Professional Documents
Culture Documents
وبعد،
سأذكر في هذا المنشور شيئ ًا مما يعين إن شاء هللا على حسن التعامل مع العشر األواخر؛ وأخاطب ً
أول
وتقصيرا فيما مضى؛ فاصبر على طول الكالم عسى أن
ً كل من يجد من نفسه حزنًا على حاله وقسوة قلبه
تنتفع بشيء منه.
-01أعظم ما تستقبل به هذه العشر :تهيئة قلبك لرحمة هللا مهما بلغ تقصيرك؛ فإن هذه الليالي موضع
تنزل الرحمات؛ هكذا أرادها هللا عز وجل وشرفها وفضلها ..وهي أعظم ليالي الدنيا على قول جماعة من
الفقهاء -وفيها خالف مشهور ما بينها وبين العشر من ذي الحجة -لكن فيها ليلة القدر وهي أفضل ليالي
الدنيا بال نزاع.
.
-04أعظم لياليها قيا ًما= ليلة القدر ،إذ هي خير من ألف شهر.
والجمهور على وقوعها في العشر..
وأوتار العشر أرجاها ،والجماهير على كونها ليلةً مبهمة والخالف قائم في أمر تحديدها بليلة بعينها.
وجمهرة الفقهاء على تنقلها للجمع بين األحاديث حكاه ابن رشد ..وأرجاها :ليلة السابع والعشرون وبه
قال جماعة من الصحابة ،وهو مشهور مذهب أحمد ،ونسبه ابن حجر للجمهور.
والقول باحتمال وقوعها في الليالي الزوجية= وجيه متصور وإليه ذهب جماعة من العلماء؛ خاصة مع
اكتمال الشهر ثالثين ،قاله الشيخ تقي الدين وغيره.
وبالمناسبة هذا قول له وجاهة.
وخالصة هذه المسألة :تنازع مناطات التحقيق وتداخل األدلة وتصورها ،ومن ثم نقول :إن قيام ليال
العشر كافة دون تفريق وجيه جدًا أحوط فال تفرط في ليلة واحدة ،إذ إن التعويل على قول دون غيره لن
يخلو من مجازفة غير مأمونة التبعات لمن صوب ناظرية وأقام نفسه ابتغاء إدراك تلكم الليلة الشريفة..
وتدبرا.
ً -05ثم بعد الصالة ،الذكر أفضل األعمال ،وأعاله القرآن ،قراءة
ومذهب الجماهير أن الترتيل والتدبر ولو مع قلة القراءة أفضل من سرعة القراءة وكثرتها ..قاله ابن
الجزري وغيره.
وإن قيل األفضل في األزمان الفاضلة تكثير الختمات اتجه أيضًا.
والختم مستحب وكذا الدعاء عند الختمة مستحب.
ونصيحتي لك في الليل تحديدًا اهتم بالتدبر والتفكر في معاني القرآن.
وللدعاء سنن وآداب من أشهرها :الوضوء والتوجه للقبلة وحضور القلب واستجماعه والبداءة بحمد هللا
والثناء عليه والصالة على رسوله ،وسؤال هللا بأسمائه وصفاته وإلهيته وربوبيته وبالتعبد هلل ،واإلقرار
بالذنب وانكسار القلب.
وإن قدم بين يدية صدقة فحسن.
ومسح الوجه بعده مستحب عند الجماهير ،وقال بالمنع شيخ اإلسالم.
-07ويُستحب ختم القرآن في الصالة وغيرها والدعاء عند الختمة مشروع مستحب ل بدعة..
فأما خارج الصالة فيُستحب للخاتم جمع أهله عند الدعاء تبركًا بالقرآن ،ومنه فعل أنس -رضي هللا عنه -
.
وفي القيام ُيستحب الدعاء عند الختمة ،ومنه أثر اإلمام أحمد ،واستدلله بفعل أهل مكة وبينهم سفيان بن
عيينه ولم ينكر عليهم ،وهذا من جملة فقه أحمد -رضي هللا عنه .-
وأحسنه في ظني= الجمع بين دعاء الختمة في الصالة الثنائية عند بلوغ سورة الناس ،ثم الدعاء -دعا ًء
منفصال في الوتر -وهو منصوص رواية اإلمام أحمد حين أمر بذلك المروزي وهو يصلي بهم.ً
ويرجى من ذلك إصابة شئ من بركة القرآن ،والقول بالبدعية في ذلك= غلط.
-08والعتكاف سنة مؤكدة ،في المساجد فحسب ويُشرع للرجال والنساء ،ول يصح في غير المساجد
عند الجمهور.
وأعاله اعتكاف العشر كاملة.
ول حد ألقله عند جمهرة الفقهاء ،فمن عجز عن جميعه نوى اعتكاف ما تيسر له من ساعات ودقائق
ً
رجال كان أو امرأة. المكث في المسجد..
ولما كان التضييق قائ ًما اآلن ،فحاول أن تحتسب نية العتكاف في كل مكث في المسجد.
-09ويُسن للحائض إحياء الليل بالذكر والتفكر والدعاء والتعبد هلل بامتثال أمره في ترك الصالة ،إذ إنها
بذلك مأمورة.
ول يجوز للحائض مس المصحف بدون حائل اتفاقًا ،حكاه ابن عبد البر عن فقهاء األمصار.
أما تناوله بحائل فجوزه جماعة ،وكذلك تصفح القرآن.
والقراءة للحائض منعها الجمهور ،وقال بالجواز مالك واختاره شيخ اإلسالم ،وهو قول حسن ل حرج
بإذن هللا في العمل به ،خاصة في هاته الليالي الفاضلة.
-10أما الصدقة فيشهد لها حديث الشيخين :عن ابن عباس -رضي هللا عنه -قال :كان رسول هللا صلى
هللا عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من
رمضان فيدارسه القرآن فلَرسول هللا صلى هللا عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة.
ومن ثم تأكد استحبابها في هذه األيام المباركة.
تلك عشرة كاملة جمعت فيها ما يسره هللا عسى هللا أن ينفعني وإياكم بها..
وختا ًما..
ُ
أعمال القربات كثيرة متنوعة ،والنفس تقبل وتدبر ،وكل يراعي حاله ،ومن أغلِق دونه باب فليدخل من
غيره.
وكل خير في تلك الليالي من بر وصلة رحم وصدقة وإطعام ومعروف= مرجو فيه الثواب والمضاعفة.
والموفق من وفقه هللا ،والسعيد من استعد لما أمامه وأدرك فضيلة اللحظات والساعات وأودع عند ربه
الحسنات.
أقول ما ذكرت وفق خالصة فهمي فما كان فيه من صواب فالحمد هلل ،والخطأ فمن فهمي وتوهمي..
وأستغفر هللا على الخطأ والتقصير ..وأستغفره لما أوصي به ثم أعجز عن فعله ،ولما أنهى عنه وآتيه.