هو سيد ذلك‪( .‬أقرتح قراءة أفضل ما كتب حوله يف ‪The‬‬
‫‪ .)Lion and the Fox‬يف املالكمة‪ ،‬حممد علي هو املثال‪ .‬يف كرة القدم‬
‫أجد بيل بيليشيك أفضل العب يف هذا اجملال على مستوى التدريب‪ .‬يف موسيقى‬
‫اهليب هوب يقولون إن جاي زي هو ملك هذه املناورة‪ ،‬لكن من السابق ألوانه‬
‫معرفة ذلك‪ .‬يف القتال ابلسيف هذا هو املكان الذي يسود فيه موساشي‪ ،‬وكتاب‬
‫احللقات اخلمس هو دليل لكيفية القتال هبذه الطريقة املرنة‪ .‬يف احلرب هناك أمثلة‬
‫ال حصر هلا للدراسة واملتابعة‪.‬‬

‫دائما ابلتطلع إل األمام واالنفتاح على‬


‫على املستوى الوظيفي‪ ،‬أنصح الناس ً‬
‫التغيريات يف االجتاه‪ .‬هذه الوظيفة اليت تبدو جيدة‪ ،‬واآلن ميكن أن تتحول بسهولة‬
‫إل كابوس إذا مل تر الزوااي احملتملة اليت ميكن أن هتبط هبا‪ .‬أعرف ذلك‪ ،‬ألنين‬
‫أثناء عملي يف هوليوود‪ ،‬وكنت مفتوان حينها ابلراتب‪ ،‬أوقعت نفسي يف مثل هذه‬
‫الزاوية‪ .‬لقد خرجت من خالل التفكري يف املستقبل والتخطيط الجتاه خمتلف‬
‫كثريا يف حيات‪ .‬بدال من أن أهدف إل أن أصبح كاتب سيناريو‪ ،‬إن وجد‪ ..‬كنت‬
‫ً‬

‫‪- 51 -‬‬
‫أهدف إل كتابة كتب حول مواضيع أاثرتين وقدمت إمكانيات ال حصر هلا للسري‬
‫يف هذا االجتاه أو ذاك‪ .‬لقد حظيت ببعض احلظ السعيد على طول الطريق‪ ،‬لكنين‬
‫اآلن أشعر أخريا أنين اقرتبت من هذا املوقف من القوة احملتملة‪ ،‬على الرغم من‬
‫أن املعركة مل تنته بعد‪.‬‬

‫اجلحيم التكتيكي أو اجلنة اإلسرتاتيجية‪ :‬يف أي مكان أنت؟ معظمنا موجود يف‬
‫عامل أمسيه اجلحيم التكتيكي‪ .‬يتكون هذا اجلحيم من كل األشخاص من حولنا‬
‫الذين يتنافسون على السلطة أو نوع من السيطرة‪ ،‬والذين تتقاطع أفعاهلم مع‬
‫حياتنا يف آالف االجتاهات املختلفة‪ .‬حنن مضطرون ابستمرار إل الرد على ما‬
‫يفعله هذا الشخص أو يقوله‪ ،‬ونصبح عاطفيني يف هذه العملية‪ .‬مبجرد أن تغرق‬
‫يف هذا اجلحيم من الصعب أن ترفع عقلك فوقه‪ .‬أنت تتعامل مع معركة تلو‬
‫األخرى وال ينتهي أي منها بقرار‪ .‬من الصعب عليك أن ترى اجلحيم على‬
‫حقيقته‪ ،‬أنت قريب جدا منه‪ ،‬غارق جدا فيه‪ ،‬وال ميكنك التفكري يف أي طريقة‬
‫أخرى‪ .‬نظرا لوجود عدد كبري من األشخاص الذين يتنافسون اآلن على السلطة‬
‫يف هذا العامل‪ ،‬واهتمامنا مشتت للغاية يف اجتاهات خمتلفة‪ ،‬فإن هذه الديناميكية‬
‫تزداد سوءا‪.‬‬

‫االسرتاتيجية هي اجلواب الوحيد‪ .‬هذه ليست نقطة خالف أكادميية جافة‪ ،‬أو‬
‫أنين أحاول بيعك املزيد من الكتب‪ .‬ميكنك قراءة الكثري من الكتب األخرى عن‬
‫اإلسرتاتيجية‪ .‬إهنا مسألة ابلغة األمهية‪ ،‬الفرق بني حياة البؤس وحياة التوازن‬
‫والنجاح‪ .‬اإلسرتاتيجية هي عملية عقلية يرفع فيها عقلك نفسه فوق ساحة‬

‫‪- 52 -‬‬
‫املعركة‪ .‬لديك إحساس بوجود هدف أكب حلياتك‪ ،‬حيث تريد أن تكون على‬
‫الصراط ‪ ،‬وما الذي كنت مؤهال لتحقيقه؟ هذا جيعل من السهل حتديد ما هو‬
‫مهم‪ ،‬وما هي املعارك اليت جيب جتنبها؟ أنت قادر على التحكم يف عواطفك‪،‬‬
‫لرؤية العامل بدرجة من االنفصال‪ .‬إذا حاول شخص ما جذبك إل معاركه أو‬
‫مشاكله‪ ،‬فلديك املسافة واملنظور الالزمني لالبتعاد عنه‪ ،‬أو مساعدته دون أن‬
‫تفقد توازنك‪ .‬ترى كل شيء على أنه مصدر قلق اسرتاتيجي‪ ،‬مبا يف ذلك كيفية‬
‫تنظيم اجملموعة اليت تقودها ‪ -‬للتنقل وللروح املعنوية‪ .‬مبجرد أن تكون على هذا‬
‫املسار يصبح كل شيء سهال‪ .‬اهلزمية أو االنتكاسة هي درس جيب تعلمه‪ ،‬وليست‬
‫إهانة شخصية‪ .‬النجاح ال يذهب إل رأسك بل جيعلك متضي تتجاوز‪.‬‬

‫هناك اسرتاتيجيون زائفون يف هذا العامل ليسوا أكثر من خباء تكتيكيني ابرعني‪.‬‬
‫إهنم يبدون مثل االسرتاتيجيني ألهنم قادرون على إدارة املشاكل الفورية بدرجة‬
‫من الثقة النفسية‪ .‬يعرفون كيف يصلحون املشاكل‪ .‬إهنم يتقدمون‪ ،‬أو ابألحرى‬
‫ميكنهم رفع رؤوسهم فوق املاء‪ .‬لكنهم خيطئون حتما‪ .‬أان أعتب الرئيس بيل‬
‫كلينتون مثاال على ذلك االسرتاتيجي الزائف‪ .‬ابملقارنة مع أبراهام لينكولن أو‬
‫فرانكلني ديالنو روزفلت‪ ،‬فهم االسرتاتيجيون احلقيقيون‪ .‬هناك آخرون يبدو أن‬
‫لديهم رؤية أيضا‪ ،‬ولديهم خطة كبرية يف احلياة‪ .‬يبدو أهنم اسرتاتيجيون أيضا‪،‬‬
‫لكن خططهم ال عالقة هلا ابلواقع‪ .‬خططهم وأهدافهم يف انعكاسات لرغباهتم‬
‫يف احلقيقة‪ .‬وميكننا أن نرى هذا يف التنفيذ‪ .‬كل شيء يتحول إل احتكاك‪ .‬كانت‬
‫"اإلسرتاتيجية الكبى" للرئيس بوش إلعادة صياغة الشرق األوسط مثاال على‬
‫ذلك‪ .‬إنه يبدو كبريا وشامال‪ ،‬على الورق يبدو منطقيا لكنه فشل فشال ذريعا يف‬

‫‪- 53 -‬‬
‫الواقع ألنه ال عالقة له ابلواقع على األرض‪ .‬االسرتاتيجيون واقعيون‪ ،‬وليس‬
‫هناك شيء آخر ‪ -‬ميكنهم النظر إل العامل وإل أنفسهم بدرجة أعلى من‬
‫املوضوعية من اآلخرين‪.‬‬

‫ُوصفت كتيب أبهنا شريرة وغري أخالقية‪ ،‬وأان شخص يسبب املزيد من الضرر يف‬
‫هذا العامل‪ .‬أبصر ذلك يف بعض التعليقات على اإلنرتنت‪ ،‬ورأيتها طوال الوقت‪.‬‬
‫أان ال أعتب األمر شخصيا‪ ،‬ولكن احلقيقة كما أراها أن هذه الكتب ليست شريرة‬
‫على اإلطالق‪ .‬أعتقد أن املزيد من األشياء السيئة حتدث يف هذا العامل ألن الناس‬
‫ال يعرفون كيفية العمل بشكل اسرتاتيجي فعال‪ .‬يشنون احلروب دون أن يعرفوا‬
‫إل أين يتجهون؟‪ .‬يبدأون أعماال جتارية على أرضية متزعزعة وال تصل إل أي‬
‫مكان‪ ،‬يوجهون احلمالت السياسية اليت يتم التفكري فيها بشكل سيئ‪ ،‬ث تفشل‬
‫وقتئذ‪ ،‬إهنم يهدرون وقتا وطاقة عظيمني على أشياء اتلفة‪ .‬من املغري أن يتحدث‬
‫الناس عن اخلري والشر داخل أقبيتهم‪ ،‬فال شيء أسهل من ذلك‪ .‬لكن ترمجة هذه‬
‫األفكار إل واقع يتطلب تفكريا اسرتاتيجيا‪ .‬حت غاندي كان يعرف ذلك‪ .‬ابلنسبة‬
‫لليواننيني القدماء فإن الغباء وعدم الكفاءة يتسببان يف ضرر أكب بكثري يف هذا‬
‫العامل من الشر الصريح‪ .‬ميكن حماربة أولئك األشرار‪ ،‬ألنه من السهل التعرف‬
‫عليهم ومكافحتهم‪ .‬وأما األغبياء وغري األكفاء فهم أكثر خطورة من غريهم‪،‬‬
‫ألننا لسنا متأكدين إل أين يقودوننا حت يفوت األوان‪ .‬لقد نشأت أعظم‬
‫الكوارث العسكرية يف التاريخ يف أغلب األحيان من طرف قادة يفتقرون إل‬
‫احلكمة االسرتاتيجية‪.‬‬

‫‪- 54 -‬‬
‫يكاد يكون األمر دينيا‪ :‬هل ستتحول إل اجلانب اخلفيف إل اإلسرتاتيجية؟ أم‬
‫أنك ستبقى يف اجلحيم التكتيكي؟ االلتزام العقلي أبن تكون اسرتاتيجيا يف احلياة‬
‫هو نصف املعركة‪ .‬هذا هو كل ما أطلب من قرائي أن يعرفوه‪.‬‬

‫‪- 55 -‬‬
‫معضلة اإلرهاب‬

‫أريد أن أبدأ حديثا عن جنرال رمبا مل تسمع به‪ ،‬اللهم إذا كنت قارائ لكتيب‪ .‬امسه‬
‫{فريدريش لودفيج} أمري هوهنلوه‪ .‬ولد يف بروسيا عام ‪ 1746‬وينحدر من‬
‫إحدى أقدم العائالت يف أملانيا وأكثرها أرستقراطية‪ .‬خدم األمري يف اجليش حتت‬
‫قيادة امللك البوسي فريدريك الكبري وترقى ببطء يف الرتب‪ .‬كان األمري من أشد‬
‫املؤمنني أبسلوب احلرب الذي ابتكره فريدريك العظيم‪ .‬استند هذا األسلوب إل‬
‫وجود جيش شديد االنضباط‪ ،‬يقدم فرضية اهلجوم دوما‪ ،‬وبعض املناورات‬
‫اإلبداعية اليت اخرتعها امللك‪ .‬برز البوسيون بقيادة فريدريك على أهنم القوة‬
‫القتالية األكثر رعبا وجناحا يف القارة‪ ،‬وبقيت على هذا النحو بعد وفاة فريدريك‬
‫يف عام ‪.1786‬‬

‫يف عام ‪ ،1796‬أصبح األمري جنراال يف سن اخلمسني شااب وفق املعايري البوسية‪.‬‬
‫يف نفس العام ت تسمية انبليون بوانبرت البالغ من العمر ‪ 27‬عاما أيضا جنراال‬
‫وقائدا للقوات الفرنسية اليت تقاتل يف إيطاليا‪ .‬على مدى السنوات التسع التال‪،‬‬
‫سيطر انبليون على أورواب وبلغ كل هذا ذروته ابنتصاراته املذهلة يف أومل وأوسرتليتز‬
‫يف عام ‪ .1805‬ابلنسبة لألمري فقد كان انبليون حمظوظا ال غري‪ .‬متت مواجهته‬

‫‪- 56 -‬‬
‫ضد دول ضعيفة ومنحلة (النمسا وروسيا) مل تستطع حتمل أسلوبه العدوان يف‬
‫احلرب‪ .‬إذا التقى ابلبوسيني يف ساحة املعركة فسيتم الكشف عنه على أنه حمتال‬
‫عسكري‪ .‬ومع أخذ ذلك يف االعتبار عمل األمري سرا على خطة معركة يف حالة‬
‫اندالع احلرب بني البلدين‪.‬‬

‫حسنا‪ ..‬يف عام ‪ 1806‬أعلن امللك البوسي احلرب أخريا‪ ،‬ويف سبتمب من ذلك‬
‫العام طُلب من اجلنراالت البوسيني التحضري حلملة ضد انبليون‪ .‬قام األمري‬
‫بتخطيط خطته القتالية املصممة بعناية‪ .‬أجرى اجلنراالت اآلخرون تغيرياهتم على‬
‫خطة األمري‪ ،‬ويف النهاية وافقوا عليها مجيعا وقدموها إل امللك‪ .‬ولكن بينما كانت‬
‫القوات البوس ية حتشد وصلت األخبار إل األمري وزمالئه اجلنراالت أبن جيش‬
‫انبليون سريع احلركة‪ ،‬وقد دخل ابلفعل األراضي البوسية‪ ،‬وجاء يف اجتاهات‬
‫متفرقة يصعب التنبؤ هبا‪ ،‬وقد جتمع يف جنوب البالد‪.‬‬

‫مل يكن هناك وقت للرد‪ .‬أجب البوسيون على الرتاجع‪ .‬كانوا يتجمعون يف الشمال‬
‫ويهامجون أجنحة جيش انبليون أثناء تقدمه يف برلني‪ .‬ت تعيني األمري مسؤوال عن‬
‫احلرس اخللفي حلماية الرتاجع البوسي‪ .‬بعد أايم قليلة برزت فرقة بقيادة انبليون‬
‫نفسه مع هوهنلوه‪ ،‬ابلقرب من بلدة جينا ووقعت املعركة األول بني هاتني القوتني‬
‫القويتني‪ .‬كأنه مثل لقاء بني املاضي واملستقبل‪ .‬شكل البوسيون خطوطا يف موكب‬
‫للتقدم يف طقوس تعود إل أايم فريدريك‪ .‬انتشر جيش انبليون يف كل االجتاهات‬
‫وقام بقنص البوسيني من فوق أسطح املنازل وخلفها‪ .‬سرعان ما طغى هذا‬
‫الشكل الفوضوي من املعركة على البوسيني وسرعان ما استسلموا‪ .‬ث ُهزموا يف‬
‫هناية اليوم‪.‬‬

‫‪- 57 -‬‬
‫يف نفس الوقت‪ ،‬هزمت فرقة فرنسية بقيادة املشري دافوت قوة بروسية كبرية يف‬
‫أويرشتات‪ ،‬ويف غضون أايم اهنار الصرح العسكري البوسي أبكمله‪ ،‬حيث‬
‫سقطت تباعا قلعة تلو األخرى يف أيدي الفرنسيني‪ .‬كانت واحدة من أكثر‬
‫االهنيارات املذهلة يف اتريخ احلرب‪ ،‬حيث ُدمرت قوة عظمى بني عشية وضحاها‪.‬‬
‫بعد هذه املعركة تعرض األمري للعار وتراجع إل قلعة أسالفه‪ .‬على مدى السنوات‬
‫الـ ‪ 12‬املاضية من حياته حاول أن يفهم هذا السقوط املخزي‪ .‬وألقى ابللوم‬
‫على اجلنراالت اآلخرين يف إبطاء الرد البوسي على هجوم انبليون من خالل‬
‫مشاجراهتم وغرورهم‪ .‬وانتقد اجليش البوسي الهنياره يف االنضباط أثناء انسحابه‪.‬‬
‫ونسب اللوم إل نظام التجسس لنابليون ملنحهم ضربة سريعة على اإلسرتاتيجية‬
‫البوسية ومفاجأهتم‪ .‬وأكد أن الشكل الفرنسي للحرب كان غري أخالقي ومنحهم‬
‫ميزة غري عادلة ألهنم كانوا على استعداد للقتال بطريقة قذرة‪.‬‬

‫إذا فكرت يف األمر‪ ،‬فكل هذا مذهل إل حد ما‪ .‬مل يكن األمري أمحقا‪ .‬لقد كان‬
‫طالبا عظيما يف التاريخ العسكري‪ .‬كان قادرا على دراسة اجليش الفرنسي ملدة‬
‫تسع سنوات قبل أن يقابله يف املعركة‪ .‬كان قادرا على مشاهدته مباشرة يف جينا‪.‬‬
‫كل ما كان عليه فعله هو فتح عينيه ث التفكري‪ .‬ومع ذلك مع كل هذه األدلة‬
‫اليت كانت حتدق يف وجهه‪ ،‬ومع مرور سنوات وبعض املسافة لتحليلها‪ ،‬استمر‬
‫يف إساءة فهم جوهر احلرب النابليونية‪ .‬كل ما حاوله يف النهاية أعذار تقليدية‬
‫معتادة‪ .‬كان يستطيع أن يصب عينيه يف الرتكيز على التكتيكات والتفاصيل؛ مل‬
‫يستطع رؤية الغابة كلها‪.‬‬

‫‪- 58 -‬‬
‫يف أعقاب هذه الكارثة‪ ،‬كان هناك بروسي آخر حياول أن يتصاحل مع الثورة‬
‫النابليونية بطريقة خمتلفة‪ .‬رمبا مسعت به‪ .‬كان امسه كارل فون كالوزفيتز‪ .‬يف سن‬
‫السادسة والعشرين شهد االهنيار مباشرة‪ ،‬وأسره الفرنسيون واحتجزوه لعدة‬
‫سنوات‪ .‬كان هو واملصلحون اآلخرون داخل اجليش البوسي‪ ،‬رجال مثل‬
‫شارهنورست وجنيساو مصممني على اكتساب الدرس الصحيح مما حدث‬
‫هلوهينلوه واجليش البوسي‪ .‬ما فعله فون كالوزفيتز يف أعقاب جينا اورستاد‪-‬‬
‫ميثل حلظة حامسة يف النظرية واالسرتاتيجية العسكرية‪ .‬توصل بناء على حتليل‬
‫انبليون إل طريقة تؤدي إل كل اكتشافاته العظيمة‪.‬‬

‫أوال ‪ ،‬أجب نفسه على التخلص من أي رد فعل عاطفي عند النظر إل احلرب‬
‫النابليونية وال سيما مشاعر الكبايء املؤذية والغضب مما حصل‪ ،‬لريى ما حدث‬
‫على حقيقته‪ .‬ث حلل هذه احلرب من خالل فحص ما هو جديد وغري مسبوق‬
‫فيها‪ .‬كان هذا ترايقا للطريقة املعتادة يف رؤية أوجه التشابه مع األشياء يف املاضي‬
‫لتحويل شيء جديد إل شيء تقليدي ومألوف‪ .‬وهذا يعين االستمتاع بعدة‬
‫إمكانيات والنظر إل هذا الشكل من احلرب من عدة زوااي‪.‬‬

‫أخريا‪ ،‬قام بتقسيمها إل األجزاء املكونة هلا‪ ،‬ورؤية ما الذي جعل هذا الشكل‬
‫من املعركة يعمل؟‪ .‬هبذه الطريقة كان فون كالوزفيتز أول من توصل إل مبادئ‬
‫أساسية معينة أسست الثورة النابليونية‪ .‬يبدو للوهلة األول أن األمر وكأنه‬
‫فوضى‪ ،‬فهذه التقسيمات سريعة احلركة أتت من اجتاهات متفرقة وتعيد توحيدها‬
‫يف أمناط جديدة‪ .‬ولكن عندما نظر إليه عن كثب خلُص فون كالوزفيتز أن هذا‬
‫عبارة عن شكل من أشكال الفوضى اخلاضعة للرقابة‪ .‬وأثناء التعمق يف جذور‬

‫‪- 59 -‬‬
‫هذا الشكل غري املسبوق من احلرب‪ ،‬اكتشف أن يف أتسيسه كانت ثورة تنظيمية‬
‫بناءا على ما أصبح معروفا ابللغة األملانية ابسم ‪ ،auftragstaktik‬وهو‬
‫النظام الذي ت من خالله إعطاء احلراس امليدانيني بيان مهمة شامل حول احلملة‪.‬‬
‫ث ُمسح للحراس امليدانيني الذين قادوا جيوشهم الصغرية ابختاذ قراراهتم يف الوقت‬
‫الفعلي دون احلاجة إل انتظار االتصاالت ذهااب وإاياب‪ .‬كانت سرعة وإبداع هذا‬
‫الشكل من احلرب جديدا‪ ،‬وقد طغت بسهولة على البوسيني اجلامدين‪.‬‬

‫ما فعله فون كالوزفيتز من حيث اجلوهر هو أخذ تفاصيل انبليون وجتريدها يف‬
‫إسرتاتيجية كبى إل نظرية مصغرة‪ .‬مل يكن هذا جمرد مترين‪ :‬لقد جلب مستوى‬
‫عميقا من الفهم للحرب بشكل عام وأثبت أنه عملي بشكل ال يصدق يف النهاية‪.‬‬
‫القصة هلا هناية سعيدة‪ :‬فون كالوزفيتز واإلصالحيون البوسيون انتصروا واعتمدوا‬
‫أسلوب احلرب النابليون جليشهم‪ .‬كجزء من هذا قاموا إبنشاء ما أصبح يعرف‬
‫ابسم هيئة األركان العامة األملانية‪ .‬كانت الفكرة هي تشكيل جمموعة من الضباط‬
‫ذوو الدراية بفن احلرب‪ ،‬حيث ميكنهم التغلب على عدم كفاءة امللوك‬
‫والسياسيني‪ .‬كان على هؤالء الضباط أن يُغرسوا بفكرة واحدة مهيمنة‪ :‬جيب أال‬
‫يسمحوا لفلسفتهم يف احلرب ابلتحول إل عقيدة‪ .‬كانوا ينظرون إل كل حدث‬
‫من جهات عديدة مبا يف ذلك العدو‪ ،‬جيبون أنفسهم على حتدي أي عقيدة‪.‬‬
‫وعلى مدى ‪ 120‬عاما أو حنو ذلك‪ ،‬سيتفوق اجليش األملان على منافسيه يف‬
‫ساحات املعارك‪.‬‬

‫‪- 60 -‬‬
‫هذه القصة توضح ما حيدث للبشر يف مواجهة الثورة والفوضى يف أي مسعى‬
‫ابلنسبة ل‪ .‬إنه جيب مع ظم الناس‪ ،‬مثل هوهينلوه ‪ ،‬على أن يصبحوا أكثر حتفظا‬
‫وهلعا‪ ،‬وأن يتفاعلوا ابالعتماد على العقائد واالتفاقيات املاضية؛ لتصبح أكثر‬
‫هوسا ابلتكتيكات والتفاصيل العملياتية‪ .‬مبجرد أن حيدث هذا لنا‪ ،‬فإننا نتخلف‬
‫أكثر فأكثر عن األحداث املتغرية‪ ،‬العدو املبتكر يعمل على عابرات مسرعة‪ .‬حنن‬
‫موجودون يف نوع من عامل األحالم‪ ،‬حيث أن ما نراه هو انعكاس لرغباتنا وخماوفنا‬
‫وجتاربنا املاضية‪ .‬حنن قريبون من التغيري لرؤيته على حقيقته‪ .‬النضال هو استهداف‬
‫منوذج فون كالوزفيتز‪ ،‬للعمل عكس اجتاه الطبيعة البشرية‪ ،‬للسماح بدخول بعض‬
‫الضوء من خالل النظر إل الظاهرة اجلديدة من اجتاهات خمتلفة بطريقة غري‬
‫عاطفية قدر اإلمكان‪ .‬أثناء النظر إل اإلسرتاتيجية الثورية على حقيقتها فمن‬
‫املمكن ٍ‬
‫حينئذ اخلروج ابسرتاتيجية مضادة‪ .‬هذا هو التفكري االسرتاتيجي يف االعم‪،‬‬
‫على عكس االنعكاسات السطحية ألولئك الذين يرتكزون عاطفيا‪ .‬إهنا مطابقة‬
‫تعقيد العدو بعمق تفكريك‪.‬‬

‫أعتقد أننا نعيش فرتة ثورة عظيمة ‪ -‬ثقافية واجتماعية وسياسية وعسكرية ‪-‬‬
‫شبيهة ابضطراابت العصر النابليون‪ .‬يف مواجهة مراكز القوة الكبرية واملستعصية‪،‬‬
‫ابتكرت اجملموعات الصغرية وأتقنت اسرتاتيجية نسميها اإلرهاب‪ .‬إهنا مرتبطة‬
‫ابلتقدم التكنولوجي واإلعالم والضعف التدرجيي للمعايري األخالقية‪ .‬إهنا‬
‫اسرتاتيجية مرنة وقابلة للتكيف بشكل ملحوظ‪ ،‬وهي اسرتاتيجية تعطي مظهرا‬
‫من الفوضى ودرجة من العشوائية‪ .‬وال ينمو إال يف قوهتا وشعبيتها‪ .‬يف مواجهة‬

‫‪- 61 -‬‬
‫مثل هذه الثورة‪ ،‬ميكننا إما أن نقع يف فخ البوسيني ونغمض أعيننا عن احلقائق‬
‫اليت حتدق يف وجوهنا ونفسر ما نراه وفقا ملا قرران ابلفعل رؤيته‪ .‬أو ميكننا توجيه‬
‫روح كارل فون كالوزفيتز وحماولة فهم أفضل لإلرهاب كاسرتاتيجية‪ .‬إهنا ليست‬
‫جمرد معركة ضد عدو ال يُرسم اجتاهه‪ ،‬ولكن ضد قوى الغباء من جانبنا اليت تقود‬
‫هذه املعركة‪ .‬بينما أحتدث عن اإلرهاب‪ ،‬ضع يف اعتبارك أنه مترين وطريقة لتحدي‬
‫افرتاضاتك اخلاصة وفتح بعض االحتماالت للفكر‪ ،‬ألنين مقتنع أبننا أخطأان يف‬
‫قراءة اإلرهاب على املستوى االسرتاتيجي وهذا هو املصدر لفشلنا يف مكافحته‬
‫بشكل فعال‪.‬‬

‫أثناء حتليل أي ظاهرة‪ ،‬أحب العودة إل بداايهتا‪ ،‬مظاهرها األول‪ ،‬ألراها يف شكل‬
‫بدائي بسيط‪ .‬ولذا أعتقد أن قصة اإلرهاب احلديث ‪ -‬ما أحب أن أمسيه محلة‬
‫اإلرهاب احلديثة‪ ،‬ورؤية اهلجمات على أهنا روابط يف سلسلة ‪ -‬بدأت ابلفعل يف‬
‫روسيا يف ستينيات القرن التاسع عشر‪ .‬كان القيصر‪ ،‬ألكسندر الثان‪ ،‬إصالحيا‬
‫يف الصميم‪ ،‬لذلك قام بسن حترير األقنان‪ .‬أولئك الذين على اليسار كانوا‬
‫مستائني إل حد ما‪ .‬بدا أن هذا يقوض فكرهتم عن حتويل روسيا من خالل ثورة‬
‫الفالحني‪ .‬بدأوا يف التنظيم والعمل يف العراء‪ ،‬وعندما شعر القيصر ابخلوف من‬
‫أنه فتح صندوق ابندورا مع التحرر‪ ،‬كان رد فعله يف االجتاه اآلخر‪ ،‬وشن محلة‬
‫شديدة ضد قوى االنشقاق‪ .‬كانت احلملة شرسة لدرجة أن خمتلف الراديكاليني‬
‫الروس أدركوا أن فكرهتم عن ثورة مفتوحة مستحيلة‪ .‬انقسموا وذهبوا يف عدة‬
‫اجتاهات‪.‬‬

‫‪- 62 -‬‬
‫ومن هذا املنطلق ظهرت جمموعة تعرف ابسم انروداناي فوليا‪ ،‬أو "إرادة الشعب"‪.‬‬
‫أبقوا جمموعتهم صغرية‪ .‬كانوا يرتدون مالبس غري واضحة‪ ،‬يذوبون يف املدن اليت‬
‫كانوا يعيشون فيها‪ .‬وبدأوا يف تصنيع قنابلهم أبنفسهم‪ .‬بدأوا محلة إرهابية ضد‬
‫احلكومة‪ ،‬ومتكنوا من قتل العديد من الوزراء املهمني‪ .‬يف عام ‪ ،1880‬قاموا‬
‫بتفجري قنبلة يف قصر الشتاء نفسه‪ ،‬مما أدى إل فقدان القيصر‪ .‬يبدو أن هناك‬
‫القليل من األمناط اليت ميكن متييزها يف مكان وزمان حدوث هذه التفجريات‪.‬‬

‫ابلنسبة لإلسكندر الثان‪ ،‬كان هذا حتداي خطريا لسلطته‪ .‬كانت روسيا دولة تؤمن‬
‫ابلقيادة القوية وكانت شديدة املركزية‪ .‬كانت ضرابت كهذه ملركز القوة الروسية‬
‫خطرية للغاية‪ .‬أراد هؤالء املتطرفون االستيالء على روسيا نفسها عن طريق نوع‬
‫من االنقالب املخادع‪ .‬كان مجيع وزرائه مرعوبني‪ ،‬كما كان مرعواب بنفسه‪ .‬كان‬
‫اإلرهابيون أذكياء وقوة ال يستهان هبا‪ ،‬لكنهم كانوا عددا صغريا عُزلوا سياسيا‪.‬‬
‫ما كان مطلواب هو نقل القتال إليهم‪ ،‬والعثور عليهم‪ ،‬وتدخينهم كسيجارة‪،‬‬
‫وحماصرهتم وتدمريهم بيد ثقيلة قبل أن يتمكنوا من اكتساب أي زخم‪ .‬كان حباجة‬
‫إل إظهار قوته ‪ -‬لوزرائه وللشعب الروسي‪ .‬كان ال بد من أتجيل أي نوع من‬
‫اإلصالح‪ .‬أطلق العنان للشرطة للقيام بكل ما يلزم للقبض على اإلرهابيني‪ .‬ت‬
‫تقليص احلرايت املدنية‪ .‬نظرا ألن عدد اإلرهابيني كان قليال وكان من الصعب‬
‫جدا قراءة نواايهم‪ ،‬فقد أرسل جواسيس يف مجيع االجتاهات للتسلل إل هذه‬
‫اجملموعة املتماسكة‪ .‬ت توجيه املزيد من موارد الدولة حنو هذه احلملة‪ .‬دون أن‬
‫يقصد ذلك‪ ،‬سن دولة بوليسية افرتاضية‪ ،‬وعاش بنفسه كسجني يف قصره‪ .‬على‬
‫الرغم من كل شيء متكن انروداناي فوليا من اغتيال القيصر نفسه يف عام ‪.1881‬‬

‫‪- 63 -‬‬
‫ضاعف اخلليفة‪ ،‬القيصر ألكسندر الثالث اإلجراءات األمنية ثالث مرات‪ .‬يف‬
‫عام ‪ ،1888‬كاد ألكسندر أوليانوف‪ ،‬شقيق نيكوالي لينني‪ ،‬أن ينجح يف قتل‬
‫اإلسكندر الثالث‪.‬‬

‫أخريا ‪ ،‬بعد املطاردة األكثر كثافة‪ ،‬متكنت احلكومة من القبض على عدد كاف‬
‫من قادة اجملموعة لتعطيلها وفسخها‪.‬‬

‫ا هذه محلة إرهابية يف أكثر أشكاهلا وحشية‪ ،‬لكنها كاشفة‪ .‬اإلرهابيون جمموعة‬
‫صغرية من الرجال‪ ،‬ليس لديهم أي أمل على اإلطالق يف مواجهة احلكومة بشكل‬
‫مباشر‪ .‬إهنم معزولون إل حد كبري عن عامة الناس‪ .‬إهنم يواجهون موقفا يكاد‬
‫يكون من املستحيل تغيريه‪ ،‬لكنهم ايئسون لفعل شيء ما‪ .‬كما نعلم مجيعا‪ ،‬ال‬
‫يوجد شيء قوي ابلكلية أو ضعيف ابلكلية يف الطبيعة أو يف الشؤون اإلنسانية‪.‬‬
‫ميكن االستفادة من كونك صغري العدد فتكون قوة كبرية‪ ،‬مما يزيد من املراوغة‬
‫والتنقل اليت أتت مع صغر احلجم‪ .‬وأما كونك كبريا جيعل أي كائن حي هدفا‬
‫سهال‪ .‬يف هذه احلالة كانت مركزية احلكومة الروسية نقطة ضعفها‪ .‬النجاح يف‬
‫احلرب ليس أكثر من احلساب الصحيح ملطابقة نقاط القوة مع نقاط الضعف‪.‬‬
‫مل تكن محلة قصف انروداناي فوليا تشكل هتديدا كبريا يف حد ذاهتا‪ ،‬ولكنها متت‬
‫بطريقة دراماتيكية وغري متوقعة‪ ،‬مبثل هذا العنف الذي ال يرحم فال ميكن‬
‫لألهداف أن تساعد‪ ،‬بل تتحول إل غضب عاطفي‪ ،‬وحتول إل رغبات انتقام‪.‬‬
‫جلأوا إل اليد الثقيلة يف الدر‪ ،‬ألن هذا هو ما بدا أنه ضروري‪.‬‬

‫يف هذه العملية ت عكس كل حماوالت اإلصالح‪ .‬أصبح اجلمهور شديد‬


‫االستقطاب‪ .‬أصبح من يقفون إل جانب احلكومة أكثر جنوان يف رغبتهم يف القمع‬

‫‪- 64 -‬‬
‫واالنتقام‪ .‬وجد أولئك الذين ينتمون إل الطبقة الوسطى الذين تعاطفوا مع حركة‬
‫اإلصالح أنفسهم معزولني عن احلكومة‪ .‬ت حتفيز أولئك الذين كانوا على اليسار‪،‬‬
‫انضم العديد منهم إل اجلماعات املتطرفة األخرى اليت خططت للثورة‪ .‬وجود‬
‫الشرطة يف كل مكان أسفر عن انفجار قنبلة هنا أو هناك‪ ،‬وأعطت االنطباع أبن‬
‫اإلرهابيني كانوا أكب بكثري مما كانوا عليه‪ .‬زاد رد احلكومة من الوجود العام‬
‫لإلرهابيني‪ ،‬مم ا ساعدهم على جتنيد جمندين للقضية‪ ،‬وتوحيد اليسار الذين كانوا‬
‫منقسمني يف يوم من األايم‪ .‬مل تبد احلكومة معرضة للخطر كما كانت من قبل‪.‬‬
‫عند النظر إل انروداناي فوليا فإن الرد الكالسيكي هو القول أنه كان فشال ذريعا‬
‫مثله مثل مجيع احلمالت اإلرهابية تقريبا‪ .‬اإلرهابيون منفصلون عن اجملتمع ككل‪،‬‬
‫أفعاهلم غري عقالنية‪ .‬رد الفعل الذي حيدثونه يسحقهم حتما‪ .‬إهنم خيلقون بعض‬
‫الدراما ولكن هذا ال يؤدي إل أي سبيل‪ .‬إهنا ليست اسرتاتيجية فعالة طويلة‬
‫املدى‪ .‬هذه ذبذابت شبيهة هبوهينلوه ابلنسبة ل‪ ،‬أخطأ يف قراءة املوقف‬
‫واالسرتاتيجية ككل‪ .‬وعندما ال تفهم اسرتاتيجية العدو‪ ،‬ينتهي بك األمر مبهامجة‬
‫شيء غري موجود‪.‬‬

‫يف سنوات القمع وبعد تفكك انروداناي فوليا‪ ،‬انتشر السخط يف مجيع أحناء البالد‪.‬‬
‫رجال مثل لينني نفسه صاغوا أفكارهم يف هذه الفرتة‪ ،‬اليت بدأت خالهلا احلركة‬
‫الشيوعية يف النمو يف السلطة‪ .‬احلكومة اليت كانت حتاول إصالح نفسها قبل‬
‫احلملة‪ ،‬خرجت عن مسارها‪ .‬لوال احلملة اإلرهابية رمبا كان التاريخ الروسي قد‬
‫اختذ مسارا خمتلفا ‪ .‬كانت محلة اإلرهاب قادرة على تفكيك وضع جامد وزرع‬
‫البذور لشيء أكب بكثري‪ ،‬استغرق هذا حوال ثالثني لتلعب نفسها‪ .‬لكن‬

‫‪- 65 -‬‬
‫اإلرهابيون بشكل عام لديهم متسع من الوقت لالنتظار‪ .‬يف املنظور الغرب للحرب‬
‫يواجه خصمان معركة على األرض والسلطة‪ .‬ميكن خوض املعركة بعدة طرق‪،‬‬
‫حت بشكل غري متماثل‪ ،‬لكنها معركة على الفضاء والقوة‪ .‬هذه هي هناية أي‬
‫حرب‪ .‬ول كن ماذا لو مل يكن ألحد األطراف مثل هذا اهلدف؟ ماذا لو كانت‬
‫أهدافهم أقل ما ميكن ‪ -‬جمرد خلق الفوضى وفضاء لنوع من التغيري؟ أهدافهم‬
‫سهلة التحقيق ‪ -‬خلق الفوضى‪ .‬أو على حد تعبري لينني نفسه ‪" ،‬كلما كان‬
‫أسوأ‪ ،‬كان ذلك أفضل"‪.‬‬

‫اإلرهاب يف جوهره اسرتاتيجية هتدف إل أقصى درجات الفوضى‪ .‬أقارهنا بركل‬


‫صخرة على قمة تل على أمل بدء اهنيار جليدي‪ .‬ميكن لإلرهابيني أن أيملوا يف‬
‫بعض الفوائد املتبقية ‪ -‬التمرد‪ ،‬تغيري يف احلكومة‪ ،‬كسب موطئ قدم إقليمي ‪-‬‬
‫لكن هذا أثر جانيب‪ .‬يواجهون ديناميكية جممدة بطبيعتهم‪ ،‬قوة كبرية احلجم هلا‬
‫كل القوة يف جانبها‪ .‬من خالل بدء محلة إرهاب فإهنم خيلقون بذور الفوضى‬
‫اليت ميكن أن خترج عن نطاق السيطرة وتؤدي إل بعض التغيري احلقيقي‪ .‬غالبا ما‬
‫تكون محلة اإلرهاب جزءا من شيء أكب‪ ،‬حرب عصاابت أو قوة متمردة‪ ،‬لكن‬
‫كل عمل إرهاب له نفس اهلدف‪ :‬إطالق هذا التأثري املتسلسل لرد الفعل‪.‬‬

‫حبكم طبيعة العنف والدراما ابلفعل‪ ،‬ألن اإلرهاب ليس أكثر من مشهد منظم‬
‫للعنف‪ ،‬فمن املؤكد أنه يثري املشاعر‪ .‬من خالل فهم منطق اإلرهاب من األفضل‬
‫إبقاء اهلجمات غري متوقعة وأن تبدو عشوائية‪ .‬يتم زرع البذرة األول من خالل‬
‫عدم توازن عقل القائد املعارض‪ .‬يبدو أن العمل اإلرهاب يتطلب ردا قواي‪ .‬يف‬
‫هذه احلالة يستبدل ابلذكاء القوي‪ .‬للعثور على هذه اجملموعة الصغرية من‬

‫‪- 66 -‬‬
‫املتطرفني يتطلب قوة شرطة ضخمة‪ .‬إن أتثري التفاعل املتسلسل يتحرك حتما من‬
‫خالل االنتقام القاسي‪ .‬من خالل الدخول إل مساحتهم مع وجود الشرطة أو‬
‫اجليش‪ ،‬هناك املزيد من األهداف اليت جيب ضرهبا‪ ،‬واملزيد من موجات الدعاية‬
‫لكسبها‪ ،‬وجعلها تبدو أكب‪ ،‬مما يغذي قدرهتم على خلق املشهد‪ .‬كل شيء يصبح‬
‫غري متوازن ‪ -‬اجملتمع مستقطب‪ ،‬اخلوف غري املتناسب يتم حتريكه‪ ،‬املزيد من‬
‫نفاد الصب وتصنع احلاجة إل االنتقام‪ .‬ومن هنا ينطلق االهنيار اجلليدي املطلوب‪.‬‬

‫مع هذا العمل كنوع من منوذج لالسرتاتيجية يف شكلها الغاشم‪ ،‬دعوان نلقي نظرة‬
‫على أحداث ‪ 11‬سبتمب كما تبَّجت أمام أعيننا‪ .‬تواجه جمموعة صغرية من‬
‫املتعصبني املعروفة ابسم القاعدة وضعا جامدا وساكنا يف الشرق األوسط‪ ،‬يشبه‬
‫إل حد كبري الوضع الذي ظهر يف روسيا يف سبعينيات القرن التاسع عشر‪ .‬يف‬
‫نظرهم ‪ ،‬فإن "العدو البعيد" ‪ ،‬الوالايت املتحدة‪ ،‬هو ما يبقي هذه الديناميكية‬
‫مقفلة وجممدة‪ .‬ال ميكنهم أن أيملوا يف مواجهة هذه القوة العظمى أبي شكل‬
‫يشبه الطريقة املباشرة‪ .‬وهكذا يف تعصبهم وأيسهم ‪ ،‬يلجؤون إل عمل إرهاب‬
‫من شأنه أن خيلق أتثريا متسلسال غري مسبوق‪.‬‬

‫نظرا ألن اإلرهاب هو يف األساس مشهد‪ ،‬وقليال من املسرح الذي يتم سنه‬
‫للجمهور أو وسائل اإلعالم‪ ،‬فإن القاعدة ختتار شيئا سيكون له أقصى أتثري يف‬
‫اجتاهني ‪ -‬أحدمها مصمم جلذب أكب قدر ممكن من االهتمام‪ ،‬وخمصص لإلعالم‪،‬‬
‫واآلخر إلاثرة مشاعر اهلدف أبكب قدر ممكن من القوة‪ .‬القوة تتطابق مع الضعف‬
‫‪ -‬الطبيعة الفريوسية لوسائل اإلعالم واخلوف‪ ،‬املشاعر اليت ميكن أن تتحول إل‬
‫شيء ال ميكن السيطرة عليه‪.‬‬

‫‪- 67 -‬‬
‫تتبع االستجابة منطا مألوفا من جانبنا‪ :‬يبدو غزو أفغانستان ذكيا ودقيقا يف‬
‫البداية‪ ،‬ويستهدف مركز ثقل العدو‪ .‬إذا كانت ستتحالف مع عنصر مدن‬
‫وسياسي ثقيل‪ ،‬فسيكون مبثابة إسرتاتيجية مضادة ذكية‪ .‬ولكن مع تقدمه‪ ،‬فإننا‬
‫نقع يف غرام رد الفعل املبالغ فيه‪ ،‬موقف الرجل القوي الذي يعتبه اإلرهاب‬
‫اإلغراء املطلق‪ .‬حنن نغزو العراق‪ .‬كما حدث مع انروداناي فوليا‪ ،‬متثل اجملموعة‬
‫هتديدا كبريا ولكن يبدو أن حجمها الصغري يدعو إل الضربة الساحقة‪.‬‬

‫من الصعب قياس مدى عمق انشغال عواطفنا وتلوين خططنا‪ .‬تشمل هذه‬
‫املشاعر الرغبة يف االنتقام‪ ،‬لكنها تشمل الرغبة غري الواقعية يف أن تكون غرس‬
‫الدميقراطية يف العراق هو احلل االسرتاتيجي األكب‪ .‬يف حماولة ايئسة إلظهار‬
‫استجابة فعالة وتناسب دورة االنتخاابت األمريكية‪ ،‬أصبحنا مغرمني ابلسيناريو‬
‫الوردي لتحول األمة‪ .‬اجلاذبية العاطفية لإلرهاب خفية لكنها خطرية‪ .‬الرد الكبري‬
‫ال يتناسب مع حجم التهديد‪ ،‬بل يتناسب مع املشهد‪ ،‬وابلتال فإن الغاايت‬
‫والوسائل مشوهة بشكل كبري‪.‬‬

‫يستمر النمط‪ .‬تبدو عصابة اإلرهابيني األصلية أكب وأكثر خطورة مما هي عليه‬
‫اآلن‪ .‬يساعدهم هذا التأثري املكب على اكتساب الدعاية والتجنيد‪ .‬ال ميكننا أن‬
‫نرى من خالل نواايهم‪ .‬ميكنهم استخدام املعلومات املضللة وإطعامنا مبا يريدون‪،‬‬
‫بينما حنن واضحون هلم مثل النهار‪ .‬وهذا مينحهم املزيد من اخليارات اإلسرتاتيجية‬
‫والعبور السريع يف التكيف مع العمليات‪ .‬ميكنهم القتل مت شاءوا‪ ،‬بينما علينا‬
‫أن منر على رؤوس أصابعنا عب حقل ألغام أخالقي‪ .‬أخريا‪ ،‬يدخل أتثري‬

‫‪- 68 -‬‬
‫االستقطاب حيز التنفيذ‪ .‬تنشأ اخلالفات بني احللفاء والرأي العام األمريكي‪ .‬جزء‬
‫من الفوضى هو خلق انقسام وقهر ديناميكية ينقسم فيها احللفاء واجلماعات‪.‬‬

‫اإلرهاب هو اسرتاتيجية معقدة وقابلة للتكيف وميكن استخدامها جنبا إل جنب‬


‫مع أشكال احلرب األخرى‪ .‬إنه يعمل بباعة مع التكنولوجيا والوسائط اجلديدة‪.‬‬
‫يف حالة هذه احلرب يتم تشكيل حتالفات بني مجيع أنواع اجلماعات اليت تشرتك‬
‫يف نفس اهلدف‪ ،‬مبا يف ذلك العناصر اإلجرامية اليت تستخدم يف متويل األعمال‬
‫اإلرهابية‪ .‬لكن عند النظر إل شيء معقد سلس‪ ،‬جيب أال نغفل اإلسرتاتيجية‬
‫نفسها ‪ -‬إلاثرة الفوضى‪ ،‬كلما كان األسوأ أفضل‪ .‬وهذا يشمل‪ :‬اهلجمات على‬
‫البنية التحتية العراقية‪ ،‬وإاثرة العنف الطائفي (من املسلم به وجود بعض اخلالف‬
‫من داخل معسكراهتم حول هذا)‪ ،‬أي شيء ميكن أن يضعف احلكومة املركزية‪.‬‬
‫يتم وضع الطعم هناك ابستمرار‪ .‬سيكون اهلدف األكب هلم التحريض على هجوم‬
‫أمريكي على إيران‪ ،‬مما يعمق الفوضى بشكل كبري‪ .‬إهنم يعملون على نصب مثل‬
‫هذا الفخ‪.‬‬

‫يف النهاية نكون العبني لصاحلهم‪ ،‬وعلينا أن نواجه هذه الكارثة ببودة مثلما حلل‬
‫فون كالوزفيتز الكارثة البوسية‪ .‬لقد اختذان وضعا كان ميكن إدارته ومستقرا‬
‫ابلنسبة لنا وأدخلنا انعدام األمن والفوضى اهلائلة يف املنطقة‪ .‬زادت فرص انتشار‬
‫الصراع عب احلدود بشكل كبري‪ .‬قد ننظر إل الوراء بعد ثالثني عاما من اآلن‬
‫ونرى شيئا مشاهبا ملا حدث يف روسيا‪ .‬إذا كان األمر كذلك يف النهاية‪ ،‬فإن‬

‫‪- 69 -‬‬
‫هجوم ‪ 11‬سبتمب جيب اعتباره أجنح املشاريع العسكرية يف التاريخ كله ‪ -‬بناء‬
‫على حجم املهامجني وأتثريات أعماهلم‪.‬‬

‫يف األساس‪ ،‬خاض قادتنا احلرب األخرية‪ .‬مثل هوهنلوه‪ ،‬ال يرون ما حيدث أمام‬
‫أعينهم‪ .‬إهنم يتبعون مناذج مكافحة التمرد من حقبة أخرى‪ .‬إهنم يرون ما يريدون‬
‫رؤيته دون التفكري يف الثقافة املختلفة اليت دخلوها‪ .‬هذه هي الطريقة اليت تعمل‬
‫هبا حكومتنا‪ :‬فهي تبدأ دائما ابلنظر إل تقنيتنا وقوتنا النارية املتفوقة ووضع‬
‫إسرتاتيجية من هناك‪ .‬إهنم يتجاهلون حتما النصيحة احلكيمة لسن‪-‬تزو الذي‬
‫قال‪" ،‬ما يكون ذا أمهية قصوى يف احلرب هو مهامجة اسرتاتيجية العدو‪ ".‬جيب‬
‫أن تكون هذه دوما نقطة البداية ‪ -‬النظر إل اخلارج وليس إل الداخل‪.‬‬

‫دعوان نعود للحظة إل روح فون كالوزفيتز‪ .‬إن الرد املناسب على اإلرهاب يعتمد‬
‫على فهم ديناميكيته أوال‪ ،‬وكيف يعمل؟‪ .‬ال ميكن جتنب الفخاخ املختلفة اليت‬
‫يضعها ‪ -‬رد الفعل املفرط ونفاد الصب والرغبة يف االنتقام الفوري‪ ،‬واالستقطاب‬
‫الذي يغرونك به ‪ -‬إال إذا ت فهمها أوال‪ .‬جيب أن نستهدف مركز ثقلهم وضعفهم‬
‫وليس الوهم الذي خيلقونه‪ .‬هذا املركز هو قدرهتم على التواصل‪ ،‬ومتويل أنفسهم‪،‬‬
‫وجتنيد املتعاطفني واحلفاظ على هذه احلركة النائية معا‪ .‬كنا حباجة إل استهداف‬
‫نقاط الضعف هذه بعناية فائقة‪ .‬إذا كنا قد قللنا خالل هذه السنوات من قدرهتم‬
‫على متويل أنفسهم‪ ،‬والتواصل بينهم‪ ،‬وجلب اجملندين من خالل العمل على‬
‫اكتساب املزيد من النوااي السياسية احلسنة يف املنطقة‪ ،‬لكان العدو قد بدأ يف‬
‫الكشف عن املزيد من نقاط ضعفه‪ .‬عندما هتاجم مركز ثقل فإن العدو يستخدم‬
‫أرجال أخرى ليحافظ على نفسه ومينحك املزيد من األهداف لتضرهبا‪.‬‬

‫‪- 70 -‬‬
‫مفتاح هذه اإلسرتاتيجية املضادة هو قيادة الدولة املعرضة للهجوم وقدرهتا على‬
‫إظهار القوة وتوحيد السكان من خلفها (جتنب فخ االستقطاب)‪ ،‬مع مقاومة‬
‫إغراء رد الفعل املبالغ فيه‪ .‬يف هذا السياق ‪ ،‬أذكر يف كتاب ونستون تشرشل‬
‫وشارل ديغول كقائدين مثاليني هبذه الطريقة‪ .‬إهنا ليست مسألة سياسة ‪ ،‬بل قيادة‬
‫وذكاء‪ .‬اخلوف اإلرهاب نفسي حبت واألمر مرتوك للقيادة لرسم التهديد أبلوان‬
‫واقعية‪ .‬عندما تبالغ يف ردة فعلك هبجوم كبري ‪ ،‬فأنت تظهر فقط للعدو نفاد‬
‫صبك وضعفك ؛ جنحوا‪ .‬عندما ترد حبملة مدروسة بعناية تستهدف نقاط ضعفهم‬
‫‪ ،‬فأنت تُظهر أنك تعين ح ًقا العمل وال ميكن أن يغريك مشهد الرعب‪ .‬أدرك أن‬
‫مثريا مثل التحليل‬
‫هذا قد يبدو أساسيًا للغاية ‪ ،‬بطريقة واضحة إل حد ما ‪ ،‬وليس ً‬
‫التفصيلي الستخدامهم للتكنولوجيا واحلرب مفتوحة املصدر‪ .‬ولكن لفهم‬
‫اسرتاتيجية أبعلى مستوايهتا ‪ ،‬فإن معظم مستوايهتا التجريدية ال ميكن إال أن يتم‬
‫ترشيحها وجعل كل شيء آخر أكثر منطقية ‪ ،‬كما أوضح فون كالوزفيتز‪.‬‬

‫إن رأيي اآلن هو أننا سنواجه املزيد من هذه اإلسرتاتيجية يف املستقبل‪ ،‬دون‬
‫أخوض يف أسباب ذلك هنا‪ .‬بعض هذا اإلرهاب خميف بكل معىن الكلمة يف‬
‫إمكانياته‪ ،‬وخاصة اإلرهاب البيولوجي‪ .‬ستكون هناك اختالفات وتكييفات‬
‫مرتبطة ابلتقدم التكنولوجي‪ .‬إهنا اسرتاتيجية مرنة تعمل بنظام قيادة املهام اخلاصة‬
‫هبا وتقدم جبهة فوضوية‪ .‬أنتم كقادة املستقبل ستكونون يف طليعة هذه املعركة‪.‬‬
‫اإلغراء ات عظيمة‪ :‬الوقوع يف حب الطعم‪ ،‬من أجل الضربة القاضية العظيمة‪،‬‬
‫لتصبح مهووسا ابلتفاصيل والتكنولوجيا والتكتيكات ذهااب وإاياب‪ .‬لكن املفتاح‬

‫‪- 71 -‬‬
‫ابلنسبة ل يف هذه احلرب سيكون دائما اسرتاتيجية اإلرهاب نفسه‪ .‬هذا يف الواقع‬
‫هو عدوك ‪ -‬ليس حماربيهم أو قادهتم املتعصبني‪ ،‬ولكنها اإلسرتاتيجية نفسها‪ .‬يف‬
‫كل معركة جيب أن تواجهها‪ ،‬جيب أن تعود ابستمرار إل السؤال حول ما الذي‬
‫جيعل هذه اإلسرتاتيجية عالمة‪ ،‬وما هو منطها؟ وما الذي جيعلها خمتلفة عن كل‬
‫شيء آخر؟ عقلك هو خط الدفاع األخري ‪ -‬فهي تعتمد على قدرتك على عدم‬
‫الوقوع يف فخ الوهم اإلرهاب ورؤية إسرتاتيجية العدو بشكل واقعي قدر اإلمكان‪.‬‬

‫‪- 72 -‬‬
‫‪OODA‬‬
‫و أنـ ـ ـ ــت‬

‫قبل بضعة أسابيع ألقيت حماضرة يف مؤمتر شركة يف جنوب كاليفورنيا‪ .‬هذه‬
‫الشركة لديها مكاتب يف مجيع أحناء العامل‪ ،‬وهي انجحة يف جمال عملها‪ ،‬ولكن‬
‫بعض املخاطر تتخلل آفاقها‪ .‬لقد أحضرون ملواجهة تلك املخاطر‪ .‬ال هتم‬
‫التفاصيل هنا كثريا‪ .‬ميكن القول أن مثل الكثري من الشركات اليت جنحت يف‬
‫الثمانينيات وحت الوقت احلاضر‪ ،‬أصبحت تعتمد على منوذج عمل معني ميثل‬
‫جزءا من الظروف والتصميم اجلزئي‪ .‬يعمل موظفو الطبقة العليا بشكل فضفاض‬
‫مثل رواد األعمال‪ ،‬كل واحد منهم يعمل لصاحله‪ .‬مييل كل مكتب إل التفكري يف‬
‫نفسه كجزيرة‪ ،‬يتنافس مع الفروع األخرى يف مجيع أحناء العامل‪ .‬يعمل هذا إل حد‬
‫ما‪ ،‬حيث أن رواد األعمال هؤالء لديهم دافع كبري لتوسيع نطاق األعمال‪ .‬من‬
‫انحية أخرى فإنه جيعل من الصعب إنشاء روح مجاعية شاملة‪.‬‬

‫بينما كنت أستعد للخطاب ظلت الصورة ختطر على ابل لسبب ما ‪ -‬طيار‬
‫املقاتلة النفاثة‪ ،‬ون ظرايت الكولونيل جون بويد من حيث صلتها هبذا الشكل من‬
‫احلرب‪ .‬قد يكون الكثري منكم على دراية بنظرية بويد األكثر شهرة‪ :‬حلقة‬
‫‪ . OODA‬سأعيد صياغتها ألولئك الذين ليسوا على دراية هبا‪ ،‬على أساس‬
‫أهنا أغىن بكثري من الكلمات القليلة اليت أكرسها ها هنا‪.‬‬

‫‪- 73 -‬‬
‫‪OODA‬‬

‫تعين‪ :‬املالحظة‪ ،‬التوجيه‪ ،‬القرار‪ ،‬التصرف‪ .‬مير الطيار ابستمرار هبذه احللقات أو‬
‫الدورات يف معركة عنيفة‪ :‬إنه حياول مراقبة العدو أبفضل ما يستطيع‪ ،‬هذه‬
‫املالحظة سائلة إل حد ما‪ ،‬حيث ال يوجد شيء اثبت‪ ،‬وكل هذا حيدث بسرعة‬
‫كبرية‪ .‬مبالحظة سريعة جيب عليه بعد ذلك توجيه حركة العدو هذه‪ ،‬ما يعنيه؟‬
‫ما هي نواايه؟ وكيف تتناسب مع املعركة الشاملة؟‪ .‬هذا هو اجلزء احلاسم من‬
‫الدورة‪ .‬بناء على هذا التوجه يتخذ قرارا بشأن كيفية االستجابة ث يتخذ اإلجراء‬
‫املناسب‪.‬‬

‫يف سياق معركة مجاعية منوذجية‪ ،‬سيخوض الطيار رمبا عشرات أو حنو ذلك من‬
‫هذه احللقات‪ ،‬اعتمادا على مدى تعقيد القتال ومدى انسياب اجملال‪ .‬إذا كان‬
‫إبمكان أحد الطيارين اختاذ قرارات وإجراءات أسرع‪ ،‬بناء على املالحظات‬
‫والتوجيهات املناسبة‪ ،‬فإنه يكتسب ميزة واضحة ببطء‪ .‬ميكنه القيام مبناورة إلرابك‬
‫العدو‪ .‬بعد عدد قليل من هذه املناورات اليت يتقدم فيها قليال يف الدورات‪،‬‬
‫يرتكب العدو خطأ‪ ،‬ويكون قادرا على اإلغارة لقتله‪ .‬يسمي{بويد} هذه‪:‬‬
‫"العابرون املسرعون"‪ ،‬وإذا كنت متقدما‪ ،‬فإن اخلصم يفقد االتصال ابلواقع‬
‫ببطء‪ .‬ال يستطيع فك شفرة ما تفعله‪ ،‬ومع ازدايد قطعه عن واقع ساحة املعركة‪،‬‬
‫يتفاعل مع األشياء غري املوجودة‪ ،‬وتؤدي أخطائه إل موته‪ .‬رأى بويد أن هذه‬
‫النظرية تنطبق على مجيع أشكال احلرب‪ .‬لقد عاد إل الوراء يف التاريخ العسكري‬

‫‪- 74 -‬‬
‫وأظهر كيف كان ذلك وثيق الصلة بنجاح بيليزوريوس واملغول وانبليون بوانبرت‬
‫وت‪ .‬لورانس‪ .‬كما رأى أهنا وثيقة الصلة أبي نوع من البيئة التنافسية‪ :‬األعمال‬
‫التجارية‪ ،‬والسياسة‪ ،‬والرايضة‪ ،‬وحت صراع الكائنات احلية من أجل البقاء‪ .‬أثناء‬
‫القراءة عن حلقة ‪ OODA‬ألول مرة‪ ،‬أدهشين أتلقها لكنين مل أكن متأكدا‬
‫متاما مما سأفعله‪.‬‬

‫كيف ينطبق هذا على معاركي اخلاصة‪ ،‬أو حيات اخلاصة‪ ،‬أو على من أنصحهم‬
‫يف شؤوهنم؟‬

‫بعد ذلك‪ ،‬أثناء العمل على اخلطاب بدأت الصورة والفكرة يف االندماج‪ .‬الطيار‬
‫املقاتل يف مكان فريد‪ .‬إنه فرد صارم ال ميكنه االعتماد إال على مناوراته اإلبداعية‬
‫اخلاصة للبقاء والنجاح‪ .‬من انحية أخرى فإنه يكون جزءا من الفريق‪ ،‬وإذا عمل‬
‫ابلكامل وفقا السرتاتيجيته اخلاصة‪ ،‬فإن جناحه الشخصي سوف يرتجم إل ارتباك‬
‫يف ساحة املعركة‪ .‬يف الوقت نفسه‪ ،‬فإن ساحة املعركة نفسها مائعة لدرجة أن‬
‫الطيار ال يستطيع التفكري يف املصطلحات اخلطية التقليدية‪ .‬إنه أشبه ابهلندسة‬
‫املعقدة‪ ،‬أو الشطرنج ثالثي األبعاد‪ .‬إذا كان الطيار بطيئا وتقليداي يف تفكريه‪،‬‬
‫فسيجد نفسه يرتاجع أكثر يف احللقات‪ .‬أفكاره لن تواكب الواقع‪ .‬العقلية املناسبة‬
‫هي التخلي قليال‪ ،‬للسماح لبعض الفوضى أبن تصبح جزءا من نظامه العقلي‪،‬‬
‫واستخدامه لصاحله عن طريق خلق املزيد من الفوضى واالرتباك للخصم‪ .‬إنه‬
‫يوجه الفوضى احلتمية يف ساحة املعركة يف اجتاه العدو‪.‬‬

‫‪- 75 -‬‬
‫بدا ل أن هذه هي االستعارة املثالية ملا منر به مجيعا يف القرن احلادي والعشرين‪.‬‬
‫حتدث التغيريات بسرعة كبرية حبيث يتعذر على أي منا معاجلتها ابلطريقة‬
‫التقليدية‪ .‬متيل اسرتاتيجياتنا إل أن تكون متجذرة يف املاضي‪ .‬تعمل أعمالنا على‬
‫مناذج من الستينيات وا لسبعينيات‪ .‬ميكن للتغيريات اجلارية أن تعطينا بسهولة‬
‫الشعور أبننا ال نتحكم يف األحداث‪ .‬تتمثل االستجابة القياسية يف مثل هذه‬
‫املواقف يف حماولة السيطرة أكثر من الالزم‪ ،‬ويف هذه احلالة سيميل كل شيء إل‬
‫االهنيار عندما نتخلف عن الركب‪( .‬أولئك الذين حياولون السيطرة على الكثري‬
‫يفقدون االتصال ابلواقع‪ ،‬ويتفاعلون عاطفيا مع املفاجآت)‪ .‬أو للتخلي عن ذلك‬
‫فإن العقلية الكارثية تكون مسا آخر‪ .‬ما منر به يتطلب طريقة خمتلفة يف التفكري‬
‫واالستجابة للعامل‪ ،‬وهو شيء سأتناوله يف كتاب القادمني بتفصيل كبري‪(.‬يقصد‬
‫كتاب قوانني الطبيعة البشرية‪ ،‬وكتاب السمو‪-‬املرتجم‪ ).‬السرعة هي العنصر‬
‫احلاسم يف اسرتاتيجياتنا‪( .‬انظر الفصل اخلاص ابلالمباالة يف ‪ 48‬قاعدة للقوة‬
‫واحلرب اخلاطفة يف ‪ 33‬اسرتاتيجية للحرب)‪ .‬ومع ذلك فإن السرعة شيء ال يتم‬
‫فهمه اندرا‪ .‬خلق انبليون السرعة يف هجماته بسبب الطريقة اليت نظم هبا جيشه‪.‬‬

‫إذا قرأت كتاب مارتن كريفلد عن هذا األمر (يقصد كتاب‪ :‬القيادة يف احلرب‬
‫ملارتن) فإنه يوضح أن سرعة جيش انبليون ميكن مقارنتها أبي جيش معاصر‪،‬‬
‫ولكن مع التكنولوجيا منذ مائيت عام‪ .‬أتت هذه السرعة من اهليكل املوجه حنو‬
‫املهمة والذي يتمتع فيه حراسه حبرية كبرية للرد يف الوقت الفعلي واختاذ قرارات‬
‫سريعة‪ ،‬بناء على األهداف اإلسرتاتيجية الشاملة لنابليون‪ ،‬ومع االتصاالت‬
‫السريعة بشكل حثيث ألعلى وألسفل يف سلسلة القيادة‪.‬‬

‫‪- 76 -‬‬
‫زاد انبليون من سرعة جيشه من خالل إرخاء اهليكل‪ ،‬والسماح مبزيد من الفوضى‬
‫يف عملية صنع القرار‪ ،‬وإطالق العنان لإلبداع يف حراسه‪ .‬السرعة ليست ابلضرورة‬
‫من وظائف التكنولوجيا‪ .‬التكنولوجيا كما أظهر كريفلد‪ ،‬ميكنها يف إبطاء اجليش‪.‬‬
‫انظر إل الفيتناميني الشماليني مقابل الوالايت املتحدة يف حرب فيتنام‪ .‬حنن يف‬
‫موقع هؤالء الطيارين املقاتلني‪ .‬أولئك الذين ينجحون يف هذه البيئة يعرفون كيف‬
‫يلعبون لعبة الفريق بطريقة خمتلفة‪ ،‬وليس ألهنم بشر آليون‪ ،‬ولكن ليس بنفس‬
‫القطعة ‪ .‬حنن مراتحون للعمل مببادرتنا اخلاصة‪ ،‬ولكننا أيضا جند املتعة يف جعل‬
‫فرديتنا تتناسب مع اجملموعة‪ .‬حنن قادرون على تبين التغيري‪ ،‬والتخلي عن أمناط‬
‫العمل القدمية‪ ،‬والبقاء متجذرين يف الوقت احلال‪ ،‬ومراقبة ساحة املعركة على‬
‫حقيقتها‪ ،‬وعدم تشوشها ابألفكار املسبقة‪ .‬ميكننا التفكري بسرعة‪ ،‬والتخلي عن‬
‫احلاجة إل التحكم يف كل شيء‪ ،‬والبقاء على مقربة من البيئة اليت نعمل فيها‬
‫(الشوارع‪ ،‬عمالئنا)‪.‬‬

‫هو نوع جديد من احليواانت اليت تزدهر يف هذا النظام اجلديد‪ .‬عقلك هو املفتاح‬
‫الذي سيحول هذا إل ميزة‪ ،‬وليس ثروتك‪ ،‬أو التكنولوجيا حتت قيادتك‪ ،‬أو عدد‬
‫احللفاء الذين متتلكهم‪ .‬مهما كان النجاح الذي حتققه اآلن‪ ،‬فسوف يعمل على‬
‫مصلحتك ألنك لن تكون على دراية مبدى بطء ختلفك يف الدورة العابرة السريعة‪.‬‬
‫تعتقد أنك خبري‪ .‬وأنت لست مضطرا للتكيف حت يفوت األوان‪ .‬إننا نعيش يف‬
‫أوقات قاسية‪.‬‬

‫‪- 77 -‬‬
‫الزوااي واملخادعون واملصاصون‬

‫لقد نسيت شيئا مهما جيب أن تتذكره حىت تنزل حتت ستة أقدام…‪ .‬ال يوجد‬
‫سوى نوعني من الناس يف جمموع العامل الواسع‪ ،‬املخادعون واملصاصون…‪[ .‬مع‬
‫املصاصني] دعهم أغبياء‪ ،‬ألن أدمغتهم تبقى انئمة يف عاملهم احلميد‪ .‬حافظ على‬
‫دماغك شحذا للحدة يف العامل السري للخداع‪ - .‬إيسبريج سليم‬

‫قبل بضع سنوات‪ ،‬قررت أن أساعد ذهين يف التغلب على مشاكل كتاب ‪33‬‬
‫اسرتاتيجية للحرب‪ ،‬فاشرتيت طاولة بلياردو‪ .‬بعد يوم شاق من العمل‪ ،‬كنت‬
‫أستقر يف لعبة البلياردو وأجعل نفسي أركز بشكل كامل على اللباد األخضر‪،‬‬
‫والعصا‪ ،‬واملشارب‪ ،‬واملواد الصلبة‪ .‬انتهى به األمر ليكون اخليار األمثل للتحويل‪.‬‬
‫أصبح من الواضح ل أن الكرة تدور حول الزوااي‪ .‬أوال‪ ،‬هناك زوااي بسيطة‪ ،‬حيث‬
‫جيب عليك ضرب الكرة الرئيسية على أي من اجلانبني عندما ال تكون مستقيما‪.‬‬
‫هذا غالبا ليس ابلسهولة اليت يبدو عليها‪ .‬ث‪ ،‬هناك الزوااي اليت أتخذها عندما‬
‫تضع الكرة املستهدفة على اجلانبني‪ ،‬وهي لعبة جديدة يف حد ذاهتا‪ .‬هذا يذهب‬
‫إل أبعد من ذلك مع لقطة مزدوجة ‪ .‬هناك زوااي اللقطات املركبة‪ ،‬وحت املزيد‬
‫من الرتكيبات الزلقة‪ ،‬عندما تستخدم مادة صلبة لالنزالق من شريط وتطرق يف‬
‫مادة صلبة‪ .‬ث هناك لغة الزوااي الكاملة اليت تلعب دورا عندما تفكر وحتاول‬
‫إبقاء الكرة البيضاء يف وضع اثبت‪ ،‬والعمل مع املساحات املفتوحة على الطاولة‪.‬‬

‫‪- 78 -‬‬
‫أخريا ‪ ،‬هناك الزوااي اجملردة يف املكان والزمان النفسيني‪ :‬اللعب بعقل خصمك‪،‬‬
‫والسماح له ابملضي قدما‪ ،‬فيضع نفسه يف زاوية للكرات األخرية على الطاولة‪،‬‬
‫أو دفعه إل وضعيات مستحيلة (حقيبة اخلدعة)‪ ،‬أو رؤية اجلدول أبكمله وكيفية‬
‫تشغيله يف وقت قصري‪ .‬بعبارة أخرى هناك طبقات من الزوااي‪ ،‬كلها أكثر دقة‬
‫وفنية كلما صعدت السلم لتحسن لعبتك‪ .‬مل أعد مبتدائ‪ ،‬لكنين ابلتأكيد لست‬
‫حمتاال‪ ،‬ليس بعد‪.‬‬

‫للعب بشكل جيد‪ ،‬لرفع مستوى لعبتك‪ ،‬جيب أن يكون تركيزك شامال‪ .‬كما يف‬
‫البلياردو‪ ،‬كذلك يف احلياة‪ .‬يتم حبس املصاصني يف عقلية الكرة الواحدة يف املرة‬
‫الواحدة‪ ،‬ويتحمسون مجيعا عندما تضرب أحدهم يف تسديدة ذكية‪ ،‬لكن ال‬
‫يرتكون ألنفسهم مكاان يذهبون إليه‪ .‬إهنم ال يتعلمون أبدا‪ :‬الزوااي بعض فوق‬
‫بعض‪ .‬ث هناك أشخاص يرفعون مستوى لعبهم قليال‪ ،‬والذين يظهرون أهنم يعرفون‬
‫كيفية الصخب‪ ،‬والذين ميكنهم إطالق بضع طلقات متتالية‪ .‬عملت يف هوليوود‬
‫لدى بعض األشخاص مثل هؤالء‪ .‬كانوا يسمحون لآلخرين ابلقيام ابلعمل‬
‫واحلصول على كل الفضل‪ .‬أحد الكتاب ‪ /‬املخرجني الذين كنت أعرفهم سيلعب‬
‫ابستمرار لعبة توظيف شخص آخر لتوجيه السيناريو الذي كتبه‪ ،‬شخص صغري‬
‫متحمس وعدمي اخلبة‪ .‬هذا الشخص سيفشل حتما يف وقت مبكر من العملية؛‬
‫سيتعني على الكاتب ‪ /‬املخرج أن أيت وينقذ املوقف‪ .‬من األفضل إعداده هبذه‬
‫الطريقة‪ ،‬بدال من أن يُنظر إليه على أنه يريد توجيه مشاريعه اخلاصة‪ .‬على غرار‬
‫الطريقة اليت هندس هبا ابت رايلي عودته ابلكامل إل التدريب‪ .‬لكن هذه األنواع‬

‫‪- 79 -‬‬
‫مل تشاهد اجلدول ابلكامل‪ ،‬أو لديها خطة هناية جيدة للعبة‪ .‬كان لديهم بعض‬
‫الزوااي‪ ،‬ولكن ليس من مرتبة عالية‪ .‬مل يصلوا إل هذا احلد‪ .‬إهنم حمتالون من‬
‫املستوى املنخفض إل املتوسط‪.‬‬

‫جاء إل أحد معاريف الذي يدير أعماله اإلعالمية اخلاصة قبل بضعة أشهر‬
‫مبشكلة‪ :‬قامت موظفة رفيعة املستوى بتسريب شيء حمرج عنه ملوظفني آخرين‪.‬‬
‫كانت زاوية تسريبها هي لفت انتباهه وحتذيره مما قد تفعله‪ .‬كانت مستاءة‪ ،‬قلقة‬
‫من أن يسرحها‪ ،‬وكانت هذه رصاصتها عب قوسه‪ .‬نصيحيت كانت أن تكون على‬
‫دراية أوال بلعبتها‪ ،‬وعلى هذا املستوى حت ال تشري إل أي نوع من ردود الفعل‬
‫السلبية من جانبه‪ .‬كان عليه أن يستمر يف الظهور بشكل ودود‪ ،‬وكأن شيئا مل‬
‫حيدث‪ .‬كانت هذه مقدمة‪ ،‬جمرد إهلاء‪ .‬كان عليها الرتكيز على هذا ومعرفة ما‬
‫يعنيه‪ .‬هل كان خجوال؟ أمل يهتم؟ هل كان حياول استعادهتا؟ هل ترهبه؟ هذا من‬
‫شأنه أن يكسبه بعض الوقت‪.‬‬

‫ث حققنا يف املوقف‪ ،‬ورأينا املزيد مما كان حيدث وتوصلنا إل حل‪ .‬أوال‪ ،‬قام بطرد‬
‫موظفني آخرين كاان صديقني هلا‪ ،‬وكاان مشاغبني‪ .‬والثالث نُقل إل مكتب يف‬
‫مكان بعيد‪ ،‬كرد فعل على قلة أدائهم‪ ،‬ومل يكن له صالت واضحة ابملرأة املسربة‬
‫املعنية‪ .‬كان اهلدف ذو شقني‪ :‬عزل اهلدف‪ ،‬وجعل املرأة يف زاوية من الصعب‬
‫عليها التآمر من خالهلا وإاثرة الفوضى‪ ،‬وأن يرسل هلا حتذيرا غري مباشر أبن املدير‬
‫مل يكن شخصا يعبث به هبذه الطريقة‪ .‬مل تكن حتركاته سهلة الفهم جذبوا انتباهها‬
‫وقاموا بتثليجها‪ .‬عندما نظران يف ردود أفعاهلا احملتملة على هذا وكيف ميكنها‬

‫‪- 80 -‬‬
‫تصعيد كل شيء إذا شعرت ابلتهديد‪ ،‬عملنا على زاوية أعلى لرد الفعل هذا‪،‬‬
‫حبيث قمنا بتغطية أكب عدد ممكن من القواعد‪ .‬لقد حددان طريقة ملواجهتها حت‬
‫لو كانت تناور لتعلن معلوماهتا‪ .‬لقد قمت مؤخرا إبعادة القراءة لـ‪{:‬اسيبريج‬
‫سليم} أحد املفضلني لدي‪ .‬ابلنسبة إل اسيبريج فإن العامل ينقسم عنده إل حمتال‬
‫وأمحق ‪ .‬إما أن تكون أحدمها أو اآلخر‪ .‬املصاص ليس له زوااي على احلياة‪ ،‬ال‬
‫يوجد لديه حس بفن املراوغة‪ ،‬ميكنه أن يقوم بلعب دور غيب واحد يف كل مرة‪.‬‬
‫يهدف احملتال دائما إل الزوااي‪ ،‬ويتعلم كيفية لعبها‪ ،‬ويصبح فناان يف اللعبة‪ .‬فيما‬
‫يلي أهم الفروق بني النوعني‪:‬‬

‫‪ °‬تفضيل اخلشبات الكذابة اجلميلة على احلقيقة القبيحة‪ .‬يريد املغفل تصديق‬
‫أشياء معينة عن احلياة‪ ،‬وابلتال يعرض هذه الرغبات على العامل احلقيقي‪ ،‬ويرى‬
‫ما يريد أن يراه‪ .‬املخادع يزدهر على الواقع‪ ،‬قبيحا أو غري سار ‪ -‬جيد ضالته يف‬
‫احلقيقة‪ .‬يرى الطاولة أبكملها ويلعبها فيها كما هي‪.‬‬

‫‪ °‬ال جدوى من االنزعاج من اجملهول‪ .‬املصاصون هم من يفعل ذلك‪ .‬املخادع‬


‫جيب أن يتعامل مع اخلطر واملخاطر‪ .‬إنه جزء من اللعبة‪ .‬ال ميكنك التحكم يف‬
‫كل شيء‪ ،‬وال تريد ذلك‪ .‬الفوضى والعوامل اجملهولة ليست شيئا يدعو للقلق‪.‬‬
‫إهنا متثل فرصا لزوااي جديدة‪ ،‬ونشاطات جديدة‪ .‬ال يستطيع املغفل أن يتحمل‬
‫اجملهول‪ ،‬فإما أن خيطئ بسبب نفاد صبه وقلقه‪ ،‬أو يرتاجع إل عامل زائف من‬
‫األمن واملعروف‪.‬‬

‫‪- 81 -‬‬
‫‪ °‬توقف عن السماح لعقلك ابلقفز مثل املصاص اللوليب‪ .‬يتحرك عقل األبله يف‬
‫كل مكان‪ ،‬متناسيا ترتيب األشياء‪ ،‬وحيدث الفوضى حيث ال يوجد شيء‪ .‬جيب‬
‫أن يظل احملتالون هادئني وأن يركزوا على سلسلة األحداث أثناء تطورها‪ ،‬والزوااي‬
‫املختلفة اليت تُلعب‪ ،‬مع ردود الفعل احملتملة‪ .‬احملتال ال ينسى مكان الكرة الثامنة‬
‫وكيفية الوصول إليها بشكل منهجي‪.‬‬

‫ال ميكنك تعلم اخلدع حبفظ الكلمات‪ .‬كل عالمة يف أي لعبة خمادعة خمتلفة‪.‬‬
‫عليك أن حتفظ عناصر املخالفة‪ .‬يريد املصاص صيغا ميكنه حفظها وإدخاهلا يف‬
‫املواقف‪ .‬ليس لديه تدفق ألنه صارم يف عقله‪ .‬يتدفق احملتال ألنه يلعب يف اللعبة‬
‫ككل‪ ،‬ويعرف العناصر وميكنه االرجتال وصنع الزوااي حيث ال يراها أحد‪.‬‬

‫‪ °‬أان ال أأتخر عن فواتريي مثل املصاص‪ .‬املصاصون لديهم عالقة خاطئة ابملال‪.‬‬
‫حياولون ادخار البنسات هنا وهناك‪ ،‬أو فهم القتل الكبري الذي يواجه كل‬
‫االحتماالت‪ .‬املال خيرج كل أعصاهبم‪ .‬احملتال يفهم املال‪ .‬إهنا أداة للقوة واخلداع‬
‫ومصدر للمتعة‪ .‬وهو يعرف دائما االحتماالت‪.‬‬

‫‪ °‬ال تتهرب من رصيدك‪ .‬اخلدعة مصنوعة للجميع‪ ،‬كما تتعلم‪ .‬أي شخص عرضة‬
‫للخداع‪ .‬ميكن أن يقع احملتال األكثر حكمة فجأة يف أسوأ متشرد ويفقد كل‬

‫‪- 82 -‬‬
‫أمواله‪ .‬املخادع على دراية بنقاط ضعفه وفتحاته للخداع‪ .‬هذا اإلدراك هو ميزته‪.‬‬
‫يعتقد املغفل أنه يعرف كل شيء وال ميكن أن ينخدع‪ .‬هذا هو عيبه القاتل‪.‬‬

‫‪ °‬ال تنس أبدا أن كلمة الشجاع جيب أن تكون مثل رابطة ذهبية لشركائه‪ .‬بعبارة‬
‫أخر‪ ، :‬تكرمي اللصوص‪ .‬ينسى احملتالون من املستوى األدىن هذا وأمهية السمعة‪.‬‬
‫يضيعون يف اللحظة ويفسدون الشخص اخلطأ‪ .‬جيب أال يتغلب اجلشع على‬
‫مصداقيتك أبدا‪ .‬إذا كنت ال تفهم التفاصيل الدقيقة هلذا‪ ،‬فأنت مبتذل‪.‬‬

‫‪ °‬ذهبت إل اهلاتف ألتصل ابإلهلة‪ .‬ابتعدت عنه‪ .‬كانت مسرحية صغرية‪ .‬نفاد‬
‫الصب هو السمة املميزة للمغفل‪ ،‬وهو ليس أوضح مما هو عليه يف مسائل اإلغواء‪.‬‬
‫ال ميكنه االنتظار لالتصال‪ ،‬أو إراقة شجاعته ابعرتاف ابحلب‪ ،‬أو حماولة الكشف‬
‫عن مدى حرصه على اإلعجاب والرضا‪ .‬العاطفة تتفوق على اإلسرتاتيجية‪ .‬الصب‬
‫والوقت هو عقيدة احملتال‪" .‬ألعب من أجل الوقت وأرى ما سيحدث‪ "،‬تقول‬
‫إليزابيث األول‪ ،‬ملكة إجنلرتا احملتالة‪.‬‬

‫‪ ..." °‬منذ أن فجرت القميص مثل العالمة‪ .‬كان جيب أن تظل هادائ وتفكر يف‬
‫بعض اخلدع معي لفصل سونوفابيتش عن القليل من العظماء "‪ .‬الغضب قاتل‬
‫وغيب‪ .‬يف عامل تنافسي وخطري‪ ،‬الغضب هو إغراء عظيم‪ .‬لكن الشخص املغفل‬
‫هو الذي يستسلم للغضب الطبيعي من حالة األشياء‪ ،‬من خالل الرد على‬

‫‪- 83 -‬‬
‫الصخب واالنفجارات‪ .‬يلعب املخادع الزاوية األكب وينتقم من اهلدف بضربه يف‬
‫جيبه أو مسعته‪ .‬ال يتم قمع الغضب ولكن يتم توجيهه بشكل صحيح‪.‬‬

‫جيب أن تستمر يف رفع هذه اللعبة إل مستوايت أعلى‪ ،‬كما هو احلال على طاولة‬
‫البلياردو ‪ -‬إتقان الزوااي النفسية يف النهاية‪ .‬لعبك اخلاص متعة حت النهاية‪ ،‬حت‬
‫املوت‪ ،‬عندما تنتهي اللعبة‪.‬‬

‫‪- 84 -‬‬
‫نظرية السيطرة‬

‫ليس للتحكم يف الكلمات أكثر الدالالت إجيابية يف ثقافتنا‪ .‬تعبريات مثل مهووس‬
‫التحكم تتحدث عن هذا‪ .‬لكن فكرت عن السلطة مرتبطة مباشرة مبفهوم‬
‫السيطرة‪ .‬أوال وقبل كل شيء هناك فكرة ضبط النفس‪ .‬القوة احلقيقية الوحيدة‬
‫اليت هتمك يف النهاية هي القوة على نفسك والقدرة على التحكم يف مشاعرك‪.‬‬
‫على رأس القائمة نفاد الصب‪ ،‬حاجتك لإلشباع الفوري‪ .‬املشاعر األخرى ستكون‬
‫اخلوف‪ ،‬واليت جيب مواجهتها‪ .‬الرغبة يف أن تكون حمبواب فيعجبون بك هي عائق‬
‫مماثل‪ ،‬وكذلك الغضب الذي ال ميكن السيطرة عليه‪ .‬ال ميكنك السيطرة الكاملة‬
‫على هذه املشاعر‪ ،‬ولن ترغب يف ذلك‪ .‬كل ما يُطلب منك هو التحكم أكثر مما‬
‫كان لديك يف املاضي‪ ،‬حتكم أكثر من منافسيك‪ .‬كلما كانت هذه املشاعر‬
‫واضحة‪ ،‬كانت االسرتاتيجيات والقرارات اليت ستتخذها أفضل‪( .‬ملزيد من‬
‫املعلومات حول هذا املوضوع ‪ ،‬يرجى الرجوع إل الفصول األول والثان والثالث‬
‫والرابع والثان عشر يف كتاب اسرتاتيجيات احلرب البالغ عددها ‪)33‬‬

‫أنت موجه إل اخلارج‪ ،‬وهذا يعين التحكم إل حد ما يف تصرفات خصومك‪ .‬مع‬


‫تقدمي يف اإلسرتاتيجيات الـ ‪ 33‬للحرب ‪ ،‬توصلت إل استنتاج مفاده أن الفريق‬
‫الفائز قد سيطر على الديناميكية حتما‪ .‬بدأت هذه الفكرة تستحوذ علي‪.‬‬
‫أدركت أن هذا كان مفتاحا ليس فقط للحرب واالسرتاتيجية‪ ،‬ولكن جلميع‬
‫جوانب احلياة اليت توجد فيها منافسة‪ .‬بدا أن األحداث اليت وقعت يف الصحيفة‬

‫‪- 85 -‬‬
‫يف الوقت الذي كنت أكتب فيه الكتاب تؤيد نظرييت‪ .‬أوال كانت هناك حرب‬
‫العراق‪ :‬أصبح مع تقدمها أن أعداء جيشنا املتعددين يسيطرون على الديناميكية‪.‬‬
‫ميكن أن يشنوا هجماهتم اإلرهابية مبعدل جناح منخفض‪ ،‬لكن كل واحد وضعنا‬
‫يف موقف دفاعي‪ ،‬وجعلنا نرد ونبالغ يف رد الفعل‪ .‬ظل اجليش األمريكي مضطرا‬
‫إل إعادة تعديل اسرتاتيجيته‪ ،‬وهي عالمة أكيدة على فقدان السيطرة‪.‬‬

‫راقبت بعناية محلة كريي الفاشلة عام ‪ 2004‬وكان واضحا ل أنه يف كل خطوة‬
‫تقريبا من الطريقة اليت كان كريي يستجيب فيها لألحداث اليت ت أتطريها أو‬
‫استفزازه به من قبل اجلمهوريني‪ .‬أرى رد فعل الدميقراطيني على أفعال وكلمات‬
‫بوش وفريقه‪ ،‬بدال من وضع جدول األعمال بطريقة عدوانية‪ .‬ميكن أن يفوزوا يف‬
‫االنتخاابت هذا العام‪ ،‬ولكن كما أشرت يف ‪ 33‬إسرتاتيجية للحرب ‪ ،‬غالبا ما‬
‫يكون الفوز هو املهم‪ .‬ميكنك الفوز بطريقة تؤدي إل هزائم مستقبلية‪ ،‬وميكن أن‬
‫ختسر بطريقة تؤدي إل انتصارات مستقبلية‪ .‬ميكن للفوز بطريقة دفاعية وتفاعلية‪،‬‬
‫وأن يؤدي إل خسارة يف اجلولة التالية ألنك ال تتحكم يف النقاش‪.‬‬

‫أصبحت مهووسا مبتابعة هذا يف الرايضة‪ .‬لطاملا تساءلت عن ظاهرة الزخم‪ ،‬خاصة‬
‫يف رايضيت املفضلة كرة القدم وكرة السلة‪ .‬لقد توصلت إل استنتاج مفاده أن‬
‫هناك نقطة حتول يف مثل هذه األلعاب حيث يتغري الزخم‪ ،‬حيث يتول جانب‬
‫واحد املسؤولية‪ ،‬ويتمتع ابألفضلية ويطبقها على طول الطريق‪ .‬يف كثري من‬
‫األحيان‪ ،‬نرى فريقا واحدا ينتزع الصدارة‪ ،‬لكن تقدمه يف اللعبة يرتاجع وخيسر‬

‫‪- 86 -‬‬
‫يف النهاية‪ .‬يف نظرييت‪ ،‬هناك نقطة يف املسابقة يفقدون فيها السيطرة‪ ،‬عقليا‬
‫وجسداي‪ ،‬واجلانب الفائز يقوده هذا إل النصر‪ .‬ميكنين مشاهدة مباراة كرة سلة‬
‫على سبيل املثال‪ ،‬وأرى يف الربع األول من سيفوز‪ ،‬على الرغم من أن النتيجة‬
‫رمبا كانت ضد الفريق الذي اخرتته‪ .‬لقد حكمت على هذا من خالل أي جانب‬
‫كنت أعتقد أنه يتحكم يف اإليقاع وأسلوب اللعب من بني عوامل أخرى‪ .‬لقد‬
‫حققت نسبة جناح عالية يف االتصال ابلفائز يف الربع األول أو الثان‪.‬‬

‫يف جمال األعمال التجارية‪ ،‬شاركت يف النظر يف "احلرب" بني ‪ Google‬و‬


‫‪ ، Microsoft‬ومن وجهة نظري‪ ،‬فإن الشركة األصغر هي اليت تقود جدول‬
‫يوما ما يف هذه‬
‫األعمال‪ ،‬وتتحكم يف الديناميكية‪ ،‬مما يعين ابلنسبة ل أهنا ستسود ً‬
‫احلرب‪ .‬كما أنين طبقت هذه النظرية على العالقات الشخصية ألصدقائي وعلى‬
‫عالقات الشخصية‪ .‬صديقي املتزوج يف عالقة سيئة مع زوجته اليت تنفجر عليه‬
‫بشكل دوري‪ .‬للوهلة األول تبدو ضعيفة نوعا ما‪ .‬يف الشؤون االجتماعية هو‬
‫الشخص الذي يتألق ويسيطر‪ .‬لكن خوفه كبري منها‪ .‬ال سيما خوفه من نوابت‬
‫غضبها‪ .‬هذا يضع حدا شديدا ألفعاله‪ .‬لقد وجدت طريقة لتحويل ضعفها‬
‫اجلسدي إل قوة حقيقية‪ ،‬والسيطرة على عقله‪ .‬ال أجد هذا النوع من التحكم‬
‫صحيا أو جيدا‪ ،‬لكنه قوي مع ذلك‪ .‬وفقا لعامل النفس والكاتب جاي هال‪ ،‬يشري‬
‫البشر يف العالقات إل درجات من السيطرة بطرق دقيقة ‪ .‬يف كثري من األحيان‪،‬‬
‫الشخص الذي يبدو أقوى ليس هو الشخص الذي يتحكم يف الديناميكية على‬
‫اإلطالق‪.‬‬

‫‪- 87 -‬‬
‫أان أرسم هذه النظرية من أجلك‪ ،‬لكين أدعوك لتجربتها يف حياتك‪ .‬عند قراءة‬
‫الورقة البحثية وحتليل األحداث يف األخبار‪ ،‬أو أثناء متابعة لعبة‪ ،‬أو النظر إل‬
‫حياتك املهنية وعالقاتك‪ ،‬قم بتحليل الصورة وحاول حتديد اجلانب الذي يتمتع‬
‫بقدر أكب من التحكم يف الديناميكية‪ .‬اندرا ما يكون هذا أبيض وأسود‪ .‬سيكون‬
‫لكل جانب قوته وحلظاته‪ ،‬ولكن بشكل عام ميكن اكتشاف التحوالت‬
‫واالجتاهات‪ .‬يف العالقات‪ ،‬أو يف حياتك املهنية‪ ،‬ميكن أن يكون هذا ذاتيا‬
‫وستميل إل االعتقاد أبنك الشخص املسيطر‪ ،‬أو سرتى نفسك ضحية لآلخر‪،‬‬
‫اهلدف الظامل لسلوكهم املسيطر‪ .‬هناك طرق لقراءة العالمات بشكل صحيح‪،‬‬
‫لكن عليك أن تضع غرورك جانبا‪ .‬ال ميكنك التحكم يف كل شيء يف احلياة‪،‬‬
‫وأولئك الذين يسعون إل القيام بذلك ينتهي هبم األمر يف الغالب إل فقدان‬
‫السيطرة‪ .‬هناك مفارقة غريبة هاهنا‪ ،‬واحدة أوجزهتا يف احلرب العاملية الثانية يف‬
‫مناقشة انبليون‪ .‬ختلى انبليون عن سيطرته املشددة على جيشه من أجل السيطرة‬
‫بشكل أكب على املعارك اليت بدأها‪ .‬فعل جورج مارشال الشيء نفسه مع‬
‫البنتاغون‪ .‬وهناك قوة ميكن أن أتت من قبول أشياء معينة والتخلي عن السيطرة‬
‫يف الوقت احلال‪ ،‬كما أوضحت يف اسرتاتيجية الرتاجع يف ‪ 33‬إسرتاتيجية‬
‫للحرب‪ .‬لكن التخلي عن السيطرة يف حلظات معينة هو املفتاح األساسي للسيطرة‬
‫على الديناميكية الحقا‪.‬‬

‫مل نتطرق حت إل اإلغواء هاهنا‪ .‬إن رأيي هو أن املُغوي الناجح سوف يتمكن‬
‫من إخفاء عنصر التحكم‪ ،‬جلعل الضحية تعتقد أنه أو أهنا متتلك سيطرة مساوية‬

‫‪- 88 -‬‬
‫أو أكب على املوقف‪ .‬يتطلب هذا الكثري من هذا الصب والذكاء‪ :‬فأنت تسمح‬
‫للطرف اآلخر أبن يشق طريقه‪ ،‬وأن يقرر إل أين أنت ذاهب‪ ،‬ويرفض تقدمك‪،‬‬
‫ويطلب هذا وذاك‪ .‬لكن مساحك هبذا هو ما جيعلك متحكما يف املوقف‪ .‬يتحكم‬
‫املُغوي يف الديناميكية عن طريق الرتاجع غالبا‪.‬‬

‫ـقاد على اإلطالق‪ ،‬يف حني أنه هو من‬


‫الراقص البارع ال جيعل املرأة تشعر أهنا تُـ ُ‬
‫يتحكم يف كل احلركات واإليقاع‪.‬‬

‫‪- 89 -‬‬
‫جتربة يف مكافحة الغباء‪.‬‬

‫كنت قد اقرتحت يف األصل أن أكتب كتاب الثالث عن اتريخ الغباء البشري‪.‬‬


‫سيكون يف األساس فرعا من جزء االنتهاكات من قوانني ‪ 48‬قاعدة للقوة‪ ،‬فكل‬
‫واحد من هؤالء هو شكل من أشكال الغباء‪ .‬لقد قمت برسم الكتاب بطريقة‬
‫مثرية لالهتمام‪ ،‬لكن الناشرين شعروا أنه كان سلبيا جدا‪ ،‬ولذا فقد تقدمت بفكرة‬
‫أكثر عمومية لكتاب عن احلرب واالسرتاتيجية‪ .‬رمبا كان هذا لألفضل‪ ،‬لكنين‬
‫سأعود إل فكرة الغباء يوما ما وأقوم إبعداد هذا الكتاب‪ .‬يتمحور كل هذا حول‬
‫املفهوم اليوانن القائل أبن املزيد من الضرر حيدث يف احلياة من خالل عدم‬
‫الكفاءة والغباء أكثر من أي شر صريح‪ .‬يعتب الغباء شكال من أشكال عدم‬
‫التوازن‪ .‬احليواانت لديها غرائز تعتمد عليها يف حال إحساسها ابخلطر‪ .‬ولدينا‬
‫حنن منطقنا وعقالنيتنا‪.‬‬

‫عندما نفقد تلك القوى املنطقية‪ ،‬فإن األمر يشبه الوقوع بني شأنني‪ :‬ال ميكننا‬
‫االعتماد على غرائزان‪ ،‬وال ميكننا االعتماد على ذكائنا‪ .‬حنن نسقط وخنلق موجات‬
‫من املشاكل‪ .‬لقد طورت هذا املفهوم يف اإلسرتاتيجية رقم ‪ ،12‬لكن الرؤية‬
‫الكاملة تنتظر كتاب‪ .‬أريده أن يكون التحليل النهائي لظاهرة الغباء العاملية‪ ،‬مليئة‬
‫ابألمثلة التارخيية‪ ،‬واملأساوية واملضحكة‪ .‬واحدة من أكثر أشكال الغباء قسوة‬
‫هي الفكرة اجملمدة‪ .‬كلنا نعان من هذا‪ ،‬ما أعنيه هو ما يلي‪ :‬نطور فكرة عن‬
‫احلياة‪ .‬ميكن أن أيت هذا من األشياء اليت نقرأها ونسمعها يف وسائل اإلعالم ‪،‬‬

‫‪- 90 -‬‬
‫أو من جتاربنا اخلاصة‪ .‬تتجمد هذه األفكار يف رأي حول شيء ما‪ .‬مع مرور‬
‫الوقت مييل رأينا هذا إل فقدان االتصال ابلواقع‪ .‬نتمسك أحياان مبثل هذه اآلراء‬
‫ألن االعرتاف أبهنا كانت خاطئة أو غري ذات صلة يسبب لنا االضطراب العاطفي‬
‫مع القلق بدافع الغرور والكسل‪ ،‬ال نريد أبدا االعرتاف أبننا كنا خمطئني‪ .‬استمع‬
‫إل األشخاص يف الستينيات أو السبعينيات من العمر‪ ،‬كل فكرة يعبون عنها‬
‫هي نوع من الذبذابت املتشددة اليت تشكلت يف شباهبم‪.‬‬

‫كنت مؤخرا يف إجازة صغرية يف منطقة اخلليج (زار روبرت غرين االمارات أواخر‬
‫سنة ‪ -2015‬املرتجم) ‪ ،‬وشعرت ابحلاجة إل بعض العالج النفسي‪ ،‬قررت إجراء‬
‫جتربة صغرية على نفسي‪ .‬سأحاول أن أفكر يف كل شيء على عكس الطريقة‬
‫املعتادة للتعامل مع األشياء‪ .‬وضعت اخلات الوحيد الذي أرتديه (ورثته من والدي‬
‫عند وفاته) يف إصبع على اليد اليمىن بدال من اليد اليسرى‪ .‬سيكون هذا ملحوظا‬
‫ابلنسبة ل وجيعلين دائما على دراية بشيء خمتلف‪ .‬سيذكرن جسداي ابلبقاء يف‬
‫االجتاه املعاكس‪ .‬جعلتين جتربيت اجلانبية أقوم بتقييم ردود أفعال العادية جتاه‬
‫األشياء وتسليط الضوء عليها وجعلتين على دراية مبدى استجابيت لآلخرين‪ .‬أجد‬
‫نفسي خالل الرحلة شاعرا ابلضيق بسبب شيء قاله أحدهم (كنت مسافرا مع‬
‫العائلة)‪ .‬أجبت نفسي يف البداية على الشعور ابلعكس‪ ،‬شعور ابلبهجة للتعبري‬
‫عما هو واضح‪ .‬أو رمبا مل يكن األمر واضحا جدا‪ .‬رمبا كان هناك قدر غريب من‬
‫احلكمة الواردة يف هذه الذبذابت اليت كانوا ينطقوهنا‪ .‬على أي حال‪ ،‬كان من‬
‫املمتع اللعب هبذه الطريقة‪ ،‬ومشاهدة كيف يبىن هذا الزخم‪ .‬إن التصرف‬

‫‪- 91 -‬‬
‫والتفاعل بشكل خمتلف‪ ،‬حت لو أجبن احلال على ذلك‪ ،‬جعلين أشعر‬
‫ابالختالف‪ ،‬وكان ذلك عالجا جيدا‪.‬‬

‫علي أن أغين أو أرقص عندما أرغب يف الزحف‬


‫ذهب هذا مذهبا عميقا‪ .‬كان ّ‬
‫إل سرير غرفيت يف الفندق‪ .‬اضطررت لقراءة جملة الفندق عندما كنت أتوق إل‬
‫األفكار األعمق للكتاب الذي كنت أقرأه حاليا‪ .‬هذه اجمللة الفندقية‪ ،‬املليئة أبكثر‬
‫املقاالت املبتذلة‪ ،‬ستكون حتداي حقيقيا ابلنسبة ل‪ :‬هل ميكنين أن أجدها ممتعة‬
‫بطريقة ما؟ نعم ‪ ،‬نعم أستطيع‪ .‬كنت أقول ال عندما أريد أن أقول نعم‪ ،‬والعكس‬
‫صحيح‪ .‬تسبب هذا يف بعض الزالزل يف الوصفة‪ :‬كان علي أن آكل أشياء كنت‬
‫أقول لنفسي أهنا سيئة ابلنسبة ل أو أنين كنت أشعر ابلصدمة‪ .‬اضطررت إل‬
‫إغالق هاتفي اخللوي‪ ،‬وليس التحقق من بريدي اإللكرتون‪ .‬كان جيب أن يكون‬
‫كل شيء مقلواب ‪ ،‬وأان تركت هذا أيخذ جمراه‪ .‬كان الناس من حول يدركون أنين‬
‫أتصرف بغرابة لعينة بعض الشيء‪ ،‬لكنهم اعتادوا على ذلك‪.‬‬

‫حسنا ‪ ،‬خطرت ل العديد من األفكار املثرية لالهتمام أثناء هذه التجربة‪ .‬فكرة‬
‫جديدة يف فلسفة حديثة للعيش‪ ،‬كتاب جديد أعمل عليه‪ ،‬طريقة جديدة للتكيف‬
‫مع العامل‪ .‬ميكنين أن أكتب ما ال هناية عن النتائج‪ .‬لكنين سوف أشارك يف كشف‬
‫واحدة‪ :‬كما نعلم مجيعا‪ ،‬منطقة اخلليج هي مركز التصحيح السياسي العاملي‪.‬‬
‫تعمل بشكل عام ابلطريقة التالية‪ :‬يتم فحص كل خيار يف احلياة والتحقق منه مرة‬
‫أخرى ملعرفة مدى مالءمته جملموعة مرتبة من اخلاانت األخالقية ‪ /‬أو القيمية اليت‬

‫‪- 92 -‬‬
‫تشغل العقل‪ .‬تتعلق هذه الفتحات ابلبيئة‪ :‬قيادة سيارة بريوس‪ ،‬وإعادة التدوير‪،‬‬
‫وعدم قراءة الكثري من الصحف اليت تتضمن قطع األشجار‪ ،‬وتفضيل كبري‬
‫لوسائل النقل العام‪ ،‬ومناقشة مستمرة لالحتباس احلراري‪ ،‬وما إل ذلك‪ .‬ستشمل‬
‫الفتحات القريبة الطعام‪ :‬كل شيء عضوي‪ ،‬يتم اختيار القهوة ابلطريقة‬
‫الصحيحة‪ ،‬وعدم إهدار الكثري من املاء‪ ،‬والرتدد على املتاجر املناسبة‪ .‬يقع هذا‬
‫ابلقرب من فتحة التسوق‪ :‬من األفضل عدم الشراء من متاجر بيع الكتب‬
‫الكبرية‪ ،‬ادعم الرجل الصغري (سييت اليتس‪ ،‬ول ابرنيس وارابن) ‪ ،‬اش ِرت مالبسك‬
‫هنا‪ ،‬وليس هناك؛ إن مظهر (أورابن أوت فيرتز) املتهالك أفضل‪ ،‬ألنه يدل على‬
‫موقف غري رمسي‪ ،‬وليس مرتبطا ابألشياء املادية‪.‬‬

‫بعض املدن واألماكن صحيحة بطبيعتها‪ :‬منطقة اخلليج‪ ،‬أوريغون‪ ،‬أو سانتا‪ ،‬أو‬
‫أي شيء يف املكسيك أو العامل الثالث‪ ،‬مينيابوليس‪ ،‬الوالايت الزرقاء من كندا‪.‬‬
‫بعض األماكن شريرة بطبيعتها‪ :‬جنوب كاليفورنيا‪ ،‬أي شيء يف تكساس (إل‬
‫جانب أوسنت)‪ ،‬والكثري من اجلنوب وابلتأكيد فلوريدا‪ .‬بعض الكتاب بطبيعتهم‬
‫رائعني ومليئني ابحلكمة‪ :‬جور فيدال‪ ،‬نعوم تشومسكي‪ ،‬على سبيل املثال ال‬
‫احلصر‪ .‬يستطيعون إطالق الريح وستكون رائحة ظرطتهم مثل احلكمة العابرة‬
‫لألزمان‪ .‬جيب أن تعرف حمطات الراديو الصحيحة‪ .‬رمبا يكون من احلكمة عدم‬
‫امتالك جهاز تلفزيون‪ .‬جيب أن يتغذى أطفالك على االختيارات الصحيحة‪:‬‬
‫الطعام‪ ،‬املالبس‪ ،‬املوسيقى‪.‬‬

‫يصبح العقل كهفا مليئا هبذه الفتحات‪ .‬ملاذا يرتبط هذا بتجربيت يف مكافحة‬
‫الغباء؟ حسنا‪ ،‬ألنين اكتشفت العشرات من هذه الفتحات يف ذهين ونظام القيم‪.‬‬

‫‪- 93 -‬‬
‫وقد أزعجين ذلك‪ .‬كل هذا يصبح عقبة أمام التجربة‪ .‬بدال من استجواب نفسك‬
‫أو اآلخرين حول ما يفعلونه فإن لديك نظاما جاهزا من اخليارات لتلتزم به‪ .‬ال‬
‫تتحدى احلياة وال تدعوك للتفكري بعمق‪ .‬بدال من مالحظة العامل كما هو‪ ،‬كل‬
‫حدث فريد وتعليمي جيعلك متواجدا يف فقاعته‪.‬‬

‫وهذا الصواب الشديد حتما‪ ،‬أحب أن أطلق عليه "العفة اجلديدة"‪ ،‬ليس أكثر‬
‫اختالفا عن الغباء‪ .‬عندما أكون حول املتعففني اجلدد‪ ،‬وهم موجودون يف كل‬
‫مكان هذه األايم ترفع روح معاكسة رأسها القبيح يف داخلي‪ ،‬وال بد ل من التعبري‬
‫عن عكس القيم والذبذابت اليت يروجون هلا‪ .‬لكن رمبا جيب أن أحاول العكس‬
‫وأن أصبح متشددا ليوم واحد‪ .‬عندما كنا أطفاال كان متاحا جتربة العامل بطريقة‬
‫فورية‪ .‬مل تكن أدمغتنا مليئة ابألحكام واآلراء املهضومة‪ .‬ميكننا أن ننظر إل العامل‬
‫من حولنا بقليل من اإلعجاب واإلاثرة يف أصغر شيء‪.‬‬

‫كما قلت يف ‪ 33‬إسرتاتيجية للحرب‪ ،‬ما نود استعادته من شبابنا ليس مظهران‬
‫اجلميل‪ ،‬أو احلياة اخلالية من اهلموم‪ ،‬ولكنه العقل ‪ -‬املرونة واالنفتاح ‪ -‬الذي‬
‫كنا منلكه ذات يوم‪ .‬من الصعب حماربة ثقل الغباء ألنه يسحقنا مبرور السنني‪،‬‬
‫لكن األشياء اجليدة هي اليت ميكن أن أتت من هذا اجلهد‪.‬‬

‫‪- 94 -‬‬
‫إعالانت احلرب‬

‫أب للجميع‪ .‬بعض احلروب تصنع آهلة‪ ،‬وبعضها رجاال‪ ،‬وبعضها عبيدا‪،‬‬
‫احلرب ٌ‬
‫والبعض اآلخر أحرارا‪ - .‬هرياقليطس‬

‫لقد الحظت يف كتاابت أنين ما أنين أبدع فيها بشكل جيد عندما أكون غاضبا‬
‫قليال‪ .‬كان هذا سهال عندما كتبت قوانني القوة الـ ‪ ،48‬ولكن حبلول الوقت‬
‫الذي وصلت فيه إل اسرتاتيجيات احلرب الـ ‪ ،33‬كنت حباجة إل حتفيز هذا‬
‫جمددا بطريقة ما‪ .‬بدأت ألعب لعبة مع نفسي‪ :‬قبل كتابة فصل‪ ،‬كنت أفكر يف‬
‫أشياء أو أشخاص أو أفكار معينة أغضبتين سلفا‪ ،‬وأعلن احلرب عليهم مجيعا‪.‬‬
‫كلما أكتب أختيل هذا‪ ،‬وماذا عنه أو عنها‪ ،‬أو فيما أاثر الكراهية؟‬

‫هناك البعض ممن لديهم فكرة خاطئة أنين أدعو إل قمع املشاعر‪ .‬يف عدة فصول‬
‫من كتاب احلرب أعود إل فكرة مكيافيلي واإلغريق القدماء أبننا مجيعا جزء من‬
‫احليواانت واألهلة‪ ،‬وأن اجلزء احليوان من طبيعتنا هو ما مينحنا الطاقة والقيادة‪ .‬ال‬
‫يستطيع احملارب القتال دون الشعور ابإلهلام أو اإلميان ابلقضية‪ .‬املرتزقة هم أسوأ‬
‫املقاتلني‪ .‬لكن هذا اجلزء العاطفي منا جيب أن يكون حتت السيطرة ويُوجه بشكل‬
‫صحيح‪ .‬هذا ما ستفعله لك اسرتاتيجية أرض املوت‪ ،‬على سبيل املثال‪ .‬أجد‬

‫‪- 95 -‬‬
‫بشكل عام أن إعالن احلرب على شيء ما (موضوع الفصل األول من الكتاب)‬
‫هو وسيلة صحية لتجاوز صراعات احلياة‪ ،‬وحتديد ما تؤمن به‪ ،‬والرد على شيء‬
‫حتتقره‪.‬‬

‫فيما يلي قائمة ببعض إعالانت املفضلة عن احلرب أثناء أتليف الكتاب‪ ،‬وهي‬
‫اليت ظللت أعود إليها‪:‬‬

‫الدجالون‬

‫هذه فئة كبرية من الناس حلد ما‪ ،‬لذا امسحوا ل أن أشرح ما تعنيه ل‪ .‬الدجالون‬
‫هم أشخاص خيفون افتقارهم إل األفكار الواضحة‪ ،‬وافتقارهم إل نظام معتقد‬
‫مركزي‪ ،‬بكل أنواع التجريدات الغامضة واحلاملة‪ .‬قمت بتحليلها يف كتاب القوة‪،‬‬
‫يف القانون ‪ 27‬ويف عدة فصول أخرى‪ .‬الدجالون ابرعون يف التسويق‪ ،‬وهناك‬
‫الكثري الذي ميكننا تعلمه منهم يف هذا اجملال‪ .‬كان الدجالون يف القرن الثامن‬
‫عشر على دراية اتمة ابللعبة اليت كانوا يلعبوهنا‪ ،‬وكانوا مسلون بشكل ال يصدق‪.‬‬
‫األشخاص من حولنا مزعجون وليسوا مدركني لذواهتم‪ .‬أجد أن الكثري من‬
‫األكادمييني دجالون فاقدون للوعي‪ .‬كتاابهتم مليئة ابألفكار اليت يبدو أهنا تلمح‬
‫إل شيء ما ولكنها ال تضيف شيئا‪ .‬كاتب مثل {هيجل} ليس دجاال ابلنسبة ل‪.‬‬
‫لكن عمله صعب‪ ،‬وعندما تقرأه وتفهم ما يقوله‪ ،‬فسوف يبقى معك إل األبد‪.‬‬

‫‪- 96 -‬‬
‫كاتب مثل {دريدا} ليس له مثل هذا التأثري‪ .‬ميأل الكثري من األكادمييني عملهم‬
‫بتلميحات ألشياء أنيقة وعصرية‪ ،‬تتماشى مع مجيع األسباب الصحيحة‪ .‬إهنم ال‬
‫يلتزمون أبي وجهة نظر‪ ،‬ألن ذلك قدمي الطراز‪.‬‬

‫عندما أصادف كاتبا مثل هؤالء فإن الرغبة جتتاحين لطردهم‪ ،‬أجعلهم يعرتفون‬
‫مبا حياولون قوله بدل إخفاءه بذكاء‪ .‬هذه األنواع جتعلين غاضبا وجتعل دمي يبقبق‬
‫ويغلي‪( .‬أعلم أنين كنت غامضا بعض الشيء بشأن اسرتاتيجية أساطري احلزب‬
‫الدميقراطي‪ ،‬لكنين أعدك أال أبدو مثل هذا الدجال هناك وأن أوضح ذلك فيما‬
‫يلي من األايم)‪.‬‬

‫العول ِميُّون‬

‫لقد انتهى هذا األمر قليال إبدخال األشياء العشوائية‪ ،‬وصراخي السابق ضد‬
‫{أجنلينا جول} مثال على هذا‪( ،‬أرسل روبرت غرين خطاابت متكررة للممثلة‬
‫أجنلينا جول‪ ،‬كوهنا شخصية خضعت آلاثر العوملة احلديثة‪ ،‬وقام بنصيحتها دون‬
‫أن تسعى للظهور على فقر أفريقيا وحياة البسطاء لطلب املزيد من االهتمام‬
‫والشهرة‪ ،‬وقام مبهاتفتها يف أحاديث شخصية‪ ،‬وطلب منها أن تصرف اهتمامها‬
‫لفقراء أمريكا ودعم اجلمعيات اخلريية فيها‪ -‬املرتجم) لكن لنكرر‪ :‬نعيش مجيعا‬
‫يف عامل مباشر ألصدقائنا وجمتمعنا وبلدان‪ .‬هذه أشياء حقيقية وملموسة وميكننا‬
‫التأثري عليها‪ .‬وجيب علينا أوال أن نلفت انتباهنا إل تلك األشياء اليت ميكننا‬

‫‪- 97 -‬‬
‫التأثري فيها‪ .‬لكن بعض الناس يعيشون يف عامل غري واقعي ُمعومل‪ .‬اهتماماهتم‬
‫وشغفهم الرئيسي ال عالقة له مبا جيري حوهلم أو حت حبياهتم اليومية‪ .‬إهنم يفرون‬
‫من هنا إل هناك‪ ،‬إهنم يفضلون القلق بشأن إفريقيا وجماعاهتا وقلة خبزها‪ ،‬أو‬
‫يهتمون ابلصني وسياساهتا وحتكمها‪ ،‬بدال من القلق الرئيسي بشأن املشكالت‬
‫احلقيقية يف جمتمعهم وبلداهنم‪ .‬إهنم مهتمون ابملظاهر بدال من التأثري على التغيري‬
‫يف العامل‪ .‬والتغيري الذي يتجدر عليهم ‪.‬‬

‫املعتدون السلبيون‬

‫ينطبق هذا الكثري من األشخاص الذين قابلتهم على مر السنني والذين يؤثرون‬
‫بكوهنم من ذوي األلطاف والود والتهذيب‪ ،‬لكن مظهرهم اخلارجي اللطيف خيفي‬
‫الكثري من العداء‪ .‬أيت هذا يف حفرايت صغرية‪ ،‬أو متلق يتضمن لدغة مسمومة‪،‬‬
‫أحيلك إل فصل العدوانية السلبية يف كتاب احلرب‪ .‬كنت أفكر يف هذه األنواع‬
‫كثريا مؤخرا‪ ،‬ال سيما من حيث عالقتها ابحلسد‪ .‬أريد أن أكتب كتااب يوما ما عن‬
‫احلسد ألن هذا املوضوع أيخذ مين مأخذا‪ .‬إهنا لغة غريبة يتحدث هبا الناس‬
‫وكلنا ن فهمها‪ ،‬ألننا شعران ابحلسد يف حياتنا‪ .‬لكن بعض الناس يستهلكونه وهم‬
‫خطرون جدا‪ .‬وإذا حصلت على أي نوع من االعرتاف العام‪ ،‬فإن كونك هدفا‬
‫للحسد يزداد سوءا‪ .‬كتب أحدهم ذات مرة أهنا الضريبة اليت ندفعها مقابل أي‬
‫جناح حنققه يف احلياة‪ .‬أحببت هذا القول‪.‬‬

‫‪- 98 -‬‬
‫احلشد املناهض للحرب والتالعب‬

‫هذه خيمة مزدمحة نوعا ما‪ ،‬لذلك جيب أن أميز قليال بني األنواع‪ .‬األولون هم‬
‫أولئك الذين يعتقدون أن احلرب شريرة بطبيعتها ودراستها‪ ،‬انهيك عن الكتابة‬
‫عنها‪ ،‬أمر سيء ابلفعل‪ .‬ماذا يعين هذا يف النهاية؟ للتخلص من احلرب أو القتال‬
‫من أجل العدالة أو أي قضية تتطلب اسرتاتيجية‪ .‬لكي تعرف اإلسرتاتيجية‪ ،‬جيب‬
‫أن تكون لديك بعض اإلملامات احلربية‪ ،‬حيث يرتفع التفكري االسرتاتيجي إل‬
‫أعلى مستوايته‪.‬‬

‫إذا مل تكن مهتم ابالسرتاتيجية فهذا يعين أنك لست مهتما ابلنتائج‪ ،‬ألنه ال‬
‫ميكنك االنتقال من النظرية إل العمل بدون جسر االسرتاتيجي‪ .‬هذا يعين أنك‬
‫مهتم بصوتك فقط‪ .‬تريد أن يعتقد الناس أنك هنا من أجل كل األشياء‬
‫الصحيحة‪ .‬املظاهر هي كل ما هتتم به‪ .‬ث تعلن حراب كبرية على كل هذه األنواع‪.‬‬
‫املضادون للتالعب هم أولئك الذين يدعون بطريقة أو أبخرى إل اإلعفاء من‬
‫احلاجة اإلنسانية للغاية واالندفاع للتالعب بطريقة ما‪ .‬وأولئك الذين ينكرون‬
‫ذلك هم بشكل عام أكب املتالعبني هبم وهم خطريون للغاية‪ .‬أان لست شخصا‬
‫تستهلكه الكراهية‪ .‬أان أجد أنه من املناسب أن أكون ضد األشياء‪ ،‬وأن أختذ‬

‫‪- 99 -‬‬
‫موقفا وأقاتل بذكاء‪ .‬هذه إسرتاتيجية تلعبها لتحفيز نفسك وتعريف نفسك‪ .‬وهذا‬
‫سيكون أمرا ممتعا‪.‬‬

‫ابلطبع‪ ،‬قائمة األشخاص واألشياء اليت سأعلن احلرب عليها ذاتية‪ ،‬وأدعوك اآلن‬
‫لتتخيل أنك تكتب كتااب حول نفس املوضوع‪ ،‬وجيب أن تفعل ما فعلت‪ .‬يرجى‬
‫مشاركتنا ما الذي ستعلن احلرب عليه ابلضبط‪ ،‬ما الذي جيعلك تريد أن تقول‪:‬‬
‫(نيك أمك)‪ ،‬حاول أن ترفعها فوق األفراد الذين ال نعرفهم‪ ،‬واجعلها عمومية‬
‫أكثر‪ ،‬مثل ما ميثله هذا الشخص الذي تكرهه‪ .‬وإذا كنت ال حتب هذا التمرين‪،‬‬
‫وتعتقد أنه أمر مروع جدا أن تفكر هبذه الطريقة‪ ،‬فأنت تعلم جيدا ما أفكر فيه‬
‫عنك وأين ميكنك الذهاب‪.‬‬

‫‪- 100 -‬‬


‫األنواع الثالثة‬

‫تبدأ نظرية أو فكرة املركز مبالحظة واقع اإلنسان الفوضوي‪ ،‬وارتباكه‪ ،‬وأحزانه‪ .‬وتعزى‬
‫هذه إىل جهله‪ ،‬مما جيعله فريسة سهلة لظواهر غري جوهرية‪ ،‬إىل "الظالل" اليت حتوله‬
‫يف هناية املطاف ضد نفسه‪ ،‬ضد صاحبه‪ ،‬وضد العامل‪ .‬سعى رجال احلكمة يف آسيا‬
‫إىل إدراك اجلوهر أو مركز الوجود األساسي ‪ -‬املركز حيث أصبح العمى املصاب‬
‫ابلدوار واملتأمل هادائ وواضحا‪ ،‬يف حماولة ملواجهة آاثر تبعية اإلنسان القاتلة واالستعباد‬
‫على جمموعة متنوعة ومربكة من الظواهر الوجودية‪.‬‬
‫‪ -‬من أسرار الساموراي‬

‫فيما يتعلق ابالسرتاتيجية‪ ،‬جند ثالثة أنواع من الناس على هذا الكوكب‪ .‬يف أدىن‬
‫درجة جند أولئك الذين يستجيبون عمليا لكل شيء مبشاعرهم‪ .‬إهنم مرتبطون‬
‫ابحلاضر‪ .‬كما أوضحت يف ‪ 33‬إسرتاتيجية للحرب‪ ،‬فإن التفكري االسرتاتيجي‬
‫ليس من وظائف التعليم‪ .‬غالبا ما جند األشخاص األكثر تعليما يف العامل يعيشون‬
‫ويتنفسون يف هذا اجلو املنخفض‪ .‬املتعلمون هم األكثر خطورة‪ .‬حيتل العديد من‬
‫العاملني يف وسائل اإلعالم هذه الدرجة‪ .‬رمبا الحظت مرات عديدة يف وسائل‬
‫اإلعالم مقدار الدور الذي تلعبه اهلسترياي‪ .‬هجوم إرهاب حمتمل‪ ،‬أو هبوط سيء‬
‫لطائرة‪ ،‬أو القليل من البارود يف ظرف وجيز‪ ،‬ومجيع اخلباء يضربون موجات‬
‫األثري لرفع مستوايت التأهب‪ .‬الكثري من هذا جمرد عمل‪ .‬وسائل اإلعالم تزدهر‬

‫‪- 101 -‬‬


‫على إذكاء حالة من الذعر شبه الدائم‪ ،‬وهذا هو اإلحساس الذي نستنتجه من‬
‫هذه األخبار‪ .‬لكنين أعتقد أن العديد من النقاد أصبحوا منشغلني هبذا‪ .‬ينشغلون‬
‫يف الدورات اليومية هبذا األمر‪.‬‬

‫من الغريب عدم حماسبة أاي منهم على توقعاهتم وحتليالهتم السخيفة‪ .‬خذ ديفيد‬
‫بروكس‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬كاتب عمود ذكي يف صحيفة نيويورك اتميز‪ .‬بعد غزو‬
‫العراق مباش رة كان على وشك النشوة لنعومة كل شيء‪ ،‬ووبخ كل الليباليني‬
‫واملبللني الذين شككوا يف ضرورة هذه احلرب‪ .‬عندما بدأ الواقع يسلم محامه‬
‫البارد بردت أعمدته‪ .‬أصبح اآلن يوبخ عدم الكفاءة يف كيفية خوض احلرب‪.‬‬
‫بعد قليل‪ ،‬قد يقول املرء‪ .‬لكنه مل يقل يف أي وقت‪mea culpa ،‬؛ (عبارة‬
‫التينية تعين اإلقرار ابخلطأ‪ -‬املرتجم) لقد كنت خمطئ؛ أرى الضوء اآلن‪.‬‬

‫يف هذه الدرجة الدنيا من احلياة‪ ،‬يتفاعل الناس مع هذا أو ذاك‪ ،‬وحيللون األحداث‬
‫الفورية من خالل مرشح حتيزاهتم‪ ،‬ويتم تسخينهم وهتدئتهم مع مرور األايم‪ ،‬وال‬
‫يرتفعون فوق كل شيء لتحليل أين أخطأوا‪ .‬يتم جتاهل الصورة الكبى‪ .‬منذ اليوم‬
‫أعلنت أن هذه احلرب كانت متهورة وغري قابلة للفوز‪ .‬لقد أعلنت هذا‬
‫ُ‬ ‫األول‬
‫بسبب قراءت للتاريخ وحتليلي للظروف‪ .‬لقد استندت إل احلكمة اخلالدة أنه‬
‫عندما يكون هناك الكثري من العوامل اليت ال ميكنك السيطرة عليها‪ ،‬فإن هذا يف‬
‫احلرب سيؤدي إل الفوضى واهلزمية‪ .‬ومشلت هذه العوامل احلدود اليت يسهل‬
‫اخرتاقها‪ ،‬ووجود أعداء لدودين للوالايت املتحدة (سوراي‪ ،‬إيران‪ ،‬وآخرون) على‬

‫‪- 102 -‬‬


‫هذه احلدود‪ ،‬وغياب التقاليد الدميقراطية يف املنطقة‪ ،‬والطبيعة املتشرذمة للثقافة‪،‬‬
‫وسنوات العيش حتت حكم صدام‪ .‬وما أحدثه ذلك على الشعب العراقي مرارا‬
‫وتكرارا‪.‬‬

‫أان لست عبقري‪ .‬هذه العوامل واضحة وميكن ألي شخص قرأ جزءا بسيطا من‬
‫التاريخ العسكري أن يقول الشيء نفسه‪ .‬كتبت مقاالت افتتاحية قبل بدء احلرب‬
‫أعرضت فيها عن هذه األفكار‪ ،‬وطلبت من دعاييت اخلاصة إرساهلا إل الصحف‬
‫املختلفة‪ .‬أرسلت هذه األفكار أيضا إل العديد من املنتجني يف البامج‬
‫التلفزيونية‪ .‬مل نتلق لفتة واحدة‪ .‬ابلنظر إل هذه الصورة الكبى‪ ،‬اليت جتري فيها‬
‫األحداث على مدى سنوات‪ ،‬ال يوجد صب على هذا النوع من التحليل يف‬
‫وسائل اإلعالم‪ .‬وإذا مل يكن هناك صب على ذلك يف هذه الدوائر‪ ،‬فإنه مييل إل‬
‫التصفية للجميع‪ .‬يف غضون ذلك‪ ،‬يشغل العديد من اجلنراالت والنقاد‬
‫اإلسرتاتيجيني وقت البث جبميع أنواع التحليل التكتيكي للحرب على األرض‪.‬‬
‫يتغريون من شهر آلخر‪ .‬يف مرحلة ما كان مجيع كبار الضباط واخلباء العسكريني‬
‫مندهشني من سرعة االنتصار‪ .‬ومن ث فهم قلقون بشأن التمرد‪ ،‬لكن من املؤكد‬
‫أن قوتنا النارية املتفوقة ستسود ث يصبحون أكثر اهتماما‪ ،‬ويدعون إل هذا‬
‫العمل التكتيكي أو ذاك‪ ،‬و الذي ال يغري أي شيء من الديناميكية‪ .‬مل يقدم أحد‬
‫عمليا أي شخص يف السنوات األول من هذه احلرب أدىن حتليل منطقي ملا قد‬
‫يرتتب على هذه املغامرة العسكرية يكون إجراميا ابلنسبة ل‪.‬‬

‫ميكن التعرف على هذه األنواع عند احلديث عن أي نوع من البيئة التنافسية‪ .‬إذا‬
‫كان األمر يتعلق ابلسياسة‪ ،‬فإهنم متحمسون مجيعا هليالري كلينتون أو ابراك‬

‫‪- 103 -‬‬


‫أوابما‪ .‬لكن يف اللحظة اليت يتعرضون فيها ألدىن خلل‪ ،‬ويفقدون املرحلة األولية‬
‫ويتسببون يف بعض االنزالق‪ ،‬يتمزق كل سحرهم وذكائهم‪ ،‬ويصبح شخص آخر‬
‫هو النجم ملدة أسبوع أو أسبوعني‪ .‬يف الدوري االمريكي للمحرتفني يتنافس فريق‬
‫واحد على بداية ‪ 0 - 6‬وفجأة يتوقع أن يذهبوا على طول الطريق‪ .‬يعرف أي‬
‫شخص اتبع الرايضة على مر السنني أنه على مدار العام‪ ،‬ترتفع الفرق األفضل‬
‫ببطء إل القمة‪ ،‬وينخفض املبتدئون بسرعة إل املكان الذي ينتمون إليه‪( .‬يف‬
‫لعبة البيس بول ‪ ،‬حيدث نفس الشيء كل عام مع اينكيز‪ ).‬ومع ذلك ال يستطيع‬
‫"اخلباء" رفع أنوفهم فوق اللحظة وإضفاء بعض احلس السليم للمناقشة‪ .‬فوق‬
‫هذه الدرجة الدنيا ستجد الكثري من األشخاص الذين يكافحون من أجل جعل‬
‫عقوهلم فوق اللحظة والصخب وإضفاء بعض العقالنية على كل ذلك‪ .‬إهنم‬
‫خيوضون معركة مستمرة بني عواطفهم ورغبتهم يف رؤية األحداث بشكل أوضح‪.‬‬
‫ما يفصل هذه األنواع عن النوع األول هو اجلوع الشديد للسلطة والسيطرة‪ .‬إهنم‬
‫يعرفون أن إبمكاهنم القيام بعمل أفضل إذا متكنوا من رفع عقوهلم وحتليل ما‬
‫حيدث‪ .‬وهكذا حياولون‪ .‬ليس من السهل أن يتحلى الكثري من األشخاص من‬
‫حوهلم بقليل من الصب‪ ،‬أو يستمرون يف جذهبم إل حجج سخيفة‪ ،‬أو يطغون‬
‫على املناقشة بعبارات عاطفية‪.‬‬

‫على سبيل املثال ‪ ،‬حياول السيد "ب" من النوع الثان احلديث عن حرب العراق‪.‬‬
‫يذكر كل األشياء اليت ذكرهتا أعاله‪ ،‬واملخاطر املختلفة اليت جتعلها مغامرة غري‬
‫منتجة‪ ،‬إهنا مقامرة ال غري‪ .‬يتدخل احملاور املتدرب يف مدرسة بيل أورايلي لكي‬
‫يتنمر‪ :‬حسنا ‪ ،‬الوضع ابلتأكيد ليس أسوأ مما كان عليه مع صدام حسني‪ .‬ماذا‬

‫‪- 104 -‬‬


‫كنت لتفعل بشكل خمتلف؟ هل كنت سترتك صدام يف السلطة؟ لقد كان أكثر‬
‫وحشية مما لدينا اآلن‪ .‬وما نوع التهديدات اليت كان سيثريها اليوم إذا كان ال‬
‫يزال هناك؟ أنت فقط تدعو إل ترك األشياء كما كانت‪ .‬هذا ليس حل‪ .‬اخل اخل‬
‫اخل‪ .‬وفجأة‪ ،‬ت ختفيض حماولة السيد "ب" يف رفع احلجة إل مستوى أعلى من‬
‫يوم آلخر‪ ،‬للحصول على تقييم واقعي لكل شيء‪ ،‬إل هذا املستوى اجلديد‪ .‬عليه‬
‫أن يدافع عن نفسه ضد هذا االهتام أبنه مؤيد فعلي لصدام‪ ،‬حبكم سلبيته وأنه‬
‫ُمرضي‪ .‬مل تكن هذه هي احلجة األصلية‪ .‬كان اجلدل حول ما إذا كانت هذه‬
‫احلرب تستحق العناء أم ال‪ .‬السيد "ب" عقالن ومستعد لرؤية كال اجلانبني‪ ،‬قبل‬
‫أن يتخذ قراره‪ .‬إنه يريد الوصول إل احلقيقة وجتنب املذابح غري الضرورية للقوات‬
‫األمريكية‪.‬‬

‫من النوع الثان يود أن جيادل أبنه على املدى الطويل كان إبمكاننا تطوير‬
‫اسرتاتيجيات أخرى ضد صدام‪ ،‬مع مراعاة فكرة مهامجته عندما تكون اللحظة‬
‫مناسبة‪ ،‬رمبا بعد سنوات‪ .‬لكن هذا غري مسموح به‪ .‬أان أؤكد أن أساس هذا النوع‬
‫من التنمر يف أورايلي عاطفي‪ .‬للوهلة األول رجل مثل هذا ذكي ويبدو أنه‬
‫يستمتع ابجلانبني‪ .‬لكنه كان مؤيدا هلذه احلرب‪ ،‬ومن الصعب االعرتاف أبنه رمبا‬
‫كان على خطأ‪ .‬تفوق عدم أمانه وأاننيته على رغبته يف الوصول إل احلقيقة‪ .‬أؤكد‬
‫أن العديد من األشخاص الذين شنوا هذه احلرب كانوا خملوقات عاطفية أرادوا‬
‫االنتقام من صدام‪ ،‬االنتقام لـ ‪ 11‬سبتمب‪ ،‬الذي وقع يف غرام السيناريو الوردي‬
‫النتشار الدميقراطية يف الشرق األوسط‪.‬‬

‫‪- 105 -‬‬


‫فوق هذا املستوى الثان حيث يعيش الكثري منا يوجد نوع اثلث‪ ،‬االسرتاتيجيون‬
‫احلقيقيون يف احلياة‪ .‬هؤالء هم األشخاص الذين مل ألتق هبم من قبل‪ ،‬ولكن ميكنين‬
‫اكتشافهم (يف كتاابهتم‪ ،‬وأفعاهلم)‪ ،‬أكتشف شكال متفوقا من الذكاء‪ .‬إذا كنت‬
‫قد قرأت كتيب‪ ،‬فأنت تعرف ابلضبط ملن أشري؟ من بني هذه النخبة العديد من‬
‫سادة فنون الدفاع عن النفس‪ .‬مارست فنون الدفاع عن النفس عندما كنت شااب‪،‬‬
‫ل كنين مل أمارسها منذ سنوات عديدة‪ .‬ومع ذلك فإن االنضباط والنهج العقلي‬
‫الذي تعلمته ظل معي على مر السنني‪ .‬أدخلت الدروس اليت تعلمتها من الكاراتيه‬
‫يف كتاب احلرب ‪ .‬كان هناك العديد من النصوص حول هذا املوضوع واليت كان‬
‫هلا أتثري كبري علي‪.‬‬

‫كان أحد هذه الكتب كتاب‪( :‬أسرار الساموراي)‪ :‬هو مسح لفنون القتال يف‬
‫الياابن اإلقطاعية‪ ،‬من أتليف أوسكار رات وأديل ويستبوك‪ .‬أان أوصي بشده به‪.‬‬
‫كانت هناك مفاهيم أعود إليها مرارا وتكرارا‪ .‬يتعلق أحد هذه املفاهيم يف القتال‬
‫ابلسيف بوضعك األول‪ .‬هذه الوضعية األولية ليست جسدية فحسب‪ ،‬بل هي‬
‫عقلية أيضا ‪ .‬إذا وضعت نفسك يف الوضع الصحيح‪ ،‬فسيتدفق كل شيء آخر‬
‫من ذلك‪ .‬إن فقدان التوازن أمر ال مفر منه يف أي قتال ابلسيف‪ ،‬ولكن إذا كنت‬
‫قادرا على استئناف هذا الوضع األساسي للتوازن بسرعة‪ ،‬مسرعا أكثر من‬
‫خصمك فسوف تنتصر‪ .‬هذا الوضع هو مركزك وخراجك‪ .‬إنه خيتلف ابختالف‬
‫األفراد ويعتمد على عقلك ونوعك اجلسدي‪ .‬ابلنسبة للبعض فإنه يكون‬
‫كالسيكيا ‪ ،‬ويف وضع مثال للهجوم أو الدفاع‪ .‬ابلنسبة لآلخرين مثل موساشي‬
‫فإن الوضع األقل توقعا من قبل خصمك‪ ،‬هو الذي حيتوي على مفاجأة‪ ،‬ولكنها‬

‫‪- 106 -‬‬


‫متارس حتت السيطرة‪ .‬ابلنسبة للبعض فإن السيف يُستدعى به اهلجوم‪ .‬مرارا‬
‫وتكرارا‪ .‬إنه موقع قوة حيث يتم استعادة تركيزك العقلي بسهولة ألن جسمك و‬
‫بطنك مركزان مهمان لك‪.‬‬

‫لقد أصبحت هذه الصورة تطاردن‪ .‬عندما أجد نفسي تفقد التوازن من قبل‬
‫شخص عاطفي متفاعل‪ ،‬أفكر يف هذا الوضع األساسي الذي جيب أن أعود إليه‪.‬‬
‫كان لدي هذا الوضع عندما كتبت الكتب‪ :‬واثق ومتأكد مما كنت أفعله‪ .‬لدي‬
‫ما يعادل بصراي جتارب حمارب الساموراي يف االستعداد ملصارعة السيف‪.‬‬

‫عندما ميزقين الناس‪ ،‬حماولني ج ِّري إل أسفل عب هجوم شخصي‪ ،‬أذهب إل هذا‬
‫الوضع وينقذن من الوقوع يف هراءهم‪ .‬عندما أشعر حيسدن شخص ما وهو‬
‫يتنفس قرب رقبيت‪ ،‬أركز نفسي وأساحمهم‪ .‬كلنا نشعر ابحلسد‪ ،‬وهم يتأملون مين‬
‫أكثر‪ .‬ال يوجد شيء سيء يف هذه احلياة (موضوع سأقوم بتوضيحه يف كتاب‬
‫أعمل عليه)‪ .‬كل شيء يعتمد على الطريقة اليت حتكم هبا بعد حدوثها‪ .‬ميكنك‬
‫حتويل أي شيء سيئ إل شيء جيد إذا أقسمت أن تتعلم منه درسا‪ ،‬وانظر فيه‬
‫إل إمكانية وجود شيء إجياب‪.‬‬

‫احبث عن خراجك‪ ،‬واعرف أين يكمن توازنك ومت تكون حول الذين من النوع‬
‫األول فتسحبهم إل دوامة ردود الفعل العاطفية‪ ،‬واضغط على هذا الوضع‪،‬‬
‫واسرتجع‪ ،‬واستعد السيطرة على ديناميكية نفسك‪ .‬ليس من اخلطيئة أن تكون‬
‫من النوع الثان‪ .‬أود أن أضع نفسي هناك‪ .‬اخلطيئة الوحيدة هي أال هتدف إل‬
‫األعلى‪ ،‬وترضى أن تتذلل يف الدرجات الدنيا‪.‬‬

‫‪- 107 -‬‬


‫اجلانب املظلم‬

‫ذات يوم‪ ،‬بينما كنت أكتب كتاب‪ ،‬فن اإلغواء‪ ،‬خطرت على ابل الصورة التالية‪:‬‬
‫كل شخص لديه جانب مظلم مثل القمر‪ .‬ال نرى هذا اجلانب أبدا‪ ،‬لكننا نعلم‬
‫أنه موجود ونلتقط حملات منه يف حلظات معينة ونتخيل الباقي‪ .‬وإليك كيف يعمل‪.‬‬

‫يقدم الناس إل اجملتمع جانب شخصيتهم الذي يريدون رؤيته‪ .‬قد تكون هذه‬
‫مساهتم اإلجيابية وغري األاننية؛ ميكن أن تكون صفاهتم العدوانية والقوية‪ .‬يتم تعلم‬
‫هذا منذ الطفولة‪ ،‬كنوع من آلية الدفاع‪ .‬حتت هذا اجلانب االجتماعي يكمن‬
‫الكثري من عدم األمان والضعف‪ .‬نرى كأطفال أن السماح للناس إبلقاء نظرة‬
‫على نقاط الضعف هذه ميكن أن يؤذينا ويثري شكوكنا‪ .‬لذلك حنن نغطيهم بشيء‬
‫يقرتب من العكس‪ .‬أتت كلمة شخصية من الكلمة الالتينية ‪،persona‬‬
‫(بريسوان) واليت تعين القناع‪ .‬الشخص الذي يكون مبتهجا وممتعا ومتشوقا‪ ،‬غالبا‬
‫ما خيفي الكثري من العدوان اخلفي واالستياء والغضب‪ .‬سيظهر هذا يف أفعال‬
‫عدوانية سلبية خملة‪ .‬شخص آخر حمق سياسيا ‪ -‬أيكل األشياء الصحيحة ويقوم‬
‫بدعم كل األسباب السليمة‪ ،‬ويقود سيارة بريوس‪.‬‬

‫‪- 108 -‬‬


‫ولكن وراء ذلك توجد رغبة قوية يف القيام ابلعكس‪ ،‬والتخلي‪ ،‬وجتربة بعض‬
‫الفوضى‪ .‬بعد آخر هو صاخب وعدوان‪ ،‬ويبدو خميفا‪ .‬هذا الشخص خيفي الكثري‬
‫من اخلجل والضعف‪ .‬إهنم يتوقون سرا إل القيادة والسيطرة‪ .‬على املستوى األكثر‬
‫وضوحا‪ ،‬فإن الشخص الذي يدعو بصوت عال ضد املثلية اجلنسية يتنكر يف‬
‫محاسه وعقيدته يف األمر‪ .‬وفقا لفرويد‪ ،‬فإن اجلانب السليب يف شخصيتنا أيت إل‬
‫وعينا بشكل إجياب‪ .‬إهنا الطريقة الوحيدة للتعامل معه‪ ،‬بعبارة أخرى‪ ،‬الشيء الذي‬
‫نثور عليه يف أغلب األحيان هو ابلضبط ما نريده‪.‬‬

‫عندما ترى أشخاصا‪ ،‬وتركز على جانبهم املضيء املشرق الذي يقدمونه للعامل‬
‫كأنه شخصياهتم احلقيقية‪ ،‬فأنت ختطئ يف قراءة املوقف‪ .‬سوف تنحرف‬
‫اسرتاتيجيتك يف السلطة أو احلرب‪ .‬وسوف تفوتك أغىن الفرص يف اإلغواء‬
‫إلاثرة التعدي واحملرمات‪ .‬يف كتابيت عن هذا يف الكتب الثالثة‪ ،‬مل أقصد ذلك‬
‫بروح الكراهية واالستخفاف‪ .‬بدال من ذلك كان من املقرر احتضان هذا اجلزء‬
‫من الطبيعة البشرية‪ .‬لدينا كل هذا اجلانب املظلم‪ .‬إنه جزء منا مثل صفاتنا‬
‫اإلجيابية واالجتماعية‪ .‬حنملها مدفونة أو مظلمة‪ .‬كما كتبت أجنيال كارتر‪ ،‬فإننا‬
‫نفضل أن نصطف مع املالئكة‪ ،‬بدالً من الرئيسيات اليت حنذر منها ابلفعل‪ .‬أولئك‬
‫الذين خيافون من هذا اجلانب من أنفسهم‪ ،‬هم الذين يقمعون كثريا‪ ،‬وهم األكثر‬
‫خطورة‪.‬‬

‫طريقة استخدام هذا بسيطة‪ .‬أنت تفرتض أن الناس يقدمون لك جانبهم املشمس‪.‬‬
‫إذا أظهروا مسات معينة قوية كانت أو صاحلة فغالبا ما يؤدي ذلك إل حجب‬
‫العكس يف العمق‪ .‬سيكشفون عن هذا اجلانب املظلم بلغة أخرى جيب أن تتعلم‬

‫‪- 109 -‬‬


‫قراءهتا‪ .‬حيدث ذلك عندما حيتجون بشدة على شيء ما‪ ،‬ويكشفون عن مشاعر‬
‫مل تشك هبا من قبل‪ .‬غالبا ما يظهر ذوقهم يف املوسيقى واملالبس عالمات على‬
‫اجلانب املظلم‪ .‬عندما يشربون‪ ،‬سيقولون أشياء ذات معان أخرى‪ .‬غالبا ما تكون‬
‫لغة جسدهم اختبارا جيدا ‪ -‬فالعيون ترتجم ما يقوله الفم‪ .‬الناس يريدون الكشف‬
‫عنها‪ .‬يسمحون هلا ابخلروج أكثر يف حالة اإلغواء‪ .‬قبل بضع سنوات‪ ،‬اتصلت‬
‫ب كاتبة من جملة ‪ ALLURE‬لتقوم بكتابة مقال عن كتاب‪ :‬فن اإلغواء‪.‬‬
‫قالت إنه مستوحى من القصة اليت مسعتها عن امرأة استخدمت كتابك إلسقاط‬
‫رجل ثري وذو مكانة عالية‪.‬‬

‫أخبهتا أن الكتاب مل يكن ابلضرورة كما بدا للوهلة األول‪ .‬سألت عن القصد؟‬
‫شرحت أن األمر يتعلق خبلق السحر يف الواقع‪ ،‬وكيف جتعل الناس يقعون يف‬
‫حبك من خالل إلقاء نوع من التعويذة النفسية‪ .‬ميكنك قراءة هذا على أنه‬
‫تالعب‪ ،‬ميكنك قراءة هذا على أنه رومانسي‪ .‬سرتى يف الكتاب ما تريد أن تراه‪،‬‬
‫بناء على شخصيتك وحتيزاتك اخلاصة‪ .‬كانت متحمسة جدا‪ ،‬وقالت أهنا ستتعمق‬
‫يف هذا بني أمور أخرى يف املقالة‪.‬‬

‫عندما أخرجت الكتاب أخريا‪ ،‬كانت النظرات صعبة‪ .‬ت تصويري كنوع من أليسرت‬
‫كراول يف فن اإلغواء‪( .‬كان أليسرت ساحرا ورومنسيا وشاعرا يستهوي قلوب‬
‫النساء بلسانه العذب‪ ،‬قال عن نفسه أنه النيب املكلف بتوجيه اإلنسانية فصدقه‬
‫الكثري‪ -‬املرتجم)‪ ،‬ت تصويري كزعيم غسيل دماغ لعبادة شيطانية‪ .‬لقد قورنت‬
‫هبتلر‪ .‬ت إحضار جمموعة من اخلباء لتأكيد ذلك‪ ،‬اخلباء الذين من الواضح أهنم‬

‫‪- 110 -‬‬


‫مل يقرؤوا الكتاب مطلقا‪ ،‬لكن كاتبة املقال صاغت العديد من املبادئ يف ذلك‬
‫املقال ‪ .‬ت حتذير النساء من مدى أتثري استخدام الكتاب عليهن يف عالقاهتن‪.‬‬
‫ص ِّور الكتاب‪ :‬مل تذكر احلكاايت‪ ،‬والبحث‪ ،‬واألنواع‬‫كان من الواضح كيف ُ‬
‫املغرية‪ ،‬واألمثلة السياسية واالجتماعية‪ .‬كشفت كاتبة املقالة‪ ،‬اليت يبدو أهنا من‬
‫املتعففات اجلديدات عن نفسها خالل العصارة اليت صورت هبا اإلغواءات يف‬
‫املقالة‪ .‬كانت منجذبة إل نفس األشياء اليت كان من املفرتض أن تقف ضدها‬
‫وحتارهبا‪.‬‬

‫بعد أسابيع قليلة من نشر املقال‪ ،‬تلقيت مكاملة هاتفية شديدة احلماسة من‬
‫الناشرين‪ .‬ارتفعت مبيعات كتاب فن اإلغواء بشكل فظيع‪ .‬وعلى موقعي اخلاص‪.‬‬
‫كتبت ل مجيع أنواع النساء ليتحدثوا ل عن كيفية وصوهلن للكتاب عب مقالة‬
‫يف جملة ‪ .ALLURE‬أاثر ذلك فضوهلن‪ .‬كان عليهن رؤية ما يدور حوله كل‬
‫شيء‪ ،‬أرادوا املعرفة الفضولية‪ .‬غالبا ما يعمل اإلغواء بطرق غريبة ومتناقضة‪.‬‬

‫‪- 111 -‬‬


‫اخلوف والقوة‪.‬‬

‫غالبا ما ختضع حياتنا لنمط من احلركة يبدأ عند الوالدة‪ .‬يقضي احليوان البشري‬
‫وقتا مفرطا يف رحم األم‪ .‬عندما حيصل إخراجنا من منطقة الراحة تلك ‪ -‬حيث‬
‫تلىب مجيع احتياجاتنا ‪ -‬ندخل إل عامل غري مألوف من الضوضاء واألضواء‪ .‬ال‬
‫يسعنا إال أن نرغب يف العودة إل الرحم‪ .‬األم هي بديل هلذه الرغبة وحنن نتشبث‬
‫هبا‪ .‬نشعر بغياهبا يف أي فرتة طويلة كنوع من الرعب‪ .‬هذا هو مصدر خوفنا‬
‫العميق ‪ -‬التخلي عن أنفسنا ومواجهة احلياة وحدان‪ ،‬من الفراغ واالنفصال‪ .‬هذا‬
‫اخلوف الطفول ال عالقة له ابلواقع (األم ليست بعيدة جدا) ؛ بل ينبع من‬
‫الضعف واجلهل‪ .‬قد نعتقد أثناء بلوغنا أننا تركنا هذا اخلوف وراءان‪ ،‬لكنه يظل‬
‫مدفوان يف أعماقنا وحيدد أفعالنا بطرق ال ميكننا ختيلها‪ .‬منذ والدتنا وحت موتنا‪،‬‬
‫نتوق ابستمرار إل الراحة والدفء واألمان أبي شكل ميكننا العثور عليه‪ .‬حنو‬
‫األمام وهو احلياة والقوة‪ ،‬لكن جزءا منا يريد الرجوع إل الرحم دائما‪.‬‬

‫نصل يف مرحلة الطفولة إل مرحلة حرجة‪ .‬مل نعد ضعفاء وعاجزين‪ .‬لدينا روح‬
‫مغامرة مضطربة ونريد استكشاف العامل من حولنا‪ .‬إذا كنا جريئني وأعطينا والدينا‬
‫مساحة لتجربة األشياء‪ ،‬فيمكننا تطوير طعم املخاطرة واحلرية اليت ستجعلنا نصل‬
‫إل مرحلة البلوغ‪ .‬لكن إذا أتخران‪ ،‬إذا عانينا من صدمات على شكل تغيري غري‬
‫مرغوب فيه ومواجهات‪ ،‬إذا عانينا الشدائد والفشل وانتقاد اآلخرين‪ ،‬إذا عانينا‬
‫الشعور ابلوحدة املفرطة‪ ،‬فإن احلركة املعاكسة ستحدث‪ .‬سننمي خماوف غري‬

‫‪- 112 -‬‬


‫منطقية بشأن العامل وسنعود دوما إل دفء األسرة حلمايتنا‪ .‬تصبح احلاجة إل‬
‫الراحة أقوى من الرغبة يف االستكشاف‪ .‬وإذا كان آابؤان متوترين ومليئني‬
‫ابملخاوف فسيكون هلذه اجلاذبية املركزية قوة مثقلة علينا‪.‬‬

‫خماوفنا الطفولية حتمل قدرا من احلقيقة يف الغالب‪ :‬هناك خطر يف العامل وأمل ميكن‬
‫أن أيت مع املغامرة بعيدا‪ .‬لكن القلق الذي نشعر به جيعلنا نبالغ يف اخلطر‪ ،‬ونركز‬
‫داع على التهديد وجيعلنا نتوقف عن اخلروج إل العامل‪ .‬هذا على األقل‬
‫دون ٍ‬
‫يعطينا وهم السيطرة‪ .‬إذا بقينا ضمن دائرة ما هو دافئ ومألوف فيمكننا محاية‬
‫أنفسنا من املشقة واملعاانة ‪ -‬أو هكذا يبدو‪ .‬يف مرحلة املراهقة نضيف طبقة‬
‫جديدة من اخلوف‪ .‬حنن ننظر إل ما وراء عائلتنا وأقراننا‪ .‬قلقنا األكب هو السخرية‬
‫واالستبعاد من مجاعة ما‪ ،‬واليت متثل لنا دائرة جديدة من الدفء‪ .‬نسعى للحصول‬
‫على موافقتهم‪ .‬تتشكل شخصيتنا حول هذه الرغبة‪ .‬حنن نزيل حوافنا اخلشنة‪،‬‬
‫ما جيعلنا فردا‪ ،‬ونصبح مهووسني مبا يعتقده الناس عنا وكيف ميكننا إرضائهم؟ يف‬
‫مرحلة ما من هذه الرحلة‪ ،‬جند أنفسنا مدفوعني إل عامل العمل البارد الذي ال‬
‫يرحم‪ .‬لقد انتهى اآلن وهم احلماية من قبل األم أو األسرة أو اجملموعة‪ .‬جيب أن‬
‫ندافع عن أنفسنا‪ .‬ستحدد أفعالنا إل أي مدى نتقدم حنو السلطة‪.‬‬

‫إذا واصلنا محل خماوف شبابنا غري العقالنية وغري القابلة للتحدي يف داخلنا‪،‬‬
‫فسنلجأ حتما إل النمط الرجعي الذي بدأ يف الطفولة‪ .‬سوف نتمسك بوظيفة‬
‫تبدو آمنة‪ .‬ضمن هذه الوظيفة ِّ‬
‫حنصل راتبا وتلبية احتياجاتنا ‪ -‬عالقة تشبه الرحم‪.‬‬
‫سوف نلتزم أبمناط سلوك أقراننا‪ ،‬أو نستمع إل أصوات آابئنا‪ .‬ستصاب أيضا‬
‫عملية تفكريان يف األعماق‪ .‬سوف تصبح بعض األفكار واملعتقدات العزيزة‬

‫‪- 113 -‬‬


‫واسرتاتيجيات العمل الثابتة يف أدمغتنا؛ لن نكون منفتحني بعد اآلن على املفاهيم‬
‫أو طرق عمل األشياء اجلديدة‪ .‬سوف تدور عقولنا يف أمناط مألوفة‪.‬‬

‫ميكن التعبري عن هذا ابلطريقة التالية‪ :‬نبدأ احلياة يف التمسك مبواقف الراحة‬
‫واالعتماد‪ .‬ننجذب بشكل طبيعي إل اخلارج مع تقدمنا يف السن حنو اإلجراءات‬
‫اليت ستجلب لنا القوة‪ .‬تبدو هذه املنطقة اخلارجية غري مألوفة وال ميكن التنبؤ هبا‬
‫ولكنها جذابة‪ .‬ومع ذلك يف نقاط معينة من التحرك يف هذا االجتاه‪ ،‬فإننا نواجه‬
‫مقاومة أو عقبة تثري اخلوف ‪ -‬اخلوف من الوحدة‪ ،‬واالضطرار إل مواجهة الناس‬
‫ورمبا عدم إرضائهم‪ ،‬وارتكاب األخطاء وخوف النقد‪ ،‬والشعور ابمللل والفراغ‪،‬‬
‫والتعامل مع التغيري والشدائد احملتملة‪ ،‬فقدان ما لدينا و مواجهة املوت نفسه‪.‬‬

‫يف اللحظة اليت نشعر فيها هبذا اخلوف‪ ،‬ننظر إل الوراء حنو ما هو آمن ومريح‬
‫ونتحرك يف هذا االجتاه‪ .‬حنن ال نستكشف أو خناطر‪ .‬نتفاعل ونرتاجع يف سطر‬
‫واحد‪ .‬نرسم دائرة حول أنفسنا لتقطعنا عن السلطة‪ ،‬دائرة تصبح نوعا من‬
‫السجن املفروض على الذات‪ .‬تنطوي احلياة بطبيعة احلال على حلظات من األمل‬
‫والوحدة واملعارك والنكسات‪ .‬الشعور ابخلوف والرتاجع بسببها صراع مع احلياة‬
‫نفسها‪ .‬بصفتنا ابلغني واعني وعقالنيني فإننا مدعوون لتجاوز هذه األوهام‬
‫واملخاوف الطفولية‪ ،‬الحتضان احلياة والواقع‪ .‬هذا هو جوهر كتاب‪ :‬القانون‬
‫مخسون (الكتاب متوفر برتمجتنا)‪ :‬عندما تتخطى هذه الدائرة اليت فرضتها على‬
‫نفسك‪ ،‬فإنك اخليارات تكون لديك‪ .‬أنت تدخل عامل القوة‪ .‬يف مواجهة الشدائد‪،‬‬
‫مل تعد ترتاجع على طول خط واحد‪ .‬أنت تستكشف العامل وتظل منفتحا على‬
‫جتربة العديد من األشياء حسب الظروف‪.‬‬

‫‪- 114 -‬‬


‫مع اقرتاب اخلصوم يف طريقك فقد تغريهم يف هجوم متسارع‪ ،‬ومتابعة ذلك‬
‫هبجوم مضاد؛ أو ميكنك االستلقاء وكسب الوقت‪ ،‬ويبدو أنك تتجه لبناء‬
‫صداقات معهم‪ ،‬أو إذا كنت تعتقد أن التهديد يبدو ضئيال‪ ،‬فيمكنك اختيار‬
‫جتاهله واحلفاظ على طاقتك‪ .‬لديك حرية التجربة واإلبداع يف استجابتك خارج‬
‫دائرة اخلوف‪ .‬أنت تلتزم ابلقانون اخلمسني عندما تعمل هبذه الطريقة‪ .‬تتحرك يف‬
‫االجتاه الرجعي املخيف‪ ،‬فإن خياراتك تضيق مع مرور كل عام‪ .‬متيل خماوفك إل‬
‫خلق خماوف جديدة‪ ،‬حيث تعيد نفسك إل الزاوية وتفقد االتصال ابلسلطة‪.‬‬

‫التحرك يف االجتاه اآلخر جيلب الديناميكية املعاكسة‪ .‬عندما تكون جريئا وخملصا‬
‫لشخصيتك‪ ،‬فإنك جتعل الناس حيرتمونك‪ .‬إهنم مييلون إل االبتعاد عن طريقك‬
‫أو متابعتك‪ .‬أنت ختلق ظروفك اخلاصة‪ ،‬ومييل النجاح إل حتقيق اآلخر‪ .‬لديك‬
‫تدفق يتحرك مع الفوضى والتغيريات يف العامل احلديث‪ ،‬بدالً من التمسك‬
‫ابملاضي‪ .‬كل هذا يُرتجم إل قوة حمتملة‪ ،‬كما حددها (صن تزو)‪ .‬يف مثل هذه‬
‫املرحلة‪ ،‬وهي اليت تنعكس على املخاوف امللحوظة على الدائرة إل أشكال من‬
‫القوة‪ .‬التغلب على اخلوف من الوحدة‪ ،‬على سبيل املثال ‪ ،‬يساعدك على تطوير‬
‫االعتماد على الذات؛ جتاوز اخلوف من النقد مينحك القدرة على التعلم من‬
‫أخطائك؛ يساعدك التغلب على اخلوف من امللل واللحظات الفارغة على تنمية‬
‫االنضباط والقدرة على تعلم أي حرفة‪.‬‬

‫افهم ما يلي‪ :‬نشعر مجيعا ابخلوف الشديد يف حياتنا‪ .‬إنه مصدر تعاستنا‪ .‬يشعر‬
‫مجيع األشخاص األقوايء واملبدعني يف هذا العامل خبوف أقل من اآلخرين؛ إنه سر‬
‫جناحهم يف أي جمال‪ .‬عدم اخلوف ليس ابلضرورة ما تعتقده‪ .‬هذا ال يعين أن تكون‬

‫‪- 115 -‬‬


‫عدوانيا وجريئا يف كل حلظة‪ .‬األشخاص الذين يتسمون ابلعدوانية بشكل ال ميكن‬
‫السيطرة عليه يف احلياة غالبا ما خيضعون سرا للمخاوف وانعدام األمان‪ .‬يتعلق‬
‫األمر ابجلرأة يف هذا املستوى ابمتالك التوازن‪ .‬عندما تقع أحداث حمايدة أو تبدو‬
‫سلبية على ما يبدو‪ ،‬فإن األنواع اجلريئة تكون لديها القدرة على الرتكيز على‬
‫الواقع وعدم إعطاء وزن غري متناسب للتهديد أو املخاطرة‪.‬‬

‫إن مواجهة اخلوف من املوت والتغلب عليه مينحهم إحساسا ابلتناسب واألولوية‬
‫‪ -‬ابلنظر إل أن أايمنا معدودة‪ ،‬فغالبا ما ال يستحق االنزعاج من املعارك الصغرية‬
‫يف الوقت احلال؛ من األفضل أن يصرف جمهوده إبحلاح وطاقة فيما هو أهم منه‪.‬‬
‫ال هتتم هذه األنواع مبا يفكر فيه الناس عنهم‪ ،‬فال ترتدد يف إبداء رغباهتم ونزواهتم‬
‫ليكونوا أنفسهم‪.‬‬

‫ما مييز روحهم هو الشعور ابهلدوء واحلرية والتنقل يف النهاية‪ ،‬وهي الصفات‬
‫الضرورية للسلطة يف فرتات التغيري الديناميكي مثل اآلن‪ .‬ال تثقل كاهلهم كل‬
‫املشاعر السلبية اليت أتت من اإلفراط يف القلق بشأن آراء اآلخرين‪ ،‬أو الشعور‬
‫ابالعتماد على الناس‪ .‬هذا حيرر املزيد من الطاقة لتكون مبدعا‪ .‬وما يبز‬
‫االختالف بني هذه األنواع واملُحاطني ابخلوف هو جمرد املوقف من احلياة الذي‬
‫خيتارونه‪.‬‬

‫يستند كتاب القانون مخسون على فرضية واسرتاتيجية بسيطة‪ :‬أنت انئم‪ .‬أنت‬
‫لست على دراية ابلدرجة اليت حيدد هبا اخلوف أفعالك‪ .‬ما يزعج الناس اآلن‬
‫وجيعلهم يشعرون ابلقلق والرتاجع مل يكن يزعج األمريكيني يف القرن التاسع عشر‪،‬‬
‫حيث يواجهون هتديدات مستمرة من البيئة‪ .‬ال ميكننا رؤية هذا مع ذلك‪ .‬ليس‬

‫‪- 116 -‬‬


‫لدينا ما يكفي من املسافة واالنفصال لرصد املسافة اليت قطعناها يف طريق‬
‫اخلوف‪ .‬ولذا ت تصميم الكتاب مللء هذا الدور ‪ -‬إليقاظك وجعلك تفكر يف‬
‫املخاوف اليت تعيق حركتك‪ .‬ال فائدة من جتنب خماوفنا والتظاهر أبهنا غري موجودة‬
‫‪ -‬جيب أن نستدير وننظر يف أعيننا بشكل مربع حت نتمكن من جتاوزها‪.‬‬
‫األشخاص الشجعان يف التاريخ عانوا عموما من ظروف قاسية أدت إل‬
‫تشديدهم‪ .‬لكن الكثري من الناس يعانون من الشدائد وهم يغمروهنا ببساطة‪.‬‬
‫يكمن االختالف يف قدرة بعض األشخاص على استيعاب هذه التجارب والتفكري‬
‫يف التأثري السليب للخوف يف حياهتم‪ .‬ما يهم هو الوعي وليس اخلبة‪.‬‬

‫لذا فإن القانون مخسون يعمل كأداة لقيادتك إل مستوايت مماثلة من الوعي‪.‬‬
‫يركز كل فصل على خوف بدائي معني نشعر به مجيعا‪ .‬إنه يوضح كيف خيتبئ‬
‫اخلوف يف داخلك ويوجهك مبهارة يف احلياة‪ .‬إنه يشري إل طرق ملواجهة والتغلب‬
‫على كل من هذه املخاوف‪ ،‬واسرتاتيجيات حول كيفية حتويلها إل أضدادها‪ .‬كل‬
‫صور بقصص من حياة فيفيت‪ ،‬وكذلك من شخصيات اترخيية متثل منوذجا‬
‫فصل ُم َّ‬
‫للقانون اخلمسني‪ .‬هذه القصص مبثابة إهلام وإرشادات‪ .‬هذا ليس سوى نصف‬
‫املعادلة‪ .‬ما سيحدث على األرجح هو أنه يف مرحلة ما أثناء القراءة أو بعدها ‪،‬‬
‫سيتعني عليك مواجهة بعض املواقف أو الصعوابت اجلديدة‪ .‬مدركا كيف‬
‫سيجعلك اخلوف تتفاعل وترتاجع دون وعي‪ ،‬ستتوقف هذه احلركة وتفكر‪ .‬لن‬
‫تول اهتماما ال داعي له للتهديد أو اخلطر الذي ينطوي عليه‪.‬‬

‫‪- 117 -‬‬


‫منفتحا على إمكانية جتربة شيء خمتلف‪ .‬وبعد تذوق القليل‬
‫ً‬ ‫هذا وحده سيجعلك‬
‫من احلرية اليت أتت من جتاوز الدائرة سوف ترغب يف املزيد من هذا‪ .‬مبجرد أن‬
‫تطأ قدمك على هذا الطريق‪ ،‬لن ترغب أب ًدا يف العودة‪.‬‬

‫‪- 118 -‬‬


‫النجاح واحلياة األصيلة‪.‬‬ ‫ما ميكن أن يعلمنا إايه حممد علي عن‬

‫قم خبطوة زائفة‪ ،‬ال لتمريرها خلطوة حقيقية‪ ،‬ولكن لتحويلها إل خطوة حقيقية‬
‫بعد اقتناع العدو بزيفها‪ - .‬حيل احلرب‪ 36 :‬اسرتاتيجية عسكرية من الصني‬
‫القدمية‪.‬‬

‫يتوقع الناس أن يتوافق سلوكك مع األمناط واألعراف املعروفة‪ .‬مهمتك كخبري‬


‫اسرتاتيجي هي أن تزعج توقعاهتم‪ .‬فاجئهم ابلفوضى وعدم القدرة على التنبؤ ‪-‬‬
‫فيبقون ايئسني يف مأزق ‪ -‬ادخل عاملهم‪ ،‬ويف االضطراب العقلي الذي يعقب‬
‫ذلك فإن دفاعاهتم معطلة وهم معرضون للخطر‪.‬‬

‫أوال‪ ،‬افعل شيئا عاداي وتقليداي إلصالح صورهتم عنك‪ ،‬ث اضرهبم مبا ال يكون‬
‫متوقعا‪ .‬الرعب أكب لكونه مفاجئا جدا‪ .‬ابلنسبة إل {صن تزو} والصينيني‬
‫القدماء فإن القيام بشيء غري عادي كان له أتثري ضئيل دون إعداد شيء عادي‪.‬‬
‫كان عليك أن ختلط بني االثنني ‪ -‬إلصالح توقعات خصمك ببعض املناورة‬
‫العادية‪ ،‬وهو منط مريح يتوقعون منك اتباعه بعد ذلك‪ .‬مع افتتان العدو مبا فيه‬
‫الكفاية ستضربه ابستعراض غري عادي‪ ،‬عرض للقوة املذهلة من زاوية جديدة‬
‫متاما‪ .‬يف إطار ما ميكن التنبؤ به‪ ،‬سيكون للضربة أتثري مضاعف‪.‬‬

‫‪- 119 -‬‬


‫مثال اترخيي ‪ -‬حممد علي‪:‬‬

‫حت عندما كان طفال‪ ،‬كان حممد علي يشعر مبتعة منحرفة لكونه خمتلفا‪ .‬لقد‬
‫أحب االهتمام الذي حظي به‪ ،‬لكن األهم من ذلك كله أنه أحب أن يكون على‬
‫طبيعته‪ :‬غريب ومستقل‪ .‬عندما بدأ يتدرب كمالكم‪ ،‬يف سن الثانية عشرة‪ ،‬كان‬
‫يرفض القتال ابلطريقة املعتادة‪ ،‬مستهينا ابلقواعد‪.‬‬

‫عادة ما يبقي املالكم قفازاته يف اجتاه رأسه واجلزء العلوي من جسمه‪ ،‬استعدادا‬
‫لتفادي الضربة‪ .‬كان علي حيب إبقاء يديه منخفضتني‪ ،‬ويبدو أنه دعا للهجوم ‪-‬‬
‫لكنه اكتشف يف وقت مبكر أنه أسرع من املالكمني اآلخرين‪ ،‬وأفضل طريقة‬
‫جلعل سرعته تعمل من أجله هي جذب ذقن اخلصم إل مسافة قريبة مبا يكفي‬
‫ليقوم علي بنقره‪ .‬ضربة يف وجهه من شأهنا أن تسبب الكثري من األمل لكوهنا قريبة‬
‫جدا وسريعة جدا‪ .‬تطور علي جعل من الصعب على املالكم اآلخر الوصول إليه‬
‫من خالل خفة ساقيه‪ ،‬حت أكثر من قوة لكمة‪ .‬بدال من الرتاجع ابلطريقة اليت‬
‫اتبعها معظم املقاتلني قدم علي قدما واحدة يف كل مرة‪ ،‬ظل علي على أصابع‬
‫قدميه‪ ،‬متقلبا للخلف راقصا يف حركة دائمة إليقاعه الغريب‪ .‬كان هدفا متحركا‬
‫أكثر من أي مالكم آخر‪ .‬غري قادر على توجيه اللكمة‪ ،‬سيصاب املالكم اآلخر‬
‫وعرض‬
‫ابإلحباط‪ ،‬وكلما كان أكثر إإحباطا زاد وصوله إل علي‪ ،‬وفتح حارسه ّ‬
‫نفسه للطعنة من العدم اليت قد تطرده من اللعبة‪ .‬كان أسلوب علي يتعارض مع‬
‫حكمة املالكمة التقليدية بكل الطرق تقريبا‪ ،‬ومع ذلك كان أسلوهبا غري التقليدي‬
‫هو ابلضبط ما جعل من الصعب حماربتها‪.‬‬

‫‪- 120 -‬‬


‫بدأ علي ابلتكتيكات غري التقليدية يف املعركة األول ضد سون ليستون قبل‬
‫صممت تصرفاته الغريبة املزعجة والتهكم العلين ‪ -‬وهو‬
‫املباراة بوقت طويل‪ُ .‬‬
‫شكل من أشكال احلرب القذرة ‪ -‬إلاثرة حنق البطل‪ ،‬وتغميق عقله‪ ،‬وملئه‬
‫بكراهية قاتلة جتعله يقرتب مبا يكفي ليسقطه علي‪ .‬ت الكشف الحقا عن سلوك‬
‫علي يف امليزان‪ ،‬والذي بدا جمنوان‪ ،‬على أنه أداء خالص‪ .‬كان أتثريه هو جعل‬
‫ليستون دفاعيا دون وعي‪ ،‬غري متأكد مما سيفعله هذا الرجل يف احللبة‪ .‬يف اجلولة‬
‫االفتتاحية كما هو احلال يف العديد من معاركه الالحقة‪ ،‬هدأ علي ليستون ابلقتال‬
‫دفاعيا‪ ،‬وهو تكتيك عادي عند مواجهة مالكم مثل ليستون‪ .‬دفع ذلك ليستون‬
‫إل االقرتاب أكثر فأكثر ‪ -‬واآلن كانت احلركة غري العادية‪ ،‬الضربة السريعة من‬
‫العدم‪ ،‬مضاعفة القوة‪ .‬غري قادر على الوصول إل علي بلكماته‪ ،‬وأذهله الرقص‬
‫وخفض اليدين‪ ،‬والتهكم املزعج‪ ،‬ارتكب ليستون خطأ تلو اآلخر‪ .‬وكان علي‬
‫يعيش النصر على أخطاء خصومه‪.‬‬

‫افهم ما يلي ‪ :‬يتم تعليمنا االلتزام ببعض قواعد السلوك وطرق القيام ابألشياء‬
‫كأطفال وشباب‪ .‬نتعلم أن االختالف أيت بثمن اجتماعي‪ .‬ولكن هناك مثن أكب‬
‫جيب دفعه مقابل االمتثال اخلاضع للخداع‪ :‬نفقد القوة اليت أتت من فرديتنا‪ ،‬من‬
‫طريقة فعل األشياء اليت هي تكون ملكنا أساسا‪ .‬حنن نقاتل مثل أي شخص آخر‬
‫مما جيعلنا متوقعني وتقليديني‪ .‬الطريقة اليت جتعلك غري تقليدي هي أال تقلد أي‬
‫شخص‪ ،‬وأن تقاتل وتعمل وفقا إليقاعاتك اخلاصة‪ ،‬وتكييف االسرتاتيجيات مع‬
‫خصوصياتك وليس العكس‪ .‬سيؤدي رفض اتباع األمناط الشائعة إل صعوبة‬
‫ختمني ما ستفعله بعد ذلك‪ .‬أنت فرد قد يثري هنجك غري التقليدي غضبا وانزعاجا‬

‫‪- 121 -‬‬


‫لكن األشخاص العاطفيني أشخاص ضعفاء‪ ،‬ميكنك ممارسة السلطة عليهم‬
‫بسهولة‪ .‬إذا كانت خصوصيتك أصيلة مبا فيه الكفاية‪ ،‬فسوف جتلب لك االنتباه‬
‫واالحرتام ‪ -‬النوع الذي يتمتع به اجلمهور يكون غري تقليدي وغري معتاد‪.‬‬

‫‪- 122 -‬‬

You might also like