You are on page 1of 36

‫كتبة انعذل وانتىحيذ‬

‫وَفي انتشبيه عٍ هللا انىاحذ انحًيذ‬


‫تأليف‬
‫َجى آل انرسىل‬
‫اإليبو انمبسى بٍ إبراهيى انرسي عهيهًب انسالو‬

‫يمذيت‬
‫[أسببة انتشبيه]‬
‫[انكالو في انرؤيت]‬
‫[شُبه انًشبهت‪ ،‬وانجىاة عهيه]‬
‫[انعذل]‬
‫[يعبَي انهذي وانضالل]‬
‫[انًعبصي وانطبعبث يٍ فعم انعبذ]‬

‫[األدنت عهً أٌَّ انطبعبث وانًعبصي يٍ فعم انعبذ]‬

‫[شبه انمذريت]‬
‫[انًرجئت]‬
‫[فرائض هللا تعبنً وَىاهيه]‬
‫[شُبه انًرجئت]‬
‫[يىاالة أونيبء هللا تعبنً]‬
‫[يعبداة انكبفريٍ]‬
‫[يعبداة انفبسميٍ]‬
‫[تعريف انفبسك]‬
‫[انتىبت]‬
‫[كيفيت انتىبت يٍ حمىق هللا تعبنً]‬
‫[كيفيت انتىبت يٍ حمىق انًخهىليٍ]‬
‫[انتىبت يٍ انمتم وانجراحبث]‬
‫[األَيًبٌ وانتىبت يُهب وانكفبرة]‬
‫[كيفيت انتىبت نًٍ ضيع انصالة أو انصيبو أو انزكبة أو انحج]‬
‫[كيفيت لضبء انصالة]‬
‫[كيفيت لضبء انصىو]‬
‫[كيفيت لضبء انزكبة]‬
‫[كيفيت لضبء انحج]‬

‫كتاب العدؿ والتوحيد‬


‫ونفي التشبيو عن اهلل الواحد الحميد‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫ُت لنا من اذلدى‪،‬‬ ‫وم َّن علينا من إحسانو وكرمو‪ ،‬وبػَ َّ َ‬ ‫احلمد هلل على ما أسبغ علينا من نعمو‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫وزل َك ِم‬ ‫بإقامة ُح َجج ِو‪ ،‬وتَوات ِر رسلو ػ صلوات اهلل عليهم ػ‪ُْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫وأنقذنا من الضاللة والردى‪،‬‬
‫وتفصيل بػَيػنَاتِِو‪ ،‬رمحةً لعباده‪ ،‬ودعاءً ذلم إىل ثوابو‪ ،‬وإخراجاً ذلم من عقابو‪(( ،‬لِئَالَّ‬ ‫ِ‬ ‫آياتِِو‪،‬‬
‫ك َعن بَػيّْػنَ ٍة َويَ ْحيَى َم ْن َح َّي َعن بَػيّْػنَ ٍة‬ ‫َّاس َعلَى اللّ ِو ُح َّجةٌ))‪ ،‬و((لّْيَػ ْهلِ َ‬
‫ك َم ْن َىلَ َ‬ ‫يَ ُكو َف لِلن ِ‬
‫يم))‪.‬‬ ‫وإِ َّف اللّو لَس ِم ِ‬
‫يع َعل ٌ‬
‫َ َ ٌ‬ ‫َ‬
‫أما بعد‪ :‬فإف الذي جيب على العبد أف يكوف عامالً بطاعة اهلل اليت ال يقبل اهلل عز وجل‬
‫غَتىا من طاعاتو إالّ بأدائها‪ ،‬وال يكوف مؤمناً حىت يفعلها‪ :‬أف يؤمن باهلل وحده ال شريك‬
‫لو وال يتخذ معو إذلاً وال من دونو رباً وال ولياً‪ ،‬وأف يؤمن دبالئكة اهلل وكتبو ورسلو‪ ،‬والبعث‬
‫بعد ادلوت‪ ،‬وباحلساب واجلنة والنار‪ ،‬وباجلزاء باألعماؿ‪ ،‬وأف اآلخرة ىي دار القرار ال‬
‫ينقطع ثواهبا وال يبيد عقاهبا‪ ،‬وال ديوت فيها أىلها‪ ،‬وىم يف جزائهم خالدوف‪ ،‬ويؤمن بوعد‬
‫اهلل جل ثناؤه ووعيده وأخباره وكل ما جاء بو زلمد صلى اهلل عليو وآلو وسلم شلا أمر وهنى‬
‫عنو صلوات اهلل عليو من العمل بادلفروض بطاعة اهلل‪ ،‬واإلجتناب دلعاصي اهلل‪ ،‬والوالية‬
‫ألوليائو‪ ،‬وادلعاداة ألعدائو‪ ،‬والرضى بقضاء اهلل‪ ،‬والتسليم ألمر اهلل‪ ،‬فإذا فعل ذلك كاف‬
‫مؤمناً مسلماً زلسناً من ادلتقُت الذين ال خوؼ عليهم وال ىم حيزنوف‪ ،‬وال يكوف العبد‬
‫مؤمناً حىت يعلم أنو سللوؽ مرزوؽ‪ ،‬وأنو ذليل مقهور‪ ،‬وأف لو خالقاً قددياً عزيزاً حكيماً‪،‬‬
‫ليس كمثلو شيء يف ٍ‬
‫وجو من الوجوه‪ ،‬وال معٌت من ادلعاين‪ ،‬وأف ما سواه من األشياء كلها‬
‫من عرشو ومالئكتو ورسلو ومساواتو وأرضو وما فيهن وما بينهن وما ربتهن شلا أخرجو اهلل‬
‫ألحد عليو قدرًة وال استطاعة‪ ،‬وال عند ٍ‬
‫أحد‬ ‫جل ثناؤه من سبكُت العباد وأفعاذلم ََ جيعل ٍ‬
‫شيء من‬ ‫منهم معرفة يف شيء من بدو ذلك وإنشائو‪ ،‬ومن أعمل منهم فِ ْكره ليبلغ معرفة ٍ‬
‫ُ َ‬ ‫ُُ‬
‫ذلك بقي حسَتاً منقطعاً مبهوراً‪ ،‬وال جعل إىل أحد يف شيء منو سبيالً‪ ،‬وال جعل ٍ‬
‫ألحد‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ستعن على إنشاء ما أنشأ بأحد‪ ،‬وََ يشا ِرْكوُ يف‬ ‫فيو َْزل َم َد ًة وال ذَّماً؛ ألنو ػ جل ثناؤه ػ ََ يَ ْ‬
‫ملكو أح ٌد‪ ،‬وََ يؤامر يف تدبَته أحداً‪ ،‬فهو الواحد األحد‪ ،‬الذي ال من شيء كاف‪ ،‬وال‬
‫اآلخُر الذي‬ ‫األوؿ الذي ليس قبلَو شيء‪ ،‬و ِ‬ ‫ُ‬ ‫‪،‬‬ ‫من شيء خلَق ما كاف‪ ،‬فهو الدائم بال ٍ‬
‫أمد‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم))‪ُ ،‬‬
‫ومجيع‬ ‫بعدهُ شيءٌ‪ُ (( ،‬ى َو ْاْل ََّو ُؿ َو ْاْلخ ُر َوالظَّاى ُر َوالْبَاط ُن َو ُى َو ب ُك ّْل َش ْيء َعل ٌ‬ ‫ليس َ‬
‫ما أ َْد َرْكتَوُ ببصرؾ وومهك‪ ،‬ووقع عليو شيءٌ من حواسك‪ ،‬أو َكيَّفتو بتقديرؾ‪ ،‬أو َحدَّدتو‬
‫ت لو أوالً‪ ،‬أو‬ ‫ت لو وقتاً‪ ،‬أو َحدَّدت لو َح َّداً‪ ،‬أو َعَرفْ َ‬ ‫بتمثيلك‪ ،‬أو َشبَّػ ْهتَوُ بتشبيهك‪ ،‬أو َوقَّ َّ‬
‫خالق األشياء ال من شيء‬ ‫وص ْفت لو ِ‬
‫سللوؽ‪ ،‬واهلل ػ تبارؾ وتعاىل ػ ُ‬ ‫ث ٌ‬ ‫آخراً‪ ،‬فهو ُْزل َد ٌ‬ ‫ََ َ‬
‫ص َّورىا‪ ،‬بل أنشأىا وابتدأىا‪ ،‬فَدَّبَرىا بأحكم تدبَت‪ ،‬وقَدَّرىا بأحسن‬ ‫خلقها‪ ،‬وال على مثاؿ َ‬
‫س‬ ‫اخللق؛ ألنو اخلالَّؽ الذي ((لَْي َ‬ ‫اخللق‪ ،‬وال يشبهو ُ‬ ‫تقدير‪ ،‬فهو ػ جل ثناؤه ػ ال يُ ْشبِوُ َ‬
‫األشياء‬ ‫م‬
‫َّ‬ ‫ع‬ ‫بل‬ ‫شيء‪،‬‬ ‫دوف‬ ‫ا‬
‫ً‬ ‫شيئ‬ ‫بذلك‬ ‫خيص‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫))‬ ‫ير‬ ‫الس ِميع الب ِ‬
‫ص‬ ‫َّ‬ ‫و‬ ‫ى‬ ‫و‬ ‫ء‬ ‫ي‬ ‫ش‬
‫َ‬ ‫َك ِمثْلِ ِ‬
‫و‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫كلَّ َها‪ ،‬ما كاف منها وما يكوف‪ ،‬فال شبيو لو وال عديل‪ ،‬ال الضياء وال األنوار‪ ،‬وال الظلمات‬
‫أف النور والظلمة سللوقاف ُْزل َدثَاف‪ ،‬يُوجداف ويػُ ْع َدماف‪ ،‬ويُقبالف ويُ ْدبِراف‪،‬‬ ‫وال النار‪ ،‬وذلك َّ‬
‫ألف اخلالق ػ جل‬ ‫اخلالق ػ جل ثناؤه ػ ليس كذلك؛ َّ‬ ‫وحيَدَّاف‪ ،‬و ُ‬ ‫وجييئاف‪ ،‬ويُوصفاف ُ‬ ‫ويَذىباف َ‬
‫أعالـ التدب َِت‬ ‫ِ‬
‫فآثار الصنعة يف ادلخلوؽ بػَيػنَةٌ‪ ،‬و ُ‬ ‫وعز ػ قدًنٌ ََ يَػَزْؿ‪ ،‬وادلخلوؽ ََ يكن‪ُ ،‬‬ ‫ّ‬
‫فأنت تر ُاه مرًة ماثالً‪ ،‬ومرًة‬
‫اآلفات بو الزمةٌ‪َ ،‬‬ ‫ظاىر‪ ،‬واحلاجةُ لو الزمةٌ‪ ،‬و ُ‬ ‫العجز فيو ٌ‬ ‫قائمةٌ‪ ،‬و ُ‬
‫آفالً زائالً‪ ،‬فلَ َّما كانت ىذه صفة كل سللوؽ‪ ،‬وََ َجيز أف تُضاؼ صفة ادلخلوؽ إىل اخلالق ػ‬
‫اخلالق أ ْف يكو َف لو شبو‬ ‫عز وجهو ػ ألف اخلالق ال يكوف يف صفة ادلخلوؽ‪ ،‬تبارؾ وتعاىل ُ‬ ‫ّ‬
‫ْح ْم ُد لِلّ ِو‬
‫البشر‪ ،‬ىو احلامد نفسو قبل أف حيمده أح ٌد من خلقو‪ ،‬فقاؿ تبارؾ وتعاىل‪(( :‬ال َ‬
‫ين َك َف ُرواْ بَِربّْ ِهم‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫السماو ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َو َج َع َل الظُّلُ َمات َوالن َ‬
‫ُّور ثُ َّم الذ َ‬ ‫ات َواْل َْر َ‬ ‫الَّذي َخلَ َق َّ َ َ‬
‫يَػ ْع ِدلُو َف))‪ ،‬يقوؿ جل ثناؤه‪ :‬إف الكفار عبدوا إذلاً غَت اهلل‪ ،‬فقالوا ىو ضياء ونور‪ ،‬ومن‬
‫آخر‪ ،‬وقالوا‪ :‬ىو الظلمة ومن جنسو كل ظلمة‪ ،‬فعدلوا‬ ‫جنسو النار والنور‪ ،‬وجعلوا معو إذلاً َ‬
‫باهلل ػ جل ثناؤه ػ حُت شبهوه باألنوار‪ ،‬وجعلوا معو آذل ًة من الظلمات‪ ،‬فأكذهبم اهلل ػ جل‬
‫ِ‬
‫بػ‬ ‫وع َدلُو بو‪ ،‬وأَ ْك َذ َ‬ ‫ثناؤه ػ إذ قاؿ‪َ (( :‬و َج َع َل الظُّلُ َمات َوالن َ‬
‫ُّور))‪ ،‬تكذيباً ذلم إذ شبهوه َ‬
‫جل ثناؤه ػ الذين َشبَّػ ُهوه باإلنس من اليهود وغَتىم من ادلشركُت جهالً بو وجرأ ًة عليو‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ُت ذلم يف عقوذلم من وحدانيتو ونفى شبو اخللق([‪ )]1‬عندما يروف‬ ‫فقاؿ ػ جل ثناؤه ػ مع ما بػَ َ‬
‫أدلتو وأعالمو اليت تدعوىم إىل معرفتو وتوحيده من خلق السماوات واألرض وما فيهما وما‬
‫بينهما‪ ،‬ومن أنفسهم لو أحسنوا النظر‪ ،‬وأعملوا يف ذلك الفكر‪ ،‬فقاؿ جل ثناؤه‪(( :‬قُ ْل‬
‫ِ‬
‫َح ٌد (‪)))4‬‬ ‫الص َم ُد (‪ )2‬لَ ْم يَل ْد َولَ ْم يُولَ ْد (‪َ )3‬ولَ ْم يَ ُكن لَّوُ ُك ُف ًوا أ َ‬
‫َح ٌد (‪ )1‬اللَّوُ َّ‬
‫ُى َو اللَّوُ أ َ‬
‫س َك ِمثْلِ ِو َش ْيءٌ))‪ ،‬وقاؿ‪َ (( :‬ما يَ ُكو ُف ِمن نَّ ْج َوى ثََالثٍَة إََِّّل ُى َو َرابِ ُع ُه ْم َوََّل‬ ‫وقاؿ‪(( :‬لَْي َ‬
‫ك َوََّل أَ ْكثَػ َر إََِّّل ُى َو َم َع ُه ْم أَيْ َن َما َكانُوا))‬ ‫اد ُس ُه ْم َوََّل أَ ْدنَى ِمن ذَلِ َ‬
‫َخمس ٍة إََِّّل ُىو س ِ‬
‫َ َ‬ ‫َْ‬
‫كذلك اهلل عز وجل شاىد كل صلوى‪ ،‬عاَ السر وأخفى‪ ،‬قريب ال دبجاورة‪ ،‬يعبد ال‬
‫بناصية كل دآبة‪ ،‬وعليو رزقها‪ ،‬ويعلم مستقرىا‬ ‫ِ‬ ‫شاىد كل غائب‪ ،‬آخ ٌذ‬ ‫ُ‬ ‫دبفارقة‪،‬‬
‫ومستودع ها‪ ،‬أقرب إلينا من حبل الوريد‪ ،‬وحائل بيننا وبُت قلوبنا ال بتحديد‪ ،‬وىو مع قربو‬
‫منا مدبر السماوات العلى‪ ،‬وشاىد األرضُت السفلى‪ ،‬وعليم دبا فيهن وما بينهن وما ربت‬
‫الثرى‪ ،‬وىو على العرش استوى‪ ،‬وىو مع كل صلوى‪ ،‬وىو يف ذلك ال كشيء من األشياء‪.‬‬

‫[أسباب التشبيو]‬
‫ول قد ضل قوـ شلن ينتحل اإلسالـ من ادلشبهة ادللحدين الذين شبهوا اهلل عز ذكره خبلقو‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بآيات من‬ ‫وشبح مشهود‪ ،‬واعتلُّوا‬ ‫زلدود‬ ‫جسم‬ ‫وزعموا أنَّو على صورة اإلنساف‪ ،‬وأنو‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حرؼ َمن كاف قبلهم ِمن‬ ‫حرفوىا بالتأويل‪ ،‬ونقضوا هبا التنػزيل كما َّ‬ ‫ٍ‬
‫متشاهبات َّ‬ ‫الكتاب‬
‫الضالَّؿ من بغاة اإلسالـ‪،‬‬ ‫وبأحاديث افتعلها ُ‬
‫َ‬ ‫كالـ اهلل عن مواضعو‪،‬‬
‫اليهود والنصارى َ‬
‫فحملها عنهم اجلهاؿ فيها اإلحلاد والكفر باهلل‪ ،‬وأحاديث ََ يعرفوا ُح ْس َن تأَويلِ َها‪ ،‬وََ‬
‫يػَ ْعنُوا بتصحيحها‪ ،‬فضلوا وأضلوا كثَتاً وضلوا عن سو ِاء السبيل‪.‬‬

‫[الكالـ في الرؤية]‬
‫اضرةٌ (‪ )22‬إِلَى ربّْػها نَ ِ‬ ‫ٍِ ِ‬
‫اظ َرةٌ))‬ ‫ََ‬ ‫فكاف شلا تأولوا قوؿ اهلل عزوجل‪ُ (( :‬و ُجوهٌ يَػ ْوَمئذ نَّ َ‬
‫إف اهلل عز وجل يُرى باألبصار يف اآلخرة‪ ،‬ويػُْنظَُر إليو جهرًة خالفاً لقوؿ اهلل جل‬ ‫فقالوا‪َّ :‬‬
‫ْخبِ ُير))‪ ،‬جهالً دبعاين‬ ‫ص َار َو ُى َو اللَّ ِط ُ‬
‫يف ال َ‬ ‫ار َو ُى َو يُ ْد ِر ُؾ اْلَبْ َ‬
‫صُ‬ ‫ثناؤه‪َّ(( :‬لَّ تُ ْد ِرُكوُ اْلَبْ َ‬
‫فأما أىل العلم واإلدياف ففسروىا على غَت ما قاؿ أىل التشبيو ادلنافقوف‪،‬‬‫اآلية وتأويلها‪َّ ،‬‬
‫اضرةٌ))‪ ،‬يقوؿ‪ :‬مشرقة حسنة ((إِلَى ربّْػها نَ ِ‬‫ٍِ ِ‬
‫اظ َرةٌ))‪،‬‬ ‫ََ‬ ‫فقالوا‪ُ (( :‬و ُجوهٌ يَػ ْوَمئذ نَّ َ‬
‫يقوؿ‪ :‬منتظرة ثوابو وكرامتو ورمحتو وما يأتيهم من خَته وفوائده‪ ،‬وىكذا ذلك يف لغات‬
‫العرب‪ ،‬وبلغاهتا ولساهنا نزؿ القرآف‪ ،‬يقولوف إذا جاء اخلصب بعد اجلدب‪ :‬قد نظر اهلل‬
‫جل ثناؤه إىل خلقو‪ ،‬ونظر لعباده‪ ،‬يريدوف أنو أتاىم بالفرج والرخاء‪ ،‬ليس يعنوف أنَّو كاف ال‬
‫ك َّلَ َخالَ َؽ لَ ُه ْم‬ ‫يراىم ُُّّثَّ صار يراىم‪ ،‬وقاؿ اهلل جل ذكره وىو يذكر أىل النار‪(( :‬أ ُْولَػئِ َ‬
‫ة))‪،‬تأويل ذلك‪َّ :‬أهنم ال يرجوف‬ ‫فِي ِ‬
‫اْلخ َرةِ َوَّلَ يُ َكلّْ ُم ُه ُم اللّوُ َوَّلَ يَنظُُر إِلَْي ِه ْم يَػ ْوَـ ال ِْقيَ َام ِ‬
‫أىل اجلنة ينظر اهلل إليهم‪ ،‬وينظروف إىل اهلل ػ‬ ‫من اهلل ػ جل ثناؤه ػ ثواباً‪ ،‬وال يفعل ذلم خَتاً‪ ،‬و ُ‬
‫جل ثناؤه ػ‪ ،‬ومعنى ذلك‪َّ :‬أهنم يرجوف من اهلل خَتاً‪ ،‬ويأتيهم منو خَتٌ‪ ،‬ويفعلُوُ هبم‪ ،‬وليس‬
‫عز ذواجلالؿ واإلكراـ ػ‪ ،‬وكيف يرونو‬ ‫معٌت ذلك أهنم ينظروف إليو جهرة باألبصار ػ َّ‬
‫ار))‪،‬‬ ‫صُ‬‫زلدود وال ذو أقطار؟!‪ ،‬كذلك ىو ػ جل ثناؤه ػ ((َّل تُ ْد ِرُكوُ اْلَبْ َ‬ ‫باألَبصار وىو ال ٌ‬
‫األقطار كاف زلتاجاً إىل‬
‫ُ‬ ‫َقطار‪ ،‬ومن أحاطت بو‬
‫األبصار فقد أحاطت بو األ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ومن أدركتو‬
‫اط بو‪ ،‬وأقهر باإلحاطة‪ ،‬فكل من‬ ‫ط أكرب من الْمح ِ‬
‫َُ‬ ‫األماكن وكانت زليطةً بو‪ ،‬واحملي ُ ُ‬
‫قاؿ‪ :‬إنو ينظر إليو ػ جل ثناؤه ػ على غَت ما وصفنا من انتظار ثوابو وكرامتو‪ ،‬فقد زعم أنو‬
‫ٍ‬ ‫اخلالق‪ ،‬وزلاؿ أف يُ ْد ِرَؾ‬
‫اخلالق ػ جل ثناؤه ػ بشيء من احلواس؛ ألنَّو خار ٌ‬
‫ج‬ ‫ادلخلوؽ َ‬
‫ُ‬ ‫يُ ْد ِرُؾ َ‬
‫درؾ األبصا ِر‪،‬‬
‫وحاس‪ ،‬فكذلك نفى ادلوحدوف عن اهلل ػ جل ثناؤه ػ َ‬ ‫ٍّ‬ ‫ِمن معٌت كل زلسوس‬
‫وحجب األستا ِر‪ ،‬ػ فتعاىل اهلل عن صفة ادلخلوقُت علواًكبَتاً ال إلو إالّ ىو‬
‫َ‬ ‫وإحاطةَ األقطا ِر‪،‬‬
‫رب العادلُت ػ‪.‬‬
‫ّ‬
‫[ ُشبو المشبهة‪ ،‬والجواب عليها]‬
‫ض َج ِم ًيعا‬ ‫ي)) وقولو‪َ (( :‬و ْاْل َْر ُ‬ ‫ت بِيَ َد َّ‬
‫قوؿ اهلل تبارؾ وتعاىل‪َ (( :‬خلَ ْق ُ‬ ‫وتأولت أيضاً الْ ُم َّشبِ َهةُ َ‬
‫ص ِّفا‬
‫ك َ‬ ‫ك َوال َْملَ ُ‬ ‫ات بِيَ ِمينِ ِو)) وقولو‪َ (( :‬و َجاء َربُّ َ‬‫ات َمطْ ِويَّ ٌ‬
‫ماو ُ‬
‫الس َ‬ ‫ضتُوُ يَػ ْوَـ ال ِْقيَ َام ِة َو َّ‬
‫قَػ ْب َ‬
‫ص ٌير)) وقولو‪َ (( :‬ويُ َح ّْذ ُرُك ُم‬ ‫ص ِّفا)) وقولو‪(( :‬وَكلَّم اللّوُ موسى تَ ْكلِيما)) وقولو‪(( :‬س ِميع ب ِ‬
‫َ ٌَ‬ ‫ً‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ك إََِّّل َو ْج َهوُ)) ففسروا ذلك على ما تومهوا من‬ ‫سوُ)) وقولو‪ُ (( :‬ك ُّل َش ْي ٍء َىالِ ٌ‬ ‫اللّوُ نَػ ْف َ‬
‫أنفسهم‪ ،‬وبأنو عز وجل عندىم يف ذلك كلو على معٌت ادلخلوقُت وصفاهتم يف ىيئاهتم‬
‫وأفعاذلم‪ ،‬فكفروا باهلل العظيم وعبدوا غَت اهلل الكرًن‪ ،‬وتأويل ذلك كلو عند أىل اإلدياف‬
‫والتوحيد أف اهلل عز وجل ليس كمثلو شيء‪.‬‬
‫ي)) يعٍت بقدريت وعلمي‪ ،‬يريد أين على ذلك قادر‬ ‫ت بِيَ َد َّ‬ ‫فأما قولو تبارؾ وتعاىل‪َ (( :‬خلَ ْق ُ‬ ‫َّ‬
‫وبو عاَ توليت ذلك بنفسي ال شريك يل يف تدبَتي وصنعي‪ ،‬ال أف قدريت وعلمي ونفسي‬
‫غَتي‪ ،‬بل أنا الواحد الذي ال شيء مثلي‪ ،‬وقد بُت معٌت ىذه اآلية يف آية أخرى فقاؿ‪:‬‬
‫آد َـ َخلَ َقوُ ِمن تُػر ٍ‬
‫اب ثِ َّم قَ َ‬ ‫يسى عن َد اللّ ِو َك َمثَ ِل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اؿ لَوُ ُكن فَػيَ ُكو ُف)) وقاؿ‬ ‫َ‬ ‫((إ َّف َمثَ َل ع َ‬
‫كونا شيئاً‬ ‫إذا‬ ‫يد‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫))‪،‬‬ ‫ف‬
‫ُ‬ ‫و‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫َ‬‫ي‬ ‫ػ‬
‫َ‬‫ف‬ ‫ن‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫و‬
‫ُ‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫وؿ‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ػ‬‫ن‬ ‫َف‬ ‫أ‬ ‫اه‬
‫ُ‬ ‫َ‬‫ن‬ ‫د‬
‫ْ‬ ‫َر‬
‫َ‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫ذ‬
‫َ‬ ‫شي ٍء إِ‬ ‫َ‬ ‫جل ذكره‪(( :‬إِنَّما قَػولُنَا لِ‬
‫َ ْ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ت أَيْ ِدينَا أَنْػ َع ًاما فَػ ُه ْم لَ َها‬‫كاف‪ ،‬وقاؿ تبارؾ وتعاىل‪(( :‬أ ََولَ ْم يَػ َرْوا أَنَّا َخلَ ْقنَا لَ ُه ْم ِم َّما َع ِملَ ْ‬
‫اف يُ ِنف ُق‬‫مالِ ُكو َف)) يقوؿ‪ :‬شلا عملت أنا بنفسي‪ ،‬وقاؿ جل ثناؤه‪(( :‬بل ي َداهُ مبْسوطَتَ ِ‬
‫َْ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫شاء)) ‪ ،‬وتأويل ذلك عند أىل العلم بل نعمتاه مبسوطتاف على خلقو نعمة الدنيا‬ ‫ف يَ َ‬
‫َك ْي َ‬
‫ونعمة اآلخرة‪ ،‬وقيل يف تأويلو بل رزقاه مبسوطاف على خلقو رزؽ موسع ورزؽ مضيق ينفق‬
‫كيف يشاء‪ ،‬أي يفعل من ذلك ما ىو أصلح لعباده‪ ،‬كذلك قاؿ جل ثناؤه‪(( :‬بِي ِدهِ‬
‫َ‬
‫ْك )) يعٍت لو ادللك‪ ،‬وكذلك تقوؿ العرب ادللك بيد فالف وقد قبض فالف ادللك‬
‫ال ُْمل ُ‬
‫واألرض وذلك يف قبضتو وبيمينو يعنوف يف قدرتو وملكو‪ ،‬كذلك السماوات واألرض وما‬
‫بينهما وما فيهما يف قبضة اهلل وديينو يعٍت يف قدرتو وملكوتو وسلطانو اليوـ ويوـ القيامة ويف‬
‫كل وقت كما قاؿ جل ثناؤه‪َ (( :‬و ْاْل َْم ُر يَػ ْوَمئِ ٍذ لِلَّ ِو)) فاألمر([‪ )]2‬يومئذ واليوـ بيده‪ ،‬وقاؿ‬
‫ت أَيْ ِدي ُك ْم)) ودبا كسبت‬ ‫تبارؾ وتعاىل دلن عصاه وىو يساؽ إىل النار‪َ (( :‬ذلِ َ‬
‫ك بِ َما قَ َّد َم ْ‬
‫يداؾ‪ ،‬يريد دبا كسبت أنت بقولك وفعلك ليس يعٍت يده دوف بدنو وجوارحو‪ ،‬وقاؿ جل‬
‫ت أَيْ َمانُ ُك ْم)) يعٍت ما ملكتم أنتم‪،‬‬ ‫ثناؤه لنبيئو صلوات اهلل عليو وعلى آلو‪(( :‬إَِّلَّ َما َملَ َك ْ‬
‫وتقوؿ العرب أسلم فالف على يدي فالف‪ ،‬يريدوف بقولو وأمره ويقولوف‪.‬‬
‫شعر‪:‬‬
‫بِيَ ِد اهلل أمرنا وال َفنَاء‬
‫يريدوف باهلل عمرنا والفناء‪ ،‬ويقولوف نواصينا بيد اهلل‪ ،‬وضلن يف قبضة اهلل‪ ،‬يريدوف يف ىذا‬
‫كلو أنا يف قدرتو وملكو‪ ،‬ليس يذىبوف إىل يد كيد اإلنساف أو غَته من اخللق‪.‬‬
‫ص ِّفا)) يقولوف جاء اهلل جل ثناؤه بآياتو العظاـ‬ ‫ص ِّفا َ‬‫ك َ‬ ‫ك َوال َْملَ ُ‬
‫ومعٌت قولو‪َ (( :‬و َجاء َربُّ َ‬
‫يف مشاىد القيامة‪ ،‬وجاء بتلك الزالزؿ واألىواؿ وجاء بادلالئكة الكراـ‪ ،‬فتجلت الظلم‪،‬‬
‫وأنكشفت عن ادلرتابُت البُهم‪ ،‬وبدا ذلم من اهلل ما َ يكونوا حيتسبوف‪ ،‬وليس قولو‪َ (( :‬و َجاء‬
‫مكاف إىل مكاف‪ ،‬أو جاء من‬ ‫ك)) أنو جاء من مكاف‪ ،‬وال أنو زائل وحائل أو منتقل من ٍ‬ ‫َربُّ َ‬
‫مكاف إىل مكاف ػ تبارؾ اهلل وتعاىل عن ذلك ػ بل ىو شاىد كل مكاف وال حيويو مكاف‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وىو عاَ كل صلوى وحاضر كل مأل‪.‬‬
‫كذلك قولو‪َ (( :‬ى ْل يَنظُُرو َف إَِّلَّ أَف يَأْتِيَػ ُه ُم اللّوُ فِي ظُلَ ٍل ّْم َن الْغَ َم ِاـ)) كما قاؿ جل‬
‫ص ُمو َف)) وكذلك قاؿ جل ثناؤه‪:‬‬ ‫ْخ ُذ ُى ْم َو ُى ْم يَ ِخ ّْ‬ ‫ثناؤه‪(( :‬ما ينظُرو َف إََِّّل صيحةً و ِ‬
‫اح َد ًة تَأ ُ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫اى ُم اللَّوُ ِم ْن َح ْي ُ‬
‫ث لَ ْم يَ ْحتَ ِسبُوا)) يعٍت‬ ‫ِِ‬
‫((فَأَتَى اللّوُ بُػ ْنػيَانَػ ُهم ّْم َن الْ َق َواعد))وقاؿ‪(( :‬فَأَتَ ُ‬
‫بذلك كلو أنو أتاىم بعذابو وأمره ليس أنو أتاىم بنفسو زائالً‪ ،‬وكاف يف مكاف فكاف عنو‬
‫منتقالً‪ ،‬وكذلك يقوؿ القائل للرجل إذا جاء بأمر عجيب‪ :‬لقد أتى فالف أمراً عجيباً‪،‬‬
‫يريدوف أنو فعل شيئاً أعجبو‪ ،‬فذلك تأويل اجمليء من اهلل جل ثناؤه ال ىو باإلنتقاؿ وال‬
‫بالزواؿ؛ ألف الزائل مدبر زلتاج لوال حاجتو إىل الزواؿ ََ يػَُزْؿ فلذلك نفى ادلوحدوف عن اهلل‬
‫جل ثناؤه الزواؿ واإلنتقاؿ‪.‬‬
‫ِ‬
‫يما)) فذىبت ادلشبهة إىل أف اهلل تعاىل َّ‬
‫عما قالوا علواً كبَتاً‬ ‫وقولو‪َ (( :‬وَكلَّ َم اللّوُ ُم َ‬
‫وسى تَ ْكل ً‬
‫تكلم بلساف وشفتُت وخرج الكالـ منو كما خرج الكالـ من ادلخلوقُت فكفروا باهلل العظيم‬
‫حُت ذىبوا إىل ىذه الصفة‪ ،‬ومعٌت كالمو جل ثناؤه دلوسى صلوات اهلل عليو عند أىل‬
‫اإلدياف والعلم أنو أنشأ كالماً خلقو كما شاء فسمعو موسى صلى اهلل عليو وفهمو‪ ،‬وكل‬
‫مسموع من اهلل جل ثناؤه فهو سللوؽ ألنو غَت اخلالق لو‪ ،‬وإمنا ناداه اهلل جل ثناؤه فقاؿ‪:‬‬
‫ين )) والنداء غَت ادلنادي‪ ،‬وادلنادي بذلك ىو اهلل جل ثناؤه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫((إِنّْي أَنَا اللَّوُ َر ُّ‬
‫ب ال َْعالَم َ‬
‫والندى غَت اهلل وما كاف غَت اهلل شلا يعجز عنو اخلالئق فمخلوؽ ألنو َ يكن ُّث كاف باهلل‬
‫وحده ال شريك لو‪ ،‬وكذلك عيسى صلوات اهلل عليو كلمة اهلل وروحو وىو سللوؽ كما قاؿ‬
‫اؿ لَوُ ُكن‬ ‫اب ثِ َّم قَ َ‬ ‫آد َـ َخلَ َقوُ ِمن تُػر ٍ‬ ‫ِ‬
‫يسى عن َد اللّ ِو َك َمثَ ِل َ‬ ‫ع‬‫اهلل يف قولو‪(( :‬إِ َّف مثَل ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫فَػيَ ُكوف))‪ ،‬وكذلك قرآف اهلل‪ ،‬وكتب اهلل كلها قاؿ اهلل جل ثناؤه‪(( :‬إِنَّا َج َعلْنَاهُ قُػ ْرآنًا‬
‫اح َدةٍ َو َخلَ َق ِم ْنػ َها َزْو َج َها)) يقوؿ‪:‬‬ ‫سوِ‬
‫َع َربِيِّا)) يريد خلقناه كما قاؿ‪َ (( :‬خلَ َق ُكم ّْمن نَّػ ْف ٍ َ‬
‫خلق منها زوجها‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫استَ َم ُعوهُ)) وقاؿ تبارؾ‬ ‫وقاؿ جل ثناؤه‪َ (( :‬ما يَأْتِي ِهم ّْمن ذ ْك ٍر َّمن َّربّْ ِهم ُّم ْح َدث إََِّّل ْ‬
‫ث لَ ُه ْم ِذ ْك ًرا))‪،‬‬ ‫يث)) وقاؿ سبحانو‪(( :‬أ َْو يُ ْح ِد ُ‬ ‫وتعاىل‪(( :‬فَ َذرنِي ومن ي َك ّْذب بِ َه َذا الْح ِد ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ََ ُ ُ‬
‫فكل زلدث من اهلل جل ثناؤه فمخلوؽ ألنو َ يكن فكاف باهلل وحده ال شريك لو‪ ،‬فاهلل‬
‫أوؿ َ يزؿ وال يزوؿ‪.‬‬
‫ص ٌير )) فمعٌت ذلك أنو ال زبفى عليو األصوات وال اللهوات وال غَتىا‬ ‫و َّأما قولو‪(( :‬س ِميع ب ِ‬
‫َ ٌَ‬
‫من األعياف أين ما ك انت وحيث كانت يف ظلمات األرض والرب والبحر‪ ،‬ليس يعٍت أنو‬
‫مسيع بصَت جبوارح أو بشيء سواه فيكوف زلدوداً أو يكوف معو غَته موجوداً ػ تعاىل اهلل عن‬
‫ذلك ػ‪.‬‬
‫و َّأما قولو‪ُ (( :‬ك ُّل َش ْي ٍء َىالِ ٌ‬
‫ك إََِّّل َو ْج َهوُ)) وقولو‪َ (( :‬ويَػ ْبػ َقى َو ْجوُ َربّْ َ‬
‫ك)) فإمنا يعٍت إياه ال‬
‫ك))‪ ،‬ليس يعٍت بذلك وجهاً‬ ‫غَته‪ ،‬يقوؿ‪ :‬كل شيء ىالك إالّ ىو‪ ،‬وقولو‪(( :‬يَػ ْبػ َقى َو ْجوُ َربّْ َ‬
‫يف جسد وال جسداً ذا وجو‪ ،‬تعاىل اهلل عن ىذه الصفات اليت ىي يف ادلخلوقُت‬
‫َموجودات‪.‬‬
‫سوُ)) يريد حيذركم اهلل إياه ال غَته‪ ،‬وقولو تعاىل‪ْ ((َ :‬تعلَ ُم َما‬ ‫و َّأما قولو‪َ (( :‬ويُ َح ّْذ ُرُك ُم اللّوُ نَػ ْف َ‬
‫ك)) يريد تعلم أنت ما أعلم وال أعلم أنا ما تعلم إالّ ما‬ ‫فِي نَػ ْف ِسي َوَّلَ أَ ْعلَ ُم َما فِي نػَ ْف ِس َ‬
‫علمتٍت‪ ،‬ليس يعٍت أف لو نفساً غَته هبا يقوـ‪ ،‬تعاىل عن ذلك‪ ،‬وقد يقوؿ القائل‪ :‬ىذا نفس‬
‫احلق‪ ،‬ونفس الطريق‪ ،‬وكذلك ىذا وجو الكالـ ووجو احلق يريدوف بذلك كلو ىو احلق‪،‬‬
‫وىذا ىو الكالـ‪ ،‬وىذا ىو الطريق ليس يذىبوف إىل شيء غَت ذلك فتعاىل اهلل عن صفات‬
‫يع‬ ‫ادلخلوقُت علواً كبَتاً‪ ،‬ىو الذي ال كفؤ لو وال نظَت لو‪(( ،‬لَْيس َك ِمثْلِ ِو َشيء و ُىو َّ ِ‬
‫السم ُ‬ ‫ٌْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ص ُير))‪ ،‬فكل من وصف اهلل جل ثناؤه هبيئات خلقو أو شبهو بشيء من صنعو أو تومهو‬ ‫الب ِ‬
‫َ‬
‫صورًة أو جسماً أو شبحاً‪ ،‬أو أنو يف مكاف دوف مكاف أو أف األقطار ربويو‪ ،‬أو أف‬
‫احلجب تسًته‪ ،‬أو أف األبصار تدركو أو أنو َ خيلق كالمو وكتبو والقرآف وغَته من كالمو‬
‫وأحكامو‪ ،‬أو أنو كشيء شلا خلق أو أف شيئاً من خلقو يدركو شلا كاف‪ ،‬أو يكوف جبارحة أو‬
‫حاسة فقد نفاه وكفر بو وأشرؾ بو‪ ،‬فافهموا ذلك وفقنا اهلل وإياكم إلصابة احلق وبلوغ‬
‫الصدؽ‪.‬‬

‫[العدؿ]‬
‫وحد اهلل جل ثناؤه وعرؼ أنو ليس كمثلو شيء أف يتقيو يف سره وعالنيتو‬ ‫وعلى العبد إذا ّ‬
‫ويرجوه وخيافو ويعلم أنو عدؿ كرًن رحيم حكيم ال يكلف عباده إالّ ما يطيقوف‪ ،‬وال‬
‫يسأذلم إالّ ما جيدوف‪ ،‬وال جيازيهم إالّ دبا يكسبوف ويعلموف‪ ،‬وىكذا جل ثناؤه قاؿ‪ ،‬يدؿ‬
‫ف‬‫بذلك على رمحتو لنا‪َّ(( :‬لَ يُ َكلّْ ُ‬
‫اىا))‪ ،‬وقاؿ جل ثناؤه‪(( :‬فَاتَّػ ُقوا اللَّوَ َما ْ‬
‫استَطَ ْعتُ ْم))‬ ‫سا إَِّلَّ ُو ْس َع َها))‪ ،‬و((إََِّّل َما آتَ َ‬
‫اللّوُ نَػ ْف ً‬
‫اع إِلَْي ِو َسبِيالً)) فلم يكلف‬ ‫َّاس ِح ُّج الْبػ ْي ِ‬
‫ت َم ِن ْ‬
‫استَطَ َ‬ ‫وقاؿ تبارؾ وتعاىل‪َ (( :‬ولِلّ ِو َعلَى الن ِ‬
‫َ‬
‫الرحيم الكرًن أحداً من عباده ما ال يستطيع بل كلفهم دوف ما يطيقوف‪ ،‬وَ يكلفهم كل‬
‫ما يطيقوف وعذرىم عند ما فعل هبم من اآلفات اليت أصاهبم هبا ووضع عنهم الفرض فيها‪،‬‬
‫ج َوََّل َعلَى ال َْم ِر ِ‬
‫يض‬ ‫ج َوََّل َعلَى ْاْلَ ْع َر ِج َح َر ٌ‬
‫س َعلَى ْاْلَ ْع َمى َح َر ٌ‬
‫فقاؿ ال شريك لو‪(( :‬لَْي َ‬
‫يؤدوا ما فرض اهلل عليهم وَ يقل جل ثناؤه ليس على الكافر‬ ‫ج)) ألهنم ال يقدروف أف ّ‬
‫َح َر ٌ‬
‫حرج وال على الزاين حرج والعلى السارؽ حرج‪ ،‬وذلك أنو َ يفعل ذلك هبم وَ يدخلهم‬
‫فيو وَ يقض ذلك وَ يقدره؛ ألنو جور وباطل واهلل جل ثناؤه ال يقضي جوراً وال باطالً وال‬
‫فجوراً ألف ادلعاصي كلها باطل وفجور واهلل يتعاىل أف يكوف ذلا قاضياً ومقدراً‪ ،‬بل ىو كما‬
‫ْح َّق َو ُى َو َخ ْيػ ُر‬ ‫ص ال َ‬ ‫ْح ْك ُم إَِّلَّ لِلّ ِو يَػ ُق ُّ‬ ‫ِ‬
‫وصف نفسو جل ثناؤه إذ يقوؿ‪(( :‬إِف ال ُ‬
‫ين)) بل قضاؤه فيها كلها النهي عنها واحلكم على أىلها بالعقوبة والنكاؿ يف الدنيا‬ ‫ِِ‬
‫الْ َفاصل َ‬
‫واآلخرة إالّ أف يتوبوا فإنو يقبل التوبة ويعفو عن السيئات‪ ،‬أليس قاؿ جل ثناؤه يف الصياـ‪:‬‬
‫يضا أ َْو َعلَى َس َف ٍر فَعِ َّدةٌ ّْم ْن أَيَّ ٍاـ أ َ‬
‫ُخ َر يُ ِري ُد اللّوُ بِ ُك ُم الْيُ ْس َر َوَّلَ يُ ِري ُد بِ ُك ُم‬ ‫(( َوَمن َكا َف َم ِر ً‬
‫الْعُ ْس َر)) فوضع عن ادلرضى الصياـ ألهنم ال يقدروف عليو ووضعو عن ادلسافر وإف كاف‬
‫يقدر عليو‪ ،‬خيربىم أنو إمنا يفعل ذلك ألنو يريد هبم اليسر وال يريد هبم العسر‪ ،‬ووضع عنو‬
‫الصالة قائماً إذا َ يقدر على القياـ وأباح لو أف يصلي جالساً وإف َ يقدر على الصالة‬
‫جالساً صلى مضطجعاً أو مستلقياً‪ ،‬فإف َ يقدر على شيء من ذلك بشيء من جوارحو‬
‫فال شيء عليو‪ ،‬فعل ذلك رمحةً ونعمةً ونظراً لعبادة‪ ،‬ومن َ يكن لو ماؿ فال زكاة عليو‪،‬‬
‫وإف كاف ذا ماؿ وحاؿ عليو احلوؿ وىو مائتا درىم فعليو مخسة دراىم فإف نقص من مائيت‬
‫درىم شيئاً قل أو كثر فال شيء عليو فيها وكل أمر ال يستطيقو العبد فهو عنو موضوع‬
‫وكلف شلا يستطيع اليسَت يريد اهلل جل ثناؤه بذلك التخفيف من عباده تصديقاً لقولو‪:‬‬
‫((يُ ِري ُد اللّوُ أَف يُ َخ ّْف َ‬
‫ف‬
‫ض ِعي ًفا)) وقاؿ جل ثناؤه‪َ (( :‬وَما َج َع َل َعلَ ْي ُك ْم فِي الدّْي ِن ِم ْن‬ ‫ِ‬
‫َعن ُك ْم َو ُخل َق ا ِإل َ‬
‫نسا ُف َ‬
‫س إَِّلَّ َعلَْيػ َها)) فلم‬
‫ب ُك ُّل نَػ ْف ٍ‬ ‫ِ‬
‫َح َر ٍج))‪ ،‬يقوؿ‪ :‬من ضيق‪ ،‬وقاؿ تبارؾ وتعاىل‪َ (( :‬وَّلَ تَ ْكس ُ‬
‫يؤت أح ٌد من قبل اهلل تبارؾ وتعاىل يف دينو‪ ،‬وإمنا يؤتى العبد من نفسو بسوء نظره وإيثاره‬
‫َ‬
‫ىواه وشهوتو‪ ،‬ومن قبل الشيطاف عدوه يوسوس يف صدره‪ ،‬ويزين لو سوء عملو‪ ،‬ويتبعو‬
‫فيضلو ويرديو ويهديو إىل عذاب السعَت‪ ،‬وقاؿ اهلل جل ثناؤه حيذر عباده الشيطاف‪(( :‬يَا‬
‫ْجن َِّة)) وقاؿ تبارؾ وتعاىل‪:‬‬ ‫ج أَبَػ َويْ ُكم ّْم َن ال َ‬
‫الش ْيطَا ُف َك َما أَ ْخ َر َ‬ ‫آد َـ َّلَ يَػ ْفتِنَػنَّ ُك ُم َّ‬ ‫بَنِي َ‬
‫شاء)) وقاؿ سبحانو‪(( :‬إِ َّف َّ‬
‫الش ْيطَا َف لَ ُك ْم َع ُد ّّو‬ ‫الش ْيطَا ُف يَ ِع ُد ُك ُم الْ َف ْق َر َويَأ ُْم ُرُكم بِالْ َف ْح َ‬
‫(( َّ‬
‫السعِي ِر)) أعاذنا اهلل وإياكم من‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب َّ‬ ‫َص َح ِ‬‫فَاتَّخ ُذوهُ َع ُد ِّوا إِنَّ َما يَ ْد ُعو ح ْزبَوُ ليَ ُكونُوا م ْن أ ْ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وعلى العبد أف يعلم أنو ال حوؿ وال قوة إالّ باهلل العلي العظيم الكرًن احلليم‪ ،‬وأف اهلل جل‬
‫ثناؤه عاَ ما العباد عاملوف وإىل ما ىم صائروف‪ ،‬وأنو أحاط بكل شيء علماً وأحصى كل‬
‫أحد وبُت الطاعة‪ ،‬فالعباد‬ ‫شيء عدداً‪ ،‬وأنو َ جيرب أحداً على معصية‪ ،‬وَ حيل بُت ٍ‬
‫العاملوف واهلل جل ثناؤه العاَ بأعماذلم واحلافظ ألفعاذلم واحملصي ألسرارىم وآثارىم وىو‬
‫دبا يعملوف خبَت‪.‬‬

‫[معاني الهدى والضالؿ]‬


‫وعلى العبد أف يعلم أف اهلل جل ثناؤه يضل من يشاء‪ ،‬ويهدي من يشاء‪ ،‬وأنو ال يضل‬
‫أحداً حىت يتبُت ذلم ما يتقوف فإذا بُت ذلم ما يتقوف وما يأتوف وما يذروف‪ ،‬فأعرضوا عن‬
‫اذلدى وصاروا إىل الضاللة والردى أضلهم بأعماذلم اخلبيثة حىت ضلوا‪ ،‬كذلك قاؿ جل‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين (‪)26‬‬ ‫ين)) وقاؿ سبحانو‪َ (( :‬وَما يُض ُّل بو إَِّلَّ الْ َفاسق َ‬ ‫ثناؤه‪َ (( :‬ويُض ُّل اللّوُ الظَّالم َ‬
‫غ اللَّوُ‬ ‫ضو َف َع ْه َد اللَّ ِو ِمن بَػ ْع ِد ِميثَاقِ ِو))‪ ،‬وقاؿ تبارؾ وتعاىل‪(( :‬فَػلَ َّما َزاغُوا أ ََزا َ‬‫ين يَن ُق ُ‬
‫الذ َ‬
‫َّ ِ‬
‫َعلَْيػ َها‬ ‫قُػلُوبَػ ُه ْم))‪ ،‬وقاؿ جل ثناؤه ‪(( :‬بَ ْل طَبَ َع اللّوُ‬
‫بِ ُك ْف ِرِى ْم))‪.‬‬
‫وقػد جيوز أيضاً أف يكوف معٌت يضل أف مساىم ضالالً‪ ،‬وشهد عليهم بالضالؿ ووصفهم بو‬
‫من غَت أف يدخلهم يف الضاللة‪ ،‬ويقسرىم عليها فإف رجعوا عن الضاللة وتابوا وصاروا إىل‬
‫يبتد ربنا جل ثنآؤه أحداً‬ ‫اذلدى مساىم مهتدين وأزاؿ عنهم اسم الضالؿ والفسق‪ ،‬ولػم ِ‬
‫بالضاللة من عباده وال وصف هبا أحداً من قبل أف يستحقها‪ ،‬وكيف يبتدي أحداً من‬
‫عباده با لضاللة كما قاؿ القدريوف الكافروف الكاذبوف على اهلل‪ ،‬واهلل جل ثنآؤه ينهى عباده‬
‫ضلُّواْ)) يعٍت لئال تضلوا‪ ،‬وقاؿ جل‬ ‫عنها وحيذرىم إياىا‪ ،‬ويقوؿ‪(( :‬يػبػيّْن اللّوُ لَ ُكم أَف تَ ِ‬
‫ْ‬ ‫َُ ُ‬
‫ات إِلَى النُّوِر بِِإ ْذ ِف َربّْ ِه ْم إِلَى‬ ‫ك لِتُ ْخرِج النَّاس ِمن الظُّلُم ِ‬ ‫َنزلْنَاهُ إِلَْي َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫اب أ َ‬
‫ثناؤه‪(( :‬الَر كتَ ٌ‬
‫ك ُمغَيّْػ ًرا نّْػ ْع َمةً أَنْػ َع َم َها‬
‫َف اللّوَ لَ ْم يَ ُ‬ ‫يد))‪ ،‬وقاؿ سبحانو‪َ (( :‬ذلِ َ‬
‫ك بِأ َّ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬
‫اط الْع ِزي ِز الْح ِم ِ‬
‫ص َر َ‬
‫َعلَى قَػ ْوٍـ َحتَّى يُػغَيّْػ ُرواْ َما بِأَن ُف ِس ِه ْم)) ولو ابتدأىم بالضاللة كاف قد غَت ما هبم من النعمة‬
‫قبل أف يغَتوا سبحانو‪ ،‬وىو أرحم الرمحُت‪ ،‬وخَت الناصرين يريد بذلك َوصف نفسو وأمن‬
‫اخللق اف يكوف لػهم ظالػماً‪ ،‬أو بغَت ما عملوا رلازيػاً‪،‬فقاؿ جل ثنآؤه‪َّ (( :‬ما يَػ ْف َع ُل اللّوُ‬
‫بِ َع َذابِ ُك ْم‬
‫س بِأ ََمانِيّْ ُك ْم َوَّل أ ََمانِ ّْي‬ ‫َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫يما)) وقاؿ جل ثنآؤه‪(( :‬ل ْي َ‬
‫آمنتُ ْم َوَكا َف اللّوُ َشاك ًرا َعل ً‬‫إِف َش َك ْرتُ ْم َو َ‬
‫وءا يُ ْج َز بِ ِو)) وقاؿ سبحانو‪َ (( :‬وَّلَ تَ ِزُر َوا ِزَرةٌ ِو ْزَر أُ ْخ َرى َوَما‬
‫اب َمن يَػ ْع َم ْل ُس ً‬ ‫أ َْى ِل الْكِتَ ِ‬
‫ُكنَّا مع ّْذبِين حتَّى نَػبػعث رسوَّلً)) وقاؿ تبارؾ وتعاىل‪(( :‬فَمن يػعمل ِمثْػ َق َ ٍ‬
‫اؿ ذَ َّرة َخ ْيػ ًرا يَػ َرهُ‬ ‫َ َْ َ ْ‬ ‫َُ َ َ ْ َ َ ُ‬
‫نس إََِّّل‬ ‫ِ‬ ‫اؿ َذ َّرةٍ َش ِّرا يػرهُ))وقاؿ عز ذكره‪(( :‬وما َخلَ ْق ُ ِ‬
‫ت الْج َّن َو ْاإل َ‬ ‫ََ‬ ‫ََ‬ ‫(‪َ )7‬وَمن يَػ ْع َم ْل ِمثْػ َق َ‬
‫وف))‪ ،‬فللعبادة خلقهم وبطاعتو أمرىم‪َ ،‬وِم ْن ظُلْ ِم ِو أ ََّمنَػ ُهم‪ ،‬وبنعمتو ابتدأىم دبا جعل‬ ‫لِيػ ْعب ُد ِ‬
‫َُ‬
‫ذلم من العقوؿ واألمساع واألبص ار‪ ،‬وسائر اجلوارح والقوى اليت هبا يصلوف إىل أخذ ما‬
‫أمرىم بو وترؾ ما هناىم عنو ثػم ابتدأىم جل ثنآؤه بالنعمة يف دينهم بأف يبُت ذلم ما‬
‫يأتوف وما يذروف ثػم أمرىم دبا يطقوف‪ ،‬أراد بذلك إكرامهم‪ ،‬ومن ادلهالك إخراجهم بُت‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫سانًا َو َش َفتَػ ْي ِن (‪َ )9‬و َى َديْػنَاهُ‬
‫ذلك بقولو يف اإلنساف‪(( :‬أَلَ ْم نَ ْج َعل لوُ َع ْيػنَػ ْي ِن (‪َ )8‬ول َ‬
‫َّج َديْ ِن)) والنجداف مها الطريقاف اخلَت والشر فيما مسعنا‪ ،‬يقوؿ اهلل سبحانو‪ :‬بينا لو‬
‫الن ْ‬
‫اءىم ّْمن‬ ‫الطريقُت ليسلك طريق اخلَت‪ ،‬وجيتنب طريق الشر‪ ،‬وقاؿ تبارؾ وتعاىل‪َ (( :‬ولَ َق ْد َج ُ‬
‫َّربّْ ِه ُم ال ُْه َدى)) وقاؿ عز وجل‪(( :‬إِ َّف َعلَ ْيػنَا لَل ُْه َدى)) وقاؿ جل ثنآؤه‪(( :‬الَّ ِذي قَ َّد َر‬
‫يل َوِم ْنػ َها َجآئٌِر)) وقاؿ سبحانو‪:‬‬ ‫السبِ ِ‬
‫ص ُد َّ‬ ‫ِ‬
‫فَػ َه َدى)) وقاؿ تبارؾ وتعاىل‪َ (( :‬و َعلَى اللّو قَ ْ‬
‫استَ َحبُّوا ال َْع َمى َعلَى ال ُْه َدى)) وقاؿ لنبيو صلوات اهلل عليو‬ ‫اى ْم فَ ْ‬
‫ود فَػ َه َديْػنَ ُ‬
‫(( َوأ ََّما ثَ ُم ُ‬
‫ت فَبِما ي ِ‬
‫وحي إِلَ َّي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْت فَِإنَّ َما أَض ُّل َعلَى نَػ ْفسي َوإِف ْاىتَ َديْ ُ َ ُ‬ ‫وعلى آلو وسلم‪(( :‬قُ ْل إِف َ‬
‫ضلَل ُ‬
‫يب)) فأمر نبيو صلى اهلل عليو أف ينسب ضاللو إف كانت منو إىل نفسو‬ ‫يع قَ ِر ٌ‬ ‫َربّْي إِنَّوُ َس ِم ٌ‬
‫واذلدى إىل ربو تبارؾ وتعاىل‪ ،‬وقد علم اهلل جل ثنآؤه أف ال يكوف من نبيو ضاللة أبداً وأف‬
‫ال يكوف منو إالَّ اذلدى‪ ،‬وإمنا أمر بذلك تأديباً خللقو‪ ،‬وأف ينسبوا ضاللتهم إىل أنفسهم‪،‬‬
‫ويُنػزىوا منها رهبم‪ ،‬وأف ينسبوا ىداىم إىل رهبم الذي بو اىتدوا‪ ،‬وبعونو وتوفيقو رشدوا‪،‬‬
‫والقدريوف ادلفًتوف يكرىوف أف ينسبوا الضاللة إىل أنفسهم والفواحش وال يقروف أف اهلل‬
‫جل ثنآؤه ابتدأ عباده باذلدى وال بالتقوى قبل أف يصَتوا إىل ىدى أو تقوى خالفاً لقولو‬
‫ورداً لتنػزيلو‪ ،‬وإبطاالً لنعمو‪ ،‬وىو يقوؿ جل ثنآؤه‪(( :‬فَاتَّػ ُقوا اللَّوَ َما ْ‬
‫استَطَ ْعتُ ْم)) يأمرىم‬
‫بالتقوى إذا كانوا ذلا مس تطيعُت فلو لػم يكن ذلم عليها استطاعة لػما أمرىم هبا ولو كانت‬
‫استطاعة لغَتىا لػم جيز أف يقوؿ‪ :‬اتقوا اهلل ما استطعتم إذ كانت االستطاعة لغَت التقوى‪،‬‬
‫وقاؿ جل ثنآؤه‪ُ (( :‬خ ُذواْ َما آتَػ ْيػنَا ُكم‬
‫اب بِ ُق َّوةٍ)) فقد أمرىم أف‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ‬
‫بِ ُق َّوة َواذْ ُك ُرواْ َما فيو)) وقاؿ تبارؾ وتعاىل‪(( :‬يَا يَ ْحيَى ُخذ الْكتَ َ‬
‫يأخذوا كتبو بقوة وأمرىم أف يأخذوا كتبو ومواعظو بالقوة اليت أتاىم قبل أف يأخذوا الف‬
‫األخذ فعلهم واألمر والقوة فعل رهبم فلم يأمرىم جل ثنآؤه أف يأخذوا حىت قواىم على‬
‫ين يُ ِطي ُقونَوُ فِ ْديَةٌ)) يعٍت على‬ ‫َّ ِ‬
‫ذلك قبل أف يأخذوا‪ ،‬وكذلك قاؿ يف الصياـ‪َ (( :‬و َعلَى الذ َ‬
‫الذين يطيقوف الصياـ وال يصوموف فدية وضلو ذلك شلا يف القرآف وذلك كلو دليل على أف‬
‫القوة قبل الفعل‪ ،‬إذ كاف الفعل ال يكوف إال بالقوة وكلما كاف بشي يكوف أو بو يقوـ‬
‫فالذي يكوف الشي أو يقوـ بو فهو قبلو‪ ،‬كذلك األشياء كلها باهلل جل ثنآؤه كانت‪ ،‬وبو‬
‫قامت وىو قبلها فكذلك القوة فينا قبل فعلنا إذ كاف فعلنا ال يكوف وال يقوـ وال يتم إال‬
‫هبا‪ ،‬وكذلك يقوؿ الناس بقوة اهلل فعلنا ال كما تقوؿ القدرية ادلشبهوف إف اهلل جل ثناؤه لػم‬
‫يبتدئ العباد بالقوة فأنعم عليهم هبا قبل فعلهم ولكنها كانت منو مع فعلهم ففيما وضعناه‬
‫دليل وبرىاف أف القوة من اهلل جل ثنآؤه يف عباده قبل فعاذلم إذ كاف بطاعتو ذلم آمراً وعن‬
‫معصيتو ذلم ناىياً نعمةً أنعم هبا اهلل عليهم وأحسن هبا إليهم والقوة عندنا على األعماؿ‬
‫ىي الصحة والسالمة من اآلفات يف النفس واجلوارح وكل ما يوصف إىل األفاعيل إذ كانت‬
‫الصحة والسالمة تثبت الفرض وإذا زالت زاؿ الفرض ذلك موجود يف العقوؿ ويف أحكاـ‬
‫اهلل جل ثنآؤه وسنة رسولو صلى اهلل عليو وآلو ويف إمجاع األمة ال يعرفوف غَت ذلك وال‬
‫عبدهُ‪ ،‬وليعلم أف اهلل جل ذكره يبتدئ العباد بالنعم والبياف‪،‬‬ ‫يدينوف إال بذلك‪ ،‬فليتق اهلل ُ‬
‫ِ‬
‫ين َحتَّى‬ ‫وال يبتدئهم بالضالؿ والطغياف صدؽ ذلك قولو الشريك لو‪َ (( :‬وَما ُكنَّا ُم َع ّْذب َ‬
‫اى ْم َحتَّى يُػبَػيّْ َن‬ ‫ث رسوَّلً))‪ ،‬وقاؿ جل ثنآؤه‪(( :‬وما َكا َف اللّوُ لِي ِ‬
‫ض َّل قَػ ْوًما بَػ ْع َد إِ ْذ َى َد ُ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫نَػ ْبػ َع َ َ ُ‬
‫لَ ُهم َّما يَػتَّػ ُقو َف))‪.‬‬

‫[المعاصي والطاعات من فعل العبد]‬


‫فمن أحسن فليحمد اهلل جل ثناؤه إذ أمره باخلَت وأعانو عليو ومن أساء فليذـ نفسو‪ ،‬فهي‬
‫أوىل بالذـ وليضف ادلعصية إذا كانت منو إىل نفسو األمارة بالسوء وإىل الشيطاف إذ كاف‬
‫هبا آمر‪ ،‬وذلا مزيناً كما أضافها اهلل جل ثنآؤه إليو‪ ،‬وأضافها األنبياء صلوات اهلل عليهم‬
‫والصاحلوف حُت عصوا اهلل إىل أنفسهم‪ ،‬قاؿ آدـ وحواء صلوات اهلل عليهما حُت عصيا يف‬
‫أكل الشجرة‪(( :‬ربَّػنَا ظَلَمنَا أَن ُفسنَا وإِف لَّم تَػغْ ِفر لَنَا وتَػرحمنَا لَنَ ُكونَ َّن ِمن ال َ ِ‬
‫ين))‪،‬‬ ‫ْخاس ِر َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ ْ َ َْْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫فاخرب سبحانو أف الشيطاف دالمها بغرور ثػم حذر أوالدمها من بعدمها إعذاراً إليهم‪،‬‬
‫آد َـ َّلَ يَػ ْفتِنَػنَّ ُك ُم َّ‬
‫الش ْيطَا ُف َك َما أَ ْخ َر َج أَبَػ َويْ ُكم ّْم َن‬ ‫وتفضالً عليهم‪ ،‬فقاؿ‪(( :‬يَا بَنِي َ‬
‫اف إِنَّوُ‬ ‫ْجن َِّة))‪ ،‬وقاؿ موسى صلوات اهلل عليو حُت قتل النفس‪َ (( :‬ى َذا ِم ْن َع َم ِل َّ‬
‫الش ْيطَ ِ‬
‫ال َ‬
‫ت نَػ ْف ِسي فَاغْ ِف ْر لِي فَػغََف َر لَوُ إِنَّوُ ُى َو‬
‫ب إِنّْي ظَلَ ْم ُ‬ ‫اؿ َر ّْ‬
‫ين)) وقاؿ‪(( :‬قَ َ‬ ‫ِ‬
‫َع ُد ّّو ُّمض ّّل ُّمبِ ٌ‬
‫يم)) وقاؿ يونس صلوات اهلل عليو وىو يف بطن احلوت تائباً من ظلمو لنفسو‬ ‫الرِ‬
‫ور َّ ُ‬
‫ح‬ ‫الْغَُف ُ‬
‫نت ِم َن الظَّالِ ِمي َن))‪ ،‬وقاؿ غَتىم من‬ ‫ك إِنّْي ُك ُ‬ ‫َنت ُس ْب َحانَ َ‬‫ومقراً بذنبو‪ََّّ(( :‬ل إِلَوَ إََِّّل أ َ‬
‫األنبياء صلوات اهلل عليهم ضلو ذلك‪ ،‬وقاؿ الصاحلوف ضلو ذلك عند زلتهم‪ ،‬فنقوؿ كما قاؿ‬
‫ور ُسلو صلوات اهلل عليهم‪ ،‬وكما قاؿ الصاحلوف عباده‪ ،‬فنضيف ادلعاصي إىل أنفسنا‬ ‫أنبياؤه ُ‬
‫وإىل الشيطاف عدونا كما أمرنا ربنا‪ ،‬وال نقوؿ كما قاؿ القدريوف ادلفًتوف‪ :‬إف اهلل جل‬
‫ثنآؤه قدَّر ادلعاصي على عباده ليعلموا هبا وأدخلهم فيها وأرادىا منهم وقَػلَّبَهم فيها كما‬
‫تقلب احلجارة‪ ،‬وشاءىا ذلم وقضاىا عليهم حتماً ال يقدروف على تركها‪ ،‬وإنو يف قوذلم‬
‫ويعذب طفالً جبرـ والده‪ ،‬وأنو حيمد‬ ‫ُ‬ ‫يغضب شلا قضى‪ ،‬ويسخط شلا أراد‪ ،‬ويعيب ما قَدَّر‪،‬‬
‫العباد ويذمهم دبا لػم يفعلوا‪ ،‬وجيزيهم دبا صنع هبم‪ ،‬ػ تعاىل اهلل عن ذلك علواًكبَتاً ػ‪.‬‬
‫صنعوُ وخلقو ىو توىل خلقها‬ ‫ىذا مع زعمهم أف أفعاؿ العباد كلها طاعتها ومعصيتها ُ‬
‫وإحداثها‪ ،‬خالفػاً لقوؿ اهلل تعاىل‪َ (( :‬ج َزاء بِ َما َكانُوا يَػ ْع َملُو َف))‪(( ،‬تِلْ ُك ُم الْ َجنَّةُ أُوِرثْػتُ ُم َ‬
‫وىا‬
‫س َما َكانُواْ يَػ ْع َملُو َف)) و(( َساء َما َكانُواْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َما ُكنتُ ْم تَػ ْع َملُو َف))‪ ،‬وقولو ألىل ادلعاصي‪(( :‬لَب ْئ َ‬
‫يَػ ْع َملُو َف)) و((إِنَّ َما تُ ْج َزْو َف َما ُكنتُ ْم تَػ ْع َملُو َف))‪ ،‬فكفروا باهلل كفراً لػم يكفر بو أح ٌد من‬
‫العادلُت‪ ،‬لعظيم فريت هم على رهبم جل ثنآؤه ورميهم إياه جبميع جرمهم ػ تعاىل اهلل عن‬
‫إفكهم علواً كبَتاً‪ ،‬وتقدس وجل ثنآؤه ػ‪ .‬أليس يف كتابو ويف حجة عقوؿ خلقو عدلو عليهم‬
‫وإحسانو‪ ،‬وبراءتو من ظلمهم‪ ،‬إذ قاؿ جل ثنآؤه‪(( :‬إِ َّف اللّوَ يأْمر بِالْع ْد ِؿ وا ِإل ْحس ِ‬
‫اف‬ ‫َ ُُ َ َ َ‬
‫شاء َوال ُْمن َك ِر َوالْبَػغْ ِي يَ ِعظُ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم تَ َذَّك ُرو َف)) فواهلل‬ ‫َوإِيتَاء ِذي الْ ُق ْربَى َويَػ ْنػ َهى َع ِن الْ َف ْح َ‬
‫لو لػم ينػزؿ على عباده إالَّ ىذه اآلية يف عدلو لكاف فيها البياف والنور‪ ،‬وىي آية زلكمة‬
‫رلملة تأيت على مجيع األمر بالطاعة‪ ،‬والنهي عن ادلعصية‪ ،‬ويف أمر اهلل جل ثنآؤه عباده‬
‫بالطاعة دليل دلن كاف لو عقل أف اهلل جل ثناؤه أرادىا وشاءىا وأحبها إذ كاف هبا آمراً‪،‬‬
‫وعليها حامداً‪ ،‬وألىلها موالياً‪ ،‬وذلم مثيباً‪ ،‬ويف هنيو عن ادلعصية دليل أنو لػم يردىا ولػم‬
‫يشأىا وَ حيبها‪ ،‬إذ كاف عنها ناىياً‪ ،‬وعليها ذاماً‪ ،‬ومن أىلها بريئاً‪ ،‬وذلم معاقباً‪ ،‬فال ىو‬
‫أرادىا جل ثنآؤه‪ ،‬وال ىو عز وجل ُعصي مغلوباً ولكنو احلليم تأىن خبلقو‪ ،‬وأمهلهم َو َحلُ َم‬
‫عنهم‪ ،‬وَ يعجل عليهم باالنتقاـ منهم لَتجعوا فيتوبوا‪ ،‬فاغًتوا حبلمو عنهم حىت افًتوا عليو‬
‫فزعموا أنو أمر دبا ال يريد‪ ،‬وهنى عما يريد‪ ،‬وأف رسلو صلوات اهلل عليهم خالفوه فيما أراد‪،‬‬
‫وأف إبليس عليو غضب اهلل وافقو فيما أراد‪ ،‬وذلك أهنم زعموا أنو أراد الكفر من كثَت من‬
‫عباده‪ ،‬وأرسل إليهم رسلو يدعوهنم إىل اإلدياف وىو خالؼ ما أراد من الكفر‪ ،‬وإف إبليس‬
‫دعاىم إىل الكفر وىو ما أراد منهم‪ ،‬فكاف إبليس يف قوذلم هلل جل ثناؤه فيما أراد موافقاً‪،‬‬
‫وكاف رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وآلو وسلم فيما أراد من ذلك سلالفاً ػ تعاىل اهلل عن ذلك‬
‫علواًكبَتاً ػ‪.‬‬

‫[اْلدلة على َّ‬


‫أف الطاعات والمعاصي من فعل العبد]‬
‫والدليػل على أف ما فعلوا من طاعة اهلل ومعصيتو فعلهم وأف اهلل ػ جل ثنآؤه ػ ََ خيلق ذلك‬
‫إقباؿ اهلل ػ تبارؾ وتعاىل ػ عليهم بادلوعظة وادلدح والذـ وادلخاطبة والوعد والوعيد وىو قولو‬
‫آمنُواْ بِاللّ ِو َوالْيَػ ْوِـ‬ ‫ِ‬
‫جل ثنآؤه‪(( :‬فَ َما لَ ُه ْم ََّل يُػ ْؤمنُو َف))‪ ،‬وقولو‪َ (( :‬وَماذَا َعلَ ْي ِه ْم لَ ْو َ‬
‫اْلخ ِر)) ولو كاف ىو الفاعل ألفعاذلم اخلالق ذلا ََ خياطبهم ولػم يعظهم ولػم يلمهم على‬ ‫ِ‬
‫مجيل وحسن كما ََ خياطب‬‫ما كاف منهم من تقصَت ولػم ديدحهم على ما كاف منهم من ٍ‬
‫ادلرضى فيقوؿ َِ مرضتم؟ وََ خياطب العمياف فيقوؿ َِ عميتم؟‪ ،‬وََ خياطب ادلوتى فيقوؿ‬
‫َِ متم؟ وََ خياطبهم على خلقهم فيقوؿ َِ طلتم؟ ِوََ قصرمت؟‪ ،‬وكما ََ ديدح وحيمد‬
‫الشمس والقمر والنجوـ والرياح والسحاب يف رلراىن ومسَتىن‪ ،‬وإمنا ََ ديدحهن‬
‫وحيمدهنن ألنو جل ثنآؤه ىو الفاعل ذلك هبن وىو مصرفهن ورلريهن وىو منشئهن وكاف‬
‫يف ذلك دليل أنو ََ خياطب ىؤآلء‪ ،‬وخاطب اآلخرين فعلمنا أنو خاطب من يعقل ويفهم‬
‫ويكسب‪ ،‬وإمنا خ اطبهم إذ ىم سلَتوف‪ ،‬وترؾ سلاطبة اآلخرين إذ ىم غَت سلَتين وال‬
‫سلتارين‪ ،‬فهذه احلجة وىذا الدليل على فعلو من فعل خلقو‪.‬‬
‫والدليػل على أف ادلعاصي ليست بقضائو وال بقدره ما أنزؿ يف كتابو من ذكر قضائو باحلق‬
‫وأمره بالعدؿ وتعبده عباده بالرضى بقضائو وقدره وإمجاع األمة كلها على أف مجيع ادلعاصي‬
‫والفواحش جور وباطل وظلم وأف اهلل جل ثنآؤه لػم يقض اجلور والباطل وَ يكن منو الظلم‬
‫وأهنم مسلموف لقضاء اهلل منقادوف ألمر اهلل فإذا نزلت هبم احلوادث من األسقاـ وادلوت‬
‫واجلدب وادلصائب من اهلل جل ثنآؤه قالوا ىذا بقضاء اهلل رضينا وسلَّمنا وال يسخطو منهم‬
‫ط كاف عندىم من الكافرين‪ ،‬وإذا ظهرت‬ ‫أحد‪ ،‬وال ينكره منكر‪ ،‬وإف سخطو منهم ساخ ٌ‬
‫احملارـ كانوا ذلا كارىُت‪ ،‬وعلى أىلها ساخطُت‪ ،‬وذلم‬ ‫ُ‬ ‫منهم الفواحش وانتهكت فيهم‬
‫أف ذلك ليس من‬ ‫معاقبُت يتربؤوف منهم ويلعنوهنم ويذموهنم وأعماذلم‪ ،‬ففي ذلك دليل َّ‬
‫قضاء اهلل وال من قَ َد ِرهِ‪ ،‬وذلك ألنو فعل مذموـ قبيح فاحش ليس ىو فعلو‪ ،‬وقضاء اهلل ال‬
‫يكوف جوراً وال فاحشاً وال قبيحاً وال باطالً وال ظلماً ػ تعاىل اهلل عن ذلك علواً كبَتاًػ‪ ،‬وقد‬
‫وصفنا حجج اهلل يف عدلو وما بُت من ذلك خللقو‪.‬‬

‫[ ُشبو القدرية]‬
‫ض ُّل َمن‬ ‫فإف اعتلت القدرية السفهاء ببعض اآليات ادلتشاهبات ضلو قولو ػ جل ثنآؤه ػ‪(( :‬ي ِ‬
‫ُ‬
‫هم)) ((بَ ْل طَبَ َع اللّوُ َعلَْيػ َها‬ ‫شاء َويَػ ْه ِدي َمن يَ َ‬
‫شاء)) وقولو‪َ (( :‬ختَ َم اللّوُ َعلَى قُػلُوبِ ْ‬ ‫يَ َ‬
‫فإف َك ْسَر مقالتهم‬ ‫بِ ُك ْف ِرِى ْم)) وضلو ذلك من متشابو اآليات وتأولوىا على غَت تأويلها‪َّ ،‬‬
‫أف الشيطاف وجنوده من اجلن‬ ‫يسَتٌ‪ ،‬واحلجة عليهم بينة‪ ،‬وذلك أف اهلل عز وجل أخرب َّ‬
‫واإلنس يضلوف‪ ،‬فإمنا إضالذلم للعبد إمنا ىو من طريق الصد عن الطاعة بالغرور والكذب‬
‫واخلداع والتزيُت للقبيح الذي قبحو اهلل‪ ،‬والتقبيح لِ َما َزيَّ َن اهلل وحسنو فذلك معٌت إضالؿ‬
‫الشيطاف وأول يائو‪ ،‬فاهلل جل ثنآؤه يضل ال من طريق أولئك؛ ألنو تعاىل عن الكذب‬
‫والصد‪ ،‬وإمنا معٌت إضاللو جل ثنآؤه للعباد الذين يضلوف عن سبيلو عند كث ٍَت من أىل‬
‫العلم‪ :‬التسمية ذلم بالضاللة والشهادة عليهم هبا كما يقاؿ‪ :‬فال ٌف َك َّفَر فالنػاً‪ ،‬وفالف‬
‫َّؿ فالنػاً‪ ،‬وفال ٌف َج َّوَر فالنػاً‪ ،‬يريدوف أنو مساه بذلك لػما ىو عليو من ذلك فكذلك‬
‫َعد َ‬
‫يقاؿ أضل اهلل الفاسقُت‪ ،‬وطبع على قلوب الكافرين‪ ،‬معٌت ذلك عند كثَت من أىل العلم‬
‫أنو شهد عليهم بسوء أعماذلم ونسبهم إىل أفعاذلم مسمياً ذلم بذلك وحاكماً عليهم بو‬
‫كذلك دلا كاف منهم فذلك تأويل اآليات ادلتشاهبات يف ىذا ادلعٌت عند من وصفنا من‬
‫أىل العلم‪.‬‬
‫فػعػلػى الػعبػد أف يتقى اهلل وينظر لنفسو وأف ال يقبل ما تأولتو القدرية اجملربة شلا ال جيوز على‬
‫اهلل جل ثنآؤه يف الثنآء وأدىن ما عليو أف حيسن الظن بربو ويأمنو على نفسو ودمو‪ ،‬ويعلم‬
‫أنو أنظر لو من مجيع خلقو ولَتجع إىل احملكمات من اآليات اليت وصف اهلل جل ثنآؤه‬
‫فيها نفسو جل وجهو بالعدؿ واإلحساف والرمحة خبلقو والغنا عنهم واألمر بالطاعة والنهي‬
‫عن ادلعصية فيعمل بتلك اآليات‪ ،‬ويكوف عليها‪ ،‬ويؤمن بادلتشاهبات وال يظن َّأهنا وإف‬
‫جهل تأويلها وحرفت عن تفسَتىا َّأهنا تنقض احملكمات فإف كتاب اهلل ال ينقض بعضو‬
‫بعضاً وال خيالف بعضو بعضاً وقد قاؿ اهلل عز وجل‪(( :‬ولَو َكا َف ِمن ِع ِ‬
‫ند غَْي ِر اللّ ِو لََو َج ُدواْ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬
‫فِ ِيو ا ْختِالَفًا َكثِيراً)) فنفى أف يكوف يف كتابو اختالؼ‪ ،‬فليتق اهلل عب ٌد ولينظر لنفسو‪،‬‬
‫كفار باهلل ال كفر أعظم من كفرىم لػما‬ ‫وليحذر ىذه الطائفة من القدرية واجملربة فإهنم ٌ‬
‫وصفنا من فريتهم على اهلل جل ثنآؤه يف كتابنا ىذا ألهنم شهدوا جلميع الكفار أف اهلل‬
‫أدخلهم يف الكفر شآءوا أو أبوا‪ ،‬فشهدوا للفساؽ ومجيع العصاة أهنم إمنا أُتُوا يف ذلك كلو‬
‫من رهبم‪ ،‬ولذلك ىم رلوس ىذه األمة‪.‬‬

‫[المرجئة]‬
‫فإف قوذلم من شر قوؿ وأخبثو‪ ،‬وقد روي عن‬ ‫وليحذر العبد أيضا ىذه الطائفة من ادلرجئة‪َّ ،‬‬
‫رسوؿ صلى اهلل عليو وآلو وسلم‪( :‬صنفاف من أمىت لعنوا على لساف سبعُت نبياً‪ ،‬القدرية‬
‫وادلرجية‪ ،‬قيل‪ :‬من القدرية وادلرجئة يا رسوؿ اهلل؟‪ ،‬فقاؿ‪ :‬أما القدرية فالذين يعلموف‬
‫َّرىا علينا‪ ،‬وأما ادلرجئة فهم الذين‬
‫بادلعاصي‪ ،‬ويقولوف ىي من عند اهلل‪ ،‬وىو قَد َ‬
‫يقولوف‪ :‬اإلدياف قوؿ بال عمل)‪ ،‬فهذاف قوالف فيهما ذىاب اإلسالـ كلو ووقوع كل‬
‫معصية‪.‬‬
‫وذلك أف القدرية زعمت أف اهلل جل ثنآؤه أدخل العباد يف ادلعاصي ومحلهم عليها وقدرىا‬
‫عليهم وخلقها فيهم فهم ال ديتنعوف منها وال يستطيعوف تركها‪.‬‬
‫وأما ادلرجئة فرخصوا يف ادلعاصي وأطمعوا أىلها يف اجلنة بال رجوع وال توبة وشككوا اخللق‬
‫مؤمن كامل اإلدياف عند‬
‫أف كل من ركب كبَتًة من معاصي اهلل فهو ٌ‬ ‫يف وعيد اهلل‪ ،‬وزعموا َّ‬
‫اهلل بعد أف يكوف مقراً بالتوحيد‪ ،‬وأف مجيع أعماؿ ادلؤمنُت من الصلوة والزكوة والصياـ‬
‫واحلج وغَت ذلك ليس من اإلدياف وال من دين اهلل مع أشياء كثَتة تقبح من قوذلم‪ ،‬وكاف‬
‫قوذلم انتهاؾ حرمات اهلل سبحانو‪ ،‬وتعدي حدوده‪ ،‬وقتل أوليائو‪ ،‬وخفر ذمتو‪ ،‬واستخفاؼ‬
‫حبقو‪ ،‬والفساد يف أرضو‪ ،‬والعمل بالظلم يف عباده وبالده‪ ،‬فهذاف قوالف شلا أىلك العباد‬
‫هبما‪ ،‬فنعوذ باهلل منهما ونربأ إىل اهلل من أىلهما ونسألو فرجاً عاجالً إنو قريب رليب‪.‬‬

‫[فرائض اهلل تعالى ونواىيو]‬


‫فإذا أقر العبد دبا وصفنا من توحيد اهلل وعدلو وعرفو فعليو بعد ذلك أف يودي إىل اهلل ما‬
‫افًتض من الصلوة والزكوة والصوـ احلج‪ ،‬إذا كاف لذلك مطيقاً‪ ،‬واجلهاد يف سبيلو جلميع‬
‫أعدائو من الكافرين والفاسقُت إذا أمكنو ذلك‪ ،‬واحتيج فيو إليو‪ ،‬ويأمر بادلعروؼ‪ ،‬وينهى‬
‫عن ادلنكر إذا لزمو ذلك بنفسو ومع غَته إذا أمكنو ذلك ويؤدي ما افًتض اهلل جل ثنآؤه‬
‫عليو من شرائع دينو‪ ،‬وعليو أف جيتنب ما هنى اهلل عنو من معاصيو كلها من الكفر كلو‪،‬‬
‫وقتل النفس اليت حرـ اهلل بغَت احلق‪ ،‬وأخذ أمواؿ الناس مسلميهم ومعاىديهم بغَت حقها‬
‫والظلم ذلم والعدواف عليهم وأكل أمواؿ اليتامى ظلماً واكل الربا والسرقة والزنا وقذؼ‬
‫احملصنات واحملصنُت وشرب اخلمر وإتياف الذكراف من العادلُت والفرار من الزحف يف ادلواطن‬
‫اليت ال ينبغي لو الفرار فيها إذا كاف يف ذلك اصطالـ ادلسلمُت وىالكهم وعقوؽ الوالدين‬
‫ادلسلمُت وإف كاف عاصيُت صاحبهما معروفاً وكل معصية يعلمها اهلل معصية‪ ،‬وكل ما عليو‬
‫أف يعلم أنو هلل معصية فال يعملو وال يقربو‪ ،‬فإف اهلل تبارؾ وتعاىل قد هنى عن الذنوب كلها‬
‫موىوب لِ َمن اجتنب الكبَتة‪ ،‬وذلك قوؿ‬
‫ٌ‬ ‫كبَتىا وصغَتىا‪ ،‬كبَتىا فيو الوعيد‪ ،‬وصغَتىا ىو‬
‫اهلل‪(( :‬إِف تَ ْجتَنِبُواْ َكبَآئَِر َما تُػ ْنػ َه ْو َف َع ْنوُ نُ َك ّْف ْر َعن ُك ْم َسيّْئَاتِ ُك ْم َونُ ْد ِخلْ ُكم ُّم ْد َخالً‬
‫يما)) فليتق اهلل عب ٌد وال يقدـ على معصية ربو وىو يعلمها وال يعتقدىا متأوالً وال متديناً‬ ‫َك ِر ً‬
‫[هبا]‪ ،‬وقد جعل اهلل لو السبيل إىل معرفتها وتركها‪ ،‬وليكن أبداً متحرزاً متحفظاً وبأمر ربو‬
‫َّ ِ‬
‫متيقظاً فإف اهلل عز وجل وصف ادلتقُت من عباده ادلؤمنُت فقاؿ جل ثناؤه‪(( :‬إِ َّف الذ َ‬
‫ين‬
‫ص ُرو َف))‪ ،‬وََ يقل‪ :‬فإذا ىم‬ ‫الش ْيطَ ِ‬
‫اف تَ َذَّكرواْ فَِإ َذا ُىم ُّم ْب ِ‬ ‫ف ّْم َن َّ‬ ‫س ُه ْم طَائِ ٌ‬ ‫اتَّػ َقواْ إِ َذا َم َّ‬
‫ُ‬
‫مصروف‪ ،‬ثػم أخرب تبارؾ وتعاىل عن إخواف الشيطاف فقاؿ جل ثناؤه‪َ (( :‬وإِ ْخ َوانُػ ُه ْم‬
‫خائف يرجو اهلل‬ ‫ٌ‬ ‫ص ُرو َف))‪ ،‬فادلؤمن أبداً متيقظ متحفظ ر ٍاج‬ ‫يم ُّدونَػ ُهم فِي الْغَ ّْي ثُ َّم َّلَ يػ ْق ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َُ‬
‫لِما ىو عليو من اإلحساف ولِما يكوف منو من ذلك رجاءً ال قنوط فيو‪ ،‬وخيافو على‬
‫اإلساءة ادلوبقة إف فعلها خوفاً ال طمع فيو إالَّ بتوبة منها‪ ،‬فاخلوؼ والرجاء ال يفارقانو‪،‬‬
‫ين يَ ْد ُعو َف يَػ ْبتَػغُو َف إِلَى‬ ‫لذلك وصف اهلل جل ثناؤه ادلؤمنُت من عباده فقاؿ‪(( :‬أُولَػئِ َ َّ ِ‬
‫ك الذ َ‬
‫ِ‬
‫ب َويَػ ْر ُجو َف َر ْح َمتَوُ َويَ َخافُو َف َع َذابَوُ)) وىكذا صفة ادلؤمنُت‪ ،‬وليس‬ ‫َربّْ ِه ُم ال َْوسيلَةَ أَيُّػ ُه ْم أَقػ َْر ُ‬
‫أحد يقدر أف يؤدي كلما استحق اهلل جل ثناؤه من عباده من شكر نعمو وإحسانو‬
‫بالكماؿ والتماـ حىت ال يبقي شلا حيق لو جل ثناؤه عليو شيئاً إالَّ َّأداه‪ ،‬ىيهات فكيف وىو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وىا))‪ ،‬فكيف يؤدي شكر ما ال‬ ‫يقوؿ تبارؾ وتعاىل‪َ (( :‬وإِف تَػ ُع ُّدواْ ن ْع َمةَ اللّو َّلَ تُ ْح ُ‬
‫ص َ‬
‫حيصى‪ ،‬ولػم يفرض جل ثناؤه على خلقو ذلك‪ ،‬وال يسأؿ كلما لو عليهم شلا يستحق‬
‫لديهم لعلمو بضعفهم‪ ،‬وأف يف بعض ذلك استفراغ جهدىم‪ ،‬وما تعجز عنو أنفسهم وأهنم‬
‫ال يقدروف على ذلك ويقصروف عن بلوغ ذلك تبارؾ اهلل جل ثناؤه عن االستقصاء عليهم‪،‬‬
‫كل ما لو عليهم‪ ،‬وغفر ذلم صغَت ذنوهبم كلو إذا اجتنبوا كبَته رمحةً ذلم ونظراً‬
‫ولػم يسأذلم َّ‬
‫ذلم‪.‬‬
‫مقيم على الكبَتة فقد وضع الرجاء يف غَت موضعو‪ ،‬واغًت بربو‪،‬‬ ‫فأما َم ْن رجا الرمحةَ وىو ٌ‬ ‫َّ‬
‫واستهزأ بنفسو‪ ،‬وخدعو وغره من ال دين لو إال أف يتوب فيغفر لو بالتوبة‪ ،‬فأما باإلقامة‬
‫على الكبائر فال‪ ،‬بل قد وصف اهلل جل ثناؤه الراجُت لرمحتو وكيف وضعوا الرجاء موضعو‬
‫ت‬ ‫يل اللّ ِو أ ُْولَػئِ َ‬
‫ك يَػ ْر ُجو َف َر ْح َم َ‬ ‫اى ُدواْ فِي َسبِ ِ‬
‫اج ُرواْ َو َج َ‬
‫ين َى َ‬
‫َّ ِ‬
‫آمنُواْ َوالذ َ‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫فقاؿ‪(( :‬إِ َّف الذ َ‬
‫يم)) فهكذا يكوف الرجاء وذلك أف اجلنة والنار طريقاف فطريق اجلنة‬ ‫اللّ ِو واللّو غَ ُف ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬ ‫َ ُ ٌ‬
‫طاعة اهلل اجملردة من الكبائر من معاصي اهلل‪ ،‬وطريق النار معصية اهلل‪ ،‬وإف ََ تكن رلردة‬
‫من بعض طاعات اهلل؛ النا قد صلد العبد يؤمن بكتاب اهلل ويكفر ببعضو فال يكوف‬
‫مؤمناً ًً‪ ،‬وال دبا آمن بو من النار ناجياً‪ ،‬يصدؽ ذلك قوؿ اهلل عز وجل‪(( :‬أَفَػتُػ ْؤِمنُو َف‬
‫ك ِمن ُكم إَِّلَّ ِخزي فِي الْحياةِ‬ ‫ض فَ َما َج َزاء َمن يَػ ْف َع ُل ذَلِ َ‬ ‫اب َوتَ ْك ُف ُرو َف بِبَػ ْع ٍ‬‫ْكتَ ِ‬‫ض ال ِ‬ ‫بِبَػ ْع ِ‬
‫ََ‬ ‫ٌْ‬ ‫ْ‬
‫اب َوَما اللّوُ بِغَافِ ٍل َع َّما تَػ ْع َملُو َف)) فلم يسموا‬‫الدنْػيَا َويَػ ْوَـ ال ِْقيَ َام ِة يُػردُّو َف إِلَى أَ َش ّْد ال َْع َذ ِ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫دبا آمنوا بو مؤمنُت‪ ،‬بل مسوا دبا كفروا بو منو كلو كافرين‪ ،‬وعلى ىذه الطريق فيمن ََ يكفر‬
‫بو من الفاسقُت أىل الكبائر العاصُت‪ ،‬فمن كاف على ادلعصية الكبَتة مقيماً فهو على‬
‫طريق النار فكيف يرجو البلوغ إىل اجلنة وىو يسلك ذلك الطريق‪ ،‬كرجل توجو إىل طريق‬
‫خراساف فسلكو وىو يقوؿ‪ :‬أنا أرجو أف أبلغ الشاـ‪ ،‬وىو على طريق خراساف‪ ،‬وذلك ما‬
‫ال يكوف إال أف يتحوؿ إىل طريق الشاـ فهذا مثل من وضع الرجاء يف غَت موضعو‪.‬‬

‫[ ُشبو المرجئة]‬
‫ك‬ ‫فإف اعتل معتل بقوؿ اهلل عز وجل‪(( :‬إِ َّف اللّوَ َّلَ يَػغْ ِف ُر أَف يُ ْش َر َؾ بِ ِو َويَػغْ ِف ُر َما ُدو َف ذَلِ َ‬
‫شاء))‪ ،‬فأطمع من فعل فعاالً دوف الشرؾ من الكبائر يف ادلغفرة هبذه اآلية‪.‬‬ ‫لِ َمن يَ َ‬
‫قيل لو‪ :‬إف اهلل عز وجل قد قاؿ يف موضع آخر من كتابو لنبيو صلوات اهلل عليو وآلو‪:‬‬
‫َس َرفُوا َعلَى أَن ُف ِس ِه ْم ََّل تَػ ْقنَطُوا ِمن َّر ْح َم ِة اللَّ ِو إِ َّف اللَّوَ يَػغْ ِف ُر‬
‫ين أ ْ‬ ‫ي ا لذ َ‬
‫ِ ِ‬
‫اد َّ ِ‬
‫((قُ ْل يَا عبَ َ‬
‫الذنُوب ج ِميعا إِنَّو ىو الْغَ ُفور َّ ِ‬
‫يم))‪ ،‬ففي ىذه اآلية إطماع جلميع ادلؤمنُت وادلشركُت‬ ‫الرح ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ َ َ ً ُ ُ َ‬
‫وغَتىم‪ ،‬وليست تلك اآلية بأوضح يف الغفراف من ىذه اآلية‪ ،‬فيطمع للمشركُت فيها‪.‬‬
‫فإف قاؿ قائل‪ :‬ال أطمع للمشركُت إلمجاع ادلسلمُت بطل االعتالؿ باآلية‪ ،‬وقيل لو‪َّ :‬‬
‫إف‬
‫األمة ََ ذبمع إال من قبل خرب اهلل‪ ،‬وكذلك أثبتنا ضلن وعيد اهلل على الفاسقُت من قبل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ودهُ يُ ْدخلْوُ نَ ًارا َخال ًدا فِ َيها َولَوُ‬ ‫ص اللّوَ َوَر ُسولَوُ َويَػتَػ َع َّد ُح ُد َ‬ ‫خرب اهلل بقولو‪َ (( :‬وَمن يَػ ْع ِ‬
‫ين))‪ ،‬وضلو ذلك من اآليات فكل من مات على معاصي اهلل مصراً غَت تائب‬ ‫اب ُّم ِه ٌ‬
‫َع َذ ٌ‬
‫إىل اهلل فهو من أىل وعيد اهلل وعقابو ومعٌت قولو‪(( :‬إِ َّف اللّوَ َّلَ يَػغْ ِف ُر أَف يُ ْش َر َؾ بِ ِو َويَػغْ ِف ُر‬
‫شاء ))‪ ،‬أنو يغفر للمجتنبُت الكبائر وىو أيضا دوف الشرؾ وإف كاف‬ ‫ك لِ َمن يَ َ‬‫َما ُدو َف َذلِ َ‬
‫صغَتاً‪ ،‬فوقع االستثناء على ذلك الصغَت إذ أَخرج الكبَت من أف يكوف مغفوراً يف قولو‪:‬‬
‫اع))‪ ،‬وبغَت ذلك من الوعيد‪ ،‬وبُت أنو يعد بادلغفرة‬ ‫يم َوََّل َش ِفي ٍع يُطَ ُ‬ ‫ين ِم ْن َح ِم ٍ‬ ‫ِ ِِ‬
‫(( َما للظَّالم َ‬
‫الصغَت قولو‪(( :‬إِف تَ ْجتَنِبُواْ َكبَآئَِر َما تُػ ْنػ َه ْو َف َع ْنوُ نُ َك ّْف ْر َعن ُك ْم َسيّْئَاتِ ُك ْم َونُ ْد ِخلْ ُكم ُّم ْد َخالً‬
‫شاء)) أي دلن تاب من‬ ‫يما))‪ ،‬وقد يغفر الكبَت دلن تاب منو‪ ،‬فيكوف قولو ((لِ َمن يَ َ‬ ‫َك ِر ً‬
‫الكبائر‪.‬‬

‫[مواَّلة أولياء اهلل تعالى]‬


‫وعلى العبد أف يوايل أولياء اهلل حيث كانوا‪ ،‬وأين كانوا‪ ،‬أحياءىم وأمواهتم وذكورىم‬
‫وإناثهم‪ ،‬ويكوف أحبهم إليو وأكرمهم عليو أفضلهم عنده وأتقاىم لربو وأكثرىم طاعة لو‪،‬‬
‫ُت أحكامهم يف سنة رسولو صلى‬ ‫وادلؤمنوف ىم الذين وصفهم اهلل جل ثناؤه يف كتابو‪ ،‬وبػَ َّ َ‬
‫ت قُػلُوبُػ ُه ْم َوإِذَا‬ ‫ين إِذَا ذُكِ َر اللّوُ َو ِجلَ ْ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل عليو وآلو وسلم فقاؿ‪(( :‬إِنَّ َما ال ُْم ْؤمنُو َف الذ َ‬
‫يمانًا َو َعلَى َربّْ ِه ْم يَػتَػ َوَّكلُو َف))‪ ،‬وقاؿ جل ثناؤه‪(( :‬قَ ْد أَفْػلَ َح‬ ‫ادتْػ ُه ْم إِ َ‬
‫ت َعلَ ْي ِه ْم آيَاتُوُ َز َ‬ ‫تُلِيَ ْ‬
‫ين ُى ْم َع ِن اللَّغْ ِو ُم ْع ِر ُ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ضو َف‬ ‫ص َالت ِه ْم َخاش ُعو َف (‪َ )2‬والذ َ‬ ‫ين ُى ْم في َ‬ ‫ال ُْم ْؤمنُو َف (‪ )1‬الذ َ‬
‫وج ِه ْم َحافِظُو َف))‪ ،‬فوصفهم‬ ‫اعلُو َف (‪ )4‬والَّ ِذين ُىم لُِفر ِ‬ ‫لزَكاةِ فَ ِ‬ ‫ين ُى ْم لِ َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫َ َ ْ ُ‬ ‫(‪َ )3‬والذ َ‬
‫َّ ِ‬ ‫بأعماذلم الصاحلة حىت قاؿ ػ جل ثناؤه ػ‪(( :‬أ ُْولَئِ َ‬
‫ين يَ ِرثُو َف‬‫ك ُى ُم ال َْوا ِرثُو َف (‪ )11‬الذ َ‬
‫آمنُوا بِاللَّ ِو‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َ‬ ‫س ُى ْم ف َيها َخال ُدو َف))‪،‬وقاؿ ػ تبارؾ وتعاىل ػ‪(( :‬إِنَّ َما ال ُْم ْؤمنُو َف الذ َ‬ ‫الْف ْر َد ْو َ‬
‫ك ُى ُم‬ ‫يل اللَّ ِو أ ُْولَئِ َ‬ ‫اى ُدوا بِأ َْم َوالِ ِه ْم َوأَن ُف ِس ِه ْم فِي َسبِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫َوَر ُسولو ثُ َّم لَ ْم يَػ ْرتَابُوا َو َج َ‬
‫ادقُو َف ))‪ ،‬فقد دخل يف ىذه الصفة كل طاعة؛ ألف اجلهاد يف سبيل اهلل يأيت على كل‬ ‫الص ِ‬
‫َّ‬
‫طاعة فمن أطاع اهلل يف أداء فرائضو واجتناب زلارمو فهو رلاىد بنفسو لربو يف اتباع أمره‬
‫وترؾ ىوى نفسو فال جهاد أفضل من رلاىدة النفس لَتدىا من ىواىا فيما يرديها ومن‬
‫رلاىدة الشيطاف عدو الرمحن فمن عمل ذلك فهو مؤمن؛ ألف اإلدياف طاعة هلل‪ .‬وللمؤمنُت‬
‫ض ًال َكبِ ًيرا))‪ ،‬وقاؿ جل ثناؤه‪:‬‬ ‫َف لَ ُهم ّْم َن اللَّ ِو فَ ْ‬ ‫ين بِأ َّ‬ ‫ِِ‬
‫ش ِر ال ُْم ْؤمن َ‬
‫يقوؿ اهلل جال ثناؤه‪َ (( :‬وبَ ّْ‬
‫((وَكا َف بِالْم ْؤِمنِ ِ‬
‫َج ًرا َك ِر ً‬
‫يما))‪،‬‬ ‫يما (‪ )43‬تَ ِحيَّتُػ ُه ْم يَػ ْوَـ يَػلْ َق ْونَوُ َس َال ٌـ َوأ َ‬
‫َع َّد لَ ُه ْم أ ْ‬ ‫ين َرح ً‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫فهذا ما وصفهم اهلل بو يف كتابو‪ ،‬وحكم ذلم فيو ويف سنة رسولو صلى اهلل عليو وآلو وسلم‬
‫وبالوالية ذلم ثبوت عدالتهم‪ ،‬وشهادهتم‪ ،‬وحسن الظن هبم‪ ،‬والنصيحة ذلم‪ ،‬واإلحساف‬
‫إليهم‪ ،‬والثناء عليهم‪.‬‬

‫[معاداة الكافرين]‬
‫وعلى الع بد أف يعادي أعداء اهلل الكافرين أين كانوا وحيث كانوا‪ ،‬أحياءىم وأمواهتم‬
‫ُت أَحكامهم كلهم أىل الكتابُت واجملوس‬ ‫وذكورىم وإناثهم‪ ،‬وقد وصفهم اهلل جل ثناؤه‪ ،‬وبػَ َّ َ‬
‫والصابئُت وغَتىم من ادلشركُت وادللحدين وادلصرين وادلرتدين وادلنافقُت‪ ،‬فأمر بقتل بعضهم‪،‬‬
‫وترؾ قتل بعضهم‪ ،‬وأخذ اجلزية‪ ،‬وترؾ نكاح نسائهم‪ ،‬وترؾ أكل ذبائحهم‪ ،‬و َّأما غَتىم من‬
‫أىل األدياف من العرب والعجم وادلرتدين عن اإلسالـ إىل ىذه األدياف ادلنصوصات من‬
‫الكفر أو إىل اإلحلاد أو إىل صفو اهلل بالتشبيو لو خبلقو‪ ،‬واالفًتاء عليو بالتَّظليم لو يف عباده‪،‬‬
‫وعذب أطفاذلم دبا ال يكسبوف‪ ،‬إذ خرجوا شلا عليو األمة‬ ‫بأف َكلَّ َفهم ما ال يطيقوف‪َّ ،‬‬
‫رلمعوف من سنة نبيهم صلوات اهلل عليو وعلى آلو إذ أمجعوا أف اخلارج منها كافر فهؤآلء‬
‫كلهم يستتابوف من كفرىم فإف تابوا وإالَّ قتلوا‪ ،‬ال يقبل منهم غَت ذلك‪ ،‬وال تؤكل‬
‫ذبائحهم‪ ،‬وال تنكح نساؤىم إف كن كفاراً‪ ،‬ويفرؽ بينهم وبُت نسائهم إذا أسلمن من‬
‫حرائرئهن وإمائهن‪ ،‬وال يرثوف ويرث ادلؤمنوف أمواذلم‪ ،‬ىذا حكم ادلرتدين منهم‪ ،‬وهبذا حكم‬
‫اهلل جل ثناؤه يف مجيع الكافرين ماخال من كاف منهم لو عهد من رسلهم ودخل بأماف إىل‬
‫ادلسلمُت يف دارىم‪ ،‬أو كاف بينو وبينهم صلح وعقد فهؤآلء يوىف ذلم بعهدىم‪ ،‬وال ينقض‬
‫شي من عهدىم‪.‬‬
‫[معاداة الفاسقين]‬
‫وعلى العبد أف يعادي أعداء اهلل الفاسقُت الذين أقروا ثػم فسقوا َمن كانوا وحيث كانوا‪،‬‬
‫أحياءىم وأمواهتم وذكورىم وإناثهم‪ ،‬الذين يسعوف يف األرض فساداً ويقطعوف ما أمر اهلل‬
‫بو أف يوصل ويركبوف كبائر اإلُّث والفواحش‪ ،‬أولئك ذلم اللعنة وذلم سوء الدار‪ ،‬ونلعنهم‬
‫وحيث كانوا من قريب وبعيد‪ ،‬وىكذا قاؿ تبارؾ‬ ‫ُ‬ ‫كما لعنهم اهلل نتربأ منهم َم ْن كانوا‬
‫وتعاىل‪ََّ (( :‬ل تَ ِج ُد قَػ ْوًما يُػ ْؤِمنُو َف بِاللَّ ِو َوالْيَػ ْوِـ ْاْل ِخ ِر يُػ َوادُّو َف َم ْن َح َّ‬
‫اد اللَّوَ َوَر ُسولَوُ َولَ ْو‬
‫يما َف‬ ‫ب فِي قُػلُوبِ ِه ُم ِْ‬
‫اإل َ‬ ‫ك َكتَ َ‬ ‫اءى ْم أ َْو إِ ْخ َوانَػ ُه ْم أ َْو َع ِش َيرتَػ ُه ْم أ ُْولَئِ َ‬
‫اءى ْم أ َْو أَبْػنَ ُ‬
‫َكانُوا آبَ ُ‬
‫ض َي اللَّوُ‬ ‫َّات تَ ْج ِري ِمن تَ ْحتِ َها ْاْلَنْػ َهار َخالِ ِدين فِ َيها ر ِ‬ ‫وح ّْم ْنوُ وي ْد ِخلُ ُهم جن ٍ‬ ‫َوأَيَّ َد ُىم بُِر ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َُ‬
‫ب اللَّ ِو ُى ُم ال ُْم ْفلِ ُحو َف)) فكل من أتى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضوا عنْو أُولَئِ َ ِ‬
‫ب اللَّو أ َََّل إِ َّف ح ْز َ‬ ‫ك ح ْز ُ‬ ‫َع ْنػ ُه ْم َوَر ُ َ ُ ْ‬
‫كبَتة من الكبائر‪ ،‬أوترؾ شيئاً من الفرائض ادلنصوصة على االستحالؿ لذلك فهو كافر‬
‫مرتد حكمو حكم ادلرتدين‪ ،‬ومن فعل شيئاً من ذلك اتباعاً ذلواه‪ ،‬وإيثاراً لشهواتو كاف‬
‫فاسقاً فاجراً ما قاـ على خطيئتو‪ ،‬فإف مات عليها غَت تائب منها كاف من أىل النار خالداً‬
‫يم (‪َ )13‬وإِ َّف‬ ‫فيها وبئس ادلصَت‪ ،‬يبُت ذلك قوؿ اهلل تبارؾ وتعاىل‪(( :‬إِ َّف ْاْلَبْػ َر َار لَِفي نَعِ ٍ‬
‫ين))‪ ،‬ومن لػم‬ ‫ِ ِِ‬
‫صلَ ْونَػ َها يَػ ْوَـ الدّْي ِن (‪َ )15‬وَما ُى ْم َع ْنػ َها بغَائب َ‬ ‫الْ ُف َّج َار لَ ِفي َج ِح ٍ‬
‫يم (‪ )14‬يَ ْ‬
‫يغب من النار فليس منها خبارج‪ ،‬ومن لزمو الفسق والفجور من كاف فهو من أىل النار إالَّ‬
‫ين))‪ ،‬وقولو‪َ (( :‬وإِ َّف الْ ُف َّج َار لَ ِفي‬ ‫ِِ‬
‫أف يتوب لقوؿ اهلل جل ثناؤه‪َ (( :‬سأُ ِري ُك ْم َد َار الْ َفاسق َ‬
‫يم))‪.‬‬ ‫َج ِح ٍ‬

‫[تعريف الفاسق]‬
‫ين يَػ ْرُمو َف‬ ‫َّ ِ‬
‫ومن أتى كبَتة فهو فاجر فاسق يبُت ذلك قوؿ اهلل جل ثناؤه‪َ (( :‬والذ َ‬
‫اد ًة‬ ‫ِ‬ ‫ات ثُ َّم لَم يأْتُوا بِأَربػع ِة ُشه َداء فَ ِ‬
‫الْم ْحصنَ ِ‬
‫ين َجلْ َد ًة َوََّل تَػ ْقبَػلُوا لَ ُه ْم َش َه َ‬
‫وى ْم ثَ َمان َ‬‫اجل ُد ُ‬
‫ْ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ َ‬
‫ات‬‫اس ُقو َف))‪ ،‬وقاؿ تبارؾ وتعاىل‪(( :‬إِ َّف الَّ ِذين يػرمو َف الْم ْحصنَ ِ‬ ‫ك ىم الْ َف ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ َُْ‬ ‫أَبَ ًدا َوأ ُْولَئ َ ُ ُ‬
‫يم)) فإذا كاف قاذؼ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ت الْم ْؤِمنَ ِ‬
‫ات لُ ِعنُوا فِي ُّ‬ ‫الْغَافِ َال ِ‬
‫اب َعظ ٌ‬ ‫الدنْػيَا َو ْاْلخ َرة َولَ ُه ْم َع َذ ٌ‬ ‫ُ‬
‫احملصنة فاسقاً ملعوناً فالزاين باحملصنة أعظم جرماً والسارؽ‪ ،‬وقاتل النفس بغَت احلق‪ ،‬وآكل‬
‫أمواؿ اليتامى ظلماً‪ ،‬وغَت ذلك من كبائر الذنوب‪ ،‬وكذلك من فعل ذنباً من الكبائر فهو‬
‫فاسق يف إمجاع األُمة‪.‬‬
‫عدو‪ُ ،‬ح ْك ُم اهلل [فيو] ما أنزؿ من حدوده من قتلو إذا قتل ظلماً‪ ،‬أو‬ ‫والفاسق هلل جل ثناؤه ٌ‬
‫أفسد يف األرض بغياً‪ ،‬وقطع يده إذا كاف سارقاً‪ ،‬وجلده إذ زنا‪ ،‬وإف زنا وىو زلصن قتل‬
‫باحلجارة رمجاً‪ ،‬وإذا قذؼ ادلؤمنُت وادلؤمنات جلد احلد‪ ،‬وغَت ذلك من النكاؿ دلا يكوف‬
‫يم))‪ ،‬مع ما‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي فِي ُّ‬ ‫ِ‬ ‫منو من الفعاؿ (( َذلِ َ‬
‫اب َعظ ٌ‬‫الدنْػيَا َولَ ُه ْم في اْلخ َرة َع َذ ٌ‬ ‫ك لَ ُه ْم خ ْز ٌ‬
‫هنى اهلل عز وجل عنو من واليتو وأمر بو من جرح عدالتو‪ ،‬وإبطاؿ شهادتو‪ ،‬وسوء الظن بو‪،‬‬
‫واحلجر عليو يف مالو إذا أنفقو يف معاصي ربو حىت يؤنس رشده‪ ،‬وغَت ذلك من األحكاـ‬
‫عليو من سوء الثناء‪ ،‬وإلزامو القبيحة من األمساء‪ ،‬فليس ىو من ادلؤمنُت يف أمسائهم‪ ،‬وال‬
‫رضي أفعاذلم‪ ،‬جملانبة ادلؤمنُت يف أعماذلم وطيبهم‪ .‬وال من الكافرين‪ ،‬وال يسمى بأمسائهم‬
‫دلخالفتو الكافرين يف جحدىم وفريتهم على رهبم‪ ،‬واستحالذلم لِ َما حرـ اهلل عليهم‪.‬‬
‫وال ىو من ادلنافقُت إلستسرار ادلنافقُت الكفر يف قلوهبم‪ ،‬ولكنو فاسق ذلك امسو‪ ،‬وعليو‬
‫حكمو‪ ،‬وقد بػ َُّت اهلل جل ثناؤه أف الفاسق اسم من أمساء الذنوب لقولو‪(( :‬بِئْس ِ‬
‫اَّل ْس ُم‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫ك ُى ُم الظَّالِ ُمو َف))‪ ،‬ومن َ يتب من فسقو‬ ‫ب فَأ ُْولَئِ َ‬ ‫اإل ِ‬
‫يماف َوَمن لَّ ْم يَػتُ ْ‬
‫سو ُؽ بَػ ْع َد ِْ َ‬
‫الْ ُف ُ‬
‫وظلمو فهو من أىل النار ليس خبارج منها‪ ،‬ولكنو وإف كاف يف النار فليس عذابو كعذاب‬
‫الكافر‪ ،‬بل الكافر أشد عذاباً‪ ،‬فال يغًت مغًت‪ ،‬وال يتكل متكل على قوؿ من يقوؿ من‬
‫الكاذبُت على اهلل وعلى رسولو صلوات اهلل عليو وعلى أىلو أف قوماً خيرجوف من النار بعد‬
‫ما يدخلوهنا‪ ،‬يعذبوف بقدر ذنوهبم‪ ،‬ىيهات أىب اهلل جل ثناؤه ذلك‪ ،‬وذلك أف اآلخرة دار‬
‫جزاء‪ ،‬والدنيا دار عمل وبلوى‪ ،‬فمن خرج من دار البلوى إىل دار اجلزاء على طاعة أو‬
‫معصية فهو صائر إىل ما أعد اهلل لو خالداً فيها أبداً‪.‬‬
‫فاهلل اهلل يف أنفسكم بادروا وجدوا وتوبوا قبل أف ربجبوا عن التوبة‪ ،‬ومع ذلك فإف األمة‬
‫رلمعة على أف أىل الوعيد من أىل النار‪.‬‬
‫فقاؿ بعض الناس‪ :‬إمنا عٌت بالوعيد ادلستحلُت‪ ،‬وتواعد بو ادلذنبُت ليزجرىم عن أعماؿ‬
‫الفاسقُت‪ ،‬فقيل ذلم‪ :‬أفيجوز على أحكم احلاكمُت أف يوعد بعقوبة الكافرين َمن ليس‬
‫منهم من ادلذنبُت وىو يعلم أنو ال يوقع هبم ذلك يوـ الدين؟! فهل يكوف من الكذب‬
‫واذلزؿ من القوؿ إالَّ ما وصفهم بو أرحم الرامحُت إذ كاف يوعد قوماً بعقوبة قوـ آخرين َ‬
‫يكونوا دلثل أعماذلم اليت أوجب اهلل ذلم العقوبة عليها عاملُت‪.‬‬
‫وقاؿ بعضهم‪َّ :‬‬
‫إف قوماً خيرجوف من النار بعد ما يدخلوهنا‪.‬‬
‫فقيل ذلم‪ :‬إذا اجتمعتم أنتم وأىل احلق على الدخوؿ ثػم خالفتموىم يف اخلروج‪ ،‬فاحلق ما‬
‫اجتمعتم عليو من الدخوؿ‪ ،‬والباطل ما ادعيتموه بال إمجاع وال حجة من اخلروج‪.‬‬
‫واألمة رل معة على أف من أتى كبَتة‪ ،‬أو ترؾ طاعة فريضة كالصالة والزكاة والصياـ من أىل‬
‫ادللة فهو فاسق‪ ،‬فكلهم قد أقروا بأنو فاسق‪ ،‬وىي سلتلفة يف غَت ذلك من أمسائو‪.‬‬
‫فقاؿ بعضهم‪ :‬ىو مشرؾ فاسق منافق‪ ،‬وقاؿ بعضهم‪ :‬ىو فاسق كافر‪ ،‬وقاؿ‬
‫فاحلق‬
‫بعضهم‪ :‬فاسق منافق‪ ،‬فكلهم قد أقر بأنو فاسق‪ ،‬واختلفوا يف غَت ذلك من أمسائو‪ُّ ،‬‬
‫ما أمجعوا عليو من تسميتهم إياه بالفسق‪ ،‬والباطل ما اختلفوا فيو‪ ،‬ففي إمجاعهم احلجة‬
‫والربىاف‪ ،‬نسأؿ اهلل التسديد والتوفيق لِ َما حيب ويرضى‪.‬‬
‫واألمساء يف الدين واألحكاـ عند ذي اجلالؿ واإلكراـ ليس ألحد من ادلخلوقُت أف يضع‬
‫امساً وحكماً على أحد من العادلُت‪ ،‬فيما ىم بو مأموروف‪ ،‬وعنو منهيوف‪ ،‬فمن استحل شيئاً‬
‫من ذلك برأيو عن غَت كتاب اهلل جل ثناؤه وسنة رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وآلو وسلم فهو‬
‫من الضالُت‪ ،‬إذ كاف عند اهلل كبَتاً؛ ألف احلكم يف ذلك كلو لرب العادلُت لقولو جل ثناؤه‪:‬‬
‫ِِ‬ ‫ْح ْك ُم إَِّلَّ لِلّ ِو يَػ ُق ُّ‬ ‫ِ‬
‫ْح َّق َو ُى َو َخ ْيػ ُر الْ َفاصل َ‬
‫ين))‪.‬‬ ‫ص ال َ‬ ‫((إِف ال ُ‬
‫وعلػى العبػد ‪ :‬أف يتقي الفاسقُت وادلعونة ذلم على فسقهم واجملالسة ذلم على ذلوىم‬
‫ومعاصيهم وعليو أف يأمر بادلعروؼ‪ ،‬وينهى عن ادلنكر؛ ألف على كل مؤمن إذا رأى منكراً‬
‫شلا جيوز أف يغَته أف يغَته بكل ما يقدر عليو‪ ،‬وحيل لو‪ ،‬وإف كاف ال جيوز أف يغَته إالَّ‬
‫إلمجاع ادلؤمنُت بالتعاوف فعليهم وعليو أف يغَتوا بكل إمكاهنم بالسيف إف ََ جيز إالَّ‬
‫بالسيف‪ ،‬ودبا دوف السيف إذا اكتفي بو‪ ،‬وأدىن ذلك النهي باللساف‪ ،‬فإف ََ ديكنو ذلك‬
‫لتعبو لتخوفو اذلالؾ أو تقي ة فإنكار ذلك بالقلب‪ ،‬والعزـ على التغيَت إذا أمكن األمر‪ ،‬وال‬
‫يًتؾ صاحب ادلنكر حىت يتوب منو‪ ،‬أو يقاـ فيو حكم رب العادلُت‪ ،‬ويدارى أىل ادلنكر‬
‫ويوعظوف بأرؽ الوجوه‪ ،‬فإف أبوا إالَّ ادلقاـ على ادلنكر فإف قدر على إزالتهم عنو فال يؤخر‬
‫مجيلة‪ ،‬وقطعت الوالية عنهم‪ ،‬وال يدعى‬ ‫دبجانبة ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ذلك‪ ،‬وإف ََ يقدر على إزالتهم جونبوا‬
‫السيّْئَ ِ‬
‫ات َويَػ ْعلَ ُم َما‬ ‫ذلم خبَت حىت يتوبوا إىل رهبم‪ ،‬إنو ((يػ ْقبل التػَّوبةَ َعن ِعب ِ‬
‫ادهِ َويَػ ْع ُفو َع ِن َّ‬‫َ َ ُ َْ ْ َ‬
‫تَػ ْف َعلُو َف))‪.‬‬

‫[التوبة]‬
‫يتقي اهلل يف سر أمره وعالنيتو ويستغفر اهلل ويتوب إىل اهلل من ذنوبو فإنو‬ ‫وعلى العبد أف َ‬
‫آم َن‬ ‫اب َو َ‬ ‫ار لّْ َمن تَ َ‬ ‫يقبل التوبة عن عباده بذلك وصف نفسو جل ثناؤه فقاؿ‪َ (( :‬وإِنّْي لَغََّف ٌ‬
‫صالِ ًحا ثُ َّم ْاىتَ َدى)) ثػم دعا عباده إىل التوبة ثػم أخربىم أنو يقبلها‪ ،‬فقاؿ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫َو َعم َل َ‬
‫يم َو ُدو ٌد))‪ ،‬وقاؿ‪َ (( :‬وتُوبُوا إِلَى اللَّ ِو َج ِم ًيعا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(( ِ‬
‫استَػغْف ُرواْ َربَّ ُك ْم ثُ َّم تُوبُواْ إِلَيْو إِ َّف َربّْي َرح ٌ‬
‫ْ‬
‫أَيُّػ َها ال ُْم ْؤِمنُو َف لَ َعلَّ ُك ْم تُػ ْفلِ ُحو َف )) فمن تاب إىل اهلل قبل توبتو وإف كانت ذنوبو عدد الرمل‬
‫وأكثر من ذلك؛ ألنو كرًن وىو بعباده رؤؼ رحيم‪ ،‬يقبل التوبة ويقيل العثرة ويقبل ادلعذرة‬
‫ين َّل يَ ْد ُعو َف َم َع اللَّ ِو‬ ‫َّ ِ‬
‫ويغفر اخلطيئة إذا صحت من العبد التوبة‪ ،‬وقاؿ جل ثناؤه‪َ (( :‬والذ َ‬
‫ْق‬
‫ك يَػل َ‬ ‫ْح ّْق َوَّل يَػ ْزنُو َف َوَمن يَػ ْف َع ْل ذَلِ َ‬ ‫آخر وَّل يػ ْقتُػلُو َف النَّػ ْف ِ‬
‫س الَّتي َح َّرَـ اللَّوُ إَِّلَّ بِال َ‬‫َ‬ ‫إِلَ ًها َ َ َ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫آم َن‬ ‫اب َو َ‬ ‫اب يَػ ْوَـ الْقيَ َامة َويَ ْخلُ ْد فيو ُم َهانًا (‪ )69‬إَِّلَّ َمن تَ َ‬ ‫ف لَوُ الْ َع َذ ُ‬ ‫اع ْ‬
‫ضَ‬ ‫أَثَ ًاما (‪ )68‬يُ َ‬
‫ِ‬ ‫ّْؿ اللَّوُ سيّْئَاتِ ِهم ح ٍ‬ ‫صالِ ًحا فَأ ُْولَئِ َ‬ ‫ِ‬
‫يما))‪.‬‬ ‫سنَات َوَكا َف اللَّوُ غَ ُفوراً َّرح ً‬ ‫َ ْ ََ‬ ‫ك يُػبَد ُ‬ ‫َو َعم َل َع َمالً َ‬
‫ين‬ ‫ب التػ َّ ِ‬
‫َّواب َ‬ ‫ومن تاب من ذنبو قبل اهلل توبتو وأحبو كذلك قاؿ ػ جل ثناؤه ػ‪(( :‬إِ َّف اللّوَ يُ ِح ُّ‬
‫ين )) يعٍت ادلتطهرين من الذنوب فمن أحبو اهلل لػم يعذبو وكاف من أولياء‬ ‫َويُ ِح ُّ‬
‫ب ال ُْمتَطَ ّْه ِر َ‬
‫اهلل الذين ال خوؼ عليهم وال ىم حيزنوف وكاف من أىل اجلنة ال شك فيو وكذلك اخرب‬
‫سبّْ ُحو َف بِ َح ْم ِد َربّْ ِه ْم‬
‫َ‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫و‬
‫ُ‬ ‫ل‬
‫َ‬‫و‬‫ْ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ش‬
‫َ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ْع‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫و‬‫ل‬
‫ُ‬ ‫تبارؾ وتعاىل عن مالئكتو‪(( :‬الَّ ِذين ي ْح ِ‬
‫م‬ ‫َ َ‬
‫ت ُك َّل َش ْي ٍء َّر ْح َمةً َو ِعل ًْما فَاغْ ِف ْر لِلَّ ِذي َن‬
‫آمنُوا َربَّػنَا َو ِس ْع َ‬
‫ين َ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َويُػ ْؤمنُو َف بو َويَ ْستَػغْف ُرو َف للَّذ َ‬
‫َّات َع ْد ٍف الَّتِي‬ ‫يم (‪ )7‬ربَّػنَا وأَ ْد ِخل ُْهم جن ِ‬ ‫ْج ِح ِ‬ ‫تَابوا واتَّػبػعوا سبِيلَ َ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫اب ال َ‬ ‫ك َوق ِه ْم َع َذ َ‬ ‫ُ َ َُ َ‬
‫اج ِه ْم َوذُ ّْريَّاتِ ِه ْم))‪ ،‬واهلل ػ جل ثناؤه ػ ال ُخيلف ادليعاد‪.‬‬ ‫و َعدتَّػ ُهم ومن صلَح ِمن آبائِ ِهم وأَ ْزو ِ‬
‫ََ َ َ ْ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬

‫[كيفية التوبة من حقوؽ اهلل تعالى]‬


‫فالتوبة ذلا وجوه وتفسَت فكل ذنب بُت اهلل وبُت عباده وإمائو ضلو الزنا وشرب اخلمر واتياف‬
‫الذكراف بعضهم بعضاً وإتياف النساء بعضهن بعضاً واستماع زلارـ اللغو واللهو والعكوؼ‬
‫عليها وقوؿ الزور وقذؼ أىل اإلحصاف من الرجاؿ والنساء بالرفث واخلنا والفجور‬
‫والكذب وادلرح واخليالء والكربياء والرياء والعجب وعقوؽ الوالدين وقطيعة الرحم والنظر‬
‫إىل ما ال حيل من العورات وغَتىا والفرار من الزحف ال ينحرؼ إىل قتاؿ وال يتحيز إىل فيو‬
‫والكذب والغيبة والنميمة وما أشبو ذلك من الذنوب ومعاداة أولياء اهلل ومواالة أعدا اهلل‬
‫فالتوبة من ذلك كلو بالندـ على ما مضى واالستغفار بالقلب واللساف بال إصرار والعزـ أف‬
‫ال يعود إىل شي من ذلك أبداً قليالً كاف أو كثَتاً‪.‬‬

‫[كيفية التوبة من حقوؽ المخلوقين]‬


‫أذى دلسلم أو معاىد فيستحلو‪ ،‬ويعتذر إليو منو ويرضيو‬
‫وأحب إلينا أف ينظر إىل ما كاف ً‬
‫وكل ذنب كاف بُت العبد وبُت الناس مسلمهم ومعاىدىم من سرقو أو ربا يف أمواذلم أو‬
‫حق يف جناية‪ ،‬أو غصب‪ ،‬أو إدخاؿ ضرر عليهم يف األبداف كالقتل‬ ‫أخذ ٍ‬
‫ماؿ بغَت ٍّ‬
‫واجلراحات كالضرب الشديد كاف إذا قدر على ذلك وكاف لو ماؿ‪ ،‬فإف ََ يكن ماؿ جعلو‬
‫ديناً عليو‪ ،‬وعزـ على أف يرده إىل أىلو إذا قدر عليو أو على ذريتهم إف كاف أىلو ماتوا‪،‬‬
‫ويندـ على أخذه وجسو ويستغفر اهلل ويعطي من نفسو أف ال يعود إىل مثل ذلك أبداً وال‬
‫ذبزيو التوبة من األخذ حىت يرد إذا كاف حابساً وإف استوىبو منهم ووىبوه لو بطيبة نفس‬
‫منهم كاف ذلك لو حالالً بعد اإلقرار ذلم على أمجل الوجوه‪ ،‬وإ ْف صاحلوه وأخذوا بعضاً‬
‫على غَت اقتسار ذلم كاف ذلك جائزاً‪ ،‬وإ ْف ََ يعرؼ أصحاب ادلاؿ الذي أخذ منهم ادلاؿ‬
‫وأيس أف يعرفهم أو يعرؼ ورثتهم تصدؽ دبقدار ما أخذ منهم على ادلساكُت‪ ،‬فإف جاؤا‬
‫بعد ذلك إليو أخربىم أنو قد تصدؽ بذلك عنهم‪ ،‬فإف رضوا ََ يكن عليو شيءٌ‪ ،‬وإ ْف‬
‫أرادوا َح َّق ُهم رده عليهم إذا قدر عليو وكانت صدقتو لو‪ ،‬وإف كاف زلتاجاً إليو فأنفقو على‬
‫نفسو‪ ،‬وجعلو َديناً عليو ألىلو‪ ،‬فإف تاب قبل القدرة على أدائو إليهم من غصبو ادلاؿ‬
‫وإنفاقو إياه على نفسو كانت توبتو مقبولة عند اهلل جل ثناؤه وكاف ادلاؿ لو الزماً حىت يعينو‬
‫اهلل على قضائو وإف كاف الذي اخذ أمواذلم غايباً يف بعض البلداف فلم يقدر على اخلروج‬
‫إليهم بو لعلة مرض أو علة حائلة بينو وبُت ذلك أوصى أف يبعث بو إليهم؛ ألف عليو أف‬
‫يوصل إليهم حقوقهم حيث كانوا ويستحلهم من أخذه وإنفاقو وغصبو ثػم ال شي ذلم عليو‬
‫بعد ذلك وتوبتو مقبولة فيما بينو وبُت اهلل جل ثناؤه وإف َ يكن يَ ْد ِر َك ْم ادلاؿ الذي أخذ‬
‫من أمواؿ الناس متفرقهم ورلتمعهم ونسي وكثر ذلك عليو فليتحر ما لكل و ٍ‬
‫احد على قدر‬
‫مبلغ علمو ورأيو‪ ،‬وحيتط لنفسو ويزيد على نفسو حىت يكوف الغالب عليو يف حكمو ورأيو‬
‫أ ْف قد استغرؽ مجيع حقوقهم وأدى إليهم أمواذلم وزاد‪ ،‬فإف النفقة لو يف ذلك فإف زاد كاف‬
‫لو اجره وإف نقص قليالً َ يضره بعد أف يتعمد الوفاء‪ ،‬وذلك كلو توبتو إىل اهلل جل ثناؤه‬
‫بندـ واستغفار وعزـ على أف ال‬ ‫شلا كاف منو يف ذلك من أخذ وحبس عن أىلو وىو عنده ٍ‬
‫ماؿ من ناحية ظاَ غاصب وىو بو عاَ‬ ‫يعود إىل مثل ذلك أبداً‪ ،‬فإف كاف صار إليو ٌ‬
‫أف ذلك‬ ‫معونة لو يف ظلمو ودخوؿ معو يف غصبو وأخذ ذلك ىبة منو وىو يعلم َّ‬ ‫بسبب ٍ‬
‫ظلم وغصب لغَته فالتوبة شلا أخذ من ذلك أف خيرجو من عنده فَتده على أىلو ادلغصوبُت‬
‫إياه‪ ،‬وال حيل لو أف يرد شيئاً من ذلك إىل الغاصب ألنو ليس لو‪ ،‬وإف كاف أنفقو وليس‬
‫عنده شي منو كاف ضامناً لرده إذا أمكنو على أىلو ويتوب إىل اهلل جل ثناؤه من إنفاقو‪.‬‬
‫كل فضل فوؽ‬‫و َّأما ما كاف من الربا فالتوبة منو ما وصفنا من الندـ واالستغفار منو‪ ،‬وخيرج َّ‬
‫رِ‬
‫أس مالو فَتده على ما وصفنا من رده على أىلو إ ْف عرفهم‪ ،‬وإالَّ فعلى ما وصفنا من رده‪،‬‬
‫لكل ما لزمو رده‪.‬‬

‫[التوبة من القتل والجراحات]‬


‫لقاتل ادلؤمن حىت يندـ على القتل ويستغفر اهلل منو ويعزـ‬ ‫قتل فال توبة ِ‬
‫و َّأما ما كاف من ٍ‬
‫على أف ال يعود إىل قتل ٍ‬
‫أحد أبداً ظلماً‪َ ،‬وُديَك ُن أولياء ادلقتوؿ ادلؤمن من نفسو صابراً‬
‫زلتسباً يقوؿ ذلم إنو قتل صاحبهم ظلماً وعمداً وعدواناً‪ ،‬فإف فعل ذلك فهو تائب ال شي‬
‫حبق ىو ذلم فال تَبِ َعةَ ذلم عليو وال للمقتوؿ لديو حق‪،‬‬ ‫عليو من إُّث القتل‪ ،‬فإف قتلوه تائباً ٍّ‬
‫وإف عفوا عنو فلهم أف يعفوا عنو؛ ألف احلق بعد ادلقتوؿ ألولياء ادلقتوؿ‪ ،‬ويعوض اهلل جل‬
‫ثناؤه ادلقتوؿ إذا كاف مؤمناً صابراً‪ ،‬أ ََ تسمع إىل قولو جل ذكره كيف يقوؿ‪َ (( :‬وَمن قُتِ َل‬
‫وما فَػ َق ْد َج َعلْنَا لَِولِيّْ ِو ُس ْلطَانًا)) فقد سلَّط اهلل جل ثناؤه أولياء ادلقتوؿ على القاتل إف‬
‫َمظْلُ ً‬
‫شاءوا قتلوه وإف شاءوا عفوا وأخذوا الدية وإف تاب فيما بينو وبُت اهلل ولػم ديكن أولياء‬
‫ادلقتوؿ من نفسو ََ يسعو ذلك‪ ،‬ولػم تقبل توبتو‪ ،‬فإف ََ يعرؼ أولياءُ ادلقتوؿ َع ْزَـ القاتل‬
‫على أف ديكن من نفسو أولياء ادلقتوؿ مىت عرفهم يصنعوف بو ما ذلم عليو من القتل أو‬
‫الدية و العفو وال يدفع نفسو إىل سلطاف وال إىل غَته وال يدفع نفسو إالَّ أولياء ادلقتوؿ‪.‬‬
‫وإف لػم يتب إىل ربو جل ثن اؤه وديكن أوليا ادلقتوؿ من نفسو كاف كما قاؿ اهلل جل ثناؤه‪:‬‬
‫ب اللّوُ َعلَ ْي ِو َولَ َعنَوُ َوأ َ‬ ‫ِ‬ ‫((ومن يػ ْقتل م ْؤِمنًا ُّمتػع ّْم ًدا فَجزآ ُؤهُ جهن ِ ِ‬
‫َع َّد لَوُ‬ ‫َّم َخال ًدا ف َيها َوغَض َ‬
‫ََ ََ ُ‬ ‫ََ‬ ‫ََ َ ُ ْ ُ‬
‫يما))‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َع َذابًا َعظ ً‬
‫وأما ما كاف من جراحات سوى القتل شلا جيب فيو القصاص فإنو يتوب إىل اهلل جل ثناؤه‬
‫منها بالندـ عليها والعزـ على أف ال يعود وديكن من نفسو بعد التوبة إىل اهلل جل ثناؤه َمن‬
‫فعلو بو‪ ،‬وإف اقتص منو فال شيء عليو‪ ،‬وإف عفا عنو فذلك إليو‪ ،‬وإف كانت جراحات قد‬
‫لربء فال قصاص‬ ‫برأ منها أصحاهبا وََ يكن أمكنهم القصاص من نفسو فلَم يعلم مقدارىا ٍ‬
‫عليو فيها؛ ألنو ال يعلم قدر ذلك وعليو أرش اجلراحات يقيمو عدؿ يتوخى يف ذلك‬
‫الصواب فيدفع ذلك إىل أصحاب اجلراحات فإف ََ يعرؼ أصحاهبا دفع [ذلك] إىل‬
‫أصحاب احلقوؽ دفع ذلك القدر إىل‬
‫َ‬ ‫ورثتهم الذين يقوموف بذلك‪ ،‬وإف كاف ال يعرؼ‬
‫ادلساكُت إذا قدر على ذلك‪.‬‬
‫وما كاف من اجلراحات شلا ال قصاص فيو شلا يكوف فيو حكومة عدؿ دفع إىل من صنع بو‬
‫ذلك إف كانوا أحياءً‪ ،‬وإف كانوا أمواتاً دفع ذلك إىل ورثتهم فإف ََ يعرفهم وال ورثتهم دفع‬
‫ذلك إىل ادلساكُت إذا قدر على ذلك‪.‬‬
‫ويفعل يف كفارة اخلطأ كما أمره اهلل جل ثناؤه يف كتابو وكذلك يف كفارة الظهار‪ ،‬فمن ََ‬
‫يقدر على شيء من ذلك فالتوبة منو على ما أمر اهلل جل ثناؤه‪.‬‬
‫و َّأما ما كاف من ضرب أو ظلم شلا ال يكن القصاص فيو فالتوبة فيو واالستغفار والندـ وأف‬
‫ال يعود إىل مثلو أبداً‪ ،‬ويرضي أصحاهبا إف عرفهم ويتحللهم‪.‬‬
‫وإما ما كاف من ظلم الناس ضلو اغتياب وذبسس أو سوء ظن دبؤمن أو سعاية إىل ظاَ‪ ،‬أو‬
‫كذب عليو فالتوبة إىل اهلل جل ثناؤه من ذلك‪ ،‬ويتحلل ذلك من أصحاهبا الذين فعل هبم‪،‬‬
‫أحسن وأفضل‪ ،‬ويكوف ذلك على أمجل الوجوه‪ ،‬فإف لػم ديكنو التحلل ولػم يفعلو بعد‬ ‫ُ‬ ‫فإنَّو‬
‫أف يتوب إىل اهلل جل ثناؤه رجونا أف ال يضره ذلك‪.‬‬
‫وكذلك إف أساء إىل شلاليكو يف تقصَت يف مطعم أو ملبس شلا ال حيل لو أف يفعلو هبم‪ ،‬أو‬
‫أسرؼ فيها‪ ،‬أو شتمهم دبا ال حيل لو فليتب إىل اهلل جل ثناؤه من ذلك‬ ‫َ‬ ‫عاقبهم عقوبةً‬
‫كلو‪ ،‬وليتحلل من شلاليكو‪.‬‬
‫وإف استداف رجل ماالً ينفقو على نفسو وعلى عيالو بالقصد كما أمره اهلل جل ثناؤه وكاف‬
‫عزمو أف يرده إذا ايسر وأمكنو فمات قبل أف يؤديو وليس لو ماؿ ولػم يًتؾ وفاءً فال شي‬
‫عليو فيما بينو وبُت اهلل جل ثناؤه وبُت صاحب الدين ألف اهلل العدؿ الذي ال يكلف‬
‫اىا))‪ ،‬فإف اخذ ديناً ونسي أف ليس عليو ألحد شي‬ ‫سا إَِّلَّ ُو ْس َع َها))‪ ،‬و((إََِّّل َما آتَ َ‬
‫((نَػ ْف ً‬
‫فال شي عليو عندنا إذا لػم يكن نسيانو ذلك من تشاغلو دبعصية ربو‪ ،‬فإف أخذ ديناً فلػم‬
‫يرده إىل أصحابو حىت ماتوا فليؤده إىل ورثتهم فإف لػم يعرؼ لػهم ورثة وانقطعت آثارىم‬
‫وانقطع ذكرىم فليتصدؽ بو على ادلساكُت وقد سلم من اإلُّث إذا تاب يف حبسو وقد كاف‬
‫يقدر على أدائو‪ ،‬فإف استقرض ماالً فأنفقو فيما حيل لو وحيرـ عليو وكاف من عزمو أف ال‬
‫يؤديو على أىلو فهو فاسق وتوبتو يف ذلك االستغفار والندـ ورده على أىلو إف كاف يقدر‬
‫عليو وإف كاف معسراً عزـ على أدائو إليهم إذا قدر عليو واشهد ذلم بذلك على نفسو إف‬
‫أرادوا ذلك منو فإف ماتوا ولػم يكن ذلم ورثة تصدؽ بو عنهم وإف كاف زلتاجاً أنفقو على‬
‫نفسو وعيالو كما يتصدؽ بو على غَتىم‪ ،‬ىذا إذا كاف ضامناً لو وإف كاف اخذ أمواؿ‬
‫الناس من طريق الدين وكاف شأنو أف ال يقضي وال يؤدي وجحد ذلك ُّث مات على ذلك‬
‫فأقاـ أصحاب الدين من بعد موتو على ورثتو البينة أو عرؼ ذلك الورثة فعليهم أف يؤدوه‬
‫إىل أىلو وادليت من أىل النار وال ينجيو من ذلك أداء ورثتو عنو؛ ألنو اعتزـ على أنَّو ال‬
‫يؤديو ومات غَت تائب مصراً على أخذ أمواؿ الناس ظلماً وعدواناً‪ ،‬ومن اعتزـ على اخذ‬
‫أمواؿ الناس ظلماً وعدواناً فهو من الفاسقُت وإف َ يكن ذلم بينة وعرؼ الورثة أف ادلاؿ‬
‫الذي خلف ادليت إمنا ىو أمواؿ الناس وعرفوا ما عليو من الدين لػم حيل ذلم ما أخذوا‬
‫ألهنم اخذوا ما ليس ذلم من حقوؽ الناس والسنة ادلاضية أنو ال شي لوارث حىت يقضى‬
‫الدين فإف لػم يقضوه ولػم ديكنهم وىو يعرفونو كانوا من أىل النار إذا ماتوا على ذلك‬
‫مصرين ظادلُت‪.‬‬

‫[اْلَيماف والتوبة منها والكفارة]‬


‫فإف كاف رجل حلف بأدياف باهلل وىو كاذب متعمداً للكذب من غَت إكراه أو زبوؼ فقد‬
‫فسق إذا بلغت ديينو كبَتة‪ ،‬وتوبتو من ذلك أف يستغفر اهلل من ذلك ويندـ على ما كاف منو‬
‫وال يعود إىل مثل ذلك أبداً وليس عليو كفارة‪ ،‬وإف كاف حلف دبا فيو كفارة ثػم حنث فعليو‬
‫كفارة لكل ديُت‪.‬‬
‫واألدياف أربع فيميناف يكفراف وىو قوؿ القائل واهلل ألفعلن كذا وكذا فال يفعل‪ ،‬وقولو واهلل‬
‫ال أفعل كذا وكذا ففعل‪ ،‬واليميناف اللتاف ال يكفراف قوؿ القائل واهلل ما فعلت كذا وكذا‬
‫وقد فعل‪ ،‬وقولو واهلل لقد فعلت كذا وكذا وما فعل‪ ،‬وكفارة اليمُت إذا حنث إطعاـ عشرة‬
‫مساكُت من أوسط ما يأكل ىو وأىلو أو كسوهتم ثوباً ثوباً أو ربرير رقبة فمن لػم جيد‬
‫فصياـ ثالثة أياـ فمن لػم يقدر على إطعامهم وغَت ذلك من الكفارة فليصم عن كل ديُت‬
‫ثالثة أياـ ويستغفر اهلل من تضييعو وال يعود فإف أدركو ادلوت ولػم يكفر عن ديينو من إطعاـ‬
‫أو كسوة ولػم يقدر على ذلك فليوص أف يطعم عنو ادلساكُت من مالو لكفارة أديانو إف‬
‫كاف لو ماؿ فإف لػم يكن لو ماؿ فال شي عليو الف اهلل جل ثناؤه قد عذر من لػم جيد وإف‬
‫كاف يعرؼ األدياف ال يت عليو كم ىي فليكفر عددىا وإف كاف عددىا ال يقف عليو فليتوخ‬
‫قدرا من ذلك يكوف الغالب عنده أنو قد استغرقها وزاد ثػم نرجو أف ال يضره زاد أو نقص‬
‫إذا لػم يتعمد ذلك وكذلك يوصي دبثل ذلك إذا َ ديكنو قضاء ذلك‪.‬‬

‫[كيفية التوبة لمن ضيع الصالة أو الصياـ أو الزكاة أو الحج]‬


‫وإف كاف ضيع صال ًة أو صياماً أو حجاً أو زكا ًة بعد ما وجب ذلك عليو بالتواين‬
‫واالستخفاؼ متعمداً لذلك فعليو أف يتوب إىل اهلل جل ثناؤه من ذلك‪ ،‬ويقضي ما فاتو‬
‫من الصلوات إف كاف يعرؼ عددىا‪ ،‬ومن الصياـ أيضاً كذلك‪ ،‬وإف كاف ال يعرؼ كم ىو‬
‫فليتحر الصواب جهده‪ ،‬ويزيد حىت يستغرؽ ذلك‪ ،‬ثػم نرجو أف ال يضره نقص أو زاد إذا‬
‫َ يتعمد ذلك‪ ،‬ويقضي تلك الصلوات يف أي أوقات النهار أو الليل شاء فإف حلت لو‬
‫أوقات صلوات يومو الذي ىو فيو صالىا يف أوقاهتا ثػم عاد فيقضي ما عليو حىت يفرغ‬
‫منها وال يتشاغل بغَتىا‪.‬‬
‫[كيفية قضاء الصالة]‬
‫وإف كاف ترؾ صال ًة متعمداً فػم يقضها نسياناً جاز ذلك [منو] ُّث ذكرىا فليقضها وحدىا‬
‫أيضاً‪ ،‬وإف كاف ذلا ذاكراً فًتكها متعمداً حىت مضت ذلا أشهر أو سنوات فليقضها وليتب‬
‫شلا صنع‪.‬‬
‫وقد قاؿ بعض العلماء‪ :‬جيزيو قضاؤىا وحدىا ويتوب من تأخَتىا‪.‬‬
‫وقاؿ بعضهم‪ :‬أسلم لو قضاء ما بعدىا من الصلوات‪ ،‬وذلك أنو ال صالة دلن ضيع صالة‬
‫حىت يقضي ما ضيع‪.‬‬

‫[كيفية قضاء الصوـ]‬


‫وإف كاف ترؾ صياماً من شهر رمضاف كلو حىت حضر رمضاف آخر فعليو أف يصوـ ىذا‬
‫الذي حضر ويعتزـ على صياـ ما فاتو فيصوـ من بعد ذلك ويتوب شلا ضيع‪.‬‬

‫[كيفية قضاء الزكاة]‬


‫وخيرج ما عليو منها فيؤديو‬
‫وإف كاف ضيع زكاة حىت أدركو ادلوت فليتب شلا يتوب شلا ضيع‪ُ ،‬‬
‫إىل ادلساكُت إف كاف لو ماؿ‪ ،‬ويوصي بذلك إف ََ ديكنو األداء؛ ألهنا دين عليو ألىلها‬
‫الذين مساىم اهلل جل ثناؤه يف أي صنف منهم وضعت منهم أجزت عنو‪ ،‬وإف ََ يكن لو‬
‫ماؿ ومات فال شيءَ عليو بعد أف يتوب‪.‬‬

‫[كيفية قضاء الحج]‬


‫وإف كاف ترؾ احلج وىو يقدر عليو حىت أدركو ادلوت فليتب إىل اهلل جل ثناؤه من تفريطو‬
‫وليعزـ على احلج وليحج إف قدر عليو‪ ،‬وإف ََ‪ ،‬أوصى أف ُحيَ َّج عنو‪ ،‬فقد قاؿ بعض‬
‫العلماء ذلك‪ ،‬وقاؿ بعضهم‪ :‬ال حيج عن أحد كما ال يصلى عن أحد وال يصاـ عن‬
‫أحد ؛ ألف تلك حقوؽ اهلل جل ثناؤه أمر عباده أف يتولوىا بأنفسهم‪ ،‬فإف لػم يقدروا عليها‬
‫عذرىم ولػم يكلفهم غَت ىذا‪.‬‬
‫وأما ما كاف من حقوؽ الناس فيما بينهم يف أبداهنم وأمواذلم فعليهم أف ُخيرج بعضهم إىل‬
‫بعض منها ويعطي عنو إذا قدروا عليها‪ ،‬وإف أوصى أف ُحي َّج عنو فَ َح َس ٌن عندنا وىو‬
‫أحوط‪.‬‬
‫وعلى ادلرتدين من اإلسالـ إذا تابوا [مع] من ما ذكرنا من الظلم للناس يف أبداهنم وأمواذلم‬
‫ومن الذنوب قبل ارتدادىم ويف ارتدادىم ُّث أسلموا أف يتوبوا إىل اهلل جل ثناؤه من ذلك‬
‫كلو‪ ،‬ويؤدوا احلقوؽ إىل أىلها كما يفعل ادلقروف؛ ألف حكمهم يف ذلك غَت أحكاـ أىل‬
‫احلرب؛ ألنو ال قصاص بُت أىل اإلسالـ وأىل احلرب‪.‬‬
‫فعلى العبد شلا وصفنا من ىذا الذنوب التوبة النصوح‪ ،‬وقد جعل اهلل جل ثناؤه ذلم إليها‬
‫السبيل‪ ،‬والتوبة النصوح ىي الندـ على ما كاف من الذنوب‪ ،‬وتركها واالستغفار منها‪ ،‬وترؾ‬
‫اإلصرار عليها‪ ،‬والعزـ على أف ال يعود أبداً إليها‪ ،‬فتلك التوبة ادلقبولة‪ ،‬يقبلها التواب‬
‫الرحيم‪.‬‬
‫فرحم اهلل عبداً اتَّقى اهلل يف نفسو‪ ،‬وتطهر بالتوبة قبل ادلوت والفوت‪ ،‬وََ تغره احلياة الدنيا‪،‬‬
‫وََ يغره باهلل الغرور‪،‬وليبادر بالتوبة قبل أف يسأذلا فال جياب إليها‪ ،‬قاؿ جل ثناؤه‪(( :‬إِنَّ َما‬
‫وب اللّوُ‬ ‫ك يَػتُ ُ‬ ‫يب فَأ ُْولَػئِ َ‬‫الس َو َء بِ َج َهالَ ٍة ثُ َّم يَػتُوبُو َف ِمن قَ ِر ٍ‬ ‫ِِِ‬
‫التػ َّْوبَةُ َعلَى اللّو للَّذ َ‬
‫ين يَػ ْع َملُو َف ُّ‬
‫ات َحتَّى إِذَا‬ ‫السيّْئَ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َعلَ ْي ِهم وَكا َف اللّوُ َعلِيماً ح ِكيماً (‪ )17‬ولَيْ ِ‬
‫ين يَػ ْع َملُو َف َّ‬ ‫ست التػ َّْوبَةُ للَّذ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ار أ ُْولَػئِ َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫اؿ إِنّْي تُػ ْب ُ‬
‫ك أَ ْعتَ ْدنَا‬ ‫ين يَ ُموتُو َف َو ُى ْم ُك َّف ٌ‬
‫ت اْل َف َوَّلَ الذ َ‬ ‫ت قَ َ‬‫َح َد ُى ُم ال َْم ْو ُ‬
‫ض َر أ َ‬
‫َح َ‬
‫يما))‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لَ ُه ْم َع َذابًا أَل ً‬
‫والتوبة قائمة مبذولة مقبولة من حيث يواقع العبد الذنب إىل قبل حضور أجلو بطرفة عُت‬
‫أو أقل‪ ،‬وحضور ادلوت ىو معاينة َملَك ادلوت وادلالئكة صلوات اهلل عليهم أو بسبب من‬
‫أعالـ ادلوت العظيم ادلهوؿ‪ ،‬الذي يشاىده العبد يف تلك احلاالت ال يعلمو أحد من البشر‬
‫فحينئذ ال تقبل توبتو‪ ،‬وال عند نزوؿ العذاب إذا نزؿ بأىل‬ ‫ٍ‬ ‫غَته‪ ،‬أو ذىاب عقلو‪،‬‬
‫ادلعاصي‪ ،‬وال عند احلواجب من آيات اهلل ادلانعة من الرجوع إىل أحكاـ الدنيا‪ ،‬واهلل جل‬
‫ثناؤه هبذا كلو وأوقاتو أعلم وأحكم تبارؾ وتعاىل‪.‬‬
‫وعلى العبد أف يكوف أبداً مستعداً تائباً نسأؿ اهلل أف يبارؾ لنا ولكم يف ادلوت إذا نزؿ بنا‪،‬‬
‫ت ِم ْن َخ ْي ٍر ُّم ْح َ‬
‫ض ًرا َوَما‬ ‫س َّما َع ِملَ ْ‬ ‫ويف العرض على ربنا جل ثناؤه ((يَػ ْوَـ تَ ِج ُد ُك ُّل نَػ ْف ٍ‬
‫وؼ‬
‫سوُ َواللّوُ َرُؤ ُ‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫ػ‬
‫َ‬‫ن‬ ‫و‬ ‫ل‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ّْ‬
‫ذ‬ ‫ح‬ ‫ي‬‫و‬ ‫ا‬ ‫د‬
‫ً‬ ‫ي‬‫ع‬‫َف بػيػنَػها وبػيػنَوُ أَم ًدا ب ِ‬
‫َّ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫د‬
‫ُّ‬ ‫و‬ ‫ػ‬
‫َ‬‫ت‬ ‫ت ِمن سوٍ‬
‫ء‬ ‫َع ِملَ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬
‫بِال ِْعب ِ‬
‫اد))‪.‬‬‫َ‬
‫مت الكتاب‪ ،‬واحلمد هلل رب األرباب‪ ،‬وصلواتو على سيدنا زلمد النيب‪ ،‬وعًتتو الطاىرين‬
‫األطياب‪ ،‬وسالمو ورمحتو وبركاتو عليهم أمجعُت‪ ،‬وحسبنا اهلل ونعم الوكيل‪.‬‬
‫(وال حوؿ وال قوة إال باهلل العلي العظيم)‬

‫([‪ )]1‬اخلالئق‪.‬‬

‫([‪ )]2‬واألمر‪ .‬نخ‪.‬‬

You might also like