Professional Documents
Culture Documents
سلمان داود
1
عندما يأتي الشتاء ،أنين الليل قد أرخى سدوله على مساحات شاسعة تقبع في داخلي
ومشاعري ،فتجعله يطير ﻻ ستعادة ومضات في الذاكرة ،لحنين الهمس وأشواق
الذكرى وجمال اﻷ ماني ،فأجد نفسي جالسا في مكاننا المعهود الذي احتضن كل
لحظاتنا وهمسات مشاعرنا وخلجات قلبينا ،احتشدت الغيوم وتزاحمت ضرب بعضها
بعضا زأرت الريح كوحش كاسر ،هطل وابل من المطر ،وأختبئنا تحت سقف مظلة
باص مصلحة نقل الركاب ،أتذكرين ؟ خدود وردية ،وخلجات محار وشالل شعر
ذهبي .ليتني امتلك زمام تلك اﻷيام كنت جعلت خطانا مشدودة بأرسان الحب وهيهات
أتركه يسبقني ويتركني هناك مع الشجى والذكريات.
2
في هذا الصباح غسل ماء المطر أرض الكلية ،فإنتشرت على ساحاتها وطرقاتها
رائحة المطر العبقة .وكان أريج اﻷشجار واﻻعشاب الخضراء يعطي للنفس نشوة
حالمة بالجمال ،والتطلع الى الغد باﻷماني التي تعصف بالخيال الجامح ،عبر عمار
ممرات الكلية وهو يشعر وكأنه يمشي على سحب من اﻷحالم الرقيقة ،لقد كان عمار
من أولئك الشباب الذين يلذ لهم أن يتقلبوا في أحضان الطبيعة ،وفي هذا اليوم المشهود
كان يشع في وجهه نور الربيع ،فقد كان يحلم حلما جميال ويشعر كأن الدنيا ملئت
بسعادة ﻻمنتهى لها ،لقد ظل طوال الصباح وهو شارد الذهن يستمع الى اﻷستاذ دون
أن يفهم شيئا منه ولم يستطع أن يتذكر شيئا مما قاله إذ كانت خياﻻت الربيع وأوهامه
تحتل الجانب اﻷ كبر من تفكيره ،وكانت عيناه ترنوان اليها بين لحظة وأخرى
،ويسترجع ذكريات رحلت ومرت عليها سنون طوال وهو ويتساءل مع نفسه : -هل
ممكن أن تكون هي ؟وماذا في ذلك قد تكون هي؟ ،يالسعادتي لوكانت هي ،ﻻبل حتما
هي بعينها أعاد إختالس النظر الى عيناها فرآهما تبرقان جماﻻ ،والى تلك الغمازة
في خدها اﻷيسر ،إنهما هما بالتأكيد عيناها وغمازتها ﻻشك في ذلك ؟ ولكن علي أن
أستوضح منها وأسألها فلم يعد لدي صبر أكثر ! فإن اﻹسم هو نفس اﻹسم والمالمح
هي بذاتها ،ولم يبق لي سوى السؤآل واﻹستفسار منها فهي وحدها تؤكد لي حقيقتها
التي أبحث عنها ،وليتها كانت هي ليتها كانت!
3
حين يطوف بي الخيال ويطوف ،ويتغلغل في المشاعر حتى تستقر في القلب نوازعه
و شجونه ،وتذوب في النفس آهاتها ولوعاتها ،حينها تتولد في المشاعر قصيدة من
الشجن ! تهبط على القلب عواطف ذكريات عبقة ﻻتنسى ،ﻷنها طبعت في كيان
الشخص أجمل رياحين شذى الرياض وأشجى ألحان طيوره .أخذه الخيال بعيدا
لمرحلة عزيزة في حياة كل إنسان ،لمرحلة الطفولة التي رغم ما كان يعاني من الفقر
إﻵ إنها كانت حياة هانئة ﻻتنسى ،تذكر صديقه (مصعب ) صديق الطفولة المقرب
لقلبه والذي ﻻولن ينساه ،يحب أحدهم اﻵخر حب صداقة الطفولة النقي ،حب ﻻيحمل
المصالح الساذجة كان أحدهم يدخل بيت اﻵخر وكأنه بيته ويأكل من طعامه وﻻيحلو
له اللهو واللعب إﻵ معه ؟ !في أحد العطل الصيفية زار عم مصعب هو وعائلته بيت
أخيه والد مصعب وكان برفقته زوجته وإبنته سارة وإبنه ناصر الذي يصغر سارة
بسنتين ونجالء أخت سارة اﻷصغر مهنا ،كانت سارة واقفة مع صديقي مصعب حين
رأيتها أول مرة فوقفت مذهوﻻ بجمالها ،خدود وردية وخلجات محار بشعر ذهبي ،
كان الجو ربيعي الرواء .ومن موقفي هذا من بعد سنوات طوال مرت على تلك
الذكرى أجدني أتأمل نفسي في ذلك الموقف البهي فأحن لتلك اﻷيام العذبة .وأترقب
مجيئهم كل عطلة صيفية حين يأتون ضيوف لبيت صديقي مصعب من شمال العراق
تلك الطبيعة الخالبة ،من جبال سامقة وأشجار وارفة ووديان وعيون ماء وشالﻻت
رائعة الجمال وغابات كثيفة .حين رأيت سارة وقفت مبهورا بما أرى رغم صغر
سني ،ولكن الجمال ﻻيعرف عمر معين.
ياللقدرة العجيبة لهذه النسمات العذبة من المشاعر المرهفة حين تحملني معها على
أفواف حريرية بيضاء ،ترتفع بي وتجتاز الحاضر الى ماض من الزمان سحيق من
العبق إلى حيث أريد دون أن تطأ قدماي اﻷرض ،حينها تغرد العنادل تغاريد ساحرة
تأخذنا معها بعيدا ،الى حيث الرياض الدافئة والبساتين والحدائق الغناء العبقة بالجمال
4
،والجمال ساحر ﻻيعرف عمر معين ! وقفت مبهورا في حضرة الجمال الخالب
وسلمت عليهم بإرتباك شديد ؟! -ردا علي السالم والتحية بأدب رائع ! -قال صديقي
مصعب : -مالي أراك مرتبكا ؟ ولم أعهدك هكذا منذ عرفتك ؟! -قلت له : -أخشى أن
أكون قد أزعجتكما بمجيئي ؟ -قال : -إنك صديقي الغالي ومرحبا بك في كل وقت
تشاء ،هل تحب أن تلعب معنا ؟ -قلت له نعم وأكون سعيدا جدا ،هيا بنا نلعب. -
ولعبنا ألعاب الطفولة البريئة ،حين عرفني عليها صديقي مصعب -قال هذه (سارة
)إبنة عمي جاءوا ضيوف لزيارتنا من شمال العراق الحبيب هي ووالديها ! وأخوها
ناصر اﻷ صغر منها وأختها نجالء أصغرهم سنا ! وقدمني لها بأني صديقه المقرب
والشاطر في الدراسة ؟ ولعبنا ولهونا بفرح وسعادة ،الى أن جاء أخوها اﻷصغر منها
(ناصر )فكدر علينا صفو الفرح والسعادة وحولها الى حزن والم حين وقف مستهزئا
وساخرا من مالبسي الرثة !لكنه جوبه بالتوبيخ والعقاب من قبل صديقي مصعب ،
ومن قبل أخته (سارة ) التي لم ترض على تصرفات أخيها ووصفتها بالتصرفات
الرعناء ؟ وقالت له : -عيب عليك أن تسخر وتستهزء من الفقر ،فالفقر ليس عيبا ،
إنما العيب على من يسخر من الفقير والمفروض الساخر هو الذي يوبخ والعيب عليه
؟ ركضت بعيدا والدموع تترقرق من عيوني مدرارا ؟ فلحقاني مصعب وسارة وهما
يهدئاني بلطيف الكالم وجميل العبارة وقال مصعب أحسبها علي ،قالت سارة : -
عيب عليك البكاء ياعمار ؟! -قلت لهما أنا ﻻأبك على نفسي إنما أبك على أمي
المريضة !ووالدي المسكين الذي يكافح من أجلنا كي ينقلنا الى بر اﻷمان ونرتقي في
حياتنا الى اﻷحسن ! ويضحي بنفسه وصحته ﻷجلنا ! كانت كلمات صديقي مصعب
وكلمات سارة بلسما عذبا شافيا لمسح دموعي ،تلك الكلمات بعثت بروحي اﻷمل
المشرق وروح التحدي لالرتقاء والسمو نحو المعالي ،وكانت حافزا ودافعا قويا لي
كي أطور نفسي وأجد وأجتهد ﻷجل مستقبل مشرق ،بكل ما أمتلك من قوة إرادة .
5
في اليوم التالي عند ذهابي لهم شعرت بسعادة غريبة عند رؤيتي لها ،أحببتها دون
أن أعرف ماهو الحب ؟ ومازالت ﻻتبارح خيالي سنون طوال ! إنها فعال إنسانة
محبوبة ،وإزدادت محبتي لها حين دافعت عني ووقفت معي ضد أخيها ،وإن الجمال
هو في جوهر اﻷشياء وليس في ظاهرها ولكنها جميلة في الجوهر وفي المظهر. -
أهال بك ياعمار كنت أنتظر قدومك ! -شكرا لك ياسارة وأنا أيضا كنت أستعجل الوقت
كي يمر سريعا للمجيىء اليكم ! -جاء صديقي مصعب وبصحبته ناصر أخو سارة
وهو يقدم اﻹعتذار لي عما بدر منه ،وسامحته فورا وقبل أحدنا اﻵخر ،قلت له هذا
درس لك في إحترام الناس على أساس شخصيتهم وثقافتهم وأدبهم وليس على اساس
فقرهم أو غناهم . -إستمر مكوثهم ضيوف أحبة لدى بيت عمهم لمدة إسبوعين من
أجمل وأسعد أيام حياتي في فترة الطفولة ! وﻻيمكن لي أن أنساها مهما مرت السنون
. -قالت لي ربما اليوم هو اليوم اﻷخير الذي أراك فيه !ﻷننا سنرجع الى محافظتنا
غدا فاﻷيام الجميلة تسرع في الذهاب أرجو منك أن ﻻتنساني فأنا لن أنساك ،وظلت
تلح علي بالعهد المواثيق أن ﻻأنساها وهل أنساها ؟ ! -قالت لي ماهو إسمك الكامل
قلت لها( : -عمار ضياء )وأنت قالت لي ( :سارة سمير ) كانت تتطلع الى وجهي
بإمعان شديد مما أربكني ! فوجهت لها سؤآل : -لماذا تنظرين إلي بهذه النظرة ؟ !هل
في وجهي شيء يثير اﻹنتباه ؟ ! -قالت أبحث في وجهك عن عالمة فارقة مميزة كي
أتذكرك منها ،والتي ممكن أن أتعرف عليك من خاللها إذا كتب هللا تعالى لنا اللقاء
مستقبال . -قالت اﻵن عثرت على عالمة مميزة لك ؟ وهي شامة (خال )تحت عينك
اليسرى ! -قلت لها وأنت عينيك الخضراوان ،وغمازتيك الساحرتين وشعرك الذهبي
هي عالماتك المميزة ! وتم اﻹتفاق على التعارف بهذه اﻷدلة الثبوتية أذا تم لقاؤنا
مستقبال ؟ !ودعتني وفي قلبي غصة وألم وشجن بريىء إنه وفاء الطفولة الذي ﻻتشوبه
أي شائبة من شوائب اﻷطماع الساذجة ،وودع أحدنا اﻵخر ،ودائما ماتودعني.
6
إن لهفتي إلى معرفة الحقيقة تقترن عندي بظمأ خفي شديد وكم أنا محتاج الى جواب
شافي منها ،كلمة حين تنطق بها لتخطيت بخفة جناح فراشة آفاق زمني وحدود دنياي
،فأسمو نحو النجوم الزاهرة دون أن يغادر جسمي اﻻرض ! وأسبح معها في السماء
،كم أنا محتاج لتلك الكلمة وأخشى منها ! خوفي من الخذﻻن الذي يحرق الحياة !
حين يكون الجواب إنها ليست هي فأخشى أن أسقط محترقا كالفراش حين تحترق
أجنحته بلهيب النور .إنتهت المحاضرة دون أن يشعر بها بل حتى إنه ﻻيتذكر منها
شيئا ،وﻻ يعي ماذا كتب ! كل مارآه في دفتره بعض الكلمات الغامضة غير المفهومة
،رسوم لقلوب يقطر منها الدم ،يخترقها سهم جارح ! وزهور وورود متناثرة هنا
وهناك ،خرج من قاعة الدرس مسرعا قبل الجميع وجلس على أحد اﻷرائك القريبة
من باب خروج الطلبة وهو ينتظر نزولها بشغف كبير ! ﻷن هذه اللحظات هي
اللحظات الحاسمة التي تقرر مصير أمانيه التي بنى عليها الكثير من اﻷمال ،وتتسارع
دقات قلبه ويدعو هللا تعالى بكل جوارحه أن تكون هي المقصودة ! لقد عيل صبره
ونفذ من اﻹنتظار فأراد الرجوع الى قاعة الدرس للبحث عنها ،هاهي جاءت ،رقص
قلبه سرورا عندما رآها مقبلة عليه وإتجه مسرعا ﻹستقبالها ،إرتجف رجفة خفيفة بل
إزدادت عندما قالت له : -صباح الخير ،هل كتبت المحاضرة ؟ -قال لها : -إن
المحاضرة مازالت محفورة في شغاف روحي وإسألي قلبي فهو يحفظها عن ظهر
قلب ! منذ تلك اللحظات التي ودعتيني فيها في تلك السنين الخوالي ،أتذكرين ؟! -
أرادت أن تتالعب بمشاعره وتختبر صبره قالت له : -عن أي محاضرة تتكلم ؟ !أنا
أسألك عن المحاضرة اﻷخيرة هل كتبتها ؟! -قال لها نعم كتبتها أنظري دفتري .
وإعطاها الدفتر الذي رسم فيه القلوب والورود فضحكت وظهرت غمازتيها ! -قال
لها (سارة سمير ) أتذكرين (عمار ضياء ) -قالت له نعم أذكره وكيف لي أن أنساه ،
وذكراه مازالت تعصف في قلبي وخيالي أجمل المشاعر ! -قال لها : -هللا هللا ماأجمل
القدر الذي جمعنا بعد فراق دام لسنوات ليس لها في عمر الزمن حساب ،أما في عمر
اللهفة واﻹشتياق فأن الوقت يتالشى ويفنى فيها ،إنه كنز من الؤلؤ في بحر الحياة
7
والزمن الذي يمضي وﻻيعود ،إنه عيد الفطر للقلب الذي دام صيامه كل هذه السنين
.
رحلت كلمات الهمس الجميل ولم تبق سوى ذكريات مؤلمة ،وحكايات شجية دامعة
،ينبهر بها السامعون ،ﻷنها كتبت بدموع العيون ! ونقشت بآهات القلب الحزون .
وها أنا بصمت عميق أغزل كلماتي ،وأصوغها بمشاعر نبيلة ،صادقة لتخرج نقية
ناصعة رقيقة الهمسات .إستمرت قصة حبهما العذري أربع سنون ،هي عمر الدراسة
الجامعية في كلية الهندسة ،وﻻتحسب من عمر الزمن ! منحته خاللها عشقا بحجم
البحر والسماء ! عشقا خياليا ليس له وصف وﻻ في اﻷحالم .على الرغم من مأساة
فقره ،وهي ملكة مكلله بتاج اﻷ ميرة ،والقوم حولها قديس وعبد ! منبهرين بجمالها
،لكن قلبها أختاره هو منذ الطفولة إلتقطته كما يلتقط الطائر الجميل حبة بر نادرة
ويحتفظ بها لنفسه بعيدا عن أعين الرقباء .كانت لقاءآتهما في حدائق الجامعة الغناء
،وأروقتها الرائعة ومقاعد الدراسة ،وكل شبر في أرض الكلية يشهد على قصة حبهما
العذري ! بعبق اللقاء وجمال اﻷحاسيس ،والمشاعر العذرية الصادقة ! ولكن ﻻبد
للزمن أن يمضي ،وﻻبد لكل بداية من نهاية ! لكل شيء في هذه الحياة ! وها هي
السنة اﻷخيرة توشك على اﻹنتهاء ،كانا يسيران إلى قسم التسجيل ليستفسرا عن موعد
إعالن نتائج اﻹمتحانات .وكان موعد حفلة التخرج في أليوم التالي ! وهو يوم خالد
من أيام العمر السعيدة التي ﻻتنسى ! إنتشر الطلبة والطالبات في جميع أرجاء الكلية
،وكان الفرح الغامر يبهجهم ويجمعهم ،وكانت الصور واللقطات التذكارية بين
الجميع ! بعضهم لبعض من أجمل وأحلى اللقطات المعبرة عن المحبة في تلك الرحلة
الجميلة ﻷيام الدراسة ،ووفاء اﻷحبة .إستمرت أريع سنوات ﻻتحسب من عمر الزمن
.أغاني تأتي من هنا وهناك ،ورقص ودبكات شعبية ،وموسيقى متنوعة ،الكل يعبر
عن فرحته الكبيرة بهذا اليوم ! وهم على وشك التخرج ووداع اﻷحبة الغوالي ،
وفراقهم الذي قد يستمر طويال ،ويتالقوا صدفة كالغرباء ،منظر مؤلم رغم السعادة
8
الظاهرة ،لكن الجميع في حالة من الشجن ! وترى اﻷصدقاء يعانق بعضهم البعض
،بعيون باكية وقلب مفجوع كأنه يودع عزيزا سوف لن يراه ؛ فرحين بالتخرج ،
ومتألمين للفراق القادم ،الذي قد يطول كثيرا وﻻ يرى الزميل زميله بعد إذ كان يراه
كل يوم في الكلية وقضى معه أحلى لحظات العمر ،حيث الوفاء الصادق وأجمل
المشاعر الجياشة بالحنان لحظات الوداع حزينة .كان( عمار وسارة) يسيران في كل
طريق وممر مشيا فيه ،وكل مكان كان لهما ذكرى فيه .وكل أريكة جلسا عليها ،
ضحكا مع الضاحكين رقصا مع الراقصين ،صفقا مع المصفقين ،وكان الجميع
يعرف قصة حبهما ،ويفسحون لهما الطريق حين يمران ،جاء وقت إلتقاط الصورة
الجماعية التي تجمع جميع طلبة القسم مع اﻷساتذة ،وهم يرتدون بدﻻت وروب
التخرج وقبعة الرأس ،وتلك اللحظة الحاسمة في تاريخ الدراسة وبعد إلتقاط الصورة
يتم رمي قبعات الرأس الى اﻷعلى تعبيرا عن مفارقة الكتب الدراسية ! وفرحة التخرج
،وإنتهاء المعاناة الدراسية ،و كانت أحدى اﻷساتذة بخيلة جدا في إعطاء الدرجات
وحين جاءت مع أساتذة القسم ،ﻷلتقاط صورة التخرج ،إستقبلها الطلبة بهتاف مازح
(ست نضيرة نجحينا ،ست نضيرة نجحينا ههههه ) لكنها كانت تؤشر لهم بيدها
بعالمة الرفض كال ،كال وتخيب رجاءهم في مثل هذا اليوم .وإنتهت حفلة التخرج
كما ينتهي كل شيء جميل في هذه الحياة.
9
#جمال_الروح أن جمالك الحقيقي جمال روحك ،اما قسمات وجهك ستذبل يوما بينما
الروح تتوهج لألبد ( .جالل الدين الرومي ) مالت الشمس نحو المغيب ،وخيم الصمت
والسكون المطبق الرهيب في خميلة البستان حتى يحس السائر فيه ان ﻻشىء يدل
على حركة الحياة ،مافتأت أجنحة الفراشات تضرب حصارا حول الورود واﻷزهار
؛ ألقى اﻷصيل ظالله منسابا من بين فجوات الشجر ،وعلى غير توقع تنطلق تغريدة
قصيرة من طائر مجهول يمزق صوته السكون فيحرك كل جوانب الحياة في الخميلة
،ان من ألف العيش في الغابات والبساتين هو وحده من يعرف سحر هذه التغريدة .
في جناح معشوشب من الحشائش الخضراء ،فيبهى المنظر ويزدهر ،وﻻ بد ان تزهو
الحياة ،وﻻبد للقلب ان يطمئن ،فكم هو رائع خلو البال حين تنتشي الروح ببهجة
دواخل اﻷنسان النقية ،فجمال اﻷنسان الحقيقي هو جمال الروح.
اليوم اﻷخير إلتقاها في آخر يوم لهما في الجامعة ،وقت الظهيرة ،جلسا على تلك
اﻷريكة التي جمعت قلبيهما ،وشهدت على قصة حبهما كان الحزن والشجن يمأل
قلبيهما ،وتترقرق الدموع من مآقيهما وأصوات مبهمة تختلج في كل كيان عمار ،
ويشعر بأنه موشك على الغرق في بحر لجي من الفراغ المظلم الموحش من جديد !
كانت أحشاؤه تنقبض وصدره يضيق ،ويحاول إيجاد معوﻻ يحطم به هذا الحاجز
الجامد الذي يحول بينهما ثم يتراجع خشية أن يدمر كل ماهو جميل في عالقة حبهما
،ويعجز حينئذ عن تدارك آثارالدمار ااذي يخلفه بعدها . -هل رأيتم إنسانا يتوه في
صحراء قاحلة أوشك أن يموت ظمأ وحين يجد جرعة الماء الذي يعيد له رونق الحياة
يأتي شخص ويقذف ذلك الكأس من يده بعيدا وهو يقول له ﻻحاجة لك بهذا الكأس
(إحفظ عطشك في أحشاؤك )أتعلمون ماهو مصيره ؟ -تكلمي ياسارة ياوشم روحي
وأريحي روحي .أريد تتويج قصة حبنا بوضع تاج اﻷميرة على رأسك ؟ -هل مازلت
مصرة على طموحك في إتمام دراساتك العليا خارج العراق ؟ -قالت له : -حبيبي
11
عمار إن هذا هو رأي والدي وليس لي اﻷعتراض على رأيه ،بل ﻻيمكني أن أخالفه
الرأي ،وكنت أقول لك إنه طموحي كي أبث في قلبك شيء من اليأس ،لكن الحقيقة
التي لم أخبرك بها هي أنه طموح والدي الغالي - 1.قال لها إذن سأجلب أهلي كي
أتقدم لك بالخطوبة ؟ -قالت له : -وهل تعتقد بأن والدي سيوافق ،أنا ﻻأريد أن تضع
نفسك في موقف محرج فأن ألمك يمزقني أشالء متناثرة ! وأنا أعرف والدي فهو عنيد
جدا في هذه المسألة ؟ وطالما شرحت قصتي لوالدتي لعلها تساعدني وتقف معي لتلين
صالبة موقف والدي ،لكن المفاجأة كانت تقف ضدي ،وقالت لو فتحت هذا الموضوع
معي مرة أخرى لن تكوني إبنتي التي أعتز بها .حين سمع تلك الكلمات منها تحول
عقله الى مهرجان في غابة أفريقية تقرع فيها الطبول بضربات مؤلمة عالية في كهوف
كيانه بصراخ موحش . -قال لها : -أتذكرين مثل هذا اليوم في الطفولة حين كان الوداع
ولوعته ومرارته ،وها هو القدر الذي جمعنا سيفرقنا مرة أخرى ،بصورة أقوى
وأشد ايالما وشجنا . -قالت له : -حبيبي عمار ليس اﻷمر بيدي ،فأنا ممكن أن أهرب
معك الى آخر الدنيا ،ولكن هل تعتقد إن هذا هو الحل ؟ هل توافق أن نهرب بحبنا
كالسراق ؟ !وهل تريد أن يكون لقاؤنا في الظالم ؟ !ﻻتعتقد بأن فراقك أمر سهل على
قلبي ،ويسير على مشاعري ،ولكن هل توافق أن أخالف والدي وأخون الثقة التي
منحها لي ؟ ! -قال لها : -طبعا ﻻأوافق وحتى لو أنت طلبت مني هذا الحل والهروب
فلن أوافقك الرأي -قالت له :إذن لنصبر لعل الزمن يجمعنا مرة ثالثة.
(سالب الروح ) إحمليني إليها أيتها النسمات العذبة ،إحمليني لتلك الزنبقة البيضاء
التي رحلت بعيدا ،وتركتني أعاني الوحدة والشجن ،إحمليني اليها طيفا أصنع لعينيها
الخضراوين خميلة من خمائل اﻷحالم ! إحمليني إليها تغريدة عندليب يطربها بأحلى
11
النغمات بما لم تغن به من قبل الطيور ،إحمليني إليها عطرا يمأل أنفاسها الدافئة ،
إحمليني إليها إبتسامة عذبة ترصع جمالها بنشوة اﻵمال .بعد أن تم الفراق والوداع
في يومهم اﻷخير ،كان عمار يعاني من أيام عصيبة قاتمة سوداء المالمح ،وأصبح
النوم يجافي جفونه المسهدة ،ورافقه اﻷرق في جميع لياليه ،إﻵ في أوقات قليلة
ﻻيدري كيف غفى ليصحو بعدها متمنيا أن يكون في كابوس مخيف ،وترجع أيامه
سعيدة بها ولكنه يصحو على خيبة اﻷمل ،فيحاول أن يمسك كتابا ليتعب عينيه وينام
،ولكن سرعان مايترك الكتاب حين ﻻيأنس من نفسه تقبال لما يحتويه ذلك الكتاب .
ألدمار في نفسه شديد ومعنوياته محطمة ومقاومته لتقبل اﻷلم هبطت الى الصفر ،في
كيانه لهفة وإشتياق للقاء الحبيبة الغائبة ولكن هيهات أنى له اللقاء .كان يجوب
الشوارع المؤدية الى بيت (حبيبته سارة )متلهفا لرؤيتها ،قبل أن يمضي الزمن وترحل
بعيدا لمواصلة دراستها خارج العراق ،لكي يتزود منها زادا يكفيه لمقاومة ذلك الفراق
الكبير ،الذي سيمأل حياته فراغ موحش ،يقف بعيدا مراقبا لبيتها لعلها تطل عليه
بطيفها لحظة ما ،لم تكن الهواتف النقالة منتشرة في تلك الفترة من الزمن فيبقى يجوب
الشوارع على غير هدى لعل وعسى يراها صدفة حتى يدب في قلبه اليأس بعدم
رؤيتها فيرجع القهقري الى بيته حزينا كئيبا شاكيا من لوعة ألم الفراق ممنيا نفسه أن
يراها في اليوم التالي ،وتتكرر مأساته يوميا .ﻷنها رجعت إلى بيتها في شمال العراق
،وهي في فترة الدراسة تعيش في بيت عمها في بغداد ولم تخبره برجوعها الى بيتها
،كي تمهد لنفسها وله الصبر على الفراق فهو نفسها الذي تتنفسه ،وألمه يؤلمها ،
وضغطت على قلبها ومشاعرها كي ﻻتضعف وتخيب آمال والديها في السفر والدراسة
لهذا آثرت أن ترحل بصمت كي ﻻتتألم وتؤلمه ﻷنهما كيان واحد وألمه هو ألمها ،
يبقى عمار في دوامة من الصراع والحزن يزداد صعوبة مع اﻷيام حتى نصحه أحد
أصدقاءه أن يجد له وظيفة أو أي عمل يساعده على النسيان ولكن كيف ينسى سالب
الروح ؟ أمستطيعة اﻷيام أن تنسيه من أحب أقادر قلبه أن ينسى هذه الزنبقة النافحة ،
وتلك النسائم العذبة التي تهب على روحه وكيانه فتنعشه ؟ ولكن رغم ذلك قرر البحث
12
عن عمل أو أي وظيفة تساعده على النسيان .ووجد وظيفة تناسب طموحه
وإختصاصه الهندسي في أحدى الشركات اﻷهلية.
الحرمان إن أيام العمر التي نعيشها تمر كثيرة ،ولكن أيام قليلة نشعر فيها بالسعادة
!وإننا على قيد الحياة ،وهذه اﻷيام وحدها هي التي تعطينا معنى حلوا سعيدا للحياة
،إنها أيام اللقاء باﻷحبة في هذا الزمان الراحل نحو المجهول .كنت مجبرة من والدي
ﻷتمام دراساتي العليا في الهندسة .قال لي : -بأن هذا هو طموحه منذ زمن بعيد
والذي هو لم يحققه بنفسه فأراد أن يحققه بأوﻻده .ﻷن ظروفه الصعبة التي عاشهافي
تلك الفترة منعته من اتمام دراساته العليا .قال لي :حتى لو أضظررت ﻷرسالك الى
خارج العراق لتحقيق أملي لن أتوان لحظة في ذلك .كانت هذه الرغبة تجتاح كيانه
منذ وقت طويل ،ولطالما رددها علي مرارا وتكرارا ،ولهذا أصبحت هذه الرغبة
تخالج مشاعري وتولدت لدي فكرة اﻹندفاع لتحقيق هذا الحلم واﻷمل لوالدي والذي
أصبح شغله الشاغل ! قبل أن التقي بعمار كانت فرحتي بهذا الطموح ﻻتوصف ،
ولكن بعد قصتي معه كنت أعرف بأن ذهابي ﻷتمام الدراسة سيحول بيني وبين من
إختاره القلب وتمنته الروح ،وكنت بين أمرين في مفترق طريق كالهما حبيب الى
قلبي ،أما أن أنصاع وراء قلبي ومخالفة والدي ووالدتي ،وتحديهما وإجبارهما على
الموافقة على زواجي من عمار بعد أن أضعهم أمام اﻷمر الواقع ،وبهذا أفقد ثقتهما
الى اﻷبد ،وأخيب رجاءهما وأملهما بي ! أو أدوس على قلبي وأتركه هنا وحيدا
وأسافر بعيدا لتحقيق رغبة أهلي ،كنت أعاني من صراع مرير ﻻأحسد عليه وكان
هذا الصراع يربض على صدري ويجثم فوق مشاعري ويمتص كياني قطرة فقطرة
،ويتركني ساخرة من شجني وأسى معاناتي ،في عالم موحش فاتحا فمه ليبتلع كل
ذكرياتي الجميلة ،حتى قذف اليأس الى قلبي ،اليأس ذلك الشبح القاتل ،وﻻ أكتمكم
حديثا فحين يسيطر اليأس على عواطف اﻻنسان فأنه يصبح أدعى الى الرثاء واﻷلم
13
لحاله .إيه أيتها اﻷيام القاسية هل حقا بأني سأفقد حبيبي وﻻ أستطيع رؤيته بعد اليوم
؟ ولم يعد بإمكاني أن أغمض عيني ثم أفتحهما على رؤية وجهه الحبيب وصوته
العذب الدافيء يداعب مسامعي .إن اﻹنسان ﻻيشعر بقيمة الشيء إﻵ بعد أن يفقد ذلك
الشيء ،بلى لقد إخترت الذهاب بعيدا ﻷتمام الدراسة على البقاء مع حبيبي ،ولكن لو
ترى حالي اﻵن إني ﻷصعب حتى على نفسي ،أصبح قلبي كغابة محترقة ليس ﻷحد
غيره القدرة على إطفاءة ،إن يباس قلبي إستعصى على اﻹخضرار ،ليلي موحش
وأنينه مزق شغاف روحي الحزينة ،كأنه وحش يزأر طوال الليل ،وحش الغربة
واﻷحزان ،عفوا ﻻأستطيع اﻹستمرار في الكتابة ﻷن دموعي ستمحو كل ما أكتب.
وصية والدتي مرت ثالث سنوات من اﻷلم والشجن منذ رحيل (سارة)سالبة الروح
والعقل ووشم القلب ،ومازالت ذكرياتها العبقة تنهش كياني .نجحت في وظيفتي أيما
14
نجاح يغبطني عليه زمالئي في العمل ،مما جعلني أتبوء مكانة مرموقة ودرجة
وظيفية راقية ،بسبب التفاني في العمل وتقديمي أفضل المقترحات العملية في تحسين
اﻹنتاج كما ونوعا ،مما زاد في إعجاب المدير العام للشركة .تحسنت أحوالنا المعيشية
كثيرا والحمد هلل ،لكني كنت معرضا عن الزواج ﻷن قلبي الذي سلبته مني سارة لم
أعد مالكه ،وهو لم يعد قلبي ولحد أﻵن لم أجد الفتاة التي تلفت إنتباهي وممكن لها أن
تحل محل حبيبيتي الغالية الغائبة ،وتمر اﻷيام دون أن أنسى ،كثرت اﻷقاويل عني
من اﻷقارب وحتى من اﻷصدقاء ﻷعراضي عن الزواج وخاصة حين تجاوز عمري
أكثر من الثالثين ،وبدأت الشائعات التي تمس رجولتي ،لم أبالي بكالم الناس فأنا
واثق من نفسي ،وقلت سيأتي اليوم الذي ألجم ألسنتهم فيه .ولكن المشكلة ليست مع
الناس في أقاويلهم لكن المشكلة هي مع والدتي التي خاصمتني وزعلت مني بعد أن
يأست من إقناعي بالزواج ،وعدم تجاوبي معها ،ولم تعد تكلمني فأثر هذا الخصام
في كل مشاعري ،وكان حزني ﻻيوصف لوصول هذا اﻷمر مع والدتي لهذا الحد من
القطيعة ! وزعلها قاس على قلبي ،ويعتبر مني عقوق لحقها علي ،ولكني ﻻأريد
سوى رضاها عني وكسب ودها ،لهذا جلبت لها هدية جميلة ودخلت غرفتها ذات
مساء وقبلت يديها ورأسها محاوﻻ مصالحتها ورضاها عني .قالت لي : -ﻻأصالحك
وﻻ أرضى عنك إﻵ ان تحقق إمنيتي وتوافق على طلبي الذي تعرفه وهو الزواج
بأقرب وقت أريد أن أراك مع زوجتك وأطفالك قبل مماتي . -قلت لها : -أسأل هللا
عزوجل أن يبعد عنك كل مكروه وشر ويعافيك في صحتك ويبارك في عمرك ياست
الحبايب ،وقبلتها من رأسها ويديها ،وإنحنيت الى قدميها ﻷقبلهما فسحبتهما ولم توافق
وقالت إرفع رأسك ياولدي الغالي . -قالت لي : -إن عافيتي ياولدي أن أراك عريسا
ويمنحني هللا عزوجل عمرا كي أرى أطفالك وأحملهم كما حملتك على قلبي من قبل
،والعمر يمضي وأنت قد تجاوزت الثالثين من عمرك ولم تتزوج لهذا بدأت اﻷقاويل
تحاك ضدك وكالمهم وهمزهم يزداد عنك يوما بعد آخر ،بإشاعات تخص رجولتك
كنت أرتاب منها وتقتلني الهواجس والخوف والخشية لو كان كالمهم صحيحا . -كال
ياوالدتي الحنونة والحمد هلل ،وإن كالم الناس خاطيء وﻻ ينتهي وغير صحيح ،
15
وسيأتي اليوم الذي ألجمهم فيه وأخرس أفواههم ! ولكن المهم هو أن أجد الفتاة المناسبة
والتي يمكن لي أن أكون سعيدا معها ،وهي تكون سعيدة معي وﻻ أظلمها معي ،أريد
أن أكن لها الحب ولكن قلبي قد رحل بعيدا بعد أن خطفته إحدى الفتيات ورحلت به
بعيد بل بعيد جدا وأنا حين أريد الزواج يجب أن يكون من أجلي وليس من أجل الناس
فأن رضا الناس غاية ﻻتدرك . -ياولدي أنا أريدك أن تتزوج ليس من أجل الناس ،
بل من أجلك أنت ومن أجلي ،فأنا قد تقدمت بي السن كما ترى واﻷعمار بيد هللا تعالى
،وأمنيتي أن أراك عريسا وأرى أطفالك يلعبون من حولي .. -،بعيد الشر عنك
ياوالدتي الحنون . -ولدي أريدكأن تتزوج (ميادة )إبنة أختي فهي جميلة وخريجة جامعة
ومثقفة ! واﻷ هم من ذلك كله إنها تحبك منذ زمن بعيد لكنك لم تك تعيرها إهتمامك
وإنتباهم ،رغم تلميحاتها لك ! ،وﻻتبادلها المشاعر ! رغم جمالها وكثرة خاطبيها .
والتي كانت ومازالت ترفضهم بسبب حبها لك ! -ياأمي الحبيبة أنا أعتبر ميادة أخت
لي ولم أفكر يوما بأن تكون زوجة لي ؟! -الحب يأتي بعد الزواج ياولدي ..،وهذه
أمانة مني أجعلها في عنقك الى يوم الدين أن تتزوجها وتحقق أمنيتي ورغبتي ! -قلت
في نفسي لو كانت والدتي تعرف قصة حبي لسارة لتغير اﻷمر قليﻻ ،وقد لمحت لها
قبل قليل بأن فتاة خطفت قلبي ولم أشرح لها كل التفاصيل ؟ وهي أيضا لم تتعمق في
السؤآل عن تلك الفتاة لغاية في نفسها ،ولكن بعد تفكيري العميق رست سفينتي في
المرفأ والميناء الذي إختارته لي والدتي رغما عني ﻷنها حملتني أمانة في عنقي الى
يوم الدين ،فلم يكن لي خيارسوى القبول بعد معاناة مع اﻷلم ،وافقت على مضض
من زواجي من ميادة ابنة خالتي.
(أرسان الحب )إن نار اﻹشتياق أشد إيالما من برد البعاد ،إن قلبي يستعر ويكتوي
بنار الفراق وشجى البعاد ،ليتني كنت أمتلك قيادة أرسان زمني ،لجعلت أيامه مشدودة
بخطانا خطوة بخطوة فيما نحن نسير ،أو يسير بنا الحب .ليتني كنت أمتلك قيادة
أيامي ،كنت جعلتها طوع قلبي وتحت إمرته ! وﻻ أدعها تسبقني خطوة واحدة ،
16
فأمسك بمقود أرسانها وأقودها إلى حيث أريد ولكن( :هيهات هيهات )فقادتني اﻷيام
الى حيث ﻻأحب وﻻ أريد وﻻ أأمل .فأخذتني الى حيث تريد هي ،ﻻما أنا أريد .
فإفترقت عنه بإرادة من زمني وأنا غير راضية ،وﻻ راغبة ،ولكن طاعة الوالدين
واجبة ! وإمتثلت ﻷوامر والدي ورضخت لها حبا بوالدي ،وأنا أعلم بأن هذا سيبعدني
عن منية الروح ،فأصبحت حياتي خالية منه أتقطع حسرات لنسمات عليلة عذبة ،
تهب من هناك من روحه الرقيقة ،طحنتني العاصفة ،وغدوت روحا تذر مع الغبار
الذي تنشره الريح ،ودفن السيل أناشيد فرحي ،وأخشى أن أموت هنا في الغربة بعيدة
،شيء واحد هو الذي أمسك بي قبل أن أغيب هو نسمات عذبة تهب على قلبي من
أرض حبيبي تحمل طيفه الغالي الذي أأمل أن ألتقيه ،وخفقان قلبي بذكرى الساعات
الجميلة التي عشناها معا في الكلية .مرت سنون الفراق صعبة وقاسية على قلبي من
عمر هذا الزمن ،أنلتقي مرة أخرى ؟ أقادر الزمن أن يجمعنا بعذوبة اللقاء ؟ فالكل
في هذه الحياة يلتقي إﻵ من كتب هللا تعالى له أﻵيلتقي ،الليل والنهار يلتقيان ،العتمة
والنور يلتقيان ،فهل سنلتقي ؟ !بلى سنلتقي فمادامت اﻷرض مستديرة سنلتقي ،
ونرتقي .شوق كبير في كياني يدفعني نحو أرض الحبيب ،ولتلك الذكريات العبقة
التي جمعتنا ،وأتمنى وأسأل هللا عزوجل أن يجمعنا مرة أخرى .أنهيت دراساتي
العليا في الهندسة ،ونلت الشهادة التي يطمح لها والدي وحققت طموحه ،فهل سيحقق
طموحي ؟ بقى شيء أطمح له وأتمنى أن أناله وهو عندي أغلى من الشهادة .سأعود
الى مالعب الصبا والذكريات الهانئة ،وﻻ شيء أحب الي من العودة.
17
(رسالة من عمار الى سارة بعد ذهابها للدراسة خارج العراق ،لكن لألسف لم تصل
لها ) حبيبتي وستبقين دائما حبيبتي كنت أخفيت عنك مشاعري ،أقولها اﻻن ﻷنك ليس
هنا ،أفتحي قلبي تجدين فيه غيوما حزينة ،تمطر ألما وحسرة وشجن ،تود الرحيل
أليك وأنا أمرت نفسي على رحيلك منذ آخر لقاء بيننا .أعيد فيها كلمات الشجى واﻷلم
الذي يعتصر قلبي لتلك اﻷيام التي كنا نسرقها من الزمن ! اتذكرين حين كنت سائرة
الى الكلية في احدى صباحات بغداد العذبة الحالمة حين تحدثت أليك لحظات قليلة
كانت أجمل لحظات حياتي ! لم أكن أعلم وقتها انك كنت تنوين الغياب الطويل رغما
عني ،لم أكن أدري حين وضعتي في يدي ورقة ملونة معطرة باريج انفاسك العذبة
،مازلت أحتفظ فيها مع كتبي وذكرياتي ،حتى حفظتها عن ظهر قلب ،كلما اردت
الرجوع الى تلك اﻷيام الهامسة بعذوبة اللقاء وعطر الوفاء ،كنت أقول لك : -هل
انت تحبيني بقدر حبي لك ؟ !فتجيبيني : -نعم ،كيف عرفت انا ﻻاحبك ؟ فأضحك
من كل قلبي .هاهي صورتك اﻻن جاثمة فوق قلبي ﻻتفارقه لحظة .ايتها النسمات
العليلة في الفجر الندي احملي همسات روحي اليها ،قبل ان تنهض الطيور من بقايا
نعاسها ،قبل ان تشرق الحقول ويفتح الفجر عيون الزهور ،احملي همساتي الى الوردة
الندية الحمراء الساكنة هناك ،بعيدا ...بعيدا ...عن مدينتي.
18
(عود لذي بدء )إبتعدت المسافات بيننا ،وليس لدي أي وسيلة ﻹيصال همسات روحي
الحزينة الى روحك ،وﻻ أجد متنفسا لبوحي سوى الورق أسطر عليه خلجات نفسي
وشجنها عسى أن يخفف من بعض معاناتي .فأنت كنزي الذي أهدته لي السماء ! بعد
بحثي عنك بين النجوم الزاهرات ،والغيوم العاطرات ،كم مرت علي من السنون
وأنا أتأمل فيك الحياة ؟! وموجات ظلمة الديجور والليالي المظلمات ،حينما كنت
أطرق ليل الشوارع المعتمة بع د الفراق ،باحثا عن طيفك الحالم الذي رحل وتركني
أتخبط تخبط عشواء مع آﻻمي وشجوني ،ونسيم الذكريات ،باﻷمس زرت الكلية باحثا
عن ماضيات أيامنا وليالينا الحالمات ،وأنا أسير بين جنباتها وأروقتها العذبة وحدائقها
العطرة ،التي تروي ظمأ فؤآدي وي كأنك أمامي هنا ،ومازال همس صوتك الناعم
يناجيني ،وأقف أمام شجرتنا الحبيبة ،وارفة الظل والظالل التي طالما جلسنا تحتها
في سويعات الظهيرة الالهبة ،وأجلس على تلك اﻷريكة التي شهدت حبنا وإحتضنتنا
وأقبل المكان الذي كنت تجلسين عليه ! كأن أنفاسك وعطر عبيرك مازال يمأل المكان
،فمازلت أحتفظ بنوع عطرك الذي ﻻيفارقني ،وأسكبه على اﻷريكة والشجرة وأتخيلك
هناك تلوحين لي في اﻷفق البعيد !وأنت تبتسمين لي وتملئين روحي دفئا وحنانا ،
وهذه عواطفي سكبتها لك بعد رحيلك ،وثقي بأني لم أكتبها هكذا إعتباطا ،بل كتبتها
بكل جوارحي ،وبكل ذرة في كياني وكل دموع عيوني ! ولكن لألسف فأنا أعرف
بأن كلماتي لن تصلك ﻷني ﻻأعرف لك عنوان ،وأنت أيضا ﻻتعرفين لي مكان ،بعد
رحيلنا من مدينتنا مجبرين بعد اﻷحداث التي عصفت بنا وأنت ﻻبد تعرفيها ! تلك
اﻷحداث التي أحرقت اﻷخضر واليابس ،ولم تبق وﻻ تذر ،ومزقت روحي أشالء
مبعثرة تناثرت في كل مكان تواجدنا فيه ،فلم يعد لي بقاء فيها ،لهذا لم تصل منك
أي رسالة لي ﻷنك ﻻتعرفين لي عنوان ،إنها مأساة وطن طالت الجميع ،ورغم
سنوات الفراق بيننا ،فما زلت أحتفظ بروحي من عطر روحك.
19
الزمن بدونك كاوراق اشجار الخريف اليابسة سقطت في مهب الريح ،كوحش يزأر
طوال الليل ،ويمزق قلبي بأنيابه القاطعة ،كحزن شجيرات الصفصاف ،ترنو في
الصيف الى الماء ،تريد الماء ،فأين الماء؟ !كسفينة تاهت وسط البحر ! تتقاذفها
اﻻمواج الثائرة في ليلة ظلماء والمالح فقد المشاعر والخارطة ،تصمت الطيور ،
تجف الغصون ،وتمسي اﻷشجار بال ظالل ،وأصبحت الحياة بدونك كالساقية التي
انقطع ماؤها فهجرتها اﻻزهار والطيور فأين الماء ؟ إنضمر قلبي وجفت البشاشة من
روحي.
21
(إن خيروني ) ها هو ذا معي اﻵن ،أتأمل شخصه بهدوء ،كنت حائرة كيف أعود له
وبأي طريقة أرجع ؟ ! قد يكون انه لم يفهم وضعي وأنا بعيدة عنه في بالد الغربة و
احتمال انه يدري بما جرى لي وماعانيته بسبب البعاد ؟ هل يعلم لوعتي وشجوني
وسهادي وأيام الشجن؟ ! كيف هو ،ماهي أخباره ؟! كم أنا متلهفة للقاء به قبل غياب
الشمس في وقت الغروب ؟ !وأشم نسمات هواء عليلة معطرة تهب من أنفاسه على
قلبي الخافق بحبه ،لعلي أغمض عيني وأفتحهما على جمال الحياة بقربه كروضة
غناء في بساتين اﻷمل . -وصلت سارة الى الشركة التي يعمل بها عمار بعد أن ترقى
لدرجة وظيفية راقية ،أرادت الدخول بلهفة منعتها سكرتيرته الحسناء ،لعدم وجود
موعد مسبق لها مع المدير .قالت للسكرتيرة : -فقط قولي له سارة على الباب! -
دخلت السكرتيرة الى مكتب اﻷستاذ عمار وقالت له : -سارة على الباب . -لم يستوعب
المفاجأة وبقى واجما ينظر الى الباب مرتبكا ﻻيقوى على الكالم ! إبتسمت سارة وقالت
له : -لماذا دائما كلما نلتقي ﻷول مرة بعد الفراق تكون بهذا الوجوم واﻹرتباك ؟ ! -
هب واقفا يستقبلها بكل لهفة وإشتياق وي كأنه لم يفارقها سوى أيام معدودات ! نسى
كل حزن وكل معاناة وشجن ولم يعد يشعر أين كائن هو .ها هي الحياة تعود له من
جديد تنبض بالسعادة والحالوة والنشوة ،ليعود مطمئن القلب خالي البال منتشيا هانئا
بعد الفراق اﻵن وبعد اﻵن ،إنتهت المشكلة وعادت الحياة تنبض بالحالوة والجمال .
ﻻ ﻻ عفوا لم تنته ،لقد إبتدأت المعاناة الجديدة ؟ !أنت ياحبيبتي بك عقدت المشكلة
وبك تشابكت احداثها ،وكنت قطب الرحى في كل ماجرى ،وأنت الحياة كلها بحلوها
ومرها ،وأنت القصة والقصيدة ،وأنت البداية والنهاية.
21
حين عرفت سارة قصة زواج عمار تلبية لرغبة والدته في فترة الغياب ،وقد رزقه
هللا عزوجل بطفل رائع مأل عليه حياته ،وهنا تكمن روعة التضحية في الحب ! .فال
مجال لألنانية هنا في البقاء أو الرحيل ،فقررت الرحيل وهو أسمى درجات العشق
.حين وصلت الى هذا الحال بكت روحي بشجن ،وانتابتني مشاعر شجية مؤلمة ،
ربضت على صدري ودمرت خواطري ،وامتصت كل قطرة أمل باسم قطرة فقطرة
،ثم رحلت بعيدا ساخرة من عواطفي ،وجعلتني اترنح في ثنايا سرابها القاسية .ثم
تعود فتربض على قلبي فتبتلع كل جمال وعذوبة وﻻتترك شيئا سوى الوجع .لهذا
قررت أن تضحي بسعادتها وتتركه يشق طريقه مع زوجته وطفله ،بعيدا عنها !
وطلبت منه اللقاء اﻷخير لوداع حبهما الراحل .أمضيا النهار كامال في زيارة اماكن
الذكريات العبقة واﻻلم يعصف بمشاعرهما ،في حديث شجي يستعرضان معا أجمل
ساعات اللقاء الراحلة ،وتعاهدا على التضحية لبعضهما ،حبا في الحب ،كانت تتألم
وتختنق بالعبرات ولكن أسارير وجهها تشفع لها حين سقطت دموعها ونطقت بوجوب
اﻹبتعاد عن بعضهما ووداع قلبيهما ،وأن يتركا للزمن الذي هو كفيل بتخفيف لوعة
الفراق واﻷسى والشجن مما يعانيا ،كلمات الوداع ﻻيمكن وصفها ،وهي تعابير لوعة
يحسها العاشق المفارق ساعة الوداع ،في هذا اللقاء اﻷخير ،وإن طالت ساعاته لكنه
كان لحظات قصيرة في عمر زمنهما زادا لهما يتزودان منه بقية عمرهما على زورقه
المتهالك يعبران بحار اﻷ لم للوصول الى شواطىء الشجن للرحيل نحو المجهول ،
ومن أزاهير رياضه يعبان ويمآلن نفسيهما بأريج الوفاء والتضحية ،ولكل موجة في
بحر حبهما الراحل لحن ،ولكل ريح ونسمات عليلة حكاية ،وقررا الوداع .إنتهت
22