Professional Documents
Culture Documents
خفافيش الظلام
خفافيش الظلام
www.alroqey.com
جميع اآلراء الواردة في الكتاب تعبر عن رأي املؤلف وال تعبر بالضرورة عن رأي
املنصة.
ال يسمح بنشر هذه النسخة علي أى منصة كتب أخري إال بعد الحصول
علي موافقة كتابية من منصة الرقي
منصة الرقـي
ALROQEY.COM
خفافيش الظالم
رواية
المحتويات
مقدمة 5 ................................ ................................
الفصل األول 6 ......................... ................................
الفصل الثان 15 ....................... ................................
الفصل الثالث 32 ..................... ................................
الفصل الرابع 45 ....................... ................................
الفصل الخامس 71 ................... ................................
الفصل السادس 85 ................... ................................
مقدمة
عندما يتحول الدم إلى ماء وتتحول املشاعر إلى هراء ،ويضحك الثعبان
عندئذ يكون الوباء والشقاء من رموز الدول
ٍ على ضحاياه في خفة وجفاء،
املريضة والشعوب الفقيرة ،فتتحول البسمات لعبرات والتفاؤل لتشاؤم
والنجاح لسقوط ،وصعود الجبال للركوض في الوحل والتراب فينبعث من
ابن الليل بنات الظلمات ،ولتتبدد أحالم الطفل وتتهشم فوق فوهة البركان
ً
فكل ابن أنثى مهما عاث في األرض فسادا فالبد من أن يذوق من نفس السم
وال يجد الترياق الذي سينقذه من سكرات املوت التي ستأتي على أحشائه
فتقطعها وقلبه فتخلعه ،وستمطر رحمات هللا فال يجد له جرعة رحمة وال
رشفة مغفرة ،فكما كنت بعنفوانك تطغى وتتكبر وتظلم وال ترحم ،هكذا
مصيرك وحظك ومآلك.
5
الفصل األول
تتغير األشياء وتتلون الزهور حتى الحشرات السامة والهوام يكتسون
بجلد مختلف ومتغير وألوان حمراء وخضراء ولون يشبه لون الدم الخارج
من بطن الدعسوقة ،ولكن الليل الذي يأتي على الناس املهمومة ال يشبهه أي
ليل ،ونهار هؤالء الناس الفرحى يأتي كأنه العيد واألفراح ،ففرق بين حزين
يضحك وبين سعيد يبكي ،فال تعجب من رجل يسقط من أعلى السفح دون
شعور باأللم ،فقد تلد الحبلى وال تشعر بألم املخاض ،فال الناظر من أعلى
يستوي ومن ينظر من أسفل شتان ما بين طفل بين والديه يضحك وطفل
بين أحجار الجوع واليتم والعراء يبكي ويصرخ ،فلم نعد نرى سوى ما
يضحكنا ونتشاءم ممن يذكرنا ويبكينا ،حتى ضاع بيننا من ولدوا تحت خط
الفقر إما باملرض أو من الجوع ،حتى أمراض املناعة لم تتركهم بسبب قلة
الغذاء ونقص الطعام ،فلو أن كل من أكل السمان والغزال وعشرات األبقار
في بطنه تذكر إخوته في البشرية وما يعانونه لدمعت عينه والن قلبه واهتزت
ً
جوارحه بدال من تهتز بطنه الكبيرة التي تمتب بعشرة أكيال من الجرامات التي
اقص على بطون األطفالحشاها من الدهون املتراكمة والصلبة ،فكم من ر ٍ
في الصومال ونيجيريا وفلسطين وغيرها من الدول املعدومة والتي ال موارد
لها .
ومتى يأتي اليوم الذي تصبح فيه بال دين أو هم يوقظك من نومك أو يكدر
عيشك؟
آت
أم أنا الوحيد في هذه الدنيا الذي أعاني وأفكر في مستقبلي وما هو ٍ
خالل األيام القادمة؛ أفق يا عادل من كبوك وسباتك ونومك؛ هيا افعل أي
ش يء ال تترك نفسك للدنيا تعبث بك وتطرحك نحو اليمين تارة ونحو الشمال
أخرى؛ األحرى بك أن تتفوق على ذاتك ونفسك وتعلو فوقها لتعانق نجم
الحياة وكوكب األيام والليالي لتصعد فوق األعالم الوردية تلك التي ال يصعد
أعالها سوى من كان باألمس غنيا ً؛ أتراني أصمد أمام عواصف التحديات
التي أثقلت كاهلنا من صعوبة في اتخاذ أي قرار؟
أهداف كان من العسير َّ ً
علي تحقيقها أو حتى السير ٍ أو املض ي قدما نحو
فئات ممن رضوا بأن
قفص من فوالذ يحرسه بعض ٍ ٍ لها ألننا نعيش داخل
يكونوا ذلكم السوط في أيدي الجالد ،فنتنفس بال هواء ينقي تلك الرئة التي
اسودت من غبار السالم العقيم الذي غاص في أعماق الشعب الصبور فأكثر
أدرانه ومآسيه ،فلن تتعالى صيحات املرأة النحيفة فوق قمة تلك السبخة
النتنة حتى ال يسمعها هذا الجرذ األبيض ذو الذيل الطويل ،فيقرض مالبسها
الحلي ،فتبكي على تلك املالبس وتسقط من أعلى السبخة في املزركشة بأنواع ُ
الوحل وتتسخ مالبسها .
ظل عادل داخل حجرته الضيقة يبحث في الهاتف عن عمل هنا وهناك
وظل يتصفح عشرات املواقع لعله يجد مهنته التي ال يعمل إال هي وال يحب
ً
سواها ،وبعد أيام من البحث والتنقيب ال يجد مهنته ولكنه يجد عمال آخر
لم يعتاد ،ولم يعمله من قبل ،فقد قرأ في هذا املوقع عن وجود عمل في مكان
7
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
ما في القاهرة وبمرتب يعادل ما كان يأخذه من حرفته ،أال وهو حارس
شخص ي لدى امرأة ثرية تقطن في مصر الجديدة وبالتحديد في "روكس ي" هذا
املكان الذي عاش وسكن به أثرياء وأمراء القرن التاسع عشر ورقصوا وثملوا
فيه ،فعادل يمتاز بقوام ممشوق وطول فارع وعضالت مفتولة ومالمح
أوروبية جذابة وبمنطق حلو أخاذ ،فذهب عادل لهذا املكان في الصباح ،أي
في الساعة العاشرة قبل الظهيرة وارتدى أبهى مالبسه وأجملها لتليق بهذه
ً
الوظيفة وأخرج ما معه من جنيهات فال يجد سوى مائة جنيها في حقيبته،
فأخذهم ومض ي وفي الخارج قابله أحد جيرانه وقال له:
تنهد عادل وقال :لقد كنت مالزم الفراش ألنني أعاني من وعكة صحية
هذه األيام ،فرد عليه توفيق وهو يداعب شعيرات شاربه وقال:
سأذهب ألعمل مقابلة في عمل ما ،ثم رفع حازم يده اليمنى وهو يهز رأسه
وقال :بالتوفيق إن شاء هللا .
مض ي عادل وركب السيارة من أمام الشارع ،وظل يحدث نفسه بعدما
جلس على الكرس ي الذي في مؤخرة السيارة ،فقال لها:
8
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
وأخذ يتذكر إخوته الذين يكبرونه ،فقد تركوا له املنزل ورحلوا لبالد
الخليج وتركوا له ذلك األب الكبير وتلك األم املريضة ليرعاهما ويعتني بهما
رغم ما هو فيه من شتات وعدم استقرار ،وقد تعدى العقد األول من عمره
ً
ولم يتزوج إلى اآلن ،ولم يفكر في الزواج إطالقا ،ألنه رأى طمس الحياة ملعالم
شبابه الذي هوى من فوق أمال الحاضر ليرتطم بجسور املستقبل املتهاوي
والذي صار كاألطالل الخربة وسط ركام من القبور التي عفا عليها الزمن
ُ
واندثرت تحت املاض ي العفن ليظهر منها هذا الحجر الصخري الذي كتب
عليه:
تلك ينابيع الحكمة تتفجر من بين ثنايا رجل عجوز عاش يلعق في عبث
السنين ليستخرج منها كلمات تدخل في أذن الشاب الذي يعاني من ضعف
الشخصية فيتلقاها بصدر واسع حتى يشفى من مرضه املعنوي .
ً
نادي السائق على من في السيارة قائال:
ها هي ،وأدخل يده في جعبته وأخرج النقود منها ،وأعطاها للسائق وهو
ً
يلتفت للطريق يمنة ويسرة وبعد عدة ثواني نادى على السائق قائال:
9
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
توقف هنا أنا سأنزل هنا؛ وشق عادل التحام الركاب ونزل من السيارة ثم
أخرج الورقة التي بها العنوان ونظر إليها وقال لنفسه:
نظر عادل في الطريق وفي وجوه الناس فاستحسن أحدهم وسأله عن
املنزل املكتوب في الورقة ،فقال له هذا الرجل السمين:
إنه هناك بجانب محل البقالة الذي في اليسار ،فنظر عادل حوله وعبر
الطريق للجانب اآلخر واتجه نحو هذا املنزل املكون من أربع طوابق ،ووقف
ً
عادل أمام املنزل ونظر أعاله ليرى اسما للشركة التي يريدها أو ما شابه ذلك
ولكنه ال يرى سوى الفتات ألطباء ومحامين وشركات مختلفة ،فسأل هذا
الرجل الجالس على الباب عن العنوان وفي أي طابق هو ،فقال له:
إنه في الطابق الثالث ،فصعد عادل لهذا الطابق وقرع جرس الباب ففتح
له الباب هذا الفتى األشقر ثم دخل عادل حيث بعض املقاعد التي أعدت
من أجلهم وقد جلس عليها خمسة من الفتيان وكل واحد منهم يمتاز بالطول
والوسامة والبنية العضلية ويحملون تلك الوريقات أمامهم ،فنظر عادل في
وجوههم وفي أجسادهم ونظر لب على حيث تلك الكاميرات التي وضعت في
سماء املكان ليروا من يأتي ومن يجلس ويراقبون كالمهم وحركاتهم حتى يتم
اختيار أحدهم ،ثم وضع هذا الفتى األشقر ورقة "األبلكيشن" أمام عادل كما
وضعها أمام هؤالء الفتية ،وأمسك عادل بقلمه وكتب كل ما طلب منه في
هذه الورقة ،وأخذ هذا الشاب األشقر من هؤالء الشباب كل عشرة دقائق
أحدهم ،وبعد نصف ساعة جلسها عادل في انتظار دخل مع هذا الشاب
لتلك الغرفة التي يجلس بها هذا الرجل ذو الشارب الكثيف والبذة السوداء
10
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
فقال له عادل :نعم؛ إسمي عادل نور الدين محمود ،فقال له هذا الرجل:
وماذا كنت تعمل من قبل؟
فقال عادل :في مهنة امليكانيكا وقد مكثت بها عشرة أعوام ،ثم سأله
الرجل مرة أخرى ،وملاذا ترغب في عمل آخر؟
ألني كرهت تلك املهنة ،فإني أعمل بها عدة شهور وبعدها ال أجد العمل
ولذلك أرغب بتغيرها ،فسأله مرة أخرى:
هل تعلم ماهية هذا العمل الذي تقدم عليه وما يتطلب من مهارات
وفنيات ولياقة بدنية وجرأة وشجاعة؟
فقال له عادل :نعم أدري وهذه األوراق تثبت لك أني قد حصلت على
شهادات في لعبة التايكوندو وفي الخدمة العسكرية كنت في الصاعقة وكنت
ً ً
أصيب الهدف من رمية واحدة ،وهذه أيضا شهادة بذلك وحاليا أتمرن في
صالة كمال األجسام ،وها هو جسمي أمامك تراه ،وإن أردت اختباري في قتال
أو سالح فافعل ،فنظر هذا الرجل صاحب الشارب الكبير في وجه عادل
وقال له :
هيا انصرف وانتظر منا مكاملة تلفونية بالقبول أو بالرفض ،فنظر عادل
في عيني هذا الرجل ومد يده وصافحه ثم انصرف من املكان واستقل عادل
11
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
السيارة وجلس في املقعد الذي يلي السائق مباشرة وأخرج األجرة للسائق حتى
ال يقطع عليه من بجواره حبل أفكاره مرة أخرى ،وظل يحدث نفسه بما تم
معه وما وجد من بطالة وعدم وجود عمل ،فقال لنفسه:
12
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
نزل عادل من السيارة ،فقابله صديقه حسام وقد كان يمسك في يده
بعض األطعمة واملشروبات في جعبة بالستيكية ويرتدي نظارة سوداء تغطي
وجهه الصغير ،فصافحه بحرارة وعانقه وقال له في ابتسامة عريضة:
فقال له عادل وهو يبتسم :أنا لم أذهب ألي مكان ،فقط كنت في املنزل
ولم أخرج.
13
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
بلغت درجة حرارته أكثر من أربعين درجة مؤية ،فدخل املنزل وإذا بأمه قد
أعدت الطعام وتنتظره مع أبيه ،فجلس معهما ليتناول هذا الطعام ،وأثناء
ً
الطعام سأله األب قائال:ماذا فعلت في هذا العمل الذي ذهبت من أجله؟
فقال عادل وهو يمسك رغيف الخبز :ذهبت هناك ومب ت هذه الورقة
ً
التي يسمونها "أبلكيشن" وقابلت هذا املسؤول وتحدثنا سويا وقال لي:
سنتصل بك عما قريب ،وهذا حال أغلب العمل في مصر ،فهم يوظفون
أتباعهم في العمل ثم ينشرون ثمة إعالن يطلبون فيه الناس للعمل ،حتى ال
يلومهم أي أحد ،فقالت األم وهي ترفع أكفها للسماء داعية :
إن شاء هللا ستفرج عما قريب ،فنظر لهما عادل وقال :الحمد هلل لقد
شبعت سأدخل غرفتي ألبدل مالبس ي وأغتسل ،فأنهى األب مضغ اللقمة في
فيه وقال :على الرحب والسعة .
مرت الساعات واأليام وعادل يبحث عن عمل هنا وهناك ويتصل بهذا
وذاك ولكن دون جدوى وفي اليوم الرابع بعد تلك املقابلة أتاه هذا االتصال
ً
من هذا العمل ،فأخبروه بالحضور فورا ومعه أوراقه ومسوغات تعيينه .
14
الفصل الثاني
َّ
واستقل نفس على الفور ذهب عادل إلى هناك وسلك نفس الطريق
املواصالت التي تؤدي لهذا املكان ،وصعد لهذا الطابق ثانية وطرق الباب
ولكنه لم يرى هذا الفتى األشقر وال هذا الرجل صاحب الشارب الكبير ،ولكنه
وجد فتاة شقراء وشعرها شبه ثائر وترتدي شبه قميص ضيق "وبنطال"
جينز قصير ،وترتدي بعض الخواتم واألساور الذهبية ،فنظرت في وجهه وهي
تصافحه وقالت له:
15
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
فقال لها عادل وهو يعتدل :أنا يا سيدتي عملت في هذه املهنة منذ كنت
في الثانوية العامة ،ألني خرجت للحياة فوجدت أبي من الفقراء وإخوتي
هاجروا وتركونا ،وكان أبي متعب البدن وال يقدر على األعمال الشاقة ألنه كان
عمل فلم أجد من يساعدني سوى يعمل في مهنة البناء ،فذهبت ألبحث عن ٍ
هذا الرجل امليكانيكي الذي حببني في تلك املهنة بأخالقه وسمته الخلوق ،فيا
سيدتي تعلمت منه في وقت قصير فنون امليكانيكا وثغراتها وأخذت منه من
املال ما كان يكفينا لنأكل ونشرب وأتعلم ،وظللت معه تلك السنوات السبع
والتي كنت أتلقى العلم فيهن وحصلت على لسانس الحقوق ،ولكني لم أحب
ً
هذا املؤهل ألعمل في مجاله لش يء في صدري ،وألن هذا املؤهل ال يجدي نفعا
ً
في بالدنا إال من عمل فيه وفتح مكانا لقضاياه وزبائنه ولعب بالقانون وتحايل
أكد فيه وأتعب وأكسب قوتي بعرق جبيني، عليه ،أما أنا فاخترت العمل الذي ُّ
فنظرت إليه علياء وهي باسمة الثغر وقالت له:
فقال لها عادل :لقد مات هذا الرجل امليكانيكي وأغلق أوالده من بعده
تلك الورشة وعملت هنا وهناك في مصانع وشركات ولكني لم أوفق في املكوث
في عمل ثابت ومستمر ،وهذا ليس ألني أبغض العمل ولكن ألن العمل ينتهي
إما بانتهاء دورنا فيه وإما بتصفية من يعملون في املكان وإما بتفضيل أحد
الناس َّ
علي ،فنظرت إليه علياء في إعجاب وقالت له :
فقال لها عادل وهو يعتدل على مقعده :نعم لو كانت تناسب قدراتي
وإمكاناتي ،فنظرت إليه علياء وهي تتنفس الصعداء قائلة:
16
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
أصل خليجي وعندي الكثير من فلتسمعني يا عادل :أنا امرأة ثرية من ٍ
األموال والعقارات واملؤسسات ولدي الكثير من الحراس ،ولكني أحتاج فت ًى
مثلك على وجه الخصوص ،وستخضع الختبارات عدة ،ولو تخطيتها سيكون
لك الشأن العظيم عندي ،فهل عرفت ماذا ستعمل لدينا اآلن؟
ً
فقال لها عادل في سرعة بديهية قائال :نعم عرفت وسأكون عند حسن
ظنك بي.
ً
فقامت علياء ونظرت لعادل قائلة :حسنا.
ثم نادت على شيماء قائلة :يا شيماء هيا خذي منه أوراقه ووقعي معه
العقد وأخبريه بما سيفعله من الغد،
17
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
القزم الصغير فينفث فيه سمه ويضعه في قفص الطيور الحزينة التي
حملت هم غيرها من الطيور الطلقة ،فها هم يطيرون ويغردون بأحلى
األلحان ومن في القفص من أجلهم يبقون في القفص ،ولكن ال حياة للجبناء
من رضوا بالكلمات الرثة واألفعال الساقطة ،فلن يلج الجمل من سم الخياط
َّ
كما قال رب األرض والسماوات ،فهال كنا كبنات الغرب صاروا مع تقدم
العمر أفضل من الذكور وصنعوا الجدار املرتفع الذي يحجب دخول النحل
بيت السلطان ،فكل عجوز تنتظر املوت ولكنها تأمل في الحياة وما فيها مع أنها
عانت من الدهر وشربت من كؤوس األيام جرعات وجرعات حتى ارتوت
وابتلت عروقها الدقيقة الضعيفة ،فمن يبالي أيها املاكر العربيد على أي جنب
تموت فلقد كان من هو أفضل منك وأبهى وأحسن منك ولكنه نال قدره
قتل لخاليا الحياة وأخذ حظه والقى ربه ليجد عنده ما كان يفعله باألمس من ٍ
وقواعد الدنيا وهدم أعمدتها لتنزل الشهب على رأس الطفل العاري وسط
والع َب َر ُ
ات الصحراء وبعض العقارب تلهو معه والثعبان يرقص له ويداعبه َ
تنزل من عينيه لتنزل على وجنتيه لتمتزج بغبار الوادي الفسيح الذي تكثر
َ فيه األعاصير والرياح فتحول وجهه للوحة طفل بئيس قد ُ
صنعت كنحت
ً
تمثال أو دمية مصنوعة من الجبس ،فهل سيجد األغنياء مكانا في بطونهم
إلطعام الفقراء واملساكين الذين يتضورون من الجوع ويلتحفون السماء على
ً ً
أجسادهم النحيفة التي تشبه الجسد بعد أن يتحلل فيصبح هيكال عظميا،
فلن تجد ما تبحث عنه ألن موازين العدل في هذا الزمن قد سرقت أو كسرت
أو بيعت البن الشيطانُ .س َّر عادل بما حدث ،وظل في الطريق يفكر فيما
جرى وما سيكون فاأليام حبلى بما يمكره البشر ويفتعلونه من أجل السيطرة
والبقاء والهيمنة على بعضهم البعض ( ،فال شك أن كل طريق تسلكه نحو
العيش والسالمة والوصول لغاية ما سيكون في أوله صعب ولكن مع املثابرة
ً ً
واإلصرار والصبر ستصل ملا تريده عاجال أو آجال)
18
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
فقال عادل :ال يا أمي سأمكث هناك ،ولكن سآتيكم كل أسبوع إن شاء
هللا ،فقال األب :وأي عمل هذا الذي ستعمله يا بني؟
فقال عادل وهو ينظر ألبيه :أنا سأعمل حارس شخص ي المرأة خليجية.
فقالت األم وهي تنظر لعادل :يا عادل توخى الحذر من هذه املرأة يا بني
ومن هذا العمل ولوال رزانة عقلك ملنعتك من هذا العمل وما يحويه من
مشاكل ،فقال لها عادل في صوت خافت:
ال تخافا علي فأنا أعي ملا سأفعله وما أتخذه من قرارات ،ولكن دعوتكما
لي ،فأنا أسير وأعيش وأفعل كل ش يء بفضل دعائكما لي.
فقام عادل وهو يقول :أستأذنكما ألنهي بعض أموري قبل الصباح،
فالوقت يمض ي بنا دون حراك ،فقال األب لعادل:
19
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
كما تشاء يا بني ،تفضل؛ هيا تفضل ،فانصرف عادل ليعد العدة لهذا
العمل الجديد ويودع أصدقائه وال سيما حسام ،فهذا الشخص من أخلص
أصدقائه وأكرمهم له معاملة ،فمن النادر العثور على صديق في هذا الزمن
املفعم بالخيانة والغدر وعدم الوفاء ،فمعظم الناس يركعون وينحنون
للدينار والدرهم ،وإذا قورن الدينار والصداقة فالكثير مع الدينار وله
يسجدون ،فكم من صاحب وصديق باع صديقه لحفنة من املال أو ملنصب
من املناصب أو ملرأة شمطاء خرقاء ال تزن مثقال ذرة في سوق النساء ،ولكن
على من جرب الحياة وعاش وسط الذئاب فالحذر من الصديق قبل العدو،
فكما قال القائل :
(احذر من العدو مرة ومن الصديق ألف مرة فلربما انقلب الصديق فكان
أعلم باملضرة)
20
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
ظل الدين والتقوى ،فكل صديق ال تكون التقوى واإليمان منهجه فهو ال
ً
أمان له في الدنيا وال في اآلخرة أبدا ،ألن مقياس األمانة والوفاء والصدق مقيد
بالتقوى واإليمان ،حتى إن رسول اإلسالم واملسلمين صلى هللا عليه وسلم
قال :
ً
( ال تصاحب إال مؤمنا وال يأكل طعامك إال تقي )؛ ويقول هللا سبحانه
وتعالى:
(األخالء يومئذ بعضهم لبعض ٌ
عدو إال املتقين)؛ هكذا حكم العليم
الخبير على تلك العالقة ،فهو أعلم بعباده وبما يصلحهم ويفسدهم ،ألن
جميع العالقات إذا ابتعدت عن طريق هللا ضلت الطريق وانحرفت عن
الجادة ،ألننا نعيش في نظام محكم قد رسم معامله رب الكون وهو:
( من أراد الفالح والصالح وأن يكون طريقه بال صعوبات وال يعتريه الوهن
وال اإلخفاق فعليه بطريق الرحمن في عبادة واإليمان وتقوى هلل )
جلس عادل مع حسام في منزله وبعدها خرجا ليذهبا خارج املنزل حيث
هذا املكان الذي في أعلى قمة الجسر املائل الذي يعبر فوقه القطار من حين
آلخر ،فجلس حسام على ذلك الجسر وجلس عادل بجواره وقص له ما حدث
معه اليوم وما سيفعله وهل هذا العمل سيكون من األعمال التي يستقر بها
أي رجل مثلنا؟
فحذره حسام من هذا العمل رغم ظاهره الجميل إال إنه قد يحوي الكثير
من العواقب الوخيمة ملن هو أدنى منهم ،ولكن عادل يرى أنه من األعمال التي
ال ضير فيها وال قلق من شأنها؛ فحقائق الحياة عند الكبار تكون أحالم
الصغار ،وأحالم الصغار حقائق الكبار وما يشعر به البعض من ألم ٍ ال
بقر تلهو
يحسه من بجواره ولو كان من صلبه ،أرأيت ما يأكله الضرغام من ٍ
21
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
وتنتشر ،ما هي إال بعض والئمه الصغرى ،تصحو الفأرة على صوت القط
فتختنق من خوفها على من معها من فأر ،وتتالش ى صيحات الحمقى وتذوب
في األفق أهات الثكلى .
ألق؟
هل تراها أعجبت بك وبما أنت عليه من ٍ
من أنت أيها الصعلوك لتمكث وسط األغنياء ،فأنت من السوقة ومن
حثالة املجتمع الذي يعيش بطبقات ثالث ،فطبقة للمترفين وأصحاب
الكراس ي والشركات الكبرى والنفوذ ،وطبقة للذين يعملون أو يديرون بعض
األعمال الخاصة واللصوص ومن يصطادون في املاء العكر ،وطبقة في
الحضيض وتحت البشر وهؤالء النسبة الكبيرة في املجتمع الذين ال يأخذون
حقهم من العلم ومن خيرات البالد والذين يعيشون على الرماد ونخالة
العيش؛ أين أنت من هؤالء يا عادل؟
ً
فال تمني نفسك بما يفوقك ويتعداك حتى ال تسقط على رأسك صريعا
تخطفك الطير أو تغوص في وحل السجون والقبور فال تستعجل فاأليام
ستخبرك بما تخبئه من غيب خفي .
ً
اجتمعت شيماء وعلياء معا ملناقشة أمر عادل ،فاستلقت علياء على
سريرها وبجوارها شيماء وقد استعدتا للنوم ،فقالت شيماء:
22
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
يا عادل إياك والسير خلف النزوات فمنها تأتي الحسرة والندامة ،ودع
ً ً
مجالس األشرار ألنها تودي للموت والسجن أحيانا؛ وأخيرا ال تأمن على
ً
نفسك من إنسان خائن أبدا ،فاستمع عادل لنصح األب وقبله وقبل أمه
وأخذ أغراضه وانصرف لهذا العمل الجديد واستقل السيارة التي تقله إلى
هناك وأثناء جلوسه تذكر تلك األيام الخوالي التي قضاها مع هذه الفتاة التي
كانت معه في الجامعة وكان يحبها وتحبه لوال القدر الذي فرق بينهما ألنه لم
وقتئذ ،فتذكر كالمها وهي تضع رأسها على كتفه
ٍ يكن في استطاعته الزواج بها
في تلك الحديقة التي بجوار الجامعة قائلة له:
23
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
ً
يا عادل أنا أحببتك من كل قلبي ،فهل سنفترق يوما ما؟
فقال لها عادل :أنا أحببتك يا أمل ولن أتركك ما لم تتركيني وهذا العهد
قطعته على نفس ي.
فقالت له :ولكن يا عادل أبي يريد زواجي من هذا الشاب الثري الذي يأتي
مع أبيه عندنا فوالده شريك أبي في هذه الشركة التي يديرونها ويتربحون منها،
فقال لها عادل وهو ينظر إليها في غضب ثم قال لها :وماذا أفعل يا أمل؟
فقالت له أمل :تعالى وحاول وال تعجز ويكفيك شرف املحاولة ويكفيني
أنك حاولت التمسك بي واإلصرار على البقاء على حبي؛ فتذكر عادل عندما
ذهب إلى منزلهم وهو بمفرده وملا دخل هذا املكان الكبير الذي يعج باألشياء
الثمينة والزخارف املكلفة ولم ينس ى عندما أدخلوه ليقابل هذا الرجل والد
أمل ونزل من أعلى في الطابق الثاني من املنزل وهو يرتدي ذاك الثياب
املصنوع من الحرير ويمسك بسيجارته الكبيرة وهي يتطاير منها الدخان الذي
ً
مب املكان كله كأنه يشوي شواء ،فجلس وهو ينظر لعادل في غطرسة ٍ
وكبر،
فقال له:
فقال له عادل :أبي كان يعمل في صنعة ما واآلن ال يعمل ومالزم املنزل
والفراش.
فأجابه عادل في ثقة بالنفس :أنا أعمل اآلن في حرفة ما وأتكسب منها وأما
املسكن فأمره بسيط.
فقال األب في تهكم :نعم؛ أمره بسيط؛ بمعنى أنك ستبحث عن شقة أو
رث وتكون بذلك تناسب ابنتي وما تعيشه أي مكان لتأجره أو تقطن في مكان ٍ
من مستو ًى لن ترقى له بما تذكره من عمل في حرفة وشقة تؤجر وقد ذكرت
لي أمل أنك تعول والدك وأمك ،فهذا كله من الشرف بمكان وأفتخر به وقد
ارتقيت في نظري بما تفعله ،ولكن ضع نفسك مكاني؛ لو أني وافقت على
زواجك منها وعشت كما تخطط وكما تنوي ،ستفعل ولكن هي لن ترض ى
وستتذمر وستمن عليك وتفتخر عليك فيما بعد حتى لو ادعت ألف مرة أنها
تحبك؛ فيا بني البد للزواج من تكافؤ بين الزوجين في النسب والعلم واملكانة
االجتماعية ،حتى ال تندم هي أو تندم أنت وتفترقا وندخل في صراع وشجار
وثقب في قلبها أو قلبك ،فنظر عادل له وقال:
فنظر األب لعادل نظرة عميقة وقال :نعم أنا لو تركتكما وما تريدانه
لكنت أنا أول من يعاني مما تجدونه؛ دعني أقول لك يا عادل:
25
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
إن النساء بين جنوبهن لطبع غريب ،فاملرأة عندما تجد اإلحسان واملال
والراحة والسعادة والفسحة في العيش والحياة تكون سعيدة وتأخذ من
لسانها أفضل الكلمات وتعطيك ما تطلب من بسمة ومداعبة وغير ذلك ،أما
لو رأت الفقر وقلة املال واحتاجت للناس وشاهدت غيرها أفضل منها لعنت
وصخبت وصرخت وتململت وفضحت زوجها وعيرته ومنت عليه لو كانت
ً ً
أعلى منه نسبا أو علما أو مكانة مع أبيها فهذه هي املرأة؛ وكما قال املثل
الهندي:
لقد تفهمت الوضع وأعي ما سمعته منك ،وقد تعلمت من خبرتك الكثير،
ثم نظر عادل من نافذة السيارة فوجد املكان قد اقترب فتجهز للنزول ورفع
حقيبته ووضعها على فخذيه وهو على أهبة االستعداد ،وسرعان ما وصل
فنزل من السيارة ونظر في هاتفه ليرى كم تكون الساعة ،فوجدها تمام
الثامنة والنصف ،فصعد للمبنى الذي يقصده وحاول الصعود ،فقال له
البواب وهو ينظر له من أسفله ألعاله:
إنهم لم يأتوا بعد ،هيا اذهب وتعالى بعد نصف ساعة من اآلن ،فانصرف
عادل وذهب ملحل بقالة فاشترى منه بعض الطعام وجلس على ما يسمى
بالقهوة وتناول طعامه وشرب كوب الشاي إلى أن مضت هذه الدقائق
ومضت ،فحياة اإلنسان على ظهر األرض مفعمة باملتاعب واملآس ي وما يكدر
بخبز،
اض ونكبات وإبعاد وحرمان فخبز الجائع ليس ٍ على املرء عيشه من أمر ٍ
بل هو في نظره مثل اللحوم لدى امللوك وخدمهم ،فال يأكل خبز الشعير سوى
ُ من رض ي بالقليل واكتفى بما ُيق َّ
من صلبه من لقيمات ولو ثالث تمرات
26
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
وجرعة ماء ،عند الظمأ ،فتهون الحياة وتصغر ما فيها من لذات ومطامع ،فما
أحلى من ر ٍي يأتي على ظمأ ومن شبع بعد ٍ
جوع ،فأوراق الكتاب الذي وقع
عليه الزيت تشمئز منه النفس بطبيعتها ،فال يقترب السبع من مورد للماء
ََ
وقد َولغ ْت فيه الكالب ،وال يرض ى الرجل الشريف إال بحسن الفعال .
انتهى عادل من طعامه وشرابه وذهب لهذا املبنى الذي يريده وصعد ألعلى
ً
وطرق الباب فوجده مفتوحا ،فسمع صوت علياء تقول له:
هيا ادخل نحن في انتظارك ،فدخل عادل فوجد علياء ومعها شيماء وهما
يجلسان على املقاعد بحضرة هذا الرجل ذو الشارب الكبير ،فألقى عادل
عليهم السالم وصافحهم وجلس بعدما وضع حقيبته على األرض ،ونظر إليه
هذا الرجل ذو الشارب الكبير وقال له:
هيا يا رجل استلم عملك من هذه اللحظة وستكون برفقتهما من اآلن وفي
كل مكان ،وإياك أن تهمل في واجبك وما كلفت به ،ألن عاقبة ذلك وخيمة
وعظيمة ،فحملق عادل في سماء الغرفة وفي جوانبها وقال:
سيكون كل ش يء على ما يرام بإذن هللا ،ثم قام هذا الرجل وأخرج من
مالبسه هذا السالح الناري أو ما يسمى باملسدس ومعه بعض الذخيرة
وسلمها لعادل وقال له :هذا سالحك الشخص ي يا عادل وهذه رخصته ،ال
ً ً ً ً
تدعه بعيدا عنك وكن دائما يقظا وحذرا.
ً ً
فطأطأ عادل رأسه قائال :حسنا سأفعل إن شاء هللا ،ثم صافحهم هذا
الرجل املدعو رشيد وشهرته أبو جبل وانصرف وتركهم بمفردهم.
27
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
فقالت علياء لعادل :هيا تصرف كأنك في عمل واجلس بحرية ومارس
عاداتك اليومية كما شئت؛ أي اقرأ أو تصفح الفيس بوك أو شاهد التلفاز
ً
أو مارس تمارينك اليومية أنت في مكانك ال تقف مكتوفا هكذا.
فقالت له شيماء وهي تهز رجلها التي وضعتها على األخرى قائلة :ال؛ فهناك
ً
من يأتي لنا بما نريد وهو محل ثقة منا مثلك أيضا.
فقال لها عادل وهو يتحرك نحو الداخل :كما تريدان ،فذهب عادل
زمن
ليغلق الباب من الداخل ويمارس عمله كأنه متمرس في تلك الوظيفة منذ ٍ
ويؤمن النوافذ والفتحات ويستطلع ملا في املكان من أشياء ،فوجد الكاميرات
في كل مكان في الشقة ،فتصفحها من خالل الشاشة ورجع للخلف بذاكرة
الجهاز فالحظ أحد الشباب في املكان منذ أيام ووجهه غير مألوف ،فكبر
صورته أكبر فأكبر حتى ظهرت تلك الندبات التي في وجهه كأنه خارطة لبلد بها
متعرجات وعرة ،فدخلت عليه شيماء ونظرت في الشاشة فرأت هذا الشاب
ثم قالت لعادل:
إنه أحد الشباب الذين نحاذر منهم ،فهو من تجار املخدرات وقد تورطت
معه أختنا أحالم وأدمنت املخدرات وأعطته الكثير من املال وقد سلب شرفها
ولم نتمكن منه إلى اآلن.
فقالت له شيماء بصوت متهدج :لقد ماتت بعد تناولها جرعة زائدة من
املخدرات.
28
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
فقالت لقد هرب ولم يقبضوا عليه إلى اآلن ،وليس هذا فحسب بل يبتزنا
من أجل بعض الصور ألحالم وبعض الفيديوهات الفاضحة التي يهددنا بها،
وقد أعطيناه ما يريد ولكنه كالكلب املسعور فال يقنع ويطلب الزيادة وال
يسلمنا ما لديه من فيديوهات وصور
فقال عادل وهو يشيح بيده :وما الحل مع هذا القذر األفاك؟
فقالت شيماء وفي صوتها نبرة حزن :لقد علموا بعد مقتلها بكل ش يء أما
هذه األشياء فال يعلموا بها ألنها تمس سمعتنا وشرفنا ،فهو أخبرنا بأننا لو
أعلمنا الشرطة سينشر هذه األشياء على املب وسيفضحنا ،ونحن كما تعلم
نقدس الشرف والعفة والطهارة.
فقال لها عادل :هللا املستعان ،سوف أنهي لكم هذا األرق وأجعلكم
تنسون ذلك.
فقال لها وهو يبتسم ابتسامة عريضة :دعوا األيام تثبت لكم ذلك
وسترون مني ما يسركم.
فنادت علياء :يا شيماء؛ يا عادل هيا سنخرج اآلن ،فاستعد عادل
للذهاب معهم وأخذ الحقيبة.
29
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
هؤالء الناس رغم عيشهم الرغيد وما هم فيه من متع الحياة إال إنهم
ليسوا سعداء وال في فرح وسرور ،فحياتهم مليئة باملخدرات واملصائب
املفتعلة التي كسبوها بأيديهم وبما يفعلوه من رذيلة وتسيب وعدم النضج
والتفكك األسري وإلقاء العبء على عاتق األم وترك األبناء بال سؤال أو رقيب
خوف على من هم دونهم ،فتخرج الفتاة بال حياء لتفعل ما يحلو لها من أو ٍ
مرافقة الفتيان والتدخين وربما املخدرات وقد تقع في الرذيلة حتى تصطدم
بواقع مأسو ٍي ومشاكل ال حل لها سوى القتل أو الفضيحة أو السجن،
ويظهر دور ولي األمر بعد أن تغوص األقدام في وحل االبتزاز واملطامع
واملساومة على الشرف واملال والعرض ،وحينها نندم ونحزن ونشتكي ونبحث
حل ،فماذا لو تحكمنا في نزواتنا وشهواتنا ورغباتنا ووظفناها في عمل أو
عن ٍ
رياضة أو موهبة ما ،وماذا لو لم نثق في كل الناس ونترك أنفسنا ملن يجبروننا
على دفع املال لهم أو ترك أمتعتنا لهم أو أن توقع على إيصال أمانة حتى
يتركك وترحل بعدما سقطت في شباكه إن ما يحدث اآلن من استغالل وما
نسميه بالنصب على البلهاء قد انتشر في كل مكان وهذا النتشار الشذوذ عبر
مواقع التواصل االجتماعية وعبر الشبكة العنكبوتية ،فترى أحدهم يذهب
30
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
من مكان إلى مكان ليقيم عالقة شاذة أو عالقة مشبوهة ،فيجد غير ذلك،
ويصطدم بمجموعة من اللصوص املحتالين الذين يضعونه في موضع مخزي
ومهين ثم ينقضوا عليه ويساوموه ويخيروه بين الفضيحة والعار وبين أن
يعطيهم ما معه وما يملكه في منزله ،فكم من رجل باع حلي زوجته واقترض
من أجل أن يسكت هذا املحتال .
وصل عادل للمكان الذي يريدونه وهو مكان على هيئة قصر كبير
ويحيطه الشجر والنخيل من كل مكان وحوله هذا السور الكبير ،ويقع
ً
القصر في منطقة شبه معزولة ،أو ما يسمى "بالكمبوند" ،فنزلوا جميعا من
السيارة ودخلوا هذا املكان املليء بالكالب املتوحشة التي يقودها بعض
الرجال ،فلفت هذا املكان نظر عادل ،وحدق في تعجب وذهول مما يشاهده
فمنظر القصر أخاذ ومبهر ملا يحويه من حمام للسباحة ومتعرجات صناعية
وهذه الصخور واألشكال التي تزين املكان وتجعله كالجنة.
31
الفصل الثالث
دخل عادل معهما هذا املكان العجيب بما يحويه من تحف وزينة ولوحات
اب
عمالقة وتماثيل على هيئة رجال ونساء فنظر عادل لهذا كله في استغر ٍ
ولكن نظره األكثر على شيماء وعلياء ،فهو يراقب املكان كله ويتوخى الحذر .
دخلت علياء وشيماء كل واحدة غرفتها وخرجا بمالبس الحمام وعادل قد
ً
جلس في فسحة القصر يراقب املكان ،فخرجت علياء أوال وهي ترتدي بعض
املالبس التي ال تستر سوى إليتها وسوءتها فقط ،أو قل إنها نسيت أن ترتدي
مالبسها ،فأشارت لعادل على غرفة ما وقالت له:
هذه غرفتك من اآلن ،إذا أردت أن تبدل مالبسك فافعل وعش حياتك
ً
وال تتقيد هكذا ،وخرجت شيماء أيضا هكذا بال مالبس سوى ما يستر
السوءة فقط وصدرها ،وتتحرك شهوة عادل ملشاهدته ذلك ،فدخل للغرفة
وارتدى مالبس فضفاضة أو غير هذا الذي يرتديه ،وخرج لحمام السباحة
معهما وقد حمل في خصره املسدس ،فهو لم ينس ى أنه في عمل وليس في نزهة
أو سياحة ،وجلس على املقعد وشاهدهما وهما في الحمام ولكن ناظره في كل
املكان ،وبعد عدة دقائق سمع رنين الهاتف الذي تملكه علياء فأخذ الهاتف
ونادى عليهما :
32
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
فضحك جاسر وقال لها :في نفس املكان الذي كنت فيه مع أختكم
فقالت له علياء في صوت مرتفع :إنه أحد املوظفين لدينا ،فصرخ فيها
جاسر وقال لها:
ال؛ اطمئن وال تقلق ولكن عليك بإرسال كل متعلقات أختنا كلها معه،
ً
فقال لها جاسر :حسنا؛ هيا أرسليه إلي وسيجدني ناحية املكان وهذا الرقم
33
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
فليتصل به علي ،سمع عادل الحديث كله عن قصد من علياء ،ثم نظرت إليه
وقالت له:
فقالت علياء :نعم؛ إنه هو؛ هيا اذهب إليه وأسمعنا كيف ستتصرف
معه وسأكون أنا وأخي وبعض الرجال بجانبك ،واتصلت شيماء بأخيها وذهبوا
ً
جميعا لهذا الوغد ونزل عادل هناك من السيارة بمفرده قبل وصولهم املكان
وسار عادل وهو يترقب مشاهدته وأخرج هاتفه واتصل بهذا الوغد وقال له:
أين أنت؟
فقال له :أنا هنا في املكان ،وسرعان ما رد عليه جاسر في الهاتف املحمول
وقال:
من يتكلم؟
فقال له عادل :أنا من أرسلتني علياء ألعطيك املال فأنا بجوارك؛ فقال له
جاسر ماذا ترتدي من مالبس؟
فقال له عادل :أرتدي مالبس زيتية وأنا بجوار هذا املطعم املكتوب عليه
مطعم األرزاق باهلل ،فقال له:
أنا خلفك؛ تعالى لهذا املكان الخلفي من هذا املبنى ،فتحرك عادل ومعه
شيماء ومن معها يسمعون كل ش يء عبر جهاز مشترك بينهم وبين عادل وقد
34
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
ً
أحضر هذا الرجل الذي يدعى برشيد مسدسا من نفس نوع املسدس الذي
مع عادل ،فتقابل عادل مع هذا الوغد ويتحاورا ،فقال له جاسر:
فقال له :افعلوا ما يحلوا لكم ،وقبل أن يتم كالمه أتته طلقة نارية في
ً
صدره أوقعته قتيال ،فنظر عادل ملكان الضرب فلم يرى أي ٍ
أحد ونظر لهذا
الوغد وهو مثخن بالدماء وقد ألقي على األرض واجتمع الناس من كل
املنطقة وحضرت الشرطة ،ولكن عادل لم يجري ولم يهرب بل ظل مكانه حتى
اتهمه من شاهده معه بأنه هو آخر من كان بجانبه ،وسيق عادل للشرطة
وأخذوا ما معه من مسدس وألقوه في السجن حتى يتم التحقيق معه ،وحتى
يتم اظهار نتائج فحص الطلقة التي قتل بها هذا الوغد ،فدخل عادل محبسه
في ذهو ٍل وال ينطق ملن يسأله سوى:
ماذا حدث؟
35
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
بأناس يطلبون
ٍ فقال له عادل :أنا يا سيدي قرأت في موقع على اإلنترنت
ً ً
لهم حارسا خاصا ،فذهبت لهم يا سيدي في هذا العنوان الذي وقعت بجانبه
تلك الحادثة ،وكان معي بعض الفتيان قد تقدموا للعمل مثلي ،ولكنه وقع
االختيار علي ،فاتصلوا بي ألذهب إليهم ومعي أوراقي كاملة ،ولك يا سيدي أن
تتأكد من كل هذا ،فقال له الضابط:
ً
أكمل وتحدث باختصار ،فأسرع عادل في حديثه قائال:
ً
ثم ذهبنا سويا لهذا املكان الذي في هذا العنوان ،وبعدها جاء هذا
االتصال من هذا الشخص وقد قصوا علي ما كان بينهم وبينه من خالفات
بسبب أختهم ،فأمروني بالذهاب إليه باملال ولكي أجلب منه الصور
والفيديوهات ،ولم ألبث أن أخذت منه هذه األشياء إال وقد أطلقت عليه
ً
هذه الرصاصة ووقع بين يدي صريعا ،وها أنا ذا يا سيدي بين أيديكم وال
ً
أعرف سوى ذلك ،فقال له الضابط عالء وهو يتنهد قائال:
اسمع يا عادل قل ما حدث وبعدها تكلم فأنت خريج كلية حقوق كما في
البطاقة فالطلقة هي نفس الطلقة التي حشوت بها مسدسك ،وهذا املجني
عليه قد ضرب من مسافة قريبة؛ وهذا تقرير املعمل الجنائي
أنا لم أقتله ولم أخرج من مسدس ي أي ش يء ،فقال الضابط وهو يضرب
بقدمه مكتبه:
36
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
لب سف املسدس الذي قد أطلقت منه الطلقة في هذا اليوم من نفس نوع
ً
املسدس؛ بل من هذا تحديدا مما يدل على أنك أنت الفاعل ،فقال له عادل
وهو بهز رأسه:
كيف ذلك؟
فقال الضابط عالء :تعالى لنرى هذا القصر وتلك الشقة التي تحكي عنها،
ً
فذهب عادل بصحبة الضابط عالء للشقة أوال فصعدوا إلى هناك فطرقوا
الباب ،فخرجت لهم امرأة وزوجها ،فقال لهما الضابط عالء:
خليج من؟
نحن هنا منذ عشرة أعوام ولم نترك هذه الشقة طرفة عين وهذا هو عقد
الشقة هيا أحضريه يا أم أحمد ،فدخلت املرأة وبعد عدة ثواني خرجت
بالعقد وأعطته للضابط ،فنظر إليه ثم رده لهما ،ونظر لعادل ثم لهما وقال :
هذا كذب؛ هذا بهتان؛ لقد أتيت إلى هنا ودخلت هذه الشقة وجلست في
تلك الغرف وتركت حقيبتي هنا وكان في الشقة كاميرات
37
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
ثم أخذ الضابط ينظر في الشقة فال كاميرات وال حقيبة وال أي ش يء سوى
أغراض هذه األسرة وما معهما من أوالد؛ وبعدها خرج الضابط ومن معه
وعادل في أغالله والضابط عالء قال للرجل :
وهللا هذه الشقة أتيت إليها البارحة ومن قبل وكان فيها ما أزعم من
أحداث وإن لم تصدقني فهيا خذني لهذا القصر الذي ذكرته لكم ،فقال
الضابط وهو ينظر لعادل في تعجب ولكنه يحس بش يء ما:
38
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
لقد تحطمت حياتي؛ لقد انتهيت؛ ما هذا الذي حدث لي ،لم أتخيل هذا
الذي حدث ،ومن هؤالء القوم؟ أتراني وقعت في شراك بعض املجرمين وأنا ال
أعلم أماذا يحدث؟
يصل الضابط للقصر الذي وصفه عادل؛ فنزل من السيارة وقال لعادل:
فأخذ يتجول عادل ومعه الضابط في القصر فلم يجد أي ش يء مما ذكره
عادل؛ فسأل البواب :
فنطق البواب بسرعة :إنه ملك لعضو مجلس النواب املعروف" رفعت
املنياوي" وهو اآلن في فرنسا منذ عدة أسابيع ،فقال له عادل بصوت أجش:
39
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
ً
هذا ليس صحيحا؛ هذا كذب؛ لقد كنت هنا باألمس وكانوا هنا كلهم وكان هنا
حمام سباحة وبعض الكالب
ً
فقال الضابط ألتباعه :هيا اجلبوه لنذهب ،ثم نظر عادل للضابط قائال
له:
فتعجب عادل وقال :كيف ذلك وأنا لم أعرفهم إال هذا األسبوع ،أنا لم
أملك مثل هذا السالح من قبل ،فكيف يكون لي رخصة باسمي منذ هذا
الوقت؟
فنظر له عادل وقال له :وما رأيك في الصور والفيديوهات التي كانت على
الفالشة
ً
هل هي أيضا هراء؟
فقال له الضابط وهو يمسح رأسه :نعم هراء يا عادل؛ لم نجد عليها سوى
بعض األغاني األجنبية والصور لبعض الحيوانات
فقال الضابط:
40
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
هذا ما حدث ،يا رجل القانون ،أنا أراك اآلن إما إنك عاتي اإلجرام أو أحد
املغفلين
فقال له عادل :أقسم لك يا سيدي أني برئ وال أعرف سوى ما ذكرت
ولكن القرائن كلها ضدي وال أملك سوي تسليم أمري هلل ،فقال الضابط وهو
ينظر لعادل:
لو تأكدت أنك بريء بنسبة عشرة في املائة سأقف بجانبك ولن أتركك
لوحدك ،فأنا أرى سجلك الجنائي ال تشوبه شائبة وليس لك سابقة إجرام
وتاريخك ال تشوبه شائبة وشهادة الناس بحسن سيرك وسلوكك وعدم
التدخين أو ممارسة أي ش يء يجعلني أعيد تحقيقي وأبحث لك عن مخرج .
عاد عادل ملحبسه وأخبر صديقه حسام بما حدث له ،فأتى إليه وأخبر
أبوي عادل فأتيا له وقص عادل لهما ما حدث ،فبكت األم ودعى له األب واألم
ُ َ
بأن تبرأ ساحته ،فهمس عادل لصديقه حسام بكلمات فنصت له ،ثم قال
له:
ُ
عليك بالحضور وقتما أذهب للنيابة وجهز لي ما يحملنا بسرعة ألني
تعجب :
ٍ سأهرب من هناك ،فقال حسام في
فقال له عادل :لقد اتخذت القرار ولن أرجع فيه ،إياك أن تتأخر علي
ً ً
فقال حسام :حسنا ،لن أتأخر ولن أتركك أبدا؛ ثم دخل عادل محبسه
وبكت أمه ملا حدث له قم ظل في محبسه يتجرع ألم الظلم والحرمان من
الحرية ،فما أجمل من تلك النعمة ،فهناك ثالث نعم لو لم تملك غيرهم
لكفوك وهم( :الصحة والحرية والستر) ،فال يعرف فضل هذه النعم إال من
41
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
حرم منها ،فاملوت أسهل من سجن طويل أو غير محدود فالعيش في معترك
السجون يشبه دخول الجحيم يوم الحشر لظلمته املعنوية وضيقه املادي
ً
عنتوالتحام البشر فيه جسديا وسوء املعاملة فيه وما يالقيه املسجون من ٍ
وتكتيف لحركاته كأنه قد شلت أركانه ،فتراه كالطير املسجون في
ٍ وتكدير
ٍ
قفص صغير يتململ ويتعذب حتى يخرج ،فلو جلد املرء مائة جلدة ويصبح
لعام ،فحكم النفس على من األحرار أهون عليه من بقائه في السجن ولو ٍ
النفس من الصعوبة بمكان فما بالك بتحكم الكثير في حريتك وحركاتك
وسكناتك ،وما تصبح فيه تبات فيه وال أي متعة تحصل عليها وال ما تشتهيه
فألم وحسرة وتجرع الذل والهوان في هذا املكان ،فسأل عادل أحد تفعلهٌ ،
أقرانه في السجن عن قصته فقص له ما حدث وما كانت عليه حياته َّ
فحن
ً
له وقربه منه وأتي له بطعام وشراب ،ولكنه ال ُيقبل على الطعام إال قليال ثم
ً
بعد ساعات خرج عادل للنيابة ليال ،أو ما يسمونه بالفترة املسائية فاستقل
السيارة ليذهبوا به للنيابة واألغالل في يديه وفكرة الهرب تطارده وهو في
السيارة ولكنه قال لنفسه:
ال لن أستطع الهروب من السيارة فتحلى بالصبر إلى أن تنزل فينزل من
السيارة ويعرضوه على النيابة بعدما حرروه من أغالله فوقف أمام وكيل
النيابة ،وقال له بعدما سأله عن اسمه وعمره؛ وملاذا قتلت املجني عليه
"جاسر املحمدي؟
وبما تفسر وجودك لحظة قتله بجواره ومعك هذا السالح الذي قتل
برصاصة شبيهة بما يحويه سالحك من طلقات؟
42
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
ً
وأيضا بما تفسر نقص رصاص مسدسك لرصاصة مما فيه ،وبما تفسر
تقرير املعمل الجنائي بخروج رصاصة من مسدسك حديثة أي في هذا اليوم،
واصابة املجني عليه من مكان قريب؟
فقال عادل في صوت منخفض :أنا سأقص عليك كل القصة ولك أن
تصدق أو ال ،ولكنها الحقيقة وليس سواها؛ فقص عادل قصته على وكيل
النيابة كلها ولكنه لم يصدقه ملا لديه من تقرير ومحضر للشرطة والقرائن
التي بين يديه وشهادة الشهود الذين حضروا لإلدالء بشهادتهم ،فقص كل
واحد منهم ما يدعي أنه شاهده وكأنهم كانوا يتربصون وقوع الحادث،
فأمر وكيل النيابة بحبسه أربعة أيام على ذمة القضية والتجديد له في
الحال ،فخرج عادل من النيابة وفكرة الهرب تشعل عقله ،ورأى حسام
وصافحه وقال له في صوت خافت:
أريد أن أدخل الحمام فإن بطني تؤملني ،فنظر إليه السجان ويقول له:
هال انتظرت حتى نصل للسجن فوضع عادل يده على بطنه وقال له:
ال أستطيع ،وأخذ يدعي األلم والتوجع حتى تركه يدخل الحمام ،فدخل
عادل الحمام وسرعان ما نظر للنوافذ فوجدها مفتوحة وتسع جسمه
ليهرب ،ففتح الصنبور ليخرج املاء كأنه ما زال بالداخل ثم قفز من النافذة
ليكون خارج النيابة وسرعان ما استقل الدراجة البخارية مع حسام وهرب
من أمام النيابة بسرعة حتى ال تلحق به الشرطة فيعيدونه ملحبسه ثانية،
43
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
وبحث عنه السجان في الحمام فلم يجده فنادى وصرخ ولكن ال مجيب،
وذهبت الشرطة ملنزل أبويه فسألونه عنه هناك فلم يجدونه ،وذهب حسام
به ملكان بالقرب من هذا املنطقة حتى يصال لهؤالء اللصوص واألوغاد حتى
يظهر براءته.
44
الفصل الرابع
علم الضابط عالء الذي كان يتولى القضية بهروبه ففطن إلى أن عادل
سيبحث عن هؤالء الناس ولكنه ال يعلم أين هم وال أين سيتجه عادل أو من
أين سيبدأ ولكنه أمر بمراقبة منزله واألماكن التي كان يتردد عليها؛ فدخل
عادل الشقة التي أعدها حسام له وقال له ال تخرج وال تأتي بأي ش يء من
الخارج وسأفعل لك كل ما تريده؛ فحسام من عائلة ثرية ويملك سيارة وعدة
عقارات ولديه بعض األعمال التي يديرها لوالده ومن أخلص األصدقاء لعادل
وفي املقابل يحبه عادل وفعل من أجله في املاض ي الكثير ،فعندما كانا في
الثانوية العامة وأثناء خروجهما تشاجر مع حسام ثالثة أوالد ممن معهم في
ً
نفس املدرسة وعلى غير العادة في الشجار انهالوا عليه ضربا وهو يمش ي
بجوار عادل ،فأسرع عادل بضربهم والدفاع عنه بكل قوته كأنه جن جنانه
رث وقدوما زال يضربهم حتى أثخنهم بالجراح وفروا من أمامهما وهم في منظر ٍ
مزقت ثيابهم ،وال ينس ى حسام يوم أن كانا في هذا املصيف املتواجد في
اسكندرية وكانا يلعبا ويمرحا وأثناء نزولهما للسباحة تعرض حسام للغرق
وكاد أن يموت عندما أخذ يسبح ملسافة طويلة داخل البحر وعادل ينادي
عليه ،فلما شاهده عادل هكذا وقد أوشك على الغرق أسرع نحوه بكل ما
أوتي من قوة وجذبه للخارج وهو يحمله وقد كان بينه وبين املوت لحظات،
تلك املواقف ال تنس ى ملن يخلص لصديقه وملن يمتلك الوفاء ،فتلك الصفات
صارت عملة نادرة بين البشر إال ما رحم هللا سبحانه وتعالى؛ فأصوات البشر
كصوت حفيف الشجر ال تسكن َعبرة الطفل الذي فقد أمه ما دام يذكرها،
فالطفل اليتيم تراه يمش ي بين األطفال مكسور الجناح يجلس وحده طوال
45
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
الوقت وال يلعب بتلك الدمية التي تخلو من روح أو حتى خوار ،فاأليام ككتاب
مغلق كل يوم تفتح منه صفحة لتقرأها أو لتقرأ بعضها ،فبين السطور تجد
ً
آهات وأحزان وترى أيضا ضحكات وبعض املرح واألفراح ،إياك أن تعبث مع
الدنيا فأنيابها تغوص في غور اللحم لتسممه حتى تموت دون دواء ،فال
تنخدع بصفاء السماء وقت الضحى فقد تحمل بعد الظهيرة ريح عاد أو
صاعقة ثمود ،آالف البشر كانوا قبلنا وعاشوا على تلك األرض التي ستشهد
على قطرة دم أريقت عليها وستتكلم بما فعلوه بنو آدم في بعضهم البعض،
َّ
فأنا أشاهد منظر األشجار امللتفة والتي تتحاف أوراقها في فصل الخريف
عندما تتطاير عبر الهواء املحمل بكثبان الرمال الصغيرة وغبار األتربة
املالقاة من عاتق الزمن لتعوق حركة مرور تلك الكائنات الدقيقة من خالل
ً
فوهة الليالي املزدحمة بتلك األزمات املتالحقة التي َي ْت َب ُع بعضها بعضا لتكون
بين الفيافي والسهول ينابيع تتدفق منها بعض السائل الذي يشبه لون الطين
فوهه السد املتواجد وسط النهر ،صوت السالم العقيم َّ
صم الذي يخرج من ٍ
آذان الشيخ املسن الذي يتكأ على منسأته التي تشبه رأس الثعبان ،فال تجلس
فوق جحر النمل فكل النمل سيتخذك أنت الجحر وتقوم ولست كما قدمت
يا مسكين.
مكث عادل بمفرده بعدما تركه حسام وقد أحضر له بعض الطعام
والشراب وما يلزمه من أشياء يحتاجها فهام على وجهه يرتب أوراقه ليستدل
على هؤالء األوغاد ،ولكن عقله كاد ينفجر ،فأخذ يفكر كيف يجد هؤالء وأين
هم اآلن ولكنه لم يهتدي ألي ش يء ،ولكنه بعد تفكير عميق وجهد جعله
بهاتف
ٍ يتصدع ،فأتاه ما لم يكن يتخيله ،فقد جعل صديقه حسام يأتي له
آخر غير الذي كان معه ولكنه يحمل شريحة جديدة ،فخطرت له فكرة أن
يجدد نفس الشريحة األولى لعل أحدهم أن يتصل به ،فاتصل عادل بحسام
46
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
ً
وكان النهار قد أشرق والساعة تقترب من السابعة صباحا ،فأجابه حسام
وهو لم ينتبه من نومه بعد ،فقال له:
فقال عادل في لهفة :أنا آسف يا حسام على ازعاجك ،ولكنه خطرت لي
خاطرة وهي أن أجدد شريحة االتصال القديمة ،فقال له حسام وهو
ً
يتعجب قائال له:
وملاذا يا عادل؟
فقال له عادل بلهفة :لعل أحدهم يتصل بي فأصل لهم عبر الهاتف هذا،
فقال له حسام وهو يهدئه:
ً
حسنا سأكون عندك بعد ساعة واحدة ومعي شريحتك القديمة ،هل
تحتاج مني أي ش يء آخر؟
ً ً
فقال له عادل ال شكرا جزيال يا حسام ،فمرت الساعة والنصف واتصل
عادل ثانية بحسام فهو يتعجل هذه الخطوة ملا يظن بها من أمل كبير؛ فكلمه
حسام وقال له:
عادل الشريحة ووضعها في الهاتف على الفور وقام بفتح الهاتف فوجد
عشرات الرسائل من رقم مجهو ٍل ،فنظر لحسام وقال له:
فرقمك على هاتفي اآلخر وقد اتصلت علي أكثر من مرة ،فقال صاحب
الرقم:
ُ
أنا لم أتصل وهيا اغلق هاتفك حتى ال أسمعك ما ال يسرك ،فأغلق هاتفه
ولم يصل عادل ألي ش يء ،فقام حسام للطعام فأحضره وقربه من عادل وهو
يقول له:
ً
هيا تعالى نأكل أوال ثم بعدها يأتي الفرج ،فتركا الهاتف وجلسا ليأكال
وأثناء الطعام تأتي مكاملة لعادل على هاتفه ،فأسرع عادل وأمسك بالهاتف
ً
ونظر للرقم فوجده نفس الرقم فرد عليه قائال :من املتصل؟
48
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
فقال له :أعرف أنك هربت من السجن وأعلم عنك كل ش يء ،وأعرف
مكانك ،فقد راقبتك منذ هروبك من النيابة إلى اآلن وأريد أن أراك ملصلحتك
أنت ولكوني أعلم عن القضية الكثير ،فسأله عادل:
وكيف أجدك؟
فقال له :أنا سأجدك ولكن عليك الخروج والذهاب لهذا العنوان
فقال له :ستذهب لهذا امللهى الليلي املتواجد في هذا العنوان ،) ...ثم
أعطاه العنوان وأغلق الهاتف ،ثم أخذ عادل ينظر لحسام في استغراب فقال
له حسام:
49
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
فقال له عادل :كما يحلوا لك ،هيا اذهب أنت اآلن إلى عملك وسوف
ً
انتظرك بالليل حتى تأتي ونذهب سويا ،فقال له حسام:
ولكن ال تخرج من هنا حتى آتيك وال تثق في كالم هذا الرجل فلو كان يعلم
مكانك ألتى إليك هنا ولكنه يحاول أن يهزك ويلعب بك حتى تذهب إليه وأنت
مضطرب فيملي عليك ما يريد ،فقال له عادل:
ً
حسنا ،ال تخش ى علي ،هيا انطلق لعملك ،هيا ،فذهب حسام وترك عادل
بمفرده ليحدث نفسه فقال لها:
لكثير؟
هل سأعيش يا ربي في هذا ٍ
ال يحق لي أن أهدأ ما لم أصل لهؤالء األوغاد الذين غرروا بي وألقوني في
غياهب السجن ووضعوا رقبتي داخل حبل املشنقة ألتجرع املوت ولكن عن
ذنب لم أفعله وجرم لم تكسبه يداي ،ولكنها الحياة تجارب ومآس ي ،لقد
سئمت من كالم الحمقى الذي تردده هذا؛ هيا قم وانتفض من مكانك وال
ترض ى بمكان العاجزين ،في مقدورك أن تثبت براءتك بيدك هيا تحرك؛ ولكن
أين أذهب؟
هيا اذهب لهذه الشقة أو هذا القصر واعرف من صاحب هذه األماكن
وملاذا كذب من كانوا هناك بعد الحادثة؛ فتجهز عادل وذهب إلى هناك
وتذكر قول حسام له بأال يخرج ولكنه أصر على الخروج ،وارتدى عادل بعض
الثياب التي يتنكر فيها وذهب لهذه الشقة التي ذهب لها أول مرة والتي قتل
50
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
بجوارها جاسر ،وذهب هناك واقترب من املكان ولكنه يرى بعض الناس
الذين يشبهون أفراد الشرطة وقد عرفهم من حذاءهم العسكري األسود
واملوحد وهيئتهم التي تبدوا لب بله أنهم شرطة ،فرجع عادل وعلم أن الشقة
والقصر مراقبة من الشرطة ،ألنهم يقولون:
( إن الجاني يحوم حول جريمته) ،فمن هذا املنطلق يعملون وبينما هو في
طريقه للمنزل أو محل سكنه تأتيه مكاملة من هذا الشخص ثانية ،فيفتح
عادل ويرد عليه:
من املتصل؟
أال تخش ى على نفسك من الشرطة وأن تزج في السجن ثانية دون أن تعرف
من هؤالء الذين فعلوا بك هذا؟
أين أنت؟
فقال املتحدث :ألم أقل لك أني أعرف الكثير وسوف أساعدك وهذا ليس
من أجلك ولكن من أجل صديقي جاسر
ً
فقال له عادل :أنت صديقه فعال؟
51
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
فقال املتحدث :نعم وأعرف أنك لست القاتل حتى تطمئن وال تخش ى
مني ،فلو كنت أثق في أنك القاتل ملا كنت على قيد الحياة اآلن؛ وأنا أستطيع
أن أنتقم لصديقي بمفردي ولكن حتى نتعاون وتحقق براءتك؛ أفهمت؟
ً
قال له عادل :حسنا؛ سألقاك بالليل ولكن سيكون معي أحد أصدقائي
الذين أثق بهم
فقال له املتحدث :أتقصد حسام فأنا أعرفه وأعلم عنكما الكثير ،فقال
له عادل:
ً
وتعلم أن لي هذا الصديق أيضا؟
أغلق املتحدث الهاتف ومض ي عادل ملكانه وهو في ذهول ملا سمعه وظل
يحدث نفسه حتى وصل الشقة وظل هناك بمفرده يحدث نفسه:
أنا أسير في طريق مغلق ال حدود له ،تنساب الورقات الخضر كأنها
سنفونية ذات لحن براق في فصل الشتاء حيث تغيير الكون وبهجته فما
أجمل الشتاء واللون األزرق في السماء حتى ليلها مفعم بالذكريات واألنس
وهدوء السحر الذي يتنفس أحضان الشوق ولوعة األيام التي تسكن داخل
السنين لتضع في جعبتها أنين املاض ي وحشرجة املوت لينبعث منها عطر
الندى ونسمات الفجر وهو يقبل ويسبقه صوت القرآن قبله ذلك الصوت
52
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
ً
الذي يأخذ القلب أخذا ،فكم كنت أعيش تلك اللحظات التي تبعث الرعشة
في القلب كل ليلة عندما أذهب قبل صالة الفجر للمسجد وأسمع تلك
األصوات التي تخرج من الجنة مثل الشيخ الحصري واملنشاوي والطبالوي
وغيرهم من القراء الذين قرأوا القرآن بأرواحهم الذكية وليس بأصواتهم
وألسنتهم ،فظلمة الليل كانت في املاض ي تشير إلى الحنين والدفء والعيش في
ً
الذكريات ووجودك في عالم خيالي طوال الليل وال سيما لو خرجت ليال بين
الحقول أو بجانب البحر ومعك أحد الناس الذين تحبهم وتعشقهم فتفترش
رمال الشاطئ املظلم الذي يضيئه هذا القمر صاحب الضوء الخافت والذي
يجعل الليل أجمل من السحر في عيش الخيال ،فالعيش مع حبيب يشاركك
أحالمك وتكون معه في كل خطوة وأنت يثقلك الشوق والرغبة وخاصة لو
كنت قد حرمت من أنفاس محبوبك وسمع نبضات قلبه وهو يردد اسمك،
ولكني أرى كل محبوب ينس ى محبوبه لو ابتعد عنه أو هجره أو جفاه أو وجد
من هو أفضل منه ،أما حب هللا ال يساويه أي حب ،فاهلل يسمع ويرى ويعطي
ً ً
ملن يعطي األضعاف الكثيرة وإذا تقرب من يحبه شبرا تقرب منه ذراعا ولو
ذكرته في مب ذكرك في السموات العلى وافتخر بك ودافع عنك وكان معك في
منامك ويقظتك وفي اآلخرة أسكنك جنته ودار مقامته وأعطاك من كل
الخيرات ومتعك بكل املسرات ،تلك هي الحقيقة التي نغفل عنها ونتجاهلها
ونعيش من أجل دنيا قذرة وال تساوي مثقال ذرة من دمعة عين فتتهافت
ً
قطرات الندى من أعلى الشجر لتنزل على هذه اليرقات الصغيرة لترقص طربا
وتتمايل كالطفل الصغير وهو يغازل أمه كي يضحكها ويتلعثم فال يقدر أن
يقول لها :
حضنك أغلى ما في الوجود يا أمي ،كما كان املاض ي بكل لغات الحمقى
يحوي بعض الصور التي تبدوا للناس جميلة ولكنها كانت وما زالت تترنح فوق
ذلك األفق البعيد الذي يأوي صغار البراغيث التي تقفز عشرات
53
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
السنتيمترات التي تفوق حجمها ،فكما تكون مع الناس يكونون معك ،فال
تحتقر أي إنسان ملالبسه املليئة بالبقع أو الرقع ألنه ما فعل ذلك من تلقاء
نفسه ،بل آفات الدنيا تتدافع على كل وضيع وكل بسيط ومن ليس له تلك
ً
األيدي ليدافع عن نفسه ،فرب عابثة في الحفر قاطنة قصرا ،وما تدري لعل
ذلك من الخير ومن حسنات الدنيا التي تعطي أصحاب القلوب الضعيفة
آالف الدراهم ليبعثرها على أثداء املومسات وأرحام الفتيات اللواتي تركن
ً
شرفهن في بيوت آبائهن ورحلن دون أن يقلن شيئا حتى ملن ربتها صغيرة
وحملتها نطفة وجعلت منها فتاة يافعة جميلة لتترك نفسها ألعوبة في أيدي
السكارى وأرباب املخدرات ليرضعن الخبال واألمراض التي تنبت في تضاريس
الرجال الذين ينجبون الخنا والعفن ونتن الجيف التي تتطاير وسط رياح
املاض ي لتبعثر ما ينبته الحاضر وتقتل كل فسيلة كانت تنبت من خمس
سنوات داخل هذا اإلناء املصنوع من الفخار الذي على هيئة كوب السقاة،
صورة هذا الصبي الذي يبيع البالون داخل مشفى ملن العجائب الثمانية
ولكنه يريد أن يتكسب وأن يبيع في أي مكان ولو على القبور أو بين ركام املوتى،
فهذا األمر من قبل ولكن ما يضحك وجود شحاذة بين صفوف الخبز تلعق
في ما يقع من تلك املرأة التي تركت أطفالها في املنزل وحدهم ولم تغسل وجهها
وذهبت تأتي لب طفال بهذا الخبز ليستيقظوا فيجدوا رغيف الخبز وقرص
الطعمية الذي أصبح كمنهج الثانوية العامة الذي ال يتغير وال يستبدل ،أما
سبب ما يفعله ذاك الرجل الذي يمش ي في الطرقات يغني ويدخن ولم يستحم
منذ عشرة أعوام فهو تلك الفتاة الشقراء صاحبة الثوب األحمر الذي يجعل
الديك الرومي ينعق ويصيح ويزأر من مشهدها ،فلم تبالي بوجوده ولم تشعر
بأنفاسه امللتهبة ونبض تضاريسه التي عصفتها الشهوة ،فنظرت إليه نظرة
قتلته بها ثم ألقته في مستنقع الجنون غير نادمة عليه ،وهو كاألحمق الذي
ُ
عمي وضل الطريق ولم يرى سواها في الدنيا ،فالعجزة في الدنيا ك ٌثر ،فما
نتمناه ليس من السهل تحقيقه ،ألن املساعي جزء من بعض قدر هللا ،فال
54
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
ينعم بالحياة سوى من نحت في الصخر ،أو من كان له بعض اإلرث ،أو من
سرق ونهب أو وجد بعض الكنوز ،ولكن السمك يبيض في املاء ويتكاثر في
نفس املاء ،عادة ال يهم بعض الكائنات ،فهل تأتي الرياح على كومة القش التي
وضعت عليها فراخها وهل تبقى أم تذهب أدراج الرياح؟
أتى الليل وأتى حسام بسيارته فاتصل بعادل لينزل له ،فأسرع عادل
بالنزول واستقال السيارة ليذهبا إلى هذا امللهى الليلي ،وفي السيارة تحدث
عادل مع حسام عن الذي حدث معه اليوم وكيف هو قد سار على أول
الطريق الذي سيوصله للجاني الحقيقي ،فقال له حسام:
فقال له عادل :لقد توخيت الحذر يا صديقي ولم أسير هكذا في مأمن،
فقال له حسام وهو يبتسم:
ال عليك يا عادل سنمض ي لهذا الرجل ما دام هو كان بمقدوره أن يوقعك
في فخ ما ولم يفعل هذا ،وصال بالسيارة لهذا امللهى الليلي ،فلقد أخذا
حذرهما والتفت عادل هنا وهناك قبل دخوله هذا املكان وقبل أن يلج باب
امللهى إذا برجل فارع الطول أحمر البشرة وشعر شاربه ولحيته كثيفة،
فنادى على عادل من خارج املكان وهو في سيارته الكبيرة الحجم فرجع كليهما
إليه وقال له عادل:
من أنت؟
55
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
فقال له :أنا ممدوح؛ أنا من كنت أكلمك عبر الهاتف وأنا صديق جاسر
رحمه هللا ،فقال له حسام وهو ينظر إليه:
هيا بنا للسيارة لنرى ماذا سيحدث ،فدخل الجميع داخل السيارة وكأنهم
ً
سيذهبون بها ،وتحرك حسام إلى األمام قليال ليبتعد عن هذا امللهى كما أمره
ممدوح؛ فوقف حسام ولفت رأسه هو وعادل ناحية ممدوح ،وقاال له
أفضل قل ما عندك فكلنا آذان صاغية ،فاعتدل ممدوح وقال لهما :
أنا صديق جاسر الوحيد ومن أخلص الناس له وأعلم عنه كل صغيرة
وكبيرة منذ صغره وأعلم من قتله وسأقتص له من القاتل ،ولكن قبل أن
ً
أقتلهم البد أن يأتي حقك أوال ،فقال له عادل:
56
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
أين هو؟
ال تفعل انتظر ،هذا ما توقعته بالضبط ،من أجل ذلك لم أدخل بكما
للداخل مباشرة ،حتى أشرح لكما الخطة التي سنتخذها معه ،فقال له
حسام :
57
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
أدارا وجههما ،فخرج حسام ومعه أبو جبل ونادته تلك الفتاة الجميلة من
السيارة ،فذهب إليها وهو يسيل لعابه عليها ،فنظر إليها من النافذة وقال لها :
هيا اجلس بالخلف ألن الباب يحتاج لبعض اإلصالح ،فدخل السيارة من
الباب الخلفي وقبل أن يغلق الباب جلس بجواره ممدوح وفي الجانب اآلخر
عادل ووضعا في خصره األسلحة ،ثم فتحت الباب لحسام ليجلس بجانبها،
وقال لها ممدوح:
من أنتم؟
فقال له عادل :نحن قدرك أيها الجبان القذر ،أنسيتني بهذه السرعة
بعدما أوقعتموني في فخكم هذا وقتلتم جاسر بكل سهولة هكذا؛ فقال له
ممدوح:
58
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
ال تتكلم بكلمة أخرى وإال قتلتك هنا ،حسابنا عندما نصل؛ فوصلت
السيارة للمكان الذي يريدونه وهو من األماكن النائية التي تقع في أطراف
القاهرة ،فدخلوا به للداخل ،ثم أخرجوه من السيارة ليأخذوه للداخل وهو
يسير معهم بال مقاومة منه تذكر وأغلقوا أبواب السيارة وباب املنزل وأتت
الفتاة بالقيود واألغالل وقيدوه بها ووضعوه على مقعد داخل املكان ،ثم أتي
ممدوح بش يء يشبه املقص الحديدي ،وأعد الكاميرات لتصوير ما يحدث
ً
وتسجيل كل ش يء له صوتا وصورة ،فقال له ممدوح:
ً
لو قلت لنا ما نريد تركناك ،وإال فسأقص أصابعك واحدا تلو اآلخر ،هيا
قل:
فقال له:
ال أعرف أي ش يء ،فأتي ممدوح بهذا املقص وهم بقص إصبعه ،فصرخ
وقال:
ال أعرف؛ ال أعرف أي ش يء ،فوضع ممدوح إصبعه في هذه اآللة وقص
إصبعه ،فنزفت منه الدماء ،فصرخ بألم شديد ،ولكن ممدوح لم يتركه،
فأعاد عليه السؤال مرة أخرى ،ولكنه أجاب بنفس اإلجابة وقال :
59
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
ال أعرف أي ش يء ،فأراد ممدوح أن يقطع اإلصبع الثاني ،فصرخ على
الفور:
وقال سأعترف بكل ما تريدونه مني ،فهناك من قتل جاسر وهو ٌ
قاتل
ٌ
مأجور وال أعرف مكانه ،أما من خلف ذلك فال أعرف سوى هذه املرأة التي
تدعى شيماء ،فقال له عادل:
وأين مكانها؟
وأريدك أن تقص كل ما حدث بالضبط كما كان ،وإال وهللا قتلتك اآلن،
فضربه ممدوح بقدمه في بطنه وقال له:
ألم أقل لك إنها سهلة ولو أردت أن أقتله بمفردي لفعلت ،وها أنا اآلن
تأكدت من براءتك وخلو ساحتك من دمه ،فقال له حسام بعدما وقف:
سأذهب أنا اآلن وسأعود لكم في الغد ،فقال لهم ممدوح بعدما قام من
على املقعد:
60
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
خذني معك حتى أعود بسيارتي فقد تركتها هناك عند امللهى وحتى أحضر
بعض الجعة والطعام لنا ،فقام عادل بعدما اقترب من حسام وقال له:
فقال له ممدوح :ال عليك فأنا أحتاجها وسأجلب لك أغراضك وتبقى هنا
حتى نثبت براءتك ونأخذ حق جاسر ونكشف هؤالء للشرطة ونعرف من هو
هذا الشخص الذي يدير هؤالء الناس ،وأنت هنا في مأمن وال تفكر الشرطة
في الوصول إلى هنا ،فانطلق حسام ومعه ممدوح وتركا عادل ومعه تلك
الفتاة ،فنظر عادل لها وهي تجلس وكأنه لم يحدث أي ش يء ،فلم تتأثر بما
حدث ولم يهز لها هذا كله شعرة في رأسها ،فقال لها عادل:
ما اسمك؟
فقالت له وهي تنظر في عيني عادل :أنا وهو إخوة ولكننا لسنا أشقاء ،فهو
من أم وأنا من أم أخرى.
فقالت له وهي تحملق فيه :ال؛ لست متزوجة ولكني كنت شبه مخطوبة
لجاسر ،فنحن كنا نحب بعضنا منذ الصغر ألنه ابن خالتي ،فقد نشأنا مع
ً
بعض وتربينا سويا
61
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
فقال لها عادل :لم أقصد مضايقتك بهذه األسئلة ،فأنا لم أقصد
فقالت له ميرفت :ال عليك ،فقد كنت أبغضك قبل أن أراك وأعرف
الحقيقة ،فقد كنت أحسبك أنك أنت القاتل حتى اتضحت لي براءتك وكبرت
في نظري ملا علمت عنك هذا كله ،فهيئتك ال تدل على أنك من املجرمين أو
من تلك الفئة التي اعتدنا عليها منذ زمن ،فهم أرباب السوابق والسوء ،فقال
لها عادل:
دعك مني اآلن وهيا اذهبي لهذا الرجل وضعي له بعض الطعام والشراب
واستعجلي هذا الطبيب إلسعافه وعالجه قبل أن يموت وال نعثر على الذين
خلفه ممن دبروا ما حدث ،فذهب ميرفت إليه ووضعت له بعض الطعام
فلم يأكل ،ولكنه طلب منها املاء وبعض الخمر ،فأعطته ما يريد وأقبل
الطبيب ودخل عنده لعالجه ،فأعطاه بعض املخدر وهذب بتره الذي حدث
له وأحاكه حتى ال ينزف وطهر جرحه وأوص ى ميرفت ببعض الدواء له
وانصرف ،ثم جلست ميرفت بجانب عادل في سكون الليل وهدوء األجواء من
حولهما وكأن أرواحهما تتعانقا وتتجاذبا ،فنظرت في عيني عادل ،وفي وجهه،
ً
بوجه جذاب وعين خالبة وهيئة مبهرة ،وهي أيضا تتمتع بجمال
فهو يتمتع ٍ
الوجه ونضارة العين ودقة املالمح وبجسد ينم عن جمال وجسد كأنه قد رسم
بيد فنان وبقدر معلوم؛
62
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
فقالت له :في الداخل كل ما تحتاجه من سرير وكل ش يء ،فقال لها عادل:
سأذهب للداخل فأنا متعب البدن ،تثاءبت ميرفت ووضعت يدها على
فيها وقالت:
ً
وأنا أيضا سأدخل ألخلد للنوم فقد تعبت ،دخل عادل للغرفة ودخلت
معه ميرفت فعرفته موضع الحمام وموضع نومه وأعدت له ذلك كله من
تجهيز املاء واللباس ألنه ال يملك ما يلبسه اآلن ونظفت له السرير ،فدخل
عادل الحمام وارتدى ما أعدته له من مالبس نظيفة لم تلبس من قبل،
فقالت له:
إن هذه املالبس كنت اشتريتها لجاسر ولم يبقى ليرتديها وها هي من
نصيبك أنت ،فابتسم عادل وكذلك هي كأن الدنيا أقبلت عليها وتنس ى ما
كانت فيه من حزن وهم ،فالنسيان نعمة من هللا سبحانه وتعالى ،فكم من
مصيبة كادت أن تخلع قلب وعقل صاحبها وبعد أيام تكون كأنها لم تكن،
ً ً
فسرعان ما ينس ى املرء أحب الناس له ،ولوال ذلك ملات املرء كمدا وحزنا من
شدة ما يالقيه من فقد ألعز ما لديه وأحب مخلوق لقلبه ،فاملوت وإن كان
يباعد الناس إال إنه في باطنه رحمة ما ،فلوال املوت لتعفن اإلنسان في الحياة
ُ
وما أقذرها من حياة ،ال خير فيها وال عيش ينهئ به ذو لب عليم ،فكما قال
"أخيليس " ( :إن اآللهة يحسدوننا ألننا فانون وهذا حسب معتقده وظنه)
ولكنه يتحدث عن الخلود واملكوث في هذه الدنيا وما بها من منغصات وأعباء
وأمراض وباليا تجعل املرء يتمنى املوت وال سيما حين يكبر ويتقدم به العمر
أو يضعف وال يقوى على مجابهة الحياة والسير مع الناس في رحلتهم الدنيوية
إلى القبر ،ولو اتعظ العبد وعلم أن ما بقي من عمره إال عدة أيام أو شهور أو
سنوات ملا حزن على أحد ألنه سيلحق به عما قريب ،ولكنه الفراق والبعد
وتخيل الحبيب بعد أن فارق الحياة ،فلن تجد في الدنيا سوى نتن وجيف،
63
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
ً
فكل ما فيها عدم ووباء بل شالء تقتل تخنق كل لبيب يعقل وال ترحم أبدا
سراء ،ولكن فيها كنوز الخير وجرف السيل ونهر ينضح بكل سبيل ،أليس فيها
القرآن ومساجد ربي الرحمن وصالة تسمو بالعبد ودعاء وبكاء هلل ،لقد بكى
بن عمر على فراق الدنيا؛ فقالوا له :
يبكي على أصعب تكليف وأعظم تشريف إنه شرف املؤمن إنه قيام
ً
الليل ،فال تلعن أبدا دنيا فيها مثل صالة الليل ومثل تالوة كتاب هللا ،يعيش
الطفل في بطن أمه مع روحها فيتنفس من خالل الحبل السري ويتغذى من
خالل ذلك ،وبعد خروجه للحياة ينس ى من كانت روحه متعلقة بروحها ونفسه
من خاللها ،فيسب تلك األم وربما يضربها ،ما أجحدك أيها اإلنسان وما
أظلمك تنس ى أمك وتنس ى خالقك وتنس ى كل النعم ومن أنعم وتفضل،
فكيف بنا لو وجدنا بعض البالء ولو مثل الدخان ،ترانا نلعن ونكفر ونسب
ونضجر ونقول:
(وقد يهون الرجل في كبره حتى يرحمه الناس وال يدري أن ذلك بتضييع
حق هللا عليه في صغره وشبابه) كالم بن الجوزي .
خلد عادل في سريره وبعد ساعة من نومه إذا بميرفت توقظه وتقول له :
أنا خائفة من هذا الرجل ،وال أستطيع النوم بمفردي ،سأنام معك في
ً
الغرفة ،فقام عادل منتفضا وقال لها:
64
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
ال عليك يا عادل سأقول له أني كنت خائفة ،فاضطجع عادل على
السرير وقال لها:
كما تحبين ولكن تعالي أنت على السرير وأنا سأنام على األرض ،فقالت له
ميرفت:
ال كما أنت وإال سأخرج وذنبي يكون في رقبتك ،فابتسم عادل وقال لها:
أنا ال أستطيع أن أغضبك ،فنامي كما تشائين ،ثم أكمل عادل نومه وبعد
لحظات خلعت ميرفت مالبسها ونامت بقميص ترتديه تحت مالبسها ،فنظر
عادل لها وهي شبه عارية فتحركت فيه الغريزة الدفينة وكذلك الشيطان
يلح عليه أن ينزل بجوارها ويبدأ بمداعبتها ،ولكنه يقول لنفسه:
ال يا عادل فلو رفضت وقالت ملمدوح فسيغضب مني؛ ال دعك مما تفكر
فيه وهيا اخلد للنوم؛ ولكنها هي لم تخلد للنوم وظلت تتقلب يمنة ويسرة
وجسدها يتعرى أكثر وأكثر حتى صعدت بجوار عادل وطرحت جسدها على
السرير وقد أعطته ظهرها ،ولكن عادل أحس بها فهو لم يغمض له جفن
منذ أن دخلت الغرفة ،فانقلب على جنبه اآلخر وعانقها من ظهرها وأخذ
يمسح على جسدها ويضع يده على كل جسدها ،وبدأ في اظهار جسدها كله
وهي ال تتكلم بل تترك له نفسها ،وسرعان ما انقلبت وأخذت تقبله وتعانقه
بحرارة ولم يملكا أنفسهما حتى خلعا مالبسهما وعاشرها عادل كما يعاشر
الرجل زوجته ثم انتهيا من تلك املتعة اللحظية لينتبه عادل مما فيه ثم قال
لها :
65
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
ال؛ لست عذراء ،فلقد أخطأت مع جاسر وأخي ممدوح يعرف ذلك ،فال
تقلق من ش يء فلقد أحببتك من كل قلبي من أول لحظة رأيتك فيها.
فقال لها عادل :كيف ذلك وكنت على عالقة بخطيبك جاسر وكنت
تحبينه ،أليس كذلك؟
ليس كذلك يا عادل ،فقد كنت مجبرة عليه من قبل أخي ممدوح ولم أجد
ووجه
ٍ وعلم
سمت ووقار ٍٍ مثلك من قبل ،فهناك الكثير مما يميزك عنه من
مختلف ،أما هو فكان من املجرمين ومن ذوي السوابق الجنائية وقد تربى في
الشوارع مع أمثاله من أرباب الشوارع واألزقة ،فقال لها عادل وهو يقترب منها
ويضع يده على شعرها:
أنا ال أنكر أني أعجبت بك ووجهك الجميل هذا جذبني إليك وخاصة لون
تلك العينان الساحرتان وقوامك املمشوق الذي كأنه رسم بريشة فنان .
لم تفارق ميرفت ذراعه وأحضانه حتى بعد أن فرغ مما كانا فيه وأخذت
تقبل جسده بحرارة وتعانقه في لهفة وشبه حرمان حتى إن عادل كان يود أن
ال ينهي تلك اللحظات لوال خوفه من ممدوح أن يأتي اآلن ،فقال لها:
66
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
ً
قام عادل من على السرير ومللم مالبسه ونظر إليها قائال:
هيا قومي وارتدي مالبسك وعودي مكانك اآلن ،فقالت له ميرفت وهي
تبتسم ابتسامة عريضة:
ً
حسنا؛ كما ترى ،فانتهى عادل من اغتساله وارتدى مالبسه وخرج ليلقي
نظرة على هذا الرجل الذي يدعونه بأبي جبل ،ففتح الغرفة فوجده قد فارق
الحياة؛ فنادى عادل على ميرفت فأتت مسرعة ونظرت على هذا الرجل
فوجدته قد ذبح بسكين ومات ،فجثى عادل على ركبتيه بجانبه وميرفت تضع
يدها على فمها حتى ال تصرخ ،وحضر ممدوح في تلك اللحظة ،وقال لهما:
ماذا حدث؟
وكيف هذا؟
ً
ألم يكن الباب مؤصدا؟
فقامت ميرفت وقالت له :لقد أتينا له بالطبيب وقد طببه وقدمنا له
الطعام والشراب وكان يصرخ من األلم فأعطيناه هذا املسكن حتى هدأ ونام،
فقال ممدوح وقد بدا كاألسد الغضوب :
أال ترى هذه النافذة قد فتحت ودخل منها من دخل فجثى ممدوح على
ركبتيه وقلب مالبس هذا املقتول ،فوجد رسالة معه قد كتب فيها :
67
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
(لو أنا مت فسوف تجدون شيماء في نفس املكان الذي قتل بجواره جاسر
ً
غدا بالليل بعد العاشرة ً
مساء )
وهذه الرسالة قد وضعت له بعد موته وليس قبل ذلك ،ولكن ممدوح
ناداه وقال له:
هيا أنزل هذا القتيل لتواريه معي في التراب فقد فرغت من الحفر،
فتحرك عادل وأخذ هذا القتيل لخارج السيارة ووضعاه في الحفرة ووارياه
عليه التراب وانصرفا ثم ذهبا للمنزل وبعد ليلة عصيبة نام الجميع بضع
ساعات ليستيقظوا على صوت الهاتف األرض ي بعد العصر ،فأجابه عادل:
68
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
ولكنه أغلق الهاتف؛ فجلس عادل وقد هام على وجهه يفكر فيما حدث
وما يحدث ،فقال لنفسه:
غنى عن تلك الوجوه التي ال تأتيغنى عن ذلك كله ،وكنت في ً لقد كنت في ً
ً
بخير أبدا ،لقد بدأت األمور تتعقد وكلما وصلنا لش يء ضاع منا ثانية ،ولكني
أتفاءل بأننا قد اقتربنا من هؤالء األوغاد ،فها قد وقع أحدهم والبقية تأتي،
فليست األقدار في أيدينا وال نملكها ،فعس ى ما يحدث في ظاهره الشر وفي
باطنه الخير ،فتتفتت الجبال وينزل منها ما ينفع الناس وتفيض البحار بالخير
وبالشر تارة ،حتى الطعام يحمل في قالبه الخير والشر ،فال تجد تحت أديم
السماء أي ش يء بمعز ٍل عن الشر ،أو يستطيع بكلتا يديه دفع الضر عن
نفسه ،فاألمطار تهطل على األخضر واليابس والكل يرتوي وهو يضحك ،فال
تجد إال والكل قد ُسر برزقه ،وتتهافت النيازك املحرقة في الفضاء ولكنها ال
تصل إلى أسفل حيث اجتماع الناس والحيوان والجماد ،الرحمن الرحيم
خالق اإلنسان من طين ،فاهلل لطيف بعباده ،فينزل بالبالء على من يشاء
ويبتلي برحمته وحبه من رض ي عنهم ،ففر ٌق بين البالء واالبتالء ،فالبالء ينزل
قوم أو أحد الناس واالبتالء هو االختبار إما بالعذاب أو االنتقام على ٍ
كل فيعرف ذلك والتمحيص ومعرفة من على الطريق الصواب يسير ،وعلى ٍ
في كيفية املصيبة التي تنزل ،فاهلل ال يفضح من أطاعه وأحبه ووااله وال يجعل
69
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
الخلق يشمتون فيه بمنظر مفجع أو فاضح ،كمن يموت موتة تجعل الناس
يقولون:
70
الفصل الخامس
بحث الضابط عالء في كل مكان عن عادل فلم يجده ،ولكنه يبحث في
أعماق هذه القضية ،فجلس مع ضابط من ضباط املخدرات وتناقشا عن
تلك القضية ،فأخبره أن هذا املدعو جاسر كان من الذين لهم الباع الكبير
في تجارة املخدرات ولكننا لم نمسك عليه أي دليل ،وأن هذا املتهم املدعو
عادل ليس له أي عالقة بهذا الطريق والشواهد تقول إنه بريء فقال عالء
في تعجب:
لقد حدثتني عن قصر ألحد أعضاء مجلس النواب ويدعى املنياوي اليس
كذلك؟
فقال له عالء على الفور :نعم ،ولكنه ليس هنا إنه قد سافر منذ أسابيع،
فقال خيري:
71
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
أخرى ال غبار عليها بفعل رجاله الذين في كل مكان ،فقال عالء وهو ينظر في
تعجب:
نعم ،أنا أجزم على ذلك وأنا قد وصلتني إخبارية تأكد ذلك ،فقال عالء
وقد بدت عليه الحيرة:
فقال له خيري :سنحتاج لجهد كبير هذه األيام حتى نصل للصواب .
ً
استيقظ ممدوح وميرفت فوجدا عادل مستيقظا وقد جلس بمفرده في
فسحة املنزل وهو مضطرب املزاج ،فأقبل عليه ممدوح وقال له:
ً
أيه يا عادل ،ماذا حدث ،ال تفكر كثيرا وسنصل لكل ش يء إن شاء هللا،
ٍ
فابتسمت ميرفت وجلست أمامه وممدوح بجواره وقالت له:
فقال لها عادل :ال؛ ال ش يء ولكني أريد أن أصل للحقيقة وتظهر براءتي
للجميع ،فقال له ممدوح وهو يدخن سيجارته الغليظة:
ال عليك يا عادل ،فهذه الليلة سنذهب لتلك الفتاة مع أني أشك في هذه
الرسالة وفي مضمونها ،فقال عادل وهو مضطرب األعصاب:
البد أن نأخذ حذرنا ونحتاط لب مر حتى ال نقع فريسة لهم ،فقالت ميرفت
ً
وهي تنظر لهما :ألم تجوعا بعد فقد تضورت جوعا؟
72
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
فقال لها ممدوح :هيا وماذا تنتظر ،كنت أحسبك قد أعددت الطعام
وأنت تجلسين هكذا؛ هيا اذهبي .
ً
ذهبت ميرفت وبعد دقائق أتت بالطعام ليأكلوا جميعا ويتبادلون أطراف
الحديث عن حياة عادل وما كان يعمل وعن عائلته ،تلك األسرة التي تحصد
زرع األيام السقيمة ،فها هما أبواه يتعذبان بسبب ابنهما البر العطوف ،فال
ً
يتركان ساعة من الساعات حتى يدعوان له ويسأالن له البراءة وعودته سليما
ً ً
معافا وال يريدان منه شيئا ،ولكن عادل لم ينساهما ،فقد سأل حسام عنهما،
فقال له:
لقد ذهبت إليهما وأحضرت لهما كل متطلباتهما ،فال تنشغل عليهما يا
عادل فهما بمثابة َّ
أبواي ،وعلى العموم أنا في طريقي إليك ،هيا انتظرني وقص
علي ماذا حدث .
وصل حسام بعد املغرب فوجدهم في انتظاره ،فقصوا عليه ما حدث وما
صار مع هذا الرجل ،ثم انصرف من الجلسة ممدوح وبعده ميرفت ليقص
عادل على حسام مع حدث تلك الليلة وخاصة مع تلك الفتاة ،فابتسم حسام
وقال لعادل:
سبحان هللا العظيم ،أنت مع ما أنت فيه من مشاكل وصعوبات إال إنك
ال تحرق نفسك فيما أنت فيه وتحب وتستمتع بحياتك كأنك في نزهة خلوية،
فقال له عادل:
كيف أخبار َّ
أبواي؟
73
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
وماذا أفعل؟
فقال له حسام :سوف أحضرهم لك في أقرب وقت إن شاء هللا ،فقال له
عادل:
ً
توخى الحذر يا حسام في حركاتك فمن املمكن أن تكون مراقبا من قبل
الشرطة ألنك أحد أصدقائي ،فلو تعقبوك لوجدونا هنا؛ فقال له حسام:
ً
بحرص ،أما تعرف أني قرأت قصصا بوليسية
ٍ ال تقلق يا عادل فأنا أسير
ً ً
كثيرة وشاهدت الكثير من األفالم التي تأخذ نمطا بوليسيا .
أتت ميرفت بأكواب الشاي وجلست معهما ورحبت بحسام ،فقال لها
حسام :
ً
لقد مدحك عادل لي وأثنى عليك كثيرا في غيابك ،فابتسمت ميرفت وقالت
له:
َ
أ َو فعل هذا؟
74
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
فنظر لها حسام وقال لها :نعم ،لقد غيرت مزاجه وجعلتيه يبتسم بعدما
ً
كان عبوسا ،فأقبل ممدوح ومعه زجاجة من الخمر وثالثة أكواب ،فجلس ثم
أفرغ ما تحويه الزجاجة وقال لهما:
واحد:
هيا اشربا ،فنظر عادل لحسام وملمدوح وقاال بلسان ٍ
هيا ادخل وال تتلفظ ببنت كلمة وإال فجرت رأسك ،وبينما هما كذلك
اتصل حسام بعادل وقال له هيا اصعد ،فصعد عادل وميرفت ودخل الجميع
داخل الشقة ولم يجدوا سوى هذا الرجل ،فضربه ممدوح على رأسه بمؤخرة
املسدس وقال له:
75
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
ً
لو لم تخبرني بمكان هذه الفتاة التي تدعى شيماء فسأفجر رأسك حاال،
فتكلم الرجل بعدما رأى في عيني ممدوح الغضب والجد وليس الهزل فقال:
هي على وصول ومعها بعض األشياء لي ،فقال عادل وهو ينظر في سخرية
له:
نعم ستأتي ومعها حقيبة هيروين ألوصلها لشخص ما ،وقبل أن يتم
كالمه والتحقيق معه ُفتح الباب وأفرغ أحد الرجال ما معه من رصاصات في
ً
هذا الرجل وتبعثر الجميع خوفا من الرصاص ،وأسرع ممدوح بإطالق النار
ً
عليه ثم تاله حسام ،ولكنه كان محترفا فقد أسرع وأسرع وراءه ممدوح
وحسام وخرج عادل وميرفت على الفور وتركا هذه الجثة على األرض وفرا
ً
للخارج حتى ال يتهما فيه أيضا ،فيفر هذا الرجل بسيارته ولكن ممدوح لم
يتركه فقال لهم هيا اركبا بسرعة وذهب خلفه ليلحق به ،وتتسارع السيارتان
على الطريق وتتم املطاردة حتى دخال في منطقة صحراوية وأصبحا بمفردهما
على الطريق ثم أخذ هذا الرجل يطلق من مسدسه الطلقات العشوائية دون
أي أحد ،وأخذ حسام وممدوح يطلقان عليه النار ولم يصيباه أن تصيب ُ
بأذى ،فقال لهما عادل اعطني هذا السالح فأعطاه ممدوح مسدسه ثم أخرج ً
رأسه من نافذة السيارة ويده وبها املسدس ثم أطلق طلقة فأصابت إطار
ً
السيارة فانقلبت على الفور ،فأسرعوا جميعا نحو تلك السيارة ليلحقوا بهذا
الرجل قبل أن تتفجر السيارة ،فأخذ عادل وممدوح في سحبه وحسام في
تحريك السيارة حتى أخرجوه وهو مثخن في دمائه وما زالت روحه لم تخرج
بعد ،فقال له عادل:
76
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
هيا قبل أن تلقى ربك ،هيا افعلها ولو مرة واحدة تنجيك من النار ،فنطق
بصوت متهدج ال يكاد أن يخرج منه الكالم:
ٍ الرجل وقال
ً
موعد بالرجل
ٍ ستجدون هؤالء الناس في ذلك القصر غدا ،فهم على
الكبير ،ثم خرجت روحه ليحاسبه ربه على ما جناه وقدمه ،فعاد الجميع
ُ
للمنزل وقد أجل األمر ليوم آخر .
علم الضابط عالء والضابط خيري بما حدث وأخبره الناس والشهود بما
جرى في املكان ومن رؤيتهم لهذا الشاب الذي قتل من قبل أي يقصدون
عادل ،وسرعان ما نشرت الصحف والصحافة صوره وأطلقوا عليه لقب
السفاح ،وتزداد الطين بلة بما قيل وبما حدث ،وغضب عادل ملا قيل وأثير
عنه ،ولكن عالء وخيري فطنا لب مر وبدئا يتحركان في املسار السليم نحو
هدفهما ،فاستعان الضابط عالء برؤسائه وكذلك خيري وقد أقنعوهم بما
يرونه من قرائن تدين هذا الرجل ،ولكنهم رفضوا وحذروهما من اتخاذ أي
قرار فردي أو تصرف عشوائي يثير القادة الكبار ،ولكن عالء أصر أن يراقب
هذا الرجل ويتتبع خطواته وذهابه وإيابه ،فذهب بمفرده لهذا القصر وأخذ
إذن بالغياب
يراقبه من بعيد على مدار أوقات الذروة وذلك بعد حصوله على ٍ
لفترة تمتد ألسبوعين .
عاد عادل ومعه حسام وممدوح وميرفت للمنزل وبعد ساعة استأذن
حسام لذهابه ملنزله ،وقال لهم:
لقد أتيت لكم ببعض الطعام والشراب في الداخل إذا أردتم أن ذلك،
فانصرف حسام بعد توديعه لهم وخاصة عادل ،وجلس الجميع وهم في
صمت طال ملدة ساعة وبعدها نطق ممدوح وقال:
77
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
انصرف ممدوح ملكان عمله حيث يمتلك امللهى الليلي املجاور لذلك امللهى
الذي كان فيه أبو جبل ،وتأتي ميرفت بالطعام لتأكل هي وعادل ،فوضعت
ميرفت الطعام وعادل ما زال ينظر إليها نظرة عميقة طالت إلى أن قالت له
ميرفت:
أنظر إليك يا حبي ،فقد ضيعتي همومي وما أنا فيه من مشاكل قد
ً ً
تراكمت علي وتزداد سوءا يوما بعد يوم ،فقالت له ميرفت:
ً
علينا بالصبر وال تقلق ،فما دمت بريئا فسيظهر هللا براءتك إن شاء هللا .
78
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
جديرة بمثل عادل ،فماذا يقول عادل وقد كنت سهلة معه وأنا التي تمسحت
فيه وبدأت باإلقبال عليه والنوم بجواره؟
فقالت له ميرفت :ال ش يء ،لقد انتهيت من طعامي فقط ،فقال لها عادل:
فقالت له :ال قد شبعت ،فطعامي عادة هو ذا ،فتناول عادل كوب املاء
وقال:
ً
إذن هيا أريد كوبا من الشاي فرأس ي كادت تنفجر .
سأحضر لك أفضل كوب شاي ،ثم ذهبت للمطبخ وعادل ذهب للحمام
ليستحم من أثر ما حدث وبعد دقائق خرج ليجد الشاي ووجد ميرفت في أبهى
منظر وأحلى ثياب ،فيرفع حاجبه ألعلى وتعجب مما رأى ،ثم جلس ليتناول
ٍ
الشاي على سريره وميرفت بجواره ،فقال لها:
79
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
ما هذا الجمال وما هذه النضارة ،لقد استحوذت على قلبي وعقلي ،أنا لم
أرى مثل جمالك من قبل،
فقالت له ميرفت :أنت تبالغ يا عادل ،ألم تحب أو ترافق فتاة أجمل مني
من قبل؟
لقد رافقت من قبل ،أما أجمل منك فال وال ألذ وأطعم منك ،فاقتربت
منه ميرفت أكثر وأكثر ثم قالت له:
هيا قص علي من هي ومن تكون ،فقص عليها عادل وهو يتنهد بقوة قصته
مع تلك الفتاة التي كانت معه في الجامعة ولم يستطع أن يتزوجها لثراء والدها
وفقره هو ،فال يوجد تكافؤ اجتماعي بينهما وبعدما انتهى حتى ال يظهر عليه
التأثر بالقصة التي عاش فيها فترة من الزمن بين األلم والعذاب فقد أخذ
ميرفت على صدره وأخذ يمسح بيده على شعرها ويضع يده على وجنتيها
وشفتيها وهي تقول له:
فرفع عادل وجهها ووضع يده تحت رأسها ووضع وجهه أمام وجهها واقترب
بشفتيه من شفتيها وقبلها وعانقها وهو يقول لها:
ً
لن أتركك أبدا يا ميرفت وهذا الوعد أقطعه على نفس ي من اآلن أمامك
وأمام هللا ،فابتسمت ميرفت وجذبته إليها بشدة وعانقا بعضهما بحرارة وحب
وطرحا مالبسهما على األرض وعاشرا بعضهما بكل حرارة وشغف ،وظال هكذا
80
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
لساعة عاشا فيها ألذ املتع وهي جماع الحبيب بحبيبه وبث روح املشاعر في
ً
روحه وكيانه ليمتزج برهج الشهوة الفياضة ليصنع مخدرا لذلك املارد الذي
يكون داخل النفس املفعمة بالشهوة والغريزة الدفينة ،فالحب الحقيقي هو
مزج الروح مع الروح واختالط الجسد مع الجسد وولوج األعضاء داخل
َ
بعضها وتذوق ن َفس الحبيب وملمس شفتيه ،بل هو ذلك الشوق املتدفق
الذي يخرج من حنايا ذلك الطير األبكم الذي ال يصرخ وال يتكلم ليفضح تلك
األحاسيس التي يخرج منها ذلك النبض الذي يشبه ما في سلك الكهرباء ،فمن
الخارج ال ترى فيه أي ش يء وإذا ملسته شعرت بجذبة عظيمة تأخذ كل
حواسك وتنهش قلبك ،ولكن هذا كله محض غريزة ،أما الزواج واألسرة
فمسؤولية وتربية وقواعد وأصول حتى ينتظم نهج املنزل وال تختل قواعده
وال أعمدته ،فالتناغم مع متطلبات الزوجية ومشاكل البيت ملن الصعب على
من ال خبرة له ،فاملرأة كما تطلب منها املتعة والحياة واللذة في الفراش كذلك
لها طلباتها ومتعتها املختلفة ،من متعتها في ود أهلها ومجاملة جيرانها
واهتمامها بنفسها وبيتها وكيانها ،فما من رجل أهمل زوجته إال ووجد منها
اإلهمال والعبث والكسل والبرود وعدم الالمباالة بأي شأن من شؤون
البيت ،وكذلك الرجل يحب بعد عودته من عمله وسفره أن يعود ملنزله فيجد
الطعام الجيد والشراب البارد الحلو واملتعة في الفراش كما كان يفكر
ويتمنى ،فاهتمام املرأة بزوجها ومتعته معها في الفراش والكالم اللين السهل
يجعل من الرجل ذلكم الزوج الذي يراعي حق أهله وأوالده وال يختار مصاحبة
أحد دون أهله وأوالده أرأيت صغار الليث في قفص األشبال واألب في قفص
آخر ال يرون بعضهم إال كل حين ،فال يشعر بالفرح من فقد أباه أو عاش
ً ً
أب فبعدا ألم ال ترعى حق الزوج أو الولد ،ستخسر كل حياتها بعيدا بال ٍ
بؤس ودموع ،فأحالم الحمقى ال تساوي عند لبيب وال تزن ،فكما وتعيش في ٍ
أن عرين البهنس له سقفه الذي يحفظ عليه ملكه وسيطرته وهيمنته
ً ً
فكذلك كل رجل يحتاج ألن يكون سيدا في بيته مهابا بحب وطلباته مجابة،
81
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
أما ما نراه اليوم من عنت وتعنت وعناد وصوت جهوري من قبل الزوجة ملن
املؤشرات التي تنبئ بالخطر وتنذر باللعنة وخراب البيوت ،فمنذ أن شاهدنا
ً
املرأة في الشاشات وهي تضرب الرجل وتكيل له من الكالم كيال وتسبه وتنعق
له وتعلوا بهامتها عليه وتعيره بما ال يليق إال وقد رأينا ذلك في نساءنا وأمهاتنا
وعرف الديك وشكل النمر وأخواتنا وحتى في بناتنا ،فقد ارتدين زي الرجل ُ
وغضب أنثى الطاووس حتى انتشر الطالق وتشرد األطفال وكل ما يهم املرأة
نفسها وكرامتها وشخصيتها وقد نسين أنه ال يوجد بين الزوجين ما يسمى
سمى آخر ،ألن ما بين الزوجين من عشرة وعيش فيه بالكرامة ،أو أي م ً
حياتهما كالعراء لبعضهما ،فهما قد يفعالن مع بعضهما ما تستحي هي أن
ً
فعل؟
تفعل مثقال ذرة منه مع غيره حسنا ،فماذا بعد ما يفعالنه من ٍ
فهذا ال يجوز بدعوى الكرامة أن يكون بينهما بعض الهزل ولو ببعض
ً
األلفاظ ما دامت ال تجرح أو يأخذ رأيها ويجعلها تقود معه السفينة جنبا إلى
جنب دون أن ينفرد أحدهما بالقيادة ،فمن السهل على بعض الرجال أن
ُ
يتركون ألزواجهن القيادة ويجعلها تعمل وتربي وت َعلم وتفعل كل ش يء في البيت
وهو يشاهد ويعلق بعض التعليقات التي ال فائدة منها ولكنها ستمل وتتضايق
وتشعر بضياع أنوثتها وعدم التحمل ألكثر من ذلك ،فيتعالى صراخها وينبت
شعرها ويتضخم صوتها ويسمع أنينها وتشكو وتضجر وتلعن وتزمجر وتقول
وغوثاه وال مغيث ،فكم من امرأة ذهبت تترنح وراء شهوتها وتسلطها وتركت
زوجها وأوالدها بحجة سوء معاملة زوجها ،ولو سمعت من كال الطرفين
لرأيت أنها هي الظاملة ألنها لم تكن منصتة لزوجها وال مطيعة له وال مفضلة
زوجها على كل من عاداه ولو كان أباها ،فالزوجة املخلصة الصالحة هي التي
تجعل من بيت زوجها بيتها وسكنها ومالذها ومأوى أوالدها والعرين لها
ً ُ ً
وألسرتها ،أما من اتخذته نزال أو فندقا أو استراحة فلن يدوم لها ولن تهنأ
ً ً
بعيش فيه ولن يكون هذا البيت لها أمنا وال أمانا وال حتى ملجأ لها من برد
82
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
وذلك مدون في كتب التاريخ والقرآن مثل زوجة فرعون فقد نشأت في منزل
فرعون ذلك املتكبر املدعي للربوبية واأللوهية ومن سفك الدماء واستحل كل
ما هو خالف الناموس الكوني ،فتؤمن بموس ى وتموت على اإليمان والطهارة
وقمة الصمود والقوة ،وعلى النقيض زوجة لوط وزوجة نوح ،فقد نشئتا في
بيئة األنبياء وحظيرة األتقياء األطهار ومكان مهبط الوحي ورغم ذلك كفرتا
وعصيتا وخالفتا أوامر زوجيهما عليهما السالم ،فهذا ينفي أن البيئة تؤثر في
الفرد ،فلو كانت بيئة اإليمان تؤثر ألثرت في هاتين املرأتين.
84
الفصل السادس
نام عادل وميرفت في سرير واحد طوال الليل في أحضان بعضهما وقد
وضع عادل شفتيه على شفتيها وأخذ يستنشق عبير زفيرها ودفء حسيسها
ومض ى الليل كأنه ساعة من نهار وأتى ممدوح فوجدهما هكذا ،فلقد نسيا
عادل نفسه وأنه ليس في خلوة زوجية بل هو قائم على عالقة محرمة ألنه لم
ً
يتزوجها شرعا ،ففتح ممدوح الباب ووجد أخته مع عادل في هذا الوضع فهم
بضرب عادل ولكن عادل قال له:
انتظر ،ال تتسرع فنحن سنتزوج اليوم وقد علمت عنها كل ش يء؛ ثم
أخذت ميرفت تصرخ بعدما لطمها ممدوح عدة لطمات وهي تقول له :
تقول ذلك وقد خرج عادل للخارج ليرتدي مالبسه ،ألنهما كانا عاريان
ً
تماما ،فأدار ممدوح وجهه وهو يخاطبها وانصرف لغرفته ثم خرج بعد قليل
ليجد عادل في فناء البيت وميرفت في غرفتها ،فقال لعادل بعدما جلس
بجواره ،هل هذه أول مرة لكما؟
85
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
أخذ ممدوح يتنفس الصعداء ويزفر كالليث الذي فقد أوالده ثم قال
لعادل:
أتى املأذون وأتى حسام بالشاهد اآلخر وتزينت ميرفت لدخولها عش
الزوجية ولكن دون تلك املراسم والطقوس التي تكون في الزواج ،فبكت
ميرفت في بادئ األمر بعدما أتموا مراسم الزواج وجلس معها عادل بمفردها،
فقال لها عادل:
فقال عادل :يكفي أننا أصبحنا مع بعضنا وقد حققت وعدي لك،
فقاطعهما حسام وقال لعادل بعدما صرف من معه من شاهد على الزواج:
86
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
أتى ممدوح بعد ساعات وهو يمسك بزجاجته املفعمة بالخمر وقال:
هيا استعدا لنذهب لذلك املكان وننتهي من تلك القصة املشؤمة ،وهيا
نشرب نخب زواج عادل وميرفت
نظر عادل وحسام لبعضهما في تعجب ولكن دون كالم ،ولكن ميرفت
دخلت لغرفتها وأغلقت على نفسها باب الغرفة منتظرة حبيبها وزوجها عادل
ليعود لها بعد ظهور براءته ويستأذن عادل رفيقاه ليدخل على ميرفت قبل
ذهابه لهذا املكان ،فضحكا وقاال له:
من حقك فهذه ليلتك ،ولكن ال تغيب علينا فنحن ننتظرك كي نذهب .
دخل عادل غرفة ميرفت بعدما طرق الباب ففتحت له ،فنظر إليها في
حزن عميق وقال لها وهو يأخذ برقبتها ويقربها له:
87
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
ً ً ً ً
سترجع إن شاء هللا وسنعيش سويا وننجب أطفاال ذكورا وإناثا ،فقبلها
عادل قبلة حارة وقال لها:
ال ،لن أسمح بذلك وإال فسأغضب منك ولن أكلمك؛ فقالت له ميرفت:
كما يحلوا لك ،فخرج عادل وهو يضع سالحه في خصره وقال لهما:
هيا لنقض ي مهمتنا هذه وننتهي منها ،فقام ممدوح وقال له:
ً
الساعة ما زالت الثالثة عصرا ومعادنا الليلة بعد العاشرة ،وأنا لم آخذ
قسطي من النوم بعد
هيا اذهب واخلد لنومك وعليك أن تتبعنا بعد خمس ساعات ولن ندخل
القصر حتى تأتي ،فنظر عادل مليرفت وقال لها:
88
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
ً
فقالت له ميرفت :حسنا سأوقظه من النوم ليتبعكما ،فتحرك حسام
وعادل لذلك املكان ولكن في حذر ومهل ،فنزال على مقربة من القصر واختفيا
أحد وبعد ساعة مكثا فيها يراقبان املكان،في األسفل حتى ال يراهما من ٍ
ً
فالحظ عادل حركة كثيفة في صحن القصر وقد كانوا نساء ورجاال ،واعتقد
عادل وجود شيماء وعلياء هناك مع هؤالء الجمع في القصر ،ومضت الدقائق
ً
تترا حتى جاء ممدوح فذهبوا جميعا للقصر ولكن من الخلف فصعد ممدوح
ً ً
أوال من النافذة ليفتح لهما الباب الخلفي ،فدخال جميعا للداخل ولكن بحذر
فهم عادل بالذهابفوجدوا وهم ينظرون من خالل الباب الداخلي شيماءَّ ،
إليها وأن يسألها ملاذا فعلت هذا ،ولكن ممدوح منعه وقال له:
انتظر حتى نعلم من معها ،وبعد مرور أكثر من عشر دقائق ولم يظهر
َّ
واحد منهم من ناحية
ٍ سواها فخط ممدوح لهما خطة وهي أن يخرج كل
مختلفة ،فيتفرقون ويخرجون من كل باب ،وبعد سير عادل عدة خطوات
تعثر في شيماء ،فوضع يده على فمها وخرج بها من الباب الخلفي ،وممدوح
وحسام التحما مع من في القصر فصرعوا الجميع والتقى الثالثة بالخارج،
وأخذوها للسيارة وأوثقوها وقبل أن يغادرون قال لهما عادل:
نريد جمع أدلة من هذا القصر تساعدنا أكثر على كشف الحقيقة ،فقال
ممدوح:
نترك هذه املرأة مع حسام ونذهب للقصر ،فيذهبان للقصر وفي داخله
يجدون بعض األوراق والصور التي تدين هذا الرجل صاحب القصر ومعه
بعض رجال الدولة ،فيأخذان هذا الورق ويمضون ومعهم شيماء والورق،
وبعد قليل يصلون للمنزل ،وفي الداخل ينادي عادل على ميرفت فال يسمع
ً ً
صوتا وممدوح معه شيماء يجذبها للداخل وينادي أيضا على ميرفت ولكن ال
89
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
ً
مجيب ،وفجأة يصدر الهاتف صوتا ما ،فيفتح ممدوح هاتفه فيجد رسالة
قد كتب فيها:
من أنتم؟
هيا فليس لدينا الوقت الكافي وإال قتلتك اآلن ،هيا قولي من الذي قتل
جاسر وملاذا؟
فلم تنطق بش يء سوى بقهقهة مرتفعة وال إجابة على سؤال ،فضربها
ممدوح على وجهها ثانية وسألها فلم تجيب فوضع عادل السكين على النار
وبعد احمرارها قربها من وجهها وقال لها:
فقال لها ممدوح :هيا تكلمي يا امرأة ،ثم وضع السكين على ذراعها،
فصرخت وأخذت تبكي وممدوح يصرخ فيها:
90
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
هيا تكلمي وإال أحرقت وجهك املرة القادمة ،ثم أدنى السكين من وجهها،
فلما رأت منه الجد والعزم قالت:
فقال لها عادل :نريد معرفة مكان ميرفت ومن يكون خلفك ومن يساعدك
ويفعل كل هذا؟
ال ،بل هناك من هو أكبر منه ،وهذا الرجل مجرد ستارة لنا ،فسألها
ممدوح وقال لها:
فقالت:
91
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
وعلم الضابط عالء بما حدث في القصر فقد كان هناك وسمع اطالق النار
ً
والحركات الحسيسة ليال ،فطلب املساعدة من أقرانه ومن قائده ،وقد
أخبرهم بما سمعه وشاهده ،فأتى املدد له ودخلوا القصر وقد أحضروا معهم
اإلذن من النيابة ،وأخذ الضابط عالء يبحث في القصر هو وقائده عن قتلى
أو جرحى أو رصاصات أو ما يدل على أنه كان منذ دقائق ضرب نار وجلبة كان
قد الحظها الضابط عالء ،ولكن ال يوجد أي ش يء ،فنظر قائده له وقال:
نحن آسفون على هذا اإلزعاج ،فقال لهم املنياوي في تكبر واستعالء:
ُ
وسأ َّ
صعد األمر ألعلى مستوى، أنا سوف أخبر رؤسائكم بما حدث
فانصرف عالء ومن معه من قادة وأفراد شرطة ،ولكنه أثناء خروجه الحظ
وجود آثار رصاص في الجدار ،ولكنه لم يبالي لعدم وجود أي ش يء آخر يدل
على تورطهم في قتل أو مخدرات ،وبعد الذي حدث أغضب قادتهم وعلى الفور
تم نقل عالء ملحافظة أخرى وتوقيع العقاب املادي لخيري ،ولكن الضابط
خيري لم يترك األمر يمض ي هكذا ،فجلس مع عالء قبل مغادرته القاهرة فقال
له:
إن هذه القضية تصب في اختصاص ي ناهيك عن القتل وما شابه ذلك
ولكنها قضية مخدرات ولن أتركهم وشأنهم وسأرد لك اعتبارك عما قريب،
فذهب ممدوح وعادل ومن معهما من حسام ورجال لهذا العنوان ،فوجدوه
92
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
في مكان ليس به سوى بعض البنايات التي ما زالت تحت اإلنشاء ولكن منزلها
قد أعد للسكن فيه ،فأعد ممدوح خطته ،وذهب هو ومعه وهم ثالثة رجال
وبقى عادل ومعه بعض الرجال في مسافة بينهم وبينه ،وحسام وباقي الرجال
قد ذهبوا من الخلف ،فتقدم ممدوح نحو املنزل واتصل بهذا الهاتف الذي
بعث الرسالة وأخبره بأنه في طريقه له ،وسأله أين أقابلك ،فوصف له هذا
العنوان ولكن ممدوح باغتهم في عقر دارهم ودخلوا املنزل عنوة وتسللوا لهذا
املكان الكبير الذي يقف أمامه بعض الرجال وبعض السيارات ،فأتى ممدوح
من خلفهم وقاموا بضربهم على رؤوسهم فخروا صرعى ثم فتحوا الباب
ودخلوا فوجدوا ميرفت مكبلة بالقيود ووجهها قد كمم بالصق على فمها،
فترك معها أحد الرجال يخلصها مما هي فيه وقد حضر عادل برجاله ليأمر
ً
من معه أن يأخذوها للخارج ،وفتحوا الغرفة األخرى فلم يجدوا شيئا ،ثم
األخرى فاألخرى حتى صعدوا لب على فوجدوا علياء وقد قتلت والدماء تغرقها،
فأخذ عادل وممدوح يبحثان عن أي ش يء يساعدهما على مكان هذا الرجل
ومن يكون فلم يجدا سوى كاميرات للمراقبة ،فنظرا في الجهاز لعلهما يجدان
ً ً
شيئا ،فوجدا رجال من رجال الدولة الذين يحتلون املناصب العليا وهو
ً
يمارس الرذيلة مع علياء وأيضا كان معه بعض الرجال ممن يعرفهم ممدوح،
فأمر ممدوح رجاله أن يأخذوا هذه األجهزة حتى ال يظهرون ألي أحد آخر،
ونهب الرجال ما في املكان من مقتنيات ومال ومتاع ثمين ورحلوا من هذا املنزل
ومن هذه املنطقة ،واستقلوا السيارات وذهبوا ملنزل ممدوح ومض ى الرجال
بما أخذوه وبما أعطاهم ممدوح من مال وبقى حسام بعض الوقت ثم
ً
انصرف مودعا عادل وهو يقول له:
األمر يا عادل فيه بعض األلغاز وقد بدأت أشك في أمر ما ستعرفه فيما
بعد ،ولكني أوصيك بتوخي الحذر من أي أحد وسوف أذهب ألعمالي وسأذهب
ألبويك ألطمئن عليهما وأنظر ماذا يحتاجون ،فقال له عادل:
93
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
أنا قد أتعبتك معي يا حسام ولست أدري ماذا كنت سأصنع من دونك
مع أبو َّي ،ولكن عليك أن تبحث عن الضابط عالء وتعطيه هذا الورق وهذه
التسجيالت التي حصلنا عليها من قبل ولكن توخى الحذر ،فذهب حسام على
الفور وبقى عادل ليذهب مليرفت في غرفتها وقد أعياها ما القت فقبلته
وسعدت به وفرح عادل برجوعها ،ولكنه قال لها:
ً ً ً ً
يا ميرفت إن في هذه القصة أمرا محيرا ورجال خفيا خلف كل هذا ،فقالت
له ميرفت :
ماذا تقصد؟
فقال لها عادل :ال أعرف ،فدخل ممدوح بعدما طرق الباب فجلس معهما
وقال مليرفت:
هيا قولي لي ماذا حدث منذ أن اختطفوك ،فقالت ميرفت وهي تتنفس
الصعداء:
لقد جاء إلى هنا هؤالء الثالثة الذين كانوا بالخارج عند الباب فأخذوني
بعدما قيدوني ووضعوا على فمي تلك الالصقة وذهبوا بي إلى هناك وتركوني
ومضوا ،ثم جاءت تلك املرأة فنظرت في وجهي وانصرفت ،ثم سمعت بعدها
بساعة بعض الصراخ واألصوات املرتفعة وبعدها لم أسمع سوى قدومكم
أنتم ،فقال لها عادل :
فنظر ممدوح لعادل وقال له :سنتركها ولكن بعد أن نأخذ منها بعض
املعلومات مع أننا عرفنا من هو خلف كل هذا ،هيا يا عادل نذهب لنراها
94
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
ونجعلها تتكلم فذهبا إليها ،ففتحا باب الغرفة ليروها فوجدانها قد قتلت،
فيلطم عادل جبهته بيده وقال:
فقال له ممدوح:
علينا بترك املنزل اآلن وإال سنموت الليلة هنا ،هيا قم بإحضار أمتعتك
أنت وميرفت واستعدا لنرحل ،فذهب عادل مليرفت وقال لها:
هيا سلم ما معك من ورق وفيديو لهذا الضابط وتوخى الحذر ألنك
أصبحت محل مراقبة هؤالء األوغاد ،فقال له حسام:
ً
لقد نقل هذا الضابط ،ولكنني كلمته هاتفيا فقال لي:
اذهب للضابط خيري واعطه هذه األشياء وسيعتني بها كأنه أنا بالضبط،
فذهبت وأعطيته كل هذا ،فقال لي:
فقال له عادل :لقد تركنا املنزل وذهبنا ملنزل آخر ،فقال له حسام:
فقال له عادل:
فقال لها عادل :لقد انشغلت عليك لكلمة صغيرة بجانب هذا اإلحساس
الذي كنت أشعر به ،لقد شعرت وكأن روحي قد خرجت ولم تعد أو أن قلبي
انخلع مني
فقالت له ميرفت:
96
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
لقد انتهى األمر ولقد ضاع كل ش يء وانتهت حياتي ،فأخذها عادل وضمها
إليه وقبلها وقال لها:
بل أنا أفديك بروحي وما أملكه يا أجمل ما رأت عيني وقلبي ،فأخذت
تعانقه ويقبال بعضهما بحرارة وقضيا مع بعضهما أفضل األوقات لساعات
ثم ناما ،وذهب ممدوح لعمله ولكنه ذهب بعده ملكان مجهول وغاب فيه
بعض الوقت ليخرج بحقيبة يحمل فيها املال الكثير ثم ذهب فوضعها في منزل
آخر يملكه وبه بعض الرجال الذين يقفون على بابه ،فقابل ثالثة رجال داخل
هذا املنزل وأعطاهم بعض املال ومضوا ،وظهرت معه امرأة تشبه علياء في
وجهها وهيئتها ،ولكن هناك ما يرتاب ألمره في تصرفات ممدوح ،فتدخل
الضابط خيري ولكن بطريقته املحنكة ،فذهب لقائده العام وعرض عليه
تلك املستندات وامللفات ،فأمره أن ال يتخذ أي قرار حتى يظهر من هو وراء
ذاك كله وأن يضعوا أيديهم على املخدرات وليس هذا الذي قد أتى به وفقط،
ولكن عادل أخذ يبحث في هذا الجهاز الذي تعمل من خالله الكاميرات فوجد
ما لم يكن يتوقعه ،لقد رأى مكوث ممدوح معهم هناك وممارسته الجنس مع
ً
علياء أيضا ،فتعجب عادل من هذا وقال:
فلم يخبر عادل زوجته ميرفت وأخذ يشاهد معظم ما سجلته الكاميرات
فوجد املنياوي وجاسر وكل من قتلوا أو قابلهم ممدوح مع بعض ،فوضع
عادل كل ش يء مكانه ،وقرر أن يتحرك بمفرده لشكه في ممدوح وال سيما
بعدما أخذ يسترجع ما حدث في ذاكرته فوجد علم ممدوح بمكانه ثم معرفته
مكان رشيد وقتله في منزله وهو في العمل وبعدها يعرف مكان شيماء ثم قتلها
ومعرفة مكان ميرفت عندما خطفت وكذلك عالقته بجاسر وهؤالء ،فبدأ
عادل يخرج بمفرده بحجة قضاء بعض األشياء من الخارج ،فأخذ يترنح في
97
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
الطرقات ليفكر ماذا يصنع ومن أين يبدأ ،فاتصل بحسام وقص عليه
شكوكه وظنه واستدعاه للحضور حتى يتحركا ليثبتا براءة عادل ،فمضت
ً
الساعات تباعا فيتغير الكون ويتلون من لون آلخر حتى وجوه البشر تتشكل
كالحرباء بألف لون ولون ،ولقد استطاع اإلنسان بمكره ودهائه وحيله
بتطويع السباع والهوام لتسليته ومتعته ،بل لقد بلغ به الدهاء لصيد
ً
الحيتان الكبيرة في البحار واملحيطات ،فقد يكون الفأر يوما ما صديق اله ُر
واللبؤة ترضع القرد ،ولكن ال أمان إلنسان مع وجود املال والثروات ،فبهذه
األشياء الفانية يتحول ابن آدم لحوت كبير يبتلع ما دونه من بشر ويصبح من
حيوانات الغابة الشرسة يأكل ما يجد ممن هم أصغر منه وينهش لحم كل
ضعيف ،بل قد ترى من األفاعي املاكرة من ترحم النائم وتتجنب من لم
يضرها ويؤذيها ،فأحالم الحيوانات معدومة لو قورنت بأحالم البشر ولكن
قلوبهم أكبر بكثير من قلوب بني آدم ،فإنك تجد الطفل يلعب مع الجرو
الصغير فال يعضه وال يجرحه بمخالبه ويصبر ويتحمل ويداعبه بلطف
ورفق ،أما الطفل لو داعب أمه وخدشها بأظافره فسرعان ما تضربه وتجعله
يبكي ويذرف الدمع وربما خدشته بنفس الكيفية التي خدشها بها ،فقد يقتل
اإلنسان أباه وأمه وأخاه وعمه وبنيه وهذا منتهى الوحشية ،وقد نظلم
ً
الحيوان بقولنا عنه مفترسا ،فلن تجد منهم من يقتل جنسه أو رضيعه أو
يفعل بذريته وبني جنسه ما يفعل البشر ،فتتالقى أسراب النمل على جثة نملة
قد قتلت فيحملونها وال يتركونها مهملة في الطرقات ال تجد من يأخذها ويواري
ً
جسدها ،فالجدار املطلي ال يختبئ به صغار النمل فضال عن الهوام ،وتموت
كل ذكرى خبيثة خلفت وراءها بعض األمراض ،حتى تعلم من تكون فعليك
دلو به املاء على الطريق ثم انظر إليه بعد بضع ساعات ،فإما أن تجده
بوضع ٍ
قد فرغ مما يحويه من ماء أو تجده قد سرق بمائه ،كذلك أنت لو بقيت في
طريق الناس فإما أن تكون في خدمتهم وعونهم وإما ستكون حجر عثرة أمامهم
وتعوقهم وتعرقل طريقهم ،فجل الناس على هذا الشكل ،والصنف الثالث ال
98
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
ً ً
يقف أبدا على الطريق ،فال يعرقل وال يساعد فهو إمعة يسير خلف الناس
ويقف على ما وقف عليه الناس ،وبعض البشر يعيشون كالعدم ال نبض لهم
وال حس وال شعور لديهم ،عاشوا وماتوا من أجل لقمة يتناولونها أو شربة ماء
يشربونها ،فلن ترى الخير في معقل األشرار ولن ترى الحب داخل قفص
ً
جوعا وال تأكل َّ
بثدييها ،كالم امرأة عربية حرة ،أما تلك الفئران ،فالحرة تموت
النسوة الالتي يبغضن العفاف ويعشقن الخنا والزنا وتعرية صدورهن
وأفخاذهن ليظهرن للذباب في أبهى صورة وردية ليجتمع على ذلك الجسد
الذي تتكاثر عليه امليكروبات لعدم حفظها في درجة حرارة مناسبة له ،فكل
من على األرض يبحثون عن املجد والعرش والرفعة والجاه والسلطان وتزكية
الذات والعيش الطيب وتوفر كل ما لذ وطاب في الحياة ،وهذا دأب كل كائن
حتى الحشرات والهوام والحيوانات ،فال تعجب من رجل ال ينام من كثرة
انشغاله بما يخطط له أو يسعى إليه ،فاهلل سبحانه وتعالى َج َب َل كل الخلق
على حب الحياة والكفاح من أجل الحياة والصراع من أجل البقاء وطلب
الرفعة والسؤدد منزلة يحلم بها كل إنسان حتى األنبياء كان مطلبهم في الحياة
ً
أن يكون سواد الناس كلها تبعا لهم وتحت رايتهم ويؤمنون بهم والوصول لكل
الناس حتى يشهدون بالوحدانية هلل سبحانه وتعالى ولهذا النبي بالرسالة،
ً
فاهلل ذاته يحب الكبرياء جعل ملكه أكبر ملك وأعظم شأنا ورفعة ،ولكن على
اإلنسان أن ال ينزل لدرجة البهائم وال ملستوى الحشرات وال لحظيرة الطيور،
حتى ال يعيش بطبع الحيوان ويموت على جسد يشبه جسد الخنزير العفن
من كثرة أكل القمامة والقذارة وروث األنعام.
قابل عادل صديقه حسام وذهبا لذلك املكان األخير الذي كانت مخطوفة
فيه ميرفت وبعد قليل وصال إلى هناك ،فوقفا على بعد من املنزل يراقبانه،
وبعد ساعة دخل املنزل ممدوح ومعه تلك املرأة ،وبعدها أتى هذا الرجل
99
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
هيا اذهب خلفهم ولكن بحذر ،فسار حسام خلفهم حتى وصلوا للمنزل
الذي كان يقطنه عادل وميرفت وممدوح باألمس القريب ،فتعجب حسام
وعادل وقال عادل:
لهذا السبب جعلنا نترك هذا املنزل ونرحل ،ولكن ماذا نفعل مع تلك
الشبكة الكبيرة ومع ممدوح خاصة؟
فقال له حسام:
البد من أن نركز على ممدوح فهو خلف الذي حدث كله؛ فقال له عادل:
كيف ذلك؟
فقال له حسام :ال تجعلها تشعر بأي ش يء حتى تثبت لها أن ممدوح خلف
قتل جاسر وخطفها وخلف كل الذي يحدث ،فقال له عادل:
إذن علينا بإحضار ممدوح ويكون معنا ما نسجل عليه صوته وصورته
وهو يعترف ويقول كل الذي نريد معرفته ،فقال له حسام:
100
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
معنا الهاتف وسنستخدمه في ذلك ،ثم شرع عادل واتصل بممدوح ،وقال
ً
له :إني أحتاجك لكي ترى شيئا ،فأجابه ممدوح وقال له :أي ش يء هذا؟
وأين املكان؟
فذهب حسام وعادل للمكان الذي كان فيه عادل من قبل ،فما زال على
ذمتهما فقد استأجره حسام ملدة ستة أشهر ،ووصال إلى هناك بعد عدة
دقائق ،وأخذا ينتظران ممدوح وهما يراقبان وصوله حتى وصل ،وقبل أن
يصعد ألعلى علق حسام الهاتف في مكان مرتفع في الجدار وجعله يسجل
فيديو فقرع جرس الباب ممدوح وفتح له حسام ليدخل ثم أغلق حسام
الباب من الداخل ،فسأله ممدوح ملا أغلقت الباب هكذا؟
أنا ال أعرف عن ماذا تتحدث فضربه عادل بمؤخرة املسدس على مقدمة
رأسه وأخذ مسدسه منه وقال له:
101
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
أتفعل ذلك في شقيق زوجتك وحبيبتك ومن دافع عنك ووقف معك؟
أتفعل ذلك فيمن فعل معك ذلك كله ليأتي ببراءتك ،فقال له عادل في
صوت أجش:
أي براءة تتكلم عنها ،إن معنا هنا ما يدل على أنك شريك هؤالء في كل
ش يء ،هيا يا حسام أطلعه على ما نقلناه من ذلك الجهاز الذي كان مع
الكاميرات ،فأدار حسام هاتف عادل ليشاهد ممدوح تلك األفالم التي يظهر
ً
فيها مع علياء ،بعدما أوهموهم أنها قتلت وأيضا هؤالء الناس الذين كانوا في
القصر وما شاهدناه في املنزل الذي أمرتنا بتركه ،فنظر ممدوح لتلك
الفيديوهات وبعدما انتهى من ذلك كله سأله عادل :من هؤالء؟
ممدوح يحاول التهرب من السؤال ولكن عادل أطلق عليه رصاصة في
قدمه ،وقال له:
هيا تكلم وإال ستكون الرصاصة الثانية في رأسك ،فأنا في كلتا الحالتين
مصيري السجن إال إذا قلت من قتل جاسر ومن خلفك وخلف كل الذي
يحدث ،سالت الدماء من قدم ممدوح وتعالت صيحاته فقال:
102
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
فقال له ممدوح :أما عن أبو جبل فقد كان هو من نفذ عملية قتل جاسر
وكنت ال أريد أن أترك خلفي من يهددني أو يمسك علي ذلة ،وأما عن شيماء
فقد كانت ضعيفة وخائنة وكانت تتلفظ بكلمات ال أحبها وكانت تحب جاسر،
فلذلك تخلصت منها ،فقال له عادل:
ومن هؤالء الذين تسير معهم وتأخذ منهم املال وتفعل معهم تلك األشياء؟
103
| ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
فقال لها حسام :تركناه للشرطة فهي تتعقبه وقد رتبنا معهم ما حدث
ليقبضوا عليه ،وأخذ عادل يسترجع ذاكرته قبل أن يأخذا ممدوح لهذه
الشقة ،عندما تقابال مع الضابط خيري ورتبا معه كيف يضعون أجهزة
التنصت وكيف يستخرجون منه الكالم ،فقالت ميرفت:
هو في ذمة هللا ليأخذ جزاؤه على ما قدم وصنع ،وذهب ضباط الشرطة
ملكان هؤالء األوغاد ليضبطوهم وهم في وضع تلبث باملخدرات التي دلهم عليها
ممدوح ،فقبضوا على كل األوغاد بما فيهم علياء واملنياوي وآخرين ممن
يحمونهم ويختبئون خلفهم وذلك باألدلة والقرائن الكثيرة التي تدينهم بال
مفر ،وذهب عادل لقسم الشرطة ليكمل محضر الشرطة ويملي كل ما
104
| ـ ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
النهاية
105