You are on page 1of 116

‫سورة النبأ‬

‫• علمتين سورة النبأ ‪ :‬أن خلل الرؤية أعظم أسباب الضياع ‪ ،‬وإذا فقد اإلنسان‬
‫بوصلة الشمال مل يهتد بعدها إىل شيء ! ( عم يتساءلون) عن أي شيء‬
‫يتساءلون ! عن القرآن الذي أنزله هللا تعاىل إليهم وقد رسم هلم فيه مالمح‬
‫الطريق وأابن هلم فيه كل شيء ( وما خلقت اجلن واإلنسان إال ليعبدون ) !‬
‫أم عن الرسول الذي بعثه هللا تعاىل إليهم ليبني هلم تلك الغاايت الكربى اليت‬
‫تنتظرهم يف مستقبل األايم ( اي أيها الناس قد جاءكم الرسول ابحلق من ربكم‬
‫فآمنوا خرياً لكم ) ! أم عن أي شيء يتساءلون وقد ابن هلم كل شيء ( اي‬
‫أيها الناس قد جاءكم احلق من ربكم فمن اهتدى فإمنا يهتدي لنفسه ومن‬
‫ضل فإمنا يضل عليها واما أان عليكم بوكيل ) ! إن هذا السؤال الذي يدور‬
‫يف أوساط قريش ليس سؤاالً يبحث عن احلقائق ‪ ،‬ويريد ذلك النور الذي‬
‫يكشف به الظالم ‪ ،‬كال ! وإمنا سؤال عبثي يراد به إنكار كل البعث ‪ ،‬والبقاء‬
‫يف أسر تلك اجلاهليات اليت أتىب إال أن تعيش يف مساحات الظالم ! وعامل‬
‫اليوم يف كثري من أحداثه يشبه عامل األمس يف ضياع الطريق من أوله ‪ ،‬وضالل‬
‫الرؤية من أصلها ويكاد يصنع للناس كل شيء وهو يف ذات الوقت ضال مل‬
‫جيد شيئاً ! وحسب القارئ هلذه األسطر أن يدرك سر وجوده ‪ ،‬ويعرف املقصد‬
‫العظيم الذي جاء له ‪ ،‬وما ذا ينتظر منه يف النهاايت حىت يسلم من الضياع‬
‫( ومن مل جيعل هللا له نوراً فما له من نور ) !‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن مثة أفراد وأمم ّ‬
‫تؤجر عقوهلا آلخرين وتسلمهم قيادها وترضى أن‬
‫فيتحول‬
‫ّ‬ ‫وتتطور القضية إىل أكرب من ذلك‬
‫تبقى أتباعاً هلم يف كل شيء ‪ّ ،‬‬
‫تفكري هؤالء إىل جزء من منظومة أولئك فيف ّكرون بتفكريهم‪ ،‬ويتحدثون‬
‫بنمطهم ‪ ،‬وحيللون األحداث من خالل رؤاهم ‪ ،‬ويصبحون وميسون جمرد‬
‫ويفرطون يف عقوهلم أعز ما ميلكون ! (عم يتساءلون ‪ .‬عن‬‫أدوات لغريهم ‪ّ ،‬‬
‫النبأ العظيم ‪ .‬الذي هم فيه خمتلفون ) وهذا التنازع الذي جيري يف أوساطهم‬
‫ليس حبثاً عن حقيقة البعث ‪ ،‬وال بوصلة الشمال ‪ ،‬وال إجابة للسؤال الكبري‬
‫مل خلقنا؟ وملاذا جئنا إىل هذه األرض ؟! كال ! وإمنا ألن آابءهم وأجدادهم‬
‫تنازعوا يف ذات القضية فحسب ! والعقول إذا سلّمت قيادها آلخرين بقيت‬
‫أسرية هلا وترزح يف قيودها وفقدت يف النهاية كل شيء ‪ .‬وأخطر ما على‬
‫ويؤجر عقله ‪ ،‬ويصبح أداة لغريه ‪ ،‬وكم من‬
‫اإلنسان أن يفقد عقله وتفكريه ‪ّ ،‬‬
‫عاقل جرى يف فلك هذه املعاين خاصة يف مثل زمانك وأصبح جزءاً من فكرة‬
‫‪ ،‬وعضواً يف منظومة ‪ ،‬وفرداً يف مجاعة دون وعي ‪ ،‬ومن فقه اإلنسان وكمال‬
‫وعيه أن يرتىب على الوحي ‪ ،‬ويتصرف يف ضوء مفاهيمه وال يقدم عليه كالم‬
‫بشر كائناً من كان حىت يسلم من االحنراف يف مستقبل األايم ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن كل اجلوارح اليت مين هللا تعاىل هبا على إنسان هي أقصر من‬
‫أن هتدي صاحبها للحق مامل يصحبها توفيق ‪ ،‬كم هي اجلوارح اليت ميلكها كل‬
‫فرد من هؤالء وهم يف كامل صحتهم وعافيتهم ومع كل ذلك مل هتدهم إىل‬
‫وبني هلم ما يرون ‪،‬‬
‫الطريق رغم أن هللا تعاىل خاطبهم من خالل عقوهلم ّ‬
‫وحاكمهم إىل مشاهد ذلك الكون ‪ ،‬وعرض هلم تلك املشاهد عرضاً مدهشاً‬
‫فقال تعاىل ( أمل جنعل األرض مهاداً ‪ .‬واجلبال أواتداً ‪ .‬وخلقناكم أزواجاً ‪.‬‬
‫وجعلنا نومكم سبااتً ‪ .‬وجعلنا الليل لباساً ‪ .‬وجعلنا النهار معاشاً ‪ .‬وبنينا‬
‫فوقكم سبعاً شداداً ‪ .‬وجعلنا سراجاً وهاجاً ‪ .‬وأنزلنا من املعصرات ماء ثجاجاً‬
‫‪ .‬لنخرج به حباً ونبااتً ‪ .‬وجنات ألفافاً) ومع كل ذلك مل تدهلم جوارحهم على‬
‫شيء من أفراح هذا املعىن الكبري ! وما تصنع جوارح مل يكتب هللا تعاىل هلا‬
‫توفيقاً وسداداً ! وهي دعوة لكل من يقرأ هذا املعىن أال يتكل على جوارحه‬
‫أو قدراته أو مهاراته وإمكاانته يف شيء ‪ ،‬وإذا مل يهدك هللا تعاىل ومل يدلك‬
‫على الطريق مل تلق شيئاً يسعدك ولو كنت متلك كل شيء ‪ .‬وما حاجتنا إىل‬
‫شيء حاجتنا إىل عون هللا تعاىل وتوفيقه وسداده يف الدارين ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن نعم هللا تعاىل كثرية ومتعددة وال سبيل إىل حصرها البتة وهذه‬
‫املشاهد اليت تعرضها السورة ( أمل جنعل األرض مهاداً ‪ .‬واجلبال أواتداً‬
‫وخلقناكم أزواجاً ‪ .‬وجعلنا نومكم سبااتً ‪ .‬وجعلنا الليل لباساً ‪ .‬وجعلنا النهار‬
‫معاشاً ‪ .‬وبنينا فوقكم سبعاً شداداً ‪ .‬وجعلنا سراجاً وهاجاً ‪ .‬وأنزلنا من‬
‫املعصرات ماء ثجاجاً ‪ .‬لنخرج به حباً ونبااتً ‪ .‬وجنات ألفافاً ) بعض مشاهد‬
‫تلك النعم ‪ ،‬ومن ألقى مبشاعره وفكره يف أحداثها وأتملها حق التأمل عرف‬
‫أج ّل شرعه ‪ ،‬وما أمجل قول األول ‪:‬‬ ‫هللا تعاىل ‪ ،‬وقام له حبقه ‪ ،‬و َ‬
‫فيا عجباً كيف يُعصى اإلله ‪ ..‬أم كيف جيحده اجلاحد‬
‫وهلل يف كل حتريكة ‪ ...‬ويف كل تسكينة شاهد‬
‫ويف كل شيء له آية ‪ ...‬تدل على أنه واحد ‪.‬‬
‫فهذه األرض املمهدة املذللة واليت جتري فيها مصاحل الناس كما يشاؤون ‪،‬‬
‫وتلك اجلبال اليت كاألواتد هلا ال متيد هبم وال تضطرب ‪ ،‬وهذا الزوج الذي ال‬
‫تكتمل أفراح احلياة إال به ! والنوم القاطع لتعب اإلنسان وتكاليف احلياة عليه‬
‫وسرت الليل الذي ميده هللا تعاىل على عباده ‪ ،‬وهذا النهار اآلية اليت يلقى فيها‬
‫اإلنسان كل شيء ‪ ،‬وأييت على آماله من خالهلا ‪ ،‬وهذه األفالك من مساء‬
‫وقمر ومشس كلها تدلك على هللا تعاىل وتصنع يف قلبك مشاهد تعظيمه‬
‫وإجالله ‪ .‬وليس أهدى لقلبك من تكون هذه النعم هي أكثر ما يعرفك على‬
‫ربك وتقوم له بكل شيء يف واقعك ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫تتنوع يف األدلة واألساليب حىت أتخذ حظها‬ ‫• وعلمتين ‪ :‬أن من فقه الدعوة أن ّ‬
‫من عقول السامعني ‪ ،‬وليس من الفقه أن تتعامل الدعوة مع كل املدعوين‬
‫بذات األسلوب ‪ .‬فهؤالء القوم كفار فال جمال للتعامل معهم بدليل الوحي‬
‫فحسب بل ينبغي إاثرة عقوهلم وأفكارهم ابلدليل العقلي الذي يقوم على‬
‫االستنباط واملقارانت حىت يؤيت مثاره من تلك العقول ‪ ،‬وهذا العرض هلذه‬
‫املخلوقات جزء من هذا املعىن الكبري ‪ .‬وهي رسالة لكل مرب ومعلم وأب‬
‫وصاحب رسالة ومشروع أن يقرأ واقعه جيداً قبل أن يبدأ فيه مشروعه مث خيتار‬
‫ما هو أنسب إلقناعهم فإن ذلك من كمال الوعي والتوفيق ‪ .‬وهذا املعىن جيري‬
‫يف كل قضية يراد هلا النجاح سواء مع نفسك أو ولدك وطالبك وزوجك ومع‬
‫كل من حولك حني نريد أن نبين قيماً ‪ ،‬ونؤسس لفضيلة ‪ ،‬وخنلع عادات‬
‫وسلوكات سلبية جيب أن نتعامل هبذا املعىن ‪ ،‬وأن نناقش كل واحد من هؤالء‬
‫من الطريق األنسب إلقناعه فإن ذلك أدعى للنجاح واإلبداع ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن مثة هناايت تنتظر كل خملوق مهما طال عمره ( إن يوم الفصل‬
‫كان ميقااتً ‪ .‬يوم ينفخ يف الصور فتأتون أفواجاً ‪ .‬وفتحت السماء فكانت‬
‫أبواابً ‪ .‬وسريت اجلبال فكانت سراابً) وتلك النهاايت ليست شيئاً عادايً وال‬
‫حداثً عابراً ‪ ،‬وال قصة مكرورة وإمنا جنة وانر ‪ ،‬نعيم وعذاب ‪ ،‬حساب وجزاء‬
‫‪ ،‬حياة وموت ومن فقه هذه املعاين صار إىل خري مع األايم ‪ .‬ولو أن عاقالً‬
‫تصور تلك النهاايت اليت تنتظره ‪ ،‬واألحداث‬
‫أمهل نفسه بعضاً من الوقت يف ّ‬
‫اليت تستقبله مبجرد موته ورحيله من الدنيا لقنع من أول األمر وآمن بقيوم‬
‫السموات واألرض ولكنها الغفلة ال تبقي شيئاً للذكرى ‪ .‬ما ذا ينتظر الظاملون‬
‫ألنفسهم ‪ ،‬وملن حوهلم من العاملني يوم القيامة إال هذه احلسرات ( إن جهنم‬
‫كانت مرصاداً ‪ .‬للطاغني مآابً ‪ .‬ال بثني فيها أحقاابً ‪ .‬ال يذوقون فيها برداً‬
‫وال شراابً‪ .‬إال محيماً وغساقاً) وما األفراح اليت ينتظرها املتقون يف تلك‬
‫اللحظات ( إن للمتقني مفازاً ‪ .‬حدائق وأعناابً ‪ .‬وكواعب أتراابً ‪ .‬وكأساً دهاقاً‬
‫‪ .‬ال يسمعون فيها لغواً وال ك ّذاابً ‪ .‬جزاء من ربك عطاء حساابً ) فانظر أين‬
‫وجتهز قدر وسعك فاألمر جد وال تغرك األماين‬ ‫موقعك واستعد لتلك األايم ‪ّ ،‬‬
‫وكم من اعتذار جاء متأخراً فلم يصنع لك شيئاً ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫سورة النازعات‬

‫• علمتين سورة النازعات ‪ :‬أن املشاريع مكلفة وحتتاج إىل تضحيات كبرية حىت‬
‫تبلغ غاايهتا يف النهاايت ( هل أاتك حديث موسى ) وهذا اخلطاب لرسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم يذ ّكره ربه تبارك وتعاىل أبن املسألة ضخمة وكبرية‬
‫وحتتاج إىل جهاد يساوي قيمتها الكربى ‪ .‬ومنوذج موسى عليه السالم مع‬
‫فرعون يدلك على تكاليف الطريق ويبعث يف مشاعرك حجم التضحيات اليت‬
‫جيب أن يبذهلا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يف دعوته حىت تتحقق له النتائج‬
‫اليت يرجوها واآلمال اليت ينشدها ! ومن ختّيل قصة موسى عليه السالم وبداايته‬
‫وصراع اللحظات األوىل واخلروج إىل مدين وقصة الزواج ومحل الرسالة مث‬
‫مواجهة الطاغية فرعون وقصة السحرة واخلروج من مصر وقصة البحر ومعاجلة‬
‫بين إسرائيل وتقلباهتم يف تلك املرحلة أدرك أن الطريق غري سالك واملشروع‬
‫ضخم كبري ‪ ،‬والقضية حتتاج إىل تضحيات‪ .‬وقد لقي نبينا صلى هللا عليه وسلم‬
‫وجرح وأُلقي سلى‬‫ضرب صلى هللا عليه وسلم ُ‬ ‫يف ذات الطريق ذات املشاق ‪ُ ،‬‬
‫وحصر يف شعب أيب طالب سنوات ‪ ،‬وساوموه على منهجه‬ ‫اجلزور على ظهره ُ‬
‫ورسالته ودينه وطردوه من بلد الروح واجلسد ولقي يف الطائف من أحزان‬
‫الطريق وعاش حادث اهلجرة ولقي من أثقال التبعات ما ال يلقاه إال الكبار ‪،‬‬
‫وخاض معارك شىت مع اليهود واملنافقني مث أذن هللا تعاىل به ابلنصر ‪ ،‬وإذا‬
‫أتملت ما بني بداايت الدعوة ‪ ،‬والنهاايت اليت آلت إليها مع الظروف اليت‬
‫صاحبتها أدركت ما معىن التذكري بقصة موسى يف بدايت الطريق ‪ ،‬وأنت‬
‫كذلك إذا أردت أن حتمل فكرة أو مشروعاً أو قضية فاعلم أن املسألة ضخمة‬
‫وحتتاج منك إىل ذات التضحيات وإمنا حتمل من شرف قضيتك على قدر‬
‫أثقاهلا وأمحاهلا يف واقعك‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن األصل امتداد الصراع بني احلق والباطل ‪ ،‬وما عدا ذلك فصور‬
‫عارضة ال تقدر على الصمود ‪ ،‬ومل حيدث أن تصاحل احلق والباطل يف بقعة‬
‫من األرض أو مساحة من الزمن وال سبيل إىل ذلك ألن املسألة حق وابطل‬
‫فروض نفسك على‬ ‫وال ميكن أن يلتقيا يف طريق ‪ ،‬وإذا كانت املسألة كذلك ّ‬
‫محل رسالتك ومشروعك وتكاليف قضيتك فاملسألة كبرية وضخمة حبجم احلق‬
‫الذي معك ‪ ،‬والباطل وإن كان ميلك قوة وعتاداً وقدرة على مواصلة الطريق‬
‫يف مرات كثرية إال أنه لإلخفاق والفشل يف النهاايت فال تقلق المتداد ذلك‬
‫الصراع ولست مسؤوالً عن النتائج بقدر ما أنت مسؤول عن البالغ املبني ‪،‬‬
‫ومن فقهك وكمال وعيك أن تقبل صادقاً على دينك ‪ ،‬وليكن مهك إغاثة‬
‫العامل من حولك ‪ ،‬وتوسيع مساحات الربيع ‪ ،‬وملء كل فراغ ‪ ،‬وال يهزمك‬
‫أتخر مشروعك عن النجاح إذا كنت على الطريق فكذلك سنن هللا تعاىل ‪،‬‬
‫ولو أنك قرأت قصة موسى عليه السالم وألقيت فيها مبشاعرك وعقلك‬
‫وتكون لديك الوعي الكايف ملستقبل األايم فضالً على‬
‫ألدركت الطريق بوعي ّ‬
‫أن تقرأ سرية نبيك صلى هللا عليه وسلم وأتخذ منها ما يعينك على مواصلة‬
‫الطريق وحتقيق الكربى يف النهاايت ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬حاجة الدعاة واملصلحني واآلابء واملربني رجاالً ونساءً كباراً وصغاراً‬
‫وأصحاب املشاريع واألفكار الناهضة عموماً إىل التسلية ‪ .‬إن الطريق شاق‬
‫ومكلف ومزدحم ابلعوارض والعقبات وصاحب املشروع قد يتعب وجيهد يف‬
‫أثناء الطريق وقد يواجهه اليأس ويعرض له احلزن واخلوف ‪ ،‬وقد يُصاب ابمللل‬
‫من طول املسافة وال يرى شيئاً يسد جوعة تلك الفاقة اليت يبحث عما يسدها‬
‫‪ ،‬ولذلك كله كانت هذه النفوس حباجة إىل تسلية وإعانة على مسافة طريق‬
‫الدعوة الطويل ومن هذا الباب جاءت قصة موسى عليه السالم ‪ ،‬وأنت‬
‫كذلك كلما شعرت بضعف مهتك وفتور طاقتك وذبول عزميتك فشد قلبك‬
‫ومشاعرك أبصحاب اهلمم واملشاريع واجلادين يف احلياة ُمحّال األفكار الناهضة‪.‬‬
‫والوحي طافح بذلك ‪ ،‬ومثل ذلك كتب التاريخ والسري الذاتية ‪ ،‬وقد جتد من‬
‫املسموعات واملرئيات يف وسائل التقنية احلديثة ما يبعث األشواق يف قلبك‬
‫ألف مرة ‪ ،‬وإن ظفرت بصديق صادق اهلمة قوي العزمية يف واقعك ومساحتك‬
‫فيمم وجهك إليه وخذ منه ما يعينك على مواصلة الطريق ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن إدابر الكبار والوجهاء وأصحاب الرايسات عن الدعوة شيء‬
‫طبيعي وسنة جارية من فجر التاريخ إىل يومنا هذا ( فكذب وعصى ‪ .‬مث أدبر‬
‫يسعى ‪ .‬فحشر فنادى ‪ .‬فقال أان ربكم األعلى ) وما صنعت الدعوة لفرعون‬
‫حىت يتخذ منها هذه املواقف ويقعد هلا يف عرض الطريق ‪ ،‬ويقرر قتل كل‬
‫مولود من أوالد بين إسرائيل ‪ ،‬ويستنفد كل طاقاته ومهاراته وإمكاانته يف سبيل‬
‫وأد الفكرة من أصلها وحجبها عن الظهور من البداايت ! ماله وهلا وهي مل‬
‫أتته بعد فضالً أن أتخذ منه شيئاً ! ويف حديث هرقل أليب سفيان رضي هللا‬
‫تعاىل عنه ‪ :‬وسألتك اشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟ فذكرت أن ضعفاؤهم‬
‫اتبعوه وهم أتباع الرسل ! والدرس من هذا أال تستنكر إدابر أحد من هؤالء !‬
‫وكن على طريق األنبياء واجهد بكل ما متلك أن تسقيهم من رحيقها العذب‬
‫فليتهم دروا ما حتمل هلم ! كم مرة كانوا يظنون أن هذه الدعوة تسلبهم تلك‬
‫الرايسات اليت عاشوا عليها وفاهتم أهنا تزيدهم هبا رابطاً وقد قال رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم أليب سفيان يوم احتاج إىل هذا املعىن (من دخل دار أيب‬
‫سفيان فهو آمن)‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن من فقه اإلنسان وكمال وعيه أن يشتغل ابألسئلة النافعة يف‬
‫حياته وأن يدع وقته وفكره من أسئلة ال عالقة هلا ابلعمل يف شيء ‪ ،‬إن سؤال‬
‫هؤالء ( يسألونك عن الساعة أاين مرساها ) من قبيل األسئلة اليت ال تنتج‬
‫عمالً وال تصنع شيئاً وإمنا هي تسلية وقت ‪ ،‬وما ينفعه إذا علم الساعة أهنا‬
‫يتصوره إنسان‬
‫اليوم أو غداً وهو يعرف أهنا حق وأن ما بعدها أعظم من أن ّ‬
‫وأن الفزع إىل العمل والتطبيق أوىل ألف مرة من أسئلة ال تنتج مثاراً عملية يف‬
‫مستقبل األايم ‪ .‬ولذلك كان اجلواب ( فيم أنت من ذكراها) ! ليس من‬
‫شأنك اإلجابة على أسئلة هؤالء ‪ ،‬حسبك أن تنذر أمتك وتبني هلم عن ما‬
‫ينتظرهم وليس لك بعد ذلك شيء ‪ .‬وحني دخل الصحايب ورسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم خيطب فقال ‪ :‬ايرسول هللا مىت الساعة ؟ أرشده صلى هللا عليه‬
‫وسلم إىل العمل والتطبيق فهو أنفع له من ألف سؤال من هذا املعىن ( ماذا‬
‫أعددت هلا ) ؟! إن من فقه اإلنسان أن يركز على األسئلة اليت تثري ساحات‬
‫العمل وتكتب حظها من التطبيق وأتيت على صاحبها ابخلريات وما عدا ذلك‬
‫فغثاء أيخذ من أوقاتنا وال يعطينا ما يستحق احلياة ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬ضآلة هذه احلياة وضعفها وقلة قيمتها ( كأهنم يوم يرون ما يوعدون‬
‫مل يلبثوا إال عشية أو ضحاها ) كم هم الذين عاشوا فيها سنني طويلة مث يف‬
‫النهاية صاروا إىل املوت ! كثريون أيتون يوم القيامة وقد عاشوا عشرات السنني‬
‫وإذا ابحلياة اليت عاشوها كهذه الصورة اليت حيكيها القرآن ( كأهنم يوم يرون ما‬
‫يوعدون مل يلبثوا إال عشية أو ضحاها ) ال فرق ! ليست يوماً وال ليلة اتمة‬
‫وإمنا هي ضحى يوم وعشة ليلة من الليايل ! ذهب ذلك الفراغ الطويل ولو‬
‫عرف صاحبه هذا املعىن جلهد به يف بناء تلك الدار ‪ ،‬وانتهت كل تلك‬
‫الراحة املوهومة اليت كان ينشدها كثريون ولو دروا لصنعوا فيها كل شيء ‪،‬‬
‫وطوت الدنيا كل أايمها لتقف بصاحبها على أحداث النهاايت اليت ما كانت‬
‫عشى أو ضحى !‬ ‫له على ابل ‪ .‬كم هو الفرق بني مئة عام وبني حلظة من ّ‬
‫ماذا لو أنك رأيت تلك اللحظة مفرطاً يف زمانه ! وضائعاً يف رسالته وهدفه!‬
‫وموغالً يف األماين وقد فات عليه كل شيء ! إن الدرس األهم يف هذا املعىن‬
‫أن تستثمر كل حلظة ‪ ،‬وأن جتهد يف بناء تلك الدار ‪ ،‬وأن تسعى بكل ما‬
‫متلك أن تكون رقماً صعباً ومؤثراً يف تلك اللحظات ‪ .‬وكل إنسان سيقف‬
‫على عمله وجهده وتعبه ‪ ،‬ولن يبقى له من تلك السنني الطويلة إال آاثر‬
‫العمل الصاحل يف الدارين ‪.‬‬
‫‪..‬‬
‫سورة عبس‬

‫• علمتين سورة عبس ‪ :‬أن القيم من أعظم املعاين اليت جاء الشرع ببنائها‬
‫وأتصيلها يف نفوس العاملني ! وهذا العتاب من هللا تعاىل لرسوله صلى هللا عليه‬
‫وسلم يف موقف تقدمي كبار قريش على ابن أم مكتوم األعمى درس يف أتصيل‬
‫هذه املفاهيم ( عبس وتوىل ‪ .‬أن جاءه األعمى ‪ .‬وما يدريك لعله يزكى ‪ .‬أو‬
‫يتذكر فتنفعه الذكرى ‪ .‬أما من استغىن فأنت له تصدى ‪ .‬وما عليك أال يزكى‬
‫‪ .‬وأما من جاءك يسعى ‪ .‬وهو خيشى ‪ .‬فأنت عنه تلهى) ولو أنك قرأت هذا‬
‫النص بوعي لقام يف قلبك إجالل هذا املعىن الذي يُقرأ على مسامع العاملني‬
‫إىل قيام الساعة ‪ ،‬وكل ذلك لتأصيل قيمة واحدة من القيم الكربى وهي أن‬
‫املفاضلة بني الناس ال تتم على مكانة أو جاه أو سلطان وإمنا جتري فصوهلا‬
‫وفق دين هللا تعاىل دون النظر إىل شيء آخر ‪ ،‬ورسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم مل يصنع ذلك لنفسه ‪ ،‬وإمنا صنعه لصاحل الدعوة والرسالة اليت حيملها ‪،‬‬
‫ومع ذلك مل يعذره هللا تعاىل ‪ ،‬وجاءه اخلطاب موجهاً ويُقرأ يف كتاب هللا تعاىل‬
‫إىل قيام الساعة حىت تتأصل القيم يف النفوس وال تقف لزمن أو حادثة أو يف‬
‫مكان ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن النقد وسيلة من وسائل النجاح وأداة مؤثرة من أدوات التصحيح‬
‫ومن وعي كل إنسان أن يفرح به ويُسر ويدرك أنه من أعظم وسائل جناحه‬
‫وحنن هنا لسنا بصدد اإلسرار أو النقد فإن هذه مسألة راجعة للمصلحة واألثر‬
‫املرتتب على ذلك ‪ ،‬وكل إنسان فقيه حباله ومساحته وكيف تكون ! ولكن‬
‫ننبه على أن النقد يعني صاحبه على بناء ذاته وجتاوز قصوره ويهيئه للمرحلة‬
‫القادمة من حياته ابقتدار ‪ ،‬ويبين لديه ملكات ال ميكن أن أتيت إال من خالله‬
‫‪ ،‬فإذا ما جاءك شيء من ذلك فمن حقك أن تفرح وتسعد به وتعتربه فرصة‬
‫للصعود ‪ ،‬وسلماً للنجاح ‪ ،‬وله آداب مهمة وال يصلح إال ملن أويت حظاً من‬
‫يسر هللا تعاىل له صديقاً يتعاهده وانصحاً أيخذ‬ ‫العلم والفقه واألدب ‪ .‬ومن ّ‬
‫بيديه وقريباً يدله على مواطن النجاح واإلخفاق فقد توفّق خلري كبري ‪ ،‬فإن مل‬
‫جيد من ذلك شيئاً يف فال أقل من أن يستنصح من يراه صادقاً قريباً منه عارفاً‬
‫به حىت يعينه على الرتقي يف مستقبل األايم ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن وجود األخطاء يف مشروعك الذي حتمله وفكرتك اليت تقوم‬
‫هبا وقضيتك اليت تعيش من أجلها شيء طبيعي جداً فال تثقلك اهلموم عند‬
‫مساع شيء من ذلك ‪ ،‬وإذا كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم الذي توىل هللا‬
‫تعاىل تزكيته وتربيته وأتهيله لرسالته ومشروعه خيطئ ويقيّمه هللا تعاىل من خالل‬
‫رسالة علنية فغريه من ابب أوىل ! إن جزءاً من مشكالتنا أننا نريد أن حنمل‬
‫أفكاراً ومفاهيم ونصنع تضحيات ويف الوقت ذاته غري متقبلني لألخطاء‬
‫والنكسات اليت تقع منا يف ثنااي الطريق ‪ ،‬وجند منها حرجاً يكاد يُفضي بنا‬
‫إىل ترك أفكاران ومفاهيمنا ومشاريعنا من أصله ‪ .‬ومن أراد لنفسه النجاح‬
‫والتوفيق فعليه أن يؤمن أبن جناحه القادم ال يقوم إال على ركام األخطاء اليت‬
‫يقع فيها وهي القاعدة اليت يقف عليها كبرياً مدهشاً يف مستقبل األايم ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن اهلداية حق للجميع ( كال إهنا تذكرة ‪ .‬فمن شاء ذكره ) بغض‬
‫النظر عن جنس اإلنسان ولونه وفقره وغناه ومكانته وموقعه ‪ ،‬ومن أقبل إليها‬
‫صادقاً كان حقه منها أكمل ما يكون ‪ ،‬ومن أعرض عنها وأدبر عن أحداثها‬
‫فال قيمة له يف شيء ‪ ،‬وحسبه أنه هو الذي رفض وأىب آاثرها وختلّف عنها‬
‫وال يظلم ربك أحداً ‪ .‬إن الدعوة ليست حباجة إىل أحد مهما كان ذكاؤه‬
‫وتعددت مهاراته ‪ ،‬وتنوعت جماالته بل هو يف أمس احلاجة إليها ‪ ،‬وستظل‬
‫منصورة بذاهتا وأتخذ مساحتها كما أراد هللا تعاىل هلا ‪ ،‬وجيب أن يُفقه أن‬
‫الفقري املسكني املقبل على خريات الدعوة خري هلا وأفضل ألف مرة من كثري‬
‫من املوهوبني وأصحاب القدرات واملسؤوليات الذين أيتون إليها وهم حمملون‬
‫أبمراض من الكرب والعلو واحلسد فال هم الذين دفعوا هبا حنو أهدافها ‪ ،‬وال‬
‫هم الذين أسلموها من تلك األمراض اليت كانت مبنأى عنها ‪ .‬إن الفقري‬
‫املسكني املعوق املقبل عليها وال َفرح أبحداثها يف واقعه أعظم هلا وأوىل من غريه‬
‫ولو كان اآلخر ميلك كل شيء ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن املسؤولية فردية ‪ ،‬وأن كل إنسان مسؤول عن جناحه وإخفاقه‬
‫يف النهاايت ‪ .‬ولن يغين عن اإلنسان أسرة أو قبيلة أو جمتمع من اجملتمعات ‪،‬‬
‫وإن كانت هذه املعاين جتدي عن أصحاهبا يف الدنيا فهي ال تنفع يف شيء‬
‫بني يدي هللا تعاىل يوم القيامة ( يوم يفر املرء من أخيه ‪ .‬وأمه وأبيه ‪ .‬وصاحبته‬
‫وبنيه ‪ .‬لكل امرئ يومئذ شأن يغنيه ) جيب أن نتعلم أن األسرة ليست مسؤولة‬
‫عن جناحنا وإخفاقنا وإن كان هلا دور ‪ ،‬ومثل ذلك اجملتمعات اليت نعيش فيها‬
‫‪ ،‬واألصحاب الذي خنالطهم ‪ ،‬ومن فقه اإلنسان وكمال وعيه أن أيخذ حظه‬
‫من العلم ‪ ،‬ويبين نفسه من خالل العمل الصاحل ‪ ،‬ويستعد للقاء هللا تعاىل ‪،‬‬
‫وليعلم أن املسألة جد وأنه سيأيت اليوم الذي تعرض فيه هذه السورة بعض‬
‫مشاهده وأكثرها أملاً يف سريته وواقعه ( يوم يفر املرء من أخيه ‪ .‬وأمه وأبيه ‪.‬‬
‫وصاحبته وبنيه ‪ .‬لكل امرئ يومئذ شأن يغنيه) رأي عني! ولو أن عاقالً أمهل‬
‫نفسه بعضاً من الوقت يف ختيّل املشهد ألدرك ما يقال له اليوم قبل الفوات ‪.‬‬
‫وهللا املستعان ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫سورة التكوير‬

‫• علمتين سورة التكوير ‪ :‬أن مثة موعد للنهاايت ( علمت نفس ما أحضرت)‬
‫وهذا العلم يف يوم القيامة بعد أن عرضت السورة تلك األحداث الكربى ( إذ‬
‫الشمس كورت ‪ .‬وإذا النجوم انكدرت ‪ .‬وإذا اجلبال سريت ‪ .‬وإذ العشار‬
‫عطلت ‪ .‬وإذا الوحوش حشرت ‪ .‬وإذا البحار سجرت ‪ .‬وإذا النفوس زوجت‬
‫‪ .‬وإذا املوؤدة سئلت ‪ .‬أبي ذنب قتلت ‪ .‬وإذا الصحف نشرت ‪ .‬وإذا السماء‬
‫كشطت ‪ .‬وإذا اجلحيم سعرت ‪ .‬وإذا اجلنة أزلفت ) وما قارئ هلذه األحداث‬
‫وتتغري معامله ويصبح بني يدي هللا تعاىل‬
‫اليت يتبدل فيها كل شيء يف الكون ّ‬
‫للسؤال واحلساب واجلزاء ولديه قلب إال استيقظ وعاد إىل هللا تعاىل ‪ ،‬ومن مل‬
‫جيد شيئاً من ذلك فما جلرح مبيت إيالم ! وهذه السورة من السورة املكية اليت‬
‫جاءت لتعيد بناء اإلنسان وتش ّكل تصوراته ‪ ،‬وتوقظ قلبه ومشاعره ‪ .‬ومن قرأ‬
‫هذه املعاين وأتمل تلك األحداث صنع لنفسه شيئاً قبل الفوات ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن القرآن أعظم مصادر احلياة على اإلطالق ! ومن أقبل عليه‬
‫وعى منه كل شيء ‪ ،‬وقد قال هللا تعاىل واصفاً شأنه ( إنه لقول رسول كرمي ‪.‬‬
‫ذي قوة عند ذي العرش مكني ‪ .‬مطاع مث أمني ) وما قرأه متدبر إال حيي‬
‫من جديد ! وما حاجة اإلنسان لشيء يف هذا الزمن حاجته إىل ورد يتلوه‬
‫ويتدبره ‪ .‬ولو أن كل إنسان قسم له من سنام يومه وأقبل عليه صادقاً ‪ ،‬وتدبر‬
‫ما يتلوه وأجرى ملا يقرأ عمالً لنفض عنه غبار الغفلة وشحذ مهته وصنع لنفسه‬
‫منزالً بني األحياء ‪ .‬مثة أانس ال يدركون ما الذي ميكن أن حيدثه القرآن يف‬
‫حياهتم ‪ ،‬وآخرون يدركون ولكنهم ال يعرفون كيف يصلون ‪ ،‬وفريق اثلث يدرك‬
‫ويعرف ولكنه مل يضعه يف ُسلّم أولوايته بعد ‪ ،‬ومن أتمل واقع اليوم رأى فيه‬
‫كل شيء إال أنه خال يف ذات الوقت من الطمأنينة واللذة واجتماع القلب‬
‫وأدرك أن حاجته لكتاب هللا تعاىل تفوق كل حاجته ‪ ،‬وليس بني اإلنسان‬
‫وبني هذا املعىن الكبري إال أن يبدأ ويستعني بكل ممكن على حتقيق تلك األفراح‬
‫يف قلبه وسيحني موعد الربيع إبذن هللا تعاىل يوماً ما ‪.‬‬
‫•‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن اجلود من صفات الكبار ‪ ،‬وما رأيت مدهشاً يف واقعه كطالب‬
‫علم فتح هللا تعاىل له يف هذا الباب وهو قائم حبقه من العمل ابذل له يف كل‬
‫من حوله ‪ ،‬ابسط آاثره يف املساحات اليت يعيش فيها فلله كم هي عوائد اخلري‬
‫عليه ! وكم من فواتح توفيق أتتيه وهو على سرير نومه من أثر ذلك املعىن‬
‫الكبري ‪ ،‬ورسول هللا صلى هللا عليه وسلم على رأس القوم ويف مقدمتهم وهذه‬
‫شهادة هللا تعاىل له ( وما هو على الغيب بضنني ) وقد قال الشافعي رمحه هللا‬
‫إىل منه شيء‪ .‬اه وهذا‬ ‫تعاىل ‪ :‬وددت أن اخللق تعلموا هذا العلم ومل يٌنسب ّ‬
‫نوع من اجلود يتجاوز بذله وإعطاءه إىل الفرح مبا وصل اآلخرين ‪ ،‬ويف املقابل‬
‫كم من طالب علم يف مساحة جهل مل تلق منه ما يفسح هلا الربيع يف واقعه!‬
‫كم من طالب علم ووالديه أو أسرته تقع يف أخطاء ومتارس سلوكات خاطئة‬
‫ومل ينلهم شيء من حظوظه بعد! ‪ ،‬وليس اجلود وقف على العلم بل يف كل‬
‫شيء ‪ ،‬وكم من صاحب مهارة ومال ومسؤولية وجاه وسلطان ‪ ،‬وقوة ‪ ،‬وملَكة‬
‫ميكن أن يصنع منها ومن خالهلا كل شيء ‪.‬‬
‫سورة االنفطار‬

‫• علمتين سورة االنفطار ‪ :‬أن الغفلة من أعظم األخطار اليت تواجه اإلنسان يف‬
‫حياته ‪ ،‬وما تزال بصاحبها حىت تنسيه نفسه اليت بني جنبيه وتضيع عليه‬
‫مصاحله وحترفه عن مقصده الكبري (اي أيها اإلنسان ما غرك بربك الكرمي ‪.‬‬
‫الذي خلقك فسواك فعدلك ) وإذا أردت أن تعرف قدر هذه الغفلة فانظر‬
‫كرمه وجعله‬‫إىل إنسان خلقه هللا تعاىل وسواه وعدله وجعله يف أحسن صورة و ّ‬
‫مناط الرساالت ومع كل ذلك ال يلقي لربه تعاىل ابالً وال ُجيل أمره وال يعظّم‬
‫شعائره وال يقوم له بشيء من حقوقه ‪ ،‬ويعاتبه هللا تعاىل يف هذه السورة عتاابً‬
‫رقيقاً (ما غرك بربك الكرمي)! ما الذي أنساك ربك الذي خلقك ! ما الذي‬
‫وسوى وع ّدل ورّكب‬ ‫ألقى يف قلبك هذا اإلعراض عن ربك الكرمي ! من خلق ّ‬
‫أحسن الصور ما حقه هذا اإلعراض ! ومن الوعي أن يتدارك اإلنسان نفسه‬
‫وحيميها من الغفلة ابإلقبال على كتاب هللا تعاىل تالوة وتدبراً وأتمالً ‪ ،‬ومثل‬
‫ذلك سنة نبيه صلى هللا عليه وسلم وأحاديث الوعد والوعيد واجلنة والنار منها‬
‫على وجه اخلصوص ‪ ،‬ويتعاهد نفسه بشيء من املواعظ اليت جتلو قلبه ‪،‬‬
‫وسينجلي غبار هذه الغفلة إبذن هللا تعاىل مع مرور األايم ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن رقابة هللا تعاىل على كل ما جيري يف حياتك اخلاصة والعامة أمر‬
‫ال حيتاج إىل براهني ‪ ،‬ويف قول هللا تعاىل ( وإن عليكم حلافظني ‪ .‬كراماً كاتبني‬
‫‪ .‬يعلمون ما تفعلون) ما يبني عن ذلك املعىن الكبري ‪ ،‬فاألمر جد (ما يلفظ‬
‫من قول إال لديه رقيب عتيد ) ولن يذهب شيء من العمل سدى ‪ ،‬وكل ما‬
‫جيري يف حياة إنسان مرصود ومكتوب وحمفوظ وسيأيت يف يوم أحوج ما يكون‬
‫فيه صاحبه إىل النسيان ‪ ،‬وال يغرك أنك ال ترى أحداً حولك فلن حيميك‬
‫من تلك الرقابة شيء فكن أول العارفني بقدرة ربك وأول املستحني من‬
‫مالئكته ‪ ،‬وليس من احلياء أن تعاقر حمرماً وهللا تعاىل يرقب تصرفك ‪ ،‬ويرى‬
‫وتدون عليك وأتيت يوم‬
‫فعلك ‪ ،‬ومالئكته تعاىل تراك يف ذات الوقت وترقبك ّ‬
‫القيامة بكتابك وفيه ديون كنت منها يف حل لوال هذه الغفلة اليت غشت‬
‫قلبك ومشاعرك ‪ ،‬وما حاجتنا اليوم إىل شيء حاجتنا لألدب مع هللا تعاىل يف‬
‫مثل هذه األايم ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫سورة املطففني‬

‫• علمتين سورة املطففني ‪ :‬أن التعامل مع اآلخرين دين يتعبد به اإلنسان لربه‬
‫ويرقى به ومن خالله ألعظم املنازل يف الدارين ‪ ،‬وهذا الوعيد للمتخلفني عن‬
‫هذا املعىن ( ويل للمطففني) دليل هذا املعىن الكبري ‪ .‬التطفيف هنا ليس شيئاً‬
‫خاصاً ابملكيال احلسي الذي توزن فيه أرزاق الناس ومأكوالهتم بل هو جار‬
‫يف كل تعامل جتريه مع أبويك وولدك وجارك وصديقك وكل من حولك ‪ ،‬ومثة‬
‫خصام سافر بني احلقوق والواجبات ينتهي غالباً لصاحل احلقوق ‪ ،‬وقل أن جتد‬
‫متعمد يف أداء الواجبات ‪.‬‬ ‫فرداً يتنازل عن شيء من حقه يف مقابل ختلّف ّ‬
‫تعلمنا هذه السورة خطر التطفيف وهو أخذ حقوقنا مقابل التخلف عن‬
‫واجباتنا ‪ ،‬وتدعوان أن نعترب التعامل مع اآلخرين دين كبقية شرائع اإلسالم ال‬
‫إىل وأقربكم مين جملساً‬ ‫فرق وقد قال صلى هللا عليه وسلم ( إن من أحبكم ّ‬
‫يوم القيامة أحاسنكم أخالقاً ) ‪ ،‬وقال صلى هللا عليه وسلم ( إن صاحب‬
‫حسن اخللق يبلغ درجة الصائم الذي ال يفطر والقائم الذي ال يفرت ) ‪ ،‬وقال‬
‫صلى هللا عليه وسلم ( خريكم خريكم ألهله ) وهي دعوة أن نعيد تصرفاتنا‬
‫مع أزواجنا وأوالدان على وفق هذا املعىن الكبري ونُعد ذلك دين نتعبد هللا تعاىل‬
‫ونعترب أي نقص يف تلك الواجبات هو نقص يف ديننا وعبادتنا هلل تعاىل ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن التنافس الكبري جيب أن يكون يف غاايت اآلخرة ‪ ،‬وأن من‬
‫وعي اإلنسان وفقهه وكمال علمه أن يبلغ جهده من هذا املعىن حىت أييت منه‬
‫على أمانيه (إن األبرار لفي نعيم ‪ .‬على األرائك ينظرون ‪ .‬تعرف يف وجوههم‬
‫نضرة النعيم‪ .‬يسقون من رحيق خمتوم ‪ .‬ختامه مسك ويف ذلك فلتنافس‬
‫املتنافسون) ومن قرأ هذا النعيم وأدرك ما ينتظره عند هللا تعاىل يوم القيامة علم‬
‫حاجته للعمل واستثماره لكل ممكن قبل الفوات ‪ .‬مشكلتنا اليوم أننا مشغولون‬
‫هبذه الدنيا ‪ ،‬مقبلون عليها ‪ ،‬متنافسون فيها بصورة كبرية وضخمة للدرجة اليت‬
‫كونت بيننا هتاجراً ‪ ،‬وتباغضاً ‪ ،‬ورمبا وصلت بكثريين إىل القتل بينما تلك‬ ‫ّ‬
‫الدار اليت خيربان هللا تعاىل فيها ابلنعيم ويدلنا فيها على التنافس يف أحداثها مل‬
‫أتخذ حظها من قلوبنا بعد ! وواجب طالب العلم واملثقفني كبري يف إاثرة‬
‫مفاهيم النصر واهلزمية ‪ ،‬والربح واخلسارة من خالل الوحي ال من خالل مصادر‬
‫ال عالقة هلا ببناء احلقائق الكربى يف نفوس العاملني فإن الناس يف النهاية نتيجة‬
‫ملا تسمع وترى فيما جيري حوهلا من أحداث ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن العربة ابلنهاايت ! وأن كل صور االنتصار يف الدنيا ال شيء‬
‫ابلنسبة لذلك االنتصار الكبري يف اخلواتيم ( إن الذين أجرموا كانوا من الذين‬
‫آمنوا يضحكون ‪ .‬وإذا مروا هبم يتغامزون ‪ .‬وإذا انقلبوا إىل أهلهم انقلبوا فكهني‬
‫‪ .‬وإذا رأوهم قالوا إن هؤالء لضالون ‪ .‬وما أرسلوا عليهم حافظني ‪ .‬فاليوم‬
‫الذين آمنوا من الكفار يضحكون ‪ .‬على األرائك ينظرون ‪.‬هل ثوب الكفار‬
‫ما كانوا يفعلون ) كم من أفراح دارت يف الدنيا على انتصارات ومهية! وكم من‬
‫أحداث ابت يضحك فيها أهل الباطل مبلئ أفواههم مث هي يف النهاية ال‬
‫شيء ‪ .‬ال تنشغل مبا تراه من واقع عدوك ‪ ،‬وال يفت يف عضدك تلك‬
‫حتمل أعباء طريقك ‪ ،‬وأثقال‬‫االنتصارات اليت حيققها يف مساحة من األرض ‪ّ ،‬‬
‫فكرتك ومشروعك ‪ ،‬ومهوم قضيتك ‪ ،‬واصلح ما بينك وبني هللا تعاىل حىت‬
‫تبلغ هبا اآلمال اليت تنتظرها واألشواق اليت ترجوها يف اخلتام ‪ ،‬وما هي إال‬
‫فرتات وحيني موعد النصر الكبري ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫سورة االنشقاق‬
‫• علمتين سورة االنشقاق ‪ :‬أن التعب والكدح والعناء جزء من حياة كل إنسان‬
‫ما دام يف ساحات الدنيا ( اي أيها اإلنسان إنك كادح إىل ربك كادح فمالقيه)‬
‫التفوق يف حياتك وجناحك يف الدارين إال‬
‫لن تبلغ رضى ربك وجنته ومعارج ّ‬
‫من خالل هذا املعىن الكبري ‪ ،‬وستواجه عناء كبرياً وشاقاً يف طاعتك وأورادك‬
‫العبادية وستتحمل أثقال العبادة طويالً حىت جتد أفراح ذلك يف النهاايت ‪،‬‬
‫ويف املقابل ستعيش ذات الكدح والعناء واجلهد يف طريق شهواتك وأمانيك‬
‫اليت ليست على طريق احلق ‪ ،‬ولن أييت لك منها شيء يسري البتة ‪ ،‬وال تظنّن‬
‫أبن هو عاكف على شهواته ‪ ،‬وجيري يف فلك رغباته أنه سامل من عنائها‬
‫وجهدها وتكاليفها وأثقاهلا فوطّن نفسك على هذا املعىن ‪ ،‬وأحسن إقبالك‬
‫وحتمل أعباء الطريق وسرتى غداً من أرابح جهدك ما مل يكن‬ ‫إىل هللا تعاىل ‪ّ ،‬‬
‫لك على ابل ‪ ،‬قال تعاىل (فأما من أويت كتابه بيمينه ‪ .‬فسوف حياسب حساابً‬
‫يسرياً ‪ .‬وينقلب إىل أهل مسروراً) ويف املقابل عناء ذلك الضال إىل غري هدى‬
‫وهنايته إىل ضالل ( وأما من أويت كتابه وراء ظهره ‪ .‬فسوف يدعو ثبوراً ‪.‬‬
‫ويصلى سعرياً) وكم بني الفريقني من بون ! وكم هي املسافات بني أفراح النعيم‬
‫وخواتيم السوء !‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن احلياة ال تدوم على حال ! وأن كل إنسان معرض للضعف‬
‫واالنتقال من حال آلخر حىت أييت املوت ( لرتكنب طبقاً عن طبق ) فستنتقلون‬
‫من حال آلخر ‪ ،‬من الصغر إىل الكرب ‪ ،‬ومن الشباب إىل الشيخوخة ‪ ،‬ومن‬
‫الصحة والعافية إىل املرض والقعود ‪ ،‬لن يدوم شبابك ‪ ،‬وال صحتك ‪ ،‬وال‬
‫نشاطك ‪ ،‬وال فراغك بل كل هذه ستجري عليها أحداث التغيري وستزول يف‬
‫النهاية ‪ ،‬وإذا كانت هذه هي احلقائق فمن كمال وعيك أن تستثمر هذه النعم‬
‫قبل زواهلا ‪ ،‬وتغتنم كل فرصة قبل فواهتا ‪ ،‬وتدرك أن كل تفريط ميضي من‬
‫عمرك غري قابل للتعويض يف مستقبل األايم إال أن يدرك هللا تعاىل برمحته‬
‫ومثلك أوعى ابلفقه ‪ ،‬فلتكن يف مستوى احلدث فما كل نعمة ابقية ! وال كل‬
‫فرصة لديها االستعداد لالنتظار !‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن خلل الرؤية أخطر ما يواجهك ( بل الذين كفروا يكذبون) وكل‬
‫ضياع عافاان هللا وإايك إمنا هو فرع عن خلل ذلك املعىن الكبري ‪ .‬إن أمم‬
‫األرض اليوم تعاين خلالً يف رؤيتها وضبابية كبرية جداً أفقدهتا بوصلة الشمال‬
‫وضاع منها يف النهاية كل شيء ‪ .‬ولوال هذا اخللل الذي أصاب هؤالء يف‬
‫أصل الرؤية لعرفوا مل خلقوا ‪.‬؟ وإىل ماذا سيصريون يف النهاايت ؟ وماذا ينتظر‬
‫من أمة أو فرد ال ينتظر حساابً وال خياف من عقاب وإمنا هي أشبه ما تكون‬
‫ابألنعام كما قال هللا تعاىل ( أم حتسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون ‪ .‬إن‬
‫هم إال كاألنعام بل هم أضل) ومن الفقه أن ندرك تلك الرؤية اليت حددها‬
‫الوحي (وما خلقت اجلن واإلنس إال ليعبدون ) مث جنهد بكل ما منلك يف ملء‬
‫هذه املساحات أبحداث العمل والبناء وال نتوقف حىت نلقى هللا تعاىل وحنن‬
‫على الطريق ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫سورة الربوج‬

‫• علمتين سورة الربوج ‪ :‬مكانة املؤمن عند ربه تبارك وتعاىل ‪ ،‬وحب هللا تعاىل‬
‫لعباده املؤمنني ‪ ،‬وهذا القسم العظيم منه تعاىل ( والسماء ذات الربوج ‪ .‬واليوم‬
‫املوعود ‪ .‬وشاهد ومشهود ‪ .‬قتل أصحاب األخدود) دليل على مكانة أهل‬
‫اإلميان ( قتل أصحاب األخدود ) لُعن الذين َشقوا يف األرض حفراً وأوقدوا‬
‫فيها النريان لتعذيب املؤمنني الصادقني ‪ ،‬يتوعدهم هللا تعاىل ابلطرد من رمحته‬
‫وأوجب عليهم اخلذالن ألهنم آذوا عباده وامتحنوهم يف دينهم وتولوا تعذيبهم‬
‫ابلنريان ‪ ،‬ومن عرف قدر هذا املعىن قام هللا تعاىل يف قلبه ‪ ،‬وزاد متسكه بدينه‬
‫ومنهجه وأقبل راغباً جمالً لشريعته وهو يشعر بروح العزة واجلالل هتتف مبشاعره‬
‫إىل أقصى مدى ممكن ‪ .‬ومن أنت حىت يقوم هللا تعاىل لك لوال هذا اإلميان‬
‫الذي جتري معامله يف حياتك كل حني !‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن االبتالء سنة إالهية ال تتخلّف عن أصحاب اإلميان ( قتل‬
‫أصحاب األخدود ‪ .‬النار ذات الوقود ‪ .‬إذ هم عليها قعود ) وما هلؤالء‬
‫والعذاب ابلنار ! ماهلم وألثقال هذا املعىن الكبري لوال أحداث اإلميان اليت‬
‫قامت يف واقعهم حىت تلقاهم البالء يف عرض الطريق ‪ ،‬ومن قرأ الوحي أدرك‬
‫أن البالء سنة يف حق أهل اإلميان كما قال تعاىل ( ولنبلونكم حىت نعلم‬
‫اجملاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ) وقد سئل النيب صلى هللا عليه وسلم‬
‫أي الناس أشد بالء ؟ فقال صلى هللا عليه وسلم ( يبتلى األنبياء مث األمثل‬
‫فاألمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان يف دينه صلباً اشتد بالؤه ‪،‬‬
‫وإن كان يف دينه رقة ابتلي على حسب دينه فما يربح البالء ابلعبد حىت يرتكه‬
‫ميشي على األرض ما عليه خطيئة) أخرجه الرتمذي وصححه األلباين ‪ ،‬وهذا‬
‫املعىن موجب للمؤمن أال يتربم مما يصيبه وأن يعلم أن هذه سنة هللا تعاىل‬
‫ويتحمل كل قادم وحيتسب أجره عند هللا تعاىل ويعده من عالمات حب هللا‬
‫تعاىل له ‪ ،‬وحيسن التوكل عليه ‪ ،‬والصرب على ما أصابه حىت حيني موعد الفرج‬
‫إبذن هللا تعاىل ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬سعة رمحة هللا تعاىل وعفوه وصفحه عن املخطئني مهما كان ذنب‬
‫الواحد من هؤالء ‪ ،‬فإن هؤالء حفروا األخاديد للمؤمنني املساكني وألقوهم‬
‫فيها وعذبوهم ابلنار وصنعوا فيهم كل مشاتة ومع ذلك يعرض هللا تعاىل عليهم‬
‫التوبة قبل فوات أجلها ( إن الذين فتنوا املؤمنني واملؤمنات مث مل يتوبوا ) وأابن‬
‫بعد ذلك عن صفته الالزمة له تعاىل فقال ( وهو الغفور الودود ) ومن قرأ هذا‬
‫الوعد بوعي أدرك أنه ال حد لرمحة هللا تعاىل ! وقد قال يف كتابه ( قل اي‬
‫عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ال تقنطوا من رمحة هللا إن هللا يغفر الذنوب‬
‫مجيعاً ‪ .‬إنه هو الغفور الرحيم ) ‪ ،‬بل قال ألهل الكفر وقد صنعوا كل قبيح‬
‫(قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر هلم ما قد سلف ) وهو درس انفع لكل مؤمن‬
‫مهما كانت خطيئة أن ينيب إىل ربه تبارك وتعاىل ‪ ،‬ويستعتب من ذنبه ‪،‬‬
‫ويسأله ملحاً العفو والغفران لعل هللا تعاىل أن يقبله ويتوب عليه ويغفر له‬
‫ويعيده عبداً صاحلاً من جديد ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن هللا تعاىل ميهل وال يهمل ‪ ،‬وميد لعدوه املعرض عن منهجه زمناً‬
‫طويالً ولكنه إذا أخذه مل يفلته ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظاملة‬
‫إن أخذه أليم شديد ) خيرب تعاىل يف هذه السورة عن صفة من صفاته ومعلم‬
‫من معامل قوته وجربوته وأنه إذا بطش صنع كل شيء ( إن بطش ربك لشديد)‬
‫وإذا أتملت مصارع األمم يف التاريخ اليت أجرى عليها بطشه عرفت ما ينتظر‬
‫األعداء واملعرضني يف مستقبل األايم ‪ ،‬وقد أشار تعاىل يف ختام هذه السورة‬
‫إىل ذلك فقال تعاىل (هل أاتك حديث اجلنود ‪ .‬فرعون ومثود ‪ .‬بل الذين كفروا‬
‫يف تكذيب ‪ .‬وهللا من ورائهم حميط) وهي قصص تبني كيف أن هللا تعاىل إذا‬
‫ش جبار متكرب جل يف عاله ‪ .‬ويف قول هللا تعاىل (وهللا‬
‫بطش بطْ َ‬
‫بطش بعدوه َ‬
‫من ورائهم حميط) ما ينبئك عن مطاردة هللا تعاىل ومالحقته ملسلسل اإلعراض‬
‫عنه وإحالل عقوبته هبم وجراين درس التاريخ عليهم كما جرى على من قبلهم‬
‫ال فرق ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫سورة الطارق‬

‫• علمتين سورة الطارق ‪ :‬كمال قدرة هللا تعاىل وكمال علمه وحكمته ورقابته‬
‫على كل ما جيري يف الكون ‪ ،‬وهذا القسم العظيم مبخلوقاته تعاىل ( والسماء‬
‫والطارق ‪ .‬وما أدراك ما الطارق ‪ .‬النجم الثاقب ) على ذلك املعىن ( إن كل‬
‫نفس ملا عليها حافظ ) وما من نفس يف الدنيا من خلق آدم إىل قيام الساعة‬
‫يدون كل شيء وحيفظ ذلك عنها حىت يوم‬ ‫وإال وعليها حافظ من املالئكة ّ‬
‫القيامة ال يفوت منه شيء ‪ .‬ومن عرف أن كلمته اليت يقوهلا ‪ ،‬وحرفه الذي‬
‫يكتبه ‪ ،‬ورسالته اليت يدوهنا ‪ ،‬ومشاركته اليت يبعث هبا وعمله يف مساحة ما‬
‫‪ ،‬ودوره الذي يقوم به ستأيت مدونة مكتوبة ومضبوطة ال يفوت منها شيء‬
‫عرف قدر هللا تعاىل وقام له حبقه وأجل شرعه وقام له بواجباته وصنع له كل‬
‫شيء ( إن كل نفس ملا عليها حافظ ) ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن كل إنسان خلق من نطفة ( فلينظر اإلنسان مم خلق ‪ .‬خلق‬
‫من ماء دافق ) ال فرق بني أمري ووزير وعامل وجاهل وصغري وكبري ورجل وامرأة‬
‫على حد سواء ‪ .‬ومعرفة هذا املعىن مؤثّرة يف معرفة اإلنسان لنفسه وإدراكه‬
‫لواقعه ومؤذنه إبذن هللا تعاىل بتواضعه وقيامه حبقوق من حوله من العاملني ‪.‬‬
‫نسيان هذه القضية ولّد بني الناس متايزاً على غري هدى الوحي وصنع فروقات‬
‫من آاثر اجلاهلية ‪ ،‬وخلّف نزاعاً سافراً بني كثريين يف قضااي نسب وقبيلي وغري‬
‫قبيلي‪ ،‬وخلق بني الناس نوعاً من اجلاهليات ابتت أتخذ حظها من نفوسهم‬
‫وواقعهم مع األايم ‪ ،‬ونشأ على إثر ذلك نزاعات كثرية جداً أفضت إىل ضياع‬
‫حقوق بعض هؤالء وهم من أهل اإلميان ‪ ،‬وصار التعامل على أشياء من‬
‫ظاهر احلياة وليس هلا صلة بقيمها يف شيء ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن مدار الفوز واخلسارة يوم القيامة على صالح القلوب (يوم تبلى‬
‫السرائر ) واعظم األعمال أثراً يف حياة صاحبها ما جرى هبا يف فلك اإلخالص‬
‫هلل تعاىل ( وما أمروا إال ليعبدوا الهلل خملصني له الدين ) ومن فقه هذا املعىن‬
‫كرس جهده يف سبيل‬ ‫أقبل على قلبه وتعاهد نيته وصحح منها ما استطاع و ّ‬
‫تلك الغاايت الكربى وعلم علم اليقني أن املخلوقني ال ينفعون يف شربة ماء‬
‫فضالً عن غريها من األحداث ‪ ،‬ويف احلديث ( إمنا األعمال ابلنيات) فال‬
‫تربح هذا املعىن يف كل جهد تذبله أو عمل تقوم به سواء كان عمالً أو تركاً‬
‫وقد كان بعض سلفك يقول ( إين ألحتسب نوميت كما أحتسب نوميت ) ‪.‬‬
‫واعلم أن ما جيري يف قلبك عليه مدار فالحك وخسارتك ‪ ،‬وما تطويه نيتك‬
‫سيؤثّر على ما يستقبلك ولن تنفعك الصور يف شيء ‪ ،‬وهللا يعلم خائنة األعني‬
‫وما ختفي الصدور ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن الوحي عاصم من الضالل ( إنه لقول فصل ‪ .‬وما هو ابهلزل)‬
‫ومن فقهك وكمال علمك أن ُترد إليه كل شيء صغر األمر أو كرب ‪ ،‬جل أو‬
‫حقر ! وحنن يف زمن فنت ‪ ،‬ومتوج يف األمة أفكار ومفاهيم وتصورات يراد هبا‬
‫تبديل وتغيري الدين وأدىن هتاون يف هذه القضية مفض إىل ضياع مفاهيم‬
‫ضخمة لدين هللا تعاىل ‪ .‬ولن يرد األمة إىل رشدها ويعيد هلا صحتها وعافيتها‬
‫البدنية واملعنوية إال عمل مرتب منظم جيري من خالل أفكار ومفاهيم‬
‫وتصورات الوحي فحسب ‪ .‬ولو أن كل فرد منا رد كل ما يعرض له على‬
‫الوحي وحاكمه إليه لعاش على نور وهدى ما بقيت الدنيا ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وتعلمت منها ‪ :‬أن جهود األعداء مهما بلغ شأهنا وحجمها وأثرها الظاهري‬
‫الكبري يف الكون فهي إىل ضياع ! ( إهنم يكيدون كيداً ‪ .‬وأكيد كيداً ‪ .‬فمهل‬
‫الكافرين أملهم رويداً ) فال يغرك ما تراه منهم ‪ ،‬وال يؤذي قلبك ما تسمع به‬
‫من أخبار وأحداث فإهنا وإن طال زمان أثرها ليأتني عليها زمان ابلضياع‪ .‬هذا‬
‫هو وعد هللا تعاىل ( إهنم يكيدون كيداً ‪ .‬وأكيد كيداً ‪ .‬فمهل الكافرين أملهم‬
‫رويداً ) ولن خيلف هللا تعاىل وعده ‪ .‬وإذا امتأل قلبك من هذا الوعد وجرى‬
‫يف مشاعرك كان لزاماً أن تصدق يف التزامك مبنهج هللا تعاىل ‪ ،‬وأن تقوم‬
‫حبظوظ دينك ورأسك يطاول السماء ‪ ،‬وتقرر أال هتزمك ظروف زمانك مهما‬
‫كانت شدهتا وغربتها وسيحني ذلك الوعد وترى بعينيك ما جيري احلياة يف‬
‫قلبك إىل أقصى مدى ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫سورة األعلى‬

‫• علمتين سورة األعلى ‪ :‬أن من كمال توفيق هللا تعاىل لعبده أن يرزقه إجالله‬
‫وتعظيمه والقيام حبقه ‪ ،‬وتنزيهه عن النقائص قال تعاىل ( سبح اسم ربك‬
‫األعلى ‪ .‬الذي خلق فسوى ‪ .‬والذي ق ّدر فهدى ‪ .‬والذي أخرج املرعى ‪.‬‬
‫فجعله غثاء أحوى ) فهذا الكون جبماداته وحيواانته وطريه وحشراته دليل‬
‫قدرته تعاىل ‪ ،‬وقد قال ( وما من دابة يف األرض وال طائر يطري جبناحيه إال‬
‫أمم أمثالكم ما فردان يف الكتاب من شيء ) وحق هذا املعىن الكبري اإلجالل‬
‫والعظيم والتنزيه ‪ ،‬ومن أتمل هذا اإلبداع يف خلقه تعاىل أدرك ما لربه عليه من‬
‫حق وقام له بكل واجب وصنع له كل شيء ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن حظوظ الداعية إىل هللا تعاىل كبرية وضخمة ( فذ ّكر إن نفعت‬
‫الذكرى ‪ .‬سيذ ّكر من خيشى ) وحق هذا املعىن ( سيذ ّكر من خيشى ) أن يقع‬
‫يف شغاف قلبك ومشاعرك سواء كنت أابً أو معلماً أو زوجاً أو مربياً يف أي‬
‫مساحة من األرض ‪ ،‬وهي بشارة على أن كلمتك ستبلغ موقعها من قلوب‬
‫السامعني يوماً ما خاصة تلك املواعظ اليت جتل الوحي وتعتين به وجتعله هو‬
‫الوسيلة الضخمة إلقناع اآلخرين بدين هللا تعاىل ‪ .‬وهي انفذة يف املقابل تُطل‬
‫بك على األمل ‪ .‬وكم من أحداث وأخبار من آاثر الدعوة على أصحاهبا بعد‬
‫طول زمان ! قال أحدهم ُدعيت للقاء وقد تعنيت يف السفر وحني ألقيت‬
‫كلميت صاحبها فوضى وضعف ترتيب وعدم عناية حىت متنيت وأان ألقي أنين‬
‫مل أجب هذه الدعوة وكنت أحبث عن اخلالص بكل طريق وحني فرغت من‬
‫حماضريت خرجت ويب من األسف على ما حصل واعتربت ذلك نوع من ضياع‬
‫الوقت ‪ ،‬وسافرت ويف أثناء نزويل من الطائرة إذا مبتصل يقول يل كنت عندان‬
‫أغري واقعي وابدأ حياة جديدة ‪ .‬وكم من‬
‫قبل قليل وأبشرك أبنين قررت أن ّ‬
‫خرب مدهش كان أقرب ما يكون ! وكم من سامع للموعظة رد بعد طول‬
‫غياب ! وكم من كلمة ودور وجهد صنع لصاحبه كل شيء ! جيب أن نؤدي‬
‫أدواران ومنأل مساحاتنا وحنن موقنني هبذا الوعد العظيم ( سيذ ّكر من خيشى)‬
‫طال زمان تلك الذكرى أو قرب ‪ ،‬بعد أو قصر ال فرق ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن من أكرب املشكالت اليت تواجه عامل اليوم االنشغال ابلفانية على‬
‫حساب الباقية ( بل تؤثرون احلياة الدنيا ‪ .‬واآلخرة خري وأبقى ) كثريون اليوم‬
‫يسيطر عليهم التفكري يف الدنيا لدرجة أنه مل يبقوا لآلخرة شيئاً ‪ ،‬ومثة جناحات‬
‫كبرية يف قضااي الدنيا ولكنها يف مرات كثرية على حساب تلك الدار‪ .‬ومن‬
‫آاثر هذا املعىن من يتاجر وينافس بقوة ويعرف كل شيء عن إدارة املال‬
‫واإلبداع يف زايدته وهو يف ذات الوقت ال يعتين أبمر آخرته يف شيء فقد جيمع‬
‫من حرام ‪ ،‬أو راب ‪ ،‬أو غش مث ال ينظر إال إىل تلك الزايدات اليت يكاثر هبا‬
‫حسابه ‪ ،‬ويف املقابل قد يكون حريصاً على مجع األموال ومتفنناً يف مجعها‬
‫ومن طرق مباحة ولكنها تبقى مك ّدسة عن اإلنفاق يف سبيل هللا تعاىل فيبقى‬
‫أشقى من يكون بذلك املال ‪ .‬ومن فقه آخرته وما أعد هللا تعاىل له يف تلك‬
‫الدار صنع لنفسه شيئاً وأقبل عازماً صادقاً وخلّف الدنيا وراء ظهره وكتب‬
‫حظه أوىف ما يكون يف الدارين ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫سورة الغاشية‬

‫• علمتين سورة الغاشية ‪ :‬أن من أراد بناء مستقبله بوعي فعليه أن يبدأ من خالل‬
‫الوحي ‪ ،‬وهذه النهاايت اليت تكشفها سورة الغاشية للمهتدين والضالني واحدة‬
‫من تفاصيل تلك اهلداية اليت ميلكها الوحي ‪ ،‬ومن أتمل هذه النهاايت اليت‬
‫يسردها الوحي للضائعني ( هل أاتك حديث الغاشية ‪ .‬وجوه يومئذ خاشعة ‪.‬‬
‫عاملة انصبة ‪ .‬تصلى انراً حامية ‪ .‬تسقى من عني آنية ‪ .‬ليس هلم طعام إال‬
‫من ضريع ‪ .‬ال يسمن وال يغين من جوع ) عرف ما ينتظر كل إنسان يف‬
‫النهاايت ! تعرض لنا السورة حال املفرطني يف صناعة مستقبلهم الضائعني يف‬
‫النهاايت وحتكي لنا حاهلم يف النار ‪ :‬وجوه خاشعة ذليلة متعبة جمهدة مكبلة‬
‫ابلسالسل ومقيدة ابألغالق ويف انر جهنم ‪ ،‬يشربون من عني بلغ ماؤها غايته‬
‫يف احلرارة ‪ ،‬وأيكلون أخبث الطعام وأنتنه ال يسد جوعاً وال يسمن من شيء‪.‬‬
‫وتعرض لنا يف املقابل تلك األفراح اليت تتهادى إىل قلوب الفائزين الناجحني‬
‫( وجوه يومئذ انعمة ‪ .‬لسعيها راضية ‪ .‬يف جنة عالية ‪ .‬ال تسمع فيها الغية‬
‫‪ .‬فيها عني جارية ‪ .‬فيها سرر مرفوعة ‪ .‬وأكواب موضوعة ‪ .‬ومنارق مصفوفة‬
‫‪ .‬وزرايب مبثوثة ) وما قارئ هلذه األحداث إال آخذ منها العرب !‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن التفكر يف خملوقات هللا تعاىل وسيلة من وسائل اهلداية إىل هللا‬
‫تعاىل ( أفال ينظرون إىل اإلبل كيف خلقت ‪ .‬وإىل السماء كيف رفعت ‪ .‬وإىل‬
‫اجلبال كيف نصبت ‪ .‬وإىل األرض كيف سطحت ) ومن أعطى هذا اخللق‬
‫بعض وقته وتفكريه دله على هللا تعاىل من أقرب الطرق ! وهذه الوسيلة إحدى‬
‫وسائل التعرف على هللا تعاىل وتعظيمه وإجالله ‪ ،‬وقد دلنا هللا تعاىل يف مجلة‬
‫آايت من كتابه تعاىل على التفكر والتدبر يف شأن هذا اخللق ‪ ،‬وكم من متعظ‬
‫مبشهد واحد من تلك املشاهد ! وكم من معرض وقد رأى ألف مشهد ‪ ،‬وما‬
‫صنع يف قلبه شيء من الذكرى !‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن مسؤولية الداعي إىل هللا تعاىل إيضاح احلق بدليله وبراهينه‬
‫ووسائله املمكنة والفاعلة يف ذات الوقت ‪ ،‬وما عدا ذلك فمرده إىل هللا تعاىل‬
‫( إنك ال هتدي من أحببت ولكن هللا يهدي من يشاء ) وحسب الداعية بذل‬
‫املمكن وحركته الفاعلة يف واقعه وجهده يف سبيل إبالغ دين هللا تعاىل بكل‬
‫طريق وأال يدخر جهداً سواء يف أتهيل نفسه وإعدادها هلذه املهمة الضخمة‬
‫أو يف اختيار الطريق األمثل لوصول هذه املعاين إىل قلوب املدعوين مث ليس‬
‫له بعد ذلك من شيء ‪ .‬إن مهمة الداعية سواء كان أابً يف بيته أو زوجاً مع‬
‫زوجه أو معلماً يف مدرسته وحلقته أو إمام مسجد ‪ ،‬أو مربياً يف حمضن من‬
‫احملاضن إيصال مفاهيم الوحي أبجنح الطرق واألساليب مث يرتك ما بقي لربه‬
‫تعاىل (فذ ّكر إمنا أنت مذكر ‪ .‬لست عليهم مبسيطر ) وخنطئ يف مرات كثرية‬
‫جداً حني حنسب عوائدان من هذه الدعوة ‪ ،‬وجنهد يف معرفة الثمار ومن كان‬
‫حريصاً على ذلك أوشك أن يقعد عن العمل ولو بعد حني‬
‫سورة الفجر‬

‫• علمتين سورة الفجر ‪ :‬أن غالب صور الفساد اليت جتري يف اجملتمعات تستمد‬
‫تصوراهتا من أمراض ثالثة ( القوة ‪ ،‬والسلطان ‪ ،‬واملال ) وما جيري من بغي‬
‫وطغيان يف حياة األفراد فضالً عن اجلماعات واألمم إمنا هو أثر لتلك األمراض!‬
‫وشواهد هذا املعىن كثرية ومتعددة يف التاريخ املاضي واحلاضر على حد سواء‬
‫ومن أتمل التاريخ وقرأ الوحي وجد أن كل طغيان من األفراد أو اجلماعات‬
‫سببه وموقد فتيل الفوضى فيه هي هذه القوى الثالث ‪ ،‬وما قصة أقوام الكفر‬
‫اليت جاءت يف كتاب هللا تعاىل من األمم السابقة إال بعضاً من ذلك ‪ ،‬وقد‬
‫قال هللا تعاىل يف معرض ذكر عاد ( فأما عاد فاستكربوا يف األرض وقالوا من‬
‫أشد منا قوة) وفرعون قال يف معرض االستبداد ( أان ربكم األعلى) متكئاً على‬
‫تلك القوى اليت أمده هللا تعاىل هبا ‪ ،‬وقارون حني كثرت خزائنه قال ( إمنا‬
‫أوتيته على علم عندي) وما زالت هبم حىت جعلتهم عظة وذكرى للمعتربين!‪.‬‬
‫ومن فقهك أن تعرف أثر نعم هللا تعاىل عليك ‪ ،‬وتستثمر كل ما آاتك هللا‬
‫تعاىل يف عبادته ‪ ،‬ونصر دينه ومنهجه ‪ ،‬مث ال يفتك أن تن ّقب عن أمراضك‬
‫تفشى مع األايم‬
‫وأخطائك ودخائل نفسك وحترص على عالجها حىت ال ت ّ‬
‫وتكون عقبة يف طريق فالحك يف الدارين ‪.‬‬
‫‪....‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن هلل تعاىل عادة مضطردة ال تتخلّف وسنة إهلية ال تتأخر وهي‬
‫أنه تعاىل ُميهل كل معارض ‪ ،‬وميد له يف األمد ‪ ،‬وال يعاجله ابلعقوبة حىت إذا‬
‫ما أخذ حظه من العربة والذكرى ورفض أن يلوي عنقه للحق أخذه أخذ عزيز‬
‫مقتدر وجعله عربة وذكرى للعاملني ‪ ،‬سواء كان ذلك على مستوى األفراد أو‬
‫اجلماعات واألمم ال فرق ‪ .‬ترى ذلك يف قول هللا تعاىل (فصب عليهم ربك‬
‫سوط عذاب) بعد أن أخذت عاد ومثود وفرعون حظها من الفرص وقامت‬
‫عليها العظة واستنفدت كل سبل الذكرى ومع كل ذلك مل يبالوا (فأكثروا فيها‬
‫الفساد ) فكانت عواقب السوء يف النهاايت (فصب عليهم ربك سوط‬
‫عذاب) مث قال هللا تعاىل حمذراً ومذكراً ومنبهاً أن السنة جارية يف حق كل من‬
‫سار على ذات الطريق وصنع ذات البداايت (إن ربك لباملرصاد ) !‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن فساد التصورات أسوأ ما يواجه اإلنسان ( فأما اإلنسان إذا ما‬
‫ابتاله ربه فأكرمه ونعمه فيقول رب أكرمن ‪ .‬وإذا ما ابتاله فقدر عليه رزقه‬
‫فيقول رب أهانن ) رأى هؤالء أن زايدة املال ونقصه دليل على رضا هللا تعاىل‬
‫أو سخطه ‪ ،‬ومىت كانت زايدة املال أو قلته دليل على رضا هللا تعاىل أو‬
‫سخطه! ولكن هكذا يصنع فساد التصورات ‪ .‬ومسألة التصورات يف غاية‬
‫اخلطورة ‪ ،‬ومن الوعي أن جيهد اإلنسان يف بناء التصورات الصحيحة يف حياته‬
‫‪ ،‬وحيذر غاية احلذر من نشوء أوهام ال عالقة هلا ابحلقائق يف شيء ‪ ،‬ومن‬
‫أراد أن يبين تصوراته بصورة صحيحة فال يربح الوحي (قرآانً وسنة ) وسيجد‬
‫يف النهاية كل شيء ‪ .‬ومثة قضااي ضخمة يف تفكري اإلنسان دخلها الفساد‬
‫من خالل وسائل التواصل االجتماعي أو أصدقاء سوء أو مواقع مشبوهة سواء‬
‫كانت يف دين اإلنسان أو فقهه عن احلياة أو تعامله مع اآلخرين أو نظرته‬
‫للواقع وكل هذه اجلوانب ما مل تُعرض على خارطة الوحي سيكون صاحبها‬
‫عرضها للضالل مع مرور األايم ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن بناء مستقبلك الكبري ال أييت من خالل أماين وإمنا حيتاج إىل‬
‫عمل وجهد كبري يناسب تلك األماين اليت تتوق إىل إحداثها‪ .‬لقد حكت‬
‫سورة الفجر مجلة من األماين ألصحاهبا ولكن بعد الفوات ! (وجيء يومئذ‬
‫أىن له الذكرى ‪ .‬يقول اي ليتين قدمت حليايت)‬‫جبهنم يومئذ يتذكر اإلنسان و ّ‬
‫وما تنفع األماين بعد الفوات ! وما تصنع لصاحبها وقد أضاع كل شيء ‪ .‬كم‬
‫هي الفرص اليت تعرض إلنسان يف الدنيا وقد تفوت بال عودة! الشباب والفراغ‬
‫والصحة والوظيفة واملكانة وبسط الرزق ومجلة من املهارات واإلمكاانت‬
‫والطاقات اليت جتري يف حياة كثريين مل تستوعب بشكل أمثل ورمبا يفوت‬
‫استثمارها على كثريين وكان ميكن للواحد أن يصنع منها كل شيء ‪ ،‬بل احلياة‬
‫يف ذاهتا فرصة ضخمة لصناعة آمال اآلخرة أبوسع ما يكون لو أدرك صاحب‬
‫وعي ‪.‬‬
‫سورة البلد‬

‫• علمتين سورة البلد ‪ :‬أن جنس اإلنسان خملوق يف كبد وعناء ومشقة ‪ ،‬وهذا‬
‫القسم من ربك مبخلوقاته (ال أقسم هبذا البلد ‪ .‬وأنت حل هبذا البلد ‪ .‬ووالد‬
‫وما ولد) على تقرير هذه القضية ( لقد خلقنا اإلنسان يف كبد ) ! ومعرفة‬
‫متحسر‬
‫ّ‬ ‫هذا املعىن مفض بصاحبه إىل الراحة والطمأنينة واالستقرار ‪ ،‬وكم من‬
‫على واقعه حيسب أن غريه يف لذائذ ال ينفك عنها وفاته أن هذا األصل جيري‬
‫يف حياة كل إنسان حبسبه ‪ .‬مشكلة كثريين اليوم أنه يفوهتم هذا الوعي الذي‬
‫تقرره السورة ويفوهتم بذلك كثري من االستقرار والطمأنينة حني يرون أبن غريهم‬
‫يعيش يف أحالمه وجيري يف فلك سعادته وليس لديه ما يواجهه من شقاء وهم‬
‫يعيشون يف نكباهتا وجيدون من مضها وأملها ما جيدون ! وليس األمر كذلك‬
‫وكل يف فلكه جيده منها ما جيد غريه ال فرق ‪ ،‬وإذا كان األمر كذلك فمن‬
‫كمال عقلك ووعيك أن ختلّي بينك وبني قلبك ‪ ،‬وأن ترى احلياة من هذا‬
‫املنظار وتفرح بكل ما جتده يف عرض الطريق ‪ ،‬وحتمد هللا تعاىل على ما آاتك‬
‫وتعلم يقيناً أن هللا تعاىل حجب عنك ما فيه مضرة عليك أو ليس من‬
‫مصلحتك وحالك بدونه أفضل وأمجل وأسلم لك يف العواقب مع األايم وحتمد‬
‫هللا تعاىل على كل حال ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬خطر األوهام يف حياة الناس ‪ ،‬وأهنا قاعدة كثري من األخطاء‬
‫واإلخفاقات اليت يواجهها اإلنسان يف حياته كصورة هذا الذي يسيء يف حق‬
‫ربه تبارك وتعاىل ويظن أنه يف منأى عن ربه ومبعزل عن رقابته فيجري يف فلك‬
‫احلياة كما يشاء ( أحيسب أن لن يقدر عليه أحد ‪ .‬يقول أهلكت ماالً لبداً‬
‫‪ .‬أحيسب أن مل يره أحد ) بلغت به األوهام للدرجة اليت يفضي فيها إىل حمارم‬
‫هللا تعاىل ويظن أنه ال رقيب وال حسيب على ما يفعله ‪ ،‬بل ال قدرة هلل تعاىل‬
‫عليه ‪ ،‬ويعبث أبمواله يف معاصي ربه ويظن ومهاً كذلك أنه يتصرف بعيداً عن‬
‫علم هللا تعاىل ورقابته ‪ ،‬وفاته أن هللا تعاىل يرى كل شيء ويرصد له كل حركة‬
‫وال يتخلف عن علم هللا تعاىل يف شيء ولكن ُجيري عليه السنن وهو يف غفلة‬
‫من شأنه ‪ .‬كم من إنسان يعارض حكم هللا تعاىل ويقف يف وجه دينه ومنهجه‬
‫وتتأخر عقوبته ويظن أنه يف الطريق الصحيح وقد أوشك على اهلالك ! وكم‬
‫من إنسان يتخلف عن واجباته ويسيطر عليه وهم أبن األمر يف ذلك بسيط‬
‫وال يتطلب هذا القلق وقد شارف على الضياع ! فضالً عن كثريين جتري‬
‫األوهام يف حياهتم يف كل شيء ويظنون أهنم على احلقائق يف كل شيء‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن نعم هللا تعاىل على اإلنسان كثرية ومتنوعة وهي أحوج ما تكون‬
‫إىل شكر وإجالل ( أمل جنعل له عينني ‪ .‬ولساانً وشفتني ‪ .‬وهديناه النجدين)‬
‫وقال تعاىل ( وما بكم من نعمة فمن هللا ) وقال تعاىل ( وإن تعدوا نعمة هللا‬
‫ال حتصوها ) ولو مل يكن من ذلك إال هذا البصر الذي ترى به كل شيء ‪،‬‬
‫وكم من أعمى يضيع يف الطريق ألف مرة ‪ ،‬ويشتهي أن يرى ولو للحظة !‬
‫فضالً عن هذا اللسان الذي يفصح به عن شهواته وملذاته واحتياجاته ‪ ،‬وكم‬
‫من أبكم حيتاج إىل زمن ليوصل لك رسالة ويبني لك عن حاجه وقد ال ينجح‬
‫يف شيء من ذلك ويعود وقد جرى يف قلبه ألف أسى ! إن من فقه صاحب‬
‫النعمة وكمال وعيه أن يتعرف على هذه النعم وجيهد يف توظيفها التوظيف‬
‫ويتقوى هبا على طاعة هللا تعاىل وحيذر غاية احلذر أن تكون جزءاً من‬‫األمثل ّ‬
‫ظالم أو عوانً على رذيلة يف يوم من األايم ‪.‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن التكاتف والتعاضد والتناصر والتحاض على فضائل األمور‬
‫سيما اجملتمعات الناهضة ( فال أقتحم العقبة ‪ .‬وما أدراك ما العقبة ‪ .‬فك رقبة‬
‫‪ .‬أو إطعام يف يوم ذي مسغبة ‪ .‬يتيماً ذا مقربة ‪ .‬أو مسكيناً ذا مرتبة ) ويف‬
‫البخاري من حديث سهل بن سعد رضي هللا عنه قال صلى هللا عليه وسلم‬
‫( أان وكافل اليتيم يف اجلنة كهاتني) وأشار أبصبعيه السبابة واإلهبام ‪ .‬ويف‬
‫الصحيحني من حديث أيب هريرة رضي هللا عنه قال صلى هللا عليه وسلم‬
‫(الساعي على األرملة واملسكني كاجملاهد يف سبيل هللا تعاىل ‪ ،‬أو القائم الليل‬
‫الصائم النهار ) وهذه املعاين من فروض الكفاايت اليت ال جيوز لألمة تركها‬
‫البتة ‪ .‬وحضارة األمة مرهونة ابلتعاون يف مثل هذه اجلوانب وسد فقر هذه‬
‫الفئات وإعانتها على احلياة الكرمية والتعاضد معها والتناصر حىت تستغين بذاهتا‬
‫يوماً من الدهر‪.‬‬
‫سورة الشمس‬

‫• علمتين سورة الشمس ‪ :‬أن النجاح واإلخفاق مسؤوليتك الشخصية ‪ ،‬وقد‬


‫وزوده بكافة الطاقات والقدرات واإلمكاانت وأهلمه‬ ‫خلق هللا تعاىل اإلنسان ّ‬
‫كل شيء ومكنه من طريق اخلري والشر وجعل له القرار يف كل ذلك كما قال‬
‫تعاىل ( فأهلمها فجورها وتقواها ) وهو ذاته الذي خيتار طريقه بنفسه ويقرر ما‬
‫يريد أن يكون يف النهاية ‪ ،‬وقد بعث هللا تعاىل له أعظم رسله ‪ ،‬وأنزل عليه‬
‫كاف ببعث روح األمل يف حياتك فليس بينك وبني‬ ‫أعظم كتبه ‪ ،‬وهذا املعىن ٍ‬
‫أمانيك سوى القرار ‪ .‬جزء من مشكالتنا اليوم أننا نعاين أزمة ثقة يف ما ملّكنا‬
‫هللا تعاىل من قدرات ومهارات وقرارات ونظل نشكك يف كل هذه املعطيات‬
‫ولدينا قناعات أتصلت من زمن أن النجاح حمدود والبيئات ال تساعد على‬
‫ذلك النجاح وستظل كل األماين اليت نرقبها جمرد أوهام ال واقع هلا مع األايم‬
‫ومن أتمل هذا املعىن الكبري يف هذه السورة ( فأهلمها فجورها وتقواها) أدرك‬
‫أنه مسؤول عن كل قرار يتخذه وكل تصرف يتصرفه وكل حركة يفعلها ألنه‬
‫ميلك كل شيء ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن الفالح كل الفالح يف طاعة هللا تعاىل ‪ ،‬وأن من أقبل على ربه‬
‫تعاىل صادقاً ألقى هللا تعاىل يف قلبه احلياة ( قد أفلح من زكاها ) وأن هذه‬
‫الدنيا دار اختبار وامتحان والفائز فيها من استثمرها يف الطريق إىل هللا تعاىل‬
‫وهذا الفالح الذي تشري إليه اآلية (قد أفلح من زكاها) صناعة شخصية يف‬
‫مقدور كل إنسان وليس دونه شيء ‪ .‬فآمن أنك قادر على صناعة واقعك‬
‫وكن يف مستوى احلدث ‪ ،‬وتذكر بالل احلبشي الفقري املسكني الذي شهد له‬
‫النيب صلى هللا عليه وسلم أبنه مسع قرع نعاله يف اجلنان و ما زال يف الدنيا ‪،‬‬
‫ومثله تلك املرأة اليت اشتاقت للجنان فرضيت ابملرض وبقيت تعيش الصرع‬
‫طول تلك الفرتة اليت عاشتها يف انتظار تلك األمنية الكربى (وإن شئت صربت‬
‫ولك اجلنة) وابن أم مكتوم رضي هللا تعاىل عنه عاتب هللا تعاىل فيه رسوله‬
‫صلى هللا عليه وسلم جملرد أنه عبس يف وجهه وهو مل يره أصالً ‪ ،‬فأفق قبل‬
‫فوات الفرص ‪ ،‬وتذكر أنه ليس يف مقابل ذلك إال الفشل واحلرمان والضياع‬
‫حصل شيئاً يسعده‬
‫دساها) خاب يف الدارين فال هو الذي ّ‬ ‫(وقد خاب من ّ‬
‫‪ ،‬وال هو الذي وجد شيئاً يستحق الفرح يف آخرته ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن العيش لألفكار الناهضة واملشاريع الضخمة والقضااي الكربى‬
‫ال تصلح إال ألمثالك ‪ ،‬ومن الغنب أن تعيش يف مساحة ما مث ال تكتب فيها‬
‫حداثً ‪ ،‬وال تشعل فيها فتيالً يبدد الظالم ‪ ،‬وال تصنع فيها ربيعاً مورقاً مع‬
‫األايم ‪ .‬تعرض لك سورة الشمس قصة ذلك املشؤوم الذي محل فكرة ابطلة‬
‫‪ ،‬وحتمل أعباء مشروع الضالل ‪ ،‬وانضل من أجل اخلذالن ( إذا انبعث‬
‫أشقاها) وهو ق ّدار بن سالف الذي أىب إال أن يكون مسؤوالً أوالً عن الضياع‬
‫وجتري على ظهره أثقال العدوان إىل يوم القيامة ! أفيكون هذا املشؤوم أقدر‬
‫منك على محل الفكرة وحتمل تبعات املشروع والنضال من أجل قضيته اليت‬
‫يؤمن هبا وأنت على الطريق وصاحب املنهج وأوىل بصناعة شجون النجاح ما‬
‫زلت واقفاً مرتدداً ! إن من الفقه وكمال الوعي أن يعي اإلنسان دوره ويهيء‬
‫نفسه ويتأهل لصناعة مستقبله من خالل تبين األفكار اجلادة واملبادرات الكبرية‬
‫اليت يصنع هبا لنفسه النجاح يف الدارين ‪ .‬وقل مثل ذلك يف اجملتمعات اليت‬
‫جيب أن تتآزر على الفضيلة وتقوم بدورها الكبري يف اإلصالح وتشارك يف مد‬
‫أحداث الفضيلة يف واقعها ومن الغنب أن تعي مثود دور التعاون يف الظلم‬
‫والعدوان ( كذبت مثود بطغواها ) وال يعي جمتمع من جمتمعات املسلمني دوره‬
‫الكبري يف بناء اإلصالح والفضيلة ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬خطر الذنوب على صاحبها فإهنا ما زالت بقبيلة مثود حىت حل‬
‫ورد‬
‫عليهم غضب هللا تعاىل وسخطه ( فدمدم عليهم رهبم بذنبهم فسواها) ّ‬
‫سبب ذلك العذاب إىل ذنوهبم وأهنا سبب ما حصل هلم من هناايت السوء‬
‫نعود هللا من اخلذالن ‪ .‬وكم من معصية أضاعت مشروع صاحبها ! وكم من‬
‫معصية ألقت يف بيت صاحبها اخلالف والنزاع والفوضى ! وكم من معصية‬
‫أفلس صاحبها بسببها وأصبح ينوء ابلديون بعد العافية منها ! وآاثرها أكرب‬
‫من ذلك بكثري غري أن غبارها ال يثور من ذلك احلني وقد تتحسس أثرها فال‬
‫ترى له واقعاً وإذا به مع األايم يسرق منك كل شيء حىت حتل بك النكبات‬
‫بعد نسيان ‪ .‬وهللا املستعان ! فال يغرك أتخر عواقب الذنب فكم من متأخر‬
‫جاء أبسوأ العواقب والنكبات ‪.‬‬
‫سورة الليل‬

‫• علمتين سورة الليل ‪ :‬أن اختالف النتائج يف الدارين وقف على اختالف العمل‬
‫( إن سعيكم لشىت ) كم هم الذين يدركون هذه احلقيقة ! وكم هم الذين‬
‫يتفاعلون معها ! وعلى قدر هذا العمل ستكون نتائج اخلتام ‪ ،‬وهلذا املعىن جتد‬
‫يف كتاب هللا تعاىل ( وسابقوا) ‪ ( ،‬وسارعوا ) ‪ ( ،‬فاستبقوا اخلريات ) ويف‬
‫البخاري أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال ( إن أهل اجلنة يرتاؤون أهل الغرف‬
‫من فوقهم كما يرتاؤون الكوكب الدري الغابر يف األفق من املشرق والغرب‬
‫لتفاضل ما بينهم ) قالوا ايرسول هللا تلك منازل األنبياء ال يبلغها غريهم ‪ ،‬قال‬
‫( بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا ابهلل وصدقوا املرسلني ) ومن هذا الباب‬
‫كانت تلك األجيال اليت عاشت مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم تستشعر‬
‫هذا املعىن وتبذل يف سبيله كل ممكن حىت قال أبو بكر رضي هللا تعاىل عنه‬
‫(وهل على أحد من حرج أن يدخل من أبواب اجلنة الثمانية كلها ؟ فقال‬
‫صلى هللا عليه وسلم ( ال ‪ ،‬وأرجو اي أاب بكر أن تُدعى من أبواب اجلنة الثمانية‬
‫كلها) ‪ ،‬واهتز عرش الرمحن ملوت سعد بن معاذ وعمره يف اإلسالم ست‬
‫سنوات ‪ ،‬وأنفق عثمان رضي هللا عنه ماله حىت قال له رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم ( ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم ) فكن واعياً بقدر زمانك وإن‬
‫استطعت أال يسبقك أحد اجلنة فافعل فتلك هي صنائع الكبار ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن جناح اإلنسان وحتقيق آماله وقف على اخلطوة األوىل ‪ .‬ومثل‬
‫ذلك إخفاقه وفشله وقف على ذات املعىن ‪ ،‬قال تعاىل (فأما من أعطى واتقى‬
‫وصدق ابحلسىن ) فهذا الذي بذل وابدر وقام إىل صناعة واقعه متفائالً كانت‬
‫النهاية له ( فسنيسره لليسرى ) اليسرى يف قلبه ومشاعره ‪ ،‬واليسرى يف بيته‬
‫وزوجه وولده ‪ ،‬واليسرى يف عمله وفكرته ومشروعه ‪ ،‬واليسرى يف ماله وراتبه‬
‫‪ ،‬واليسرى يف كل شيء من حياته ‪ .‬واآلخر الذي رفض فكرة اخلطوة األوىل‬
‫وبني حاله‬
‫وقعد ينتظر غيث السماء دون جهد وعناء حكى هللا تعاىل واقعه ّ‬
‫وهنايته ( وأما من خبل واستغىن ‪ .‬وكذب ابحلسىن ) فالنتيجة اليت تنتظره‬
‫(فسنيسره للعسرى) العسرى يف قلبه ومشاعره ‪ ،‬والعسرى يف بيته وزوجه وولده‬
‫‪ ،‬والعسرى يف عمله وفكرته ومشروعه ‪ ،‬والعسرى يف ماله وراتبه ‪ ،‬والعسرى‬
‫يف كل شيء من حياته‪ .‬والدرس الكبري أنك أنت من تصنع ربيع أايمك ‪،‬‬
‫وأنت يف ذات الوقت من يقف دون تلك األماين الكبار ‪ .‬وكم من خطوة‬
‫فتحت أبواابً لألمل ! وصنعت فأالً يف واقعك ! وكمن من خطوة بددت نعماً‬
‫‪ ،‬وأاثرت مشكالت ‪ ،‬وصنعت واقعاً بئيساً يف حياة صاحبها زمناً من الدهر!‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن من فقه اإلنسان وكمال وعيه أن تكون قدراته وطاقاته ومهاراته‬
‫وإمكاانته يف سبيل دينه ومنهجه وعقيدته ‪ ،‬ومامل تكن يف ذلك الطريق فهي‬
‫دليل شقاء صاحبه وضياعه يف الدارين ( وما يغين عنه ماله إذا تردى) وما‬
‫يصنع لك عقلك وفكرك ومالك ومهارتك وقدراتك إذا مل تكن يف الطريق إىل‬
‫هللا تعاىل ! كان هذا ميلك ماالً ولكنه عاش شحيحاً به فال يصنع له يوم‬
‫القيامة موقعاً ‪ ،‬وال يدفع عنه يف تلك املواقف شيئاً ‪ .‬كم من مال وقدرات‬
‫ومهارات وإمكاانت كانت احلياة الكربى لصاحبها ! وكم من مال وقدرات‬
‫ومهارات وإمكاانت يف املقابل كانت ضياعاً وفوضى ! كم هي عوائد الوعي‬
‫على أيب بكر رضي هللا عنه ! وعوائد املال على عثمان رضي هللا عنه ! وعوائد‬
‫أيب رضي هللا‬‫العلم على معاذ رضي هللا عنه ! وعوائد كتاب هللا تعاىل على ّ‬
‫عنه ! وكم هي يف املقابل عوائد املسؤولية واملال على أيب جهل وأيب هلب‬
‫وآخرين ذهبواً رغم كل ما ميلكون حطباً للنار ‪ ،‬وهللا املستعان ! تعرف على‬
‫ما متلك من ثروات ضخمة مث ابلغ جهدك يف بناء صرحك هبا ما استطعت‬
‫إىل ذلك سبيالً وهللا يتوالان وإايك يف الدارين ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن اإلخالص هلل تعاىل أعظم األعمال بل هو لبها وروحها وأثرها‬
‫يف الدارين ! وهذا الثناء العاطر على أيب بكر الصديق رضي هللا تعاىل عنه‬
‫حول ماله وكل شيء من حياته لصاحل دينه ومنهجه ال يبتغي بذلك‬ ‫والذي ّ‬
‫ثناءً من أحد من العاملني ( وسيجنبها األتقى ‪ .‬الذي يؤيت ماله يتزكى ‪ .‬وما‬
‫ال أحد عنده من نعمة جتزى ‪ .‬إال ابتغاء وجه ربه األعلى ) وأتيت النهاايت‬
‫هبذه النتائج الضخمة ( ولسوف يعطيك ربك فرتضى ) ومن أراد هللا تعاىل‬
‫خالصاً جرت له أحداث احلياة كما يشاء ‪ .‬وشأن اإلخالص عظيم ‪ ،‬والرايء‬
‫أخطر األمراض وأضرها على عملك يف الدارين ‪ ،‬ويف احلديث أن أول ثالثة‬
‫تسعر هبم انر جهنم يوم القيامة ( اجملاهد ‪ ،‬وحافظ القرآن ‪ ،‬واملتصدق) وكل‬‫ّ‬
‫ذلك ألهنم أرادوا هبذه األعمال عاجل احلياة وفاهتم رجاء ما عند هللا تعاىل ‪.‬‬
‫ومن فقهك وكمال وعيك أن تتخلّص من شوائب دنياك وأن تقبل على هللا‬
‫تعاىل يف عملك ‪ ،‬وأال ترجو أحداً من العاملني يف شيء وعملك أمثن من أن‬
‫يذهب سدى لعارض الرايء ‪.‬‬
‫سورة الضحى‬

‫• علمتين سورة الضحى ‪ :‬حب هللا تعاىل لنبيه صلى هللا عليه وسلم ورعايته له‬
‫ترى ذلك من خالل هذه السورة اخلالصة له صلى هللا عليه وسلم خيربه هللا‬
‫تعاىل فيها أبنه يرعى مشاعره ويواجه الباطل عنه ويذود عنه أعداءه من حوله‬
‫ويسليه مبا أعد له يف الدارين ( والضحى ‪ .‬والليل إذا سجى ‪ .‬ما ودعك ربك‬
‫وما قلى ‪ .‬ولآلخرة خري لك من األوىل ‪ .‬ولسوف يعطيك ربك فرتضى )‬
‫وهي دعوة لكل مؤمن أن يسلك ذات الطريق ليلقى يف النهاية ذات النعيم‬
‫وجتري عليه ذات األحداث ‪ .‬إن حاجة اإلنسان إىل ربه فوق كل حاجة ولكن‬
‫بلوغ آماله من تلك احلاجة ال أييت ابألماين وإمنا حتتاج إىل جهد وعناء حىت‬
‫تبلغ بصاحبها إىل ما يريد ‪ ،‬وقد أابنت السورة كيف أن هللا تعاىل إذا رضي‬
‫على إنسان أعطاه ! وإذا أعطاه أدهشه بذلك العطاء!‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن الرد على األقاويل الباطلة واحلجج الواهية واملقاالت الكاذبة‬
‫جزء من منهج القرآن ‪ .‬لقد توىل هللا تعاىل دحض حجج املكذبني الضالني‬
‫واملفرتين على نبيه صلى هللا عليه وسلم بقوله تعاىل ( ما ودعك ربك وما قلى)‬
‫كما يف الصحيحني من حديث جندب بن عبد هللا رضي هللا عنه قال اشتكى‬
‫صلى هللا عليه وسلم فلم يقم ليلتني أو ثالاثً فجاءت امرأة فقالت اي حممد ‪:‬‬
‫إين ألرجو أن شيطانك تركك مل أره قربَك منذ ليلتني أو ثالاثً ‪ ،‬فساله هللا‬
‫تعاىل هبذه السورة اليت َسلّت كل عناء وأمل من قلبه وألقت به لألفراح ‪ ،‬وال‬
‫يقوم احلق يف مرات كثرية إال على دحض شبه أهل الباطل وتقويضها من‬
‫األصل وردمها على هامة صاحبها ! وحنن يف زمن انتشرت فيه الشبه وكالم‬
‫أهل الباطل واألوهام وحياول العدو جاهداً يف هدم تصورات احلق وإبداهلا‬
‫بتصورات الباطل واحلاجة ملحة إىل طالب علم ينقضون تلك احلجج ويبنون‬
‫لإلسالم عروشاً للمجد من خالل ذلك على أال تكون هي األصل أو أتخذ‬
‫أكرب من حجمها وأال ينشغل هبا اإلنسان عن إدارة أولوايته الكربى يف احلياة‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن من وعي املؤمن تذ ّكر املاضي واالستفادة من توظيفه يف مستقبل‬
‫األايم ‪ ،‬حني امنت هللا تعاىل على نبيه صلى هللا عليه وسلم بقوله (ما ودعك‬
‫من هللا تعاىل عليه يف سالف دهره وأول أايمه بقوله‬ ‫ربك وما قلى ) ذ ّكره مبا ّ‬
‫تعاىل ( أمل جيدك يتيماً فآوى ‪ .‬ووجدك ضاالً فهدى ‪ .‬ووجدك عائالً فأغىن )‬
‫وهذا املعىن مهم ومؤثّر يف بناء اإلنسان لذاته وعنايته ببناء مستقبله وذ ّكره هللا‬
‫تعاىل مبا جيري يف مستقبله بناء على ماضيه الذي عاشه ( فأما اليتيم فال تقهر‬
‫‪ .‬وأما السائل فال تنهر) كأنه يقول له لقد عشت هذه املعاين وجرت يف أايمك‬
‫األول ومن فقهك أن تبقى على خاطرك فإن ذلك أبلغ يف حتقيق رسالتك‬
‫وبلوغ آمالك مع اآلخرين ‪ ،‬وكان كذلك صلى هللا عليه وسلم يف تعامله مع‬
‫كل هؤالء دون استثناء ‪ .‬وكل إنسان مسؤول عن تذ ّكر املاضي ابلدرجة اليت‬
‫توقظه لبناء مستقبله ال اليت تعيقه وتسهم يف ختلفه مع األايم ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن احلديث عن نعم هللا تعاىل من ابب الشكر كمال وعي ‪ ،‬لقد‬
‫أمر هللا تعاىل نبيه صلى هللا عليه وسلم أن حي ّدث بنعمه عليه من ابب الشكر‬
‫وإجالل النعم والقيام حبقها وتوظيفها التوظيف األمثل يف حياته وليس من‬
‫ابب االمتنان الشخصي لذاته ‪ ،‬وهذا فقه وكمال وعي وكلما أفضى بك‬
‫ورزقت خشية‬ ‫احلديث عن نعم هللا تعاىل إىل إجالهلا وتعظيمها وعدم نسياهنا ُ‬
‫وإخبااتً وصدقاً مع ربك تعاىل كانت أدعى لتديل الثمار قبل أواهنا ‪ ،‬وحتذر‬
‫يف املقابل أن جتري على لسانك صورة وشكالً وقلبك منطو على أن ذلك‬
‫دليل قدرتك وتفوقك ومتيزك على من حولك فإن ذلك ابب سوء مثلك أوعى‬
‫أن جيري بك الشيطان يف فلكه يوماً ما ‪ ،‬وإايك املهلكات الثالث ( أان ‪ ،‬يل‬
‫‪ ،‬وعندي ) فمثلك أوعى أن جتري يف فلكها وقد ذهب أصحاهبا عربة يف‬
‫التاريخ ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫سورة الشرح‬

‫• علمتين سورة الشرح ‪ :‬عناية هللا تعاىل برسوله صلى هللا عليه وسلم ترى ذلك‬
‫من خالل شرحه لصدره ‪ ،‬ووضع أوزاره عنه ‪ ،‬ورفع ذكره ( أمل نشرح لك‬
‫صدرك ‪ ،‬ووضعنا عنك وزرك ‪ .‬الذي أنقض ظهرك ‪ .‬ورفعنا لك ذكرك ) وما‬
‫ذا بقي له صلى هللا عليه وسلم بعد هذا اللطف والرعاية واإلكرام اليت لقيها‬
‫صلى هللا عليه وسلم من ربه تبارك وتعاىل ‪ ،‬فاهلل تعاىل إذا أعطى أدهش !‬
‫وإذا رضي على إنسان أعطاه كل شيء ! وفتح له أبوابً من النعيم ال تغلق‬
‫مدى احلياة ! ومن أراد هذه املعاين فليحسن صلته ابهلل تعاىل ‪ ،‬وليصدق يف‬
‫الطريق إليه ‪ ،‬وليحسن اإلقبال عليه وستجري عليه ذات املعاين ‪ ،‬وسيجد‬
‫حياة ما كانت له على ابل! ليس بني هللا تعاىل وبني خلقه نسب وهذه املنح‬
‫جتري لكل إنسان على قدر صدقه مع ربه تعاىل وقيامه حبظوظ العمل ‪ ،‬وقد‬
‫كان صلى هللا عليه وسلم يصلي حىت تنتفخ قدماه من طول القيام وتناصحه‬
‫عائشة رضي هللا تعاىل عنه فيقول ‪ :‬أفال أكون عبداً شكوراً ! وكان يصوم حىت‬
‫يقال ال يفطر ‪ ،‬وكان أجود ما يكون بوقته وماله وفكره وحياته كلها يف سبيل‬
‫هللا تعاىل ‪ ،‬ومن سار على ذات الطريق وصل يوماً من الدهر ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن للذنوب أثقال وأمحال ! فمن مجلة املنن اليت امنت هللا تعاىل هبا‬
‫على عبده ورسوله حممد صلى هللا عليه وسلم أن وضع عنه ذنوبه ‪ ،‬وخفف‬
‫عنه أثقاهلا ‪ ،‬وألقى عنه أمحاهلا ( ووضعنا عنك وزرك ‪ .‬الذي أنقض ظهرك)‬
‫ومن املعلوم أن األنبياء معصومون من الكبائر واخليانة وتقع منهم صغائر‬
‫الذنوب أو خالف األوىل ومع ذلك أخرب هللا تعاىل أنه كانت كاألثقال على‬
‫ظهره صلى هللا عليه وسلم فكيف أبصحاب الكبائر ! ومن هذا املعىن قال‬
‫احلسن ملن سأله عن رغبته يف قيام الليل وعدم قدرته على ذلك قال ‪ :‬قوم‬
‫كبلتهم معاصيهم عن طاعة هللا تعاىل ‪ .‬اهـ كم من حمروم عن صالة اجلماعة‬
‫ال يستطيع النهوض من فراشه ! وكم من سامع ألحداث القرآن يف حياة‬
‫كثريين وال يستطيع أن ميد يده إليه ! وكم من ميلك ماالً ولكنه يقف مغلول‬
‫اليد عن اإلنفاق ! وكم من إنسان تتقطع نفسه حسرات على كثري من األعمال‬
‫الصاحلة وميوت ألف مرة دوهنا ‪ .‬ومن الفقه والوعي إذا رأيت من نفسك أتخراً‬
‫عن طاعة ‪ ،‬وثقالً عن خري ‪ ،‬وتباطؤ يف صاحل من األعمال فأدرك نفسك‬
‫فإمنا هذه صناعة املعاصي ألقت أبمحاهلا على قلبك حىت أبقتك حمروماً من‬
‫كل شيء ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن كل عسر مقابل بيسريين ‪ ،‬يسر قبله ويسر بعده ذلك أن هللا‬
‫عرفاً مرتني فهو عسر واحد ال اثين له ‪ ،‬وذكر اليسر منكراً‬
‫تعاىل ذكر العسر ُم ّ‬
‫مرتني فهما يسران ‪ ،‬ولن يغلب عسر يسرين ( فإن مع العسر يسراً ‪ .‬إن مع‬
‫العسر يسراً ) فما ضاقت أزمة إال انفرجت ‪ ،‬وما حلت ظلمة إال زالت ‪ ،‬وما‬
‫حدث كرب إال فُرج وإمنا هي أايم مث حتني مواعيد الفرح من جديد ‪ .‬كم لقي‬
‫النيب صلى هللا عليه وسلم وأصحابه يف مكة من تعذيب وطرد وحصار وأايم‬
‫بؤس وكلها اجنلت يف حلظة من حلظات غزوة بدر وجاء الفجر بعد ليل طويل!‬
‫وكم هي أفراح بدر مقارنة أبفراح فتح مكة يف النهاايت ودخول الناس يف دين‬
‫هللا تعاىل أفواجاً ! وكم هو الفرق بني أايم اهلجرة اليت خرج فيها من مكة طريداً‬
‫شريداً ُمتَابعاً وبني واللحظة اليت دخل فيها مكة منتصراً مغموراً ابألفراح ! ولو‬
‫أن بعضنا نظر لظروفه وأايمه اليت مرت لوجد هذه احلقائق رأي عني ‪ .‬كم من‬
‫ضال اهتدى بعد طول أمد من العناد والفوضى ! وكم من مديون أصبح اتجراً‬
‫بعد طول انتظار ! وكم من غربة أفضت بصاحبها إىل لقاء األفراح بعد سنني!‬
‫وما حل كرب وال ضيق وال عسر إبنسان إال كان على وعد مع احلياة أقرب‬
‫ما تكون ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن الصلة ابهلل تعاىل واإلقبال عليه من أعظم ما تعني صاحبها‬
‫على تكاليف احلياة ‪ .‬إذا واجهتك الفنت ‪ ،‬وضاقت عليك الظروف ‪ ،‬وقل‬
‫املعني ‪ ،‬ومل جتد من أيخذ بيدك فتوجه إىل ربك تعاىل وأحسن صلتك به ‪،‬‬
‫ومد يدك إليه وكرر (ايرب) وستأيت على كل أمانيك وإن طال زمان ذلك‬
‫االنتظار ‪ ،‬أال ترى أن هللا تعاىل أشار إىل نبيه صلى هللا عليه وسلم هبذا املعىن‬
‫الكبري فقال تعاىل ( فإذ فرغت فانصب ‪ .‬وإىل ربك فارغب) ! لنتعلم يف كل‬
‫مرة أن طاعتنا هلل تعاىل ‪ ،‬وإقبالنا إليه ‪ ،‬وإصالح واقعنا معه تعاىل هو الطريق‬
‫األوسع ألفراحنا يف مستقبل األايم ‪ .‬ومن أصلح ما بينه وبني هللا تعاىل أصلح‬
‫هللا تعاىل له كل شيء قال تعاىل ( من عمل صاحلاً من ذكر وأنثى وهو مؤمن‬
‫فلنحيينه حياة طيبة ) حياة طيبة يف قلبه ومشاعره وبيته وعمله ومشروعه وكل‬
‫شيء يف حياته ‪ ،‬وال طريق إىل هذا املعىن الكبري إال من طريق هللا تعاىل وما‬
‫عداه فضياع ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫سورة التني‬

‫• علمتين سورة التني ‪ :‬عناية هللا تعاىل ابإلنسان وإبداعه خللقه وتكرميه له وهذا‬
‫القسم أبماكن الرساالت ( والتني والزيتون ‪ .‬وطور سينني ‪ .‬وهذا البلد األمني)‬
‫فالقسم ابلتني والزيتون قسم أبرض فلسطني مكان إنباته وهي األرض اليت‬
‫بُعث فيها عيسى عليه السالم ‪ ،‬والطور طور سيناء الذي انجى هللا تعاىل‬
‫عنده كليمه ونبيه ورسوله موسى عليه السالم ‪ ،‬والبلد األمني مكة اليت بُعث‬
‫فيها نبينا صلى هللا عليه وسلم دليل هذا التكرمي الكبري ‪ ،‬وقد جعلك هللا تعاىل‬
‫مناط الرساالت كلها ‪ ،‬وكرمك ابلعقل ‪ ،‬وبعث إليك رسله وأنزل إليك كتبه‬
‫كل ذلك لتحقيق اخلالفة ( إين جاعل يف األرض خليفة) واستعمار األرض‬
‫والقيام حبضارهتا ( واستعمركم فيها ) فانظر لنفسك أين أنت من هذه املعاين‬
‫الكبار ! وما دورك يف حتقيق اخلالفة اليت تقوم هبا بعد أبيك آدم عليه السالم‬
‫‪ .‬وكل إنسان سريد على ربه تعاىل وكل األسئلة اليت تتعلق بنجاته وفوزه وتكرميه‬
‫ابلنعيم وقف على هذه املعاين العظيمة يف كتاب هللا تعاىل ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن الشباب سيعود إىل كرب ‪ ،‬والصحة إىل مرض ‪ ،‬والقوة إىل‬
‫ضعف ‪ ،‬واحلياة إىل موت ‪ ،‬والفراغ إىل شغل ‪ ،‬واملمكن إىل غري ممكن ( مث‬
‫رددان أسفل سافلني ) وهذه املعاين موجبة الستثمار اإلنسان حلياته وصحته‬
‫وشبابه وأوقاته قبل فواهتا ‪ .‬كم مرة رأيت ُمسنّاً يتوكأ على عصاه بعد أن كان‬
‫جيوب األرض كما يشاء ! وكم مرة رأيت شيخاً ال يستطيع أن يسقي نفسه‬
‫شربة ماء وهو إىل جانبه فضالً على أن يقوم مبصاحله األخرى بعد أن كان‬
‫عوانً يف ملمات جمتمعه ورأساً يف تفريج امللمات ! وهذه الصور يراها اإلنسان‬
‫يف كل حلظة من حياته وأقرب ما تكون إليه يف بيته أو جمتمعه وهو أحوج ما‬
‫يكون فيها للذكرى ‪ .‬ومن الفقه وكمال الوعي أن يستدك اإلنسان أايم شبابه‬
‫وصحته وقوته وفراغه ويبعث فيها احلياة ‪ ،‬وليكن يف فكره يف كل حلظة ما‬
‫جاء يف البخاري من حديث أيب موسى األشعري رضي هللا عنه قال ‪ ،‬قال‬
‫صلى هللا عليه وسلم ( إذا مرض العبد أو سافر ُكتب له مثل ما كان يعمل‬
‫صحيحاً مقيماً ) ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن مثة غاية كربى للخلق ‪ ،‬وسر ضخم لوجودهم يف احلياة وكل‬
‫خملوق جاء لغاية وهو مسؤول عن حتقيقها قبل رحيله من الدنيا ‪ ،‬ولذا تناقشه‬
‫هذه السورة وتسائله وتُذ ّكره ( فما يكذبك بعد ابلدين ) ! ما الذي حيملك‬
‫على إنكار البعث واجلزاء وقد رأيت احلقائق رأي عني ! مث يدله هللا تعاىل‬
‫ويلفت نظره إىل قضية أخرى ( أليس هللا أبحكم احلاكمني ) ! فإن هذا اخللق‬
‫البديع يف الكون ‪ ،‬وتلك املعامل املدهشة يف كل زاوية من زوااي الدنيا كلها تدل‬
‫على كمال علمه وحكمته ( أليس هللا أبحكم احلاكمني ) ومن أرخى لعقله‬
‫التفكر يف هذا الكون الفسيح دله على هللا تعاىل من أقرب طريق وقد قال‬
‫األعرايب ‪ :‬إن البعرة تدل على البعري ‪ ،‬وإن األثر يدل على املسري ‪ ،‬ومساء ذا‬
‫أبراج ‪ ،‬وأرض ذات أتراب إهنا لتدل على اللطيف اخلبري ! ولو أن كل عاقل‬
‫أقبل على فقه شريعته لرأى فيها من التجانس واإلبداع ما أفاض عليه إجالل‬
‫ربه تعاىل ‪ ،‬وتقديس شعائره ‪ ،‬وتعظيم أمره ‪ ،‬و قيامه حبقوقه يف كل شيء ‪.‬‬
‫وكم من قليل عقل رقيق دقيق يعرتض اليوم على شريعة هللا تعاىل ومنهجه ‪،‬‬
‫ويصفه أبنه ال يليب حاجة الناس ‪ ،‬وال يتماشى مع حضارة األمة ‪ ،‬ويقف يف‬
‫وجه التنمية ‪ ،‬ويعرتض على مجلة من أحكامه تعاىل وهو العلي العظيم ! ولو‬
‫سلم قلبه وعقله وأنصف ألخذته الدهشة يف كل شيء ولكنه اخلذالن !‬
‫سورة العلق‬

‫• علمتين سورة العلق ‪ :‬أن الع ْلم من أعظم املنن على خملوق ‪ ،‬وكل إنسان ويؤتى‬
‫من حظوظ احلياة على قدر حظوظه من العلم ‪ ،‬ولو مل يكن يف شأن العلم إال‬
‫أنه أول كلمة يف كتاب هللا تعاىل (اقرأ) لكان كافياً ! لقد امنت هللا تعاىل‬
‫اإلنسان بتعليمه له الكتابة ابلقلم قال تعاىل ‪( :‬اقرأ ابسم ربك الذي خلق ‪.‬‬
‫خلق اإلنسان من علق ‪ .‬اقرأ وربك األكرم ‪ .‬الذي علّم ابلقلم ‪ .‬علّم اإلنسان‬
‫مامل يعلم) وحياة الواحد منا وقف على هذا املعىن الكبري ! حني نقرر أن نقرأ‬
‫ونتعلم فنحن نقرر أن حنيا حياة أخرى من خالل خلق تلك العادة يف واقعنا‬
‫‪ ،‬وإذا بدأ اإلنسان ابلوحي كتاابً وسنة بدأ سلم الطريق من أوله وأصله وحقيقته‬
‫وتعرف‬
‫أج ّل شريعته ّ‬ ‫وتعرف على ربه تعاىل ‪ ،‬وعرف واجباته ‪ ،‬وقام حبقوقه ‪ ،‬و َ‬ ‫ّ‬
‫كذلك على رسوله صلى هللا عليه وسلم معرفة تدفعه للعمل واحلياة والبناء ‪،‬‬
‫وعرف كيف أييت على آماله من خالل هذه املعاين يف كتاب هللا تعاىل وسنة‬
‫رسوله صلى هللا عليه وسلم ‪ .‬وكل فرد وأسرة وجمتمع ودولة وأمة جيب أن تضع‬
‫قضية العلم يف ُسلّم أولوايهتا وأهم قضاايها ألن الوجه املقابل للتعليم هو اجلهل‬
‫واألمية والظالم واألوهام والفوضى والضياع ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن اعتداد اإلنسان بنفسه وإعجابه بقدراته ومهاراته وطاقاته‬
‫وإمكاانته من أسوأ ما يواجهه يف حياته ‪ .‬فهذا الشقي الضال ( أبو جهل)‬
‫إمنا واجه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وكان خصم الدعوة يف ذلك احلني‬
‫وألد أعدائها وخصومها طيلة حياته أثر من تلك األمراض اليت أصابت قلبه‬
‫تصور أنه صاحب القرار يف أرض هللا تعاىل ‪ ،‬قال تعاىل ( كال إن اإلنسان‬
‫حىت ّ‬
‫ليطغى ‪ .‬أن رآه استغىن ‪ .‬إن إىل ربك الرجعى ) ‪ ،‬ومن الوعي أن يتعرف كل‬
‫فرد على شخصيته وأن يبين منظومة أفكاره ومفاهيمه من خالل الوحي ‪،‬‬
‫ويتعرف يف املقابل على أمراض قلبه معرفة دقيقة مث جيهد يف عالجها حىت‬
‫يسلم من آاثرها يف مستقبل األايم ‪ .‬وكم هي األمراض اليت تواجه اإلنسان‬
‫اليوم وتقف عائقاً يف وجه حضارته وتقدمه وسداً منيعاً أمام بناء مستقبله وهو‬
‫أحوج ما يكون لعالجها يف أقرب األوقات وأعجلها إليه ‪ ،‬وكل إنسان فقيه‬
‫حباله وأعرف أبمراضه وأقدر على إصالح نفسه قبل فوات األوان‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬سنة هللا تعاىل يف املكذبني الضالني املعارضني لدينه ومنهجه يف‬
‫احلياة ‪ ،‬وهذه السنة مل تتخلّف على مر التاريخ ‪ ،‬وقد جرت على األمم واألفراد‬
‫واجملتمعات على حد سواء ‪ ،‬وقد قص هللا تعاىل يف كتابه ما جرى لألفراد‬
‫كفرعون وقارون وهامان ‪ ،‬وما جرى لألمم كقوم نوح وعاد ومثود كدليل شاهد‬
‫على هذا املعىن الكبري ‪ .‬وهو درس لكل معارض ملنهج هللا تعاىل أن خصمه‬
‫ربه تعاىل وهو الذي سيتوىل ردعه وجزاءه عاجالً أو آجالً فال يَـغُّره إمهال هللا‬
‫تعاىل له وإمداده ابلقوة واجلاه والسلطان واملال فإن لكل ذلك أجل تنتهي فيه‬
‫مث حيني موعد اجلزاء ( كال لئن مل ينته لنسفعاً ابلناصية ‪ .‬انصية كاذبة خاطئة‬
‫‪ .‬فليدع انديه ‪ .‬سندع الزابنية ) يقول هللا تعاىل إن مل ينته هذا الشقي عن فعله‬
‫سنأخذه جمذوابً إىل النار مبقدمة رأسه وإذا صنعنا به ذلك فلينفعه صحبته‬
‫وأعوانه وانديه اليت جيتمع به مع املكذبني الضالني ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن حسن الصلة ابهلل تعاىل من أعظم ما يو َ‬
‫اجه به الباطل وتدار‬
‫به معركة احلياة ‪ ،‬وما رزق عبد ثبااتً يف دينه ومواقفه ‪ ،‬وأُعني على إدارة‬
‫مشاريعه ‪ ،‬ووفق يف صراعه للباطل مبثل هذا املعىن الكبري ‪ ،‬ومن استقبل هللا‬
‫تعاىل وصنع لنفسه أوراداً اثبتة ولزم هذا الباب إال أوشك أن يدخل معه إىل‬
‫كل خري ونصر وتوفيق ‪ .‬إن هللا تعاىل يوجه نبيه صلى هللا عليه وسلم يف إدارة‬
‫املعركة مع املناوئني إىل أسلم احللول وأكثرها أثراً يف إدارة املعركة وأقرهبا للنصر‬
‫والتمكني فيقول له تعاىل ‪ ( :‬كال ال تطعه واسجد واقرتب ) دعك منه وال‬
‫تشغل ابلك به وتوجه إىل ربك وأحسن عالقتك به فإن مدد العون والتوفيق‬
‫والنصر سيأتيك ‪ .‬وهو معىن لطيف جداً يدعو الواحد منا أن يعيد عالقته‬
‫بربه ويرتبها ويستثمر أوقاته كلها أو جلها يف بناء هذا املعىن الكبري وال ينصرف‬
‫إىل اهلوامش فينشغل هبا عن أهم األولوايت اليت جيب أن يركز عليها ‪ .‬والناظر‬
‫يف حال كثري من قضااي األمة سريى يف أايم األزمات ابلذات جهود كبرية يف‬
‫تتبع أخبار تلك املعارك وإحصاءاهتا كل يوم وحني تنجلي غبار تلك األزمة‬
‫يصحو اإلنسان فإذا به ضاع منه كل شيء ‪ .‬فما أحوجنا للعودة إىل هللا تعاىل‬
‫واإلقبال عليه وصرف كل أوقاتنا يف هذا الطريق الذي ستورق به أرواحنا‬
‫وتنشرح صدوران وحتني أايم الربيع يف واقعنا إىل أقصى مدى ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫سورة القدر‬

‫• علمتين سورة القدر عظمة القرآن الكرمي وبيان منزلته ‪ ،‬ترى ذلك يف قوله‬
‫تعاىل ( إ ّان ) يف بداية السورة وإسناد اإلنزال إليه تعاىل دليل على تفخيم شأنه‬
‫وتعظيم أمره وجاللة قدره ويكفي أنه كالم هللا تعاىل وأنه هو املنزل له وجربيل‬
‫هو الواسطة وحممد صلى هللا عليه وسلم هو املتلقي والليلة اليت نزل فيها هي‬
‫ليلة القدر ( إان أنزلناه يف ليلة القدر) وكتاب هبذا املعىن الكبري حقيق ابإلجالل‬
‫والتعظيم والتقديس ! وجناح األفراد فضالً عن اجلماعات والدول واألمم مرهون‬
‫إبقباهلم عليه قراءة وأتمالً وتدبراً وصدورهم يف النهاية عن أفكاره ومفاهيمه‬
‫وتصوراته الكربى يف احلياة ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬منزلة ليلة القدر وعظم قدرها وشأهنا عند هللا تعاىل ‪ ،‬وأهنا ليلة‬
‫مباركة العمل فيها أبلف شهر وهو ما يعادل أربع ومثانني سنة وبضعة أشهر‬
‫‪ ،‬وليلة هذا قدرها ‪ ،‬وتلك منزلتها وشرفها ‪ ،‬وهذه حقائق احلياة فيها حرية‬
‫ابإلجالل ‪ ،‬وقد بلغك أن النيب صلى هللا عليه وسلم كان جيلها فيعتكف يف‬
‫مسجده يف العشر األواخر ويتحراها يف أواتر تلك الليايل ويف الصحيحني من‬
‫حديث أيب هرير رضي هللا عنه قال صلى هللا عليه وسلم ( من قام ليلة القدر‬
‫إمياانً واحتساابً غفر له ما تقدم من ذنبه) ويف الصحيحني من حديث عائشة‬
‫رضي هللا عنها قالت ‪ ،‬قال صلى هللا عليه وسلم ( حتروا ليلة القدر يف الوتر‬
‫من العشر األواخر من رمضان) وأخرب عائشة رضي هللا تعاىل عنها حني سألته‬
‫إن لقيت ليلة القدر ما تقول ؟ فقال صلى هللا عليه وسلم تقولني ‪ ( :‬اللهم‬
‫إنك عفو وحتب العفو فاعف عين) وإذا أدركت أن تلك الليلة تنزل فيها‬
‫املالئكة إىل األرض ‪ ،‬ويشارك جربيل ‪ ،‬وينعتها هللا تعاىل بقوله ( سالم هي‬
‫حىت مطلع الفجر ) كانت منك على ابل ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬يسر دين هللا تعاىل ومجاله ومساحته فال يكلف الناس فوق طاقتهم‬
‫ويرضى منهم ابليسري ‪ ،‬وتسد نقصه ‪ ،‬وجتعل له من األعمال واألوقات ما‬
‫يعينه على استثمار عمره واستدراك الفارط منه بكل طريق ( ليلة القدر خري‬
‫من ألف شهر ) وهذا املعىن أوضح ما يكون يف دين هللا تعاىل وقد رفع هللا‬
‫تعاىل التكليف عن األمة فقال ( ال يكلف هللا نفساً إال وسعها) ويف‬
‫الصحيحني من حديث عائشة رضي هللا عنها قالت ‪ ،‬قال صلى هللا عليه‬
‫وسلم ( مه عليكم مبا تطيقون من األعمال ‪ ،‬فإن هللا ال ميل حىت ميلوا ) وهذه‬
‫الليلة اليت مين هللا تعاىل هبا على عبادة إمنا هي جزء من كل ‪ ،‬وانفذة على‬
‫مجال هذه الشريعة وأانقتها ‪ ،‬ولو نظر اإلنسان متأمالً يف التشريع لعرف كل‬
‫شيء ‪ ،‬من ذلك أن هللا تعاىل قصر األركان على مخسة فحسب ‪ ،‬وجعل منها‬
‫ركناً واحداً على الدوام ‪ ،‬والصيام يف العام مرة واحدة ‪ ،‬واحلج مرة واحدة يف‬
‫العمر وعلى حسب االستطاعة ‪ ،‬ويراعى املريض ويسقط عنه من التكليف‬
‫حبسبه ‪ ،‬وإذا سافر العبد أو مرض ُكتب له من العمل ما كان يعمل صحيحاً‬
‫مقيماً ‪ ،‬وال يؤاخذه بتصرف خرج عن إرادته وغري ذلك ما يدلك على أهنا‬
‫شريعة صاحلة لكل ومان ومكان ‪.‬‬
‫سورة البينة‬

‫• علمتين سورة البينة ‪ :‬أن أهل الكفر والضالل مؤمنون بدينهم ومتمسكون‬
‫بعقائدهم ومرابطون عليها وغري زائلني عنها مهما كانت احلجج والبينات الدالة‬
‫على بطالن ما هم عليه وضالل ما هم فيه ‪ ،‬وهذا يف األغلب األعم وإال‬
‫ففيهم من إذا ابن له احلق وانكشف له زيف ما هو يف من الباطل خلّفه وراء‬
‫ظهره وأقبل على هللا تعاىل وصنع لنفسه موقعاً وكتب حظه من اإلسالم ( مل‬
‫يكن الذين كفروا من أهل الكتاب واملشركني منفكني حىت أتتيهم البينة ‪ ..‬وما‬
‫تفرق الذين أوتوا الكتاب إال من بعد ما جاءهتم البينة ) وإذا كان أصحاب‬
‫الباطل وعقائد الضالل يؤمنون بعقائدهم ويستميتون يف التمسك هبا ويناضلون‬
‫من أجل بقائها ويدفعون كل شيء من أجلها فما شأن املسلم مع عقيدة احلق‬
‫إمياانً وسلوكاً ! إن هذه اإلشارة يف السورة مبا عليه أهل الكفر من مبادئ‬
‫تدعوان إذا أردان دعوهتم وهدايتهم أن ندرك هذه اخللفية عنهم وعلينا أن نصنع‬
‫ما يزيل هذا اإلميان ابلعقائد الباطلة من خالل حجج وبراهني اثبتة وقوية‬
‫وقادرة على فك ذلك االرتباط ‪ ،‬ويف املقابل هي دعوة للعودة إىل ديننا ومتسكنا‬
‫به والنهوض أبفكاره ومفاهيمه وتصوراته يف العاملني ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن إجالل شعائر هللا تعاىل وتعظيم أمره وهنيه أعظم املقاصد على‬
‫اإلطالق ‪ ،‬وهي األصل من وجود اإلنسان يف احلياة كما قال تعاىل (وما‬
‫خلقت اجلن واإلنس إال ليعبدون ) وهذا هو الفقه األكرب الذي ينبغي أن‬
‫أيخذ حظه من قلوب ومشاعر املسلمني ! وفرق كبري جداً بني من يؤدي‬
‫شعائر مبقتضى العادة واإللف ‪ ،‬ومن يؤديها وهو يشعر أن يتعبد لربه وجيل‬
‫أمره ويقوم بشأنه وحيتسب يف كل خطوة يف ذلك الطريق الطويل ! ( وما أمروا‬
‫إال ليعبدوا هللا خملصني له الدين حنفاء ويقيموا الصالة ويؤتوا الزكاة وذلك دين‬
‫القيمة ) وإذا فقهنا هذا املعىن الكبري أدركنا حينها أن دين هللا تعاىل جيري يف‬
‫كل شيء وليس هو جمموعة الشعائر املرتبطة ابملسجد فحسب وإمنا هي‬
‫عالقتك يف بيتك بزوجك وولدك ‪ ،‬وجارك وصديقك ‪ ،‬وبذلك جهداً وعرقاً‬
‫يف سبيل فكرتك الناهضة ومشروعك الكبري ‪ ،‬واحتساب كل شيء يف هذا‬
‫الطريق الطويل ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬عاقبة الضالني من أهل الكفر والشرك والضالل فقد حكم عليهم‬
‫هللا تعاىل أبهنم أخبث خلقه تعاىل وعاقبتهم يف النهاية إىل النار عافاان وهللا‬
‫َّ‬
‫تعاىل وإايكم من الكفر والضالل (إ َّن الذ َ‬
‫ين َك َف ُروا م ْن أ َْهل الْكتَاب‬
‫ين ف َيها أُولَئ َ‬
‫ك ُه ْم َشُّر الْ َربيَّة) وهذه احلقيقة‬ ‫ني يف َانر َج َهن ََّم َخالد َ‬
‫َوالْ ُم ْشرك َ‬
‫جيب أن أتخذ حظها من كالم أهل العلم وتقريراهتم حىت ال ينخدع أحد بدين‬
‫ابطل ال قيمة له يف شيء ‪ .‬إن املعركة اليت تدار اليوم بني أهل احلق والباطل‬
‫معركة أفكار ومفاهيم وبناء تصورات ‪ ،‬والعدو ميلك من تلك األدوات ما‬
‫يستطيع أن يعمم به فكرته وضالله ‪ ،‬فال أقل من أن تعي أجيال األمة اليوم‬
‫التفوق ابحلق‬
‫دورها ومسؤوليتها يف هذه املعركة وتسعى بكل ما ميكن من ّ‬
‫الذي معها يف مقابل تلك القوة اليت ميتلكها عدوها ‪ .‬ومن أتمل زمانه أدرك‬
‫هذه املعركة وعرف قدرها ورأى صورها يف واقعه حىت بدأان نناقش قضااي الردة‬
‫واإلحلاد وضياع اهلوية اإلسالمية ألجيال نشأت على احلق وترتب عليه وعاشته‬
‫وتبشر هبا يف‬
‫زمناً طويالً من عمرها ولكنها بدأت جتل وافد األفكار اجلديدة ّ‬
‫العاملني ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬بيان عاقبة اإلميان والعمل الصاحل على أهله يف الدارين ‪ ،‬قال تعاىل‬
‫عن أثر تلك العاقبة العاجلة يف رحاب الدنيا ( من عمل صاحلاً ممن ذكر أو‬
‫أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طويلة ) وقال تعاىل عن عرض تلك النهاايت‬
‫َّ‬
‫الصاحلَات أُولَئ َ‬
‫ك ُه ْم‬ ‫بني يدي هللا تعاىل يوم القيامة (إ َّن الذ َ‬
‫ين آَ َمنُوا َو َعملُوا َّ‬
‫َخ ْريُ الَْربيَّة ‪ .‬جزاؤهم عند رهبم جنات عدن جتري من حتتها األهنار خالدين‬
‫فيها أبداً رضي هللا عنهم ورضوا عنه ذلك ملن خشى ربه ) ومن فقه هذا اجلزاء‬
‫دفع له كل شيء ومتسك بدينه واستوثق منه ‪ ،‬وأقبل عليه راغباً ‪ ،‬وبذل يف‬
‫الطريق إليه كل ممكن ‪ ،‬وأىب أن يتخلى عن شيء من أحداثه يف مستقبل‬
‫األايم‪.‬‬
‫سورة الزلزلة‬

‫• علمتين سورة الزلزلة ‪ :‬مسؤولية اإلنسان بني يدي هللا تعاىل يوم القيامة وإذا‬
‫كانت األرض وهي مجاد ستتحدث وخترب عن كل ما جرى فيها وحدث عليها‬
‫من األعمال فإن ذلك موجب للعناية بتصرفات اإلنسان وضبطها قدر الوسع‬
‫وأن ال أييت منها يوم القيامة شيء خالف املنهج وموجب للشهادة على‬
‫َخبَ َارَها) إن هذه‬
‫ثأْ‬‫ال ْاإلنْ َسا ُن َما َهلَا ‪ .‬يَـ ْوَمئ ٍذ ُحتَ ّد ُ‬
‫صاحبها ابخلسران ( َوقَ َ‬
‫احلقيقة جيب أن أتخذ حقها من قلوبنا ومشاعران وتصوغ حياتنا كما جيب أن‬
‫تكون وإال دارت األايم علينا ابخلسران ووقف اإلنسان يف مواقف يبحث عن‬
‫الفكاك ‪ ،‬وما كل حلظة صاحلة لالستعتاب ! ومن ختيّل هذا املشهد يوم القيامة‬
‫عرف له قدره وسعى أن يكاثر يف حسناته ويوسع يف أثره وجهده وأييت مبا‬
‫يستحق الفرح يف تلك اللحظات وحرص غاية احلرص من كل سوء جيري‬
‫احلديث عنه يف تلك اللحظات ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫وعلمتين ‪ :‬أن جناح كل إنسان يوم القيامة وخسارته وقف على العمل الصاحل‬ ‫•‬
‫‪ ،‬ومن أحسن اإلقبال على هللا تعاىل وصدق يف الطريق إليه ومنحه وقته وفكره‬
‫وعقله وقلبه وجهد أن تكون له أوراد اثبتة ال يتخلّف عنها البتة صنع لنفسه‬
‫حياة مدهشة يف الدارين ! وإذا قرأت سرية بالل رضي هللا تعاىل عنه وحرصه‬
‫على ركعيت الوضوء للدرجة اليت مسع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم دف نعليه‬
‫يف اجلنة وهو ما زال على قيد احلياة ! واستلذت امرأة كانت تصرع يف الطرقات‬
‫تعبها ومرضها يف سبيل اجلنان وعاشت على ذلك حىت لقيت ما عند هللا‬
‫تعاىل ‪ ،‬وعمار بن ايسر وزوجه حتمال القتل يف بداايت اإلسالم من أجل هذا‬
‫املعىن الكبري أدركت ذلك املعىن وكنت على ذات الطريق ‪ .‬ويف املقابل ذهب‬
‫أبو هلب وأبو جهل وزعماء الضاللة إىل النار ( يومئذ يصدر الناس أشتااتً لريوا‬
‫أعماهلم ) ماذا لو قرأ كل إنسان مشاهد هذه اللحظة يف قوله تعاىل ( يومئذ‬
‫يصدر الناس أشتااتً لريوا أعماهلم ) ! ومنحها قلبه ومشاعره وأدرك أنه وارد‬
‫على احلقائق وصادر عن نتائجها وأحداثها يف ذلك اليوم ! كم من صغري يف‬
‫فالة جاء عظيماً يف تلك املوازين ! وكم من خلوات جاءت حاضرة شاهدة‬
‫يف زمن احلاجات !‬
‫‪...‬‬
‫وعلمتين ‪ :‬أن احلياة استثمار ‪ ،‬وكم من حسنة أوجبت لصاحبها احلياة! وإذا‬ ‫•‬
‫كانت مثاقيل األعمال وصغائر احلسنات مكتوبة ومدونة وموزونة فما ابلك‬
‫ابحلسنات الكبار ! ومن عرف هذه احلقائق جهد أال يدخر شيئاً من‬
‫الصاحلات‪ .‬إن احلسنة بعشر أمثاهلا ‪ ،‬وسبحان واحلمد هلل متآلن أو متأل ما‬
‫بني السموات واألرض ‪ ،‬وال حول وال قوة إال ابهلل كنز من كنوز اجلنة ‪ ،‬ومن‬
‫قال سبحان هللا غرست له خنلة يف اجلنة ‪ ،‬واحلرف الواحد من كتاب هللا تعاىل‬
‫بعشر حسنات إىل أضعاف كثرية ‪ ،‬وإماطة األذى عن الطريق صدقة ‪،‬‬
‫وتبسمك يف وجه أخيك كذلك فما شأن الصالة اليت قال فيها صلى هللا عليه‬
‫وسلم ( الصالة خري موضوع ) أخرجه الطرباين وحسنه األلباين ‪ ،‬والصيام الذي‬
‫يقول فيه صلى هللا عليه وسلم ( من صام يوماً يف سبيل هللا ابعد هللا وجهه‬
‫عن النار سبعني خريفاً) أخرجه ابن ماجه وصححه األلباين ‪ ،‬والصدقة اليت‬
‫خيرب فيها صلى هللا عليه وسلم يف الصحيحني من حديث أيب هريرة رضي هللا‬
‫عنه قال صلى هللا عليه وسلم ( إن هللا أيخذ صدقة أحكم بيمينه فريبيها كما‬
‫يريب أحدكم فلوة حىت أتيت يوم القيامة كاجلبل العظيم) ‪ ،‬وأن حيذر يف املقابل‬
‫غاية احلذر من مثاقيل أتيت يف موازين الكبائر من األعمال ‪ .‬كم من صغري من‬
‫هذه اآلية ( فمن يعمل يف من فقه اإلنسان ووعيه أن يستثمر أايمه وجيهد‬
‫يف حتقيق مراده من اآلخرة من خالل استثمار كل ممكن يف احلياة ولو كان‬
‫بسيطاً يسرياً فإن مثاقيل الذر عظيمة يف موازين ذلك اليوم ‪.‬‬
‫سورة العادايت‬

‫• علمتين سورة العادايت ‪ :‬أن اإلنسان مبا يصنع لدينه ‪ ،‬وما يهب من وقته‬
‫وفكره وجهده ملنهجه يف احلياة وما عدا ذلك فركام حلم ال قيمة له يف شيء!‬
‫وإذا كانت الشريعة حتتفي ابلدواب وهي عجماوات لعالقتها هبذا الدين‬
‫ومشاركتها يف رعاية املنهج وقيامها بدور يف اإلصالح فما ابلك ابإلنسان‬
‫الذي جاء أصالً لتحقيق هذه الغاايت ( والعادايت ضبحاً ‪ .‬فاملوارايت قدحاً‬
‫‪ .‬فاملغريات صبحاً ‪ .‬فأثرن به نقعاً ‪ .‬فوسطن به مجعاً ) وهذا القسم أبصوات‬
‫اخليل ‪ ،‬وصدى حافرها يف األرض ‪ ،‬وغاراهتا يف طالئع الفجر ‪ ،‬وتوسطهن‬
‫للعدو دليل ذلك املعىن الكبري ‪ .‬وكل دابة وآلة إمنا تنال حظها من الثناء على‬
‫قدر دعمها ومشاركتها يف دعم رسالة هذا الدين وقيامها حبقه يف متكينه يف‬
‫واقع العاملني ويف البخاري قال صلى هللا عليه وسلم (املنفق على اخليل يف‬
‫سبيل هللا كالباسط يديه ابلصدقة وال يقبضها ) حىت تعلم أن قيمة الشيء إمنا‬
‫أتيت من عالقته هبذا الدين العظيم !‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن اجلهاد يف سبيل هللا تعاىل من أعظم األعمال ‪ ،‬وراايته يف‬
‫مساحة ما من أعظم الراايت ‪ ،‬وعز كل أمة منوط به مع األايم ‪ ،‬وإذا ختلت‬
‫عنه أمه جرت عليها سنن اهلزمية وقهر العدو ومضت عليها عادايت الزمان‬
‫من كل مكان ‪ ،‬وما حاجة األمة اليوم إىل شيء يف هذا املعىن الكبري حاجتها‬
‫جلهاد العلم الذي حتتاج األمة إىل مناضلني يف سبيله حىت تقوى به شوكة األمة‬
‫وتعز بطاقاهتا وقدراهتا يف مستقبل األايم ‪ ،‬وتصبح نداً لكل عدو وقل مثل‬
‫ذلك يف جهاد األفكار واملفاهيم الصحيحة ‪ ،‬وتصحيح التصورات اخلاطئة ‪،‬‬
‫وحماربة األوهام اليت أخذت مساحة كبرية من عقول أبناء األمة وترتب عليها‬
‫خلل كبري يف فقه أولوايهتا وأهدافها الكربى ومساحاهتا املمكنة حىت أصبحت‬
‫فارغة ال عالقة هلا ابلعمل يف شيء ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬حقيقة اإلنسان وأصل خلقته وأنه ُجبل على اجلحود ونكران نعم‬
‫هللا تعاىل ونسيان فضله وإكرامه وإنعامه عليه وهذا القسم من ربك يف بداايت‬
‫السورة دليل على أن هذا اخللق متأصل يف نفسه ‪ ،‬وليس يف إنسان دون آخر‬
‫كمل أهل الصالح‬ ‫وإمنا عارض يعرض لكل إنسان وال يسلم منه إال األنبياء و ّ‬
‫ود)فقد ُجبل اإلنسان على حب ذاته وتقدمي مصاحله‬ ‫(إ َّن ْاإلنْ َسا َن لَربّه لَ َكنُ ٌ‬
‫وحتقيق شهواته حىت لو على حساب اآلخرين ومن مل يتنبه هلذا اخللق وإال بقي‬
‫معه ما بقي يف احلياة ‪ ،‬ومن فقه اإلنسان وكمال وعيه أن يتعاهد نفسه‬
‫ابإلصالح ويقوم على تربيتها وهتذيبها من سيء األخالق وعادات السوء حىت‬
‫يلحق بركب الصاحلني املصلحني ‪ .‬وكم من إنسان قعدت به نفسه عن‬
‫الفضائل ! وأتخرت به عن ركب الصاحلني ! وختلفت به عن مواطن احلياة‬
‫حىت عاد كاسداً من كل شيء ‪ .‬وما أكثر هذه الصور يف زمانك ! وما أقل‬
‫أصحاب الراايت ! وهللا املستعان ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن اإلنسان ُجبل على حب املال والتعلّق به واجملالدة دونه بكل‬
‫ممكن ‪ ،‬وهذا أصل يف اإلنسان قل أن ينفك عنه وهو جبلة مالزمة له فرتاه‬
‫شديد الولع ابملال كثري احلب له ال يكاد خيرجه من يده إال بعسر ومشقة ‪،‬‬
‫متأخر عن مكارم األخالق من خالل هذا اخللق الذميم ! وقيمة‬ ‫وكم من ّ‬
‫املال الكربى ليست يف كثرته يف حسابك الشخصي ‪ ،‬وإمنا بكونه يف يدك‬
‫يفرج به مهاً ‪،‬‬
‫وليس يف قلبك منه شيء ‪ ،‬ومن توفيق هللا تعاىل لصاحبه أن ّ‬
‫ويصنع به معروفاً ‪ ،‬ويعني به حمتاجاً ‪ ،‬وجتري به ساحات الفرح يف قلوب‬
‫اآلخرين إىل أقصى مدى ! ولن تتخلّص من هذا األصل العارض إال ابلوعي‬
‫بدوره وأثره يف بناء آخرتك ‪ ،‬ومغالبة ذلك األصل أبضداده من النفقة واجلود‬
‫به يف مواطن احلاجة إليه واملسامهة به يف ابب من أبواب اخلري واجلود‬
‫واإلحسان‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن العربة يف النهاايت بصالح القلوب ‪ ،‬وأهنا أصل يف سعادة‬
‫أصحاهبا يف الدارين ‪ ،‬ومن صلح قلبه صلح حاله وسعد ووجد من الفرح‬
‫والسعادة واالستقرار والطمأنينة عاجل بشراه ‪ ،‬وغالب هناايت السوء من فساد‬
‫القلوب ‪ ،‬وكم من ضال بسبب قلبه ! وكم من خامتة سوء من أثر ذلك ‪ ،‬وهللا‬
‫املستعان ‪ ،‬وقد قال هللا تعاىل ( يوم ال ينفع مال وال بنون إال من أتى هللا‬
‫بقلب سليم ) وقال هللا تعاىل (أَفَ َال يـَ ْعلَ ُم إ َذا بـُ ْعثَر َما يف الْ ُقبُور ‪َ .‬و ُح ّ‬
‫ص َل َما‬
‫الص ُدور) ويف الصحيحني أن رجالً شارك يف اجلهاد وما ترك شاذة وال فاذة‬ ‫يف ُّ‬
‫إال صنعها يف األعداء حىت أُخرب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم مبا صنع فقال‬
‫صلى هللا عليه وسلم (هو يف النار) مث ُجرح فقتل نفسه فذهب يف عداد سوء‬
‫اخلواتيم ! وآخر شارك يف اجلهاد وحني قُسم له من الغنيمة تركها ووىل وقال‬
‫ما على هذا ابيعتك ايرسول هللا ! ابيعتك على أن أرمى بسهم من هاهنا‬
‫وأشار إىل حلقه فيخرج من هاهنا فأدخل اجلنة ! فقال صلى هللا عليه وسلم‬
‫( إن يصدق هللا تعاىل يصدقه ) فما هي إال حلظات وإذا هبم حيملونه وقتل‬
‫رمي بسهم يف ذات املوضع الذي أشار إليه فقال صلى هللا عليه وسلم ( أهو‬
‫هو ؟ ) قالوا نعم ! فقال ‪ ( :‬اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً يف سبيلك فقتل‬
‫شهيداً أان شهيد على ذلك ) ‪ .‬فتنبه لقلبك وتعاهده واصدق هللا تعاىل يف‬
‫وختل من كل صور الرايء حىت تلقي هللا تعاىل وأنت على أمثال هذا‬ ‫نيتك ّ‬
‫املعىن الكبري ‪.‬‬
‫سورة القارعة‬

‫• علمتين سورة القارعة ‪ :‬أن من فقه اإلنسان وكمال وعيه أن يستعد غاية وسعه‬
‫يفرط يف حلظة من زمانه ما أمكنه ذلك ‪ ،‬وأن يعلم يقيناً‬‫ليوم القيامة ‪ ،‬وأال ّ‬
‫حقيقة ذلك اليوم وأنه حمفوف ابخلطر وهو حقيق ابالستعداد ‪ ،‬وما قارئ‬
‫ألحداثه اليت تعرض السورة بعضاً منها إال دليل على ما بعدها من أهوال (يوم‬
‫يكون الناس كالفراش املبثوث ‪ .‬وتكون اجلبال كالعهن املنفوش ) ومن قرأ‬
‫أحداث هذا اليوم من الوحي أدرك ما يستحق من عمل وجد ‪ ،‬ولو مل يكن‬
‫فيه إال هذا اخللق منذ خلق هللا تعاىل آدم إىل يوم القيامة يف صعيد واحد‬
‫كالفراش املبثوت يف األرض ‪ ،‬واجلبال اليت حتولت إىل صوف منفوش بعد أن‬
‫كانت أصلب ما يكون ألدرك ما ينتظر اإلنسان يف ذلك اليوم ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن الربح واخلسارة يوم القيامة وقف على األعمال ‪ ،‬وحسب كل‬
‫إنسان ثقل ميزانه وخفته وال شيء دون هذه احلقائق يف ذلك اليوم (فَأ ََّما َم ْن‬
‫َّت َم َوازينُهُ ‪ .‬فَأ ُُّمهُ َهاويَةٌ ‪.‬‬ ‫ثـَ ُقلَت موازينُه ‪.‬فَـهو يف ع َ ٍ ٍ‬
‫يشة َراضيَة ‪َ .‬وأ ََّما َم ْن َخف ْ‬ ‫ْ ََ ُ َُ‬
‫َوَما أ َْد َر َاك َما هيَ ْه ‪َ .‬ان ٌر َحاميَةٌ) وكل عاقل ينظر يف عمله كثرة وقلة ‪ ،‬وصدقاً‬
‫وصالح نية قبل أن يرد على هللا تعاىل يف تلك العرصات فيحسب أنه على‬
‫شيء وإذا ابحلقائق راي عني ‪ ،‬وكم من قادم على هللا تعاىل كان يظن شيئاً‬
‫فلم جيد سوى احلسرات ( وبدا هلم من هللا ما مل يكونوا حيتسبون ) وال أقل من‬
‫أن يعود اإلنسان إىل نفسه وينظر أول أمره يف تعظيمه ألمر هللا تعاىل وإجالله‬
‫لشرائعه ‪ ،‬وخوفه ‪ ،‬وبعده عن حرماته مث ليقبل على النظر يف صالته فإهنا‬
‫أعظم األعمال وأول سؤال يُسأله قبل كل سؤال مث ينظر يف ما بقي من أركان‬
‫دينه ويقيم شأهنا مث يقلّب بصره يف عالقاته ابآلخرين بدءاً ابألهم فاألهم‬
‫واألقرب فاألقرب ويهب هلا ما جيري عليه ابلتوفيق وحيذر غاية وسعه أن يلقى‬
‫هللا تعاىل ظاملاً ملخلوق أو ابغياً على ضعيف حىت لو كان حيواانً من احليواانت‬
‫فضالً عن أن يكون مسلماً من املسلمني ‪ ،‬وقد بلغك عن نبيك صلى هللا‬
‫عليه وسلم أن بغياً دخلت اجلنة بسقيا كلب ‪ ،‬ومن أزاح غصن شوك رآه‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يتقلب يف اجلنان ‪ ،‬ومن كان يداين الناس‬
‫ويقول لعامله خذ ما تيسر واترك ما عسر وجتاوز لعل هللا تعاىل أن يتجاوز عنه‬
‫عفا هللا تعاىل وقال حنن أحق ابلتجاوز منه ‪ ،‬وتبسمك يف وجه أخيك صدقة‬
‫‪ ،‬وهللا يف عون العبد ما كان العبد يف عون أخيه ‪.‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬سوء عاقبة التفريط يوم القيامة ‪ ،‬وأن قوماً عاشوا طويالً يف الدنيا‬
‫مث وردوا على هللا تعاىل فلم تصنع هلم تلك السنون شيئاً من املعروف وعادوا‬
‫خاسرين ( ومن خفت موازينه ‪ .‬فأمه هاوية ‪ .‬وما أدراك ما هية ‪ .‬انر حامية)‬
‫وما يصنع بنار جهنم وقد وصفها هللا تعاىل أهنا تشهق لرؤية أصحاهبا املفرطني‬
‫كما تشهق البغلة للشعري ( إذا رأهتم من مكان بعيد ‪ .‬مسعوا هلا شهيقاً وهي‬
‫تفور ) وأخرب نبيك صلى هللا عليه وسلم أن أهون أهل النار عذاابً يوم القيامة‬
‫لرجل توضع يف أمخص قدميه مجرة يغلي منها دماغه ) فما ابلك مبن ذهب‬
‫حطباً هلا نعوذ ابهلل تعاىل من احلرمان ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫سورة التكاثر‬

‫• علمتين سورة التكاثر ‪ :‬أن من فقه اإلنسان وكمال عقله أن يقتصد يف دنياه‬
‫قدر الوسع ‪ ،‬وأال أيخذ منها إال ما يبلغه غاايت اآلخرة فحسب ويف قول هللا‬
‫تعاىل (أهلاكم التكاثر ‪ .‬حىت زرمت املقابر ) رسالة حتمل توبيخاً ولوماً للمشغولني‬
‫ابلتكاثر يف قضااي الدنيا على حساب اآلخرة حىت وردوا القبور ! وكم من‬
‫إنسان وهب الدنيا كل شيء ‪ ،‬وأقبل عليها إقبال الراغبني وانشغل حبساب ما‬
‫جيمعه منها ولو على حساب صحته وسالمته ‪ ،‬ترى ذلك فيمن يشتغل جبمع‬
‫املال على حساب نقائه وصفائه من شوائب احلرام ‪ ،‬وجيهد يف احلصول على‬
‫وحتولت املسألة العددية حىت يف‬
‫ذرية وال ينشغل برتبيتهم يف مستقبل األايم ‪ّ ،‬‬
‫أذهان كثري من أهل الفضل والصالح وطالب العلم فرتاهم ينشغلون بعدد‬
‫براجمهم ومشاريعهم على حساب أثرها والعائد منها ‪ ،‬وتراهم يعنون بوردهم‬
‫الكمي من الصالة والصيام والقرآن والذكر على حساب العائد منه على‬
‫أرواحهم وقلوهبم ومشاعرهم وكل هذا من اخلطأ الذي ينبغي أن يعتين اإلنسان‬
‫إبصالحه وإعادة تشكيله ويضع نصب عينيه صالح نيته والقيام حبظوظه من‬
‫التدبر والتأمل واخلشوع ‪ ،‬وصدقه وموافقته للسنة مع العناية ابلقدر الذي ال‬
‫خيل هبذا املعىن الكبري يف النهاية حىت جيمع بني الفضيلتني ‪ ،‬وعليه يف املقابل‬
‫أن يزيد يف الكم ابلقدر الذي ميكنه اجلمع بني الفضيلتني‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن التسويف من أخطر األمراض اليت تواجه اإلنسان يف حياته‬
‫فهؤالء الذين ذمهم هللا بقوله تعاىل ( أهلاكم التكاثر ‪ .‬حىت زرمت املقابر ) ممن‬
‫اعرتاهم هذا املرض والزمهم وسيطر عليهم وما زالوا يؤخرون كثرياً من قضااي‬
‫اإلصالح حىت ماتوا وتركوا كل شيء ‪ .‬كثريون اليوم يدركون سوء أحواهلم‬
‫يسوفون حىت‬
‫وحاجتهم امللحة إىل إصالح ذلك الواقع الذي يعيشونه ولكنهم ّ‬
‫يفوت عليهم يف النهاية كل شيء ‪ .‬وآخرون يعيشون فوضى عارمة يف أوقاهتم‬
‫وأولوايهتم ويتحسرون على فوات أرابحهم منها كل يوم وما تزال هبم األماين‬
‫لرتميم تلك األوضاع حىت تفجعهم احلوادث ويرحلون دون شيء ‪ .‬ومن الفقه‬
‫يف مواجهة هذا املرض التخطيط وإدارة احلياة واستثمار األوقات املتاحة بكل‬
‫ممكن ‪ ،‬وإدارة األولوايت ‪ ،‬وحتديد األهداف حىت نكون قادرين على استثمار‬
‫أوقاتنا بكل ما منلك ‪ ،‬ومن ذلك التعجيل بكتابة الوصية ‪ ،‬وتنظيم أمورها ‪،‬‬
‫والعناية ابألوقاف اليت متد يف ذكر اإلنسان بعد موته ‪ ،‬وتوسع يف أثره بعد‬
‫رحيله وجتعله حياً ما بقيت الدنيا ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن اآلخرة كل شيء ‪ ،‬وأن من فقه اإلنسان وكمال وعيه أن أيخذ‬
‫أهبته واستعداده هلا أبقصى ما يكون ‪ ،‬وأال ينشغل عنها أبي عارض مهما‬
‫كان الداعي إليه ولو مل يكن يف ذلك إال هذا الوعيد للمشغولني عنها ( َك َّال‬
‫ف تَـ ْعلَ ُمو َن ‪َ .‬ك َّال لَْو تَـ ْعلَ ُمو َن ع ْل َم الْيَقني ‪ .‬لَََرتُو َّن‬
‫ف تَـ ْعلَ ُمو َن ‪ُ .‬مثَّ َك َّال َس ْو َ‬ ‫َس ْو َ‬
‫ني الْيَقني) وما عاقل يقرأ نصوص الوحيني إال وهو يعرف‬ ‫اجلَح َيم ‪ُ .‬مثَّ لَََرتُوَّهنَا َع ْ َ‬
‫ْ‬
‫أن هذه الدنيا ال شيء ابلنسبة لتلك الدار وقد قال هللا تعاىل وهو يصف هذه‬
‫العاجلة ( وما احلياة الدنيا إال لعب وهلو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر يف األموال‬
‫واألوالد ) وعند ابن حبان من حديث املستورد رضي هللا عنه قال صلى هللا‬
‫عليه وسلم ( ما الدنيا يف اآلخرة إال كما يضع أحدكم أصبعه يف اليم فلينظر‬
‫مبا يرجع منه ) ولو مل يكن يف اآلخرة إال اجلنة اليت قال فيها صلى هللا عليه‬
‫وسلم ( ملوضع سوط أحدكم يف اجلنة خري من الدنيا وما فيها ) أخرجه البخاري‬
‫ويف الصحيحني من حديث أيب هريرة رضي هللا عنه قال صلى هللا عليه وسلم‬
‫( انركم هذه اليت توقدون جزء من سبع جزء من انر جهنم يوم القيامة ) فقالوا‬
‫ايرسول هللا وهللا إهنا لكافية ! قال ( لقد فضلت عليها بتسعة وستني جزءاً )‬
‫ومن عرف قدر اآلخرة بذل هلا كل شيء واألمر كما قيل جد ! وقد ترك‬
‫السلف رضوان هللا تعاىل عليهم أمجعني رسائل مدهشة يف إدراك هذا املعىن‬
‫والعمل له وبذل كل ممكن يف سبيل أمانيه الكبار ‪.‬‬
‫‪...‬‬

‫• وعلمتين ‪ :‬مسؤولية اإلنسان الكربى عن نعم هللا تعاىل ‪ ،‬وما أكثرها يف حياة‬
‫إنسان وقد قال اهلل تعاىل ( وما بكم من نعمة فمن هللا ) وقال تعاىل (وإن‬
‫تعدو نعمة هللا ال حتصوها ) وكم من سؤال سيدار يف عرصات القيامة عنها‬
‫(مث لتسئلن يومئذ عن النعيم ) ! عافية جسدك نعمة من نعم هللا تعاىل وكم‬
‫من مريض ومعلول ! ونعمة دينك وقد جعلك هللا تعاىل مسلماً مؤمناً وأمم يف‬
‫العامل من حولك على الكفر واإلحلاد والضالل والظالم جتري يف الدنيا بال‬
‫منهج وال حقيقة وغداً جيري عليها سؤال التفريط والضياع ‪ .‬ونعمة األمن اليت‬
‫تسعد يف ظالهلا وتلقى فيها كل شيء ‪ ،‬وكم من أمم هتدمت بيوهتا من احلرب‬
‫‪ ،‬وطُردت وشردت وهي تقاسي الظالم واحلر والربد والغربة ويف مرات كثرية ال‬
‫جتد شربة ماء ! فضالً عن ما أعطاك هللا تعاىل من علم وولد وفكر وجاه‬
‫ومنصب وكلها سيجري عليها سؤال هللا تعاىل الكبري ( مث لتسئلن يومئذ عن‬
‫النعيم )‪.‬‬
‫سورة العصر‬

‫• تعلمت من سورة العصر ‪ :‬قيمة الزمن يف احلياة ‪ ،‬وأثر كل إنسان وقف على‬
‫استثماره لوقته وهذا القسم يف بداية السورة ( والعصر ) دليل على هذا املعىن‬
‫الكبري وقد بلغك أن هللا تعاىل ال يقسم إال بعظيم ! ومن عرف قدر هذا املعىن‬
‫وعين به استقبل أايم الربيع ما بقي من العمر ‪ .‬وكل الناجحني الذين تراهم يف‬
‫واقعك أو تقرأ سريهم يف اتريخ أمتك عنوا هبذه القيمة وحرصوا عليها وجهدوا‬
‫يف استثمارها حىت دنت هلم الثمار ‪ ،‬وما عاقل أحرص على شيء أحرص‬
‫على وقته وكان الواحد من سلفك أشح بوقته منه على ديناره ودرمهه ‪ ،‬وإذا‬
‫كانت دقيقتان كافيتان لصالة ركعتني ‪ ،‬وعشرون دقيقة كافية لقراءة جزء كامل‬
‫من كتاب هللا تعاىل ‪ ،‬وسبع دقائق تشرف بك على هناية أعظم األذكار يف‬
‫حياتك ( ال إله إال هللا وحده ال شريك له له امللك وله احلمد وهو على كل‬
‫شيء قدير مئة مرة يف فجر كل يوم ومسائه فال أقل من تستقبل هذا املعىن‬
‫وتعتين به وتضعه يف سلم عاداتك اإلجيابية اليت تريد تكوينها يف قادم أايمك‬
‫ومثلك أوعى بصناعة الفرق ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن األصل يف اإلنسان اخلسارة ( والعصر ‪ .‬إن اإلنسان لفي خسر)‬
‫وال خيرج من هذا األصل إال استثناء من عارف لشرف زمانه ومتيقظ للحياة‬
‫من خالله ‪ ،‬وجاد يف بلوغ أمانيه من احلياة ‪ .‬وهذا املعىن مؤذن لك أبال تغرك‬
‫الكثرة يف شيء فهي على شفري اهلالك ( وما أكثر الناس ولو حرصت مبؤمنني)‬
‫فتمثل دينك وقيمك ومبادئك الكربى وخذ بوصية رسولك صلى هللا عليه‬
‫وسلم ( قل آمنت ابهلل مث استقم ) وال تنشغل مبن هم حولك يف شيء وارفع‬
‫بصرك للسابقني من األجيال الناهضة وليكن هم حاديك للحياة ‪ ،‬والزم قول‬
‫ربك تعاىل ( واصرب نفسك مع الذين يدعون رهبم ابلغداة والعشي وال تعد‬
‫عيناك عنهم تريد زينة احلياة الدنيا وال تطع من أغفلنا قلبه عن ذكر هللا واتبع‬
‫هواه وكان أمره فرطاً ) وكن كما قال لك ابن القيم رمحه هللا تعاىل ‪ :‬وكلما‬
‫استوحشت يف تفردك فانظر إىل الرفيق السابق ‪ ،‬واحرص على اللحاق هبم‬
‫وغض الطرف عمن سواهم فإهنم لن يغنوا عنك من هللا شيئاً ‪ ،‬وإذا صاحوا‬
‫بك يف طريق سريك فال تلتفت إليهم فإنك مىت التفت إليهم أخذوك أو‬
‫أعاقوك‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن توطّن نفسك على استقبال العثرات ومواجهة العوائق وأتخر‬
‫املشاريع واستعالء الباطل يف كثري من الفرتات ألن الغلبة كثرياً ما تكون للكثرة‬
‫وإن كان هذا ليس غالباً بفضل هللا تعاىل ولكنها سنن تلقى حظها من الواقع‬
‫يف كثري من األحيان ‪ ،‬وال ميكن للقلة أن حتقق نصراً على الكثرة املقابلة إال‬
‫ابستجماع قوى النصر األخرى كحسن الصلة ابهلل تعاىل ‪ ،‬والتوكل عليه ‪،‬‬
‫والصدق يف الطريق إىل هللا تعاىل ‪ ،‬واالستعداد األمثل للنصر من خالل قوى‬
‫العلم واملعرفة والتنظيم والرتتيب اليت تعد أسباابً مهمة جداً لتحقيق تلك اآلمال‬
‫اليت نرقبها يف قادم أايمك ‪ ،‬واإلسالم ال يستمد قوته من كثرة األتباع وإمنا من‬
‫قناعة أولئك االتباع بدينهم ومتسكهم بقيمهم ومبادئهم ومثلهم الكربى يف‬
‫احلياة ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن كل املناهج والنُظم واألداين املنتشرة يف األرض سوى اإلسالم‬
‫ابطلة ال قيمة هلا حىت لو كانت عند أصحاهبا وأهلها كل شيء ‪ ،‬والسورة‬
‫تقرر هذا املعىن الكبري ( والعصر ‪ .‬إن اإلنسان لفي خسر ‪ .‬إال الذين آمنوا‬
‫وعملوا الصاحلات ) وما عدا هؤالء فكلهم يف فلك اخلسارة وحضيض احلياة‬
‫‪ .‬وما أكثر األداين الباطلة يف زمانك ! وهذا املعىن يزيد تعلقك بدينك ومينحك‬
‫شعوراً مدهشاً ابإلقبال على حقائقه والقناعة به ‪ .‬وما تصنع بباطل وأوهام‬
‫ابتت أتخذ حظها من األرض وليس هلا من احلقائق شيء ‪ .‬ولو أن عاقالً‬
‫فقه هذا املعىن ملا صار بعد اإلميان إىل الكفر ‪ ،‬وبعد اهلداية إىل الضالل وبعد‬
‫يتهود أو ينكر خالقه‬
‫يتنصر مسلماً أو ّ‬
‫اإلسالم إىل الردة ‪ .‬ومن كان يتخيّل أن ّ‬
‫ويلحد وقد رأى احلقائق رأي عني ‪ ،‬ولكن املعصوم من عصمه هللا تعاىل وال‬
‫هناية للضالل واحلرمان ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن اإلميان حركة كربى يف واقع احلياة ‪ ،‬وليس معىن جامداً يف قلب‬
‫إنسان ! ( إال الذين آمنوا وعملوا الصاحلات وتواصوا ابحلق وتواصوا ابلصرب )‬
‫يبدأ اإلميان يف قلب صاحبه مث ما يلبث أن جيري يف فلك مشاعره وميد صاحبه‬
‫ابلقوى الفكرية واملشاعرية والوجدانية اليت جتعله جزءاً من دينه ويقوم حبظوظه‬
‫يف الدارين ( إال الذين آمنوا ) ولكنه ليس ذلك اإلميان اجلامد يف القلب‬
‫فحسب وإمنا ( إال الذين آمنوا وعملوا الصاحلات وتواصوا ابحلق وتواصوا‬
‫ابلصرب ) آمنوا مث أقبلوا على العمل الصاحل بكل أنواعه وأشكاله وصوره مث‬
‫حتول ذلك املعىن من عمل صاحل إىل إصالح تتعاون فيه تلك الفئات على‬ ‫ّ‬
‫حقائق احلق الذي حيملون ‪ ،‬ويتحملون يف املقابل األعباء واألثقال اليت‬
‫يواجهون حىت جتري أحداث هذا الدين يف واقع احلياة وأتخذ حظها من‬
‫نفوس العاملني‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن كمال كل إنسان مبراتب أربع ‪ :‬معرفة احلق ‪ ،‬والعمل به ‪،‬‬
‫وتعليمه للعاملني ‪ ،‬والصرب على األذى فيه فكم من عارف للحق غري عامل‬
‫به! وكم من عارف وعامل به وتقوته أرابح الدعوة إليه ! وكم من عارف ومعلم‬
‫ولكنه قليل الصرب على األذى فيه ! فإذا ما توافرت الصفات األربع يف إنسان‬
‫فأصبح عارفاً ابحلق ‪ ،‬وعامالً به ‪ ،‬وداعياً إليه ‪ ،‬وصابراً على األذى فيه كان‬
‫ذلك من أعظم الدالئل على كمال إميانه وعلو كعبه ومتام إحسانه يف الدارين‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن الدعوة إىل دين هللا تعاىل مرتبطة ابألذى ‪ ،‬وكل فكرة أو مشروع‬
‫أو قضية يراد هلا احلياة يف واقع الناس حتتاج إىل جهاد ونضال وليس أدل على‬
‫ذلك من سري األنبياء واملصلحني من فجر التاريخ إىل يومنا هذا واإلشارة يف‬
‫السورة (وتواصوا ابلصرب) بعد األمر ابلتواصي ابحلق ( وتواصوا ابحلق ) دليل‬
‫على ذلك ‪ .‬وهذا نبينا صلى هللا عليه وسلم اُهتم ابلكذب واجلنون وأنه صابئ‬
‫وحبس يف‬‫وشج وجهه وُكسرت رابعيته ووضع سلى اجلزور على ظهره ‪ُ ،‬‬ ‫‪ُ ،‬‬
‫ورمي ابحلجارة يف رحلة عودته‬
‫شعب أيب طالب ثالث سنوات وطُرد من مكة ُ‬
‫من الطائف وكل هذه سنة من سنن الطريق ذ ّكره هبا ورقة بن نوفل يف أول‬
‫نزول الوحي عليه حني قال ( ما جاء نيب مبثل ما جئت به إال عودي ) وعلى‬
‫كل أب ومرب وداع للخري أن يدرك هذا املعىن ويتحمل أعباء الطريق ويقيم‬
‫بواجبه وستحني ساعات الفرح والنجاح أعجل ما تكون ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أثر اجلماعة يف دين هللا تعاىل ‪ ،‬ترى ذلك من خالل لفظ اجلماعة‬
‫يف السورة ( إال الذين آمنوا وعملوا الصاحلات وتواصوا ابحلق وتواصوا ابلصرب)‬
‫ومن أتمل التشريع وعناية اإلسالم أبمر اجلماعة يف أركان اإلسالم على وجه‬
‫اخلصوص عرف أثر ذلك يف دين هللا تعاىل ‪ ،‬وعلى سالك الطريق أن ميد قدر‬
‫وسعه يف هذه الغاايت وأن جيهد بكل ما ميلك يف تكامل أدوارها حىت أييت‬
‫منها على ما يريد يف النهاايت ‪ .‬وما حاجة األمة اليوم إىل شيء حاجتها إىل‬
‫إحياء روح اجلماعة ‪ ،‬وأول لبنة يف هذا املعىن الكبري شعور الفرد هبذا املعىن‬
‫وأتصله يف فكره وحرصه عليه غاية وسعه ‪ ،‬ومن مث تش ّكله يف األسرة والبيت‬
‫ومن مث مسجد احلي ومجاعته مروراً بكل اجتماع ميكن أن يكون لبنة يف‬
‫االجتماع الكبري الذي ترقبه األمة يف النهاية وتكون به األمة جسداً واحداً‬
‫(وإن هذه أمتكم أمة واحدة ) ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬ضرورة الصرب يف حياة اإلنسان ‪ ،‬وأنه أعظم الطرق السالكة بصاحبه‬
‫إىل النجاح والتوفيق ! ولو مل يكن من ذلك إال عناية الوحي به وتكراره يف‬
‫كتاب هللا تعاىل أكثر من تسعني مرة ‪ ،‬ووعد هللا تعاىل ألهله أبعظم اجلزاء‬
‫(إمنا يوىف الصابرون أجرهم بغري حساب ) ومن عرف عوائده وذاق لذته ورأى‬
‫آاثره أدرك ما خيلفه هذا املعىن الكبري ‪ ،‬وهو من األخالق اليت تُتكسب ابملران‬
‫ويف البخاري من حديث أيب سعيد اخلدري رضي هللا عنه قال صلى هللا عليه‬
‫وسلم ( ومن يتصرب يصربه هللا ) وليس أصلح لبلوغ أمانيك يف ولدك وطالبك‬
‫وزوجك وصالح بيتك وجناح فكرتك ومشروعك منه وهو كل شيء بعد توفيق‬
‫هللا تعاىل ‪ .‬وكم من ضال عاد للهداية! وكم من عدو للحق صار من أنصاره!‬
‫وكم من بعيد عن احلياة عاد يشرب من معينها كل شيء !‬
‫سورة اهلمزة‬

‫• علمتين سورة اهلمزة ‪ :‬أن التعامل مع اآلخرين دين كما هي بقية شرائع اإلسالم‬
‫ال فرق‪ ،‬فكما أن الصالة والصيام دين فكذلك تعامل اإلنسان مع أهله وزوجه‬
‫وأسرته وجاره وصديقه وزميله هي كذلك دين ومن فقه اإلنسان وكمال وعيه‬
‫أن يرقب هذا املعىن ويتعامل مع اآلخرين وهو يتعبد هللا تعاىل بذلك ويف‬
‫احلديث ( إن صاحب حسن اخللق يبلغ درجة الصائم الذي ال يفطر والقائم‬
‫إىل وأقربكم مين جملساً‬
‫الذي ال يفرت ) وقال صلى هللا عليه وسلم ( إن أحبكم ّ‬
‫يوم القيامة أحاسنكم أخالقاً ) وإذا أردت أن تعرف قدر هذا املعىن فتأمل‬
‫وعيد هللا تعاىل يف مطلع السورة للمعتدين على اآلخرين الطامثني يف أعراضهم‬
‫كيف يتوعدهم هللا تعاىل وهو القوي العزيز ( ويل لكل مهزة ملزة ) وانظر‬
‫ملشاهد النهاايت ( كال لينبذن يف احلطمة ‪ .‬وما أدارك ما احلطمة ‪ .‬انر هللا‬
‫املوقدة ‪ .‬اليت تطلع على األفئدة ‪ .‬إهنا عليهم مؤصدة ‪ .‬يف عمد ممددة )‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أثر الكلمة وخطورهتا يف حياة إنسان ‪ ،‬وكم من كلمة ألقت يف‬
‫قلب صاحبها األفراح ! وكم من كلمة ألقت به يف أودية الضياع ! وهذا الوعيد‬
‫العظيم الذي تقرأه يف مطلع السورة من أثر كلمة وقد قال صلى هللا عليه وسلم‬
‫( وإن العبد ليتكلم ابلكلمة من رضوان هللا تعاىل ال يلقي هلا ابالً ُحيل هللا هبا‬
‫عليه رضوانه إىل يوم القيامة ‪ .‬وإن العبد ليتكلم ابلكلمة من سخط هللا ال‬
‫يلقي هلا ابالً ُحيل هللا هبا عليه سخطه إىل يوم القيامة) ‪ ،‬ومن تتبع عورة أخيه‬
‫تتبع هللا عورته حىت يفضحه يف جوف بيته ‪ ،‬وهللا املستعان! وقد قال احلافظ‬
‫بن حجر رمحه هللا تعاىل يف ترمجته ألحد الرجال بعد أن ذكر ذكاءه وعلومه ‪:‬‬
‫وتغري ذهنه يف أواخر عمره ونسي غالب حمفوظاته حىت القرآن ويقال أن ذلك‬
‫ّ‬
‫كان عقوبة له لكثرة وقيعته يف الناس ‪ .‬اهـ‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬خطر الغيبة وأهنا مفضية بصاحبها إىل النريان ‪ ( ،‬ويل لكل مهزة‬
‫ملزة) واهلماز هو الذي يعيب الناس ويطعن فيهم ابلفعل كاإلشارة والتمثيل‬
‫بيده أو لسانه أو جسده وحنو ذلك ‪ ،‬واللماز هو الذي يعيبهم ويطعن فيهم‬
‫ابلقول وهي دليل على رذالة أخالق صاحبها وسوء طبعه ورقة دينه وضعف‬
‫قيمه ‪ ،‬وكم من كلمة قالت لصاحبها دعين ‪ ،‬وقد قال صلى هللا عليه وسلم‬
‫(أتدرون من املفلس ؟ ) قالوا ‪ :‬املفلس فينا من أييت يوم القيامة بصالة وصيام‬
‫وزكاة وأييت وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب‬
‫هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن‬
‫يُقضى ما عليه أخذ من خطاايهم فطرحت عليه فطرح يف النار )‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن من سوء التوفيق إلنسان أن يهبه هللا تعاىل نعمة من النعم مث‬
‫يذهب هبا يف احلرمات ! أال ترى هذا كيف أن هللا تعاىل جعل له لساانً ومكنه‬
‫من اإلفصاح عن حاجته والقيام بشؤونه فإذا به ُجيري هذه النعم يف فلك‬
‫احلرمان فيتتبع هبا عورات إخوانه ويكشف هبا سر املؤمنني املتقني ويعبث هبا‬
‫يف احلرمات حىت يلقى هللا تعاىل يوم القيامة مثقالً ابلذنوب والسيئات ‪ .‬وكم‬
‫من إنسان يعسر عليه ذكر من األذكار ‪ ،‬أو قراءة بعض آايت كتاب هللا تعاىل‬
‫ويهو خيبط كل حلظة يف أعراض املسلمني ال يبايل ما يصنع فيها وال يشعر‬
‫بشيء من اخلذالن ‪ ،‬وليس لسوء التوفيق حدود ‪ ،‬وهللا املستعان ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن الوحي يبين منهجاً يف دحض الشبه والظنون اخلاطئة ويدفع‬
‫عن اإلنسان األوهام ويبين لديه تصورات احلياة كما ينبغي أن تكون ‪ ،‬ومن‬
‫عرف خطر هذه القضية وأثرها الكبري يف بناء مستقبله أدرك ما للوحي من‬
‫آاثر ! كل الوحي يبين األفكار واملفاهيم ويش ّكل التصورات الضخمة ‪ ،‬ولن‬
‫جتد صاحب عالقة متينة ابلوحي على عالقة ابألوهام يف شيء ومن بَـعُد عن‬
‫الوحي صار بيئة مهيأة ومرتعاً خصباً لألوهام يف مستقبل األايم‪ .‬تعرض الصورة‬
‫قصة مأسور ابلوهم ( حيسب أن ماله أخلده ) كسب أمواالً وظنها كل شيء‬
‫وذهب يتمطّى يف أعراض الناس بناء على ذلك وفاته أن املال ال يبين عزاً أو‬
‫جاهاً إلنسان إال ابلقدر الذي يدفعه يف مراض هللا تعاىل وما عدا ذلك فضياع‬
‫‪ .‬وهذا درس متني يصلح لآلابء واملربني والدعاة يدعوهم للرتكيز على بناء‬
‫األفكار واملفاهيم من خالل الوحي ‪ ،‬ويدعوهم يف ذات الوقت لإلغارة على‬
‫مفاهيم األوهام والدجل من خالل الوحي ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أنين إذا أردت عالج مشكلة ما يف حيايت اخلاصة أو يف بييت وأسريت‬
‫أو على مستوى مشروعي ووظيفيت فال بد من وصف املشكلة وصفاً دقيقاً مث‬
‫عرض أسباهبا اليت كونتها مع األايم ومن مث نتائجها وأخطارها القادمة يف‬
‫حيايت ‪ ،‬وأال أتعجل يف عالج مشكالت دون النظر يف أسباهبا والتعرف على‬
‫أخطارها يف قادم األايم ‪ .‬تعرض السورة هذا النموذج املثايل يف عالج‬
‫املشكالت فوصفت املشكلة أوالً ( ويل لكل مهزة ملزة ‪ .‬الذي مجع ماالً‬
‫وعدده) وأابنت عن سببها الرئيس ( حيسب أن ماله أخلده ) مث وضحت‬
‫جبالء النتائج املرتتبة على ذلك ( كال لينبذن يف احلطمة ‪ .‬وما أدارك ما احلطمة‪.‬‬
‫انر هللا املوقدة ‪ .‬اليت تطلع عليها األفئدة ‪ .‬إهنا عليهم مؤصدة ‪ .‬يف عمد ممدة)‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن اجلزاء من جنس العمل ‪ ،‬ومن استقبل احلرمان لقيه ولو بعد‬
‫حني ‪ .‬كان هذا اإلنسان يف عافية من أمره حىت أقبل على أعراض اآلخرين مث‬
‫بُلي بسوء اخلواتيم والعياذ ابهلل ( كال لينبذن يف احلطمة ) وماله وللنار وقد‬
‫كان يف منأى عن الضالل ! ومن ابتلي ابخلوض يف أعراض اآلخرين ابتاله‬
‫هللا تعاىل مبوت قلبه عاجالً أو آجالً ‪ ،‬وقل أن جتد مشغوالً أبعراض اآلخرين‬
‫إال أشغله هللا تعاىل عن نفسه وأنساه مصاحله وأجرى عليه ذات السنن يف‬
‫قادم األايم ‪.‬‬
‫سورة الفيل‬
‫• علمتين سورة الفيل ‪ :‬أن هدم ( األصول ) فكرة قدمية لدى األعداء ‪ ،‬وهذه‬
‫اهلجمة على سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بضعة من فكرة أبرهة يف‬
‫قصة هدم الكعبة ( وما أكثر أبرهة يف زمانك ! ) لقد رأى أبرهة أنه ال حيلة‬
‫ال طريق إىل إيقاف زحف هذا الدين ومتكنه يف قلوب العاملني إال إبزاحة هذا‬
‫فسري جيشه لتحقيق تلك‬ ‫األصل من خالل هدم الكعبة وتقويض بنياهنا ّ‬
‫األمنية ‪ ،‬وذات الفكرة اليوم تتجدد يف عقول أتباعه وهاهم جيهدون يف هدم‬
‫وتشويه أصول اإلسالم الكتاب والسنة يف صور كثرية تتجدد مع جتدد الزمان!‬
‫من تلك الصور التشكيك يف صحيح السنة ‪ ،‬والرتكيز على املتشابه من‬
‫النصوص ‪ ،‬وإاثرة اخلالف فيها ‪ ،‬ويف املسألة قوالن ‪ ،‬وثالثة ‪ ،‬واحلديث‬
‫ضعيف حىت ال يكاد يستقيم لك نص جتري عليه فصول دينك يف مستقبل‬
‫األايم ‪ .‬وما عاقل أحوج منه اليوم إىل تعظيم الوحي وإجالل شعائره والقيام‬
‫حبقه وتقديس مفاهيمه وأخذه من أهله الذين زكاهم هللا تعاىل يف كتابه‬
‫(فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ال تعلمون ) ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬ضرورة العناية أبصول اإلسالم وإجالهلا وأن هذه األصول (الكتاب‬
‫والسنة ) أعظم مفاخر األمة على اإلطالق وهي خارطة الطريق وبوصلة‬
‫الشمال ! وليس يف األرض كلها أمة من األمم متلك خارطة ترى هبا معامل‬
‫متسك هبا وجهد يف‬
‫الطريق أوضح ما تكون كهذه األمة ومن عرف هذا املعىن ّ‬
‫حفظها وضبطها وميم وجهه إليها حىت أيذن هللا تعاىل له فيها ومن خالهلا‬
‫ابحلياة ‪ .‬فواجب حفظ هذا الوحي كبري وعظيم سواء من خالل زايدة فتح‬
‫حلقات التحفيظ كتاابً وسنة ‪ ،‬أو التدريس فيها ملن ميلك القدرة ‪ ،‬أو شرح‬
‫مضامينها وتعليم مفاهيمها لعموم املسلمني ‪ ،‬أو بعث أبنائنا إليها ودعمها‬
‫مالياً وفكرايً واجتماعياً حىت تصبح أول وأهم املفاهيم اليت أتخذ حظها من‬
‫عقول أبناء هذه األمة وتكون جزءاً مهماً ومؤثراً يف بناء منظوماهتم الفكرية‬
‫والرتبوية يف مستقبل األايم ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن عدوك ال ينفك عن عدائك وأنه أحرص ما يكون على حربك‬
‫ومواجهتك بكل الوسائل املمكنة لديه ما استطاع إىل ذلك سبيالً فال تظنّن‬
‫يوماً أنه سيتخلى عن حربك ومواجهتك ‪ ،‬ومن فقهمك وكمال وعيك أن‬
‫تفقه هذه احلقيقة جيداً ‪ ،‬وأن تكون مستعداً غاية االستعداد جملاهبة تلك‬
‫احلرب املنظمة من خالل إميانك بدينك ‪ ،‬ويقينك حبقائقه ‪ ،‬وثباتك على‬
‫تتحصن ابلعلم حىت تكون أقدر على مواجهته يف‬ ‫ّ‬ ‫قيمك ومبادئك ‪ ،‬وأن‬
‫معركته القادمة معك ‪ .‬لقد حاول أبرهة بكل ما ميلك من قوة وعتاد أن يهدم‬
‫ويقوض هذا البنيان ويهدم ذلك األصل الكبري حىت يستطيع أن ميرر‬ ‫الكعبة ّ‬
‫أفكاره ومفاهيمه كما يشاء ‪ ،‬وعدو اليوم أمكن ألف مرة يف أدوات احلرب‬
‫اليت ميلكها وآلة حربه اليوم قضااي األفكار واملفاهيم اليت يريد أن يدير هبا ومن‬
‫خالهلا استبدال مفاهيم وتصورات دينك وإحالل مفاهيم وتصورات جديدة‬
‫يف مستقبل األايم ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن دين هللا تعاىل سيظل حياً قادراً على البقاء مهما كانت قدرة‬
‫العدو الذي يواجهه ‪ .‬لقد أقبل إبرهة بكل ما ميلك وتركت قريش البيت له‬
‫وكان الطريق فسيحاً أمامه فتوىل هللا تعاىل شأنه ‪ ،‬ومل يتكلف له يف شيء وإمنا‬
‫بعث له طرياً حتمل أحجاراً صغرية جداً وجعلهم عربة للتاريخ ( فأرسل عليهم‬
‫طرياً أاببيل ‪ .‬ترميهم حبجارة من سجيل ‪ .‬فجعلهم كعصف مأكول ) وإنك‬
‫حني ترى تلك اجلنود اليت حشدها ذلك الطاغية مث ترى تلك النهاية اليت‬
‫صاروا إليها ( فجعلهم كعصف مأكول) ومن طري يف أفق السماء لتعلم يقيناً‬
‫أن هذا الدين سيبقى ما بقيت احلياة ‪ ،‬وأن كل صور الكيد واملعارضة اليت‬
‫تواجه هذا الدين مصريها الفشل واإلخفاق والتاريخ شاهد على ذلك ‪ ،‬وما‬
‫مصاولة فرعون ‪ ،‬وأقوام الكفر من زمن نوح إىل زمان نبينا صلى هللا عليه وسلم‬
‫إال بعض صور تلك احلقيقة الكربى ويف النهاية إىل الضياع ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬عظيم قدرة هللا تعاىل ‪ ،‬وأن هللا تعاىل إذا أراد أمراً قال له كن فيكون‬
‫إن الناظر إىل الصورة واملشهد يف بدايته ال يكاد يشك أن الكعبة إىل زوال ‪،‬‬
‫وأن هذه هناية بيت هللا تعاىل من األرض ‪ ،‬وأنه ال يبقى أصل يتهادى إليه‬
‫العاملون يف مكان مث ما هي إال حلظات والقوم صرعى كالزرع الذي أكلته‬
‫الدواب وألقت عليه أبقدامها حىت جعلته رفااتً وابنت احلقائق أظهر ما يكون!‬
‫وما أكثر هذه املشاهد يف أعداء هللا تعاىل من فجر التاريخ إىل يومنا هذا وما‬
‫زالت تتكرر وتتعدد مشاهدها واملصروف من صرفه هللا تعاىل عن هذه املشاهد‬
‫وألقى به إىل الضياع ‪ .‬ويف احلديث ( إن هللا ميلي للظامل حىت إذا أخذه مل يفلته‬
‫) وقرأ قول هللا تعاىل (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظاملة إن أخذه‬
‫أليم شديد )‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬عاقبة املعصية وشدة خطرها وسوء شؤمها على أصحاهبا وال أدل‬
‫على ذلك من منظر أولئك الطغاة وهم صرعى على األرض بعد أن كانوا‬
‫يرفلون يف النعيم كما يشاؤون ( أمل تر كيف فعل ربك أبصحاب الفيل ‪ .‬أمل‬
‫جيعل كيدهم يف تضليل ) ‪ .‬لقد أخذ منهم الغي والباطل كل شيء وبلغ من‬
‫نفوسهم كل موقع ونسوا كل عربة وطغوا حىت تطاولوا على هللا تعاىل ورأوا أهنم‬
‫أقدر على هدم بيته ومواجهة دينه وقتل أوليائه وكذلك تفعل املعاصي‬
‫أبصحاهبا ! خيرجون كل مرة من عنق الزجاجة ‪ ،‬وتفرج عنهم أبواب السجون‬
‫ويعودون لذات املكان من جديد ‪ ،‬وجتري عليهم أحداث الفشل واإلخفاق‬
‫من جديد ‪ .‬ومن قرأ فصول التاريخ أدرك ما تصنع املعصية أبصحاهبا يف‬
‫النهاايت ‪.‬‬
‫سورة قريش‬

‫• علمتين سورة قريش ‪ :‬أن ( الوحدة واالجتماع واالئتالف ) يف بيت وأسرة‬


‫وجمتمع من أعظم النعم اليت جيب أن أتخذ حظها من الشكر والعرفان ! وضياع‬
‫هذا املعىن يف واقع ما ضياع لكل شيء ‪ ،‬وليس وراء ذلك إال الفرقة والشتات‬
‫والفوضى ‪ .‬إن هللا تعاىل مينت على قريش هبذا االجتماع الذي صنعه هلم و ّأمنهم‬
‫يف رحالهتم وطلبهم رزقهم ذاهبني راجعني وهم آمنني مطمئنني( لإليالف قريش‬
‫إيالفهم رحلة الشتاء والصيف ) وقد قال صلى هللا عليه وسلم ( من أمسى‬
‫آمناً يف سربه عنده قوت يومه وليلته فكأمنا حيزت له الدنيا كلها ) ومن ُحرم‬
‫شيء من ذلك فقد حرم كل شيء ‪ ،‬وما يصنع آمن يف سربه ال جيد ما يسد‬
‫به جوعه ! وما يفعل إنسان أبرزاق الدنيا كلها بني يديه وهو ال يستطيع أن‬
‫يرفع لقمته إىل فمه من اخلوف ! ووعي هذا املعىن ورعايته جيب أن يبدأ من‬
‫الفرد فيكون صاحلاً لالجتماع واالئتالف يف بيته وأسرته وعمله ومشروعه وأي‬
‫خالف يصنعه الفرد يف تلك املساحات هو ثقب الغرق يف سفينة النجاة العامة‬
‫يف النهاية ‪ ،‬وقل مثل ذلك يف حياة كل ابن وزوج وأب يف كل بيت وأسرة‬
‫وحي وجمتمع !‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن عبادة هللا تعاىل أعظم معاين الشكر ‪ ،‬وأن من أقبل على هللا‬
‫تعاىل صادقاً وعظّم شعائره وأدى واجباته فقد أتى على شكر نعم هللا تعاىل‬
‫وقام حبقها من اإلجالل ! وأدركت حينها أن الشكر ليس تلك الكلمات اليت‬
‫نرددها على ألستنا دون أن أتخذ حظها من قلوبنا ومشاعران ‪ ،‬وال تلك‬
‫السبحة الطويلة اليت يدار خرزقها يف كل مرة وال نشعر إال بنهايتها وإمنا هو‬
‫استشعارها يف قلبك وجوارحك ‪ ،‬والفرح واللذة هبا وإذا عرف قلبك هذه النعم‬
‫أجلها وعظمها وقام حبظها وجرت احلياة يف قلبك ألف مرة وإذا أخذت‬
‫حظها من قلبك جرت على لسانك يف كل حلظة ‪ ،‬ومن مث استثمرهتا يف طاعة‬
‫التقوي هبا على مراضيه ! وكم من شاكر بلسانه وهو عاكف على‬
‫هللا تعاىل و ّ‬
‫معصيته! وكم ممن جيري خرز مسبحته على يديه كل حلظه وهو أعظم الغافلني‬
‫عن القيام حبقه ! وما تغين الصور عن احلقائق يف شيء ! واملوفق من وفقه هللا‬
‫تعاىل ‪.‬‬
‫سورة املاعون‬

‫• علمتين سورة املاعون ‪ :‬أن اإلسالم كما هو عالقة بني اخلالق واملخلوق فهو‬
‫كذلك عالقة بني املخلوقني بعضهم البعض ! وأخطر املفاهيم اليت تواجه‬
‫كثريين اليوم هذا الفصل الشائع بني املعنيني مما ولّد خصاماً سافراً يف الواقع‬
‫فرتى حريصاً على شعائر هللا تعاىل من الصالة والصيام وغريها من العبادات‬
‫وهو ذاته الذي ال يتحرج من االعتداء على حقوق االخرين فيأكل مال يتيم‬
‫‪ ،‬ويعبث حبق زوجه ‪ ،‬ويعتدي على جاره ‪ ،‬ويظلم عامله وجتري منه فصول‬
‫كثرية وهو ال يكاد يتخلّف عن مساجد هللا تعاىل يف شيء ! وإذا أعدت‬
‫قراءة هذه السورة مراراً فسرتى هذه احلقيقة املرة واليت يص ّور فيها القرآن أن‬
‫أعظم صور التكذيب بيوم القيامة وأشدها أثراً يف حياة صاحبها عدم رعايته‬
‫حلقوق هؤالء األيتام واملساكني ( أرأيت الذي يكذب ابليتيم ‪ .‬فذلك الذي‬
‫يدع اليتيم ‪ .‬وال حيض على كعام املسكني) إن املتأمل يف حياة املسلمني اليوم‬
‫يرى فوضى كبرية وخملة يف هذا املعىن ترى فيها املصلي الصائم التايل لكتابه‬
‫تعاىل هو ذاته القاطع لرمحه ‪ ،‬واملخاصم جلاره ‪ ،‬واملختلف مع زوجه ‪ ،‬وهو‬
‫ذاته الذي تدار املعارك صباح مساء مع أبنائه مث إذا أذّن املؤذن للصالة ميم‬
‫وجهه إىل بيت هللا تعاىل مصلياً متعبداً حافظاً هلذا احلق العظيم مث ما أن يلبث‬
‫أن خيلع كل تلك العبادة مع أول قدم خيرجها من املسجد وتبدأ فصول‬
‫اخلصومة والنزاع وأكل أموال الضعفاء والظلم جتري يف فصول حياته يف يومه‬
‫وليلته زمناً من الدهر ‪ ،‬وهذه آاثر ذلك اخللل الكبري يف األفكار واملفاهيم‬
‫تكون هذا الفصل الكبري يف مفاهيم العبادة فأخذت هذه‬‫والتصورات حىت ّ‬
‫األخطاء مساحتها من واقع األمة ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن اإلسالم يرعى حقوق الضعفاء والفقراء واملساكني ويعتين بشأهنم‬
‫وخياصم من يؤذيهم أو يقف هلم يف عرض الطريق للدرجة اليت جيعل من أعظم‬
‫صفات املكذبني بيوم القيامة من ال يرعى تلك احلقوق أو يقوم هلم بتلك‬
‫الواجبات ‪ ،‬وإذا أردت أن تعرف حقوق هؤالء فاقرأ نصوص الوحيني بوعي‬
‫جتد كل شيء ! هذا اإلسالم يدعوك لرعاية هذه الفئات والقيام بشؤوهنن‬
‫والسعي هلن بكل ممكن ويف احلديث قال صلى هللا عليه وسلم ( أان وكافل‬
‫اليتيم كهاتني يف اجلنة) ‪ ،‬وقال صلى هللا عليه وسلم (الساعي على األرملة‬
‫واملسكني كاجملاهد يف سبيل هللا ) فتأمل هذه املعاين وانظر ألثر هذه الثغور‬
‫اليت جتعل مالزمها أقرب الناس برسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكالواقف‬
‫على ثغور اجلهاد وهو مل خيرج قيد شرب ! فكيف إذا أدركت أن هذا العمل‬
‫موجب حلصول بركات الرزق والنصر قال صلى هللا عليه وسلم ( إمنا تنصرون‬
‫وترزقون بضعفائكم ) وهذه املعاين من فروض الكفاايت مىت ما تُركت حلق‬
‫األمة بفواهتا إمث كبري ‪ ،‬وهي أحوج ما تكون إىل صاحب راية وختصص يرفع‬
‫عن األمة إمثها يوماً من الدهر ‪ ،‬وأنت انظر إىل واقعك من هذا املعىن الكبري‬
‫‪ ،‬وأتمل سريتك يف رحاب هذه املساحة ‪ ،‬واجعل لنفسك منها نصيب‬
‫الفاحلني مبا تستطيع ‪ ،‬وكم من وقت أو جهد أو فكرة أو مساحة عمل يف‬
‫ظالل هذا املعىن جرى عليك بنعيم الدارين !‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن عنايتك أبولوايتك واالهتمام هبا من أعظم ما ينبغي أن يسيطر‬
‫على تفكريك حىت أتيت منها على أمانيك ‪ ،‬وقضية الصالة أول ما ينبغي أن‬
‫تكون يف ُسلّم أولوايتك وقد بلغك أهنا ركن اإلسالم الثاين ‪ ،‬واتركها كافر‬
‫والعياذ ابهلل تعاىل ‪ ،‬وأول سؤال تُسأله عنها بني يدي هللا تعاىل يوم القيامة‬
‫ويف الرتمذي وصححه األلباين قال صلى هللا عليه وسلم ( أول ما حياسب‬
‫عليه العبد الصالة ) وظل نبيك صلى هللا عليه وسلم يوصى هبا وهو يف‬
‫سكرات املوت ( هللا هللا يف الصالة) وإذا كان املصلي متوعد على فوات بعض‬
‫حظوظها من واقعه وهو يصلي فكيف مبن ّفرط فيها وضيعها من أصلها وهللا‬
‫املستعان ! إن من فقهك أن جتل صالتك وأن تتوجه إليها مع أول صوت‬
‫املؤذن وأن تتهيأ هلا غاية وسعك مث إذا أقبلت إليها أقبلت وأنت تعلم أن هللا‬
‫تعاىل قبالة وجهك وأي انصراف بقلبك عنها مؤذن ابنصراف اخلريات بني‬
‫يديك ‪ ،‬وقد قال ابن القيم رمحه هللا تعاىل ‪ :‬والصالة جملبة للرزق ‪ ،‬حافظة‬
‫للصحة ‪ ،‬دافعة لألذى ‪ ،‬مطردة لألدواء ‪ ،‬مقوية للقلب ‪ ،‬مفرحة للنفس ‪،‬‬
‫مذهبة للكسل ‪ ،‬منشطة للجوارح ‪ ،‬ممدة للقوى ‪ ، ،‬شارحة للصدر ‪ ،‬مغذية‬
‫للروح ‪ ،‬منورة للقلب ‪ ،‬حافظة للنعمة ‪ ،‬دافعة للنقمة ‪ ،‬جالبة للربكة ‪ ،‬مبعدة‬
‫للشيطان ‪ ،‬مقربة من الرمحن ‪ ،‬وابجلملة ‪ :‬فلها أتثري عجيب يف حفظ صحة‬
‫البدن والقلب وقوامها ودفع املواد الرديئة عنهما ‪ ،‬وما ابتلى رجالن بعاهة أو‬
‫داء أو حمنة أو بلية إال كان حظ املصلي منهما أقل وعاقبته أسلم ‪ .‬اهـ‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أبن أخطر األمراض اليت تواجهك ليست األمراض احلسية اليت‬
‫ميكن عالجها يف أقرب مشفى ‪ ،‬وإمنا األمراض املعنوية اليت ال يعتل منها‬
‫جسدك الظاهر وال تلقى هلا عقبات مباشرة يف طريق يومك وليلتك ولكنها‬
‫تنخر يف حياتك وتذهب بعملك وتضيع جهدك وتُس ّفك الرمل احلار بعد كل‬
‫عناء وجهد ووقت قال تعاىل ( الذين هم يراؤون ) الرايء ‪ :‬أن تعمل عمالً يف‬
‫أصله قربة لربك ويف حقيقته رغبة يف مدح من حولك واستكثاراً من شكرهم‬
‫وتقديرهم فال أنت الذي عبدت ربك وال أنت الذي لقيت من املخلوقني ما‬
‫يعوض جهدك وتعبك ! كم من عمل كبري ح ّقرته النية ! وكم من عمل صغري‬
‫عظّمته النية ! وقد قال الفضيل رمحه هللا تعاىل ‪ :‬إمنا يريد هللا تعاىل منك نيتك‬
‫على من نييت ‪ ،‬وإذا‬
‫‪ .‬وقال سفيان رمحه هللا تعاىل ‪ :‬ما عاجلت شيئاً أش ّد ّ‬
‫أردت أن تعرف خطر الرايء فتأمل حديث ربك يف احلديث القدسي ‪ ( :‬أان‬
‫أغىن الشركاء عن الشرك من أشرك معي غريي تركته وشركه ) ‪ ،‬وحديث الثالثة‬
‫(اجملاهد ‪ ،‬وحافظ القرآن ‪ ،‬واملتصدق ) الذين جهدوا وتعبوا وبذلوا ولكن يف‬
‫تسعر هبم انر جهنم يوم القيامة ‪ ،‬وكل واحد‬
‫غري طريق ويف النهاية هم أول من ّ‬
‫من هؤالء يقول لربه إمنا فعلته من أجلك فيقول كذبت إمنا فعلته من أجل كذا‬
‫وقد قيل ! فيمم وجهك إىل ربك ‪ ،‬واصدق معه قدر وسعك ‪ ،‬وأكثر من‬
‫األعمال الصاحلة فيما بينك وبينه وسله أن يسل من قلبك عاجل ثناء‬
‫املخلوقني ويقبل بك عليه إنه جواد كرمي ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن مثة أخالق ال تليق ابلكبار ‪ ،‬وال تصلح للمؤمنني يف شيء ‪،‬‬
‫وهي أخالق البخل والشح قال تعاىل ( ومينعون املاعون ) وليس املاعون هو‬
‫قدرك ودلوك الذي متنعه اآلخرين ‪ ،‬وإمنا جيري يف صورة كثرية تفوق احلصر‬
‫منها طالب علم ظن بكتبه ومذكراته اليت كتبها على زميل حمتاج هلا ‪ ،‬وصاحب‬
‫من هللا‬
‫علم قعد يف بيته رغم حاجة مسجد احلي إلمام أو لدرس ‪ ،‬ومنها َمن ّ‬
‫تعاىل عليه جباه ومسؤولية ومكانة ولكنه مل يستثمرها يف مشروع لدينه ومنهجه‬
‫وظل كالً على من حوله ‪ ،‬أو ذلك الذي أعطاه هللا تعاىل ماالً مث ال جيد ما‬
‫يسد به جوعة حمتاج أو فقري أو مسكني ! وجتري هذه الصور يف حياة إنسان‬
‫معه سياراتن وال حاجة له على األخرى وجاره حمتاج هلا وهو يبخل هبا ‪ ،‬أو‬
‫زميل ميلك رصيداً من علم الفرائض ‪ ،‬أو احلاسب ‪ ،‬أو اللغة اإلجنليزية ومل‬
‫يهب ملن حوله من ذلك شيئاً ‪ ،‬أو تلك اليت متلك فستاانً للفرح ولكنها ضنّت‬
‫به على من حتتاج إليه يف حالك الظرف‪ .‬وهي دعوة يف املقابل أن تكون كرمياً‬
‫جواداً ابذالً معطاءً سواء يف طاقاتك وقدراتك ومهاراتك‪ ،‬أو يف مالك‬
‫وشفاعتك ‪ ،‬أو حىت يف طالقة وجهك وكن جزءاً من احلياة ومساحة من الربيع‬
‫تلقى كل شيء ‪.‬‬
‫سورة الكوثر‬

‫• علمتين سورة الكوثر ‪ :‬حب هللا تعاىل ألوليائه ورعايته هلم ودفاعه عنهم وتذكرك‬
‫بقول ربك تعاىل يف احلديث القدسي ( من عادى يل ولياً فقد آذنته ابحلرب)‬
‫حني وصف الكفار نيب هللا تعاىل أبنه أبرت ال عقب له وأنه ال أييت له ولد إال‬
‫وعريوه بذلك توىل هللا تعاىل الدفاع عنه وأغدق على مشاعره برد تلك‬
‫مات ّ‬
‫التهم الفارغة وأخربه بعطائه الكبري وسالّه أبنه هو الواصل وغريه املقطوع (إان‬
‫أعطينك الكوثر ‪ .‬فصل لربك واحنر ‪ .‬إن شانئك هو األبرت ) ومن قرأ تفاصيل‬
‫هذا املعىن يف كتاب هللا تعاىل ويف سنة رسوله صلى هللا عليه وسلم جرت احلياة‬
‫يف مشاعره إىل أقص مدى ! ويف احلديث القدسي قال هللا تعاىل ( وما تقرب‬
‫إىل‬
‫إىل مما افرتضته عليه ‪ ،‬وما يزال عبدي يتقرب ّ‬
‫إىل عبدي بشيء أحب ّ‬ ‫ّ‬
‫ابلنوافل حىت أحبه ‪ ،‬فإذا أحببته كنت مسعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصره‬
‫به ويده اليت يبطش هبا ورجله اليت ميشي هبا ‪ ،‬وإن سألين ألعطينه ‪ ،‬ولئن‬
‫استعاذين ألعيذنه ‪ ،‬وما ترددت يف شيء ترددي يف قبض نفس عبدي املؤمن‬
‫يكره املوت وأان أكره مساءته ) فتأمل هذه الصورة وقارهنا بتلك اليت توىل هللا‬
‫تعاىل فيها الدفاع عن نبيه وواجه أعداءه وسلى مشاعره وكفاه مؤنة أولئك‬
‫األعداء لتعلم قول هللا تعاىل ( أال إن أولياء هللا ال خوف عليهم وال هم حيزنون‬
‫‪ .‬الذين آمنوا وكانوا يتقون ) وإذا كانت احلقائق كذلك فاعقد العزم على‬
‫صناعة هذه الوالية يف واقعك وستجري أحداثها الكربى يف حياتك يوماً من‬
‫الدهر ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن الثبات على احلق والصلة ابهلل تعاىل واالنشغال ابلعمل الصاحل‬
‫أعظم ما تواجه به عدوك ‪ ،‬وأكرب الردود على املعرضني من حولك حني يتوجه‬
‫إليك عدوك ويقف يف وجهك ‪ ،‬ويزاحم طريقك ‪ ،‬ويقف نداً لك فال تنشغل‬
‫ابلرد عليه واخلصام معه واالنشغال به وتنصرف عن مشروعك وفكرتك‬
‫وقضيتك بل توجه إىل ربك وأقبل عليه واصلح ما بينك وما بينه وهو تعاىل‬
‫سيتوىل عنك كل شيء ‪ ،‬ترى يف السورة أن هللا تعاىل مل يدل رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم هللا على الدفاع عن نفسه وتربئتها مما عريوه به وإمنا دله على العبادة‬
‫وأوصاه أبن ميسك ابلطريق من خالل هذا املعىن الكبري ( فصل لربك واحنر )‬
‫يشوش علينا مشاريعنا‬
‫ما أكثر ما يعرض لنا العدو يف الطريق ! وما أكثر ما ّ‬
‫ويوقفنا عنها دون وعي ‪ .‬كم هي األحداث اليت دامهت األمة وما زالت وكم‬
‫أخذت منا من متابعة ألخبارها وحتليل جملرايهتا وفرز ألحداثها وما إن تنتهي‬
‫حىت تبدأ حرب أخرى بذات الصورة ويف مساحة أخرى وأتخذ منا ذات‬
‫األوقات أو أكثر مث تضيع أعماران يف تلك املساحات فال حنن الذين دفعنا‬
‫مبشاريعنا لألمام ‪ ،‬وال حنن الذي أقبلنا على هللا تعاىل وأجرينا احلياة يف نفوسنا‬
‫من خالل ذلك املعىن الكبري ‪ ،‬وربح العدو مرتني مرة يف مساحة األرض اليت‬
‫قرر فيها احلرب ‪ ،‬واألخرى يف املساحة اليت هو مبنأى عنها حني أشغل بعضاً‬
‫من خصومه عن مواجهته الفعلية ابهلوامش والفوضى يف عرض الطريق‪ .‬تعلم‬
‫يف كل مرة أال تنشغل بعدوك إذا مل تكن يف أرضه ومساحته اليت جيري فيها‬
‫احلرب واعترب تلك الدائرة على اإلسالم يف مساحة ما فرصة لتمتني دينك‬
‫والعناية مبشروعك حىت إذا ما انتهت احلرب فإذا بك متيناًكبرياً يف مساحاتك‬
‫ودائرتك ‪ ،‬ولن تعد فكرة أو دعوة أو مشاركة تسهم هبا يف عون أخيك املسلم‬
‫هناك وال أتخذ منك زمناً ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن إدارة األولوايت أعظم ما ينبغي أن تنشغل به يف يومك وليلتك‬
‫( فصل لربك واحنر ) ! ( فصل لربك واحنر ) يف غمرة األحداث اليت تواجهك‬
‫‪ ،‬والظروف اليت تعرتضك ‪ ،‬والعقبات اليت يشنها العدو يف طريقك ‪ ،‬وهي‬
‫رسالة أال يعيقك عن مشروعك وفكرتك وقضيتك األم شيء آخر ‪ ،‬وأن‬
‫أعظم شيء تواجه به معارك اخلصوم طاعتك لربك ورعايتك ألولوايتك‬
‫وانشغالك بفكرتك مهما كانت اخلطوب من حولك ‪ .‬يف مرات كثرية ويف‬
‫خضم ظروف احلياة الضخمة تواجه اإلنسان مشكالت وعقبات يف الطريق‬
‫خيتل فيها توازن اإلنسان وأولوايته وينشغل هبا للدرجة اليت تذهب أوقاته أعز‬
‫ما ميلك يف مواجهة تلك املشكالت أو حماولة إصالحها وترميمها ‪ ،‬ووصية‬
‫الوحي لك أن تعود إىل ربك وتعيد بناء نفسك من خالل إحياء عالقتك به‬
‫تعاىل ‪ ،‬وهلل كم من عوائد هلذا املعىن على صاحبه ! وكم من أفراح تغشى‬
‫مشاعره ! وكم من أحداث ربيع يف فكرته ومشروعه وقضيته ! ومن قرأ وصية‬
‫هللا تعاىل الكربى لنبيه صلى هللا عليه وسلم يف ابكر تكليفه ( اي أيها املزمل ‪.‬‬
‫قم الليل إال قليالً ‪ .‬نصفه أو انقص منه قليالً ‪ .‬أو زد عليه ورتل القرآن ترتيالً)‬
‫أدرك هذا املعىن الكبري جبالء ومثلك أوعى بفقه درسك وأعرف أبولوايتك‬
‫وأعظم من جتري عليك مشاهد زمانك مث ال يكون لك فيها ذكرى وعظة !‬
‫إذا دمهتك األحداث فيمم وجهك إىل هللا تعاىل ‪ ،‬وأدم الوقوف بني يديه‪،‬‬
‫وأطل سجودك ‪ ،‬وأحسن التضرع إليه ما استطعت إىل ذلك سبيالً وليكن‬
‫هجرياك ايرب ‪ ،‬ايرب وستجري لك فصول الربيع من جديد وحتني موعد‬
‫القطاف ‪.‬‬
‫سورة الكافرون‬

‫• علمتين سورة الكافرون ‪ :‬قضية التوحيد وهي توؤسس يف نفسك أن إقبالك‬


‫أجل ما تعبدت به له ‪ ،‬وأعظم ما‬ ‫متحضك له وتوجهك إليه ّ‬ ‫على ربك و ّ‬
‫قضيت به أوقاتك ‪ ،‬وكل عبادة من عباداتك إمنا هي سقاء لذلك املعىن الكبري‬
‫فيما بينك وبني ربك ‪ .‬وتقرر لك يف ذات الوقت أن األحق بقلبك ومشاعرك‬
‫وسؤالك وتوجهك هو هللا تعاىل وحده وما عداه ال شيء ‪ .‬ختلّص من كل‬
‫شيء أيخذ حظاً من قلبك ومشاعرك ‪ ،‬وجتري له مساحة يف وجدانك ‪،‬‬
‫واجعل قلبك لربك وحده تعاىل ودعك من الشركاء فهم ال يغنون يف شيء‬
‫(قل اي أيها الكافرون ؟ ال أعبد ما تعبدون ‪ .‬وال أنتم عابدون ما أعبد ‪ .‬وال‬
‫أان عابد ما عبدمت ‪ .‬وال أنتم عابدون ما أعبد ‪ .‬لكم دينكم ويل دين ) وتؤكد‬
‫لك أن توحيدك ال يستقيم إال بركنني اثنني ‪ :‬األول إخالصك له تعاىل ‪،‬‬
‫وصرفك كل أنواع العبادة له ‪ ،‬والثاين ‪ :‬براءتك من الشرك وحذارك من أهله‬
‫‪ ،‬وليس أعظم يف حياتك من هذه احلقائق الكربى ‪ ،‬ومىت استقام هذان‬
‫املعنيان يف قلبك ومشاعرك وجرت معانيها يف واقعك فقد استقام لك كل‬
‫شيء ! ال أعلم حرية أجل من حرية التوحيد ‪ ،‬وال نَـ َفس عزة أضخم يف قلبك‬
‫ومشاعرك من نـَ َفس التوحيد ‪ ،‬ومن صح له توحيده صح له كل شيء ‪ ،‬ومن‬
‫قرأ الوحي والتاريخ بعني املعترب رأي احلقائق رأي عني وعاش هبيجاً ابحلقائق‬
‫اليت حيملها حىت ذلك اليوم ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن احلق أكرب من أن يتسول املعرضني يف منتصف الطريق وهذه‬
‫املفاصلة اليت يصنعها النيب صلى هللا عليه وسلم مع الكافرين يف أول خطوات‬
‫الدعوة لدين هللا تعاىل ( قال اي أيها الكافرون ‪ .‬ال أعبد ما تعبدون) ويف‬
‫مواجهة العدو املتمكن يف األرض تلك احلقبة مع احلاجة للمهادنة دليل على‬
‫أنه ليس هناك نقطة يلتقي فيها دين هللا تعاىل مع الباطل إال على سبيل الرضا‬
‫أبن دين هللا تعاىل هو احلق وما عداه ابطل ال قيمة له ‪ ،‬وكل مشاريع التقريب‬
‫اليت يراد هلا اليوم أن أتخذ حظها من الواقع تظل يف مواجهة هذه املفاصلة‬
‫الكربى اليت تصنعها سورة الكافرون ابألمس واليوم وإىل قيام الساعة ‪ ،‬وإذا‬
‫أدركنا أننا نتحدث مع كافر ( قل اي أيها الكافرون) علمنا أنه ال سبيل للتقريب‬
‫مع ضال ال عالقة له ابلوحي يف شيء ‪ .‬جاء اإلسالم ليكون هو املهيمن‬
‫على األرض ‪ ،‬الباسط فيها نفوذه ‪ ،‬صانع احلضارة الروحية واملعنوية واحلسية‬
‫للعاملني وما عداه من النظم إمنا هي ظالم وإن تب ّدت يف صورة حضارة مادية‬
‫تسقي األحياء منها ما يشاؤون يف أول األمر ‪ .‬وأسوأ احلقائق حني نريد أن‬
‫ونقرب بني احلقائق واألوهام ونعقد صلة بني احلق‬‫منزج بني الظالم والنور ّ‬
‫واجلاهلية يف آن واحد ‪ .‬اإلسالم هو دين هللا تعاىل احلق وهو األقدر على منح‬
‫احلياة حقها من اجلمال وليس يف األرض كلها دين غريه أو شيء صاحل للحياة‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن وصف اإلنسان مبا هو فيه منهج شرعي ( قل اي أيها الكافرون)‬
‫وكل ملة ال حظ هلا من دين هللا تعاىل فهي ملة كفر وأهلها كافرون وكل دعوى‬
‫ختالف هذا املعىن فهي جاهلية تعارض احلق وتقف له يف منتصف الطريق ‪،‬‬
‫ومثة أصوات ختاصمك حني تقول لصاحب الكفر كافر ‪ ،‬ومعتنق النفاق منافق‬
‫تتحضر يف لغتك زعموا وتسموا على كل اخلالفات اجلوهرية‬
‫ّ‬ ‫وتريد منك أن‬
‫وتقول يف خطابك لكل هؤالء ( اآلخر ) وفات كل هؤالء أن الذي يقرر هذا‬
‫املعىن الكبري هو هللا تعاىل ( أفحكم اجلاهلية يبغون ومن أحسن من هللا حكماً‬
‫لقوم يوقنون ) ! وأفكاران ومفاهيمنا وتصوراتنا عن احلياة كلها بال استثناء جيب‬
‫تصور‬
‫أن جتري وفق هذا الوحي ال تتخلّف عنه يف شيء ‪ ،‬وأن كل فهم أو ّ‬
‫خيرج عن نطاق هذا الوحي فهو ضالل ال قيمة له يف شيء غري أن من الوعي‬
‫أن تفهم جيداً أن تقرير قضية الكفر ومتسك أهله به ال يعين سلب حقوقهم‬
‫أو االعتداء عليهم وظلمهم يف شيء ‪ ،‬وإذا أرادوا أن يبقوا على ملتهم فاإلسالم‬
‫يُقرهم على ذلك وفق شروط حددها وبيّنها ‪ ،‬وأنه ليس مثة تعارض بني‬
‫وصف اإلنسان مبا هو فيه والتعامل معه أبرقى صور االحرتام والتقدير وقد‬
‫بسط هللا تعاىل هذا املعىن يف قوله تعاىل ( ال ينهاكم هللا عن الذين مل يقاتلوكم‬
‫يف الدين ومل خيرجوكم من دايركم أن تربوهم وتقسطوا إليهم إن هللا حيب‬
‫املقسطني ) وأخطر ما يُعبث به يف زمانك ( األفكار واملفاهيم والتصورات )‬
‫فكن من أمرك على يقني ‪.‬‬
‫‪...‬‬

‫• وعلمتين ‪ :‬أن الثبات على القيم واملبادئ من أعظم ما مييّز أصحاب احلق‬
‫وأنه مهما كانت الظروف اليت تواجههم يف تلك احلقبة أو تقف يف طريق‬
‫أحالمهم ال ميكن أن يتنازلوا عن مبادئهم وأفكارهم وقضاايهم اليت حيملوهنا‬
‫حىت أيذن هللا تعاىل آبماهلم اليت حيلمون بتحقيقهم يوماً ما ‪ .‬إن دور املصلحني‬
‫سواءً كان آابءً أو دعاة أو مربني إيضاح الطريق وإقناع العاملني به وبيان ما فيه‬
‫من احلياة ليس إال وما بعد ذلك فاألمر هلل تعاىل من قبل ومن بعد وهذا املعىن‬
‫الكبري يف بداية الدعوة ( قل اي أيها الكافرون ‪ .‬ال أعبد ما تعبدون ‪ .‬وال أنتم‬
‫عابدون ما أعبد ‪ ،‬وال أان عابد ما عبدمت ‪ .‬وال أنتم عابدون ما أعبد لكم‬
‫دينكم ويل دين ) بيان لتلك احلقيقة يف أول أايم الدعوة وأول بشائر احلق يف‬
‫األرض فأما اليوم فقد ابن كل شيء واجنلت غبار األوهام وابت كل شيء‬
‫أوضح من الشمس يف رابعة النهار ‪ .‬لقد عُرض على النيب صلى هللا عليه‬
‫وسلم يف ابكر الدعوة األموال والزواج وكل شيء من أجل أن يتوقف عن‬
‫فكرته وقضيته وعقيدته الكربى فما زاد على أن قال ( ما أان أبقدر على أن‬
‫أدع لكم ذلك على تشعلوا يل منها شعلة ) أي الشمس ! حسنه األلباين‬
‫وحتمل يف سبيل ذلك الثبات كل وسائل التعذيب من سجن وحصار وطرد‬
‫وحتمل أعباء الغربة وُكسرت رابعيته ووضع سلى اجلزور‬
‫وإبعاد وخروج من بلده ّ‬
‫على رقبته وما زاده ذلك إال يقيناً ابحلق الذي معه حىت جاءت احلقائق تزدلف‬
‫بني عينيه وحان موعد النصر الكبري ودخل مكة ورأسه يطاول السماء وعاد‬
‫مجلة كبرية وأعداد ضخمة من أمم الكفر مسلمة مؤمنة بدين هللا تعاىل وآمنت‬
‫ابألفكار اجلديدة وأعلنت والءها للعقيدة اليت حيملها صلى هللا عليه وسلم‬
‫وجرت احلياة كما يريد هللا تعاىل وصنع الثبات حقائق التاريخ كما يشاء ‪.‬‬
‫سورة النصر‬

‫• علمتين سورة النصر ‪ :‬أن حتقيق أحالمك ‪ ،‬وبلوغك آمالك سيأيت ولو بعد‬
‫حني ! كم بني هذه احلقيقة اليت خيرب هللا تعاىل هبا يف هذه السورة ( إذا جاء‬
‫نصر هللا والفتح ‪ .‬ورأيت الناس يدخلون يف دين هللا أفواجاً ) وبداايت الدعوة‬
‫‪ ،‬وصراع العقبات ‪ ،‬وأحاديث النصر واهلزمية ! كم بني هذه البشارة الضخمة‬
‫اليت يتلقاها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وبداايت الطريق وأايم احملن والبالء‬
‫وحوادث الزمان اليت مر هبا صلى هللا عليه وسلم يف تلك احلقبة من الزمن !‬
‫من كان يقول أبن الذي وقف على الصفا وحيداً هو الذي سينتصر يف النهاية!‬
‫أو من كان يتوقع أن الطريد من أرضه ‪ ،‬واحملصور يف شعب أيب طالب ثالث‬
‫سنوات حىت أكل ورق الشجر هو الذي ستشرق له مشس النهاايت ابلنصر‬
‫والتمكني ! جناحك مرهون بصربك وبالئك يف الطريق ‪ ،‬و املشاريع الضخمة‬
‫واألفكار الكبرية حتتاج إىل نوع من التضحيات يليق هبا ويصنع هلا احلياة ‪.‬‬
‫تذ ّكر وأنت يف الطريق إىل تلك األحالم هذه النهاايت فما من طريق إال وله‬
‫هناية ‪ ،‬وما من بداية إال وتنتظر اخلواتيم ‪ ،‬وغداً سيحني ربيع أايمك وجتري‬
‫أحالمك كما تشاء وتلقى كل غيب كنت ابألشواق إليه وإان غداً لناظره‬
‫لقريب !‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن النجاح الذي يتحقق لك يف النهاايت ‪ ،‬والفوز الذي تلقاه يف‬
‫اخلواتيم إمنا هو توفيق هللا تعاىل وهدايته لك وليس لك من ذلك إال بذل‬
‫األسباب ‪ ،‬لقد بذل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لدينه ومنهجه كل شيء‬
‫حىت أنه ُجرح وشج وجهه وكسرت رابعيته ووضع سلى اجلزور على ظهره‬
‫وحصر يف شعب أيب طالب سنوات وطرد من بلده وعاش غموم احلياة وخيربه‬
‫هللا تعاىل يف النهاايت ( إذا جاء نصر هللا ) نصر هللا تعاىل وليس نصرك ‪،‬‬
‫وتوفيق هللا تعاىل وليس ذكاؤك ‪ ،‬وعطف هللا تعاىل عليك وليست قدراتك وال‬
‫مهاراتك وال إمكاانت ‪ ،‬ليس نصرك وال جهدك وال تعبك وإمنا نصر هللا تعاىل‬
‫وحمض توفيقه وتفضله عليك فامحد هللا تعاىل وتذلل له واشكره على كل ما‬
‫حتقق لك فهو الذي اختارك واصطفاك لذلك املعىن الكبري ‪ ،‬وهو الذي شرح‬
‫صدرك له ‪ ،‬وأقبل بك عليه ‪ ،‬ويسر لك الطريق ‪ ،‬ودفع عنك العقبات وأعانك‬
‫وما زال بك حىت جاءت تلك األماين كما تريد واحفظ وصية هللا تعاىل لنبيه‬
‫صلى هللا عليه وسلم يف مشاهد اخلتام ( فسبح حبمد ربك واستغفره إنه كان‬
‫تواابً ) وما جرى مع رسولك صلى هللا عليه وسلم سيجري عليك ال فرق ‪،‬‬
‫فالدين دين هللا تعاىل ‪ ،‬واألمر أمره وله كل شيء وحسبك بذل األسباب‬
‫والناصر هو هللا تعاىل وكن على يقني أبن ما جيري لك من نصر ومتكني يف‬
‫طريقك إمنا هو فضل هللا تعاىل عليك وآمن أنك ابهلل وأنت بدونه ال شيء ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن قناعات الناس ابحلق الذي معك ‪ ،‬وإمياهنم أبفكارك ‪ ،‬وقبوهلم‬
‫لقضيتك ال أتيت يف العادة مبكراً بل قد يطول زمان انتظارها كثرياً فإايك‬
‫واليأس من االنتظار ! األفكار الضخمة واملبادئ الكربى حتتاج إىل زمن طويل‬
‫حىت أتخذ حقها من قلوب الناس ومشاعرهم ‪ ،‬كم مرة قال فيها النيب صلى‬
‫هللا عليه وسلم ( اي أيها الناس قولوا ال إله إال هللا تفلحوا ) ؟ وكم مرة خاصموه‬
‫وجفوه وضربوه يف سبيل مدافعتهم لتلك األفكار اليت تريد أن ختلصهم من‬
‫ضالهلم وتبين هلم احلياة ؟ كم مرة انفض ذلك االجتماع الكبري نفوراً من تلك‬
‫املفاهيم اليت يطرحها النيب صلى هللا عليه وسلم ؟ وكم مرة خاصموه (أجعل‬
‫اآلهلة إهلاً واحداً إن هذا لشيء عجاب ) ؟! ولكنه صلى هللا عليه وسلم كان‬
‫مصراً على مدار عشر سنوات وعلى ذات الفكرة واملفهوم والقضية ( اي أيها‬
‫الناس قولوا ال إله إال هللا تفلحوا ) حىت حان موعد األحالم ! حىت تعلم أنه‬
‫إذا آمنت بفكرة أو قضية أو مشروع وأردت له احلياة فال بد أن يرضع أوالً‬
‫من قناعاتك حىت الري مث إذا خرجت به للعاملني عاش حياً حىت حيني موعد‬
‫األفراح ! ختيّل تلك احلقبة من الزمن وتلك الفئات ختاصم وتنازع وجتادل وبل‬
‫وتقاتل دون التخلي عن األفكار اليت عاشوا عليها واملفاهيم اليت رضعوها من‬
‫زمن اجلاهلية وظل النيب صلى هللا عليه وسلم مؤمناً بربيع احلياة القادم وحيني‬
‫ذلك اليوم وتتخلى تلك األجيال عن اجلاهلية من أصلها وترضى حبلول‬
‫األفكار اجلديدة يف واقعها بل تتبىن األفكار اجلديدة وتؤمن ابلعقيدة الكربى‬
‫وتصبح جنوداً مرابطة يف الثغور بعد طول انتظار ‪ .‬هلل ما أحوجنا للصرب قليالً‬
‫‪ ،‬وما نراه بعيداً هو يف احلقيقة أقرب ما يكون وكل شيء أردان له احلياة فال‬
‫بد أن جيري يف فلك الصرب واالنتظار حىت حيني موعد فجره القادم إبذن هللا‬
‫تعاىل ‪.‬‬
‫سورة املسد‬

‫• علمتين سورة املسد ‪ :‬قضية املشروع وأمهيته يف حياتك ودوره يف بقاء ذكرك‬
‫حياً يف العاملني وما أنت حباجة إىل شيء حاجتك إىل اعتناق ( مشروع عمر)‬
‫تبذل فيه وقتك ‪ ،‬وتصرف له جهدك وفكره وتناضل من أجله ما بقيت حياً!‬
‫وتذكرك السورة أبن من كمال عقلك وفقهك ووعيك أن تكون أفقه من أيب‬
‫كون‬
‫هلب وأوىل منه مبشروع احلياة ! لقد عاش هذا الضال بذات الفكرة ‪ ،‬و ّ‬
‫له مع األايم قضية ومهمة يف الضالل وبقي ينازع فيها اإلسالم وأهله حىت‬
‫مات وهو على ابطل ‪ ،‬أفال يكون لك مشروع عمر وقضية حياة تستميت‬
‫فيها كما استمات فيها ذلك الضال فتعيش كبرياً يف أمتك وصانع حدث‬
‫ضخم يف مساحتك ‪ ،‬وصاحب ذكر حسن بعد رحيلك ! لقد عاش أبو‬
‫هلب يطارد النيب صلى هللا عليه وسلم وكلما وقف يف مكان يدعو الناس لدين‬
‫هللا تعاىل قال هذا الضال أان عمه وهو كاذب صابئ ! وليس هذا املوقف يف‬
‫ودع الدنيا ‪ .‬أفال تكون أنت‬
‫يوم أو شهر أو عام وإمنا أفىن فيه عمره حىت ّ‬
‫أقدر على فكرة تصنع هبا جمداً لدينك ‪ ،‬وتدفع هبا آماله وآمالك الكبار ‪،‬‬
‫وتكتب هبا حظك يف الدارين ! احلديث عن مشروع حديث عن قضية كربى‬
‫بكامل تفاصيلها وأحداثها ‪ ،‬مشروع تتضح يف ذهنك أهدافه وتستويل فكرته‬
‫على فكرك وعقلك وتبذل فيه مجيع طاقاتك ‪ ،‬وكل فكرة ال تقتات من قلب‬
‫صاحبها ال تستطيع أن تعيش مستولية على فكره وعقله ويبذل هلا كل شيء‬
‫فخذ مشروعاً يتوافق مع طاقاتك وقدراتك وإمكاانتك وابدأ رحلة األشواق‬
‫إليه وقريباً إبذن هللا تعاىل جتري أرابحك كما تشاء ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن أاب هلب وهو على فكرة ضالة استثمر كل طاقاته وإمكاانته‬
‫وقدراته لصاحل مشروعه الباطل (ما أغىن عنه ماله وما كسب ) فَ َجنَّد له ماله‬
‫ومكانته ووقته وبذل يف سبيله كل شيء ‪ ،‬وإذا كان هذه حال صاحب الباطل‬
‫مع أفكاره ومفاهيمه وتصوراته فال أقل من أن تضرب بسهمك يف احلق الذي‬
‫معك وتشارك بكل ما متلك ‪ ،‬وإذا كان للباطل رجل فللحق ألف رجل !‬
‫جيب أن تؤمن أن الرجال أبفكارها ومفاهيمها وتصوراهتا واجملتمعات الناهضة‬
‫ال حتسب بكثرة أفرادها وإمنا حتسب بفاعلية أولئك األفراد! ومن فقهك‬
‫ووعيك إذا اعتنقت فكرة ‪ ،‬وأخذت قضية ‪ ،‬وتبنيت مشروعاً ‪ ،‬ووقفت على‬
‫حتول له كل شيء وأن تبقى فيه ال تتنازل عنه ما بقي بك‬
‫ثغر ألمتك أن ّ‬
‫الزمن ‪ ،‬ومثلك أوعى أال يكون الشقي الضال أوىل منك بفكرة احلياة اليت‬
‫تستحق النضال ! ما أحوجنا اليوم إىل تبين األفكار والعيش هلا والبذل يف‬
‫سبيلها والتضحية من أجلها حىت نوردها النهاايت ‪ .‬وقد جرت السنن أن من‬
‫أخذ شيئاً حبقه جرت أحداثه الكربى بني عينيه فضالً عن مشاهد اخلتام‬
‫الكربى بني يدي هللا تعاىل ! ميكنك أن تتأمل يف فكرك وقلمك ووقتك‬
‫وجاهك ووظيفتك مث ترى ما الذي ميكن أن ترّكز عليه منها مث تصنع هبا ومن‬
‫خالهلا احلياة ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن صاحب املشروع والقضية والفكرة املدهشة ال يكتفي هبا يف‬
‫واقعه فحسب وإمنا جيري أحداثه يف كل من حوله بدءاً أبهل بيته ومروراً‬
‫ابلعاملني من حوله ! لقد عاش أبو هلب فكرته ومشروعه وقضيته وما زال هبا‬
‫حىت أقنع زوجه بكل تفاصيلها فخرجت من بيتها ومحلت فكرته ومحلت‬
‫حطب املعارضة على ظهرها وخرجت تلقي به يف طريق النيب صلى هللا عليه‬
‫وسلم أمام العاملني ‪ .‬إن أاب هلب مل يكتف أبن صنع من زوجه الضالة مجهوراً‬
‫مشجعاً ورافداًكبرياً لفكرته ومشروعه فحسب وإمنا جعلها من أنصاره وأعوانه‬
‫حىت خرجت بذات الفكرة تنوء أبثقاهلا يف العاملني ! وما حاجتنا اليوم لشيء‬
‫حاجتنا لزوج يقنع زوجه حبجاهبا الشرعي ‪ ،‬ويغريها بفكرته وقضيته ومشروعه‬
‫الكبري حىت تشعر برواء اإلسالم يف مشاعرها قبل أن يقنعها حبمل أثقال‬
‫املشروع يف مستقبل األايم ‪ ،‬وقل مثل ذلك يف حق الزوجة اليت تعيش مشروعها‬
‫من خالل تربية أبنائها ليكونوا أنصاراً يف مشروع اإلسالم الكبري وأعواانً له يف‬
‫الطريق ! ومثل ذلك القائد يف مؤسسته واملدير يف دائرته كل هؤالء يتوقع منهم‬
‫أكرب مما صنع أيب هلب لفكرته ومشروعه ‪ .‬ولعل يوماً يدين لنا أحالم الناهضني!‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن أاب هلب كان ميلك عادة املبادرة وهو أول من وقف أمام النيب‬
‫صلى هللا عليه وسلم حني دعا قريش لإلسالم فقال لرسول هللا صلى هللا عليه‬
‫إمام‬
‫وسلم ( تباً لك أهلذا مجعتنا ) ! وما زال ينوء أبمحاهلا وأثقاهلا وكلما وقف ٌ‬
‫يف حمراب ذ ّكران أبثرها عليه وأمحاهلا الضخمة يف واقعه فهو يُسب يف كل حلظة‬
‫وجيري وعيد هللا تعاىل عليه بنار جهنم إىل يوم الدين ! وقد قال صلى هللا عليه‬
‫وسلم ( من سن يف اإلسالم سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل هبا إىل يوم‬
‫القيامة ) ومن فقهك أن تدرك أثر هذا املعىن يف حياتك فال تكون رأساً يف‬
‫ابطل ‪ ،‬وال صاحب مبادرة يف منكر وال تسن سنة سيئة وحتيي أثرها يف العاملني‬
‫بعد موهتا فتبوء آباثرها يف الدارين ! وتذكر يف املقابل أثر املبادرات الصاحلة يف‬
‫حياتك ‪ ،‬وأن من سن حسنة فله أجرها وأجر من عمل هبا إىل يوم القيامة ‪،‬‬
‫وما حاجة األمة اليوم شيء حاجتها لصانع مبادرة يف واقعه ‪ ،‬وكاتب لقصة‬
‫حياة جتري أحداثها يف العاملني ما بقيت الدنيا ‪ .‬ميكنك أن تكون رأساً يف‬
‫ختفيف تكاليف الزواج ‪ ،‬أو يف إحياء قيم ومثل يف جمتمعك ‪ ،‬وميكنك أن‬
‫تفتتح درساً يف مكان فقد هذا املعىن ‪ ،‬أو تقيم حلقة لتحفيظ أبناء احلي أو‬
‫متشوف لتلك األماين ‪ ،‬أو تشارك يف بناء فكرة أو رأي تصنع‬
‫بناته يف مكان ّ‬
‫هبا احلياة من حولك ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن وجود العقبات يف الطريق سنة من سنن هللا تعاىل من فجر‬
‫التاريخ إىل يومنا هذا ‪ ،‬ولن أييت فجر خالياً من أحداثها فيمم وجهك وقلبك‬
‫ومشاعرك لربك تعاىل ‪ ،‬واثبت يف طريق أحالمك ‪ ،‬وكن جاداً يف تبين قضية‬
‫دينك ‪ ،‬وال توهنك عقبات الطريق وبني عينيك أحالم الدارين ‪ .‬هذا رسولك‬
‫صلى هللا عليه وسلم ويف أول يوم من أايم دعوته والباطل يف طريقه ‪ ،‬والعقبات‬
‫تزدحم بني يديه وال معني يسلي قلبه ومشاعره يف األرض فضالً من عون‬
‫وصاحب جيلي عنه العقبات ‪ ،‬وأنت كذلك حني تبدأ يف فكرتك ومشروعك‬
‫وقضيتك فال تستغرب ما تلقاه يف الطريق إىل تلك األحالم ‪ ،‬وكن على قدر‬
‫فكرتك وقضيتك ومشروعك جتد أمانيك كما تشاء ‪ .‬يف مرات كثرية ستكون‬
‫العقبات اليت تواجهك من داخل بيتك ومن وأهلك ‪ ،‬ويف مرات أخرى من‬
‫بيئتك اليت تعيش فيها وجمتمعك الذي نشأت فيه ومن قومك ‪ ،‬ويف اثلثة من‬
‫الظروف اليت حتيط بك وتلقي بظالهلا على واقعك ‪ ،‬ويف كل هذا تعلّم أال‬
‫تستلم لعائق مهما كان حجمه وال تقف أمام عقبة وكان ميكنك أن تدفعها‬
‫من طريقك ‪ ،‬وإايك أن تستلم وأنت ترى بوارق الفجر ‪ ،‬أو تقف حائراً يف‬
‫عرض الطريق ومل يعد بينك وبني أحالمك سوى مسافة الطريق ‪ ،‬أو تغشى‬
‫مشاعرك احلسرات وقد آن كل شيء ! كن بطالً يف مساحتك ‪ ،‬ومتفائالً ال‬
‫تفت يف عضدك املشكالت ‪ ،‬وإايك أن تتخلى عن رايتك أو تتنازل عن‬
‫فكرتك حىت أيذن هللا تعاىل ابلغيث وتعود األرض ربيعاً مورقاً مع األايم ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن اإلسالم سيبقى منصوراً ّ‬
‫متفوقاً يف كل زمان ومكان مهما‬
‫كانت الظروف اليت يواجهها ‪ ،‬والعقبات اليت يلقاها ‪ ،‬واألحداث اليت تعرض‬
‫له يف الطريق ‪ ،‬هذه سنة هللا تعاىل يف الكون ما بقيت الدنيا ‪ .‬ويف املقابل‬
‫سيظل الباطل مهزوماً مدحوراً مهما زانت له األايم ‪ ،‬وستحني ساعات فشله‬
‫وإخفاقه وكساده ولو طالت به ذكرايت النصر املوهوم مع األايم ! وما هذا‬
‫املوقف الذي تقصه سورة املسد ( تبت يدا أيب هلب ) إال جزءاً من هذه‬
‫احلقيقة الكربى ‪ ،‬كان ابألمس يف بداية اإلسالم وليس يف األرض سوى النيب‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكان الكفر يف املقابل ومعه أمم األرض ‪ ،‬ومن تلك‬
‫اللحظة إىل يومنا هذا واإلسالم يزيد وال ينقص ‪ ،‬ويكثر وال يقل ‪ ،‬ويطول وال‬
‫يقصر ‪ ،‬ويتسع وال يضيق ( وأيىب هللا إال أن يتم نوره ولو كره الكافرون) ‪،‬‬
‫(هو الذي أرسل رسوله ابهلدى ودين احلق ليظهره على الدين كله ولو كره‬
‫الكافرون) وليس غري هذه احلقيقة إىل قيام الساعة ‪ .‬إن هذا املعىن كفيل ببث‬
‫روح األمل واحلياة يف قلبك ‪ ،‬وبعث روحك من جديد ‪ ،‬ومدك ابلطاقة اليت‬
‫ال ختيب هبا ظنونك مع األايم ‪ ،‬وإذا كانت هذه سنة هللا تعاىل يف الكون فال‬
‫مكان هلمومك ‪ ،‬وال مساحة ليأسك ‪ ،‬وال عذر لوقوفك يف عرض الطريق ‪،‬‬
‫تفاءل ‪ ،‬وابدأ قصة مشروعك ‪ ،‬ورابط على ثغر من ثغور اإلسالم وال يغرك‬
‫مجهور الباطل أو سطوته يف واقعك حىت حيني موعد النصر الكبري إبذن هللا‬
‫تعاىل ‪ ،‬والسؤال الكبري ما دورك يف هنضة دينك ؟ وما املشاركة اجلادة اليت‬
‫ستساهم هبا يف نصره وتكوين مساحته ؟ وما الثغر الذي ستقوم عليه حىت‬
‫أيذن هللا تعاىل بتلك النهاايت اليت ننتظرها يف مستقبل األايم ‪ ،‬وما بقي بعد‬
‫هذه اإلجاابت ال عالقة لك به يف شيء ‪.‬‬
‫سورة اإلخالص‬

‫وخلَقت تلك السورة يف نفسي‬ ‫• علمتين سورة اإلخالص عظمة هللا تعاىل ‪َ ،‬‬
‫تقديساً وإجالالً له تعاىل ‪ ،‬وعرفت من خالهلا أنه تعاىل واحد يف ذاته ‪،‬‬
‫وواحد يف ملكه ‪ ،‬فهو املالك لكل شيء ‪ ،‬القادر على كل شيء ‪ ،‬املدبر‬
‫لكل شيء ‪ ،‬وما عداه عبيد مقهورون ال يفعلون شيئاً إال إبذنه ( قل هو هللا‬
‫أحد ‪ .‬هللا الصمد ‪ .‬مل يلد ‪ .‬ومل يولد ‪ .‬ومل يكن له كفواً أحد ) فهو الذي‬
‫حييي ومييت ‪ ،‬ويعطي ومينع ‪ ،‬ويُسعد ويشقي ‪ ،‬ويُعز ويُذل ‪ ،‬ويصل ويقطع ‪،‬‬
‫وينفع ويضر ‪ ،‬ويهدي ويضل ‪ ،‬وخيفض ويرفع ‪ ،‬ويُشقي ويُسعد ويصنع كل‬
‫شيء ‪ .‬هذا هو ربك الذي إذا أسعدك ال ميكن لبشر أن يشقيك ‪ ،‬وإذا‬
‫رزقك ال مينع رزقه عنك أحد من العاملني ‪ ،‬وإذا هداك ودلك على الطريق ال‬
‫يقف يف طريق هدايتك أحد من البشر ربك تعاىل إذا شاء أمراً كان وإذا مل‬
‫يشأ ال يكون شيئاً ‪ ،‬وإذا كان كذلك فهو املستحق لعبادتك وخوفك ورجائك‬
‫ودعائك وتوسلك فمالك وللمخلوقني ! ميم قلبك ومشاعرك إىل ربك تعاىل‬
‫‪ ،‬واقبل صادقاً إليه ‪ ،‬وسله ملحاً أن مين عليك ابلتوفيق ‪ ،‬ويهبك من فضله‬
‫‪ ،‬ويبعث يف قلبك مشاعر الفرح ‪ ،‬وستجري حينها احلياة يف قلبك إىل أقصى‬
‫مدى ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫معان فكت قلبه من أسر املخلوقني‬ ‫• وعلمتين ‪ :‬احلرية وأن من فقه ما فيها من ٍ‬
‫‪ ،‬وخلصته من األوهام ‪ ،‬وأقبلت به إىل هللا تعاىل دون عناء وجعلته حراً إال‬
‫من هللا تعاىل ! أتمل يف حديث ربك (ايعبادي كلكم ضال إال من هديته‬
‫فاستهدوين أهدكم ‪ ،‬ايعبادي كلكم جائع إال من أطعمته فاستطعموين‬
‫أطعمكم ايعبادي كلكم عار إال من كسوته فاسكتسوين أكسكم ايعبادي‬
‫لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم‬
‫ما نقص ذلك يف ملكي شيئاً ‪ ،‬ايعبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم‬
‫كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك يف ملكي شيئاً ‪ ،‬ايعبادي‬
‫لو أن أولكم وآخركم وجنكم وإنسكم وقفوا يف صعيد واحد فأعطيت كل‬
‫واحد منهم مسألته ما نقص ذلك مما عندي إال كما ينقص املخيط إذا أدخل‬
‫البحر ) واعرف له هذا املعىن ‪ ،‬ورد إليه بقلبك واطرح نفسك بني يديه وارفع‬
‫قلبك عن رؤية أحد من خلقه فالعظيم يستحق منك كل شيء ‪ .‬كم هم العبيد‬
‫لغري هللا تعاىل وهو الذي خلقهم ! كم هم الذين جيهدون ويتعبون ويصنعون‬
‫من عليهم ورزقهم ! كم هم الذي يرزحون يف‬ ‫كل شيء ملخلوق وهو الذي ّ‬
‫قيود األوهام والشبه والذل والعبودية لغري هللا تعاىل وقد فكهم هللا تعاىل من‬
‫كل شيء فأبوا إال أن ميوتوا وهم يف قيود احلرايت‪ .‬احلرية أال تقف لغري هللا‬
‫تعاىل ‪ ،‬وال ختشى سواه ‪ ،‬وال تتوكل إال عليه ‪ ،‬وال تطلب رزقك إال منه ‪ ،‬وال‬
‫تسعى يف مرضاة أحد من العاملني إال بعد رضاه ‪ .‬احلرية أن تعلم أن كل العامل‬
‫من حولك عبيد هلل تعاىل ال يغنون يف شربة ماء وال يف كسرة خبز فضالً أن‬
‫ينفعوك أو يضروك يف شيء ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن ترك الرايء وحماربة صوره واخلالص منه واجب كل مؤمن يرجو‬
‫ما عند هللا تعاىل ألن الواحد هو الذي خيلق ويرزق ويعطي ومينع ومن عرف‬
‫ذلك عرف كل شيء ‪ ،‬وكم كان عظيماً ذلك الصحايب الذي أم قومه فكان‬
‫فلما سأله النيب صلى هللا عليه وسلم‬
‫يقرأ يف كل ركعة بسورة وخيتم ابإلخالص ّ‬
‫قال ايرسول هللا إهنا صفة الرمحن وإين أحب أن أقر هبا ‪ ،‬وفرق بني قارئ‬
‫وقارئ ! وإذا أتملت معاين السورة جبد أدركت كم هي حاجتنا لإلخالص !‬
‫كم هي املرات اليت نرقب فيها املخلوقني وجنهد يف رضاهم ‪ ،‬ونتوسل إليهم‬
‫بكل شيء وفاتنا أهنم ال ميلكون ألنفسهم شيئاً فضالً أن ينفعوا غريهم يف‬
‫شيء ‪ .‬حني نعرف هللا تعاىل حق املعرفة نصلي هلل تعاىل وأقرب ما نكون‬
‫إليه يف خلواتنا ‪ ،‬ونذهب نشارك اآلخرين يف أفراحهم وعزائهم وكل ذلك هلل‬
‫كر علينا الرايء قرأان عليه ( قل هو هللا أحد ‪ .‬هللا الصمد ) !‬
‫تعاىل ‪ ،‬وكلما ّ‬
‫سورة الفلق‬

‫• علمتين سورة الفلق أن كل علم ال يرتتب عليه عمل فال قيمة له يف واقعك‬
‫‪ ،‬ووقتك أجل من أن يذهب يف قراءة أسطره أو تَـ َعلُّم حرفه يف شيء ‪،‬‬
‫وما تصنع بركام حرف ال قيمة له يف واقع احلياة ‪ ،‬وما أكثر املعرفة اليت‬
‫تدار يف زماننا يف وسائل التواصل االجتماعي ويتناقلها الناس يف كل مرة‬
‫مث ال جتد هلا واقعاً يف حياة كثريين ! وما حاجتنا اليوم لشيء يف كل علم‬
‫نتلقاه حاجتنا لتطبيقه وحتويل تلك املعرفة إىل شأن من شؤون العمل ‪ ،‬ويف‬
‫قول هللا تعاىل يف هذه السورة ( قل ) دعوة لتحويل املعرفة إىل واقع تطبيقي‬
‫‪ ،‬وتشكيل حياتنا بناء على ما جيري يف فصول الوحي ‪ .‬تعلّم يف كل مرة‬
‫أن مثن العلم أكرب من جمرد قراءته ‪ ،‬وأعظم من أن أيخذ من وقتك مث ال‬
‫يتحول مع الزمن إىل واقع يف حياتك ‪ ،‬ومن صنع هذا وجد كل شيء ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫احتجم اإلمام أمحد رمحه هللا تعاىل وأعطى احلجام أجراً فقيل له فقال‬
‫احتجم النيب صلى هللا عليه وسلم وأعطى احلجام أجراً وقال ابن عمر قال‬
‫صلى هللا عليه وسلم ( ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه‬
‫يبيت ليلتني إال ووصيته مكتوبة عنده) فقال ابن عمر راوي احلديث ‪ :‬فما‬
‫على ليلة مذ مسعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ذلك إال‬ ‫مرت ّ‬
‫وعندي وصييت ‪ .‬تعلّم يف كل مرة أال تقرأ إال ما ينفعك ‪ ،‬وإذا قرأت انفعاً‬
‫ودرب نفسك يف كل مرة على أن مثن‬ ‫فاجعله واقعاً يف يومك أو ليلتك ّ‬
‫العلم أعظم من أن جيري يف حياتك دون أثر ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن الوقاية منهج شرعي ‪ ،‬وأن من كمال عقلك أن حتول ما‬
‫بينك وبني الشرور العارضة يف الطريق ابألسباب الواقية منها ‪ .‬وكم من‬
‫تفريط يف هذا املعىن أوجب هناية سوء ومواقف حرمان يف حياة كثريين ‪.‬‬
‫توقف بعض طالب العلم عن القراءة مع شغفه هبا سنة كاملة ال يستطيع‬
‫أن ميد يده إىل كتاب ‪ ،‬وآخر توقف مشروعه من أصله ‪ ،‬واثلث ساءت‬
‫ظروفه ‪ ،‬ورابع وخامس وعاشر ويف صحيح مسلم من حديث ابن عباس‬
‫رضي هللا عنهما قال النيب صلى هللا عليه وسلم ( العني حق لو كان شيء‬
‫سابق القدر سبقته العني ‪ ،‬وإذا استغسلتم فاغتسلوا ) وأثبت هللا تعاىل أن‬
‫يف العامل من حولك شروراً حتتاج إىل توق واحرتاس ( قل أعوذ برب الفلق‪.‬‬
‫من شر ما خلق ‪ .‬ومن شر غاسق إذا وقب ‪ .‬ومن شر النفااثت يف العقد‬
‫‪ .‬ومن شر حاسد إذا حسد ) وتذكرك هذه السورة أن مثة أعداء من حولك‬
‫‪ ،‬وشرور حتتف بك فالليل ظرف لكثري من الشرور ويف صحيح مسلم قال‬
‫صلى هللا عليه وسلم ( ال ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس‬
‫حىت تذهب فَ ْح َمة العشاء فإن الشياطني تنبعث إذا غابت الشمس حىت‬
‫تذهب فحمة العشاء) ‪ ،‬وق مثل ذلك يف السحر واحلسد فهو شرور قاتلة‬
‫إن مل يستعد هلا اإلنسان غاية وسعه ‪ ،‬وال سبيل إىل دفعها واخلالص من‬
‫شرورها والنجاة من آاثرها إال ابللجأ إىل ربك وموالك ‪ ،‬والفرار إليه تعاىل‬
‫واالستعاذة به فهي السبيل لنجاتك من كل شيء ( قل أعوذ برب الفلق)‬
‫وكم من سامل من عطب ! وقائم من كدر ! وخارج من ضيق بعد أن كان‬
‫على وشك الضياع واهلالك ! ومن عرف هللا تعاىل وقام حبقه وبذل‬
‫األسباب وقاه هللا تعاىل من عوارض الطريق‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن لكل مشكلة حل ‪ ،‬وأن كل شر يف الكون مقابل أبسباب‬
‫للفكاك منه ! وما أنزل هللا تعاىل داء إال أنزل له دواء عرفه من عرفه وجهله‬
‫من جهله ‪ ،‬وال أعظم لك من صلتك ابهلل تعاىل فهي أول الطريق وأصله‬
‫وقاعدته وقد أابن هللا تعاىل لك املشكالت والعوائق والشرور ( قل أعوذ‬
‫برب الفلق ‪ .‬من شر ما خلق ‪ .‬ومن شر غاسق إذا وقب ‪ .‬ومن شر‬
‫النفااثت يف العقد ‪ .‬ومن شر حاسد إذا حسد ) مث دلك على الطريق‬
‫الذي خيلصك منها ( قل أعوذ برب الفلق ) فللفلق رب يعينك على‬
‫اخلالص مما يواجهك منه ! فأقبل على ربك ‪ ،‬واصدق معه يف الطريق ‪،‬‬
‫واشتوثق منه قدر وسعك ‪ ،‬وحافظ على طاعته وأجل أمره ‪ ،‬وعظّم شعائره‬
‫‪ ،‬وتوقي قدر وسعك أسباب سخطه وعقابه وقد قال تعاىل ( ومن يتق‬
‫هللا جيعل له خمرجاً ) ومن اتقى هللا تعاىل ‪ ،‬وحافظ على أذكار الصباح‬
‫واملساء ‪ ،‬وقرأ هذه املعوذات الثالث بعد كل صالة مرة ‪ ،‬وبعد الفجر‬
‫واملغرب ثالاثً ‪ ،‬وقرأ آية الكرسي وعاش متوكالً على ربه تعاىل مطمئناً‬
‫لقضائه وقدره سلم من الشرور إبن هللا تعاىل وعاش معاىف من أحداثها‬
‫وهللا املستعان ‪.‬‬
‫سورة الناس‬

‫• علمتين سورة الناس ‪ :‬أن مشكلتنا الكربى مع حقائق الوحي أهنا ال أتخذ‬
‫ونوع يف التحذير منها‬
‫حقها الكبري من واقعنا ‪ ،‬وكم من حقيقة أ ّكد عليها ‪ّ ،‬‬
‫ومع ذلك ما زالت مبنأى عن كثريين ‪ ،‬من هذه احلقائق اليت توىل الوحي‬
‫اإلفصاح عنها وكررها أن لنا عدو قرر وأقسم بربه أنه سيتوىل إضالالان وضياعنا‬
‫ما أمكنه إىل ذلك من سبيل (فبعزتك ألغوينهم أمجعني ) ‪ ( ،‬قال فبما أغويتين‬
‫ألقعدن هلم صراطك املستقيم‪ .‬مث آلتينهم من بني أيديهم ومن خلفهم وعن‬
‫أمياهنم عن مشائلهم وال جتد أكثرهم شاكرين ) وحقيقة مثل هذه جيب أن أتخذ‬
‫حقها من النقاش والوعي حىت تصبح أوضح ما تكون ‪ ،‬فكيف إذا عرفت أن‬
‫عدوك الذي حذرك منه الوحي هو الذي توىل إخراج أبيك آدم وكان سبباً يف‬
‫ضياع نعيمه كما قال هللا تعاىل (فوسوس إليه الشيطان وقال اي آدم هل أدلك‬
‫على شجرة اخللد وملك ال يبلى ) وما زال به حىت أخرجه من اجلنان !ويف‬
‫الصحيحني من حديث أيب هريرة رضي هللا عنه قال صلى هللا عليه وسلم (ما‬
‫فيستهل‬
‫ُّ‬ ‫من مولود يولد إال خنسه الشيطان) ‪ ،‬ويف رواية ‪( :‬ميسه حني يولد‬
‫صارخاً من مسه الشيطان إايه ) كأمنا يقول له هذه بداية املعركة معك ‪..‬‬
‫تُعلمك سورة الناس أن من فقهك وكمال وعيك أن تدرك عدوك وتعرف‬
‫حجمه وتتحصن منه وتبلغ وسعك يف الفرار من طرقه حىت تلقى هللا تعاىل‬
‫وأنت سامل من اخلذالن‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫وعلمتين ‪ :‬أن (الوسوسة) أخطر ما يواجهك به عدوك وهي أول وسائله‬ ‫•‬
‫وأمهها وقاعدة البداية معك للضياع ‪ ،‬والوسوسة هي احلديث الداخلي الذي‬
‫جيري بينك وبني نفسك يزين لك فيه املعصية وجيملها لك ‪ ،‬وجيري أحداثها‬
‫يف مشاعرك ‪ ،‬ويعرضها لك يف صورة فاتنة مغرية حىت تتمكن من قلبك مث‬
‫يلقي بك مأسوراً يف شباكها بعد أن كنت حراً طليقاً من آاثرها‪ .‬الوسوسة‬
‫اليت جيريها الشيطان معك كاحلب الذي تلقيه للطائر لتمسكه من خالله ‪،‬‬
‫وكاملأكوالت الشهية اليت تضعها للفأر من أجل القبض عليه وقتله ال فرق ‪،‬‬
‫وحرموا من‬‫وكل الذين يف السجون العامة دخلوا إليها من خالل هذه اخلطة ُ‬
‫كل شيء يف النهاية ‪ .‬فكن فطناً وإايك وخطواته وال تغرت ابلعرض املمتع يف‬
‫أول الطريق فهو السبيل إىل أسوأ النهاايت ‪ ،‬وكم من مكبّل ابلسالسل بعد‬
‫حرية ! وكم من ضائع بعد عز وشرف ! وما أكثر اهللكى من أثر هذا املعىن‬
‫يف زمانك ! (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ‪ .‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ)‬
‫‪...‬‬
‫• وعلمتين ‪ :‬أن شرارة اخلالف الكبري يف البداية مزاح ‪ ،‬وبوابة الزان خيانة عني‬
‫‪ ،‬وأول خطوات اخلذالن رؤية مشهد عابر يف وسيلة من وسائل التقنية ‪ ،‬وجتربة‬
‫طريق جمهول ‪ ،‬وعلى مثل هذه البداايت تُسفك القيم ‪ ،‬وتذبل معامل التوفيق‬
‫وتتصحر قلوب األتقياء ‪ ،‬ومتوت مباهج االستقامة وينتهي كل شيء ‪ ،‬ويف‬ ‫ّ‬ ‫‪،‬‬
‫الصحيحني قال صلى هللا عليه وسلم ( فإن الشيطان جيري من ابن آدم جمرى‬
‫الدم) ويف الصحيحني من حديث أيب هريرة رضي هللا عنه قال صلى هللا عليه‬
‫وسلم ( إذا نودي للصالة أدبر الشيطان حىت ال يسمع صوت التأذين فإذا‬
‫قضي النداء أقبل حىت إذا ّثوب للصالة أدبر حىت إذا قضي التثويب أقبل حىت‬
‫خيطر بني املرء ونفسه يقول أذكر كذا ‪ ،‬أذكر كذا ملا مل يكن يذكر حىت يظل‬
‫الرجل ال يدري كم صلى ! قال ابن القيم رمحه هللا تعاىل ‪ :‬فإن القلب يكون‬
‫فيصوره لنفسه ومينيه‬
‫فارغاً من الشر واملعصية فيوسوس إليه وخيطر الذنب بباله ّ‬
‫ويشهيه فيصري شهوة ويزينها له وحيسنها وخييلها يف خياله حىت متيل نفسه إليه‬
‫ّ‬
‫وجتهز ملواجهته ‪ ،‬وإايك أن يلقي‬
‫فيصري إرادة ‪ .‬اهـ فكن فطناً خبطط عدوك ّ‬
‫بك يف خنادق الظالم ‪.‬‬

You might also like