You are on page 1of 21

‫المغني‬

‫موفق الدين أبو محمد عبد الله بن قدامة المقدسي الحنبلي‬

‫)الجزء السادس – كتاب العتكاف(‬


‫كتاب العاتكاف‬ ‫‪‬‬
‫مسألة‪ :‬حكم العتكاف‬ ‫‪o‬‬
‫فصل‪ :‬قضاء العتكاف‬ ‫‪‬‬
‫مسألة‪ :‬صحة العتكاف بصوم وبدون صوم‬ ‫‪o‬‬
‫فصل‪ :‬اشتراط الصوم في العتكاف‬ ‫‪‬‬
‫مسألة‪ :‬شرط العتكاف المسجد الجامع‬ ‫‪o‬‬
‫فصل‪ :‬العتكاف مدة غير وقت الصلة في أي مسجد‬ ‫‪‬‬
‫فصل‪ :‬اعتكاف المرأة في أي مسجد‬ ‫‪‬‬
‫فصل‪ :‬اعتكاف من سقطت عنه الجماعة من الرجال‬ ‫‪‬‬
‫فصل‪ :‬استحباب الستتار للمعتكفات‬ ‫‪‬‬
‫مسألة‪ :‬خروج المعتكف للضرورة‬ ‫‪o‬‬
‫فصل‪ :‬أكل المعتكف إذا خرج لحاجة‬ ‫‪‬‬
‫فصل‪ :‬قضاء المعتكف حاجته في أقرب مكان للمسجد‬ ‫‪‬‬
‫فصل‪ :‬بطلن العتكاف بالخروج لغير ضرورة‬ ‫‪‬‬
‫مسألة‪ :‬عيادة المريض وشهود الجنازة للمعتكف‬ ‫‪o‬‬
‫أحدهما‪ :‬الخروج لعيادة المريض وشهود الجنازة مع عدم الشتراط‬ ‫‪‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬اشتراط المعتكف الخروج لعيادة المريض وشهود الجنازة‬ ‫‪‬‬
‫فصل‪ :‬اشتراط المعتكف ما ل يباح فعله في العتكاف‬ ‫‪o‬‬
‫فصل‪ :‬خروج المعتكف ناسيا‬ ‫‪o‬‬
‫فصل‪ :‬صعود المعتكف سطح المسجد‬ ‫‪o‬‬
‫مسألة‪ :‬فساد العتكاف بالوطء‬ ‫‪o‬‬
‫فصل‪ :‬المباشرة دون الفرج‬ ‫‪‬‬
‫فصل‪ :‬فساد العتكاف بالردة‬ ‫‪o‬‬
‫فصل‪ :‬ما يجب على من أفسد العتكاف‬ ‫‪o‬‬
‫فصل‪ :‬إذا نذر اعتكاف أيام متتابعة بصوم فأفطر يوما‬ ‫‪o‬‬
‫مسألة‪ :‬ترك العتكاف خوف الفتنة‬ ‫‪o‬‬
‫مسألة‪ :‬المعتكف ل يتجر ول يتكسب بالصنعة‬ ‫‪o‬‬
‫فصل‪ :‬ما يستحب للمعتكف ومايكره‬ ‫‪o‬‬
‫فصل‪ :‬اشتغال المعتكف بإقراء القرآن وتدريس العلم ونحوه‬ ‫‪‬‬
‫فصل‪ :‬فصل‪ :‬حكم الصمت عن الكلم‬ ‫‪‬‬
‫فصل‪ :‬ل يجوز أن يجعل القرآن بدل من الكلم‬ ‫‪‬‬
‫مسألة‪ :‬تزوج المعتكف وشهوده النكاح‬ ‫‪o‬‬
‫فصل‪ :‬التنظف والتطيب للمعتكف‬ ‫‪o‬‬
‫فصل‪ :‬أكل المعتكف في المسجد‬ ‫‪o‬‬
‫فصل‪ :‬قضاء الحاجة في المسجد‬ ‫‪o‬‬
‫مسألة‪ :‬خروج المعتكفة لقضاء العدة‬ ‫‪o‬‬
‫فصل‪ :‬استئذان الزوجة والمملوك قبل العتكاف‬ ‫‪o‬‬
‫فصل‪ :‬منع المكاتب من العتكاف‬ ‫‪‬‬
‫مسألة‪ :‬خروج المرأة من المسجد إذا حاضت‬ ‫‪o‬‬
‫فصل‪ :‬الستحاضة ل تمنع العتكاف‬ ‫‪‬‬
‫فصل‪ :‬أقسام الخروج المباح في العتكاف‬ ‫‪o‬‬
‫مسألة‪ :‬وقت دخول المعتكف لمن نذر العتكاف شهرا بعينه‬ ‫‪o‬‬
‫فصل‪ :‬وقت دخول المعتكف في العشر الواخر من رمضان‬ ‫‪o‬‬
‫فصل‪ :‬استحباب البيات ليلة العيد في المعتكف‬ ‫‪‬‬
‫فصل‪ :‬الخلف في لزوم التتابع في نذور العتكاف أيام معدودة‬ ‫‪o‬‬
‫فصل‪ :‬إن قال‪ :‬لله علي أن أعتكف ثالثاين يوما‬ ‫‪o‬‬
‫إن نذر اعتكاف يوم لم يجز تفريقه‬ ‫فصل‪:‬‬ ‫‪o‬‬
‫إن نذر اعتكافا مطلقا لزمه ما يسمى به معتكفا‬ ‫فصل‪:‬‬ ‫‪o‬‬
‫ل يتعين في العتكاف المنذور مسجد إل أحد المساجد الثلثاة‬ ‫فصل‪:‬‬ ‫‪o‬‬
‫نذر العتكاف في المسجد الحرام‬ ‫فصل‪:‬‬ ‫‪o‬‬
‫صحة نذر اعتكاف يوم يقدم فلن‬ ‫فصل‪:‬‬ ‫‪o‬‬
‫كتاب العتكاف‬

‫العتكاف في اللغة‪ :‬لزوم الشيء‪,‬‏ وحبس النفس عليه برا كان أو غيره ومنه قوله تعالى‪:‬‬
‫}ما هذه التماثايل التي أنتم لها عاكفون{ وقال‪} :‬يعكفون على أصنام لهم{ قال الخليل‪ :‬عكف‬
‫يعكف ويعكف وهو في الشرع‪ :‬القامة في المسجد‪,‬‏ على صفة نذكرها وهو قربة وطاعة‬
‫قال الله تعالى‪} :‬أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين{ وقال‪} :‬ول تباشروهن وأنتم عاكفون في‬
‫المساجد{ وقالت عائشة‪) :‬‏كان النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يعتكف العشر الواخر(‏ متفق‬
‫عليه وروى ابن ماجه في "‏سننه"‏‪,‬‏ عن ابن عباس عن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) -‬‏أنه‬
‫قال في المعتكف‪ :‬هو يعكف الذنوب ويجرى له من الحسنات كعامل الحسنات كلها(‏ وهذا‬
‫الحديث ضعيف وفي إسناده فرقد السبخي قال أبو داود‪ :‬قلت لحمد‪,‬‏ ‪-‬رحمه الله‪ :-‬تعرف‬
‫في فضل العتكاف شيئا؟‏ قال‪ :‬ل إل شيئا ضعيفا ول نعلم بين العلماء خلفا في أنه‬
‫مسنون‪.‬‏‬

‫مسألة‪:‬‬

‫قال أبو القاسم ‪-‬رحمه الله‪] :-‬‏ والعتكاف سنة إل أن يكون نذرا‪,‬‏ فيلزم الوفاء به [‏ ل‬
‫خلف في هذه الجملة بحمد الله قال ابن المنذر‪ :‬أجمع أهل العلم على أن العتكاف سنة‬
‫ل يجب على الناس فرضا إل أن يوجب المرء على نفسه العتكاف نذرا فيجب عليه ومما‬
‫يدل على أنه سنة‪,‬‏ فعل النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ومداومته عليه تقربا إلى الله تعالى‬
‫وطلبا لثوابه‪,‬‏ واعتكاف أزواجه معه وبعده ويدل على أنه غير واجب أن أصحابه لم يعتكفوا‬
‫ول أمرهم النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬به إل من أراده وقال عليه السلم‪) :‬‏من أراد أن‬
‫يعتكف‪,‬‏ فليعتكف العشر الواخر(‏ ولو كان واجبا لما علقه بالرادة وأما إذا نذره فيلزمه‬
‫لقول النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) :-‬‏من نذر أن يطيع الله فليطعه(‏ رواه البخاري وعن‬
‫عمر أنه قال‪) :‬‏يا رسول الله‪,‬‏ إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال النبي‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ :-‬أوف بنذرك(‏ رواه البخاري ومسلم‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫وإن نوى اعتكاف مدة لم تلزمه فإن شرع فيها فله إتمامها‪,‬‏ وله الخروج منها متى شاء‬
‫وبهذا قال الشافعي وقال مالك‪ :‬تلزمه بالنية مع الدخول فيه فإن قطعه لزمه قضاؤه‬
‫وقال ابن عبد البر‪ :‬ل يختلف في ذلك الفقهاء ويلزمه القضاء عند جميع العلماء وقال‪ :‬وإن‬
‫لم يدخل فيه فالقضاء مستحب ومن العلماء من أوجبه وإن لم يدخل فيه‪,‬‏ واحتج بما روي‬
‫عن عائشة رضي الله عنها )‏أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬كان يعتكف العشر الواخر‬
‫من رمضان فاستأذنته عائشة فأذن لها‪,‬‏ فأمرت ببنائها فضرب وسألت حفصة أن تستأذن‬
‫لها رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ففعلت فأمرت ببنائها فضرب‪,‬‏ فلما رأت ذلك‬
‫زينب بنت جحش أمرت ببنائها فضرب قالت‪ :‬وكان رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬إذا‬
‫صلى الصبح دخل معتكفه فلما صلى الصبح انصرف‪,‬‏ فبصر بالبنية فقال‪ :‬ما هذا؟‏ فقالوا‪:‬‬
‫بناء عائشة‪,‬‏ وحفصة وزينب فقال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ :-‬البر أردتن ما أنا‬
‫بمعتكف فرجع فلما أفطر اعتكف عشرا من شوال(‏ متفق على معناه ولنها عبادة تتعلق‬
‫بالمسجد‪,‬‏ فلزمت بالدخول فيها كالحج ولم يصنع ابن عبد البر شيئا وهذا ليس بإجماع‪,‬‏ ول‬
‫نعرف هذا القول عن أحد سواه وقد قال الشافعي‪ :‬كل عمل لك أن ل تدخل فيه فإذا‬
‫دخلت فيه فخرجت منه‪,‬‏ فليس عليك أن تقضي إل الحج والعمرة ولم يقع الجماع على‬
‫لزوم نافلة بالشروع فيها سوى الحج والعمرة وإذا كانت العبادات التي لها أصل في‬
‫الوجوب ل تلزم بالشروع فما ليس له أصل في الوجوب أولى‪,‬‏ وقد انعقد الجماع على أن‬
‫النسان لو نوى الصدقة بمال مقدر وشرع في الصدقة به فأخرج بعضه‪,‬‏ لم تلزمه الصدقة‬
‫بباقيه وهو نظير العتكاف لنه غير مقدر بالشرع فأشبه الصدقة وما ذكره حجة عليه فإن‬
‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ترك اعتكافه‪,‬‏ ولو كان واجبا لما تركه وأزواجه تركن‬
‫العتكاف بعد نيته وضرب أبنيتهن له ولم يوجد عذر يمنع فعل الواجب‪,‬‏ ول أمرن بالقضاء‬
‫وقضاء النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬له لم يكن واجبا عليه وإنما فعله تطوعا لنه كان إذا‬
‫عمل عمل أثابته‪,‬‏ وكان فعله لقضائه كفعله لدائه على سبيل التطوع به ل على سبيل‬
‫اليجاب‪,‬‏ كما قضى السنة التي فاتته بعد الظهر وقبل الفجر فتركه له دليل على عدم‬
‫الوجوب لتحريم ترك الواجب‪,‬‏ وفعله للقضاء ل يدل على الوجوب لن قضاء السنن‬
‫مشروع فإن قيل‪ :‬إنما جاز تركه ولم يؤمر تاركه من النساء بقضائه لتركهن إياه قبل‬
‫الشروع قلنا‪ :‬فقد سقط الحتجاج لتفاقنا على أنه ل يلزم قبل شروعه فيه‪,‬‏ فلم يكن‬
‫القضاء دليل على الوجوب مع التفاق على انتفائه ول يصح قياسه على الحج والعمرة لن‬
‫الوصول إليهما ل يحصل في الغالب إل بعد كلفة عظيمة ومشقة شديدة‪,‬‏ وإنفاق مال كثير‬
‫ففي إبطالهما تضييع لماله وإبطال لعماله الكثيرة‪,‬‏ وقد نهينا عن إضاعة المال وإبطال‬
‫العمال وليس في ترك العتكاف بعد الشروع فيه مال يضيع‪,‬‏ ول عمل يبطل فإن ما‬
‫مضى من اعتكافه ل يبطل بترك اعتكاف المستقبل‪,‬‏ ولن النسك يتعلق بالمسجد الحرام‬
‫على الخصوص والعتكاف بخلفه‪.‬‏‬

‫مسألة‪:‬‬

‫قال‪] :‬‏ ويجوز بل صوم إل أن يقول في نذره بصوم [‏ المشهور في المذهب أن العتكاف‬
‫يصح بغير صوم روي ذلك عن علي‪,‬‏ وابن مسعود وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد‬
‫العزيز‪,‬‏ والحسن وعطاء وطاوس‪,‬‏ والشافعي وإسحاق وعن أحمد رواية أخرى‪,‬‏ أن الصوم‬
‫شرط في العتكاف قال‪ :‬إذا اعتكف يجب عليه الصوم وروي ذلك عن ابن عمر وابن‬
‫عباس وعائشة وبه قال الزهري‪,‬‏ ومالك وأبو حنيفة والليث‪,‬‏ والثوري والحسن بن يحيى‬
‫لما روي عن عائشة عن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) -‬‏أنه قال‪ :‬ل اعتكاف إل بصوم(‏‬
‫رواه الدارقطني وعن ابن عمر )‏أن عمر جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية‪,‬‏ فسأل النبي‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فقال‪ :‬اعتكف وصم(‏ رواه أبو داود ولنه لبث في مكان مخصوص‬
‫فلم يكن بمجرده قربة كالوقوف‪ ،‬ولنا ما روى ابن عمر عن عمر )‏أنه قال‪ :‬يا رسول الله‬
‫إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :-‬أوف بنذرك(‏ رواه البخاري ولو كان الصوم شرطا لما صح اعتكاف الليل‪,‬‏ لنه ل‬
‫صيام فيه ولنه عبادة تصح في الليل فلم يشترط له الصيام كالصلة‪,‬‏ ولنه عبادة تصح‬
‫في الليل فأشبه سائر العبادات ولن إيجاب الصوم حكم ل يثبت إل بالشرع‪,‬‏ ولم يصح فيه‬
‫نص ول إجماع قال سعيد‪ :‬حدثانا عبد العزيز بن محمد عن أبي سهل‪,‬‏ قال‪ :‬كان على امرأة‬
‫من أهلي اعتكاف فسألت عمر بن عبد العزيز فقال‪ :‬ليس عليها صيام إل أن تجعله على‬
‫نفسها فقال الزهري‪ :‬ل اعتكاف إل بصوم‪.‬‏ فقال له عمر‪ :‬عن النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪-‬؟‏ قال‪ :‬ل‪.‬‏ قال‪ :‬فعن أبي بكر؟‏ قال‪ :‬ل قال‪ :‬فعن عمر؟‏ قال‪ :‬ل‪.‬‏ قال‪ :‬وأظنه قال‪:‬‬
‫فعن عثمان؟‏ قال‪ :‬ل‪.‬‏ فخرجت من عنده‪,‬‏ فلقيت عطاء وطاوسا فسألتهما فقال طاوس‪:‬‬
‫كان فلن ل يرى عليها صياما‪,‬‏ إل أن تجعله على نفسها وأحاديثهم ل تصح‪.‬‏ أما حديثهم عن‬
‫عمر فتفرد به ابن بديل‪,‬‏ وهو ضعيف قال أبو بكر النيسابوري‪ :‬هذا حديث منكر والصحيح‬
‫ما رويناه أخرجه البخاري‪,‬‏ والنسائي وغيرهما وحديث عائشة موقوف عليها ومن رفعه‬
‫فقد وهم‪,‬‏ ولو صح فالمراد به الستحباب فإن الصوم فيه أفضل وقياسهم ينقلب عليهم‬
‫فإنه لبث في مكان مخصوص فلم يشترط له الصوم كالوقوف‪,‬‏ ثام نقول بموجبه فإنه ل‬
‫يكون قربة بمجرده بل بالنية إذا ثابت هذا فإنه يستحب أن يصوم لن النبي ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬كان يعتكف وهو صائم‪,‬‏ ولن المعتكف يستحب له التشاغل بالعبادات‬
‫والقرب والصوم من أفضلها ويتفرغ به مما يشغله عن العبادات‪,‬‏ ويخرج به من الخلف‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬
‫إذا قلنا‪ :‬إن الصوم شرط لم يصح اعتكاف ليلة مفردة ول بعض يوم ول ليلة وبعض يوم‬
‫لن الصوم المشترط ل يصح في أقل من يوم ويحتمل أن يصح في بعض اليوم إذا صام‬
‫اليوم كله لن الصوم المشروط وجد في زمن العتكاف‪,‬‏ ول يعتبر وجود المشروط في‬
‫زمن الشرط كله‪.‬‏‬

‫مسألة‪:‬‬

‫قال‪] :‬‏ ول يجوز العتكاف إل في مسجد يجمع فيه [‏ يعني تقام الجماعة فيه وإنما اشترط‬
‫ذلك لن الجماعة واجبة واعتكاف الرجل في مسجد ل تقام فيه الجماعة يفضي إلى أحد‬
‫أمرين‪ :‬إما ترك الجماعة الواجبة وإما خروجه إليها‪,‬‏ فيتكرر ذلك منه كثيرا مع إمكان‬
‫التحرز منه وذلك مناف للعتكاف إذ هو لزوم المعتكف والقامة على طاعة الله فيه ول‬
‫يصح العتكاف في غير مسجد إذا كان المعتكف رجل ل نعلم في هذا بين أهل العلم‬
‫خلفا‪,‬‏ والصل في ذلك قول الله تعالى‪} :‬ول تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد{ فخصها‬
‫بذلك ولو صح العتكاف في غيرها لم يختص تحريم المباشرة فيها فإن المباشرة محرمة‬
‫في العتكاف مطلقا وفي حديث عائشة‪,‬‏ قالت‪) :‬‏إن كان رسول الله ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬ليدخل على رأسه وهو في المسجد فأرجله‪,‬‏ وكان ل يدخل البيت إل لحاجة إذا كان‬
‫معتكفا(‏ وروى الدارقطني بإسناده عن الزهري عن عروة‪,‬‏ وسعيد بن المسيب عن عائشة‬
‫في حديث‪) :‬‏وأن السنة للمعتكف أن ل يخرج إل لحاجة النسان‪,‬‏ ول اعتكاف إل في‬
‫مسجد جماعة(‏ فذهب أبو عبد الله إلى أن كل مسجد تقام فيه الجماعة يجوز العتكاف‬
‫فيه ول يجوز في غيره وروي عن حذيفة وعائشة‪,‬‏ والزهري ما يدل على هذا واعتكف أبو‬
‫قلبة وسعيد بن جبير في مسجد حيهما وروي عن عائشة والزهري‪,‬‏ أنه ل يصح إل في‬
‫مساجد الجماعات وهو قول الشافعي إذا كان اعتكافه يتخلله جمعة لئل يلتزم الخروج من‬
‫معتكفه‪,‬‏ لما يمكنه التحرز من الخروج إليه وروي عن حذيفة وسعيد بن المسيب‪ :‬ل يجوز‬
‫العتكاف إل في مسجد نبي وحكي عن حذيفة أن العتكاف ل يصح إل في أحد المساجد‬
‫الثلثاة قال سعيد‪ :‬حدثانا مغيرة‪,‬‏ عن إبراهيم قال‪ :‬دخل حذيفة مسجد الكوفة فإذا هو بأبنية‬
‫مضروبة‪,‬‏ فسأل عنها فقيل‪ :‬قوم معتكفون فانطلق إلى ابن مسعود فقال‪ :‬أل تعجب من‬
‫قوم يزعمون أنهم معتكفون بين دارك ودار الشعري؟‏ فقال عبد الله‪ :‬فلعلهم أصابوا‬
‫وأخطأت وحفظوا ونسيت فقال حذيفة‪ :‬لقد علمت ما العتكاف إل في ثالثاة مساجد‪:‬‬
‫المسجد الحرام‪,‬‏ والمسجد القصى ومسجد رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وقال‬
‫مالك‪ :‬يصح العتكاف في كل مسجد لعموم قوله تعالى‪} :‬وأنتم عاكفون في المساجد{ وهو‬
‫قول الشافعي إذا لم يكن اعتكافه يتخلله جمعة ولنا قول عائشة‪ :‬من السنة للمعتكف‪,‬‏ أن‬
‫ل يخرج إل لحاجة النسان ول اعتكاف إل في مسجد جماعة وقد قيل‪ :‬إن هذا من قول‬
‫الزهري وهو ينصرف إلى سنة رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬كيفما كان وروى‬
‫سعيد‪ :‬حدثانا هشيم حدثانا جويبر‪,‬‏ عن الضحاك عن حذيفة قال‪ :‬قال رسول الله ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪) :-‬‏كل مسجد له إمام ومؤذن‪,‬‏ فالعتكاف فيه يصلح(‏ ولن قوله تعالى‪} :‬وأنتم‬
‫عاكفون في المساجد{ يقتضي إباحة العتكاف في كل مسجد إل أنه يقيد بما تقام فيه‬
‫الجماعة بالخبار والمعنى الذي ذكرناه‪,‬‏ ففيما عداه يبقى على العموم وقول الشافعي في‬
‫اشتراطه موضعا تقام فيه الجمعة ل يصح للخبار ولن الجمعة ل تتكرر‪,‬‏ فل يضر وجوب‬
‫الخروج إليها كما لو اعتكفت المرأة مدة يتخللها أيام حيضها ولو كان الجامع تقام فيه‬
‫الجمعة وحدها ول يصلى فيه غيرها‪,‬‏ لم يجز العتكاف فيه ويصح عند مالك والشافعي‬
‫ومبنى الخلف على أن الجماعة واجبة عندنا فيلتزم الخروج من معتكفه إليها‪,‬‏ فيفسد‬
‫اعتكافه وعندهم ليست واجبة‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬
‫وإن كان اعتكافه مدة غير وقت الصلة كليلة أو بعض يوم جاز في كل مسجد لعدم المانع‬
‫وإن كانت تقام فيه في بعض الزمان‪,‬‏ جاز العتكاف فيه في ذلك الزمان دون غيره وإن‬
‫كان المعتكف ممن ل تلزمه الجماعة كالمريض والمعذور‪,‬‏ ومن هو في قرية ل يصلى فيها‬
‫سواه جاز اعتكافه في كل مسجد لنه ل تلزمه الجماعة فأشبه المرأة وإن اعتكف اثانان‬
‫في مسجد ل تقام فيه جماعة‪,‬‏ فأقاما الجماعة فيه صح اعتكافهما لنهما أقاما الجماعة‬
‫فأشبه ما لو أقامها فيه غيرهما‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫وللمرأة أن تعتكف في كل مسجد ول يشترط إقامة الجماعة فيه لنها غير واجبة عليها‬
‫وبهذا قال الشافعي وليس لها العتكاف في بيتها وقال أبو حنيفة‪,‬‏ والثوري‪ :‬لها العتكاف‬
‫في مسجد بيتها وهو المكان الذي جعلته للصلة منه واعتكافها فيه أفضل لن صلتها فيه‬
‫أفضل وحكي عن أبي حنيفة‪,‬‏ أنها ل يصح اعتكافها في مسجد الجماعة )‏لن النبي ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬ترك العتكاف في المسجد لما رأى أبنية أزواجه فيه وقال‪ :‬البر تردن‪,‬‏(‏‬
‫ولن مسجد بيتها موضع فضيلة صلتها فكان موضع اعتكافها كالمسجد في حق الرجل‬
‫ولنا‪,‬‏ قوله تعالى‪} :‬وأنتم عاكفون في المساجد{ والمراد به المواضع التي بنيت للصلة فيها‬
‫وموضع صلتها في بيتها ليس بمسجد لنه لم يبن للصلة فيه وإن سمي مسجدا كان‬
‫مجازا‪,‬‏ فل يثبت له أحكام المساجد الحقيقية كقول النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) :-‬‏جعلت‬
‫لي الرض مسجدا(‏ ولن أزواج النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬استأذنه في العتكاف في‬
‫المسجد فأذن لهن‪,‬‏ ولو لم يكن موضعا لعتكافهن لما أذن فيه ولو كان العتكاف في‬
‫غيره أفضل لدلهن عليه‪,‬‏ ونبههن عليه ولن العتكاف قربة يشترط لها المسجد في حق‬
‫الرجل فيشترط في حق المرأة‪,‬‏ كالطواف وحديث عائشة حجة لنا لما ذكرنا وإنما كره‬
‫اعتكافهن في تلك الحال‪,‬‏ حيث كثرت أبنيتهن لما رأى من منافستهن فكرهه منهن‪,‬‏ خشية‬
‫عليهن من فساد نيتهن وسوء المقصد به ولذلك قال‪) :‬‏البر تردن(‏ منكرا لذلك أي لم‬
‫تفعلن ذلك تبررا ولذلك ترك العتكاف‪,‬‏ لظنه أنهن يتنافسن في الكون معه ولو كان‬
‫للمعنى الذي ذكروه لمرهن بالعتكاف في بيوتهن‪,‬‏ ولم يأذن لهن في المسجد وأما‬
‫الصلة فل يصح اعتبار العتكاف بها فإن صلة الرجل في بيته أفضل ول يصح اعتكافه‬
‫فيه‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫ومن سقطت عنه الجماعة من الرجال‪,‬‏ كالمريض إذا أحب أن يعتكف في مسجد ل تقام‬
‫فيه الجماعة ينبغي أن يجوز له ذلك لن الجماعة ساقطة عنه فأشبه المرأة ويحتمل أل‬
‫يجوز له ذلك لنه من أهل الجماعة‪,‬‏ فأشبه من تجب عليه ولنه إذا التزم العتكاف وكلفه‬
‫نفسه‪,‬‏ فينبغي أن يجعله في مكان تصلى فيه الجماعة ولن من التزم ما ل يلزمه ل يصح‬
‫بدون شروطه كالمتطوع بالصوم والصلة‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫وإذا اعتكفت المرأة في المسجد‪,‬‏ استحب لها أن تستتر بشيء لن أزواج النبي ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬لما أردن العتكاف أمرن بأبنيتهن فضربن في المسجد ولن المسجد‬
‫يحضره الرجال وخير لهم وللنساء أن ل يرونهن ول يرينهم وإذا ضربت بناء جعلته في‬
‫مكان ل يصلي فيه الرجال‪,‬‏ لئل تقطع صفوفهم ويضيق عليهم ول بأس أن يستتر الرجل‬
‫أيضا فإن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أمر ببنائه فضرب ولنه أستر له‪,‬‏ وأخفى لعمله‬
‫وروى ابن ماجه عن أبي سعيد )‏أن رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬اعتكف في قبة‬
‫تركية على سدتها قطعة حصير قال‪ :‬فأخذ الحصير بيده‪,‬‏ فنحاها في ناحية القبلة ثام أطلع‬
‫رأسه فكلم الناس(‏ والله أعلم‪.‬‏‬
‫مسألة‪:‬‬

‫قال‪] :‬‏ ول يخرج منه إل لحاجة النسان‪,‬‏ أو صلة الجمعة [‏ وجملة ذلك أن المعتكف ليس‬
‫له الخروج من معتكفه إل لما ل بد له منه قالت عائشة‪,‬‏ رضي الله عنها‪ :‬السنة للمعتكف‬
‫أن ل يخرج إل لما ل بد له منه رواه أبو داود وقالت أيضا‪) :‬‏كان رسول الله ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله وكان ل يدخل البيت إل لحاجة النسان(‏‬
‫متفق عليه ول خلف في أن له الخروج لما ل بد له منه قال ابن المنذر‪ :‬أجمع أهل العلم‬
‫على أن للمعتكف أن يخرج من معتكفه للغائط والبول ولن هذا مما ل بد منه ول يمكن‬
‫فعله في المسجد‪,‬‏ فلو بطل العتكاف بخروجه إليه لم يصح لحد العتكاف ولن النبي‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬كان يعتكف‪,‬‏ وقد علمنا أنه كان يخرج لقضاء حاجته والمراد بحاجة‬
‫النسان البول والغائط كني بذلك عنهما لن كل إنسان يحتاج إلى فعلهما‪,‬‏ وفي معناه‬
‫الحاجة إلى المأكول والمشروب إذا لم يكن له من يأتيه به فله الخروج إليه إذا احتاج إليه‪,‬‏‬
‫وإن بغته القيء فله أن يخرج ليتقيأ خارج المسجد وكل ما ل بد له منه‪,‬‏ ول يمكن فعله‬
‫في المسجد فله الخروج إليه ول يفسد اعتكافه وهو عليه‪,‬‏ ما لم يطل وكذلك له الخروج‬
‫إلى ما أوجبه الله تعالى عليه مثل من يعتكف في مسجد ل جمعة فيه فيحتاج إلى خروجه‬
‫ليصلي الجمعة‪,‬‏ ويلزمه السعي إليها فله الخروج إليها ول يبطل اعتكافه وبهذا قال أبو‬
‫حنيفة وقال الشافعي‪ :‬ل يعتكف في غير الجامع‪,‬‏ إذا كان اعتكافه يتخلله جمعة فإن نذر‬
‫اعتكافا متتابعا فخرج منه لصلة الجمعة بطل اعتكافه‪,‬‏ وعليه الستئناف لنه أمكنه فرضه‬
‫بحيث ل يخرج منه فبطل بالخروج كالمكفر إذا ابتدأ صوم الشهرين المتتابعين في شعبان‬
‫أو ذي الحجة ولنا‪,‬‏ أنه خرج لواجب فلم يبطل اعتكافه كالمعتدة تخرج لقضاء العدة‪,‬‏‬
‫وكالخارج لنقاذ غريق أو إطفاء حريق أو أداء شهادة تعينت عليه‪,‬‏ ولنه إذا نذر أياما فيها‬
‫جمعة فكأنه استثنى الجمعة بلفظه ثام تبطل بما إذا نذرت المرأة أياما فيها عادة حيضها‬
‫فإنه يصح مع إمكان فرضها في غيرها‪,‬‏ والصل غير مسلم إذا ثابت هذا فإنه إذا خرج‬
‫لواجب فهو على اعتكافه‪,‬‏ ما لم يطل لنه خروج لما ل بد له منه أشبه الخروج لحاجة‬
‫النسان فإن كان خروجه لصلة الجمعة فله أن يتعجل قال أحمد‪ :‬أرجو أن له ذلك‪,‬‏ لنه‬
‫خروج جائز فجاز تعجيله كالخروج لحاجة النسان فإذا صلى الجمعة‪,‬‏ فإن أحب أن يعتكف‬
‫في الجامع فله ذلك لنه محل للعتكاف والمكان ل يتعين للعتكاف بنذره وتعيينه‪,‬‏ فمع‬
‫عدم ذلك أولى وكذلك إن دخل في طريقه مسجدا فأتم اعتكافه فيه جاز لذلك وإن أحب‬
‫الرجوع إلى معتكفه‪,‬‏ فله ذلك لنه خرج من معتكفه فكان له الرجوع إليه كما لو خرج إلى‬
‫غير جمعة قال بعض أصحابنا‪ :‬يستحب له السراع إلى معتكفه وقال أبو داود‪ :‬قلت لحمد‬
‫يركع ‪ -‬أعني المعتكف ‪ -‬يوم الجمعة بعد الصلة في المسجد؟‏ قال‪ :‬نعم‪,‬‏ بقدر ما كان‬
‫يركع ويحتمل أن يكون الخيرة إليه في تعجيل الركوع وتأخيره لنه في مكان يصلح‬
‫للعتكاف فأشبه ما لو نوى العتكاف فيه فأما إن خرج ابتداء إلى مسجد آخر أو إلى‬
‫الجامع من غير حاجة‪,‬‏ أو كان المسجد أبعد من موضع حاجته فمضى إليه لم يجز له ذلك‬
‫لنه خروج لغير حاجة أشبه ما لو خرج إلى غير المسجد فإن كان المسجدان متلصقين‪,‬‏‬
‫يخرج من أحدهما فيصير في الخر فله النتقال من أحدهما إلى الخر لنهما كمسجد واحد‬
‫ينتقل من إحدى زاويتيه إلى الخرى وإن كان يمشي بينهما في غيرهما‪,‬‏ لم يجز له‬
‫الخروج وإن قرب لنه خروج من المسجد لغير حاجة واجبة‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫وإذا خرج لما ل بد منه فليس عليه أن يستعجل في مشيه بل يمشي على عادته‪,‬‏ لن عليه‬
‫مشقة في إلزامه غير ذلك وليس له القامة بعد قضاء حاجته لكل ول لغيره وقال أبو عبد‬
‫الله بن حامد‪ :‬يجوز أن يأكل اليسير في بيته كاللقمة واللقمتين‪,‬‏ فأما جميع أكله فل وقال‬
‫القاضي‪ :‬يتوجه أن له الكل في بيته والخروج إليه ابتداء لن الكل في المسجد دناءة‬
‫وترك للمروءة وقد يخفى جنس قوته على الناس‪,‬‏ وقد يكون في المسجد غيره فيستحي‬
‫أن يأكل دونه وإن أطعمه معه لم يكفهما ولنا أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬كان ل‬
‫يدخل البيت إل لحاجة النسان‪,‬‏ وهذا كناية عن الحدث ولنه خروج لما له منه بد أو لبث‬
‫في غير معتكفه لما له منه بد‪,‬‏ فأبطل العتكاف كمحادثاة أهله وما ذكره القاضي ليس‬
‫بعذر يبيح القامة ول الخروج‪,‬‏ ولو ساغ ذلك لساغ الخروج للنوم وأشباهه‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫وإن خرج لحاجة النسان وبقرب المسجد سقاية أقرب من منزله ل يحتشم من دخولها‬
‫ويمكنه التنظف فيها‪,‬‏ لم يكن له المضي إلى منزله لن له من ذلك بد وإن كان يحتشم‬
‫من دخولها أو فيه نقيصة عليه‪,‬‏ أو مخالفة لعادته أو ل يمكنه التنظف فيها فله أن يمضي‬
‫إلى منزله لما عليه من المشقة في ترك المروءة وكذلك إن كان له منزلن أحدهما أقرب‬
‫من الخر‪,‬‏ يمكنه الوضوء في القرب بل ضرر فليس له المضي إلى البعد وإن بذل له‬
‫صديقه أو غيره الوضوء في منزله القريب لم يلزمه لما عليه من المشقة بترك المروءة‬
‫والحتشام من صاحبه قال المروذي‪ :‬سألت أبا عبد الله‪,‬‏ عن العتكاف في المسجد الكبير‬
‫أعجب إليك أو مسجد الحي؟‏ قال‪ :‬المسجد الكبير وأرخص لي أن أعتكف في غيره قلت‪:‬‬
‫فأين ترى أن أعتكف في هذا الجانب أو في ذاك الجانب؟‏ قال‪ :‬في ذاك الجانب هو أصلح‬
‫من أجل السقاية قلت‪ :‬فمن اعتكف في هذا الجانب ترى أن يخرج إلى الشط يتهيأ؟‏ قال‪:‬‬
‫إذا كان له حاجة ل بد له من ذلك قلت‪ :‬يتوضأ الرجل في المسجد؟‏ قال‪ :‬ل يعجبني أن‬
‫يتوضأ في المسجد‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫إذا خرج لما له منه بد بطل اعتكافه وإن قل وبه قال أبو حنيفة‪,‬‏ ومالك والشافعي وقال‬
‫أبو يوسف ومحمد بن الحسن‪ :‬ل يفسد حتى يكون أكثر من نصف يوم لن اليسير معفو‬
‫عنه‪,‬‏ بدليل أن )‏صفية أتت النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬تزوره في معتكفه فلما قامت‬
‫لتنقلب خرج معها ليقلبها(‏ ولن اليسير معفو عنه بدليل ما لو تأنى في مشيه ولنا‪,‬‏ أنه‬
‫خروج من معتكفه لغير حاجة فأبطله كما لو أقام أكثر من نصف يوم‪,‬‏ وأما خروج النبي‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فيحتمل أنه لم يكن له بد لنه كان ليل فلم يأمن عليها ويحتمل أنه‬
‫فعل ذلك لكون اعتكافه تطوعا‪,‬‏ له ترك جميعه فكان له ترك بعضه ولذلك تركه لما أراد‬
‫نساؤه العتكاف معه وأما المشي فتختلف فيه طباع الناس‪,‬‏ وعليه في تغيير مشيه مشقة‬
‫ول كذلك ها هنا فإنه ل حاجة به إلى الخروج‪.‬‏‬

‫مسألة‪:‬‬

‫قال‪] :‬‏ ول يعود مريضا ‪ ،‬ول يشهد جنازة ‪ ،‬إل أن يشترط ذلك [‏ الكلم في هذه المسألة‬
‫في فصلين‪:‬‬

‫أحدهما‪:‬‬

‫في الخروج لعيادة المريض وشهود الجنازة ‪ ،‬مع عدم الشتراط ‪.‬‏ واختلفت الرواية عن‬
‫أحمد في ذلك ‪ ،‬فروي عنه ‪ :‬ليس له فعله ‪.‬‏ وهو قول عطاء ‪ ،‬وعروة ‪ ،‬ومجاهد ‪،‬‬
‫والزهري ‪ ،‬ومالك ‪ ،‬والشافعي ‪ ،‬وأصحاب الرأي ‪.‬‏ وروى عنه الثارم ‪ ،‬ومحمد بن الحكم ‪،‬‬
‫أن له أن يعود المريض ‪ ،‬ويشهد الجنازة ‪ ،‬ويعود إلى معتكفه ‪.‬‏ وهو قول علي رضي الله‬
‫عنه ‪.‬‏ وبه قال سعيد بن جبير ‪ ،‬والنخعي ‪ ،‬والحسن ؛ لما روى عاصم بن ضمرة ‪ ،‬عن علي‬
‫قال ‪ :‬إذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة ‪ ،‬وليعد المريض ‪ ،‬وليحضر الجنازة ‪ ،‬وليأت أهله ‪،‬‬
‫وليأمرهم بالحاجة وهو قائم ‪.‬‏ رواه المام أحمد ‪ ،‬والثارم ‪.‬‏ وقال أحمد ‪ :‬عاصم بن ضمرة‬
‫عندي حجة ‪.‬‏ قال أحمد ‪ :‬يشهد الجنازة ‪ ،‬ويعود المريض ‪ ،‬ول يجلس ‪ ،‬ويقضي الحاجة ‪،‬‬
‫ويعود إلى معتكفه ‪.‬‏ وجه الول ‪ ،‬ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت ‪) :‬‏كان رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف ل يدخل البيت إل لحاجة النسان(‏ ‪.‬‏ متفق عليه ‪.‬‏‬
‫وعنها رضي الله عنها أنها قالت ‪ :‬السنة على المعتكف أن ل يعود مريضا ‪ ،‬ول يشهد‬
‫جنازة ‪ ،‬ول يمس امرأة ‪ ،‬ول يباشرها ‪ ،‬ول يخرج لحاجة إل لما ل بد منه ‪.‬‏ وعنها قالت‪:‬‬
‫)‏كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالمريض وهو معتكف ‪ ،‬فيمر كما هو ‪ ،‬فل يعرج‬
‫يسأل عنه(‏‪.‬‏ رواهما أبو داود ‪.‬‏ ولن هذا ليس بواجب ‪ ،‬فل يجوز ترك العتكاف الواجب من‬
‫أجله ‪ ،‬كالمشي مع أخيه في حاجة ليقضيها له ‪.‬‏ وإن تعينت عليه صلة الجنازة ‪ ،‬وأمكنه‬
‫فعلها في المسجد ‪ ،‬لم يجز الخروج إليها ‪.‬‏ وإن لم يمكنه ذلك ‪ ،‬فله الخروج إليها ‪.‬‏ وإن‬
‫تعين عليه دفن الميت ‪ ،‬أو تغسيله ‪ ،‬جاز أن يخرج له ؛ لن هذا واجب متعين ‪ ،‬فيقدم على‬
‫العتكاف ‪ ،‬كصلة الجمعة ‪ ،‬فأما إن كان العتكاف تطوعا ‪ ،‬وأحب الخروج منه لعيادة‬
‫مريض ‪ ،‬أو شهود جنازة ‪ ،‬جاز ؛ لن كل واحد منهما تطوع ‪ ،‬فل يتحتم واحد منهما ‪ ،‬لكن‬
‫الفضل المقام على اعتكافه ؛ لن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرج على‬
‫المريض ولم يكن واجبا عليه ‪.‬‏ فأما إن خرج لما ل بد منه ‪ ،‬فسأل عن المريض في‬
‫طريقه ‪ ،‬ولم يعرج ‪ ،‬جاز ؛ لن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك‪.‬‏‬

‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫إذا اشترط فعل ذلك في اعتكافه ‪ ،‬فله فعله ‪ ،‬واجبا كان العتكاف أو غير واجب ‪.‬‏ وكذلك‬
‫ما كان قربة ‪ ،‬كزيارة أهله ‪ ،‬أو رجل صالح أو عالم ‪ ،‬أو شهود جنازة ‪ ،‬وكذلك ما كان‬
‫مباحا مما يحتاج إليه ‪ ،‬كالعشاء في منزله ‪ ،‬والمبيت فيه ‪ ،‬فله فعله ‪.‬‏ قال الثارم ‪ :‬سمعت‬
‫أبا عبد الله يسأل عن المعتكف يشترط أن يأكل في أهله ؟‏ قال ‪ :‬إذا اشترط فنعم ‪.‬‏ قيل‬
‫له ‪ :‬وتجيز الشرط في العتكاف ؟‏ قال ‪ :‬نعم ‪.‬‏ قلت له ‪ :‬فيبيت في أهله ؟‏ فقال ‪ :‬إذا‬
‫كان تطوعا ‪ ،‬جاز ‪.‬‏ وممن أجاز أن يشترط العشاء في أهله الحسن ‪ ،‬والعلء بن زياد ‪،‬‬
‫والنخعي ‪ ،‬وقتادة ‪.‬‏ ومنع منه أبو مجلز ‪ ،‬ومالك ‪ ،‬والوزاعي ‪.‬‏ قال مالك ‪ :‬ل يكون في‬
‫العتكاف شرط ‪.‬‏ ولنا ‪ ،‬أنه يجب بعقده ‪ ،‬فكان الشرط إليه فيه كالوقوف ‪ ،‬ولن‬
‫العتكاف ل يختص بقدر ‪ ،‬فإذا شرط الخروج فكأنه نذر القدر الذي أقامه ‪.‬‏ وإن قال ‪:‬‬
‫متى مرضت أو عرض لي عارض ‪ ،‬خرجت ‪.‬‏ جاز شرطه‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫وإن شرط الوطء في اعتكافه ‪ ،‬أو الفرجة ‪ ،‬أو النزهة ‪ ،‬أو البيع للتجارة ‪ ،‬أو التكسب‬
‫بالصناعة في المسجد ‪ ،‬لم يجز ؛ لن الله تعالى قال ‪} :‬ول تباشروهن وأنتم عاكفون في‬
‫المساجد{ ‪.‬‏ فاشتراط ذلك اشتراط لمعصية الله تعالى ‪.‬‏ والصناعة في المسجد منهي عنها‬
‫في غير العتكاف ‪ ،‬ففي العتكاف أولى ‪ ،‬وسائر ما ذكرناه يشبه ذلك ‪ ،‬ول حاجة إليه ‪،‬‬
‫فإن احتاج إليه ‪ ،‬فل يعتكف ؛ لن ترك العتكاف أولى من فعل المنهي عنه ‪.‬‏ قال أبو‬
‫طالب ‪ :‬سألت أحمد عن المعتكف يعمل عمله من الخياط وغيره ؟‏ قال ‪ :‬ما يعجبني أن‬
‫يعمل ‪.‬‏ قلت ‪ :‬إن كان يحتاج ؟‏ قال ‪ :‬إن كان يحتاج ل يعتكف‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫إذا خرج لما له منه بد عامدا ‪ ،‬بطل اعتكافه ‪ ،‬إل أن يكون اشترط ‪.‬‏ وإن خرج ناسيا ‪،‬‬
‫فقال القاضي ‪ :‬ل يفسد اعتكافه ؛ لنه فعل المنهي عنه ناسيا ‪ ،‬فلم تفسد العبادة ‪،‬‬
‫كالكل في الصوم ‪.‬‏ وقال ابن عقيل ‪ :‬يفسد ؛ لنه ترك للعتكاف ‪ ،‬وهو لزوم للمسجد ‪،‬‬
‫وترك الشيء عمده وسهوه سواء ‪ ،‬كترك النية في الصوم ‪.‬‏ فإن أخرج بعض جسده ‪ ،‬لم‬
‫يفسد اعتكافه ‪ ،‬عمدا كان أو سهوا لن النبي صلى الله عليه وسلم )‏كان يخرج رأسه من‬
‫المسجد وهو معتكف إلى عائشة فتغسله وهي حائض(‏ ‪.‬‏ متفق عليه ‪.‬‏‬
‫فصل‪:‬‬

‫ويجوز للمعتكف صعود سطح المسجد ؛ لنه من جملته ‪ ،‬ولهذا يمنع الجنب من اللبث فيه‬
‫‪.‬‏ وهذا قول أبي حنيفة ‪ ،‬ومالك ‪ ،‬والشافعي ‪.‬‏ ول نعلم فيه مخالفا ‪.‬‏ ويجوز أن يبيت فيه ‪.‬‏‬
‫وظاهر كلم الخرقي أن رحبة المسجد ليست منه ‪ ،‬وليس للمعتكف الخروج إليها ‪ ،‬لقوله‬
‫في الحائض ‪ :‬يضرب لها خباء في الرحبة ‪.‬‏ والحائض ممنوعة من المسجد ‪.‬‏ وقد روي عن‬
‫أحمد ما يدل على هذا ‪.‬‏ وروى عنه المروذي أن المعتكف يخرج إلى رحبة المسجد ‪ ،‬هي‬
‫من المسجد ‪.‬‏ قال القاضي ‪ :‬إن كان عليها حائط وباب فهي كالمسجد ؛ لنها معه ‪ ،‬وتابعة‬
‫له ‪ ،‬وإن لم تكن محوطة ‪ ،‬لم يثبت لها حكم المسجد ‪.‬‏ فكأنه جمع بين الروايتين ‪،‬‬
‫وحملهما على اختلف الحالين ‪.‬‏ فإن خرج إلى منارة خارج المسجد للذان ‪ ،‬بطل اعتكافه‬
‫‪.‬‏ قال أبو الخطاب‪ :‬ويحتمل أن ل يبطل ؛ لن منارة المسجد كالمتصلة به ‪.‬‏‬

‫مسألة‪:‬‬

‫قال‪] :‬‏ ومن وطئ فقد أفسد اعتكافه‪,‬‏ ول قضاء عليه إل أن يكون واجبا [‏ وجملة ذلك أن‬
‫الوطء في العتكاف محرم بالجماع والصل فيه قول الله تعالى‪} :‬ول تباشروهن وأنتم‬
‫عاكفون في المساجد تلك حدود الله فل تقربوها{ فإن وطئ في الفرج متعمدا أفسد اعتكافه‪,‬‏‬
‫بإجماع أهل العلم حكاه ابن المنذر عنهم ولن الوطء إذا حرم في العبادة أفسدها كالحج‬
‫والصوم وإن كان ناسيا فكذلك عند إمامنا وأبي حنيفة‪,‬‏ ومالك وقال الشافعي‪ :‬ل يفسد‬
‫اعتكافه لنها مباشرة ل تفسد الصوم فلم تفسد العتكاف كالمباشرة فيما دون الفرج‬
‫ولنا‪,‬‏ أن ما حرم في العتكاف استوى عمده وسهوه في إفساده كالخروج من المسجد‬
‫ول نسلم أنها ل تفسد الصوم ولن المباشرة دون الفرج ل تفسد العتكاف‪,‬‏ إل إذا اقترن‬
‫بها النزال إذا ثابت هذا فل كفارة بالوطء في ظاهر المذهب وهو ظاهر كلم الخرقي‬
‫وقول عطاء والنخعي‪,‬‏ وأهل المدينة ومالك وأهل العراق‪,‬‏ والثوري وأهل الشام والوزاعي‬
‫ونقل حنبل عن أحمد أن عليه كفارة وهو قول الحسن‪,‬‏ والزهري واختيار القاضي لنه‬
‫عبادة يفسدها الوطء لعينه فوجبت الكفارة بالوطء فيها‪,‬‏ كالحج وصوم رمضان ولنا أنها‬
‫عبادة ل تجب بأصل الشرع فلم تجب بإفسادها كفارة‪,‬‏ كالنوافل ولنها عبادة ل يدخل‬
‫المال في جبرانها فلم تجب الكفارة بإفسادها‪,‬‏ كالصلة ولن وجوب الكفارة إنما يثبت‬
‫بالشرع ولم يرد الشرع بإيجابها‪,‬‏ فتبقى على الصل وما ذكروه ينتقض بالصلة وصوم غير‬
‫رمضان والقياس على الحج ل يصح لنه مباين لسائر العبادات ولهذا يمضي في فاسده‬
‫ويلزم بالشروع فيه‪,‬‏ ويجب بالوطء فيه بدنة بخلف غيره ولنه لو وجبت الكفارة ها هنا‬
‫بالقياس عليه للزم أن يكون بدنة لن الحكم في الفرع يثبت على صفة الحكم في الصل‪,‬‏‬
‫إذ كان القياس إنما هو توسعة مجرى الحكم فيصير النص الوارد في الصل واردا في‬
‫الفرع فيثبت فيه الحكم الثابت في الصل بعينه وأما القياس على الصوم فهو دال على‬
‫نفي الكفارة لن الصوم كله ل يجب بالوطء فيه كفارة سوى رمضان‪,‬‏ والعتكاف أشبه‬
‫بغير رمضان لنه نافلة ل يجب إل بالنذر ثام ل يصح قياسه على رمضان أيضا لن الوطء‬
‫فيه إنما أوجب الكفارة لحرمة الزمان ولذلك يجب على كل من لزمه المساك‪,‬‏ وإن لم‬
‫يفسد به صوما واختلف موجبو الكفارة فيها فقال القاضي‪ :‬يجب كفارة الظهار وهو قول‬
‫الحسن والزهري‪,‬‏ وظاهر كلم أحمد في رواية حنبل فإنه روي عن الزهري أنه قال‪ :‬من‬
‫أصاب في اعتكافه فهو كهيئة المظاهر ثام قال أبو عبد الله‪ :‬إذا كان نهارا وجبت عليه‬
‫الكفارة ويحتمل أن أبا عبد الله إنما أوجب عليه الكفارة إذا فعل ذلك في رمضان لنه‬
‫اعتبر ذلك في النهار لجل الصوم‪,‬‏ ولو كان لمجرد العتكاف لما اختص الوجوب بالنهار‬
‫كما لم يختص الفساد به وحكي عن أبي بكر أن عليه كفارة يمين ولم أر هذا عن أبي بكر‬
‫في كتاب "‏الشافي"‏ ولعل أبا بكر إنما أوجب عليه كفارة في موضع تضمن الفساد‬
‫الخلل بالنذر‪,‬‏ فوجبت لمخالفته نذره وهي كفارة يمين فأما في غير ذلك فل لن الكفارة‬
‫إنما تجب بنص أو إجماع أو قياس وليس ها هنا نص ول إجماع ول قياس‪,‬‏ فإن نظير‬
‫العتكاف الصوم ول يجب بإفساده كفارة إذا كان تطوعا ول منذورا ما لم يتضمن الخلل‬
‫بنذره فيجب به كفارة يمين‪,‬‏ كذلك هذا‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫فأما المباشرة دون الفرج فإن كانت لغير شهوة فل بأس بها‪,‬‏ مثل أن تغسل رأسه أو‬
‫تفليه أو تناوله شيئا لن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬كان يدني رأسه إلى عائشة وهو‬
‫معتكف فترجله وإن كانت عن شهوة‪,‬‏ فهي محرمة لقول الله تعالى‪} :‬ول تباشروهن وأنتم‬
‫عاكفون في المساجد{ ولقول عائشة‪ :‬السنة للمعتكف أن ل يعود مريضا ول يشهد جنازة‬
‫ول يمس امرأة‪,‬‏ ول يباشرها رواه أبو داود ولنه ل يأمن إفضاءها إلى إفساد العتكاف وما‬
‫أفضى إلى الحرام كان حراما فإن فعل فأنزل‪,‬‏ فسد اعتكافه وإن لم ينزل لم يفسد وبهذا‬
‫قال أبو حنيفة‪,‬‏ والشافعي في أحد قوليه وقال في الخر‪ :‬يفسد في الحالين وهو قول‬
‫مالك لنها مباشرة محرمة فأفسدت العتكاف‪,‬‏ كما لو أنزل ولنا أنها مباشرة ل تفسد‬
‫صوما ول حجا فلم تفسد العتكاف‪,‬‏ كالمباشرة لغير شهوة وفارق التي أنزل بها لنها‬
‫تفسد الصوم ول كفارة عليه إل على رواية حنبل‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫وإن ارتد‪,‬‏ فسد اعتكافه لقوله تعالى‪} :‬لئن أشركت ليحبطن عملك{ ولنه خرج بالردة عن‬
‫كونه من أهل العتكاف وإن شرب ما أسكره فسد اعتكافه‪,‬‏ لخروجه عن كونه من أهل‬
‫المسجد‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫وكل موضع فسد اعتكافه فإن كان تطوعا فل قضاء عليه لن التطوع ل يلزم بالشروع فيه‬
‫في غير الحج والعمرة وإن كان نذرا نظرنا‪,‬‏ فإن كان نذر أياما متتابعة فسد ما مضى من‬
‫اعتكافه واستأنف لن التتابع وصف في العتكاف‪,‬‏ وقد أمكنه الوفاء به فلزمه وإن كان‬
‫نذر أياما معينة‪,‬‏ كالعشرة الواخر من شهر رمضان ففيه وجهان‪ :‬أحدهما يبطل ما مضى‪,‬‏‬
‫ويستأنفه لنه نذر اعتكافا متتابعا فبطل بالخروج منه كما لو قيده بالتتابع بلفظه والثاني‪,‬‏‬
‫ل يبطل لن ما مضى منه قد أدى العبادة فيه أداء صحيحا فلم يبطل بتركها في غيره كما‬
‫لو أفطر في أثاناء شهر رمضان‪,‬‏ والتتابع ها هنا حصل ضرورة التعيين والتعيين مصرح به‬
‫وإذا لم يكن بد من الخلل بأحدهما ففيما حصل ضرورة أولى‪,‬‏ ولن وجوب التتابع من‬
‫حيث الوقت ل من حيث النذر فالخروج في بعضه ل يبطل ما مضى منه‪,‬‏ كصوم رمضان‬
‫إذا أفطر فيه فعلى هذا يقضي ما أفسد فيه حسب وعليه الكفارة على الوجهين جميعا‬
‫لنه تارك لبعض ما نذره وأصل الوجهين في من نذر صوما معينا فأفطر في بعضه‪,‬‏ فإن‬
‫فيه روايتين كالوجهين اللذين ذكرناهما‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫إذا نذر اعتكاف أيام متتابعة بصوم فأفطر يوما‪,‬‏ أفسد تتابعه ووجب استئناف العتكاف‬
‫لخلله بالتيان بما نذره على صفته‪.‬‏‬
‫مسألة‪:‬‬

‫قال‪] :‬‏ وإذا وقعت فتنة خاف منها ترك اعتكافه‪,‬‏ فإذا أمن بنى على ما مضى إذا كان نذر‬
‫أياما معلومة وقضى ما ترك‪,‬‏ وكفر كفارة يمين وكذلك في النفير إذا احتيج إليه [‏ وجملته‬
‫أنه إذا وقعت فتنة خاف منها على نفسه إن قعد في المسجد أو على ماله نهبا أو حريقا‪,‬‏‬
‫فله ترك العتكاف والخروج لن هذا مما أباح الله تعالى لجله ترك الواجب بأصل الشرع‬
‫وهو الجمعة والجماعة فأولى أن يباح لجله ترك ما أوجبه على نفسه‪,‬‏ وكذلك إن تعذر‬
‫عليه المقام في المسجد لمرض ل يمكنه المقام معه فيه كالقيام المتدارك أو سلس‬
‫البول‪,‬‏ أو الغماء أو ل يمكنه المقام إل بمشقة شديدة مثل أن يحتاج إلى خدمة وفراش‪,‬‏‬
‫فله الخروج وإن كان المرض خفيفا كالصداع ووجع الضرس‪,‬‏ ونحوه فليس له الخروج فإن‬
‫خرج بطل اعتكافه وله الخروج إلى ما يتعين عليه من الواجب مثل الخروج في النفير إذا‬
‫عم‪,‬‏ أو حضر عدو يخافون كلبه واحتيج إلى خروج المعتكف لزمه الخروج لنه واجب‬
‫متعين‪,‬‏ فلزم الخروج إليه كالخروج إلى الجمعة وإذا خرج ثام زال عذره نظرنا‪,‬‏ فإن كان‬
‫تطوعا فهو مخير إن شاء رجع إلى معتكفه وإن شاء لم يرجع‪,‬‏ وإن كان واجبا رجع إلى‬
‫معتكفه فبنى على ما مضى من اعتكافه ثام ل يخلو النذر من ثالثاة أحوال‪ :‬أحدها أن يكون‬
‫نذر اعتكافا في أيام غير متتابعة ول معينة‪,‬‏ فهذا ل يلزمه قضاء بل يتم ما بقي عليه لكنه‬
‫يبتدئ اليوم الذي خرج فيه من أوله‪,‬‏ ليكون متتابعا ول كفارة عليه لنه أتى بما نذر على‬
‫وجهه فل يلزمه كفارة كما لو لم يخرج الثاني‪,‬‏ نذر أياما معينة كشهر رمضان فعليه قضاء‬
‫ما ترك‪,‬‏ وكفارة يمين بمنزلة تركه المنذور في وقته ويحتمل أن ل يلزمه كفارة على ما‬
‫سنذكره‪,‬‏ إن شاء الله الثالث نذر أياما متتابعة فهو مخير بين البناء والقضاء والتكفير‪,‬‏ وبين‬
‫البتداء ول كفارة عليه لنه يأتي بالمنذور على وجهه فلم يلزمه كفارة‪,‬‏ كما لو أتى به من‬
‫غير أن يسبقه العتكاف الذي قطعه وذكر الخرقي مثل هذا في الصيام فقال‪ :‬ومن نذر‬
‫أن يصوم شهرا متتابعا ولم يسمه فمرض في بعضه‪,‬‏ فإذا عوفي بنى على ما مضى من‬
‫صيامه وقضى ما ترك وكفر كفارة يمين‪,‬‏ وإن أحب أتى بشهر متتابع ول كفارة عليه وقال‬
‫أبو الخطاب في من ترك الصيام المنذور لعذر‪ :‬فعن أحمد فيه رواية أخرى‪,‬‏ أنه ل كفارة‬
‫عليه وهو قول مالك والشافعي وأبي عبيد لن المنذور كالمشروع ابتداء‪,‬‏ ولو أفطر في‬
‫رمضان لعذر لم يلزمه شيء فكذلك المنذور وقال القاضي‪ :‬إن خرج لواجب‪,‬‏ كالجهاد‬
‫تعين أو أداء شهادة واجبة فل كفارة عليه لنه خروج واجب لحق الله تعالى‪,‬‏ فلم يجب به‬
‫شيء كالمرأة تخرج لحيضها أو نفاسها وحمل كلم الخرقي على أنه يبني على ما مضى‬
‫دون إيجاب الكفارة وظاهر كلم الخرقي‪,‬‏ أن عليه الكفارة لن النذر كاليمين ومن حلف‬
‫على فعل شيء فحنث لزمته الكفارة‪,‬‏ سواء كان لعذر أو غيره وسواء كانت المخالفة‬
‫واجبة أو لم تكن ويفارق صوم رمضان‪,‬‏ فإن الخلل به والفطر فيه لغير عذر ل يوجب‬
‫الكفارة ويفارق الحيض فإنه يتكرر‪,‬‏ ويظن وجوده في زمن النذر فيصير كالخروج لحاجة‬
‫النسان وكالمستثنى بلفظه‪.‬‏‬

‫مسألة‪:‬‬

‫قال‪] :‬‏ والمعتكف ل يتجر‪,‬‏ ول يتكسب بالصنعة [‏ وجملته أن المعتكف ل يجوز له أن يبيع‬
‫ول يشتري إل ما ل بد له منه قال حنبل‪ :‬سمعت أبا عبد الله يقول‪ :‬المعتكف ل يبيع ول‬
‫يشتري إل ما ل بد له منه طعام أو نحو ذلك‪,‬‏ فأما التجارة والخذ والعطاء فل يجوز شيء‬
‫من ذلك وقال الشافعي‪ :‬ل بأس أن يبيع ويشتري‪,‬‏ ويخيط ويتحدث ما لم يكن مأثاما‪ ،‬ولنا‬
‫ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده )‏أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬نهى عن‬
‫البيع والشراء في المسجد(‏ رواه الترمذي‪,‬‏ وقال‪ :‬حديث حسن ورأى عمران القصير رجل‬
‫يبيع في المسجد فقال‪ :‬يا هذا إن هذا سوق الخرة‪,‬‏ فإن أردت البيع فاخرج إلى سوق‬
‫الدنيا وإذا منع من البيع والشراء في غير حال العتكاف ففيه أولى فأما الصنعة فظاهر‬
‫كلم الخرقي‪,‬‏ أنه ل يجوز منها ما يكتسب به لنه بمنزلة التجارة بالبيع والشراء ويجوز ما‬
‫يعمله لنفسه كخياطة قميصه ونحوه وقد روى المروذي قال‪ :‬سألت أبا عبد الله عن‬
‫المعتكف‪,‬‏ ترى له أن يخيط؟‏ قال‪ :‬ل ينبغي له أن يعتكف إذا كان يريد أن يفعل وقال‬
‫القاضي‪ :‬ل تجوز الخياطة في المسجد سواء كان محتاجا إليها أو لم يكن قل أو كثر لن‬
‫ذلك معيشة أو تشغل عن العتكاف‪,‬‏ فأشبه البيع والشراء فيه والولى أن يباح له ما‬
‫يحتاج إليه من ذلك إذا كان يسيرا مثل أن ينشق قميصه فيخيطه‪,‬‏ أو ينحل شيء يحتاج‬
‫إلى ربط فيربطه لن هذا يسير تدعو الحاجة إليه فجرى مجرى لبس قميصه وعمامته‬
‫وخلعهما‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫يستحب للمعتكف التشاغل بالصلة وتلوة القرآن وذكر الله تعالى ونحو ذلك من‬
‫الطاعات المحضة‪,‬‏ ويجتنب ما ل يعنيه من القوال والفعال ول يكثر الكلم لن من كثر‬
‫كلمه كثر سقطه وفي الحديث‪) :‬‏من حسن إسلم المرء تركه ما ل يعنيه(‏ ويجتنب الجدال‬
‫والمراء والسباب والفحش فإن ذلك مكروه في غير العتكاف‪,‬‏ ففيه أولى ول يبطل‬
‫العتكاف بشيء من ذلك لنه لما لم يبطل بمباح الكلم لم يبطل بمحظوره وعكسه‬
‫الوطء ول بأس بالكلم لحاجته ومحادثاة غيره‪,‬‏ فإن صفية زوجة النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬قالت‪) :‬‏كان رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬معتكفا فأتيته أزوره ليل فحدثاته‪,‬‏‬
‫ثام قمت فانقلبت فقام معي ليقلبني ‪ -‬وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد ‪ -‬فمر رجلن‬
‫من النصار‪,‬‏ فلما رأيا النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أسرعا فقال النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :-‬على رسلكما إنها صفية بنت حيي فقال‪ :‬سبحان الله يا رسول الله‪,‬‏ فقال‪ :‬إن‬
‫الشيطان يجري من النسان مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا أو قال‪:‬‬
‫شيئا(‏ متفق عليه وقال علي رضي الله عنه‪ :‬أيما رجل اعتكف فل يساب‪,‬‏ ول يرفث في‬
‫الحديث ويأمر أهله بالحاجة ‪ -‬أي وهو يمشي ‪ -‬ول يجلس عندهم رواه المام أحمد‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫فأما إقراء القرآن وتدريس العلم ودرسه‪,‬‏ ومناظرة الفقهاء ومجالستهم وكتابة الحديث‬
‫ونحو ذلك مما يتعدى نفعه‪,‬‏ فأكثر أصحابنا على أنه ل يستحب وهو ظاهر كلم أحمد وقال‬
‫أبو الحسن المدي‪ :‬في استحباب ذلك روايتان واختار أبو الخطاب أنه مستحب إذا قصد‬
‫به طاعة الله تعالى ل المباهاة وهذا مذهب الشافعي لن ذلك أفضل العبادات‪,‬‏ ونفعه‬
‫يتعدى فكان أولى من تركه كالصلة واحتج أصحابنا بأن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬كان‬
‫يعتكف فلم ينقل عنه الشتغال بغير العبادات المختصة به‪,‬‏ ولن العتكاف عبادة من‬
‫شرطها المسجد فلم يستحب فيها ذلك كالطواف‪,‬‏ وما ذكروه يبطل بعيادة المرضى‬
‫وشهود الجنازة فعلى هذا القول فعله لهذه الفعال أفضل من العتكاف قال المروذي‪:‬‬
‫قلت لبي عبد الله‪ :‬إن رجل يقرئ في المسجد‪,‬‏ وهو يريد أن يعتكف ولعله أن يختم في‬
‫كل يوم؟‏ فقال‪ :‬إذا فعل هذا كان لنفسه وإذا قعد في المسجد كان له ولغيره‪,‬‏ يقرئ أحب‬
‫إلي‪.‬‏ وسئل‪ :‬أيما أحب إليك العتكاف أو الخروج إلى عبادان؟‏ قال‪ :‬ليس يعدل الجهاد‬
‫عندي شيء يعني أن الخروج إلى عبادان أفضل من العتكاف‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬
‫وليس من شريعة السلم الصمت عن الكلم وظاهر الخبار تحريمه قال قيس بن مسلم‪:‬‬
‫دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على امرأة من أحمس‪,‬‏ يقال لها زينب فرآها ل تتكلم‬
‫فقال‪ :‬ما لها ل تتكلم؟‏ قالوا‪ :‬حجت مصمتة فقال لها‪ :‬تكلمي‪,‬‏ فإن هذا ل يحل هذا من‬
‫عمل الجاهلية فتكلمت‪.‬‏ رواه البخاري وروى أبو داود بإسناده عن علي رضي الله عنه‬
‫قال‪ :‬حفظت عن رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أنه قال‪) :‬‏ل صمات يوم إلى الليل(‏‬
‫وروي عن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أنه )‏نهى عن صوم الصمت(‏ فإن نذر ذلك في‬
‫اعتكافه أو غيره لم يلزمه الوفاء به وبهذا قال الشافعي‪,‬‏ وأصحاب الرأي وابن المنذر ول‬
‫نعلم فيه مخالفا لما روى ابن عباس قال‪) :‬‏بينا النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يخطب إذا‬
‫هو برجل قائم‪,‬‏ فسأل عنه؟‏ فقالوا‪ :‬أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ول يقعد ول‬
‫يستظل ول يتكلم‪,‬‏ ويصوم فقال النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ :-‬مروه فليتكلم وليستظل‬
‫وليقعد‪,‬‏ وليتم صومه(‏ رواه البخاري ولنه نذر فعل منهي عنه فلم يلزمه كنذر المباشرة‬
‫في المسجد وإن أراد فعله لم يكن له ذلك‪,‬‏ سواء نذره أو لم ينذره وقال أبو ثاور وابن‬
‫المنذر‪ :‬له فعله إذا كان أسلم ولنا النهي عنه‪,‬‏ وظاهره التحريم والمر بالكلم ومقتضاه‬
‫الوجوب‪,‬‏ وقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه‪ :‬إن هذا ل يحل هذا من عمل الجاهلية‬
‫وهذا صريح ولم يخالفه أحد من الصحابة فيما علمناه‪,‬‏ واتباع ذلك أولى‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫ول يجوز أن يجعل القرآن بدل من الكلم لنه استعمال له في غير ما هو له فأشبه‬
‫استعمال المصحف في التوسد ونحوه وقد جاء‪ :‬ل تناظروا بكتاب الله قيل‪ :‬معناه ل تتكلم‬
‫به عند الشيء تراه‪,‬‏ كأن ترى رجل قد جاء في وقته فتقول‪ :‬ثام جئت على قدر يا موسى‬
‫أو نحوه ذكر أبو عبيد نحو هذا المعنى‪.‬‏‬

‫مسألة‪:‬‬

‫قال‪] :‬‏ ول بأس أن يتزوج في المسجد ويشهد النكاح [‏ وإنما كان كذلك‪,‬‏ لن العتكاف‬
‫عبادة ل تحرم الطيب فلم تحرم النكاح كالصوم ولن النكاح طاعة‪,‬‏ وحضوره قربة ومدته‬
‫ل تتطاول فيتشاغل به عن العتكاف‪,‬‏ فلم يكره فيه كتشميت العاطس ورد السلم‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫ول بأس أن يتنظف بأنواع التنظف )‏لن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬كان يرجل رأسه‬
‫وهو معتكف وله أن يتطيب‪,‬‏ ويلبس الرفيع من الثياب(‏ وليس ذلك بمستحب قال أحمد‪ :‬ل‬
‫يعجبني أن يتطيب وذلك لن العتكاف عبادة تختص مكانا فكان ترك الطيب فيها مشروعا‬
‫كالحج وليس ذلك بمحرم لنه ل يحرم اللباس ول النكاح فأشبه الصوم‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫ول بأس أن يأكل المعتكف في المسجد‪,‬‏ ويضع سفرة يسقط عليها ما يقع منه كي ل‬
‫يلوث المسجد‪,‬‏ ويغسل يده في الطست ليفرغ خارج المسجد ول يجوز أن يخرج لغسل‬
‫يده لن له من ذلك بدا وهل يكره تجديد الطهارة في المسجد؟‏ فيه روايتان‪ :‬إحداهما‪,‬‏ ل‬
‫يكره لن أبا العالية قال‪ :‬حدثاني من كان يخدم النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال‪ :‬أما ما‬
‫حفظت لكم منه )‏أنه كان يتوضأ في المسجد(‏ وعن ابن عمر أنه قال‪) :‬‏كان يتوضأ في‬
‫المسجد الحرام على عهد رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬الرجال والنساء(‏ وعن ابن‬
‫سيرين قال‪ :‬كان أبو بكر وعمر‪,‬‏ والخلفاء يتوضئون في المسجد وروي ذلك عن ابن عمر‬
‫وابن عباس وعطاء‪,‬‏ وطاوس وابن جريج والخرى يكره لنه ل يسلم من أن يبصق في‬
‫المسجد أو يتمخط‪,‬‏ والبصاق في المسجد خطيئة ويبل من المسجد مكانا يمنع المصلين‬
‫من الصلة فيه وإن خرج عن المسجد للوضوء وكان تجديدا‪,‬‏ بطل لنه خروج لما له منه‬
‫بد وإن كان وضوءا من حدث لم يبطل لن الحاجة داعية إليه‪,‬‏ سواء كان في وقت الصلة‬
‫أو قبلها لنه ل بد من الوضوء للمحدث وإنما يتقدم عن وقت الحاجة إليه لمصلحة وهو‬
‫كونه على وضوء‪,‬‏ وربما يحتاج إلى صلة النافلة به‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫إذا أراد أن يبول في المسجد في طست لم يبح له ذلك لن المساجد لم تبن لهذا وهو‬
‫مما يقبح ويفحش ويستخفى به‪,‬‏ فوجب صيانة المسجد عنه كما لو أراد أن يبول في أرضه‬
‫ثام يغسله وإن أراد الفصد أو الحجامة فيه‪,‬‏ فكذلك ذكره القاضي لنه إراقة نجاسة في‬
‫المسجد فأشبه البول فيه وإن دعت إليه حاجة كبيرة خرج من المسجد ففعله‪,‬‏ وإن‬
‫استغنى عنه لم يكن له الخروج إليه كالمرض الذي يمكن احتماله وقال ابن عقيل‪ :‬يحتمل‬
‫أن يجوز الفصد في المسجد في طست بدليل أن المستحاضة يجوز لها العتكاف‪,‬‏ ويكون‬
‫تحتها شيء يقع فيه الدم قالت عائشة‪) :‬‏اعتكفت مع رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫امرأة من أزواجه مستحاضة فكانت ترى الحمرة والصفرة‪,‬‏ وربما وضعت الطست تحتها‬
‫وهي تصلي(‏ رواه البخاري والفرق بينهما أن المستحاضة ل يمكنها التحرز من ذلك إل‬
‫بترك العتكاف بخلف الفصد‪.‬‏‬

‫مسألة‪:‬‬

‫قال‪] :‬‏ والمتوفى عنها زوجها وهي معتكفة تخرج لقضاء العدة وتفعل كما فعل الذي خرج‬
‫لفتنة [‏ وجملته أن المعتكفة إذا توفي زوجها لزمها الخروج لقضاء العدة‪,‬‏ وبهذا قال‬
‫الشافعي وقال ربيعة ومالك وابن المنذر‪ :‬تمضي في اعتكافها‪,‬‏ حتى تفرغ منه ثام ترجع‬
‫إلى بيت زوجها فتعتد فيه لن العتكاف المنذور واجب والعتداد في البيت واجب‪,‬‏ فقد‬
‫تعارض واجبان فيقدم أسبقهما ولنا أن العتداد في بيت زوجها واجب فلزمها الخروج إليه‪,‬‏‬
‫كالجمعة في حق الرجل ودليلهم ينتقض بالخروج إلى الجمعة وسائر الواجبات وظاهر‬
‫كلم الخرقي أنها كالذي خرج لفتنة وأنها تبني وتقضي وتكفر وقال القاضي‪ :‬ل كفارة‬
‫عليها لن خروجها واجب وقد مضى القول فيه‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫وليس للزوجة أن تعتكف إل بإذن زوجها‪,‬‏ ول للمملوك أن يعتكف إل بإذن سيده لن‬
‫منافعهما مملوكة لغيرهما والعتكاف يفوتها ويمنع استيفاءها‪,‬‏ وليس بواجب عليهما‬
‫بالشرع فكان لهما المنع منه وأم الولد والمدبر كالقن في هذا لن الملك باق فيهما فإن‬
‫أذن السيد والزوج لهما‪,‬‏ ثام أراد إخراجهما منه بعد شروعهما فيه فلهما ذلك في التطوع‬
‫وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة في العبد كقولنا وفي الزوجة‪ :‬ليس لزوجها إخراجها‬
‫لنها تملك بالتمليك‪,‬‏ فالذن أسقط حقه من منافعها وأذن لها في استيفائها فلم يكن له‬
‫الرجوع فيها‪,‬‏ كما لو أذن لها في الحج فأحرمت به بخلف العبد فإنه ل يملك بالتمليك‬
‫وقال مالك‪ :‬ليس له تحليلهما لنهما عقدا على أنفسهما تمليك منافع كانا يملكانها لحق‬
‫الله تعالى فلم يجز الرجوع فيها‪,‬‏ كما لو أحرما بالحج بإذنهما ولنا أن لهما المنع منه ابتداء‬
‫فكان لهما المنع منه دواما‪,‬‏ كالعارية ويخالف الحج لنه يلزم بالشروع فيه بخلف‬
‫العتكاف على ما مضى من الخلف فيه‪,‬‏ فإن كان ما أذنا فيه منذورا لم يكن لهما‬
‫تحليلهما منه لنه يتعين بالشروع فيه ويجب إتمامه‪,‬‏ فيصير كالحج إذا أحرما به فأما إن‬
‫نذرا العتكاف فأراد السيد والزوج منعهما الدخول فيه نظرت فإن كان النذر بإذنهما‪,‬‏‬
‫وكان معينا لم يملكا منعهما منه لنه وجب بإذنهما وإن كان بغير إذنهما‪,‬‏ فلهما منعهما منه‬
‫لن نذرهما تضمن تفويت حق غيرهما بغير إذنه فكان لصاحب الحق المنع منه وإن كان‬
‫النذر المأذون فيه غير معين فهل لهما منعهما؟‏ على وجهين أحدهما‪,‬‏ لهما منعهما لن‬
‫حقهما ثاابت في كل زمن فكان تعيين زمن سقوطه إليهما كالدين والثاني ليس لهما ذلك‬
‫لنه وجب التزامه بإذنهما‪,‬‏ فأشبه المعين وأما المعتق بعضه فإن كان بينه وبين سيده‬
‫مهايأة فله أن يعتكف في يومه بغير إذن سيده لن منافعه غير مملوكة لسيده في هذا‬
‫اليوم‪,‬‏ وحكمه في يوم سيده حكم القن فإن لم يكن بينهما مهايأة فلسيده منعه لن له‬
‫ملكا في منافعه في كل وقت‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫وأما المكاتب فليس لسيده منعه من واجب ول تطوع لنه ل يستحق منافعه‪,‬‏ وليس له‬
‫إجباره على الكسب وإنما له دين في ذمته فهو كالحر المدين‪.‬‏‬

‫مسألة‪:‬‬

‫قال‪] :‬‏ وإذا حاضت المرأة‪,‬‏ خرجت من المسجد وضربت خباء في الرحبة [‏ أما خروجها‬
‫من المسجد فل خلف فيه لن الحيض حدث يمنع اللبث في المسجد‪,‬‏ فهو كالجنابة وآكد‬
‫منه وقد قال النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) :-‬‏ل أحل المسجد لحائض‪,‬‏ ول جنب(‏ رواه أبو‬
‫داود وإذا ثابت هذا فإن المسجد إن لم يكن له رحبة رجعت إلى بيتها فإذا طهرت رجعت‬
‫فأتمت اعتكافها‪,‬‏ وقضت ما فاتها ول كفارة عليها نص عليه أحمد لنه خروج معتاد واجب‬
‫أشبه الخروج للجمعة‪,‬‏ أو لما ل بد منه وإن كانت له رحبة خارجة من المسجد يمكن أن‬
‫تضرب فيها خباءها فقال الخرقي‪ :‬تضرب خباءها فيها مدة حيضها وهو قول أبي قلبة‬
‫وقال النخعي‪ :‬تضرب فسطاطها في دارها‪,‬‏ فإذا طهرت قضت تلك اليام وإن دخلت بيتا‬
‫أو سقفا استأنفت وقال الزهري وعمرو بن دينار‪,‬‏ وربيعة ومالك والشافعي‪ :‬ترجع إلى‬
‫منزلها‪,‬‏ فإذا طهرت فلترجع لنه وجب عليها الخروج من المسجد فلم يلزمها القامة في‬
‫رحبته كالخارجة لعدة‪,‬‏ أو خوف فتنة ووجه قول الخرقي ما روى المقدام بن شريح عن‬
‫عائشة قالت‪) :‬‏كن المعتكفات إذا حضن أمر رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫بإخراجهن من المسجد‪,‬‏ وأن يضربن الخبية في رحبة المسجد حتى يطهرن(‏ رواه أبو‬
‫حفص بإسناده وفارق المعتدة فإن خروجها لتقيم في بيتها وتعتد فيه‪,‬‏ ول يحصل ذلك مع‬
‫الكون في الرحبة وكذلك الخائفة من الفتنة خروجها لتسلم من الفتنة فل تقيم في موضع‬
‫ل تحصل السلمة بالقامة فيه والظاهر أن إقامتها في الرحبة مستحب وليس بواجب وإن‬
‫لم تقم في الرحبة‪,‬‏ ورجعت إلى منزلها أو غيره فل شيء عليها لنها خرجت بإذن الشرع‬
‫ومتى طهرت رجعت إلى المسجد فقضت وبنت‪,‬‏ ول كفارة عليها ل نعلم فيه خلفا لنه‬
‫خروج لعذر معتاد أشبه الخروج لقضاء الحاجة وقول إبراهيم تحكم ل دليل عليه‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬
‫فأما الستحاضة فل تمنع العتكاف لنها ل تمنع الصلة ول الطواف‪,‬‏ وقد قالت عائشة‪:‬‬
‫)‏اعتكفت مع رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬امرأة من أزواجه مستحاضة فكانت ترى‬
‫الحمرة والصفرة وربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي(‏ أخرجه البخاري إذا ثابت هذا‬
‫فإنها تتحفظ وتتلجم‪,‬‏ لئل تلوث المسجد فإن لم يمكن صيانته منها خرجت من المسجد‬
‫لنه عذر وخروج لحفظ المسجد من نجاستها فأشبه الخروج لقضاء حاجة النسان‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫الخروج المباح في العتكاف الواجب ينقسم أربعة أقسام أحدها‪,‬‏ ما ل يوجب قضاء ول‬
‫كفارة وهو الخروج لحاجة النسان وشبهه مما ل بد منه والثاني‪ :‬ما يوجب قضاء بل‬
‫كفارة‪,‬‏ وهو الخروج للحيض والثالث ما يوجب قضاء وكفارة وهو الخروج لفتنة‪,‬‏ وشبهه‬
‫مما يخرج لحاجة نفسه والرابع ما يوجب قضاء وفي الكفارة وجهان وهو الخروج لواجب‪,‬‏‬
‫كالخروج في النفير أو العدة ففي قول القاضي ل كفارة عليه لنه واجب لحق الله تعالى‪,‬‏‬
‫أشبه الخروج للحيض وظاهر كلم الخرقي وجوبها لنه خروج غير معتاد فأوجب الكفارة‬
‫كالخروج لفتنة‪.‬‏‬

‫مسألة‪:‬‬

‫قال‪] :‬‏ ومن نذر أن يعتكف شهرا بعينه دخل المسجد قبل غروب الشمس [‏ وهذا قول‬
‫مالك‪,‬‏ والشافعي وحكى ابن أبي موسى عن أحمد رواية أخرى أنه يدخل معتكفه قبل‬
‫طلوع الفجر من أوله وهو قول الليث وزفر )‏لن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬كان إذا‬
‫أراد أن يعتكف صلى الصبح‪,‬‏ ثام دخل معتكفه(‏ متفق عليه ولن الله تعالى قال‪} :‬فمن‬
‫شهد منكم الشهر فليصمه{ ول يلزم الصوم إل من قبل طلوع الفجر ولن الصوم شرط في‬
‫العتكاف فلم يجز ابتداؤه قبل شرطه ولنا أنه نذر الشهر‪,‬‏ وأوله غروب الشمس ولهذا‬
‫تحل الديون المعلقة به ويقع الطلق والعتاق المعلقان به‪,‬‏ ووجب أن يدخل قبل الغروب‬
‫ليستوفي جميع الشهر فإنه ل يمكن إل بذلك وما ل يتم الواجب إل به فهو واجب‪,‬‏ كإمساك‬
‫جزء من الليل مع النهار في الصوم وأما الصوم فإن محله النهار فل يدخل فيه شيء من‬
‫الليل في أثانائه ول ابتدائه‪,‬‏ إل ما حصل ضرورة بخلف العتكاف وأما الحديث فقال ابن‬
‫عبد البر‪ :‬ل أعلم أحدا من الفقهاء قال به على أن الخبر إنما هو في التطوع فمتى شاء‬
‫دخل‪,‬‏ وفي مسألتنا نذر شهرا فيلزمه اعتكاف شهر كامل ول يحصل إل أن يدخل فيه قبل‬
‫غروب الشمس من أوله‪,‬‏ ويخرج بعد غروبها من آخره فأشبه ما لو نذر اعتكاف يوم فإنه‬
‫يلزمه الدخول فيه قبل طلوع فجره‪,‬‏ ويخرج بعد غروب شمسه‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫وإن أحب اعتكاف العشر الواخر من رمضان تطوعا ففيه روايتان‪ :‬إحداهما يدخل قبل‬
‫غروب الشمس من ليلة إحدى وعشرين لما روي عن أبي سعيد )‏أن رسول الله ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬كان يعتكف العشر الوسط من رمضان‪,‬‏ حتى إذا كان ليلة إحدى‬
‫وعشرين وهي الليلة التي يخرج في صبيحتها من اعتكافه قال‪ :‬من كان اعتكف معي‪,‬‏‬
‫فليعتكف العشر الواخر(‏ متفق عليه ولن العشر بغير هاء عدد الليالي فإنها عدد المؤنث‬
‫قال الله تعالى‪} :‬وليال عشر{ وأول الليالي العشر ليلة إحدى وعشرين والرواية الثانية‪,‬‏‬
‫يدخل بعد صلة الصبح قال حنبل قال أحمد‪ :‬أحب إلى أن يدخل قبل الليل ولكن حديث‬
‫عائشة )‏أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬كان يصلي الفجر‪,‬‏ ثام يدخل معتكفه(‏ وبهذا قال‬
‫الوزاعي وإسحاق ووجهه ما روت عمرة عن عائشة )‏أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫كان إذا صلى الصبح دخل معتكفه(‏ متفق عليه وإن نذر اعتكاف العشر‪,‬‏ ففي وقت دخوله‬
‫الروايتان جميعا‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫ومن اعتكف العشر الواخر من رمضان استحب أن يبيت ليلة العيد في معتكفه نص عليه‬
‫أحمد وروي عن النخعي وأبي مجلز‪,‬‏ وأبي بكر بن عبد الرحمن والمطلب بن حنطب وأبي‬
‫قلبة‪,‬‏ أنهم كانوا يستحبون ذلك وروى الثارم بإسناده عن أيوب عن أبي قلبة‪,‬‏ أنه كان‬
‫يبيت في المسجد ليلة الفطر ثام يغدو كما هو إلى العيد وكان ‪ -‬يعني في اعتكافه ‪ -‬ل‬
‫يلقى له حصير ول مصلى يجلس عليه‪,‬‏ كان يجلس كأنه بعض القوم قال‪ :‬فأتيته في يوم‬
‫الفطر فإذا في حجره جويرية مزينة ما ظننتها إل بعض بناته فإذا هي أمة له‪,‬‏ فأعتقها وغدا‬
‫كما هو إلى العيد وقال إبراهيم‪ :‬كانوا يحبون لمن اعتكف العشر الواخر من رمضان أن‬
‫يبيت ليلة الفطر في المسجد‪,‬‏ ثام يغدو إلى المصلى من المسجد‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫وإذا نذر اعتكاف شهر لزمه شهر بالهلة أو ثالثاون يوما وهل يلزمه التتابع؟‏ على وجهين‬
‫بناء على الروايتين في نذر الصوم أحدهما‪,‬‏ ل يلزمه وهو مذهب الشافعي لنه معنى يصح‬
‫فيه التفريق فل يجب فيه التتابع بمطلق النذر كالصيام والثاني‪,‬‏ يلزمه التتابع وهو قول أبي‬
‫حنيفة ومالك وقال القاضي‪ :‬يلزمه التتابع قول واحدا لنه معنى يحصل في الليل والنهار‬
‫فإذا أطلقه اقتضى التتابع كما لو حلف ل يكلم زيدا شهرا‪,‬‏ وكمدة اليلء والعنة والعدة‬
‫وبهذا فارق الصيام فإن أتى بشهر بين هللين أجزأه ذلك‪,‬‏ وإن كان ناقصا وإن اعتكف‬
‫ثالثاين يوما من شهرين جاز وتدخل فيه الليالي لن الشهر عبارة عنهما‪,‬‏ ول يجزئه أقل من‬
‫ذلك وإن قال‪ :‬لله علي أن أعتكف أيام هذا الشهر أو ليالي هذا الشهر لزمه ما نذر ولم‬
‫يدخل فيه غيره وكذلك إن قال‪ :‬شهرا في النهار‪,‬‏ أو في الليل‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫وإن قال‪ :‬لله علي أن أعتكف ثالثاين يوما فعلى قول القاضي يلزمه التتابع وقال أبو‬
‫الخطاب‪ :‬ل يلزمه لن اللفظ يقتضي ما تناوله واليام المطلقة توجد بدون التتابع‪,‬‏ فل‬
‫يلزمه كما لو قال‪ :‬لله علي أن أصوم ثالثاين يوما فعلى قول القاضي‪ :‬يدخل فيه الليالي‬
‫الداخلة في اليام المنذورة كما لو نذر شهرا ومن لم يوجب التتابع ل يقتضي أن تدخل‬
‫الليالي فيه‪,‬‏ إل أن ينويه فإن نوى التتابع أو شرطه لزمه‪,‬‏ ودخل الليل فيه ويلزمه ما بين‬
‫اليام من الليالي وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة‪ :‬يلزمه من الليالي بعدد اليام‪,‬‏‬
‫إذا كان على وجه الجمع والتثنية يدخل فيه مثله من الليالي والليالي تدخل معها اليام‪,‬‏‬
‫بدليل قوله تعالى‪} :‬آيتك أل تكلم الناس ثالث ليال سويا{ وقال في موضع آخر‪} :‬ثالثاة أيام إل‬
‫رمزا{ ولنا أن اليوم اسم لبياض النهار والتثنية والجمع تكرار للواحد‪,‬‏ وإنما تدخل الليالي‬
‫تبعا لوجوب التتابع ضمنا وهذا يحصل بما بين اليام خاصة فاكتفي به وأما الية فإن الله‬
‫تعالى نص على الليل في موضع والنهار في موضع‪,‬‏ فصار منصوصا عليهما فإن نذر‬
‫اعتكاف يومين متتابعين لزمه يومان وليلة بينهما وإن نذر اعتكاف يومين مطلقا فعلى‬
‫قول القاضي‪,‬‏ هو كما لو نذرهما متتابعين وكذلك لو نذر ليلتين لزمه اليوم الذي بينهما‬
‫وعلى قول أبي الخطاب ل يلزمه التتابع‪,‬‏ ول ما بينهما إل بلفظه أو نيته‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫وإن نذر اعتكاف يوم لم يجز تفريقه‪,‬‏ ويلزمه أن يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر ويخرج‬
‫منه بعد غروب الشمس وقال مالك‪ :‬يدخل معتكفه قبل غروب الشمس من ليلة ذلك‬
‫اليوم كقولنا في الشهر لن الليل يتبع النهار‪,‬‏ بدليل ما لو كان متتابعا ولنا أن الليلة ليست‬
‫من اليوم وهي من الشهر قال الخليل‪ :‬اليوم اسم لما بين طلوع الفجر وغروب الشمس‬
‫وإنما دخل الليل في المتتابع ضمنا‪,‬‏ ولهذا خصصناه بما بين اليام وإن نذر اعتكاف ليلة‬
‫لزمه دخول معتكفه قبل غروب الشمس ويخرج منه بعد طلوع الفجر‪,‬‏ وليس له تفريق‬
‫العتكاف وقال الشافعي‪ :‬له تفريقه هذا ظاهر كلمه قياسا على تفريق الشهر ولنا أن‬
‫إطلق اليوم يفهم منه التتابع‪,‬‏ فيلزمه كما لو قال‪ :‬متتابعا وفارق الشهر فإنه اسم لما بين‬
‫الهللين‪,‬‏ واسم لثلثاين يوما واسم لغير ذلك واليوم ل يقع في الظاهر إل على ما ذكرنا‬
‫وإن قال في وسط النهار‪ :‬لله علي أن أعتكف يوما من وقتي هذا لزمه العتكاف من ذلك‬
‫الوقت إلى مثله‪,‬‏ ويدخل فيه الليل لنه في خلل نذره فصار كما لو نذر يومين متتابعين‬
‫وإنما لزمه بعض يومين لتعيينه ذلك بنذره‪,‬‏ فعلمنا أنه أراد ذلك ولم يرد يوما صحيحا‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫وإن نذر اعتكافا مطلقا لزمه ما يسمى به معتكفا‪,‬‏ ولو ساعة من ليل أو نهار إل على‬
‫قولنا بوجوب الصوم في العتكاف فيلزمه يوم كامل‪,‬‏ فأما اللحظة وما ل يسمى به‬
‫معتكفا فل يجزئه‪,‬‏ على الروايتين جميعا‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫ول يتعين شيء من المساجد بنذره العتكاف فيه إل المساجد الثلثاة وهي المسجد‬
‫الحرام‪,‬‏ ومسجد النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬والمسجد القصى لقول رسول الله ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪) :-‬‏ل تشد الرحال إل إلى ثالثاة مساجد‪ :‬المسجد الحرام‪,‬‏ والمسجد‬
‫القصى ومسجدي هذا(‏ متفق عليه ولو تعين غيرها بتعيينه لزمه المضي إليه‪,‬‏ واحتاج إلى‬
‫شد الرحال لقضاء نذره فيه ولن الله تعالى لم يعين لعبادته مكانا فلم يتعين بتعيين غيره‬
‫وإنما تعينت هذه المساجد الثلثاة للخبر الوارد فيها‪,‬‏ ولن العبادة فيها أفضل فإذا عين ما‬
‫فيه فضيلة لزمته‪,‬‏ كأنواع العبادة وبهذا قال الشافعي في صحيح قوليه وقال في الخر‪ :‬ل‬
‫يتعين المسجد القصى لن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال‪) :‬‏صلة في مسجدي هذا‬
‫أفضل من ألف صلة فيما سواه إل المسجد الحرام(‏ رواه مسلم وهذا يدل على التسوية‬
‫فيما عدا هذين المسجدين لن المسجد القصى لو فضلت الصلة فيه على غيره للزم أحد‬
‫أمرين إما خروجه من عموم هذا الحديث‪,‬‏ وإما كون فضيلته بألف مختصا بالمسجد‬
‫القصى ولنا أنه من المساجد التي تشد الرحال إليها فتعين بالتعيين في النذر‪,‬‏ كمسجد‬
‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وما ذكروه ل يلزم فإنه إذا فضل الفاضل بألف فقد فضل‬
‫المفضول بها أيضا‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫وإن نذر العتكاف في المسجد الحرام‪,‬‏ لم يكن له العتكاف فيما سواه لنه أفضلها ولن‬
‫عمر )‏نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام في الجاهلية فسأل النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪-‬؟‏ فقال‪ :‬أوف بنذرك(‏ متفق عليه وإن نذر أن يعتكف في مسجد النبي ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪,-‬‏ جاز له أن يعتكف في المسجد الحرام لنه أفضل منه ولم يجز أن يعتكف‬
‫في المسجد القصى لن مسجد النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أفضل منه وقال قوم‪:‬‬
‫مسجد النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أفضل من المسجد الحرام لن النبي ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬إنما دفن في خير البقاع وقد نقله الله تعالى من مكة إلى المدينة‪,‬‏ فدل على‬
‫أنها أفضل ولنا قول رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) :-‬‏صلة في مسجدي هذا أفضل‬
‫من ألف صلة فيما سواه إل المسجد الحرام(‏ وروي في خبر‪,‬‏ عن النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬أنه قال‪) :‬‏صلة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلة فيما سواه(‏ رواه ابن‬
‫ماجه فيدخل في عمومه مسجد النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فتكون الصلة فيه أفضل‬
‫من مائة ألف صلة فيما سوى مسجد النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فأما إن نذر العتكاف‬
‫في المسجد القصى جاز له أن يعتكف في المسجدين الخرين لنهما أفضل منه وقد‬
‫روى المام أحمد في "‏مسنده"‏‪,‬‏ عن رجال من النصار من أصحاب النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪) -‬‏أن رجل جاء إلى النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يوم الفتح والنبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬في مجلس قريبا من المقام‪,‬‏ فسلم على النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وقال‪ :‬يا‬
‫نبي الله إني نذرت لئن فتح الله للنبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬والمؤمنين مكة لصلين في‬
‫بيت المقدس‪,‬‏ وإني وجدت رجل من أهل الشام ها هنا في قريش مقبل معي ومدبرا‬
‫فقال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ :-‬ها هنا فصل فقال الرجل قوله هذا ثالث مرات‬
‫كل ذلك يقول النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ :-‬ها هنا فصل ثام قال الرابعة مقالته هذه‪,‬‏‬
‫فقال النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ :-‬اذهب فصل فيه فوالذي بعث محمدا بالحق لو صليت‬
‫ها هنا لقضى عنك ذلك كل صلة في بيت المقدس(‏ ومتى نذر العتكاف في غير هذه‬
‫المساجد‪,‬‏ فانهدم معتكفه ولم يمكن المقام فيه لزمه إتمام العتكاف في غيره‪,‬‏ ولم‬
‫يبطل اعتكافه‪.‬‏‬

‫فصل‪:‬‬

‫إذا نذر اعتكاف يوم يقدم فلن صح نذره فإن ذلك ممكن فإن قدم في بعض النهار‪,‬‏ لزمه‬
‫اعتكاف الباقي منه ولم يلزمه قضاء ما فات لنه فات قبل شرط الوجوب فلم يجب‪,‬‏ كما‬
‫لو نذر اعتكاف زمن ماض لكن إذا قلنا‪ :‬شرط صحة العتكاف الصوم لزمه قضاء يوم‬
‫كامل لنه ل يمكنه أن يأتي بالعتكاف في الصوم فيما بقي من النهار ول قضاؤه متميزا‬
‫مما قبله فلزمه يوم كامل ضرورة‪,‬‏ كما لو نذر صوم يوم يقدم فلن ويحتمل أن يجزئه‬
‫اعتكاف ما بقي منه إذا كان صائما لنه قد وجد اعتكاف مع الصوم وإن قدم ليل لم يلزمه‬
‫شيء لن ما التزمه بالنذر لم يوجد فإن كان للناذر عذر يمنعه العتكاف عند قدوم فلن‬
‫من حبس أو مرض‪,‬‏ قضى وكفر لفوات النذر في وقته ويقضي بقية اليوم فقط على‬
‫حسب ما كان يلزم في الداء‪,‬‏ في الرواية المنصورة وفي الخرى يقضي يوما كامل‪,‬‏ بناء‬
‫على اشتراط الصوم في العتكاف‪.‬‏‬

You might also like