You are on page 1of 3

‫أحمد هللا وأصلي على رسوله‪ ..

‬وبعد‪،‬‬

‫سأذكر في هذا المنشور شيئ ًا مما يعين إن شاء هللا على حسن التعامل مع العشر األواخر؛ وأخاطب ً‬
‫أول‬
‫وتقصيرا فيما مضى؛ فاصبر على طول الكالم عسى أن‬
‫ً‬ ‫كل من يجد من نفسه حزنًا على حاله وقسوة قلبه‬
‫تنتفع بشيء منه‪.‬‬

‫‪ -01‬أعظم ما تستقبل به هذه العشر‪ :‬تهيئة قلبك لرحمة هللا مهما بلغ تقصيرك؛ فإن هذه الليالي موضع‬
‫تنزل الرحمات؛ هكذا أرادها هللا عز وجل وشرفها وفضلها ‪ ..‬وهي أعظم ليالي الدنيا على قول جماعة من‬
‫الفقهاء ‪ -‬وفيها خالف مشهور ما بينها وبين العشر من ذي الحجة ‪ -‬لكن فيها ليلة القدر وهي أفضل ليالي‬
‫الدنيا بال نزاع‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫‪ -02‬أفضل ما ت ُصرف فيه تلك الليالي= إحياؤها بالطاعة‪.‬‬


‫ولعل األظهر من فعل النبي صلى هللا عليه وسلم= ترك النوم فيها بالكلية‪ ،‬لحديث الصحيحين ‪:‬أنه صلى‬
‫هللا عليه وسلم أحيا فيهن الليل‪.‬‬
‫وقيل المقصود إحياء معظم الليل ل جميعه؛ لحديث السنن عن أم عبد هللا عائشة في نفي قيامه صلى هللا‬
‫عليه وسلم ليلة حتى الصباح؛ ولعل هذا يحمل على غير ليالي العشر‪ ،‬وقيل غير ذلك‪.‬‬
‫والذي يبدو أن النبي صلى هللا عليه وسلم كان يحيي الليل كله بال نوم‪.‬‬
‫يسيرا ليتقوى به على سائره‪ ،‬فال بأس‪.‬‬
‫ً‬ ‫ومن نام شيئ ًا من الليل‬

‫‪ -03‬أفضله ‪ -‬أعني‪ :‬إحياء الليل ‪ -‬وأعاله= الصالة والتهجد‪.‬‬


‫وأفضل الصالة قيل‪ :‬طول القنوت والقراءة‪ ،‬ولو مع تقليل الركعات‪ ،‬وبه قال الشافعية وطائفة من‬
‫األحناف‪ ،‬وهي رواية عند الحنابلة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬بل أفضلها تكثير الركعات والسجود مع تقليل القراءة؛ لألحاديث الواردة في فضل السجود‪ ،‬وهو‬
‫المشهور في مذهب أحمد‬
‫وقيل‪ :‬هما سواء‪ ،‬واختاره الشيخ تقي الدين‪.‬‬
‫ومذهب الجمهور أن صالة الليل مثنى مثنى ول حد ألكثرها‪ ،‬وبه قال األئمة األربعة‪..‬‬
‫وتجويز الزيادة على إحدى عشرة ركعة= مذهب عامة أهل العلم‪ ،‬بل والجمهور على أن التراويح عشرون‬
‫ركعة سوى الوتر‪.‬‬
‫وخالصة هذه المسألة أن للمرء صالة ما شاء في هذه الليالي الشريفة؛ فال يحرم نفسه وكل حسب حاله‬
‫ولعل تكثير الركعات أفضل‪.‬‬
‫المهم حاول تقرأ بخشوع وتأن وتفكر في القراءة ول تهتم بالكم وركز على الكيف والتفكر والتدبر‪.‬‬
‫ومع منع التهجد والتضييق في التراويح‪ ،‬نصيحتي لك‪ :‬اجعل لنفسك ركعات في بيتك تصليها ول تقتصر‬
‫على هذه الصالة المختصرة في المساجد‪ ،‬وإن أوترت مع اإلمام في التراويح فحسن ثم صل في بيتك مثنى‬
‫مثنى‪ ،‬وإن أتممت العشرين بصالتك مع اإلمام وصالتك في بيتك فهو األفضل‪.‬‬
‫والمرأة كذلك إن أتمت العشرين فأفضل‪.‬‬

‫‪ -04‬أعظم لياليها قيا ًما= ليلة القدر‪ ،‬إذ هي خير من ألف شهر‪.‬‬
‫والجمهور على وقوعها في العشر‪..‬‬
‫وأوتار العشر أرجاها‪ ،‬والجماهير على كونها ليلةً مبهمة والخالف قائم في أمر تحديدها بليلة بعينها‪.‬‬
‫وجمهرة الفقهاء على تنقلها للجمع بين األحاديث حكاه ابن رشد ‪ ..‬وأرجاها‪ :‬ليلة السابع والعشرون وبه‬
‫قال جماعة من الصحابة‪ ،‬وهو مشهور مذهب أحمد‪ ،‬ونسبه ابن حجر للجمهور‪.‬‬
‫والقول باحتمال وقوعها في الليالي الزوجية= وجيه متصور وإليه ذهب جماعة من العلماء؛ خاصة مع‬
‫اكتمال الشهر ثالثين‪ ،‬قاله الشيخ تقي الدين وغيره‪.‬‬
‫وبالمناسبة هذا قول له وجاهة‪.‬‬
‫وخالصة هذه المسألة‪ :‬تنازع مناطات التحقيق وتداخل األدلة وتصورها‪ ،‬ومن ثم نقول‪ :‬إن قيام ليال‬
‫العشر كافة دون تفريق وجيه جدًا أحوط فال تفرط في ليلة واحدة‪ ،‬إذ إن التعويل على قول دون غيره لن‬
‫يخلو من مجازفة غير مأمونة التبعات لمن صوب ناظرية وأقام نفسه ابتغاء إدراك تلكم الليلة الشريفة‪..‬‬

‫وتدبرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -05‬ثم بعد الصالة‪ ،‬الذكر أفضل األعمال‪ ،‬وأعاله القرآن‪ ،‬قراءة‬
‫ومذهب الجماهير أن الترتيل والتدبر ولو مع قلة القراءة أفضل من سرعة القراءة وكثرتها ‪ ..‬قاله ابن‬
‫الجزري وغيره‪.‬‬
‫وإن قيل األفضل في األزمان الفاضلة تكثير الختمات اتجه أيضًا‪.‬‬
‫والختم مستحب وكذا الدعاء عند الختمة مستحب‪.‬‬
‫ونصيحتي لك في الليل تحديدًا اهتم بالتدبر والتفكر في معاني القرآن‪.‬‬

‫‪ -06‬ثم بعد الذكر الدعاء‪ ،‬وأعاله وأحسنه= سؤال هللا العفو‪.‬‬


‫وفيه حديث أم المؤمنين عائشة ‪ -‬رضي هللا عنها ‪ -‬في إدراك ليلة القدر كما عند أحمد‪ :‬اللهم إنك عفو‬
‫تحب العفو فاعف عني‪.‬‬
‫ومرد ذلك إلى أن الكريم إذا عفا ل يتبع عفوه غضب‪.‬‬

‫وللدعاء سنن وآداب من أشهرها‪ :‬الوضوء والتوجه للقبلة وحضور القلب واستجماعه والبداءة بحمد هللا‬
‫والثناء عليه والصالة على رسوله‪ ،‬وسؤال هللا بأسمائه وصفاته وإلهيته وربوبيته وبالتعبد هلل‪ ،‬واإلقرار‬
‫بالذنب وانكسار القلب‪.‬‬
‫وإن قدم بين يدية صدقة فحسن‪.‬‬
‫ومسح الوجه بعده مستحب عند الجماهير‪ ،‬وقال بالمنع شيخ اإلسالم‪.‬‬

‫‪ -07‬ويُستحب ختم القرآن في الصالة وغيرها والدعاء عند الختمة مشروع مستحب ل بدعة‪..‬‬
‫فأما خارج الصالة فيُستحب للخاتم جمع أهله عند الدعاء تبركًا بالقرآن‪ ،‬ومنه فعل أنس ‪ -‬رضي هللا عنه ‪-‬‬
‫‪.‬‬

‫وفي القيام ُيستحب الدعاء عند الختمة‪ ،‬ومنه أثر اإلمام أحمد‪ ،‬واستدلله بفعل أهل مكة وبينهم سفيان بن‬
‫عيينه ولم ينكر عليهم‪ ،‬وهذا من جملة فقه أحمد ‪ -‬رضي هللا عنه ‪.-‬‬
‫وأحسنه في ظني= الجمع بين دعاء الختمة في الصالة الثنائية عند بلوغ سورة الناس‪ ،‬ثم الدعاء ‪ -‬دعا ًء‬
‫منفصال في الوتر ‪ -‬وهو منصوص رواية اإلمام أحمد حين أمر بذلك المروزي وهو يصلي بهم‪.‬‬‫ً‬
‫ويرجى من ذلك إصابة شئ من بركة القرآن‪ ،‬والقول بالبدعية في ذلك= غلط‪.‬‬

‫‪ -08‬والعتكاف سنة مؤكدة‪ ،‬في المساجد فحسب ويُشرع للرجال والنساء‪ ،‬ول يصح في غير المساجد‬
‫عند الجمهور‪.‬‬
‫وأعاله اعتكاف العشر كاملة‪.‬‬
‫ول حد ألقله عند جمهرة الفقهاء‪ ،‬فمن عجز عن جميعه نوى اعتكاف ما تيسر له من ساعات ودقائق‬
‫ً‬
‫رجال كان أو امرأة‪.‬‬ ‫المكث في المسجد‪..‬‬
‫ولما كان التضييق قائ ًما اآلن‪ ،‬فحاول أن تحتسب نية العتكاف في كل مكث في المسجد‪.‬‬

‫‪ -09‬ويُسن للحائض إحياء الليل بالذكر والتفكر والدعاء والتعبد هلل بامتثال أمره في ترك الصالة‪ ،‬إذ إنها‬
‫بذلك مأمورة‪.‬‬
‫ول يجوز للحائض مس المصحف بدون حائل اتفاقًا‪ ،‬حكاه ابن عبد البر عن فقهاء األمصار‪.‬‬
‫أما تناوله بحائل فجوزه جماعة‪ ،‬وكذلك تصفح القرآن‪.‬‬

‫والقراءة للحائض منعها الجمهور‪ ،‬وقال بالجواز مالك واختاره شيخ اإلسالم‪ ،‬وهو قول حسن ل حرج‬
‫بإذن هللا في العمل به‪ ،‬خاصة في هاته الليالي الفاضلة‪.‬‬

‫‪-10‬أما الصدقة فيشهد لها حديث الشيخين‪ :‬عن ابن عباس ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال‪ :‬كان رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من‬
‫رمضان فيدارسه القرآن فلَرسول هللا صلى هللا عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة‪.‬‬
‫ومن ثم تأكد استحبابها في هذه األيام المباركة‪.‬‬

‫تلك عشرة كاملة جمعت فيها ما يسره هللا عسى هللا أن ينفعني وإياكم بها‪..‬‬

‫وختا ًما‪..‬‬
‫ُ‬
‫أعمال القربات كثيرة متنوعة‪ ،‬والنفس تقبل وتدبر‪ ،‬وكل يراعي حاله‪ ،‬ومن أغلِق دونه باب فليدخل من‬
‫غيره‪.‬‬
‫وكل خير في تلك الليالي من بر وصلة رحم وصدقة وإطعام ومعروف= مرجو فيه الثواب والمضاعفة‪.‬‬
‫والموفق من وفقه هللا‪ ،‬والسعيد من استعد لما أمامه وأدرك فضيلة اللحظات والساعات وأودع عند ربه‬
‫الحسنات‪.‬‬

‫أقول ما ذكرت وفق خالصة فهمي فما كان فيه من صواب فالحمد هلل‪ ،‬والخطأ فمن فهمي وتوهمي‪..‬‬
‫وأستغفر هللا على الخطأ والتقصير ‪ ..‬وأستغفره لما أوصي به ثم أعجز عن فعله‪ ،‬ولما أنهى عنه وآتيه‪.‬‬

‫وهللا هو العلي األعلم بالحق والصواب‪.‬‬


‫والحمد هلل رب العالمين‬

You might also like