حقيقة الزلازل والبراكين

‫حقي ـق ـة الزالزل والرباكني ‪ /‬ذ‪.
‬عبد هللا بوفيم ‪ /‬اإليداع القانوين‪2019MO0066:‬‬
‫‪1‬‬
‫حقي ـق ـة الزالزل والرباكني ‪ /‬ذ‪.‬عبد هللا بوفيم ‪ /‬اإليداع القانوين‪2019MO0066:‬‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬
‫ض‬ ‫ر‬
‫ْ ُ‬ ‫َ‬
‫اْل‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫ج‬‫ر‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫أ‬‫و‬ ‫)‬ ‫‪1‬‬ ‫(‬ ‫ا‬
‫َ‬‫َل‬
‫َ‬ ‫ا‬
‫ْز‬
‫َ‬ ‫ل‬‫ِ‬
‫ز‬ ‫ض‬
‫ُ‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫اْل‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫ل‬
‫َ‬‫ِ‬
‫ز‬ ‫ْ‬
‫ل‬‫ز‬
‫ُ‬ ‫ا‬‫ذ‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫﴿إ‬
‫َ ََ‬ ‫ْ‬
‫أَثْـ َقا ََلَا (‪﴾ )2‬‬
‫سورة الزلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزلة‬
‫صدق هللا العظيم‬
‫اإليـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداع القانوين‪2019MO0066:‬‬
‫ردم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك‪978-9954-775-11-0:‬‬
‫‪2019‬‬ ‫الطبعة اْلوىل من الكتاب نشرت بتاريخ‪ 23:‬يناير‬
‫مثن الكتاب هو‪ 70 :‬وحدة من عملة دولة إقامتك‪.‬‬
‫مثال‪ :‬يف املغرب‪ 70 :‬درمها‪ ،‬يف اجلزائر ‪ 70‬دينارا‪ ،‬يف أوراب ‪ 70‬أورو وهكذا‪.‬‬
‫يدفع املبلغ يف احلساب البنكي للمؤلف وهو يف الصفحة ما قبل اْلخرية‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫كلمة شكر وتقدير‬
‫حتية الشكر والتقدير والعرفان لوالدي‪ ،‬الذي كان وما يزال له الفضل علي‪ ،‬تربية وتعليما‬
‫وتشجيعا ورعاية‪ ،‬ولكل اآلابء الذين يضحون بكل شيء من أجل أبنائهم‪.‬‬
‫حتية التقدير واالحرتام والوفاء لوالديت اليت محلتين وربتين وعلمتين‪ ،‬فرعتين صغريا ودربتين‬
‫طفال‪ ،‬فوجهتين شااب وترشدين كبريا‪.‬‬
‫حتية احلب واحلنان لزوجيت‪ ،‬وحتية الرمحة والعطف ْلبنائي‪ ،‬وحتية اْلخوة الصادقة إلخويت‬
‫ولكل اْلهل واْلحباب‪.‬‬
‫حتية الشكر والتقدير واالحرتام‪ ،‬لكل من سامهوا معي يف مناقشة مادة هذا الكتاب قبل‬
‫إخراجه للوجود‪.‬‬
‫كل الشكر والتقدير واالحرتام‪ ،‬لكل من ميلك القدرة على ترمجة أي كتاب من كتيب‪،‬‬
‫ْلي لغة يتقنها‪ ،‬مع احرتامه اْلمانة العلمية‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫أتقدم خبالص الشكر والتقدير لكل أصدقائي ومعاريف يف الواقع ويف االنرتنيت‪ ،‬الذين‬
‫شجعوين على الكتابة ومواصلة التأليف يف جماالت عدة‪.‬‬
‫حتية التقدير واإلجالل لكل من تعلمت منهم‪ ،‬مند والديت إىل اليوم‪ ،‬وخاصة السادة‬
‫العلماء منهم‪ ،‬حىت ولو اختلفت معهم اليوم‪ْ ،‬لن َلم علي فضل كبري‪ ،‬فلوالهم ملا استطعت‬
‫اليوم أن أانقش علومهم‪ْ ،‬لين إمنا تعلمت علومهم وزدت عليها بعض علمي‪ ،‬فأصبحت‬
‫أحاججهم‪ ،‬ولو مل أتعلم علومهم ما كسبت علما وال استطعت الزايدة على ما تعلمت منهم‪.‬‬
‫حتية التشجيع والتقدير لكل خملص جمد ساعي لإلصالح من موقعه‪ ،‬ما استطاع لذلك‬
‫سبيال‪ ،‬مصداقا لقول هللا عز وجل على لسان سيدان صاحل عليه السالم يف سورة هود اآلية‬
‫ت َوَما تَـ ْوفِ ِيقي إِاال‬

‫استَطَ ْع ُ‬
‫ح َما ْ‬
‫ص َال َ‬ ‫‪َ ((88‬وَما أُ ِري ُد أَ ْن أُ َخالَِف ُك ْم إِ َ ٰىل َما أ َْْنَا ُك ْم َع ْنهُ إِ ْن أُ ِري ُد إِاال ِْ‬
‫اإل ْ‬
‫ِاب اِ‬
‫َّلل َعلَْي ِه تَـواكل ُ ِ ِ‬
‫ْت َوإِل َْيه أُن ُ‬
‫يب))‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪4‬‬
‫اإله ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـداء‬
‫إىل والدي ووالديت الذين بفضلهما وجدت وبفضلهما تربيت وبفضلهما تعلمت‪ ،‬لكما‬
‫مين كل التقدير واالحرتام‪ ،‬أيها اْلبوين الصابرين الطيبني‪ ،‬هللا عز وجل أسال أن يدمي عليكما‬
‫نعمة الصحة والعافية وأن يسعدكما يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫إىل زوجيت وأبنائي وإخواين وكل اْلهل واْلحباب‪ ،‬وإىل كل الذين يقرؤون كتاابيت يف‬
‫صمت‪ ،‬ال يراهم وال يعرفهم غري هللا رب العاملني‪ ،‬فيسامهون يف نشرها‪ ،‬لتصل أكرب عدد ممكن‬
‫من الصادقني والصادقات‪.‬‬
‫إىل كل أصدقائي ومعاريف ذكورا وإاناث ممن شجعوين ويشجعونين على الكتابة والتأليف‪،‬‬
‫خاصة يف حسايب يف الفيسبوك‪.‬‬
‫إىل كل العلماء الذين تعلمت منهم‪ ،‬وقرأت َلم يف مجيع اجملاالت‪ ،‬حتية التشجيع‬
‫والتحفيز لكل من يسعى لنيل حظ يف مجيع العلوم‪ْ ،‬لن آفة هذا الزمان هي التخصص‪ ،‬حيث‬
‫أصبح كل منا ال يرى إال من زاوية واحدة‪ْ ،‬لننا يف الغالب الكل مزهو معجب بوجهة نظره‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫لذلك خنتلف ونتنافر بدل أن نتكامل‪ ،‬فلكي نرتقي ويفهم كل منا اآلخرين ويفهموه‪ ،‬البد من‬
‫إشاعة املوسوعية يف كثري من العلوم‪ ،‬كما كان العلماء اْلوائل زمن اإلشعاع العاملي للمسلمني‪.‬‬
‫مـ ـ ـق ـدمـ ـة‬

‫أغلب ما يدرس يف جمايل اجليولوجيا واجلغرافيا‪ ،‬هو أكاذيب متعمدة‪ ،‬اَلدف منها هو‬
‫نشر اجلهل ال نشر العلم‪ ،‬فكل ما كتب عن الزالزل والرباكني‪ ،‬كذب متعمد‪ ،‬كتبه ونشره من‬
‫يعلمون احلقيقة وحيتفظون هبا ْلنفسهم‪.‬‬
‫احلقيقة املؤكدة اليت حياول بعض خرجيي اجلامعات الغربية إخفاءها‪ ،‬هي أن اْلرض وكل‬
‫املخلوقات من الرتق اْلول‪ ،‬تنمو وتكرب ابالنتفاخ والتمدد‪ ،‬فالزالزل والرباكني وكذا تشكل‬
‫القارات وتشكل البحار وإرساء اجلبال‪ ،‬كلها نتيجة لتمدد اْلرض وانتفاخها‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫لو أن أي إنسان عاقل مهتم ابلعلم احلق‪ ،‬حاول رسم كل القارات مع بعض اجلزر الكبرية‬
‫يف ورق مقوى برسم تقرييب‪ ،‬فجمع تلك اْلجزاء‪ ،‬لوجد أْنا تشكل كرة متكاملة‪ ،‬لن ينقص منها‬
‫إال بعض اْلجزاء القليلة جدا‪ ،‬قد تكون سقطت يف البحر‪ ،‬اثر بعض الزالزل العنيفة‪ ،‬اليت مل تكن‬
‫إال نتيجة انتفاخ اْلرض ومتددها‪.‬‬
‫أنظر أيها العاقل للقارات وتدبرها جيدا‪ ،‬فسرتى أْنا يف اْلصل كرة صلبة واحدة‪ ،‬إن‬
‫اكتشفت ذلك‪ ،‬فتدبر وحاول أن تفهم القوة اليت ميكنها أن حترك تلك القارات العمالقة‪.‬‬
‫البعض يكذبون عمدا‪ ،‬فيزعمون أن الذي حرك تلك القارات ودفعها للتباعد‪ ،‬هي‬
‫الرتسبات اليت جترفها اْلودية‪ ،‬حيث تتجمع يف عمق البحر‪ ،‬فتجعل املاء حسب أوهامهم يدفع‬
‫القارات‪ ،‬فيبعدها عن بعضا البعض‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫تدبر الصورة أعاله وسرتى أن قارة إفريقيا واْلمريكيتني‪ ،‬كانتا ملتصقتني متاما وجزيرة‬
‫مدغشقر كانت جزء من القارة اإلفريقية‪ ،‬وانتبه للبحر اْلمحر‪ ،‬كيف انشقت اْلرض؟ فتشكل من‬
‫شق يف اْلرض‪.‬‬
‫احلجم الكبري لروسيا حجم غري صحيح‪ ،‬وكذلك احلجم الكبري لكندا‪ ،‬حجم مبالغ فيه‬
‫وال أراه صحيحا‪ ،‬فهو من املزاعم الواهية كزعم الصعود للقمر وبلوغ نواة اْلرض‪.‬‬
‫مساحة كل من روسيا وكندا صحيح كبرية‪ ،‬لكن ليس للمستوى الذي يزعمون‪،‬‬
‫‪17.11‬‬ ‫مليون كيلومرت مربع‪ ،‬ومساحة روسيا املعرب عنها‬ ‫‪30.67‬‬ ‫فمساحة القارة اإلفريقية مثال‬
‫‪8‬‬
‫مليون كيلومرت مربع‪ ،‬لكن تصوير روسيا يساوي تقريبا تصوير القارة اإلفريقية‪ ،‬وذلك مؤكد له‬
‫أهداف نفسية‪ ،‬كانت تدخل يف إطار احلرب الباردة سابقا وما تزال مستمرة حاليا‪.‬‬
‫البعض عمدا يزعمون أن الزالزل هي نتيجة الرباكني‪ ،‬كما يزعمون أن الرباكني هي نتيجة‬
‫الزالزل‪ ،‬فيشرحون ذلك مبا يسمونه احلركات التكتونية والضغط‪ ،‬والتفاعالت واحلرارة‪ ،‬لكن دون‬
‫أن يشريوا إىل املسبب احلقيقي‪ ،‬للحركات التكتونية‪.‬‬
‫مل يشرح اْلوائل كيف تشكلت القارات؟ وكيف تشكلت البحار؟ وكيف أرسيت اجلبال‬
‫يف اْلرض؟ وكيف كانت اْلرض حني خلقت؟ وكيف كانت اجلبال حني خلقت؟‬
‫يزعمون أن كل املخلوقات الفلكية هي نتيجة ما يسمونه سدمي انتج عن الشمس‪،‬‬
‫فالشمس عندهم هي أصل كل املخلوقات الفلكية‪ ،‬وهي معبودهم وإالههم‪ ،‬الذي يبشروننا به‬
‫ابلكذب والبهتان‪ ،‬مسخرين كل الوسائل املتاحة َلم‪ ،‬ومنها إرغامنا على تدريس اْلكاذيب ْلبنائنا‬
‫يف املدارس واجلامعات‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫خالق السماوات واْلرض أكد لنا أن اْلرض تنتفخ وتتمدد وتكرب‪ ،‬من أول يوم خلقت‬
‫فيه‪ ،‬وقد بني لنا ذو اجلالل واإلكرام أن اْلرض انشقت حني انتفخت وكربت فأرسيت اجلبال يف‬
‫ض َم َد ْد َان َها‬
‫(( َو ْاْل َْر َ‬ ‫‪7‬‬ ‫داخل اْلرض‪ ،‬ال عليها بل فيها‪ ،‬بقول الويل احلميد يف سورة ق اآلية‬
‫اس َي َوأَنبَـ ْتـنَا فِ َيها ِمن ُك ِل َزْو ٍج َهبِ ٍ‬

‫يج ))‪.‬‬ ‫وأَلْ َقيـنَا فِيها رو ِ‬
‫َ ْ َ ََ‬
‫قول العليم اخلبري واْلرض مددانها‪ ،‬مبعىن أنه جل جالله هو الذي مدها‪ ،‬فاخلالق سخر‬
‫قوة لذلك أودعها يف اْلرض مهمتها مد اْلرض‪ ،‬فاملد ميكن أن يكون له معنيان‪ ،‬املد املستقيم‬
‫واملد ابالنتفاخ‪ ،‬وال ميكن احلديث عن مد حقيقي إال إبمساك طريف جسم ومده مستقيما‪ ،‬أو نفخ‬
‫جسم ليكون مده يف كل االجتاهات‪.‬‬
‫مبا أن اْلرض يستحيل أن تكون مستقيمة‪ ،‬فهي يف شكل قابل للنفخ‪ ،‬ال ميكن أن يكون‬
‫كرواي مستديرا يوم خلقت‪ ،‬وإال لكانت انفجرت من أول متدد َلا‪ْ ،‬لن الشكل الكروي املستدير‬
‫ال ميكن مده‪ْ ،‬لنه حقق منتهى املد‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫الكرة ننفخها حني تكون منبعجة غري منفوخة‪ ،‬لكن نفخها حلني حتقق الشكل الكروي‬
‫املستدير‪ ،‬يبلغ هبا ْناية املد‪ ،‬وإن استمر النفخ فإن االنفجار مؤكد‪ ،‬مث خروج اَلواء املضغوط يف‬
‫داخلها وارد‪ ،‬حيث سيكون خروجا بدفعة واحدة‪ ،‬ميزق الكرة وجيعلها خرقة ابلية‪.‬‬
‫كل ما على اْلرض ميتص احلرارة وليس بعاكس َلا‪ ،‬والقول أبن اْلرض تعكس أشعة‬
‫الشمس كذب وهبتان‪ْ ،‬لْنم يفرتون صورا يظهرون فيها اْلرض يف السماء‪ ،‬كما يدعون وهي‬
‫مشتعلة‪ ،‬لذلك يعللون كذهبم بزعم أن اْلرض تعكس أشعة الشمس‪ ،‬لذلك حسب ظنهم تبدو‬
‫وكأْنا مشتعلة عن بعد‪.‬‬
‫درجة مئوية‬ ‫‪6000‬‬ ‫الطاقة اليت يف ابطن اْلرض خيالية جدا‪ ،‬لكن البعض يزعمون أْنا‬
‫وهم كاذبون‪ ،‬بل هي مباليني إىل ماليري الدرجات‪ ،‬أما احلرارة الناجتة من أشعة الشمس‪ ،‬فهي‬
‫صحيح ضرورية للحياة على اْلرض‪ ،‬لكنها ابلكاد تؤثر يف أقل من مرت من قشرة اْلرض‪،‬‬
‫مرت يف املاء‪ ،‬لذلك فإن أعماق البحار مظلمة‪ ،‬رغم أن أشعة‬ ‫‪100‬‬ ‫ويستحيل أن تتجاوز عمق‬
‫الشمس تنري سطح البحر‪ ،‬لكن عمقه مظلم جدا‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫اْلرض إذن مل ختلق يف الشكل الكروي املستدير وال يف الشكل املستقيم‪ ،‬بل خلقت يف‬
‫شكل قابل للنفخ‪ ،‬تكون ْناية نفخه حتقيق الشكل الكروي مائة يف املائة‪ ،‬وهو الشكل اإلهليلجي‬
‫البعيد البؤرتني‪.‬‬
‫مبا أن قشرة اْلرض تصدعت إىل شقوق من ماليري السنني‪ ،‬حيث أرسيت فيها اجلبال‪،‬‬
‫فذلك دليل على أن اْلرض حققت الشكل الكروي من ماليري السنني‪ ،‬لكن ْلن مسكها كبري‬
‫جدا‪ ،‬فقد حدث متزق ذلك السمك تدرجييا‪ ،‬ليسمح َلا ابلنمو واالنتفاخ أكثر‪ ،‬حلني متزق مسك‬
‫اْلرض كله‪ ،‬حينها تنفجر بال شك‪.‬‬
‫اْلرض مل حتقق بعد الشكل الكروي املستدير مائة يف املائة‪ ،‬فهي لليوم ما تزال حمتفظة‬
‫ببؤرتيها وهي أقرب ما تكون اليوم لشكل بطيخة صفراء تنمو‪ ،‬فنحن نرى الشقوق يف البطيخة‬
‫اليت يستمر سقيها ابملاء بعد منوها‪ ،‬حيث تكون فيها شقوق منها من يصل لب البطيخة‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫يف جسم اإلنسان حتدث زالزل وبراكني هي نتيجة انتفاخ بطنه‪ ،‬الذي هو نتيجة التهامه‬
‫للغذاء‪ ،‬وكذلك اْلرض فهي التهمت احلديد الذي أنزل عليها‪ ،‬فهو الذي جعلها تنمو كما جيعل‬
‫الغذاء اإلنسان ينمو‪.‬‬
‫الغذاء خيلق يف بطن اإلنسان هزات زلزالية‪ ،‬هي القرقرة يف بطنه نتيجة حترك الريح يف‬
‫بطنه‪ ،‬اليت تدفع ضغط بطنه للخروج‪ ،‬لتخفيف ضغط بطنه وإال انتفخت زايدة وقد تنفجر‪.‬‬
‫الذي يفهم ما يقع يف بطنه‪ ،‬سيفهم ما يقع يف ابطن اْلرض متاما‪ ،‬فقرقرة البطن ال عالقة‬
‫َلا حبركة اجلسم‪ ،‬وال بتحريك البطن ومكوانت البطن‪ ،‬بل هي نتيجة التفاعالت العنيفة يف بطن‬
‫اإلنسان‪ ،‬الذي تنتج ضغطا قواي‪ ،‬البد له من اخلروج وإال أتلف صحة اإلنسان‪ ،‬وقد يفجر بطنه‬
‫إن استمر احنباس ذلك الضغط‪.‬‬
‫خروج الريح يف بطن اإلنسان‪ ،‬ميكن تشبيهه بربكان يقذف الغازات فقط‪ ،‬فما أكثر تلك‬
‫الرباكني‪ ،‬وخروج الغائط هو بركان يقذف احلمم الربكانية‪ ،‬أما الزالزل فهي القرقرة اليت هتز البطن‬
‫كله‪ ،‬نتيجة حركة الغازات واملواد يف بطن اإلنسان‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫قدمت هذا املثال لكي يفهم من ال يفهمون‪ ،‬ما الذي حيدث يف ابطن اْلرض؟ وكيف‬
‫تنتفخ اْلرض وتضطر إلخراج غازاهتا وبعض موادها الزائدة‪ ،‬لكي ال تنفجر كلية‪ ،‬وخمارج تلك‬
‫الغازات وتلك احلمم‪ ،‬هي أضعف النقاط يف القشرة اْلرضية‪.‬‬
‫خالق السماوات واْلرض بني لنا مادة السماء‪ ،‬بعد أربعة أايم من عمرها‪ ،‬أبايم هللا عز‬
‫س َم ِاء َو ِه َي‬
‫استَـ َو ٰى إِ َىل ال ا‬
‫وجل طبعا‪ ،‬فقال عنها أْنا دخان‪ ،‬بقوله جل جالله يف سورة فصلت ((مثُا ْ‬
‫اه ان س ْبع َمسَاو ٍ‬

‫ات ِيف‬ ‫ضُ َ َ َ‬ ‫ني (‪)11‬فَـ َق َ‬ ‫ال ََلَا َولِ ْْل َْر ِ‬
‫ض ائْتِيَا طَْو ًعا أ َْو َك ْرًها قَالَتَا أَتَـ ْيـنَا طَائِِع َ‬ ‫ُد َخا ٌن فَـ َق َ‬
‫يح َو ِح ْفظًا ۚ ٰذَلِ َ‬

‫ك تَـ ْق ِد ُير ال َْع ِزي ِز‬ ‫صابِ َ‬
‫الدنْـيَا ِمبَ َ‬ ‫ني َوأ َْو َح ٰى ِيف ُك ِل َمسَ ٍاء أ َْم َرَها ۚ َوَزياـناا ال ا‬
‫س َماءَ ُّ‬ ‫يَـ ْوَم ْ ِ‬
‫ال َْعلِ ِيم(‪.)) )12‬‬
‫س َم ِاء َو ِه َي ُد َخا ٌن)) واضحة ملن يفهم‪ ،‬تؤكد أْنا وجدت قبل االستواء‬
‫(( ْ‬
‫إليها‪ ،‬حيث ال ميكن االستواء إىل العدم‪َ ( ،‬و ِه َي ُد َخا ٌن) أتكيد صريح ملادة السماء حني خلقت‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫اآلية أعاله تسفه وتنفي كل ترهات البعض‪ ،‬ممن يتشدقون بنظرية االنفجار العظيم‪ ،‬اليت‬
‫يتومهون من خالَلا‪ ،‬أن جسما عظيما كبريا انفجر‪ ،‬فتشكلت منه السماوات واْلرض والكواكب‬
‫والشمس والقمر‪.‬‬
‫اخلالق املصور حدد وبني لنا مادة السماء‪ ،‬اليت مل تكن إال دخاان‪ ،‬فالدخان هو الدخان‬
‫وال ميكن أتويله ابلبخار أو ابلغاز أو بنحومها من الكلمات املخالفة له تكوينا وامسا‪.‬‬
‫يتعمد البعض تضليل البشرية عمدا‪ ،‬عن علم ال عن جهل‪ ،‬حيث أْنم يعتربون بعض‬
‫النتائج مسببات نتائج أخرى‪ ،‬فقوَلم أبن احلركات التكتونية هي اليت تسبب الزالزل‪ ،‬افرتاء‬
‫وكذب متعمد‪ْ ،‬لنه ال ميكن أن تقع تلك احلركات التكتونية إال بفعل قوة خيالية عظيمة جدا‪.‬‬
‫الطبقات اْلرضية هي بوزن خيايل ال ميكن قياسه‪ْ ،‬لنه إن كان محل مائة طن من‬
‫الصخور دفعة واحدة‪ ،‬حيتاج طاقة هائلة جدا‪ ،‬فإن محل املاليري من ماليري اْلطنان من تلك‬
‫الصخور حيتاج طاقة خيالية جدا‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫ال ميكن حتريك الطبقات الصخرية إال بفعل قوة خيالية جدا‪ ،‬فما هي تلك القوة؟ وملاذا‬
‫يسكت عنها البعض عمدا؟ فهم مؤكد يعرفوْنا حق املعرفة‪ ،‬لكنهم يسكتون مرغمني أحياان‬
‫وأحياان إبرادهتم‪.‬‬
‫يف العامل شرذمة حيتكرون العلوم احلقة‪ ،‬ال يريدون من البشرية معرفتها‪ ،‬فهم احملاربون‬
‫لكل عامل ينشر احلقائق‪ ،‬وهم املشجعون واملدعمون لكل اتفه ينشر اْلكاذيب حتت مسمى‬
‫العلوم‪.‬‬
‫كل ما يدرس يف جامعاتنا ومعاهدان أغلبه كذب يف كذب‪ ،‬كذب متعمد يتقاضى‬
‫املدرسون عنه املال‪ ،‬وكل من حاول منهم تدريس احلقائق أو التشكيك يف تلك اْلكاذيب يطرد‬
‫بال شك‪ْ ،‬لن احلقائق ستوصلنا للعال‪ ،‬وخصومنا ال يريدون لنا أن نرتقي‪ ،‬بل يريدون منا أن نبقى‬
‫جهلة‪.‬‬
‫علماء املسلمني حاليا أغلبهم سيطر عليهم اجلهل‪ ،‬ومن منهم يعلم احلقيقة خياف من‬
‫قوَلا‪ ،‬والباقي من العلماء مسايرون للخصوم أو منبهرون وغري مستعدين للتفكري‪ْ ،‬لْنم حقيقة‬
‫‪16‬‬
‫ليسوا علماء‪ ،‬بل صنائع اخلصوم منحوهم شواهد ودعموهم‪ ،‬ليتحكموا هبم يف اجلامعات واملعاهد‬
‫العليا يف دول املسلمني‪ ،‬ملنع املسلمني من تدريس العلم احلق‪.‬‬
‫علوم علماء اإلسالم اْلوائل حرفها كلها علماء اخلصوم‪ ،‬فهي حمرفة حىت يف بعض كتبهم‬
‫اليت تنشر أبمسائهم‪ ،‬إال احملتفظ هبا يف املتاحف‪ ،‬فهي ما تزال ختفي احلقائق العلمية‪ ،‬اليت سعى‬
‫اْلعداء لطمسها فأفلحوا يف ذلك‪.‬‬
‫كانت بعض أوجه االختالف يف املنهجية‪ ،‬بني ما يدرس يف جامعات كساىل اخلصوم مع‬
‫جامعات املسلمني‪ ،‬لكنها ختتفي سنة بعد أخرى‪ ،‬أما يف املعطيات فهي متشاهبة‪ ،‬مع ما يدرس يف‬
‫جامعات الكساىل لدى اخلصوم‪ ،‬أما جامعات املميزين‪ ،‬فهي تدرس فيها احلقائق العلمية احلقة‪،‬‬
‫اليت ال يرتقي لدراستها إال أبناء اليهود يف العامل‪ ،‬وبعض أبناء النصارى املميزين جدا‪.‬‬
‫قليل جدا من أبناء املسلمني‪ ،‬من تنصر منهم أو هتود سراي أو أصبح ملحدا كافرا موثوق‬
‫يف كفره‪ ،‬يسمح َلم ابالطالع على العلوم احلقة‪ ،‬إن كان لديه مستوى عايل جدا من الذكاء مع‬
‫‪17‬‬
‫الكفر طبعا‪ ،‬أما املسلم الذكي جدا‪ ،‬فال يسمح له ابملطلق ابالطالع على العلوم احلقة‪ ،‬اليت‬
‫تدرس يف اجلامعات اخلاصة ابملميزين من الكفار‪.‬‬
‫تدريس نظرية داروين يف التطور ابجلامعات اإلسالمية‪ ،‬رغم أن أغلب الطلبة غري مقتنعني‬
‫هبا‪ ،‬وامتحاْنم فيها ومعاقبتهم على عدم التصديق هبا‪ ،‬دليل واضح جلي على أن ما يدرس يف‬
‫اجلامعات اإلسالمية‪ ،‬مفروض علينا من الكفار‪ ،‬وليس من اختياران‪.‬‬
‫أغلب اجليولوجيني حني يصف حادثة جيولوجية‪ ،‬فهو يظن أنه يقدم علما مل يستطع أحد‬
‫قبله تقدميه‪ ،‬فرتاه يقف جبانب انكسار طبقات اْلرض مثال أو متوجات طبقات اجلبال‪ ،‬يشرح‬
‫التموج واالنكسار‪ ،‬لكن كيف حدث ذلك؟ يقول حركات تكتونية‪.‬‬
‫ما هي تلك احلركات؟ وما الذي حركها؟ ال يعلم اجليولوجي املشبع بنظرايت الكفار‪ ،‬وال‬
‫يريد أن يعلم وغري مسموح له ابلسؤال عنها‪ْ ،‬لنه يف احلقيقة جيرت ما شحن به عقله‪ ،‬فيكتفي‬
‫ابالجرتار وغري مستعد للبحث وتعميق البحث يف احلقائق‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫الصفحات يطلقها اجليولوجيون على الطبقات السبع‪ ،‬مبعىن اْلرضيني السبع وهي طباق‪،‬‬
‫أما الطبقات املقصودة فهي أقل مسكا‪ ،‬وأغلبها ال يتجاوز مسكها أمتارا‪ْ ،‬لن بني كل طبقتني‬
‫صلبتني طبقة هشة‪ ،‬أحياان تكون بسمك سنتمرتات فقط‪.‬‬
‫الكفار عمدا يقلبون كل شيء‪ ،‬فهم يبدعون مصطلحات كثرية للتضليل‪ ،‬لذلك يعجز‬
‫كل من شحن عقله بتلك الكلمات عن التفكري‪ْ ،‬لْنم متاما يفعلون ابلدارس النبيه‪ ،‬ما فعله‬
‫اْلصمعي ابخلليفة أبو جعفر املنصور‪ ،‬الذي أعجز الشعراء‪ ،‬حيث يعجزونه مبصطلحات كثرية‬
‫واتفهة‪ ،‬لكنها متنعه من التفكر واالنتباه‪.‬‬
‫بعض مواطين الدول اإلسالمية اْلذكياء جدا‪ ،‬يسمح َلم يف دول الكفار ابلولوج‬
‫للجامعات اخلاصة ابملميزين واْلذكياء‪ ،‬بشرط أن يعلن املسلم الذكي كفره‪ ،‬أبن يعتنق اليهودية أو‬
‫النصرانية‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫املسلم الذي تنصر أو هتود‪ ،‬حلني يكسب العلوم احلقة يف اجلامعات اخلاصة ابلكفار‬
‫اْلذكياء‪ ،‬مث يرغب يف العودة لوطنه أو لدينه‪ ،‬يقتل يف احلني‪ْ ،‬لنه مل ولن يسمح له بذلك‬
‫ابملطلق‪.‬‬
‫شاب حني ذكرت أن اْلرض تنتفخ‪ ،‬استغرب وقال كيف تقدر على قول ذلك؟‬
‫واينشتاين نفسه مل يقله؟ قلت له إن اينشتاين يف نظري عامل‪ ،‬لكنه كذب وافرتى عمدا‪ ،‬فكل ما‬
‫افرتاه ترهات يف ترهات‪ ،‬ال ترقى ملستوى العلوم‪.‬‬
‫نظرية اينشتاين كذبة متعمدة منه ومن قومه اليهود‪ ،‬لتضليل البشرية‪ ،‬فهو كان يف أملانيا‬
‫ومل يكن يقبل ابملطلق أن يعلم اْلملان ابلعلوم احلقة‪ ،‬فساهم يف التضليل‪ ،‬لكن التضليل مل جيدي‬
‫نفعا إال مع املسلمني‪ ،‬الذين سيطر عليهم اإلعالم الصهيوين‪ ،‬فصنع َلم شوامخ من الكذابني‬
‫والتافهني‪ ،‬لدرجة أصبحوا معيارا للعلم وهم جمرد كذابني اتفهني‪.‬‬
‫أغلب شباب املسلمني يتوهم أن نظرايت اليهود‪ ،‬اليت نشرت على أوسع نطاق‪ ،‬نظرايت‬
‫صحيحة‪ ،‬وهي اليت هبا يصنع الكفار فيبدعون‪ ،‬لكنهم يف احلقيقة مستغفلون بدرجة كبرية‪ْ ،‬لن‬
‫‪20‬‬
‫النظرايت اليت يصنع هبا الكفار فيبدعون‪ ،‬غري مسموح لنا حىت مبعرفة وجودها من عدمه‪ ،‬فكيف‬
‫لنا أن نتعرف عليها؟‬
‫الذي يتوهم أن النظرايت اليت تدرس يف اجلامعات العربية واإلسالمية هي اليت يصنع هبا‬
‫الكفار‪ ،‬فهو حبق مغبون وجاهل‪ ،‬وخري له أن يسكت حلني يتعلم‪ْ ،‬لن الذين ال يسمحون لنا بكل‬
‫جديد لديهم‪ ،‬وال يسمحون بتملك أي تقنية‪ ،‬إال بعد أن يتحكموا فيها ويبتكروا أحسن منها‬
‫بدرجات عدة‪ ،‬مل ولن يسمحوا لنا ابلعلم الذي حققوا به التفوق علينا‪.‬‬
‫يستحيل استحالة مطلقة أن يسمح لنا الكفار ابلعلوم احلقة‪ ،‬بل كل ما ينشرونه عرب‬
‫أتباعهم بيننا‪ ،‬هي أكاذيب وترهات اتفهة‪ ،‬فيمجدون ويدعمون أتباعهم املخلصني يف نشرها بيننا‪،‬‬
‫لكي يقتدي هبم أغلب شباب املسلمني‪ ،‬فيتحكم فيهم أتباع الكفار توجيها حنو اْلكاذيب‬
‫وتضليال عن العلوم احلقة‪ ،‬اليت البد منها لكل ساعي للرقي والعال‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫العقول املصدقة لنظرية االنفجار العظيم‪ ،‬مل ولن تصدق أن السماء خلقت من دخان‬
‫جمهري وأن اْلرض واجلبال خلقتا من سراب جمهري‪ ،‬ابلطبع فالكافر اجلاحد بربه‪ ،‬مل ولن يقبل‬
‫كالم اخلالق‪.‬‬
‫نقول ملن ال يصدق كالم هللا‪ ،‬وحنن مل ولن نصدق ترهات الكفار مجلة وتفصيال‪ ،‬فنرفع‬
‫التحدي يف وجه كل الكفار‪ ،‬أبن كل ما ينشرونه لتضليلنا به‪ ،‬هو جمرد ترهات ال ميكنهم أن‬
‫يقنعوننا هبا‪ ،‬فهم عاجزون عن ذلك‪ ،‬ليقينهم أنفسهم أبْنا أكاذيب‪.‬‬
‫حنن وهلل احلمد رب العاملني‪ ،‬قادرون بعد االستنارة بكالم هللا عز وجل ومعرفة أصل كل‬
‫خملوق فلكي وْناية كل خملوق فلكي‪ ،‬أن نربهن عن ذلك ابلعلم احلق واملعلومات الدقيقة‪ ،‬اليت‬
‫ستبشر كل حمب للعلم‪ ،‬مث ينقبض َلا قلب كل كافر جاحد مصر على الكفر‪.‬‬
‫يطرح التساؤل عن املصادر اليت اعتمدها يف الشرح‪ ،‬فأقول أبن املصادر اليت أعتمدها‬
‫هي عقلي وفهمي لآلايت العلمية والفلكية يف القرآن الكرمي‪ ،‬لكين يف احلقيقة قرأت من الكتب‬
‫واجملالت العلمية يف شبايب الكثري‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫رمبا كل ما قرأته يف شبايب مع تدبر القرآن الكرمي هو الذي تفاعل‪ ،‬فمكنين وهلل احلمد‬
‫رب العاملني من فهم الكثري من الظواهر‪ْ ،‬لين يف احلقيقة مند طفوليت كنت مولعا بفهم كل‬
‫الظواهر‪.‬‬
‫يف طفوليت قبل عمر التمدرس كنت مزعجا لوالديت حفظها هللا ولعائليت عامة بكثرة‬
‫اْلسئلة‪ ،‬اليت حتتاج اجلواب عليها من أكرب علماء الفلك واجليولوجيا اليوم‪ ،‬لذلك أصبحت ملزما‬
‫ابجلواب على التساؤالت اليت كانت تؤرقين مند طفوليت‪.‬‬
‫الباب اْلول‪ :‬اْلرض واجلبال خلقا‬

‫من سراب‬
‫‪23‬‬
‫علماء اجليولوجيا الذين حياولون فهم حقيقة الزالزل والرباكني‪ ،‬عاجزون عن فهم كيف‬
‫خلقت اْلرض؟ ومما خلقت؟ وكيف منت؟ وكيف تنمو؟ وهل ما تزال تنمو؟ وْناية منوها كيف‬
‫ستكون؟‬
‫اختلف املفسرون اْلوائل يف اْلسبق ابخللق‪ ،‬هل هي اْلرض؟ أم السماء؟ فكان أغلبهم‬
‫يظن أن اْلرض هي اليت خلقت قبل السماء‪ ،‬مستدلني بقول العزيز العليم يف سورة فصلت ((قُ ْل‬
‫ب ال َْعال َِم َ‬
‫ني (‪َ )9‬و َج َع َل‬ ‫ادا ۚ ٰذَلِ َ‬
‫ك َر ُّ‬ ‫ض ِيف يَـ ْوَم ْ ِ‬
‫ني َوَجتْ َعلُو َن لَهُ أَن َد ً‬ ‫ِ‬
‫أَئِنا ُك ْم لَتَ ْك ُف ُرو َن ِابلاذي َخلَ َق ْاْل َْر َ‬
‫اسي ِمن فَـوقِها وابر َك فِيها وقَ ادر فِيها أَقـْو َاهتَا ِيف أَربـع ِة أ اَايٍم سواء لِل ا ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استَـ َو ٰى‬ ‫سائِل َ‬
‫ني (‪ )10‬مثُا ْ‬ ‫ََ ً‬ ‫َْ َ‬ ‫ْ َ ََ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ف َيها َرَو َ‬
‫اه ان‬
‫ضُ‬ ‫طَْو ًعا أ َْو َك ْرًها قَالَتَا أَتَـ ْيـنَا طَائِِع َ‬
‫ني (‪ )11‬فَـ َق َ‬ ‫ض ائْتِيَا‬ ‫س َم ِاء َو ِه َي ُد َخا ٌن فَـ َق َ‬
‫ال ََلَا َولِ ْْل َْر ِ‬ ‫إِ َىل ال ا‬
‫يح َو ِح ْفظًا ۚ َٰذلِ َ‬

‫ك‬ ‫صابِ َ‬
‫س َماءَ ُّ‬ ‫س ْبع َمسَاو ٍ‬
‫ات ِيف يَـ ْوَم ْ ِ‬ ‫َ َ َ‬
‫تَـ ْق ِد ُير ال َْع ِزي ِز ال َْعلِ ِيم (‪.)) )12‬‬
‫ال بد من متحيص وفهم اآلايت أعاله‪ ،‬فهما دقيقا بتدبر كامل‪ ،‬لكي نتبني احلقيقة جيدا‪،‬‬
‫فاهلل عز وجل طرح تساؤال على الناس عامة‪ ،‬أبْنم ليسوا قادرين على الكفر ابلذي خلق اْلرض‬
‫يف يومني‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫ض ِيف يَـ ْوَم ْ ِ‬

‫ني)) فعدد أايم خلق اْلرض‪ ،‬من أايم هللا عز وجل‪،‬‬ ‫اآلية صرحية (( َخلَ َق ْاْل َْر َ‬
‫هو يومني‪ ،‬ال نقاش فيه وال اختالف‪ ،‬فهي حقيقة مؤكدة من قول امللك القدوس‪.‬‬
‫السالم املؤمن أكد أنه جل جالله‪ ،‬جعل رواسي فوق اْلرض‪ ،‬فالفرق كبري بني فوقها‬
‫وبني فيها‪ ،‬اليت سنجدها يف آايت أخرى‪ ،‬فالرواسي هي اجلبال ابلطبع‪ ،‬مث ابرك يف اْلرض‪ ،‬والبد‬
‫من تبيان حقيقة تلك الربكة ما أمكن‪ ،‬مث قدر احلليم الغفور يف اْلرض أقواهتا‪ ،‬مبعىن أنه جل جالله‬
‫قدر وحسم عدد وشكل كل املخلوقات‪ ،‬اليت ستكون يف اْلرض‪ ،‬فكل املخلوقات هي أقوات‬
‫بعض‪.‬‬
‫املثري هو قول العلي العظيم ((ِيف أَربـع ِة أ اَايٍم سواء لِل ا ِ‬

‫سائِل َ‬
‫ني)) فاجلميع يظن أن اْلربعة أايم‬ ‫ََ ً‬ ‫َْ َ‬
‫هي يومني الذين خلق هللا فيهما اْلرض‪ ،‬ويوم خللق اجلبال أعلى اْلرض ويوم جلعل الربكة يف‬
‫اْلرض مع تقدير اْلقوات فيها‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫لقد كنت شخصيا أقول ابلتفسري أعاله‪ ،‬فحسبت أن خلق السماوات واْلرض صحيح‬
‫كان يف ستة أايم‪ ،‬لكين كنت أظن كما يظن غريي أن عدد اْلايم املشار إليها يف سورة فصلت هي‬
‫مثانية أو عشرة وليس ستة أايم فقط‪ ،‬اليت خلق هللا عز وجل فيها السموات واْلرض وما بينهما‪.‬‬
‫س َم ِاء‬
‫الذي حيسم الريبة يف الفهم أعاله‪ ،‬هو قول ذو اجلالل واإلكرام ((مثُا ْ‬
‫َو ِه َي ُد َخا ٌن )) فذكر االستواء إىل السماء‪ ،‬دليل على خلقها قبل اْلرض‪ ،‬فهي موجودة قبلها بال‬
‫شك‪.‬‬
‫هللا عز وجل حسم أن عدد اْلايم الذي خلق فيه السماوات واْلرض وما بينهما هو‬
‫ستة أايم فقط‪ ،‬فاملؤكد أن اْلربعة أايم اليت ذكرت ((ِيف أَربـع ِة أ اَايٍم سواء لِل ا ِ‬
‫سائِل َ‬
‫ني )) هي يومني‬ ‫ََ ً‬ ‫َْ َ‬
‫خللق السماء وتقدير كل ما سيكون فيها من خملوقات‪ ،‬مث بعدها يومني خللق اْلرض وخلق اجلبال‬
‫أعالها منفصلة عنها وجعل الربكة فيها وتقدير كل ما سيكون فيها‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫سيقول الكثري كيف جزمت أن السماء خلقت قبل اْلرض؟ فأقول أول دليل ورد يف‬
‫نفس اآلايت أعاله وهو قول الكبري املتعايل يف سورة فصلت اآلية ‪((11‬مثُا ْ‬
‫ال ََلَا َولِ ْْل َْر ِ‬

‫ض ائْتِيَا طَ ْو ًعا أ َْو َك ْرًها قَالَتَا أَتَـ ْيـنَا طَائِِع َ‬
‫ني))‪.‬‬ ‫َو ِه َي ُد َخا ٌن فَـ َق َ‬
‫االستواء إىل السماء دون ذكر اْلرض‪ ،‬تعظيم للسماء وأتكيد أن اْلرض الحقة هبا‬
‫ال ََلَـ ـ ـا َولِ ْْل َْر ِ‬

‫ض )) فاخلطاب موجه‬ ‫ومشمولة هبا‪ ،‬ولتأكيد أسبقية السماء قال القادر املقتدر ((فَـ َق َ‬
‫للسماء‪ ،‬فهي املخاطب اْلول واْلرض جمرد الحقة هبا واتبعة َلا‪.‬‬
‫البعض يتوهم أن السماء واْلرض اثبتتني ال تتحركان ابملطلق‪ ،‬متجاهال كالم هللا عز وجل‬
‫الصريح والواضح يف سورة فصلت ((ائْتِيَا طَْو ًعا أ َْو َك ْرًها قَالَتَا أَتَـ ْيـنَا طَائِِع َ‬
‫ني)) فاخلطاب موجه من‬
‫القوي اجلبار للسماء واْلرض‪ ،‬أبن أتتياه طوعا أو كرها‪ ،‬خطاب منطوق ومسموع واجلواب عنه‬
‫منطوق ومسموع ومعرب عنه بلسان عريب مبني‪ ،‬أم اللغات‪.‬‬
‫ال ميكنين أن أجتاهل الصريح الواضح من كالم هللا عز وجل‪ ،‬خوفا أو جهال‪ ،‬بل احلق‬
‫أحق أن يقال‪ ،‬فبما أن العليم اخلبري وجه اخلطاب للسماء واْلرض بكالمه جل جالله أبن أتتياه‪،‬‬
‫‪27‬‬
‫طوعا أو كرها‪ ،‬فهو دليل مؤكد على أن اخلالق أودع يف السماء واْلرض القدرة على احلركة‬
‫والقدرة على السمع والقدرة على الكالم‪ ،‬لكن حنن ابلطبع ال نفقه ذلك وطريقته‪.‬‬
‫ض‬
‫س ْب ُع َو ْاْل َْر ُ‬
‫ات ال ا‬ ‫قال ذو اجلالل واإلكرام يف سورة اإلسراء اآلية ‪ ((44‬تُ َسبِ ُح لَهُ ال ا‬
‫س َم َاو ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ ٰ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫ورا‬
‫يما غَ ُف ً‬ ‫َوَمن في ِه ان ۚ َوإِن من َش ْيء إِاال يُ َسبِ ُح حبَ ْمده َولَكن اال تَـ ْف َق ُهو َن تَ ْسبِ َ‬
‫يح ُه ْم ۚ إِناهُ َكا َن َحل ً‬
‫))‪.‬‬
‫اخلالق املبدع يف اآلية أعاله‪ ،‬يؤكد أن السماوات السبع واْلرض اليت هي سبع أرضيني‪،‬‬
‫مع كل من فيهن أي يف السماوات السبع واْلرض‪ ،‬الكل يسبح حبمد ربه‪ ،‬لكن حنن الناس ال‬
‫نفقه تسبيح السماوات لرهبا‪ ،‬وال تسبيح اْلرض وتسبيح كل خملوقات القوي اجلبار‪ ،‬والتسبيح‬
‫فعل الكالم‪.‬‬
‫الفصل اْلول‪ :‬مراحل خلق اْلرض‬
‫‪28‬‬
‫قد يستغرب البعض‪ ،‬ممن يتومهون أن السماوات واْلرض أعظم من أن يكوان خملوقني‪،‬‬
‫ْلن البعض ال يستغربون بقلوهبم بل بعقوَلم‪ْ ،‬لن عقوَلم عاجزة عن فهم كيف تتحرك السماء؟‬
‫وكيف تتحرك اْلرض؟ وكيف تسبحان رهبما؟ وكيف تتكلمان بطريقة ال نفقهها حنن؟‬
‫يؤكد عظمة السماء وكوْنا شاملة لْلرض‪ ،‬وأن اْلرض الحقة واتبعة للسماء وحماطة‬
‫ابلسماء‪ ،‬وأْنا أصغر من أن تقارن ابلسماء وأهون من أن ختلق قبل السماء‪ ،‬قول الغفار القهار‬

‫ات ِيف يَـ ْوَم ْ ِ‬
‫ني))‪.‬‬ ‫ضُ َ َ َ‬ ‫((فَـ َق َ‬
‫جزم لنا اخلالق أنه يف اليومني اخلامس والسادس‪ ،‬قضى السماء واْلرض سبع مساوات‪،‬‬
‫اه ان )) تعود على السماء واْلرض‪ ،‬فقد قسم الويل احلميد السماء سبع مسوات‬
‫ضُ‬ ‫ْلن قوله (( فَـ َق َ‬
‫يف اليوم اخلامس من أايم هللا عز وجل الستة‪ ،‬و يف اليوم السادس قسم اْلرض سبع أرضيني طباق‬
‫كما السماوات طباق‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫السر يف عدم ذكر اخلالق املصور لْلرض‪ ،‬هو أْنا مشمولة ابلسماء الدنيا وحماطة هبا‪،‬‬
‫والسماء الدنيا حماطة ابلستة مساوات فوقها‪ ،‬وعليه فاْلرضيني الستة الطباق حماطة ابلسماوات‬
‫السبع الطباق‪ ،‬مما يؤكد أن اْلرض أصغر وهي مشمولة ابلسماوات السبع‪ ،‬بل الصحيح ابلسماء‬
‫الدنيا فهي أعظم وحدها بكثري من اْلرضيني السبع الطباق‪.‬‬
‫اْلدلة على خلق السماء قبل اْلرض‪ ،‬ال ريب فيها ومؤكدة لكل من كان يعقل ويتدبر‬
‫كالم هللا عز وجل‪ ،‬فقد ذكر اخلالق املصور خلق السماوات واْلرض يف ستة عشر آية‪ ،‬حيث‬
‫يسبق ذكر السماوات ذكر اْلرض‪ ،‬مما يؤكد أن السماء خلقت قبل خلق اْلرض وأن السماء‬
‫قسمت سبع مساوات قبل قسمة اْلرض سبع أرضيني وأن السماء حميطة وشاملة لْلرض‪.‬‬
‫الكبري املتعايل جزم لنا أبصل السماء جزما صرحيا واضحا‪ ،‬ال ميكن الريبة منه‪ ،‬بقوله جل‬
‫س َم ِاء َو ِه َي ُد َخـ ـ ـا ٌن فَـ َق َ‬

‫ض ائْتِيَا‬ ‫استَـ َو ٰى إِ َىل ال ا‬
‫((مثُا ْ‬ ‫‪11‬‬ ‫جالله يف سورة فصلت اآلية‬
‫طَ ْو ًعا أ َْو َك ْرًها قَالَتَا أَتَـ ْيـنَا طَائِِع َ‬

‫ني )) حيث جزم أن السماء بعد أربعة أايم من عمر السموات‬
‫س َم ِاء َو ِه َي ُد َخا ٌن )) لذلك قد تكون حني خلقت يف اليوم اْلول‬

‫واْلرض كانت جمرد دخان‪(( ،‬ال ا‬
‫يف شكل دخان جمهري أو أقل منه‪.‬‬
‫‪30‬‬
‫الوارث الرشيد بني لنا أن ْناية اجلبال ستكون هي السراب‪ ،‬بقوله جل جالله يف سورة‬
‫ت أَبْـوااب (‪ )19‬وسِري ِ‬
‫ت‬ ‫الصوِر فَـتَأْتُو َن أَفْـواجا (‪ )18‬وفُتِح ِ‬
‫النبأ ((يَـ ْو َم يُن َف ُخ ِيف ُّ‬
‫ََُ‬ ‫س َماءُ فَ َكانَ ْ َ ً‬
‫ت ال ا‬ ‫َ َ‬ ‫َ ً‬
‫ت َس َر ًااب (‪ )) )20‬لقد نشرت اآلايت الثالث هذه‪ ،‬لكي يعلم القارئ أن اجلبال‬ ‫ا ْجلِبَ ُ‬
‫ال فَ َكانَ ْ‬
‫ستصبح سرااب يف ْناية عمر السماوات واْلرض‪ ،‬بعد النفخ يف الصور بزمن علمه عن هللا عز‬
‫وجل‪.‬‬
‫الغين املغين أكد لنا أن ْناية كل خملوق هي مشاهبة لبداية خلقه‪ ،‬بقوله جل جالله يف‬
‫الس ِج ِل لِ ْل ُكتُ ِ‬
‫ب ۚ َك َما بَ َدأْ َان أَ او َل َخل ٍْق نُِّعي ُدهُ‬ ‫سماء َكطَ ِي ِ‬
‫سورة اْلنبياء اآلية ‪(( 104‬يَـ ْو َم نَطْ ِوي ال ا َ َ‬
‫ِِ‬
‫ۚ َو ْع ًدا َعلَْيـنَا ۚ إِ اان ُكناا فَاعل َ‬
‫ني ))‪.‬‬
‫اآلية أعال تؤكد أن كل خملوق نعلم بدايته‪ ،‬كبداية السماء اليت هي الدخان‪ ،‬فان ْنايتها‬
‫مؤكد ستكون هي الدخان‪ ،‬واجلبال اليت نعرف ْنايتها‪ ،‬أبْنا السراب فإن بدايتها هي السراب‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫مراحل زوال اجلبال‪ ،‬هي نفسها مراحل تشكلها‪ ،‬لكن مقلوبة حيث تكون آخر مرحلة‬
‫يف الزوال هي أول مرحلة من مراحل اخللق‪ ،‬وأول مرحلة من مراحل الزوال هي آخر مرحلة من‬
‫مراحل النمو والتشكل‪.‬‬
‫العلي العظيم بني لنا حالة السماء‪ ،‬حني خلقها جل جالله وبني لنا حالة اجلبال‪ ،‬لكن‬
‫حالة اْلرض حني خلقت‪ ،‬مل أجد َلا إشارة واضحة صرحية يف كتاب هللا عز وجل وال يف سنة نبيه‬
‫املصطفى صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬يف حدود اطالعي‪.‬‬
‫مبا أن اجلبال واْلرض من نفس املادة‪ ،‬ونفس التكوين وال فرق بينهما إال من حيث‬
‫العلو‪ ،‬أما من حيث الطبقات الصلبة‪ ،‬فنجدها يف اْلرض املستوية كما يف اجلبال‪ ،‬كما جند‬
‫البحريات الباطنية العمالقة حتت اجلبال‪ ،‬وجندها حتت السهول‪ ،‬مما يؤكد أن نفس املادة اليت‬
‫خلقت منها اجلبال أول اخللق‪ ،‬هي نفسها اليت خلقت منها اْلرض أول اخللق‪.‬‬
‫اْلرض واجلبال إذن خلقا من نفس اْلصل‪ ،‬فاْلرض خلقت إذن من سراب‪ ،‬كما خلقت‬
‫اجلبال من سراب أيضا‪ ،‬لكنها خلقت أعلى اْلرض‪ ،‬مبعىن منفصلة عنها‪ ،‬لكن ابلطبع داخل‬
‫‪32‬‬
‫غالفها اجلوي‪ ،‬الذي تشكل رمبا وهللا أعلم‪ ،‬حني قسم هللا عز وجل السماء سبع مساوات واْلرض‬
‫سبع أرضيني‪.‬‬
‫حني قضى هللا عز وجل السماء واْلرض سبع مساوات‪ ،‬كان الكل يف أول خلقه‪،‬‬
‫فالسماء حينها جمرد دخان واْلرض جمرد سراب‪ ،‬ومل تتشكل اْلرض والسماء مبا نراها عليه اليوم‪،‬‬
‫إال بعد ماليني أو رمبا ماليري السنني مما نعد حنن‪.‬‬
‫بعد أن عرفنا أصل السماء الذي هو الدخان وأصل اْلرض واجلبال الذي هو السراب‪،‬‬
‫البد من طرح التساؤل عن الغذاء الذي سخره هللا عز وجل‪ ،‬لنمو الدخان والسراب‪ ،‬حلني حتول‬
‫كل منهما إىل خملوقني عظيمني متام العظمة؟‬
‫هل غذى القادر املقتدر الدخان‪ ،‬الذي هو مادة السماء أول اخللق‪ ،‬والسراب الذي‬
‫هو مادة اْلرض واجلبال أول اخللق‪ ،‬بنفس الغذاء؟ ليحقق كل منهما النمو‪ ،‬أو أن غذاء الدخان‬
‫الذي هو أصل السماء خمتلف عن غذاء السراب الذي هو أصل اْلرض واجلبال؟‬
‫‪33‬‬
‫املبحث اْلول‪ :‬اْلرض خلقت يف حالة السراب‬
‫اْلرض خلقها هللا عز وجل يف اليومني الثالث والرابع من اْلايم الستة‪ ،‬اليت خلق فيها‬
‫القوي اجلبار السماوات واْلرض‪ ،‬ويف نفس اليومني خلق اجلبال أعالها‪ ،‬دون أن تلتصق هبا‪،‬‬
‫فبارك يف اْلرض خبلق اَليدروجني واْلكسجني حوَلا‪ ،‬وتقدير أقواهتا‪ ،‬بتقدير كل املخلوقات اليت‬
‫ستخلق من اْلرض وتعيش على اْلرض‪.‬‬
‫ال ميكن ملخلوق أن ينمو بدون غذاء‪ ،‬لذلك ومبا أن اْلرض خملوق منا وما يزال ينمو‪،‬‬
‫فالبد َلا من غذاء‪ ،‬يضمن َلا احلياة واالستمرار‪ ،‬حلني حلول أجلها‪ ،‬فتكون ْنايتها ابلزوال‬
‫والفناء‪.‬‬
‫اْلرض خلقت أول خلقها من سراب‪ ،‬كما خلقت اجلبال من سراب‪ ،‬بدليل قول العزيز‬
‫ت أَبْـ َو ًااب‬
‫س َماءُ فَ َكانَ ْ‬ ‫الصوِر فَـتَأْتُو َن أَفْـواجا (‪ )18‬وفُتِح ِ‬
‫ت ال ا‬ ‫العليم يف سورة النبأ ((يَـ ْوَم يُن َف ُخ ِيف ُّ‬
‫َ َ‬ ‫َ ً‬
‫ت َس َر ًااب (‪.)))20‬‬ ‫ت ا ْجلِبَ ُ‬

‫ال فَ َكانَ ْ‬ ‫(‪ )19‬وسِري ِ‬
‫ََُ‬
‫‪34‬‬
‫السراب هو ْناية اجلبال‪ ،‬وهو نفس بداية خلق اجلبال واْلرض‪ ،‬بدليل قول القوي اجلبار‬
‫الس ِج ِل لِ ْل ُكتُ ِ‬
‫ب ۚ َك َما بَ َدأْ َان أَ او َل َخل ٍْق‬ ‫سماء َكطَ ِي ِ‬
‫((يَـ ْو َم نَطْ ِوي ال ا َ َ‬ ‫‪104‬‬ ‫يف سورة اْلنبياء اآلية‬
‫ِِ‬
‫نُِّعي ُدهُ ۚ َو ْع ًدا َعلَْيـنَا ۚ إِ اان ُكناا فَاعل َ‬
‫ني ))‪.‬‬
‫السراب املقصود والذي خلقت منه اْلرض‪ ،‬هو املذكور يف قول امللك القدوس يف سورة‬
‫اب بِِق َيع ٍة َْحي َسبُهُ الظا ْمآ ُن َماءً َح ا ٰ‬

‫ىت إِذَا َجاءَهُ َملْ َِجي ْدهُ‬ ‫ين َك َفروا أَ ْع َما َُلُ ْم َكسر ٍ‬
‫ََ‬
‫اِ‬
‫(( َوالذ َ ُ‬ ‫‪39‬‬ ‫النور اآلية‬
‫يع ا ْحلِس ِ‬
‫اب)) والذي يهمين يف اآلية هذه‪ ،‬هو قول‬ ‫اَّللَ ِعن َدهُ فَـ َوفااهُ ِح َسابَهُ ۚ َو ا‬
‫اَّللُ َس ِر ُ َ‬ ‫َش ْيـئًا َوَو َج َد ا‬
‫اب بِِق َيع ٍة َْحي َسبُهُ الظا ْمآ ُن َماءً ))‪.‬‬

‫الويل احلميد (( َكسر ٍ‬
‫ََ‬
‫العقول العاجزة عن تدبر املخلوقات‪ ،‬لن تستسيغ أن يكون السراب الذي نراه وكأنه‬
‫العدم‪ ،‬أصل اْلرض اليت حنن عليها عظيمة شاخمة صلبة‪ ،‬لكن النمو والغذاء هو الذي حيول‬
‫بويضة جمهرية إىل إنسان عاقل قوي‪ ،‬ينازع ربه الذي خلقه ابلكفر واجلحود‪.‬‬
‫الغذاء الذي حول به القوي اجلبار السماء‪ ،‬من دخان إىل ما هي عليه من العظمة هي‬
‫وكل املخلوقات اليت خلقها هللا عز وجل فيها‪ ،‬هو احلديد وهو نفسه الذي حول به الكبري املتعايل‬
‫‪35‬‬
‫اْلرض من السراب‪ ،‬الذي خلقت منه إىل العهن املنفوش‪ ،‬مث إىل الكثيب املهيل مث إىل اْلرض‬
‫الصلبة‪.‬‬
‫الواجد املاجد أكد أنه أنزل احلديد‪ ،‬دون ذكر أنه منزل من السماء‪ ،‬مما يفيد أن احلديد‬
‫((لََق ْد أ َْر َسلْنَا ُر ُسلَنَا‬ ‫‪25‬‬ ‫منزل على السماء واْلرض‪ ،‬بقوله جل جالله يف سورة احلديد اآلية‬
‫ْس َش ِدي ٌد‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِابلْبـيِنَ ِ‬

‫ااس ِابلْق ْسط ۚ َوأ َ‬
‫َنزلْنَا ا ْحلَدي َد فيه َأب ٌ‬ ‫اب َوال ِْم َيزا َن ليَـ ُق َ‬
‫وم الن ُ‬ ‫َنزلْنَا َم َع ُه ُم الْكتَ َ‬
‫ات َوأ َ‬ ‫َ‬
‫ي َع ِز ٌيز))‪.‬‬ ‫ب ۚ إِ ان ا‬
‫اَّللَ قَ ِو ٌّ‬ ‫نص ُرهُ َوُر ُسلَهُ ِابلْغَْي ِ‬ ‫ااس َولِيَـ ْعلَ َم ا‬
‫اَّللُ َمن يَ ُ‬ ‫َوَمنَافِ ُع لِلن ِ‬
‫َنزلْنَا)) ذكرت قبل الكتاب‬

‫من سورة احلديد‪ ،‬يؤكد لنا أن كلمة (( َوأ َ‬ ‫‪25‬‬ ‫تدبر اآلية‬
‫وامليزان‪ ،‬كما ذكرت قبل احلديد‪ ،‬فالكتاب وامليزان أنزال من عند اخلالق اجلبار مع رسله جل‬
‫جالله‪ ،‬وال ميكن أن يكون احلديد منزل من السماء على اْلرض‪ ،‬بل فعل اإلنزال واقع من خارج‬
‫السماوات واْلرض‪ ،‬وهو الغذاء الذي منى وما يزال ينمي به اخلالق القوي اجلبار السماوات‬
‫واْلرض‪ ،‬حلني حلول أجلهما فيكون زواَلما‪.‬‬
‫‪36‬‬
‫احلديد نزل وما يزال ينزل على اْلرض‪ ،‬فكل الشهب اليت تنزل على اْلرض هي انجتة‬
‫من النجوم‪ ،‬اليت حققت االتساق‪ ،‬فانفجرت إىل ماليني الشهب املشتعلة‪ ،‬فهي كلها حتتوي نسبة‬
‫عالية جدا من احلديد‪ ،‬لذلك يفهم من هذا‪ ،‬أن احلديد الذي ينزل على اْلرض مير عرب السماء‬
‫أوال‪ ،‬حيث يغذي وينمي خملوقات السماء‪ ،‬اليت بدورها تغذي اْلرض واجلبال ابحلديد‪.‬‬
‫البعض يتوهم أن النيازك والشهب اليت تنزل على اْلرض‪ ،‬انجتة من انفجار كواكب أو‬
‫حنوها يف مسك السماء الدنيا‪ ،‬لكن ذلك غري صحيح‪ ،‬فالذي تنتج منه الشهب هو النجوم ال غري‬
‫النجوم‪.‬‬
‫النجوم هي اليت جعلها الفرد الصمد زينة للسماء الدنيا ورجوما للشياطني‪ ،‬بقوله جل‬
‫شي ِ‬
‫اط ِ‬ ‫الدنْـيا ِمبَصابِيح وجعلْنَاها رج ِ‬
‫ني ۚ‬ ‫وما لل ا َ‬
‫س َماءَ ُّ َ َ َ َ َ َ َ ُ ُ ً‬ ‫جالله يف سورة امللك اآلية ‪َ (( 5‬ولََق ْد َزياـناا ال ا‬
‫س ِع ِري))‪.‬‬ ‫َوأَ ْعتَ ْد َان ََلُ ْم َع َذ َ‬

‫اب ال ا‬
‫املصباح ال يتحرك يف الغالب‪ ،‬وكذلك النجوم‪ ،‬فهي مصابيح اثبتة مستقرة ال تتحرك‪،‬‬
‫لذلك جعلها الويل احلميد‪ ،‬لنهتدي هبا يف ظلمات الرب والبحر‪ْ ،‬لن االهتداء ال يكون ابجلسم‬
‫‪37‬‬
‫املتحرك‪ ،‬بل ابجلسم الثابت املستقر‪ ،‬لقول الغفور الشكور يف سورة اْلنعام اآلية ‪َ ( 97‬و ُه َو الا ِذي‬
‫ت لَِق ْوٍم يَـ ْعلَ ُمو َن))‪.‬‬

‫صلْنَا ْاآلَاي ِ‬
‫َ‬ ‫ْرب َوالْبَ ْح ِر قَ ْد فَ ا‬ ‫جعل لَ ُكم النُّجوم لِتَـ ْهتَ ُدوا ِهبا ِيف ظُلُم ِ‬
‫ات ال َِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ ُ ُ َ‬
‫القابض الباسط شرح لنا مراحل منو وتطور السماء واْلرض‪ ،‬بقوله جل جالل يف سورة‬
‫اها (‪َ )27‬رفَ َع َمسْ َك َها فَ َس او َاها (‪َ )28‬وأَ ْغطَ َ‬

‫ش لَْيـلَ َها‬ ‫النازعات (( أَأَنتُ ْم أَ َش ُّد َخ ْل ًقا أَِم ال ا‬
‫س َماءُ ۚ بَـنَ َ‬
‫اها (‪َ )31‬وا ْجلِبَ َ‬ ‫ك َدحاها (‪ )30‬أَ ْخر ِ‬‫ِ‬

‫ال‬ ‫ج م ْنـ َها َماءَ َها َوَم ْر َع َ‬
‫ََ‬ ‫ض بَـ ْع َد َٰذل َ َ َ‬
‫اها (‪َ )29‬و ْاْل َْر َ‬
‫ض َح َ‬ ‫َوأَ ْخ َر َ‬
‫ج ُ‬
‫اعا لا ُك ْم َوِْلَنْـ َع ِام ُك ْم (‪.)))33‬‬

‫اها (‪َ )32‬متَ ً‬
‫أ َْر َس َ‬
‫تدبر اآلايت أعاله‪ ،‬يؤكد لنا أن القوي املتني خلق السماء‪ ،‬مث بناها‪ ،‬مث رفع مسكها مث‬
‫سواها‪ ،‬مث أغطش ليل السماء مبعىن أظلمه‪ ،‬فقول الكبري املتعايل (( َوأَ ْغطَ َ‬
‫ش لَْيـلَ َها )) يفيد أن‬
‫الليل كمخلوق اتبع للسماء وخلق من أصل السماء الذي هو الدخان‪ ،‬رمبا جعله هللا عز وجل‬
‫مظلما ابحلديد الذي غذى به السماوات واْلرض‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫اها)) أخرج فعل واضح جلي مفهوم‪ ،‬يؤكد أن الضحى‬

‫ض َح َ‬ ‫قول الودود احلليم (( َوأَ ْخ َر َ‬
‫ج ُ‬
‫خرج من السماء‪ْ ،‬لنه منسوب إليها‪ ،‬واملقصود ابلضحى يف اآلية هذه هو النهار‪ْ ،‬لنه املخلوق‬
‫القرين والتابع واملكمل لليل كمخلوق‪.‬‬
‫الليل والنهار كمخلوقني‪ ،‬خلقا ْناية اْلايم الستة‪ ،‬اليت خلقت فيها السماوات واْلرض‪،‬‬
‫سماو ِ‬ ‫(( ا ِ‬
‫ض َوَما‬
‫ات َو ْاْل َْر َ‬ ‫اَّللُ الاذي َخلَ َق ال ا َ َ‬ ‫‪4‬‬ ‫بدليل قول العزيز العليم يف سورة السجدة اآلية‬
‫ش ۚ َما لَ ُكم ِمن ُدونِِه ِمن َوٍِيل َوَال َش ِفي ٍع ۚ أَفَ َال تَـتَ َذ اك ُرو َن‬ ‫ِ ِ‬
‫بَـ ْيـنَـ ُه َما ِيف ستاة أ اَايٍم مثُا ْ‬
‫استَـ َو ٰى َعلَى ال َْع ْر ِ‬
‫)) فالبعض يفهم (( َوَما بَـ ْيـنَـ ُه َما )) على أنه‪ ،‬ما على اْلرض وما يف السماوات‪ ،‬لكن املخلوقني‬
‫الذين يشغالن ما بني السماوات واْلرض‪ ،‬مها الليل والنهار كمخلوقني‪.‬‬
‫سماو ِ‬ ‫من سورة السجدة (( ا ِ‬

‫ض َوَما‬
‫ات َو ْاْل َْر َ‬ ‫اَّللُ الاذي َخلَ َق ال ا َ َ‬ ‫‪4‬‬ ‫الذي يثريين يف اآلية‬
‫ِ ِ‬
‫بَـ ْيـنَـ ُه َما ِيف ستاة أَ اايٍم مثُا ْ‬
‫استَـ َو ٰى َعلَى ال َْع ْر ِ‬
‫ش))‪ ،‬هو االستواء على العرش‪ ،‬بعد خلق السماوات‬
‫واْلرض وما بينهما‪ ،‬وهنا ميكن أن نفهم كلمة االستواء إىل السماء ال على السماء‪ ،‬ففرق كبري‬
‫بني االستواء على العرش واالستواء إىل السماء‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫س َم ِاء َو ِه َي ُد َخا ٌن فَـ َق َ‬

‫ال‬ ‫استَـ َو ٰى إِ َىل ال ا‬
‫قال العلي العظيم يف سورة فصلت اآلية ‪(( 11‬مثُا ْ‬
‫ََلَا َولِ ْْل َْر ِ‬

‫ض ائْتِيَا طَ ْو ًعا أ َْو َك ْرًها قَالَتَا أَتَـ ْيـنَا طَائِِع َ‬
‫ني )) يف اآليتني ما يفيد أن االستواء إىل السماء أمر‬
‫عظيم جلل‪ ،‬اقتضى استواء اخلالق العظيم إليها‪.‬‬
‫االستواء الحق ابلطبع خللق السماء يف اليومني اْلول و الثاين وخلق اْلرض وما عليها‬
‫يف اليومني الثالث والرابع‪ ،‬واالستواء استمر يومني من أايم هللا عز وجل‪ ،‬لقضاء السماء سبع‬
‫مساوات واْلرض سبع أرضيني‪.‬‬
‫الرب الثواب أكد لنا‪ ،‬أن خلق السماوات واْلرض أعظم بكثري من خلق الناس‪ ،‬فاْلمر‬
‫اجللل الذي اقتضى استواء اخلالق العظيم إليه‪ ،‬هو قضاء السماء سبع مساوات واْلرض سبع‬
‫‪57‬‬ ‫أرضيني‪ ،‬وما دوْنما مل يقتضي ذلك‪ ،‬حيث قال ذو اجلالل واإلكرام يف سورة غافر اآلية‬
‫ااس َوٰلَ ِك ان أَ ْكثَـ َر الن ِ‬

‫ااس َال يَـ ْعلَ ُمو َن ))‪.‬‬ ‫رب ِم ْن َخل ِْق الن ِ‬
‫ض أَ ْك َُ‬
‫سماو ِ‬
‫ات َو ْاْل َْر ِ‬ ‫ْق ال ا َ َ‬
‫(( َخلَل ُ‬
‫املبحث الثاين‪ :‬حتول السراب إىل العهن املنفوش‬
‫‪40‬‬
‫اْلرض حني كان ينزل عليها احلديد‪ ،‬يتجمع يف مركزها بفعل قوة الرجع‪ ،‬فاحلديد‬
‫امللتهب املشتعل‪ ،‬استطاع حتويل اْلرض‪ ،‬اليت كانت يف حالة السراب إىل العهن املنفوش‪ ،‬حيث‬
‫كانت اْلرض إال مركزها كالصوف املنفوش‪ ،‬مبعىن الصوف املغسول‪ ،‬حيث أن حرارة مركز اْلرض‬
‫هي اليت حولت السراب إىل العهن املنفوش‪ ،‬يف زمن علمه عند هللا عز وجل‪.‬‬
‫يطرح التساؤل عن التفاعل الذي وقع؟ وكيف استطاع السراب أن يصبح كالعهن‬
‫املنفوش؟ واجلواب هو بفعل احلرارة وقوة الرجع اليت تفرضها السماء على اْلرض‪ ،‬فالسراب جمرب‬
‫على التجمع حول نفسه‪.‬‬
‫العهن املنفوش‪ ،‬بصفته املرحلة الثانية خللق اْلرض‪ ،‬يستحيل أن يتفكك ْلن السماء‬
‫تفرض عليه التجمع يف كرة إهليلجية‪ْ ،‬لننا اليوم لو أسقطنا صوفا مغسوال لتوجه حنو اْلرض‪ ،‬ولو‬
‫حفران بئرا عميقا يف اْلرض وأسقطنا فيه كبة صوف مغسول‪ ،‬لسقطت حلني بلوغها حدود عمق‬
‫‪41‬‬
‫البئر‪ ،‬مما يؤكد أن قوة الرجع جترب الصوف واحلديد وكل اْلجسام على التجمع يف مركز اْلرض‪،‬‬
‫الذي تنعدم فيه قوة الرجع‪ ،‬إال أن مينعها جسم من البلوغ ملركز اْلرض‪.‬‬
‫يطرح التساؤل حول مقدار اليوم عند هللا عز وجل‪ ،‬الذي خلقت فيه السماوات‬
‫واْلرض؟ فاليوم الذي هو كخمسني ألف سنة مما نعد‪ ،‬هو وهللا أعلم يوم القيامة‪ ،‬أما اليوم الذي‬
‫هو كألف سنة مما نعد‪ ،‬هو يوم خلق هللا عز وجل السماوات واْلرض‪.‬‬
‫وح إِل َْي ِه ِيف يَـ ْوٍم َكا َن‬ ‫ج ال َْم َالئِ َكةُ َو ُّ‬
‫الر ُ‬ ‫قال الكبري املتعايل يف سورة املعارج اآلية ‪((4‬تَـ ْع ُر ُ‬
‫ْف َسنَ ٍة)) يستفاد من اآلية هذه أنه جل جالله أعلى السماوات واْلرض‬
‫ني أَل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْق َد ُارهُ ََخْس َ‬
‫مبسافة بعيدة جدا‪ ،‬هي اليوم حوايل ‪ 50‬ألف سنة ضوئية‪.‬‬
‫ْف َسنَ ٍة))‪ ،‬والسنة هنا تدل على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫الكبري املتعايل قال ((ِيف يَـ ْوم َكا َن م ْق َد ُارهُ ََخْس َ‬
‫ني أَل َ‬
‫املسافة ال على الزمن‪ ،‬وهي وحدة لقياس املسافات الفلكية‪ ،‬والسماء ابلطبع تتوسع والكون كله‬
‫يتوسع‪ ،‬ابلتايل تكرب وحدة قياس املسافات الفلكية‪ ،‬وهي اليوم ابلطبع السنة الضوئية‪ ،‬وعليه فإن‬
‫املسافة اليوم ميكن وهللا أعلم أن تكون َخسني ألف سنة ضوئية‪.‬‬
‫‪42‬‬
‫اْلرض حني أنزل هللا عز وجل إليها آدم قبل حوايل ‪ 15800‬سنة‪ ،‬كانت أصغر مما عليه‬
‫اليوم‪ ،‬لكن البحار تشكلت ابلطبع يف فرتة حتول اْلرض من الكتب املهيل إىل اْلرض الصلبة‪،‬‬
‫لكن مل تكن البحار واسعة‪ ،‬ابلعرض الذي هي عليه اليوم‪ ،‬فكثري من املضايق اليت نعرفها اليوم‪ ،‬مل‬
‫تكن حينها‪ ،‬فالبحر اْلمحر مثال مل يكن موجودا ومضيق جبل طارق‪ ،‬مل يكن موجودا حني أنزل هللا‬
‫عز وجل آدم إىل اْلرض‪.‬‬
‫املرحلة املهمة اليت كانت ضرورية‪ ،‬لنمو اْلرض هي مرحلة الدحو واإلبعاد‪ ،‬من البؤرة‬
‫العلوية للسماء الدنيا إىل البؤرة السفلية للسماء الدنيا‪ ،‬لقول الويل احلميد يف سورة النازعات ((‬
‫اها‬
‫ض َح َ‬ ‫ش لَْيـلَ َها َوأَ ْخ َر َ‬
‫ج ُ‬ ‫اها (‪َ )27‬رفَ َع َمسْ َك َها فَ َس او َاها (‪َ )28‬وأَ ْغطَ َ‬ ‫أَأَنتُ ْم أَ َش ُّد َخ ْل ًقا أَِم ال ا‬

‫اعا‬
‫ال أ َْر َس َ‬ ‫ج م ْنـ َها َماءَ َها َوَم ْر َع َ‬
‫ََ‬ ‫ض بَـ ْع َد َٰذل َ َ َ‬
‫(‪َ )29‬و ْاْل َْر َ‬
‫لا ُك ْم َوِْلَنْـ َع ِام ُك ْم (‪.)))33‬‬
‫مرحلة دحو اْلرض الحقة ملرحلة إخراج النهار‪ ،‬وْلن النهار والليل كمخلوقني حميطني‬
‫ابْلرض‪ ،‬وْلن الليل والنهار ميآلن ما بني السماء واْلرض‪ ،‬فدحو اْلرض مؤكد وقع من البؤرة‬
‫‪43‬‬
‫العليا للسماء الدنيا‪ ،‬حيث لبت السماء واْلرض‪ ،‬أمر رهبما ابلصعود إليه طوعا أو كرها‪ ،‬فصعدات‬
‫طوعا راضيتني‪.‬‬
‫البد من فهم عملية الدحو واإلبعاد‪ ،‬كيف متت؟ وما هي القوة اليت سخرها القوي اجلبار‬
‫إلبعاد اْلرض ابلقوة والشدة‪ ،‬من البؤرة العلوية للسماء الدنيا إىل ْناية البؤرة السفلية للسماء‬
‫الدنيا؟‬
‫حني قضى العلي الكبري السماء واْلرض سبع مساوات طباق‪ ،‬مل يذكر اْلرض إال مشمولة‬
‫س َم ِاء َو ِه َي‬
‫يف تلك السبع مساوات الطباق‪ ،‬بقوله جل جالله يف سورة فصلت ((مثُا ْ‬

‫ات ِيف‬ ‫ضُ َ َ َ‬ ‫ني (‪)11‬فَـ َق َ‬ ‫ال ََلَا َولِ ْْل َْر ِ‬
‫ض ائْتِيَا طَْو ًعا أ َْو َك ْرًها قَالَتَا أَتَـ ْيـنَا طَائِِع َ‬ ‫ُد َخا ٌن فَـ َق َ‬
‫يح َو ِح ْفظًا ۚ ٰذَلِ َ‬

‫ك تَـ ْق ِد ُير ال َْع ِزي ِز‬ ‫صابِ َ‬
‫س َماءَ ُّ‬ ‫يَـ ْوَم ْ ِ‬
‫ال َْعلِ ِيم(‪.)) )12‬‬
‫‪44‬‬
‫مبا أن السماء الدنيا هي اليت فوقنا‪ ،‬مما يؤكد أن اْلرض حماطة ابلسماء الدنيا وفوقها‬
‫السبع مساوات الطباق‪ ،‬وعليه فإن عملية الدحو واإلبعاد كما عملية حركة اْلرض صعودا‪ ،‬لن تتم‬
‫إال بني بؤريت السماء الدنيا‪.‬‬
‫الشكل الذي خلقت عليه كل املخلوقات الفلكية‪ ،‬من الرتق اْلول هو الشكل‬
‫اإلهليلجي‪ ،‬فما تزال ختلق على شكله النجوم اجلديدة‪ْ ،‬لن ما يصوره الكفار على أنه جمرات يف‬
‫شكل إهليلجي بعيد البؤرتني‪ ،‬هو يف احلقيقة النجوم اجلديدة‪.‬‬
‫أشرت أعاله أن احلديد هو الغذاء الذي غذى به اخلالق املصور السماء واْلرض‪ ،‬وْلن‬
‫احلديد منزل من خارج السماوات واْلرض‪ ،‬فإن فعل اإلنزال كان بقوة شديدة ابلطبع ال بلطف‪.‬‬
‫إنزال احلديد على اْلرض وهي يف مرحلة السراب‪ ،‬شكل قوة دفع شديدة مطبقة على‬
‫اْلرض‪ ،‬ترغمها على االبتعاد عن البؤرة العلوية للسماء الدنيا‪ ،‬حنو البؤرة السفلية للسماء الدنيا‪،‬‬
‫لكن يطرح التساؤل ملاذا مل خيرتق احلديد وهو مشتعل‪ ،‬للسراب الذي كان هو مادة اْلرض حني‬
‫خلقت أول اخللق؟‬
‫‪45‬‬
‫اجلواب على السؤال أعاله‪ ،‬هو أن اْلرض حماطة ابلسماء الدنيا من كل اجلهات‪ ،‬ما‬
‫جيعلها خاضعة لقوة الرجع اليت تتمتع هبا السماء‪ ،‬لقول العزيز العليم يف سورة الطارق (( َوال ا‬
‫ص ْد ِع (‪ )) )12‬فقد أقسم القوي اجلبار ابلسماء ذات الرجع‪،‬‬ ‫ض َذ ِ‬

‫ات ال ا‬ ‫َذ ِ‬
‫ات ال ار ْج ِع (‪َ )11‬و ْاْل َْر ِ‬
‫مبعىن أن السماء متلك قوة رجع حنو مركزها‪ ،‬حيث توجد اْلرض‪ ،‬قوة الرجع عظيمة استحقت أن‬
‫يقسم هبا القوي اجلبار‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حتول العهن املنفوش إىل الكثيب املهيل‬
‫حتول اْلرض من مرحلة العهن املنفوش إىل مرحلة الكثيب املهيل‪ ،‬مرحلة اثلثة من مراحل‬
‫منو اْلرض‪ ،‬متيزت بتزايد كمية احلديد اليت نزلت على اْلرض‪ ،‬وبتفاعالته العنيفة‪ ،‬اليت نتج عنها‬
‫انتفاخ العهن املنفوش وحتوله إىل الكثيب املهيل‪ ،‬بتفاعل احلرارة والضغط املمارس على اْلرض‬
‫من قوة الرجع‪ ،‬اليت تفرضها عليها السماء‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫العهن املنفوش الذي يعين الصوف حتول إىل الرمل‪ ،‬حيث حتولت اْلرض من كرة‬
‫إهليلجية عمالقة من الصوف النقي يف مركزها حديد ملتهب‪ ،‬إىل كرة إهليلجية عمالقة من‬
‫الرمل يف مركزها حديد ملتهب‪.‬‬
‫قوة الرجع اليت تطبقها السماء‪ ،‬هي اليت جعلت اْلرض بعظمتها ووزْنا اخليايل جدا‪،‬‬
‫تبقى يف مركز السماء الدنيا‪ ،‬ال ميكنها أن تقرتب من مسك السماء الدنيا‪ ،‬بل متحركة يف مركز‬
‫السماء الدنيا‪.‬‬
‫قوة الرجع اليت تفرضها السماء على اْلرض‪ ،‬هي مبثابة الزالل مبعىن بياض البيضة الذي‬
‫حيمي حمها الذي هو صفارها‪ ،‬فال يسمح له ابلتماس مع سطح البيضة ما مل تكن البيضة مشقوقة‬
‫أو فاسدة‪.‬‬
‫يستحيل على احلديد أن خيرتق السراب الذي هو مادة اْلرض‪ ،‬حني دفعها القوي اجلبار‬
‫حنو البؤرة السفلية للسماء الدنيا‪ ،‬فقوة الرجع هي سبب جتمع احلديد يف مركز اْلرض‪ ،‬اليت كانت‬
‫سرااب‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫جتمع احلديد يف مركز اْلرض هو الذي حول السراب إىل العهن املنفوش‪ ،‬مث إىل الكثيب‬
‫املهيل مث إىل اْلرض الصلبة‪ ،‬وهو نفسه الذي سيعيد حتويل اْلرض الصلبة إىل الكثيب املهيل مث‬
‫إىل العهن املنفوش مث إىل السراب‪ ،‬يف بداية اخللق بنزوله ويف ْناية اخللق بصعوده إىل أصله‪.‬‬
‫احلديد ينزل على السماء قبل أن ينزل بعضه على اْلرض‪ ،‬فنزول احلديد على اْلرض‬
‫دفعها حلني بلوغها منتهى البؤرة السفلية للسماء الدنيا‪ ،‬فتحقق بعدها عن الشمس اليت خلقت يف‬
‫مسك السماء الدنيا‪ ،‬يف نفس املستوى الذي خلقت فيه السماء واْلرض أول اخللق‪ ،‬أي بعيدا عن‬
‫اخلالق العظيم القوي اجلبار‪ْ ،‬لنه حني كانت اْلرض تنزل بقوة الدفع اليت يفرضها عليها نزول‬
‫احلديد‪ ،‬كانت الشمس تصعد إىل رهبا يف شوطها اْلول‪.‬‬
‫يطرح التساؤل ملاذا نسبة احلديد يف الشمس أعظم من اْلرض‪ ،‬رغم أْنا خلقت بعد‬
‫اْلرض بكثري؟ واجلواب هو أن الشمس خلقت يف مسك السماء الدنيا‪ ،‬ونسبة احلديد املنزل على‬
‫السماء‪ ،‬أعظم بكثري مما أنزل وينزل على اْلرض‪.‬‬
‫‪48‬‬
‫مادة السماء الثانية كلها حديد‪ ،‬مما يعين أن سقف السماء الدنيا بينها وبني السماء‬
‫الثانية كله حديد‪ ،‬لذلك منت الشمس بسرعة‪ ،‬بتجمع احلديد يف مركزها‪ ،‬فتحولت إىل سراج‬
‫وهاج ملتهب‪.‬‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬بني لنا اْلشواط اخلمسة اليت قطعتها الشمس‪ ،‬يف‬
‫حديث صحيح ورد يف صحيح مسلم‪ ،‬عن أيب ذر الغفاري أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال يوما‬
‫(( أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قالوا‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ :‬إن هذه جتري حىت تنتهي إىل‬
‫مستقرها حتت العرش فتخر ساجدة‪ ،‬فال تزال كذلك حىت يقال َلا‪ :‬ارتفعي‪ ،‬ارجعي من حيث‬
‫جئت‪ ،‬فرتجع ‪ ،‬فتصبح طالعة من مطلعها‪ ،‬مث جتري حىت تنتهي إىل مستقرها حتت العرش فتخر‬
‫ساجدة‪ ،‬وال تزال كذلك حىت يقال َلا‪ :‬ارتفعي‪ ،‬ارجعي من حيث جئت‪ ،‬فرتجع فتصبح طالعة من‬
‫مطلعها‪ ،‬مث جتري ال يستنكر الناس منها شيئا‪ ،‬حىت تنتهي إىل مستقرها ذاك حتت العرش‪ ،‬فيقال‬
‫َلا‪ :‬ارتفعي‪ ،‬أصبحي طالعة من مغربك‪ ،‬فتصبح طالعة من مغرهبا‪ .‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ :‬أتدرون مىت ذلكم؟ ذاك حني ال ينفع نفسا إمياْنا مل تكن آمنت من قبل أو كسبت يف‬
‫إمياْنا خريا))‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫من خالل احلديث أعاله‪ ،‬فأول شوط قطعته الشمس هو الصعود ((إن هذه جتري حىت‬
‫تنتهي إىل مستقرها حتت العرش فتخر ساجدة)) مما يؤكد أْنا مؤكد تقاطعت مع اْلرض‪ ،‬فحني‬
‫كانت اْلرض تقطع شوطها الثاين نزوال حني دحاها رهبا بقوة‪ ،‬كانت الشمس تصعد يف شوطها‬
‫اْلول‪.‬‬
‫حني بلغت الشمس حتت العرش فسجدت‪ ،‬كانت اْلرض قد بلغت منتهى الدحو‪،‬‬
‫لذلك برد سطحها كامال‪ ،‬وهي حينها جتاوزت مرحلة السراب مث مرحلة العهن املنفوش‪ ،‬فأصبحت‬
‫يف مرحلة الكثيب املهيل‪ْ ،‬لْنا وهي تقطع شوطها اْلول‪ ،‬حتولت مرتني وببلوغها ملكان خلقها‪،‬‬
‫أصبحت يف حالة الكثيب املهيل‪ ،‬مبعىن كرة رمل عمالقة يف شكل إهليلجي بعيد البؤرتني‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬حتول الكثيب املهيل إىل اْلرض الصلبة‬
‫‪50‬‬
‫حققت اْلرض مرحلة الكثيب املهيل‪ ،‬اليت هي املرحلة الثالثة من منوها‪ ،‬مباشرة ببلوغها‬
‫البؤرة السفلية للسماء الدنيا‪ ،‬فتزامن ذلك مع إْناء الشمس لشوطها اْلول صعودا‪ ،‬فسجدت‬
‫الشمس حتت العرش‪ ،‬مما يعين أْنا ابتعدت عن اْلرض أببعد مسافة‪.‬‬
‫حتقق ظالم اْلرض وبرودهتا‪ ،‬حلني حتول كل اَليدروجني واْلكسجني الذين ابرك هللا هبما‬
‫اْلرض‪ ،‬إىل طبقات من الثلج حميطة ابْلرض‪ ،‬اليت كانت كرة عمالقة من الرمل‪ ،‬مركزها جتمع فيه‬
‫احلديد امللتهب‪.‬‬
‫أصبحت اْلرض كرة إهليلجية عمالقة‪ ،‬حماطة بطبقات ثلج بسمك يساوي تقريبا مسك‬
‫اْلرض حينها مرتني أو ثالث مرات‪ ،‬فشكلت طبقات الثلج احمليطة ابْلرض ضغطا عاليا على‬
‫الرمل‪ ،‬مع الضغط والنفخ واحلرارة النابعة من مركز اْلرض‪.‬‬
‫احرتقت كرة الرمل حتت ضغط هائل جدا‪ ،‬ضغط وبرودة فرضتها طبقات الثلج اليت ال‬
‫ميكن زحزحتها‪ ،‬وضغط وسخونة انبعة من قوة االنتفاخ والتمدد‪ ،‬اليت تفرضها التفاعالت العنيفة‬
‫يف ابطن اْلرض‪ ،‬فتشكلت الطبقات الصخرية الصلبة‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫بعض الشقوق الصغرية‪ ،‬تشكلت يف طبقات الثلج اليت تشققت حتت قوة االنتفاخ‬
‫والتمدد‪ ،‬اليت تفرضها أثقال اْلرض‪ ،‬فبلغ بعض املاء إىل تلك الطبقات اليت تتشكل‪ ،‬ما جعلها‬
‫يتجمع بعض البخار والزبد الناتج عن االحرتاق بني كل طبقتني صلبتني‪ ،‬مشكال طبقة هشة‪،‬‬
‫أحياان ال يتجاوز مسكها سنتمرتين أو أقل‪.‬‬
‫اْلرض إبْنائها لشوطها الثاين نزوال‪ ،‬بعد شوطها اْلول الذي لبت فيه أمر رهبا هي و‬
‫السماء‪ ،‬صعودا إليه ليقسمهما لسبع مساوات‪ ،‬أصبحت يف مرحلتها الثالثة وهي كرة رمل‬
‫إهليلجية عمالقة حماطة بطبقات هائلة من الثلج‪ ،‬بفعل الربودة اليت حتققت ببعد اْلرض عن‬
‫الشمس‪.‬‬
‫طبقات الثلج اليت أحاطت ابْلرض‪ ،‬اليت كانت كرة رمل إهليلجية عمالقة‪ ،‬ما هي إال‬
‫حتول كل اَليدروجني واْلكسيجني الذين ابرك هللا هبما اْلرض إىل ماء‪ ،‬مث إىل ثلج كما يتحول‬
‫اَلواء الذي حيبس يف الثالجة بفتحها وإغالقها إىل ثلج‪.‬‬
‫‪52‬‬
‫أصبحت اْلرض اليت هي كرة رمل إهليلجية عمالقة حتت قوتني متعاكستني من حيث‬
‫الضغط ومن حيث الطاقة‪ ،‬فقوة الضغط الداخلية قوة انفخة انمجة عن التفاعالت العنيفة يف مركز‬
‫اْلرض‪ ،‬مع احلرارة احلارقة‪ ،‬وقوة الضغط احمليطة ابْلرض والضاغطة عليها من أعلى قوة ثقل‬
‫طبقات الثلج مع الربودة‪.‬‬
‫بفعل الضغط الشديد جدا‪ ،‬مع احلرارة املرتفعة جدا‪ ،‬احرتقت كرة الرمل فتحول الرمل‬
‫احملرتق إىل طبقات صخرية صلبة خمتلفة السمك والصالبة‪ ،‬ابختالف درجات احلرارة والربودة اليت‬
‫تعرضت َلا كل طبقة‪.‬‬
‫اْلرض بدأت شوطها الثالث صعودا إىل رهبا‪ ،‬كما صعدت يف شوطها اْلول‪ ،‬لكن بسرعة‬
‫أبطأ بكثري عن سرعة الصعود اْلول‪ْ ،‬لْنا يف الشوط اْلول كانت سرااب وحبجم صغري جدا‪.‬‬
‫تزامن صعود اْلرض يف شوطها الثالث مع انطالق الشمس نزوال يف شوطها الثاين‪ ،‬مما‬
‫رفع من حرارة اْلرض تدرجييا‪ ،‬فتحول بعض الثلج الذائب إىل ماء‪ ،‬فأصبح يتسرب يف بعض‬
‫الشقوق النامجة عن قوة االنتفاخ والتمدد‪ ،‬اليت سببتها التفاعالت العنيفة يف ابطن اْلرض‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫الشقوق الصغرية اليت جنمت عن قوة االنتفاخ الشديدة‪ ،‬املتزامنة مع ضعف طبقات الثلج‬
‫احمليطة ابْلرض‪ ،‬إثر ذوابْنا بفعل تزايد احلرارة‪ ،‬جعل املاء الذائب يتسرب يف عمق تلك الشقوق‬
‫اليت وقعت يف الطبقات الصلبة‪ ،‬حلني بلوغ بعض املاء إىل مركز اْلرض‪ ،‬حيث يغذيه ابلطاقة‬
‫الضرورية لزايدة التفاعالت العنيفة‪ْ ،‬لن املاء يتحول إىل هيدروجني وأكسجني‪ ،‬قبل بلوغه مركز‬
‫اْلرض بفعل احلرارة العالية جدا‪.‬‬
‫تغذية احلديد امللتهب املتجمع يف مركز اْلرض ابَليدروجني واْلكسجني‪ ،‬يزيد من‬
‫تفاعالته العنيفة‪ ،‬فيولد قوة انتفاخ شديدة‪ ،‬توسع الشقوق اليت وقعت يف طبقات اْلرض الصلبة‪،‬‬
‫كما يف طبقات الثلج احمليطة هبا‪.‬‬
‫مع اقرتاب الشمس نزوال واْلرض صعودا‪ ،‬من البلوغ لنفس املستوى اْلفقي‪ ،‬الذي‬
‫يعين تزايد حرارة اْلرض ملستوى عايل جدا‪ ،‬يتحقق ذوابن كل طبقات الثلج احمليطة ابْلرض‪،‬‬
‫لتتحول إىل ماء‪ ،‬ميْل الشقوق اليت تتوسع كلما تسرب فيها املاء‪ ،‬فيتحول إىل هيدروجني‬
‫وأكسجني قبل بلوغه ملركز اْلرض‪ ،‬ليزيد من شدة التفاعالت اليت تولد قوة انتفاخ زائدة فتتوسع‬
‫الشقوق أكثر وتستمر العملية‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫الدليل على الشرح الذي شرحته أعاله‪ ،‬هو قول العلي العظيم يف سورة النازعات ((‬
‫اها‬

‫اعا‬
‫ََ‬ ‫ض بَـ ْع َد ٰذَل َ َ َ‬
‫(‪َ )29‬و ْاْل َْر َ‬
‫فعل (ادحيه) املتداول لدينا يف املغرب الكبري‪ ،‬يفيد اإلبعاد بقوة وعنف‪ ،‬واللهجات‬
‫املتداولة يف كل البلدان العربية‪ ،‬هي َلجات متفرعة عن اللسان العريب املبني‪ ،‬وْلن فعل الدحو‬
‫وارد يف كتاب هللا عز وجل‪ ،‬فمفهومه لدينا واضح جلي متوافق مع الفهم السليم له يف القرآن‬
‫الكرمي‪ ،‬لذلك مل ولن نؤوله ليوافق عجز البعض عن فهم احلقائق الفلكية يف كتاب هللا عز وجل‪.‬‬
‫اها )) تفيد إخراج املاء من اْلرض‬ ‫اآلية ‪ 31‬من سورة النازعات (( أَ ْخر ِ‬
‫ج م ْنـ َها َماءَ َها َوَم ْر َع َ‬
‫ََ‬
‫وليس من ابطنها كما قد يتوهم البعض‪ ،‬بدليل أن إخراج املاء كإخراج املرعى بنفس اللفظ‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫املرعى ال خيرج من ابطن اْلرض بل من سطحها‪ ،‬وعليه فإن املاء خرج من سطح اْلرض‬
‫وهو مل يكن إال كل اْلكسجني واَليدروجني اللذين ابرك هللا هبما اْلرض‪ ،‬فبفعل الربودة الشديدة‬
‫حتوال إال ماء مث ثلج‪.‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬مراحل خلق اجلبال‬
‫اخلالق املصور جزم لنا أن كل املخلوقات سيعيدها حلاَلا الذي خلقت عليه أول اخللق‪،‬‬
‫حيث ستمر بنفس املراحل اليت قطعتها يف خلقها‪ ،‬لكن معكوسة حلني رجوعها حلالتها اْلوىل اليت‬
‫سماء َكطَ ِي ِ‬
‫الس ِج ِل‬ ‫((يَـ ْو َم نَطْ ِوي ال ا َ َ‬ ‫‪104‬‬ ‫خلقت عليها‪ ،‬بقوله جل جالله يف سورة اْلنبياء اآلية‬
‫ِِ‬ ‫لِ ْل ُكتُ ِ‬

‫ب ۚ َك َما بَ َدأْ َان أ اَو َل َخل ٍْق نُِّعي ُدهُ ۚ َو ْع ًدا َعلَْيـنَا ۚ إِ اان ُكناا فَاعل َ‬
‫ني ))‪.‬‬
‫مالك امللك أكد لنا حالة اجلبال‪ ،‬بعد النفخ يف الصور وحدوث القيامة ويوم احلساب‪،‬‬
‫وتفتح السماء إىل أبواب مشرعة وفروج مفتوحة‪ ،‬بقوله جل جالله يف سورة النبأ ((يَـ ْو َم يُن َف ُخ ِيف‬
‫‪56‬‬
‫ت َس َر ًااب‬ ‫ت ا ْجلِبَ ُ‬
‫ال فَ َكانَ ْ‬ ‫ت أَبْـوااب (‪ )19‬وسِري ِ‬
‫الصوِر فَـتَأْتُو َن أَفْـواجا (‪ )18‬وفُتِح ِ‬
‫ت ال ا‬ ‫َ َ‬ ‫َ ً‬ ‫ُّ‬
‫(‪.)))20‬‬
‫السراب هو آخر مرحلة تتحول إليها اجلبال‪ ،‬مما يفيد أْنا أول حالة خلقت عليها اجلبال‪،‬‬
‫وْلن السراب أقرب للعدم منه للشيء امللموس‪ ،‬فهو مرحلة أوىل يف خلق اجلبال ومرحلة أخرية‬
‫َلا‪.‬‬
‫يرى اإلنسان السراب يف الصحراء من بعيد‪ ،‬فيتوهم أنه املاء‪ ،‬وهو يتشكل يف كل‬
‫اب بِِق َيع ٍة َْحي َسبُهُ الظا ْمآ ُن َماءً)) حني ينظر اإلنسان يف املستوى‬
‫منخفض يف الصحراء‪َ ((،‬كسر ٍ‬
‫ََ‬
‫اْلفقي‪ ،‬يرى السراب أعلى املكان املنخفض ((بِِق َيع ٍة ))‪ ،‬فيتوهم أنه حبرية من املاء‪ ،‬لكن حني‬
‫يصله جيده سرااب مرئيا لكنه غري ملموس‪ ،‬فهو أقرب للهواء منه للماء‪.‬‬
‫يطرح التساؤل عن العالقة بني املاء والسراب؟ مث ملاذا يشبه السراب املاء؟ قال الويل‬
‫اب بِِق َيع ٍة َْحي َسبُهُ الظا ْمآ ُن َماءً َح ا ٰ‬

‫ىت إِ َذا‬ ‫ين َك َفروا أَ ْع َما َُلُ ْم َكسر ٍ‬
‫ََ‬
‫اِ‬
‫احلميد يف سورة النور اآلية ‪َ (( 39‬والذ َ ُ‬
‫اب))‪.‬‬ ‫اَّللَ ِعن َدهُ فَـ َوفااهُ ِح َسابَهُ ۚ َو ا‬
‫اَّللُ َس ِر ُ َ‬ ‫َجاءَهُ َملْ َِجي ْدهُ َش ْيـئًا َوَو َج َد ا‬
‫‪57‬‬
‫بعد أن علمنا أن السراب هو كاملاء الومهي‪ ،‬الذي يتومهه الظمآن يف الصحراء‪ ،‬نوقن أن‬
‫اجلبال حني خلقها هللا عز وجل بعد خلق اْلرض يف اليومني الثالث والرابع من اْلايم الستة‪ ،‬اليت‬
‫خلق هللا عز وجل فيها السماوات واْلرض‪ ،‬مل تكن اجلبال شيئا مذكورا ملموسا‪.‬‬
‫اجلبال كانت سرااب وهو أقرب للعدم‪ ،‬متاما كما شبه القوي اجلبار اإلنسان حني خلق‪،‬‬
‫فهو مل يكن شيئا مذكورا‪ ،‬خملوق من ماء مهني‪ ،‬بقوله جل جالله يف سورة اإلنسان اآلية ‪َ (( 1‬ه ْل‬
‫ان ِح ٌ ِ‬
‫اإلنس ِ‬
‫ني م َن ال اد ْه ِر َملْ يَ ُكن َش ْيـئًا ام ْذ ُك ً‬
‫ورا))‪.‬‬ ‫أَتَ ٰى َعلَى ِْ َ‬
‫املرحلة ما قبل اْلخرية لزوال اجلبال وفنائها‪ ،‬هي أن تكون اجلبال كالسحاب متر مر‬
‫ع َمن ِيف‬ ‫السحاب‪ ،‬بدليل قول ذو اجلالل واإلكرام يف سورة النمل (( َويَـ ْو َم يُن َف ُخ ِيف ُّ‬
‫الصوِر فَـ َف ِز َ‬
‫ال َحتْ َسبُـ َها َج ِام َدةً‬

‫ين (‪َ )87‬وتَـ َرى ا ْجلِبَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ض إِاال َمن َشاءَ ا‬
‫اَّللُ ۚ َوُكلٌّ أَتَـ ْوهُ َداخ ِر َ‬
‫سماو ِ‬
‫ات َوَمن ِيف ْاْل َْر ِ‬ ‫ال ا َ َ‬
‫ٍ‬ ‫اب ۚ ص ْنع اِ ِ‬ ‫َو ِه َي َمتُُّر َم ار ال ا‬

‫اَّلل الاذي أَتْـ َق َن ُك ال َش ْيء ۚ إِناهُ َخبِ ٌ‬
‫ري ِمبَا تَـ ْف َعلُو َن (‪.)))88‬‬ ‫ُ َ‬ ‫س َح ِ‬
‫‪58‬‬
‫السحاب ملموس وحمسوس عكس السراب‪ ،‬فالسحاب رؤيته حقيقية وميكن ملسه‬
‫اب بِِق َيع ٍة َْحي َسبُهُ‬

‫واإلحساس به‪ ،‬لكن السراب هو ال شيء حقيقة‪ ،‬فكذلك وصفه خالقه (( َكسر ٍ‬
‫ََ‬
‫ىت إِذَا َجاءَهُ َملْ َِجي ْدهُ َش ْيـئًا))‪.‬‬

‫الظا ْمآ ُن َماءً َح ا ٰ‬
‫العهن املنفوش مبعىن الصوف النقي املغسول‪ ،‬واملنفوش مبعىن املنفوخ ميكن للريح أن‬
‫حتمله‪ ،‬فيبدو كالسحب متاما‪ ،‬لذلك قال الكبري املتعايل يف سورة القارعة اآلية ‪َ (( 5‬وتَ ُكو ُن ا ْجلِبَ ُ‬
‫ال‬
‫َكال ِْع ْه ِن ال َْمن ُف ِ‬

‫وش)) حيث حني يكون الناس كالفراش املبتوت مبعىن يوم احلساب ستكون اجلبال‬
‫كالعهن املنفوش‪.‬‬
‫حني علمنا أن اجلبال مرت مبرحلة العهن املنفوش بصفتها املرحلة ما قبل اْلخرية من‬
‫مراحل زوال اجلبال‪ ،‬فهي إذن املرحلة الثانية من مراحل خلق اجلبال‪ ،‬وحبول هللا وقوته سأشرح كل‬
‫مرحة من مراحل اخللق‪ ،‬كيف تشكلت أثناء خلق اجلبال؟ وكيف ستتشكل أثناء زوال اجلبال؟‬
‫مبينا العامل الفعال الذي سخره القوي اجلبار لكل مرحلة من تلك املراحل‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫املرحلة الثانية لزوال اجلبال هي مرحة الكتيب املهيل‪ ،‬حيث بني القوي اجلبار أن اْلرض‬
‫سرتتج ارجتاجا شديدا‪ ،‬لدرجة تتفتت كل طبقات اْلرض وتتفتت معها اجلبال لتتحول من طبقات‬
‫صخرية صلبة جدا إىل كثبان رملية‪.‬‬
‫ال وَكانَ ِ‬
‫ت‬ ‫ف ْاْلَر ُ ِ‬
‫ض َوا ْجلبَ ُ َ‬‫((يَـ ْو َم تَـ ْر ُج ُ ْ‬ ‫‪14‬‬ ‫قال ذو اجلالل واإلكرام يف سورة املزمل اآلية‬
‫ال َكثِيبًا ام ِه ًيال )) فقد يظن البعض أن اجلبال ستكون كتيبا مهيال قبل ارجتاج اْلرض‪ ،‬لكن‬
‫ا ْجلِبَ ُ‬
‫ال َكثِيبًا ام ِه ًيال )) هو أن اجلبال كانت يف املرحلة الثالثة من مراحل‬

‫ت ا ْجلِبَ ُ‬
‫املقصود ب (( وَكانَ ِ‬
‫َ‬
‫خلقها كثيبا مهيال وستصبح يف املرحة الثانية من مراحل زواَلا كثيبا مهيال‪.‬‬
‫اجلبال نراها اليوم شاهقة عظيمة وقد وصفها خالقها ابلرواسي بقوله جل جالله يف سورة‬
‫اجا ُسبُ ًال لا َعلا ُه ْم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫((وجعلْنَا ِيف ْاْلَر ِ ِ‬

‫ض َرَواس َي أَن َمتي َد هب ْم َو َج َعلْنَا ف َيها ف َج ً‬‫ْ‬ ‫َ ََ‬ ‫‪31‬‬ ‫اْلنبياء اآلية‬
‫يَـ ْهتَ ُدو َن))‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫العلي العظيم أكد لنا رفع السماء مع استمرار رفعها‪ ،‬ابلتوسع واالنتفاخ ونصب اجلبال‬
‫س َم ِاء‬ ‫ف ُخلِ َق ْ‬
‫ت (‪َ )17‬وإِ َىل ال ا‬ ‫اإلبِ ِل َك ْي َ‬
‫عالية‪ ،‬بقوله جل جالله يف سورة الغاشية (( أَفَ َال يَنظُُرو َن إِ َىل ِْ‬
‫ف ُس ِط َح ْ‬
‫ت (‪.)) )20‬‬ ‫ت (‪َ )19‬وإِ َىل ْاْل َْر ِ‬
‫ض َك ْي َ‬ ‫ف نُ ِ‬
‫صبَ ْ‬ ‫ال َك ْي َ‬ ‫َ‬ ‫ف ُرفِ َع ْ‬
‫ت (‪ )18‬وإِ َىل ا ْجلِبَ ِ‬ ‫َك ْي َ‬
‫املبحث اْلول‪ :‬اجلبال خلقت يف حالة السراب‬
‫امللك القدوس بني لنا أن اجلبال خلقت يف اليومني الثالث والرابع‪ ،‬مع خلق اْلرض‪ْ ،‬لن‬
‫اجلبال جزء من اْلرض حاليا واتبعة لْلرض وضرورية لعدم انفجار اْلرض‪ ،‬رغم أْنا يف احلقيقة‬
‫خملوق فلكي مستقل‪ ،‬كما الشمس خملوق فلكي مستقل بذاته‪ ،‬لكنها اتبعة للسماء وخملوقة يف‬
‫مسك السماء الدنيا‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫قال القادر املقتدر واصفا لنا خلق اْلرض واجلبال يف سورة فصلت ((قُ ْل أَئِنا ُك ْم لَتَ ْك ُف ُرو َن‬
‫اس َي ِمن‬
‫ب الْعال َِمني (‪ )9‬وجعل فِيها رو ِ‬
‫َ َ َ َ َ ََ‬ ‫ك َر ُّ َ َ‬ ‫ادا ۚ ٰذَلِ َ‬
‫ني َوَجتْ َعلُو َن لَهُ أَن َد ً‬ ‫ِ‬
‫ِابلاذي َخلَ َق ْاْل َْر َ‬
‫فَـوقِها وابر َك فِيها وقَ ادر فِيها أَقـْو َاهتَا ِيف أَربـع ِة أ اَايٍم سواء لِل ا ِ‬
‫سائِل َ‬
‫ني (‪.)) )10‬‬ ‫ََ ً‬ ‫َْ َ‬ ‫ْ َ ََ َ َ َ َ َ َ‬

‫ني))‪،‬‬ ‫اْلرض مؤكد خلقت يف يومني بصريح كالم هللا عز وجل (( َخلَ َق ْاْل َْر َ‬
‫لذلك يطرح التساؤل هل خلقت اجلبال يف نفس اليومني الذين خلقت فيهما اْلرض؟ أو خلقت‬
‫اجلبال بعد ذلك اليومني؟‬
‫اس َي ِمن فَـ ْوقِ َها‬

‫من خالل اآلايت أعاله‪ ،‬نالحظ تتابع ذكر اخللق بقوله ((وجعل فِيها رو ِ‬
‫َ َ َ َ َ ََ‬
‫)) فاجلعل مؤكد وقع يف مرحلة اليوم الثالث والرابع‪ْ ،‬لن أايم خلق السماوات واْلرض هي ستة‬
‫اَّللُ الا ِذي َخلَ َق‬

‫أايم بال زايدة وال نقصان‪ ،‬بدليل قول الكبري املتعايل يف سورة السجدة اآلية ‪ (( 4‬ا‬
‫ش ۚ َما لَ ُكم ِمن ُدونِِه ِمن َوٍِيل َوَال‬ ‫ِ ِ‬

‫ض َوَما بَـ ْيـنَـ ُه َما ِيف ستاة أَ اايٍم مثُا ْ‬
‫استَـ َو ٰى َعلَى ال َْع ْر ِ‬ ‫سماو ِ‬
‫ات َو ْاْل َْر َ‬ ‫ال ا َ َ‬
‫َش ِفي ٍع ۚ أَفَ َال تَـتَ َذ اك ُرو َن ))‪.‬‬
‫‪62‬‬
‫اس َي ِمن فَـ ْوقِ َها‬

‫من خالل اآلايت أعاله‪ ،‬نالحظ تتابع ذكر اخللق بقوله ((وجعل فِيها رو ِ‬
‫)) فاجلعل مؤكد وقع يف مرحلة اليوم الثالث والرابع‪ْ ،‬لن أايم خلق السماوات واْلرض هي ستة‬
‫اَّللُ الا ِذي َخلَ َق‬

‫أايم بال زايدة وال نقصان‪ ،‬بدليل قول الكبري املتعايل يف سورة السجدة اآلية ‪ (( 4‬ا‬
‫ش ۚ َما لَ ُكم ِمن ُدونِِه ِمن َوٍِيل َوَال‬ ‫ِ ِ‬

‫ض َوَما بَـ ْيـنَـ ُه َما ِيف ستاة أَ اايٍم مثُا ْ‬
‫استَـ َو ٰى َعلَى ال َْع ْر ِ‬ ‫سماو ِ‬
‫ات َو ْاْل َْر َ‬ ‫ال ا َ َ‬
‫َش ِفي ٍع ۚ أَفَ َال تَـتَ َذ اك ُرو َن ))‪.‬‬
‫اس َي ِمن فَـ ْوقِ َها ))‬

‫املثري يف ذكر خلق اجلبال هو أن الباري جل وعال قال ((وجعل فِيها رو ِ‬
‫يؤكد أن جعل اجلبال متم خللق اْلرض‪ ،‬فالبد يكون يف اليومني املخصصني لْلرض وما عليها‪.‬‬
‫لقد بني الغفور الشكور أنه جعل يف اْلرض‪ ،‬مما يعين أْنا ملحقة ابْلرض وملتصقة هبا‪،‬‬
‫لكنه أتبع ذلك بقوله (( ِمن فَـ ْوقِ َها )) واجلملة هذه تفرتض احتمالني إما أن لْلرض أسفلها؟ أو أن‬
‫اجلبال حني خلقت‪ ،‬مل تلتصق ابْلرض بل هي اتبعة َلا فقط‪.‬‬
‫‪63‬‬
‫يؤيد االحتمال الثاين أعاله أن اخلبري احلليم‪ ،‬بعد انتهاء دحو اْلرض وخروج املاء منها‬
‫اها (‪)30‬‬ ‫ض بَـ ْع َد ٰذَلِ َ‬

‫ك َد َح َ‬ ‫واملرعى ذكر إرساء اجلبال‪ ،‬بقوله جل جالله يف سورة النازعات (( َو ْاْل َْر َ‬
‫اها (‪.)))32‬‬ ‫اها (‪َ )31‬وا ْجلِبَ َ‬ ‫أَ ْخر ِ‬

‫ََ‬
‫االحتمال اْلول أعاله نفته اآلايت أعاله‪ ،‬مث تؤيد االحتمال الثاين‪ ،‬الذي يفيد أبن‬
‫اجلبال اتبعة لْلرض‪ ،‬خلقت داخل غالفها اجلوي واتبعة َلا يف كل ما يقع َلا‪ ،‬لكن اجلبال مل ترسى‬
‫يف اْلرض‪ ،‬إال بعد أن أصبحت اجلبال يف مرحلة العهن املنفوش واْلرض يف مرحلة اْلرض‬
‫الصلبة‪.‬‬
‫املفيد إذن أن اجلبال خلقت مع اْلرض يف اليوم الثالث والرابع من اْلايم الستة اليت‬
‫خلق هللا عز وجل فيها السماوات واْلرض‪ ،‬ويف نفس اليومني ابرك اخلالق املصور اْلرض (( َوَاب َر َك‬
‫فِ َيها ))‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫الربكة حسب فهمي هي اَليدروجني واْلكسجني الضروريني للحياة‪ ،‬والذين يتشكل‬
‫منهما أغلب الغازات بنسب خمتلفة وتفاعالت متعددة‪ ،‬فالربكة كما اجلبال خلقت مع اْلرض يف‬
‫اليومني الثالث والرابع‪.‬‬
‫اجلبال خلقت من سراب كما شرحت ابلتفصيل من قبل‪ ،‬بدليل قول العزيز العليم يف‬
‫ت أَبْـوااب (‪ )19‬وسِري ِ‬
‫ت‬ ‫الصوِر فَـتَأْتُو َن أَفْـواجا (‪ )18‬وفُتِح ِ‬
‫سورة النبأ ((يَـ ْو َم يُن َف ُخ ِيف ُّ‬
‫ت ال ا‬ ‫َ َ‬ ‫َ ً‬
‫ت َس َر ًااب (‪ ،)) )20‬واْلرض أيضا خلقت من سراب‪.‬‬ ‫ا ْجلِبَ ُ‬

‫ال فَ َكانَ ْ‬
‫اجلبال خلقت من سراب منفصل عن كرة السراب اليت خلق هللا عز وجل على شكلها‬
‫اْلرض‪ ،‬فاجلبال يف اْلرض مبعىن أْنا قريبة منها وداخل غالفها اجلوي‪ ،‬الذي مل يكن بدوره إال‬
‫طبقة من سراب‪ ،‬فاجلبال حينها على شاكلة السحاب أعلى اْلرض اليوم‪.‬‬
‫استمرت اجلبال يف حالة السراب لزمن علمه عند هللا عز وجل‪ ،‬وقد سخر القوي اجلبار‬
‫احلديد ينزله على اْلرض ويف داخل غالفها اجلوي اجلبال‪ ،‬يف مرحلة السراب كما اْلرض يف‬
‫مرحلة السراب‪.‬‬
‫‪65‬‬
‫حتولت اْلرض من حالة السراب إىل العهن املنفوش قبل اجلبال‪ْ ،‬لن اْلرض واقعة يف‬
‫مركز السماء الدنيا وفعل الدحو واقع عليها من البؤرة العلوية حنو البؤرة السفلية للسماء الدنيا‪،‬‬
‫بفعل احلديد املنزل عليها‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫احلديد منزل على السماء واْلرض‪ ،‬بدليل قول القادر املقتدر يف سورة احلديد اآلية‬
‫َنزلْنَا ا ْحلَ ِدي َد‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫((لََق ْد أَرسلْنَا رسلَنَا ِابلْبـيِنَ ِ‬
‫ااس ِابلْق ْسط ۚ َوأ َ‬ ‫اب َوال ِْم َيزا َن ليَـ ُق َ‬
‫وم الن ُ‬ ‫َنزلْنَا َم َع ُه ُم الْكتَ َ‬
‫ات َوأ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُُ‬
‫ي َع ِز ٌيز))‪.‬‬ ‫ب ۚ إِ ان ا‬
‫اَّللَ قَ ِو ٌّ‬ ‫نص ُرهُ َوُر ُسلَهُ ِابلْغَْي ِ‬ ‫ااس َولِيَـ ْعلَ َم ا‬
‫اَّللُ َمن يَ ُ‬ ‫ْس َش ِدي ٌد َوَمنَافِ ُع لِلن ِ‬ ‫ِِ‬
‫فيه َأب ٌ‬
‫خيرتق احلديد اجلبال وهي يف مرحلة السراب‪ ،‬لكنه يتجمع يف مركز اْلرض وهي يف‬
‫مرحلة السراب أيضا‪ ،‬والسبب يف ذلك هو أن قوة الرجع اليت تفرضها السماء على اْلرض تصبح‬
‫صفرا يف مركز اْلرض‪ ،‬لذلك يستحيل على احلديد أن خيرتق اْلرض وهي يف مرحلة السراب‪.‬‬
‫اجلبال خلقت أعلى اْلرض يف حالة السراب‪ ،‬لذلك ال ميكن للحديد أن يتجمع يف مركز‬
‫اجلبال‪ ،‬بل خيرتقها ليصل إىل مركز اْلرض‪ ،‬حيث البد أن يتجمع‪ ،‬لذلك حتولت اْلرض ومنت‬
‫قبل حتول اجلبال ومنوها‪.‬‬
‫‪66‬‬
‫اجلبال بلغت يف منوها مرحة العهن املنفوش‪ ،‬حني أصبحت اْلرض يف احلالة الصلبة‪،‬‬
‫مبعىن أن اْلرض بفعل جتمع احلديد امللتهب يف مركزها سرع منوها‪ ،‬مبرحلتني قبل اجلبال‪ ،‬لكن‬
‫اجلبال بدورها حني أرسيت يف اْلرض‪ ،‬بعد مد اْلرض الذي يعين تشققها‪ ،‬حتولت اجلبال ومنت‬
‫بسرعة من العهن املنفوش إىل الكثيب املهيل مث إىل احلالة الصلبة‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬إرساء اجلبال يف مرحلة العهن املنفوش‬

‫اللطيف اخلبري أكد لنا أن اجلبال حني خلقت من سراب‪ ،‬مل تلتصق ابْلرض ومل تكن‬
‫قريبة منها‪ ،‬بل كانت يف مستوى السحب‪ ،‬بدليل أن املرحلة ما قبل اْلخرية هي حتول اجلبال إىل‬
‫ما يشبه السحب‪ ،‬تسري وتتحرك والناظر إليها حيسبها مستقرة‪.‬‬
‫سماو ِ‬
‫ات َوَمن‬ ‫ع َمن ِيف ال ا َ َ‬ ‫قال الكبري املتعايل يف سورة النمل (( َويَـ ْو َم يُن َف ُخ ِيف ُّ‬
‫الصوِر فَـ َف ِز َ‬
‫ال َحتْ َسبُـ َها َج ِام َدةً َو ِه َي َمتُُّر َم ار‬

‫ين (‪َ )87‬وتَـ َرى ا ْجلِبَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ض إِاال َمن َشاءَ ا‬
‫اَّللُ ۚ َوُكلٌّ أَتَـ ْوهُ َداخ ِر َ‬ ‫ِيف ْاْل َْر ِ‬
‫ٍ‬ ‫اب ۚ ص ْنع اِ ِ‬

‫ري ِمبَا تَـ ْف َعلُو َن (‪.)) )88‬‬ ‫ُ َ‬ ‫س َح ِ‬
‫ال ا‬
‫‪67‬‬
‫ال َحتْ َسبُـ َها َج ِام َدةً َو ِه َي َمتُُّر َم ار ال ا‬

‫س َح ِ‬
‫اب))‬ ‫الذي يهمين يف اآليتني أعاله هو (( َوتَـ َرى ا ْجلِبَ َ‬
‫وخاصة كلمة السحاب‪ ،‬لكين أحب أن أنشر اآلايت كاملة لكي يفهم القارئ سياقها جيدا‪.‬‬
‫بثر جزء من آية أو نشر آية منفردة‪ ،‬قد يكون حتريفا غري متعمد‪ ،‬والقارئ اخلبري ال بد‬
‫أن يبحث عن اآلية اليت تسبقها أو اليت أتيت بعدها‪ ،‬لذلك أنشر آايت من أجل مقطع من آية‪،‬‬
‫لكن من أجل الضبط والتدقيق اجليد‪.‬‬
‫امللك القدوس ذكر فعل إلقاء اجلبال يف ابطن اْلرض‪ ،‬فاإللقاء فعل أييت من أعلى حنو‬
‫اْلسفل‪ ،‬مما يؤكد أن اجلبال كانت يف حالة السحاب مرتفعة عن اْلرض‪ ،‬لكنها الحقة هبا فهي‬
‫تعد منها بوجودها داخل الغالف اجلوي لْلرض‪ ،‬حيث قال ذو اجلالل واإلكرام يف سورة ق اآلية‬

‫يج ))‪.‬‬ ‫‪(( 7‬و ْاْلَرض م َد ْد َان َها وأَلْ َقيـنَا فِيها رو ِ‬
‫َ ْ َ ََ‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫ض َم َد ْد َان َها َوأَلْ َق ْيـنَا فِ َيها)) مما يعين أن فعل مد اْلرض ضروري‪،‬‬
‫اخلبري العليم قال (( َو ْاْل َْر َ‬
‫لتتفتح اْلرض لكي تلقى اجلبال فيها ال عليها‪ ،‬لذلك البد من شرح طريقة متدد اْلرض وكيف‬
‫فتحت اْلرض لكي تلقى اجلبال وترسا يف ابطنها؟‬
‫‪68‬‬
‫بعض املفسرين اْلوائل يفسرون املد على أنه البسط‪ ،‬وهو حقيقة يعين البسط إن كان‬
‫البسط املقصود منه زايدة مساحة اْلرض‪ ،‬لكن إن كان بعضهم يقصد به أن تكون منبسطة بساطا‬
‫مبعىن قرصا‪ ،‬فهو تفسري معيب مردود على قائله‪ ،‬فهو أعجز عن إثبات ذلك‪ ،‬إال إن كان جيهل‬
‫طريقة تدبر كالم هللا عز وجل وعاجز عن فهم علم الفلك جيدا‪.‬‬
‫القوي اجلبار أكد لنا صراحة أن السماء تتوسع وأْنا بناء متني وسقف حمفوظ‪ ،‬فهي‬
‫أعظم من اْلرض ومشمولة ابْلرض وحميطة هبا من كل اجلهات‪ ،‬فاْلرض واقعة يف مركز السماء‪.‬‬
‫مبا أن السماء تكرب وتتوسع ابالنتفاخ والتمدد‪ ،‬لقول القادر املقتدر يف سورة الذارايت‬
‫اها ِأبَي ٍد وإِ اان لَم ِ‬

‫وسعُو َن)) فإن متدد وتوسع كل ما بداخل السماء هو‬ ‫س َماءَ بَـنَـ ْيـنَ َ ْ َ ُ‬
‫(( َوال ا‬ ‫‪47‬‬ ‫اآلية‬
‫الذي ميدد السماء‪.‬‬
‫اْلرض خترج الرباكني من كل اجلهات يف الرب والبحر بقوة دفع هائلة جدا‪ ،‬خترق هبا قشرة‬
‫اْلرض اليت بعشرات الكيلومرتات من الطبقات الصلبة‪ ،‬فتتهاوى تلك القشرة الصلبة أمام قوة‬
‫الضغط النابعة من ابطن اْلرض‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫أثقال اْلرض من املعادن اليت تشكلت كلها من احلديد‪ ،‬حتت درجة حرارية خيالية‬
‫وضغط هائل جدا‪ ،‬تلك اْلثقال َلا قوة نفخ هائلة جدا‪ ،‬قادرة على دفع قشرة اْلرض ونفخها‬
‫وثقبها خلروج الرباكني‪.‬‬
‫خروج الرباكني يف كل االجتاهات يف اْلرض برا وحبرا‪ ،‬دليل واضح جلي ملن كان ميلك‬
‫عقال يعقل به‪ ،‬أن تلك القوة تندفع يف كل االجتاهات‪ ،‬لذلك مبا أن تلك القوة تقذف ابحلمم فإْنا‬
‫قوة نفخ‪ ،‬فلم ولن يبقى جسم يتعرض لقوة نفخ يف ابطنه يف شكل غري الشكل الكروي‪.‬‬
‫اْلرض إذن تنتفخ ومتددها الذي ذكره هللا عز وجل يف عدة آايت هو انتفاخها‪ ،‬ومبا أن‬
‫اْلرض صلبة قشرهتا‪ ،‬فتمددها البد أن ينجم عنه انكسار قشرة اْلرض وحدوث شقوق فيها‪،‬‬
‫تلك الشقوق ال ميكن أن تكون بنفس العمق ونفس الطول والعرض‪ ،‬بل شقوق متفاوتة وخمتلفة‪.‬‬
‫ت َما فِ َيها َوَختَلا ْ‬

‫ت‬ ‫قال الكبري املتعايل يف سورة االنشقاق (( َوإِذَا ْاْل َْر ُ‬
‫ض ُم اد ْ‬
‫ت(‪َ )3‬وأَلْ َق ْ‬
‫ت لَِرِهبَا َو ُح اق ْ‬
‫ت(‪ )) )5‬فقد أكد مالك امللك أن متدد اْلرض مدها اْلخري‪ ،‬ستكون‬ ‫(‪َ )4‬وأ َِذنَ ْ‬
‫نتيجته إلقاء اْلرض ملا يف ابطنها من أثقال ومعادن ثقيلة‪.‬‬
‫‪70‬‬
‫ض‬ ‫ض ِزل َْزا ََلَا (‪ )1‬وأَ ْخرج ِ‬

‫ت ْاْل َْر ُ‬ ‫قال العلي العظيم يف سورة الزلزلة ((إِ َذا ُزلْ ِزل ِ‬
‫َت ْاْل َْر ُ‬
‫َ ََ‬
‫أَثْـ َقا ََلَا (‪ )))2‬فكلمة زلزاَلا تعين زلزال مستمر ال منقطع‪ ،‬زلزال شامل وْنائي مل ولن يبقى بعده‬
‫جسما صلبا يف اْلرض كلها‪.‬‬
‫زلزال وارجتاج تتحول بسببه الصخور والطبقات الصخرية إىل حبات رمل‪ ،‬بعد ذلك‬
‫تنفجر اْلرض وخترج أثقاَلا بقوة انفجار هائلة جدا‪ ،‬لتمزق الغالف اجلوي لْلرض متزيقا اتما‬
‫ومتزيق الليل والنهار كمخلوقني فلكيني مث متزيق السماء مث السماوات كلها‪.‬‬
‫اْلرض بعد أن بدأت شوطها الثالث صعودا إىل البؤرة العلوية للسماء الدنيا‪ ،‬بدأت‬
‫الشمس شوطها الثاين نزوال ملكان خلقها‪ ،‬بعد أن أمرها رهبا ابالرتفاع بعد سجدة لزمن علمه عند‬
‫هللا عز وجل‪.‬‬
‫حتقق ارتفاع درجة حرارة اْلرض تدرجييا‪ ،‬مث ذوابن بعض اجلليد الذي كان بطبقات هائلة‬
‫جدا حميطا ابْلرض‪ ،‬اليت كانت يف حالة الكثيب املهيل‪ ،‬مبعىن أْنا كانت كرة رمل إهليلجية‬
‫عمالقة‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫أغلب املفسرين اْلوائل وكذا احملدثني يفسرون حديث أشواط الشمس‪ ،‬الذي أخرجه‬
‫اإلمام مسلم‪ ،‬على أْنا أشواط تقع يف اليوم الواحد‪ ،‬وإين حقا جد مستغرب لتفسريهم‪ ،‬كيف‬
‫ميكن لعاقل أن يفهم ذلك؟ لدرجة أين أشك يف أن بعض ما يف كتب مفسرين كبار مدسوس فيها‬
‫وهللا أعلم‪.‬‬
‫إما أن املفسرين اْلوائل مل يكونوا قادرين على تدبر اآلايت الفلكية رغم كوْنم علماء‬
‫فقهاء ولغويني كبار جدا؟ وإما أن الكفار حرفوا كل احلقائق الفلكية اليت يف تفاسريهم فاستبدلوها‬
‫ابْلكاذيب اليت جندها فيها اليوم‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حتول اجلبال من العهن املنفوش إىل الكثيب‬

‫املهيل‬
‫‪72‬‬
‫أخرج اإلمام مسلم يف صحيحه‪،‬عن أيب ذر‪ ،‬أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال يوما ((‬
‫أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قالوا‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ :‬إن هذه جتري حىت تنتهي إىل‬
‫جئت‪ ،‬فرتجع‪ ،‬فتصبح طالعة من مطلعها‪ ،‬مث جتري حىت تنتهي إىل مستقرها حتت العرش فتخر‬
‫ساجدة‪ ،‬وال تزال كذلك حىت يقال َلا‪ :‬ارتفعي‪ ،‬ارجعي من حيث جئت‪ ،‬فرتجع فتصبح طالعة من‬
‫مطلعها‪ ،‬مث جتري ال يستنكر الناس منها شيئا حىت تنتهي إىل مستقرها ذاك حتت العرش‪ ،‬فيقال‬
‫َلا‪ :‬ارتفعي‪ ،‬أصبحي طالعة من مغربك‪ ،‬فتصبح طالعة من مغرهبا‪ .‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ :‬أتدرون مىت ذلكم ؟ ذاك حني ال ينفع نفسا إمياْنا مل تكن آمنت من قبل أو كسبت يف‬
‫إمياْنا خريا))‪.‬‬
‫جمرب على شرح احلديث أعاله ْلنه لن يكون تفسريي وحتليلي منطقيا مقبوال إال بعد فهم‬
‫احلديث الصحيح أعاله‪ ،‬ولكي يعقل بعض علماء اإلعجاز الفلكي يف القرآن الكرمي‪ ،‬أقول َلم‬
‫تدبروا احلديث جيدا‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بني لنا املرحلة اْلخرية للشمس ((ارتفعي‪ ،‬أصبحي طالعة‬
‫من مغربك‪ ،‬فتصبح طالعة من مغرهبا‪ .‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬أتدرون مىت ذلكم؟‬
‫ذاك حني ال ينفع نفسا إمياْنا مل تكن آمنت من قبل أو كسبت يف إمياْنا خريا))‪.‬‬
‫خامتة احلديث تؤكد أن مضمون احلديث يشرح أشواط حياة الشمس من خلقها إىل‬
‫زواَلا‪ ،‬وليس ما يقع للشمس يف اليوم وال يف السنة وال يف ماليني السنني‪.‬‬
‫من بداية احلديث أعاله نعلم أن الشمس خلقت بعيدا عن العرش كما خلقت السماء‬
‫واْلرض‪ ،‬فكما أمر القوي اجلبار السماء واْلرض أبن أتتياه‪ ،‬بعد أن خلق كل منهما يف يومني‪،‬‬
‫فأتيتاه طائعتني راضيتني‪ ،‬كذلك الشمس خلقت بعيدا يف البؤرة السفلية لسمك السماء الدنيا‪،‬‬
‫بدليل ((إن هذه جتري حىت تنتهي إىل مستقرها حتت العرش فتخر ساجدة‪ ،‬فال تزال كذلك حىت‬
‫يقال َلا‪ :‬ارتفعي))‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫الشوط اْلول للشمس هو الصعود من مكان خلقها‪ ،‬فمن خالل مقتطف احلديث‬
‫أعاله‪ ،‬نتبني واقعة سجود الشمس لرهبا‪ ،‬حيث دل عليها ((فتخر ساجدة‪ ،‬فال تزال كذلك حىت‬
‫يقال َلا‪ :‬ارتفعي))‪.‬‬
‫(ال تزال كذلك) معناه أن سجودها كان لزمن غري يسري‪ ،‬غابت خالله الشمس عن‬
‫القيام بدورها وابلتايل سيطر الظالم والربودة يف السماوات واْلرض‪ ،‬فالشمس هي السراج الوهاج‬
‫الذي ينري السماوات واْلرض‪.‬‬
‫ات ِطبَاقًا (‪)15‬‬

‫اَّلل س ْبع َمسَاو ٍ‬
‫ف َخلَ َق اُ َ َ َ‬‫قال القادر املقتدر يف سورة نوح (( أََملْ تَـ َرْوا َك ْي َ‬
‫اجا (‪ ،)) )16‬فقول العلي العظيم ( َو َج َع َل الْ َق َم َر فِي ِه ان‬ ‫شم ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َج َع َل الْ َق َم َر في ِه ان نُ ً‬
‫ورا َو َج َع َل ال ا ْ َ‬
‫س س َر ً‬
‫شم ِ‬
‫اجا) يفيد أنه قمر واحد ومشس واحدة تنري السماوات واْلرض‪.‬‬ ‫ورا َو َج َع َل ال ا ْ َ‬
‫س س َر ً‬ ‫نُ ً‬
‫اْلرض حققت الصالبة‪ ،‬فتحولت من كرة رمل إهليلجية عمالقة إال كرة إهليلجية من‬
‫الصخور الصلبة‪ ،‬ابطنها ملتهب ابحلديد الذي جتمع فيه‪ ،‬بفعل قوة الرجع اليت جتربه على التجمع‬
‫يف مركز اْلرض الواقعة يف مركز السماء الدنيا‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫حني أكتب مركز السماء‪ ،‬فاين اقصد به املركز الثالثي اْلبعاد‪ْ ،‬لن السماء خلقت يف‬
‫شكل إهليلجي بعيد البؤرتني وكذلك اْلرض تقريبا‪ ،‬لكنها أصغر بكثري من السماء‪ ،‬لذلك بعد أن‬
‫أصبحت اْلرض عمالقة مقارنة حبجمها حني خلقت‪ ،‬مل يعد احلديد املنزل عليها قادرا على منع‬
‫صعودها إىل رهبا‪ ،‬لكن يبطئ حركتها‪.‬‬
‫الكرة العمالقة من الطبقات الصخرية الصلبة جدا‪ ،‬تشكلت كلها ابحرتاق الرمل جراء‬
‫حرارة مركز اْلرض‪ ،‬حتت قويت ضغط هائلتني شرحتهما من قبل‪ ،‬فإثر ذوابن كميات مهمة من‬
‫طبقات الثلج اليت حتيط ابْلرض‪ ،‬بفعل انطالق الشمس يف مسارها الثاين‪ ،‬خفت قوة الضغط‬
‫اَلائلة اليت كانت مفروضة على الطبقات الصخرية من أعلى‪ ،‬فتزايدت قوة التمدد النابعة من‬
‫مركز اْلرض بفعل التفاعالت العنيفة‪ ،‬ما جعل الطبقات الصخرية تنشق وتنكسر‪.‬‬
‫حني كانت اْلرض الصلبة تنشق طبقاهتا حتت الضغط اَلائل النابع من مركزها‪ ،‬كانت‬
‫بعض الشقوق عميقة جدا‪ ،‬ممتدة من أعلى الطبقات الصخرية خمرتقة كل القشرة اْلرضية إىل أن‬
‫بلغ الشق املادة امللتهبة يف اْلرض الثانية امللتهبة‪.‬‬
‫‪76‬‬
‫املاء الذي ذاب من طبقات الثلج‪ ،‬اليت كانت حميطة ابْلرض‪ ،‬تسرب يف تلك الشقوق‪،‬‬
‫فضمن للمعادن املشتعلة اْلكسجني واَليدروجني الالزمني لتغذية النار‪ ،‬فتضاعفت التفاعالت‬
‫العنيفة انفخة اْلرض موسعة الشقوق‪.‬‬
‫أصبحت الشقوق شاسعة مهددة اْلرض ابالنفجار‪ ،‬حيث كانت ممتلئة ابملاء‪ ،‬فحدث‬
‫البحر املسجور‪ ،‬الذي سيحدث يف ْناية اْلرض‪ ،‬وقد حدث يف بدايتها ابلطبع‪.‬‬
‫قال العزيز العليم يف سورة الطور اآلية ‪َ (( 6‬والْبَ ْح ِر ال َْم ْس ُجوِر)) فقد أقسم العزيز العظيم‬
‫ابلبحر املسجور‪ ،‬وْلن القوي اجلبار أكد لنا أن كل املراحل اليت عاشها كل خملوق يف بدايته‪ ،‬البد‬
‫((يَـ ْو َم نَطْ ِوي ال ا‬

‫س َماءَ َكطَ ِي‬ ‫‪104‬‬ ‫أن يعيشها يف ْنايته‪ ،‬بقوله جل جالله يف سورة اْلنبياء اآلية‬
‫ِِ‬ ‫الس ِج ِل لِ ْل ُكتُ ِ‬

‫ِ‬
‫ب ۚ َك َما بَ َدأْ َان أَ او َل َخل ٍْق نُِّعي ُدهُ ۚ َو ْع ًدا َعلَْيـنَا ۚ إِ اان ُكناا فَاعل َ‬
‫ني ))‪.‬‬
‫حدوث البحر املسجور يف الشقوق العميقة اليت وقعت يف اْلرض‪ ،‬معناه تبخر كميات‬
‫هائلة من املاء وصعوده ليصطدم ابجلبال وهي يف مرحلة العهن املنفوش اليت كانت تتحرك أعلى‬
‫اْلرض كما يتحرك السحاب‪.‬‬
‫‪77‬‬
‫تشبعت اجلبال يف مرحلة العهن املنفوش ابملاء‪ ،‬فأصبحت تنزل يف الشقوق العميقة‪ ،‬كما‬
‫ينزل الصوف الذي يتشبع ببخار املاء‪ ،‬ليصبح أثقل وزان ساقطا يف تلك الشقوق‪ ،‬بفعل قوة‬
‫الرجع اليت جتربه على السقوط‪ْ ،‬لكرب عمق ممكن يف تلك الشقوق‪.‬‬
‫تنزل اجلبال يف كل الشقوق العميقة‪ ،‬اليت وقعت يف اْلرض وهي شقوق كثرية جدا‪ ،‬تتزايد‬
‫كلما ملئت ابملاء الذي يغذي النار‪ ،‬فيجعل التفاعالت تتسارع يف ابطن اْلرض مسرعة انتفاخ‬
‫اْلرض ومتددها السريع جدا‪.‬‬
‫أصبحت اْلرض ترتج وتكاد تنفجر‪ ،‬ارجتاج اْلرض وقع بعد أن حتولت اجلبال وهي يف‬
‫حالة العهن املنفوش‪ ،‬بفعل احلرارة إىل كثبان رملية متْل تلك الشقوق العميقة‪ ،‬فأصبح ارجتاج‬
‫اْلرض حيرك تلك الرمال‪ ،‬لتغلق كل شق وكل ثقب ميكن أن يتحقق فيه التماس بني املاء والنار‪.‬‬
‫الرمل يتميز بقدرة عجيبة‪ ،‬فهو حني يشبع ابملاء يصبح أصلب من الصخر‪ ،‬مث ينضغط‬
‫ويتكاثف وال ميكن أن يسمح للماء ابملرور ْلكثر من عمق مرت واحد‪ ،‬فالتجربة تؤكد أن احلفر يف‬
‫‪78‬‬
‫أي شاطئ لعمق أكثر من مرت‪ ،‬مباشرة بعد اجلزر جند الرمل اجلاف بعد مرت من احلفر تقريبا‪ ،‬مما‬
‫يؤكد قدرة اجلبال وهي يف مرحلة الكثيب املهيل على منع بلوغ املاء لْلرض الثانية امللتهبة‪.‬‬
‫حنن نرى اليوم الرايح تشكل الكثبان الرملية‪ ،‬يف شكل جبال خمتلفة االرتفاع واحلجم‪،‬‬
‫فكذلك شكلت الرايح الكثبان الرملية‪ ،‬اليت هي اجلبال يف مرحة الكتيب املهيل‪ ،‬زايدة على‬
‫ارجتاج اْلرض وما خيلقه من رايح تزيد من ارتفاع الكثبان الرملية اليت هي اجلبال احلالية‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬حتول اجلبال من الكثيب املهيل إىل احلالة‬

‫الصلبة‬
‫سبق أن شرحت أن اجلبال ألقيت وأرسيت يف ابطن اْلرض‪ ،‬وهي يف حالة العهن‬
‫املنفوش يف الشقوق العميقة‪ ،‬اليت حتقق فيها التماس بني املاء والنار امللتهبة يف اْلرض الثانية وما‬
‫‪79‬‬
‫حتتها من أرضيني أكثر منها التهااب‪ْ ،‬لن كل أرض من اْلرضيني الستة حتتنا تتغذى على اليت‬
‫فوقها‪.‬‬
‫بفعل حرارة اْلرض الثانية واخلمسة أرضيني حتتها‪ ،‬اليت كلها ملتهبة أدانها أكثر من‬
‫أعالها‪ ،‬حولت العهن املنفوش‪ ،‬مبعىن الصوف النقي املغسول واملنفوش املشبع ابملاء إىل رمل‪،‬‬
‫فأصبحت كل الشقوق العميقة اليت حتقق التماس فيها بني املاء والنار مغلقة ابلرمل الذي تشكل‬
‫كالكثبان الرملية‪.‬‬
‫حرارة ابطن اْلرض مستمرة يف التدفق‪ ،‬فحرقت وأذابت الرمل وحولته إىل طبقات‬
‫صخرية صلبة‪ْ ،‬لن الرمل منع أتثري املاء من الوصول إىل اْلرض الثانية امللتهبة‪ ،‬فاستمرت حرارة‬
‫اْلرضيني الستة تلهب الرمل وتشعله‪ ،‬حلني تصلب فتحولت كل الكثبان الرملية إىل طبقات‬
‫صخرية صلبة‪ ،‬واملرت أو أقل قليال منه الذي يتأثر ابملاء‪ ،‬فانه حتول على مر الزمن إىل تراب‪.‬‬
‫‪80‬‬
‫لكي تتحول اجلبال إىل طبقات صلبة البد َلا من قوتني متعاكستني كاللتني خضعت َلما‬
‫اْلرض حني حتولت من كرة رمل إهليلجية عمالقة إىل كرة صلبة من الطبقات الصخرية‪ ،‬وقد‬
‫شرحت أعاله أن حتول اْلرض كان حني سجدت الشمس سجدهتا اْلوىل حتت العرش‪.‬‬
‫اْلرض سبقت اجلبال مبرحلتني من مراحل اخللق‪ ،‬فحني كانت اْلرض صلبة كما هي‬
‫اليوم‪ ،‬كانت اجلبال يف مرحلة العهن املنفوش‪ ،‬أي يف حالة السحاب‪ ،‬لذلك فلكي تتحول اجلبال‬
‫من حالة الكتيب املهيل إىل احلالة الصلبة البد من غياب الشمس‪ ،‬لكي يتحول اَليدروجني‬
‫واْلكسجني الذين ابرك هللا هبما اْلرض إىل طبقات ثلجية عمالقة‪.‬‬
‫غياب الشمس عن اْلرض والسماء حتقق يف السجدة الثانية للشمس‪ ،‬يف ْناية مسارها‬
‫الثالث صعودا إىل رهبا‪ ،‬فقد كانت سجدة مساوية يف الوقت تقريبا للسجدة اْلوىل‪ ،‬اليت حتقق‬
‫خالَلا حتول اْلرض من كرة رمل إهليلجية عمالقة إىل كرة صلبة إهليلجية عمالقة‪.‬‬
‫يف السجدة الثانية للشمس‪ ،‬كما هي مؤكدة يف حديث أيب در الغفاري الذي نشرته‬
‫أعاله‪ ،‬سيطر اجلليد على اْلرض من جديد‪ ،‬فتحول كل اَليدروجني واْلكسجني الذين ابرك هللا‬
‫‪81‬‬
‫هبما اْلرض إىل طبقات من اجلليد‪ ،‬ضغطت على اْلرض واجلبال وهي من حولت اجلبال من حالة‬
‫الكثبان الرملي إىل احلالة الصلبة‪.‬‬
‫وصف اخلالق اجلبال أبْنا رواسي‪ ،‬بقوله جل جالله يف سورة اْلنبياء اآلية ‪َ (( 31‬و َج َعلْنَا ِيف‬
‫اجا ُسبُ ًال لا َعلا ُه ْم يَـ ْهتَ ُدو َن)) مبعىن أْنا مثبتة لْلرض‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ْاْلَر ِ ِ‬
‫ض َرَواس َي أَن َمتي َد هب ْم َو َج َعلْنَا ف َيها ف َج ً‬‫ْ‬
‫ومانعة َلا من االرجتاج‪.‬‬
‫أن متيد هبم تعين االرجتاج‪ ،‬كما سيقع يف ْناية اْلرض واجلبال‪ ،‬لقول القوي اجلبار يف‬
‫ت َهبَاءً ُّمنبَـثًّا (‪.)))6‬‬

‫سا (‪ )5‬فَ َكانَ ْ‬ ‫ت ا ْجلِبَ ُ‬
‫ال بَ ًّ‬ ‫سِ‬‫ض َر ًّجا (‪َ )4‬وبُ ا‬ ‫سورة الواقعة ((إِذَا ر اج ِ‬
‫ت ْاْل َْر ُ‬ ‫ُ‬
‫ض َاب ِرَزةً‬ ‫ري ا ْجلِبَ َ‬

‫ال َوتَـ َرى ْاْل َْر َ‬ ‫(( َويَـ ْو َم نُ َسِ ُ‬ ‫‪48‬‬ ‫قال العزيز العليم يف سورة الكهف اآلية‬
‫َح ًدا )) فمعىن ترى اْلرض ابرزة أن املشاهد يرى ابطن اْلرض‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َح َش ْرَان ُه ْم فَـلَ ْم نُـغَاد ْر م ْنـ ُه ْم أ َ‬
‫املشتعل‪ ،‬يف الشق الذي كانت أغلقته اجلبال والذي توسع مع الزمن‪.‬‬
‫حني تتحول اجلبال إىل الكثيب املهيل مث إىل العهن املنفوس فتسري يف السماء‬
‫كالسحاب‪ ،‬حينها تبدو تلك الشقوق العميقة امللتهبة‪.‬‬
‫‪82‬‬
‫يطرح التساؤل كيف سيرتك نسف اجلبال قاعها وجوانبها صفصفا ال عوج فيها وال أمتا؟‬
‫ال فَـ ُقل ي ِ‬ ‫ِ‬

‫نس ُف َها َرِيب نَ ْس ًفا (‪)105‬‬‫ك َع ِن ا ْجلبَ ِ ْ َ‬
‫بدليل قول القادر املقتدر يف سورة طه (( َويَ ْسأَلُونَ َ‬
‫ص ًفا (‪ )106‬اال تَـ َر ٰى فِ َيها ِع َو ًجا َوَال أ َْمتًا (‪.)) )107‬‬

‫ص ْف َ‬
‫اعا َ‬
‫فَـيَ َذ ُرَها قَ ً‬
‫من خالل اآلايت أعاله يتأكد الشرح الذي قدمته أعاله‪ ،‬حيث أن التفاعل بني اجلبال‬
‫وبني الشقوق العميقة اليت أرسيت فيها‪ ،‬تفاعل بطيء جدا‪ ،‬فالعهن املنفوش تشبع ابملاء واحرتق‬
‫بفعل حرارة ابطن اْلرض يف املاء الذي غمر تلك الشقوق‪.‬‬
‫حتول العهن املنفوش إىل الرمل الذي تفاعل بدوره تدرجييا يف الشق‪ ،‬مع وجود املاء‬
‫احملبوس سابقا بني طبقات العهن املنفوش‪ ،‬فرتك حبريات ابطنية عمالقة تشكلت بتشكل اجلبال‪،‬‬
‫تلك البحريات الباطنية العمالقة هي اليت تنبع منها اْلْنار الكبرية حتت السالسل اجلبلية‬
‫العمالقة‪.‬‬
‫‪83‬‬
‫لو أن اجلبال أرسيت أو ألقيت يف ابطن اْلرض وهي يف حالتها الصلبة أو الشبه الصلبة‪،‬‬
‫الستحال أن ترتك مكاْنا بعد نسفها قاعا صفصفا‪ ،‬واملالحظ أن الكثري من اجلبال جبنبات بعضها‬
‫أكنان وهي مكان منبسط قليال جبنبات اجلبال املرتفعة جدا‪.‬‬
‫ذكر الرمحن الرحيم اْلكنان على أْنا من النعم‪ ،‬بقوله جل جالله يف سورة النحل اآلية‬
‫يل تَِقي ُك ُم ا ْحلَار‬‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫اَّللُ َج َع َل لَ ُكم مماا َخلَ َق ظ َالًال َو َج َع َل لَ ُكم م َن ا ْجلبَال أَ ْكنَ ًاان َو َج َع َل لَ ُك ْم َس َراب َ‬
‫‪َ (( 81‬و ا‬
‫ك يُتِ ُّم نِ ْع َمتَهُ َعلَْي ُك ْم ل ََعلا ُك ْم تُ ْسلِ ُمو َن))‪.‬‬

‫ْس ُك ْم ۚ َك َٰذلِ َ‬ ‫وسرابِ ِ‬
‫يل تَقي ُكم َأب َ‬
‫َ ََ َ‬
‫الباري جل وعال جعل لنا من اجلبال أكناان‪ ،‬كيف ذلك؟ فالكن هو املكان الصاحل‬
‫للسكن يف اجلبال‪ ،‬والطريقة اليت تشكلت هبا اْلكنان ميكن التأكد منها بتجربة عملية‪ْ ،‬لن تلك‬
‫اْلكنان تشكلت حني كانت اجلبال يف مرحلة الكثيب املهيل‪ ،‬مبعىن حني كانت كل اجلبال‬
‫والسالسل اجلبلية جمرد كثبان رملية‪.‬‬
‫‪84‬‬
‫سر تشكل اْلكنان يكمن يف أمرين‪ ،‬أحدمها هو تفتح شق يف أدىن الشق العميق الذي‬
‫أرسيت فيه اجلبال‪ ،‬فاْنار بعض الرمل ليغلق ذلك الشق‪ ،‬فبقي مكان اْنياره شبه منبسط جبانب‬
‫قمة اجلبل‪ ،‬فتشكل الكن املنبسط الصاحل للسكن واملقام‪.‬‬
‫الطريقة الثانية اليت ميكن أن يتشكل هبا الكن هي امتصاص الرمل لبعض املاء احملبوس‬
‫بني طبقات العهن املنفوش‪ ،‬حني كان يتساقط يف الشق امللتهب حبرارة ابطن اْلرض‪ ،‬فحل الرمل‬
‫حمل املاء فتشكل الكن جبانب قمة اجلبل‪.‬‬
‫اجلبال يف مرحة العهن املنفوش كانت تتنازعها قوتني‪ ،‬قوة الدفع حنو اْلعلى من حرارة‬
‫املاء املشتعل‪ ،‬بفعل حتقق التماس بني املاء والنار يف اْلرض الثانية‪ ،‬والقوة الثانية هي قوة الثقل‬
‫والوزن الناجم عن قوة الرجع اليت تدفع العهن املنفوش ْلعمق نقطة يف الشقوق‪ ،‬لذلك كانت‬
‫طبقات العهن املنفوش بعضها يهبط وبعضها يرفعه املاء الساخن‪ ،‬لينحصر بني الطبقات ماء‪،‬‬
‫فيبقى كذلك حلني تشكل البحريات الباطنية‪.‬‬
‫‪85‬‬
‫املاء املنحصر بني طبقات اجلبال اليت كانت يف مرحة العهن املنفوش‪ ،‬بعد حتول العهن‬
‫املنفوش إىل الكثيب املهيل‪ ،‬بقي الكثري من املاء حمصورا وسط تلك الكثبان الرملية‪ ،‬لكن متتص‬
‫منه القليل‪ ،‬ليبقى مكانه فارغا‪ ،‬فينهار عليه بعض الكثبان الرملي‪ ،‬ليرتك مكانه يف قمة الكثبان‬
‫الرملي على شكل كن منبسط‪.‬‬
‫العليم اخلبري أكد أنه كما خيرج بنفس املاء مثرات خمتلفا ألواْنا‪ ،‬كذلك جعل من بعض‬
‫‪27‬‬ ‫اجلبال جددا بيضا ومحرا خمتلف ألواْنا وغرابيب سود‪ ،‬بقوله جل جالله يف سورة فاطر اآلية‬
‫ال ُج َد ٌد بِ ٌ‬ ‫سم ِاء ماء فَأَ ْخر ْجنَا بِ ِه َمثَر ٍ‬

‫ات ُّخمْتَلِ ًفا أَلْوا ُْنَا ۚ وِمن ا ْجلِبَ ِ‬ ‫اَّلل أ ِ‬
‫يض‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫((أََملْ تَـ َر أَ ان اَ َ‬
‫َنز َل م َن ال ا َ َ ً َ‬
‫ِ‬ ‫َو ُمحٌْر ُّخمْتَلِ ٌ‬

‫ف أَل َْوا ُْنَا َوغَ َراب ُ‬
‫يب ُسو ٌد))‪.‬‬
‫قد يكون اختالف ألوان اجلبال ابختالف أنواع املعادن اليت اخرتقتها من احلديد وغريه‪،‬‬
‫حني كانت اجلبال يف مرحلة العهن املنفوش وقبلها يف مرحلة السراب‪ ،‬كما يف مرحلة الكثيب‬
‫املهيل‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫قد يكون اختالف ألوان اجلبال بفعل اْلزهار والورود اليت كانت تنبت عليها‪ ،‬قبل أن‬
‫تتحول إىل جبال صلبة‪ْ ،‬لن خروج املرعى يف اْلرض سابق إلرساء اجلبال‪ ،‬لذلك فاجلبال حني‬
‫أرسيت يف شقوق اْلرض العميقة جدا كانت اْلرض حينها خمضرة مزهرة‪.‬‬
‫اجلبال حني أصبحت يف مرحلة الكثبان الرملية‪ ،‬وبفعل التساقطات املطرية الكثرية‬
‫وارجتاج اْلرض حتول سطحها إىل غبار قابل لينبت‪ ،‬فنبتت فيه أنواع الورود واْلزهار هي اليت‬
‫صبغت تلك اجلبال‪ ،‬حسب نوع الورود املهيمن يف كل منطقة‪.‬‬
‫جند بعض املعادن النفيسة يف بعض اجلبال عبارة عن طبقة تكون يف الغالب عمودية‪ ،‬مما‬
‫يعين أن ذلك املعدن أنزل على اجلبل وهو يف آخر مرحلة العهن املنفوش حني كان العهن املنفوش‬
‫يشبع ببخار املاء اخلارج من الشقوق الواقع فيها التماس بني املاء والنار‪ ،‬أو يف مرحلة الكثيب‬
‫املهيل‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫س َماءُ َكال ُْم ْه ِل (‪َ )8‬وتَ ُكو ُن ا ْجلِبَ ُ‬

‫ال‬ ‫قال الويل احلميد يف سورة املعارج ((يَـ ْو َم تَ ُكو ُن ال ا‬
‫َكال ِْع ْه ِن (‪ )))9‬واآليتني تتعلقان مبصري السماء واجلبال يف ْنايتهما‪ ،‬لكن مبا أن ْناية كل خملوق من‬
‫الرتق اْلول هي نفسها بداية نفس املخلوق‪.‬‬
‫حني كانت اجلبال يف مرحلة العهن املنفوش كانت السماء يف حالة املهل‪ ،‬عبارة عن‬
‫معادن مذابة سائلة وجارية‪ ،‬لذلك مل تكن تلك املعادن صلبة بعد‪ ،‬كما مل تكن اجلبال صلبة بعد‪،‬‬
‫بل كانت جمرد صوف منفوش‪ ،‬لذلك كان يهوي بعض مهل السماء من املعادن السائلة واملختلطة‬
‫واملتفاعلة ليشبع هبا الصوف املنفوش‪ ،‬كما يصبغ الصوف اليوم‪ ،‬فيتحول لونه‪.‬‬
‫اجلبال أواتد حسب الصريح من آايت هللا عز وجل والوتد لغة هو كل ما يدخل أغلبه يف‬
‫اْلرض‪ ،‬ليظهر القليل منه‪ ،‬مما يعين أن اجلبال أكثر من ثلثيها على أقل تقدير مغروس يف قشرة‬
‫اْلرض وال يظهر لنا إال أقل من الثلث‪.‬‬
‫متدد اْلرض واستمرار منوها يكون بتوسع الشقوق اليت تشكلت منها احمليطات والبحار‬
‫ابلدرجة اْلوىل‪ ،‬لكن يكون متدد اْلرض أيضا يف الشقوق اليت أرسيت فيها اجلبال‪ ،‬لذلك فإن‬
‫‪88‬‬
‫اجلبال ال ترتفع كما قد يتوهم البعض‪ ،‬بل هتوي وينقص ارتفاعها عن مستوى سطح البحر مع‬
‫مرور ماليني السنني‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬زوال اْلرض واجلبال‬
‫لقد بني لنا ذو اجلالل واإلكرام مراحل زوال اْلرض واجلبال‪ ،‬مفصلة ومرتبة ترتيبا حمكما‪،‬‬
‫فالذي سأقوم به حبول هللا وقوته هو أن أشرح ذلك شرحا علميا صحيحا‪ ،‬مستنريا آبايت هللا عز‬
‫وجل‪.‬‬
‫يطرح التساؤل هل االرجتاج سابق للزلزلة؟ أو الحق َلا؟ أو أن االرجتاج هو نفسه الزلزلة؟‬
‫كيف ذلك ابلشرح العلمي الدقيق؟‬
‫‪89‬‬
‫ض‬ ‫ض ِزل َْزا ََلَا (‪ )1‬وأَ ْخرج ِ‬

‫ت ْاْل َْر ُ‬ ‫قال امللك القدوس يف سورة الزلزلة ((إِ َذا ُزلْ ِزل ِ‬
‫َ ََ‬
‫ك أ َْو َح ٰى ََلَا (‪ )5‬يَـ ْوَمئِ ٍذ‬

‫ارَها (‪ِ )4‬أبَ ان َربا َ‬ ‫نسا ُن َما ََلَا (‪ )3‬يَـ ْوَمئِ ٍذ ُحتَ ِد ُ‬
‫ث أَ ْخبَ َ‬ ‫ال ِْ‬
‫اإل َ‬ ‫أَثْـ َقا ََلَا (‪َ )2‬وقَ َ‬
‫ريْوا أَ ْع َما ََلُ ْم (‪.)) )6‬‬ ‫ِ‬

‫ااس أَ ْشتَ ًاات ل َُ‬
‫ص ُد ُر الن ُ‬
‫يَ ْ‬
‫من خالل اآلايت أعاله‪ ،‬يتبني لنا أن زلزلة اْلرض‪ ،‬سابقة خلروج أثقال اْلرض الذي يعين‬
‫انفجار اْلرض‪ ،‬خبروج مادهتا امللتهبة‪ ،‬كما خيرج قليل منها حاليا ابلرباكني‪ ،‬فخروج أثقال اْلرض‬
‫معناه خروج مادة اْلرضيني الستة‪ ،‬اليت حتت اْلرض اْلوىل اليت حنن عليها‪.‬‬
‫اْلرض حاليا تقرتب من حتقيق الشكل الكروي املستدير مائة يف املائة‪ ،‬وكما تنفجر‬
‫الكرة اجللدية بعد اإلفراط يف نفخها‪ ،‬ليخرج اَلواء املضغوط فيها بقوة انفجار مسموع‪ ،‬كذلك‬
‫ستنفجر اْلرض بعد أن حتقق الشكل الكروي املستدير مائة يف املائة‪ ،‬لتخرج كل أثقاَلا وهي‬
‫املادة امللتهبة يف اْلرضيني الستة حتتنا‪.‬‬
‫ت الْواقِعةُ (‪ )1‬ل َْيس لِوقـْعتِ َها َك ِ‬

‫اذبَةٌ (‪)2‬‬ ‫َ َ َ‬ ‫قال القوي اجلبار يف سورة الواقعة ((إِذَا َوقَـ َع ِ َ َ‬
‫ت َهبَاءً ُّمنبَـثًّا (‪.)) )6‬‬

‫ال بَ ًّ‬ ‫سِ‬‫ض َر ًّجا (‪َ )4‬وبُ ا‬ ‫ضةٌ ارافِ َعةٌ (‪ )3‬إِذَا ر اج ِ‬
‫ت ْاْل َْر ُ‬ ‫َخافِ َ‬
‫ُ‬
‫‪90‬‬
‫الواقعة هي ْناية السماوات واْلرض‪ ،‬لكن ستكون يف مراحل متتابعة بعضها سابق‬
‫لبعض‪ ،‬واملفيد يف اآلية ‪ 4‬من سورة الواقعة هو أن اْلرض سرتتج ارجتاجا مستمرا‪ ،‬ذل عنه قول‬
‫ض َر ًّجا))‪.‬‬ ‫مالك امللك ((إِذَا ر اج ِ‬

‫الذي يلي االرجتاج الشديد لْلرض واجلبال ما تزال عليها‪ ،‬هو حتول اجلبال من احلالة‬
‫سا)) مبعىن أْنا تصبح فتاات‪ْ ،‬لن بس احلجر يعين تفتيته‪،‬‬ ‫ت ا ْجلِبَ ُ‬
‫ال بَ ًّ‬ ‫سِ‬‫الصلبة إىل حالة البس (( َوبُ ا‬
‫ت َهبَاءً ُّمنبَـثًّا))‪.‬‬
‫واملرحلة الالحقة ملرحلة بس اجلبال هي اَلباء املنبت ((فَ َكانَ ْ‬
‫اَلباء املنبت يعين حتول الفتات‪ ،‬اليت يعين الرمل مبعىن مرحلة الكثيب املهيل‪ ،‬إىل‬
‫الصوف املنفوش‪ ،‬وهي مرحلة العهن املنفوش‪ ،‬فيكون أقرب لسحب حتملها الرايح‪ ،‬لتسري سري‬
‫السحاب‪.‬‬
‫خروج أثقال اْلرض‪ ،‬مرحة الحقة للزلزلة واالرجتاج‪ ،‬وقد بينت أعاله أن ْناية الزلزلة‬
‫واالرجتاج‪ ،‬هي بس اْلرض واجلبال بسا‪ ،‬مبعىن حتويلهما إىل فتات أي حالة الرمل‪ ،‬لكي تصبح‬
‫اْلرض واجلبال يف مرحة الكثيب املهيل اليت مرا هبا يف بداية اخللق‪.‬‬
‫‪91‬‬
‫يف مرحلة الكثيب املهيل‪ ،‬ما تزال أثقال اْلرض يف قلبها‪ ،‬فهي وحدها القادرة على‬
‫حتقيق الزلزلة واالرجتاج للرجوع ابْلرض واجلبال‪ْ ،‬لصلها اْلول الذي هو السراب‪.‬‬
‫القادر املقتدر أكد لنا‪ ،‬أنه بعد الزلزلة الشديدة‪ ،‬اليت ستقع لْلرض واجلبال واالرجتاج‬
‫الشديد‪ ،‬ستنفجر اْلرض لتخرج كل أثقاَلا اليت يف مركزها‪.‬‬
‫أثقال اْلرض هي كل مادة اْلرضيني الستة‪ ،‬اليت حتتنا وهي امللتهبة املشتعلة‪ ،‬بقوله جل‬
‫ض أَثْـ َقا ََلَا (‪.)) )2‬‬ ‫ض ِزل َْزا ََلَا (‪ )1‬وأَ ْخرج ِ‬
‫ت ْاْل َْر ُ‬ ‫جالله يف سورة الزلزلة ((إِ َذا ُزلْ ِزل ِ‬
‫َ ََ‬
‫كيف سيكون حال اْلرض بعد خروج أثقاَلا؟ وما هو مصري اجلبال بعد خروج أثقال‬
‫اْلرض؟ سبق وشرحت أعاله أنه بعد الزلزلة واالرجتاج‪ ،‬فحال اْلرض واجلبال هو الكثيب املهيل‪.‬‬
‫خروج أثقال اْلرض‪ ،‬يعين صعود احلديد املنزل من خارج السماوات واْلرض‪ ،‬سريفع‬
‫معه الرمال اليت هي مادة اْلرض واجلبال‪ ،‬حيث يرفعها احلديد الصاعد ملكانه عاليا يف السماء‬
‫فيحوَلا يف طريق صعوده إىل العهن املنفوش‪ ،‬فتكون اجلبال واْلرض كالسحب‪ ،‬تسري يف السماء‬
‫سحبا ممزقة مفرتقة‪ ،‬بفعل متزيق خروج أثقال اْلرض جلسم اْلرض واجلبال‪.‬‬
‫‪92‬‬
‫املبحث اْلول‪ :‬الزلزلة الشديدة حتول اْلرض واجلبال إىل‬

‫الكثيب املهيل‬
‫مرحلة الزلزلة الشديدة‪ ،‬سابقة ملرحلة االرجتاج‪ْ ،‬لن الزلزال يسببه انتفاخ ومتدد اْلرضيني‬
‫الستة‪ ،‬اليت حتت اْلرض اْلوىل اليت حنن عليها‪.‬‬
‫اْلرض انتفخت واستمرت يف االنتفاخ‪ ،‬فقد بينت من قبل أن االنتفاخ سبب انشقاق‬
‫اْلرض الصلبة إىل الكثري من الشقوق‪ ،‬العميقة منها اليت بلغ عمق الشق فيها اْلرض الثانية حتتنا‬
‫اليت أرسيت فيها اجلبال‪ ،‬فاجلبال هي اْلواتد والرواسي اليت أغلق القوي اجلبار هبا تلك الشقوق‪،‬‬
‫اليت كانت هتدد زوال اْلرض وانفجارها مند بداية خلقها‪.‬‬
‫الشقوق الغري العميقة‪ ،‬لكنها شاسعة وطويلة‪ ،‬هي اليت جتمع فيها املاء بفعل ذوابن‬
‫طبقات اجلليد‪ ،‬اليت كانت حميطة ابْلرض‪ ،‬مند كانت اْلرض يف مرحة الكثيب املهيل‪ ،‬مبعىن حني‬
‫كانت كرة رمل عمالقة‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫جتمع املاء يف الشقوق العريضة والغري العميقة‪ ،‬دون أن حيقق التماس مع النار امللتهبة يف‬
‫اْلرضيني الستة حتتنا‪ ،‬فشكل احمليطات والبحار اليت نعرفها اليوم‪ ،‬لكن بفعل انتفاخ اْلرض‬
‫ومتددها‪ ،‬تتعمق تلك الشقوق مع مرور الزمن‪ ،‬حلني بلوغ عمق الشقوق حتت البحار واحمليطات أو‬
‫بعضها‪ ،‬حلدود اْلرض الثانية حتتنا وهي ملتهبة مشتعلة‪ ،‬فيتحقق البحر املسجور‪.‬‬
‫لقد أقسم العلي العظيم ابلبحر املسجور يف سورة الطور اآلية ‪َ (( 6‬والْبَ ْح ِر ال َْم ْس ُجوِر)) مما‬
‫يؤكد عظمته وعواقبه ونتائجه ودوره يف حتقيق فناء اْلرض واجلبال‪ْ ،‬لن متدد اْلرض سيصل هبا‬
‫ملرحلة عاشتها يف بداية خلقها‪ ،‬قبل إرساء اجلبال فيها‪.‬‬
‫بلوغ املاء بكميات هائلة إىل اْلرض الثانية حتتنا‪ ،‬لتتغذى من حتول املاء إىل اَليدروجني‬
‫واْلكسجني‪ ،‬سيزيدان من تفاعالت النار امللتهبة يف اْلرض الثانية‪ ،‬اليت تتغذى عليها اْلرض‬
‫الثالثة حتتها وكل أرض تتغذى من اليت أعالها‪.‬‬
‫‪94‬‬
‫حتقق البحر املسجور يف كثري من البحار واحمليطات‪ ،‬ستكون له نتيجة كارثية على اْلرض‪،‬‬
‫أوال ابنتفاخها ومتددها بسرعة‪ْ ،‬لن كل اْلرضيني الستة حاليا عبارة عن كرة (ريكيب) أو بطيخة‬
‫صفراء‪ ،‬حيث أن كل اْلرضيني السبعة متماسكة مبحور دوران يدور يف اجتاه واحد‪.‬‬
‫حمور الدوران ميسك كل اْلرضيني يف قطبيها‪ ،‬فهي كسبع بطيخات صفراء خمتلفة‬
‫احلجم‪ ،‬لكن بعضها وسط بعض‪ ،‬لذلك حني تدور اْلرض السابعة اليت هي اْلثقل واْلصغر قطرا‪،‬‬
‫فكل اْلرضيني تتبعها يف اجتاه الدوران‪ ،‬لكن بسرعة متفاوتة من أرض إىل أرض‪ ،‬فسرعة دوران‬
‫اْلرض السابعة‪ ،‬قد تكون أضعاف سرعة اْلرض اْلوىل اليت حنن عليها‪.‬‬
‫بلوغ املاء بكميات هائلة إىل اْلرض الثانية حتتنا‪ ،‬من خالل حتقق البحر املسجور‪ ،‬معناه‬
‫انتفاخ كل اْلرضيني الستة حتتنا‪ ،‬اليت يتغذى بعضها على بعض‪ ،‬متاما كما لو كنا ننفخ سبع كرات‬
‫(ريكيب) بعضها وسط بعض‪.‬‬
‫‪95‬‬
‫النتيجة ستكون هي حتقيق كل الكرات للشكل الكروي املستدير‪ ،‬ليزول بذلك قطيب‬
‫كل الكرات‪ ،‬كذلك سيزول قطيب كل اْلرضيني السبعة‪ ،‬فيختل بعدها توازْنا‪ ،‬حيث تصبح كل‬
‫أرض تدور يف اجتاه‪.‬‬
‫الواقع حاليا هو أن اْلرض السابعة اليت يف املركز‪ ،‬هي املتحكمة يف كل اْلرضيني‬
‫بقطبيها‪ ،‬لذلك كلها تدور معها يف نفس االجتاه‪ ،‬فال ميكن ْلرض من اْلرضيني اْلخرى أن تغري‬
‫االجتاه أو خيتل توازْنا‪ ،‬لكن بفقدان القطبني‪ ،‬خيتل توازن واجتاه دوران كل اْلرضيني السبعة‪.‬‬
‫حال اْلرضيني السبعة اليوم‪ ،‬هو كسبع كرات خمتلفة الوزن‪ ،‬ميكن أن أعرب عنها بتجربة‬
‫علمية‪ ،‬ليفهم كل راغب يف الفهم‪ ،‬فنأخذ كرة يف نصف حجم كرة (الريكيب)‪ ،‬لكن تكون كلها‬
‫فوالذ‪.‬‬
‫نصنع كرة اثنية أكرب من اْلوىل بقليل‪ ،‬تكون قابلة للفتح نصفني‪ ،‬لنضع وسطها الكرة‬
‫الفوالذية‪ ،‬ونصنع اثلثة أكرب بقليل من الثانية‪ ،‬فنضع وسطها االثنتني السابقتني وهكذا‪ ،‬حلني‬
‫تكون الكرات سبعا‪ ،‬بعضها وسط بعض‪ ،‬تكون السابعة اْلكرب حجما‪ ،‬لكنها اْلخف وزان‪،‬‬
‫‪96‬‬
‫فكذلك هي اْلرضيني السبع اليوم‪ ،‬اْلرض اْلوىل اليت حنن عليها‪ ،‬هي اْلكرب حجما لكنها‬
‫اْلخف وزان‪.‬‬
‫لو قدمنا الكرات السبعة‪ ،‬اليت ذكرهتا أعاله لشخص قوي البنية‪ ،‬فقلنا له أن ميسكها‬
‫بقطبيها مث يقوم بعملية الدوران‪ ،‬فيدي الرجل لن ترجتا‪ ،‬بل الكرات السبع ستدور كلها يف نفس‬
‫االجتاه وسيحافظ هو على توازن يديه‪ْ ،‬لن الكرات ال ميكنها إال أن تدور كلها يف نفس االجتاه‪.‬‬
‫لو حولنا تلك الكرات السبع اليت ذكرهتا أعاله‪ ،‬من شكل البطيخة الصفراء إىل شكل‬
‫كروي مستدير بنفس اْلوزان متاما‪ ،‬فقلنا لنفس الشخص أن حياول أن حيركها لتدور‪ ،‬فإن يديه‬
‫سرتجتان بال شك‪ْ ،‬لن كل كرة ستدور يف اجتاه‪.‬‬
‫بنفس الطريقة أعاله سيحدث االرجتاج يف اْلرض‪ ،‬الذي ذكره لنا القوي اجلبار يف قوله‬
‫ضةٌ ارافِ َعةٌ (‪)3‬‬ ‫ت الْواقِعةُ (‪ )1‬ل َْيس لِوقـْعتِ َها َك ِ‬

‫اذبَةٌ (‪َ )2‬خافِ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫جل جالله يف سورة الواقعة ((إِذَا َوقَـ َع ِ َ َ‬

‫ال بَ ًّ‬ ‫سِ‬‫ض َر ًّجا (‪َ )4‬وبُ ا‬ ‫إِذَا ر اج ِ‬
‫‪97‬‬
‫بتحقيق اْلرض للشكل الكروي املستدير مائة يف املائة‪ ،‬الذي يعين االتساق‪ ،‬فإْنا‬
‫ستعرف ارجتاجا متواصال بدوران كل واحدة من اْلرضيني السبعة يف اجتاه‪ ،‬مث تغري االجتاه حلني‪.‬‬
‫النتيجة ستكون هي حتول اْلرض اْلوىل اليت حنن عليها إىل رمل هي واجلبال‪ ،‬بتكسر‬
‫كل الطبقات الصخرية وكل الصخور‪ ،‬ابلتصادم بعضها مع بعض‪ ،‬بفعل االرجتاج الشديد‪ ،‬حلني ال‬
‫يبقى جسم صلب على اْلرض‪.‬‬
‫اْلرض اْلوىل واجلبال ستصبح كرة رمل عمالقة‪ ،‬فيتواصل انتفاخ اْلرض ومتددها‪،‬‬
‫لتضعف قوة الضغط العلوية على أثقال اْلرض‪ ،‬فتتزايد قوة االنتفاخ‪ ،‬ابنفجار كل البحار وحتقق‬
‫التماس بني املاء والنار امللتهبة يف اْلرضيني الستة‪ ،‬ليتحقق بعد ذلك انفجار اْلرض ومتزقها‬
‫وخروج كل أثقال اْلرض‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬رفع احلديد يرتك اْلرض واجلبال كالعهن‬

‫املنفوش‬
‫‪98‬‬
‫الويل احلميد بني لنا أن اجلبال ستعود يف مرحلة من مراحل زواَلا حلالة العهن املنفوش‪،‬‬
‫ال َكال ِْع ْه ِن ال َْمن ُف ِ‬

‫وش )) وقوله جل جالله‬ ‫بقول القوي اجلبار يف سورة القارعة اآلية ‪َ (( 5‬وتَ ُكو ُن ا ْجلِبَ ُ‬
‫ال َكال ِْع ْه ِن (‪.)))9‬‬

‫س َماءُ َكال ُْم ْه ِل (‪َ )8‬وتَ ُكو ُن ا ْجلِبَ ُ‬
‫يف سورة املعارج ((يَـ ْو َم تَ ُكو ُن ال ا‬
‫س َماءُ‬
‫لقد بني لنا العلي العظيم حال السماء يف اآلية ‪ 8‬من سورة املعارج ((يَـ ْو َم تَ ُكو ُن ال ا‬
‫َكال ُْم ْه ِل)) واملهل هو املعادن املنصهرة السائلة‪ ،‬مما يؤكد أن أثقال اْلرض اليت ستخرج بقوة‬
‫شديدة صاعدة يف السماء‪ ،‬ستزيد متزق السماء اليت تكون قد انشقت وفرجت وفتحت أبوااب‪.‬‬
‫أثقال اْلرض شديدة الصالبة والثقل واحلرارة‪ ،‬ستحول السماوات السبع إىل معادن‬
‫منصهرة‪ ،‬فمادة السماء الثانية هي احلديد ومادة السماء الثالثة هي النحاس ومادة السماء الرابعة‬
‫هي الفضة ومادة السماء اخلامسة هي الذهب ومادة السماء السادسة هي الياقوت اْلخضر‬
‫ومادة السماء السابعة هي الرب اْلبيض مبعىن اْلملاس‪.‬‬
‫‪99‬‬
‫بعد أن تكون السماء كاملهل تكون اجلبال كالعهن‪ ،‬واملالحظ أنه يوجد فرق بني العهن‬
‫ال َكال ِْع ْه ِن )) وبني العهن املنفوش الوارد يف‬

‫من سورة املعارج (( َوتَ ُكو ُن ا ْجلِبَ ُ‬ ‫‪9‬‬ ‫املذكور يف اآلية‬
‫ال َكال ِْع ْه ِن ال َْمن ُف ِ‬

‫وش ))‪.‬‬ ‫سورة القارعة اآلية ‪َ (( 5‬وتَ ُكو ُن ا ْجلِبَ ُ‬
‫العهن املنفوش مرحلة الحقة ملرحلة العهن الغري املنفوش‪ْ ،‬لن الصوف املنفوش حنققه‬
‫بعد جهد كبري على الصوف‪ ،‬وهو يكون أخف وأنقى حتمله الريح بسهولة‪ ،‬ومرحة العهن املنفوش‬
‫هي املرحلة اْلقرب ملرحلة السراب ومرحلة العهن دون ذكر املنفوش سابقة ملرحة العهن املنفوش‪.‬‬
‫يطرح التساؤل عن مصري املاء املوجود كله على اْلرض ويف ابطنها حاليا يف البحار‬
‫والبحريات السطحية والباطنية؟ أين سيذهب كل ماء البحار؟ ما هو مصريه؟ واملؤكد هو أن‬
‫حدوث البحر املسجور يف كل البحار واحمليطات‪ ،‬معناه تبخر كل ذلك املاء وحتوله ْلصله اْلول‬
‫الذي هو اْلكسجني واَليدروجني‪.‬‬
‫أقسم العلي العظيم ابلبحر املسجور قسما عظيما‪ ،‬للداللة على أنه حدث جد مهم‪،‬‬
‫سيكون هو سبب حتقيق اْلرض ملدها اْلخري‪ ،‬بقوله جل جالله يف سورة الطور اآلية ‪َ (( 6‬والْبَ ْح ِر‬
‫‪100‬‬
‫ت َما فِ َيها‬ ‫ال َْم ْس ُجوِر)) وقول العليم اخلبري يف سورة االنشقاق (( َوإِ َذا ْاْل َْر ُ‬
‫ت (‪َ )3‬وأَلْ َق ْ‬
‫ت لَِرِهبَا َو ُح اق ْ‬
‫ت (‪.)) )5‬‬ ‫ت (‪َ )4‬وأ َِذنَ ْ‬
‫َوَختَلا ْ‬
‫حدوث التماس بني املاء واحلمم يف ابطن كل احمليطات والبحار‪ ،‬الناجم عن انتفاخ‬
‫اْلرض ومتددها‪ ،‬فهو نفسه يزيد متددها وانتفاخها‪ ،‬والنتيجة ستكون اشتعال البحار والتهام احلمم‬
‫لكثري من ماء البحار‪ ،‬يف شكل هيدروجني وأكسجني‪ ،‬والباقي سيتبخر صاعدا خارجا من الغالف‬
‫اجلوي لْلرض‪ ،‬الذي أصبح مثقواب بفعل النجم الثاقب‪.‬‬
‫سيصل خبار املاء إىل السماء املثقوبة أيضا‪ ،‬بفعل النجم الثاقب مث املنشقة بفعل حتقيق‬
‫السماء ملنتهى التوسع واالنتفاخ‪ ،‬ليختلط ذلك البخار الذي قد يصل السماء أيضا يف حالة‬
‫اَليدروجني واْلكسجني‪ ،‬فيغذي املهل الذي هو مادة السماء بعد انشقاقها ومتزقها‪.‬‬
‫ذكرت النجم الثاقب الذي أقسم به الباري جل وعال يف سورة الطارق (( َوال ا‬
‫ِ‬ ‫َوالطاا ِر ِق (‪َ )1‬وَما أَ ْد َر َ‬

‫ب (‪ )))3‬وبينت دوره يف إْناء ماء البحار‬ ‫اك َما الطاا ِر ُق (‪ )2‬الن ْ‬
‫اج ُم الثااق ُ‬
‫واحمليطات‪ ،‬بتسهيل خروج خبار املاء خارج الغالف اجلوي لْلرض ومنع تشكل السحب‪.‬‬
‫‪101‬‬
‫لن يسقط املطر على اْلرض بعد متزق الغالف اجلوي لْلرض‪ ،‬لذلك البد أن أوضح‬
‫بعض اْلمور حول النجم الثاقب‪ ،‬كيف يكون جنما ويثقب السماء؟ وكيف يتحقق له ثقب السماء‬
‫وهي بناء عظيم وسقف حمفوظ؟‬
‫يف اآلايت الثالث اْلوىل من سورة الطارق‪ ،‬جزم لنا اخلالق املصور أبن الكوكب الطارق‬
‫من سورة الطارق مساه ابلنجم‬ ‫‪3‬‬ ‫اك َما الطاا ِر ُق)) لكنه يف اآلية‬
‫كوكب عظيم بقوله (( َوَما أَ ْد َر َ‬
‫الثاقب‪ ،‬مبعىن أن الكوكب الطارق هو نفسه الذي سيتحول مع الزمن‪ ،‬حلني يصبح جنما اثقبا‪،‬‬
‫كيف ذلك؟ سأشرحه ابلتفصيل حبول هللا وقوته‪.‬‬
‫الكواكب كلها حاليا كروية الشكل وكلها خلقت كما سائر املخلوقات من الرتق اْلول‬
‫يف شكل إهليلجي‪ ،‬فكيف ميكن أن يكون كوكب طارقا يطرق كاملطرقة؟ مث كيف ميكن لكوكب‬
‫والكوكب عظيم أن يتحول إىل جنم؟‬
‫‪102‬‬
‫أسئلة البد من اجلواب عليها علميا ومنطقيا‪ْ ،‬لن فعل الطرق البد له من قوة رفع وقوة‬
‫نزول ليتحقق الطرق‪ ،‬فكيف ميكن أن يرتفع الكوكب ويهبط على بناء السماء كاملطرقة‪ ،‬طرقا‬
‫عظيما هائال جدا؟‬
‫الويل احلميد أكد لنا أن القمر حقق االتساق فانشق زمن البعثة النبوية‪ ،‬بقوله جل جالله‬
‫اعةُ َوان َش اق الْ َق َم ُر)) فاالنشقاق مل يكن إلرضاء الكفار‬

‫سَ‬ ‫((اق َْرتب ِ‬
‫ت ال ا‬ ‫‪1‬‬ ‫يف سورة القمر اآلية‬
‫ََ‬
‫وهيهات أن يكون‪ ،‬بل انشقاق القمر أمر عظيم جدا‪ ،‬نتج عنه تنفيس الضغط داخل القمر ليعمر‬
‫زمنا إضافيا‪.‬‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال بعثت أان والساعة كهاتني‪ ،‬فجمع بني سبابته‬
‫والوسطى‪ ،‬مما يعين أن عمر السماوات واْلرض انتهى ابلبعثة النبوية حملمد بن عبد هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وما نعيشه حاليا هو عمر زوال السماوات واْلرض‪.‬‬
‫الكبري املتعايل جزم أن الساعة قريبة لذلك انشق القمر‪ ،‬وعليه فإن الكوكب الطارق‬
‫كالقمر حقق االتساق فأصبح طارقا‪ ،‬لكن كيف يكون اتساق الكوكب الطارق ليصبح طارقا؟‬
‫‪103‬‬
‫اتساق القمر نتج عنه انشقاقه وخروج بعض مادته‪ ،‬اليت كنستها الكواكب اخلمس‬
‫اخلنس اجلوار الكنس‪ ،‬فحولتها إىل دخان‪ ،‬وميكن وهللا أعلم أن يكون ما خرج من القمر جراء‬
‫انشقاقه‪ ،‬جبل من ذهب فتح له ابب من السماء‪ ،‬فسقط يف ْنر الفرات‪ ،‬حيث أخرب رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬أبن الفرات سينحسر عن جبل من ذهب‪.‬‬
‫لكي يصبح الكوكب الطارق طارقا‪ ،‬البد أن يكون تنفيس ضغطه ليس ابالنشقاق بل‬
‫بثقب عظيم يقع فيه‪ ،‬كما تقع الرباكني يف اْلرض‪ ،‬حيث خترج احلمم يف ثقب‪ ،‬كذلك الكوكب‬
‫الطارق‪ ،‬يعرف خروج احلمم بقوة ضغط خيالية‪.‬‬
‫خروج احلمم من الكوكب الطارق هي اليت تدفعه بسرعة‪ ،‬فرتفعه كما تدفع وترفع‬
‫احملركات الطائرات ‪ ،‬فيستمر الكوكب الطارق يف االرتفاع‪ ،‬لكن حال خترج املادة املضغوطة‬
‫داخله‪ ،‬يقل الضغط قليال‪ ،‬فتقل املادة اليت كانت تدفعه حنو اْلعلى‪ ،‬فيهوي الكوكب على بناء‬
‫السماء بقوة طرق هائلة‪ ،‬كما لو سقطت طائرة على اْلرض جراء توقف حمركاهتا‪.‬‬
‫‪104‬‬
‫يبقى الكوكب الطارق ساقطا على بناء السماء‪ ،‬زمنا علمه عند هللا عز وجل‪ ،‬حلني يتزايد‬
‫الضغط بداخله‪ ،‬علما أن حجمه يقل ابنكماش سطحه ‪،‬كلما خرجت مادته امللتهبة‪ ،‬لذلك‬
‫ابزدايد الضغط يرتفع من جديد‪ ،‬ليسقط بنفس الطريقة اليت شرحتها أعاله‪ ،‬وهكذا يصبح‬
‫الكوكب الطارق مطرقة عظيمة تطرق بناء السماء الدنيا فوقنا‪.‬‬
‫الكوكب الطارق كلما خرجت مادته امللتهبة بضغط قوي‪ ،‬ارتفع يف السماء وكلما نقص‬
‫الضغط سقط على بناء السماء الدنيا الذي يشكل السقف احملفوظ فوقنا‪ ،‬فعملية الطرق العمالقة‬
‫تضعف السماء‪ ،‬كما تضعفها صهارة الكوكب الطارق اليت خترج حبرارة خيالية جدا‪.‬‬
‫حني تربد صهارة الكوكب الطارق تكنسها الكواكب اخلنس اجلوار الكنس‪ ،‬فتحوَلا إىل‬
‫دخان‪ ،‬وقد فسرت هذا ابلتفصيل الدقيق يف كتايب العشرون الذي عنوانه‪ :‬حقيقة الثقوب السوداء‬
‫يف السماء‪.‬‬
‫كلما خرجت املادة املنصهرة‪ ،‬يف مركز الكوكب الطارق صغر وانكمش‪ ،‬حلني يصبح يف‬
‫حجم النجوم‪ ،‬لذلك مسي ابلنجم الثاقب‪ْ ،‬لنه بتوسع السماء ومتددها‪ ،‬حلني بلوغها منتهى التمدد‬
‫‪105‬‬
‫والتوسع‪ ،‬حيث الكوكب الطارق سيصبح حينها يف حجم النجم‪ ،‬لذلك يسمى النجم الثاقب‪،‬‬
‫سيسهل عليه أن يثقب السماء‪ْ ،‬لْنا كلما توسعت ومتددت ضعف بناؤها‪ ،‬متاما كما لو نفخنا أي‬
‫جسم قابل للنفخ‪ ،‬فكلما انتفخ كلما أصبح شفافا رقيقا أكثر‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حتول اجلبال واْلرض حلالة السراب اليت هي‬

‫اْلصل‬
‫سيحول خروج أثقال اْلرض اليت ستخرج بعد الزلزلة النهائية واملستمرة‪ ،‬اْلرض من حالة‬
‫الكثيب املهيل‪ ،‬مبعىن كرة رمل عمالقة إىل العهن املنفوش‪ ،‬حيث سرتفع أثقال اْلرض الصاعدة يف‬
‫السماء بقوة هائلة جدا‪ ،‬الرمل يف السماء حمرقة إايه من غري ضغط‪ ،‬ليتحول إىل ما يشبه الصوف‬
‫وهو العهن‪.‬‬
‫‪106‬‬
‫يطرح التساؤل عن القوة اليت ستحول اجلبال واْلرض من حالة العهن املنفوش إىل حالة‬
‫السراب؟‬
‫بينت أن القوة اليت ستحول اجلبال اْلرض من احلالة الصلبة إىل حالة الكتيب املهيل‪،‬‬
‫مبعىن كثبان رملي أو كرة رمل عمالقة‪ ،‬هي قوة االرجتاج والزلزلة املستمرة‪ ،‬والقوة اليت ستحول‬
‫اجلبال واْلرض من حالة الكثيب املهيل إىل حالة العهن املنفوش هي قوة خروج أثقال اْلرض‪،‬‬
‫اليت ستمزق كرة الرمل العمالقة‪ ،‬فتشتتها وترفعها يف السماء يف كل االجتاهات‪ ،‬لدرجة تصبح‬
‫اجلبال اْلرض كالسحب تتحرك يف السماء‪.‬‬
‫محلَ ِ‬
‫ت‬ ‫الصوِر نَـ ْف َخةٌ و ِ‬
‫اح َدةٌ (‪ )13‬و ُِ‬ ‫قال القوي اجلبار يف سورة احلاقة ((فَِإذَا نُِف َخ ِيف ُّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س َماءُ فَ ِه َي يَـ ْوَمئِ ٍذ‬ ‫ت الْواقِ َعةُ (‪ )15‬وان َش اق ِ‬

‫ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬ ‫ض َوا ْجلِبَ ُ‬
‫ت ال ا‬ ‫َ‬ ‫ال فَ ُد اكتَا َد اكةً َواح َدةً (‪ )14‬فَـيَـ ْوَمئذ َوقَـ َع َ‬ ‫ْاْل َْر ُ‬
‫ك فَـ ْوقَـ ُه ْم يَـ ْوَمئِ ٍذ َمثَانِيَةٌ (‪ )17‬يَـ ْوَمئِ ٍذ تُـ ْع َر ُ‬

‫ضو َن‬ ‫ِ‬ ‫َو ِاهيَةٌ (‪َ )16‬وال َْملَ ُ‬
‫ك َعلَ ٰى أ َْر َجائ َها ۚ َوَْحي ِم ُل َع ْر َ‬
‫ش َربِ َ‬
‫َال َختَْف ٰى ِمن ُك ْم َخافِيَةٌ (‪.)))18‬‬
‫‪107‬‬
‫ال فَ ُد اكتا َد اكةً و ِ‬

‫اح َدةً)) يفيد أن اْلرض واجلبال‬ ‫َ‬ ‫ض َوا ْجلِبَ ُ َ‬ ‫محلَ ِ‬
‫ت ْاْل َْر ُ‬ ‫قول العزيز العليم ((و ُِ‬
‫َ‬
‫سرتفعان بقوة حنو السماء‪ ،‬وهو ما سيقع ابلفعل بفعل انفجار اْلرض لتخرج أثقاَلا‪ْ ،‬لن كل‬
‫جسم مضغوط جدا حال ينفجر يرتفع يف السماء عاليا قبل أن يسقط ممزقا منبعجا مدكوكا‪.‬‬
‫ابلتجربة مثال فكرة أو عجلة أو قنينة غاز أو أي جسم مضغوط حني ينفجر يرتفع يف‬
‫السماء ليعود إىل مكانه ممزقها منبعجا مدكوكا‪ ،‬فلو نفخنا كرة قدم مثال حىت تنفجر فإْنا سرتتفع‬
‫يف السماء مث تعود حنو اْلرض وهي منبعجة على نفسها‪.‬‬
‫كل املخلوقات احلية‪ ،‬لن تبقى على اْلرض بفعل الزلزلة الشديدة لْلرض‪ ،‬فهي مرحلة‬
‫سابقة لالرجتاج الشديد وسابقة بكثري ملرحلة خروج أثقال اْلرض‪.‬‬
‫سماو ِ‬
‫ات َوَمن ِيف‬ ‫صع َق َمن ِيف ال ا َ َ‬
‫َ‬ ‫مالك امللك قال يف سورة الزمر (( َونُِف َخ ِيف ُّ‬
‫الصوِر فَ ِ‬
‫ض بِنُوِر َرِهبَا‬ ‫ام ينظُرو َن (‪ )68‬وأَ ْشرقَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ض إِاال َمن َشاءَ ا‬
‫ْاْل َْر ِ‬
‫ت ْاْل َْر ُ‬ ‫َ َ‬ ‫اَّللُ ۚ مثُا نُف َخ فيه أُ ْخ َر ٰى فَإذَا ُه ْم قيَ ٌ َ ُ‬
‫ت ُك ُّل‬ ‫الش َه َد ِاء وقُ ِ‬

‫ض َي بَـ ْيـنَـ ُهم ِاب ْحلَِق َو ُه ْم َال يُظْلَ ُمو َن (‪َ )69‬وُوفِيَ ْ‬ ‫اب َو ِجيءَ ِابلنابِيِ َ‬
‫ني َو ُّ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َوُوض َع الْكتَ ُ‬
‫‪108‬‬
‫س اما َع ِملَ ْ‬
‫ت َو ُه َو أَ ْعلَ ُم ِمبَا يَـ ْف َعلُو َن (‪ )))70‬فبالنفخ يف الصور النفخة اْلوىل‪ ،‬ميوت كل من يف‬ ‫نَـ ْف ٍ‬
‫السماوات ومن يف اْلرض صعقا‪ ،‬موات واحدا ابجلملة‪ ،‬إال من شاء هللا عز وجل‪.‬‬
‫النفخة الثانية يف الصور ستجعل كل املخلوقات تقوم من مكاْنا‪ ،‬لتعود َلا احلياة فتنظر‬
‫وترى وتسمع ما وعدت من قبل‪ ،‬فالنفخة الثانية ستحدث بعد انفطار السماء وانفجار اْلرض‬
‫ودكها هي واجلبال وحتوَلا إىل أرض غري اْلرض اليت نعرفها اليوم‪.‬‬
‫النفخة اْلوىل يف الصور ستحدث قبل انفجار اْلرض وقبل انشقاق السماء‪ ،‬لكن‬
‫السماء حينها ستكون مثقوبة بفعل النجم الثاقب‪ ،‬واْلرض سيتحقق فيها البحر املسجور بفعل‬
‫النجم الثاقب أيضا‪.‬‬
‫ض بِنُوِر َرِهبَا)) معناه أن‬ ‫من سورة الزمر ((وأَ ْشرقَ ِ‬

‫ت ْاْل َْر ُ‬ ‫َ َ‬ ‫‪69‬‬ ‫قول العلي العظيم يف اآلية‬
‫الشمس قد كورت وانطفأت ومل تعد تنري اْلرض‪ ،‬بل اْلرض تستنري حينها بنور رهبا الوضاء‪،‬‬
‫واْلرض حينها أصبحت غري اْلرض اليت نعلمها اليوم‪.‬‬
‫‪109‬‬
‫حني تكون اْلرض واجلبال يف مرحلة الكثيب املهيل‪ ،‬فإن املاء حينها انتهى كلية يف‬
‫اْلرض ابلتبخر لبعضه والتهام اْلرضيني الستة للباقي كغذاء‪ ،‬حيث يصلها وهي ملتهبة يف شكل‬
‫هيدروجني وأكسجني‪.‬‬
‫خبار املاء الذي سينتج عن انفجار البحار‪ ،‬سيختلط ابلدخان الذي سيتسرب من‬
‫السماء حنو اْلرض‪ ،‬كما سيتسرب البخار من اْلرض حنو السماء‪ ،‬بفعل متزق الغالف اجلوي‬
‫لْلرض وكذا انشقاق السماء‪.‬‬
‫التفاعل بني خبار املاء والدخان‪ ،‬سيقضي على البخار وكذا على الدخان‪ ،‬فكالمها مفسد‬
‫لآلخر‪ ،‬وستكون نتيجتهما أقرب للعهن املنفوش عبارة عن صوف أسود متسخ يفسد الصوف‬
‫املنفوش‪ ،‬الناتج عن حتول اْلرض واجلبال‪.‬‬
‫رمبا وهللا أعلم أن التفاعل بني العهن والعهن املنفوش سينتج عنه السراب‪ ،‬فالسماء‬
‫حينها ما تزال حمتفظة ببعض دخاْنا‪ْ ،‬لن الكواكب اخلمس اخلنس اجلوار الكنس تكشط السماء‬
‫‪110‬‬
‫كشطا‪ ،‬فتحول كل مادهتا إىل دخان الذي هو أصل السماء أول اخللق كما السراب هو أصل‬
‫اْلرض واجلبال‪.‬‬
‫سيالحظ القارئ أين أذكر بعض الوقائع اليت تبدو يل أان مؤكدة دون أن أعطي عليها‬
‫اْلدلة‪ ،‬لكن يف احلقيقة سبق وشرحتها يف كتيب السابقة‪ ،‬لكي ال أجد نفسي أكرر نفس الكتب‪.‬‬
‫حني تبلغ اْلرض واجلبال مرحلة السراب‪ ،‬فإن السماء حينها تعيش ْنايتها وتسري حنو أن‬
‫تصبح دخاان‪ ،‬كما كانت حني خلقها رهبا‪ ،‬فاصلها الدخان‪ ،‬بدليل قول العزيز العليم يف سورة‬
‫ض ائْتِيَا طَْو ًعا أ َْو َك ْرًها قَالَتَا‬ ‫س َم ِاء َو ِه َي ُد َخا ٌن فَـ َق َ‬

‫ال ََلَا َولِ ْْل َْر ِ‬ ‫استَـ َو ٰى إِ َىل ال ا‬
‫فصلت اآلية ‪(( 11‬مثُا ْ‬
‫أَتَـ ْيـنَا طَائِِع َ‬

‫ني ))‪.‬‬
‫املخلوقات املكلفة بتحويل السماء وكل ما فيها إىل الدخان‪ ،‬هي الكواكب اخلمس‬
‫اخلنس اجلوار الكنس‪ ،‬فهي اليت ستكشط السماء‪ ،‬كما ذكر العلي العظيم يف سورة التكوير‪ ،‬اليت‬
‫تعد واحدة من السور الثالث اليت قال عنها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أبْنا تشرح يوم‬
‫القيامة رأي العني‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫روى الرتمذي وأمحد من حديث ابن عمر قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم( من‬
‫سره أن ينظر إىل يوم القيامة كأنه رأي العني فليقرأ‪ :‬إذا الشمس كورت‪ ،‬وإذا السماء انفطرت‪،‬‬
‫وإذا السماء انشقت) قال الرتمذي‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪ ،‬وصححه اْللباين يف السلسلة‬
‫وصحيح اجلامع‪.‬‬
‫مالحظيت على احلديث أعاله هو اختالل ترتيبه‪ْ ،‬لنه جيب أن يكون على النحو التايل‬
‫(فليقرأ‪ :‬إذا السماء انشقت‪ ،‬وإذا السماء انفطرت‪ ،‬وإذا الشمس كورت) فانشقاق السماء سابق‬
‫على انفطارها‪ ،‬والشمس لن تكور إال بعد انشقاق السماء وانفطارها‪.‬‬
‫حال تنشق السماء سيختل توازن كل املخلوقات الفلكية‪ ،‬بفعل زوال قوة الرجع اليت‬
‫تفرضها كل مساء عرب حميطها على كل ما يف مركزها‪ ،‬وابلتايل زوال قوة التنافر بني املخلوقات‬
‫الفلكية املتحركة يف مسك السماء الدنيا‪ ،‬ما سيجعلها تصطدم ببعضها اثر خروج كل منها عن‬
‫مسارها‪.‬‬
‫‪112‬‬
‫املخلوقات املتحركة يف مسك السماء الدنيا هي الشمس والقمر والكواكب اْلحد عشر‪،‬‬
‫أما النجوم فهي معلقة يف حبك السماء الدنيا معلقة جلهة اْلرض‪ ،‬فالتصادم سيحدث بني‬
‫ف الْ َق َم ُر(‪)8‬‬ ‫الشمس والقمر بدليل قول النافع الضار يف سورة القيامة ((فَِإذَا بَ ِر َق الْبَ َ‬
‫ص ُر(‪َ )7‬و َخ َس َ‬
‫س َوالْ َق َم ُر(‪.)) )9‬‬ ‫و ُِ‬

‫مج َع ال ا‬
‫ش ْم ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬
‫وم ان َك َد َر ْ‬ ‫ت (‪َ )1‬وإِذَا الن ُ‬
‫ُّج ُ‬ ‫س ُك ِوَر ْ‬ ‫قال ذو اجلالل واإلكرام يف سورة التكوير ((إِذَا ال ا‬
‫ش ْم ُ‬
‫ار‬ ‫وش ُح ِش َر ْ‬
‫ت (‪َ )5‬وإِذَا الْبِ َح ُ‬ ‫ار عُ ِطلَ ْ‬
‫ت (‪َ )4‬وإِذَا ال ُْو ُح ُ‬
‫ِ‬
‫ت (‪َ )3‬وإِذَا الْع َش ُ‬ ‫(‪َ )2‬وإِذَا ا ْجلِبَ ُ‬
‫ال ُسِ َ‬
‫ري ْ‬
‫نب قُتِلَ ْ‬
‫ت )‪َ (9‬وإِذَا‬ ‫ودةُ ُسئِلَ ْ‬
‫ت (‪ِ )8‬أب ِ‬
‫َي َذ ٍ‬ ‫ت (‪َ )7‬وإِذَا ال َْم ْوءُ َ‬
‫وس ُز ِو َج ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُس ِج َر ْ‬
‫ت (‪َ )6‬وإذَا النُّـ ُف ُ‬
‫ت (‪َ )12‬وإِ َذا ا ْجلَناةُ أُ ْزلَِف ْ‬

‫ت‬ ‫يم ُس ِع َر ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫س َماءُ ُك ِشطَ ْ‬
‫ت (‪َ )11‬وإ َذا ا ْجلَح ُ‬ ‫ف نُ ِش َر ْ‬
‫ت (‪َ )10‬وإِ َذا ال ا‬ ‫الص ُح ُ‬
‫ُّ‬
‫ت (‪.)) )14‬‬
‫ض َر ْ‬
‫َح َ‬
‫س اما أ ْ‬ ‫(‪َ )13‬علِ َم ْ‬
‫ت نَـ ْف ٌ‬
‫‪113‬‬
‫الباب الثاين‪ :‬انتفاخ اْلرض خيلق‬

‫الزالزل يف الرب والبحر؟‬
‫اخلالق املصور أكد لنا متدد اْلرض وانتفاخها‪ ،‬حلني حدوث شقوق عميقة فيها‪ ،‬يف بداية‬
‫‪7‬‬ ‫خلقها من أجل أن ترسى اجلبال يف تلك الشقوق‪ ،‬لقول الويل احلميد يف سورة ق اآلية‬

‫يج ))‪.‬‬ ‫((و ْاْلَرض م َد ْد َان َها وأَلْ َقيـنَا فِيها رو ِ‬
‫تدبر اآلية ‪ 7‬من سورة ق يؤكد أن متدد اْلرض‪ ،‬نتج عنه تفتحها لتلقى الرواسي اليت هي‬
‫اجلبال يف ابطنها‪ْ ،‬لن قوله جل جالله ((وأَلْ َقيـنَا فِيها رو ِ‬

‫اس َي)) قول واضح‪ ،‬فاجلبال ألقيت يف‬ ‫َ ْ َ ََ‬
‫ابطن اْلرض‪.‬‬
‫تفتح اْلرض مع التمدد‪ ،‬يفيد االنتفاخ حلني التشقق‪ ،‬ومن لديه تفسري غري هذا جلملة‬
‫ض َم َد ْد َان َها)) فهو يف نظري إما عاجز عن الفهم أو أنه رافض أن يفهم‪ ،‬ومل ولن أقبل أن‬
‫(( َو ْاْل َْر َ‬
‫‪114‬‬
‫حياجج علي شخص بتفاسري العلماء اْلوائل‪ ،‬فهم ساديت منهم تعلمت‪ ،‬لكن زماْنم مل يكن يسمح‬
‫َلم بتدبر الفلك واالهتمام به‪.‬‬
‫متدد اْلرض وانتفاخها مؤكد‪ ،‬فلم ولن ينفيه إال جاحد أو جاهل عاجز عن الفهم‪ ،‬لقول‬
‫اس َي َوأَنبَـ ْتـنَا فِ َيها ِمن ُك ِل‬

‫العزيز العليم يف سورة احلجر اآلية ‪ (( 19‬و ْاْلَرض م َد ْد َان َها وأَلْ َقيـنَا فِيها رو ِ‬
‫َشي ٍء اموُز ٍ‬
‫ون ))‪.‬‬ ‫ْ ْ‬
‫القوي اجلبار ذكر لنا أن ْناية اْلرض ستكون بتمددها التمدد اْلخري والنهائي‪ ،‬بقوله‬
‫ت لَِرِهبَا‬ ‫ت َما فِ َيها َوَختَلا ْ‬

‫ت (‪َ )4‬وأ َِذنَ ْ‬ ‫جل جالله يف سورة االنشقاق (( َوإِذَا ْاْل َْر ُ‬
‫ت (‪َ )3‬وأَلْ َق ْ‬
‫َو ُح اق ْ‬
‫ت (‪.)) )5‬‬
‫أدلة متدد اْلرض يف بداية خلقها مؤكدة‪ ،‬كما أدلة متدد اْلرض وانتفاخها يف ْنايتها‬
‫مؤكدة‪ ،‬لذلك البد من التساؤل هل متدد اْلرض وانتفاخها متواصل ما بني بداية خلقها وْنايته؟‬
‫أو أن التمدد كان يف البداية وسيكون يف النهاية فقط‪ ،‬وال دليل على استمرار االنتفاخ من يوم‬
‫اخللق إىل ْنايته؟‬
‫‪115‬‬
‫ال ميكن علميا تفسري وقوع الزالزل يف اْلرض برا وحبرا‪ ،‬بغري متدد اْلرض وانتفاخها‪،‬‬
‫فالقرائن العلمية واْلدلة اجليولوجية تؤكد كلها متدد اْلرض وانتفاخها‪ ،‬وسأقدم بعض الصور اليت‬
‫تؤكد انتفاخ اْلرض ومتددها‪.‬‬
‫الذي ينفي انتفاخ اْلرض ومتددها‪ ،‬فعليه أن يشرح لنا كيف أرسيت اجلبال يف اْلرض؟‬
‫فقد مساها خالقها ابْلواتد‪ ،‬والوتد يدخل يف اْلرض أغلبه وال يظهر منه إال العشر أو أقل‪ ،‬لقول‬
‫ض ِم َهاداً (‪َ )6‬وا ْجلِبَ َ‬

‫ال أ َْوَاتداً(‪.)))7‬‬ ‫العزيز احلكيم يف سورة النبأ ((أََملْ َْجن َع ِل ْاْلَ ْر َ‬
‫من ينفي متدد اْلرض وانتفاخها‪ ،‬عليه أن يشرح لنا كيف تشكلت البحار؟ وإن عجز عن‬
‫ذلك‪ ،‬فعليه أن يسكت حلني يعمق البحث جيدا‪ ،‬لعله يصل للحقيقة بعد زمن‪.‬‬
‫اْلرض نراها تنشق أمام أعيننا‪ ،‬شقوقا خمتلفة الطول والعرض والعمق‪ ،‬شقوقا عجز‬
‫اجليولوجيون والفلكيون عن فهم سرها‪ْ ،‬لن بعض الصهاينة الذين جعلت منهم الصهيونية العاملية‬
‫روادا ابلكذب والبهتان‪ ،‬منعوهم من الفهم الصحيح‪ ،‬بكثري من التافهات اليت أمسوها نظرايت‪،‬‬
‫منعوا هبا العقول النرية من الكالم حتت طائلة اَلجوم عليهم‪.‬‬
‫‪116‬‬
‫الكل يعلم أن تكسري صفيحة من اجلليد بسمك مرت واحد‪ ،‬شبه مستحيل إال بقوة هائلة‬
‫جدا‪ ،‬لكن نرى طبقات اجلليد يف القطبني وهي بسمك مئات اْلمتار‪ ،‬فيها شقوق عميقة جدا‪،‬‬
‫تلك الشقوق تتوسع ابستمرار‪ ،‬فما هي القوة اخليالية القادرة على شق طبقات اجلليد يف القطبني؟‬
‫نرى شقوق طويلة وعميقة وعريضة يف بعض املناطق يف اْلرض‪ ،‬ال ميكن شقها إال بقوة‬
‫خيالية جدا‪ ،‬وكمثال الشق الذي يف غالف الكتاب‪ ،‬فهو شق هائل جدا‪.‬‬
‫ما هي القوة القادرة على شق طبقات اجلليد يف القطبني‪ ،‬وهي بسمك عشرات إىل مئات‬
‫اْلمتار؟ ال قوة تقدر على ذلك غري قوة االنتفاخ والتمدد النابعة من التفاعالت العنيفة يف ابطن‬
‫‪117‬‬
‫اْلرض‪ ،‬لذلك فكل من يقول أبن اْلرض مسطحة‪ ،‬فرمبا عقله هو املسطح‪ْ ،‬لن انتفاخ اْلرض‬
‫ومتددها ال ميكن أن يرتكها مسطحة‪.‬‬
‫الشقوق اليت نراها اليوم‪ ،‬هي نفسها اليت وقعت يف اْلرض حني كانت جمرد كرة رمل‬
‫عمالقة‪ ،‬حماطة بطبقات هائلة من اجلليد‪ ،‬فكان لب اْلرض ملتهبا بفعل جتمع احلديد فيه‪ ،‬حتت‬
‫قوة الرجع اليت منعته من اخرتاق اْلرض‪.‬‬
‫‪118‬‬
‫وقعت كرة الرمل العمالقة وهي اْلرض يف مرحلة الكثيب املهيل‪ ،‬حتت قويت ضغط‬
‫هائلتني‪ ،‬نتج عنها احرتاق كرة الرمل‪ ،‬حتت ضغط هائل جدا‪ ،‬مع الربودة الشديدة اليت أتتيها من‬
‫أعالها‪ ،‬فتشكلت اْلرض الصلبة‪.‬‬
‫سرعان ما تغري موقع اْلرض‪ ،‬وقد شرحت هذا من قبل‪ ،‬فنتجت عن قوة متدد اْلرض‬
‫وانتفاخها وقوع شقوق يف اْلرض الصلبة‪ ،‬كما نراها يف الصور أعاله‪ ،‬تلك الشقوق العميقة منها‬
‫تسرب املاء إىل اْلرضيني الستة امللتهبة‪ ،‬حيث يصلها يف شكل غازي كهيدروجني وأكسجني‪،‬‬
‫فيضمن َلا التفاعالت العنيفة‪ ،‬اليت تضاعف متدد اْلرض وانتفاخها وابلتايل توسع الشقوق‪.‬‬
‫الشقوق اليت نراها يف الصور أعاله ومثلها ابملئات واآلالف على اْلرض‪ ،‬لو كثر املاء‬
‫الذائب لتحولت إىل حبار صغرية‪ ،‬سرعان ما تتوسع مع مرور الزمن‪ ،‬كما تشكلت الكثري من‬
‫املضايق اليت نراها اليوم‪.‬‬
‫‪119‬‬
‫البحار واحمليطات كلها يف بداية تشكلها‪ ،‬كانت جمرد شقوق بعرض مرت واحد أو أقل‪،‬‬
‫لكن يتزايد طوَلا وعرضها وعمقها مع مرور الزمن ‪ ،‬حيث بتمدد اْلرض وانتفاخها تتوسع تلك‬
‫البحار‪ ،‬مع ذوابن طبقات اجلليد اليت كانت حميطة ابْلرض‪ ،‬حني أخرج الرمحن الرحيم منها ماءها‪.‬‬
‫البحار تتوسع بنفس وثرية ذوابن اجلليد‪ ،‬لذلك فإن احتمال ارتفاع مستوى البحار وارد‪،‬‬
‫لكنه غري مؤكد‪ ،‬لكون ذوابن اجلليد متزامن مع توسع الشقوق‪ ،‬اليت تشكلت منها البحار وابلتايل‬
‫لن حيدث ارتفاع مستوى البحار‪ ،‬إال بفعل الزالزل اليت حترك تلك اْلمواج‪ ،‬ليحدث مد حبري‬
‫قوي(تسوانمي) يف كثري من مناطق العامل‪ ،‬أو بفعل بركان ينفجر يف عمق البحر‪.‬‬
‫زاوية انفراج عمق البحار واحمليطات يف تزايد على مدى اْلايم والشهور‪ ،‬فإن كانت زاوية‬
‫درجات أو أقل‪ ،‬فإن زاوية انفراج احمليطات وأغلب البحار هي‬ ‫‪5‬‬ ‫البحار يف بداية تشكلها مثال‬
‫اليوم أكثر من ‪ 90‬درجة‪.‬‬
‫‪120‬‬
‫كلما تزايدت زاوية انفراج عمق البحار واحمليطات كلما احتوت أكرب كمية من املاء‬
‫وابلتايل حىت مع ذوابن مزيد من الطبقات اجلليدية فإن مستوى البحار لن يتزايد بفعل تزايد زاوية‬
‫انفراج عمق البحار واحمليطات‪.‬‬
‫الفصل اْلول‪ :‬الزالزل يف البحر‬
‫لكي نفهم ملاذا تكثر الزالزل يف احمليطات والبحار‪ ،‬البد أن نفهم جيدا كيف تشكلت‬
‫البحار واحمليطات؟ لقد سبق أن أشرت إىل أن اْلرض بعد أن أصبحت كرة إهليلجية صلبة بفعل‬
‫قويت الضغط اَلائلتني اْلوىل من اْلعلى وهي من طبقات اجلليد اليت يتجاوز مسكها مسك اْلرض‬
‫نفسها‪ ،‬والقوة الثانية انبعة من ابطن اْلرض نفسها وهي قوة االنتفاخ والتمدد‪ ،‬بفعل هاتني‬
‫القوتني حتولت اْلرض من حالة الكثيب املهيل إىل احلالة الصلبة‪.‬‬
‫‪121‬‬
‫بعد حتقيق اْلرض للحالة الصلبة‪ ،‬بفعل احرتاق كرة الرمل العمالقة‪ ،‬بفعل احلرارة النابعة‬
‫من مركزها‪ ،‬وْلْنا انطلقت يف شوطها الثالث صعودا‪ ،‬يف نفس الوقت الذي انطلقت فيه الشمس‬
‫يف شوطها الثاين نزوال ملكان خلقها أول اْلمر ‪ ،‬لذلك ارتفعت درجات حرارة اْلرض‪ ،‬فأصبحت‬
‫تضعف قوة الضغط اليت كانت ختلقها طبقات اجلليد‪.‬‬
‫بفعل قوة االنتفاخ انشقت الطبقات الصلبة‪ ،‬إىل كثري من الشقوق بعضها عميقة جدا‪،‬‬
‫بلغ عمقها حدود اْلرض الثانية امللتهبة‪ ،‬وهي اليت أرسيت فيها اجلبال‪ ،‬وقد شرحت هذا جيدا‬
‫أعاله‪ ،‬كما تشكلت الكثري من الشقوق العريضة والطويلة‪ ،‬لكنها ليست عميقة مثل الشقوق اليت‬
‫أرسيت فيها اجلبال‪.‬‬
‫انطلقت اْلرض صعودا إىل رهبا كما صعدت إليه يف الشوط اْلول‪ ،‬بعد خلقها هي‬
‫استَـ َو ٰى إِ َىل‬
‫والسماء‪ ،‬حيث دعامها خالقهما‪ ،‬بقوله جل جالله يف سورة فصلت اآلية ‪ ((11‬مثُا ْ‬
‫ض ائْتِيَا طَْو ًعا أ َْو َك ْرًها قَالَتَا أَتَـ ْيـنَا طَائِِع َ‬

‫ني ))‪.‬‬ ‫س َم ِاء َو ِه َي ُد َخا ٌن فَـ َق َ‬
‫ال ََلَا َولِ ْْل َْر ِ‬ ‫ال ا‬
‫‪122‬‬

‫ض ائْتِيَا طَ ْو ًعا‬ ‫الذي استدل به من اآلية أعاله‪ ،‬هو قول العلي العظيم ((فَـ َق َ‬

‫ض ))‬ ‫أ َْو َك ْرًها قَالَتَا أَتَـ ْيـنَا طَائِِع َ‬
‫ني)) فاخلالق أمر السماء أوال مث اْلرض اثنيا بقول ((فَـ َق َ‬
‫فاخلطاب موجه للسماء مث لْلرض‪ ،‬واْلمر هو الصعود إليه جل جالله‪.‬‬
‫أمر القوي اجلبار السماء واْلرض أبن أتتياه‪ ،‬دليل مؤكد على أنه أودع فيهما القدرة على‬
‫احلركة‪ ،‬وهي ابلطبع الدوران اللوليب‪ ،‬وإقرار السماء واْلرض ابلصعود إىل رهبما طائعتني‪ ،‬يؤكد‬
‫أْنما فعال قادرتني على احلركة والدوران اللوليب صعودا إىل القوي اجلبار‪.‬‬
‫الشوط الثاين لْلرض هو النزول بقوة‪ ،‬بفعل الدفع القوي من احلديد املنزل عليها وهو ما‬
‫مسي ابلدحو‪ ،‬والشوط الثالث هو الصعود برضاها‪ ،‬لكن بسرعة أبطأ بكثري‪ْ ،‬لْنا أكرب وتتعرض‬
‫لقوة دفع هائلة من احلديد املنزل عليها‪.‬‬
‫حني انطلقت اْلرض صعودا إىل رهبا‪ ،‬انطلقت الشمس يف شوطها الثاين نزوال‪ ،‬لذلك‬
‫ارتفعت درجة حرارة اْلرض تدرجييا‪ ،‬حلني التقت هي والشمس يف نفس املستوى اْلفقي‪ ،‬فلم يبق‬
‫يف اْلرض مرت مربع واحد إال غمره املاء تقريبا‪.‬‬
‫‪123‬‬
‫ارتفاع درجة حرارة اْلرض ملستوى مرتفع‪ ،‬جنم عنه ذوابن كل طبقات اجلليد احمليطة‬
‫ابْلرض‪ ،‬منذ بلغت منتهى الدحو‪ ،‬حيث بردت وحتول اَلواء احمليط هبا إىل طبقات من الثلج‪.‬‬
‫حني أصبحت الشمس واْلرض يف نفس املستوى اْلفقي‪ ،‬حيث اْلرض يف مركز السماء‬
‫اْلوىل والشمس يف مسكها‪ ،‬يف الشوط الثاين للشمس والشوط الثالث لْلرض‪ ،‬مل تكن الشمس قد‬
‫بلغت بعد مستوى كبريا يف منوها‪ ،‬فلم يكن وهجها مبا هو عليه اليوم يف شوطها اخلامس‪.‬‬
‫وجدت الشمس واْلرض يف نفس املستوى اْلفقي‪ ،‬لثالث مرات متوالية‪ ،‬يف الشوط‬
‫الثاين للشمس نزوال‪ ،‬حني تناوبت مع اْلرض الصاعدة يف شوطها الثالث‪ ،‬ويف الشوط الثالث‬
‫للشمس‪ ،‬حني حلقت ابْلرض صاعدتني معا‪ ،‬ويف الشوط الرابع للشمس حني تناوبت مع اْلرض‪.‬‬
‫كلما وجدت الشمس واْلرض يف نفس املستوى اْلفقي‪ ،‬إال وارتفعت حرارة اْلرض‪،‬‬
‫ففي املرة الثانية والثالثة احرتقت اْلرض‪ ،‬حيث احرتقت كل غاابهتا وأشجارها العمالقة‪ ،‬فكثري‬
‫من الصخور املرتفعة فوق اْلرض‪ ،‬مل تكن إال أشجارا عمالقة‪ ،‬احرتقت وتفحمت فغطاها‬
‫‪124‬‬
‫الدخان‪ ،‬لكن مع مرور الزمن جيرفه املاء والرايح‪ ،‬حىت جتلت تلك الصخور اليت مل تكن إال‬
‫جذوع أشجار عمالقة جدا‪.‬‬
‫تشقق اْلرض لكثري من الشقوق الغري العميقة‪ ،‬جعلها جتمع الكثري من املاء الذائب من‬
‫طبقات اجلليد‪ ،‬دون أن يتحقق تبخر ذلك املاء بفعل حرارة اْلرضيني الستة امللتهبة‪.‬‬
‫تشكلت احمليطات يف الشقوق الطويلة جدا واليت تكاد حتيط ابْلرض كلها‪ ،‬كما‬
‫تشكلت البحار من الشقوق احملدودة الطول والعرض‪ ،‬حيث جتمع فيها املاء الذائب من طبقات‬
‫اجلليد‪.‬‬
‫اجلبال يف تلك املرحلة مل ترسى بعد ومل تنزل ومل تلقى يف اْلرض‪ ،‬بل مل حيدث ذلك إال‬
‫بعد أن تزايد عمق الشقوق العميقة‪ ،‬وتزايد عرضها أيضا‪ ،‬فأصبحت كلها حبارا مسجورة ملتهبة‪،‬‬
‫وقد شرحت أعاله كيف أرسيت اجلبال إلَخاد البحار املسجورة يف تلك الشقوق‪.‬‬
‫املبحث اْلول‪ :‬كيف حتدث الزالزل يف البحر؟‬
‫‪125‬‬
‫الشقوق الطويلة جدا والعريضة اليت تشكلت منها احمليطات‪ ،‬تتوسع ابستمرار بفعل متدد‬
‫اْلرض وانتفاخها‪ ،‬لذلك يتزايد عمقها مع توسع وانتفاخ ومتدد اْلرض‪ ،‬وكل متدد وانتفاخ لْلرض‬
‫ينتج عنه متزق قشرة اْلرض يف أعماق احمليطات والبحار‪ ،‬لتنتج عن ذلك حركات زلزالية متعددة‪،‬‬
‫قد حتدث يف احمليطات كل يوم تقريبا‪.‬‬
‫أضعف النقاط يف قشرة اْلرض‪ ،‬كانت هي الشقوق العميقة اليت أرسيت فيها اجلبال‪،‬‬
‫ْلْنا بلغت ابلفعل لْلرض الثانية امللتهبة‪ ،‬لكن حاليا أصبحت تلك الشقوق هي اْلكثر محاية‪،‬‬
‫ْلنه مع كل متدد لْلرض هتوي اجلبال يف تلك الشقوق‪ ،‬بطريقة سلسة جدا صعب جدا رصدها‪،‬‬
‫فتغلق الشق وال تسمح حبدوث التماس بني املاء واحلمم يف اْلرضيني الستة حتتنا‪.‬‬
‫اجلبال تنزل يف عمق القشرة اْلرضية بنسبة تكاد تبلغ ‪ 90‬يف املائة‪ ،‬فكل اجلبال تقريبا‬
‫هتوي وتنزل ويقل ارتفاعها بنسبة صعب جدا احتساهبا‪ ،‬قد تكون سنتمرتا واحد كل سنة أو أقل‬
‫من ذلك‪.‬‬
‫‪126‬‬
‫كل البحار واحمليطات تتوسع يوميا‪ ،‬فكل حبر وكل حميط يتزايد عرضه بنسبة معينة‪ ،‬وهي‬
‫انجتة عن انتفاخ اْلرض ومتددها‪ ،‬وْلن احمليطات والبحار هي أضعف اْلمكنة يف قشرة اْلرض‪،‬‬
‫فان اْلرض كلما انتفخت‪ ،‬كلما تزايد عمق احمليطات والبحار‪ ،‬متاما كلما لو كنا ننفخ كرة جلدية‬
‫حفران شقوقا بسكني يف جلدها‪ ،‬فكلما تزايد نفخها‪ ،‬كلما توسعت تلك الشقوق حلني تتمزق‬
‫الكرة‪.‬‬
‫الزالزل تقع يف احمليطات والبحار أكثر من الرب بنسبة تبلغ ‪ 90‬يف املائة‪ ،‬ملا شرحته أعاله‪،‬‬
‫والتجربة تؤكد ذلك‪ْ ،‬لن املكان اْلضعف من القشرة هو الذي يتمزق‪.‬‬
‫أقدم جتربة عملية ميكن جتربتها يف حقل للبطيخ اْلمحر‪ ،‬أبن حندث شقوقا بسكني صغري‬
‫يف عشرات البطيخات احلمراء قبل متام نضجها‪ ،‬مث منعن يف استمرار سقيها حىت بعد نضجها‪.‬‬
‫النتيجة ستكون مواصلة انتفاخها كلما واصلنا سقيها‪ ،‬فلن تنشق إال يف الشقوق‬
‫الصغرية اليت رمسناها عليها من قبل ابلسكني‪ ،‬مما يدل على أن النفخ يكون دائما على حساب‬
‫اجلزء اْلضعف من قشرة اجلسم املنتفخ‪.‬‬
‫‪127‬‬
‫الكثري من اْلمواج العمالقة اليت حتدث يف احمليطات‪ ،‬يف بعض اْلماكن قد تكون بسبب‬
‫حركات زلزالية‪ ،‬انجتة عن متزق قشرة اْلرض يف عمق احمليطات‪ ،‬لينتج عن ذلك حتريك شديد‬
‫لكميات املاء اَلائلة جدا‪ ،‬اليت تسهل بدورها شق قشرة اْلرض يف عمق احمليطات والبحار‪.‬‬
‫احلركات الزلزالية تساهم بنسبة مهمة يف خلق أمواج احمليطات والبحار‪ْ ،‬لن مركز تلك‬
‫احلركات الزلزالية هو دائما عمق احمليطات والبحار‪ ،‬فينتج عنها حتريك تك الكميات اَلائلة من‬
‫املاء‪ ،‬لتتحرك بقوة يف االجتاهني معا‪.‬‬
‫يساهم دوران اْلرض حول نفسها يف خلق حركة اْلمواج البحرية‪ ،‬وكذلك الزالزل يف‬
‫أعماق احمليطات والبحار تساهم يف خلق اْلمواج‪ ،‬خاصة العمالقة منها اليت تكون أحياان‬
‫ابرتفاعات هائلة‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬نتائج الزلزال يف البحار‪.‬‬
‫‪128‬‬
‫املد البحري القوي الذي يقع يف بعض املناطق‪ ،‬يكون من أسبابه احلركات الزلزالية يف‬
‫أعماق احمليطات والبحار‪ ،‬فحني يكون املد البحري مباء نقي غري ملوث‪ ،‬فذلك دليل على أن‬
‫الذي سببه‪ ،‬هو حركة زلزالية غري بعيد من املكان الذي يصل إليه املد العنيف يف البداية‪.‬‬
‫حني يكون املد البحري مبياه ملوثة سوداء مثال‪ ،‬فذلك دليل على أن الذي سبب املد‬
‫البحري القوي‪ ،‬هو بركان منفجر يف عمق البحر‪ ،‬دفع املاء بقوة انفجار هائلة مرتفعا يف السماء‪،‬‬
‫ليخلق مدا قواي جيتاح الرب ملسافة بعيدة أحياان‪ ،‬إن مل يصطدم مبناطق مرتفعة حتد من متدده‪.‬‬
‫احلركات الزلزالية اليت تنتج عن تعمق الشقوق‪ ،‬اليت تشكلت منها احمليطات والبحار‬
‫وتوسعها‪ ،‬بتمزق قشرة اْلرض اْلوىل اليت حنن عليها‪َ ،‬لا فوائد آنية على احلياة يف اْلرض‪ ،‬كما َلا‬
‫عواقب وخيمة على احلياة على اْلرض مستقبال‪.‬‬
‫من الفوائد املهمة لتوسع الشقوق يف أعماق احمليطات والبحار وما ينجم عنها من‬
‫حركات زلزالية‪ ،‬هي توسع البحار واحمليطات‪ ،‬لتستوعب كميات املاء الزائدة مع توايل السنني‪،‬‬
‫بفعل ذوابن طبقات اجلليد اليت كانت حميطة ابْلرض كلها وحاليا حميطة ابلقطبني‪.‬‬
‫‪129‬‬
‫تذوب طبقات اجلليد ابستمرار وال سبيل ملنع ذلك املاء من القضاء على اليابسة‪ ،‬إال‬
‫بتوسع احمليطات والبحار عمقا وعرضا وطوال أيضا‪ ،‬ما جيعلها تسع مزيدا من املاء‪ ،‬فتمنعه من‬
‫تغطية الرب‪ ،‬خاصة يف املناطق املنخفضة جبوانب احمليطات والبحار‪.‬‬
‫جبنبات احمليطات والبحار جند سهوال ساحلية‪ ،‬كلها كان يغمرها املاء يف زمن معني‪ ،‬بدليل‬
‫أن احلفر فيها لعمق معني‪ ،‬جند الصخور البحرية والرمل والقواقع‪.‬‬
‫مكان تلك السهول كان شاطئ البحر لزمن معني‪ ،‬إمنا ترسبت عليه الرتبة بفعل جراين‬
‫املاء والرايح اليت حترك الرتبة ابلزوابع وحنوها‪ ،‬مث بعدها ينبت العشب يف تلك الرتبة القليلة ومع‬
‫ماليني السنني يتحول العشب نفسه إىل تراب‪ ،‬فيغطي الرمل واحلصى‪ ،‬وهكذا ترتفع قشرة الرتبة‬
‫اليت تغطي الساحل الذي تراجع عنه البحر‪.‬‬
‫البعض يزعمون أن نقصان اْلرض من أطرافها‪ ،‬الذي ذكره القوي اجلبار يف سورة الرعد‬
‫ب ِحلُ ْك ِم ِه ۚ َو ُه َو‬ ‫ِ‬ ‫ص َها ِم ْن أَط َْرافِ َها ۚ َو ا‬

‫اَّللُ َْحي ُك ُم َال ُم َعق َ‬ ‫اآلية ‪ ((41‬أ ََوَملْ يَـ َرْوا أ اَان ََنِْيت ْاْل َْر َ‬
‫ض نَن ُق ُ‬
‫اب)) معناه تكل اْلرض الرب بفعل تزايد املد البحري مع الزمن‪.‬‬ ‫َس ِر ُ َ‬
‫‪130‬‬
‫لكن احلقيقة هي أن البحار واحمليطات ترتاجع يف الغالب‪ ،‬ملن كان يعقل ْلن اْلماكن‬
‫اليت كان يصلها ماء البحار يف أغلب مواقع العامل تراجع عنها‪ ،‬حيت جند الشواطئ يف الغالب‬
‫تتوسع‪.‬‬
‫التهام البحر للرب يف بعض املواقع وبلوغه ملستوى مل يكن يصله من قبل راجع ْلسباب‬
‫بعضها خلقها اإلنسان وبعضها خلقتها الرباكني‪.‬‬
‫اْلسباب اليت خلقها اإلنسان هي بعض املوانئ الكبرية جدا وما ينتج عنها من جتمع‬
‫الرمال واحلصى حواليها‪ ،‬مما جيعلها تعتدي على مساحة املاء يف البحر‪ ،‬ليتجه الضغط املائي جلهة‬
‫أخرى قريبة من موقع امليناء بنسبة معينة‪ ،‬حيث يلتهم البحر الرب مبقدار ما التهم اإلنسان ابملواين‬
‫البحر‪.‬‬
‫حني نرى املد البحري يف بعض املناطق‪ ،‬يزداد سنة بعد أخرى ملتهما الرب‪ ،‬فذلك دليل‬
‫على احنسار بعض املساحة اليت كان يشغلها املاء يف ذلك املوقع‪ ،‬ولن حيدث ذلك إال خبلق جزيرة‬
‫مغمورة‪ ،‬تصعد حنو السطح سنة بعد أخرى كلما نشط الربكان‪.‬‬
‫‪131‬‬
‫بعض علماء اإلعجاز الفلكي يفسرون نقصان اْلرض من أطرافها أبنه نقصاْنا من قمم‬
‫اجلبال بفعل التعرية‪ ،‬وذك غري صحيح ْلن اجلبال خملوق فلكي مستقل عن اْلرض‪ ،‬فقد خلقت‬
‫اجلبال منفصلة عن اْلرض‪.‬‬
‫كلمة اْلرض صحيح شاملة للجبال ابملعىن العام‪ ،‬لكن اخلالق املصور يذكر اْلرض‬
‫ويذكر اجلبال‪ ،‬كمخلوقني مستقلني بعضهما عن بعض‪ ،‬كما يذكر الشمس والقمر والكواكب يف‬
‫السماء‪ ،‬فهي خملوقات يف مسك السماء لكنها خملوقات مستقلة‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬عواقب الزالزل يف البحار‪.‬‬
‫احلركات الزلزالية يف أعماق احمليطات والبحار َلا عواقب وخيمة على احلياة على اْلرض‪،‬‬
‫أوَلا املد القوي الذي يقضي على احلياة كلية يف املناطق القريبة من البحار‪ ،‬حيث ميكن إزالة مدن‬
‫‪132‬‬
‫وقرى يف ساعة أو أقل يستحيل معها الفرار‪ ،‬خاصة يف بعض اجلزر اليت ال ميكن الفرار منها بعد‬
‫الزلزال العنيف يف عمق البحر إال جوا ابلطائرة‪.‬‬
‫الكثري من اجلزر اليت سكنها اإلنسان مؤخرا وجدت فيها آاثر العمارة واحلياة قبل آالف‬
‫السنني‪ ،‬دون أن يفهم العلماء سر انقطاع حياة اإلنسان يف تلك اجلزر بعد عمارهتا‪ ،‬مبا جيدون من‬
‫نقوش وأعمال احلفر الدالة على فعل اإلنسان‪.‬‬
‫السر يف هجر اإلنسان لبعض اجلزر هو أن بعض احلركات الزلزالية الشديدة‪ ،‬ختلق‬
‫أمواجا عاتية يف احمليطات والبحار‪ ،‬ما يسمح َلا ابن تغطي اجلزر كلية‪ ،‬فتقضي على سائر‬
‫املخلوقات فيها وال تبقي َلا أثرا‪ ،‬حيث تقتلع كل أثر للحياة عليها‪.‬‬
‫املد العنيف الناتج عن احلركات الزلزالية القوية‪ ،‬ميكنه أن يعيد جزيرة عامرة إىل بدايتها‬
‫اْلوىل حيث جيرفها كلية وال يبقي فيها أثرا‪ ،‬للغاابت والرتبة وكل حياة خملوق عليها‪.‬‬
‫تشكل احلياة يف اجلزر يتحقق بعد مئات إىل آالف السنني‪ْ ،‬لن اجلزيرة يف بدايتها مل تكن‬
‫إال بركاان‪ ،‬نشأ من قاع البحر فاستمر صعودا حلني بلغ سطح البحر‪ ،‬فهي يف بدايتها صخرة‬
‫صماء صلبة‪ ،‬تتمدد بفعل جراين احلمم عليها متوسعة يف كل االجتاهات‪.‬‬
‫‪133‬‬
‫خيرج بعض الدخان من الربكان‪ ،‬فيرتسب على اجلزيرة إن مل يكن املاء يغطيها‪ ،‬فيتحول‬
‫الدخان املرتاكم مع املطر ومع كون كل جزيرة مستقرا للطيور املهاجرة‪ ،‬إىل مشتل من أنواع‬
‫النبااتت اليت محلت الطيور بذورها‪ ،‬بفعل تناوَلم للفواكه والعشب‪.‬‬
‫أخطر العواقب للحركات الزلزالية يف أعماق احمليطات والبحار‪ ،‬هي تعميق الشقوق اليت‬
‫تشكلت منها البحار‪ ،‬لتسبب مزيدا من الرباكني اليت تعين حتقق التماس بني املاء واحلمم امللتهبة‪.‬‬
‫احلمم امللتهبة تتغذى من املاء‪ ،‬بعد أن حتوله إىل هيدروجني وأكسجني‪ ،‬لتسبب مزيدا‬
‫من متدد اْلرض وانتفاخها ومزيدا من احلركات الزلزالية ومزيدا من التشقق ومواصلة تعميق‬
‫الشقوق يف أعماق البحر واحمليطات‪.‬‬
‫يستمر التشقق يف أعماق البحار‪ ،‬حلني بلوغ منتهى قشرة اْلرض اْلوىل اليت حنن‬
‫عليها‪ ،‬فيتحقق التماس الكلي بني املاء واحلمم امللتهبة يف أعماق البحار واحمليطات‪ ،‬ال كالتماس‬
‫يف الرباكني الذي يكون حمدودا‪ ،‬بل متاس على مجيع مستوى عمق البحار واحمليطات‪ ،‬لتصبح كل‬
‫البحار مشتعلة مسجورة‪.‬‬
‫‪134‬‬
‫لقد أقسم العلي العظيم ابلبحر املسجور يف سورة الطور اآلية ‪َ (( 6‬والْبَ ْح ِر ال َْم ْس ُجوِر))‪،‬‬
‫مما يدل على أنه حدث عظيم ممهد ملا بعده‪ ،‬فتحقق البحر املسجور مرحلة أوىل‪ ،‬ممهدة لزوال‬
‫السماوات واْلرض‪ ،‬ملا سينتج عنها من أحداث عظام‪ ،‬شرحتها سابقا‪ ،‬وال داعي إلعادة شرحها‪.‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬الزالزل يف الرب‬

‫اْلرض كانت كلها يف مرحة من مراحل خلقها‪ ،‬ايبسة وهي مرحلة بداية الكثيب املهيل‪،‬‬
‫ويف ْناية مرحلة الكثيب املهيل‪ ،‬أخرج هللا عز وجل املاء من اْلرض‪ ،‬واملقصود به حتول كل‬
‫اَليدروجني واْلكسجني الذين ابرك هللا هبما اْلرض إىل ماء مث إىل جليد‪.‬‬
‫الرب واليابسة تتعرض كما تتعرض احمليطات والبحار للزالزل‪ ،‬لكن بنسبة أقل ابلطبع‪ْ ،‬لن‬
‫أعماق احمليطات والبحار هي املناطق اْلضعف من قشرة اْلرض‪ ،‬فهي اليت تتمدد عليها اْلرض‬
‫أكثر‪.‬‬
‫‪135‬‬
‫حتدث الزالزل يف بعض املناطق من اليابسة أكثر من غريها‪ ،‬وحني أذكر اليابسة‪ ،‬فإين ال‬
‫أقصد اجلزر‪ْ ،‬لْنا حتسب يف جمال الزالزل مع البحار واحمليطات‪ ،‬ال مع اليابسة‪ْ ،‬لنه ينطبق‬
‫عليها ما ينطبق على البحار ال على اليابسة‪.‬‬
‫اجلزر تكون اْلكثر عرضة للزالزل‪ ،‬أكثر من غريها ملا شرحته أعاله‪ ،‬من كوْنا انبعة من‬
‫أعماق البحار‪ ،‬بفعل صعود محم الرباكني النشيطة لسطح البحر‪ ،‬وتشكيل جزر يف غضون‬
‫سنوات قليلة‪ ،‬بفعل متدد احلمم على سطح البحر‪ ،‬ومتدد بعضها على بعض بسرعة أكثر‪ ،‬حلني‬
‫تشكل جزيرة‪.‬‬
‫بعض املناطق من اليابسة تكون أكثر عرضة للزالزل من غريها‪ ،‬لكن املالحظ أن املناطق‬
‫القريبة من البحار واحمليطات‪ ،‬تكون دائما اْلكثر تعرضا للزالزل‪ ،‬حيث تكون بؤرهتا يف وسط‬
‫البحر‪ ،‬لكن أتثريها يصل إىل الرب‪.‬‬
‫‪136‬‬
‫مدينة أكادير مثال يف املغرب‪َ ،‬لا اتريخ مع الزالزل والسبب يف ذلك هو أْنا تقع على‬
‫طبقات صلبة‪ ،‬وداخلة يف البحر أكثر من غريها من ابقي املناطق ابملغرب‪ ،‬لذلك فهي عرضة‬
‫للزالزل اليت حتدث يف البحر‪.‬‬
‫مدينة الداخلة يف اجلنوب املغريب داخلة يف البحر أكثر من أكادير‪ ،‬لكنها ال تتعرض‬
‫للزالزل مثل أكادير‪ ،‬والسر يف ذلك هو أن مدينة الداخلة‪ ،‬تقع على طبقة كلسية ال تتجاوز‬
‫أمتار‪ ،‬وحتتها الرمال يف الغالب‪ ،‬تلك الرمال متتص احلركات الزلزالية‪ ،‬وال تسمح بتأثريها الشديد‬
‫على املنطقة‪.‬‬
‫اليابسة املشكلة للقارات وبعض اجلزر القريبة منها‪ ،‬مل تتشكل ابلرباكني بل ابنشقاق‬
‫اليابسة نفسها‪ ،‬مثل جزيرة مدغشقر‪ ،‬اليت مل تتشكل ابلرباكني‪ ،‬حيث ختتلف مساحة وشكال‪ ،‬مما‬
‫يؤكد أن سر انشقاق تلك اْلجزاء العمالقة له عالقة بضعف مكان الشقوق‪.‬‬
‫‪137‬‬
‫اْلرضيني السبع يتغذى اْلسفل منها على اْلعلى‪ ،‬لذلك فاْلرض السابعة تتغذى وتلتهم‬
‫وتتوسع على حساب اْلرض السادسة‪ ،‬كذلك اْلرض الثانية حتتنا تلتهم اْلرض اْلوىل اليت حنن‬
‫عليها‪.‬‬
‫اْلرض تنتفخ وتتمدد‪ ،‬كلما تغذت اْلرضيني الستة حتتنا بعضها على بعض‪ ،‬بوصول‬
‫حمفزات التفاعالت العنيفة‪ ،‬وْلن طبقات اْلرض ختتلف صالبة‪ ،‬فإن متدد اْلرض حيدث الشقوق‬
‫يف كل جزء ضعيف من الطبقات الصلبة جدا‪.‬‬
‫متدد اْلرض وانتفاخها متجه لكل االجتاهات‪ ،‬فال ميكن أن يتغري شكلها‪ ،‬بل البد أن‬
‫يكون شكلها انسيايب يسمح َلا ابلدوران حول نفسها‪ ،‬يف حمور لوليب عمودي صاعدة إىل رهبا‪.‬‬
‫كل القارات اليت نعرفها اليوم‪ ،‬معرضة لالنشقاق واالنقسام لتخلق منها أجزاء أصغر‪،‬‬
‫فاملضايق تتباعد والتشقق مستمر يف كل القارات‪ ،‬خللق عدد قارات أكثر‪ ،‬بتقسيم كل قارة من‬
‫القارات احلالية إىل جزأين أو أكثر‪.‬‬
‫‪138‬‬
‫املبحث اْلول‪ :‬كيف حيدث اهتزاز الطبقات اْلرضية؟‬
‫اْلرضيني الستة حتت اْلرض اْلوىل اليت حنن عليها‪ ،‬كلها ملتهبة وتعيش تفاعالت عنيفة‬
‫جدا‪ ،‬ميكن تشبيها ابلطنجرة‪ ،‬حيث تكون الطنجرة بسمك معترب‪ ،‬لكي تتحمل الضغط وال‬
‫تنفجر‪ ،‬كذلك اْلرض تتعرض يف ابطنها لتفاعالت قوية جدا‪ ،‬تدفعها لكي تنفجر‪.‬‬
‫العليم اخلبري أخربان أبن أثقال اْلرض ستخرج ابنفجار قوي‪ ،‬بعد أن حتدث زلزاال عظيما‬
‫ض أَثْـ َقا ََلَا‬ ‫ض ِزل َْزا ََلَا (‪ )1‬وأَ ْخرج ِ‬

‫ت ْاْل َْر ُ‬ ‫مستمرا‪ ،‬بقوله جل جالله يف سورة الزلزلة ((إِذَا ُزلْ ِزل ِ‬
‫َ ََ‬
‫نسا ُن َما ََلَا (‪.)) )3‬‬ ‫ال ِْ‬

‫اإل َ‬ ‫(‪َ )2‬وقَ َ‬
‫من خالل تدبر اآلية اْلوىل من سورة الزلزلة‪ ،‬نتأكد أن أثقال اْلرض وتفاعالهتا هي‬
‫املسببة للزالزل‪ْ ،‬لن خروج أثقال اْلرض‪ ،‬بعد الزلزال العظيم لْلرض‪ ،‬يؤكد أن تلك اْلثقال اليت‬
‫حتاول اخلروج هي اليت سببت ذلك الزلزال‪ ،‬الذي لن ينقطع إال خبروج أثقال اْلرض‪.‬‬
‫‪139‬‬
‫أثقال اْلرض بتفاعالهتا القوية جدا‪ ،‬هي اليت حترك القشرة اْلرضية‪ ،‬انفخة َلا مث حمركة‬
‫َلا‪ ،‬كما يتحرك غطاء أي إانء نضعه على النار حلني يغلي أو يفور‪ ،‬تلك القوة اليت حترك غطاء‬
‫اإلانء على النار‪ ،‬هي نفسها اليت حترك قشرة اْلرض‪.‬‬
‫الطاقة الكامنة يف املوقد‪ ،‬جتعل املاء أو الطعام يتعرض لطاقة مرتفعة‪ ،‬فلو تركنا غطاء‬
‫اإلانء حمكم الغلق‪ ،‬فإن احلرارة ترفعه وحتركه‪ ،‬لكي خترج بعض الطاقة الكامنة‪ ،‬ملنع اإلانء من‬
‫االنفجار وخروج كل ما فيه دفعة واحدة‪.‬‬
‫لو أن الطنجرة أغلقناها جيدا‪ ،‬مانعني خروج بعض ضغطها‪ ،‬مث فتحناها وهي حتت‬
‫ضغط كبري‪ ،‬فإن كل ما فيها سيخرج منها بقوة انفجار هائل جدا‪ ،‬وهذا ما حيدث لبعض النساء‬
‫ممن ال يفهمن هذا‪ ،‬حيث تفتح الطنجرة وهي حتت ضغط شديد فيحرتق وجهها‪.‬‬
‫اْلرض اليت حنن عليها هي أشبه إبانء عظيم جدا‪ ،‬مغلق وحمكم الغلق‪ ،‬موقده يقع يف‬
‫مركزه‪ ،‬وهو موقد عظيم وهائل جدا‪ ،‬عظمة املوقد ووزنه وطاقته هي ماليري املاليري املرات أي‬
‫موقد ميكن أن يصنعه اإلنسان‪.‬‬
‫‪140‬‬
‫اْلرض تفور وتغلي الطاقة يف مركزها‪ ،‬دافعة َلا حنو االنفجار‪ ،‬ولكي ال تنفجر اْلرض‬
‫تتنفس بتحريك بعض طبقاهتا وإحداث شقوق فيها‪ ،‬خيرج فيها بعض الضغط الشديد‪ ،‬وكذا خروج‬
‫براكني تقلل من ذلك الضغط الكبري‪ ،‬كما لو أزلنا (صفارة) الطنجرة‪ ،‬فإننا ننقص الضغط لكي‬
‫ميكننا فتحها‪.‬‬
‫احلمم امللتهبة اليت متزق القشرة اْلرضية يف البحر أو الرب‪ ،‬لتخرج على سطح اْلرض‬
‫مستمرة يف التدفق ملدة من الزمن‪ ،‬هي اليت حترك طبقات القشرة اْلرضية يف اْلرض اْلوىل اليت‬
‫حنن عليها‪.‬‬
‫القشرة اْلرضية اليت هي اْلرض اْلوىل‪ ،‬مستندة على احلمم امللتهبة يف اْلرضيني الستة‬
‫حتتها‪ ،‬تلك احلمم ليست فقط حتمل وزن القشرة اْلرضية‪ ،‬بل تدفعها حنو اْلعلى موسعة وانفخة‬
‫لتلك القشرة‪ ،‬بفعل قوة الطاقة اَلائلة‪ ،‬النامجة عن التفاعالت الشديدة اليت تقع يف مركزها خاصة‬
‫اْلرض السابعة‪.‬‬
‫‪141‬‬
‫اهتزاز طبقات القشرة اْلرضية‪ ،‬يف بعض املناطق دون غريها‪ ،‬له عالقة بضعف وقوة‬
‫القشرة اْلرضية‪ ،‬فكلما كانت قشرة اْلرض مسيكة ومشكلة لطبقة أكرب‪ ،‬كانت حتتاج قوة دفع‬
‫ونفخ هائلة جدا لتحريكها‪.‬‬
‫حني تكون قشرة اْلرض مشقوقة من قبل‪ ،‬يف شق غري مرئي على سطح اْلرض‪ ،‬فإن‬
‫تزايد التفاعالت العنيفة يف اْلرضيني الستة‪ ،‬وما ينتج عنها من قوة فوران ونفخ‪ ،‬حترك الطبقات‬
‫على مستوى ذلك الشق‪ ،‬بسهولة أكثر من إحداث شق جديد‪.‬‬
‫املناطق اليت تتكرر فيها الزالزل‪ ،‬فيها شقوق ابطنية‪ ،‬تسهل خروج الضغط الذي تولده‬
‫التفاعالت يف اْلرضيني الستة امللتهبة يف تلك الشقوق‪ ،‬لذلك يطلق على بعض املناطق خط‬
‫الزالزل‪ ،‬وذلك اخلط ما هو إال شق يف قشرة اْلرض‪ ،‬يكون قابال لتحريكه‪ ،‬كلما ازداد الضغط يف‬
‫ابطن اْلرض‪.‬‬
‫‪142‬‬
‫الشقوق الباطنية يف قشرة اْلرض‪ ،‬هي متاما كالرباكني اخلامدة‪ ،‬ميكنها أن تفور يف أي‬
‫وقت‪ ،‬وكلما تزايد الضغط يف ابطن اْلرض‪ ،‬بفعل التفاعالت العنيفة‪ ،‬كان فوران الربكان يف مكانه‬
‫واردا أكثر من غريه‪.‬‬
‫فوهة الربكان والشق الزلزايل متشاهبني‪ ،‬فكما ميكن لفوهة بركان أن ختمد لقرون من‬
‫الزمن‪ ،‬لكن ميكنها أن تفور يف أي وقت‪ ،‬كذلك الشقوق الزلزالية للقشرة اْلرضية يف اجلزء‬
‫املالمس للحمم امللتهبة‪ ،‬ميكنها أن ال تتحرك لزمن معني‪.‬‬
‫كما تغلق فوهة الربكان ابحلمم الباردة‪ ،‬فإن الشقوق يف القشرة اْلرضية املالمسة للحمم‪،‬‬
‫تلحم ابحلمم‪ ،‬كما يلحم احلديد ابلرصاص‪ ،‬وحني يتعرض ذلك اللحام لطاقة هائلة‪ ،‬فإنه يذوب‬
‫من جديد‪ ،‬فيسمح بتحريك تلك الطبقات على مستوى الشق‪ ،‬حلني يظهر الشق على سطح‬
‫اْلرض‪.‬‬
‫‪143‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬ملاذا تنشق اْلرض؟‬
‫يف كثري من الزالزل اليت تقع يف الرب‪ ،‬نرى شقوق واضحة جلية يف قشرة اْلرض‪ ،‬والبد‬
‫من ال بحث وتعميق البحث لنعرف القوة اليت شقت قشرة اْلرض‪ ،‬لشقوق بعضها ميكنه أن يلتهم‬
‫سيارة كاملة‪.‬‬
‫يف الصورة أعاله نرى تشقق الطريق املعبدة‪ ،‬لشقوق متعددة وشاسعة‪ ،‬مما يؤكد أن القوة‬
‫اليت شقت الطريق انبعة من مركز اْلرض‪ ،‬فبقاء الشق مفتوح دليل على أن اْلرض انتفخت‬
‫ومتددت‪.‬‬
‫‪144‬‬
‫لو أن الزالزل مل تكن نتيجة متدد اْلرض وانتفاخها‪ ،‬بل جمرد حركة الطبقات التكتونية‪،‬‬
‫كما يزعم البعض‪ ،‬ملا نتج عنها شقوق واضحة جلية على سطح اْلرض‪ْ ،‬لن تشقق اْلرض دليل‬
‫على زايدة حميط اْلرض‪.‬‬
‫الشقوق اليت حتدث يف القشرة اْلرضية‪ ،‬تتنفس فيها اْلرض‪ ،‬فيقل بعض ضغطها‪ ،‬ممهدا‬
‫خلروج الرباكني إن استمر الضغط مرتفعا‪ ،‬أو بدون براكني إن مسح متدد اْلرض وانتفاخها مبساحة‬
‫إضافية يشغلها الضغط‪.‬‬
‫تنشق القشرة اْلرضية رغما عنها‪ ،‬بفعل قوة الدفع اَلائلة‪ ،‬النابعة من التفاعالت العنيفة‬
‫يف اْلرضيني الستة‪ ،‬امللتهبة كلها حتت اْلرض اْلوىل‪ ،‬اليت حنن عليها واليت نسميها ابلقشرة‬
‫اْلرضية‪.‬‬
‫اْلرضيني الستة امللتهبة‪ ،‬يتغذى بعضها على بعض‪ ،‬فغذاء اْلرض الثانية حتتنا هو قشرة‬
‫اْلرض بنسبة معينة‪ ،‬وذلك هو نقصان اْلرض من أطرافها‪ ،‬فالذي حيدث هو أن كل احلديد الذي‬
‫‪145‬‬
‫تصله احلمم جتعله يتجمع يف مركز اْلرض ونواهتا‪ ،‬لتكرب أثقال اْلرض فتزيد من متددها كلما كثر‬
‫احلديد الذي يتجمع يف قلبها‪.‬‬
‫املاء يصل اْلرض الثانية امللتهبة‪ ،‬جراء احلركات الزلزالية النامجة عن انتفاخ اْلرض‪،‬‬
‫حيث يتسرب ماء الفرشات الباطنية والبحريات الباطنية‪ ،‬يف الشقوق الضيقة ليصل اْلرض الثانية‬
‫يف حالة غازية‪ ،‬فيوفر َلا وقود التفاعالت العنيفة‪.‬‬
‫يساهم حدوث بعض الشقوق يف قاع احمليطات والبحار‪ ،‬كما الرباكني يف قاع احمليطات‬
‫والبحار يف تغذية اْلرض الثانية‪ ،‬ببلوغ املاء للحمم فتبخره‪ ،‬ليتحول إىل هيدروجني وأكسجني‪،‬‬
‫فيكون غذاء احلمم يزيد من تفاعالهتا وتوسعها‪.‬‬
‫العلي العظيم أخربان أن غذاء جهنم وهي انر ملتهبة‪ ،‬كاحلمم اليت يف اْلرضيني الستة‬
‫متاما‪ ،‬هي احلجارة والناس‪ ،‬فاإلنسان دم وماء‪ ،‬لقوله جل جالله يف سورة البقرة اآلية ‪(( 24‬فَِإن املْ‬
‫ود َها النااس وا ْحلِجارةُ ۚ أ ُِع اد ْ ِ ِ‬

‫اار الاِيت َوقُ ُ‬
‫ت ل ْل َكاف ِر َ‬
‫ين))‪.‬‬ ‫ُ َ ََ‬ ‫تَـ ْف َعلُوا َولَن تَـ ْف َعلُوا فَاتاـ ُقوا الن َ‬
‫‪146‬‬
‫غذاء اْلرضيني الستة امللتهبة هو التهام ونقصان قشرة اْلرض اْلوىل اليت حنن عليها‪،‬‬
‫ص َها ِم ْن‬ ‫وذلك تفسري قول العلي العظيم يف سورة الرعد اآلية ‪ ((41‬أ ََوَملْ يَـ َرْوا أَ اان ََنِْيت ْاْل َْر َ‬
‫يع ا ْحلِس ِ‬ ‫اَّلل َْحي ُكم َال مع ِق ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬

‫اب))‪.‬‬ ‫ب حلُ ْكمه ۚ َو ُه َو َس ِر ُ َ‬
‫أَط َْراف َها ۚ َو اُ ُ ُ َ َ‬
‫كلما ازدادت التفاعالت العنيفة يف اْلرضيني الستة امللتهبة‪ ،‬كلما ضغطت واحتكت مع‬
‫القشرة اْلرضية‪ ،‬فأحرقتها وأذابتها‪ ،‬ليصبح اجلزء احملرتق مضافا لْلرض الثانية‪ ،‬فتضمن َلا الوقود‬
‫الذي جيعلها تنفجر‪.‬‬
‫احلمم الربكانية حني نلقي فيها صخرة‪ ،‬فإْنا تتفاعل وترتفع يف السماء‪ ،‬فتنشط احلمم‬
‫ويزداد اشتعاَلا‪ ،‬كما لو زدان احلطب لنار مشتعلة‪ ،‬ذلك ما يقع يف حميط التماس بني اْلرض اْلوىل‬
‫اليت حنن عليها واْلرض الثانية امللتهبة‪.‬‬
‫تتغذى اْلرض الثانية على اْلرض اْلوىل‪ ،‬فتنشط تفاعالهتا العنيفة‪ ،‬كذلك تتغذى اْلرض‬
‫الثالثة على اْلرض الثانية‪ ،‬لتنشط تفاعالهتا العنيفة‪ ،‬وهكذا كل أرض تتغذى من اليت أعالها‪.‬‬
‫‪147‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬ما هي القوة اليت تسبب انشقاق اْلرض؟‬
‫القوة القادرة على شق قشرة اْلرض وهي بسمك عشرات الكيلومرتات‪ ،‬قوة هائلة‬
‫وعظيمة جدا‪ ،‬ال ميكن أن تكون قوة انجتة عن حركة طبقة أو طبقات تكتونية‪ ،‬من غري قوة هائلة‬
‫جدا‪ ،‬قادرة على حتريك ماليري اْلطنان من الطبقات الصلبة‪.‬‬
‫اْلرض تتشكل من طبقات هائلة الوزن‪ ،‬فبعضها ميتد ملسافات عميقة جدا‪ ،‬وال ميكن أن‬
‫يزعم زاعم أن حركة طبقة أو إزالتها كلية ميكن أن حيدث زلزاال‪ ،‬فنحن نرى املناجم حيث يتم‬
‫استخراج طبقات الفحم مثال‪ ،‬ملسافات بعيدة جدا‪ ،‬دون أن حيدث اْنيار‪.‬‬
‫حدوث اْنيار يف منجم‪ ،‬بعد إزالة طبقة من الفحم أو أي معدن آخر‪ ،‬بسمك عشرة‬
‫أمتار أو أكثر أو أقل‪ ،‬ال ميكن أن ينجم عن ذلك االْنيار تشقق القشرة اْلرضية‪ ،‬بل أقصى ما‬
‫ميكن أن حيدث هو اْنيار جزئي‪ ،‬لطبقة علوية دون أن حيس من يكون أعلى املنجم ابالْنيار‪.‬‬
‫‪148‬‬
‫إن مل يكن استخراج طبقة كاملة من املعادن حيدث الزالزل‪ ،‬فكيف ميكن لتحريك طبقة‬
‫أن حيدث زلزاال؟ مث ما هي القوة اليت حترك تلك الطبقة اليت ننسب َلا إحداث الزلزال؟‬
‫الطبقات املشكلة لْلرض هي يف الغالب أفقية‪ ،‬لذلك فهي تصمد حىت لو أزلنا طبقة‬
‫ملسافة معينة‪ ،‬ولكي أقرب الفهم ميكن تشبيه الطبقات املشكلة لْلرض ابْلجور الذي نبين به‪،‬‬
‫حيث ميكن إزالة وحدة أو أكثر دون أن ينهار اجلدار‪.‬‬
‫القوة اليت تتحملها طبقات اْلرض قبل أن تنهار‪ ،‬رغم أننا حنفر أسفل منها ملسافات‬
‫شاسعة أحياان‪ ،‬مزيلني طبقة كاملة‪ ،‬نفس الطبقات حتتاج عشرة أضعاف نفس القوة لكي تنشق‪،‬‬
‫ليبدو الشق يف اْلعلى مفتوحا ويف عمقه شبه مغلق‪.‬‬
‫الشقوق اليت تنجم عن الزالزل‪ ،‬كلها جندها مفتوحة يف أعالها بعرض مرتين مثال لكن‬
‫كلما تعمقنا ينقص عرضها‪ ،‬فتدبر الشقوق هذه يؤكد لنا‪ ،‬أن قوة دفع هائلة انبعة من اْلسفل هي‬
‫اليت شقت تك الطبقات‪ ،‬وليست قوة االْنيار‪.‬‬
‫‪149‬‬
‫الزالزل مل ولن تكون يوما بفعل اْنيار طبقة أو طبقات‪ ،‬فنحن نرى االْنيارات اْلرضية‬
‫الناجتة عن تسرب املاء بني الطبقات اَلشة فيجعلها تتحرك‪ ،‬ليتحرك معها ما بين عليها‪ ،‬فال وجود‬
‫لنقاط الشبه بني االْنيار الذي يكون نتيجة الفراغ يف اْلسفل أو االنزالق‪ ،‬مع الزلزال‪.‬‬
‫قوة انتفاخ اْلرض ومتددها نتيجة التفاعالت العنيفة يف اْلرضيني الستة امللتهبة‪ ،‬هي‬
‫املسببة للزالزل بفعل نفخ القشرة اْلرضية ودفعها حنو اْلعلى‪ ،‬فالعلم والتجربة تؤكد ذلك‪ْ ،‬لن‬
‫الشقوق مفتوحة يف اْلعلى وضيقة يف عمقها‪.‬‬
‫لو قمنا بتجربة علمية‪ ،‬برتكيب جمموعة من الصفائح الصخرية‪ ،‬فجعلنا حتتها قوة ضغط‬
‫حنو اْلعلى‪ ،‬مع تثبيت جانيب الصفائح‪ ،‬فالنتيجة ستكون وقوع شقوق مفتوحة يف الصفائح‬
‫الصخرية حنو اْلعلى‪ ،‬بعرض أكرب من عرض الشقوق يف اْلسفل‪.‬‬
‫إن ضغطنا على صفائح أخرى من نفس السمك والصالبة من اْلعلى‪ ،‬لنخلق ما يشبه‬
‫اْنيار‪ ،‬كما يزعم البعض‪ ،‬انسبني الزالزل للحركة التكتونية اليت تعين االْنيار‪ ،‬فإن الذي سيقع هو‬
‫أن الشقوق ستكون يف اْلسفل واسعة ويف اْلعلى ضيقة ابلتقاء الطبقات‪.‬‬
‫‪150‬‬
‫مجيع الشقوق اليت نراها يف اْلرض‪ ،‬سواء يف اْلرض اليابسة أو يف اجلليد‪ ،‬جندها واسعة‬
‫يف اْلعلى بعرض واضح‪ ،‬لكن كلما نزلنا لعمقها جندها تضيق تدرجيا حلني خيتفي الشق‪.‬‬
‫ال تفسري نفسر به الشقوق اليت شرحت حالتها أعاله‪ ،‬إال أن قوة الدفع انبعة من‬
‫اْلسفل دفعا حنو اْلعلى‪ ،‬مما يعين أن اْلرض تنتفخ وتتمدد‪ ،‬فتجرب الطبقات الصخرية واجلليد‬
‫على التمزق والتشقق والتوسع‪ ،‬ليزداد حميط اْلرض على مدار الساعة‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬أمهية الزالزل‪.‬‬
‫الزالزل نراها وحنسبها نقمة‪ ،‬لكن الذي خلق أسباهبا‪ ،‬هو العليم أبمهيتها ودورها يف حتقيق‬
‫احلياة واستمرارها على اْلرض‪ ،‬فالزالزل اليت هي نتيجة انتفاخ اْلرض ومتددها َلا فوائد عظيمة‪.‬‬
‫‪151‬‬
‫لوال الزالزل ملا تشكلت البحار‪ ،‬فالزالزل الواقعة بداية اخللق‪ ،‬بعد أن حتولت اْلرض إىل‬
‫احلالة الصلبة‪ ،‬هي اليت شقت قشرة اْلرض الصلبة‪ ،‬جملموعة من الشقوق الواسعة والطويلة لكنها‬
‫غري عميقة‪ ،‬فيها جتمع املاء الذائب من طبقات اجلليد اليت كانت حميطة ابْلرض‪.‬‬
‫اْلرض حتولت إىل كرة جليد عمالقة‪ ،‬مرتني يف عمرها‪ ،‬من يوم خلقها هللا عز وجل إىل‬
‫ْنايتها‪ ،‬حيث سيكون زواَلا بتحوَلا إىل السراب الذي هو أصل خلقها‪ ،‬فتحوَلا لكرة جليد‬
‫يتزامن مع كل سجدة للشمس حتت العرش‪.‬‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬شرح لنا حياة الشمس من بداية خلقها إىل ْنايتها‪،‬‬
‫وفصلها يف َخسة أشواط‪ ،‬قطعت الشمس أربعة منها وهي حاليا على مشارف إْناء الشوط‬
‫اخلامس والنهائي‪.‬‬
‫سجدت الشمس حتت العرش ْناية الشوط اْلول‪ ،‬بدليل قول رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم يف احلديث الوارد يف صحيح مسلم‪ ،‬عن أيب ذر الغفاري أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال‬
‫يوما (( أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قالوا‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ :‬إن هذه جتري حىت تنتهي‬
‫‪152‬‬
‫إىل مستقرها حتت العرش فتخر ساجدة‪ ،‬فال تزال كذلك حىت يقال َلا‪ :‬ارتفعي‪ ،‬ارجعي من حيث‬
‫جئت))‪.‬‬
‫تصعد الشمس من مكان خلقها إىل حتت العرش‪ ،‬فتخر ساجدة لرهبا زمنا علمه عند هللا‬
‫عز وجل‪ ،‬لكنه زمن غري يسري بدليل ((فتخر ساجدة‪ ،‬فال تـ ـ ـ ـ ـزال كذلك حىت يقال َلا‪ :‬ارتفعي))‬
‫ال تزال كذلك‪ ،‬يفيد أن سجود الشمس لرهبا مل يكن سجودا خفيفا‪ ،‬بل سجودا دام زمنا قد‬
‫يكون آالف أو ماليني السنني أو أقل منها‪.‬‬
‫سجدت الشمس لرهبا سجدة اثنية طويلة مثل سجدهتا اْلوىل‪ ،‬يف ْناية الشوط الثالث‬
‫صعودا لتحث العرش‪ ،‬بدليل املقتطف من نفس احلديث أعاله ((مث جتري حىت تنتهي إىل مستقرها‬
‫حتت العرش فتخر ساجدة‪ ،‬وال تزال كذلك حىت يقال َلا ‪ :‬ارتفعي ))‪.‬‬
‫السجدة الثالثة للشمس ستكون يف ْناية الشوط اخلامس‪ ،‬صعودا إىل رهبا وهو الشوط‬
‫اْلخري َلا‪ ،‬لكنها ستكون سجدة خفيفة ال تقارن مع السجدتني اْلوليني‪ ،‬اللتني كان َلما اْلثر‬
‫الكبري يف حالة اْلرض‪.‬‬
‫‪153‬‬
‫قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ((مث جتري ال يستنكر الناس منها شيئا حىت تنتهي‬
‫إىل مستقرها ذاك حتت العرش‪ ،‬فيقال َلا ‪ :‬ارتفعي‪ ،‬أصبحي طالعة من مغربك )) املالحظ أنه يف‬
‫الشوط اخلامس ذكر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم الناس‪.‬‬
‫يستحيل استحالة مطلقة أن خيلق اإلنسان‪ ،‬قبل أن تتجاوز الشمس املستوى اْلفقي‬
‫لْلرض يف شوطها اخلامس‪ ،‬لذلك ذكر اإلنسان يف الشوط اخلامس من أشواط الشمس‪،‬‬
‫واملالحظة الثانية هي أنه مل يذكر أن الشمس سجدت لرهبا‪ ،‬لكن ذكر ((ارتفعي))‪.‬‬
‫قول العلي العظيم للشمس ارتفعي‪ ،‬كما قال َلا بعد السجدتني اْلوليني‪ ،‬دون ذكر‬
‫سجود الشمس‪ ،‬يفيد أْنا سجدت سجدة خفيفة‪ ،‬ال كالسجدتني السابقتني‪.‬‬
‫تشكل البحار كان له الفضل يف خلق جمال للحياة على اْلرض‪ ،‬ملاليري اْلنواع احلية‪،‬‬
‫والفضل يف تشكل البحار كان للزالزل اليت شقت اْلرض والفضل يف شق اْلرض كان للحديد‬
‫وتفاعالته‪ ،‬اليت تنفخ اْلرض فتجربها على االنتفاخ والتمدد والتصدع‪.‬‬
‫‪154‬‬
‫يرجع الفضل للزالزل يف إرساء اجلبال يف اْلرض‪ْ ،‬لنه بفضلها حتقق شق اْلرض لشقوق‬
‫عميقة جدا‪ ،‬هي اليت أرسيت وألقيت فيها اجلبال‪ ،‬فقد أكد اخلالق املصور أن إرساء اجلبال كان‬
‫بعد مد اْلرض‪.‬‬
‫مد اْلرض وهي صلبة‪ ،‬ال بد أن حيدث فيها شقوقا‪ ،‬خمتلفة العمق والعرض والطول‪،‬‬
‫فاجلبال هي أواتد ورواسي‪ ،‬بفعلها أرسيت اْلرض وتوقف ارجتاجها‪ ،‬واالرجتاج الشديد الذي‬
‫ستعيشه اْلرض يف ْناية عمرها‪ ،‬اثر اشتعال البحار وحتقق البحر املسجور‪ ،‬سبق أن عاشته حني‬
‫كان البحر املسجور يف الشقوق اليت أرسيت فيها اجلبال فأغلقتها‪.‬‬
‫ت الْواقِعةُ (‪ )1‬ل َْيس لِوقـْعتِ َها َك ِ‬

‫اذبَةٌ (‪)2‬‬ ‫َ َ َ‬ ‫قال الويل احلميد يف سورة الواقعة ((إِذَا َوقَـ َع ِ َ َ‬

‫ُ‬
‫ارجتاج اْلرض الذي سيكون سبب تفتت اجلبال‪ ،‬من احلالة الصلبة إىل حبات من الرمل‪،‬‬
‫لتشكل كثبان رملية‪ ،‬حدث يف مراحل منو اْلرض‪ ،‬فكان الفضل للجبال بوقف ذلك االرجتاج‪.‬‬
‫‪155‬‬
‫ض رو ِ‬
‫اس َي أَن َمتِي َد هبِِ ْم‬ ‫(( َو َج َعلْنَا ِيف ْاْل َْر ِ َ َ‬ ‫‪31‬‬ ‫قال القادر املقتدر يف سورة اْلنبياء اآلية‬
‫اجا ُسبُ ًال لا َعلا ُه ْم يَـ ْهتَ ُدو َن)) فالعليم اخلبري يؤكد أن إرساء اجلبال وهي يف حالة‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َج َعلْنَا ف َيها ف َج ً‬
‫العهن املنفوش‪ ،‬هو الذي أوقف ارجتاج اْلرض‪ ،‬وذلك هو معىن ((أَن َمتِي َد هبِِ ْم ))‪.‬‬
‫حسب قاموس املعاين‪ ،‬يقال متيد املرأة حني تتمايل وتتبخرت‪ ،‬حيث متيل يف كل‬
‫االجتاهات‪ ،‬وذلك هو االرجتاج الذي ذكره القوي اجلبار صرحيا موضحا حلالة اْلرض‪ ،‬بعد أن‬
‫يتحقق نفس ما كان سبب االرجتاج يف بداية مرحلة النمو‪.‬‬
‫املبحث اْلول‪ :‬بفضل الزالزل تشكلت البحار واحمليطات‬
‫كلمة الزلزال والزالزل ال نفهمها إال على أْنا نقمة‪ ،‬وال أحد يتصور أْنا نعمة من هللا عز‬
‫وجل‪ ،‬سخرها العلي العظيم الستمرار احلياة على اْلرض وتوفري كل الظروف ملخلوقاته‪ ،‬للعيش‬
‫واالستمرار ْلطول أمد ممكن‪.‬‬
‫‪156‬‬
‫البحار نعمة عظيمة أنعم هبا الباري جل وعال على اْلرض واحلياة على اْلرض‪ ،‬فالبحار‬
‫هي مستقر ومكان عيش ماليري املخلوقات البحرية والربية‪ ،‬فلوالها لكانت احلياة على اْلرض‬
‫ضيقة اجملال واْلفق والغذاء والتنوع احليواين‪.‬‬
‫من مل يفهم ويعي كيف خلقت اْلرض من أول يوم خلقت فيه؟ وكيف منت وكيف‬
‫تطورت؟ البد أن يستغرب ويستهجن القول‪ ،‬أبن الزالزل نعمة عظيمة َلا فوائد عظيمة على‬
‫اْلرض واستمرار احلياة عليها‪.‬‬
‫اْلرض بعد أن قضاها هللا عز وجل سبع أرضيني طباق‪ ،‬مبعىن شكلها يف أرض واحدة‪،‬‬
‫فكل أرض من اْلرضيني السبع‪ ،‬هي طبقة من طبقات اْلرض ال أراضي منفصلة‪ ،‬دحاها القوي‬
‫اجلبار مبعىن دفعها وأبعدها بقوة‪.‬‬
‫الدحو هو اإلبعاد ابلقوة والعنف والشدة‪ ،‬لقول الكبري املتعايل يف سورة النازعات ((‬
‫اها‬
‫‪157‬‬
‫اعا‬
‫اها (‪َ )32‬متَ ً‬ ‫ج ِم ْنـ َها َماءَ َها َوَم ْر َعا َها (‪َ )31‬وا ْجلِبَ َ‬
‫ال أ َْر َس َ‬ ‫اها (‪ )30‬أَ ْخ َر َ‬ ‫ض بَـ ْع َد َٰذلِ َ‬
‫ك َد َح َ‬ ‫(‪َ )29‬و ْاْل َْر َ‬
‫القوي اجلبار سلط احلديد املنزل على اْلرض‪ ،‬فجعله القوة الشديدة اليت دحا وأبعد هبا‬
‫اْلرض‪ ،‬من البؤرة العلوية للسماء الدنيا إىل البؤرة السفلية للسماء للدنيا‪ ،‬واَلدف من اإلبعاد‬
‫بتلك القوة والشدة هو إخراج املاء من اْلرض‪ ،‬مث ابملاء خيرج الرمحن الرحيم املرعى‪ ،‬مث بعد إخراج‬
‫املرعى أرسى وألقى القوي اجلبار اجلبال يف ابطن اْلرض‪.‬‬
‫فعل إلقاء وإرساء اجلبال يف ابطن اْلرض‪ ،‬ما كان ليتحقق لوال الزالزل اليت شقت‬
‫اْلرض‪ ،‬اليت أصبحت قبل ذلك الزمن صلبة قابلة للتشقق‪ ،‬فشقتها الزالزل لشقوق خمتلفة‬
‫العمق‪ ،‬فالعميقة جدا منها هي اليت ألقيت وأرسيت فيها اجلبال والباقي من الشقوق الغري العميقة‬
‫هي اليت تشكلت منها احمليطات والبحار‪.‬‬
‫اجليولوجيون يذكرون أن اْلرض عرفت العصر اجلليدي اْلول والعصر اجلليدي الثاين‪،‬‬
‫وذلك صحيح ومؤكد ابلعلم احلق‪ْ ،‬لن اْلرض حتولت إىل كرة جليد عمالقة مرتني املرة اْلوىل يف‬
‫‪158‬‬
‫ْناية الشوط اْلول للشمس صعودا إىل رهبا‪ ،‬حيث سجدت الشمس حتت العرش لزمن قد يكون‬
‫آالف أو ماليني السنني‪ ،‬عم فيها الظالم السماوات واْلرض‪ ،‬فربدت اْلرض وحتول كل‬
‫اَليدروجني واْلكسجني احمليطني هبا داخل غالفها اجلوي إىل طبقات هائلة من اجلليد‪.‬‬
‫تشكل طبقات اجلليد حول اْلرض اليت مل تكن إال كرة رمل عمالقة‪ ،‬هو معىن ((أَ ْخ َر َ‬
‫ج‬
‫ِم ْنـ َها َماءَ َها)) حيث بتشكل اجلليد بعد برودة اْلرض‪ ،‬كان أول مرة خيلق فيها املاء على اْلرض‪.‬‬
‫طبقات اجلليد هي اليت َلا الفضل كما الفضل للحديد وتفاعالته يف مركز اْلرض‪ ،‬يف‬
‫حتويل اْلرض من حالة الكثيب املهيل‪ ،‬ككرة رمل عمالقة إىل اْلرض الصلبة املشكلة من طبقات‬
‫صخرية يف قشرة اْلرض‪ ،‬حميطة ابحلمم امللتهبة املشكلة للستة أرضيني‪ ،‬يف حني الطبقات الصلبة‬
‫هي اْلرض اْلوىل اليت حنن عليها‪.‬‬
‫املالحظة املهمة من خالل اآلايت أعاله‪ ،‬هي أن خروج املرعى يف اْلرض سابق إلرساء‬
‫اها (‪َ )31‬وا ْجلِبَ َ‬

‫ال‬ ‫اجلبال‪ ،‬لقول الغفور الشكور يف سورة النازعات (( أَ ْخر ِ‬
‫ج م ْنـ َها َماءَ َها َوَم ْر َع َ‬
‫ََ‬
‫‪159‬‬
‫اها (‪ )) )32‬فخروج املرعى ال يكون يف اجلليد‪ ،‬بل يكون يف اْلرض اليابسة املشبعة ابملاء‪ ،‬مما‬
‫أ َْر َس َ‬
‫يعين أنه حني أخرج هللا عز وجل املرعى‪ ،‬ذابت أغلب طبقات اجلليد احمليطة ابْلرض‪.‬‬
‫خروج املرعى من اْلرض‪ ،‬يؤكد ارتفاع درجة حرارة اْلرض وذوابن طبقات اجلليد‪،‬‬
‫فارتفاع درجات احلرارة‪ ،‬معناه حتقق اقرتاب اْلرض والشمس من نفس املستوى اْلفقي‪ ،‬مما يعين‬
‫أن اْلرض انطلقت يف شوطها الثالث صعودا إىل رهبا‪ ،‬كما يعين انطالق الشمس يف شوطها الثاين‬
‫نزوال‪.‬‬
‫ذوابن طبقات اجلليد هو من مسح لقوة التفاعالت العنيفة يف اْلرضيني الستة امللتهبة‪،‬‬
‫أبن تشق اْلرض الصلبة‪ْ ،‬لن قوة الضغط اليت كانت تشكلها طبقات اجلليد‪ ،‬قلت تدرجييا بفعل‬
‫الذوابن‪ ،‬فانشقت اْلرض إىل مئات الشقوق اليت غمرها املاء الذائب من طبقات اجلليد مشكال‬
‫حبارا وحميطات‪ ،‬كما شكل حبارا مسجورة ملتهبة مشتعلة‪ ،‬هي اليت أرسيت فيها اجلبال‪.‬‬
‫البعض سيستغرب كيف تكون الشقوق اليت نتجت عن الزالزل حميطات وحبار شاسعة‬
‫جدا‪ ،‬والسبب ابلطبع هو أن اْلرض تتمدد وتنتفخ ومستمرة يف التمدد واالنتفاخ‪.‬‬
‫‪160‬‬
‫متدد اْلرض له ْناية بال شك‪ْ ،‬لن كل متدد لْلرض‪ ،‬الذي يعين توسع عرض البحار‬
‫واحمليطات‪ ،‬يعين يف نفس الوقت متزق قشرة اْلرض يف أعماق البحار واحمليطات‪ ،‬حلني تصبح كل‬
‫البحار واحمليطات مسجورة مشتعلة‪ ،‬كما كانت الشقوق اليت أرسيت فيها اجلبال مسجورة يف بداية‬
‫تشقق اْلرض‪.‬‬
‫احلديد املنزل على اْلرض هو سبب منوها وسبب استمرار منوها والزالزل وسيلة من‬
‫وسائل منو اْلرض وتوسعها وانتفاخها وتزايد حميطها‪ ،‬حلني حتقق الشكل الكروي املستدير‪ ،‬حينها‬
‫ستكون ْنايتها ابنفجارها وخروج أثقاَلا‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬بفضل الزالزل أرسيت اجلبال يف اْلرض‬
‫‪161‬‬
‫احلديد املتجمع يف مركز اْلرض‪ ،‬أصبح هو وتفاعالته العنيفة جيذب إليه كل احلديد‬
‫الذي يف اْلرضيني الستة امللتهبة‪ ،‬فيؤثر على قشرة اْلرض بطريقتني أوَلا الزالزل والثانية الرباكني‪،‬‬
‫كيف ذلك؟‬
‫لقد سبق وشرحت فعال مرات عدة‪ ،‬لكن الشرح املفصل بطرق عدة يسهل على القارئ‬
‫استيعاب مراحل خلق السماوات واْلرض‪ ،‬فقد انطلقت الشمس يف شوطها الثاين نزوال‪ ،‬بعد‬
‫سجدة طويلة حتت العرش‪ ،‬كان َلا الفضل يف برودة اْلرض وحتول اَلواء حوَلا إىل طبقات من‬
‫اجلليد‪ ،‬لكن مع انطالق الشمس نزوال بسرعة فائقة جدا‪ ،‬بدأت درجة حرارة اْلرض ترتفع‬
‫تدرجييا فأصبح اجلليد يذوب‪.‬‬
‫ذوابن طبقات اجلليد حول اْلرض‪ ،‬سهل على احلديد وتفاعالته العنيفة شق القشرة‬
‫اْلرضية‪ ،‬بفعل قوة النفخ العنيفة اليت ختلقها التفاعالت‪ ،‬لشقوق بعضها عميق جدا‪ ،‬متاما كما‬
‫نرى الشقوق يف بطيخة محراء انضجة متام النضج‪ ،‬يكفي أن نلمسها مبقدمة السكني لتنشق لشق‬
‫طويل عميق جدا يصل لبها مباشرة‪.‬‬
‫‪162‬‬
‫تعرضت اْلرض بعد أن ذاب الكثري من طبقات اجلليد احمليطة هبا الستمرار نزول احلديد‬
‫عليها‪ ،‬حيث ينزل أحياان أبوزان كبرية‪ ،‬يقوم مبثل ما تقوم به مقدمة السكني حني نلمس هبا بطيخة‬
‫محراء انضجة جدا‪ ،‬حيث تنشق وكذلك انشقت اْلرض بفعل نزول احلديد الذي أاثر قوة النفخ‬
‫القوية الكامنة يف ابطن اْلرض‪.‬‬
‫تشقق اْلرض إىل شقوق عميقة‪ ،‬كان نتيجة حركات زلزالية عنيفة سببتها التفاعالت‬
‫القوية للحديد واملعادن الثقيلة اليت تشكلت منه‪ ،‬حتت قويت الضغط واحلرارة اَلائلتني‪ ،‬فأصبحت‬
‫َلا قوة دفع ونفخ ومتدد لْلرض قادرة على التهام قشرة اْلرض تدرجييا وكذا القدرة على حتريك‬
‫قشرة اْلرض اليت كانت بسمك كبري جدا‪.‬‬
‫احلديد امللتهب سخره القوي اجلبار لدحو اْلرض وإبعادها من البؤرة العلوية إىل البؤرة‬
‫السفلية للسماء الدنيا‪ ،‬ففي بداية حياة اْلرض مل يكن يشكل احلديد إال نسبة ضئيلة جدا من‬
‫مسك اْلرض‪ ،‬لكنه يتفاعل ويتزايد احلديد ابلتهام طبقات القشرة اْلرضية اليت حتتوي على كميات‬
‫مهمة من احلديد‪.‬‬
‫‪163‬‬
‫يف مرحلة حتول اْلرض من الكثيب املهيل‪ ،‬مبعىن كرة رمل إهليلجية عمالقة إىل اْلرض‬
‫الصلبة‪ ،‬مل تكن اْلرضيني الستة كلها ملتهبة‪ ،‬بل إمنا توسعت وحتولت اْلرضيني حتت اْلرض‬
‫اْلوىل اليت حنن عليها‪ ،‬من قشرة اْلرض إىل محم ملتهبة‪ ،‬بفعل التهام نواة اْلرض َلا ابحلرارة‬
‫املرتفعة جدا والضغط العايل‪.‬‬
‫احلمم الربكانية خترج فوق سطح اْلرض‪ ،‬فتتعرض لتأثري الرايح الباردة مث تربد قليال‪،‬‬
‫فيبدوا ذلك جليا على قشرهتا اليت تسود يف احلني‪ ،‬لكن لو أسقطنا وسطها صخرة فإن تلك‬
‫احلمم تشتعل يف احلني وحتول تلك الصخرة إىل محم ملتهمة إايها‪.‬‬
‫إن كانت احلمم فوق سطح اْلرض‪ ،‬تلتهم الصخور كما تلتهم النار احلطب‪ ،‬فكيف‬
‫سيكون مصري الطبقات من القشرة اْلرضية اليت تالمس احلمم يف ابطن اْلرض؟ مؤكد أن احلمم‬
‫امللتهبة يف اْلرضيني الستة‪ ،‬تلتهم حاليا القشرة اْلرضية لْلرض اْلوىل اليت حنن عليها‪.‬‬
‫‪164‬‬
‫هللا عز وجل استعمل لفظ اإللقاء خبصوص اجلبال يف اْلرض‪ ،‬فاإللقاء فعل انبع من‬
‫أعلى حنو اْلسفل‪ ،‬وفرق بني ألقى على الشيء وبني ألقى يف الشيء‪ ،‬قال الكبري املتعايل يف سورة‬
‫ِ‬ ‫النحل اآلية ‪(( 15‬وأَلْ َق ٰى ِيف ْاْلَر ِ ِ‬

‫ض َرَواس َي أَن َمتي َد بِ ُك ْم َوأ َْْنَ ً‬
‫ارا َو ُسبُ ًال لا َعلا ُك ْم َهتْتَ ُدو َن))‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫لنتدبر اآلية ‪ 15‬من سورة النحل‪ ،‬ونركز على (( َوأَلْ َق ٰى فِـ ـ ـ ـ ـ ـي ْاْل َْر ِ‬
‫ض)) فهي تعين اإللقاء‬
‫يف ابطن اْلرض‪ ،‬وال ميكن أن يتحقق اإللقاء يف ابطن اْلرض‪ ،‬إال إن كانت مفتوحة ومهيأة لذلك‪،‬‬
‫فتفتح اْلرض إللقاء اجلبال يف ابطنها لن يكون إال ابنشقاقها‪.‬‬
‫اس َي َوأَنبَـ ْتـنَا فِ َيها‬

‫قال الويل احلميد يف سورة ق اآلية ‪(( 7‬و ْاْلَرض م َد ْد َان َها وأَلْ َقيـنَا فِيها رو ِ‬
‫ِمن ُك ِل َزْو ٍج َهبِ ٍ‬

‫يج )) فاآلية هذه أكثر وضوحا من سابقتها‪ ،‬فهي تبني أن الفعل السابق إللقاء‬
‫اجلبال يف ابطن اْلرض هو مد اْلرض‪ ،‬مما يعين أن مد اْلرض هو الذي فتحها لكي تلقى اجلبال‬
‫يف ابطنها‪.‬‬
‫ض)‪ ،‬والذي جيب االنتباه إليه هو (فِـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي)‪،‬‬

‫اخلالق املصور ذكر فعل ( َو َج َعلْنَا ِيف ْاْل َْر ِ‬
‫اس َي أَن َمتِي َد هبِِ ْم َو َج َعلْنَا فِ َيها‬

‫ض رو ِ‬
‫لقول العزيز العليم يف سورة اْلنبياء اآلية ‪َ (( 31‬و َج َعلْنَا ِيف ْاْل َْر ِ َ َ‬
‫‪165‬‬
‫اجا ُسبُ ًال لا َعلا ُه ْم يَـ ْهتَ ُدو َن )) فاَلدف من جعل وإلقاء وإرساء اجلبال يف اْلرض‪ ،‬هو منعها من‬ ‫ِ‬
‫ف َج ً‬
‫أن ترتج وهو معىن متيد‪ْ ،‬لن معىن فعل متيد املرأة هو اعوجاجها ومتايلها يف كل االجتاهات‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬ابالنتفاخ والتمدد والتصدع منت اْلرض‬

‫وكربت‪.‬‬
‫كلنا نعلم ويعلم الغواصون أكثر منا‪ ،‬أن شكل البحار كلها على شكل شبه خمروطي‪،‬‬
‫كلما ازداد عمقها يقل عرضها‪ ،‬حيث يكون ضيقا جدا‪ ،‬ميكن أن يصل يف أعماق البحار إىل‬
‫عرض مرت تقريبا‪.‬‬
‫من خالل شكل البحار واحمليطات نتأكد بال ريب أْنا نشأت بفعل تشقق اْلرض‪ ،‬ولن‬
‫حيدث انشقاق أي جسم صلب إال إن كان ينتفخ ويتمدد‪ ،‬فالبحار ابلفعل ما تزال تتوسع وتكرب‬
‫عرضا وطوال وعمقا أيضا‪ ،‬حيدث ذلك كله بفعل قوتني عظيمتني‪ ،‬أوَلا قوة االنتفاخ والتمدد اليت‬
‫‪166‬‬
‫سببتها أثقال اْلرض الذي تتفاعل بقوة شديدة‪ ،‬فتدفع قشرة اْلرض وتلتهمها مضعفة إايها‪،‬‬
‫وانفخة َلا‪ ،‬واثين قوة هي ضغط املاء اَلائل على أعماق البحار واحمليطات‪.‬‬
‫أعماق البحار يصل بعضها إىل أكثر من عشرين ألف كيلومرت‪ ،‬مما يدل على أعماق‬
‫وشكل ال ميكن أن حيدث إال بتشقق اْلرض‪ ،‬واملالحظ أن شاطئ البحر يف أي مكان يف العامل‬
‫يكون ارتفاعه ‪ 0‬وهو املقياس يف قياس االرتفاعات‪ ،‬مما يدل على أن البحار تشكلت قبل إرساء‬
‫اجلبال‪.‬‬
‫القوة الثانية اليت تسهل توسع البحار عرضا وطوال وعمقا‪ ،‬هي قوة وزن ماء البحار‪،‬‬
‫الذي يشكل قوة ضغط هائل مكملة ومساعدة لقوة النفخ يف متزيق قشرة اْلرض‪.‬‬
‫العاقل البد أن يطرح التساؤل عن القوة اليت حفرت البحار بتلك اْلعماق‪ ،‬وبذلك‬
‫الشكل املخروطي تقريبا‪ ،‬ف لم ولن جيد تفسريا علميا غري أن اْلرض انشقت يف مرحلة من مراحل‬
‫خلقها‪ ،‬فأصبحت تتوسع تلك الشقوق بفعل انتفاخ اْلرض ومتددها‪.‬‬
‫‪167‬‬
‫حني انشقت اْلرض لكثري من الشقوق‪ ،‬كانت كلها يف نفس املستوى ومل يرتفع بعضها‬
‫على بعض‪ ،‬إال بعد زمن غري يسري‪ ،‬حني ملئت كل تلك الشقوق ابملاء الذائب من طبقات‬
‫اجلليد‪ ،‬فملئت الشقوق العميقة جدا ابملاء‪.‬‬
‫أصبح املاء واحلمم امللتهبة تتالمس‪ ،‬فنتج عن ذلك زايدة انتفاخ اْلرض‪ ،‬كما زايدة‬
‫كميات املاء اليت تتبخر‪ ،‬ليصطدم البخار الكثري مع اجلبال وهي يف مرحلة العهن املنفوش‪ ،‬حيث‬
‫كانت كالسحب جتري يف مستوى جراين السحب متاما‪ ،‬فأصبحت تسقط يف تلك الشقوق‬
‫املشتعلة‪ ،‬بكتل هائلة من الصوف املشبع ابملاء البارد‪ ،‬حبجم السحب السوداء املثقلة اليت نراها‬
‫حاليا يف وقت املطر‪.‬‬
‫العلي العظيم شبه لنا اجلبال يف مرحلة من مراحل زواَلا ابلسحب‪ ،‬جتري يف مستوى‬
‫السحب وكذلك كانت يف مرحلة من مراحل خلقها‪ ،‬لقول العزيز العليم يف سورة النمل اآلية ‪((88‬‬
‫ٍ‬ ‫اب ۚ ص ْنع اِ ِ‬ ‫ال َحتْ َسبُـ َها َج ِام َدةً َو ِه َي َمتُُّر َم ار ال ا‬
‫َوتَـ َرى ا ْجلِبَ َ‬
‫ري‬ ‫ُ َ‬ ‫س َح ِ‬
‫ِمبَا تَـ ْف َعلُو َن ))‪.‬‬
‫‪168‬‬
‫كل اجلبال شكلها خمروطي تقريبا على سطح اْلرض‪ ،‬وكذلك شكلها حتت سطح‬
‫اْلرض‪ ،‬فكل جبل عبارة عن خمروطني متقابلني أحدمها مدفون يف اْلرض والثاين مرتفع على‬
‫اْلرض‪ ،‬رغم أن حقيقة اجلبال هي أْنا أواتد‪ ،‬وكذلك أمساها خالقها يف سورة النبأ ((أََملْ َْجن َع ِل‬
‫ض ِم َهاداً (‪َ )6‬وا ْجلِبَ َ‬

‫ال أ َْوَاتداً(‪.)))7‬‬ ‫ْاْل َْر َ‬
‫كون اجلبال أواتد يؤكد أْنا مدفونة يف اْلرض على أقل تقدير حبوايل ‪ 80‬إىل ‪ 90‬يف املائة‬
‫من ارتفاعها‪ْ ،‬لنه ال يوجد وتد يقوم بدوره فيدفن يف اْلرض بنصف ارتفاعه أو أقل وإال ملا مسي‬
‫وتدا بل عمودا‪.‬‬
‫من خالل شكل اجلبال فوق سطح اْلرض‪ ،‬يتأكد لنا شكلها يف ابطن اْلرض‪ ،‬مما يعين‬
‫أن عمق الشقوق اليت أرسيت فيها أضيق يف أسفلها وأوسع يف أعالها‪ ،‬مما يؤكد أن فعل إحداثها‬
‫انبع من اْلسفل ال من اْلعلى‪.‬‬
‫ال ميكن لقوة أن متزق قشرة اْلرض وهي بسمك الكيلومرتات وبصالبة هائلة‪ ،‬إال إن‬
‫كانت قوة ضغط ونفخ هائلة جدا‪ ،‬ال تتوفر إال يف مركز اْلرض‪ ،‬فهي القوة اليت ستمزق اْلرض‬
‫‪169‬‬
‫ض ِزل َْزا ََلَا (‪)1‬‬ ‫كلها يف ْنايتها‪ ،‬بدليل قول العلي العظيم يف سورة الزلزلة ((إِ َذا ُزلْ ِزل ِ‬
‫ض أَثْـ َقا ََلَا (‪.)) )2‬‬ ‫وأَ ْخرج ِ‬

‫ت ْاْل َْر ُ‬ ‫َ ََ‬
‫كل الشقوق اليت نراها حتدث يف اْلرض اليابسة ويف اجلليد‪ ،‬بفعل احلركات الزلزالية كلها‬
‫متسعة يف سطح اْلرض وضيقة يف أعماق اْلرض‪ ،‬وال يوجد تفسري علمي منطقي لذلك‪ ،‬غري أن‬
‫اْلرض تنتفخ وتكرب فتتوسع‪.‬‬
‫عرض جمموع الشقوق على سطح اْلرض هو مقدار ما توسعت به اْلرض‪ ،‬فلو مجعنا‬
‫على سطح اْلرض برا وحبرا وجليدا كل الشقوق مبا فيها البحار لوجدان املقدار الذي توسعت به‬
‫كل املضايق البحرية يف العامل تتوسع مع مرور الزمن‪ ،‬فالبعض يتوهم أن الرتسبات اليت‬
‫ترمي هبا املياه اجلارية يف سواحل البحر اْلبيض املتوسط‪ ،‬هي اليت إبمكاْنا أن تدفع القارة اْلوربية‬
‫والقارة اإلفريقية لتوسعة مضيق جبل طارق مثال‪.‬‬
‫‪170‬‬
‫منطق القائلني بتلك الكذبة هو كمن يزعم أن فارا ميكنه أن يدفع شاحنتني كبريتني‬
‫حمملتني ابْلطنان‪ ،‬فحال الرتسبات يف املضيق‪ ،‬لو كان َلا أتثري حقيقة جلعلته ضيقا ال متسعا‪ْ ،‬لن‬
‫تلك الرتسبات ال تذكر ابملرة وال ميكنها أن حترك قطعة أرضية حبدود دائرة انتخابية فكيف بقارة‬
‫كاملة‪.‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬متدد اْلرض‬

‫وتصدعها خيلق الرباكني يف الرب‬
‫والبحر؟‬
‫‪171‬‬
‫الرباكني نعرفها خبروج محم ملتهبة سائلة‪ ،‬تندفع بقوة انفجار هائلة يف السماء‪ ،‬لكن بعد‬
‫برودة تلك احلمم جندها جمرد صخور كانت دائبة‪ ،‬متاما كما لو أدخلنا صخورا لفرن مرتفع احلرارة‬
‫لدرجة إذابة تلك الصخور فتصبح سائلة‪.‬‬
‫ابطن اْلرض إذن فيه فرن عايل احلرارة‪ ،‬ميلك القدرة على إذابة الصخور مع ما فيها من‬
‫معادن‪ ،‬لدرجة حرارة عالية جدا‪ ،‬ويف ضغط هائل جدا‪ ،‬لدرجة أن ذلك الوعاء الذي يشعله ذلك‬
‫الفرن اَلائل ينفجر‪ ،‬لتخرج احلمم الذائبة من الوعاء املغلق احملكم اإلغالق ابنفجار يقذف احلمم‬
‫عاليا حنو السماء‪.‬‬
‫احلمم الربكانية بعد أن تربد ال جندها يف الغالب تنجذب إليها املغانيط‪ ،‬مما يؤكد أن نسبة‬
‫احلديد يف تلك احلمم قليلة جدا أو منعدمة تقريبا‪ ،‬مما يفيد أن تلك احلمم اخلارجة فنجدها‬
‫صخورا حمرتقة‪ ،‬مل تكن يف اْلصل إال صخور عادية مث احرتقت‪ ،‬لتدفعها قوة هائلة جمربة إايها على‬
‫اخلروج لسطح اْلرض‪.‬‬
‫‪172‬‬
‫الصخور إذن هي اليت حترق يف ابطن اْلرض يف حرارة هائلة‪ ،‬لتخرج مندفعة سائلة مث‬
‫تربد‪ ،‬لتتحول إىل صخور من جديد‪ ،‬فما هو مصدر تلك الصخور احملرتقة؟ وكيف حدث إحراقها‬
‫وإذابتها؟ هل كانت تلك الصخور جزءا من قشرة اْلرض؟ أو من اْلرضيني الستة اْلخرى؟‬
‫احلمم الربكانية اليت خترج لسطح اْلرض بقوة شديدة‪ ،‬مؤكد أْنا تضغط على قشرة‬
‫اْلرض يف اْلسفل بقوة شديدة‪ ،‬وْلن احلمم يف بعض الرباكني‪ ،‬رغم أْنا فوق سطح اْلرض حني‬
‫نرمي فيها حجرا فإْنا تشتعل وتتفاعل كما لو زدان احلطب للنار أو صببنا البنزين على النار‪ ،‬مما‬
‫يدل على أن احلمم الربكانية َلا القدرة على إذابة أي صخرة مهما بلغت صالبتها‪ ،‬بل وللحم رغبة‬
‫يف التغذي على الصخور‪.‬‬
‫النار العظيمة املرتفعة احلرارة‪ ،‬ذكر لنا القوي اجلبار أن غذاءها هو الناس واحلجارة‪ ،‬بقوله‬
‫ااس‬ ‫اار الاِيت َوقُ ُ‬

‫ود َها الن ُ‬ ‫((فَِإن املْ تَـ ْف َعلُوا َولَن تَـ ْف َعلُوا فَاتاـ ُقوا الن َ‬ ‫‪24‬‬ ‫جل جالله يف سورة البقرة اآلية‬
‫وا ْحلِجارةُ ۚ أ ُِع اد ْ ِ ِ‬

‫ت ل ْل َكاف ِر َ‬
‫ين))‪.‬‬ ‫َ ََ‬
‫‪173‬‬
‫العلي العظيم أكد لنا عملية نقصان اْلرض من أطرافها‪ ،‬وأطراف اْلرض خارجية‬
‫وداخلية‪ ،‬ومبا أننا نرى أطراف اْلرض اخلارجية ال تنقص بل تزداد‪ ،‬فإن اْلطراف اليت تنقص على‬
‫مدار الدقيقة والساعة هي اْلطراف الداخلية‪.‬‬
‫احلمم الربكانية هي صخور ذائبة‪ ،‬والصخور هي بنية اْلرض اْلوىل اليت حنن عليها‪ ،‬ورمبا‬
‫هي بنية كل اْلرضيني اخلمس اْلخرى حتتنا‪ ،‬لكن البد أن الفرن اَلائل يف مركز اْلرض أذاب كل‬
‫اْلرضيني اخلمس حتتنا وهو حاليا يذيب قشرة اْلرض اْلوىل اليت حنن عليها‪.‬‬
‫ص َها ِم ْن‬ ‫قال ذو اجلالل واإلكرام يف سورة الرعد اآلية ‪ ((41‬أ ََوَملْ يَـ َرْوا أَ اان ََنِْيت ْاْل َْر َ‬
‫يع ا ْحلِس ِ‬ ‫اَّلل َْحي ُكم َال مع ِق ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬

‫اب)) فنقصان اْلرض من أطرافها‬ ‫ب حلُ ْكمه ۚ َو ُه َو َس ِر ُ َ‬
‫أَط َْراف َها ۚ َو اُ ُ ُ َ َ‬
‫مؤكد وحقيقة ال مراء فيها‪ ،‬والبحث عن اْلطراف اليت تنقص منها اْلرض واجب‪ ،‬ملن يهتم‬
‫ابلفلك واجليولوجيا‪.‬‬
‫مالك امللك أكد لنا خروج أثقال اْلرض يف ْناية حياة اْلرض‪ ،‬اليت ستكون بزلزال‬
‫مستمر متصل ال منقطع‪ ،‬تكون ْنايته حتول اْلرض واجلبال من احلالة الصلبة إىل حبات رمل‬
‫‪174‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪ )1‬ل َْيس لِوقـْعتِ َها َك ِ‬

‫اذبَةٌ‬ ‫ت ال َْواقِ َعةُ‬
‫وفتات‪ ،‬لقول العزيز العليم يف سورة الواقعة ((إِ َذا وقَـ َع ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬

‫ُ‬
‫خروج أثقال اْلرض اليت هي جمموع احلديد املنزل على اْلرض واملعادن اليت حتول إليها‬
‫احلديد يف درجات حرارة هائلة وضغط هائل‪ ،‬لن خترج من اْلرض إال يف النهاية ابنفجار هائل‪،‬‬
‫ض ِزل َْزا ََلَا‬ ‫بعد أن تكون اْلرض كثيبا مهيال‪ ،‬لقول القوي اجلبار يف سورة الزلزلة ((إِذَا ُزلْ ِزل ِ‬
‫نسا ُن َما ََلَا (‪.)))3‬‬ ‫ال ِْ‬

‫ض أَثْـ َقا ََلَا (‪َ )2‬وقَ َ‬ ‫(‪ )1‬وأَ ْخرج ِ‬
‫اإل َ‬ ‫ت ْاْل َْر ُ‬ ‫َ ََ‬
‫اآلايت أعاله واضحة وسبق أن شرحتها‪ ،‬لكن اآلية الثالثة اليت ذكر فيها القادر املقتدر‬
‫استغراب اإلنسان‪ ،‬تفيد أن اإلنسان سيعيش مرحلة الزلزال املستمر وكذا خروج أثقال اْلرض‬
‫ابنفجارها‪.‬‬
‫ت‬ ‫ض َع ٍة َع اما أ َْر َ‬

‫ض َع ْ‬ ‫((يـوم تَـرو َْنَا تَ ْذ َهل ُك ُّل مر ِ‬
‫ُْ‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ َْ‬ ‫‪2‬‬ ‫قال العزيز احلليم يف سورة احلج اآلية‬
‫ات َمحْ ٍل َمحْلَها وتَـرى النااس س َكار ٰى وما هم بِس َكار ٰى وٰلَ ِك ان َع َذاب اِ‬
‫اَّلل َش ِدي ٌد ))‪.‬‬ ‫ضع ُك ُّل ذَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ ََ ُ ُ َ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َوتَ َ ُ‬
‫‪175‬‬
‫ار ٰى )) يفيد أن الناس حينها‬ ‫ِ‬

‫س َك َ‬
‫ار ٰى َوَما ُهم ب ُ‬
‫ااس ُس َك َ‬
‫قول الكبري املتعايل (( َوتَـ َرى الن َ‬
‫سيتساقطون يف كل االجتاهات كما يتساقط السكارى‪ ،‬علما أن العليم اخلبري أكد أن الناس حينها‬
‫ليسوا سكارى حقيقة‪ ،‬بل عذاب هللا عز وجل هو الشديد‪.‬‬
‫لن يتحقق تساقط الناس يف كل االجتاهات من غري سكر وهم عاقلون‪ ،‬إال إن كانت‬
‫هناك قوة شديدة جتعلهم يسقطون رغما عنهم يف كل االجتاهات‪ ،‬واْلقرب للصواب أن تكون‬
‫حتتهم‪.‬‬
‫نسا ُن َما ََلَا )) دليال على كون‬ ‫ال ِْ‬

‫اإل َ‬ ‫(( َوقَ َ‬ ‫‪3‬‬ ‫امللك القدوس أشار يف سورة الزلزلة اآلية‬
‫الناس سيعيشون الزلزال العظيم لْلرض وخروج أثقاَلا‪ ،‬الذي يعين انفجار اْلرض ومتزقها‪ ،‬فالزلزال‬
‫املستمر هو نفسه االرجتاج الشديد املذكور يف اآلية ‪ 4‬من سورة الواقعة‪.‬‬
‫االرجتاج معناه الدوران يف كل االجتاهات‪ ،‬وقد فسرته من قبل ابلتجربة العملية والعلمية‪،‬‬
‫لذلك فإن الذي سيقع للناس حينها‪ ،‬هو أن اْلرض اْلوىل اليت سيكونون عليها ستدور يف كل‬
‫‪176‬‬
‫االجتاهات‪ ،‬فهي تدور يف اجتاه لثانية‪ ،‬مث تدور يف االجتاه املعاكس مث يف اجتاه آخر وهكذا يصبح‬
‫الناس عليها كالسكارى‪ ،‬يتساقطون يف كل االجتاهات‪.‬‬
‫الناس الذين سيعيشون االرجتاج الشديد لْلرض وانفجارها‪ ،‬أغلبهم كفار وقد يكونون‬
‫كلهم كفار‪ ،‬واْلحداث هذه ستكون بعد شروق الشمس من مغرهبا‪ ،‬الذي يعين أن اْلرض‬
‫أصبحت تدور يف كل االجتاهات إال اجتاهها اْلصلي‪ ،‬بفعل حتقيقها االتساق واختفاء قطيب‬
‫اْلرضيني السبع الذين كاان ينظمان اجتاه الدوران وسرعته‪.‬‬
‫الفصل اْلول‪ :‬الرباكني يف البحر‬
‫أعماق البحار واحمليطات هي أضعف النقاط يف القشرة اْلرضية‪ْ ،‬لن البحار هي يف‬
‫اْلصل شقوق عميقة تشكلت يف القشرة اْلرضية بفعل انتفاخها ومتددها‪ ،‬لذلك فإن أقرب‬
‫‪177‬‬
‫النقاط من احلمم الربكانية‪ ،‬هي أعماق البحار واحمليطات حاليا‪ ،‬وعليه فإن عدد الرباكني املشتعلة‬
‫يف أعماق البحار واحمليطات هي أضعاف مضاعفة لعددها على الرب‪.‬‬
‫أعماق البحار واحمليطات تتعرض لضغطني متعاونني على شق القشرة اْلرضية ومتزيقها‪،‬‬
‫أول الضغطني هو قوة النفخ والتمدد اليت ختلقها أثقال اْلرض‪ ،‬بتفاعالهتا العنيفة والتهامها لقشرة‬
‫اْلرض من الباطن‪ ،‬مث حاجتها لطرد تلك احلمم‪ ،‬كما يطرد أي إانء ساخن البخار لينقص ضغطه‪.‬‬
‫القوة الثانية اليت تسهل متزيق قشرة اْلرض يف أعماق احمليطات والبحار‪ ،‬هي قوة الثقل‬
‫والضغط اَلائل اليت تطبقها ماليري املاليري من اْلمتار املكعبة من املاء‪ ،‬على تلك القشرة دافعة‬
‫إايها حنو التمزق وتسهيل مهمة قوة النفخ والتمدد النابعة من اْلرضيني الستة امللتهبة حاليا‪.‬‬
‫الرباكني يف أعماق احمليطات والبحار‪ ،‬ال تعين ابملطلق البحر املسجور‪ ،‬الذي ذكره اخلالق‬
‫املصور‪ ،‬بقوله جل جالله يف سورة الطور اآلية ‪َ (( 6‬والْبَ ْح ِر ال َْم ْس ُجوِر)) حيث أقسم القوي اجلبار‬
‫ابلبحر املسجور لعظمته وأمهيته‪ ،‬ومل يقسم القادر املقتدر ابلرباكني‪ْ ،‬لْنا نشاط يومي ومستمر يف‬
‫حياة اْلرض مند بداية خلقها تقريبا‪.‬‬
‫‪178‬‬
‫البحر املسجور سيتحقق حني تتمزق كل قشرة اْلرض يف أعماق البحار واحمليطات‪،‬‬
‫حينها يتحقق التماس بني كل املاء بثقله وضغطه‪ ،‬مع كل احلمم بقوهتا وَلبها وانرها‪ ،‬والنتيجة‬
‫ستكون كارثية على اْلرض‪ ،‬فالبحر املسجور هو مؤشر لزوال اْلرض‪ ،‬ابرجتاجها وزلزاَلا الشديد‬
‫وخروج أثقاَلا‪.‬‬
‫كل ما يصور حاليا من براكني يف أعماق احمليطات والبحار ويطلق عليها اسم البحر‬
‫املسجور‪ ،‬هو حتريف متعمد من البعض وال أساس لذلك من الصحة‪ ،‬بل هي براكني عادية َلا‬
‫عواقب بعيدة املدى صحيح‪ ،‬لكن َلا فوائد عظيمة على استمرار احلياة يف البحر‪.‬‬
‫ختلق الرباكني يف احمليطات والبحار‪ ،‬بنفس الطريقة اليت ختلق هبا على سطح اْلرض‪ ،‬غري‬
‫أن قشرة اْلرض يف أعماق احمليطات والبحار قليلة السمك‪ْ ،‬لْنا مزقت بعمق كبري جدا‪.‬‬
‫احلمم الربكانية انجتة عن التهام أثقال اْلرض للصخور‪ ،‬من الطبقات الصخرية املالمسة‬
‫للحمم يف ابطن اْلرض‪ ،‬فكلما ازدادت التفاعالت العنيفة يف ابطن اْلرض كلما كان تشقق‬
‫اْلرض ومتزقها يف أعماق احمليطات والبحار قبل غريها‪ ،‬ذلك التمزق هو الذي يعين االنتفاخ‬
‫‪179‬‬
‫والتمدد‪ْ ،‬لنه كلما متزقت قشرة اْلرض‪ ،‬ازداد عرض البحار واحمليطات وبذلك يزداد حميط‬
‫احلمم الربكانية هي يف الغالب‪ ،‬الصخور الذائبة من قشرة اْلرضيني اليت تلتهمها أثقال‬
‫اْلرض من احلديد واملعادن اْلثقل منه واليت نتجت منه بفعل احلرارة والضغط‪ ،‬تلك اْلثقال‬
‫تذيب الطبقات الصخرية املشكلة لْلرض‪ ،‬بدليل أن كل ما خيرج من احلمم يتحول لصخور‬
‫صلبة‪ ،‬فنسبة املعادن فيها أقل من نسبة املعادن يف الطبقات الصخرية اليت فوق سطح اْلرض‪.‬‬
‫الصخور الذائبة من قشرة اْلرض يف الباطن‪ ،‬ال ميكنها أن تتجانس مع أثقال اْلرض من‬
‫املعادن الثقيلة جدا والساخنة جدا لدرجة حرارية هائلة‪ ،‬لذلك فإن تلك احلمم الربكانية تطفوا‬
‫على سطح تلك املعادن الثقيلة‪ ،‬كما يطفوا الزبد على املاء امللتهب‪.‬‬
‫احلديد الذي يكون يف الطبقات الصخرية اليت التهمتها أثقال اْلرض‪ ،‬ينزل للعمق‬
‫فيلتحم ابحلديد املشكل ْلثقال اْلرض‪ ،‬اليت تتزايد كميتها مع التهامها لطبقات القشرة اْلرضية‪.‬‬
‫‪180‬‬
‫كرة احلديد احملول إىل معادن ثقيلة جدا‪ ،‬امساها القوي اجلبار أبثقال اْلرض‪ ،‬بقوله جل‬
‫ض أَثْـ َقا ََلَا (‪ )) )2‬هي يف تزايد‬ ‫ض ِزل َْزا ََلَا (‪ )1‬وأَ ْخرج ِ‬
‫ت ْاْل َْر ُ‬ ‫جالله يف سورة الزلزلة ((إِذَا ُزلْ ِزل ِ‬
‫َ ََ‬
‫يوما بعد يوم‪ ،‬مبا يرتسب من احلديد واملعادن الثقيلة من التهام قشرة اْلرض‪.‬‬
‫احلديد واملعادن الثقيلة ال ميكن أن خترج مع احلمم الربكانية‪ ،‬بل ال خيرج إال ما هو يف‬
‫مستوى الزبد‪ ،‬وْلن أصل اْلرض هو السراب‪ ،‬واحلديد منزل خارج السماوات واْلرض‪ ،‬فال‬
‫ميكن أن حيدث التجانس بني السراب واحلديد‪.‬‬
‫املبحث اْلول‪ :‬كيف ختلق الرباكني يف البحار؟‬

‫لقد شرحت من قبل أن البحار واحمليطات‪ ،‬هي يف اْلصل شقوق عميقة نسبيا يف قشرة‬
‫اْلرض اْلوىل اليت حنن عليها‪ ،‬فملئت تلك الشقوق ابملاء الذائب من طبقات اجلليد احمليطة‬
‫ابْلرض‪.‬‬
‫‪181‬‬
‫كلما تعرضت قشرة اْلرض للضغط القوي من التفاعالت العنيفة يف ابطنها‪ ،‬كلما كان‬
‫خروج ذلك الضغط يف أعماق البحار واحمليطات سهال‪ ،‬بصفتها املناطق اْلضعف من قشرة‬
‫اْلرض اليت حنن عليها‪.‬‬
‫الربكان ال يثقب القشرة اْلرضية يف غضون أايم أو شهور وال سنوات بل يف ماليني‬
‫السنني‪ ،‬حيث تعمل احلمم ملتهمة لبعض اْلجزاء اَلشة من قشرة اْلرض‪ ،‬حلني إحداث ثقب‬
‫خترج منه تلك احلمم خلارج قشرة اْلرض‪ ،‬فتتدفق احلمم حسب قوة الضغط اليت تدفعها‪ ،‬فكلما‬
‫كان الضغط هائال انفجر الربكان‪ ،‬وكلما كان الضغط ضعيفا َخد الربكان‪.‬‬
‫مل حيدث ولن حيدث أن خيرج بركان يف قمة جبل طبيعي‪ ،‬من اجلبال اليت أرسيت إلغالق‬
‫الشقوق العميقة يف قشرة اْلرض‪ ،‬حيث حدث البحر املسجور من قبل يف كل الشقوق اليت نرى‬
‫فيها حاليا السالسل اجلبلية‪.‬‬
‫‪182‬‬
‫حيثما نرى اليوم سالسل جبلية‪ ،‬فقد كان أسفلها شقوقا عمالقة على شكل حبار عميقة‬
‫جدا‪ ،‬وقع فيها التماس بني املاء واحلمم‪ ،‬ما أجرب اجلبال يف مرحلة العهن املنفوش أن تسقط‬
‫كالسحب العمالقة يف تلك البحار‪ ،‬حلني أغلقتها كلية فمنعت االتصال بني املاء واحلمم‪.‬‬
‫مدخل املاء إىل البحريات الباطنية‪ ،‬يكون يف الغالب مرتفعا وهو يف جماري اْلودية‬
‫واْلْنار الدائمة اجلراين‪ ،‬لذلك متْل البحريات الباطنية ابملاء ‪،‬كما ميْل أي خزان ابطين ابملاء‪.‬‬
‫اْلرض تنتفخ وتتمدد‪ ،‬لذلك فالبحريات تتعرض لضغط قوي‪ ،‬انبع من أسفلها يضغط‬
‫عليها‪ ،‬هو ما يدفع املاء لالنسياب يف الفرشات الباطنية‪ ،‬كما تتعرض بعض تلك البحريات‬
‫الباطنية لدرجات حرارة عالية‪ ،‬حيث جند بعض العيون اجلارية ساخنة جدا‪ ،‬مما يدل على أن الكثري‬
‫من البحريات الباطنية تصلها حرارة أعماق اْلرض‪.‬‬
‫املتنفسات واملغارات واحلفر العمالقة اليت يفلح املاء يف خلقها مذيبا طبقات الكلس وكل‬
‫الطبقات اَلشة بفعل خبار املاء‪ ،‬تعطينا نظرة جيدة عن قدرة احلمم امللتهبة وكيف ميكنها أن خترتق‬
‫طبقات القشرة اْلرضية‪.‬‬
‫‪183‬‬
‫يستغرق خبار املاء ورداده ماليني السنني‪ ،‬لكي حيدث ثقبا ومتنفسا للبحريات الباطنية‪،‬‬
‫حيميها من االنفجار ويضمن َلا مضخة طبيعية فعالة‪ ،‬تلك املضخة تضخ كل اَلواء احملبوس يف‬
‫البحرية الباطنية للخارج وقت جراين اْلودية‪ ،‬ليحل حمله املاء‪ ،‬كما متتص اَلواء يف غري وقت‬
‫جراين اْلودية‪ ،‬ليضغط اَلواء على املاء يف البحرية‪ ،‬فيسهل جراين املاء يف الفرشات اليت تنبع من‬
‫البحرية‪.‬‬
‫إن كان خبار املاء خلق لنا ماليني املغارات يف الصخور‪ ،‬ومئات احلفر العمالقة يف‬
‫اْلرض‪ ،‬وهو ال يقارن ابحلمم الربكانية‪ ،‬فكيف ابحلمم امللتهبة‪ ،‬النابعة من ضغط هائل جدا‪،‬‬
‫وحرارة هائلة جدا؟‬
‫املبحث الثاين‪ :‬فوائد الرباكني يف البحار‬
‫‪184‬‬
‫للرباكني فوائد عظيمة على استمرار احلياة يف اْلرض برا وحبرا‪ ،‬فأول فائدة ميكن إاثرهتا‬
‫هي ضمان الغذاء لكثري من املخلوقات الربية والبحرية‪ ،‬بعد كل بركان يثور يف أعماق البحر‪.‬‬
‫الربكان يثري غازات بعضها سام يف املاء كما يف اَلواء‪ ،‬فينتج عن تلك الرباكني موت‬
‫ماليني اْلمساك بكل أنواعها يف تلك املنطقة اليت وقع فيها الربكان‪ ،‬لتصبح أطنان من اْلمساك‬
‫ترمى يف الشواطئ‪ ،‬أو حيملها املاء يف البحار لكل االجتاهات‪.‬‬
‫جتد الكثري من املخلوقات البحرية والربية الصغرية والكبرية واجملهرية‪ ،‬يف تلك اْلمساك‬
‫امليتة بفعل غازات الرباكني‪ ،‬الغذاء الضروري َلا يف فرتات يقل فيها الغذاء‪ ،‬أو يتعذر فيه على‬
‫كثري من املخلوقات صيد غذائها‪.‬‬
‫قد يرى البعض يف موت ماليني اْلمساك الكبرية بفعل غازات الرباكني يف قعر البحار‪،‬‬
‫قضاء على احلياة البحرية وليس تنمية َلا‪ ،‬لكنه يف احلقيقة تنمية للحياة البحرية‪.‬‬
‫‪185‬‬
‫الذي يقع هو أن أغلب الرباكني تثور يف فصل الشتاء وفصل الربيع‪ ،‬حيث يتسرب‬
‫ماليري املاليري من اْلمتار املكعبة من املاء يف الشقوق والثقوب املغذية للبحريات الباطنية‪ ،‬والكثري‬
‫منها مشقوقة يف اْلسفل بسبب الضغط‪ ،‬فيصل ماؤها للحمم امللتهبة‪.‬‬
‫املاء يغذي احلمم‪ ،‬حيث يتحول إىل غاز وهيدروجني‪ ،‬فتثور الرباكني يف فصل الربيع أو‬
‫ْناية فصل الشتاء‪ ،‬اليت هي مرحلة التكاثر يف البحار عامة‪ ،‬ما جيعل ماليري املاليري من اْلمساك‬
‫واملخلوقات الصغرية تكاد متوت بفعل قلة الغذاء‪ ،‬لكن الرباكني توفر َلا ما يكفي من الغذاء‪،‬‬
‫حيث متوت املاليني لتضمن الغذاء ملاليري املاليري‪.‬‬
‫بعض الرباكني يف أعماق البحار ال تنفث الدخان وال احلمم‪ ،‬بل هي أقرب ملوقد انري‬
‫يسخن املاء‪ ،‬فيعدل من درجة حرارة مياه البحار يف وقت تكاد تصبح أقرب من الصفر‪ ،‬ما جيعل‬
‫تلك الرباكني وما أكثرها يف أعماق البحار توفر الظروف املناسبة لكثري من املخلوقات‪ ،‬اليت‬
‫تستفيد من اعتدال درجة حرارة اْلرض‪.‬‬
‫‪186‬‬
‫مسعت قبل أكثر من ‪ 20‬سنة من قريب يف مسقط رأسي‪ ،‬جبنوب مدينة سيدي افين حبوايل‬
‫‪ 14‬كيلومرت‪ ،‬أن البحارة الذين يصطادون السمك ابلقصبة يف الشواطئ‪ ،‬يلجؤون إىل ضفرية كبرية‬
‫على بعد حوايل كيلومرت من الشاطئ تسمى( ضفرية سيدي السمان) فينزلوا إليها ْلن َلا مدرجات‬
‫متكن من النزول إليها والصعود‪ ،‬فحال جيدون ماء الضفرية دافئا يستعدون للصيد ابلقصبة‪ ،‬وإن‬
‫وجدوه ابردا يعلمون أن السمك غري متوفر يف الشاطئ‪.‬‬
‫حني مسعت ذلك من الرجل الذي تكلم بعفوية وصدق‪ ،‬أيقنت أن شاطئ تلك املنطقة‬
‫اليت تسمى (تزروت) يعرف بركاان عظيما جدا‪ ،‬غري بعيد من الساحل‪ ،‬تصل حرارته ْلكثر من‬
‫كيلومرت يف الرب‪ ،‬لدرجة أنه يسخن ماء الضفرية‪.‬‬
‫سر تواجد السمك يف الشاطئ‪ ،‬هو أنه يهرب من حرارة املاء امللتهب بفعل الربكان‪،‬‬
‫لذلك يكون السمك أقرب لسطح املاء‪ ،‬فيقفز عاليا لعله ينال بعض الربودة ‪ ،‬فيجده الصيادون‬
‫متوفرا ينقض على سناراهتم بكل عفوية‪ ،‬كأنه يستجديهم أن ينقدوه من حرارة الربكان‪.‬‬
‫‪187‬‬
‫شاطئ منطقة (اتزروت مبسيت بسيدي افين) يرمي أطناان من اْلمساك مبختلف اْلنواع‪ ،‬يف‬
‫بعض اْلحيان‪ ،‬أمساك سوداء مريضة شبه حمرتقة‪ْ ،‬لن الربكان الغري البعيد من الساحل قضى عليها‬
‫بغازاته ودخانه الذي خنقها‪.‬‬
‫تلك اْلمساك مسمومة طبعا وال يصح تناوَلا ومن يتناوَلا ميرض يف احلني‪ ،‬لكنها غذاء‬
‫ملاليني الطيور والوحيش ولكثري من املخلوقات البحرية‪ ،‬ممن ال تضرهم تلك الغازات املسمومة‪.‬‬
‫أعطيت مثاال حيا ْلين تعودت على مراقبة كل ما يكون حويل من خملوقات حية وغري‬
‫سنوات تقريبا نشط الربكان وسط البحر لدرجة أن اْلرض تفور حرارة على‬ ‫‪10‬‬ ‫حية‪ ،‬فقبل حوايل‬
‫بعد ‪ 3‬كيلومرتات من الشاطئ‪ ،‬كانت سبب مرض بعض أهل منطقتنا‪.‬‬
‫سكان املنطقة مل يفهموا سر تلك احلرارة‪ ،‬اليت ال حتدث إال انذرا جدا‪ ،‬علما أين أخربهتم‬
‫قبل ‪ 20‬سنة أن جزيرة عظيمة ستخرج يف تلك املنطقة‪ ،‬لكن أغلبهم مل يصدق‪ ،‬رغم أن خروجها‬
‫بدا وشيكا‪.‬‬
‫‪188‬‬
‫اَلضاب واجلبال الواقعة على بعد ‪ 4‬كيلومرت تقريبا من البحر ابردة وال خوف منها‪ ،‬لكن‬
‫حني البلوغ للسهل الساحلي جيد اإلنسان حرارة تكاد تصل ‪ 55‬إىل ‪ 60‬درجة‪ ،‬خطرية للغاية‪ ،‬جترب‬
‫ساكين ذك السهل على الفرار كلهم إىل اجلبال املتاَخة واملطلة على الشاطئ‪.‬‬
‫الرباكني يف أعماق البحار َلا فوائد قد ال أعدها كلها‪ ،‬فمنها ابلطبع تنفيس ضغط‬
‫اْلرضيني امللتهبة‪ ،‬ملنعها من االنفجار‪ ،‬كما حيدث إبزالة (صفارة) الطنجرة خلروج بعض ضغط‬
‫الطنجرة ملنع انفجارها‪.‬‬
‫الدخان والغازات اليت تنفثها الرباكني يف قاع البحار تقضي على حياة كثري من‬
‫املخلوقات‪ ،‬لكن رمبا وهللا أعلم تضمن احلياة ملخلوقات غريها البد َلا من ذلك‪ ،‬لكي تنمو‬
‫وتستمر‪ ،‬فتساهم يف توازن احلياة البحرية‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬عواقب الرباكني يف البحار‬
‫‪189‬‬
‫للرباكني يف البحار عواقب قريبة التأثري وأخرى بعيدة املدى‪ ،‬ومن العواقب اخلطرية‬
‫للرباكني هي إحداث املد البحري القوي جدا‪ ،‬حيث أن بعض الرباكني العمالقة تنفجر يف أعماق‬
‫البحر بقوة شديدة‪ ،‬دافعة املاء ابرتفاع عشرات اْلمتار‪ ،‬كما لو فجران عشرات القنابل النووية يف‬
‫أعماق البحر‪.‬‬
‫بفعل الرباكني القوية يغزو ماء البحر السواحل واملناطق القريبة منها‪ ،‬ابرتفاعات هائلة‬
‫جدا مزيال العشرات من املدن والقرى والقضاء على أغلب من فيها من البشر‪ ،‬حيث ميكن ملد‬
‫حبري انتج عن بركان عظيم أن يقضي على ماليني البشر يف ليلة واحدة مظلمة‪.‬‬
‫كلما اقرتبت ْناية السماوات واْلرض تكاثرت الرباكني يف أعماق احمليطات والبحار‬
‫مؤذنة بقرب حتقق البحر املسجور‪ ،‬حيث ستشتعل كل احمليطات والبحار ولن يبقى حبر وال حميط‬
‫ال يتحقق فيه التماس الكلي بني املاء واحلمم امللتهبة يف ابطن اْلرض‪.‬‬
‫‪190‬‬
‫حدوث البحر املسجور من ممهدات ارجتاج اْلرض وزلزلتها اليت لن تتوقف حىت تتحول‬
‫اجلبال واْلرض إىل رمال متحركة‪ ،‬مث بعدها انفجار اْلرض وخروج كل احلديد الذي أنزل على‬
‫اْلرض من بداية خلقها لنهاية عمرها‪.‬‬
‫الرباكني املتكررة ابستمرار‪ ،‬أي اليت تفور كثريا‪ ،‬تكون َلا عواقب كارثية على احلياة‬
‫البحرية‪ْ ،‬لْنا تقضي كلية على أغلب املخلوقات البحرية‪ ،‬فالتصادم بني املاء واحلمم تكون نتيجته‬
‫توقف احلمم يف وقت أقل مما تتوقف فيه على الرب‪ ،‬لكن قد يفور الربكان يوميا تقريبا‪.‬‬
‫املاء ال يكون دائما مطفئا للحمم ومصلبا َلا ملنع تدفق احلمم يف البحر‪ ،‬بل قد يتحول‬
‫املاء بفعل احلرارة إىل هيدروجني وأوكسجني‪ ،‬كلما تسرب لعمق فوهة الربكان‪ ،‬حيث يضمن‬
‫للربكان وقود التفاعالت العنيفة اليت تزيد من قوة خروج احلمم‪.‬‬
‫العواقب بعيدة املدى للرباكني يف البحار هي التعجيل مبرحلة البحر املسجور اليت ذكرها‬
‫(( َوالْبَ ْح ِر ال َْم ْس ُجوِر)) ويف احلقيقة فهو قسم عظيم‬ ‫‪6‬‬ ‫القوي اجلبار بقوله يف سورة الطور اآلية‬
‫‪191‬‬
‫أقسم فيه القادر املقتدر ابلبحر املسجور الذي هو من العالمات الكربى لزوال السماوات‬
‫واْلرض‪.‬‬
‫البحر املسجور ال يعين اشتعال حبر من البحار أو حميط من احمليطات‪ ،‬بل معناه أن‬
‫تشتعل كل البحار واحمليطات ببلوغ انشقاق قشرة اْلرض لنهايتها‪ ،‬حيث ال يبقى ما مينع التماس‬
‫بني ماء البحار واحمليطات وبني احلمم امللتهبة يف اْلرضيني الستة حتتنا‪.‬‬
‫حتقق البحر املسجور يليه ارجتاج اْلرض وحتقيق منتهى متددها واختفاء بؤرتيها اللتني مها‬
‫القطبني‪ ،‬لتصبح كل اْلرضيني السبع مستديرة مائة يف املائة‪ ،‬فتصبح كل أرض من اْلرضيني‬
‫السبع تدور يف اجتاه‪.‬‬
‫حيدث ارجتاج اْلرض اليابسة‪ ،‬حلني ال يبقى عليها حجر واحد‪ ،‬بل كل ما عليها يصبح‬
‫ت ا ْجلِبَ ُ‬
‫ال‬ ‫سِ‬‫ض َر ًّجا (‪َ )4‬وبُ ا‬ ‫رمال رقيقا‪ ،‬بدليل قول الفرد الصمد يف سورة الواقعة ((إِذَا ر اج ِ‬

‫سا (‪ )5‬فَ َكانَ ْ‬
‫بَ ًّ‬
‫‪192‬‬
‫بعد مرحلة االرجتاج الشديد اليت هي زلزال مستمر ال منقطع‪ ،‬حيدث انفجار اْلرض‬
‫وخروج كل أثقاَلا من احلديد واملعادن اليت تشكلت منه يف احلرارة والضغط اَلائلني يف ابطن‬
‫لن تنفجر اْلرض فتخرج أثقاَلا‪ ،‬إال بعد أن تتحول الطبقات اْلرضية إىل رمل وكذلك‬
‫اجلبال‪ ،‬فتصبح متحركة بفعل ارجتاج اْلرض ومتزق الغالف اجلوي لْلرض ومتزق السماء‪.‬‬
‫سينزل كل احلديد الذي فوق سطح اْلرض ويف اجلبال ويف كل مكان على اْلرض‪،‬‬
‫فيلتحم بعضه ببعض يف ابطن اْلرض‪ ،‬وال تبقى ذرة حديد مل تبلغ أثقال اْلرض‪ ،‬استعدادا لرتجع‬
‫ْلصلها الذي أنزلت منه‪.‬‬
‫ستنفجر اْلرض انفجارا عظيما‪ ،‬بتملص أثقال اْلرض من احلمم احمليطة هبا واليت هي‬
‫صخور حمرتقة سائلة ينفلت منها احلديد املتجمع‪ ،‬كما تنفلت القذيفة من املدفع مرتفعة يف السماء‬
‫بقوة هائلة جدا ممزقة السماء كلية‪.‬‬
‫‪193‬‬
‫املراحل اليت شرحتها يكون قبلها ابلطبع اخرتاق النجم الثاقب الذي هو الكوكب الطارق‬
‫للسماء يثقبها ويثقب الغالف اجلوي لْلرض‪ ،‬فيحدث يف أحد احمليطات ثقبا هائال يندفع املاء‬
‫خالله‪ ،‬ليبلغ إىل نواة اْلرض أي اْلرض السابعة‪.‬‬
‫يصل النجم الثاقب ملركز اْلرض حيث أثقاَلا‪ ،‬فيلتحم هبا وهو من املعادن الثقيلة اليت‬
‫تشكلت من احلديد كمركز اْلرض متاما‪ ،‬فيشكالن كتلة متجانسة تزيد من انتفاخ ومتدد اْلرض‬
‫بسرعة هائلة ممزقة كل البحار كما شرحت أعاله‪.‬‬
‫حني تندفع أثقال اْلرض حنو السماء‪ ،‬من احلديد املنزل عليها من يوم خلقها إىل ْناية‬
‫االنفجار‪ ،‬سيكون النجم الثاقب من ضمن تلك اْلثقال‪ ،‬كما ستكون من ضمنها كل الشهب‬
‫اليت تنزل على اْلرض‪.‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬الرباكني يف الرب‬
‫‪194‬‬
‫قد يبدو أن ال فرق بني الرباكني يف البحر والرباكني يف الرب‪ ،‬لكن يف احلقيقة هناك فرق‬
‫عظيم بينهما‪ ،‬فرباكني البحر متزق قشرة اْلرض املمزقة أصال‪ ،‬حمدثة فيها ثقبا أو جمموعة ثقوب‪،‬‬
‫يف حني أن الرباكني يف الرب تكون اْلشد واْلقوى ْلْنا تثقب قشرة اْلرض بكامل مسكها‪ ،‬مما يعين‬
‫أْنا اْلقوى واْلشد‪.‬‬
‫مسك قشرة اْلرض قد يكون حاليا يف حدود ‪ 40‬أربعون كيلومرت تقريبا‪ ،‬وقد كان من قبل‬
‫أكثر من ذلك‪ ،‬لكن بفعل الضغط اَلائل واحلرارة النابعة من مركز اْلرض‪ ،‬فان قشرة اْلرض‬
‫تتآكل يف الباطن بفعل التماس مع احلمم امللتهبة‪.‬‬
‫أعماق احمليطات والبحار قد يصل بعضها إىل حوايل ‪ 20‬كيلومرت‪ ،‬مما يعين أن خروج‬
‫‪40‬‬ ‫الرباكني يف أعماقها يثقب قشرة اْلرض بسمك ‪ 20‬كيلومرت يف حني أن الرباكني يف الرب تثقب‬
‫كيلومرت‪.‬‬
‫‪195‬‬
‫الوسائل اليت تستعملها الرباكني لثقب قشرة اْلرض بسمك عشرات الكيلومرتات‪ ،‬قد‬
‫تكون متنوعة‪ ،‬فغاز اثين أوكسيد الكربون مثال يتمتع بقدرة هائلة يف إذابة الطبقات الكلسية وقد‬
‫يكون قادرا على إذابة الطبقات الصخرية من أنواع أخرى ال نعلمها بعد‪.‬‬
‫الغازات تنتج عن حرق احلمم الربكانية للطبقات الصخرية املالمسة َلا يف ابطن اْلرض‪،‬‬
‫بني اْلرض اْلوىل والثانية‪ ،‬وهي كميات هائلة من الغازات املتنوعة‪.‬‬
‫الدخان والغاز عامة يكون اْلسبق يف البحث عن متنفس خيرج منه‪ ،‬قبل خروج احلمم‪،‬‬
‫ْلن خروج احلمم الحق وال يتحقق إال بعد ضغط مضاعف عشر مرات‪ ،‬يف حني أن الدخان‬
‫والغازات بكل أنواعها‪ ،‬حىت من غري ضغط هائل‪ ،‬فإْنا تبحث عن متنفس وقد ختلقه يف آالف أو‬
‫ماليني السنني‪.‬‬
‫سبق وشرحت القدرة العجيبة لبخار املاء ورداده يف ثقب القشرة اْلرضية من أعماق‬
‫مرت على أبعد‬ ‫‪200‬‬ ‫قليلة‪ْ ،‬لن أغلب البحريات الباطنية ال يتجاوز عمقها يف بلدان املسلمني‬
‫تقدير‪.‬‬
‫‪196‬‬
‫مرت‪ ،‬واندرا ما‬ ‫‪3000‬‬ ‫إىل‬ ‫‪1000‬‬ ‫البحريات الباطنية يف الدول املمطرة تكون يف عمق‬
‫تكون فيها متنفسات‪ْ ،‬لن قشرة اْلرض يف الدول املمطرة تكون هشة بسمك مئات إىل آالف‬
‫اْلمتار‪.‬‬
‫يتعذر إحداث املتنفسات يف الرتبة اَلشة‪ ،‬يف حني يف أغلب دول املسلمني قشرة اْلرض‬
‫صلبة وحني حيدث خبار املاء ورداده متنفسا فانه ال يغلق ابْنيار قشرة اْلرض ْلْنا صلبة‪.‬‬
‫خبار املاء يفعل فعال عظيما‪ ،‬فكيف ابلدخان املنبعث من احرتاق الطبقات الصخرية يف‬
‫ابطن اْلرض‪ ،‬دخان حيتوي على عشرات إن مل نقل املئات من أنواع الغازات‪ ،‬اليت كل منها قادر‬
‫على إذابة نوع من الطبقات الصخرية‪ ،‬حلني إحداث ثقب يف قشرة اْلرض‪.‬‬
‫تتوسع الثقوب يف القشرة اْلرضية تدرجييا‪ ،‬حلني تتحول إىل منفذ خلروج احلمم الربكانية‪،‬‬
‫بعد ازدايد الضغط اَلائل عليها‪ ،‬بفعل متدد وانتفاخ نواة اْلرض ْلْنا جتمع احلديد واملعادن‬
‫الثقيلة ‪ ،‬فيزداد قطرها كلما التهمت الطبقات الصخرية اليت كان الكثري منها حيتوي على احلديد‪،‬‬
‫ما جيعل نواة اْلرض تكرب وتزداد تفاعالهتا العنيفة يوما بعد يوم‪.‬‬
‫‪197‬‬
‫املبحث اْلول‪ :‬كيف خترج الرباكني يف الرب؟‬
‫خروج الرباكني يكون لسطح اْلرض يف مراحل‪ ،‬قد تستغرق آالف إىل ماليني السنني‪،‬‬
‫فعملية حرق أثقال اْلرض من احلديد امللتهب لقشرة اْلرض من الباطن‪ ،‬ختلف كميات هائلة من‬
‫الدخان والغازات‪ ،‬تشكل عازال بني قشرة اْلرض واحلمم‪ ،‬وهي من تؤخر عملية حرق نواة اْلرض‬
‫لقشرة اْلرض يف أسرع وقت ممكن‪.‬‬
‫ذلك الدخان الكثيف جدا‪ ،‬هو من حيمي قشرة اْلرض حقيقة‪ ،‬فيمنع حتقق التماس‬
‫املباشر بني احلمم والطبقات الصخرية يف ابطن اْلرض‪ ،‬لكن الدخان نفسه له قوته يف إذابة بعض‬
‫الطبقات وخرقها تدرجييا‪.‬‬
‫حني حيدث الدخان ثقبا بعمق أمتار يف قشرة اْلرض من الباطن‪ ،‬تتبعه احلمم يف نفس‬
‫املسار‪ ،‬فتكون املسافة الفاصلة بني احلمم والدخان‪ ،‬هي نفس مسك طبقة الدخان بني احلمم‬
‫والطبقات الصخرية يف ابطن اْلرض‪.‬‬
‫‪198‬‬
‫حال تتبع احلمم مسار الدخان الذي شقه بتفاعالته اليت تذيب أنواعا من الطبقات‬
‫الصخرية‪ ،‬يكون حينها الدخان حماصرا من اْلسفل ابحلمم وتكون احلمم موسعة وحارقة جلوانب‬
‫الثقب الذي أحدثه الدخان‪ ،‬موسعة له وخملفة لكميات هائلة جديدة من الدخان‪ ،‬مع تزايد احلمم‬
‫اليت ال ميكنها الرتاجع لباطن اْلرض‪ ،‬بل تدفع الدخان صعودا‪ ،‬لتتزايد احلمم كلما اخرتقت‬
‫القشرة ويتزايد الدخان وتفاعالته ‪،‬كلما صعد حنو سطح اْلرض‪.‬‬
‫عملية ثقب الدخان والغازات وأسفل منها احلمم تعينها وتدفعها‪ ،‬لقشرة اْلرض بعمق‬
‫حوايل ‪ 40‬أربعون كيلومرت تقريبا‪ ،‬تستغرق زمنا ال ميكن احتسابه‪ ،‬بل له عالقة بنوع الغازات ونوع‬
‫الطبقات الصخرية اليت أحرقتها احلمم‪ ،‬فقد خيرق الدخان والغازات واحلمم الربكانية من حتتها‬
‫دافعة َلما‪ ،‬لقشرة اْلرض يف زمن يسر بعد جتاوز طبقة مستعصية استغرقت يف خرقها آالف أو‬
‫ماليني السنني‪.‬‬
‫يف مجيع الرباكني خترج الغازات أوال مث خيرج الدخان بعدها‪ ،‬وتتبعها احلمم بعد زمن معني‪،‬‬
‫والسب يف ذلك هو أن كمية الدخان املتجمع واحملصور يف الثقب هائل جدا وال ميكن خروج‬
‫احلمم لسطح اْلرض ما مل خيرج كل الدخان الذي أعالها‪.‬‬
‫‪199‬‬
‫خلروج احلمم الربكانية البد أن خترق مكان خروج الدخان‪ ،‬بعد جمهود تقوم به احلمم‬
‫لتوسعة مسار الدخان‪ ،‬حيث حترق الطبقات الصخرية وتوسع الثقب ليتسع خلروج احلمم‪ ،‬واحلرق‬
‫للطبقات ينتج مزيدا من الدخان هو الذي يستمر يف التدفق خارجا من فوهة الربكان ْلايم أو‬
‫ساعات‪ ،‬قبل خروج احلمم ابنفجار هائل يف السماء‪.‬‬
‫ما حيدث يف أي بركان هو متاما ما حيدث يف النيل‪ ،‬فاملصريون حني يروا املياه العفنة‬
‫واملعكرة متدفقة يف النيل يقولون أن النيل توحم‪ ،‬مبعىن أن خروج املياه العفنة دليل على أن املياه‬
‫الصافية قادمة وفيضان النيل متوقع‪ ،‬وما مل يروا تدفق املياه العفنة‪ ،‬فهم يدركون عدم فيضان النيل‬
‫بعد‪.‬‬
‫الربكان ما مل خيرج منه الدخان والغازات‪ ،‬فال ميكن خروج احلمم قبل خروج الدخان‬
‫والغازات‪ ،‬لكن بعد أن ينشط الربكان‪ ،‬فإن احلمم حتمل معها دخاْنا‪ ،‬الناتج عن التهام احلمم‬
‫حلواف الثقب الذي تتسرب منه‪.‬‬
‫‪200‬‬
‫املاء يف الفرشات الباطنية‪ ،‬يوسعها مبالمسته حلواف الفرشة‪ ،‬كذلك احلمم توسع الثقب‬
‫يف قشرة اْلرض‪ ،‬مبالمستها له حارقة الصخور ومذيبة َلا‪ ،‬لتخرج مع احلمم وخيرج معها الدخان‬
‫املتولد عن حرق الطبقات‪ ،‬حلني بلوغ مستوى سطح اْلرض‪.‬‬
‫بعد الذي شرحته من كيفية خروج الدخان والغازات واحلمم الربكانية يف ابطن اْلرض‪ ،‬مث‬
‫صعودها يف السماء لعشرات إىل آالف اْلمتار أحياان‪ ،‬مل أجد أي أثر ملا أمساه نيوتن واينشتاين‬
‫جباذبية اْلرض‪.‬‬
‫لو كانت لْلرض جاذبية‪ ،‬كما زعم علماء الصهاينة كذاب منهم ال جهال بل تضليال‪ ،‬ملا‬
‫أمكن خروج الرباكني ابملطلق‪ْ ،‬لنه لو كان مكمن اجلاذبية يف نواة اْلرض أو أي مستوى من‬
‫ابطنها ملا مسح للحمم ابخلروج والتوجه حنو سطح اْلرض‪.‬‬
‫لو كان سطح اْلرض هو الذي ميلك قوة اجلاذبية‪ ،‬ملا مسح خبروج تلك احلمم‪ ،‬فما دام‬
‫له قوة جذهبا وهي يف السماء‪ ،‬كان أوىل أن تكون له قوة منع جتاوزها للسطح‪.‬‬
‫‪201‬‬
‫اخلبري العليم مبا خلق‪ ،‬أقسم ابلسماء ذات الرجع‪ ،‬بقوله جل جالله يف سورة الطارق‬
‫ص ْد ِع (‪ )) )12‬فالسماء ذات الرجع هي اليت تشرح‬ ‫ض ذَ ِ‬

‫ات ال ا‬ ‫سم ِاء ذَ ِ‬
‫ات ال ار ْج ِع (‪َ )11‬و ْاْل َْر ِ‬ ‫(( َوال ا َ‬
‫سقوط اْلجسام حنو مركز اْلرض‪ ،‬اليت تتحرك يف مركز السماء الدنيا‪.‬‬
‫الذين يزعمون أن سطح اْلرض هو الذي ميلك القوة اجلاذبة‪ ،‬يكذبون أو يستغفلون‬
‫البشرية‪ْ ،‬لننا لو حفران ثقبا بعمق ‪ 40‬كيلومرت وأسقطنا فيه كثلة من احلديد‪َ ،‬لوت إىل حني بلوغها‬
‫مركز اْلرض‪ ،‬مما ينفي أن القوة اجلاذبة تكمن يف سطح اْلرض‪.‬‬
‫كذبة جاذبية اْلرض اليت روج َلا نيوتن واينشتاين من بعده‪ ،‬فجعل منها الكفار مسلمة‬
‫ال ميكن مناقشتها حسب زعم الكفار‪ ،‬اتضح ملن يعقلون أْنا كذبة واهية‪ ،‬ال يقبلها العقل السليم‬
‫وتناقض احلقائق العلمية‬
‫كل ما يفرتيه الكفار ومن يصنعون منهم علماء ابلوهم والكذب‪ ،‬ال أساس له من‬
‫الصحة‪ ،‬والواجب علينا أن نرد عليهم ونسفه ترهاهتم‪ ،‬اليت هبا يسعون لتضليلنا ومنعنا من حتقيق‬
‫التفوق العلمي‪.‬‬
‫‪202‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬فوائد الرباكني على الرب‬
‫البد أن تكون للرباكني فوائد عظيمة‪ ،‬سخر اخلالق املصور الرباكني لتقدمها للحياة على‬
‫اْلرض‪ ،‬وأول فائدة هي قذف ماليني اْلطنان من الدخان‪ ،‬الذي يتحول إىل تربة غنية تغطي‬
‫الصخور الربكانية وبعض الطبقات الصخرية الصلبة‪ ،‬مما يضمن احلياة لكثري من املخلوقات‪ ،‬بتوفري‬
‫شروط إخراج املرعى الذي هو أساس احلياة على اْلرض بعد املاء‪.‬‬
‫دخان الرباكني غين ابملواد الضرورية حلياة املرعى عامة نباات وأشجار‪ ،‬وال يقدر على‬
‫إيصاله ْلبعد املسافات إال الربكان الذي يقذفه عاليا يف السماء‪ ،‬مسهال على الرايح نقل ماليني‬
‫إىل ماليري اْلطنان من الرتبة الغنية‪ ،‬لتغطي مناطق شاسعة من اْلرض‪ ،‬فتحوَلا إىل مروج خضراء‪.‬‬
‫‪203‬‬
‫اْلرض حني حتولت من حالة الكثيب املهيل إىل احلالة الصلبة‪ ،‬مل يتبقى منها سنتمرت‬
‫واحد من الرتبة‪ ،‬بل كل كرة الرمل العمالقة اليت ابطنها فيه احلديد ملتهب ومشتعل‪ ،‬حتولت إىل‬
‫كرة صلبة من الطبقات الصخرية‪.‬‬
‫الرباكني اليت نتجت من الشقوق العميقة اليت اشتعلت بفعل بلوغ املاء للحمم امللتهبة‪،‬‬
‫هي اليت ضخت ماليري اْلطنان من الدخان‪ ،‬طفا بعضه فوق املاء يف الشوق امللتهبة‪.‬‬
‫اختلط بعض الدخان ابجلبال اليت كانت تسقط يف الشقوق املشتعلة وهي يف حالة العهن‬
‫املنفوش‪ ،‬الذي يعين الصوف املغسول‪ ،‬فاتسخ الصوف املنفوش‪ ،‬حال مالمسته لسطح املاء‬
‫املتجمع يف الشقوق العميقة‪.‬‬
‫العهن املنفوش وهو اجلبال حينها‪ ،‬يهوي يف ابطن الشقوق بفعل قوة الرجع‪ ،‬فيحمل‬
‫معه اْلطنان من الدخان‪ ،‬الذي سهل حتول اجلبال بسرعة إىل حالة الكثيب املهيل‪ ،‬بعد أن أصبح‬
‫الصوف مثقال ابلدخان الذي أصبح ترااب‪ ،‬فهوى كالسحب العظيمة اليت كانت عليها اجلبال إىل‬
‫‪204‬‬
‫قاع الشقوق‪ ،‬فأغلقت تلك السحب العمالقة تلك الشقوق اليت حتقق فيها التماس بني املاء‬
‫والنار‪.‬‬
‫خروج الرباكني يف الرب له فوائد عظيمة جدا‪ ،‬حيث ختلق متنفسات لتخفيف الضغط على‬
‫القشرة اْلرضية‪ ،‬ومنع انفجارها املفاجئ‪ ،‬لذلك فكل بركان ينفجر فهو ينبئ بوجود ضغط هائل‬
‫على قشرة اْلرض من الباطن‪ ،‬يدفعها ذلك الضغط اَلائل للتشقق والتمزق‪ ،‬ولن يكون التمزق‬
‫بسرعة إال يف أعماق البحار‪ ،‬وكل متزق يف أعماق البحار يهدد استمرار احلياة على اْلرض كما‬
‫سبق وشرحت أعاله‪.‬‬
‫وقوع الرباكني خيفف احلركات الزلزالية‪ْ ،‬لنه لوال خروج احلمم يف الرباكني الستمرت‬
‫احلركات الزلزالية‪ ،‬حلني تدمري كل اْلرض وما عليها بدليل أن الزلزال العظيم الذي سيحدث يف‬
‫اْلرض يف ْنايتها‪ ،‬ليحوَلا من احلالة الصلبة إىل حالة الكتيب املهيل اليت هي كرة عمالقة هائلة‬
‫من الرمل‪ ،‬ستكون ْناية ذلك الزلزال العظيم خبروج أثقال اْلرض‪ ،‬لقول القوي اجلبار يف سورة‬
‫ض أَثْـ َقا ََلَا (‪.)) )2‬‬ ‫ض ِزل َْزا ََلَا (‪ )1‬وأَ ْخرج ِ‬
‫ت ْاْل َْر ُ‬ ‫الزلزلة ((إِذَا ُزلْ ِزل ِ‬
‫َ ََ‬
‫‪205‬‬
‫البد أن تتعرض البحريات الباطنية للضغط من نواة اْلرض وإال ملا حترك املاء املخزن فيها‬
‫ولبقي راكدا وما استطعنا االستفادة منه‪ْ ،‬لننا نعلم أن املاء املخزن يف خزاانت املاء‪ ،‬لكي يتوزع‬
‫على مستوى املدينة‪ ،‬نشيد اخلزاانت يف مواقع مرتفعة مع مساعدهتا أحياان مبضخات لضخه‪ ،‬لكن‬
‫ماء البحريات الباطنية يقع يف ابطن اْلرض‪ ،‬فما هي القوة اليت حتركه وجتربه على التوسع‬
‫واالنتشار يف الفرشات الباطنية؟‬
‫لو مل تكن اْلرض تنتفخ وتتمدد‪ ،‬ملا حترك املاء يف الفرشات الباطنية‪ ،‬والستحال على‬
‫الناس واحليوان العيش على اْلرض‪ْ ،‬لن أغلب اْلْنار اجلارية إمنا خيرج ماؤها من ابطن اْلرض‪،‬‬
‫بفعل قوة الضغط اليت متارسها اْلرض ابنتفاخها على البحريات الباطنية من اْلسفل‪ ،‬لتجربها على‬
‫إخراج ما فيها من املاء‪ ،‬فيتوزع يف الفرشات املائية‪.‬‬
‫بعض العيون خترج من قمم اجلبال وبعضها من أعلى اَلضاب‪ ،‬وال ميكن أن تكون‬
‫البحريات الباطنية أعلى تلك العيون‪ ،‬لكي خيرج منها املاء‪ ،‬بل البحريات الباطنية يف الغالب تكون‬
‫كلها أسفل شبكة الفرشات الباطنية اليت توزع مائها‪.‬‬
‫‪206‬‬
‫يف الغالب خيرج من البحرية الباطنية فرشة واسعة جدا وكلما صعدت حنو السطح بفعل‬
‫قوة الضغط على البحرية الباطنية من أسفلها ابنتفاخ اْلرض‪ ،‬كلما توزعت تلك الفرشة الكبرية إىل‬
‫فرشات صغرية‪ ،‬متاما ما يتوزع املاء يف أي مدينة مثال‪ ،‬قناة كبرية تقسم‪ ،‬مث تقسم اليت انقسمت‬
‫منها وهكذا يتوزع املاء‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬عواقب الرباكني على الرب‬
‫املاء خمزن يف ابطن اْلرض ال على سطحها‪ ،‬بدليل قول العليم اخلبري يف سورة احلجر‬
‫الرايح لَواقِح فَأَنزلْنا ِمن ال ا ِ‬

‫َس َق ْيـنَا ُك ُموهُ َوَما أَنتُ ْم لَهُ ِخبَا ِزنِ َ‬
‫ني))‪.‬‬ ‫س َماء َماءً فَأ ْ‬ ‫اآلية ‪َ (( 22‬وأ َْر َسلْنَا ِ َ َ َ َ َ َ َ‬
‫اخلبري احلليم هو الذي خيزن املاء يف ابطن اْلرض‪ ،‬وْلن اْلرض تنتفخ وتتمدد يوما بعد‬
‫يوم‪ ،‬فالضغط اَلائل الذي تتعرض له البحريات الباطنية‪ ،‬ضغط يهددها ابالنفجار والتمزق‪،‬‬
‫‪207‬‬
‫ومتزقها يعين بلوغ كميات هائلة من املاء لنواة اْلرض‪ ،‬الذي ستكون نتيجته انتفاخ هائل وبسرعة‬
‫فائقة‪ ،‬للتعجيل ابرجتاج اْلرض وزواَلا‪.‬‬
‫للرباكني يف الرب عواقب خطرية على اإلنسان واحليوان وسائر املخلوقات‪ ،‬خاصة إن كان‬
‫الربكان قريبا من التجمعات السكانية‪ْ ،‬لن بركاان عظيما ميكنه أن يقضي على مدينة أو حىت على‬
‫مدن عدة ابلغازات السامة اليت ينفثها‪ ،‬اليت إبمكاْنا أن تبيد ساكنة مدينة كاملة يف غضون دقائق‪.‬‬
‫إبمكان الربكان أن يطمر مدينة أو جمموعة مدن يف غضون يوم أو أقل منه‪ ،‬بفعل ماليري‬
‫املاليري من أطنان الدخان‪ ،‬اليت تنزل على املدن فتغطيها وتطمرها كما تطمر الرمال املباين يف‬
‫الصحراء‪.‬‬
‫الرباكني هي اليت أوجدت شروط توفر املرعى كما شرحت من قبل‪ ،‬وهي نفسها اليت‬
‫ميكنها أن تقضى على املرعى كلية وكل ما يرعى عليه‪ ،‬ابلغازات السامة والدخان واحلمم الربكانية‬
‫اليت حترق كل ما متر عليه‪.‬‬
‫‪208‬‬
‫الرباكني ميكنها أن توقف املالحة اجلوية والبحرية أيضا لشهور وحىت لسنوات يف بعض‬
‫املناطق‪ ،‬بفعل ما تنفثه من الدخان الذي ينتشر ملسافات بعيدة‪ ،‬قد يغطي الدخان قارة كاملة أو‬
‫أكثر‪ْ ،‬لنه كلما استمر الربكان يف نفث الدخان دون احلمم‪ ،‬ساعدته الرايح على نشر دخانه‪،‬‬
‫حيث ميكن أن تنقله الرايح ملساقات قد تبلغ آالف الكيلومرتات‪.‬‬
‫الرباكني تلوث املاء على سطح اْلرض ابلغازات السامة اليت تنفثها يف السماء‪ ،‬فتنزل‬
‫تلك الغازات مع املطر‪ ،‬ليكون املطر ملواث مسموما غري صاحل للشرب‪ ،‬كما تلوت املاء املتجمع‬
‫يف البحريات السطحية‪ ،‬بفعل سقوط الدخان والغازات فيه‪.‬‬
‫ميكن أيضا للرباكني أن تلوث املياه يف البحريات الباطنية‪ ،‬ابمتالء اْلودية واجلبال‬
‫ابلدخان الذي قد يكون مسموما‪ ،‬فيدخل يف الشقوق والثقوب اليت تتغذى منها البحريات‬
‫الباطنية‪ ،‬ليكون املاء الباطين ملواث أيضا ملدة من الزمن‪.‬‬
‫‪209‬‬
‫كان للرباكني يف بداية عمر اْلرض‪ ،‬الفضل الكبري يف ازدهار حياة اْلرض وغنائها ابلتنوع‬
‫النبايت واحليواين‪ ،‬لكن كلما اقرتبنا من ْناية عمر اْلرض‪ ،‬تكون الرباكني نقمة على التنوع ابلغازات‬
‫السامة والدخان واحلمم امللتهبة‪.‬‬
‫ستكثر الرباكني يف اْلرض مؤذنة بقرب ْناية عمر اْلرض وستكون تلك الرباكني سبب‬
‫القضاء على كثري من املخلوقات‪ ،‬وخاصة اإلنسان‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬أمهية الرباكني‬
‫كل ما خلقه هللا عز وجل وسخره من أحداث ووقائع وظواهر إال وَلا دور يف احلياة على‬
‫اْلرض‪ ،‬صحيح أن البعض ال يرى إال اجلوانب السلبية من كل املخلوقات‪ ،‬لكن مؤكد أن لكل‬
‫خملوق مهما كانت له سيئات له اجيابيات قد تكون أهم مما نتصور‪.‬‬
‫‪210‬‬
‫تعرضت اْلرض لقويت ضغط هائلتني‪ ،‬كان َلما الفضل يف حتويل اْلرض من كرة عمالقة‬
‫من الرمل إىل كرة عمالقة من الصخور‪ ،‬لكن يف كال احلالتني كان مركز اْلرض ملتهبا‪ ،‬حيث جتمع‬
‫احلديد النازل عليها والذي سخره القوي اجلبار لدفعها من البؤرة العلوية للسماء الدنيا حنو البؤرة‬
‫السفلية‪ ،‬مث لنموها وحتويها من مرحلة إىل مرحلة‪.‬‬
‫قوة ضغط طبقات اجلليد مع الربودة‪ ،‬فرضت على كرة الرمل العمالقة من أعلى‪ ،‬كما‬
‫قوة النفخ واحلرق والضغط حنو اْلعلى فرضت على كرة الرمل من ابطنها‪ ،‬والنتيجة هي حرق‬
‫الرمل حتت قويت ضغط هائلتني‪ ،‬فجعلتا منه طبقات أفقية بعضها على بعض‪.‬‬
‫الرمل خمتلف اجلودة‪ ،‬لذلك كان اَلش منه يتجمع كالزبد بني كل طبقتني صلبتني‪،‬‬
‫مشكال طبقات هشة وضعيفة‪ ،‬فلم يبق من كرة الرمل إال جزء يسري منه ميكن أن يشكل آخر‬
‫طبقة هشة بني الرمل واجلليد‪ ،‬كانت عبارة عن الزبد الناتج عن حرق الرمل كلية وحتويله إىل‬
‫طبقات صخرية‪.‬‬
‫‪211‬‬
‫للرباكني أمهية عظيمة يف منع انفجار اْلرض‪ ،‬حيث كلما تزايد الضغط يف ابطن اْلرض‬
‫كلما خرج بعض ضغطها يف فوهة بركان‪ ،‬فتستمر قاذفة احلمم لزمن معني‪ ،‬مث ختمد حال ينقص‬
‫الضغط يف ابطن اْلرض‪.‬‬
‫املبحث اْلول‪ :‬توفري الرتبة للمرعى‬
‫الرتبة اليت نراها على اْلرض تشكلت نواهتا اْلوىل بفضل الرباكني‪ ،‬فقد دحا هللا عز وجل‬
‫اها‬ ‫ض بَـ ْع َد َٰذلِ َ‬

‫ك َد َح َ‬ ‫اْلرض مبعىن أنه أبعدها‪ ،‬بدليل قول الويل احلميد يف سورة النازعات (( َو ْاْل َْر َ‬
‫اها (‪.)))32‬‬ ‫اها (‪َ )31‬وا ْجلِبَ َ‬ ‫(‪ )30‬أَ ْخر ِ‬

‫ََ‬
‫بردت اْلرض فتحول كل اَليدروجني واْلكسجني املوجودين داخل غالفها اجلوي إىل‬
‫طبقات من الثلج‪ ،‬أحاطت ابْلرض بسمك هائل جدا‪ ،‬واْلرض حينها جمرد كرة رمل عمالقة‬
‫جدا‪ ،‬أي أن اْلرض كانت حينها يف مرحلة الكثيب املهيل‪.‬‬
‫‪212‬‬
‫مسك طبقة الرتبة بعد انتقال اْلرض من مرحلة الكثيب املهيل إىل مرحلة اْلرض الصلبة‪،‬‬
‫كانت ضعيفة نسبيا وكانت جد مضغوطة وأقرب للصخور الرملية منها للرتبة‪ْ ،‬لْنا تعرضت‬
‫لضغط هائل جدا‪.‬‬
‫كان البد من تغذية تلك الطبقة الصلبة نسبيا‪ ،‬برتبة هشة جدا وغنية هي دخان‬
‫الرباكني‪ ،‬اخلارج بفعل قوة الضغط اليت شقت اْلرض إىل عدد كبري من الشقوق بعضها عميق‬
‫جدا‪ ،‬ألقيت فيها اجلبال وشقوق عريضة وطويلة لكن ليست عميقة‪ ،‬تشكلت منها البحار‬
‫واحمليطات‪.‬‬
‫القوة النافخة الشديدة هي نفسها اليت أحدثت عددا مما من الرباكني يف الرب‪ ،‬نفث كل‬
‫منها الكثري من الدخان الذي غطى كل اْلرض تقريبا يف مرحلة من املراحل‪ ،‬فتشكلت اْلرض‬
‫اخلصبة الغنية اليت أخرج هللا منها املرعى‪ ،‬حيث ذاب الكثري من طبقات اجلليد حول اْلرض‪،‬‬
‫لكن مل تذب كلها ابلطبع إال يف ثالث مرات‪ ،‬احرتق خالَلا كل املرعى الذي على اْلرض تقريبا‪.‬‬
‫‪213‬‬
‫للشمس أيضا دور جد مهم يف الرفع من مسك طبقة الرتبة على اْلرض‪ْ ،‬لن الشمس يف‬
‫شوطها الثاين نزوال حنو البؤرة السفلية للسماء الدنيا‪ ،‬التقت هي واْلرض يف مستوى غري بعيد من‬
‫البؤرة السفلية للسماء الدنيا وأصبحتا يف نفس املستوى اْلفقي‪ ،‬فنتج عن ذلك احرتاق كل‬
‫الغاابت‪.‬‬
‫كانت اْلرض كلها تقريبا غاابت‪ ،‬لدرجة مل يبق فيها مرت مربع واحد من اجلليد حني‬
‫اقرتبت منها الشمس‪ ،‬لكن بتواجدمها يف نفس املستوى اْلفقي اشتعلت الغاابت ورمبا احرتقت‬
‫خملوقات عمالقة عاشت ذلك الزمن وال نعرف عنها أي شيء لليوم‪.‬‬
‫طمر الدخان بعض املخلوقات أو احرتقت ابلكلية‪ ،‬فأصبحت هي نفسها رمادا ومل ينج‬
‫من خملوقات ذلك الزمن إال اليت حتفر‪ ،‬لتجد َلا مالذا يف أعماق اْلرض لزمن غري يسري‪ ،‬لعلها‬
‫تنجو من حرارة الشمس واحلرائق‪.‬‬
‫اْلرض عرفت عصرين جليديني استمر كل منهما ملدة علمها عند هللا عز وجل‪ ،‬خالَلما‬
‫كانت الشمس ساجدة حتت العرش لرهبا‪ ،‬املرة اْلوىل يف ْناية الشوط اْلول للشمس صعودا‪،‬‬
‫‪214‬‬
‫بدليل احلديث الوارد يف صحيح مسلم عن أيب ذر أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال يوما ((‬
‫أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قالوا‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ :‬إن هذه جتري حىت تنتهي إىل‬
‫جئت))‪.‬‬
‫العصر اجلليدي الثاين خالل السجدة الثانية‪ ،‬يف ْناية الشوط الثالث للشمس صعودا‬
‫على رهبا‪ ،‬بدليل املقتطف من نفس احلديث أعاله ((مث جتري حىت تنتهي إىل مستقرها حتت العرش‬
‫فتخر ساجدة‪ ،‬وال تزال كذلك حىت يقال َلا ‪ :‬ارتفعي‪ ،‬ارجعي من حيث جئت))‪.‬‬
‫مصدر الرتبة القليلة حول اْلرض الصلبة هي الرباكني مث بعدها ثالث مرات احرتق‬
‫خالَلا كل ما على اْلرض من شجر ونبات‪ ،‬والرباكني ابلطبع مستمرة لليوم يف تزويد اْلرض‬
‫وتغذيتها ابلرتبة اخلصبة عرب الدخان الذي تنفثه وهو جد غين‪.‬‬
‫‪215‬‬
‫املصدر املستمر للرتبة على سطح اْلرض هو املرعى‪ ،‬حيث ينبت العشب مث جيف‬
‫فيتحول إىل تراب‪ ،‬كما تلقي اْلشجار كميات هائلة من أوراقها‪ ،‬فتتحول كلها إىل مواد عضوية‬
‫جد مهمة تغين اْلرض‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬منع اْلرض من االنفجار الكلي‬
‫الرباكني ال خترج من ابطن اْلرض برغبتها‪ ،‬بل خترج مطرودة مدفوعة بضغط هائل جدا‪،‬‬
‫نستدل عليه ابإلنفجارات اليت ترافق خروج احلمم‪ ،‬حيث تصعد يف السماء ابرتفاع عشرات إىل‬
‫مئات اْلمتار‪ ،‬لتعود إىل اْلرض‪ ،‬بعد أن تصطدم بقوة الرجع‪ ،‬فتنتهي قوة الدفع اليت تعرضت َلا‬
‫من أثقال اْلرض‪.‬‬
‫‪216‬‬
‫خروج الرباكني بقوة وعنف شديدين‪ ،‬معناه أن الضغط يف ابطن اْلرض بلغ مستوى ينذر‬
‫ابخلطورة والبد من تنفيسه قليال‪ ،‬لكي ال يشق اْلرض شقا عظيما‪ ،‬حمداث زلزاال خطريا قد يقضي‬
‫على ماليني البشر‪.‬‬
‫خروج الرباكني وانفجارها مؤقت يف الغالب‪ ،‬ويستمر أغلب الرباكني خامدا ملدة أكثر‬
‫مبائة مرة أحياان‪ ،‬من املدة اليت يقضيها منفجرا خمرجا للحمم والدخان والغازات‪ ،‬لذلك فالرباكني‬
‫تقوم بدور فعال جدا يف تقليل الضغط يف ابطن اْلرض‪.‬‬
‫نالحظ أن أغلب الرباكني تعاود االنفجار ولو بعد قرون من َخودها‪ ،‬مما يعين أن تلك‬
‫الفوهات الربكانية هي متنفسات لباطن اْلرض‪ ،‬تقلل الضغط فيه‪ ،‬خبروج احلمم والدخان‬
‫والغازات‪.‬‬
‫بعض الرباكني ال خيرج إال الدخان‪ ،‬وقد يستغرب الكثري من مصدر ذلك الدخان اَلائل‬
‫الذي ال يكاد ينتهي‪ ،‬واجلواب أن مصدره هو احرتاق الطبقات الصخرية لقشرة اْلرض‪ ،‬املتاَخة‬
‫للحمم الربكانية‪.‬‬
‫‪217‬‬
‫احلديد امللتهب يف ابطن اْلرض‪ ،‬أنزل على اْلرض من السماء ملتهبا مشتعال‪ ،‬منذ‬
‫كانت اْلرض يف مرحلة السراب‪ ،‬فبقي مشتعال يف ابطن اْلرض‪ ،‬واستمر احلديد انزال على‬
‫السماء لليوم‪ ،‬وسيتجمع كل احلديد املنزل على اْلرض يف كرة عمالقة تعود ْلصلها الذي‬
‫جاءت منه‪ ،‬وهو خارج السماوات واْلرض‪.‬‬
‫الدخان يف ابطن اْلرض‪ ،‬ينتج عن عملية احرتاق الطبقات الصخرية‪ ،‬ويف نفس الوقت‬
‫يقوم حبماية الطبقات الصخرية يف ابطن اْلرض من االحرتاق السريع‪ْ ،‬لنه كلما احرتقت الطبقات‬
‫الصخرية نتج عن فعل االحرتاق دخان كثيف‪.‬‬
‫الدخان أخف من احلمم وال ميكنه أن خيتلط هبا‪ ،‬بل يطفوا عليها‪ ،‬لذلك يتجمع كل‬
‫الدخان‪ ،‬ما بني الطبقات الصخرية يف أسفل قشرة اْلرض وبني احلمم امللتهبة‪ ،‬فيشكل طبقة عازلة‬
‫مضغوطة‪ ،‬متنع حتقق التماس املباشر مؤقتا بني احلمم والصخور‪.‬‬
‫حني يكثر الضغط على قشرة اْلرض من الباطن دافعا َلا حنو التوسع والتشقق‪ ،‬فإن‬
‫الدخان الذي ميلك القدرة على إذابة بعض الطبقات الصخرية‪ ،‬يتمكن من التسرب حنو سطح‬
‫‪218‬‬
‫اْلرض‪ ،‬حمداث ثقبا يتسرب منه‪ ،‬وخمففا الضغط على قشرة اْلرض‪ ،‬مانعا َلا من االنشقاق‬
‫وحدوث الزالزل القوية‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬تشكل اجلزر يف البحار واحمليطات‬
‫اجلزر كلها بنسبة تبلغ ‪ 99‬يف املائة تقريبا‪ ،‬الفضل يف وجودها يعود للرباكني‪ ،‬فكل اجلزر‬
‫تقريبا تقع يف عرض احمليطات والبحار بعيدا يف الغالب عن الرب وال ميكن أن تكون اجلزر أجزاء من‬
‫اْلرض الرب‪ ،‬قد يكون حدث شق يف اْلرض فأبعدها عن الرب‪ ،‬إال جزيرة واحدة هي يف احلقيقة‬
‫جزء من اْلرض الرب ومل تتشكل ابلرباكني وهي جزيرة مدغشقر‪ْ ،‬لْنا مقتطعة من القارة اإلفريقية‪،‬‬
‫حيث شكلها وشكل اجلزء الذي اقتلعت منه واضح جدا وميكن ملن يتدبر أن يالحظ ذلك‪.‬‬
‫حتدث الرباكني يف أعماق احمليط أو البحر‪ ،‬فهي كما ذكرت من قبل حتدث يف البحر‬
‫أبضعاف مضاعفة عما حتدث يف الرب‪ْ ،‬لن قشرة اْلرض يف أعماق احمليطات والبحار ممزقة أصال‪،‬‬
‫‪219‬‬
‫فذلك التمزيق هو الذي تشكلت منه احمليطات والبحار‪ ،‬وخروج احلمم جراء الضغط اَلائل من‬
‫أثقال اْلرض امللتهبة‪ ،‬يكون يف اْلجزاء الضعيفة من قشرة اْلرض قبل اْلجزاء الصلبة‪.‬‬
‫الربكان يف أعماق احمليطات والبحار يقع حتت قوتني متعارضتني نسبيا‪ ،‬قوة النفخ والتمدد‬
‫من ابطن اْلرض جترب احلمم على اخلروج لسطح قشرة اْلرض‪ ،‬الذي هو أعماق احمليط ابلطبع‬
‫ابلنسبة للرباكني يف البحار واحمليطات‪.‬‬
‫القوة املضادة هي قوة ضغط املاء اليت تربد احلمم بسرعة‪ ،‬فتحاول إغالق تلك البؤرة‬
‫اليت خترج منها احلمم الربكانية‪ ،‬فتربد احلمم بسرعة فينتج عنها إغالق تلك البؤر الربكانية‪ ،‬حلني‬
‫تزايد الضغط من جديد يف ابطن اْلرض لينشط الربكان من جديد قاذفا احلمم لعمق البحر‪.‬‬
‫احلمم الربكانية يف أعماق البحار ال يتأتى َلا االنتشار والتمدد يف عمق البحر‪ ،‬بل تربد‬
‫بسرعة بفعل املاء‪ ،‬ما جيعل تلك احلمم يتجمع بعضها على بعض‪ ،‬لتشكل ما يشبه العمود بقطر‬
‫قد يصل كيلومرت أو أقل حسب قوة الربكان أو ضعفه‪ ،‬وكلما انفجر الربكان ازداد ارتفاع العمود‬
‫‪.‬‬ ‫الربكاين‪ ،‬حلني يبدو على سطح املاء‬
‫‪220‬‬
‫حال خيرج العمود الربكاين لسطح البحر‪ ،‬تنتشر احلمم تدرجييا لكوْنا مل تعد تتعرض‬
‫لربودة املاء‪ ،‬ما جيعلها تعتمد على العمود تدرجييا مث تتوسع‪ ،‬فكلما بردت طبقة توسعت عليها‬
‫طبقة أخرى وهكذا تتحول اجلزيرة مع الزمن إىل ما يشبه مظلة‪ ،‬تكرب دائرهتا كلما تزايدت احلمم‬
‫اخلارجة من الربكان‪.‬‬
‫قد حيدث أن تتوسع فوهة الربكان أبن تتسرب احلمم حتت قشرة احلمم الباردة سابقا‪،‬‬
‫ْلنه حني تربد احلمم على املاء حيدث التفاعل حتتها‪ ،‬فتنتفخ اتركة فراغا تستغله احلمم يف‬
‫اإلنفجارات اْلخرى‪.‬‬
‫خترج احلمم يف فوهة بركانية واحدة‪ ،‬لكنها على سطح اجلزيرة تتوسع إىل جمموعة‬
‫فوهات‪ ،‬كلها تقوي اجلزيرة بتوسعة مساحتها وتقوية سطحها املرتكز كله على عمود واحد‪.‬‬
‫بعد أن تتوسع اجلزيرة‪ ،‬اليت ال تكون يف البداية إال صخور بركانية بال تربة وال مكان‬
‫صاحل للعيش‪ ،‬حيدث مع الزمن أن يتجدد فوران نفس الربكان املشكل للجزيرة‪ ،‬فيقذف الدخان‬
‫الذي يرتسب بعضه على صخور اجلزيرة مشكال طبقة من الرتبة‪ ،‬تضاف لبقااي الطيور املهاجرة‬
‫‪221‬‬
‫اليت حال خترج صخرة يف البحر إال واختذهتا مكاان للراحة أو لالستقرار خاصة الطيور البحرية‬
‫منها‪.‬‬
‫مع ترسب طبقات الدخان وبقااي الطيور اليت حتمل كل أنواع البذور‪ ،‬تبدأ احلياة يف‬
‫اجلزيرة تدرجييا‪ ،‬حلني تصبح عامرة مزدهرة‪ ،‬وْلن التفاعالت بني احلمم واملاء جتعل احلمم تنتفخ‬
‫أحياان ْلمتار مشكلة خزاانت ابطنية بني طبقات احلمم‪ ،‬تلك اخلزاانت جتمع املاء‪ ،‬مع كل هطول‬
‫للمطر‪ ،‬لتحول اجلزيرة مع مر السنن إال مكان صاحل للحياة‪.‬‬
‫‪222‬‬
‫الفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرس‬
‫‪03‬‬ ‫كلمة شكر وتقدير‬
‫‪05‬‬ ‫اإلهداء‬
‫‪06‬‬ ‫مقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫‪23‬‬ ‫الباب اْلول‪ :‬اْلرض واجلبال خلقا من سراب‬
‫‪29‬‬ ‫الفصل اْلول‪ :‬مراحل خلق اْلرض‬
‫‪34‬‬ ‫املبحث اْلول‪ :‬اْلرض خلقت يف حالة السراب‬
‫‪41‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬حتول السراب إىل العهن املنفوش‬
‫‪46‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬حتول العهن املنفوش إىل الكثيب املهيل‬
‫‪51‬‬ ‫املبحث الرابع‪ :‬حتول الكثيب املهيل إىل اْلرض الصلبة‬
‫‪57‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬مراحل خلق اجلبال‬
‫‪62‬‬ ‫املبحث اْلول‪ :‬اجلبال خلقت يف حالة السراب‬
‫‪68‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬إرساء اجلبال يف مرحلة العهن املنفوش‬
‫‪74‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬حتول اجلبال من العهن املنفوش إىل الكثيب املهيل‬
‫‪81‬‬ ‫املبحث الرابع‪ :‬حتول اجلبال من الكثيب املهيل إىل احلالة الصلبة‬
‫‪91‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬زوال اْلرض واجلبال‬
‫‪95‬‬ ‫املبحث اْلول‪ :‬الزلزلة الشديدة حتول اْلرض واجلبال إىل الكثيب املهيل‬
‫‪101‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬رفع احلديد يرتك اْلرض واجلبال كالعهن املنفوش‬
‫‪109‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬حتول اجلبال واْلرض حلالة السراب اليت هي اْلصل‬
‫‪117‬‬ ‫الباب الثاين‪ :‬انتفاخ اْلرض خيلق الزالزل يف الرب والبحر؟‬
‫‪124‬‬ ‫الفصل اْلول‪ :‬الزالزل يف البحر‬
‫‪128‬‬ ‫املبحث اْلول‪ :‬كيف حتدث الزالزل يف البحر؟‬
‫‪132‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬نتائج الزلزال يف البحار‪.‬‬
‫‪136‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬عواقب الزالزل يف البحار‪.‬‬
‫‪223‬‬
‫‪139‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬الزالزل يف الرب‬

‫‪143‬‬ ‫املبحث اْلول‪ :‬كيف حيدث اهتزاز الطبقات اْلرضية؟‬
‫‪148‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬ملاذا تنشق اْلرض؟‬
‫‪152‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬ما هي القوة اليت تسبب انشقاق اْلرض؟‬
‫‪155‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬أمهية الزالزل‪.‬‬
‫‪160‬‬ ‫املبحث اْلول‪ :‬بفضل الزالزل تشكلت البحار واحمليطات‬
‫‪165‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬بفضل الزالزل أرسيت اجلبال يف اْلرض‬
‫‪170‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬ابالنتفاخ والتمدد والتصدع منت اْلرض وكربت‬
‫‪175‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬متدد اْلرض وتصدعها خيلق الرباكني يف الرب والبحر؟‬
‫‪181‬‬ ‫الفصل اْلول‪ :‬الرباكني يف البحر‬
‫‪186‬‬ ‫املبحث اْلول‪ :‬كيف ختلق الرباكني يف البحار؟‬
‫‪189‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬فوائد الرباكني يف البحار‪.‬‬
‫‪194‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬عواقب الرباكني يف البحار‪.‬‬
‫‪199‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬الرباكني يف الرب‬
‫‪202‬‬ ‫املبحث اْلول‪ :‬كيف خترج الرباكني يف الرب؟‬
‫‪207‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬فوائد الرباكني على الرب‬
‫‪212‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬عواقب الرباكني على الرب‬
‫‪215‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬أمهية الرباكني‬
‫‪216‬‬ ‫املبحث اْلول‪ :‬توفري الرتبة للمرعى‬
‫‪220‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬منع اْلرض من االنفجار الكلي‬
‫‪223‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬تشكل اجلزر يف البحار واحمليطات‬
‫‪224‬‬
‫البطاقة الوطنية مل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـؤلف الكت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاب‬
‫‪225‬‬
‫للتواصل مع املؤلف خبصوص الكتاب ومضمونه‬

‫عنوان املراسلة‪ :‬رقم ‪ 10‬زنقة سيدي أمحد الدرهم شارع املسرية اخلضراء ‪ 81000‬كلميم اململكة‬
‫املغربية‬
‫‪00212668137801 - 00212528770686‬‬ ‫رقم اَلاتـ ـ ــف‪:‬‬
‫‪alwahda2008@gmail.com‬‬ ‫الربيد اإللكرتوين‪:‬‬
‫الفايسبوك‪https://www.facebook.com/Lastronomeboufim :‬‬
‫‪https://www.youtube.com/user/MrBoufim/videos‬‬ ‫قناة اليوتوب‪:‬‬
‫احلساب البنكي للمؤلف‪:‬‬
‫‪BANQUE POPULAIRE DU CENTRTE SUD‬‬
‫‪SUCCURSALE DE TIZNIT‬‬
‫‪AGENCE BAB SAHARA GUELMIM.‬‬
‫‪81000 GUELMIM MAROC‬‬
‫‪M.BOUFIM ABDELLAH / JD15958‬‬
‫‪IBAN: MA 01101320211113228558000089‬‬
‫‪SWIFT: B.C.P.MA.MC.CES‬‬
‫‪226‬‬
‫‪227‬‬
‫‪228‬‬

حقيقة الزلازل والبراكين

Uploaded by

Document Information

Original Title

Copyright

Available Formats

Share this document

Share or Embed Document

Sharing Options

Did you find this document useful?

Is this content inappropriate?

Copyright:

Available Formats

حقيقة الزلازل والبراكين

Uploaded by

Copyright:

Available Formats

‫حقي ـق ـة الزالزل والرباكني ‪ /‬ذ‪.

‬عبد هللا بوفيم ‪ /‬اإليداع القانوين‪2019MO0066:‬‬

‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬

‫أَثْـ َقا ََلَا (‪﴾ )2‬‬

‫سورة الزلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزلة‬

‫صدق هللا العظيم‬

‫اإليـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداع القانوين‪2019MO0066:‬‬

‫‪2019‬‬ ‫الطبعة اْلوىل من الكتاب نشرت بتاريخ‪ 23:‬يناير‬

‫مثن الكتاب هو‪ 70 :‬وحدة من عملة دولة إقامتك‪.‬‬

‫يدفع املبلغ يف احلساب البنكي للمؤلف وهو يف الصفحة ما قبل اْلخرية‪.‬‬

‫كلمة شكر وتقدير‬

‫طفال‪ ،‬فوجهتين شااب وترشدين كبريا‪.‬‬

‫ولكل اْلهل واْلحباب‪.‬‬

‫ْلي لغة يتقنها‪ ،‬مع احرتامه اْلمانة العلمية‪.‬‬

‫شجعوين على الكتابة ومواصلة التأليف يف جماالت عدة‪.‬‬

‫ت َوَما تَـ ْوفِ ِيقي إِاال‬

‫نعمة الصحة والعافية وأن يسعدكما يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫من الصادقني والصادقات‪.‬‬

‫خاصة يف حسايب يف الفيسبوك‪.‬‬

‫مـ ـ ـق ـدمـ ـة‬

‫يعلمون احلقيقة وحيتفظون هبا ْلنفسهم‪.‬‬

‫إال نتيجة انتفاخ اْلرض ومتددها‪.‬‬

‫القارات‪ ،‬فيبعدها عن بعضا البعض‪.‬‬

‫أن يشريوا إىل املسبب احلقيقي‪ ،‬للحركات التكتونية‪.‬‬

‫يزعمون أن كل املخلوقات الفلكية هي نتيجة ما يسمونه سدمي انتج عن الشمس‪،‬‬

‫يف املدارس واجلامعات‪.‬‬

‫اس َي َوأَنبَـ ْتـنَا فِ َيها ِمن ُك ِل َزْو ٍج َهبِ ٍ‬

‫جسم ليكون مده يف كل االجتاهات‪.‬‬

‫ال ميكن مده‪ْ ،‬لنه حقق منتهى املد‪.‬‬

‫وكأْنا مشتعلة عن بعد‪.‬‬

‫الشمس تنري سطح البحر‪ ،‬لكن عمقه مظلم جدا‪.‬‬

‫اْلرض كله‪ ،‬حينها تنفجر بال شك‪.‬‬

‫الغذاء اإلنسان ينمو‪.‬‬

‫إن استمر احنباس ذلك الضغط‪.‬‬

‫كله‪ ،‬نتيجة حركة الغازات واملواد يف بطن اإلنسان‪.‬‬

‫الغازات وتلك احلمم‪ ،‬هي أضعف النقاط يف القشرة اْلرضية‪.‬‬

‫اه ان س ْبع َمسَاو ٍ‬

‫يح َو ِح ْفظًا ۚ ٰذَلِ َ‬

‫ال َْعلِ ِيم(‪.)) )12‬‬

‫الصخور حيتاج طاقة خيالية جدا‪.‬‬

‫العليا يف دول املسلمني‪ ،‬ملنع املسلمني من تدريس العلم احلق‪.‬‬

‫اْلعداء لطمسها فأفلحوا يف ذلك‪.‬‬

‫تدرس يف اجلامعات اخلاصة ابملميزين من الكفار‪.‬‬

‫اجلامعات اإلسالمية‪ ،‬مفروض علينا من الكفار‪ ،‬وليس من اختياران‪.‬‬

‫التموج واالنكسار‪ ،‬لكن كيف حدث ذلك؟ يقول حركات تكتونية‪.‬‬

‫ابالجرتار وغري مستعد للبحث وتعميق البحث يف احلقائق‪.‬‬

‫صلبتني طبقة هشة‪ ،‬أحياان تكون بسمك سنتمرتات فقط‪.‬‬

‫واتفهة‪ ،‬لكنها متنعه من التفكر واالنتباه‪.‬‬

‫افرتاه ترهات يف ترهات‪ ،‬ال ترقى ملستوى العلوم‪.‬‬

‫والتافهني‪ ،‬لدرجة أصبحوا معيارا للعلم وهم جمرد كذابني اتفهني‪.‬‬

‫لنا أن نتعرف عليها؟‬

‫يقنعوننا هبا‪ ،‬فهم عاجزون عن ذلك‪ ،‬ليقينهم أنفسهم أبْنا أكاذيب‪.‬‬

‫واجملالت العلمية يف شبايب الكثري‪.‬‬

‫ابجلواب على التساؤالت اليت كانت تؤرقين مند طفوليت‪.‬‬

‫الباب اْلول‪ :‬اْلرض واجلبال خلقا‬

‫يح َو ِح ْفظًا ۚ َٰذلِ َ‬

‫تَـ ْق ِد ُير ال َْع ِزي ِز ال َْعلِ ِيم (‪.)) )12‬‬

‫ض ِيف يَـ ْوَم ْ ِ‬

‫املثري هو قول العلي العظيم ((ِيف أَربـع ِة أ اَايٍم سواء لِل ا ِ‬

‫اْلرض مع تقدير اْلقوات فيها‪.‬‬

‫أعالها منفصلة عنها وجعل الربكة فيها وتقدير كل ما سيكون فيها‪.‬‬

‫ال ََلَا َولِ ْْل َْر ِ‬

‫ال ََلَـ ـ ـا َولِ ْْل َْر ِ‬