Professional Documents
Culture Documents
علمني القرآن جزء عم
علمني القرآن جزء عم
• علمتين سورة النبأ :أن خلل الرؤية أعظم أسباب الضياع ،وإذا فقد اإلنسان
بوصلة الشمال مل يهتد بعدها إىل شيء ! ( عم يتساءلون) عن أي شيء
يتساءلون ! عن القرآن الذي أنزله هللا تعاىل إليهم وقد رسم هلم فيه مالمح
الطريق وأابن هلم فيه كل شيء ( وما خلقت اجلن واإلنسان إال ليعبدون ) !
أم عن الرسول الذي بعثه هللا تعاىل إليهم ليبني هلم تلك الغاايت الكربى اليت
تنتظرهم يف مستقبل األايم ( اي أيها الناس قد جاءكم الرسول ابحلق من ربكم
فآمنوا خرياً لكم ) ! أم عن أي شيء يتساءلون وقد ابن هلم كل شيء ( اي
أيها الناس قد جاءكم احلق من ربكم فمن اهتدى فإمنا يهتدي لنفسه ومن
ضل فإمنا يضل عليها واما أان عليكم بوكيل ) ! إن هذا السؤال الذي يدور
يف أوساط قريش ليس سؤاالً يبحث عن احلقائق ،ويريد ذلك النور الذي
يكشف به الظالم ،كال ! وإمنا سؤال عبثي يراد به إنكار كل البعث ،والبقاء
يف أسر تلك اجلاهليات اليت أتىب إال أن تعيش يف مساحات الظالم ! وعامل
اليوم يف كثري من أحداثه يشبه عامل األمس يف ضياع الطريق من أوله ،وضالل
الرؤية من أصلها ويكاد يصنع للناس كل شيء وهو يف ذات الوقت ضال مل
جيد شيئاً ! وحسب القارئ هلذه األسطر أن يدرك سر وجوده ،ويعرف املقصد
العظيم الذي جاء له ،وما ذا ينتظر منه يف النهاايت حىت يسلم من الضياع
( ومن مل جيعل هللا له نوراً فما له من نور ) !
...
• وعلمتين :أن مثة أفراد وأمم ّ
تؤجر عقوهلا آلخرين وتسلمهم قيادها وترضى أن
فيتحول
ّ وتتطور القضية إىل أكرب من ذلك
تبقى أتباعاً هلم يف كل شيء ّ ،
تفكري هؤالء إىل جزء من منظومة أولئك فيف ّكرون بتفكريهم ،ويتحدثون
بنمطهم ،وحيللون األحداث من خالل رؤاهم ،ويصبحون وميسون جمرد
ويفرطون يف عقوهلم أعز ما ميلكون ! (عم يتساءلون .عنأدوات لغريهم ّ ،
النبأ العظيم .الذي هم فيه خمتلفون ) وهذا التنازع الذي جيري يف أوساطهم
ليس حبثاً عن حقيقة البعث ،وال بوصلة الشمال ،وال إجابة للسؤال الكبري
مل خلقنا؟ وملاذا جئنا إىل هذه األرض ؟! كال ! وإمنا ألن آابءهم وأجدادهم
تنازعوا يف ذات القضية فحسب ! والعقول إذا سلّمت قيادها آلخرين بقيت
أسرية هلا وترزح يف قيودها وفقدت يف النهاية كل شيء .وأخطر ما على
ويؤجر عقله ،ويصبح أداة لغريه ،وكم من
اإلنسان أن يفقد عقله وتفكريه ّ ،
عاقل جرى يف فلك هذه املعاين خاصة يف مثل زمانك وأصبح جزءاً من فكرة
،وعضواً يف منظومة ،وفرداً يف مجاعة دون وعي ،ومن فقه اإلنسان وكمال
وعيه أن يرتىب على الوحي ،ويتصرف يف ضوء مفاهيمه وال يقدم عليه كالم
بشر كائناً من كان حىت يسلم من االحنراف يف مستقبل األايم .
...
• وعلمتين :أن كل اجلوارح اليت مين هللا تعاىل هبا على إنسان هي أقصر من
أن هتدي صاحبها للحق مامل يصحبها توفيق ،كم هي اجلوارح اليت ميلكها كل
فرد من هؤالء وهم يف كامل صحتهم وعافيتهم ومع كل ذلك مل هتدهم إىل
وبني هلم ما يرون ،
الطريق رغم أن هللا تعاىل خاطبهم من خالل عقوهلم ّ
وحاكمهم إىل مشاهد ذلك الكون ،وعرض هلم تلك املشاهد عرضاً مدهشاً
فقال تعاىل ( أمل جنعل األرض مهاداً .واجلبال أواتداً .وخلقناكم أزواجاً .
وجعلنا نومكم سبااتً .وجعلنا الليل لباساً .وجعلنا النهار معاشاً .وبنينا
فوقكم سبعاً شداداً .وجعلنا سراجاً وهاجاً .وأنزلنا من املعصرات ماء ثجاجاً
.لنخرج به حباً ونبااتً .وجنات ألفافاً) ومع كل ذلك مل تدهلم جوارحهم على
شيء من أفراح هذا املعىن الكبري ! وما تصنع جوارح مل يكتب هللا تعاىل هلا
توفيقاً وسداداً ! وهي دعوة لكل من يقرأ هذا املعىن أال يتكل على جوارحه
أو قدراته أو مهاراته وإمكاانته يف شيء ،وإذا مل يهدك هللا تعاىل ومل يدلك
على الطريق مل تلق شيئاً يسعدك ولو كنت متلك كل شيء .وما حاجتنا إىل
شيء حاجتنا إىل عون هللا تعاىل وتوفيقه وسداده يف الدارين .
...
• وعلمتين :أن نعم هللا تعاىل كثرية ومتعددة وال سبيل إىل حصرها البتة وهذه
املشاهد اليت تعرضها السورة ( أمل جنعل األرض مهاداً .واجلبال أواتداً
وخلقناكم أزواجاً .وجعلنا نومكم سبااتً .وجعلنا الليل لباساً .وجعلنا النهار
معاشاً .وبنينا فوقكم سبعاً شداداً .وجعلنا سراجاً وهاجاً .وأنزلنا من
املعصرات ماء ثجاجاً .لنخرج به حباً ونبااتً .وجنات ألفافاً ) بعض مشاهد
تلك النعم ،ومن ألقى مبشاعره وفكره يف أحداثها وأتملها حق التأمل عرف
أج ّل شرعه ،وما أمجل قول األول : هللا تعاىل ،وقام له حبقه ،و َ
فيا عجباً كيف يُعصى اإلله ..أم كيف جيحده اجلاحد
وهلل يف كل حتريكة ...ويف كل تسكينة شاهد
ويف كل شيء له آية ...تدل على أنه واحد .
فهذه األرض املمهدة املذللة واليت جتري فيها مصاحل الناس كما يشاؤون ،
وتلك اجلبال اليت كاألواتد هلا ال متيد هبم وال تضطرب ،وهذا الزوج الذي ال
تكتمل أفراح احلياة إال به ! والنوم القاطع لتعب اإلنسان وتكاليف احلياة عليه
وسرت الليل الذي ميده هللا تعاىل على عباده ،وهذا النهار اآلية اليت يلقى فيها
اإلنسان كل شيء ،وأييت على آماله من خالهلا ،وهذه األفالك من مساء
وقمر ومشس كلها تدلك على هللا تعاىل وتصنع يف قلبك مشاهد تعظيمه
وإجالله .وليس أهدى لقلبك من تكون هذه النعم هي أكثر ما يعرفك على
ربك وتقوم له بكل شيء يف واقعك .
...
تتنوع يف األدلة واألساليب حىت أتخذ حظها • وعلمتين :أن من فقه الدعوة أن ّ
من عقول السامعني ،وليس من الفقه أن تتعامل الدعوة مع كل املدعوين
بذات األسلوب .فهؤالء القوم كفار فال جمال للتعامل معهم بدليل الوحي
فحسب بل ينبغي إاثرة عقوهلم وأفكارهم ابلدليل العقلي الذي يقوم على
االستنباط واملقارانت حىت يؤيت مثاره من تلك العقول ،وهذا العرض هلذه
املخلوقات جزء من هذا املعىن الكبري .وهي رسالة لكل مرب ومعلم وأب
وصاحب رسالة ومشروع أن يقرأ واقعه جيداً قبل أن يبدأ فيه مشروعه مث خيتار
ما هو أنسب إلقناعهم فإن ذلك من كمال الوعي والتوفيق .وهذا املعىن جيري
يف كل قضية يراد هلا النجاح سواء مع نفسك أو ولدك وطالبك وزوجك ومع
كل من حولك حني نريد أن نبين قيماً ،ونؤسس لفضيلة ،وخنلع عادات
وسلوكات سلبية جيب أن نتعامل هبذا املعىن ،وأن نناقش كل واحد من هؤالء
من الطريق األنسب إلقناعه فإن ذلك أدعى للنجاح واإلبداع .
...
• وعلمتين :أن مثة هناايت تنتظر كل خملوق مهما طال عمره ( إن يوم الفصل
كان ميقااتً .يوم ينفخ يف الصور فتأتون أفواجاً .وفتحت السماء فكانت
أبواابً .وسريت اجلبال فكانت سراابً) وتلك النهاايت ليست شيئاً عادايً وال
حداثً عابراً ،وال قصة مكرورة وإمنا جنة وانر ،نعيم وعذاب ،حساب وجزاء
،حياة وموت ومن فقه هذه املعاين صار إىل خري مع األايم .ولو أن عاقالً
تصور تلك النهاايت اليت تنتظره ،واألحداث
أمهل نفسه بعضاً من الوقت يف ّ
اليت تستقبله مبجرد موته ورحيله من الدنيا لقنع من أول األمر وآمن بقيوم
السموات واألرض ولكنها الغفلة ال تبقي شيئاً للذكرى .ما ذا ينتظر الظاملون
ألنفسهم ،وملن حوهلم من العاملني يوم القيامة إال هذه احلسرات ( إن جهنم
كانت مرصاداً .للطاغني مآابً .ال بثني فيها أحقاابً .ال يذوقون فيها برداً
وال شراابً .إال محيماً وغساقاً) وما األفراح اليت ينتظرها املتقون يف تلك
اللحظات ( إن للمتقني مفازاً .حدائق وأعناابً .وكواعب أتراابً .وكأساً دهاقاً
.ال يسمعون فيها لغواً وال ك ّذاابً .جزاء من ربك عطاء حساابً ) فانظر أين
وجتهز قدر وسعك فاألمر جد وال تغرك األماين موقعك واستعد لتلك األايم ّ ،
وكم من اعتذار جاء متأخراً فلم يصنع لك شيئاً .
...
سورة النازعات
• علمتين سورة النازعات :أن املشاريع مكلفة وحتتاج إىل تضحيات كبرية حىت
تبلغ غاايهتا يف النهاايت ( هل أاتك حديث موسى ) وهذا اخلطاب لرسول
هللا صلى هللا عليه وسلم يذ ّكره ربه تبارك وتعاىل أبن املسألة ضخمة وكبرية
وحتتاج إىل جهاد يساوي قيمتها الكربى .ومنوذج موسى عليه السالم مع
فرعون يدلك على تكاليف الطريق ويبعث يف مشاعرك حجم التضحيات اليت
جيب أن يبذهلا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يف دعوته حىت تتحقق له النتائج
اليت يرجوها واآلمال اليت ينشدها ! ومن ختّيل قصة موسى عليه السالم وبداايته
وصراع اللحظات األوىل واخلروج إىل مدين وقصة الزواج ومحل الرسالة مث
مواجهة الطاغية فرعون وقصة السحرة واخلروج من مصر وقصة البحر ومعاجلة
بين إسرائيل وتقلباهتم يف تلك املرحلة أدرك أن الطريق غري سالك واملشروع
ضخم كبري ،والقضية حتتاج إىل تضحيات .وقد لقي نبينا صلى هللا عليه وسلم
وجرح وأُلقي سلىضرب صلى هللا عليه وسلم ُ يف ذات الطريق ذات املشاق ُ ،
وحصر يف شعب أيب طالب سنوات ،وساوموه على منهجه اجلزور على ظهره ُ
ورسالته ودينه وطردوه من بلد الروح واجلسد ولقي يف الطائف من أحزان
الطريق وعاش حادث اهلجرة ولقي من أثقال التبعات ما ال يلقاه إال الكبار ،
وخاض معارك شىت مع اليهود واملنافقني مث أذن هللا تعاىل به ابلنصر ،وإذا
أتملت ما بني بداايت الدعوة ،والنهاايت اليت آلت إليها مع الظروف اليت
صاحبتها أدركت ما معىن التذكري بقصة موسى يف بدايت الطريق ،وأنت
كذلك إذا أردت أن حتمل فكرة أو مشروعاً أو قضية فاعلم أن املسألة ضخمة
وحتتاج منك إىل ذات التضحيات وإمنا حتمل من شرف قضيتك على قدر
أثقاهلا وأمحاهلا يف واقعك.
...
• وعلمتين :أن األصل امتداد الصراع بني احلق والباطل ،وما عدا ذلك فصور
عارضة ال تقدر على الصمود ،ومل حيدث أن تصاحل احلق والباطل يف بقعة
من األرض أو مساحة من الزمن وال سبيل إىل ذلك ألن املسألة حق وابطل
فروض نفسك على وال ميكن أن يلتقيا يف طريق ،وإذا كانت املسألة كذلك ّ
محل رسالتك ومشروعك وتكاليف قضيتك فاملسألة كبرية وضخمة حبجم احلق
الذي معك ،والباطل وإن كان ميلك قوة وعتاداً وقدرة على مواصلة الطريق
يف مرات كثرية إال أنه لإلخفاق والفشل يف النهاايت فال تقلق المتداد ذلك
الصراع ولست مسؤوالً عن النتائج بقدر ما أنت مسؤول عن البالغ املبني ،
ومن فقهك وكمال وعيك أن تقبل صادقاً على دينك ،وليكن مهك إغاثة
العامل من حولك ،وتوسيع مساحات الربيع ،وملء كل فراغ ،وال يهزمك
أتخر مشروعك عن النجاح إذا كنت على الطريق فكذلك سنن هللا تعاىل ،
ولو أنك قرأت قصة موسى عليه السالم وألقيت فيها مبشاعرك وعقلك
وتكون لديك الوعي الكايف ملستقبل األايم فضالً على
ألدركت الطريق بوعي ّ
أن تقرأ سرية نبيك صلى هللا عليه وسلم وأتخذ منها ما يعينك على مواصلة
الطريق وحتقيق الكربى يف النهاايت .
...
• وعلمتين :حاجة الدعاة واملصلحني واآلابء واملربني رجاالً ونساءً كباراً وصغاراً
وأصحاب املشاريع واألفكار الناهضة عموماً إىل التسلية .إن الطريق شاق
ومكلف ومزدحم ابلعوارض والعقبات وصاحب املشروع قد يتعب وجيهد يف
أثناء الطريق وقد يواجهه اليأس ويعرض له احلزن واخلوف ،وقد يُصاب ابمللل
من طول املسافة وال يرى شيئاً يسد جوعة تلك الفاقة اليت يبحث عما يسدها
،ولذلك كله كانت هذه النفوس حباجة إىل تسلية وإعانة على مسافة طريق
الدعوة الطويل ومن هذا الباب جاءت قصة موسى عليه السالم ،وأنت
كذلك كلما شعرت بضعف مهتك وفتور طاقتك وذبول عزميتك فشد قلبك
ومشاعرك أبصحاب اهلمم واملشاريع واجلادين يف احلياة ُمحّال األفكار الناهضة.
والوحي طافح بذلك ،ومثل ذلك كتب التاريخ والسري الذاتية ،وقد جتد من
املسموعات واملرئيات يف وسائل التقنية احلديثة ما يبعث األشواق يف قلبك
ألف مرة ،وإن ظفرت بصديق صادق اهلمة قوي العزمية يف واقعك ومساحتك
فيمم وجهك إليه وخذ منه ما يعينك على مواصلة الطريق .
...
• وعلمتين :أن إدابر الكبار والوجهاء وأصحاب الرايسات عن الدعوة شيء
طبيعي وسنة جارية من فجر التاريخ إىل يومنا هذا ( فكذب وعصى .مث أدبر
يسعى .فحشر فنادى .فقال أان ربكم األعلى ) وما صنعت الدعوة لفرعون
حىت يتخذ منها هذه املواقف ويقعد هلا يف عرض الطريق ،ويقرر قتل كل
مولود من أوالد بين إسرائيل ،ويستنفد كل طاقاته ومهاراته وإمكاانته يف سبيل
وأد الفكرة من أصلها وحجبها عن الظهور من البداايت ! ماله وهلا وهي مل
أتته بعد فضالً أن أتخذ منه شيئاً ! ويف حديث هرقل أليب سفيان رضي هللا
تعاىل عنه :وسألتك اشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟ فذكرت أن ضعفاؤهم
اتبعوه وهم أتباع الرسل ! والدرس من هذا أال تستنكر إدابر أحد من هؤالء !
وكن على طريق األنبياء واجهد بكل ما متلك أن تسقيهم من رحيقها العذب
فليتهم دروا ما حتمل هلم ! كم مرة كانوا يظنون أن هذه الدعوة تسلبهم تلك
الرايسات اليت عاشوا عليها وفاهتم أهنا تزيدهم هبا رابطاً وقد قال رسول هللا
صلى هللا عليه وسلم أليب سفيان يوم احتاج إىل هذا املعىن (من دخل دار أيب
سفيان فهو آمن)
...
• وعلمتين :أن من فقه اإلنسان وكمال وعيه أن يشتغل ابألسئلة النافعة يف
حياته وأن يدع وقته وفكره من أسئلة ال عالقة هلا ابلعمل يف شيء ،إن سؤال
هؤالء ( يسألونك عن الساعة أاين مرساها ) من قبيل األسئلة اليت ال تنتج
عمالً وال تصنع شيئاً وإمنا هي تسلية وقت ،وما ينفعه إذا علم الساعة أهنا
يتصوره إنسان
اليوم أو غداً وهو يعرف أهنا حق وأن ما بعدها أعظم من أن ّ
وأن الفزع إىل العمل والتطبيق أوىل ألف مرة من أسئلة ال تنتج مثاراً عملية يف
مستقبل األايم .ولذلك كان اجلواب ( فيم أنت من ذكراها) ! ليس من
شأنك اإلجابة على أسئلة هؤالء ،حسبك أن تنذر أمتك وتبني هلم عن ما
ينتظرهم وليس لك بعد ذلك شيء .وحني دخل الصحايب ورسول هللا صلى
هللا عليه وسلم خيطب فقال :ايرسول هللا مىت الساعة ؟ أرشده صلى هللا عليه
وسلم إىل العمل والتطبيق فهو أنفع له من ألف سؤال من هذا املعىن ( ماذا
أعددت هلا ) ؟! إن من فقه اإلنسان أن يركز على األسئلة اليت تثري ساحات
العمل وتكتب حظها من التطبيق وأتيت على صاحبها ابخلريات وما عدا ذلك
فغثاء أيخذ من أوقاتنا وال يعطينا ما يستحق احلياة .
...
• وعلمتين :ضآلة هذه احلياة وضعفها وقلة قيمتها ( كأهنم يوم يرون ما يوعدون
مل يلبثوا إال عشية أو ضحاها ) كم هم الذين عاشوا فيها سنني طويلة مث يف
النهاية صاروا إىل املوت ! كثريون أيتون يوم القيامة وقد عاشوا عشرات السنني
وإذا ابحلياة اليت عاشوها كهذه الصورة اليت حيكيها القرآن ( كأهنم يوم يرون ما
يوعدون مل يلبثوا إال عشية أو ضحاها ) ال فرق ! ليست يوماً وال ليلة اتمة
وإمنا هي ضحى يوم وعشة ليلة من الليايل ! ذهب ذلك الفراغ الطويل ولو
عرف صاحبه هذا املعىن جلهد به يف بناء تلك الدار ،وانتهت كل تلك
الراحة املوهومة اليت كان ينشدها كثريون ولو دروا لصنعوا فيها كل شيء ،
وطوت الدنيا كل أايمها لتقف بصاحبها على أحداث النهاايت اليت ما كانت
عشى أو ضحى ! له على ابل .كم هو الفرق بني مئة عام وبني حلظة من ّ
ماذا لو أنك رأيت تلك اللحظة مفرطاً يف زمانه ! وضائعاً يف رسالته وهدفه!
وموغالً يف األماين وقد فات عليه كل شيء ! إن الدرس األهم يف هذا املعىن
أن تستثمر كل حلظة ،وأن جتهد يف بناء تلك الدار ،وأن تسعى بكل ما
متلك أن تكون رقماً صعباً ومؤثراً يف تلك اللحظات .وكل إنسان سيقف
على عمله وجهده وتعبه ،ولن يبقى له من تلك السنني الطويلة إال آاثر
العمل الصاحل يف الدارين .
..
سورة عبس
• علمتين سورة عبس :أن القيم من أعظم املعاين اليت جاء الشرع ببنائها
وأتصيلها يف نفوس العاملني ! وهذا العتاب من هللا تعاىل لرسوله صلى هللا عليه
وسلم يف موقف تقدمي كبار قريش على ابن أم مكتوم األعمى درس يف أتصيل
هذه املفاهيم ( عبس وتوىل .أن جاءه األعمى .وما يدريك لعله يزكى .أو
يتذكر فتنفعه الذكرى .أما من استغىن فأنت له تصدى .وما عليك أال يزكى
.وأما من جاءك يسعى .وهو خيشى .فأنت عنه تلهى) ولو أنك قرأت هذا
النص بوعي لقام يف قلبك إجالل هذا املعىن الذي يُقرأ على مسامع العاملني
إىل قيام الساعة ،وكل ذلك لتأصيل قيمة واحدة من القيم الكربى وهي أن
املفاضلة بني الناس ال تتم على مكانة أو جاه أو سلطان وإمنا جتري فصوهلا
وفق دين هللا تعاىل دون النظر إىل شيء آخر ،ورسول هللا صلى هللا عليه
وسلم مل يصنع ذلك لنفسه ،وإمنا صنعه لصاحل الدعوة والرسالة اليت حيملها ،
ومع ذلك مل يعذره هللا تعاىل ،وجاءه اخلطاب موجهاً ويُقرأ يف كتاب هللا تعاىل
إىل قيام الساعة حىت تتأصل القيم يف النفوس وال تقف لزمن أو حادثة أو يف
مكان .
...
• وعلمتين :أن النقد وسيلة من وسائل النجاح وأداة مؤثرة من أدوات التصحيح
ومن وعي كل إنسان أن يفرح به ويُسر ويدرك أنه من أعظم وسائل جناحه
وحنن هنا لسنا بصدد اإلسرار أو النقد فإن هذه مسألة راجعة للمصلحة واألثر
املرتتب على ذلك ،وكل إنسان فقيه حباله ومساحته وكيف تكون ! ولكن
ننبه على أن النقد يعني صاحبه على بناء ذاته وجتاوز قصوره ويهيئه للمرحلة
القادمة من حياته ابقتدار ،ويبين لديه ملكات ال ميكن أن أتيت إال من خالله
،فإذا ما جاءك شيء من ذلك فمن حقك أن تفرح وتسعد به وتعتربه فرصة
للصعود ،وسلماً للنجاح ،وله آداب مهمة وال يصلح إال ملن أويت حظاً من
يسر هللا تعاىل له صديقاً يتعاهده وانصحاً أيخذ العلم والفقه واألدب .ومن ّ
بيديه وقريباً يدله على مواطن النجاح واإلخفاق فقد توفّق خلري كبري ،فإن مل
جيد من ذلك شيئاً يف فال أقل من أن يستنصح من يراه صادقاً قريباً منه عارفاً
به حىت يعينه على الرتقي يف مستقبل األايم .
...
• وعلمتين :أن وجود األخطاء يف مشروعك الذي حتمله وفكرتك اليت تقوم
هبا وقضيتك اليت تعيش من أجلها شيء طبيعي جداً فال تثقلك اهلموم عند
مساع شيء من ذلك ،وإذا كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم الذي توىل هللا
تعاىل تزكيته وتربيته وأتهيله لرسالته ومشروعه خيطئ ويقيّمه هللا تعاىل من خالل
رسالة علنية فغريه من ابب أوىل ! إن جزءاً من مشكالتنا أننا نريد أن حنمل
أفكاراً ومفاهيم ونصنع تضحيات ويف الوقت ذاته غري متقبلني لألخطاء
والنكسات اليت تقع منا يف ثنااي الطريق ،وجند منها حرجاً يكاد يُفضي بنا
إىل ترك أفكاران ومفاهيمنا ومشاريعنا من أصله .ومن أراد لنفسه النجاح
والتوفيق فعليه أن يؤمن أبن جناحه القادم ال يقوم إال على ركام األخطاء اليت
يقع فيها وهي القاعدة اليت يقف عليها كبرياً مدهشاً يف مستقبل األايم .
...
• وعلمتين :أن اهلداية حق للجميع ( كال إهنا تذكرة .فمن شاء ذكره ) بغض
النظر عن جنس اإلنسان ولونه وفقره وغناه ومكانته وموقعه ،ومن أقبل إليها
صادقاً كان حقه منها أكمل ما يكون ،ومن أعرض عنها وأدبر عن أحداثها
فال قيمة له يف شيء ،وحسبه أنه هو الذي رفض وأىب آاثرها وختلّف عنها
وال يظلم ربك أحداً .إن الدعوة ليست حباجة إىل أحد مهما كان ذكاؤه
وتعددت مهاراته ،وتنوعت جماالته بل هو يف أمس احلاجة إليها ،وستظل
منصورة بذاهتا وأتخذ مساحتها كما أراد هللا تعاىل هلا ،وجيب أن يُفقه أن
الفقري املسكني املقبل على خريات الدعوة خري هلا وأفضل ألف مرة من كثري
من املوهوبني وأصحاب القدرات واملسؤوليات الذين أيتون إليها وهم حمملون
أبمراض من الكرب والعلو واحلسد فال هم الذين دفعوا هبا حنو أهدافها ،وال
هم الذين أسلموها من تلك األمراض اليت كانت مبنأى عنها .إن الفقري
املسكني املعوق املقبل عليها وال َفرح أبحداثها يف واقعه أعظم هلا وأوىل من غريه
ولو كان اآلخر ميلك كل شيء .
...
• وعلمتين :أن املسؤولية فردية ،وأن كل إنسان مسؤول عن جناحه وإخفاقه
يف النهاايت .ولن يغين عن اإلنسان أسرة أو قبيلة أو جمتمع من اجملتمعات ،
وإن كانت هذه املعاين جتدي عن أصحاهبا يف الدنيا فهي ال تنفع يف شيء
بني يدي هللا تعاىل يوم القيامة ( يوم يفر املرء من أخيه .وأمه وأبيه .وصاحبته
وبنيه .لكل امرئ يومئذ شأن يغنيه ) جيب أن نتعلم أن األسرة ليست مسؤولة
عن جناحنا وإخفاقنا وإن كان هلا دور ،ومثل ذلك اجملتمعات اليت نعيش فيها
،واألصحاب الذي خنالطهم ،ومن فقه اإلنسان وكمال وعيه أن أيخذ حظه
من العلم ،ويبين نفسه من خالل العمل الصاحل ،ويستعد للقاء هللا تعاىل ،
وليعلم أن املسألة جد وأنه سيأيت اليوم الذي تعرض فيه هذه السورة بعض
مشاهده وأكثرها أملاً يف سريته وواقعه ( يوم يفر املرء من أخيه .وأمه وأبيه .
وصاحبته وبنيه .لكل امرئ يومئذ شأن يغنيه) رأي عني! ولو أن عاقالً أمهل
نفسه بعضاً من الوقت يف ختيّل املشهد ألدرك ما يقال له اليوم قبل الفوات .
وهللا املستعان .
...
سورة التكوير
• علمتين سورة التكوير :أن مثة موعد للنهاايت ( علمت نفس ما أحضرت)
وهذا العلم يف يوم القيامة بعد أن عرضت السورة تلك األحداث الكربى ( إذ
الشمس كورت .وإذا النجوم انكدرت .وإذا اجلبال سريت .وإذ العشار
عطلت .وإذا الوحوش حشرت .وإذا البحار سجرت .وإذا النفوس زوجت
.وإذا املوؤدة سئلت .أبي ذنب قتلت .وإذا الصحف نشرت .وإذا السماء
كشطت .وإذا اجلحيم سعرت .وإذا اجلنة أزلفت ) وما قارئ هلذه األحداث
وتتغري معامله ويصبح بني يدي هللا تعاىل
اليت يتبدل فيها كل شيء يف الكون ّ
للسؤال واحلساب واجلزاء ولديه قلب إال استيقظ وعاد إىل هللا تعاىل ،ومن مل
جيد شيئاً من ذلك فما جلرح مبيت إيالم ! وهذه السورة من السورة املكية اليت
جاءت لتعيد بناء اإلنسان وتش ّكل تصوراته ،وتوقظ قلبه ومشاعره .ومن قرأ
هذه املعاين وأتمل تلك األحداث صنع لنفسه شيئاً قبل الفوات .
...
• وعلمتين :أن القرآن أعظم مصادر احلياة على اإلطالق ! ومن أقبل عليه
وعى منه كل شيء ،وقد قال هللا تعاىل واصفاً شأنه ( إنه لقول رسول كرمي .
ذي قوة عند ذي العرش مكني .مطاع مث أمني ) وما قرأه متدبر إال حيي
من جديد ! وما حاجة اإلنسان لشيء يف هذا الزمن حاجته إىل ورد يتلوه
ويتدبره .ولو أن كل إنسان قسم له من سنام يومه وأقبل عليه صادقاً ،وتدبر
ما يتلوه وأجرى ملا يقرأ عمالً لنفض عنه غبار الغفلة وشحذ مهته وصنع لنفسه
منزالً بني األحياء .مثة أانس ال يدركون ما الذي ميكن أن حيدثه القرآن يف
حياهتم ،وآخرون يدركون ولكنهم ال يعرفون كيف يصلون ،وفريق اثلث يدرك
ويعرف ولكنه مل يضعه يف ُسلّم أولوايته بعد ،ومن أتمل واقع اليوم رأى فيه
كل شيء إال أنه خال يف ذات الوقت من الطمأنينة واللذة واجتماع القلب
وأدرك أن حاجته لكتاب هللا تعاىل تفوق كل حاجته ،وليس بني اإلنسان
وبني هذا املعىن الكبري إال أن يبدأ ويستعني بكل ممكن على حتقيق تلك األفراح
يف قلبه وسيحني موعد الربيع إبذن هللا تعاىل يوماً ما .
•
• وعلمتين :أن اجلود من صفات الكبار ،وما رأيت مدهشاً يف واقعه كطالب
علم فتح هللا تعاىل له يف هذا الباب وهو قائم حبقه من العمل ابذل له يف كل
من حوله ،ابسط آاثره يف املساحات اليت يعيش فيها فلله كم هي عوائد اخلري
عليه ! وكم من فواتح توفيق أتتيه وهو على سرير نومه من أثر ذلك املعىن
الكبري ،ورسول هللا صلى هللا عليه وسلم على رأس القوم ويف مقدمتهم وهذه
شهادة هللا تعاىل له ( وما هو على الغيب بضنني ) وقد قال الشافعي رمحه هللا
إىل منه شيء .اه وهذا تعاىل :وددت أن اخللق تعلموا هذا العلم ومل يٌنسب ّ
نوع من اجلود يتجاوز بذله وإعطاءه إىل الفرح مبا وصل اآلخرين ،ويف املقابل
كم من طالب علم يف مساحة جهل مل تلق منه ما يفسح هلا الربيع يف واقعه!
كم من طالب علم ووالديه أو أسرته تقع يف أخطاء ومتارس سلوكات خاطئة
ومل ينلهم شيء من حظوظه بعد! ،وليس اجلود وقف على العلم بل يف كل
شيء ،وكم من صاحب مهارة ومال ومسؤولية وجاه وسلطان ،وقوة ،وملَكة
ميكن أن يصنع منها ومن خالهلا كل شيء .
سورة االنفطار
• علمتين سورة االنفطار :أن الغفلة من أعظم األخطار اليت تواجه اإلنسان يف
حياته ،وما تزال بصاحبها حىت تنسيه نفسه اليت بني جنبيه وتضيع عليه
مصاحله وحترفه عن مقصده الكبري (اي أيها اإلنسان ما غرك بربك الكرمي .
الذي خلقك فسواك فعدلك ) وإذا أردت أن تعرف قدر هذه الغفلة فانظر
كرمه وجعلهإىل إنسان خلقه هللا تعاىل وسواه وعدله وجعله يف أحسن صورة و ّ
مناط الرساالت ومع كل ذلك ال يلقي لربه تعاىل ابالً وال ُجيل أمره وال يعظّم
شعائره وال يقوم له بشيء من حقوقه ،ويعاتبه هللا تعاىل يف هذه السورة عتاابً
رقيقاً (ما غرك بربك الكرمي)! ما الذي أنساك ربك الذي خلقك ! ما الذي
وسوى وع ّدل ورّكب ألقى يف قلبك هذا اإلعراض عن ربك الكرمي ! من خلق ّ
أحسن الصور ما حقه هذا اإلعراض ! ومن الوعي أن يتدارك اإلنسان نفسه
وحيميها من الغفلة ابإلقبال على كتاب هللا تعاىل تالوة وتدبراً وأتمالً ،ومثل
ذلك سنة نبيه صلى هللا عليه وسلم وأحاديث الوعد والوعيد واجلنة والنار منها
على وجه اخلصوص ،ويتعاهد نفسه بشيء من املواعظ اليت جتلو قلبه ،
وسينجلي غبار هذه الغفلة إبذن هللا تعاىل مع مرور األايم .
...
• وعلمتين :أن رقابة هللا تعاىل على كل ما جيري يف حياتك اخلاصة والعامة أمر
ال حيتاج إىل براهني ،ويف قول هللا تعاىل ( وإن عليكم حلافظني .كراماً كاتبني
.يعلمون ما تفعلون) ما يبني عن ذلك املعىن الكبري ،فاألمر جد (ما يلفظ
من قول إال لديه رقيب عتيد ) ولن يذهب شيء من العمل سدى ،وكل ما
جيري يف حياة إنسان مرصود ومكتوب وحمفوظ وسيأيت يف يوم أحوج ما يكون
فيه صاحبه إىل النسيان ،وال يغرك أنك ال ترى أحداً حولك فلن حيميك
من تلك الرقابة شيء فكن أول العارفني بقدرة ربك وأول املستحني من
مالئكته ،وليس من احلياء أن تعاقر حمرماً وهللا تعاىل يرقب تصرفك ،ويرى
وتدون عليك وأتيت يوم
فعلك ،ومالئكته تعاىل تراك يف ذات الوقت وترقبك ّ
القيامة بكتابك وفيه ديون كنت منها يف حل لوال هذه الغفلة اليت غشت
قلبك ومشاعرك ،وما حاجتنا اليوم إىل شيء حاجتنا لألدب مع هللا تعاىل يف
مثل هذه األايم .
...
سورة املطففني
• علمتين سورة املطففني :أن التعامل مع اآلخرين دين يتعبد به اإلنسان لربه
ويرقى به ومن خالله ألعظم املنازل يف الدارين ،وهذا الوعيد للمتخلفني عن
هذا املعىن ( ويل للمطففني) دليل هذا املعىن الكبري .التطفيف هنا ليس شيئاً
خاصاً ابملكيال احلسي الذي توزن فيه أرزاق الناس ومأكوالهتم بل هو جار
يف كل تعامل جتريه مع أبويك وولدك وجارك وصديقك وكل من حولك ،ومثة
خصام سافر بني احلقوق والواجبات ينتهي غالباً لصاحل احلقوق ،وقل أن جتد
متعمد يف أداء الواجبات . فرداً يتنازل عن شيء من حقه يف مقابل ختلّف ّ
تعلمنا هذه السورة خطر التطفيف وهو أخذ حقوقنا مقابل التخلف عن
واجباتنا ،وتدعوان أن نعترب التعامل مع اآلخرين دين كبقية شرائع اإلسالم ال
إىل وأقربكم مين جملساً فرق وقد قال صلى هللا عليه وسلم ( إن من أحبكم ّ
يوم القيامة أحاسنكم أخالقاً ) ،وقال صلى هللا عليه وسلم ( إن صاحب
حسن اخللق يبلغ درجة الصائم الذي ال يفطر والقائم الذي ال يفرت ) ،وقال
صلى هللا عليه وسلم ( خريكم خريكم ألهله ) وهي دعوة أن نعيد تصرفاتنا
مع أزواجنا وأوالدان على وفق هذا املعىن الكبري ونُعد ذلك دين نتعبد هللا تعاىل
ونعترب أي نقص يف تلك الواجبات هو نقص يف ديننا وعبادتنا هلل تعاىل .
...
• وعلمتين :أن التنافس الكبري جيب أن يكون يف غاايت اآلخرة ،وأن من
وعي اإلنسان وفقهه وكمال علمه أن يبلغ جهده من هذا املعىن حىت أييت منه
على أمانيه (إن األبرار لفي نعيم .على األرائك ينظرون .تعرف يف وجوههم
نضرة النعيم .يسقون من رحيق خمتوم .ختامه مسك ويف ذلك فلتنافس
املتنافسون) ومن قرأ هذا النعيم وأدرك ما ينتظره عند هللا تعاىل يوم القيامة علم
حاجته للعمل واستثماره لكل ممكن قبل الفوات .مشكلتنا اليوم أننا مشغولون
هبذه الدنيا ،مقبلون عليها ،متنافسون فيها بصورة كبرية وضخمة للدرجة اليت
كونت بيننا هتاجراً ،وتباغضاً ،ورمبا وصلت بكثريين إىل القتل بينما تلك ّ
الدار اليت خيربان هللا تعاىل فيها ابلنعيم ويدلنا فيها على التنافس يف أحداثها مل
أتخذ حظها من قلوبنا بعد ! وواجب طالب العلم واملثقفني كبري يف إاثرة
مفاهيم النصر واهلزمية ،والربح واخلسارة من خالل الوحي ال من خالل مصادر
ال عالقة هلا ببناء احلقائق الكربى يف نفوس العاملني فإن الناس يف النهاية نتيجة
ملا تسمع وترى فيما جيري حوهلا من أحداث .
...
• وعلمتين :أن العربة ابلنهاايت ! وأن كل صور االنتصار يف الدنيا ال شيء
ابلنسبة لذلك االنتصار الكبري يف اخلواتيم ( إن الذين أجرموا كانوا من الذين
آمنوا يضحكون .وإذا مروا هبم يتغامزون .وإذا انقلبوا إىل أهلهم انقلبوا فكهني
.وإذا رأوهم قالوا إن هؤالء لضالون .وما أرسلوا عليهم حافظني .فاليوم
الذين آمنوا من الكفار يضحكون .على األرائك ينظرون .هل ثوب الكفار
ما كانوا يفعلون ) كم من أفراح دارت يف الدنيا على انتصارات ومهية! وكم من
أحداث ابت يضحك فيها أهل الباطل مبلئ أفواههم مث هي يف النهاية ال
شيء .ال تنشغل مبا تراه من واقع عدوك ،وال يفت يف عضدك تلك
حتمل أعباء طريقك ،وأثقالاالنتصارات اليت حيققها يف مساحة من األرض ّ ،
فكرتك ومشروعك ،ومهوم قضيتك ،واصلح ما بينك وبني هللا تعاىل حىت
تبلغ هبا اآلمال اليت تنتظرها واألشواق اليت ترجوها يف اخلتام ،وما هي إال
فرتات وحيني موعد النصر الكبري .
...
سورة االنشقاق
• علمتين سورة االنشقاق :أن التعب والكدح والعناء جزء من حياة كل إنسان
ما دام يف ساحات الدنيا ( اي أيها اإلنسان إنك كادح إىل ربك كادح فمالقيه)
التفوق يف حياتك وجناحك يف الدارين إال
لن تبلغ رضى ربك وجنته ومعارج ّ
من خالل هذا املعىن الكبري ،وستواجه عناء كبرياً وشاقاً يف طاعتك وأورادك
العبادية وستتحمل أثقال العبادة طويالً حىت جتد أفراح ذلك يف النهاايت ،
ويف املقابل ستعيش ذات الكدح والعناء واجلهد يف طريق شهواتك وأمانيك
اليت ليست على طريق احلق ،ولن أييت لك منها شيء يسري البتة ،وال تظنّن
أبن هو عاكف على شهواته ،وجيري يف فلك رغباته أنه سامل من عنائها
وجهدها وتكاليفها وأثقاهلا فوطّن نفسك على هذا املعىن ،وأحسن إقبالك
وحتمل أعباء الطريق وسرتى غداً من أرابح جهدك ما مل يكن إىل هللا تعاىل ّ ،
لك على ابل ،قال تعاىل (فأما من أويت كتابه بيمينه .فسوف حياسب حساابً
يسرياً .وينقلب إىل أهل مسروراً) ويف املقابل عناء ذلك الضال إىل غري هدى
وهنايته إىل ضالل ( وأما من أويت كتابه وراء ظهره .فسوف يدعو ثبوراً .
ويصلى سعرياً) وكم بني الفريقني من بون ! وكم هي املسافات بني أفراح النعيم
وخواتيم السوء !
...
• وعلمتين :أن احلياة ال تدوم على حال ! وأن كل إنسان معرض للضعف
واالنتقال من حال آلخر حىت أييت املوت ( لرتكنب طبقاً عن طبق ) فستنتقلون
من حال آلخر ،من الصغر إىل الكرب ،ومن الشباب إىل الشيخوخة ،ومن
الصحة والعافية إىل املرض والقعود ،لن يدوم شبابك ،وال صحتك ،وال
نشاطك ،وال فراغك بل كل هذه ستجري عليها أحداث التغيري وستزول يف
النهاية ،وإذا كانت هذه هي احلقائق فمن كمال وعيك أن تستثمر هذه النعم
قبل زواهلا ،وتغتنم كل فرصة قبل فواهتا ،وتدرك أن كل تفريط ميضي من
عمرك غري قابل للتعويض يف مستقبل األايم إال أن يدرك هللا تعاىل برمحته
ومثلك أوعى ابلفقه ،فلتكن يف مستوى احلدث فما كل نعمة ابقية ! وال كل
فرصة لديها االستعداد لالنتظار !
...
• وعلمتين :أن خلل الرؤية أخطر ما يواجهك ( بل الذين كفروا يكذبون) وكل
ضياع عافاان هللا وإايك إمنا هو فرع عن خلل ذلك املعىن الكبري .إن أمم
األرض اليوم تعاين خلالً يف رؤيتها وضبابية كبرية جداً أفقدهتا بوصلة الشمال
وضاع منها يف النهاية كل شيء .ولوال هذا اخللل الذي أصاب هؤالء يف
أصل الرؤية لعرفوا مل خلقوا .؟ وإىل ماذا سيصريون يف النهاايت ؟ وماذا ينتظر
من أمة أو فرد ال ينتظر حساابً وال خياف من عقاب وإمنا هي أشبه ما تكون
ابألنعام كما قال هللا تعاىل ( أم حتسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون .إن
هم إال كاألنعام بل هم أضل) ومن الفقه أن ندرك تلك الرؤية اليت حددها
الوحي (وما خلقت اجلن واإلنس إال ليعبدون ) مث جنهد بكل ما منلك يف ملء
هذه املساحات أبحداث العمل والبناء وال نتوقف حىت نلقى هللا تعاىل وحنن
على الطريق .
...
سورة الربوج
• علمتين سورة الربوج :مكانة املؤمن عند ربه تبارك وتعاىل ،وحب هللا تعاىل
لعباده املؤمنني ،وهذا القسم العظيم منه تعاىل ( والسماء ذات الربوج .واليوم
املوعود .وشاهد ومشهود .قتل أصحاب األخدود) دليل على مكانة أهل
اإلميان ( قتل أصحاب األخدود ) لُعن الذين َشقوا يف األرض حفراً وأوقدوا
فيها النريان لتعذيب املؤمنني الصادقني ،يتوعدهم هللا تعاىل ابلطرد من رمحته
وأوجب عليهم اخلذالن ألهنم آذوا عباده وامتحنوهم يف دينهم وتولوا تعذيبهم
ابلنريان ،ومن عرف قدر هذا املعىن قام هللا تعاىل يف قلبه ،وزاد متسكه بدينه
ومنهجه وأقبل راغباً جمالً لشريعته وهو يشعر بروح العزة واجلالل هتتف مبشاعره
إىل أقصى مدى ممكن .ومن أنت حىت يقوم هللا تعاىل لك لوال هذا اإلميان
الذي جتري معامله يف حياتك كل حني !
...
• وعلمتين :أن االبتالء سنة إالهية ال تتخلّف عن أصحاب اإلميان ( قتل
أصحاب األخدود .النار ذات الوقود .إذ هم عليها قعود ) وما هلؤالء
والعذاب ابلنار ! ماهلم وألثقال هذا املعىن الكبري لوال أحداث اإلميان اليت
قامت يف واقعهم حىت تلقاهم البالء يف عرض الطريق ،ومن قرأ الوحي أدرك
أن البالء سنة يف حق أهل اإلميان كما قال تعاىل ( ولنبلونكم حىت نعلم
اجملاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ) وقد سئل النيب صلى هللا عليه وسلم
أي الناس أشد بالء ؟ فقال صلى هللا عليه وسلم ( يبتلى األنبياء مث األمثل
فاألمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان يف دينه صلباً اشتد بالؤه ،
وإن كان يف دينه رقة ابتلي على حسب دينه فما يربح البالء ابلعبد حىت يرتكه
ميشي على األرض ما عليه خطيئة) أخرجه الرتمذي وصححه األلباين ،وهذا
املعىن موجب للمؤمن أال يتربم مما يصيبه وأن يعلم أن هذه سنة هللا تعاىل
ويتحمل كل قادم وحيتسب أجره عند هللا تعاىل ويعده من عالمات حب هللا
تعاىل له ،وحيسن التوكل عليه ،والصرب على ما أصابه حىت حيني موعد الفرج
إبذن هللا تعاىل .
...
• وعلمتين :سعة رمحة هللا تعاىل وعفوه وصفحه عن املخطئني مهما كان ذنب
الواحد من هؤالء ،فإن هؤالء حفروا األخاديد للمؤمنني املساكني وألقوهم
فيها وعذبوهم ابلنار وصنعوا فيهم كل مشاتة ومع ذلك يعرض هللا تعاىل عليهم
التوبة قبل فوات أجلها ( إن الذين فتنوا املؤمنني واملؤمنات مث مل يتوبوا ) وأابن
بعد ذلك عن صفته الالزمة له تعاىل فقال ( وهو الغفور الودود ) ومن قرأ هذا
الوعد بوعي أدرك أنه ال حد لرمحة هللا تعاىل ! وقد قال يف كتابه ( قل اي
عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ال تقنطوا من رمحة هللا إن هللا يغفر الذنوب
مجيعاً .إنه هو الغفور الرحيم ) ،بل قال ألهل الكفر وقد صنعوا كل قبيح
(قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر هلم ما قد سلف ) وهو درس انفع لكل مؤمن
مهما كانت خطيئة أن ينيب إىل ربه تبارك وتعاىل ،ويستعتب من ذنبه ،
ويسأله ملحاً العفو والغفران لعل هللا تعاىل أن يقبله ويتوب عليه ويغفر له
ويعيده عبداً صاحلاً من جديد .
...
• وعلمتين :أن هللا تعاىل ميهل وال يهمل ،وميد لعدوه املعرض عن منهجه زمناً
طويالً ولكنه إذا أخذه مل يفلته ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظاملة
إن أخذه أليم شديد ) خيرب تعاىل يف هذه السورة عن صفة من صفاته ومعلم
من معامل قوته وجربوته وأنه إذا بطش صنع كل شيء ( إن بطش ربك لشديد)
وإذا أتملت مصارع األمم يف التاريخ اليت أجرى عليها بطشه عرفت ما ينتظر
األعداء واملعرضني يف مستقبل األايم ،وقد أشار تعاىل يف ختام هذه السورة
إىل ذلك فقال تعاىل (هل أاتك حديث اجلنود .فرعون ومثود .بل الذين كفروا
يف تكذيب .وهللا من ورائهم حميط) وهي قصص تبني كيف أن هللا تعاىل إذا
ش جبار متكرب جل يف عاله .ويف قول هللا تعاىل (وهللا
بطش بطْ َ
بطش بعدوه َ
من ورائهم حميط) ما ينبئك عن مطاردة هللا تعاىل ومالحقته ملسلسل اإلعراض
عنه وإحالل عقوبته هبم وجراين درس التاريخ عليهم كما جرى على من قبلهم
ال فرق .
...
سورة الطارق
• علمتين سورة الطارق :كمال قدرة هللا تعاىل وكمال علمه وحكمته ورقابته
على كل ما جيري يف الكون ،وهذا القسم العظيم مبخلوقاته تعاىل ( والسماء
والطارق .وما أدراك ما الطارق .النجم الثاقب ) على ذلك املعىن ( إن كل
نفس ملا عليها حافظ ) وما من نفس يف الدنيا من خلق آدم إىل قيام الساعة
يدون كل شيء وحيفظ ذلك عنها حىت يوم وإال وعليها حافظ من املالئكة ّ
القيامة ال يفوت منه شيء .ومن عرف أن كلمته اليت يقوهلا ،وحرفه الذي
يكتبه ،ورسالته اليت يدوهنا ،ومشاركته اليت يبعث هبا وعمله يف مساحة ما
،ودوره الذي يقوم به ستأيت مدونة مكتوبة ومضبوطة ال يفوت منها شيء
عرف قدر هللا تعاىل وقام له حبقه وأجل شرعه وقام له بواجباته وصنع له كل
شيء ( إن كل نفس ملا عليها حافظ ) .
...
• وعلمتين :أن كل إنسان خلق من نطفة ( فلينظر اإلنسان مم خلق .خلق
من ماء دافق ) ال فرق بني أمري ووزير وعامل وجاهل وصغري وكبري ورجل وامرأة
على حد سواء .ومعرفة هذا املعىن مؤثّرة يف معرفة اإلنسان لنفسه وإدراكه
لواقعه ومؤذنه إبذن هللا تعاىل بتواضعه وقيامه حبقوق من حوله من العاملني .
نسيان هذه القضية ولّد بني الناس متايزاً على غري هدى الوحي وصنع فروقات
من آاثر اجلاهلية ،وخلّف نزاعاً سافراً بني كثريين يف قضااي نسب وقبيلي وغري
قبيلي ،وخلق بني الناس نوعاً من اجلاهليات ابتت أتخذ حظها من نفوسهم
وواقعهم مع األايم ،ونشأ على إثر ذلك نزاعات كثرية جداً أفضت إىل ضياع
حقوق بعض هؤالء وهم من أهل اإلميان ،وصار التعامل على أشياء من
ظاهر احلياة وليس هلا صلة بقيمها يف شيء .
...
• وعلمتين :أن مدار الفوز واخلسارة يوم القيامة على صالح القلوب (يوم تبلى
السرائر ) واعظم األعمال أثراً يف حياة صاحبها ما جرى هبا يف فلك اإلخالص
هلل تعاىل ( وما أمروا إال ليعبدوا الهلل خملصني له الدين ) ومن فقه هذا املعىن
كرس جهده يف سبيل أقبل على قلبه وتعاهد نيته وصحح منها ما استطاع و ّ
تلك الغاايت الكربى وعلم علم اليقني أن املخلوقني ال ينفعون يف شربة ماء
فضالً عن غريها من األحداث ،ويف احلديث ( إمنا األعمال ابلنيات) فال
تربح هذا املعىن يف كل جهد تذبله أو عمل تقوم به سواء كان عمالً أو تركاً
وقد كان بعض سلفك يقول ( إين ألحتسب نوميت كما أحتسب نوميت ) .
واعلم أن ما جيري يف قلبك عليه مدار فالحك وخسارتك ،وما تطويه نيتك
سيؤثّر على ما يستقبلك ولن تنفعك الصور يف شيء ،وهللا يعلم خائنة األعني
وما ختفي الصدور .
...
• وعلمتين :أن الوحي عاصم من الضالل ( إنه لقول فصل .وما هو ابهلزل)
ومن فقهك وكمال علمك أن ُترد إليه كل شيء صغر األمر أو كرب ،جل أو
حقر ! وحنن يف زمن فنت ،ومتوج يف األمة أفكار ومفاهيم وتصورات يراد هبا
تبديل وتغيري الدين وأدىن هتاون يف هذه القضية مفض إىل ضياع مفاهيم
ضخمة لدين هللا تعاىل .ولن يرد األمة إىل رشدها ويعيد هلا صحتها وعافيتها
البدنية واملعنوية إال عمل مرتب منظم جيري من خالل أفكار ومفاهيم
وتصورات الوحي فحسب .ولو أن كل فرد منا رد كل ما يعرض له على
الوحي وحاكمه إليه لعاش على نور وهدى ما بقيت الدنيا .
...
• وتعلمت منها :أن جهود األعداء مهما بلغ شأهنا وحجمها وأثرها الظاهري
الكبري يف الكون فهي إىل ضياع ! ( إهنم يكيدون كيداً .وأكيد كيداً .فمهل
الكافرين أملهم رويداً ) فال يغرك ما تراه منهم ،وال يؤذي قلبك ما تسمع به
من أخبار وأحداث فإهنا وإن طال زمان أثرها ليأتني عليها زمان ابلضياع .هذا
هو وعد هللا تعاىل ( إهنم يكيدون كيداً .وأكيد كيداً .فمهل الكافرين أملهم
رويداً ) ولن خيلف هللا تعاىل وعده .وإذا امتأل قلبك من هذا الوعد وجرى
يف مشاعرك كان لزاماً أن تصدق يف التزامك مبنهج هللا تعاىل ،وأن تقوم
حبظوظ دينك ورأسك يطاول السماء ،وتقرر أال هتزمك ظروف زمانك مهما
كانت شدهتا وغربتها وسيحني ذلك الوعد وترى بعينيك ما جيري احلياة يف
قلبك إىل أقصى مدى .
...
سورة األعلى
• علمتين سورة األعلى :أن من كمال توفيق هللا تعاىل لعبده أن يرزقه إجالله
وتعظيمه والقيام حبقه ،وتنزيهه عن النقائص قال تعاىل ( سبح اسم ربك
األعلى .الذي خلق فسوى .والذي ق ّدر فهدى .والذي أخرج املرعى .
فجعله غثاء أحوى ) فهذا الكون جبماداته وحيواانته وطريه وحشراته دليل
قدرته تعاىل ،وقد قال ( وما من دابة يف األرض وال طائر يطري جبناحيه إال
أمم أمثالكم ما فردان يف الكتاب من شيء ) وحق هذا املعىن الكبري اإلجالل
والعظيم والتنزيه ،ومن أتمل هذا اإلبداع يف خلقه تعاىل أدرك ما لربه عليه من
حق وقام له بكل واجب وصنع له كل شيء .
...
• وعلمتين :أن حظوظ الداعية إىل هللا تعاىل كبرية وضخمة ( فذ ّكر إن نفعت
الذكرى .سيذ ّكر من خيشى ) وحق هذا املعىن ( سيذ ّكر من خيشى ) أن يقع
يف شغاف قلبك ومشاعرك سواء كنت أابً أو معلماً أو زوجاً أو مربياً يف أي
مساحة من األرض ،وهي بشارة على أن كلمتك ستبلغ موقعها من قلوب
السامعني يوماً ما خاصة تلك املواعظ اليت جتل الوحي وتعتين به وجتعله هو
الوسيلة الضخمة إلقناع اآلخرين بدين هللا تعاىل .وهي انفذة يف املقابل تُطل
بك على األمل .وكم من أحداث وأخبار من آاثر الدعوة على أصحاهبا بعد
طول زمان ! قال أحدهم ُدعيت للقاء وقد تعنيت يف السفر وحني ألقيت
كلميت صاحبها فوضى وضعف ترتيب وعدم عناية حىت متنيت وأان ألقي أنين
مل أجب هذه الدعوة وكنت أحبث عن اخلالص بكل طريق وحني فرغت من
حماضريت خرجت ويب من األسف على ما حصل واعتربت ذلك نوع من ضياع
الوقت ،وسافرت ويف أثناء نزويل من الطائرة إذا مبتصل يقول يل كنت عندان
أغري واقعي وابدأ حياة جديدة .وكم من
قبل قليل وأبشرك أبنين قررت أن ّ
خرب مدهش كان أقرب ما يكون ! وكم من سامع للموعظة رد بعد طول
غياب ! وكم من كلمة ودور وجهد صنع لصاحبه كل شيء ! جيب أن نؤدي
أدواران ومنأل مساحاتنا وحنن موقنني هبذا الوعد العظيم ( سيذ ّكر من خيشى)
طال زمان تلك الذكرى أو قرب ،بعد أو قصر ال فرق .
...
• وعلمتين :أن من أكرب املشكالت اليت تواجه عامل اليوم االنشغال ابلفانية على
حساب الباقية ( بل تؤثرون احلياة الدنيا .واآلخرة خري وأبقى ) كثريون اليوم
يسيطر عليهم التفكري يف الدنيا لدرجة أنه مل يبقوا لآلخرة شيئاً ،ومثة جناحات
كبرية يف قضااي الدنيا ولكنها يف مرات كثرية على حساب تلك الدار .ومن
آاثر هذا املعىن من يتاجر وينافس بقوة ويعرف كل شيء عن إدارة املال
واإلبداع يف زايدته وهو يف ذات الوقت ال يعتين أبمر آخرته يف شيء فقد جيمع
من حرام ،أو راب ،أو غش مث ال ينظر إال إىل تلك الزايدات اليت يكاثر هبا
حسابه ،ويف املقابل قد يكون حريصاً على مجع األموال ومتفنناً يف مجعها
ومن طرق مباحة ولكنها تبقى مك ّدسة عن اإلنفاق يف سبيل هللا تعاىل فيبقى
أشقى من يكون بذلك املال .ومن فقه آخرته وما أعد هللا تعاىل له يف تلك
الدار صنع لنفسه شيئاً وأقبل عازماً صادقاً وخلّف الدنيا وراء ظهره وكتب
حظه أوىف ما يكون يف الدارين .
...
سورة الغاشية
• علمتين سورة الغاشية :أن من أراد بناء مستقبله بوعي فعليه أن يبدأ من خالل
الوحي ،وهذه النهاايت اليت تكشفها سورة الغاشية للمهتدين والضالني واحدة
من تفاصيل تلك اهلداية اليت ميلكها الوحي ،ومن أتمل هذه النهاايت اليت
يسردها الوحي للضائعني ( هل أاتك حديث الغاشية .وجوه يومئذ خاشعة .
عاملة انصبة .تصلى انراً حامية .تسقى من عني آنية .ليس هلم طعام إال
من ضريع .ال يسمن وال يغين من جوع ) عرف ما ينتظر كل إنسان يف
النهاايت ! تعرض لنا السورة حال املفرطني يف صناعة مستقبلهم الضائعني يف
النهاايت وحتكي لنا حاهلم يف النار :وجوه خاشعة ذليلة متعبة جمهدة مكبلة
ابلسالسل ومقيدة ابألغالق ويف انر جهنم ،يشربون من عني بلغ ماؤها غايته
يف احلرارة ،وأيكلون أخبث الطعام وأنتنه ال يسد جوعاً وال يسمن من شيء.
وتعرض لنا يف املقابل تلك األفراح اليت تتهادى إىل قلوب الفائزين الناجحني
( وجوه يومئذ انعمة .لسعيها راضية .يف جنة عالية .ال تسمع فيها الغية
.فيها عني جارية .فيها سرر مرفوعة .وأكواب موضوعة .ومنارق مصفوفة
.وزرايب مبثوثة ) وما قارئ هلذه األحداث إال آخذ منها العرب !
...
• وعلمتين :أن التفكر يف خملوقات هللا تعاىل وسيلة من وسائل اهلداية إىل هللا
تعاىل ( أفال ينظرون إىل اإلبل كيف خلقت .وإىل السماء كيف رفعت .وإىل
اجلبال كيف نصبت .وإىل األرض كيف سطحت ) ومن أعطى هذا اخللق
بعض وقته وتفكريه دله على هللا تعاىل من أقرب الطرق ! وهذه الوسيلة إحدى
وسائل التعرف على هللا تعاىل وتعظيمه وإجالله ،وقد دلنا هللا تعاىل يف مجلة
آايت من كتابه تعاىل على التفكر والتدبر يف شأن هذا اخللق ،وكم من متعظ
مبشهد واحد من تلك املشاهد ! وكم من معرض وقد رأى ألف مشهد ،وما
صنع يف قلبه شيء من الذكرى !
...
• وعلمتين :أن مسؤولية الداعي إىل هللا تعاىل إيضاح احلق بدليله وبراهينه
ووسائله املمكنة والفاعلة يف ذات الوقت ،وما عدا ذلك فمرده إىل هللا تعاىل
( إنك ال هتدي من أحببت ولكن هللا يهدي من يشاء ) وحسب الداعية بذل
املمكن وحركته الفاعلة يف واقعه وجهده يف سبيل إبالغ دين هللا تعاىل بكل
طريق وأال يدخر جهداً سواء يف أتهيل نفسه وإعدادها هلذه املهمة الضخمة
أو يف اختيار الطريق األمثل لوصول هذه املعاين إىل قلوب املدعوين مث ليس
له بعد ذلك من شيء .إن مهمة الداعية سواء كان أابً يف بيته أو زوجاً مع
زوجه أو معلماً يف مدرسته وحلقته أو إمام مسجد ،أو مربياً يف حمضن من
احملاضن إيصال مفاهيم الوحي أبجنح الطرق واألساليب مث يرتك ما بقي لربه
تعاىل (فذ ّكر إمنا أنت مذكر .لست عليهم مبسيطر ) وخنطئ يف مرات كثرية
جداً حني حنسب عوائدان من هذه الدعوة ،وجنهد يف معرفة الثمار ومن كان
حريصاً على ذلك أوشك أن يقعد عن العمل ولو بعد حني
سورة الفجر
• علمتين سورة الفجر :أن غالب صور الفساد اليت جتري يف اجملتمعات تستمد
تصوراهتا من أمراض ثالثة ( القوة ،والسلطان ،واملال ) وما جيري من بغي
وطغيان يف حياة األفراد فضالً عن اجلماعات واألمم إمنا هو أثر لتلك األمراض!
وشواهد هذا املعىن كثرية ومتعددة يف التاريخ املاضي واحلاضر على حد سواء
ومن أتمل التاريخ وقرأ الوحي وجد أن كل طغيان من األفراد أو اجلماعات
سببه وموقد فتيل الفوضى فيه هي هذه القوى الثالث ،وما قصة أقوام الكفر
اليت جاءت يف كتاب هللا تعاىل من األمم السابقة إال بعضاً من ذلك ،وقد
قال هللا تعاىل يف معرض ذكر عاد ( فأما عاد فاستكربوا يف األرض وقالوا من
أشد منا قوة) وفرعون قال يف معرض االستبداد ( أان ربكم األعلى) متكئاً على
تلك القوى اليت أمده هللا تعاىل هبا ،وقارون حني كثرت خزائنه قال ( إمنا
أوتيته على علم عندي) وما زالت هبم حىت جعلتهم عظة وذكرى للمعتربين!.
ومن فقهك أن تعرف أثر نعم هللا تعاىل عليك ،وتستثمر كل ما آاتك هللا
تعاىل يف عبادته ،ونصر دينه ومنهجه ،مث ال يفتك أن تن ّقب عن أمراضك
تفشى مع األايم
وأخطائك ودخائل نفسك وحترص على عالجها حىت ال ت ّ
وتكون عقبة يف طريق فالحك يف الدارين .
....
• وعلمتين :أن هلل تعاىل عادة مضطردة ال تتخلّف وسنة إهلية ال تتأخر وهي
أنه تعاىل ُميهل كل معارض ،وميد له يف األمد ،وال يعاجله ابلعقوبة حىت إذا
ما أخذ حظه من العربة والذكرى ورفض أن يلوي عنقه للحق أخذه أخذ عزيز
مقتدر وجعله عربة وذكرى للعاملني ،سواء كان ذلك على مستوى األفراد أو
اجلماعات واألمم ال فرق .ترى ذلك يف قول هللا تعاىل (فصب عليهم ربك
سوط عذاب) بعد أن أخذت عاد ومثود وفرعون حظها من الفرص وقامت
عليها العظة واستنفدت كل سبل الذكرى ومع كل ذلك مل يبالوا (فأكثروا فيها
الفساد ) فكانت عواقب السوء يف النهاايت (فصب عليهم ربك سوط
عذاب) مث قال هللا تعاىل حمذراً ومذكراً ومنبهاً أن السنة جارية يف حق كل من
سار على ذات الطريق وصنع ذات البداايت (إن ربك لباملرصاد ) !
...
• وعلمتين :أن فساد التصورات أسوأ ما يواجه اإلنسان ( فأما اإلنسان إذا ما
ابتاله ربه فأكرمه ونعمه فيقول رب أكرمن .وإذا ما ابتاله فقدر عليه رزقه
فيقول رب أهانن ) رأى هؤالء أن زايدة املال ونقصه دليل على رضا هللا تعاىل
أو سخطه ،ومىت كانت زايدة املال أو قلته دليل على رضا هللا تعاىل أو
سخطه! ولكن هكذا يصنع فساد التصورات .ومسألة التصورات يف غاية
اخلطورة ،ومن الوعي أن جيهد اإلنسان يف بناء التصورات الصحيحة يف حياته
،وحيذر غاية احلذر من نشوء أوهام ال عالقة هلا ابحلقائق يف شيء ،ومن
أراد أن يبين تصوراته بصورة صحيحة فال يربح الوحي (قرآانً وسنة ) وسيجد
يف النهاية كل شيء .ومثة قضااي ضخمة يف تفكري اإلنسان دخلها الفساد
من خالل وسائل التواصل االجتماعي أو أصدقاء سوء أو مواقع مشبوهة سواء
كانت يف دين اإلنسان أو فقهه عن احلياة أو تعامله مع اآلخرين أو نظرته
للواقع وكل هذه اجلوانب ما مل تُعرض على خارطة الوحي سيكون صاحبها
عرضها للضالل مع مرور األايم .
...
• وعلمتين :أن بناء مستقبلك الكبري ال أييت من خالل أماين وإمنا حيتاج إىل
عمل وجهد كبري يناسب تلك األماين اليت تتوق إىل إحداثها .لقد حكت
سورة الفجر مجلة من األماين ألصحاهبا ولكن بعد الفوات ! (وجيء يومئذ
أىن له الذكرى .يقول اي ليتين قدمت حليايت)جبهنم يومئذ يتذكر اإلنسان و ّ
وما تنفع األماين بعد الفوات ! وما تصنع لصاحبها وقد أضاع كل شيء .كم
هي الفرص اليت تعرض إلنسان يف الدنيا وقد تفوت بال عودة! الشباب والفراغ
والصحة والوظيفة واملكانة وبسط الرزق ومجلة من املهارات واإلمكاانت
والطاقات اليت جتري يف حياة كثريين مل تستوعب بشكل أمثل ورمبا يفوت
استثمارها على كثريين وكان ميكن للواحد أن يصنع منها كل شيء ،بل احلياة
يف ذاهتا فرصة ضخمة لصناعة آمال اآلخرة أبوسع ما يكون لو أدرك صاحب
وعي .
سورة البلد
• علمتين سورة البلد :أن جنس اإلنسان خملوق يف كبد وعناء ومشقة ،وهذا
القسم من ربك مبخلوقاته (ال أقسم هبذا البلد .وأنت حل هبذا البلد .ووالد
وما ولد) على تقرير هذه القضية ( لقد خلقنا اإلنسان يف كبد ) ! ومعرفة
متحسر
ّ هذا املعىن مفض بصاحبه إىل الراحة والطمأنينة واالستقرار ،وكم من
على واقعه حيسب أن غريه يف لذائذ ال ينفك عنها وفاته أن هذا األصل جيري
يف حياة كل إنسان حبسبه .مشكلة كثريين اليوم أنه يفوهتم هذا الوعي الذي
تقرره السورة ويفوهتم بذلك كثري من االستقرار والطمأنينة حني يرون أبن غريهم
يعيش يف أحالمه وجيري يف فلك سعادته وليس لديه ما يواجهه من شقاء وهم
يعيشون يف نكباهتا وجيدون من مضها وأملها ما جيدون ! وليس األمر كذلك
وكل يف فلكه جيده منها ما جيد غريه ال فرق ،وإذا كان األمر كذلك فمن
كمال عقلك ووعيك أن ختلّي بينك وبني قلبك ،وأن ترى احلياة من هذا
املنظار وتفرح بكل ما جتده يف عرض الطريق ،وحتمد هللا تعاىل على ما آاتك
وتعلم يقيناً أن هللا تعاىل حجب عنك ما فيه مضرة عليك أو ليس من
مصلحتك وحالك بدونه أفضل وأمجل وأسلم لك يف العواقب مع األايم وحتمد
هللا تعاىل على كل حال .
...
• وعلمتين :خطر األوهام يف حياة الناس ،وأهنا قاعدة كثري من األخطاء
واإلخفاقات اليت يواجهها اإلنسان يف حياته كصورة هذا الذي يسيء يف حق
ربه تبارك وتعاىل ويظن أنه يف منأى عن ربه ومبعزل عن رقابته فيجري يف فلك
احلياة كما يشاء ( أحيسب أن لن يقدر عليه أحد .يقول أهلكت ماالً لبداً
.أحيسب أن مل يره أحد ) بلغت به األوهام للدرجة اليت يفضي فيها إىل حمارم
هللا تعاىل ويظن أنه ال رقيب وال حسيب على ما يفعله ،بل ال قدرة هلل تعاىل
عليه ،ويعبث أبمواله يف معاصي ربه ويظن ومهاً كذلك أنه يتصرف بعيداً عن
علم هللا تعاىل ورقابته ،وفاته أن هللا تعاىل يرى كل شيء ويرصد له كل حركة
وال يتخلف عن علم هللا تعاىل يف شيء ولكن ُجيري عليه السنن وهو يف غفلة
من شأنه .كم من إنسان يعارض حكم هللا تعاىل ويقف يف وجه دينه ومنهجه
وتتأخر عقوبته ويظن أنه يف الطريق الصحيح وقد أوشك على اهلالك ! وكم
من إنسان يتخلف عن واجباته ويسيطر عليه وهم أبن األمر يف ذلك بسيط
وال يتطلب هذا القلق وقد شارف على الضياع ! فضالً عن كثريين جتري
األوهام يف حياهتم يف كل شيء ويظنون أهنم على احلقائق يف كل شيء.
...
• وعلمتين :أن نعم هللا تعاىل على اإلنسان كثرية ومتنوعة وهي أحوج ما تكون
إىل شكر وإجالل ( أمل جنعل له عينني .ولساانً وشفتني .وهديناه النجدين)
وقال تعاىل ( وما بكم من نعمة فمن هللا ) وقال تعاىل ( وإن تعدوا نعمة هللا
ال حتصوها ) ولو مل يكن من ذلك إال هذا البصر الذي ترى به كل شيء ،
وكم من أعمى يضيع يف الطريق ألف مرة ،ويشتهي أن يرى ولو للحظة !
فضالً عن هذا اللسان الذي يفصح به عن شهواته وملذاته واحتياجاته ،وكم
من أبكم حيتاج إىل زمن ليوصل لك رسالة ويبني لك عن حاجه وقد ال ينجح
يف شيء من ذلك ويعود وقد جرى يف قلبه ألف أسى ! إن من فقه صاحب
النعمة وكمال وعيه أن يتعرف على هذه النعم وجيهد يف توظيفها التوظيف
ويتقوى هبا على طاعة هللا تعاىل وحيذر غاية احلذر أن تكون جزءاً مناألمثل ّ
ظالم أو عوانً على رذيلة يف يوم من األايم .
• وعلمتين :أن التكاتف والتعاضد والتناصر والتحاض على فضائل األمور
سيما اجملتمعات الناهضة ( فال أقتحم العقبة .وما أدراك ما العقبة .فك رقبة
.أو إطعام يف يوم ذي مسغبة .يتيماً ذا مقربة .أو مسكيناً ذا مرتبة ) ويف
البخاري من حديث سهل بن سعد رضي هللا عنه قال صلى هللا عليه وسلم
( أان وكافل اليتيم يف اجلنة كهاتني) وأشار أبصبعيه السبابة واإلهبام .ويف
الصحيحني من حديث أيب هريرة رضي هللا عنه قال صلى هللا عليه وسلم
(الساعي على األرملة واملسكني كاجملاهد يف سبيل هللا تعاىل ،أو القائم الليل
الصائم النهار ) وهذه املعاين من فروض الكفاايت اليت ال جيوز لألمة تركها
البتة .وحضارة األمة مرهونة ابلتعاون يف مثل هذه اجلوانب وسد فقر هذه
الفئات وإعانتها على احلياة الكرمية والتعاضد معها والتناصر حىت تستغين بذاهتا
يوماً من الدهر.
سورة الشمس
• علمتين سورة الليل :أن اختالف النتائج يف الدارين وقف على اختالف العمل
( إن سعيكم لشىت ) كم هم الذين يدركون هذه احلقيقة ! وكم هم الذين
يتفاعلون معها ! وعلى قدر هذا العمل ستكون نتائج اخلتام ،وهلذا املعىن جتد
يف كتاب هللا تعاىل ( وسابقوا) ( ،وسارعوا ) ( ،فاستبقوا اخلريات ) ويف
البخاري أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال ( إن أهل اجلنة يرتاؤون أهل الغرف
من فوقهم كما يرتاؤون الكوكب الدري الغابر يف األفق من املشرق والغرب
لتفاضل ما بينهم ) قالوا ايرسول هللا تلك منازل األنبياء ال يبلغها غريهم ،قال
( بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا ابهلل وصدقوا املرسلني ) ومن هذا الباب
كانت تلك األجيال اليت عاشت مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم تستشعر
هذا املعىن وتبذل يف سبيله كل ممكن حىت قال أبو بكر رضي هللا تعاىل عنه
(وهل على أحد من حرج أن يدخل من أبواب اجلنة الثمانية كلها ؟ فقال
صلى هللا عليه وسلم ( ال ،وأرجو اي أاب بكر أن تُدعى من أبواب اجلنة الثمانية
كلها) ،واهتز عرش الرمحن ملوت سعد بن معاذ وعمره يف اإلسالم ست
سنوات ،وأنفق عثمان رضي هللا عنه ماله حىت قال له رسول هللا صلى هللا
عليه وسلم ( ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم ) فكن واعياً بقدر زمانك وإن
استطعت أال يسبقك أحد اجلنة فافعل فتلك هي صنائع الكبار .
...
• وعلمتين :أن جناح اإلنسان وحتقيق آماله وقف على اخلطوة األوىل .ومثل
ذلك إخفاقه وفشله وقف على ذات املعىن ،قال تعاىل (فأما من أعطى واتقى
وصدق ابحلسىن ) فهذا الذي بذل وابدر وقام إىل صناعة واقعه متفائالً كانت
النهاية له ( فسنيسره لليسرى ) اليسرى يف قلبه ومشاعره ،واليسرى يف بيته
وزوجه وولده ،واليسرى يف عمله وفكرته ومشروعه ،واليسرى يف ماله وراتبه
،واليسرى يف كل شيء من حياته .واآلخر الذي رفض فكرة اخلطوة األوىل
وبني حاله
وقعد ينتظر غيث السماء دون جهد وعناء حكى هللا تعاىل واقعه ّ
وهنايته ( وأما من خبل واستغىن .وكذب ابحلسىن ) فالنتيجة اليت تنتظره
(فسنيسره للعسرى) العسرى يف قلبه ومشاعره ،والعسرى يف بيته وزوجه وولده
،والعسرى يف عمله وفكرته ومشروعه ،والعسرى يف ماله وراتبه ،والعسرى
يف كل شيء من حياته .والدرس الكبري أنك أنت من تصنع ربيع أايمك ،
وأنت يف ذات الوقت من يقف دون تلك األماين الكبار .وكم من خطوة
فتحت أبواابً لألمل ! وصنعت فأالً يف واقعك ! وكمن من خطوة بددت نعماً
،وأاثرت مشكالت ،وصنعت واقعاً بئيساً يف حياة صاحبها زمناً من الدهر!
...
• وعلمتين :أن من فقه اإلنسان وكمال وعيه أن تكون قدراته وطاقاته ومهاراته
وإمكاانته يف سبيل دينه ومنهجه وعقيدته ،ومامل تكن يف ذلك الطريق فهي
دليل شقاء صاحبه وضياعه يف الدارين ( وما يغين عنه ماله إذا تردى) وما
يصنع لك عقلك وفكرك ومالك ومهارتك وقدراتك إذا مل تكن يف الطريق إىل
هللا تعاىل ! كان هذا ميلك ماالً ولكنه عاش شحيحاً به فال يصنع له يوم
القيامة موقعاً ،وال يدفع عنه يف تلك املواقف شيئاً .كم من مال وقدرات
ومهارات وإمكاانت كانت احلياة الكربى لصاحبها ! وكم من مال وقدرات
ومهارات وإمكاانت يف املقابل كانت ضياعاً وفوضى ! كم هي عوائد الوعي
على أيب بكر رضي هللا عنه ! وعوائد املال على عثمان رضي هللا عنه ! وعوائد
أيب رضي هللاالعلم على معاذ رضي هللا عنه ! وعوائد كتاب هللا تعاىل على ّ
عنه ! وكم هي يف املقابل عوائد املسؤولية واملال على أيب جهل وأيب هلب
وآخرين ذهبواً رغم كل ما ميلكون حطباً للنار ،وهللا املستعان ! تعرف على
ما متلك من ثروات ضخمة مث ابلغ جهدك يف بناء صرحك هبا ما استطعت
إىل ذلك سبيالً وهللا يتوالان وإايك يف الدارين .
...
• وعلمتين :أن اإلخالص هلل تعاىل أعظم األعمال بل هو لبها وروحها وأثرها
يف الدارين ! وهذا الثناء العاطر على أيب بكر الصديق رضي هللا تعاىل عنه
حول ماله وكل شيء من حياته لصاحل دينه ومنهجه ال يبتغي بذلك والذي ّ
ثناءً من أحد من العاملني ( وسيجنبها األتقى .الذي يؤيت ماله يتزكى .وما
ال أحد عنده من نعمة جتزى .إال ابتغاء وجه ربه األعلى ) وأتيت النهاايت
هبذه النتائج الضخمة ( ولسوف يعطيك ربك فرتضى ) ومن أراد هللا تعاىل
خالصاً جرت له أحداث احلياة كما يشاء .وشأن اإلخالص عظيم ،والرايء
أخطر األمراض وأضرها على عملك يف الدارين ،ويف احلديث أن أول ثالثة
تسعر هبم انر جهنم يوم القيامة ( اجملاهد ،وحافظ القرآن ،واملتصدق) وكلّ
ذلك ألهنم أرادوا هبذه األعمال عاجل احلياة وفاهتم رجاء ما عند هللا تعاىل .
ومن فقهك وكمال وعيك أن تتخلّص من شوائب دنياك وأن تقبل على هللا
تعاىل يف عملك ،وأال ترجو أحداً من العاملني يف شيء وعملك أمثن من أن
يذهب سدى لعارض الرايء .
سورة الضحى
• علمتين سورة الضحى :حب هللا تعاىل لنبيه صلى هللا عليه وسلم ورعايته له
ترى ذلك من خالل هذه السورة اخلالصة له صلى هللا عليه وسلم خيربه هللا
تعاىل فيها أبنه يرعى مشاعره ويواجه الباطل عنه ويذود عنه أعداءه من حوله
ويسليه مبا أعد له يف الدارين ( والضحى .والليل إذا سجى .ما ودعك ربك
وما قلى .ولآلخرة خري لك من األوىل .ولسوف يعطيك ربك فرتضى )
وهي دعوة لكل مؤمن أن يسلك ذات الطريق ليلقى يف النهاية ذات النعيم
وجتري عليه ذات األحداث .إن حاجة اإلنسان إىل ربه فوق كل حاجة ولكن
بلوغ آماله من تلك احلاجة ال أييت ابألماين وإمنا حتتاج إىل جهد وعناء حىت
تبلغ بصاحبها إىل ما يريد ،وقد أابنت السورة كيف أن هللا تعاىل إذا رضي
على إنسان أعطاه ! وإذا أعطاه أدهشه بذلك العطاء!
...
• وعلمتين :أن الرد على األقاويل الباطلة واحلجج الواهية واملقاالت الكاذبة
جزء من منهج القرآن .لقد توىل هللا تعاىل دحض حجج املكذبني الضالني
واملفرتين على نبيه صلى هللا عليه وسلم بقوله تعاىل ( ما ودعك ربك وما قلى)
كما يف الصحيحني من حديث جندب بن عبد هللا رضي هللا عنه قال اشتكى
صلى هللا عليه وسلم فلم يقم ليلتني أو ثالاثً فجاءت امرأة فقالت اي حممد :
إين ألرجو أن شيطانك تركك مل أره قربَك منذ ليلتني أو ثالاثً ،فساله هللا
تعاىل هبذه السورة اليت َسلّت كل عناء وأمل من قلبه وألقت به لألفراح ،وال
يقوم احلق يف مرات كثرية إال على دحض شبه أهل الباطل وتقويضها من
األصل وردمها على هامة صاحبها ! وحنن يف زمن انتشرت فيه الشبه وكالم
أهل الباطل واألوهام وحياول العدو جاهداً يف هدم تصورات احلق وإبداهلا
بتصورات الباطل واحلاجة ملحة إىل طالب علم ينقضون تلك احلجج ويبنون
لإلسالم عروشاً للمجد من خالل ذلك على أال تكون هي األصل أو أتخذ
أكرب من حجمها وأال ينشغل هبا اإلنسان عن إدارة أولوايته الكربى يف احلياة.
...
• وعلمتين :أن من وعي املؤمن تذ ّكر املاضي واالستفادة من توظيفه يف مستقبل
األايم ،حني امنت هللا تعاىل على نبيه صلى هللا عليه وسلم بقوله (ما ودعك
من هللا تعاىل عليه يف سالف دهره وأول أايمه بقوله ربك وما قلى ) ذ ّكره مبا ّ
تعاىل ( أمل جيدك يتيماً فآوى .ووجدك ضاالً فهدى .ووجدك عائالً فأغىن )
وهذا املعىن مهم ومؤثّر يف بناء اإلنسان لذاته وعنايته ببناء مستقبله وذ ّكره هللا
تعاىل مبا جيري يف مستقبله بناء على ماضيه الذي عاشه ( فأما اليتيم فال تقهر
.وأما السائل فال تنهر) كأنه يقول له لقد عشت هذه املعاين وجرت يف أايمك
األول ومن فقهك أن تبقى على خاطرك فإن ذلك أبلغ يف حتقيق رسالتك
وبلوغ آمالك مع اآلخرين ،وكان كذلك صلى هللا عليه وسلم يف تعامله مع
كل هؤالء دون استثناء .وكل إنسان مسؤول عن تذ ّكر املاضي ابلدرجة اليت
توقظه لبناء مستقبله ال اليت تعيقه وتسهم يف ختلفه مع األايم .
...
• وعلمتين :أن احلديث عن نعم هللا تعاىل من ابب الشكر كمال وعي ،لقد
أمر هللا تعاىل نبيه صلى هللا عليه وسلم أن حي ّدث بنعمه عليه من ابب الشكر
وإجالل النعم والقيام حبقها وتوظيفها التوظيف األمثل يف حياته وليس من
ابب االمتنان الشخصي لذاته ،وهذا فقه وكمال وعي وكلما أفضى بك
ورزقت خشية احلديث عن نعم هللا تعاىل إىل إجالهلا وتعظيمها وعدم نسياهنا ُ
وإخبااتً وصدقاً مع ربك تعاىل كانت أدعى لتديل الثمار قبل أواهنا ،وحتذر
يف املقابل أن جتري على لسانك صورة وشكالً وقلبك منطو على أن ذلك
دليل قدرتك وتفوقك ومتيزك على من حولك فإن ذلك ابب سوء مثلك أوعى
أن جيري بك الشيطان يف فلكه يوماً ما ،وإايك املهلكات الثالث ( أان ،يل
،وعندي ) فمثلك أوعى أن جتري يف فلكها وقد ذهب أصحاهبا عربة يف
التاريخ .
...
سورة الشرح
• علمتين سورة الشرح :عناية هللا تعاىل برسوله صلى هللا عليه وسلم ترى ذلك
من خالل شرحه لصدره ،ووضع أوزاره عنه ،ورفع ذكره ( أمل نشرح لك
صدرك ،ووضعنا عنك وزرك .الذي أنقض ظهرك .ورفعنا لك ذكرك ) وما
ذا بقي له صلى هللا عليه وسلم بعد هذا اللطف والرعاية واإلكرام اليت لقيها
صلى هللا عليه وسلم من ربه تبارك وتعاىل ،فاهلل تعاىل إذا أعطى أدهش !
وإذا رضي على إنسان أعطاه كل شيء ! وفتح له أبوابً من النعيم ال تغلق
مدى احلياة ! ومن أراد هذه املعاين فليحسن صلته ابهلل تعاىل ،وليصدق يف
الطريق إليه ،وليحسن اإلقبال عليه وستجري عليه ذات املعاين ،وسيجد
حياة ما كانت له على ابل! ليس بني هللا تعاىل وبني خلقه نسب وهذه املنح
جتري لكل إنسان على قدر صدقه مع ربه تعاىل وقيامه حبظوظ العمل ،وقد
كان صلى هللا عليه وسلم يصلي حىت تنتفخ قدماه من طول القيام وتناصحه
عائشة رضي هللا تعاىل عنه فيقول :أفال أكون عبداً شكوراً ! وكان يصوم حىت
يقال ال يفطر ،وكان أجود ما يكون بوقته وماله وفكره وحياته كلها يف سبيل
هللا تعاىل ،ومن سار على ذات الطريق وصل يوماً من الدهر .
...
• وعلمتين :أن للذنوب أثقال وأمحال ! فمن مجلة املنن اليت امنت هللا تعاىل هبا
على عبده ورسوله حممد صلى هللا عليه وسلم أن وضع عنه ذنوبه ،وخفف
عنه أثقاهلا ،وألقى عنه أمحاهلا ( ووضعنا عنك وزرك .الذي أنقض ظهرك)
ومن املعلوم أن األنبياء معصومون من الكبائر واخليانة وتقع منهم صغائر
الذنوب أو خالف األوىل ومع ذلك أخرب هللا تعاىل أنه كانت كاألثقال على
ظهره صلى هللا عليه وسلم فكيف أبصحاب الكبائر ! ومن هذا املعىن قال
احلسن ملن سأله عن رغبته يف قيام الليل وعدم قدرته على ذلك قال :قوم
كبلتهم معاصيهم عن طاعة هللا تعاىل .اهـ كم من حمروم عن صالة اجلماعة
ال يستطيع النهوض من فراشه ! وكم من سامع ألحداث القرآن يف حياة
كثريين وال يستطيع أن ميد يده إليه ! وكم من ميلك ماالً ولكنه يقف مغلول
اليد عن اإلنفاق ! وكم من إنسان تتقطع نفسه حسرات على كثري من األعمال
الصاحلة وميوت ألف مرة دوهنا .ومن الفقه والوعي إذا رأيت من نفسك أتخراً
عن طاعة ،وثقالً عن خري ،وتباطؤ يف صاحل من األعمال فأدرك نفسك
فإمنا هذه صناعة املعاصي ألقت أبمحاهلا على قلبك حىت أبقتك حمروماً من
كل شيء .
...
• وعلمتين :أن كل عسر مقابل بيسريين ،يسر قبله ويسر بعده ذلك أن هللا
عرفاً مرتني فهو عسر واحد ال اثين له ،وذكر اليسر منكراً
تعاىل ذكر العسر ُم ّ
مرتني فهما يسران ،ولن يغلب عسر يسرين ( فإن مع العسر يسراً .إن مع
العسر يسراً ) فما ضاقت أزمة إال انفرجت ،وما حلت ظلمة إال زالت ،وما
حدث كرب إال فُرج وإمنا هي أايم مث حتني مواعيد الفرح من جديد .كم لقي
النيب صلى هللا عليه وسلم وأصحابه يف مكة من تعذيب وطرد وحصار وأايم
بؤس وكلها اجنلت يف حلظة من حلظات غزوة بدر وجاء الفجر بعد ليل طويل!
وكم هي أفراح بدر مقارنة أبفراح فتح مكة يف النهاايت ودخول الناس يف دين
هللا تعاىل أفواجاً ! وكم هو الفرق بني أايم اهلجرة اليت خرج فيها من مكة طريداً
شريداً ُمتَابعاً وبني واللحظة اليت دخل فيها مكة منتصراً مغموراً ابألفراح ! ولو
أن بعضنا نظر لظروفه وأايمه اليت مرت لوجد هذه احلقائق رأي عني .كم من
ضال اهتدى بعد طول أمد من العناد والفوضى ! وكم من مديون أصبح اتجراً
بعد طول انتظار ! وكم من غربة أفضت بصاحبها إىل لقاء األفراح بعد سنني!
وما حل كرب وال ضيق وال عسر إبنسان إال كان على وعد مع احلياة أقرب
ما تكون .
...
• وعلمتين :أن الصلة ابهلل تعاىل واإلقبال عليه من أعظم ما تعني صاحبها
على تكاليف احلياة .إذا واجهتك الفنت ،وضاقت عليك الظروف ،وقل
املعني ،ومل جتد من أيخذ بيدك فتوجه إىل ربك تعاىل وأحسن صلتك به ،
ومد يدك إليه وكرر (ايرب) وستأيت على كل أمانيك وإن طال زمان ذلك
االنتظار ،أال ترى أن هللا تعاىل أشار إىل نبيه صلى هللا عليه وسلم هبذا املعىن
الكبري فقال تعاىل ( فإذ فرغت فانصب .وإىل ربك فارغب) ! لنتعلم يف كل
مرة أن طاعتنا هلل تعاىل ،وإقبالنا إليه ،وإصالح واقعنا معه تعاىل هو الطريق
األوسع ألفراحنا يف مستقبل األايم .ومن أصلح ما بينه وبني هللا تعاىل أصلح
هللا تعاىل له كل شيء قال تعاىل ( من عمل صاحلاً من ذكر وأنثى وهو مؤمن
فلنحيينه حياة طيبة ) حياة طيبة يف قلبه ومشاعره وبيته وعمله ومشروعه وكل
شيء يف حياته ،وال طريق إىل هذا املعىن الكبري إال من طريق هللا تعاىل وما
عداه فضياع .
...
سورة التني
• علمتين سورة التني :عناية هللا تعاىل ابإلنسان وإبداعه خللقه وتكرميه له وهذا
القسم أبماكن الرساالت ( والتني والزيتون .وطور سينني .وهذا البلد األمني)
فالقسم ابلتني والزيتون قسم أبرض فلسطني مكان إنباته وهي األرض اليت
بُعث فيها عيسى عليه السالم ،والطور طور سيناء الذي انجى هللا تعاىل
عنده كليمه ونبيه ورسوله موسى عليه السالم ،والبلد األمني مكة اليت بُعث
فيها نبينا صلى هللا عليه وسلم دليل هذا التكرمي الكبري ،وقد جعلك هللا تعاىل
مناط الرساالت كلها ،وكرمك ابلعقل ،وبعث إليك رسله وأنزل إليك كتبه
كل ذلك لتحقيق اخلالفة ( إين جاعل يف األرض خليفة) واستعمار األرض
والقيام حبضارهتا ( واستعمركم فيها ) فانظر لنفسك أين أنت من هذه املعاين
الكبار ! وما دورك يف حتقيق اخلالفة اليت تقوم هبا بعد أبيك آدم عليه السالم
.وكل إنسان سريد على ربه تعاىل وكل األسئلة اليت تتعلق بنجاته وفوزه وتكرميه
ابلنعيم وقف على هذه املعاين العظيمة يف كتاب هللا تعاىل .
...
• وعلمتين :أن الشباب سيعود إىل كرب ،والصحة إىل مرض ،والقوة إىل
ضعف ،واحلياة إىل موت ،والفراغ إىل شغل ،واملمكن إىل غري ممكن ( مث
رددان أسفل سافلني ) وهذه املعاين موجبة الستثمار اإلنسان حلياته وصحته
وشبابه وأوقاته قبل فواهتا .كم مرة رأيت ُمسنّاً يتوكأ على عصاه بعد أن كان
جيوب األرض كما يشاء ! وكم مرة رأيت شيخاً ال يستطيع أن يسقي نفسه
شربة ماء وهو إىل جانبه فضالً على أن يقوم مبصاحله األخرى بعد أن كان
عوانً يف ملمات جمتمعه ورأساً يف تفريج امللمات ! وهذه الصور يراها اإلنسان
يف كل حلظة من حياته وأقرب ما تكون إليه يف بيته أو جمتمعه وهو أحوج ما
يكون فيها للذكرى .ومن الفقه وكمال الوعي أن يستدك اإلنسان أايم شبابه
وصحته وقوته وفراغه ويبعث فيها احلياة ،وليكن يف فكره يف كل حلظة ما
جاء يف البخاري من حديث أيب موسى األشعري رضي هللا عنه قال ،قال
صلى هللا عليه وسلم ( إذا مرض العبد أو سافر ُكتب له مثل ما كان يعمل
صحيحاً مقيماً ) .
...
• وعلمتين :أن مثة غاية كربى للخلق ،وسر ضخم لوجودهم يف احلياة وكل
خملوق جاء لغاية وهو مسؤول عن حتقيقها قبل رحيله من الدنيا ،ولذا تناقشه
هذه السورة وتسائله وتُذ ّكره ( فما يكذبك بعد ابلدين ) ! ما الذي حيملك
على إنكار البعث واجلزاء وقد رأيت احلقائق رأي عني ! مث يدله هللا تعاىل
ويلفت نظره إىل قضية أخرى ( أليس هللا أبحكم احلاكمني ) ! فإن هذا اخللق
البديع يف الكون ،وتلك املعامل املدهشة يف كل زاوية من زوااي الدنيا كلها تدل
على كمال علمه وحكمته ( أليس هللا أبحكم احلاكمني ) ومن أرخى لعقله
التفكر يف هذا الكون الفسيح دله على هللا تعاىل من أقرب طريق وقد قال
األعرايب :إن البعرة تدل على البعري ،وإن األثر يدل على املسري ،ومساء ذا
أبراج ،وأرض ذات أتراب إهنا لتدل على اللطيف اخلبري ! ولو أن كل عاقل
أقبل على فقه شريعته لرأى فيها من التجانس واإلبداع ما أفاض عليه إجالل
ربه تعاىل ،وتقديس شعائره ،وتعظيم أمره ،و قيامه حبقوقه يف كل شيء .
وكم من قليل عقل رقيق دقيق يعرتض اليوم على شريعة هللا تعاىل ومنهجه ،
ويصفه أبنه ال يليب حاجة الناس ،وال يتماشى مع حضارة األمة ،ويقف يف
وجه التنمية ،ويعرتض على مجلة من أحكامه تعاىل وهو العلي العظيم ! ولو
سلم قلبه وعقله وأنصف ألخذته الدهشة يف كل شيء ولكنه اخلذالن !
سورة العلق
• علمتين سورة العلق :أن الع ْلم من أعظم املنن على خملوق ،وكل إنسان ويؤتى
من حظوظ احلياة على قدر حظوظه من العلم ،ولو مل يكن يف شأن العلم إال
أنه أول كلمة يف كتاب هللا تعاىل (اقرأ) لكان كافياً ! لقد امنت هللا تعاىل
اإلنسان بتعليمه له الكتابة ابلقلم قال تعاىل ( :اقرأ ابسم ربك الذي خلق .
خلق اإلنسان من علق .اقرأ وربك األكرم .الذي علّم ابلقلم .علّم اإلنسان
مامل يعلم) وحياة الواحد منا وقف على هذا املعىن الكبري ! حني نقرر أن نقرأ
ونتعلم فنحن نقرر أن حنيا حياة أخرى من خالل خلق تلك العادة يف واقعنا
،وإذا بدأ اإلنسان ابلوحي كتاابً وسنة بدأ سلم الطريق من أوله وأصله وحقيقته
وتعرف
أج ّل شريعته ّ وتعرف على ربه تعاىل ،وعرف واجباته ،وقام حبقوقه ،و َ ّ
كذلك على رسوله صلى هللا عليه وسلم معرفة تدفعه للعمل واحلياة والبناء ،
وعرف كيف أييت على آماله من خالل هذه املعاين يف كتاب هللا تعاىل وسنة
رسوله صلى هللا عليه وسلم .وكل فرد وأسرة وجمتمع ودولة وأمة جيب أن تضع
قضية العلم يف ُسلّم أولوايهتا وأهم قضاايها ألن الوجه املقابل للتعليم هو اجلهل
واألمية والظالم واألوهام والفوضى والضياع .
...
• وعلمتين :أن اعتداد اإلنسان بنفسه وإعجابه بقدراته ومهاراته وطاقاته
وإمكاانته من أسوأ ما يواجهه يف حياته .فهذا الشقي الضال ( أبو جهل)
إمنا واجه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وكان خصم الدعوة يف ذلك احلني
وألد أعدائها وخصومها طيلة حياته أثر من تلك األمراض اليت أصابت قلبه
تصور أنه صاحب القرار يف أرض هللا تعاىل ،قال تعاىل ( كال إن اإلنسان
حىت ّ
ليطغى .أن رآه استغىن .إن إىل ربك الرجعى ) ،ومن الوعي أن يتعرف كل
فرد على شخصيته وأن يبين منظومة أفكاره ومفاهيمه من خالل الوحي ،
ويتعرف يف املقابل على أمراض قلبه معرفة دقيقة مث جيهد يف عالجها حىت
يسلم من آاثرها يف مستقبل األايم .وكم هي األمراض اليت تواجه اإلنسان
اليوم وتقف عائقاً يف وجه حضارته وتقدمه وسداً منيعاً أمام بناء مستقبله وهو
أحوج ما يكون لعالجها يف أقرب األوقات وأعجلها إليه ،وكل إنسان فقيه
حباله وأعرف أبمراضه وأقدر على إصالح نفسه قبل فوات األوان.
...
• وعلمتين :سنة هللا تعاىل يف املكذبني الضالني املعارضني لدينه ومنهجه يف
احلياة ،وهذه السنة مل تتخلّف على مر التاريخ ،وقد جرت على األمم واألفراد
واجملتمعات على حد سواء ،وقد قص هللا تعاىل يف كتابه ما جرى لألفراد
كفرعون وقارون وهامان ،وما جرى لألمم كقوم نوح وعاد ومثود كدليل شاهد
على هذا املعىن الكبري .وهو درس لكل معارض ملنهج هللا تعاىل أن خصمه
ربه تعاىل وهو الذي سيتوىل ردعه وجزاءه عاجالً أو آجالً فال يَـغُّره إمهال هللا
تعاىل له وإمداده ابلقوة واجلاه والسلطان واملال فإن لكل ذلك أجل تنتهي فيه
مث حيني موعد اجلزاء ( كال لئن مل ينته لنسفعاً ابلناصية .انصية كاذبة خاطئة
.فليدع انديه .سندع الزابنية ) يقول هللا تعاىل إن مل ينته هذا الشقي عن فعله
سنأخذه جمذوابً إىل النار مبقدمة رأسه وإذا صنعنا به ذلك فلينفعه صحبته
وأعوانه وانديه اليت جيتمع به مع املكذبني الضالني .
...
• وعلمتين :أن حسن الصلة ابهلل تعاىل من أعظم ما يو َ
اجه به الباطل وتدار
به معركة احلياة ،وما رزق عبد ثبااتً يف دينه ومواقفه ،وأُعني على إدارة
مشاريعه ،ووفق يف صراعه للباطل مبثل هذا املعىن الكبري ،ومن استقبل هللا
تعاىل وصنع لنفسه أوراداً اثبتة ولزم هذا الباب إال أوشك أن يدخل معه إىل
كل خري ونصر وتوفيق .إن هللا تعاىل يوجه نبيه صلى هللا عليه وسلم يف إدارة
املعركة مع املناوئني إىل أسلم احللول وأكثرها أثراً يف إدارة املعركة وأقرهبا للنصر
والتمكني فيقول له تعاىل ( :كال ال تطعه واسجد واقرتب ) دعك منه وال
تشغل ابلك به وتوجه إىل ربك وأحسن عالقتك به فإن مدد العون والتوفيق
والنصر سيأتيك .وهو معىن لطيف جداً يدعو الواحد منا أن يعيد عالقته
بربه ويرتبها ويستثمر أوقاته كلها أو جلها يف بناء هذا املعىن الكبري وال ينصرف
إىل اهلوامش فينشغل هبا عن أهم األولوايت اليت جيب أن يركز عليها .والناظر
يف حال كثري من قضااي األمة سريى يف أايم األزمات ابلذات جهود كبرية يف
تتبع أخبار تلك املعارك وإحصاءاهتا كل يوم وحني تنجلي غبار تلك األزمة
يصحو اإلنسان فإذا به ضاع منه كل شيء .فما أحوجنا للعودة إىل هللا تعاىل
واإلقبال عليه وصرف كل أوقاتنا يف هذا الطريق الذي ستورق به أرواحنا
وتنشرح صدوران وحتني أايم الربيع يف واقعنا إىل أقصى مدى .
...
سورة القدر
• علمتين سورة القدر عظمة القرآن الكرمي وبيان منزلته ،ترى ذلك يف قوله
تعاىل ( إ ّان ) يف بداية السورة وإسناد اإلنزال إليه تعاىل دليل على تفخيم شأنه
وتعظيم أمره وجاللة قدره ويكفي أنه كالم هللا تعاىل وأنه هو املنزل له وجربيل
هو الواسطة وحممد صلى هللا عليه وسلم هو املتلقي والليلة اليت نزل فيها هي
ليلة القدر ( إان أنزلناه يف ليلة القدر) وكتاب هبذا املعىن الكبري حقيق ابإلجالل
والتعظيم والتقديس ! وجناح األفراد فضالً عن اجلماعات والدول واألمم مرهون
إبقباهلم عليه قراءة وأتمالً وتدبراً وصدورهم يف النهاية عن أفكاره ومفاهيمه
وتصوراته الكربى يف احلياة .
...
• وعلمتين :منزلة ليلة القدر وعظم قدرها وشأهنا عند هللا تعاىل ،وأهنا ليلة
مباركة العمل فيها أبلف شهر وهو ما يعادل أربع ومثانني سنة وبضعة أشهر
،وليلة هذا قدرها ،وتلك منزلتها وشرفها ،وهذه حقائق احلياة فيها حرية
ابإلجالل ،وقد بلغك أن النيب صلى هللا عليه وسلم كان جيلها فيعتكف يف
مسجده يف العشر األواخر ويتحراها يف أواتر تلك الليايل ويف الصحيحني من
حديث أيب هرير رضي هللا عنه قال صلى هللا عليه وسلم ( من قام ليلة القدر
إمياانً واحتساابً غفر له ما تقدم من ذنبه) ويف الصحيحني من حديث عائشة
رضي هللا عنها قالت ،قال صلى هللا عليه وسلم ( حتروا ليلة القدر يف الوتر
من العشر األواخر من رمضان) وأخرب عائشة رضي هللا تعاىل عنها حني سألته
إن لقيت ليلة القدر ما تقول ؟ فقال صلى هللا عليه وسلم تقولني ( :اللهم
إنك عفو وحتب العفو فاعف عين) وإذا أدركت أن تلك الليلة تنزل فيها
املالئكة إىل األرض ،ويشارك جربيل ،وينعتها هللا تعاىل بقوله ( سالم هي
حىت مطلع الفجر ) كانت منك على ابل .
...
• وعلمتين :يسر دين هللا تعاىل ومجاله ومساحته فال يكلف الناس فوق طاقتهم
ويرضى منهم ابليسري ،وتسد نقصه ،وجتعل له من األعمال واألوقات ما
يعينه على استثمار عمره واستدراك الفارط منه بكل طريق ( ليلة القدر خري
من ألف شهر ) وهذا املعىن أوضح ما يكون يف دين هللا تعاىل وقد رفع هللا
تعاىل التكليف عن األمة فقال ( ال يكلف هللا نفساً إال وسعها) ويف
الصحيحني من حديث عائشة رضي هللا عنها قالت ،قال صلى هللا عليه
وسلم ( مه عليكم مبا تطيقون من األعمال ،فإن هللا ال ميل حىت ميلوا ) وهذه
الليلة اليت مين هللا تعاىل هبا على عبادة إمنا هي جزء من كل ،وانفذة على
مجال هذه الشريعة وأانقتها ،ولو نظر اإلنسان متأمالً يف التشريع لعرف كل
شيء ،من ذلك أن هللا تعاىل قصر األركان على مخسة فحسب ،وجعل منها
ركناً واحداً على الدوام ،والصيام يف العام مرة واحدة ،واحلج مرة واحدة يف
العمر وعلى حسب االستطاعة ،ويراعى املريض ويسقط عنه من التكليف
حبسبه ،وإذا سافر العبد أو مرض ُكتب له من العمل ما كان يعمل صحيحاً
مقيماً ،وال يؤاخذه بتصرف خرج عن إرادته وغري ذلك ما يدلك على أهنا
شريعة صاحلة لكل ومان ومكان .
سورة البينة
• علمتين سورة البينة :أن أهل الكفر والضالل مؤمنون بدينهم ومتمسكون
بعقائدهم ومرابطون عليها وغري زائلني عنها مهما كانت احلجج والبينات الدالة
على بطالن ما هم عليه وضالل ما هم فيه ،وهذا يف األغلب األعم وإال
ففيهم من إذا ابن له احلق وانكشف له زيف ما هو يف من الباطل خلّفه وراء
ظهره وأقبل على هللا تعاىل وصنع لنفسه موقعاً وكتب حظه من اإلسالم ( مل
يكن الذين كفروا من أهل الكتاب واملشركني منفكني حىت أتتيهم البينة ..وما
تفرق الذين أوتوا الكتاب إال من بعد ما جاءهتم البينة ) وإذا كان أصحاب
الباطل وعقائد الضالل يؤمنون بعقائدهم ويستميتون يف التمسك هبا ويناضلون
من أجل بقائها ويدفعون كل شيء من أجلها فما شأن املسلم مع عقيدة احلق
إمياانً وسلوكاً ! إن هذه اإلشارة يف السورة مبا عليه أهل الكفر من مبادئ
تدعوان إذا أردان دعوهتم وهدايتهم أن ندرك هذه اخللفية عنهم وعلينا أن نصنع
ما يزيل هذا اإلميان ابلعقائد الباطلة من خالل حجج وبراهني اثبتة وقوية
وقادرة على فك ذلك االرتباط ،ويف املقابل هي دعوة للعودة إىل ديننا ومتسكنا
به والنهوض أبفكاره ومفاهيمه وتصوراته يف العاملني .
...
• وعلمتين :أن إجالل شعائر هللا تعاىل وتعظيم أمره وهنيه أعظم املقاصد على
اإلطالق ،وهي األصل من وجود اإلنسان يف احلياة كما قال تعاىل (وما
خلقت اجلن واإلنس إال ليعبدون ) وهذا هو الفقه األكرب الذي ينبغي أن
أيخذ حظه من قلوب ومشاعر املسلمني ! وفرق كبري جداً بني من يؤدي
شعائر مبقتضى العادة واإللف ،ومن يؤديها وهو يشعر أن يتعبد لربه وجيل
أمره ويقوم بشأنه وحيتسب يف كل خطوة يف ذلك الطريق الطويل ! ( وما أمروا
إال ليعبدوا هللا خملصني له الدين حنفاء ويقيموا الصالة ويؤتوا الزكاة وذلك دين
القيمة ) وإذا فقهنا هذا املعىن الكبري أدركنا حينها أن دين هللا تعاىل جيري يف
كل شيء وليس هو جمموعة الشعائر املرتبطة ابملسجد فحسب وإمنا هي
عالقتك يف بيتك بزوجك وولدك ،وجارك وصديقك ،وبذلك جهداً وعرقاً
يف سبيل فكرتك الناهضة ومشروعك الكبري ،واحتساب كل شيء يف هذا
الطريق الطويل .
...
• وعلمتين :عاقبة الضالني من أهل الكفر والشرك والضالل فقد حكم عليهم
هللا تعاىل أبهنم أخبث خلقه تعاىل وعاقبتهم يف النهاية إىل النار عافاان وهللا
َّ
تعاىل وإايكم من الكفر والضالل (إ َّن الذ َ
ين َك َف ُروا م ْن أ َْهل الْكتَاب
ين ف َيها أُولَئ َ
ك ُه ْم َشُّر الْ َربيَّة) وهذه احلقيقة ني يف َانر َج َهن ََّم َخالد َ
َوالْ ُم ْشرك َ
جيب أن أتخذ حظها من كالم أهل العلم وتقريراهتم حىت ال ينخدع أحد بدين
ابطل ال قيمة له يف شيء .إن املعركة اليت تدار اليوم بني أهل احلق والباطل
معركة أفكار ومفاهيم وبناء تصورات ،والعدو ميلك من تلك األدوات ما
يستطيع أن يعمم به فكرته وضالله ،فال أقل من أن تعي أجيال األمة اليوم
التفوق ابحلق
دورها ومسؤوليتها يف هذه املعركة وتسعى بكل ما ميكن من ّ
الذي معها يف مقابل تلك القوة اليت ميتلكها عدوها .ومن أتمل زمانه أدرك
هذه املعركة وعرف قدرها ورأى صورها يف واقعه حىت بدأان نناقش قضااي الردة
واإلحلاد وضياع اهلوية اإلسالمية ألجيال نشأت على احلق وترتب عليه وعاشته
وتبشر هبا يف
زمناً طويالً من عمرها ولكنها بدأت جتل وافد األفكار اجلديدة ّ
العاملني .
...
• وعلمتين :بيان عاقبة اإلميان والعمل الصاحل على أهله يف الدارين ،قال تعاىل
عن أثر تلك العاقبة العاجلة يف رحاب الدنيا ( من عمل صاحلاً ممن ذكر أو
أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طويلة ) وقال تعاىل عن عرض تلك النهاايت
َّ
الصاحلَات أُولَئ َ
ك ُه ْم بني يدي هللا تعاىل يوم القيامة (إ َّن الذ َ
ين آَ َمنُوا َو َعملُوا َّ
َخ ْريُ الَْربيَّة .جزاؤهم عند رهبم جنات عدن جتري من حتتها األهنار خالدين
فيها أبداً رضي هللا عنهم ورضوا عنه ذلك ملن خشى ربه ) ومن فقه هذا اجلزاء
دفع له كل شيء ومتسك بدينه واستوثق منه ،وأقبل عليه راغباً ،وبذل يف
الطريق إليه كل ممكن ،وأىب أن يتخلى عن شيء من أحداثه يف مستقبل
األايم.
سورة الزلزلة
• علمتين سورة الزلزلة :مسؤولية اإلنسان بني يدي هللا تعاىل يوم القيامة وإذا
كانت األرض وهي مجاد ستتحدث وخترب عن كل ما جرى فيها وحدث عليها
من األعمال فإن ذلك موجب للعناية بتصرفات اإلنسان وضبطها قدر الوسع
وأن ال أييت منها يوم القيامة شيء خالف املنهج وموجب للشهادة على
َخبَ َارَها) إن هذه
ثأْال ْاإلنْ َسا ُن َما َهلَا .يَـ ْوَمئ ٍذ ُحتَ ّد ُ
صاحبها ابخلسران ( َوقَ َ
احلقيقة جيب أن أتخذ حقها من قلوبنا ومشاعران وتصوغ حياتنا كما جيب أن
تكون وإال دارت األايم علينا ابخلسران ووقف اإلنسان يف مواقف يبحث عن
الفكاك ،وما كل حلظة صاحلة لالستعتاب ! ومن ختيّل هذا املشهد يوم القيامة
عرف له قدره وسعى أن يكاثر يف حسناته ويوسع يف أثره وجهده وأييت مبا
يستحق الفرح يف تلك اللحظات وحرص غاية احلرص من كل سوء جيري
احلديث عنه يف تلك اللحظات .
...
وعلمتين :أن جناح كل إنسان يوم القيامة وخسارته وقف على العمل الصاحل •
،ومن أحسن اإلقبال على هللا تعاىل وصدق يف الطريق إليه ومنحه وقته وفكره
وعقله وقلبه وجهد أن تكون له أوراد اثبتة ال يتخلّف عنها البتة صنع لنفسه
حياة مدهشة يف الدارين ! وإذا قرأت سرية بالل رضي هللا تعاىل عنه وحرصه
على ركعيت الوضوء للدرجة اليت مسع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم دف نعليه
يف اجلنة وهو ما زال على قيد احلياة ! واستلذت امرأة كانت تصرع يف الطرقات
تعبها ومرضها يف سبيل اجلنان وعاشت على ذلك حىت لقيت ما عند هللا
تعاىل ،وعمار بن ايسر وزوجه حتمال القتل يف بداايت اإلسالم من أجل هذا
املعىن الكبري أدركت ذلك املعىن وكنت على ذات الطريق .ويف املقابل ذهب
أبو هلب وأبو جهل وزعماء الضاللة إىل النار ( يومئذ يصدر الناس أشتااتً لريوا
أعماهلم ) ماذا لو قرأ كل إنسان مشاهد هذه اللحظة يف قوله تعاىل ( يومئذ
يصدر الناس أشتااتً لريوا أعماهلم ) ! ومنحها قلبه ومشاعره وأدرك أنه وارد
على احلقائق وصادر عن نتائجها وأحداثها يف ذلك اليوم ! كم من صغري يف
فالة جاء عظيماً يف تلك املوازين ! وكم من خلوات جاءت حاضرة شاهدة
يف زمن احلاجات !
...
وعلمتين :أن احلياة استثمار ،وكم من حسنة أوجبت لصاحبها احلياة! وإذا •
كانت مثاقيل األعمال وصغائر احلسنات مكتوبة ومدونة وموزونة فما ابلك
ابحلسنات الكبار ! ومن عرف هذه احلقائق جهد أال يدخر شيئاً من
الصاحلات .إن احلسنة بعشر أمثاهلا ،وسبحان واحلمد هلل متآلن أو متأل ما
بني السموات واألرض ،وال حول وال قوة إال ابهلل كنز من كنوز اجلنة ،ومن
قال سبحان هللا غرست له خنلة يف اجلنة ،واحلرف الواحد من كتاب هللا تعاىل
بعشر حسنات إىل أضعاف كثرية ،وإماطة األذى عن الطريق صدقة ،
وتبسمك يف وجه أخيك كذلك فما شأن الصالة اليت قال فيها صلى هللا عليه
وسلم ( الصالة خري موضوع ) أخرجه الطرباين وحسنه األلباين ،والصيام الذي
يقول فيه صلى هللا عليه وسلم ( من صام يوماً يف سبيل هللا ابعد هللا وجهه
عن النار سبعني خريفاً) أخرجه ابن ماجه وصححه األلباين ،والصدقة اليت
خيرب فيها صلى هللا عليه وسلم يف الصحيحني من حديث أيب هريرة رضي هللا
عنه قال صلى هللا عليه وسلم ( إن هللا أيخذ صدقة أحكم بيمينه فريبيها كما
يريب أحدكم فلوة حىت أتيت يوم القيامة كاجلبل العظيم) ،وأن حيذر يف املقابل
غاية احلذر من مثاقيل أتيت يف موازين الكبائر من األعمال .كم من صغري من
هذه اآلية ( فمن يعمل يف من فقه اإلنسان ووعيه أن يستثمر أايمه وجيهد
يف حتقيق مراده من اآلخرة من خالل استثمار كل ممكن يف احلياة ولو كان
بسيطاً يسرياً فإن مثاقيل الذر عظيمة يف موازين ذلك اليوم .
سورة العادايت
• علمتين سورة العادايت :أن اإلنسان مبا يصنع لدينه ،وما يهب من وقته
وفكره وجهده ملنهجه يف احلياة وما عدا ذلك فركام حلم ال قيمة له يف شيء!
وإذا كانت الشريعة حتتفي ابلدواب وهي عجماوات لعالقتها هبذا الدين
ومشاركتها يف رعاية املنهج وقيامها بدور يف اإلصالح فما ابلك ابإلنسان
الذي جاء أصالً لتحقيق هذه الغاايت ( والعادايت ضبحاً .فاملوارايت قدحاً
.فاملغريات صبحاً .فأثرن به نقعاً .فوسطن به مجعاً ) وهذا القسم أبصوات
اخليل ،وصدى حافرها يف األرض ،وغاراهتا يف طالئع الفجر ،وتوسطهن
للعدو دليل ذلك املعىن الكبري .وكل دابة وآلة إمنا تنال حظها من الثناء على
قدر دعمها ومشاركتها يف دعم رسالة هذا الدين وقيامها حبقه يف متكينه يف
واقع العاملني ويف البخاري قال صلى هللا عليه وسلم (املنفق على اخليل يف
سبيل هللا كالباسط يديه ابلصدقة وال يقبضها ) حىت تعلم أن قيمة الشيء إمنا
أتيت من عالقته هبذا الدين العظيم !
...
• وعلمتين :أن اجلهاد يف سبيل هللا تعاىل من أعظم األعمال ،وراايته يف
مساحة ما من أعظم الراايت ،وعز كل أمة منوط به مع األايم ،وإذا ختلت
عنه أمه جرت عليها سنن اهلزمية وقهر العدو ومضت عليها عادايت الزمان
من كل مكان ،وما حاجة األمة اليوم إىل شيء يف هذا املعىن الكبري حاجتها
جلهاد العلم الذي حتتاج األمة إىل مناضلني يف سبيله حىت تقوى به شوكة األمة
وتعز بطاقاهتا وقدراهتا يف مستقبل األايم ،وتصبح نداً لكل عدو وقل مثل
ذلك يف جهاد األفكار واملفاهيم الصحيحة ،وتصحيح التصورات اخلاطئة ،
وحماربة األوهام اليت أخذت مساحة كبرية من عقول أبناء األمة وترتب عليها
خلل كبري يف فقه أولوايهتا وأهدافها الكربى ومساحاهتا املمكنة حىت أصبحت
فارغة ال عالقة هلا ابلعمل يف شيء .
...
• وعلمتين :حقيقة اإلنسان وأصل خلقته وأنه ُجبل على اجلحود ونكران نعم
هللا تعاىل ونسيان فضله وإكرامه وإنعامه عليه وهذا القسم من ربك يف بداايت
السورة دليل على أن هذا اخللق متأصل يف نفسه ،وليس يف إنسان دون آخر
كمل أهل الصالح وإمنا عارض يعرض لكل إنسان وال يسلم منه إال األنبياء و ّ
ود)فقد ُجبل اإلنسان على حب ذاته وتقدمي مصاحله (إ َّن ْاإلنْ َسا َن لَربّه لَ َكنُ ٌ
وحتقيق شهواته حىت لو على حساب اآلخرين ومن مل يتنبه هلذا اخللق وإال بقي
معه ما بقي يف احلياة ،ومن فقه اإلنسان وكمال وعيه أن يتعاهد نفسه
ابإلصالح ويقوم على تربيتها وهتذيبها من سيء األخالق وعادات السوء حىت
يلحق بركب الصاحلني املصلحني .وكم من إنسان قعدت به نفسه عن
الفضائل ! وأتخرت به عن ركب الصاحلني ! وختلفت به عن مواطن احلياة
حىت عاد كاسداً من كل شيء .وما أكثر هذه الصور يف زمانك ! وما أقل
أصحاب الراايت ! وهللا املستعان .
...
• وعلمتين :أن اإلنسان ُجبل على حب املال والتعلّق به واجملالدة دونه بكل
ممكن ،وهذا أصل يف اإلنسان قل أن ينفك عنه وهو جبلة مالزمة له فرتاه
شديد الولع ابملال كثري احلب له ال يكاد خيرجه من يده إال بعسر ومشقة ،
متأخر عن مكارم األخالق من خالل هذا اخللق الذميم ! وقيمة وكم من ّ
املال الكربى ليست يف كثرته يف حسابك الشخصي ،وإمنا بكونه يف يدك
يفرج به مهاً ،
وليس يف قلبك منه شيء ،ومن توفيق هللا تعاىل لصاحبه أن ّ
ويصنع به معروفاً ،ويعني به حمتاجاً ،وجتري به ساحات الفرح يف قلوب
اآلخرين إىل أقصى مدى ! ولن تتخلّص من هذا األصل العارض إال ابلوعي
بدوره وأثره يف بناء آخرتك ،ومغالبة ذلك األصل أبضداده من النفقة واجلود
به يف مواطن احلاجة إليه واملسامهة به يف ابب من أبواب اخلري واجلود
واإلحسان.
...
• وعلمتين :أن العربة يف النهاايت بصالح القلوب ،وأهنا أصل يف سعادة
أصحاهبا يف الدارين ،ومن صلح قلبه صلح حاله وسعد ووجد من الفرح
والسعادة واالستقرار والطمأنينة عاجل بشراه ،وغالب هناايت السوء من فساد
القلوب ،وكم من ضال بسبب قلبه ! وكم من خامتة سوء من أثر ذلك ،وهللا
املستعان ،وقد قال هللا تعاىل ( يوم ال ينفع مال وال بنون إال من أتى هللا
بقلب سليم ) وقال هللا تعاىل (أَفَ َال يـَ ْعلَ ُم إ َذا بـُ ْعثَر َما يف الْ ُقبُور َ .و ُح ّ
ص َل َما
الص ُدور) ويف الصحيحني أن رجالً شارك يف اجلهاد وما ترك شاذة وال فاذة يف ُّ
إال صنعها يف األعداء حىت أُخرب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم مبا صنع فقال
صلى هللا عليه وسلم (هو يف النار) مث ُجرح فقتل نفسه فذهب يف عداد سوء
اخلواتيم ! وآخر شارك يف اجلهاد وحني قُسم له من الغنيمة تركها ووىل وقال
ما على هذا ابيعتك ايرسول هللا ! ابيعتك على أن أرمى بسهم من هاهنا
وأشار إىل حلقه فيخرج من هاهنا فأدخل اجلنة ! فقال صلى هللا عليه وسلم
( إن يصدق هللا تعاىل يصدقه ) فما هي إال حلظات وإذا هبم حيملونه وقتل
رمي بسهم يف ذات املوضع الذي أشار إليه فقال صلى هللا عليه وسلم ( أهو
هو ؟ ) قالوا نعم ! فقال ( :اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً يف سبيلك فقتل
شهيداً أان شهيد على ذلك ) .فتنبه لقلبك وتعاهده واصدق هللا تعاىل يف
وختل من كل صور الرايء حىت تلقي هللا تعاىل وأنت على أمثال هذا نيتك ّ
املعىن الكبري .
سورة القارعة
• علمتين سورة القارعة :أن من فقه اإلنسان وكمال وعيه أن يستعد غاية وسعه
يفرط يف حلظة من زمانه ما أمكنه ذلك ،وأن يعلم يقيناًليوم القيامة ،وأال ّ
حقيقة ذلك اليوم وأنه حمفوف ابخلطر وهو حقيق ابالستعداد ،وما قارئ
ألحداثه اليت تعرض السورة بعضاً منها إال دليل على ما بعدها من أهوال (يوم
يكون الناس كالفراش املبثوث .وتكون اجلبال كالعهن املنفوش ) ومن قرأ
أحداث هذا اليوم من الوحي أدرك ما يستحق من عمل وجد ،ولو مل يكن
فيه إال هذا اخللق منذ خلق هللا تعاىل آدم إىل يوم القيامة يف صعيد واحد
كالفراش املبثوت يف األرض ،واجلبال اليت حتولت إىل صوف منفوش بعد أن
كانت أصلب ما يكون ألدرك ما ينتظر اإلنسان يف ذلك اليوم .
...
• وعلمتين :أن الربح واخلسارة يوم القيامة وقف على األعمال ،وحسب كل
إنسان ثقل ميزانه وخفته وال شيء دون هذه احلقائق يف ذلك اليوم (فَأ ََّما َم ْن
َّت َم َوازينُهُ .فَأ ُُّمهُ َهاويَةٌ . ثـَ ُقلَت موازينُه .فَـهو يف ع َ ٍ ٍ
يشة َراضيَة َ .وأ ََّما َم ْن َخف ْ ْ ََ ُ َُ
َوَما أ َْد َر َاك َما هيَ ْه َ .ان ٌر َحاميَةٌ) وكل عاقل ينظر يف عمله كثرة وقلة ،وصدقاً
وصالح نية قبل أن يرد على هللا تعاىل يف تلك العرصات فيحسب أنه على
شيء وإذا ابحلقائق راي عني ،وكم من قادم على هللا تعاىل كان يظن شيئاً
فلم جيد سوى احلسرات ( وبدا هلم من هللا ما مل يكونوا حيتسبون ) وال أقل من
أن يعود اإلنسان إىل نفسه وينظر أول أمره يف تعظيمه ألمر هللا تعاىل وإجالله
لشرائعه ،وخوفه ،وبعده عن حرماته مث ليقبل على النظر يف صالته فإهنا
أعظم األعمال وأول سؤال يُسأله قبل كل سؤال مث ينظر يف ما بقي من أركان
دينه ويقيم شأهنا مث يقلّب بصره يف عالقاته ابآلخرين بدءاً ابألهم فاألهم
واألقرب فاألقرب ويهب هلا ما جيري عليه ابلتوفيق وحيذر غاية وسعه أن يلقى
هللا تعاىل ظاملاً ملخلوق أو ابغياً على ضعيف حىت لو كان حيواانً من احليواانت
فضالً عن أن يكون مسلماً من املسلمني ،وقد بلغك عن نبيك صلى هللا
عليه وسلم أن بغياً دخلت اجلنة بسقيا كلب ،ومن أزاح غصن شوك رآه
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يتقلب يف اجلنان ،ومن كان يداين الناس
ويقول لعامله خذ ما تيسر واترك ما عسر وجتاوز لعل هللا تعاىل أن يتجاوز عنه
عفا هللا تعاىل وقال حنن أحق ابلتجاوز منه ،وتبسمك يف وجه أخيك صدقة
،وهللا يف عون العبد ما كان العبد يف عون أخيه .
• وعلمتين :سوء عاقبة التفريط يوم القيامة ،وأن قوماً عاشوا طويالً يف الدنيا
مث وردوا على هللا تعاىل فلم تصنع هلم تلك السنون شيئاً من املعروف وعادوا
خاسرين ( ومن خفت موازينه .فأمه هاوية .وما أدراك ما هية .انر حامية)
وما يصنع بنار جهنم وقد وصفها هللا تعاىل أهنا تشهق لرؤية أصحاهبا املفرطني
كما تشهق البغلة للشعري ( إذا رأهتم من مكان بعيد .مسعوا هلا شهيقاً وهي
تفور ) وأخرب نبيك صلى هللا عليه وسلم أن أهون أهل النار عذاابً يوم القيامة
لرجل توضع يف أمخص قدميه مجرة يغلي منها دماغه ) فما ابلك مبن ذهب
حطباً هلا نعوذ ابهلل تعاىل من احلرمان .
...
سورة التكاثر
• علمتين سورة التكاثر :أن من فقه اإلنسان وكمال عقله أن يقتصد يف دنياه
قدر الوسع ،وأال أيخذ منها إال ما يبلغه غاايت اآلخرة فحسب ويف قول هللا
تعاىل (أهلاكم التكاثر .حىت زرمت املقابر ) رسالة حتمل توبيخاً ولوماً للمشغولني
ابلتكاثر يف قضااي الدنيا على حساب اآلخرة حىت وردوا القبور ! وكم من
إنسان وهب الدنيا كل شيء ،وأقبل عليها إقبال الراغبني وانشغل حبساب ما
جيمعه منها ولو على حساب صحته وسالمته ،ترى ذلك فيمن يشتغل جبمع
املال على حساب نقائه وصفائه من شوائب احلرام ،وجيهد يف احلصول على
وحتولت املسألة العددية حىت يف
ذرية وال ينشغل برتبيتهم يف مستقبل األايم ّ ،
أذهان كثري من أهل الفضل والصالح وطالب العلم فرتاهم ينشغلون بعدد
براجمهم ومشاريعهم على حساب أثرها والعائد منها ،وتراهم يعنون بوردهم
الكمي من الصالة والصيام والقرآن والذكر على حساب العائد منه على
أرواحهم وقلوهبم ومشاعرهم وكل هذا من اخلطأ الذي ينبغي أن يعتين اإلنسان
إبصالحه وإعادة تشكيله ويضع نصب عينيه صالح نيته والقيام حبظوظه من
التدبر والتأمل واخلشوع ،وصدقه وموافقته للسنة مع العناية ابلقدر الذي ال
خيل هبذا املعىن الكبري يف النهاية حىت جيمع بني الفضيلتني ،وعليه يف املقابل
أن يزيد يف الكم ابلقدر الذي ميكنه اجلمع بني الفضيلتني.
...
• وعلمتين :أن التسويف من أخطر األمراض اليت تواجه اإلنسان يف حياته
فهؤالء الذين ذمهم هللا بقوله تعاىل ( أهلاكم التكاثر .حىت زرمت املقابر ) ممن
اعرتاهم هذا املرض والزمهم وسيطر عليهم وما زالوا يؤخرون كثرياً من قضااي
اإلصالح حىت ماتوا وتركوا كل شيء .كثريون اليوم يدركون سوء أحواهلم
يسوفون حىت
وحاجتهم امللحة إىل إصالح ذلك الواقع الذي يعيشونه ولكنهم ّ
يفوت عليهم يف النهاية كل شيء .وآخرون يعيشون فوضى عارمة يف أوقاهتم
وأولوايهتم ويتحسرون على فوات أرابحهم منها كل يوم وما تزال هبم األماين
لرتميم تلك األوضاع حىت تفجعهم احلوادث ويرحلون دون شيء .ومن الفقه
يف مواجهة هذا املرض التخطيط وإدارة احلياة واستثمار األوقات املتاحة بكل
ممكن ،وإدارة األولوايت ،وحتديد األهداف حىت نكون قادرين على استثمار
أوقاتنا بكل ما منلك ،ومن ذلك التعجيل بكتابة الوصية ،وتنظيم أمورها ،
والعناية ابألوقاف اليت متد يف ذكر اإلنسان بعد موته ،وتوسع يف أثره بعد
رحيله وجتعله حياً ما بقيت الدنيا .
...
• وعلمتين :أن اآلخرة كل شيء ،وأن من فقه اإلنسان وكمال وعيه أن أيخذ
أهبته واستعداده هلا أبقصى ما يكون ،وأال ينشغل عنها أبي عارض مهما
كان الداعي إليه ولو مل يكن يف ذلك إال هذا الوعيد للمشغولني عنها ( َك َّال
ف تَـ ْعلَ ُمو َن َ .ك َّال لَْو تَـ ْعلَ ُمو َن ع ْل َم الْيَقني .لَََرتُو َّن
ف تَـ ْعلَ ُمو َن ُ .مثَّ َك َّال َس ْو َ َس ْو َ
ني الْيَقني) وما عاقل يقرأ نصوص الوحيني إال وهو يعرف اجلَح َيم ُ .مثَّ لَََرتُوَّهنَا َع ْ َ
ْ
أن هذه الدنيا ال شيء ابلنسبة لتلك الدار وقد قال هللا تعاىل وهو يصف هذه
العاجلة ( وما احلياة الدنيا إال لعب وهلو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر يف األموال
واألوالد ) وعند ابن حبان من حديث املستورد رضي هللا عنه قال صلى هللا
عليه وسلم ( ما الدنيا يف اآلخرة إال كما يضع أحدكم أصبعه يف اليم فلينظر
مبا يرجع منه ) ولو مل يكن يف اآلخرة إال اجلنة اليت قال فيها صلى هللا عليه
وسلم ( ملوضع سوط أحدكم يف اجلنة خري من الدنيا وما فيها ) أخرجه البخاري
ويف الصحيحني من حديث أيب هريرة رضي هللا عنه قال صلى هللا عليه وسلم
( انركم هذه اليت توقدون جزء من سبع جزء من انر جهنم يوم القيامة ) فقالوا
ايرسول هللا وهللا إهنا لكافية ! قال ( لقد فضلت عليها بتسعة وستني جزءاً )
ومن عرف قدر اآلخرة بذل هلا كل شيء واألمر كما قيل جد ! وقد ترك
السلف رضوان هللا تعاىل عليهم أمجعني رسائل مدهشة يف إدراك هذا املعىن
والعمل له وبذل كل ممكن يف سبيل أمانيه الكبار .
...
• وعلمتين :مسؤولية اإلنسان الكربى عن نعم هللا تعاىل ،وما أكثرها يف حياة
إنسان وقد قال اهلل تعاىل ( وما بكم من نعمة فمن هللا ) وقال تعاىل (وإن
تعدو نعمة هللا ال حتصوها ) وكم من سؤال سيدار يف عرصات القيامة عنها
(مث لتسئلن يومئذ عن النعيم ) ! عافية جسدك نعمة من نعم هللا تعاىل وكم
من مريض ومعلول ! ونعمة دينك وقد جعلك هللا تعاىل مسلماً مؤمناً وأمم يف
العامل من حولك على الكفر واإلحلاد والضالل والظالم جتري يف الدنيا بال
منهج وال حقيقة وغداً جيري عليها سؤال التفريط والضياع .ونعمة األمن اليت
تسعد يف ظالهلا وتلقى فيها كل شيء ،وكم من أمم هتدمت بيوهتا من احلرب
،وطُردت وشردت وهي تقاسي الظالم واحلر والربد والغربة ويف مرات كثرية ال
جتد شربة ماء ! فضالً عن ما أعطاك هللا تعاىل من علم وولد وفكر وجاه
ومنصب وكلها سيجري عليها سؤال هللا تعاىل الكبري ( مث لتسئلن يومئذ عن
النعيم ).
سورة العصر
• تعلمت من سورة العصر :قيمة الزمن يف احلياة ،وأثر كل إنسان وقف على
استثماره لوقته وهذا القسم يف بداية السورة ( والعصر ) دليل على هذا املعىن
الكبري وقد بلغك أن هللا تعاىل ال يقسم إال بعظيم ! ومن عرف قدر هذا املعىن
وعين به استقبل أايم الربيع ما بقي من العمر .وكل الناجحني الذين تراهم يف
واقعك أو تقرأ سريهم يف اتريخ أمتك عنوا هبذه القيمة وحرصوا عليها وجهدوا
يف استثمارها حىت دنت هلم الثمار ،وما عاقل أحرص على شيء أحرص
على وقته وكان الواحد من سلفك أشح بوقته منه على ديناره ودرمهه ،وإذا
كانت دقيقتان كافيتان لصالة ركعتني ،وعشرون دقيقة كافية لقراءة جزء كامل
من كتاب هللا تعاىل ،وسبع دقائق تشرف بك على هناية أعظم األذكار يف
حياتك ( ال إله إال هللا وحده ال شريك له له امللك وله احلمد وهو على كل
شيء قدير مئة مرة يف فجر كل يوم ومسائه فال أقل من تستقبل هذا املعىن
وتعتين به وتضعه يف سلم عاداتك اإلجيابية اليت تريد تكوينها يف قادم أايمك
ومثلك أوعى بصناعة الفرق .
...
• وعلمتين :أن األصل يف اإلنسان اخلسارة ( والعصر .إن اإلنسان لفي خسر)
وال خيرج من هذا األصل إال استثناء من عارف لشرف زمانه ومتيقظ للحياة
من خالله ،وجاد يف بلوغ أمانيه من احلياة .وهذا املعىن مؤذن لك أبال تغرك
الكثرة يف شيء فهي على شفري اهلالك ( وما أكثر الناس ولو حرصت مبؤمنني)
فتمثل دينك وقيمك ومبادئك الكربى وخذ بوصية رسولك صلى هللا عليه
وسلم ( قل آمنت ابهلل مث استقم ) وال تنشغل مبن هم حولك يف شيء وارفع
بصرك للسابقني من األجيال الناهضة وليكن هم حاديك للحياة ،والزم قول
ربك تعاىل ( واصرب نفسك مع الذين يدعون رهبم ابلغداة والعشي وال تعد
عيناك عنهم تريد زينة احلياة الدنيا وال تطع من أغفلنا قلبه عن ذكر هللا واتبع
هواه وكان أمره فرطاً ) وكن كما قال لك ابن القيم رمحه هللا تعاىل :وكلما
استوحشت يف تفردك فانظر إىل الرفيق السابق ،واحرص على اللحاق هبم
وغض الطرف عمن سواهم فإهنم لن يغنوا عنك من هللا شيئاً ،وإذا صاحوا
بك يف طريق سريك فال تلتفت إليهم فإنك مىت التفت إليهم أخذوك أو
أعاقوك.
...
• وعلمتين :أن توطّن نفسك على استقبال العثرات ومواجهة العوائق وأتخر
املشاريع واستعالء الباطل يف كثري من الفرتات ألن الغلبة كثرياً ما تكون للكثرة
وإن كان هذا ليس غالباً بفضل هللا تعاىل ولكنها سنن تلقى حظها من الواقع
يف كثري من األحيان ،وال ميكن للقلة أن حتقق نصراً على الكثرة املقابلة إال
ابستجماع قوى النصر األخرى كحسن الصلة ابهلل تعاىل ،والتوكل عليه ،
والصدق يف الطريق إىل هللا تعاىل ،واالستعداد األمثل للنصر من خالل قوى
العلم واملعرفة والتنظيم والرتتيب اليت تعد أسباابً مهمة جداً لتحقيق تلك اآلمال
اليت نرقبها يف قادم أايمك ،واإلسالم ال يستمد قوته من كثرة األتباع وإمنا من
قناعة أولئك االتباع بدينهم ومتسكهم بقيمهم ومبادئهم ومثلهم الكربى يف
احلياة .
...
• وعلمتين :أن كل املناهج والنُظم واألداين املنتشرة يف األرض سوى اإلسالم
ابطلة ال قيمة هلا حىت لو كانت عند أصحاهبا وأهلها كل شيء ،والسورة
تقرر هذا املعىن الكبري ( والعصر .إن اإلنسان لفي خسر .إال الذين آمنوا
وعملوا الصاحلات ) وما عدا هؤالء فكلهم يف فلك اخلسارة وحضيض احلياة
.وما أكثر األداين الباطلة يف زمانك ! وهذا املعىن يزيد تعلقك بدينك ومينحك
شعوراً مدهشاً ابإلقبال على حقائقه والقناعة به .وما تصنع بباطل وأوهام
ابتت أتخذ حظها من األرض وليس هلا من احلقائق شيء .ولو أن عاقالً
فقه هذا املعىن ملا صار بعد اإلميان إىل الكفر ،وبعد اهلداية إىل الضالل وبعد
يتهود أو ينكر خالقه
يتنصر مسلماً أو ّ
اإلسالم إىل الردة .ومن كان يتخيّل أن ّ
ويلحد وقد رأى احلقائق رأي عني ،ولكن املعصوم من عصمه هللا تعاىل وال
هناية للضالل واحلرمان .
...
• وعلمتين :أن اإلميان حركة كربى يف واقع احلياة ،وليس معىن جامداً يف قلب
إنسان ! ( إال الذين آمنوا وعملوا الصاحلات وتواصوا ابحلق وتواصوا ابلصرب )
يبدأ اإلميان يف قلب صاحبه مث ما يلبث أن جيري يف فلك مشاعره وميد صاحبه
ابلقوى الفكرية واملشاعرية والوجدانية اليت جتعله جزءاً من دينه ويقوم حبظوظه
يف الدارين ( إال الذين آمنوا ) ولكنه ليس ذلك اإلميان اجلامد يف القلب
فحسب وإمنا ( إال الذين آمنوا وعملوا الصاحلات وتواصوا ابحلق وتواصوا
ابلصرب ) آمنوا مث أقبلوا على العمل الصاحل بكل أنواعه وأشكاله وصوره مث
حتول ذلك املعىن من عمل صاحل إىل إصالح تتعاون فيه تلك الفئات على ّ
حقائق احلق الذي حيملون ،ويتحملون يف املقابل األعباء واألثقال اليت
يواجهون حىت جتري أحداث هذا الدين يف واقع احلياة وأتخذ حظها من
نفوس العاملني.
...
• وعلمتين :أن كمال كل إنسان مبراتب أربع :معرفة احلق ،والعمل به ،
وتعليمه للعاملني ،والصرب على األذى فيه فكم من عارف للحق غري عامل
به! وكم من عارف وعامل به وتقوته أرابح الدعوة إليه ! وكم من عارف ومعلم
ولكنه قليل الصرب على األذى فيه ! فإذا ما توافرت الصفات األربع يف إنسان
فأصبح عارفاً ابحلق ،وعامالً به ،وداعياً إليه ،وصابراً على األذى فيه كان
ذلك من أعظم الدالئل على كمال إميانه وعلو كعبه ومتام إحسانه يف الدارين.
...
• وعلمتين :أن الدعوة إىل دين هللا تعاىل مرتبطة ابألذى ،وكل فكرة أو مشروع
أو قضية يراد هلا احلياة يف واقع الناس حتتاج إىل جهاد ونضال وليس أدل على
ذلك من سري األنبياء واملصلحني من فجر التاريخ إىل يومنا هذا واإلشارة يف
السورة (وتواصوا ابلصرب) بعد األمر ابلتواصي ابحلق ( وتواصوا ابحلق ) دليل
على ذلك .وهذا نبينا صلى هللا عليه وسلم اُهتم ابلكذب واجلنون وأنه صابئ
وحبس يفوشج وجهه وُكسرت رابعيته ووضع سلى اجلزور على ظهره ُ ، ُ ،
ورمي ابحلجارة يف رحلة عودته
شعب أيب طالب ثالث سنوات وطُرد من مكة ُ
من الطائف وكل هذه سنة من سنن الطريق ذ ّكره هبا ورقة بن نوفل يف أول
نزول الوحي عليه حني قال ( ما جاء نيب مبثل ما جئت به إال عودي ) وعلى
كل أب ومرب وداع للخري أن يدرك هذا املعىن ويتحمل أعباء الطريق ويقيم
بواجبه وستحني ساعات الفرح والنجاح أعجل ما تكون .
...
• وعلمتين :أثر اجلماعة يف دين هللا تعاىل ،ترى ذلك من خالل لفظ اجلماعة
يف السورة ( إال الذين آمنوا وعملوا الصاحلات وتواصوا ابحلق وتواصوا ابلصرب)
ومن أتمل التشريع وعناية اإلسالم أبمر اجلماعة يف أركان اإلسالم على وجه
اخلصوص عرف أثر ذلك يف دين هللا تعاىل ،وعلى سالك الطريق أن ميد قدر
وسعه يف هذه الغاايت وأن جيهد بكل ما ميلك يف تكامل أدوارها حىت أييت
منها على ما يريد يف النهاايت .وما حاجة األمة اليوم إىل شيء حاجتها إىل
إحياء روح اجلماعة ،وأول لبنة يف هذا املعىن الكبري شعور الفرد هبذا املعىن
وأتصله يف فكره وحرصه عليه غاية وسعه ،ومن مث تش ّكله يف األسرة والبيت
ومن مث مسجد احلي ومجاعته مروراً بكل اجتماع ميكن أن يكون لبنة يف
االجتماع الكبري الذي ترقبه األمة يف النهاية وتكون به األمة جسداً واحداً
(وإن هذه أمتكم أمة واحدة ) .
...
• وعلمتين :ضرورة الصرب يف حياة اإلنسان ،وأنه أعظم الطرق السالكة بصاحبه
إىل النجاح والتوفيق ! ولو مل يكن من ذلك إال عناية الوحي به وتكراره يف
كتاب هللا تعاىل أكثر من تسعني مرة ،ووعد هللا تعاىل ألهله أبعظم اجلزاء
(إمنا يوىف الصابرون أجرهم بغري حساب ) ومن عرف عوائده وذاق لذته ورأى
آاثره أدرك ما خيلفه هذا املعىن الكبري ،وهو من األخالق اليت تُتكسب ابملران
ويف البخاري من حديث أيب سعيد اخلدري رضي هللا عنه قال صلى هللا عليه
وسلم ( ومن يتصرب يصربه هللا ) وليس أصلح لبلوغ أمانيك يف ولدك وطالبك
وزوجك وصالح بيتك وجناح فكرتك ومشروعك منه وهو كل شيء بعد توفيق
هللا تعاىل .وكم من ضال عاد للهداية! وكم من عدو للحق صار من أنصاره!
وكم من بعيد عن احلياة عاد يشرب من معينها كل شيء !
سورة اهلمزة
• علمتين سورة اهلمزة :أن التعامل مع اآلخرين دين كما هي بقية شرائع اإلسالم
ال فرق ،فكما أن الصالة والصيام دين فكذلك تعامل اإلنسان مع أهله وزوجه
وأسرته وجاره وصديقه وزميله هي كذلك دين ومن فقه اإلنسان وكمال وعيه
أن يرقب هذا املعىن ويتعامل مع اآلخرين وهو يتعبد هللا تعاىل بذلك ويف
احلديث ( إن صاحب حسن اخللق يبلغ درجة الصائم الذي ال يفطر والقائم
إىل وأقربكم مين جملساً
الذي ال يفرت ) وقال صلى هللا عليه وسلم ( إن أحبكم ّ
يوم القيامة أحاسنكم أخالقاً ) وإذا أردت أن تعرف قدر هذا املعىن فتأمل
وعيد هللا تعاىل يف مطلع السورة للمعتدين على اآلخرين الطامثني يف أعراضهم
كيف يتوعدهم هللا تعاىل وهو القوي العزيز ( ويل لكل مهزة ملزة ) وانظر
ملشاهد النهاايت ( كال لينبذن يف احلطمة .وما أدارك ما احلطمة .انر هللا
املوقدة .اليت تطلع على األفئدة .إهنا عليهم مؤصدة .يف عمد ممددة )
...
• وعلمتين :أثر الكلمة وخطورهتا يف حياة إنسان ،وكم من كلمة ألقت يف
قلب صاحبها األفراح ! وكم من كلمة ألقت به يف أودية الضياع ! وهذا الوعيد
العظيم الذي تقرأه يف مطلع السورة من أثر كلمة وقد قال صلى هللا عليه وسلم
( وإن العبد ليتكلم ابلكلمة من رضوان هللا تعاىل ال يلقي هلا ابالً ُحيل هللا هبا
عليه رضوانه إىل يوم القيامة .وإن العبد ليتكلم ابلكلمة من سخط هللا ال
يلقي هلا ابالً ُحيل هللا هبا عليه سخطه إىل يوم القيامة) ،ومن تتبع عورة أخيه
تتبع هللا عورته حىت يفضحه يف جوف بيته ،وهللا املستعان! وقد قال احلافظ
بن حجر رمحه هللا تعاىل يف ترمجته ألحد الرجال بعد أن ذكر ذكاءه وعلومه :
وتغري ذهنه يف أواخر عمره ونسي غالب حمفوظاته حىت القرآن ويقال أن ذلك
ّ
كان عقوبة له لكثرة وقيعته يف الناس .اهـ
...
• وعلمتين :خطر الغيبة وأهنا مفضية بصاحبها إىل النريان ( ،ويل لكل مهزة
ملزة) واهلماز هو الذي يعيب الناس ويطعن فيهم ابلفعل كاإلشارة والتمثيل
بيده أو لسانه أو جسده وحنو ذلك ،واللماز هو الذي يعيبهم ويطعن فيهم
ابلقول وهي دليل على رذالة أخالق صاحبها وسوء طبعه ورقة دينه وضعف
قيمه ،وكم من كلمة قالت لصاحبها دعين ،وقد قال صلى هللا عليه وسلم
(أتدرون من املفلس ؟ ) قالوا :املفلس فينا من أييت يوم القيامة بصالة وصيام
وزكاة وأييت وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب
هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن
يُقضى ما عليه أخذ من خطاايهم فطرحت عليه فطرح يف النار )
...
• وعلمتين :أن من سوء التوفيق إلنسان أن يهبه هللا تعاىل نعمة من النعم مث
يذهب هبا يف احلرمات ! أال ترى هذا كيف أن هللا تعاىل جعل له لساانً ومكنه
من اإلفصاح عن حاجته والقيام بشؤونه فإذا به ُجيري هذه النعم يف فلك
احلرمان فيتتبع هبا عورات إخوانه ويكشف هبا سر املؤمنني املتقني ويعبث هبا
يف احلرمات حىت يلقى هللا تعاىل يوم القيامة مثقالً ابلذنوب والسيئات .وكم
من إنسان يعسر عليه ذكر من األذكار ،أو قراءة بعض آايت كتاب هللا تعاىل
ويهو خيبط كل حلظة يف أعراض املسلمني ال يبايل ما يصنع فيها وال يشعر
بشيء من اخلذالن ،وليس لسوء التوفيق حدود ،وهللا املستعان .
...
• وعلمتين :أن الوحي يبين منهجاً يف دحض الشبه والظنون اخلاطئة ويدفع
عن اإلنسان األوهام ويبين لديه تصورات احلياة كما ينبغي أن تكون ،ومن
عرف خطر هذه القضية وأثرها الكبري يف بناء مستقبله أدرك ما للوحي من
آاثر ! كل الوحي يبين األفكار واملفاهيم ويش ّكل التصورات الضخمة ،ولن
جتد صاحب عالقة متينة ابلوحي على عالقة ابألوهام يف شيء ومن بَـعُد عن
الوحي صار بيئة مهيأة ومرتعاً خصباً لألوهام يف مستقبل األايم .تعرض الصورة
قصة مأسور ابلوهم ( حيسب أن ماله أخلده ) كسب أمواالً وظنها كل شيء
وذهب يتمطّى يف أعراض الناس بناء على ذلك وفاته أن املال ال يبين عزاً أو
جاهاً إلنسان إال ابلقدر الذي يدفعه يف مراض هللا تعاىل وما عدا ذلك فضياع
.وهذا درس متني يصلح لآلابء واملربني والدعاة يدعوهم للرتكيز على بناء
األفكار واملفاهيم من خالل الوحي ،ويدعوهم يف ذات الوقت لإلغارة على
مفاهيم األوهام والدجل من خالل الوحي .
...
• وعلمتين :أنين إذا أردت عالج مشكلة ما يف حيايت اخلاصة أو يف بييت وأسريت
أو على مستوى مشروعي ووظيفيت فال بد من وصف املشكلة وصفاً دقيقاً مث
عرض أسباهبا اليت كونتها مع األايم ومن مث نتائجها وأخطارها القادمة يف
حيايت ،وأال أتعجل يف عالج مشكالت دون النظر يف أسباهبا والتعرف على
أخطارها يف قادم األايم .تعرض السورة هذا النموذج املثايل يف عالج
املشكالت فوصفت املشكلة أوالً ( ويل لكل مهزة ملزة .الذي مجع ماالً
وعدده) وأابنت عن سببها الرئيس ( حيسب أن ماله أخلده ) مث وضحت
جبالء النتائج املرتتبة على ذلك ( كال لينبذن يف احلطمة .وما أدارك ما احلطمة.
انر هللا املوقدة .اليت تطلع عليها األفئدة .إهنا عليهم مؤصدة .يف عمد ممدة)
...
• وعلمتين :أن اجلزاء من جنس العمل ،ومن استقبل احلرمان لقيه ولو بعد
حني .كان هذا اإلنسان يف عافية من أمره حىت أقبل على أعراض اآلخرين مث
بُلي بسوء اخلواتيم والعياذ ابهلل ( كال لينبذن يف احلطمة ) وماله وللنار وقد
كان يف منأى عن الضالل ! ومن ابتلي ابخلوض يف أعراض اآلخرين ابتاله
هللا تعاىل مبوت قلبه عاجالً أو آجالً ،وقل أن جتد مشغوالً أبعراض اآلخرين
إال أشغله هللا تعاىل عن نفسه وأنساه مصاحله وأجرى عليه ذات السنن يف
قادم األايم .
سورة الفيل
• علمتين سورة الفيل :أن هدم ( األصول ) فكرة قدمية لدى األعداء ،وهذه
اهلجمة على سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بضعة من فكرة أبرهة يف
قصة هدم الكعبة ( وما أكثر أبرهة يف زمانك ! ) لقد رأى أبرهة أنه ال حيلة
ال طريق إىل إيقاف زحف هذا الدين ومتكنه يف قلوب العاملني إال إبزاحة هذا
فسري جيشه لتحقيق تلك األصل من خالل هدم الكعبة وتقويض بنياهنا ّ
األمنية ،وذات الفكرة اليوم تتجدد يف عقول أتباعه وهاهم جيهدون يف هدم
وتشويه أصول اإلسالم الكتاب والسنة يف صور كثرية تتجدد مع جتدد الزمان!
من تلك الصور التشكيك يف صحيح السنة ،والرتكيز على املتشابه من
النصوص ،وإاثرة اخلالف فيها ،ويف املسألة قوالن ،وثالثة ،واحلديث
ضعيف حىت ال يكاد يستقيم لك نص جتري عليه فصول دينك يف مستقبل
األايم .وما عاقل أحوج منه اليوم إىل تعظيم الوحي وإجالل شعائره والقيام
حبقه وتقديس مفاهيمه وأخذه من أهله الذين زكاهم هللا تعاىل يف كتابه
(فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ال تعلمون ) .
...
• وعلمتين :ضرورة العناية أبصول اإلسالم وإجالهلا وأن هذه األصول (الكتاب
والسنة ) أعظم مفاخر األمة على اإلطالق وهي خارطة الطريق وبوصلة
الشمال ! وليس يف األرض كلها أمة من األمم متلك خارطة ترى هبا معامل
متسك هبا وجهد يف
الطريق أوضح ما تكون كهذه األمة ومن عرف هذا املعىن ّ
حفظها وضبطها وميم وجهه إليها حىت أيذن هللا تعاىل له فيها ومن خالهلا
ابحلياة .فواجب حفظ هذا الوحي كبري وعظيم سواء من خالل زايدة فتح
حلقات التحفيظ كتاابً وسنة ،أو التدريس فيها ملن ميلك القدرة ،أو شرح
مضامينها وتعليم مفاهيمها لعموم املسلمني ،أو بعث أبنائنا إليها ودعمها
مالياً وفكرايً واجتماعياً حىت تصبح أول وأهم املفاهيم اليت أتخذ حظها من
عقول أبناء هذه األمة وتكون جزءاً مهماً ومؤثراً يف بناء منظوماهتم الفكرية
والرتبوية يف مستقبل األايم .
...
• وعلمتين :أن عدوك ال ينفك عن عدائك وأنه أحرص ما يكون على حربك
ومواجهتك بكل الوسائل املمكنة لديه ما استطاع إىل ذلك سبيالً فال تظنّن
يوماً أنه سيتخلى عن حربك ومواجهتك ،ومن فقهمك وكمال وعيك أن
تفقه هذه احلقيقة جيداً ،وأن تكون مستعداً غاية االستعداد جملاهبة تلك
احلرب املنظمة من خالل إميانك بدينك ،ويقينك حبقائقه ،وثباتك على
تتحصن ابلعلم حىت تكون أقدر على مواجهته يف ّ قيمك ومبادئك ،وأن
معركته القادمة معك .لقد حاول أبرهة بكل ما ميلك من قوة وعتاد أن يهدم
ويقوض هذا البنيان ويهدم ذلك األصل الكبري حىت يستطيع أن ميرر الكعبة ّ
أفكاره ومفاهيمه كما يشاء ،وعدو اليوم أمكن ألف مرة يف أدوات احلرب
اليت ميلكها وآلة حربه اليوم قضااي األفكار واملفاهيم اليت يريد أن يدير هبا ومن
خالهلا استبدال مفاهيم وتصورات دينك وإحالل مفاهيم وتصورات جديدة
يف مستقبل األايم .
...
• وعلمتين :أن دين هللا تعاىل سيظل حياً قادراً على البقاء مهما كانت قدرة
العدو الذي يواجهه .لقد أقبل إبرهة بكل ما ميلك وتركت قريش البيت له
وكان الطريق فسيحاً أمامه فتوىل هللا تعاىل شأنه ،ومل يتكلف له يف شيء وإمنا
بعث له طرياً حتمل أحجاراً صغرية جداً وجعلهم عربة للتاريخ ( فأرسل عليهم
طرياً أاببيل .ترميهم حبجارة من سجيل .فجعلهم كعصف مأكول ) وإنك
حني ترى تلك اجلنود اليت حشدها ذلك الطاغية مث ترى تلك النهاية اليت
صاروا إليها ( فجعلهم كعصف مأكول) ومن طري يف أفق السماء لتعلم يقيناً
أن هذا الدين سيبقى ما بقيت احلياة ،وأن كل صور الكيد واملعارضة اليت
تواجه هذا الدين مصريها الفشل واإلخفاق والتاريخ شاهد على ذلك ،وما
مصاولة فرعون ،وأقوام الكفر من زمن نوح إىل زمان نبينا صلى هللا عليه وسلم
إال بعض صور تلك احلقيقة الكربى ويف النهاية إىل الضياع .
...
• وعلمتين :عظيم قدرة هللا تعاىل ،وأن هللا تعاىل إذا أراد أمراً قال له كن فيكون
إن الناظر إىل الصورة واملشهد يف بدايته ال يكاد يشك أن الكعبة إىل زوال ،
وأن هذه هناية بيت هللا تعاىل من األرض ،وأنه ال يبقى أصل يتهادى إليه
العاملون يف مكان مث ما هي إال حلظات والقوم صرعى كالزرع الذي أكلته
الدواب وألقت عليه أبقدامها حىت جعلته رفااتً وابنت احلقائق أظهر ما يكون!
وما أكثر هذه املشاهد يف أعداء هللا تعاىل من فجر التاريخ إىل يومنا هذا وما
زالت تتكرر وتتعدد مشاهدها واملصروف من صرفه هللا تعاىل عن هذه املشاهد
وألقى به إىل الضياع .ويف احلديث ( إن هللا ميلي للظامل حىت إذا أخذه مل يفلته
) وقرأ قول هللا تعاىل (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظاملة إن أخذه
أليم شديد )
...
• وعلمتين :عاقبة املعصية وشدة خطرها وسوء شؤمها على أصحاهبا وال أدل
على ذلك من منظر أولئك الطغاة وهم صرعى على األرض بعد أن كانوا
يرفلون يف النعيم كما يشاؤون ( أمل تر كيف فعل ربك أبصحاب الفيل .أمل
جيعل كيدهم يف تضليل ) .لقد أخذ منهم الغي والباطل كل شيء وبلغ من
نفوسهم كل موقع ونسوا كل عربة وطغوا حىت تطاولوا على هللا تعاىل ورأوا أهنم
أقدر على هدم بيته ومواجهة دينه وقتل أوليائه وكذلك تفعل املعاصي
أبصحاهبا ! خيرجون كل مرة من عنق الزجاجة ،وتفرج عنهم أبواب السجون
ويعودون لذات املكان من جديد ،وجتري عليهم أحداث الفشل واإلخفاق
من جديد .ومن قرأ فصول التاريخ أدرك ما تصنع املعصية أبصحاهبا يف
النهاايت .
سورة قريش
• علمتين سورة املاعون :أن اإلسالم كما هو عالقة بني اخلالق واملخلوق فهو
كذلك عالقة بني املخلوقني بعضهم البعض ! وأخطر املفاهيم اليت تواجه
كثريين اليوم هذا الفصل الشائع بني املعنيني مما ولّد خصاماً سافراً يف الواقع
فرتى حريصاً على شعائر هللا تعاىل من الصالة والصيام وغريها من العبادات
وهو ذاته الذي ال يتحرج من االعتداء على حقوق االخرين فيأكل مال يتيم
،ويعبث حبق زوجه ،ويعتدي على جاره ،ويظلم عامله وجتري منه فصول
كثرية وهو ال يكاد يتخلّف عن مساجد هللا تعاىل يف شيء ! وإذا أعدت
قراءة هذه السورة مراراً فسرتى هذه احلقيقة املرة واليت يص ّور فيها القرآن أن
أعظم صور التكذيب بيوم القيامة وأشدها أثراً يف حياة صاحبها عدم رعايته
حلقوق هؤالء األيتام واملساكني ( أرأيت الذي يكذب ابليتيم .فذلك الذي
يدع اليتيم .وال حيض على كعام املسكني) إن املتأمل يف حياة املسلمني اليوم
يرى فوضى كبرية وخملة يف هذا املعىن ترى فيها املصلي الصائم التايل لكتابه
تعاىل هو ذاته القاطع لرمحه ،واملخاصم جلاره ،واملختلف مع زوجه ،وهو
ذاته الذي تدار املعارك صباح مساء مع أبنائه مث إذا أذّن املؤذن للصالة ميم
وجهه إىل بيت هللا تعاىل مصلياً متعبداً حافظاً هلذا احلق العظيم مث ما أن يلبث
أن خيلع كل تلك العبادة مع أول قدم خيرجها من املسجد وتبدأ فصول
اخلصومة والنزاع وأكل أموال الضعفاء والظلم جتري يف فصول حياته يف يومه
وليلته زمناً من الدهر ،وهذه آاثر ذلك اخللل الكبري يف األفكار واملفاهيم
تكون هذا الفصل الكبري يف مفاهيم العبادة فأخذت هذهوالتصورات حىت ّ
األخطاء مساحتها من واقع األمة .
...
• وعلمتين :أن اإلسالم يرعى حقوق الضعفاء والفقراء واملساكني ويعتين بشأهنم
وخياصم من يؤذيهم أو يقف هلم يف عرض الطريق للدرجة اليت جيعل من أعظم
صفات املكذبني بيوم القيامة من ال يرعى تلك احلقوق أو يقوم هلم بتلك
الواجبات ،وإذا أردت أن تعرف حقوق هؤالء فاقرأ نصوص الوحيني بوعي
جتد كل شيء ! هذا اإلسالم يدعوك لرعاية هذه الفئات والقيام بشؤوهنن
والسعي هلن بكل ممكن ويف احلديث قال صلى هللا عليه وسلم ( أان وكافل
اليتيم كهاتني يف اجلنة) ،وقال صلى هللا عليه وسلم (الساعي على األرملة
واملسكني كاجملاهد يف سبيل هللا ) فتأمل هذه املعاين وانظر ألثر هذه الثغور
اليت جتعل مالزمها أقرب الناس برسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،وكالواقف
على ثغور اجلهاد وهو مل خيرج قيد شرب ! فكيف إذا أدركت أن هذا العمل
موجب حلصول بركات الرزق والنصر قال صلى هللا عليه وسلم ( إمنا تنصرون
وترزقون بضعفائكم ) وهذه املعاين من فروض الكفاايت مىت ما تُركت حلق
األمة بفواهتا إمث كبري ،وهي أحوج ما تكون إىل صاحب راية وختصص يرفع
عن األمة إمثها يوماً من الدهر ،وأنت انظر إىل واقعك من هذا املعىن الكبري
،وأتمل سريتك يف رحاب هذه املساحة ،واجعل لنفسك منها نصيب
الفاحلني مبا تستطيع ،وكم من وقت أو جهد أو فكرة أو مساحة عمل يف
ظالل هذا املعىن جرى عليك بنعيم الدارين !
...
• وعلمتين :أن عنايتك أبولوايتك واالهتمام هبا من أعظم ما ينبغي أن يسيطر
على تفكريك حىت أتيت منها على أمانيك ،وقضية الصالة أول ما ينبغي أن
تكون يف ُسلّم أولوايتك وقد بلغك أهنا ركن اإلسالم الثاين ،واتركها كافر
والعياذ ابهلل تعاىل ،وأول سؤال تُسأله عنها بني يدي هللا تعاىل يوم القيامة
ويف الرتمذي وصححه األلباين قال صلى هللا عليه وسلم ( أول ما حياسب
عليه العبد الصالة ) وظل نبيك صلى هللا عليه وسلم يوصى هبا وهو يف
سكرات املوت ( هللا هللا يف الصالة) وإذا كان املصلي متوعد على فوات بعض
حظوظها من واقعه وهو يصلي فكيف مبن ّفرط فيها وضيعها من أصلها وهللا
املستعان ! إن من فقهك أن جتل صالتك وأن تتوجه إليها مع أول صوت
املؤذن وأن تتهيأ هلا غاية وسعك مث إذا أقبلت إليها أقبلت وأنت تعلم أن هللا
تعاىل قبالة وجهك وأي انصراف بقلبك عنها مؤذن ابنصراف اخلريات بني
يديك ،وقد قال ابن القيم رمحه هللا تعاىل :والصالة جملبة للرزق ،حافظة
للصحة ،دافعة لألذى ،مطردة لألدواء ،مقوية للقلب ،مفرحة للنفس ،
مذهبة للكسل ،منشطة للجوارح ،ممدة للقوى ، ،شارحة للصدر ،مغذية
للروح ،منورة للقلب ،حافظة للنعمة ،دافعة للنقمة ،جالبة للربكة ،مبعدة
للشيطان ،مقربة من الرمحن ،وابجلملة :فلها أتثري عجيب يف حفظ صحة
البدن والقلب وقوامها ودفع املواد الرديئة عنهما ،وما ابتلى رجالن بعاهة أو
داء أو حمنة أو بلية إال كان حظ املصلي منهما أقل وعاقبته أسلم .اهـ
...
• وعلمتين :أبن أخطر األمراض اليت تواجهك ليست األمراض احلسية اليت
ميكن عالجها يف أقرب مشفى ،وإمنا األمراض املعنوية اليت ال يعتل منها
جسدك الظاهر وال تلقى هلا عقبات مباشرة يف طريق يومك وليلتك ولكنها
تنخر يف حياتك وتذهب بعملك وتضيع جهدك وتُس ّفك الرمل احلار بعد كل
عناء وجهد ووقت قال تعاىل ( الذين هم يراؤون ) الرايء :أن تعمل عمالً يف
أصله قربة لربك ويف حقيقته رغبة يف مدح من حولك واستكثاراً من شكرهم
وتقديرهم فال أنت الذي عبدت ربك وال أنت الذي لقيت من املخلوقني ما
يعوض جهدك وتعبك ! كم من عمل كبري ح ّقرته النية ! وكم من عمل صغري
عظّمته النية ! وقد قال الفضيل رمحه هللا تعاىل :إمنا يريد هللا تعاىل منك نيتك
على من نييت ،وإذا
.وقال سفيان رمحه هللا تعاىل :ما عاجلت شيئاً أش ّد ّ
أردت أن تعرف خطر الرايء فتأمل حديث ربك يف احلديث القدسي ( :أان
أغىن الشركاء عن الشرك من أشرك معي غريي تركته وشركه ) ،وحديث الثالثة
(اجملاهد ،وحافظ القرآن ،واملتصدق ) الذين جهدوا وتعبوا وبذلوا ولكن يف
تسعر هبم انر جهنم يوم القيامة ،وكل واحد
غري طريق ويف النهاية هم أول من ّ
من هؤالء يقول لربه إمنا فعلته من أجلك فيقول كذبت إمنا فعلته من أجل كذا
وقد قيل ! فيمم وجهك إىل ربك ،واصدق معه قدر وسعك ،وأكثر من
األعمال الصاحلة فيما بينك وبينه وسله أن يسل من قلبك عاجل ثناء
املخلوقني ويقبل بك عليه إنه جواد كرمي .
...
• وعلمتين :أن مثة أخالق ال تليق ابلكبار ،وال تصلح للمؤمنني يف شيء ،
وهي أخالق البخل والشح قال تعاىل ( ومينعون املاعون ) وليس املاعون هو
قدرك ودلوك الذي متنعه اآلخرين ،وإمنا جيري يف صورة كثرية تفوق احلصر
منها طالب علم ظن بكتبه ومذكراته اليت كتبها على زميل حمتاج هلا ،وصاحب
من هللا
علم قعد يف بيته رغم حاجة مسجد احلي إلمام أو لدرس ،ومنها َمن ّ
تعاىل عليه جباه ومسؤولية ومكانة ولكنه مل يستثمرها يف مشروع لدينه ومنهجه
وظل كالً على من حوله ،أو ذلك الذي أعطاه هللا تعاىل ماالً مث ال جيد ما
يسد به جوعة حمتاج أو فقري أو مسكني ! وجتري هذه الصور يف حياة إنسان
معه سياراتن وال حاجة له على األخرى وجاره حمتاج هلا وهو يبخل هبا ،أو
زميل ميلك رصيداً من علم الفرائض ،أو احلاسب ،أو اللغة اإلجنليزية ومل
يهب ملن حوله من ذلك شيئاً ،أو تلك اليت متلك فستاانً للفرح ولكنها ضنّت
به على من حتتاج إليه يف حالك الظرف .وهي دعوة يف املقابل أن تكون كرمياً
جواداً ابذالً معطاءً سواء يف طاقاتك وقدراتك ومهاراتك ،أو يف مالك
وشفاعتك ،أو حىت يف طالقة وجهك وكن جزءاً من احلياة ومساحة من الربيع
تلقى كل شيء .
سورة الكوثر
• علمتين سورة الكوثر :حب هللا تعاىل ألوليائه ورعايته هلم ودفاعه عنهم وتذكرك
بقول ربك تعاىل يف احلديث القدسي ( من عادى يل ولياً فقد آذنته ابحلرب)
حني وصف الكفار نيب هللا تعاىل أبنه أبرت ال عقب له وأنه ال أييت له ولد إال
وعريوه بذلك توىل هللا تعاىل الدفاع عنه وأغدق على مشاعره برد تلك
مات ّ
التهم الفارغة وأخربه بعطائه الكبري وسالّه أبنه هو الواصل وغريه املقطوع (إان
أعطينك الكوثر .فصل لربك واحنر .إن شانئك هو األبرت ) ومن قرأ تفاصيل
هذا املعىن يف كتاب هللا تعاىل ويف سنة رسوله صلى هللا عليه وسلم جرت احلياة
يف مشاعره إىل أقص مدى ! ويف احلديث القدسي قال هللا تعاىل ( وما تقرب
إىل
إىل مما افرتضته عليه ،وما يزال عبدي يتقرب ّ
إىل عبدي بشيء أحب ّ ّ
ابلنوافل حىت أحبه ،فإذا أحببته كنت مسعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصره
به ويده اليت يبطش هبا ورجله اليت ميشي هبا ،وإن سألين ألعطينه ،ولئن
استعاذين ألعيذنه ،وما ترددت يف شيء ترددي يف قبض نفس عبدي املؤمن
يكره املوت وأان أكره مساءته ) فتأمل هذه الصورة وقارهنا بتلك اليت توىل هللا
تعاىل فيها الدفاع عن نبيه وواجه أعداءه وسلى مشاعره وكفاه مؤنة أولئك
األعداء لتعلم قول هللا تعاىل ( أال إن أولياء هللا ال خوف عليهم وال هم حيزنون
.الذين آمنوا وكانوا يتقون ) وإذا كانت احلقائق كذلك فاعقد العزم على
صناعة هذه الوالية يف واقعك وستجري أحداثها الكربى يف حياتك يوماً من
الدهر .
...
• وعلمتين :أن الثبات على احلق والصلة ابهلل تعاىل واالنشغال ابلعمل الصاحل
أعظم ما تواجه به عدوك ،وأكرب الردود على املعرضني من حولك حني يتوجه
إليك عدوك ويقف يف وجهك ،ويزاحم طريقك ،ويقف نداً لك فال تنشغل
ابلرد عليه واخلصام معه واالنشغال به وتنصرف عن مشروعك وفكرتك
وقضيتك بل توجه إىل ربك وأقبل عليه واصلح ما بينك وما بينه وهو تعاىل
سيتوىل عنك كل شيء ،ترى يف السورة أن هللا تعاىل مل يدل رسوله صلى هللا
عليه وسلم هللا على الدفاع عن نفسه وتربئتها مما عريوه به وإمنا دله على العبادة
وأوصاه أبن ميسك ابلطريق من خالل هذا املعىن الكبري ( فصل لربك واحنر )
يشوش علينا مشاريعنا
ما أكثر ما يعرض لنا العدو يف الطريق ! وما أكثر ما ّ
ويوقفنا عنها دون وعي .كم هي األحداث اليت دامهت األمة وما زالت وكم
أخذت منا من متابعة ألخبارها وحتليل جملرايهتا وفرز ألحداثها وما إن تنتهي
حىت تبدأ حرب أخرى بذات الصورة ويف مساحة أخرى وأتخذ منا ذات
األوقات أو أكثر مث تضيع أعماران يف تلك املساحات فال حنن الذين دفعنا
مبشاريعنا لألمام ،وال حنن الذي أقبلنا على هللا تعاىل وأجرينا احلياة يف نفوسنا
من خالل ذلك املعىن الكبري ،وربح العدو مرتني مرة يف مساحة األرض اليت
قرر فيها احلرب ،واألخرى يف املساحة اليت هو مبنأى عنها حني أشغل بعضاً
من خصومه عن مواجهته الفعلية ابهلوامش والفوضى يف عرض الطريق .تعلم
يف كل مرة أال تنشغل بعدوك إذا مل تكن يف أرضه ومساحته اليت جيري فيها
احلرب واعترب تلك الدائرة على اإلسالم يف مساحة ما فرصة لتمتني دينك
والعناية مبشروعك حىت إذا ما انتهت احلرب فإذا بك متيناًكبرياً يف مساحاتك
ودائرتك ،ولن تعد فكرة أو دعوة أو مشاركة تسهم هبا يف عون أخيك املسلم
هناك وال أتخذ منك زمناً .
...
• وعلمتين :أن إدارة األولوايت أعظم ما ينبغي أن تنشغل به يف يومك وليلتك
( فصل لربك واحنر ) ! ( فصل لربك واحنر ) يف غمرة األحداث اليت تواجهك
،والظروف اليت تعرتضك ،والعقبات اليت يشنها العدو يف طريقك ،وهي
رسالة أال يعيقك عن مشروعك وفكرتك وقضيتك األم شيء آخر ،وأن
أعظم شيء تواجه به معارك اخلصوم طاعتك لربك ورعايتك ألولوايتك
وانشغالك بفكرتك مهما كانت اخلطوب من حولك .يف مرات كثرية ويف
خضم ظروف احلياة الضخمة تواجه اإلنسان مشكالت وعقبات يف الطريق
خيتل فيها توازن اإلنسان وأولوايته وينشغل هبا للدرجة اليت تذهب أوقاته أعز
ما ميلك يف مواجهة تلك املشكالت أو حماولة إصالحها وترميمها ،ووصية
الوحي لك أن تعود إىل ربك وتعيد بناء نفسك من خالل إحياء عالقتك به
تعاىل ،وهلل كم من عوائد هلذا املعىن على صاحبه ! وكم من أفراح تغشى
مشاعره ! وكم من أحداث ربيع يف فكرته ومشروعه وقضيته ! ومن قرأ وصية
هللا تعاىل الكربى لنبيه صلى هللا عليه وسلم يف ابكر تكليفه ( اي أيها املزمل .
قم الليل إال قليالً .نصفه أو انقص منه قليالً .أو زد عليه ورتل القرآن ترتيالً)
أدرك هذا املعىن الكبري جبالء ومثلك أوعى بفقه درسك وأعرف أبولوايتك
وأعظم من جتري عليك مشاهد زمانك مث ال يكون لك فيها ذكرى وعظة !
إذا دمهتك األحداث فيمم وجهك إىل هللا تعاىل ،وأدم الوقوف بني يديه،
وأطل سجودك ،وأحسن التضرع إليه ما استطعت إىل ذلك سبيالً وليكن
هجرياك ايرب ،ايرب وستجري لك فصول الربيع من جديد وحتني موعد
القطاف .
سورة الكافرون
• وعلمتين :أن الثبات على القيم واملبادئ من أعظم ما مييّز أصحاب احلق
وأنه مهما كانت الظروف اليت تواجههم يف تلك احلقبة أو تقف يف طريق
أحالمهم ال ميكن أن يتنازلوا عن مبادئهم وأفكارهم وقضاايهم اليت حيملوهنا
حىت أيذن هللا تعاىل آبماهلم اليت حيلمون بتحقيقهم يوماً ما .إن دور املصلحني
سواءً كان آابءً أو دعاة أو مربني إيضاح الطريق وإقناع العاملني به وبيان ما فيه
من احلياة ليس إال وما بعد ذلك فاألمر هلل تعاىل من قبل ومن بعد وهذا املعىن
الكبري يف بداية الدعوة ( قل اي أيها الكافرون .ال أعبد ما تعبدون .وال أنتم
عابدون ما أعبد ،وال أان عابد ما عبدمت .وال أنتم عابدون ما أعبد لكم
دينكم ويل دين ) بيان لتلك احلقيقة يف أول أايم الدعوة وأول بشائر احلق يف
األرض فأما اليوم فقد ابن كل شيء واجنلت غبار األوهام وابت كل شيء
أوضح من الشمس يف رابعة النهار .لقد عُرض على النيب صلى هللا عليه
وسلم يف ابكر الدعوة األموال والزواج وكل شيء من أجل أن يتوقف عن
فكرته وقضيته وعقيدته الكربى فما زاد على أن قال ( ما أان أبقدر على أن
أدع لكم ذلك على تشعلوا يل منها شعلة ) أي الشمس ! حسنه األلباين
وحتمل يف سبيل ذلك الثبات كل وسائل التعذيب من سجن وحصار وطرد
وحتمل أعباء الغربة وُكسرت رابعيته ووضع سلى اجلزور
وإبعاد وخروج من بلده ّ
على رقبته وما زاده ذلك إال يقيناً ابحلق الذي معه حىت جاءت احلقائق تزدلف
بني عينيه وحان موعد النصر الكبري ودخل مكة ورأسه يطاول السماء وعاد
مجلة كبرية وأعداد ضخمة من أمم الكفر مسلمة مؤمنة بدين هللا تعاىل وآمنت
ابألفكار اجلديدة وأعلنت والءها للعقيدة اليت حيملها صلى هللا عليه وسلم
وجرت احلياة كما يريد هللا تعاىل وصنع الثبات حقائق التاريخ كما يشاء .
سورة النصر
• علمتين سورة النصر :أن حتقيق أحالمك ،وبلوغك آمالك سيأيت ولو بعد
حني ! كم بني هذه احلقيقة اليت خيرب هللا تعاىل هبا يف هذه السورة ( إذا جاء
نصر هللا والفتح .ورأيت الناس يدخلون يف دين هللا أفواجاً ) وبداايت الدعوة
،وصراع العقبات ،وأحاديث النصر واهلزمية ! كم بني هذه البشارة الضخمة
اليت يتلقاها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وبداايت الطريق وأايم احملن والبالء
وحوادث الزمان اليت مر هبا صلى هللا عليه وسلم يف تلك احلقبة من الزمن !
من كان يقول أبن الذي وقف على الصفا وحيداً هو الذي سينتصر يف النهاية!
أو من كان يتوقع أن الطريد من أرضه ،واحملصور يف شعب أيب طالب ثالث
سنوات حىت أكل ورق الشجر هو الذي ستشرق له مشس النهاايت ابلنصر
والتمكني ! جناحك مرهون بصربك وبالئك يف الطريق ،و املشاريع الضخمة
واألفكار الكبرية حتتاج إىل نوع من التضحيات يليق هبا ويصنع هلا احلياة .
تذ ّكر وأنت يف الطريق إىل تلك األحالم هذه النهاايت فما من طريق إال وله
هناية ،وما من بداية إال وتنتظر اخلواتيم ،وغداً سيحني ربيع أايمك وجتري
أحالمك كما تشاء وتلقى كل غيب كنت ابألشواق إليه وإان غداً لناظره
لقريب !
...
• وعلمتين :أن النجاح الذي يتحقق لك يف النهاايت ،والفوز الذي تلقاه يف
اخلواتيم إمنا هو توفيق هللا تعاىل وهدايته لك وليس لك من ذلك إال بذل
األسباب ،لقد بذل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لدينه ومنهجه كل شيء
حىت أنه ُجرح وشج وجهه وكسرت رابعيته ووضع سلى اجلزور على ظهره
وحصر يف شعب أيب طالب سنوات وطرد من بلده وعاش غموم احلياة وخيربه
هللا تعاىل يف النهاايت ( إذا جاء نصر هللا ) نصر هللا تعاىل وليس نصرك ،
وتوفيق هللا تعاىل وليس ذكاؤك ،وعطف هللا تعاىل عليك وليست قدراتك وال
مهاراتك وال إمكاانت ،ليس نصرك وال جهدك وال تعبك وإمنا نصر هللا تعاىل
وحمض توفيقه وتفضله عليك فامحد هللا تعاىل وتذلل له واشكره على كل ما
حتقق لك فهو الذي اختارك واصطفاك لذلك املعىن الكبري ،وهو الذي شرح
صدرك له ،وأقبل بك عليه ،ويسر لك الطريق ،ودفع عنك العقبات وأعانك
وما زال بك حىت جاءت تلك األماين كما تريد واحفظ وصية هللا تعاىل لنبيه
صلى هللا عليه وسلم يف مشاهد اخلتام ( فسبح حبمد ربك واستغفره إنه كان
تواابً ) وما جرى مع رسولك صلى هللا عليه وسلم سيجري عليك ال فرق ،
فالدين دين هللا تعاىل ،واألمر أمره وله كل شيء وحسبك بذل األسباب
والناصر هو هللا تعاىل وكن على يقني أبن ما جيري لك من نصر ومتكني يف
طريقك إمنا هو فضل هللا تعاىل عليك وآمن أنك ابهلل وأنت بدونه ال شيء .
...
• وعلمتين :أن قناعات الناس ابحلق الذي معك ،وإمياهنم أبفكارك ،وقبوهلم
لقضيتك ال أتيت يف العادة مبكراً بل قد يطول زمان انتظارها كثرياً فإايك
واليأس من االنتظار ! األفكار الضخمة واملبادئ الكربى حتتاج إىل زمن طويل
حىت أتخذ حقها من قلوب الناس ومشاعرهم ،كم مرة قال فيها النيب صلى
هللا عليه وسلم ( اي أيها الناس قولوا ال إله إال هللا تفلحوا ) ؟ وكم مرة خاصموه
وجفوه وضربوه يف سبيل مدافعتهم لتلك األفكار اليت تريد أن ختلصهم من
ضالهلم وتبين هلم احلياة ؟ كم مرة انفض ذلك االجتماع الكبري نفوراً من تلك
املفاهيم اليت يطرحها النيب صلى هللا عليه وسلم ؟ وكم مرة خاصموه (أجعل
اآلهلة إهلاً واحداً إن هذا لشيء عجاب ) ؟! ولكنه صلى هللا عليه وسلم كان
مصراً على مدار عشر سنوات وعلى ذات الفكرة واملفهوم والقضية ( اي أيها
الناس قولوا ال إله إال هللا تفلحوا ) حىت حان موعد األحالم ! حىت تعلم أنه
إذا آمنت بفكرة أو قضية أو مشروع وأردت له احلياة فال بد أن يرضع أوالً
من قناعاتك حىت الري مث إذا خرجت به للعاملني عاش حياً حىت حيني موعد
األفراح ! ختيّل تلك احلقبة من الزمن وتلك الفئات ختاصم وتنازع وجتادل وبل
وتقاتل دون التخلي عن األفكار اليت عاشوا عليها واملفاهيم اليت رضعوها من
زمن اجلاهلية وظل النيب صلى هللا عليه وسلم مؤمناً بربيع احلياة القادم وحيني
ذلك اليوم وتتخلى تلك األجيال عن اجلاهلية من أصلها وترضى حبلول
األفكار اجلديدة يف واقعها بل تتبىن األفكار اجلديدة وتؤمن ابلعقيدة الكربى
وتصبح جنوداً مرابطة يف الثغور بعد طول انتظار .هلل ما أحوجنا للصرب قليالً
،وما نراه بعيداً هو يف احلقيقة أقرب ما يكون وكل شيء أردان له احلياة فال
بد أن جيري يف فلك الصرب واالنتظار حىت حيني موعد فجره القادم إبذن هللا
تعاىل .
سورة املسد
• علمتين سورة املسد :قضية املشروع وأمهيته يف حياتك ودوره يف بقاء ذكرك
حياً يف العاملني وما أنت حباجة إىل شيء حاجتك إىل اعتناق ( مشروع عمر)
تبذل فيه وقتك ،وتصرف له جهدك وفكره وتناضل من أجله ما بقيت حياً!
وتذكرك السورة أبن من كمال عقلك وفقهك ووعيك أن تكون أفقه من أيب
كون
هلب وأوىل منه مبشروع احلياة ! لقد عاش هذا الضال بذات الفكرة ،و ّ
له مع األايم قضية ومهمة يف الضالل وبقي ينازع فيها اإلسالم وأهله حىت
مات وهو على ابطل ،أفال يكون لك مشروع عمر وقضية حياة تستميت
فيها كما استمات فيها ذلك الضال فتعيش كبرياً يف أمتك وصانع حدث
ضخم يف مساحتك ،وصاحب ذكر حسن بعد رحيلك ! لقد عاش أبو
هلب يطارد النيب صلى هللا عليه وسلم وكلما وقف يف مكان يدعو الناس لدين
هللا تعاىل قال هذا الضال أان عمه وهو كاذب صابئ ! وليس هذا املوقف يف
ودع الدنيا .أفال تكون أنت
يوم أو شهر أو عام وإمنا أفىن فيه عمره حىت ّ
أقدر على فكرة تصنع هبا جمداً لدينك ،وتدفع هبا آماله وآمالك الكبار ،
وتكتب هبا حظك يف الدارين ! احلديث عن مشروع حديث عن قضية كربى
بكامل تفاصيلها وأحداثها ،مشروع تتضح يف ذهنك أهدافه وتستويل فكرته
على فكرك وعقلك وتبذل فيه مجيع طاقاتك ،وكل فكرة ال تقتات من قلب
صاحبها ال تستطيع أن تعيش مستولية على فكره وعقله ويبذل هلا كل شيء
فخذ مشروعاً يتوافق مع طاقاتك وقدراتك وإمكاانتك وابدأ رحلة األشواق
إليه وقريباً إبذن هللا تعاىل جتري أرابحك كما تشاء .
...
• وعلمتين :أن أاب هلب وهو على فكرة ضالة استثمر كل طاقاته وإمكاانته
وقدراته لصاحل مشروعه الباطل (ما أغىن عنه ماله وما كسب ) فَ َجنَّد له ماله
ومكانته ووقته وبذل يف سبيله كل شيء ،وإذا كان هذه حال صاحب الباطل
مع أفكاره ومفاهيمه وتصوراته فال أقل من أن تضرب بسهمك يف احلق الذي
معك وتشارك بكل ما متلك ،وإذا كان للباطل رجل فللحق ألف رجل !
جيب أن تؤمن أن الرجال أبفكارها ومفاهيمها وتصوراهتا واجملتمعات الناهضة
ال حتسب بكثرة أفرادها وإمنا حتسب بفاعلية أولئك األفراد! ومن فقهك
ووعيك إذا اعتنقت فكرة ،وأخذت قضية ،وتبنيت مشروعاً ،ووقفت على
حتول له كل شيء وأن تبقى فيه ال تتنازل عنه ما بقي بك
ثغر ألمتك أن ّ
الزمن ،ومثلك أوعى أال يكون الشقي الضال أوىل منك بفكرة احلياة اليت
تستحق النضال ! ما أحوجنا اليوم إىل تبين األفكار والعيش هلا والبذل يف
سبيلها والتضحية من أجلها حىت نوردها النهاايت .وقد جرت السنن أن من
أخذ شيئاً حبقه جرت أحداثه الكربى بني عينيه فضالً عن مشاهد اخلتام
الكربى بني يدي هللا تعاىل ! ميكنك أن تتأمل يف فكرك وقلمك ووقتك
وجاهك ووظيفتك مث ترى ما الذي ميكن أن ترّكز عليه منها مث تصنع هبا ومن
خالهلا احلياة .
...
• وعلمتين :أن صاحب املشروع والقضية والفكرة املدهشة ال يكتفي هبا يف
واقعه فحسب وإمنا جيري أحداثه يف كل من حوله بدءاً أبهل بيته ومروراً
ابلعاملني من حوله ! لقد عاش أبو هلب فكرته ومشروعه وقضيته وما زال هبا
حىت أقنع زوجه بكل تفاصيلها فخرجت من بيتها ومحلت فكرته ومحلت
حطب املعارضة على ظهرها وخرجت تلقي به يف طريق النيب صلى هللا عليه
وسلم أمام العاملني .إن أاب هلب مل يكتف أبن صنع من زوجه الضالة مجهوراً
مشجعاً ورافداًكبرياً لفكرته ومشروعه فحسب وإمنا جعلها من أنصاره وأعوانه
حىت خرجت بذات الفكرة تنوء أبثقاهلا يف العاملني ! وما حاجتنا اليوم لشيء
حاجتنا لزوج يقنع زوجه حبجاهبا الشرعي ،ويغريها بفكرته وقضيته ومشروعه
الكبري حىت تشعر برواء اإلسالم يف مشاعرها قبل أن يقنعها حبمل أثقال
املشروع يف مستقبل األايم ،وقل مثل ذلك يف حق الزوجة اليت تعيش مشروعها
من خالل تربية أبنائها ليكونوا أنصاراً يف مشروع اإلسالم الكبري وأعواانً له يف
الطريق ! ومثل ذلك القائد يف مؤسسته واملدير يف دائرته كل هؤالء يتوقع منهم
أكرب مما صنع أيب هلب لفكرته ومشروعه .ولعل يوماً يدين لنا أحالم الناهضني!
...
• وعلمتين :أن أاب هلب كان ميلك عادة املبادرة وهو أول من وقف أمام النيب
صلى هللا عليه وسلم حني دعا قريش لإلسالم فقال لرسول هللا صلى هللا عليه
إمام
وسلم ( تباً لك أهلذا مجعتنا ) ! وما زال ينوء أبمحاهلا وأثقاهلا وكلما وقف ٌ
يف حمراب ذ ّكران أبثرها عليه وأمحاهلا الضخمة يف واقعه فهو يُسب يف كل حلظة
وجيري وعيد هللا تعاىل عليه بنار جهنم إىل يوم الدين ! وقد قال صلى هللا عليه
وسلم ( من سن يف اإلسالم سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل هبا إىل يوم
القيامة ) ومن فقهك أن تدرك أثر هذا املعىن يف حياتك فال تكون رأساً يف
ابطل ،وال صاحب مبادرة يف منكر وال تسن سنة سيئة وحتيي أثرها يف العاملني
بعد موهتا فتبوء آباثرها يف الدارين ! وتذكر يف املقابل أثر املبادرات الصاحلة يف
حياتك ،وأن من سن حسنة فله أجرها وأجر من عمل هبا إىل يوم القيامة ،
وما حاجة األمة اليوم شيء حاجتها لصانع مبادرة يف واقعه ،وكاتب لقصة
حياة جتري أحداثها يف العاملني ما بقيت الدنيا .ميكنك أن تكون رأساً يف
ختفيف تكاليف الزواج ،أو يف إحياء قيم ومثل يف جمتمعك ،وميكنك أن
تفتتح درساً يف مكان فقد هذا املعىن ،أو تقيم حلقة لتحفيظ أبناء احلي أو
متشوف لتلك األماين ،أو تشارك يف بناء فكرة أو رأي تصنع
بناته يف مكان ّ
هبا احلياة من حولك .
...
• وعلمتين :أن وجود العقبات يف الطريق سنة من سنن هللا تعاىل من فجر
التاريخ إىل يومنا هذا ،ولن أييت فجر خالياً من أحداثها فيمم وجهك وقلبك
ومشاعرك لربك تعاىل ،واثبت يف طريق أحالمك ،وكن جاداً يف تبين قضية
دينك ،وال توهنك عقبات الطريق وبني عينيك أحالم الدارين .هذا رسولك
صلى هللا عليه وسلم ويف أول يوم من أايم دعوته والباطل يف طريقه ،والعقبات
تزدحم بني يديه وال معني يسلي قلبه ومشاعره يف األرض فضالً من عون
وصاحب جيلي عنه العقبات ،وأنت كذلك حني تبدأ يف فكرتك ومشروعك
وقضيتك فال تستغرب ما تلقاه يف الطريق إىل تلك األحالم ،وكن على قدر
فكرتك وقضيتك ومشروعك جتد أمانيك كما تشاء .يف مرات كثرية ستكون
العقبات اليت تواجهك من داخل بيتك ومن وأهلك ،ويف مرات أخرى من
بيئتك اليت تعيش فيها وجمتمعك الذي نشأت فيه ومن قومك ،ويف اثلثة من
الظروف اليت حتيط بك وتلقي بظالهلا على واقعك ،ويف كل هذا تعلّم أال
تستلم لعائق مهما كان حجمه وال تقف أمام عقبة وكان ميكنك أن تدفعها
من طريقك ،وإايك أن تستلم وأنت ترى بوارق الفجر ،أو تقف حائراً يف
عرض الطريق ومل يعد بينك وبني أحالمك سوى مسافة الطريق ،أو تغشى
مشاعرك احلسرات وقد آن كل شيء ! كن بطالً يف مساحتك ،ومتفائالً ال
تفت يف عضدك املشكالت ،وإايك أن تتخلى عن رايتك أو تتنازل عن
فكرتك حىت أيذن هللا تعاىل ابلغيث وتعود األرض ربيعاً مورقاً مع األايم .
...
• وعلمتين :أن اإلسالم سيبقى منصوراً ّ
متفوقاً يف كل زمان ومكان مهما
كانت الظروف اليت يواجهها ،والعقبات اليت يلقاها ،واألحداث اليت تعرض
له يف الطريق ،هذه سنة هللا تعاىل يف الكون ما بقيت الدنيا .ويف املقابل
سيظل الباطل مهزوماً مدحوراً مهما زانت له األايم ،وستحني ساعات فشله
وإخفاقه وكساده ولو طالت به ذكرايت النصر املوهوم مع األايم ! وما هذا
املوقف الذي تقصه سورة املسد ( تبت يدا أيب هلب ) إال جزءاً من هذه
احلقيقة الكربى ،كان ابألمس يف بداية اإلسالم وليس يف األرض سوى النيب
صلى هللا عليه وسلم ،وكان الكفر يف املقابل ومعه أمم األرض ،ومن تلك
اللحظة إىل يومنا هذا واإلسالم يزيد وال ينقص ،ويكثر وال يقل ،ويطول وال
يقصر ،ويتسع وال يضيق ( وأيىب هللا إال أن يتم نوره ولو كره الكافرون) ،
(هو الذي أرسل رسوله ابهلدى ودين احلق ليظهره على الدين كله ولو كره
الكافرون) وليس غري هذه احلقيقة إىل قيام الساعة .إن هذا املعىن كفيل ببث
روح األمل واحلياة يف قلبك ،وبعث روحك من جديد ،ومدك ابلطاقة اليت
ال ختيب هبا ظنونك مع األايم ،وإذا كانت هذه سنة هللا تعاىل يف الكون فال
مكان هلمومك ،وال مساحة ليأسك ،وال عذر لوقوفك يف عرض الطريق ،
تفاءل ،وابدأ قصة مشروعك ،ورابط على ثغر من ثغور اإلسالم وال يغرك
مجهور الباطل أو سطوته يف واقعك حىت حيني موعد النصر الكبري إبذن هللا
تعاىل ،والسؤال الكبري ما دورك يف هنضة دينك ؟ وما املشاركة اجلادة اليت
ستساهم هبا يف نصره وتكوين مساحته ؟ وما الثغر الذي ستقوم عليه حىت
أيذن هللا تعاىل بتلك النهاايت اليت ننتظرها يف مستقبل األايم ،وما بقي بعد
هذه اإلجاابت ال عالقة لك به يف شيء .
سورة اإلخالص
وخلَقت تلك السورة يف نفسي • علمتين سورة اإلخالص عظمة هللا تعاىل َ ،
تقديساً وإجالالً له تعاىل ،وعرفت من خالهلا أنه تعاىل واحد يف ذاته ،
وواحد يف ملكه ،فهو املالك لكل شيء ،القادر على كل شيء ،املدبر
لكل شيء ،وما عداه عبيد مقهورون ال يفعلون شيئاً إال إبذنه ( قل هو هللا
أحد .هللا الصمد .مل يلد .ومل يولد .ومل يكن له كفواً أحد ) فهو الذي
حييي ومييت ،ويعطي ومينع ،ويُسعد ويشقي ،ويُعز ويُذل ،ويصل ويقطع ،
وينفع ويضر ،ويهدي ويضل ،وخيفض ويرفع ،ويُشقي ويُسعد ويصنع كل
شيء .هذا هو ربك الذي إذا أسعدك ال ميكن لبشر أن يشقيك ،وإذا
رزقك ال مينع رزقه عنك أحد من العاملني ،وإذا هداك ودلك على الطريق ال
يقف يف طريق هدايتك أحد من البشر ربك تعاىل إذا شاء أمراً كان وإذا مل
يشأ ال يكون شيئاً ،وإذا كان كذلك فهو املستحق لعبادتك وخوفك ورجائك
ودعائك وتوسلك فمالك وللمخلوقني ! ميم قلبك ومشاعرك إىل ربك تعاىل
،واقبل صادقاً إليه ،وسله ملحاً أن مين عليك ابلتوفيق ،ويهبك من فضله
،ويبعث يف قلبك مشاعر الفرح ،وستجري حينها احلياة يف قلبك إىل أقصى
مدى .
...
معان فكت قلبه من أسر املخلوقني • وعلمتين :احلرية وأن من فقه ما فيها من ٍ
،وخلصته من األوهام ،وأقبلت به إىل هللا تعاىل دون عناء وجعلته حراً إال
من هللا تعاىل ! أتمل يف حديث ربك (ايعبادي كلكم ضال إال من هديته
فاستهدوين أهدكم ،ايعبادي كلكم جائع إال من أطعمته فاستطعموين
أطعمكم ايعبادي كلكم عار إال من كسوته فاسكتسوين أكسكم ايعبادي
لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم
ما نقص ذلك يف ملكي شيئاً ،ايعبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم
كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك يف ملكي شيئاً ،ايعبادي
لو أن أولكم وآخركم وجنكم وإنسكم وقفوا يف صعيد واحد فأعطيت كل
واحد منهم مسألته ما نقص ذلك مما عندي إال كما ينقص املخيط إذا أدخل
البحر ) واعرف له هذا املعىن ،ورد إليه بقلبك واطرح نفسك بني يديه وارفع
قلبك عن رؤية أحد من خلقه فالعظيم يستحق منك كل شيء .كم هم العبيد
لغري هللا تعاىل وهو الذي خلقهم ! كم هم الذين جيهدون ويتعبون ويصنعون
من عليهم ورزقهم ! كم هم الذي يرزحون يف كل شيء ملخلوق وهو الذي ّ
قيود األوهام والشبه والذل والعبودية لغري هللا تعاىل وقد فكهم هللا تعاىل من
كل شيء فأبوا إال أن ميوتوا وهم يف قيود احلرايت .احلرية أال تقف لغري هللا
تعاىل ،وال ختشى سواه ،وال تتوكل إال عليه ،وال تطلب رزقك إال منه ،وال
تسعى يف مرضاة أحد من العاملني إال بعد رضاه .احلرية أن تعلم أن كل العامل
من حولك عبيد هلل تعاىل ال يغنون يف شربة ماء وال يف كسرة خبز فضالً أن
ينفعوك أو يضروك يف شيء .
...
• وعلمتين :أن ترك الرايء وحماربة صوره واخلالص منه واجب كل مؤمن يرجو
ما عند هللا تعاىل ألن الواحد هو الذي خيلق ويرزق ويعطي ومينع ومن عرف
ذلك عرف كل شيء ،وكم كان عظيماً ذلك الصحايب الذي أم قومه فكان
فلما سأله النيب صلى هللا عليه وسلم
يقرأ يف كل ركعة بسورة وخيتم ابإلخالص ّ
قال ايرسول هللا إهنا صفة الرمحن وإين أحب أن أقر هبا ،وفرق بني قارئ
وقارئ ! وإذا أتملت معاين السورة جبد أدركت كم هي حاجتنا لإلخالص !
كم هي املرات اليت نرقب فيها املخلوقني وجنهد يف رضاهم ،ونتوسل إليهم
بكل شيء وفاتنا أهنم ال ميلكون ألنفسهم شيئاً فضالً أن ينفعوا غريهم يف
شيء .حني نعرف هللا تعاىل حق املعرفة نصلي هلل تعاىل وأقرب ما نكون
إليه يف خلواتنا ،ونذهب نشارك اآلخرين يف أفراحهم وعزائهم وكل ذلك هلل
كر علينا الرايء قرأان عليه ( قل هو هللا أحد .هللا الصمد ) !
تعاىل ،وكلما ّ
سورة الفلق
• علمتين سورة الفلق أن كل علم ال يرتتب عليه عمل فال قيمة له يف واقعك
،ووقتك أجل من أن يذهب يف قراءة أسطره أو تَـ َعلُّم حرفه يف شيء ،
وما تصنع بركام حرف ال قيمة له يف واقع احلياة ،وما أكثر املعرفة اليت
تدار يف زماننا يف وسائل التواصل االجتماعي ويتناقلها الناس يف كل مرة
مث ال جتد هلا واقعاً يف حياة كثريين ! وما حاجتنا اليوم لشيء يف كل علم
نتلقاه حاجتنا لتطبيقه وحتويل تلك املعرفة إىل شأن من شؤون العمل ،ويف
قول هللا تعاىل يف هذه السورة ( قل ) دعوة لتحويل املعرفة إىل واقع تطبيقي
،وتشكيل حياتنا بناء على ما جيري يف فصول الوحي .تعلّم يف كل مرة
أن مثن العلم أكرب من جمرد قراءته ،وأعظم من أن أيخذ من وقتك مث ال
يتحول مع الزمن إىل واقع يف حياتك ،ومن صنع هذا وجد كل شيء . ّ
احتجم اإلمام أمحد رمحه هللا تعاىل وأعطى احلجام أجراً فقيل له فقال
احتجم النيب صلى هللا عليه وسلم وأعطى احلجام أجراً وقال ابن عمر قال
صلى هللا عليه وسلم ( ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه
يبيت ليلتني إال ووصيته مكتوبة عنده) فقال ابن عمر راوي احلديث :فما
على ليلة مذ مسعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ذلك إال مرت ّ
وعندي وصييت .تعلّم يف كل مرة أال تقرأ إال ما ينفعك ،وإذا قرأت انفعاً
ودرب نفسك يف كل مرة على أن مثن فاجعله واقعاً يف يومك أو ليلتك ّ
العلم أعظم من أن جيري يف حياتك دون أثر .
...
• وعلمتين :أن الوقاية منهج شرعي ،وأن من كمال عقلك أن حتول ما
بينك وبني الشرور العارضة يف الطريق ابألسباب الواقية منها .وكم من
تفريط يف هذا املعىن أوجب هناية سوء ومواقف حرمان يف حياة كثريين .
توقف بعض طالب العلم عن القراءة مع شغفه هبا سنة كاملة ال يستطيع
أن ميد يده إىل كتاب ،وآخر توقف مشروعه من أصله ،واثلث ساءت
ظروفه ،ورابع وخامس وعاشر ويف صحيح مسلم من حديث ابن عباس
رضي هللا عنهما قال النيب صلى هللا عليه وسلم ( العني حق لو كان شيء
سابق القدر سبقته العني ،وإذا استغسلتم فاغتسلوا ) وأثبت هللا تعاىل أن
يف العامل من حولك شروراً حتتاج إىل توق واحرتاس ( قل أعوذ برب الفلق.
من شر ما خلق .ومن شر غاسق إذا وقب .ومن شر النفااثت يف العقد
.ومن شر حاسد إذا حسد ) وتذكرك هذه السورة أن مثة أعداء من حولك
،وشرور حتتف بك فالليل ظرف لكثري من الشرور ويف صحيح مسلم قال
صلى هللا عليه وسلم ( ال ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس
حىت تذهب فَ ْح َمة العشاء فإن الشياطني تنبعث إذا غابت الشمس حىت
تذهب فحمة العشاء) ،وق مثل ذلك يف السحر واحلسد فهو شرور قاتلة
إن مل يستعد هلا اإلنسان غاية وسعه ،وال سبيل إىل دفعها واخلالص من
شرورها والنجاة من آاثرها إال ابللجأ إىل ربك وموالك ،والفرار إليه تعاىل
واالستعاذة به فهي السبيل لنجاتك من كل شيء ( قل أعوذ برب الفلق)
وكم من سامل من عطب ! وقائم من كدر ! وخارج من ضيق بعد أن كان
على وشك الضياع واهلالك ! ومن عرف هللا تعاىل وقام حبقه وبذل
األسباب وقاه هللا تعاىل من عوارض الطريق.
...
• وعلمتين :أن لكل مشكلة حل ،وأن كل شر يف الكون مقابل أبسباب
للفكاك منه ! وما أنزل هللا تعاىل داء إال أنزل له دواء عرفه من عرفه وجهله
من جهله ،وال أعظم لك من صلتك ابهلل تعاىل فهي أول الطريق وأصله
وقاعدته وقد أابن هللا تعاىل لك املشكالت والعوائق والشرور ( قل أعوذ
برب الفلق .من شر ما خلق .ومن شر غاسق إذا وقب .ومن شر
النفااثت يف العقد .ومن شر حاسد إذا حسد ) مث دلك على الطريق
الذي خيلصك منها ( قل أعوذ برب الفلق ) فللفلق رب يعينك على
اخلالص مما يواجهك منه ! فأقبل على ربك ،واصدق معه يف الطريق ،
واشتوثق منه قدر وسعك ،وحافظ على طاعته وأجل أمره ،وعظّم شعائره
،وتوقي قدر وسعك أسباب سخطه وعقابه وقد قال تعاىل ( ومن يتق
هللا جيعل له خمرجاً ) ومن اتقى هللا تعاىل ،وحافظ على أذكار الصباح
واملساء ،وقرأ هذه املعوذات الثالث بعد كل صالة مرة ،وبعد الفجر
واملغرب ثالاثً ،وقرأ آية الكرسي وعاش متوكالً على ربه تعاىل مطمئناً
لقضائه وقدره سلم من الشرور إبن هللا تعاىل وعاش معاىف من أحداثها
وهللا املستعان .
سورة الناس
• علمتين سورة الناس :أن مشكلتنا الكربى مع حقائق الوحي أهنا ال أتخذ
ونوع يف التحذير منها
حقها الكبري من واقعنا ،وكم من حقيقة أ ّكد عليها ّ ،
ومع ذلك ما زالت مبنأى عن كثريين ،من هذه احلقائق اليت توىل الوحي
اإلفصاح عنها وكررها أن لنا عدو قرر وأقسم بربه أنه سيتوىل إضالالان وضياعنا
ما أمكنه إىل ذلك من سبيل (فبعزتك ألغوينهم أمجعني ) ( ،قال فبما أغويتين
ألقعدن هلم صراطك املستقيم .مث آلتينهم من بني أيديهم ومن خلفهم وعن
أمياهنم عن مشائلهم وال جتد أكثرهم شاكرين ) وحقيقة مثل هذه جيب أن أتخذ
حقها من النقاش والوعي حىت تصبح أوضح ما تكون ،فكيف إذا عرفت أن
عدوك الذي حذرك منه الوحي هو الذي توىل إخراج أبيك آدم وكان سبباً يف
ضياع نعيمه كما قال هللا تعاىل (فوسوس إليه الشيطان وقال اي آدم هل أدلك
على شجرة اخللد وملك ال يبلى ) وما زال به حىت أخرجه من اجلنان !ويف
الصحيحني من حديث أيب هريرة رضي هللا عنه قال صلى هللا عليه وسلم (ما
فيستهل
ُّ من مولود يولد إال خنسه الشيطان) ،ويف رواية ( :ميسه حني يولد
صارخاً من مسه الشيطان إايه ) كأمنا يقول له هذه بداية املعركة معك ..
تُعلمك سورة الناس أن من فقهك وكمال وعيك أن تدرك عدوك وتعرف
حجمه وتتحصن منه وتبلغ وسعك يف الفرار من طرقه حىت تلقى هللا تعاىل
وأنت سامل من اخلذالن.
...
وعلمتين :أن (الوسوسة) أخطر ما يواجهك به عدوك وهي أول وسائله •
وأمهها وقاعدة البداية معك للضياع ،والوسوسة هي احلديث الداخلي الذي
جيري بينك وبني نفسك يزين لك فيه املعصية وجيملها لك ،وجيري أحداثها
يف مشاعرك ،ويعرضها لك يف صورة فاتنة مغرية حىت تتمكن من قلبك مث
يلقي بك مأسوراً يف شباكها بعد أن كنت حراً طليقاً من آاثرها .الوسوسة
اليت جيريها الشيطان معك كاحلب الذي تلقيه للطائر لتمسكه من خالله ،
وكاملأكوالت الشهية اليت تضعها للفأر من أجل القبض عليه وقتله ال فرق ،
وحرموا منوكل الذين يف السجون العامة دخلوا إليها من خالل هذه اخلطة ُ
كل شيء يف النهاية .فكن فطناً وإايك وخطواته وال تغرت ابلعرض املمتع يف
أول الطريق فهو السبيل إىل أسوأ النهاايت ،وكم من مكبّل ابلسالسل بعد
حرية ! وكم من ضائع بعد عز وشرف ! وما أكثر اهللكى من أثر هذا املعىن
يف زمانك ! (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ .ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ)
...
• وعلمتين :أن شرارة اخلالف الكبري يف البداية مزاح ،وبوابة الزان خيانة عني
،وأول خطوات اخلذالن رؤية مشهد عابر يف وسيلة من وسائل التقنية ،وجتربة
طريق جمهول ،وعلى مثل هذه البداايت تُسفك القيم ،وتذبل معامل التوفيق
وتتصحر قلوب األتقياء ،ومتوت مباهج االستقامة وينتهي كل شيء ،ويف ّ ،
الصحيحني قال صلى هللا عليه وسلم ( فإن الشيطان جيري من ابن آدم جمرى
الدم) ويف الصحيحني من حديث أيب هريرة رضي هللا عنه قال صلى هللا عليه
وسلم ( إذا نودي للصالة أدبر الشيطان حىت ال يسمع صوت التأذين فإذا
قضي النداء أقبل حىت إذا ّثوب للصالة أدبر حىت إذا قضي التثويب أقبل حىت
خيطر بني املرء ونفسه يقول أذكر كذا ،أذكر كذا ملا مل يكن يذكر حىت يظل
الرجل ال يدري كم صلى ! قال ابن القيم رمحه هللا تعاىل :فإن القلب يكون
فيصوره لنفسه ومينيه
فارغاً من الشر واملعصية فيوسوس إليه وخيطر الذنب بباله ّ
ويشهيه فيصري شهوة ويزينها له وحيسنها وخييلها يف خياله حىت متيل نفسه إليه
ّ
وجتهز ملواجهته ،وإايك أن يلقي
فيصري إرادة .اهـ فكن فطناً خبطط عدوك ّ
بك يف خنادق الظالم .