You are on page 1of 9

‫اﻟﻣوﻗﻊ اﻟﺗرﺑوي ‪montadanet.

com‬‬

‫تقديم عام للمجزوءة‬

‫لقد حاولت الفلسفة خالل تاريخها الطويل صياغة قضايا املعرفة بطريقة تسمح بفهم الشروط التي تقوم عليها‪ ،‬متخذة من الحقيقة‬
‫غاية قصوى لكل عملية معرفية‪ .‬وذلك بعد أن تقطع مع الرأي واملعرفة العامية للواقع‪ ،‬والتي تتميز بالسطحية‪ ،‬لكي تبني معرفة موضوعية‬
‫وجوهرية متمثلة في الحقيقة‪ ،‬باعتبارها مطابقة الفكر لذاته على املستوى املنطقي‪ ،‬ومطابقة الحكم ملوضوعه على املستوى املادي‬
‫والواقعي‪ .‬لقد اتخذت الحقيقة في التاريخ الحديث شكال علميا‪ ،‬حيث وضع املجتمع العلمي املعاصر قواعد للبحث املوضوعي‪ ،‬وذلك‬
‫باللجوء للتجربة واملالحظة‪ ،‬والقياس… التي تحول الفرضيات إلى قوانين علمية تعبر عن العالقات الثابتة واملنتظمة بين الظواهر‪ .‬إال أن‬
‫انتقال املعرفة العلمية من دراسة املادة إلى دراسة اإلنسان ذاته‪ ،‬بما يتميز به من إرادة وحرية في االختيار تجعله ينفلت من القوانين‬
‫الحتمية‪ ،‬دفع العلوم اإلنسانية إلى مراجعة مناهجها‪ ،‬وأدوات اشتغالها‬

‫وهذا ما يجعلنا نطرح قضية املعرفة كإشكال فلسفي متعدد األبعاد من خالل صياغة األسئلة التالية‬

‫ما هي الحقيقة؟‬

‫ما طبيعة العالقة بين النظرية والتجربة؟‬

‫أين تكمن خصوصية الدراسة العلمية في العلوم اإلنسانية؟‬

‫مفهوم الحقيقة‬
‫الطرح اإلشكالي‬

‫يعتبر مفهوم الحقيقة املفهوم املحوري في التفكير الفلسفي‪ ،‬ما دامت الفلسفة قد ظهرت في أول أمرها كبحث عن الحقيقة‪ ،‬ويمكن‬
‫مالحظة ذلك حتى على مستوى اسمها‪ « :‬محبة الحكمة »‪ ،‬فليس للحكمة معنى آخر سوى الحقيقة‪ .‬وهو مفهوم يثير قضايا فلسفية تتمثل‬
‫في العالقة اإلشكالية التي تربط الرأي بالحقيقة‪ ،‬إضافة إلى تعدد معايير الحقيقة وتنوعها‪ .‬وأخيرا تناقض التصورات الفلسفية حول قيمة‬
‫الحقيقة‪ ،‬وهذا ما يمكن التعبير عنه بهذه األسئلة‬

‫ما طبيعة العالقة التي تربط الحقيقة بالرأي؟‬

‫ما هي املعايير التي يمكن اعتمادها لتمييز الحقيقة عن غيرها من األوهام واألفكار الظنية أو الخاطئة؟‬

‫هل الحقيقة غاية في ذاتها أم أنها مجرد وسيلة لتحقيق غايات أخرى؟‬

‫أوال‪ :‬الحقيقة والرأي‬

‫أ‪ -‬التطابق بين الحقيقة والرأي‬

‫ال فرق في الطبيعة‪ -‬في نظر ماكس بالنك‪ -‬بين االستدالل العلمي واالستدالل العادي اليومي (الرأي)‪ ،‬وإنما الفرق بينهما في درجة النقاء‬
‫َ‬
‫والدقة‪ .‬وهذا االختالف شبيه‪ ،‬شيئا ما‪ ،‬باالختالف بين املجهر والعين املجردة‪ .‬إن التمثل الذي يقدمه العلم عن العالم ال يختلف في‬
‫َ‬
‫الطبيعة عن التمثل الذي تقدمه عنه الحياة اليومية‪ ،‬وإنما يختلف عنه في رهافة بنيته ودقتها‪ .‬إن نسبة ذلك التمثل بالنسبة للعالم إلى‬
‫َ‬
‫تمثله السائد في الحياة اليومية‪ ،‬هو كنسبة تمثل الراشد للعالم إلى تمثل الطفل له‬
‫وما يوضح حقيقة هذا الحكم‪ -‬حسب بالنك‪ -‬هو أن األمر هنا يتعلق بصورة من صور املنطق‪ .‬فاملنطق العلمي ليس في وسعه أن يستنبط‬
‫من مقدمات معطاة‪ ،‬شيئا مغايرا ملا يستطيع منطق الحس املشترك العادي أن يستنبطه‬

‫ب‪ -‬التقابل بين الرأي والحقيقة‬

‫إن الرأي من الناحية النظرية‪ ،‬دائما على خطأ‪ -‬في نظر غاستون باشالر ‪-‬ألنه ال يفكر ما دام يعمل فقط على ترجمة حاجات اإلنسان‬
‫ورغباته إلى معارف‪ ،‬ويعين األشياء حسب فائدتها‪ .‬وهكذا يمتنع عن معرفتها حقا‪ .‬فال يمكن تأسيس أي معرفة على أساس الرأي‪ ،‬بل ينبغي‬
‫هدمه‪ ،‬ألنه أول عائق يلزمنا تخطيه لبناء الحقيقة العلمية التي تنبني على أساس البداهة العقلية‪ .‬إن شرط الفكر العلمي األساس ي هو أن‬
‫نعرف كيف نطرح املشاكل‪ ،‬ألن املعرفة بالنسبة للفكر العلمي هي جواب عن سؤال‪ ،‬وإن لم يكن ثمة سؤال‪ ،‬فمن غير املمكن قيام أية‬
‫معرفة علمية‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ال ش يء ُيعطى‪ ،‬حسب باشالر‪ ،‬بل الحقيقة العلمية تبنى وتشيد‬

‫ثانيا‪ :‬معايير الحقيقة‬

‫أ‪ -‬معياري‪ :‬الحدس واالستنباط‬

‫إن املعايير التي نتمكن بواسطة من الوصول إلى حقيقة األشياء دون الخوف من الوقوع في الخطأ‪ -‬في نظر رونيه ديكارت‪ -‬هما اثنان فقط‪:‬‬
‫الحدس واالستنباط‬

‫الحدس‪ :‬هو إدراك عقلي مباشر ملوضوع املعرفة‪ ،‬حيث ينتج العقل الحقائق البديهية‪ ،‬أي كل فكرة بسيطة واضحة بذاتها‪ ،‬وال تحتاج‬
‫لبرهان‪ ،‬تصدر عن نور العقل كذهن خالص ويقظ‪ .‬وهكذا يمكن لكل واحد أن يدرك بالحدس أنه يفكر‪ ،‬وأنه موجود‬

‫االستنباط‪ :‬ونقصد به كل ما يتم استنتاجه بالضرورة من قضايا أخرى‪ ،‬معلومة من قبل بنوع من اليقين‪ .‬أي استخراج نتيجة ضرورية‬
‫كانت مجهولة‪ ،‬من مقدمات يقينية معلومة‪ .‬واالستنباط عملية متتالية‪ ،‬تتسلسل فيها القضايا بشكل يقيني‪ ،‬كل واحدة منها مرتبطة‬
‫بسابقاتها‬

‫ب‪ -‬الحقيقة معيار ذاتها‬

‫من له فكرة صادقة‪ -‬في نظر باروخ اسبينوزا‪ -‬يعرف في الوقت نفسه أن له فكرة صادقة وال يمكن أن يشك في حقيقة معرفته‪ .‬ذلك أن كل‬
‫من يملك فكرة صادقة ال يجهل أن الفكرة الصادقة تتضمن أعلى يقين‪ .‬فأن تكون لدينا فكرة صادقة‪ ،‬ال يعني سوى معرفة ش يء معرفة‬
‫كاملة أو على أحسن ما يمكن‪ .‬فليس هناك معيارا للحقيقة أشد وضوحا وبداهة من الحقيقة ذاتها باعتبارها فكرة صادقة‪ .‬فمثلما يعرف‬
‫النور بذاته‪ ،‬ويعرف به الظالم‪ ،‬كذلك الحقيقة‪ ،‬حسب اسبينوزا‪ ،‬هي معيار ذاتها ومعيار الكذب‬

‫ثالثا‪ :‬الحقيقة بوصفها قيمة‬

‫أ‪ -‬قيمة الحقيقة واملنفعة‬

‫إن امتالك الحقيقة‪ -‬في نظر وليم جيمس‪ -‬يعني امتالك أدوات ثمينة للعمل ‪.‬إذ نعيش وسط وقائع تحتمل أن تكون مفيدة كما تحتمل أن‬
‫تكون مضرة لنا إلى أقص ى حد‪ ،‬وبالتالي فالحقيقة هي األفكار التي تميز لنا الوقائع النافعة حتى نستفيد منها‪ ،‬عن الوقائع الضارة حتى‬
‫نتجنب مساوئها‪ .‬وهنا يظهر أن امتالك الحقيقة ليس غاية في ذاتها‪ ،‬بل مجرد وسيلة إلشباع حاجات اإلنسان الحيوية‬

‫إن قيمة الحقيقة‪ -‬بالنسبة للفلسفة البرغماتية‪ -‬تتمثل بكل بساطة في ما هو مفيد لفكرنا وسلوكنا معا‬

‫ب‪ -‬الحقيقة غاية في ذاتها‬


‫إن الواجب األخالقي هو األساس الذي يقوم عليه املجتمع البشري‪ ،‬وهذا الواجب يقتض ي‪ -‬في نظر إيمانويل كانط‪ -‬أن يتوخى املرء الصدق‬
‫(قول الحقيقة )في كل تصريحاته وأقواله في جميع الظروف واملالبسات بال استثناء‪ ،‬ودون ربط قول الحقيقة ال باملنفعة وال باملضرة‪.‬‬
‫ويذهب كانط إلى حد اعتبار أن من يكذب على مجرمين يسألونه عما إذا كان صديقه الذي يتعقبونه ملتجأ في منزله‪ ،‬يكون قد ارتكب‬
‫جريمة في حق اإلنسانية جمعاء‪ ،‬ألن الكذب وإن جلب املنفعة للصديق ‪.‬فإنه يكون قد أخل بالواجب األخالقي الذي هو أساس املجتمع‬
‫البشري‬

‫إن قول الحقيقة‪ -‬بالنسبة للفلسفة األخالقية‪ -‬هو غاية في ذاته وليس مجرد وسيلة‪ ،‬لدا ال يجب ربطه ال باملنفعة وال باملضرة‬

‫استنتاجات عامة‬

‫هناك تقابل بين التصور الفلسفي التقليدي‪ ،‬والتصور الفلسفي املعاصر للحقيقة‪ ،‬فإذا كانت الحقيقة‪ :‬واحدة‪ ،‬ثابتة‪ ،‬مطلقة‪ ،‬موضوعية‪،‬‬
‫نظرية… في التصور الفلسفي التقليدي‪ ،‬فإنها‪ :‬متعددة‪ ،‬متغيرة‪ ،‬نسبية‪ ،‬ذاتية‪ ،‬عملية… في التصور الفلسفي املعاصر‬

‫كون الحقيقة قيمة يعني أنها ما يرغب فيه اإلنسان‪ ،‬ويفضله‪ ،‬ويتخذه مثال أعلى يسعى نحوه‪ ،‬سواء على مستوى الفكر النظري‪ ،‬أو على‬
‫مستوى املمارسة العملية‪ ،‬أو على املستوى األخالقي‪ .‬فالحقيقة إذن قيمة فكرية‪ ،‬وقيمة عملية‪ ،‬وقيمة أخالقية‬

‫إن عملية البحث عن الحقيقة قد انطلقت منذ أن وعى اإلنسان ذاته في هذا الوجود‪ ،‬لكننا لم نجدها لحد اآلن‪ .‬فكلما وجدنا الحقيقة‬
‫واطمأنينا لها‪ ،‬إال واكتشفنا بعد ذلك أنها خاطئة‪ .‬أفال يعني هذا أننا نبحث عن وهم؟ أي عن حقيقة غير موجودة أصال؟‬

‫مفهومي النظرية والتجربة‬


‫الطرح اإلشكالي‬

‫من املباحث األساسية في الفلسفة املعاصرة نجد مبحث اإلبستمولوجيا (الدراسة النقدية للمعرفة العلمية)‪ ،‬لقد ارتكز هذا املبحث على‬
‫مجموعة من املفاهيم الفلسفية املرتبطة باملجال العلمي وعلى رأسها مفهومي‪ :‬النظرية والتجربة اللذان يطرحان عدة قضايا فلسفية سواء‬
‫على مستوى النظرية أو على مستوى التجربة‪ ،‬أو على مستوى العالقة بينهما‪ .‬إضافة إلى تعدد املعايير لتمييز النظرية العلمية عن باقي أنواع‬
‫النظريات األخرى‪ ،‬وهي قضايا يمكن أن تتخذ شكل أسئلة فلسفية منها‬

‫ما هي شروط التجربة؟ وما هي خصائص النظرية؟‬

‫ما طبيعة العالقة بينهما؟ وأي منهما يؤكد صحة اآلخر؟‬

‫ما هي املعايير التي يمكن اعتمادها لتمييز املعرفة العلمية؟‬

‫أوال‪ :‬التجربة والتجريب‬

‫أ– خطوات املنهج التجريبي‬

‫العالم – حسب كلود بيرنار – اإلحاطة بشرطين‪:‬‬


‫إن املنهج التجريبي يفترض في ِ‬

‫أن تكون لديه فكرة (فرضية) يخضعها للفحص في ضوء الوقائع‬ ‫‪-‬‬
‫أن يالحظ بساطة الظاهرة املاثلة أمامه‪ ،‬مالحظة أكثر شمولية‬ ‫‪-‬‬

‫على املالحظ أن يكون بمثابة آلة تصوير‪ ،‬أثناء معاينته للظاهرة‪ ،‬تنقل بالضبط ما هو موجود في الطبيعة‪ ،‬حيث يجب أن يالحظ بدون‬
‫فكرة مسبقة‬
‫العالم املتكامل هو الذي يجمع بين الفكري النظري واملمارسة التجريبية عبر الخطوات التالية يعاين واقعة ‪ ،‬أي املالحظة ميالد فكرة‬
‫إن ِ‬
‫(فرضية) في ذهنه تبعا للمعاينة االستدالل على الفكرة‪ ،‬بعد معاينتها ذهنيا‪ ،‬وذلك باللجوء إلى التجربة تنتج عن التجربة ظواهر جديدة‬
‫عليه أن يالحظها‪ ،‬وهكذا دواليك‬

‫إن ذهن العالم – حسب بيرنار – يشتغل بين مالحظتين‪ ،‬تمثل املالحظة األولى منطلق االستدالل العلمي‪ ،‬وتمثل املالحظة الثانية خالصة‬
‫االستدالل ‪ ،‬أي التجربة‬

‫ب– التجريب العلمي‬

‫كثيرا ما تم الحديث عن التجربة التي شكلت إحدى السمات األكثر تمييزا للعلم الكالسيكي‪ .‬غير أن في األمر غموضا‪ ،‬بالنسبة أللكسندر‬
‫كويري‪ .‬فالتجربة بمعناها الخام واملالحظة العامية‪ ،‬لم تلعب أي دور في نشأة العلم الكالسيكي‪ ،‬اللهم إال دور العائق‪ .‬أما التجريب‪ ،‬وهو‬
‫العالم أسئلته‪ ،‬حيث يسائل الطبيعة بلغة رياضية ‪ ،‬أو‬
‫املساءلة املنهجية للطبيعة‪ ،‬فيفترض افتراضا مسبقا اللغة التي يطرح من خاللها ِ‬
‫بتعبير أدق بلغة هندسية‪ ،‬حسب كويري‬

‫ثانيا‪ :‬العقالنية العلمية أو النظرية‬

‫أ– التجربة تـحدد النظرية‬

‫إن النظرية الفيزيائية يتم بناؤها – في تصور بيير دوهيم – من خالل أربع عمليات متتالية وهي‪:‬‬

‫اختيار الخصائص الفيزيائية البسيطة‪ ،‬والتعبير عنها برموز رياضية‪ ،‬وأعداد‪ ،‬ومقادير الربط بين هذه املقادير بواسطة عدد من‬
‫القضايا التي تستخدم كمبادئ الستنتاجاتنا‪ ،‬هذه املبادئ يطلق عليها اسم الفرضيات‪ ,‬تركيب فرضيات النظرية حسب قواعد‬
‫التحليل الرياض ي‪ ،‬وأن نستنبط منها نتائج ضرورية‬

‫إن النتائج التي استخرجناها من الفرضيات‪ ،‬هي التي تشكل النظرية الفيزيائية الجديدة‬

‫وهكذا فالنظرية الصحيحة – حسب دوهيم – هي التي تعبر بشكل ُمرض ي عن مجموعة من القوانين التجريبية‪ ،‬أما النظرية الخاطئة فهي‬
‫التي ال تتوافق مع القوانين التجريبية‬

‫ب– النظرية تـحدد التجربة‬

‫إن نسقا كامال للفيزياء النظرية يتكون من مبادئ وقوانين تربط بين تلك املبادئ‪ ،‬وقضايا مستنبطة منها بشكل ضروري بواسطة االستنباط‬
‫املنطقي‪ .‬هذه النتائج هي التي يجب أن ترتبط بالتجربة‪ .‬وهكذا حدد ألبير آينشتاين لكل من العقل والتجربة مكانتهما في نسق الفيزياء‬
‫النظرية‪ .‬فالعقل يمنح النسق بنيته‪ .‬أما املعطيات التجريبية وعالقاتها املتبادلة فيجب أن تطابق القضايا الناتجة عن النظرية‪ .‬إن البناء‬
‫الرياض ي الخالص‪ ،‬وليس التجربة ‪ ،‬هو الذي يمكننا من اكتشاف املبادئ والقوانين التي تسمح بفهم ظواهر الطبيعة‬

‫إذا كانت الوقائع التجريبية ال تتطابق مع النظرية‪ ،‬فينبغي تغيير الوقائع وليس النظرية حسب آينشتاين‬

‫ثالثا‪ :‬معايير علمية النظريات العلمية‬

‫أ– معيار القابلية للتجريب‬

‫إن الواقعة التجريبية ال يمكن أن تكون علمية – في نظر رونيه طوم – إال إذا استوفت شرطين هما‬

‫أن تكون قابلة إلعادة الصنع‪ ،‬وهذا يتطلب أن تكون محاضر إعداد التجربة وإجرائها دقيقة بما يكفي للتمكن من إعادتها في أزمنة وأمكنة‬
‫أخرى‬
‫أن تثير اهتماما قد يكون تطبيقيا أو نظريا‪ ،‬يتمثل االهتمام التطبيقي في االستجابة لحاجيات بشرية‪ .‬أما االهتمام النظري فيعني أن البحث‬
‫يدخل ضمن إشكالية علمية قائمة‬

‫في هذه الحالة‪ ،‬يكون الهدف من التجريب – حسب طوم – هو التحقق من صدق فرضية ما (نظرية) تتضمن قضايا عقلية يتم التسليم‬
‫بوجودها‪ ،‬كالعالقات السببية‪ ،‬أي الربط بين السبب والنتيجة‬

‫ب– معيار القابلية للتكذيب‬

‫أن القابلية للتكذيب (أو التفنيد) – في نظر كارل بوبر – هو معيار التمييز بين النظريات التجريبية والنظريات الالتـجريبية‪ ،‬لذلك يطلق عليه‬
‫كذلك معيار القابلية لالختبار‪ .‬إن اختبار نظرية ما‪ ،‬يعني محاولة تبين العيب فيها‪ ،‬وبالتالي فإن النظرية التي نعرف مقدما أنه ال يمكن تبيان‬
‫العيب فيها أو تفنيدها‪ ،‬لهي نظرية غير علمية ألنها نظرية غير قابلة لالختبار‪ .‬إن نظرية نيوتن في الجاذبية‪ ،‬قابلة االختبار‪ ،‬ألنها تتنبأ‬
‫بانحرافات معينة عن املدارات الكوكبية عند كبلر‪ ،‬وهذا التنبؤ يمكن تفنيده‪ .‬ونظرية آينشتاين في الجاذبية قابلة لالختبار كذلك‪ ،‬ألنها تتنبأ‬
‫بانحرافات معينة عن املدارات الكوكبية عند نيوتن‪ ،‬وهذا التنبؤ يمكن تفنيده مجددا‬

‫استنتاجات عامة‬

‫إن العالقة التي تربط النظرية بالتجربة‪ ،‬عالقة جدلية ( أي عالقة تأثير وتأثر )‪ .‬فالنظرية تؤثر في التجربة من خالل تأطيرها وتوجيهها عندما‬
‫تـحدد عناصر وتفاعالت التجربة‪ .‬والتجربة تؤثر في النظرية من خالل تصحيحها‪ ،‬عندما تكتشف األخطاء التي تتضمنها‪ .‬وبذلك تتقدم‬
‫النظرية‪ .‬وهذا ما يجعل املعرفة العلمية‪ ،‬معرفة متطورة‪ ،‬تتطور بفعل هذا الجدل بين النظرية والتجربة‬

‫علمية العلوم اإلنسانية‬


‫الطرح اإلشكالي‬

‫إن كان العلم يستنبط قوانين ضرورية وحتمية في العلوم الدقيقة‪ ،‬فإن هذا األمر يصبح متعذرا على مستوى العلوم اإلنسانية‪ .‬ألن املوضوع‬
‫هذه املرة‪ ،‬هو كائن يتميز بالوعي واإلرادة والقدرة على االختيار‪ ،‬مما يجعل العلمية تتميز في هذا املجال باالحتمال والترجيح‪ ،‬نتيجة عدة‬
‫قضايا تتمثل في العالقة غير الواضحة بين الذات العارفة وموضوع املعرفة‪ .‬إضافة إلى صعوبة التفسير والتنبؤ في العلوم اإلنسانية‪ .‬وأخيرا‬
‫عالقة العلوم أإلنسانية بالعلوم الحقة على مستوى املنهج‪ .‬وهذا ما يمكن طرحه من خالل اإلشكاالت التالية‬

‫ما طبيعة العالقة التي تربط الذات باملوضوع في العلوم اإلنسانية؟‬

‫هل العلوم اإلنسانية قادرة على فهم وتفسير والتنبؤ بالظواهر؟‬

‫ما الدور الذي لعبته العلوم الحقة في العلوم اإلنسانية؟‬

‫أوال‪ :‬موضعة العلوم اإلنسانية‬

‫أ– عوائق موضعة الظاهرة اإلنسانية‬

‫الحظة لذاتها ولغيرها‪ ،‬ومجربة‬ ‫ُ‬


‫إن العلوم اإلنسانية – في نظر جان بياجي – لها وضعية أكثر تعقيدا مقارنة بالعلوم التجريبية‪ ،‬ألن الذات م ِ‬
‫َُْ‬
‫على نفسها وعلى غيرها‪ ،‬لهذا تـخلق وضعية التداخل بين الذات واملوضوع في العلوم اإلنسانية‪ ،‬مقارنة بالعلوم الطبيعية‪ ،‬حيث أصبح من‬
‫املعتاد الفصل بين الذات واملوضوع‪ .‬إن عملية إزاحة تمركز الذات حول ذاتها‪ ،‬والتي هي عملية ضرورية لتحقيق املوضوعية‪ ،‬تكون أكثر‬
‫صعوبة في الحالة التي يكون فيها املوضوع هو الذات‪ ،‬نظرا لسببين وهما‬
‫إن الحد الفاصل بين الذات املتمركزة حول ذاتها‪ ،‬والذات العارفة يكون أقل وضوحا عندما تكون أنا املالحظ جزء من الظاهرة التي يجب‬
‫عليه أن يالحظها ويدرسها من الخارج‬

‫إن املالحظ يكون أكثر ميال لالعتقاد في معرفته الحدسية بالوقائع النـخراطه في هذه األخيرة‬

‫فالعالم – في نظر بياجي – ال يكون أبدا معزوال‪ ،‬بل هو ملتزم بشكل ما بموقف فلسفي وإيديولوجي‬
‫ِ‬ ‫هكذا‬

‫ب– مفارقة عالقة الذات باملوضوع‬

‫إن كل باحث هو عضو ينتمي لجماعة كبيرة أو صغيرة (سواء كانت طبقة اجتماعية‪ ،‬أو مهنة‪ ،‬أو أمة…)‪ ،‬في نظر فرانسوا بستيان‪ ،‬وبالتالي‬
‫يكون منخرطا بالضرورة في صراعات صريحة أو ضمنية من أجل االعتراف‪ ،‬والحظوة‪ ،‬والسلطة‪ ،‬وهي صراعات تحرك املعتقدات‬
‫واملثل…الخ‪ .‬وتتمثل الصعوبة لدى الباحث االجتماعي في كونه ال يستطيع االنفصال كلية عن مجتمعه الذي هو موضوع دراسته‪ ،‬في حين‬
‫يعتبر هذا االنفصال مبدأ كل جهد علمي (املوضوعية)‪ .‬لذلك نجد كل مجهودات مؤسس ي العلوم االجتماعية قامت على مبدأ تباعد الباحث‬
‫عن جماعته‪ ،‬حيث دعا « دوركايم » إلى اعتبار الوقائع االجتماعية أشياء‪ ،‬وكذلك توصية « ماكس فيبر » باحترام مبدأ الحياد القيمي‬

‫ثانيا‪ :‬التفسير والفهم في العلوم اإلنسانية‬

‫أ‪ -‬التفسير والتنبؤ في العلوم اإلنسانية‬

‫إن العلوم الدقيقة‪ -‬حسب كلود‪ -‬ليفي ستروس‪ -‬تقدمت بفضل عمليتي التفسير والتنبؤ‪ ،‬حيث يمكن لهذه العلوم أن تفسر ظواهر لم تتنبأ‬
‫بها‪ ،‬كما فعلت الداروينية‪ ،‬كما يمكنها أن تتنبأ بظواهر ال تكون قادرة على تفسيرها‪ ،‬كما يحدث في علم األرصاد الجوية‪ .‬أما العلوم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬فتجد نفسها في وسط الطريق بين التفسير والتنبؤ‪ ،‬فهي ال تفسر الظواهر تفسيرا نهائيا‪ ،‬وال تتنبأ بيقين تام‪ ،‬لقد أكتفت العلوم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬حتى حدود اليوم‪ ،‬بتفسيرات فضفاضة وتقريبية تنقصها الدقة‪ ،‬ورغم أنها مهيأة‪ ،‬ألن تمارس التنبؤ وتطوره‪ ،‬فإن الخطأ كان‬
‫دائما حليف تنبؤاتها‬

‫ومع ذلك فإن العلوم اإلنسانية‪ -‬حسب ستروس‪ -‬يمكن أن تقدم للذين يمارسونها انطالقا من نتائجها‪ ،‬شيئا وسيطا بين املعرفة الخالصة‬
‫واملعرفة النافعة‪ ،‬لكن من غير الفصل بين التفسير والفهم‬

‫ب‪ -‬الفهم في العلوم اإلنسانية‬

‫إذا كنا نفسر الطبيعة‪ ،‬باعتبارها ظواهر معزولة وخارجية في العلوم الفيزيائية والطبيعية‪ -‬في نظر دلتاي‪ -‬فإننا نفهم اإلنسان في علم‬
‫النفس‪ ،‬من خالل فهم حياته النفسية‪ ،‬فعمليات االكتساب‪ ،‬ومختلف الوظائف العقلية والنفسية وعناصرها تجتمع وتكون كال يعطى لنا‬
‫عن طريق التجربة الداخلية ‪.‬فالكل املعيش هو األساس ي‪ ،‬وال يتجزأ إلى أجزاء إال بعد ذلك‪ .‬وينتج عن هذا أن املناهج التي ندرس بها الحياة‬
‫النفسية والتاريخ واملجتمع تختلف عن املناهج التي تقود إلى معرفة الطبيعة‬

‫إن العلوم اإلنسانية الحقيقية‪ -‬حسب دلتاي‪ -‬هي التي تبني منهجها بنفسها‪ ،‬انطالقا من موضوعها‬

‫ثالثا‪ :‬نموذجية العلوم التجريبية‬

‫أ‪ -‬خصوصية املنهج في العلوم اإلنسانية‬

‫تعتبر العلوم اإلنسانية مقارنة بالعلوم الطبيعية‪ -‬في نظر كل من طولرا ‪/‬وارنيي‪ -‬حديثة النشأة‪ ،‬أما نتائجها فهي قليلة وغير أكيدة ألن الواقع‬
‫الحي الذي تحاول اإلحاطة به (املجتمعات‪ ،‬العقليات‪ ،‬السلوكيات…)‪ ،‬هو أكثر غنى وأقل انتظاما من الظواهر الطبيعية‪ ،‬وبالتالي فإن‬
‫استخدام العقل في هذه العلوم مطالب بأن يكون حذرا‪ ،‬كما أن الروح العلمية مطالبة بأن تكون أكثر تطورا من مثيلتها في العلوم‬
‫الطبيعية‪ ،‬حيث تكون التجربة محكا مباشرا وحاسما‬
‫ويفترض إدراك املوضوع‪ -‬حسب طولرا‪ /‬وارنيي‪ -‬أن تكون الذات مستعدة لفهم ما يخالفها ويعتبر آخرها‪ .‬وفي هذه الحالة‪ ،‬تتمثل الروح‬
‫العلمية في القدرة على استيعاب التناقض والقدرة على مواجهة ما هو غريب ومزعج لكل تلقائية‪ ،‬أي اللقاء الدائم مع الواقع‬

‫ب‪ -‬خداع النظرة العلمية‬


‫َ‬
‫إن كل ما أعرفه عن العالم‪ ،‬ولو كان مصدره العلم‪ -‬يقول موريس ميرلوبونتي‪ -‬أعرفه انطالقا من وجهة نظر خاصة بي‪ ،‬أو أعرفه من خالل‬
‫تجربتي الخاصة التي بدونها لن تعني رموز العلم أي ش يء‪ ،‬ألن العلم ُيبنى بكامله على العالم املعيش (أي التجربة الذاتية لألنا) وانطالقا منه‪.‬‬
‫فأنا الذي أوجد من أجلي أنا‪ ،‬وأنا الوحيد الذي يوجد وجودا متفردا‪ .‬ال يوجد أحد مكاني وال أوجد في مكان أحد‬

‫وهكذا فإن وجهة النظر العلمية التي أكون بمقتضاها مجرد لحظة من لحظات العالم هي دائما وجهة نظر خادعة‪ ،‬ألنها وجهة نظر يكون‬
‫العالم حولي حسبها موضوعا‪ ،‬وال يوجد ألجلي‪ .‬إن الرجوع إلى األشياء ذاتها هو الرجوع إلى العالم املعيش قبل أن يكون موضوع معرفة‪،‬‬
‫وهكذا فكل معرفة لإلنسان‪ -‬حسب ميرلوبونتي‪ -‬هي معرفة ذاتية‪ ،‬ألن العلم يفترض وجود نظرة موضوعية لذات تتعالى عن كل الذوات‪ ،‬هي‬
‫في الواقع غير موجودة‬

‫استنتاجات عامة‬

‫إن أكثر املعارف فائدة وأقلها تقدما‪ ،‬من كل املعارف اإلنسانية‪ ،‬في اآلن نفسه‪ ،‬هي تلك املتعلقة باإلنسان‪ -‬حسب ج‪ .‬ج‪ .‬روسو‪ -‬إنها أكثر‬
‫فائدة ألنها تدرس الكائن الوحيد في هذا الكون الذي يملك عقال ووعيا‪ .‬وأقلها تقدما ألن زمن نشأتها جاء متأخرا جدا‪ .‬وهي التي تشكل‬
‫العلوم اإلنسانية‬

‫إن العلوم اإلنسانية هي علوم مأزومة‪ ،‬ألنها ولدت بأزمتها التي تتمثل‪ ،‬من جهة‪ ،‬في تداخل الذات واملوضوع‪ ،‬واضطراب العالقة بينهما‪ .‬كما‬
‫تتمثل‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬في استعارة مناهج العلوم التجريبية‪ ،‬بدل إبداع مناهج تتواءم وطبيعة موضوعها الذي يتميز بالتعقيد‬

‫نموذج علم االجتماع‬


‫الطرح اإلشكالي‬

‫يمثل علم االجتماع نموذجا للعلوم اإلنسانية بما يطرحه من قضايا نظرية ومنهجية تخص شروط إمكانية علمية العلوم اإلنسانية أو‬
‫استحالتها‪ ،‬إذ يواجه عالم االجتماع‪ ،‬عندما يريد دراسة املجتمع‪ ،‬عدة مشاكل نظرية ومنهجية ترجع كلها إلى طبيعة عالقة الذات العارفة‬
‫بموضوع املعرفة‪ ،‬املتميزة بالتعقيد‪ ،‬وبكونها عالقة واعية تتداخل فيها اإلرادة والقصد‪ .‬إليكم األسئلة‬

‫ما هو املوضوع الذي يدرس علم االجتماع؟‬

‫كيف يمكن مقاربة هذا املوضوع؟‬

‫ما هي النظريات السوسيولوجية التي تشكل علم االجتماع؟‬

‫أوال‪ :‬موضوع علم االجتماع‬

‫أ‪ -‬الواقعة االجتماعية‬

‫توجد في كل مجتمع‪ -‬حسب إيميل دوركايم‪ -‬مجموعة من الظواهر‪ ،‬بخصائص واضحة تختلف عن تلك التي تدرسها علوم الطبيعة‪ ،‬فحين‬
‫ّ‬
‫أقوم بممارسات دينية‪ ،‬أو عندما أنفذ التزامات التزمت بها‪ ،‬أو أقوم بدوري كزوج أو كمواطن‪ .‬فإنني أقوم بواجبات تحدد في استقالل عني‪،‬‬
‫ألنني لست صانعها‪ ،‬بل سبق لي أن تلقيتها بواسطة التربية‪ ،‬أي تحدث داخل القانون والعادات االجتماعية‪ .‬هذه األنماط من السلوك‬
‫والتفكير واإلحساس‪ ،‬تتمتع بقوة إلزامية وإكراهية تجعلها تفرض نفسها على الفرد‪ ،‬حيث توجد عقوبات تواجه كل من حاول خرقها‪ ،‬أو‬
‫تجاوزها‪ ،‬أو مقاومتها‬

‫إذن فالواقعة االجتماعية‪ -‬في نظر دوركايم‪ -‬هي كل طريقة في الفعل‪ ،‬ثابتة‪ ،‬وقادرة على ممارسة إكراه خارجي على الفرد‪ ،‬وتكون عامة في‬
‫املجتمع‪ ،‬ومستقلة عن إرادة األفراد‬

‫ب‪ -‬صعوبات تحديد الواقعة االجتماعية‬

‫لقد عارض لوسيان غولدمان تعريف الجريمة‪ -‬باعتبارها نموذجا للواقعة االجتماعية‪ -‬الذي وضعه دوركايم حين كتب‪ « :‬نالحظ جميعا‬
‫وجود أفعال معينة تتميز بخاصية خارجية « موضوعية »‪ ،‬وهي أنه بمجرد ما يتم القيام بها يقوم املجتمع برد فعل خاص بها نسميه‬
‫َ‬
‫العقاب‪ ،‬فنجعل من هذه األفعال مجموعة قائمة الذات ندخلها تحت لفظ مشترك‪ ،‬فنسمي جريمة كل فعل ُيعاقب على فعله‪ ،‬وهكذا‬
‫تصبح الجريمة َّ‬
‫املعرفة بهذا الشكل‪ ،‬موضوع علم خاص‪ ،‬هو علم الجريمة »‪ .‬ألن هذا التعريف في نظر غولدمان يشبه الثوري باملجرم‪،‬‬
‫ُ‬
‫وبالتالي تنس ي القارئ حقيقة الثوري‪ ،‬وهنا تكمن صعوبة تحديد الواقعة االجتماعية‬

‫ثانيا‪ :‬املنهج في علم االجتماع‬

‫أ‪ -‬املنهج التفهمي‬

‫ُيظهر السلوك اإلنساني‪ ،‬سواء في مظاهره الخارجية أو في عامله الداخلي‪ ،‬ترابطات وانتظامات أثناء تطوره‪ ،‬هي التي تكون موضوع تأويل‬
‫تفهمي‪ .‬وهو سلوك يتميز بما يلي‬

‫أوال‪ :‬إنه سلوك يرتبط بسلوك الغير تبعا للقصد الذاتي للفاعل املعني‬

‫ثانيا‪ :‬يكون هذا السلوك‪ ،‬أثناء تطوره‪ ،‬مشروطا بهذه العالقة الدالة والبينذاتية‪ ،‬أي بين الذوات‬

‫ثالثا‪ :‬يكون هذا السلوك قابال للتفسير بطريقة تفهمية انطالقا من املعنى املقصود ذاتيا من طرف الفاعل‬

‫تتأسس املقاربة السوسيولوجية التفهمية‪ -‬حسب فيبر‪ -‬على دراسة العالقات الداللية النموذجية التي تسم السلوك املعبر عن هذه‬
‫الظواهر في مظاهرها الخارجية‬

‫ب‪ -‬التفسير الغائي‬

‫إن السببية‪ ،‬أي أن شيئا ما يسبب شيئا آخر‪ ،‬أمر ضروري في تفسير الظاهرة االجتماعية‪ .‬لكنها في علم االجتماع مطالبة بتفسير أفعال‬
‫الفاعلين‪ ،‬في نظر إيان كريب‪ .‬ألنهم يتأملون أفعالهم‪ ،‬ويتخذون القرارات وفق حسابات معينة‪ ،‬ولهم مقاصد ونوايا‪.‬وهو ما يمكن أن نطلق‬
‫عليه التفسير الغائي‪ :‬إن النقطة النهائية‪ ،‬أي النتيجة‪ ،‬موجودة هنا سلفا على شكل الرغبة التي ال بد أن توضع موضع التنفيذ باملمارسة‪.‬‬
‫والفعل هنا يفسر بنتيجته النهائية‪ ،‬بمعنى أن النتيجة هي السبب‬

‫ثالثا‪ :‬النظريات االجتماعية‬

‫أ‪ -‬املدرسة الوظيفية‬


‫َّ‬
‫ترى املدرسة الوظيفية أن املجتمع نظام ُمعقد تعمل شتى أجزائه سويا لتحقيق االستقرار والتضامن بين مكوناته‪ ،‬ووفقا لهذه املقاربة‪ ،‬فإن‬
‫ُ‬
‫على علم االجتماع استقصاء عالقة مكونات املجتمع بعضها ببعض وصلتها باملجتمع ُبر ّمته‪ .‬ويمكننا على هذا األساس أن نحلل‪ ،‬املعتقدات‬
‫الدينية‪ ،‬والعادات االجتماعية‪ ،‬بإظهار صلتها بغيرها من مؤسسات املجتمع‪ ،‬ألن أجزاء املجتمع املختلفة تنمو بصورة متقاربة بعض مع‬
‫بعض‬
‫ب‪ -‬منظور الفعل االجتماعي‬

‫إن نظريات الفعل االجتماعي تولي قدرا أكبر من األهمية لدور الفعل والتفاعل بين أعضاء املجتمع‪ .‬ويبرز دور علم االجتماع هنا في استيعاب‬
‫املعاني التي ينطوي عليها الفعل االجتماعي والتفاعل‪ ،‬وامللتزمون بنظرية الفعل االجتماعي ُيركزون على تحليل األسلوب الذي يتصرف به‬
‫الفاعلون األفراد أو يتفاعلون به فيما بينهم وبين املجتمع من جهة أخرى‬

‫ج‪ -‬التفاعلية الرمزية‬

‫تعنى هذه املدرسة بالقضايا املتصلة باللغة واملعنى‪ .‬فالكلمات التي نستعملها لإلشارة إلى أمور محددة هي رموز تمثل املعاني التي نقصدها‪،‬‬
‫وجه انتباهنا إلى تفصيالت التفاعالت الشخصية‪ ،‬وينوه منظرو‬ ‫التفاع ّلية الرمزية ُت ّ‬
‫ُ‬ ‫كما تشمل اإليماءات‪ ،‬وأشكال التواصل األخرى‪ .‬إن‬
‫هذه املدرسة بالدور الذي تؤديه هذه التفاعالت في خلق املجتمع ومؤسساته‬

‫استنتاجات حول مجزوءة املعرفة‬

‫إن املعرفة ليست ُمعطى جاهزا‪ ،‬بل هي عملية بناء مستمرة تتم بطريقة تفاعلية بين الذات واملوضوع‪ ،‬تقوم بها الذات العارفة‪ ،‬بشكل‬
‫منهجي‪ ،‬اتجاه موضوع املعرفة باالعتماد على قدرات عقلية ومهارات ذهنية‬

‫تتمثل املوضوعية في املعرفة اإلنسانية على مستوى الحقيقة العلمية‪ ،‬سواء الرياضية أو التجريبية‪ ،‬أو اإلنسانية‪ ،‬التي تعبر عن الواقع في‬
‫استقالل عن تدخل الذات مستعينة بمناهج اختبارية تتأسس على التجريب‪ ،‬والصياغة الرياضية‪ ،‬كما تدرس اإلنسان بعيدا عن اآلراء‬
‫الشخصية واألذواق وتأمالت الذات‬

‫تتمثل الذاتية في املعرفة اإلنسانية في الحقيقة الوجدانية والرأي‪ ،‬إضافة إلى حضور الذات في بناء املعرفة العلمية من خالل وضع‬
‫الفرضيات والبناءات العقلية‪ ،‬وتظهر بشكل واضح في العلوم اإلنسانية‪ ،‬حيث يصعب التخلص من الذاتية ما دام أن الذات العارفة‬
‫تتدخل في تشكل موضوع املعرفة‬

You might also like