You are on page 1of 3

‫من األدب العالمى‬

‫مــــوت صغــــير‬
‫د‪ .‬محمد فتحى محمد فوزى‬

‫" موت صغير" رواية كتبها الروائي الس عودي ال دكتور محم د حس ن عل وان‬
‫وصدرت اول مرة ع ام ‪2016‬م عن دار نش ر الس اقي في لن دن‪ ،‬وق د ف ْ‬
‫ازت‬
‫بالجائزة العالمي ة للرواي ة العربي ة ع ام ‪2017‬م ‪،‬وهي م ا يُطل ق عليه ا اس م‬
‫جائزة البوكر العربية‪ ،‬وهذه الرواية سيرة خيالية ابتكرها خيال الروائي لحي اة‬
‫مح يي ال دين بن ع ربي ‪ ،‬المتص وف والفيلس وف ال ذي لقب بالش يخ األك بر‬
‫والكبريت األحمر ‪،‬والمولود في األندلس بمدين ة مرس ية ‪ 1164‬وهى إح دى‬
‫مُدن األندلس التي كانت مازالت تحت حكـــم المرابطيــــن ‪.‬‬
‫وش هدت حرب ا بينهم والموح دين والفرنج ة ‪،‬وانتهت بوفات ه في دمش ق‬
‫‪ ،. 1240‬وتقص تل ك الرواي ة حيات ه من ذ مول ده ‪،‬ح تى وفات ه في الق رن‬
‫الس ادس الهج ري ‪،‬فض ال عن حيات ه ال تي امتالت باالس فار والترح ال ؛ فق د‬
‫س افر ابن ع ربي من االن دلس في الغ رب ‪،‬الى اذربيج ان في الش رق ‪،‬وم ر‬
‫بالمغرب‪ ،‬ومصر ‪،‬والحجاز ‪،‬وبالد الش ام‪ ،‬والع راق ‪،‬واألناض ول بتركي ا في‬
‫طريق ه واس تمر في ه ذه الس فرية الطويل ة معايش ااحدى تج ارب الص وفية‬
‫العميقة التي اصر الشيخ على حمله ا ف وق جن اح روح ه المض طربة‪ ،‬المليئ ة‬
‫باألرق حيث تسرد تلك الرواية كل تفاصيل ذلك الترحال المُتخيل الذى ينط ق‬
‫باالحاسيس والمشاعـر المتقلب ة‪ ...‬وق د غ اص ال روائى في ق اموس الص وفية‬
‫النتقاء المصطلحات المتعارف عليها بين أه ل التص وف؛ ليص يغ منه ا قص ة‬
‫حي اة الش يخ ‪ ،‬إذ ُتطلِعن ا على الكث ير مم ا يتعل ق بت اريخ التص وف وحي وات‬
‫المتصوفة ومعارفهم ونصوصهم وطقوسهم ورحالتهم وخل واتهم وم ا يم يزهم‬
‫في أفكارهم وسلوكهم وعالقاتهم ببعضهم البعض‪ ،‬وعالقة الشيخ بمريديه وم ا‬
‫ينتظره المتص وف من إش ارات‪ ،‬ال دور لإلرادة أو للمنط ق فيه ا‪.‬وثم ة بعض‬
‫يبرر الناس النفسهم‬ ‫المقتطفات من مثل‪" :‬عندما تضيق االرزاق وينعدم االمل ِ‬
‫ك ل عم ٍل س يٍئ ب دعوى االض طرار والض رورة" ‪ ،‬فض ال عن قول ه ‪ ":‬في‬
‫الطبيع ة ق وى ثالث غيبي ة‪ :‬ال وحي و العق ل و القلب‪ .‬ف إن م ال الم رء جه ة‬
‫الوحي صار ظاهريا‪ ،‬و إن م ال جه ة العق ل ص ار فيلس وفا‪ ،‬و إن م ال جه ة‬
‫القلب صار صوفيا" ‪ ،‬وقوله‪ ":‬الفالسفة أصحاب فكر و استدالل أم ا الفقه اء ؛‬
‫فأصحاب اتباع و امتثال ؛أما المتصوفة فأصحاب ذوق و أحوال" ‪" ،‬رضا هللا‬
‫يخلقك مرة أخرى بقلب و أحالم نظيفة"‪ .‬ومن تعاليمه" ه ل يعلم ون أن الحي اة‬
‫في سبيل هللا أشق و أصعب من الموت في سبيله‪ .‬أضف إلي ه" بعض الحب ال‬
‫ِين ش يئا‬
‫ينم و إال في بالد بعينه ا و ال يعيش في بالد أخ رى" لن تبل غ من ال د ِ‬
‫حتى توقِر جميع الخالئق" وقوله"‪:‬طهرْ قلبك ثم اتبع ه من ال حِكم ة ل ه ال حُكم‬
‫ت يكون ال لك وال عليك ال يعول علي ه ‪ ،‬وأض اف"الزم ان مك ان‬ ‫له ‪،‬وكل وق ٍ‬
‫سائ ٌل والمكان زمان متجم ٌد"‪.‬‬
‫ومن احداثها‪ :‬مزج الكاتب فيها بين الحقيقة والخيال؛ فج زء منه ا مب ني على‬
‫أح داث حقيقي ة من س يرة ابن ع ربي‪ ،‬واآلخ ر من خي ال الك اتب ‪،‬خلط ه م ع‬
‫الحقيقة‪ ،‬وق د أس س روايت ه تل ك على أربع ة دع ائم رئيس ية‪ ،‬فس رد حي اة ابن‬
‫عربي منذ والدته في األن دلس‪ :‬وق د ك ان وال ده يعم ل في قص ر المل ك وأم ه‬
‫كانت جارية‪ ،‬وكانت ل ه مربي ة يحبه ا كأم ه ‪،‬تنب أت ل ه بأن ه س يكون ذوش أن‬
‫عظيم‪ ،‬وعندما بلغ ابن عربي ست سنوات من العمر انتقل إلى إشبيلية وقضى‬
‫فيها طفولته وشبابه‪ ،‬ومابرح يجالس الصوفيين وينهل من علومهم حتى أصبح‬
‫واح ًدا منهم‪ ،‬مترددا على شيخه "الكومي" يتعلم منه الكثير‪.‬‬
‫شاهد ابن عربي رؤيا منامية بأنه سيلتقي بشخص سيأخذه إلى مكة‪" ،‬وأبو بكر‬
‫الحصّار" رأى نفس الرؤيا بأن هناك شخص ي أتي من األن دلس س يذهب مع ه‬
‫إلى مكة‪ ،‬وماانف ك ك ل منهم ا يبحث عن ص احبه‪ ،‬واس تمرّ ه ذا البحث أرب ع‬
‫سنوات؛ فيلتقي ابن العربي "بالحصّار" الذي لقى حتفه في القاهرة تار ًك ا أث ره‬
‫في ه ‪ ،‬ومن جه ة أخ رى يق ع ابن ع ربي س را في حب "نظ ام عين الش مس‬
‫والبهاء" ابنة زاهر األصفهاني‪ ،‬الذي التقاها في مكة المكرمة ؛ فذاق قلب ه م ع‬
‫نظام عشقا لم يعرف قبل ه عش ق من قب ل‪ ،‬بقول ه‪":‬أش علت نظ ام في ص دري‬
‫مصباحا رأيت على ضوئه زوايا في هذا القلب لم أرها من قبل أركانا موحشة‬
‫‪،‬غرفا موص دة‪ ،‬س راديب ت راكمت فيه ا مش اعر لم يتس ن له ا أن تخ رج إلى‬
‫الحياة التي أعيشها‪ ،‬سكنت خيالي كل لحظة من يومي وليلتي "؛ فامتألت نفس‬
‫بن عربي عشقا‪ ،‬و ضاق قلبه بالشعر و الكالم العذب ؛فالتجأ إلـــى أوراقه‪،‬‬
‫و أفرغ ما في جعبته ونفسه كتابا أسماه "ترجمان األشواق"‪ ،‬بعد ما بل غ حب‬
‫نظام ما بلغ من قلب ابن عربي‪،‬تقدم ؛لخطبتها ؛ فرفضت ال زواج من ه ‪ ،‬ومن‬
‫ثم ترك الشيخ بغداد وسافر إلى بلدة "مطلية" في تركي ا برحل ة طويل ة مليئ ة‬
‫بالمفاجآت‪ ،‬ويمكث فيها ردحا من ال زمن ح تى يلتقى بدعامت ه الرابع ة ش مس‬
‫ال دين الت بريزي‪ ،‬وفي النهاي ة يع ود ابن ع ربي من "مطلي ة" إلى دمش ق ‪،‬‬
‫مرددا" ثمة أسير في صدري يريد أن ينطلق ش مس تنتظ ر أن تش رق ‪ ،‬قافل ة‬
‫تتوق ألن ترحل"؛ ليموت في سوريا‪.‬‬

‫الروائى السعودى محمد حسن علوان‬

You might also like