You are on page 1of 6

‫حينما يستيقظ الضمير‬

‫‪ :‬تقول عن نفسها‬

‫ال أظن احدا تشبع من دنياه مثلى ‪ ،‬أو ضحك كضحكي ‪ ،‬أو لهي‬

‫كلهوي ‪ ،‬و برغم ذلك كانت حياتي جحيما ال يطاق ‪ ،‬كان نهاري‬

‫ضائع ما بين غناء فاحش و استهتار كبير ‪ ،‬و تسكع فى الشوارع و‬

‫االسواق ‪ ،‬أما ليلي فينقضي فى سهرات تافهة و مناظر سافلة أمام‬

‫القنوات الفضائية و رنين الهاتف ‪ ،‬حياة ال معني لها سوي الضياع‬

‫و الغفلة ؛ اهتماماتي كانت دنيئة جدا الى حد الخسة ‪ ،‬و مع ذلك كله‬
‫كنت عنيدة متغطرسة مكابرة ال أقبل نصح الناصحين حين أشفق‬

‫علي والدي من سوء حالي ‪ ،‬وبت معروفة بسوء خلقي ‪ ،‬ال أنسي‬

‫كلمات أبي ـ و الذي كان مشغوال بشركاته و عقاراته و أمواله ـ‬

‫‪ ،‬عندما أخذ يوبخني و يصفني بالعقوق و قلة الحياء و األدب‬


‫و قال ‪ :‬من سيفكر بالزواج من فتاة سيئة مثلك ‪ ،‬لقد جلبت لي العار‬

‫‪ .‬لو لم يكن حرام علي لقتلتك ‪ ،‬و مع ذلك كله كنت ال أبالي ‪،‬‬

‫أما والدتي المسكينة فقد ملت و سئمت من كثرة توجيهاتها لي ‪ ،‬بل‬

‫لم تترك سبيال فى تقويم اعوجاج نفسي اال و سلكته حتى دمعات‬

‫أمي لم تشفع عند نفسي المتجبرة ‪ ،‬و زاد األمر سوءا بعدما انتهيت‬

‫من المرحلة الثانوية ‪ ،‬و تخرجت بنسبة ضئيلة جدا بعد رسوب‬

‫‪ ،‬دام سنوات ‪ ،‬فلم تؤهلني تلك النسبة لاللتحاق بأي كلية أو جامعة‬

‫فمكثت في المنزل ‪ ،‬و كان خبر مكوثي فى المنزل كالصاعقة لوالدي‬

‫فمعني ذلك ان الفراغ فى حياتي سيزداد و سأزداد تبعا ‪ ،‬لذلك سوء ‪،‬‬

‫و هذا ما حصل بالفعل ‪ ،‬عكفت على األغاني الماجنة و األفالم ‪،‬‬

‫المقززة و المجالت الخليعة و الروايات الهابطة حتي تخيلت نفسي‬

‫راقصة أو مغنية مشهورة و تناسيت الحكمة التي ألجلها خلقنا هللا‬


‫‪ .‬فى هذه الدنيا‬
‫و ذات يوم و بينما أنا كعادتي أستمع لمزامير الشيطان و أترنح‬

‫طربا و أنا راقصة ‪ ،‬أردد الغناء الفاحش مع المطرب الذي سلبني‬

‫سلبني عقلي اذ بأختي الصغيرة مها ذات األعوام السبعة تدخل علي‬

‫‪ ،‬غرفتي و تجلس و تنظر لشكلي المضحك و لحركاتي البهلوانية‬

‫و قد اعترتها الدهشة بل و الضحك ‪ ،‬فما كان مني اال أن أغلقت‬

‫المسجل و صرخت فى وجهها ‪ :‬ماذا تريدين ؟ قالت مها‬

‫الصغيرة بكل خوف و تلعثم ـ فهى تعرف مدي قوتي و بطشي ـ‬

‫أريد أن أجلس معك ‪ ...‬اني خائفة ‪ ...‬حدثيني بقصة فليس فى ‪:‬‬

‫فى البيت أحد سوانا و الخادمة ‪ ،‬هيا معي لنخرج من للحديقة‬

‫فاني أحس بالحزن و الكأبة ‪ ،‬ازددت غيظا و حنقا و قلت لها‬

‫بصوت دوي فى األرجاء بعد أن فتحت باب غرفتي ‪ :‬أغربي عن‬

‫‪ ...‬وجهي ‪ ...‬اذهبي الي الخادمة و العبي معها ‪ ،‬ال أريد أحد عندي‬
‫هل تفهمين ‪ ،‬استسلمت الصغيرة ألوامري المتعجرفة و انسحبت‬

‫باكية ‪ ..‬و مازلت أصرخ كالمجنونة (( العبي بعيدا ‪ ،‬و ال تأتي‬

‫مرة أخري الى هنا ‪ ...‬هل تسمعين ‪ ،‬و عدت الي عفني و أشرطتي‬

‫و استكملت الغناء و الرقص و الطرب ‪ ،‬و لكن شعور غريب‬

‫يخاجلني ‪ ...‬فراغ كبير أحس به فى داخل نفسي ‪ ،‬نظرت الى ساعة‬

‫الغرفة ‪ ،‬انها الخامسة مساء ‪ ...‬الوقت مناسب لسماعتي الحبيبة و‬

‫مغامراتي الحلوة مع فالن و عالن ‪ ،‬انني أريد التسلية فقط ‪ ،‬فالحياة‬

‫هكذا ال تطاق ‪ ،‬فكرت فى تأجيل هذه المغامرات التليفونية الى‬

‫منتصف الليل ‪ ،‬فهو أنسب األوقات لي حتي ال يفتضح أمري ‪ ،‬لماذا‬

‫ال أخرج الى حديقة المنزل لعل فى ذلك ترويحا عن نفسي ‪ ،‬و‬

‫بالفعل توجهت الى الحديقة ‪ ،‬و أحسست بالحزن ‪ ،‬و األكتئاب يتسلل‬

‫الى قلبي ‪ ،‬و لكن ال أدري لماذا ‪ ،‬و مع اقترابي من المسبح بدأ‬
‫‪ ..!! .‬المنظر مرعبا ‪ ،‬فما راعني اال هول المصيبة و عظيم الفاجعة‬

‫انها أختي الصغيرة البريئة مغمورة فى مياه المسبح الضخم ‪ ،‬لقد‬

‫غرقت فيه فهي ال تعرف السباحة مثلنا ‪ ...‬سرت رعشة فى جسمي‬

‫المتعب و بدأت أصرخ كالمجنونة و أنادي ‪ :‬مها ‪ ...‬مها و لكنها ال‬

‫‪ ،‬تجيب ‪ ...‬أتت الخادمة مسرعة مرعوبة من الصراخ و العويل‬

‫انتشلناها من المسبح ‪ ،‬و بسرعة أخذت أحركها ‪ ...‬أهزها ‪ ...‬لعلها‬


‫تتحرك ‪ ...‬لعلها تتكلم ‪ ...‬لعلها تتنفس ‪ ...‬أتحسس نبضات قلبها‬

‫الصغير و لكنه ال ينبض ‪ ...‬مازالت بعينيك يا مها دمعة من تلك‬

‫الدموع البريئة التي سالت من ساعة اثر صراخي فى وجهك ‪ ...‬و‬

‫على مالمحك الهادئة مسحة من عتاب رقيق لي تعاتبني ‪ ،‬حملتها بين‬

‫ذراعي الي داخل المنزل ‪ ،‬و في تلك األثناء هاتفت الخادمة والدي‬

‫فأتيا مسرعين ‪ ،‬و أخذاها الى المستشفي ‪ ،‬بينما كنت أمشي على‬
‫غير هدي و أتخبط و أتعثر ‪ ،‬أري فى صورتها و هيئتها صورة‬

‫لغفلة كانت من حياتي قد تودي بحياة طفلة بريئة ‪ ...‬كنت أبكي و‬

‫أدعو هللا أن تعود أخيتي للحياة معافاة ‪ ،‬و ال أريد من متاع الدنيا‬

‫‪ ... .‬شيئا ‪ ،‬فالدنيا أمامي األن هي أحقر شي‬

‫تذكرت أيامي السالفة الضائعة ‪ ...‬مر فى مخيلتي شريط حياتي‬

‫‪ ...‬البائس فى ظل الشيطان و حزبه ‪ ،‬جلست بجانب سماعة الهاتف‬

‫أنتظر بفارغ الصبر قرار الطبيب فى حالة أختي ‪ ...‬كانت نبضات‬

‫قلبي تدق و بسرعة ‪ ،‬أخذت ألوم نفسي و أوبخها ‪ ،‬ليتني أذنت لها‬

‫بالبقاء معي فى غرفتي ‪ ،‬ليتني استمعت الي ما تريده ‪ ،‬ليتني لم‬

‫أنتهرها ‪ ...‬ياتري أو كانت تريد أن تودعني الوداع األخير ؟‬

You might also like