You are on page 1of 125

‫إعداد ‪:‬‬

‫الدفعة الرابعة بجامعة الراية‬

‫غالف ‪:‬‬

‫سلمان أبو الخير‬

‫تربيب ‪:‬‬

‫حمزة عباد الرحمن‬

‫تعديل ‪:‬‬

‫أحمد فارس الحق‪ ،‬ديكي سوميرات‪ ،‬محمد إقبال‬

‫الطبعة األولى‬

‫‪1440‬ه‪2019/‬م‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحمد هلل الذي علم بالقلم‪ ،‬علم اإلنسان مالم يعلم‪ ،‬والصالة والسالم على خير األنام‬
‫الذي أنزل عليه القرآن وعلى آله وصحبه الذين حملوا رسالة القرآن‪ ،‬أما بعد‬
‫فإن معنى الحياة وحقيقتها مخزون في أيدي العلماء والكتب التي ألفوها‪ .‬فبها ال تزال‬
‫العلوم باقية ومورثة إلى أجيالنا اليوم‪ .‬فصدق ما أنزل هللا ّأول ما يوحى إلى نبيه ﷺ وهو‬
‫األمر بالقراءة‪ .‬فهو من أبلغ طريقة لنيل العلوم التي فيها معاني الحياة وحقيقتها‪ .‬فإذا نالها‬
‫اإلنسان ورثها ملن بعده بالكتابة‪ .‬فال عجب إذ قال القائل (إذا أردت أن تعرف العالم فاقرأ‪،‬‬
‫وإذا أردت أن يعرفك العالم فاكتب) فالقراءة والكتابة من أكبر األسباب في استمرار الحياة‬
‫ّ‬
‫وتطورها‪.‬‬
‫فلهذا‪ ،‬رغب الخريجون من الدفعة الرابعة بجامعة الراية في جمع نصوص الخطب‬
‫والكلمات التي كانوا يلقونها في تلك الجامعة‪ ،‬وذلك ليس إال ألجل الرغبة في نشر العلوم‬
‫التي تعلموها فيها‪ ،‬فألن االنسان إذا مات سيتركه الناس وينسونه إال من ترك العلم في‬
‫الكتب‪ ،‬فإنهم ال ينسون‪ ،‬وإن ماتت جسدهم ولكن أسماؤهم مذكورة إلى أن يرث األرض‬
‫ومن عليها‪ .‬كما كان علماؤنا السابقون الذين غاصوا في بحر العلوم وقضوا حياتهم ألجل‬
‫الدعوة ونشر العلوم الشرعية بتأليف الكتب فيها ‪،‬هم أموات ولكن أسماؤهم خالدة ال‬
‫تنس ى ً‬
‫أبدا‪.‬‬
‫ّ‬
‫مشج ًعا لألساتذة الخريجين من الدفعة‬ ‫فمن هذه الكتاب املتواضع يرجى أن يكون‬
‫الرابعة بجامعة الراية في نشر العلوم بالكتابة وكذلك لعامة املسلمين الذين سيقرأ هذا‬
‫ً‬
‫فأخيرا‪ ،‬كما أنه ال كمال لإلنسان‬ ‫الكتاب ألجل نشر هذا الدين وإنقاذ هذه األمة من الغفلة‪.‬‬
‫فكذلك ال كمال لهذا الكتاب فيحتاج إلى التعليق واإلصالح‪ .‬فأسأل هللا أن يجعل هذا‬
‫الكتاب ً‬
‫نافعا للمسلمين وللناس أجمعين وأن يكتب هذا العمل في ميزان حسناته‪.‬‬

‫مسؤول الدفعة الرابعة‬

‫رضوان شهر‬

‫‪2‬‬
‫فهرس‬
‫مقدمة ‪2 .................................................................................................................................‬‬
‫فهرس‪3 ...................................................................................................................................‬‬
‫نصوص الخطب‪6 ..................................................................................................................‬‬
‫جل جالله (أأن فتح الرحمن)‪7 ....................................‬‬ ‫‪ .1‬االستسالم الكامل هلل ّ‬
‫‪ .2‬عظم رحمة هللا (أحمد أفاندي)‪10 ..................................................................‬‬
‫‪ .3‬الثبات واالستقامة (أحمد جوهر فريدي)‪14 ...................................................‬‬
‫‪ .4‬أسباب النصر (أحمد فوزي)‪18 .......................................................................‬‬
‫‪ .5‬أنت جاهل إذا عصيت ربك (أرديمان)‪21 ........................................................‬‬
‫‪ .6‬أصلح األخوة اإليمانية (أمرين)‪23 ....................................................................‬‬
‫‪ .7‬الدعوة إلى هللا (حصن شهر مبارك)‪26 ............................................................‬‬
‫‪ .8‬املسلم الحقيقي (حمزة عباد الرحمن) ‪30 .......................................................‬‬
‫‪ .9‬الدروس من شجرة املوز (دين الحق)‪34 .........................................................‬‬
‫‪ .10‬حفظ الجوارح من أسباب صفاء القلب (رضوان شهر)‪37 ...........................‬‬
‫‪ .11‬حقيقة حمبة هللا (ريفالدي) ‪40 ......................................................................‬‬
‫‪ .12‬االستقامة (عبد الفتاح ا) ‪43 ..........................................................................‬‬
‫‪ .13‬خمس وصايا النبي ﷺ (عبد الفتاح اا)‪45 ....................................................‬‬
‫‪ .14‬االتزام موقف (عبد امللك الهوؤ)‪48 ..............................................................‬‬
‫‪ .15‬املسارعة إلى التوبة (كورنياوان)‪50 .................................................................‬‬
‫أحب الناس إلى هللا أنفعهم للناس (محمد أسيري)‪54 ..................................‬‬ ‫‪ّ .16‬‬
‫‪ .17‬خطورة الوقت (محمد إقبال) ‪57 ...................................................................‬‬
‫‪ .18‬عظمة هللا تعالى (محمد حبيب األولياء)‪61 ....................................................‬‬
‫جنة رّبك (محمد ريزا رفسنجاني)‪65 .......................‬‬ ‫‪ .19‬أحسن أخالقك‪ ،‬تدخل ّ‬

‫‪3‬‬
‫‪ .20‬فقه األخوة اإليمانية (محمحد صديق)‪69 .....................................................‬‬
‫‪ .21‬السخرية خلق ذميم (مكرمة)‪73 ....................................................................‬‬
‫كل ش يء (هاجومات)‪76 .....................................................‬‬ ‫‪ .22‬رحمة هللا وسعت ّ‬
‫‪ّ .23‬‬
‫الهمة العالية (يانا سوريانا عبد الفتاح)‪79 ...................................................‬‬
‫نصوص الكلمات‪83 ..............................................................................................................‬‬
‫‪ .1‬تنظيم الوقت (أحمد فطري)‪84 .........................................................................‬‬
‫أشقي أم سعيد؟ (أزهر بشير عبد هللا)‪86 ..........................................................‬‬ ‫ّ‬ ‫‪.2‬‬
‫‪ .3‬أخالق املسلم (إلهام نور دين)‪88 .......................................................................‬‬
‫‪ .4‬املرء على دين خليله (أوكتا سومارجا)‪90 ..........................................................‬‬
‫‪ .5‬موقف اإلسالم من التطورات العصرية (إيجا أرديانشاه) ‪91 ...........................‬‬
‫‪ .6‬ال ّ‬
‫تمل من التوبة (جيلورا جونسون)‪93 ............................................................‬‬
‫األمة اإلسالمية (رحمت شفاعة)‪95 .................................‬‬ ‫‪ .7‬أ بعة مفاتيح ّ‬
‫لتقدم ّ‬ ‫ر‬
‫‪ .8‬الدعاء (سوغنج وارسمان)‪97 .............................................................................‬‬
‫‪ .9‬االستغفار (طبيب روحاني) ‪98 ............................................................................‬‬
‫‪ .10‬قل الحمد هلل (عبد الحكم قرآني)‪99 ...............................................................‬‬
‫أهال للمعروف وأحسن إلى الناس ّ‬ ‫ً‬
‫(عزي عرفان العارفين) ‪101 .................‬‬ ‫‪ .11‬كن‬
‫‪ .12‬من كبائر ‪ :‬ترك الصلوات الخمس)‪103 ............................................................‬‬
‫‪ .13‬أوامر اإلسالم (فارس فتحان)‪105 .....................................................................‬‬
‫ّ‬
‫‪ .14‬الداعي املفكر ملستقبل مجتمعه (فينديك سافوترا)‪107 .................................‬‬
‫‪ .15‬األمانة‪ ...‬األمانة‪( ...‬كورنياوان)‪109 ....................................................................‬‬
‫‪ .16‬شجرة صغيرة (محمد أندي كورنياوان)‪112 .....................................................‬‬
‫‪ .17‬انصح بفعلك قبل قولك (محمد إلياس) ‪113 ..................................................‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وأحبه (محمد خيرون)‪114 .................................‬‬ ‫اطمأن ّ‬ ‫‪ .18‬كلما عرف العبد رّبه‬
‫‪ .19‬النصيحة (محمد سلطان خليلي) ‪115 ..............................................................‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ .20‬كيف نكثر الثواب بعمر قصير (محمد فيصل) ‪117 ..........................................‬‬
‫‪ .21‬أسعد الناس (محمد يوسف باني)‪119 .............................................................‬‬
‫‪ .22‬تفاءل بمستقبلك ّ‬
‫(مز ّمل الدين)‪120 ................................................................‬‬
‫‪ .23‬عمرك حياتك (واحد عبد الرحمن)‪123 ...........................................................‬‬
‫‪ .24‬الرفق‪ ...‬الرفق‪( ...‬يانتو)‪125 ..............................................................................‬‬

‫‪5‬‬
6
‫االستسالم الكامل هلل جل جالله‬
‫إعداد‪ :‬أأن فتح الرحمن‬ ‫‪1‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الخطبة األولى‬
‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‬
‫من يهدي هللا فال مضل له ومن يضلل فال هادي له‪ .‬أشهد أن ال إله إال هللا وحده ال‬
‫شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬أما بعد‪.‬‬
‫في هذا الشهر العظيم‪ ،‬شهر الحج‪ ،‬وهو الشهر الحرام‪ ،‬أرسل إلينا خليل الرحمن‬
‫أب األنبياء وابنه إسماعيل عليهما السالم رسالة عظريمة عن االستسالم الكامل ألمر‬
‫هللا جل جالله‪ .‬إذ ضحى إبراهيم عليه السالم بابنه إسماعيل عليه السالم‪ ،‬ثم استجاب‬
‫ألبيه مخلصا هلل دون أي رفض ورد‪ ،‬إذ قال تعالى حكاية عنهما‪...﴿ :‬قال يابني إني أرى‬
‫في املنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء هللا من‬
‫الصابرين () فلما أسلما وتله للجبين () وناديناه أن يا إبراهيم () قد صدقت الرؤيا إنا‬
‫كذلك نجزي املحسنين () إن هذا لهو البالء املبين () وفديناه بذبح عظيم()﴾‪.‬‬
‫فال سؤال وال عناد‪ ،‬امتثل إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السالم ذلك األمر في تلك‬
‫اللحظة دون تأخير‪ ،‬فهذه هي الرسالة األولى‪.‬‬
‫إبراهيم عليه السالم رسول من الرسل أطلق عليهم أولو العزم لصبرهم‬
‫ومصابرتهم لدعوتم إلى هللا تعالى‪ .‬فإبراهيم عليه السالم َّ‬
‫معرض للهالك من النار التي‬
‫أشعلتها قومه‪ ،‬لسبب أنه علم قومه التوحيد‪ .‬فكانت النار أكبر ما توقد يومئذ‪ .‬مع ذلك‪،‬‬
‫ال رجفة وال رعب يتغلغالن في قلبه‪ .‬فثقته باهلل جل جالله مالك الكون كله تغلب كل‬
‫الخوف في نفسه‪ ،‬إنه يعلم أن ربه سينصره‪ ،‬فتلفظ لفظا "حسبي هللا ونعم الوكيل"‪،‬‬
‫ً‬
‫وسالما على إبراهيم﴾‪ ،‬فنجا‬ ‫فأتى نصر من هللا جل جالله‪ ،‬فقال للنار ﴿يا نار كوني ً‬
‫بردا‬
‫إبراهيم عليه السالم‪ ،‬وال تضره النار قط‪ .‬فهذه الرسالة الثانية‪ ،‬الثقة باهلل تعالى‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫فكان سائر األنبياء والرسل قدموا االستسالم ألمر هللا والثقة باهلل أحسن تقديم‪،‬‬
‫ما لم يمثلهما معظم الناس في الدنيا‪ ،‬بهما امتألت صدورهم باالطمئنان وسكينة‬
‫وسعادة‪ ،‬فأؤذوا وعذبوا ّ‬
‫وقتلوا وصدوا عن سبيلهم صدودا‪ ،‬فال يشعرون وال يتحسرون‬
‫بما أصابتهم من الباليا‪ .‬فإن االستسالم ألمر هللا والتوكل عليه صورة من صور العالقة‬
‫مع هللا التي مثل أولئك األنبياء والرسل أحسن تمثيل‪ .‬فالعالقة مع هللا هي سر من أسرار‬
‫نجاح الداعي في دعوته إلى هللا تعالى‪ .‬بالعالقة مع هللا ال يخاف الشيخ داود برإيه مواجهة‬
‫األعداء املحتلين هذا البلد‪ .‬بالعالقة مع هللا تثبت أقدام توانكو إمام بونجول واملسلمين‬
‫لقتال املستعمرين الجائرين‪ .‬بالعالقة مع هللا تعلو شجاعة فانغيران ديفونيغورو‪ ،‬فزلزل‬
‫صفوف األعداء وشتت شملهم‪ .‬بالعالقة مع هللا استقر عزم جندرال سودرمان لقيادة‬
‫الجيش وهو مريض في شدة مرضه‪ .‬بالعالقة مع هللا يتشجع علماؤنا األبطال في نشر‬
‫هذا الدين وإعالء كلمات هللا في هذا البلد وال يخافون لومة الئم‪.‬‬
‫بالعالقة مع هللا تتقوى معنوية الداعي في مواجهة الواقع في ميدان دعوته‪ .‬ملا‬
‫كان رسول هللا ﷺ في مكة وحينئذ اشتد االعتداءات من قبل املشركين‪ ،‬دعا ربه أن‬
‫يكون أحد كبار املشركين مؤمنا‪ .‬فقال في مناجات ربه‪» :‬اللهم أعز اإلسالم بأحب الرجلين‬
‫إليك‪ :‬بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام«‪ ،‬فاستجاب هللا أن يكون عمر بن‬
‫الخطاب أحب الرجلين إليه‪ .‬فإن الدعوة إلى هللا تعالى ليست قاصرة على بذل املجهود‬
‫والتفكير فحسب‪ ،‬بل إن الدعوة تشمل كيف يناجي الداعي ربه‪ ،‬وكيف يبني العالقة‬
‫معه‪ .‬ذلك ألن التوفيق والهداية بيد هللا تعالى ﴿إنك ال تهدي من أحببت ولكن هللا يهدي‬
‫من يشاء﴾‪.‬‬
‫معاشر املسلمين رحمكم هللا‪،‬تأملوا وتدبروا في مخلوقات هللا التي تسبح هلل دوما‪،‬‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬تسبح هلل ما في السماوات السبع واألرض ومن فيهن وإن من ش يء إال يسبح‬
‫بحمده ولكن ال تفقهون تسبيحهم﴾‪ ،‬فهؤالء املخلوقات ال ينقطع تسبيحهم لربهم‪،‬‬
‫فالداعي يناجي ربه في كل حينه‪ ،‬وإذا سقط في جفرة الغفلة بادر وسارع إلى تخليص‬
‫نفسه‪ .‬لو أن الداعي يتألم في طريق دعوته‪ ،‬فال غرابة‪ ،‬ألن عدوه يتألم كما تألم‪ ..‬والفرق‬

‫‪8‬‬
‫في عالقة الداعي مع ربه‪ .‬قال العزيز الحكيم‪﴿ :‬إن تكونوا تأملون فإنهم يأملون كما تأملون‬
‫وترجون من هللا ما ال يرجون ﴾‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‬
‫الحمد هلل الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى باهلل‬
‫شهيدا‪.‬‬
‫معاشر الدعاة إلى هللا‪ ،‬إن الداعي يجمع بين اثنين‪ :‬صالح نفسه وإصالح غيره‪.‬‬
‫صالح نفسه بربط عالقته مع ربه وتربية نفسه باألدب والخلق الحسن‪ .‬فالخلق الحسن‬
‫يحمل صاحبه على كمال إيمانه‪ ،‬قال رسول هللا ﷺ »أكمل املؤمنين إيمانا أحسنهم‬
‫خلقا« ‪ .‬وإن الخلق الحسن أقوى تأثيرا في نفس املدعو‪ .‬وأما إصالح غيره فهذا هو وظيفة‬
‫الداعي‪ .‬فاإلصالح بالدعوة البد من وجود ثالثة أشياء‪ :‬أوال‪ ،‬الحكمة في الدعوة‪ ،‬فهذه‬
‫يختلف تطبيقه من مجتمع إلى آخر‪ .‬ثانيا‪ ،‬املوعظة الحسنة‪ ،‬فهذه تكون بالنصح‬
‫املشتمل على الترغيب والترهيب‪ .‬ثالثا‪ ،‬الجدال بأسلوب أحسن من جانب قول وفكر‬
‫وتهذيب‪ .‬قال تعالى ﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة واملوعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي‬
‫أحسن﴾‪ .‬فالدعوة هي إبالغ وليست هي الهداية والتوفيق‪ .‬فمن اهتدى بدعوته فله أجر‬
‫أحسن وأثمن من أنفس األمتعة في الدنيا‪ .‬قال رسول هللا ﷺ لعلي رض ي هللا عنه حين‬
‫أعطاه الراية »فوهللا ألن يهدي هللا بك رجال واحدا خير لك من حمر النعم«‪.‬‬

‫من اع متد عىل الناس م ّل‪،‬‬


‫ومن اع متد عىل ماهل ق ّل‪،‬‬
‫ومن اع متد علىعلمه ض ّل‪،‬‬
‫ومن اع متد عىل سلطانه ّزل‪،‬‬
‫ومن اع متد عىل عقهل اخت ّل‪،‬‬
‫ومن اع متد عىل هللا فال م ّل وال ق ّل وال ض ّل وال ّزل وال اخت ّل‬
‫(عيل بن أيب طالب ‪-‬ريض هللا عنه‪)-‬‬

‫‪9‬‬
‫عظم رحمة هللا‬
‫إعداد‪ :‬أحمد أفاندي‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الخطبة األولى‬
‫الحمد هلل رب العاملين‪ ،‬ومجير املستجيرين‪ ،‬وجابر كسر الضعفاء واملحرومين‪ ،‬غياث من‬
‫استغاث به‪ ،‬وناصر من انتصر به‪ ،‬هو األول بال ابتداء‪ ،‬واآلخر بال انتهاء‪ ،‬نعمه تترى‪،‬‬
‫ورحماته كثرى‪ ،‬حليم ال يعاجل بالخطايا‪ ،‬رحيم غيث رحمته يصوب‪ ،‬خيره إلينا نازل‪،‬‬
‫وفضله علينا كامل‪ ،‬والصالة والسالم على نبي الرحمة محمد بن عبد هللا‪ ،‬وعلى من‬
‫وااله‪ ،‬وسار على هداه‪ ،‬وقدم محبته على هواه‪ ،‬صالة وسالما دائمين متالزمين إلى أن‬
‫يشفع لنا عند مواله‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬عباد هللا‪ :‬أوصيكم ونفس ي بتقوى هللا‪ ،‬إذ بها النجاة يوم الهول‪ ،‬واألمن‬
‫يوم الفزع‪ ،‬والفوز يوم التغابن‪ ،‬من استمسك بها أفلح‪ ،‬ومن اعتصم بها ربح‪ ،‬وعليها‬
‫َّ َ ُ‬ ‫َْ ُ‬
‫﴿إ َّن أك َر َمك ْم ِع ْن َد الل ِه أ ْت َقاك ْم﴾ [الحجرات‪ ,]13 :‬وبها تكون‬ ‫يكون التفاضل في الدنيا‪ِ :‬‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫﴿و َّالذ َ‬
‫ين َّات َق ْوا ف ْوق ُه ْم َي ْو َم ال ِق َي َام ِة﴾ [البقرة‪.]212 :‬‬ ‫ِ‬
‫الرفعة يوم الدين َ‬

‫عباد هللا‪ :‬ما أعظم رحمة هللا بهذه األمة‪ ،‬حيث أنزل عليهم أحسن كتبه‪ ،‬وأرسل‬
‫إليهم أفضل رسله‪ ،‬وشرع لهم أفضل شرائع دينه‪ ،‬وجعلهم خير أمة أخرجت للناس‪َ :‬‬
‫﴿يا‬
‫ٌ ْ‬
‫دى َو َر ْح َمة ِلل ُم ْؤ ِم ِن َين﴾‬ ‫اس َق ْد َج َاء ْت ُك ْم َم ْو ِع َظ ٌة م ْن َرّب ُك ْم َوش َف ٌاء ملَا في ُّ‬
‫الص ُدور َو ُه ً‬ ‫ُ‬ ‫َأ ُّي َها َّ‬
‫الن‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫[يونس‪ ،]57 :‬فالهدى هو العلم بالحق والعمل به‪ ،‬والرحمة هي ما يحصل من الخير‬
‫واإلحسان‪ ،‬والثواب العاجل واآلجل ملن اهتدى به من املؤمنين‪ ،‬وإذا حصل الهدى‪،‬‬
‫وحلت الرحمة الناشئة عنه‪ ،‬حصلت السعادة والفالح‪ ،‬وتم الفرح والسرور‪ .‬ولذلك‬
‫وجل‪ -‬بالفرح بالقرآن الذي هو أعظم نعمة ومنة‪ ،‬والفرح باإليمان وعبادة‬ ‫عز َّ‬ ‫أمرنا هللا ‪َّ -‬‬
‫ُ‬
‫﴿ق ْل ب َف ْ‬
‫ض ِل‬ ‫ِ‬ ‫هللا التي يحصل بها األنس والطمأنينة‪ ،‬واللذة والسكينة كما قال سبحانه‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬
‫الل ِه َو ِب َر ْح َم ِت ِه ف ِبذ ِل َك فل َي ْف َر ُحوا ُه َو خ ْي ٌر ِم َّما َي ْج َم ُعون﴾ [يونس‪ ،]58 :‬وهللا ‪-‬سبحانه‪-‬‬
‫خير من غفر‪ ،‬وأرحم من ملك‪ ،‬وأكرم من أعطى‪ ،‬فلساننا يهتف بما قال الصالحون من‬

‫‪10‬‬
‫اغف ْر َل َنا َوا ْر َح ْم َنا َو َأ ْن َت َخ ْي ُر ْال َغافر َ‬
‫َْ َ َ َ َ ْ‬
‫ين﴾ [األعراف‪ .]155 :‬ومن رحمته‬ ‫ِِ‬ ‫قبل‪﴿ :‬أنت وِل ُّينا ف ِ‬
‫الدائمة املتكررة‪ ،‬كل يوم وليلة على مدى الدهر أن جعل لعباده النهار ليبتغوا من‬
‫فضله‪ ،‬وينتشروا في ضيائه لطلب أرزاقهم ومعايشهم‪ ،‬وجعل لهم الليل ليسكنوا فيه‪،‬‬
‫وتستريح أنفسهم وأبدانهم فيه من تعب السعي في النهار‪ ،‬فهذا كله من فضله ورحمته‬
‫ْ َ ْ َ َّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َ ْ َ َ َ َ َ ُ ُ َّ ْ َ َ َّ َ ُ‬
‫ض ِل ِه َول َعلك ْم‬ ‫الن َه َار ِلت ْسك ُنوا ِف ِيه َوِل َت ْب َتغوا ِمن ف‬‫بعباده ﴿و ِمن رحم ِت ِه جعل لكم الليل و‬
‫ون﴾ [القصص‪.]73 :‬‬ ‫َت ْش ُك ُر َ‬

‫هللا هو أرحم بعباده من الوالدة بولدها‪.‬‬


‫ض‪،‬‬ ‫هللا َخ َل َق‪َ ،‬ي ْو َم َخ َل َق السموات َواأل ْر َ‬ ‫قال النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪َّ ))" :-‬إن َ‬
‫ً َ‬
‫ض َر ْح َمة‪ ،‬ف ِب َها‬ ‫الس َم ِاء َواأل ْرض‪َ ،‬ف َج َع َل ِم ْن َها في األ ْ‬ ‫م َائ َة َ ْح َمة‪ُ ،‬ك ُّل َ ْح َمة ط َب َ‬
‫اق َما َب ْي َن َّ‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ر ٍ ِ‬ ‫ِ ر ٍ‬
‫ْ‬ ‫ض َها َع َلى َب ْعض‪َ ،‬فإ َذا َك َ‬ ‫َ ْ ُ ْ َ َ ُ َ َ َ َ َ َ ْ َ ْ ُ َ َّ‬
‫الط ْي ُر َب ْع ُ‬
‫ان َي ْو ُم ال ِق َي َام ِة‪،‬‬ ‫ٍ ِ‬ ‫تع ِطف الو ِالدة على ول ِدها‪ ،‬والوحش و‬
‫َّ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ََ َ َْ‬ ‫ْأك َم َل َها ِب َه ِذ ِه َّ‬
‫الر ْح َم ِة)) (مسلم ‪ ،)4946‬وللبخاري‪(( :‬فل ْو َي ْعل ُم الكا ِف ُر ِبك ِ ّل ال ِذي ِع ْن َد الل ِه‬
‫ْ َ َّ ْ ْ َ َ َ‬ ‫ْ َّ ْ َ َ ْ َ ْ َ ْ ْ ْ َ َّ َ َ ْ َ ْ َ ُ ْ ُ ْ ُ ُ ّ َّ‬
‫اب ل ْم‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫ع‬‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ ِ‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫ع‬‫ِمن الرحم ِة لم ييئس ِمن الجن ِة‪ ,‬ولو يعلم املؤ ِمن ِبك ِل ِ ِ‬
‫ي‬ ‫ذ‬ ‫ال‬
‫الن ِار))‪ ,‬فسبحان العزيز الرحيم‪ ،‬الذي رحم في عدله وعقوبته‪ ،‬كما رحم في‬ ‫َي ْأ َم ْن م ْن َّ‬
‫ِ‬
‫فضله وإحسانه ومثوبته‪.‬‬
‫إن رحمة هللا واسعة‪ ،‬وسعت كل ش يء‪ ،‬وهي تتمثل في مظاهر كثيرة ال يحصيها‬
‫العبد‪ ،‬ويعجز اإلنسان عن مجرد تتبعها وتسجيلها‪ ،‬سواء في ذات نفسه وتكوينه‬
‫وتكريمه بما أكرمه هللا به‪ ،‬أو بما سخر هللا له من حوله ومن فوقه ومن تحته‪ ،‬أو فيما‬
‫َ ْ َ ُ ُّ ْ َ َّ‬
‫الله ال ُت ْح ُ‬
‫وها ِإ َّن‬
‫ص َ‬
‫أنعم به عليه مما يعلمه ومما ال يعلمه وهو كثير‪﴿ :‬وِإن تعدوا ِنع َمة ِ‬
‫يم﴾ [النحل‪.]18 :‬‬ ‫الل َه َل َغ ُف ٌ‬
‫ور َر ِح ٌ‬ ‫َّ‬

‫وما من نعمة يمسك هللا معها رحمته حتى تنقلب بذاتها إلى نقمة‪ ،‬وما من محنة‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ َ َّ ُ َّ‬
‫اس ِم ْن َر ْح َم ٍة فال ُم ْم ِس َك‬
‫تحفها ‪-‬رحمة هللا‪ -‬حتى تكون هي بذاتها نعمة‪﴿ :‬ما يفت ِح الله ِللن ِ‬
‫يم﴾ [فاطر‪ ,]2 :‬فال ضيق مع‬ ‫َل َها َو َما ُي ْمس ْك َفال ُم ْرس َل َل ُه م ْن َب ْع ِده َو ُه َو ْال َعز ُيز ْال َح ِك ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رحمة هللا‪ ،‬إنما الضيق في إمساكها عنه‪ ،‬فلو أمسك هللا رحمته ما ترك على ظهر هذه‬
‫األرض من دابة تدب أو تعيش‪ ,‬وال ضيق مع رحمة هللا ولو كان صاحبها في غياهب‬
‫السجن‪ ،‬أو في جحيم العذاب‪ ،‬أو في أودية الهالك‪ .‬وال سعة في إمساكها عن اإلنسان‪،‬‬

‫‪11‬‬
‫ولو تقلب في أعطاف النعيم‪ ،‬ورفل في مراتع الرخاء بين األنهار والقصور‪ ،‬وذوات الخدور‪،‬‬
‫ألن من نزع هللا عنه رحمته فهو يعيش في خيال النعيم‪ ,‬ومن منحه إياها فهو يعيش في‬
‫حقيقة النعيم‪.‬‬
‫فرحمة هللا ال تعز على طالبها في أي مكان‪ ،‬وفي أي زمان‪ ،‬وعلى أي حال‪ ,‬فقد‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُْ‬
‫وجدها إبراهيم ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬في النار ﴿قل َنا َيا ن ُار كو ِني َب ْر ًدا َو َسال ًما َعلى‬
‫﴿ق َ‬ ‫َ‬ ‫إ ْب َراه َ‬
‫ال‬ ‫يم﴾ [األنبياء ‪ .]69 :‬ووجدها نوح ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬في أمواج كالجبال‬ ‫ِ ِ‬
‫ُْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ال َب ْي َن ُه َما املَ ْو ُج َف َك َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ َ ْ َ ْ ْ َّ‬
‫ْ‬
‫ان ِم َن املغ َر ِق َين ﴾[هود ‪:‬‬ ‫الل ِه إال َم ْن َر ِح َم َو َح َ‬
‫اصم اليوم ِمن أم ِر ِ‬ ‫ال ع ِ‬
‫‪ .]43‬ووجدها يوسف ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬في الجب‪ ،‬كما وجدها في السجن‪ ،‬كما‬
‫َ ُ َ َّ َ َ َ ْ َ ُ ُ ُ َ َ َ َ ُ ُ ُ َ َ َ َ َ ْ َ َّ َّ‬
‫الل ُه َع َل ْيناَ‬ ‫وجدها في امللك‪﴿ ..‬قالوا أ ِإنك ألنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أ ِخي قد من‬
‫َّ َ‬ ‫َ ُ َ َّ َ َ َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َّ َ‬ ‫َّ ُ َ ْ َ َّ َ َ ْ َ‬
‫ص ِب ْر ف ِإ َّن الل َه ال ُي ِض ُيع أ ْج َر امل ْح ِس ِن َين * قالوا تالل ِه لق ْد آث َر َك الل ُه َعل ْي َنا‬ ‫ِإنه من يت ِق وي‬
‫َ ْ ُ َّ َ َ‬
‫اط ِئ َين﴾ [يوسف‪ ,]90،91:‬ووجدها يونس ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬في بطن‬ ‫وِإن كنا ل ِ‬
‫خ‬
‫الحوت‪ ,‬فقد روي من حديث أنس يرفعه إلى الرسول ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪" -‬أن يونس‬
‫النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات‪ ،‬وهو في بطن الحوت‪،‬‬
‫فقال‪ :‬اللهم ال إله إال أنت سبحانك‪ ،‬إني كنت من الظاملين‪ .‬فأقبلت الدعوة تحف‬
‫بالعرش‪ ،‬قالت املالئكة‪ :‬يا رب‪ ،‬هذا صوت ضعيف معروف من بالد بعيده غريبة؟‬
‫فقال‪ :‬أما تعرفون ذلك؟ قالوا‪ :‬يا رب‪ ،‬ومن هو؟ قال‪ :‬عبدي يونس‪ .‬قالوا‪ :‬عبدك يونس‬
‫الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل‪ ،‬ودعوة مستجابة؟ قالوا‪ :‬يا رب‪ ،‬أو ال ترحم ما كان‬
‫يصنع في الرخاء ّ‬
‫فتنجيه في البالء؟ قال‪ :‬بلى‪ .‬فأمر الحوت فطرحه َ‬
‫بالعراء" (ابن كثير ‪7‬‬ ‫ِ‬
‫‪ .)39 /‬ووجدها موس ى ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬في اليم وهو طفل مجرد من كل قوة‪ ،‬ومن‬
‫كل حراسة‪ ،‬كما وجدها في قصر فرعون‪ ..‬ووجدها أصحاب الكهف في الكهف‪ ،‬حين‬
‫َ‬
‫ص َن َع َعلى َع ْي ِني)﴾ [طه‪.]39 :‬‬ ‫﴿و َأ ْل َق ْي ُت َع َل ْي َك َم َح َّب ًة م ّني َول ُت ْ‬
‫افتقدوها في القصور والدور‪َ :‬‬
‫ِِ ِ‬
‫ووجدها محمد ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬في الغار‪ ،‬وفي طريق الهجرة‪ ،‬وفي بدر‪ ،‬وفي فتح‬
‫ََ ُ ََ ََ َ ُ ُ ُ‬ ‫َ َ ْ َ َ َّ ُ‬
‫مكة‪ ،‬وفي جميع أحواله ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪﴿ -‬فأنزل الله َس ِكينته عل ْي ِه وأ َّيده ِبجن ٍ‬
‫ود‬
‫َ َ‬
‫ل ْم ت َر ْو َها﴾ [التوبة ‪ .]40 :‬بارك هللا لي ولكم ونفعني وإياكم بما فيه من األيات والذكر‬

‫‪12‬‬
‫الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر هللا لي ولكم وسائر املسلمين من كل ذنب فاستغفروه‬
‫أنه هو الغفور الرحييم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‬
‫الحمد هلل الرحمن الرحيم‪ ،‬مالك يوم الدين‪ ،‬الذي أسبغ نعمه ورحمته الظاهرة‬
‫والباطنة على الخلق أجمعين‪ ،‬والصالة والسالم على من باملؤمنين رؤوف رحيم‪ .‬أيها‬
‫املسلمون‪ :‬يقول هللا سبحانه وتعالى ﴿ما يفتح هللا للناس من رحمة فال ممسك لها وما‬
‫يمسك فال مرسل له من بعده﴾ عباد هللا إن هللا أمركم بأمر بدأ بنفسه وثنى بمالئكته‬
‫وثلث بكم أيها املسلمون إذ قال ﴿إن هللا ومالئكته يصلون على النبي ياأيها الذين أمنوا‬
‫صلوا عليه وسلموا تسليما﴾ اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على‬
‫إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم‬
‫وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ,‬اللهم اغفر للمسلمين واملسلمات واملؤمنين واملؤمنات‬
‫األحياء منهم واألموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات‪ ,‬اللهم ال تدع لنا ذنبا إال غفرته‬
‫وال دينا إال قضيته وال حاجة من حوائج الدنيا إال قضيتها ياأرحم الراحمين‪ ,‬اللهم انصرنا‬
‫وانصر إخواننا املسلمين واملجاهدين في كل مكان وزمان‪ ،‬ربنا أنتا في الدنيا حسنة وفي‬
‫األخرة حسنة وقنا عذاب النار وأخر دعوانا أن الحمد هلل رب العاملين ‪.‬‬

‫قال النيب ﷺ ((لو يعمل املؤمن ما عند هللا من العقوبة ما طمع يف جنته أحد‪ ،‬ولو يعمل الاكفر ما‬
‫عند هللا من الرمحة ما قنط من رمحته أحد))‬

‫‪13‬‬
‫الثبات واالستقامة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد جوهر فريدي‬ ‫‪3‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫ُ ْ ُ ُ َ‬
‫الخط َبة األولى‬
‫إن الحمد هلل؛ نحمده ونستعينه ونستهديه‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات‬
‫ً‬
‫مرشدا‪ ،‬وأشهد أن ال إله‬ ‫أعمالنا‪ ،‬من يهده هللا فهو املهتد‪ ،‬ومن يضلل فلن تجد له ًّ‬
‫وليا‬
‫محمدا ُ‬
‫عبد هللا ورسوله صلى هللا عليه وعلى آله‬ ‫ً‬ ‫إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن‬
‫تسليما ً‬
‫كثيرا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم‬
‫َ َ ُ َّ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ‬
‫ين آ َم ُنوا َّات ُقوا الل َه َح َّق ت َقا ِت ِه َوال ت ُموت َّن ِإال َوأن ُت ْم‬ ‫قال هللا عز وجل‪﴿ :‬يا أيها ال ِذ‬
‫اس َّات ُقوا َ َّب ُك ُم َّالذي َخ َل َق ُك ْم م ْن َن ْفس َواحدةَ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ٍ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ُم ْس ِل ُمون﴾)آل عمران‪﴿ .(102:‬يا أيها الن‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫َْ‬ ‫َّ َّ َ ُ َ‬ ‫ً َ‬ ‫َّ‬ ‫ََ‬
‫َوخل َق ِم ْن َها َز ْو َج َها َو َبث ِم ْن ُه َما ِر َجاال ك ِث ًيرا َو ِن َس ًاء َو َّات ُقوا الل َه ال ِذي ت َس َاءلون ِب ِه َواأل ْر َح َام‬
‫َّ ُ ُ َ ً‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ‬ ‫ان َع َل ْي ُك ْم َر ِق ً‬
‫الل َه َك َ‬‫َّ َّ‬
‫ين آ َم ُنوا َّات ُقوا الل َه َوقولوا ق ْوال‬ ‫يب﴾‪) .‬النساء‪﴿ (1:‬يا أيها ال ِذ‬ ‫ِإن‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َ ُ ُُ ُ‬ ‫َ ً ُ ْ َُ َ َُ‬
‫ص ِل ْح لك ْم أ ْع َمالك ْم َو َيغ ِف ْر لك ْم ذن َوبك ْم َو َم ْن ُي ِط ِع الل َه َو َر ُسول ُه ف َق ْد ف َاز ف ْو ًزا‬ ‫س ِديدا * ي‬
‫يم﴾ )األحزاب‪.(7-70 :‬‬ ‫َع ِظ ً‬
‫هدي محمد ‪-‬صلى هللا عليه‬ ‫كتاب هللا‪ ،‬وخير الهدي ُ‬ ‫ُ‬ ‫فإن خير الحديث‬ ‫أما بعد‪َّ :‬‬

‫وسلم‪ ،-‬وشر األمور محدثاتها‪ ،‬وكل محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضاللة‪ ،‬وكل ضاللة في‬
‫النار‪.‬‬
‫يقول تبارك هللا وتعالى‪﴿ :‬إن الذين قالوا ربنا هللا ثم استقاموا تتنزل عليهم‬
‫املالئكة أال تخافوا وال تحزنوا وأبشروا بالجنة﴾‪..‬‬
‫أيها املسلمون الكرام‪،،‬‬
‫إن الثبات على دين هللا‪ ،‬ومالزمة صراطه املستقيم‪ ،‬واملداومة على الطاعة‬
‫والحذر من الوقوع في املعاص ي واملحرمات دليل على صدق اإليمان‪ ،‬وثمرة الهداية‪،‬‬
‫وسبب حصول الخيرات‪ ،‬وتنزل الرحمات‪ .‬وبه يحصل اليقين ومرضاة رب العاملين ويجد‬

‫‪14‬‬
‫املسلم حالوة اإليمان وطمأنينة النفس‪﴿ ،‬أفمن شرح هللا صدره لإلسالم فهو على نور‬
‫من ربه فويل للقاسية ُ‬
‫قلوبهم من ذكرهللا أولئك في ضالل مبين﴾‪.‬‬
‫ومدار الثبات على دين هللا واالستقامة على منهجه وطاعته على أمرين عظيمين‪:‬‬
‫حفظ القلب وحفظ اللسان‪ ،‬فمتى استقاما استقامت سائر األعضاء وصلح اإلنسان‬
‫ً‬
‫اعو َّجا وفسدا اإلنسان وضلت أعضاؤه جميعا‪" .‬‬
‫في سلوكه وحركاته وسكناته‪ ،‬ومتلى َ‬
‫أال وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله‬
‫أال وهي القلب"‪ .‬وقال صلى هللا عليه وسلم ‪)) :‬ال يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه‬
‫وال يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه((‪.‬‬
‫أيها اإلخوة‪،،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إن لثبات على دين هللا واالستقامة على شرعه أسبابا وأخالقا‪ .‬متى ما أجذ بها‬
‫املسلم وتخلق بها وحرص عليها ثب َّته هللا تعالى على دينه وعصمه من الحور بعد الكور‬
‫والضالل بعد الهدى‪ .‬فمن أهم هذه األسباب‪ :‬اإليمان الصادق باهلل تعالى واالعتصام‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بالكتاب والسنة‪ ،‬والتمسك بهما علما وعمال‪ ،‬فإن هما النور والضياء اللذين يهتدى‬
‫بهما في الظلمات ويرجع إليهما عندى امللمات ويعتصم بهما وقت الفتن‪ .‬مصداق لقوله‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪)) :‬ما تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب هللا‬
‫وسنة نبيه((‪.‬‬
‫أيها األخ‪ ،‬يبقى لك سأل‪ ،‬هل تثبت على دينك وعقيدتك مهما كانت التقلبات‬
‫والظروف الحياتية؟ وهل تثبت على صدق إيمانك مهما كانت الفتن تمر أمامك؟‪ .‬فها‬
‫هو نبينا املصطفى كان يثبت على دعوته ودينه ويصبر على األذاء واإلهاتة واالستهزاء‪.‬‬
‫وهذا صحابي جليل بالل بن رباح‪ ,‬وهذا جعفر بن أبي طالب لم يسمح نفسه األبيىة‬
‫بتنكيس الراية حتى قطع كلتا يديه فما كان منه إال أن اختضمها بعضيه‪ ،‬فما كان‬
‫ً‬
‫جزاؤه مثل عمله حين أبدله هللا عوضا عنهما جناحين في الجنة‪ .‬قال الحسن البصري‬
‫رحم هللا تعالى‪) :‬ما أجمل الطاعة إذا أتبعت بالطاعة! وما أعظم الحسنة وهي تنضم‬
‫إلى الحسنة! ّ‬
‫لتكون سلسلة من األعمال الصالحة التي ترفع العبد إلى درجات العلى‪،‬‬
‫ُ‬
‫املرء وأقل حظه من اإلسالم أن يهدم‬
‫وتنجيه من النار برحمة هللا وفضله‪ .‬وما أتعس ِ‬

‫‪15‬‬
‫ما بنى ويفسد ما أصلح‪ ،‬ويرتد إلى حمأة املعصية وظلمة الكفر بعد أن ذاق لذة اإليمان‬
‫وحالوة الطاعة(‪.‬‬
‫أيها املسلمون الكرام‪،،‬‬
‫رجل جليل إنه جالد بن سعيد‪ ،‬بمجرد أن أسلم تعرض للبالء الشديد‪ .‬فلما‬
‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫علم أبوه بإسالمه أرسل إليه مواله رافعا أخويه أبان وعمرا‪ ،‬وعاد معهم خالد إلى أبيه‬
‫فأكره أن يترك هذا الدين العظيم‪ ،‬فأبى خالد بكل عزة‪ .‬فقال له أبوه‪ :‬إذن أحرمك من‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫رزقي‪ ،‬قال له خالد‪ :‬هللا خير الرازقين‪ .‬فطق ولده يضربه ضربا شيدا حتى سالت الدماء‬
‫الشريفة من هذا الجسد الطيب‪ ،‬ثم أوثقه وزوج به في غرفة مظامة ومنع عنه الطعام‬
‫والشراب ثالثة أيام‪ ،‬ثم جاءه في اليوم الرابع نفر من أهله وقالوا‪ :‬كيف أنت يا خالد؟؟‬
‫فقال‪ :‬إني أتقلب في نعمة هللا‪ ،‬فقالوا‪ :‬أما آن لك أن تثوب إلى رشدك وتطيع أباك؟‬
‫فقال‪ :‬أما رشدي فما فارقني وما فارقته‪ .‬وأما أبي فال أطيعه فيما يعص ي هللا ورسوله‪.‬‬
‫يا إخوتي الكرام‪ ،،‬يقول النبي صلى هللا عليه وسلم‪" :‬استقيموا ولن تحصوا"‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقال تعالى‪﴿ :‬أومن كان ميتا فأييناه وجعلناه له نورا يمش ي به في الناس كمن مثله في‬
‫الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانو يعلمون﴾‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‬
‫َ ْ َ َّ َ َّ َّ َ‬ ‫َ ُّ ْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫الشك ُر ل ُه َعلى ت ْو ِف ِيق ِه َو ْام ِت َنا ِن ِه‪َ ،‬وأش َه ُد أال ِإل َه ِإال الل ُه ت ْع ِظ ًيما‬ ‫ال َح ْم ُد هللِ َعلى ِإ ْح َسا ِن ِه‪ ،‬و‬
‫ص َّلى ُ‬
‫هللا َع ْلي ِه َو َعلى‬ ‫ضوانه‪َ ،‬‬ ‫الداعي إ َلى ر ْ‬ ‫ل َشانه‪َ ،‬و َأ ْش َه ُد َأ َّن َنب َّي َنا ُم َح َّم ًدا َع ْب ُد ُه َو َر ُس ُول ُه َّ‬
‫ِ ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ً‬ ‫َ َ َّ َ َ ْ ً َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫ِآل ِه وأصح ِاب ِه وأعوا ِن ِه‪ ،‬وسلم تس ِليما ك ِثيرا‪..‬‬
‫اع َل ُموا َأ َّن م ْن َأ ْع َظم ْالف َتن َو ُّ‬
‫الش ُ‬ ‫هللا ‪َ -‬ت َع َالى‪َ ،-‬و ْ‬ ‫َأ َّما َب ْع ُد‪َ :‬أ ُّي َها ْاملُ ْسل ُمو َن‪َّ :‬ات ُقوا َ‬
‫ور‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‬
‫َّ ّ َ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ‬
‫اخ ِت َي َار ُس َّن ٍة َغ ْير ُس َّن ِت ِه‪َ ،‬ف َق ْد َق َ‬‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫‪-‬‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫س‬‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫هللا‬ ‫ى‬‫ل‬ ‫ص‬ ‫‪-‬‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫الن‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫صائب ُم َخ َال َف َة َه ْ‬ ‫َو ْاملَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬
‫اب أ ِل ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ين ُي َخ ِال ُفو َن َع ْن أ ْمر ِه أن ُت ِص َيب ُه ْم ِف ْت َن ٌة أ ْو ُي ِص َيب ُه ْم َع َذ ٌ‬ ‫َت َع َالى‪َ ﴿ :‬ف ْل َي ْح َذر َّالذ َ‬
‫يم﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫[النور‪]63 :‬‬
‫إن الثبات على دين هللا هو الرجولة الحقيقة‪ ،‬واالنتصار العظيم في معركة‬
‫الطاعات واألواء والرغبات والشهوات‪ .‬وأن على املسلم الصادق في إيمانه أن يحرص‬

‫‪16‬‬
‫على الثبات‪ ،‬ال سيما في هذا العصر‪ .‬عصر التحديات والفتن واملغريات‪ ،‬وذلك يكون‬
‫بكثرة العبادة هلل وحده‪ ،‬واملداومة على الطاعة‪ ،‬والرضا بقضاءه وقدره‪ ،‬والثبات على‬
‫دينه املداومة على ذكره تعالى‪ .‬فإنها الصلة العظمى باهلل‪ ،‬ومن كان هللا معه فمعه الفيئة‬
‫التي ال تغلب‪ ،‬والحارس الذي ال ينام‪ ،‬والهادي الذي ال يضل‪.‬‬
‫ص ُّلوا َع َليهْ‬‫ين َآم ُنوا َ‬ ‫النب ّي َيا َأ ُّي َها َّالذ َ‬
‫ص ُّلو َن َع َلى َّ‬
‫الل َه َو َمالئ َك َت ُه ُي َ‬‫َّ َّ‬
‫ِإن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ َ َّ َ َ َّ َ ً َ َ ً َ َّ‬ ‫َ َ ّ ُ َ ْ ً َ َ َ َ َّ‬
‫هللا َعل ْي ِه‬ ‫صلى‬ ‫صلى هللا علي ِه وسلم‪" :‬من صلى علي صالة و ِاحدة‬ ‫وس ِلموا تس ِليما‪ .‬وقال‬
‫ْ‬
‫ِب َها َعش ًرا" َ(ر َو ُاه ُم ْس ِلم)‪.‬‬

‫أعظم الكرامة‪ ،‬لزوم الاس تقامة‬


‫(ش يخ االإسالم ابن تميية)‬

‫‪17‬‬
‫أسباب نصرهللا‬
‫إعداد‪ :‬أحمد فوزي‬ ‫‪4‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الخطبة األولى‬
‫الحمد هلل الذي وعد املؤمنين بالنصر والتأييد ودفع عن الذين آمنو كيد كل كفار عنيد‪،‬‬
‫أشهد أال إله إال هللا املولى الحميد‪ ،‬و أشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي جاهد في هللا‬
‫حق جهاده إلعالء التوحيد‪ ،‬صلى هللا على محمد وعلى آله وصحبه الذين انتصرو‬
‫بالدين وانتصر بهم الدين حتى عال على كل دين‪ .‬أما بعد‬
‫فيا أيها الحاضرون‪ ...‬أوص ي نفس ي وإياكم بتقوى هللا فقد فاز املتقون‪ .‬قال تعالى‬
‫في القرآن الكريم ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا هللا حق تقاته وال تموتن إال وأنتم مسلمون﴾‬
‫اآلية‪.‬‬
‫معاشر املسلمين رحمكم هللا‪ ....‬لقد قال تعالى في القرآن الكريم ﴿يا أيها الذين‬
‫آمنوا إن تنصروا هللا ينصركم ويثبت أقدامكم﴾ اآلية‪ .‬تأملوا هذه اآلية أيها اإلخوة‪ ،‬أن‬
‫املؤمنين إذا نصروا هللا بالقيام بدينه والدعوة إليه أودع هللا في قلوبهم بالنصر‬
‫والطمأنينة والثبات‪ ،‬ويعينهم على أعدائهم وييسر لهم أسباب النصر‪ .‬إن األمة اإلسالمية‬
‫ملا كانت متمسكة بدينها كانت منصورة بنصرهللا املبين‪.‬‬
‫معاشر املسلمين رحمكم هللا‪ ....‬إذا الحظنا إحوالنا اليوم أن املسلمين تجاه‬
‫أعدائهم يحاصرون بشيئين خطيرين‪ ،‬األول هو جهلهم عن دينهم‪ ،‬وهذا سيترتب على‬
‫ابتعادهم عنه‪ ،‬الثاني هو مكر أعدائهم وتسلطهم‪ .‬فاألعداء أيها اإلخوة دائما وأبدا‬
‫يحاولون كل محاولة أن يجعلوا املسليمين في الظلمات ويبعدوهم عن دينهم ويفسدوا‬
‫أجيالهم‪ ,‬وال يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ولن ترض ى عنكم‬
‫اليهود وال النصارى حتى تتبعوا ملتهم‪ ,‬إننا مازلنا نسمع منهم االعتداءات املتكررة في‬
‫بعض الدول اإلسالمية خاصة في حدود فلسطين‪ ,‬وأما تسلط أعدائنا بتغيير النظام‬
‫فإنهم مازالو يحاولون أن يسير املسلمون في فلكهم أو في قوانينهم التي بنوها على عقولهم‬

‫‪18‬‬
‫القاصرة وآرائهم الفاسدة‪ .‬فإن كل رأي خالف الكتاب والسنة فهو رأي فاسد ال خير‬
‫فيه‪ .‬فانتبهوا يا معاشر املسلمون‪ ,‬إن األعداء حربونا من كل جانب للسيطرة علينا‪.‬‬
‫معاشر املسلمين رحمكم هللا‪ ....‬تأملوا هذه األحوال‪ ,‬لعلى هذه هي ابتالء من هللا‬
‫تعالى علينا الذي يدل على صدق إيماننا‪ ,‬ولعلى هذه هي التحديات التي ستوقظ أسدا‬
‫نائما من املسلمين في هذا البلد إن شاء هللا‪ ,‬ولعلى بهذه االبتالءات نعتقد أننا نسير على‬
‫الطريق الصحيح ألن الطريق املمتلئ بالبتالء هو الطريق األنبياء‪ ،‬فكل مسلم سيبتلى‬
‫بقدر إيمانه‪ .‬قال تعالى ﴿أحسب الناس أن يتركو‪﴾......‬العنكبوت ‪ ،2 :‬وفي آية أخرى ﴿أم‬
‫حسبتم أن تدخلوا الجنة وملا يأتكم‪ ﴾.....‬البقرة ‪ ( ،214 :‬أحثكم على االطالع إلى التفسير‬
‫السعدي ) ‪ ،‬فأي ضرر جاء من قبل أعدائنا فال ش يء عند هللا تعالى‪ ,‬قال تعالى ‪﴿ :‬ومكروا‬
‫ومكرهللا‪ ﴾..‬اآلية‪.‬‬
‫فلهذا أيها اإلخوة‪ ،‬مما البد أن يفعل املسلمون عند الشدائد والزالزل في الحياة‬
‫وعند مقابلة أعدائهم هو طلب النصر من هللا تعالى بنصر دينه‪ .‬ثم جاء السؤال‪ ،‬كيف‬
‫ننصر هللا تعالى حتى يأتينا نصره ؟ لقد بين هللا تعالى في القرآن الكريم ﴿ولينصرن هللا‬
‫من ينصره إن هللا لقوي عزيز ‪ .‬الذين إذا مكناهم في األرض وأقامو الصالة وآتواالزكاة‬
‫وأمروا باملعروف ونهوا عن املنكر وهلل عاقبة األمور﴾ اآلية‪ .‬فمن أسباب النصر هو إقامة‬
‫الصالة‪ ,‬بأن يأتوا بها كاملة بشروتها وأركانها وواجباتها ومكمالتها ويقومون إليها بنشاط‬
‫وشوق ويقومون بين يدي هللا تعالى بخشوع‪ ,‬فهل منا من أقام الصالة بهذه الصفات‬
‫املطلوبة ؟ فاهتموا بأمر الصالة ألن هللا تعالى أمرنا بالستعانة بها في أمورنا كلها‪ ,‬قال‬
‫تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوااستعينوا بالصبر والصالة﴾ اآلية‪.‬‬
‫وكذالك من أسباب النصر هو إيتاء الزكاة‪ ,‬ثم األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪.‬‬
‫فألمر باملعروف والنهي عن املنكر أو الدعوة إلى هللا تعالى هي وظيفة عظيمة جدا‪ ،‬قال‬
‫تعالى ﴿ومن أحسن قوال ممن دعا إلى هللا ‪ ﴾....‬اآلية‪ ,‬وفي آية أخرى ﴿ولتكن منكم أمة‬
‫يدعون إلى الخير ‪ ﴾...‬اآلية‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫الخطبة الثانية‬
‫إن من املشكلة التي تواجها هذه األمة هي جهلهم عن دينهم‪ ،‬فلولم يكن من‬
‫املسلمين من قام بهذه الدعوة فمن الذي سينجي هذه األمة من حفرة الجهل والضالل‪.‬‬
‫فنحن طلبة العلم الشرعي فاستشعروا بهذه املسؤولية‪ .‬إن املسلمين في حاجة ماسة‬
‫إلى العلم‪ ،‬فوهللا لولم يكن من املسلمين من قام بتربيتهم وتعليمهم إال طائفة‪ ،‬فلنكن‬
‫نحن من ضمن تلك الطائفة‪ .‬قال تعلى ﴿ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا‬
‫﴾ اآلية‪ .‬إننا نقوم بهذ الدعوة خدمة لإلسالم وحبا ألخواننا املسلمين‪ ,‬قال صلى هللا‬
‫عليه وسلم )( ال يؤمن أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه )( الحديث‪.‬‬

‫قال هللا ﷻ ﴿واذلين جاهدوا فينا لهنديهنم س بلنا وإان هللا ملع احملس نني﴾‬

‫‪20‬‬
‫أنت جاهل إذا عصيت ربك‬
‫إعداد‪ :‬أرديمان‬ ‫‪5‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الخطبة األولى‬
‫إن هللا جعل لك الشيطان عدوا فاتخذاه عدوا واحذر من مكائده فإنه عارف بالعيوب‬
‫بصير بإلقائك إلى الذنوب له طرق كثيرة إلى الصدور فاستعذ من شره بموالك عالم‬
‫الغيوب‬
‫فال يغرنك مما تعلمت من العلوم وال مما أنفقت من الجيوب‪ ,‬فاعلم بأن العلم‬
‫إذا لم يضبط بالعمل واإليمان عاد نفعه ضرا وخيره شرا يكون صاحبه متكبرا ولنعم‬
‫هللا منكرا وعن الحق معترضا فالنار كانت إليه مصيرا‬
‫أيها املسلمون الكرام‪.......................................‬‬
‫قارون الذي كان من قوم موس ى‪ّ ,‬‬
‫فضله هللا باألموال الطائله بل لكثرتها فإن‬
‫مفاتيح خزائنها لتثقل الجماعة عن حملها ولكنه طغى وعص ى أنسب جميع أمواله إلى‬
‫عمله متكبرا إذ قال‪":‬إنما أوتيته على علم عندي"‪ ,‬فخسف هللا وبداره األرض فأصبح‬
‫من الخاسرين الضالين في الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫فلما جائتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم‪ ,‬فما أهلك العلم إذا تجرد‬
‫عن اإليمان في الدنيا عليه عقاب وفي اآلخرة عذاب‬
‫أيها املسلمون الكرام‪.....................................‬‬
‫يا عبد هللا‪...‬أنت‪...‬تعرف بأن الغيبة محرمة لكنك تغتاب‪ ,‬تعلم بأن أخذ أموال‬
‫الغير حرام مذموم لكنك تجرأ وتفعل‪ ,‬تعرف بأن املعصية تضرك‪ ,‬تضر أسرتك‪,‬‬
‫مجتمعك‪ ,‬بل وحتى بيئتك‪ ,‬تعرف أنها توجب اللعنة وتغضب الرحمن‪ ,‬تعرف بأن هللا‬
‫يراك بصير بما تفعل‪ ,‬والسموات واألراضين تشهد‪ ,‬واملالئكة تراقب وتكتب‪ ,‬فويل لك أن‬
‫تعص ي‪ ,‬وهللا قد أثبت وبين في كتابه بأن العاص ي جاهل‪ ,‬قال هللا تعالى‪﴿ :‬إنما التوبة‬

‫‪21‬‬
‫على هللا للذين يعملون السوء بجهالة﴾ وقال أيضا‪﴿:‬إنه من عمل منكم سوءا بجهالة﴾‬
‫وقال أيضا‪﴿:‬إن ربك للذين عملوالسوء بجهالة﴾‪.‬‬
‫فأشرف العلم ما كان يلبث ثوب اإليمان والعمل‪ ,‬عباد هللا إنما العلم خشية هللا وإن‬
‫لم تخش ى فأنت جاهل "إنما يخش ى هللا من عباده العلماء"‬
‫أيها املسلمون الكرام‪......................................‬‬
‫يقال بأن حضارة اليوم توصف بأنها حضارة علمية لكنها علمانية‪ ,‬ال دينية وال‬
‫إيمانية‪ ,‬ليس لإليمان باآلخرة فيها مكان وال للتصديق فيها مجال‪ ,‬فما أهون العلم إذا‬
‫تجرد عن اإليمان‪ .‬قال تبارك وتعالى‪﴿:‬يعلمون ظاهرامن الحياة الدنيا وهم باآلخرة هم‬
‫غافلون﴾‬
‫أيها املسلمون الكرام‪........................................‬‬
‫فتوجهت قلوبهم وأهواؤهم وإراداتهم وشهواتهم إلى الدنيا وغفلت عن اآلخرة‪ ,‬فال‬
‫الجنة إليها تشتاق وال النار منها تخاف وتخش ى نسو هللا فأنساهم أنفسهم‪ ,‬فلتكن أنت‬
‫بما تعلمت من هللا تزداد خوفا وخشية وبين الناس تزداد تواضعا فبه تكن لك معادا‬
‫أبدا‬
‫بارك هللا لي ولكم ولسائر املسلمين‪،‬فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم‬
‫الجطبة الثانية‬
‫أنت جاهل إذا عصيت ربك‪ ,‬والعلم لن يبقى في قلب الجاهل فكل من عص ى هللا فهو‬
‫جاهل وكل من أطاعه فهو عالم‬
‫أنت جاهل إذا عصيت ربك‪ ,‬العالم يعرف عظمة هللا وقدرته‪ ,‬عرف أنه يراه أينما كان‪,‬‬
‫فأن له في حق ربه أن‬ ‫عرف أنه بصير لكل تصرفاته وأفعاله‪ ,‬سميع بجميع أقاواله ّ‬

‫يعصيه‪.‬‬

‫اإن تعبت يف الرب فاإن التعب يزول والجر يبقى‬


‫وإان تذلذت ابلآاثم فاإن الذلة تزول والآاثم تبقى‬

‫‪22‬‬
‫أصلح األخوة اإليمانية‬
‫إعداد ‪ :‬أمرين‬ ‫‪6‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الخطبة األولى‬
‫ْ ُ ُ ْو َ ْ ُ َ َ ْ َ ّ َ‬ ‫َّ ْ َ َ َّ َ ْ ُ ُ َ َ َ ُ ُ َ َ َ ْ ْ َ َ ُ‬
‫ات‬‫ِإن الح ْمد ِلل ِه نح َمده ون ْست ِع ْينه ون ْستغ ِف ُره ون ُعوذ ِباهللِ ِمن شر ِر أنف ِسنا و ِمن س ِي ِ‬
‫ئ‬
‫ضل ْل َف َال َهاد َي َله‪َ ُ.‬و َأ ْش َه ُد َأ ْن َال إ َل َه إ َّال هللاُ‬ ‫هللا َف َال ُمض َّل َل ُه َو َم ْن ُي ْ‬ ‫َأ ْع َمال َنا‪َ ،‬م ْن َي ْهده ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫َو ْح َد ُه ال ش ِرْي َك ل ُه َوأش َه ُد أ َّن ُم َح َّم ًدا َع ْب ُد ُه َو َر ُس ْول ُه‪.‬‬
‫اللهم صل على محمد وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد‪.‬‬
‫فيا أيها املؤمنين أوص ي نفس ي وإياكم بتقوى هللا فقد فاز املتقون إذ قال هللا ﷻ في كتابه‬
‫ن‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ َّ ُ َّ َ َ َّ ُ َ َ َ َ ُ ُ َّ َّ َ َ ْ ُ ْ ُ ْ ُ َ‬
‫العزيز ﴿يا أيها ال ِذين آمنوا اتقوا الله حق تقا ِت ِه وال تموتن ِإال وأنتم مس ِلمو ﴾‬
‫َّ‬ ‫ََ‬
‫س َو ِاح َد ٍة َوخل َق ِم ْن َها َز ْو َج َها َو َبث‬ ‫ف‬‫اس َّات ُقوا َ َّب ُك ُم َّالذي َخ َل َق ُك ْم م ْن َن ْ‬
‫ر‬ ‫﴿يا َأ ُّي َها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫وقال َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ْ َ ْ َ َ َّ َّ َ َ َ َ ُ‬ ‫َّ َّ َ ُ َ‬ ‫ً َ‬
‫ان َعل ْيك ْم‬ ‫ِم ْن ُه َما ِر َجاال ك ِث ًيرا َو ِن َس ًاء َو َّات ُقوا الل َه ال ِذي ت َس َاءلون ِب ِه واألرحام ِإن الله ك‬
‫َر ِق ًيبا﴾‬
‫ْ‬ ‫ُ ْ َُ َ َُ‬ ‫َّ ُ ُ َ ً‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ‬
‫ص ِل ْح لك ْم أ ْع َمالك ْم َو َيغ ِف ْر‬ ‫ين آ َم ُنوا َّات ُقوا الل َه َوقولوا ق ْوال َس ِد ًيدا (‪ )70‬ي‬ ‫وقال ﴿يا أيها ال ِذ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ ُُ ُ‬
‫لك ْم ذن َوبك ْم َو َم ْن ُي ِط ِع الل َه َو َر ُسول ُه ف َق ْد ف َاز ف ْو ًزا َع ِظ ًيما﴾‬
‫فإن أصدق الحديث كتاب هللا وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر األمور محدثاتها وكل‬
‫محدثة بدعة وكل بدعة ضاللة وكل ضاللة في النار‪.‬‬
‫فيا عباد هللا ‪......‬‬
‫إن اإلسالم دين الجماعة نشره هؤالء النبالء بالحكمة واملوعظة الحسنة فلن‬
‫تسود هذه األمة إال بقلوبهم الصافية وأخالقهم السامية وأخوتهم القوية‪ ،‬فلذلك تولت‬
‫هذه األمة على الدنيا اقتصادا وسياسة وعلوما وثقافة فظلت تلك الحالة عصورا طويلة‬
‫حتى جاءت االختالفات املفسدة واالفتراقات الخبيثة‪ ،‬فتقاتلت األمة ونزعت عنهم العزة‬
‫فذهبت عنهم القوة‪ ،‬فلن تعود تلك العزة إال باإليمان وقوة األخوة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫فيا عبادهللا ‪........‬‬
‫تعالوا نتأمل‪ ،‬نؤمن ساعة‪ ،‬كيف بنى النبي ﷺ أجيال هذه األمة ؟؟؟‪ ...‬كيف‬
‫غرس وزرع النبي ﷺ في قلوتهم األلفة واملحبة حتى توحدت الكلمة وتقوت األخوة‪ .‬فيا‬
‫عباد هللا ‪ ،،،...‬لذلك كان أول ما صنع النبي ﷺ بعد بناء املسجد النبوي هو اإلخاء بين‬
‫املهاجرين واألنصار‪.‬‬
‫ها هو سعد بن الربيع األنصاري قال لعبد الرحمن بن عوف بعد أن آخى النبي‬
‫ﷺ بينهما‪" :‬إني أكثر األنصار ماال فأقسم مالي نصفين ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك‪،‬‬
‫فسمها لي أطلقها‪ ،‬فإذا انقضت عدتها فتزوجها‪ "!...‬سبحان هللا فأي محبة تفوق هذه‬
‫املحبة في هللا‪.‬‬
‫فيا عباد هللا ‪........‬‬
‫فال عجب وال ريب وأمامهم أحسن القدوة في املحبة ﷺ‪ ،‬فكان إذا كلمه أحد‬
‫أقل عليه لكل وجهه وجسمه‪ ،‬وهو الذي أشعر عمرو بن العاص بأنه أحب الناس إليه‪،‬‬
‫وليس كذلك‪ ،‬وهو الذي قال ملعاذ يوما‪" :‬يا معاذ إني ألحبك"‪ ،،،...‬فيا عباد هللا‪ ....‬املحبة‬
‫في هللا واسعة ال تنحصر بالعالقة الزوجية‪ ،‬ال‪ ،‬قال النبي ﷺ «ما تحاب الرجالن إال كان‬
‫أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه» رواه البخاري وقال في حديث آخر «إذا أحب رجل أخاه‬
‫فاليخبر أنه يحبه» فهكذا منهج النبوة الذي تربى عليه الصحابة رضوان هللا عليهم فإنهم‬
‫يحرصون على التآلف والتعاطف واملحبة القوية‪......‬‬
‫فيا عباد هللا‪......‬‬
‫املحبة الصادقة تديم العالقة واألخوة في هللا‪ ،‬ال تحدده األمكنة واألزمنة‪ ،‬األخوة‬
‫في هللا ال تقطع املشاكل العارضة وال االنفعاالت الطارئة‪ ،‬لذلك قال النبي ﷺ «ال تقاطعوا‬
‫وال تدابروا وال تباغضوا وال تحاسدوا وكونوا إخوانا كما أمركم هللا» وقال في حديث آخر‬
‫«تفتح أبواب الجنة يوم اإلثنبن والخميس فيغفر لكل عبد ال يشرك باهلل شيئا إال رجال‬
‫كان بينه وبين أخيه شحناء فيقال‪ :‬أنظروا هذين حتى يصطلحا أنظروا هذين حتى‬
‫يصطلحا أنظروا هذين حتى يصطلحا» ‪........‬‬

‫‪24‬‬
‫فيا أيها املؤمن باهلل أسألك‪ :‬كيف حالك اآلن مع أخيك؟؟؟‪ ،‬كيف حالك مع‬
‫أخيك في املسجد‪ ،‬في املطعم‪ ،‬وحتى في امللعب؟؟؟ ‪ ....‬إذا كان بينك وبين أخيك تقاطع‬
‫أو تدابر أو تباغض فما منعك أن تذهب إليه تطلب منه العفو أو أنت عنه تعفو‪ .....‬أخي‬
‫املؤمن ها هو أبو ذر ‪-‬رض ي هللا عنه‪ ،-‬صحابي جليل كان بينه وبين بالل ‪-‬رض ي هللا عنه‪-‬‬
‫خصومة‪ ،‬فشكا بالل إلى رسول هللا ﷺ‪ ،‬فقال ألبي ذر‪" :‬إنك امرء فيك جاهلية فنصحه‬
‫النبي ﷺ‪- ،‬فماذا فعل أبو ذر ؟؟؟‪ ،-‬مض ى أبو ذر حتى لقي بالال ثم اعتذر‪ ،‬وقعد على‬
‫األرض بين يدي بالل ثم جعل يقرب من األرض حتى يضع خضه على التراب فقال‪ :‬طأ‬
‫برجلك على خدي‪ ...‬فهكذا كان هؤالء الصحابة يحرصون على إطفاء نار العداوة قبل‬
‫اشتعالها‪ ،‬وإذا اشتعل منعوا من امتدادها‪.‬‬
‫ُْ ْ ْ َ َ ُْ ْ َ َ ْ ْ‬ ‫ََ ُ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َُ ُ َ َ َ ََ َ ْ‬
‫اس َتغ ِف ُر ْو ُه‬ ‫أق ْول ق ْو ِل ْي هذا وأ ْستغ ِف ُر هللا الع ِظ ْي َم ِل ْي ولك ْم وِل َسا ِئ ِر املس ِل ِمين واملس ِلم ِ‬
‫ات ف‬
‫إ ّن ُه ُه َو ْال َغ ُف ْو ُر ّ‬
‫الر ِح ْي ِم‬ ‫ِ‬

‫الخطبة الثانية‬
‫فيا أيها املؤمن‪ .......‬إن لم تصلح أنت عالقتك بأخيك فكيف تصلح األمة‪ ،‬وإن‬
‫لم تجتمع بين قلوبكم فكيف تجتمع قلوب األمة‪ ،‬إنما املؤمنون إخوة فأصلحوا بين‬
‫أخويكم واتقوا هللا لعلكم ترحمون‪ .‬ما أحوج املسلمين اليوم إلى قوة األخوة وإزالة تلك‬
‫االختالفات املذمومة‪ ،‬فاملؤمنون أذلة على املؤمنين أعزة على الكافرين‪ ،‬املؤمنون أشداء‬
‫على الكفار رحماء بينهم ألنهم يحبون إخوانهم إليمانهم وليس للمصالح واملنافع الدنيوية‬
‫وال للتعصبات املنطقية وال القبلية‪ ،‬فكلما زاد قرب إخوانهم هلل زاد حبهم إياهم‪ .‬قال‬
‫محبا ومن كان إلخوانه كار ًها فاطرح إليه عن إيمانه‬ ‫قائل‪" :‬من كان ً‬
‫مؤمنا كان إلخوانه ً‬
‫ً‬
‫سؤاال"‪.‬‬
‫ال تصحب مع هللا اإال ابملوافقة‪ ،‬وال مع اخللق اإال ابملناحصة‪ ،‬وال مع النفس اإال ابخملالفة‪ ،‬وال مع‬
‫الش يطان اإال ابلعداوة (ذو النون)‬

‫قال عيل بن احلسني ‪-‬ريض هللا عهنام‪ -‬لرجل‪ :‬هل يدخكل أحدمك يده يف ّمك أخيه أو كيسه فيأخد منه‬
‫ما يريد بغري إاذنه؟ قال‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬فلس مت ابإخوان‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫الدعوة إلى هللا‬
‫إعداد ‪ :‬حصن شهر مبارك‬ ‫‪7‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الخطبة األولى‬
‫ْ ُ ُ ْو َ ْ ُ َ َ ْ َ ّ َ‬ ‫َّ ْ َ َ َّ َ ْ ُ ُ َ َ َ ُ ُ َ َ َ ْ ْ َ َ ُ‬
‫ات‬‫ِإن الح ْمد ِلل ِه نح َمده ون ْست ِع ْينه ون ْستغ ِف ُره ون ُعوذ ِباهللِ ِمن شر ِر أنف ِسنا و ِمن س ِي ِ‬
‫ئ‬
‫ضل ْل َف َال َهاد َي َله‪َ ُ.‬و َأ ْش َه ُد َأ ْن َال إ َل َه إ َّال هللاُ‬ ‫هللا َف َال ُمض َّل َل ُه َو َم ْن ُي ْ‬ ‫َأ ْع َمال َنا‪َ ،‬م ْن َي ْهده ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫َو ْح َد ُه ال ش ِرْي َك ل ُه َوأش َه ُد أ َّن ُم َح َّم ًدا َع ْب ُد ُه َو َر ُس ْول ُه‪.‬‬
‫اللهم صل على محمد وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد‪.‬‬
‫فيا أيها املؤمنين أوص ي نفس ي وإياكم بتقوى هللا فقد فاز املتقون إذ قال هللا ﷻ في كتابه‬
‫ن‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ َّ ُ َّ َ َ َّ ُ َ َ َ َ ُ ُ َّ َّ َ َ ْ ُ ْ ُ ْ ُ َ‬
‫العزيز ﴿يا أيها ال ِذين آمنوا اتقوا الله حق تقا ِت ِه وال تموتن ِإال وأنتم مس ِلمو ﴾‬
‫َّ‬ ‫ََ‬
‫س َو ِاح َد ٍة َوخل َق ِم ْن َها َز ْو َج َها َو َبث‬ ‫ف‬‫اس َّات ُقوا َ َّب ُك ُم َّالذي َخ َل َق ُك ْم م ْن َن ْ‬
‫ر‬ ‫﴿يا َأ ُّي َها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫وقال َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ْ َ ْ َ َ َّ َّ َ َ َ َ ُ‬ ‫َّ َّ َ ُ َ‬ ‫ً َ‬
‫ان َعل ْيك ْم‬ ‫ِم ْن ُه َما ِر َجاال ك ِث ًيرا َو ِن َس ًاء َو َّات ُقوا الل َه ال ِذي ت َس َاءلون ِب ِه واألرحام ِإن الله ك‬
‫َر ِق ًيبا﴾‬
‫ْ‬ ‫ُ ْ َُ َ َُ‬ ‫َّ ُ ُ َ ً‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ‬
‫ص ِل ْح لك ْم أ ْع َمالك ْم َو َيغ ِف ْر‬ ‫ين آ َم ُنوا َّات ُقوا الل َه َوقولوا ق ْوال َس ِد ًيدا (‪ )70‬ي‬ ‫وقال ﴿يا أيها ال ِذ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ ُُ ُ‬
‫لك ْم ذن َوبك ْم َو َم ْن ُي ِط ِع الل َه َو َر ُسول ُه ف َق ْد ف َاز ف ْو ًزا َع ِظ ًيما﴾‬
‫فإن أصدق الحديث كتاب هللا وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر األمور محدثاتها وكل‬
‫محدثة بدعة وكل بدعة ضاللة وكل ضاللة في النار‪.‬‬
‫يا معشر املسلمين‪...‬‬
‫إذا تكلمنا عن الدعوة إلى هللا ظن بعض الناس أن الدعوة مقصورة على رجل‬
‫يقوم على املنبر ويخطب أو يجلس ويحاضر أو على رجل صالح يقوم بالليل ويصوم‬
‫بالنهار‪ ،‬وليس للعاص ي نصيب قط في خدمة هذا الدين‪ ،‬وإذا نصح يقول له شيطان‬
‫الجن واإلنس‪" :‬أنت تنصح الناس؟ أال تذكر خطاياك؟ أ مثلك يعمل للدين؟" وإذا َ‬
‫قلت‪:‬‬
‫َ‬
‫الشيطان بسمع هذه‬ ‫َ‬
‫أسعدت‬ ‫" كيف أنصح صاحبي الغافل وأنا مقصر مثله"‪ .‬فقد‬
‫الكلمات‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫نعم‪ ،‬ال أنكر أن األصل في الداعية أن يكون مستقيما على الطاعات‪ ،‬ولكن وجود‬
‫السيئات ال يمنع من فعل الحسنات‪ ،‬يا أخي في هللا‪ ،‬الدعوة ليست ألفراد معينين‪ ،‬أنت‬
‫وإن كنت عاصيا فلم تنقلب يهوديا وال نصرانيا‪ ،‬فالصاص ي معدود من املؤمنين‪ ،‬قال‬
‫ُْ َ‬ ‫َ‬
‫وف َو َي ْن َه ْون َع ِن امل ْنك ِر‬ ‫ر‬‫ُ‬ ‫ون ب ْاملَ ْ‬
‫ع‬ ‫ض ُه ْم َأ ْول َي ُاء َب ْعض َي ْأ ُم ُر َ‬ ‫تعالى ﴿ َو ْاملُ ْؤم ُنو َن َو ْاملُ ْؤم َن ُ‬
‫ات َب ْع ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ ُ ُ َ َّ َ َ ُ ْ ُ َ َّ َ َ َ ُ ُ َ َّ‬
‫يعون الل َه َو َر ُسول ُه أول ِئ َك َس َي ْر َح ُم ُه ُم الل ُه ِإ َّن الل َه‬ ‫وي ِقيمون الصالة ويؤتون الزكاة وي ِط‬
‫يم ﴾ [التوبة‪]71 :‬‬ ‫َعز ٌيز َح ِك ٌ‬
‫ِ‬
‫يا معشر املسلمين‪...‬‬
‫كم من الناس اليوم ممن وقعت بين العصاة وبين بعض الصالحين خصومات‪،‬‬
‫تسلط عليهم الشيطان فشعر بعض الدعاة بأن هؤالء العصاة أعداء للدين وأهله‪ ،‬ثم‬
‫ال يبالون بشأنهم وتركوهم‪ ،‬مع أن العبد قد يقع في املعصية ‪ ،‬لكنه يبقى من حزب‬
‫الرحمن‪ .‬انظر إلى ذلك الرجل الذي أغواه الشيطان فشرب خمرا فعوقب ثم شرب‬
‫فعوقب ثم شرب فعوقب فأتي إلى النبي ﷺ‪ ،‬فلما عوقب قال بعض الصحابة‪" :‬لعنه‬
‫ُ‬
‫علمت إال أنه يحب هللا‬ ‫هللا‪ ،‬ما أكثر ما يؤتى به" وقال النبي ﷺ‪" :‬ال تلعنوه‪ ،‬فوهللا ما‬
‫ورسوله"‪ .‬نعم‪ ،‬فهو وإن شرب خمرا لم ينقلب عدوا للدين‪ ،‬وها هي املرأة الزانية التائبة‬
‫أقاموا عليها الحد‪ ،‬فلما ماتت سبها بعض الصحابة‪ ،‬و قال النبي ﷺ‪" :‬لقد تابت توبة لو‬
‫قسمت على سبعين من أهل املدينة لوسعتهم"‪.‬‬
‫يا معشر املسلمين‪...‬‬
‫فإني ال أسوغ الوقوع في املعاص ي وال أعتذر ألصحابها‪ ،‬ولكن نريد أن نتذكر بأن‬
‫واجبنا هو األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ .‬واعلموا أيها املسلمون‪ ،‬كلما كثرت املنكرات‬
‫َ‬
‫وقلت الطاعات غضب رب األرض والسماء وقرب نزول البالء‪َ ﴿ ،‬و َما َي ْعل ُم ُج ُن ْو َد َرِّب َك‬
‫عم الصالح والطالح‪ ،‬قال تعالى ﴿‬ ‫إ َّال ُه َو ﴾‪ .‬واملنكر إذا وقع لم يضر الفاعلين فقط بل ّ‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ ْ َ ُ ْ ُ ْ َ َْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫َيا أ ُّي َها َّالذ َ‬
‫اعل ُموا أ َّن الل َه َي ُحو ُل‬ ‫اس َت ِج ُيبوا ِلل ِه َوِل َّلر ُسو ِل ِإذا دعاكم ِملا يح ِييكم و‬
‫ين َآم ُنوا ْ‬
‫ِ‬
‫َ ْ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ َّ ُ َ ْ ُ ْ َ ُ َ َ َّ ُ ْ َ ً ُ َ َّ َّ َ َ َ ُ ْ ُ ْ َ َّ ً‬
‫اصة‬ ‫بين املر ِء وقل ِب ِه وأنه ِإلي ِه تحشرون ۞ واتقوا ِفتنة ال ت ِصيبن ال ِذين ظلموا ِمنكم خ‬
‫الل َه َشد ُيد ْالع َ‬‫َ ْ َ ُ َ َّ َّ‬
‫اب ﴾ [األنفال‪.]25-24 :‬‬ ‫ق‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫واعلموا أن‬

‫‪27‬‬
‫وذكر ابن البر في التمهيد‪ :‬أن هللا تعالى أوحى إلى جبريل أن أهلك قرية كذا وكذا‪،‬‬
‫فقال جبريل‪" :‬يا ربي فيهم عبدك فالن‪ ،‬رجل صالح أي بكاء في األسحار صوام في النهار‬
‫له صدقات وأعمال صالحة‪ ،‬كيف أهلكه معهم؟" فقال هللا‪" :‬به فابدأ‪ ،‬فإنه لم ّ‬
‫يتمعر‬
‫وجهه ّفي قط أي لم يكن يأمر باملعروف ينهى عن املنكر‪ .‬وكل بحسب استطاعته‪" ،‬من‬
‫رأى منكم منكر فليغيره بيده‪ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه"‪.‬‬
‫أيها الدعاة إلى هللا‪...‬‬
‫إن الصراع بين الحق والباطل قائم إلى يوم القيامة‪ ،‬ولئن انتصر الباطل ساعة‬
‫فالحق منصور إلى قيام الساعة‪ ،‬فالسؤال‪ :‬هل نحن من الناصرين لهذا الدين؟ املسألة‬
‫تحتاج إلى جرأة في البداية ولكن لها فرحة في النهاية‪ .‬ولئن كان الفجار يتجرءون على‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ونساء أولى وأحرى‬ ‫نشر منكراتهم والدعوة إليها والحث عليها‪ ،‬فإن أهل الحق رجاال‬
‫بالعمل لنشر الفضيلة وحرب الرذيلة وحماية املجتمع من الفساد وتعبيد الناس لرب‬
‫العباد‪.‬‬
‫ُْ ْ ْ َ َ ُْ ْ َ َ ْ ْ‬
‫اس َتغ ِف ُر ْو ُه‬‫ات ف‬‫م‬‫ل‬ ‫س‬ ‫امل‬‫و‬ ‫ن‬‫ي‬ ‫م‬‫ل‬ ‫س‬ ‫امل‬ ‫ر‬‫ئ‬ ‫ا‬‫س‬‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫َأ ُق ْو ُل َق ْول ْي َه َذا َو َأ ْس َت ْغف ُر َ‬
‫هللا ْال َعظ ْي َم ل ْي َو َل ُك ْم َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إ ّن ُه ُه َو ْال َغ ُف ْو ُر ّ‬
‫الر ِح ْي ِم‬ ‫ِ‬

‫الخطبة الثانية‬
‫يا أخي الداعي‪ ،‬قم أنت بنصح أصحاب املنكرات‪ ،‬بكتابة الرسائل إليهم وإظهار‬
‫الشفقة عليهم وإهداء الهدايا لهم مع إحسان الظن بهم والدعاء لهم والتلطف معهم ﴿‬
‫َ ُ َ ُ َ ْ َ ّ ً َ َ َّ ُ َ َ َ َّ ُ َ ْ َ ْ َ‬
‫فقوال له قوال ل ِينا لعله يتذكر أو يخش ى ﴾ [طه‪ ]44 :‬وقد كان النبي ﷺ يكتب إلى كل‬
‫الدنيا يدعو لهم إلى فعل الطاعات وترك املنكرات وكان يتلطف في عبارته ويلين في‬
‫إشارته‪ ،‬فكتب إلى هرقل النصراني‪" :‬من محمد رسول هللا إلى هرقل عظيم الروم أسلم‬
‫تسلم يؤتك هللا أجرك مرتين" وكتب إلى ملك فارس واليمن‪ ،‬وهكذا كان الصالحون من‬
‫بعده‪.‬‬
‫فأنت ال تدري ما هو الباب الذي يدخلك الجنة‪ ،‬ربما بسبب كتابتك في فاسبوك‬
‫(‪ )fb‬أو مجالت أو كتيبات اهتدى الناس واستقاموا على طاعة هللا‪ ،‬ألن بعض الناس‬

‫‪28‬‬
‫ليس بينه وبين ترك املنكر إال أن يسمع موعظة أو يقرأ رسالة صادقة‪ .‬فابذل وال يخدلك‬
‫الشيطان وما أجمل أن ينتصر العبد على الشيطان‪ ،‬وال تسيئ الظن بأحد فالقلوب بين‬
‫أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء‪ ،‬وال تيأس ‪ ،‬وال تيأس إذا لم تقبل‬
‫نصيحتك من أول مرة‪ ،‬انظر إلى الشيخ ابن باز رحمه هللا كان يقول‪" :‬كنت في إحدى‬
‫املرات كتبت إلى صاحب منكر مائة مرة حتى أزاله"‪ .‬نعم الصبر والهمة العالية‪ ،‬فإن‬
‫الدين ال يتمكن بأيدي الضعفاء وال يرتفع بهمة الجبناء‪ ،‬وإنما ترفعه همة الرجال‬
‫األشداء الذين تعلقوا بالسماء‪.‬‬
‫فيا أخي الداعي‪ ،‬ما الذي يمنعك إذا رأيت منكرا أن تنصح صاحبه بلسانك أو‬
‫تكتب له رسالة بمشاعر صادقة وعزيمة واثقة‪ ،‬ثم ترفع كفيك في ظلمة الليل فتبتهل‬
‫إلى من بيده مفاتيح القلوب أن يحرك في قلبه اإليمان ويعيذه من وسوسة الشيطان‪،‬‬
‫كفاك خنوعا وسكونا وقعودا‪ ،‬فإنها ليست السعادة‪ ،‬فالسعادة أن تبلغ دين ذي العرش‬
‫املجيد‪ ،‬فالسعادة في التلذذ باملتاعب ال التلذذ بالرقود‪.‬‬

‫رضا الناس غاية ال تدرك ورضا هللا غاية ال تُرتك‬


‫فاترك ما ال يدرك وأدرك ما ال يرتك‬
‫(ابن القمي اجلوزية ‪-‬رمحه هللا)‬

‫‪29‬‬
‫املسلم الحقيقي‬
‫إعداد ‪ :‬حمزة عباد الرحمن‬ ‫‪8‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الخطبة األولى‬
‫ّإن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا‬
‫وسيئات أعمالنا‪ .‬من يهده هللا فال مضل له ومن يضلل فال هادي له‪ .‬أشهد أن ال إله إال‬
‫ّ‬
‫هللا وحده ال شريك له وأشهد ّأن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله‪ .‬بلغ الرسالة‬
‫وأدى األمانة ونصح لألمة وجهد في سبيل هللا حتى أتاه اليقين‪ .‬فاللهم صل وسلم على‬
‫نبينا محمد في األولين ‪,‬وصل وسلم على نبينا محمد في اآلخرين‪ ,‬وصل وسلم على نبينا‬
‫محمد في العاملين‪ ,‬وصل وسلم على نبينا محمد في املإل األعلى إلى يوم الدين‪ ,‬وعلى آله‬
‫األطهار‪ ,‬وأصحابه األخيار‪ ,‬وأتباعه األبرار‪ ,‬يا أرحم الراحمين‪.‬‬
‫﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا هللا حق تقاته وال تموتن إال وأنتم مسلمون﴾‬
‫﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما‬
‫رجاال كثيرا ونساء واتقوا هللا الذي تساءلون به واألرحام إن هللا كان عليكم رقيبا﴾‬
‫﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا هللا وقولوا قوال سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم‬
‫ذنوبكم ومن يطع هللا ورسوله فقد فاز فوزا عظيما﴾‪ .‬أما بعد‬
‫هدي محمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وش َر‬ ‫وخير الهدي ُ‬ ‫ُ‬
‫كتاب هللا‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫أصدق الحديث‬ ‫فإن‬
‫ُ‬
‫محدثاتها‪ ،‬وكل محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضاللة‪ ،‬وكل ضاللة في النار‪.‬‬ ‫األمور‬
‫أيها املسلمون‬
‫الله ْبن َع ْمرو – رض ى هللا عنهما – َعن َّ‬ ‫َ ْ َ ْ َّ‬
‫الن ِب ّ ِي‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫روى البخاري في صحيحه (عن عب ِد‬
‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫َ َ ُْ‬
‫ال‪ :‬امل ْس ِل ُم َم ْن َس ِل َم امل ْس ِل ُمون ِم ْن ِل َسا ِن ِه َو َي ِد ِه َ‪,‬وامل َه ِاج ُر َم ْن‬‫– صلى هللا عليه وسلم – ق‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ال َر ُسو ُل‬ ‫‪،‬ق َ‬ ‫َه َج َر َما ن َهى الل ُه َع ْن ُه ‪ .‬وفي رواية للترمذي َع ْن أ ِبى ُه َرْي َرة رض ي هللا عنه قال‬
‫الله ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ْ -‬املُ ْسل ُم َم ْن َسل َم ْاملُ ْسل ُمو َن م ْن ل َسانه َو َيده َو ْاملُ ْؤم ُن َم ْن َأم َنهُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّ ُ َ‬
‫اس َعلى ِد َم ِائ ِه ْم َوأ ْم َو ِال ِه ْم‪.‬‬ ‫الن‬

‫‪30‬‬
‫إخوة اإلسالم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫إن املسلم الحقيقي هو الذي تظهر عليه ُ‬
‫وشعائره وأماراته‪ ،‬وهو الذي‬ ‫آثار اإلسالم‬
‫يكف أذى لسانه ويده عن املسلمين‪ ،‬فال يصل إلى املسلمين منه إال الخير واملعروف‪.‬‬
‫ً‬
‫محافظا على أداء الصالة في وقتها‪ ،‬وقد ُ‬ ‫وفي واقع املسلمين اليوم قد ُ‬
‫تجده‬ ‫تجد الرجل‬
‫ً‬ ‫فيدفع الزكاة املفروضة‪ ،‬وقد ُ‬
‫ُ‬
‫يزيد عليها معوانا للناس يسعى في‬ ‫يؤدي حق هللا في ماله‬
‫الخير‬ ‫قضاء حوائجهم‪ ،‬وقد ُ‬
‫تجده من ُحجاج بيت هللا الحرام ومن ُع ّمارة‪ ،‬ولكن مع هذا‬
‫ِ‬
‫ِكله قد تجده ال يحكم لسانه وال يملك زمامه‪ ،‬فينفلت منه لسانه فيقع في أعراض‬
‫الناس ويمزق لحومهم!! فال يستطيع أن يملك لسانه عن السب والشتم واللعن‪ .‬والنبي‬
‫َ َ ْ‬ ‫الل َّعان َو َال ْال َ‬
‫َّ َّ َ َ َّ‬ ‫س ْاملُ ْؤم ُ‬
‫صلى هللا عليه وسلم يقول‪َ « :‬ل ْي َ‬
‫ش وال ال َب ِذ ِ‬
‫يء‬ ‫ِ‬ ‫اح‬
‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ال‬‫و‬ ‫ان‬
‫ِ‬ ‫ع‬‫الط‬‫ب‬‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫»رواه الترمذي وغيره‪ .‬وقد تجد الرجل مع ما فيه من الخير والصالح ال يملك لسانه عن‬
‫الغيبة والنميمة‪ ،‬وال يملكه عن شهادة الزور وقول الزور‪ ،‬فيجره لسانه ويوقعه في كثير‬
‫من األخطاء والباليا‪ ،‬فمثل هذا النوع من الناس قد فقد صفة من أبرز وأهم صفات‬
‫الحقيقي‪.‬‬ ‫املسلم‬
‫وهناك نوع آخر من املسلمين يختلف عن النوع السابق فقد تجده يحكم لسانه ويقل‬
‫به الكالم‪ ،‬ولكنه يؤذي املسلمين بيده‪ ،‬فيضرب بيده أبدان املسلمين‪ ،‬واعتدى على‬
‫ً‬
‫أموالهم فيسرقهم‪ ،‬أو يسلبهم حقوقهم أو يظلمهم فهذا أيضا قد فقد إمارة من اإلمارات‬
‫الظاهرة التي تدل على كمال إسالم املرء وعلى صدق إيمانه‪ .‬وعلى هذا فلم يكن العبد‬
‫مسلما حقيقيا حتى يكف نفسه عن إيذاء املسلمين‪.‬‬
‫واملسلم الحقيقي يكف لسانه عن إيذاء املسلمين‪ ,‬وكف اللسان يكون بترك‬
‫الغيبة‪ ,‬وهي ِذكرك أخاك بما يكره ‪ ،‬وكذلك بترك النميمة ‪ ,‬وهي ُ‬
‫نقل الكالم الذي يثير‬
‫َ‬
‫والبغضاء ويفرق بين املسلمين ‪ ،‬وكذلك يكون بترك السب والشتم واللعن‬ ‫العداوة‬
‫والسخرية والعبارات التي تدل على احتقار املسلم والتعالي عليه ‪ ،‬أو إهانته ؛ وهللا يقول‬
‫َ‬ ‫َ ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫﴿ َي َاأ ُّي َها َّالذ َ‬
‫ين َآم ُنوا ال َي ْسخ ْر ق ْو ٌم ِم ْن ق ْو ٍم َع َس ى أ ْن َيكونوا خ ْي ًرا ِم ْن ُه ْم َوال ِن َس ٌاء ِم ْن ِن َس ٍاء‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫األ ْل َقاب ب ْئ َ‬ ‫َ َ َ ْ َ ُ َّ َ ْ ً ْ ُ َّ َ َ َ ْ ُ َ ْ ُ َ ُ ْ َ َ َ َ َ ُ ْ َ‬
‫س ِاال ْس ُم ال ُف ُسو ُق‬ ‫ِ ِ‬ ‫عس ى أن يكن خيرا ِمنهن وال تل ِمزوا أنفسكم وال تنابزوا ِب‬
‫َّ ُ َ‬ ‫َ ُ َُ َ‬ ‫ََْ ْ‬
‫اإل َيم ِان َو َم ْن ل ْم َيت ْب فأول ِئ َك ُه ُم الظ ِاملون﴾‪ .‬فمن حفظ لسانه ألجل هللا في الدنيا‪,‬‬ ‫بعد ِ‬

‫‪31‬‬
‫أطلق هللا لسانه بالشهادة عند املوت‪ .‬ومن ّ‬
‫سرح لسانه في أعراض املسلمين‪ ,‬واتبع‬
‫عوراتهم أمسك هللا لسانه عن الشهادة عند املوت‪.‬‬
‫إخوة اإلسالم‪،‬‬
‫واملسلم الحقيقي يترك التجسس عن عيوب الناس‪ .‬واعلم أيها األخ أن التجسس‬
‫عن عيوب الناس‪ ,‬وتطلب مساوئهم‪ ,‬يبدي العورات‪ ,‬ويكشف املخبآت‪ .‬وقد نهى هللا عز‬
‫وجل عن ذلك في كتابه العزيز بقوله‪﴿ :‬وال تجسسوا وال يغتب بعضكم بعضا﴾‪.‬‬
‫َ‬
‫ض ْر ٍب أو ق ْت ٍل‪ ،‬أو‬
‫واملسلم الحقيقي يكف نفسه عن شر يده‪ ،‬فال يؤذي أحدا ب َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫كتابة ما يضر املسلمين في عقيدتهم وأخالقهم‪ ،‬أو يطعن في أعراضهم‪ .‬ويدخل‬‫سرقة ‪،‬أو ِ‬
‫ُ‬
‫االستيالء على حقوقهم عن طريق الظلم واملعامالت املحرمة‪ .‬وينبغي للمسلم‬ ‫في ذلك‬
‫أن يعلم بأن إيذاء املسلمين من أعظم ما يقض ي على حسنات املرء في اآلخرة‪.‬‬
‫بارك هللا لي ولكم في القرآن الكريم‪ ,‬ونفعني هللا وإياكم بما فيه من اآليات والذكر الحكيم‬
‫واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‬
‫ْال َح ْم ُد هللِ َع َل ْى إ ْح َس ْانه‪َ ،‬و ْال ُّش ْك ُر َل ُه َع َل ْى َت ْوف ْيقه َو ْامت َن ْانه‪َ ،‬و َأ ْش َه ُد َأ ْن َال إ َل َه إ َّ ْال ُ‬
‫هللا‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ ِ ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َ ْ َ ُ َ ْ َ ْ َ َ ُ َ ْ ْ َ َ ْ َ َ ْ َ ُ َ َّ ُ َ َّ َ َ ْ ُ ُ َ َ ُ ْ ُ ُ ْ َّ ْ ْ َ ْ ْ َ ْ‬
‫وحده ال ش ِريك له تع ِظيما ِلشأ ِن ِه‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الدا ِعي ِإلى ِرضوا ِن ِه‬
‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫ََ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ص َّلى ُ‬
‫ص َحا ِب ِه َو َسل َم ت ْس ِل ْي َما ك ِث ْي َرا ‪.‬‬ ‫هللا َع ِل ْي ِه َو َعل ْى ِآل ِه وأ‬ ‫َ‬
‫أيها السلمون‬
‫واملسلم الحقيقي يترك ما ال يعنيه من القول والعمل‪ ،‬قال رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ :‬من حسن إسالم املرء تركه ما ال يعنيه‪ ,‬وقال بعض الحكماء‪ :‬ترك فضول‬
‫الكالم يثمر النطق بالحكمة‪ ،‬وترك فضول النظر يثمر الخشوع والخشية‪ ،‬وترك فضول‬
‫الضحك يثمر حالوة الهيبة‪ ،‬وترك الرغبة في الحرام‬
‫ِ‬ ‫الطعام يثمر حالوة العبادة‪ ،‬وترك‬
‫يثمر املحبة‪ ،‬وترك التجسس عن عيوب الناس يثمر صالح العيوب‪ ،‬وترك التوهم في هللا‬
‫ينفي الشك والشرك والنفاق‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫أيها املسلمون‪،‬‬
‫واجب أن َي ْس َلم ُ‬
‫كل مسلم من املسلم اآلخر في اللسان واليد واالعتداء على ال ِعرض أو‬
‫على املال أو على ما يختص به أخوه املسلم‪ .‬فإذا اجتمع لإلنسان سالمة الناس من يده‬
‫ومن لسانه فهذا هو املسلم الحقيقي‪.‬‬
‫أيها املسلمون‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّإن هللا أمركم بأمر عظيم‪ ,‬بدأ به نفسه ّ‬
‫وثن به مالئكته وثلث بكم أيها املسلمون‪.‬‬
‫قال هللا تعالى في كتابه الكريم ‪ّ :‬‬
‫﴿إن هللا ومالئكته يصلون على ّ‬
‫النبي يا أيها الذين آمنوا‬
‫صلوا عليه وسلموا تسليما﴾‬
‫اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك‬
‫على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العاملين إنك‬
‫حميد مجيد‪.‬‬
‫اللهم اغفر للمؤمنين واملؤمنات واملسلمين واملسلمات األحياء منهم واألموات إنك سميع‬
‫قريب مجيب الدعوات‪.‬‬
‫ربنا اغفر لنا وإلخواننا الذين سبقونا باإليمان وال تجعل في قلوبنا غال للذين آمنوا ربنا‬
‫إنك رؤوف رحيم‪.‬‬
‫اللهم أصلح والة أمورنا‪ ،‬اللهم وفقهم ملا فيه صالحهم وصالح اإلسالم واملسلمين‪ ،‬اللهم‬
‫أعنهم على القيام بمهامهم كما أمرتهم يا رب العلمين‪ .‬اللهم أبعد عنهم بطانة السوء‬
‫واملفسدين وقرب إليهم أهل الخير والناصحين يا رب العاملين اللهم أصلح والة أمور‬
‫املسلمين في كل مكان‪.‬‬
‫ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرة حسنة وقنا عذابا النار‪.‬‬
‫أقول قولي هذا وأستغفر هللا لي ولكم‪ .‬قوموا إلى صالتكم‬

‫قال ﷺ ((املسمل من سمل املسلمون من لسانه ويده))‬

‫‪33‬‬
‫الدروس من شجرة املوز‬
‫إعداد ‪ :‬دين الحق‬ ‫‪9‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الخطبة األولى‬
‫وم ْن‬ ‫وذ باهللِ م ْن ُش ْرور َأ ْن ُ‬ ‫َ ْ ُ ُ َُ ُ‬ ‫َّ َ َ َ ْ َ ُ ُ َ ْ َ ُ ُ َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫س‬ ‫ف‬
‫ِ ِ‬ ‫ِإن الح ْمد هللِ نحمده ونس ْت ِعينه ونس ْت ْه ِد ِيه ونش ْك ُره ونع ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َُ َ َ ّ‬ ‫ُ َ ُ َّ َ ُ َ ُ ْ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫هادي له‪ ،‬وصْ ْ ْلى هللا على‬ ‫مالنا‪ ،‬من يه ِد هللا فال م ِض ْ ْ ْل له ومن يضْ ْ ْ ِلل فال ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ئات أع ِ‬ ‫َس ْ ْ ْ ِي ِ‬
‫هللا َو ْح َد ُه‬ ‫ين‪َ ،‬وأ ْشْ ْ َه ُد َأ ْن ال إ َل َه إ َّال ُ‬ ‫الطاهر َ‬ ‫َّ ّ َ ّ‬
‫حاب ِت ِه الط ِي ِبين‬ ‫صْ ْ َ‬ ‫َسْ ْ ّيدنا ُم َح َّم ٍد وعلى ءاله و َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫وع ِظ َيمنا‬ ‫وحب َيبنا َ‬ ‫ثيل َله‪ ،‬وال ضْ ْ ْ ْ ْ َّد وال ن َّد َله‪َ ،‬وأ ْشْ ْ ْ ْ َه ُد َأ َّن َسْ ْ ْ ْ ّي َدنا َ‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ريك َل ُه وال َ‬ ‫ال َشْ ْ ْ ْ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ َّ َ‬
‫هللا و َسْ ْل َم َعل ْي ِه‬
‫ّ‬
‫وح ِب ُيب ُه‪ ،‬صْ ْْلى‬ ‫صْ ْف ُّي ُه َ‬ ‫محم ًدا َع ْب ُد هللا و َر ُس ْ ْ ُول ُه و َ‬ ‫َّ‬ ‫نا‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫وق َّر َة َأ ْع ُ‬
‫َ ُ‬
‫وقا ِئدنا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ُ ّ َ ُ َْ َ َ‬
‫وعلى ك ِل رسو ٍل أرسله‪.‬‬
‫يك ْم َون ْفسْ ْ ْ ْ ي ب َت ْق َوى هللا َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ َُْ‬
‫الع ِل ّ ِي العظيم القْْا ِئْ ِل في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ص‬
‫هللا فْ ِإ ِني ِ‬
‫و‬ ‫أ‬ ‫أمْا بعْد ِعبْْاد ِ‬
‫َ ْ َ َّ ُ‬ ‫نظ ْر َن ْف ٌ‬‫َ ََْ ُ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َّ ُ‬ ‫ُم ْح َكم َّ‬
‫س َّما ق َّد َمت ِلغ ٍد َواتقوا‬ ‫ءامنوا اتقوا هللا ولت‬ ‫الت ْن ْ ْ ْ ْ ْ ِْز ِيل ﴿ يا أيها ال ِذين‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ َّ َ َ‬
‫هللا خ ِب ٌير ِب َما ت ْع َملون ﴾ سْ ْ ْ ْْورة الحش ْ ْ ْْر‪ 18/‬ف َه ِن ًيئا ِمل ِن َّات َقى َرَّب ُه َوٱلت َز َم ِبش ْ ْ ْ ْر ِع‬ ‫هللا ِإن‬
‫َ َ‬
‫وه ِن ًيئا ِمل ْن ت َم َّس َك ِب َن ْه ِج َس ِّي ِد‬ ‫وهن ًيئا ملَ ْن َح َّج ْ‬
‫وٱع َت َم َر َ‬ ‫ُ َ َ ْ َ َّ َ َ‬ ‫َّ َ ّ‬ ‫َ ّ‬
‫س ِي ِدنا محم ٍد صلى هللا علي ِه وسلم ِ ِ‬
‫َّ ُ‬
‫ص ْ ْ ْالة‬
‫َ ْ َ َّ َ َّ َ‬
‫الن ِب ُّي َعل ْي ِه ال‬ ‫وٱه َت َدى ِب َه ْد ِي ِه‪ .‬وقد علم‬ ‫هللا َع َل ْيه و َس ْ ْ ْ ْ َّل َم ْ‬
‫ِ‬
‫ص ْ ْ ْ ْ ّلى ُ‬ ‫محم ٍد َ‬ ‫ْاملُ ْر َس ْ ْ ْ ْ ِل َين َّ‬
‫ض ُه ْم َعلى َ‬ ‫وح َّ‬ ‫ياه ْم َ‬ ‫ود ْن ُ‬ ‫األ ُمور َّالتي َت ْن َف ُع ُه ْم في دينه ْم ُ‬ ‫َّ ُ ُ َّ َ ُ َ ً َ ُ‬
‫الع َم ِل ِبها‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫والسالم أمته ك ِثيرا ِمن‬
‫هللا عز و جل ما خلق شْ ْْيئا إال جعل فيه منفعة لإلنسْ ْْان و عبرة ألولي األلباب‪،‬‬
‫ما خلق شْ ْ ْ ْْيئا إال لحكمة بالغة قال هللا تعالى ﴿وما خلقنا الس ْ ْ ْْماء و األرض وما بينهما‬
‫باطال﴾ و قال أيضا ﴿ربنا ما خلقت هذا باطال سبحانك فقنا عذاب النار﴾‬
‫الهواء الذي اسْْتنشْْقناه واملاء الذي شْْربناه والطعام الذي أكلناه نعمة من هللا‬
‫عز و جل أعطانا إياها‪ ،‬نعمة تستوجب شكرها له‪ ،‬قال تعالى ﴿لئن شكرتم ألزيدنكم و‬
‫لئن كفرتم إن عذابي لشديد﴾‬
‫هْل تعلم أن هللا تعْالى خلق كْل هْذه النعمْة ليس ألجْل اسْ ْ ْ ْْتهالكهْا فحسْ ْ ْ ْْب‪،‬‬
‫وإنما أعظم من ذلك أن هللا خلقها ألجل أن نأخذ درسْ ْ ْ ْْا و عبرة منها‪ ،‬وألجل أن نتفكر‬

‫‪34‬‬
‫في آيْات هللا عز وجْل‪ ،‬وألن نتْْدبر عظمْْة هللا في مخلوقْاتْه سْ ْ ْ ْْبحْْانْه‪ ،‬قْال تعْْالى ﴿و في‬
‫األرض آيات للموقنين و في أنفسكم أفال تبصرون﴾‬
‫انظر إلى مخلوق من مخلوقْْات هللا تعْْالى‪ ،‬نتفكر و نْْأخْْذ درسْ ْ ْ ْْا منْْه‪ .‬مْْا هو؟ هو خلق‬
‫ش ْ ْ ْ ْْجرة املوز‪ ،‬فْْإن هللا عز وجْْل خلقهْْا وجعْْل فيهْْا للنْْاس منْْافع كثيرة‪ ،‬من أصْ ْ ْ ْْلهْْا‪،‬‬
‫وجذعها‪ ،‬وأوراقها‪ ،‬وثمرها‪.‬‬
‫هذه الشجرة فيها ثالث خصائص يمكننا ذكرها‪:‬‬
‫األولى‪ :‬إن هذه الش ْ ْْجرة لها منفعة في كل جزئها‪ ،‬فالعبرة التي نأخذها هي ينبغي‬
‫لنْْا أن نكون نْْافعين لنخرين في كْْل جوانْْب حيْْاتنْْا‪ ،‬قْْال النبيﷺ ((خير النْْاس أنفعهم‬
‫للناس))‬
‫فينبغي للمس ْْلم أن يكون نافعا إلخوانه املس ْْلمين‪ ،‬معلما لهم الخير‪ ،‬قاض ْْيا لحاجاتهم‬
‫ومالطفا ليتاماهم ومحس ْْنا لض ْْعفائهم و مس ْْاكينهم‪ ،‬قال ﷺ (( املسْ ْلم أخو املس ْْلم ال‬
‫يظلمه وال يسْ ْ ْ ْْلمه‪ ،‬من كان في حاجة أخيه كان هللا في حاجته‪ ،‬ومن فرج عن مسْ ْ ْ ْْلم‬
‫كربْْة فرج هللا عنْْه كربْْة من كرب يوم القيْْامْْة‪ ،‬ومن سْ ْ ْ ْْتر مسْ ْ ْ ْْلمْْا سْ ْ ْ ْْتره هللا يوم‬
‫القيامة))‪.‬‬
‫و قال أيضْ ْ ْ ْْا‪ (( :‬أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا‪ ،‬وأشْ ْ ْ ْْار بالسْ ْ ْ ْْبابة والوسْ ْ ْ ْْطى وفرج‬
‫بينهما))‪.‬‬
‫هْْذا وعْْد من هللا تعْْالى‪ ،‬واعلموا أن وعْْد هللا حق وأن هللا ال يخلف امليعْْاد‪ ،‬من ينفع‬
‫الناس يحبه هللا‪ ،‬ومن أحسن إليهم أحسن هللا إليه‪ ،‬والجزاء من جنس العمل‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬إن هْذه الشْ ْ ْ ْْجرة ال تموت إال بعْد أن تثمر‪ .‬وكن أنْت مثلهْا في أنْك ال‬
‫تموت وال تْْذهْْب من هْْذه الْْدنيْْا إال بعْد أن تترك شْ ْ ْ ْْيئْْا تنفع بْْه نفس ْ ْ ْ ْْك وأسْ ْ ْ ْْرتْْك‬
‫ومجتمعك واملسلمين أجمعين سواء أكان ماال أم علما أم ولدا صالحا حيث قال ﷺ ((‬
‫إذا مات اإلنسان‪.))........‬‬
‫إن هذه األعمال الثالثة يجري أجرها على صاحبها ما دام الناس ينتفعون بها‪،‬‬
‫كما عرفنا أن اإلنسان ينقطع عنه عمله بعد وفاته؛ ألن هللا جعل الدنيا دار العمل‪،‬‬

‫‪35‬‬
‫وجعل اآلحرة دار الجزاء و الحساب‪ ,‬من مات انقطع عنه عمله إال من هذه األعمال‬
‫الثالثة‪ ،‬فإنها تبقى و يجري أجرها عليه و إن كان بعد املمات‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‬

‫الثالثة‪ :‬إن هذه الشجرة إذا مات نبتت بعدها شجرة أخرى‪ ،‬يعني ذلك أن‬
‫اإلنسان البد أن يسعى إلى تكوين الجيل الصالح أو الذرية الصالحة الطيبة‪ ،‬إذ قال‬
‫تعالى‪﴿ :‬وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا هللا وليقول‬
‫قوالسديدا﴾‪.‬‬

‫فاملعلم يربي تالميذه حتى يكونوا ذوي خلق حسن‪ ،‬واألب يربي أبناءه حتى يكونوا‬
‫صالحين مصلحين‪ ،‬والداعي يربي املجتمع والشباب لعبادة هللا عز وجل واتباع الرسول‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫لست بأفضل من أحد ولكن لست بأقل من أحد وال كي أحد‬

‫اإن مل تكن مغامرا س تحيك لوالدك مغامرات غريك‬


‫(أبو أمين القمري)‬

‫‪36‬‬
‫حفظ الجوارح من أسباب صفاء القلب‬
‫إعداد ‪ :‬رضوان شهر‬ ‫‪10‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الخطبة األولى‬
‫ْ ُ ُ ْو َ ْ ُ َ َ ْ َ ّ َ‬ ‫َّ ْ َ َ َّ َ ْ ُ ُ َ َ َ ُ ُ َ َ َ ْ ْ َ َ ُ‬
‫ات‬‫ِإن الح ْمد ِلل ِه نح َمده ون ْست ِع ْينه ون ْستغ ِف ُره ون ُعوذ ِباهللِ ِمن شر ِر أنف ِسنا و ِمن س ِي ِ‬
‫ئ‬
‫ضل ْل َف َال َهاد َي َله‪َ ُ.‬و َأ ْش َه ُد َأ ْن َال إ َل َه إ َّال هللاُ‬ ‫هللا َف َال ُمض َّل َل ُه َو َم ْن ُي ْ‬ ‫َأ ْع َمال َنا‪َ ،‬م ْن َي ْهده ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫َو ْح َد ُه ال ش ِرْي َك ل ُه َوأش َه ُد أ َّن ُم َح َّم ًدا َع ْب ُد ُه َو َر ُس ْول ُه‪.‬‬
‫اللهم صل على محمد وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد‪.‬‬
‫فيا أيها املؤمنين أوص ي نفس ي وإياكم بتقوى هللا فقد فاز املتقون إذ قال هللا ﷻ في كتابه‬
‫ن‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ َّ ُ َّ َ َ َّ ُ َ َ َ َ ُ ُ َّ َّ َ َ ْ ُ ْ ُ ْ ُ َ‬
‫العزيز ﴿يا أيها ال ِذين آمنوا اتقوا الله حق تقا ِت ِه وال تموتن ِإال وأنتم مس ِلمو ﴾‬
‫َّ‬ ‫ََ‬
‫س َو ِاح َد ٍة َوخل َق ِم ْن َها َز ْو َج َها َو َبث‬ ‫ف‬‫اس َّات ُقوا َ َّب ُك ُم َّالذي َخ َل َق ُك ْم م ْن َن ْ‬
‫ر‬ ‫﴿يا َأ ُّي َها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫وقال َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ْ َ ْ َ َ َّ َّ َ َ َ َ ُ‬ ‫َّ َّ َ ُ َ‬ ‫ً َ‬
‫ان َعل ْيك ْم‬ ‫ِم ْن ُه َما ِر َجاال ك ِث ًيرا َو ِن َس ًاء َو َّات ُقوا الل َه ال ِذي ت َس َاءلون ِب ِه واألرحام ِإن الله ك‬
‫َر ِق ًيبا﴾‬
‫ْ‬ ‫ُ ْ َُ َ َُ‬ ‫َّ ُ ُ َ ً‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ‬
‫ص ِل ْح لك ْم أ ْع َمالك ْم َو َيغ ِف ْر‬ ‫ين آ َم ُنوا َّات ُقوا الل َه َوقولوا ق ْوال َس ِد ًيدا (‪ )70‬ي‬ ‫وقال ﴿يا أيها ال ِذ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ ُُ ُ‬
‫لك ْم ذن َوبك ْم َو َم ْن ُي ِط ِع الل َه َو َر ُسول ُه ف َق ْد ف َاز ف ْو ًزا َع ِظ ًيما﴾‬
‫فإن أصدق الحديث كتاب هللا وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر األمور محدثاتها وكل‬
‫محدثة بدعة وكل بدعة ضاللة وكل ضاللة في النار‪.‬‬
‫أيها املؤمنون‪..‬‬
‫إن القلوب متقلبة‪ ،‬فتارة زادت في األخرة شوقا وفي القرآن رغبا وعلى العبادة‬
‫حرصا‪ ،‬فتارة عن هللا غفلت وللموت نسيت وفي الشهوات غرقت‪ .‬فلنتأمل كيف كانت‬
‫قلوب األولين‪ ،‬فكانوا خير أمة بعد الصحابة قلبوبهم صافية نقية‪ ،‬قلوب حرصت على‬
‫الطاعة ومنعت جوارحهم عن املعصية‪ ،‬قلوب امتألت بنور اإليمان لذالك حفظت‬
‫جوارحه من العصيان‪ ،‬وكلما بعدت الجوارح عن العصيان زاد في القلوب اإليمان‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫يا عباد هللا‪..‬‬
‫فتعالوا نتعرف بأحد التابعين الكرام وهو أحد تلميذ الصحابي الجليل عبد هلل‬
‫بن مسعود‪ ،‬وقال في شأنه "يا أبا زيد لو رآك رسول هللا ألحبك" فما الذي يدفع عبد هلل‬
‫بن مسعود إلى أن يتلفظ بهذا القول‪ ،‬ومن هذا الرجل الذي استحق هذا املقال‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬هو الربيع بن خثيم عرف بأن الجوارح هي بريد القلب‪ ،‬فكان أشد الناس‬
‫حرصا على حفظها ويربي نفسه من خالل مراقبتها خوفا من تأثيرها على قلبه‪ .‬فقد روي‪:‬‬
‫أن النساء يدخلن املسجد فلم يطرف الربيع حتى يخرجن‪ ،‬هكذا كان يبالغ بالغض‬
‫وهكذا كان حريصا على حفظ جوارحه حتى يحفظ حالته اإليمانية التي اكتسبها من‬
‫خالل تهذيبه لنفسه‪.‬‬
‫إن كثيرا من الناس ال نعرف عن عيوبهم حتى تخالطهم وتصاحبهم وتسافرهم‬
‫ولكننا نتعجب عندما نسمع عن هذا العالم من أعلم التابعين وهو أن أحدا يصاحبه‬
‫عددا من السنين فلم يسمع منه شيئا يعاب‪ ،‬فقد أكد ذلك عن إبراهيم التيمي قال‪( :‬‬
‫أخبرني من صحب الربيع بن خثيم عشرين عاما‪ ،‬ما سمع منه كلمة تعاب) ولكن مع‬
‫ذلك ‪-‬أيها املؤمنون‪ -‬لم يكن من النوع الذي يخفى عليه عيوب نفسه التي ال يراها‬
‫اآلخرون وقد قال الربيع يوما ( إن الذنوب ذنوب السرائر الالتي يخفين على الناس وهن‬
‫هللا بواد) ثم لم يكتف بذالك بل يحفظ نفسه بتزكية قلبه عن مالحظة العيوب‬
‫اآلخرين‪ ،‬فقد قيل له (يا أبا زيد‪ ،‬أال تذم الناس؟ فقال الربيع‪ :‬وهللا ما أنا عن نفس ي‬
‫براض فأذم الناس إن الناس خافوا هللا على ذنوب الناس وآمنوه على ذنوبهم)‪.‬‬
‫وهذه هي قواعد التربية عندهم دائما‪ ،‬ال يتجاوزون قيد األنملة‪ ،‬إن أمثاله قد‬
‫َ ُ‬
‫جردوا النفوس التي بين أضل ِع ِهم فما كان لغير هللا أخرجوه ولم يبق إال ما صفى له‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫والنفوس كهذه ال يشغل قلوبهم بألم أو غم أو هم سوى ما اتصل بأمور اآلخرة‪،‬‬
‫فقد ذكر في ترجمته أن فرسا له سرق الذي يعتبر في ذلك الزمان دابة منفصلة الغالية‬
‫فقال أهل مجلسه ( ادع هللا عليه فقال‪ :‬بل ادع هللا له ‪ :‬اللهم إن كان غنيا فأقبل‬

‫‪38‬‬
‫بقلبه و إن كان فقيرا فأغنيه) صورة تثبت بأن كل ما دون اآلخرة هين في عينيه‪ ،‬وهذا‬
‫كان واضحا في رده عندما يسال‪ :‬كيف أصبحتم ؟ يقول ضعفاء مذنبين‪ ،‬ناكل أرزاقنا‬
‫و ننتظر آجالنا)‪.‬‬
‫ولم ينشأ هذه الدرجة اإليمانية حين كان شابا أو شيخا بل فقد عود نفسه على‬
‫كثرة قيام الليل عندما كان غالما‪ ،‬فقد ترق له أمه يوما فتقول ‪ ( :‬يا ربيع أال تنام ‪.‬‬
‫فيقول ‪ :‬يا أماه من جن عليه الليل وهو يخاف السيئات حق عليه أال ينام) فلما بلغ‬
‫ورأت ما يلقى من البكاء والسهر نادته أمه قائلة‪(:‬يابني لعلك قتلت قتيال؟ قال ‪ :‬نعم يا‬
‫والدة هي نفس ي)‪.‬‬
‫فقد أصلبه في آخر حياته الفالج (شلل يصيب أحد شقي جسمه) فكان يحمل‬
‫إلى الصالة ‪ ،‬فقيل له ‪( :‬إنه قد رخص لك ‪ .‬قال‪ :‬قد علمت ذلك و لكني أسمع النداء‬
‫بالفالح) و هكذا كان ال يترخص مع نفسه خوفا من التجرؤ عليه في أمور أخرى والتزام‬
‫إلي أمور ليقوي نفسه عما أمر هللا سبحانه و ما جائت به السنة‪.‬‬
‫ُْ ْ ْ َ َ ُْ ْ َ َ ْ ْ‬
‫اس َتغ ِف ُر ْو ُه‬‫ات ف‬‫م‬‫ل‬ ‫س‬ ‫امل‬‫و‬ ‫ن‬‫ي‬ ‫م‬‫ل‬ ‫س‬ ‫امل‬ ‫ر‬‫ئ‬ ‫ا‬‫س‬‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫َأ ُق ْو ُل َق ْول ْي َه َذا َو َأ ْس َت ْغف ُر َ‬
‫هللا ْال َعظ ْي َم ل ْي َو َل ُك ْم َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إ ّن ُه ُه َو ْال َغ ُف ْو ُر ّ‬
‫الر ِح ْي ِم‬ ‫ِ‬

‫الخطبة الثانية‬
‫وعندما يصل املرء إلى هذه الدرجة من التقرب إلى هللا وهذه الحالة اإليمانية‬
‫فهو قد يحث الناس على العجب ملا وصل إليه واحتقار ما يقدم اآلخرون‪ ،‬ولكن الربيع‬
‫ينتبه إلى هذه األمور الدقيقة وال يترك لها مجاال لتحرق ما قدم فكان يقول – وهو يبكي‬
‫تسيل لحيته – (أدركنا قوما كنا في جنوبهم لصوصا)‪ .‬وهذه املحاسبة الدقيقة إنما إنتاج‬
‫ذلك الخوف الخالص من هللا تعالى‪ ،‬وهو خوف يبعثه على التحري الدقيق لكل ما يقول‬
‫و كل ما يفعل‪.‬‬

‫قال هللا ﷻ ‪ ﴿:‬اإن السمع والبرص والفؤاد لك أولئك اكن عنه ً‬


‫مسؤوال﴾ (الارساء ‪)36 :‬‬

‫‪39‬‬
‫حقيقة محبة هللا‬
‫ريفالدي‬ ‫‪11‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الخطبة األولى‬
‫ْ ُ ُ ْو َ ْ ُ َ َ ْ َ ّ َ‬ ‫َّ ْ َ َ َّ َ ْ ُ ُ َ َ َ ُ ُ َ َ َ ْ ْ َ َ ُ‬
‫ِإن الح ْمد ِلل ِه نح َمده ون ْست ِع ْينه ون ْستغ ِف ُره ون ُعوذ ِباهللِ ِمن شر ِر أنف ِسنا و ِمن س ِي ِ‬
‫ات‬ ‫ئ‬
‫ضل ْل َف َال َهاد َي َله‪َ ُ.‬و َأ ْش َه ُد َأ ْن َال إ َل َه إ َّال ُ‬
‫هللا‬ ‫َأ ْع َمال َنا‪َ ،‬م ْن َي ْهده ُ‬
‫هللا َف َال ُمض َّل َل ُه َو َم ْن ُي ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫َو ْح َد ُه ال ش ِرْي َك ل ُه َوأش َه ُد أ َّن ُم َح َّم ًدا َع ْب ُد ُه َو َر ُس ْول ُه‪ .‬اللهم صل على محمد وعلى آله‬
‫وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد‪ .‬فيا أيها املؤمنين أوص ي نفس ي‬
‫َ َ ُّ َ َّ َ َ‬
‫ين آ َم ُنوا‬ ‫وإياكم بتقوى هللا فقد فاز املتقون إذ قال هللا ﷻ في كتابه العزيز ﴿يا أيها ال ِذ‬
‫ُ‬
‫اس َّات ُقوا َرَّبك ُم‬ ‫الن ُ‬‫﴿يا َأ ُّي َها َّ‬
‫الل َه َح َّق ُت َقاته َ َوال َت ُم ُوت َّن إ َّال َو َأ ْن ُت ْم ُم ْسل ُمو َن﴾ وقال َ‬ ‫َّ‬
‫َّات ُقوا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ً َ‬ ‫َّ‬ ‫ََ‬ ‫َّالذي َخ َل َق ُك ْم م ْن َن ْ‬
‫س َو ِاح َد ٍة َوخل َق ِم ْن َها َز ْو َج َها َو َبث ِم ْن ُه َما ِر َجاال ك ِث ًيرا َو ِن َس ًاء َو َّات ُقوا‬‫ٍ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ُّ َ َّ َ َ‬ ‫َّ َ َّ َ َ َ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ َّ َّ َ َ َ َ ُ‬
‫ين آ َم ُنوا‬ ‫ان َعل ْيك ْم َر ِق ًيبا﴾ وقال ﴿يا أيها ال ِذ‬ ‫الله ال ِذي تساءلون ِب ِه واألرحام ِإن الله ك‬
‫ْ َ ُ ُُ ُ‬ ‫ُ ْ َُ َ َُ‬ ‫َّ ُ ُ َ ً‬
‫ص ِل ْح لك ْم أ ْع َمالك ْم َو َيغ ِف ْر لك ْم ذن َوبك ْم َو َم ْن ُي ِط ِع‬ ‫َّات ُقوا الل َه َوقولوا ق ْوال َس ِد ًيدا (‪ )70‬ي‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َّ‬
‫الل َه َو َر ُسول ُه ف َق ْد ف َاز ف ْو ًزا َع ِظ ًيما﴾ فإن أصدق الحديث كتاب هللا وخير الهدي هدي‬
‫محمد ﷺ وشر األمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضاللة وكل ضاللة في‬
‫النار‪.‬‬
‫معاشر املسلمين‪ ،‬إن هللا عزوجل يحب أصنافا من عباده‪ ،‬فهو يحب التوابين‬
‫ً‬
‫ويحب املتطهرين ويحب الصابرين‪ ،‬ويحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان‬
‫مرصوص‪ ،‬ويحب أتباع رسوله ﷺ لقوله تعالى ‪ ﴿:‬فاتبعوني يحببكم هللا و يغفر لكم‬
‫ً‬
‫ذنوبكم ﴾‪ .‬فاهلل إذا أحب عبدا فإنه معه‪ ،‬ينصره و يؤيده و يقويه‪ .‬ملا أحب الخليل‬
‫ً‬
‫وسالما‪ ،‬وملا أحب الكليم موس ى عليه السالم‬ ‫إبراهيم عليه السالم صارت له النار ً‬
‫بردا‬
‫إنفلق له البحر‪ ،‬وملا أحب خاتمهم ﷺ إنشق له القمر‪.‬‬
‫فاهلل ﷻ يحب أولياءه‪ .‬وعليك أيها العبد الفقير الضعيف الفاني أن تحب ربك‬
‫سبحانه لكمال جالله وتمام جماله وغاية كماله‪ ،‬وأن تحب ربك سبحانه لحسن أسماءه‬

‫‪40‬‬
‫وصفاته وأفعاله‪ ،‬وأنه محبوب سبحانه إلحسانه ّ‬
‫وبره وامتنانه ولجميل معروفه‬
‫عزوجل‪.‬‬
‫الحب ماء الحياة وغذاء الروح و قوت النفس‪ .‬بالحب تشرق الوجوه و تبتسم‬
‫الشفاه وتتألق العيون‪ .‬بالحب يقع العناق والضم والحنان والعطف‪ .‬بالحب هاجر‬
‫ً‬
‫املهاجرون ونصرهم األنصار وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم طلبا ملرضاة الحبيب عزوجل‪.‬‬
‫ولذالك بلغ حبهم لربهم أعلى املنازل‪.‬‬
‫ُ‬
‫طعن أحد الصحابة بالرمح في ظهره حتى خرج من صدره فصاح‪" :‬فزت ورب‬
‫الكعبة"‪ .‬وهذا لكمال حبه رض ي هللا عنه‪ .‬وكان أنس بن النضر – رض ي هللا عنه – يقول‬
‫ُ‬
‫يوم أحد لسعد بن معاذ‪ " :‬يا سعد‪ ،‬فوالذي نفس بيده‪ ،‬إني ألجد ريح الجنة من دون‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أحد"‪ .‬فقاتل – رض ي هللا عنه ‪ -‬حتي قتل شهيدا‪ ،‬وبه أكثر من ثمانين ضربة وطعنة‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقد مثل به املشركون‪ ،‬فما عرفه أحد إال أخته ِب َب َنانه‪.‬‬
‫ً‬
‫وجاء عبدهللا بن عمر األنصاري طالبا القتل في سبيل هللا يوم أحد‪ ،‬فأعطاه هللا‬
‫ُ‬
‫ما تمنى‪ ،‬فقاتل حتى قتل شهيدا – رض ي هللا عنه ‪ ، -‬فحزن عليه ابنه جابر‪-‬رض ي هللا‬
‫ّ‬
‫عنه‪ ،‬فقال له النبي ﷺ‪(( :‬والذي نفس ي بيده ما زالت املالءكة تظله بأجنحتها حتى‬
‫ُ‬
‫رفعته))‪ .‬ثم قال له‪(( :‬أتدري يا جابر ماذا قال هللا ألبيك ملا قتل ؟))‪ .‬قال‪" :‬هللا ورسوله‬
‫ُ‬
‫أعلم"‪ .‬قال ‪ (( :‬إن هللا قال له‪" :‬تمن يا عبدي‪ ".‬فقال‪ :‬أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل‬
‫فيك ثانية‪ .‬قال‪" :‬إني كتبت على نفس ي أنهم إليها ال يرجعون‪ ،‬فتمن‪ ".‬قال ‪ :‬أن ترض ى‬
‫عني فإني قد رضيت عنك‪ .‬قال سبحانه‪" :‬فإني أحللت عليك رضواني وال أسخط عليك‬
‫أبدا‪ ".‬سبحان هللا‪ ،،،‬هللا أكبر‪،،،‬‬
‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ َ َ ْ َ َ َّ َّ َ ُ‬
‫ين ُق ِتلوا ِفي َس ِب ِيل الل ِه أ ْم َو ًاتا َب ْل أ ْح َي ٌاء ِع ْن َد َ ِّرب ِه ْم ُي ْر َز ُقو َن‬ ‫قال هللا تعالى ‪﴿ :‬وال تحسبن ال ِذ‬
‫َْ‬ ‫َ َ َ َ ُ ُ َّ ُ ْ َ ْ َ َ ْ َ ْ ُ َ َّ َ َ ْ‬
‫ين ل ْم َيل َح ُقوا ِب ِه ْم ِم ْن خل ِف ِه ْم‬ ‫(‪ )169‬ف ِر ِحين ِبما آتاهم الله ِمن فض ِل ِه ويستب ِشرون ِبال ِذ‬
‫َ ْ َ ْ ُ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ َ َ َّ َّ َ َ‬ ‫َ َّ َ ْ ٌ َ َ ْ ْ َ َ ُ ْ َ ْ َ ُ َ‬
‫أال خوف علي ِهم وال هم يحزنو (‪ )170‬يستب ِشرون ِب ِنعم ٍة ِمن الل ِه وفض ٍل وأن الله ال‬ ‫ن‬
‫َ ُْ‬
‫ُي ِض ُيع أ ْج َر امل ْؤ ِم ِن َين (‪﴾)171‬‬

‫‪41‬‬
‫أيها املؤمنون‪ ،‬انظروا إلى هؤالء الصحابة كيف كانوا يحبون هللا سبحانه‪ ،‬وكيف‬
‫ً‬
‫كانت شدة حبهم هلل ﷻ‪ .‬فقل لي بربك من منا يذهب الى موت نشيطا كما ذهب إليه‬
‫هؤالء الصحابة؟ وقل لي بربك من منا حبه كحب هؤالء هلل عزوجل ؟‬
‫ُ‬
‫هذا أبي بن كعب سيد القراء‪ ،‬ملا وفى محبته لربه سبحانه وطاعته ملواله‪ ،‬أتاه‬
‫َ ْ َ ُ َّ َ َ‬
‫ّ‬
‫فتعجب‬ ‫ين ك َف ُروا‪﴾...‬‬ ‫النبي ﷺ فقال له‪(( :‬إن هللا أمرني أن أقرأ عليك ﴿ لم يك ِن ال ِذ‬
‫أبي وقال‪" :‬وسماني في املأل األعلى باسمي"؟ أي‪ :‬يا رسول هلل‪ ،‬هللا ذكر اسمي في املأل‬
‫ُ‬
‫األعلى؟ قال‪(( :‬نعم)) فبكى أبى ‪-‬رض ي هللا عنه‪ ،-‬بكى ألن هللا حبيبه ذكر اسمه في املأل‬
‫األعلى‪ ،‬وهو بكاء الفرح والسرور‪ ،‬بكاء املحبة‪.‬‬
‫هذه عبادهللا‪ ،‬بعض الصور في محبة الصحابة لربهم سبحانه وتعالى‪ .‬فجزاهم‬
‫هللا خير الجزاء على عظيم حبهم هلل رب العاملين ولرسوله ﷺ‪.‬‬
‫ُْ ْ ْ َ َ ُْ ْ َ َ ْ ْ‬
‫اس َتغ ِف ُر ْو ُه‬‫ات ف‬‫م‬‫ل‬ ‫س‬ ‫امل‬‫و‬ ‫ن‬‫ي‬ ‫م‬‫ل‬ ‫س‬ ‫امل‬ ‫ر‬‫ئ‬ ‫ا‬‫س‬‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫َأ ُق ْو ُل َق ْول ْي َه َذا َو َأ ْس َت ْغف ُر َ‬
‫هللا ْال َعظ ْي َم ل ْي َو َل ُك ْم َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إ ّن ُه ُه َو ْال َغ ُف ْو ُر ّ‬
‫الر ِح ْي ِم‬ ‫ِ‬

‫الخطبة الثانية‬
‫أيها املؤمنون‪ ،‬إن روح العبودية تتمثل في محبة هللا ﷻ‪ .‬كيف نحن في الصالة دون‬
‫املحبة‪ ،‬أنخشع فيها؟ وكيف نحن في السجود دون املحبة‪ ،‬أنجد فيه الحالوة؟ وكيف‬
‫نحن في تالوتنا القرآن‪ ،‬أتدمع أعيننا؟ كال‪ ....‬إن روح العبودية تتمثل في محبة هللا‬
‫عزوجل‪.‬‬

‫من تأدب بأدب هللا‪،‬صار من أهل حمبة هللا‬


‫(حيىي بن معاذ ‪-‬رمحه هللا‪)-‬‬

‫‪42‬‬
‫االستقامة‬
‫إعداد‪ :‬عبد الفتاح (ا)‬ ‫‪12‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الخطبة األولى‬
‫الحمد هلل الحليم الكريم‪ ،‬يهدي من يشاء بإذنه إلى صراط املستقيم‪ ،‬وأشهد أن أال إله‬
‫إال هللا وحده ال شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبد هللا ورسوله الصادق‬
‫األمين وقدوة املستقيمين وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى كل من اهتدى بهديه إلى يوم‬
‫الدين‪( .‬أما بعد)‬
‫أيها املسلمون‪ ،‬أوص ي نفس ي وإيكم بتقو هللا فقد فاز املتقون‪ ،‬قال تعالى ﴿يأيها‬
‫الذين ءامنوا اتقوا هللا حق تقاته وال تموتن إال وأنتم مسلمون﴾ وقال ﴿يأيها الذين‬
‫اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجاال كثيرا ونساء‬
‫واتقوا هللا الذي تساءلون به واألرحام إن هللا كان عليكم رقيبا﴾ وقال أيضا ﴿يأيها الذين‬
‫ءامنوا اتقوا هللا وقولوا قوال سديدا يصلح لكم أعالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع‬
‫هللا ورسوله فقد فاز فوزا عظيما﴾‪.‬‬
‫اتقوا هللا حق تقواه وراقبوه مراقبة يخشاه واعلموا أن هللا تعالى خلق اإلنسان‬
‫وبصره بطريق االستقامة في الحياة الذي ينتهي بسالكه يوم القيامة إلى النجاة‪ ،‬يقولوا‬
‫سبحانه ﴿وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه وال تتبع السبل فتفرق بكم عن سبيله‬
‫ذلكم وصكم به لعلكم تتقون﴾ [األنعام‪ .]153 :‬وأمر عباده أن يسألوه في صالتهم‬
‫الهداية إلى االستقامة‪ ،‬فهم يقرؤون في كل ركعة الفاتحة ﴿اهدنا الصراط املستقيم﴾‪.‬‬
‫وعن سفيان بن عبد هللا أنه سأل رسول هللا فقال‪ :‬يا رسول هللا قل لي في اإلسالم قوال‬
‫أسأل عنه أحدا غيرك؟ قال‪ :‬قل ءامنت باهلل ثم استقم‪.‬‬
‫إن استقامة املسلم تشمل إحسان معاملته مع ربه ومع نفسه وبين جنسه‪،‬‬
‫فاالستقامة مع هللا بأن يسلم املرء نفسه لربه‪ ،‬فينقاد له في جميع أموره ويحسن‬
‫العمل في أسراره وعالنيته‪ ،‬قال تعالى ﴿بلى من أسلم وجهه هلل وهو محسن فله أجره‬

‫‪43‬‬
‫عند ربه ال خوف عليهم وال هم يحزنون﴾‪ .‬واستقامة السلوك مع الخلق نتيجة الستقامة‬
‫السلوك مع الخالق‪ ،‬فإن املؤمن املستقيم مع ربه لن يكون إال مستقيما مع عباده‬
‫ويتجاوز عن إساءتهم ومن هنا جمع الحديث النبوي بين التقوى وحسن معاملة الناس‬
‫فقال‪(( :‬اتق هللا حيث ما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحوها‪ ،‬وخالق الناس بخلق‬
‫حسن))‪ .‬وأما استقامة املرء في سلوكه مع نفسه فهي أن يجنبها مواطن الضعف ويربطها‬
‫بمعالي األمور وهي كما تكون في جالئل األعمال تكون في صغيرها فالتلطف في األخذ‪،‬‬
‫والشكر عند الجميل‪ ،‬واالستئذان عند االنصراف‪ ،‬واالعتدال في الصوت واملشية‬
‫والنظرة والجلسة‪ .‬كلها أمور ينبغي أن يراعيها من أراد أن يحسن املعاملة مع اآلخرين‬
‫فيكون من املستقيمين‪.‬‬
‫إن التمسك باالستقامة يجعل حياة اإلنسان تملؤها الفضائل‪ ،‬ويعمرها الطهر‬
‫ويزينها العفاف‪ ،‬وهي الحياة الجديدة بكرامة اإلنسان الذي شرفه هللا وفضله على كثير‬
‫ممن خلق تفضيال‪ ،‬فال عجب أن أمر هللا بها رسوله واملؤمنين‪،‬قال تعالى فاستقم كما‬
‫أمرت ومن تاب معك وال تطغو إنه بما تعملون بصير‪ .‬إن أي جماعة تحلى أفرادها‬
‫باالستقامة حسنت أعمالهم‪ ،‬واستقرت أحوالهم‪ ،‬فاستحقوا وعد هللا بكثرة أرزاقهم‪.‬‬
‫إذا كان مقام االستقامة مقاما عاليا‪ ،‬فما الذي يعيننا على بلوغه؟ إن االستقامة‬
‫ال تتحقق وال يبلغها املسلم إال بفقه في دين هللا ﷻ فالعارف بربه يحمله علمه على‬
‫التقوى وكف الناس عما تهوى‪.‬‬
‫ومما يعين على االستقامة محاسبة النفس‪ ،‬ومراقبتها وكان سيدنا عمر يقول‪:‬‬
‫((حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتهيؤوا للعرض األكبر))‪.‬‬
‫ومما يعين على االستقامة إخوان صدق ينتفع بلقائهم املسلم‪ ،‬ويجتمع معهم على طاعة‬
‫هللا وذكر الدار اآلخرة‪ ،‬وقد أوص ى هللا نبيه بهذا في قوله ﴿ واصبر نفسك مع الذين‬
‫يدعون بالغداة والعش ي يريدون وجهه﴾‬
‫أقول قولي هذا وأستغفرهللا العظيم لي ولكم ولسائر املسلمين فاستغفروه يغفر لكم‬
‫إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬
‫اي مق ّلب القلوب ثبّت قليب عىل دينك‬

‫‪44‬‬
‫خمس وصايا النبي ﷺ‬
‫إعداد‪ :‬عبد الفتاح (اا)‬ ‫‪13‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الخطبة األولى‬
‫الحمد هلل املوصوف بصفات الكمال والجالل أحمده سبحانه وهو الكبير املتعال وأشهد‬
‫أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله اللهم صل‬
‫وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه‪ .‬أما بعد‬
‫أيها املسلمون‬
‫أوص ي نفس ي وإيكم بتقوى هللا فقد فاز املتقون‪ ،‬قال تعالى ﴿يأيها الذين ءامنوا‬
‫اتقوا هللا حق تقاته وال تموتن إال وأنتم مسلمون﴾ وقال ﴿يأيها الذين اتقوا ربكم الذي‬
‫ً‬ ‫ً ً‬
‫ونساء واتقوا هللا الذي‬ ‫خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجاال كثيرا‬
‫تساءلون به واألرحام إن هللا كان عليكم رقيبا﴾ وقال أيضا ﴿يأيها الذين ءامنوا اتقوا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هللا وقولوا قوال سديدا يصلح لكم أعالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع هللا ورسوله‬
‫فقد فاز فوزا عظيما﴾‪.‬‬
‫فيا عباد هللا‪ ،‬آية رجحان العقل ودليل استنارة الرأي وإن خير الناصحين وسيد‬
‫الهداة واملرشدين هو محمد ﷺ الذي وصفه هللا في محكم كتابه ﴿ ولقد جاءكم رسول‬
‫من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم باملؤمنين رؤوف الرحيم ﴾ ولقد كان‬
‫مما نصح به األمة في جملة هدايته وإرشاده خمس وصايا كريمة يقول ﷺ ((اتق املحارم‬
‫تكن أعبد الناس‪ ،‬وارض بما قسم هللا لك تكن أغنى الناس‪ ،‬وأحسن إلى جارك تكن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مؤمنا‪ ،‬وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما‪ ،‬وال تكثر من الضحك فإن كثرة‬
‫الضحك تميت القلب))‪.‬‬
‫أيها املسلمون‬
‫فاملحارم التي أمر رسول هللا ﷺ باتقائها هي حقوق هللا التي يجب القيام بها وعدم‬
‫التفريط فيها‪ ،‬كالصالة والزكاة والصوم والحج واألمر باملعروف والنهي عن املنكر وغير‬

‫‪45‬‬
‫ذلك مما أوجب هللا على العباد‪ .‬فترك هذه الفرائض حرام يجب أن يتقى ومن فعل‬
‫املأمور به وترك املحظور والنهي عنه فقد اتقى محارم هللا وكان أعبد الناس وأولياء هللا‬
‫الذي وصفهم هللا في محكم تنزيله ﴿ أال إن أولياء هللا ال خوف عليهم وال هم يحزنون‪.‬‬
‫الذين ءامنوا وكانوا يتقون ﴾‬
‫وأما الرضاء بقسمة الخالق‪ ،‬مظهر من مظاهر التسليم بقدر هللا والقناعة بتدبيره‬
‫واإلعتراف بعدله‪ ،‬فقد اقتضت حكمة هللا أن يكون في الناس أغنياء والفقراء‪ .‬فيجب‬
‫أن يرض ى الجميع بهذه القسمة العادلة‪ ،‬التي اقتضتها حكمة هللا العليم الخبير‪ .‬على‬
‫أن الغناء غنى النفس‪ ،‬فكم من غني بلغ حد التخمة ومع ذلك يشعر بالحاجة إلى جمع‬
‫املال‪ ،‬وكم من فقير رزقه هللا الكفاف أو بعضه ولكنه سعيد برزقه راض بقسمة ربه‬
‫فهو من أغنى الناس‪ ،‬ومصداق ذلك قول ﷺ ((ليس الغنى عن كثرة العروض ولكن‬
‫الغنى غنى النفس))‬
‫أيها املسلمون‬
‫واإلحسان إلى الجار في كل أوجه اإلحسان‪ ،‬حق مشروع وقد صوره رسول الهدى‬
‫في أوضح صورة حيث قال ((مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)) وإذا‬
‫لم يوفق املرء لإلحسان‪ ،‬فال أقل أن يكف آذاه عن جاره‪.‬‬
‫أقول قولي هذا وأستغفرهللا العظيم لي ولكم ولسائر املسلمين فاستغفروه يغفر لكم‬
‫إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‬
‫الحمد هلل الحليم الكريم‪ ،‬يهدي من يشاء بإذنه إلى صراط مستقيم‪ ،‬وأشهد أن ال إله‬
‫إال هللا وحده ال شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبد هللا ورسوله الصادق‬
‫األمين وقدوة املستقيمين وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى كل من اهتدى بهديه إلى يوم‬
‫الدين‪( .‬أما بعد)‬

‫‪46‬‬
‫أما تسوية املرء غيره بنفسه بحيث يحب للغير من الخير ما يحبه لنفسه فتلك‬
‫هي العاطفة الكريمة‪ ،‬التي تباعد عن الحسد الذميم‪ ،‬يتجلى في روحه وأخالقه وسلوكه‬
‫حب الخير والرغبة في إشاعته بين الناس‪ ،‬العدو والصديق منهم على حد السواء‪.‬‬
‫أما كثرة الضحك واإلسراف فيه فهو ظاهرة لفراغ القلب من االشتغال بالنافع‪،‬‬
‫فالقلوب الفارغة من مسؤوليات يشغل أصحابها بالهزل ويبحثون عن املضحكات على‬
‫اختالف ألوانها‪ ،‬رغبة في اإلغراق في الضحك وإسراف فيه‪ .‬وفي ذلك إماتة للقلب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بالغفلة‪ ،‬قال رسول هللا ﷺ ((لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليال ولبكيتم كثيرا))‬
‫ً‬
‫إن هللا ومالئكته يصلون على النبي ياأيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما‬

‫الطيور اليت تودل يف القفاص تعتقد أن الطريان جرمية‬


‫(أبو أمين القمري ‪-‬حفظه هللا‪)-‬‬

‫‪47‬‬
‫االلتزام موقف‬
‫إعداد‪ :‬عبد امللك الهوؤ‬ ‫‪14‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الخطبة األولى‬
‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أعمالنا من يهده هللا فال مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا أشهد أن ال إله‬
‫ً‬
‫إال هللا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬أما بعد‬
‫فأيها املسلمون‪ ،‬إني أوص ي نفس ي وإياكم بتقوى هللا فقد فاز املتقون قال هللا عز‬
‫وجل ﴿يأيها الذين آمنوا اتقوا هللا حق تقاته وال تموتن إال وأنتم مسلمون﴾ وقال ﴿يأيها‬
‫ً‬
‫الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجاال‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ونساء واتقوا هللا الذي تساءلون به واألرحام إن هللا كان عليكم رقيبا﴾ وقال ﴿يأيها‬ ‫كثيرا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الذين آمنوا اتقوا هللا وقولوا قوال سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفرلكم ذنوبكم ومن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يطع هللا ورسوله فقد فاز فوزا عظيما﴾ فإن أصدق الحديث كتاب هللا وخير الهدي‬
‫هدي محمد صلى هللا عليه وسلم وشر األمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة‬
‫ضاللة وكل ضاللة في النار‬
‫فيأيها املسلمون‪ ،‬اإلنسان مخلوق خلق هللا من طين بيده فأحسن صوره‬
‫وأحسن تقويمه وهداه بهديه‪ .‬مذد عذب وأوذي فيه أهل السعادة فصبروا حق صبرىم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وصبروا صبرا جميال فيجزون جز ًاء حسنا‪ .‬ومذد متع فيها أهل الشقاوة فيتمتعون كما‬
‫يتمتعون األنعام ثم ضلوا وأضلوا سبيل الظالم‪ .‬وأما من كان من أهل السعادة فإنهم‬
‫األحياء وجزاءهم الجنة خالدين فيها إال ما شاء هللا‪ ،‬وبثمراتهم يرزقون ومن رحيق‬
‫املختوم هم يسقون وعلى األرائك هم ينظرون ذلك بما كانوا يكسبون وأن هللا عليم بما‬
‫يعملون‪ .‬وأما من كان من أهل الشقاوة فإن جزاؤهم جهنم وما لهم فيها من النعم إال‬
‫زفير وشهيق وعذاب غليظ وال يموتون فيها وال هم باألحياء ويجزون سوء الجزاء ال‬
‫يطعمون إال من الضريع الذي ال يسمن وال يغني من جوع ذلك بأنهم كفروا واتيعوا‬

‫‪48‬‬
‫سبيل من طغى وآثر الحياة الدنيا قال تعالى ﴿فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن‬
‫الجحيم هي املأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي املأوى﴾‬
‫فكن أنت منهم ممن نهى نفسه عن الهوى واتبع الهدى وال تكن ممن تولى وأعرض عن‬
‫الذكر ثم اتبع الهوى فإن من تبع هواه هلك وإن استمر فيها هيهات هيهات أن يسلم منها‬
‫ً‬
‫قليال‪ .‬قال صادق املصدوق ((ال يؤمن أحدكم حتى يكون‬ ‫إال ما شاء هللا فال يؤمنون إال‬
‫ً‬
‫هواه تبعا ملا جئت به()‪.‬‬
‫فيا أخي املسلم‪ ،‬عليك بمراقبة هللا فإنها تنجيك من الغفلة والضالل واتباع‬
‫الهوى‪ .‬وال تجعل هللا أهون الناظرين وأهون املراقبين لك‪ .‬فإنه البصير بصير بما تعملون‬
‫بصير بما تسمعون بصير بما أنتم تكسبون‪ .‬وال تنظر إلى صغر معصيتك التي ارتكبتها‬
‫ولكن انظر إلى من عصيت‪ .‬فإنه عظيم فإنه عظيم فإنه عظيم‪ .‬وكيف تعص ي هللا بصير‬
‫وكيف تعصيه وهو يراك وأكلت من رزقه ونلت من رمتته وعشت في أرضه فمالك من‬
‫نعمه إال من عنده فاتقوه ألن عذابه شديد‪.‬‬
‫بارك هللا لي ولكم في القرآن العظيم ونفعي وإياكم بما فيه من اآليات والذكر الحكيم‪.‬‬
‫أقول قولي هذا واستغفر هللا إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‬
‫الحمد هلل رب العلمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين ثم الصالة والسالم على محمد‬
‫خير املرسلين خاتم النبيين‪.‬‬
‫ً‬
‫فيأيها املسلمون‪ .‬اتقوا هللا في السر والعالنية لعلكم تهتدون‪ .‬واسألوا هللا الهداية دوما‬
‫فإن االلتزام بالحق هو الهداية من هللا يعطيها من يشاء من عباده‪ .‬وإذا أردت أن تعرف‬
‫قدر إيمانك فانظر بما فعلت حين خلواتك وأمامك معصية‪ ،‬فهل أنت ستكون ممن‬
‫خاف مقام ربه ونهى النفس عن معصيته أو ستكون من كفر بربه وبالعصيان تأتيه‬
‫فكم من امللتزمين زال التزامه بمعصية بربه وكم من املؤمنين ضعف إيمانه أمام معصية‬
‫ربه فإن االلتزام يعرف عند املواقف والقرارات‪.‬‬
‫احملبة تظهر يف وقت الشدة‬

‫‪49‬‬
‫املسارعة إلى التوبة‬
‫إعداد‪ :‬كورنياوان‬ ‫‪15‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الخطبة األولى‬
‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪،‬‬
‫من يهد هللا فال مضل له ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬أشهد أن ال إله إال هللا وأشهد أن‬
‫ً‬
‫محمدا عبده ورسوله‪،‬‬
‫ين‬‫عباد هللا‪ ،‬أوص ي نفس ي وإياكم بتقوى هللا فقد فاز املتقون إذ قال ﴿ َيا َأ ُّي َها َّالذ َ‬
‫ِ‬
‫اس َّات ُقوا‬ ‫الن ُ‬ ‫﴿يا َأ ُّي َها َّ‬
‫الل َه َح َّق ُت َقاته َ َوال َت ُم ُوت َّن إ َّال َو َأ ُنتم ُّم ْسل ُمو َن﴾ وقال َ‬ ‫َّ‬
‫َآم ُنوا َّات ُقوا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ً َ‬ ‫َّ‬ ‫ََ‬ ‫َ َّب ُك ُم َّالذي َخ َل َق ُكم ّمن َّن ْ‬
‫س َو ِاح َد ٍة َوخل َق ِم ْن َها َز ْو َج َها َو َبث ِم ْن ُه َما ِر َجاال ك ِث ًيرا َو ِن َس ًاء ۚ‬
‫ٍ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫َّ َ َّ َ َ َ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ َّ َّ َ َ َ َ ُ‬
‫ان َعل ْيك ْم َر ِق ًيبا﴾ وقال أيضا ﴿ياأ ُّي َها‬ ‫َو َّات ُقوا الله ال ِذي تساءلون ِب ِه واألرحام ۚ ِإن الله ك‬
‫ْ َ ُ ُُ ُ‬ ‫َّ َ َ ُ ُ َ ْ ً َ ً ُ ْ َ ُ َ َ ُ‬ ‫َّالذ َ‬
‫ص ِل ْح لك ْم أ ْع َمالك ْم َو َيغ ِف ْر لك ْم ذن َوبك ْم ۗ‬ ‫ين َآم ُنوا َّات ُقوا الله وقولوا قوال س ِديدا ‪ .‬ي‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َّ‬
‫َو َمن ُي ِط ِع الل َه َو َر ُسول ُه ف َق ْد ف َاز ف ْو ًزا َع ِظ ًيما﴾‪....‬‬
‫أما بعد‪ ،‬فإن أصدق الحديث كتاب هللا وخير الهدي هدي محمد ﷺ‪ ،‬وشر األمور‬
‫محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضاللة وكل ضاللة في النار‪...‬‬
‫أيها املسلمون‪ ،‬إن من أعظم نعم هللا على عبده أن يتوب هللا عليه ليتوب إليه‬
‫قبل أن يأتيه يوم ال ينفع مال وال بنون‪ ،‬فتذكر أيها األخ أنك ستموت حتما فماذا‬
‫ستقول مللك املوت حين يأتي ليقبض روحك وأنت لم تتب من الذنوب صغيرها وكبيرها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ َّ َ َ َ َ ُ َ َ ً َ ْ َ َ‬
‫وقد أمر هللا تعالى باملسارعة إلى التوبة إذ قال ﴿وال ِذين ِإذا فعلوا ف ِاحشة أو ظلموا‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ ُ ْ َ َ ُ َّ َ َ ْ َ ْ َ ُ ُ ُ ْ َ َ َ ْ ُ ُّ ُ َ َّ َّ َ‬
‫وب ِإال الل ُه َول ْم ُي ِص ُّروا َعل ٰى َما‬ ‫أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا ِلذن ِوب ِهم ومن يغ ِفر الذن‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ف َعلوا َو ُه ْم َي ْعل ُمون﴾ [‪]3:135‬‬
‫يا ابن اآلخرة‪ ،،،‬متى كانت آخر املرة سقطت من عينيك دمعة واحدة شعرت‬
‫بحراراتها في قلبك قبل أن تشعر بحراراتها على خديك‪ ،‬تب إلى هللا وذق حالوة الدمعة‬
‫لتسيل إلى قلبك وتطفئ نار املعصية‪ ،‬قال الفرقد السبخي‪" :‬بلغنا أن األعمال كلها توزن‬

‫‪50‬‬
‫إال دمعة تخرج من عين عبد خشية هلل فإنه ليس له وزن وال قدر‪ ،‬وإنه ُلي َ‬
‫طفأ بالدمعة‬
‫البحور من النار"‪ .‬تلك النار التي نشعلها بذنوب‪ ،‬فاخل أنت بذنبك‪ ،‬واعترف بذنبك‪،‬‬
‫وادع ربك وقل "اللهم أنت ربي وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت‪ ،‬أبوء‬
‫لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفرللي فإنه ال يغفر الذنوب إال أنت"‪.‬‬
‫يا ابن اآلخرة‪ ،،،‬ابك على خطيئتك‪ ،‬وجرب لذة املناجاة‪ ،‬واعترف بالذل أمام‬
‫هللا‪ ،‬واسمع للفرج من مالك امللوك وهو يقول ‪ ....‬قل يا‪ ...‬بشرى من هللا يقول لنا حتى‬
‫أنتم يا من أسرفتم بالذنوب‪ ،‬ال أتخلى عنكم أبدا‪ ،‬فأنتم عبادي فعودوا إلي ألغفر لكم‪,‬‬
‫ويقول سبحانه وتعالى في الحديث القدس ي ((يا ابن آدم‪ ،‬إن ما دعوتني ورجوتني إال‬
‫غفرت لك وال أبالي‪ .‬يا ابن آدم‪ ،‬لو بلغت ذنوبك أنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك‬
‫وال أبالي‪ .‬يا ابن آدم‪ ،‬لو أتيتني بقراب األرض خطايا ثم لقيتني ال تشرك بي شيئا ألتيتك‬
‫بقرابها مغفرة))‬
‫وورد في األثر أن هللا يقول لداود عليه السالم "يا داود‪ ،‬أنين املذنبين أحب إلي‬
‫من تسبيح املرائين"‪ .‬واألنين هو شدة البكاء مع توجع األلم يشعر بها كل من ارتكب جرما‬
‫في حق هللا تعالى فال تقنطوا من رحمة هللا‪.‬‬
‫فهاهو كعب بن مالك‪ ،‬لقد تخلف عن غزوة تابوك‪ ،‬فاجتنب عنه الناس بأمر‬
‫الرسولﷺ‪ ،‬وتنكرت في نفسه األرض فلبث على ذلك خمسين ليلة وال يكلمه أحد من‬
‫الناس حتى ابن عمه وهو أحب الناس إليه‪ ،‬فلما مضت أربعون ليلة من الخمسين يأتيه‬
‫الرسولﷺ ليأمره بأن يعتزل امرأته فازداد حزنا‪ ،‬فلبث بعد ذلك عشر ليال حتى كملت‬
‫خمسون ليلة من حين نهى رسول هللاﷺ عن كالمه‪ .‬فلما صلى صالة الفجر‪ ،‬وبين هو‬
‫جالس تلم الحال التي ذكر هللا تعالى قد ضاقت عليه نفسه وضاقت عليه األرض بما‬
‫رحبت سمع صوت صارخ بأعلى صوته وهو يقول "يا كعب بن مالك‪ ،‬أبشر" فخر كعب‬
‫ساجدا وعلم أن قد جاء فرج وآذن رسول هللاﷺ بتوبة هللا عليه‪ .‬فذهب الناس يبشرونه‬
‫وتلقاه الناس فوجا فوجا يهنونه‪ .‬فلما جاء كعب إلى رسول هللاﷺ قال الرسول وهو يبرق‬
‫وجهه من السرور "أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك"‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫وهذا كعب بن مالك‪ ،‬لقد كان صادقا مع هللا وكان صادقا في توبته‪ ،‬فأما أنت‬
‫أيها الفقير إلى هللا فكيف حالك مع هللا؟ وكيف توبتك اليوم؟ كم مرة عصيت هللا ولم‬
‫تعترف بعصيانك؟ وكم مرة خالفت حدوده ولم تتب إليه؟ فقل في نفسك أنك تبتدئ‬
‫بنهارك هذا القرار أن حياتي مع هللا حياة التوبة‪ .‬أما سمعت قدوتك ﷺ كان يستغفر‬
‫هللا ويتوب إليه في مجلس واحد سبعين مرة ولم يذنب قط ﷺ‪ .‬فقم أنت وصل ركعتين‬
‫سنة التوبة وال تنتظر الغد لتتوب‪.‬‬
‫بارك هللا لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من اآليات والذكر الحكيم‪،‬‬
‫وتقبل هللا مني ومنكم تالوته‪ ،‬فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‬
‫الحمد هلل الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لوال أن هدانا هللا‪ ،‬أشهد أن ال إله إال هللا‬
‫وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‬
‫عباد هللا‪ ,,,‬موعظة ألقيها لكم من رواية عن الربيع قال اإلمام الشافعي رحمه‬
‫هللا تعالى‪" :‬ينادي مناد من ِقبل العرش (أين فالن بن فالن) فال يسمع ذلك الصوت أحد‬
‫إال وتفترض فرائصه‪ ،‬فيقول هللا تعالى لذلك الشخص (أنت املطلوب‪َّ ،‬‬
‫هلم إلى العرض‬
‫على خالق السموات واألرض)‪ ،‬فيقف ذلك الشخص بين يدي هللا عز وجل فيلقي هللا‬
‫من نوره ما يستره عن املخلوقين ثم يقول هللا لذلك الشخص (يا عبدي أما علمت أني‬
‫قد كنت أشاهدك في دار الدنيا) فيقول العبد (بلى يا رب)‪ ،‬فيقول هللا عز وجل (يا‬
‫عبدي‪ ،‬أما سمعت بجزائي وثوابي ملن أطاعني؟) فيقول العبد (بلى يا رب)‪ ،‬فيقول هللا‬
‫عز وجل (يا عبدي‪ ،‬أما سمعت بعذابي ونقمتي ملن عصاني؟) فيقول (بلى يا رب)‪،) ،‬‬
‫فيقول هللا عز وجل (يا عبدي ماظنك اليوم بي؟) فيقول (يا رب‪ ،‬أن تعفو عني) فيقول‬
‫هللا عز وجل (تحققت أني أعفو عنك؟) فيقول (نعم يا رب‪ ،‬ألنك رأيتني على املعصية‬
‫وسترتها علي) فيقول هللا عز وجل (قد غفرت لك وعفوت عنك وحققت ظنك‪ ،‬خذ‬
‫كتابك بيمينك‪ ،‬فما كان فيه من حسنة فقد قبلتها وما كان فيه من سيئة فقد غفرتها‬
‫لك وأنا الجواد الكريم)"‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫عباد هللا‪ ,,,‬إن هللا أمر بأمر بدأ بنفسه وثنى بمالئكته وثلث بكم أيها املؤمنون إذ‬
‫قال {إن هللا ومالئكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}‬
‫اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك‬
‫على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪.‬‬
‫اللهم اغفر للمؤمنين واملؤمنات واملسلمين واملسلماتاألحياء منهم واألموات إنك سمميع‬
‫قريب مجيب الدعوات يا قاض ي الحاجات‪.‬‬
‫اللهم اغفر لنا ولوالدينا وارحمهم كما ربونا صغارا‪ ،‬اللهم كما زينت السماء بالنجوم‬
‫والكواكب فزين األرض بالعلماء الربانيين الذين ال يخشون إال إياك‪.‬‬
‫اللهم اجعل هذا البلد آمنا وارزقنا إماما صالحا‪ ،‬ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرة‬
‫حسنة وقنا عذاب النار‪...‬‬
‫عباد هللا‪ ،،،‬إن هللا يأمركم بالعدل واإلحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء‬
‫واملنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ولذكر هللا أكبر‪ .‬قوموا إلى صالتم‪.‬‬

‫اجلسوا اإىل التوابني فاإهنم أ ّرق أفئدة‬


‫(معر بن اخلطاب ‪-‬ريض هللا عنه‪)-‬‬

‫‪53‬‬
‫َّ‬ ‫ُّ َّ‬
‫هللا أنفعهم للناس‬
‫اس إلى ِ‬
‫أحب الن ِ‬
‫إعداد‪ :‬محمد أسيري‬ ‫‪16‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الخطبة األولى‬
‫ونستغفر ُه ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ونستعينه‬ ‫ُ‬
‫نحمده‬ ‫َّإن الحمد هلل‬
‫َ‬
‫هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال اله إال هللا‬ ‫ضل له ومن ُيضلل فال‬
‫يهده هللا فال ُم َّ‬
‫أعمالنا‪ ،‬من ِ‬
‫ً‬
‫وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد ّأن سيدنا محمدا عبده ورسوله‪ .‬أوصيكم ونفس ي عباد هللا‬
‫ّ‬
‫بتقوى هللا العظيم وطاعته‪ ،‬وأحذركم ونفس ي من عصيانه ومخالفة أمره أو نهيه‪ ،‬لقوله‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ َ ً َ‬
‫ص ِالحا ف ِل َن ْف ِس ِه َو َم ْن أ َساء ف َعل ْي َها ث َّم ِإلى َرِّبك ْم ت ْر َج ُعون﴾ (الجاثية‪.)15:‬‬ ‫تعالى‪﴿ :‬من ع ِمل‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫َ‬
‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫وعن‬ ‫املسلم‪.‬‬ ‫أخيه‬
‫ِ‬ ‫حاجة‬ ‫إخوة الكرام‪ ،‬من خزائن الخير‪ :‬أن يقض َي املسلم‬
‫أنفع ُهم ّ‬ ‫((أحب َّ‬ ‫ّ‬ ‫صلى ُ‬ ‫ّ‬
‫للناس‪،‬‬ ‫الناس إلى هللا ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫م‪:‬‬ ‫وسل‬ ‫عليه‬
‫ِ‬ ‫هللا‬ ‫ُع َم َر قال‪ :‬قال رسول هللا‬
‫َ‬ ‫ُ ُ ُ ً‬ ‫سرور ُت ُ ُ‬
‫عنه ك ْربة‪ ،‬أو تقض ي عنه‬ ‫تكشف‬ ‫دخله على مسلم‪ ،‬أو ِ‬ ‫ٌ ِ‬ ‫هللا‬
‫األعمال إلى ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬
‫وأحب‬
‫َ‬ ‫إلي من ْ‬ ‫ُ ً ََ‬ ‫َد ْي ًنا‪ ،‬أو ُ‬
‫أعتكف‬ ‫ِ‬ ‫أن‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫أحب‬ ‫حاجة‬
‫ٍ‬ ‫في‬ ‫املسلم‬ ‫أخي‬ ‫ع‬ ‫وألن أمش َي َم َ‬
‫ِ‬ ‫تطر ُد عنه جوعا‪،‬‬
‫وحس ُ‬
‫نه‬ ‫الدنيا َّ‬ ‫املنورة‪ ))...‬رواه ابن أبي ُّ‬ ‫في هذا املسجد شه ًرا أي املسجد النبوي باملدينة َّ‬
‫ُ‬
‫اإلمام األلباني‪.‬‬
‫غيره‬ ‫ّ ُ‬ ‫ُ‬
‫كل مسلم يجود بما فضله هللا به على ِ‬
‫بعقل ِه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫هللا تعالى على غيره من َّ‬ ‫منا َّمي َز ُه ُ‬ ‫كل واحد ّ‬ ‫إخوة الكرام‪ُّ ،‬‬
‫اس بش يء‪ .‬إما ِ‬ ‫ِ‬ ‫الن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬
‫يقوم‬
‫ً‬
‫منا عادة ما‬ ‫ّإما بجاهه‪ّ ،‬أما بمهنته‪ّ ،‬إما بماله وسعة رزقه‪ ....‬الخ‪ُ .‬وك ُّل واحد ّ‬
‫ٍ‬ ‫ِِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أجرة‪َّ .‬‬ ‫ً‬ ‫ّ ّ‬
‫والنجار يشتغل فيأخذ‬ ‫يتقاضاه على العمل‪ .‬املعلم ُيعلم فيأخذ‬ ‫ُ‬ ‫مال‬ ‫َ‬
‫بأعماله جزاء ٍ‬ ‫ِ‬
‫يستطيع أن‬ ‫ُ‬ ‫منا من‬ ‫العيش الراتب‪ .‬لكن ّ‬ ‫والسائق كذلك‪ ....‬وهكذا‪ .‬هذا من أجل َ‬ ‫أجرة‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َي َ‬
‫مجال قدرِت ِه على ذوي حاجة‪ .‬نعم‪ ،‬املعلم ُيعلم في املدرسة‬ ‫ِ‬ ‫عمل ِه وفي‬ ‫مجال ِ‬ ‫ِ‬ ‫جود في‬
‫ُّ‬
‫ائق يسو ُق‬ ‫والس ُ‬ ‫لك بغير معاش‪ّ .‬‬
‫ِ‬
‫بعد ذ َ‬ ‫الضعفاء َ‬ ‫الطالب ُ‬ ‫م‬ ‫عل‬‫ِ‬
‫لكن ُه يستطيع ْأن ُ‬
‫ي‬ ‫بمعاش‪ّ .‬‬

‫والبناء‬
‫َ‬
‫العاجز إلى املسجد دون أجرة‪َّ .‬‬ ‫َ‬ ‫يخ‬‫الش َ‬‫يستطيع ْأن يوص َل َّ‬ ‫ُ‬ ‫سيارَت ُه ُبأجرة‪َّ .‬‬
‫لكن ُه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪54‬‬
‫ً‬ ‫يستطيع ْأن َ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ً‬
‫دار لجا ِر ِه بدو ِن أجرة‪ .‬أي ما من‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ج‬ ‫من‬ ‫شيئا‬ ‫يبني‬ ‫جرة‪.‬‬ ‫بأ‬ ‫البيوت‬ ‫عادة‬ ‫يبني‬
‫يخدم ُ‬
‫غيره ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫عز ّ‬
‫وجل التي بها‬ ‫وهو ُ‬
‫يملك من ن َعم هللا َّ‬ ‫إنسان إال َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫َّ‬
‫لألعمال الط ّيبة ‪ .‬وال يقول‪ :‬وهللا‬
‫ِ‬ ‫حصر لخزائن الخير وال حصر‬ ‫َ‬ ‫إخوة الكرام‪ ،‬ال‬
‫كل مسلم يستطيع ْأن يفعل‪ .‬كل‬ ‫والصحيح َّأن ّ‬
‫ّ‬ ‫أنا مسكين‪ ،‬ال أقدر أن أعمل شيئا!‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫مسلم! كل واحد منا إذا ّفت َ‬
‫وخصائصه‪ ،‬سيجد َّأن ُه‬
‫ِ‬ ‫نفس ُه‪ ،‬وبحث عن ق ُدرا ِت ِه‬ ‫ش َ‬
‫يستطيع ْأن يسخر ما فضل عنده ليخدم غيره ‪ .‬إن لم يستطع أن يجود بش يء يستطيع‬
‫أن يجود بالكلمة الطيبة أو النصيحة ويستطيع أن يجود بإزالة األذى عن الطريق و‬
‫ُ‬
‫اإلنسان املسلم‪.‬‬ ‫بتنظيف املسجد لوجه هللا تعالى‪ .‬أمور ال يعجزعنها‬
‫عمل الخير‬ ‫اإلخالص في ِ‬
‫غير وجه هللا َّ‬ ‫ُ‬ ‫الصالحة ْأن‬ ‫األعمال َّ‬
‫َ‬ ‫فس ُد‬ ‫ُ‬
‫عز‬ ‫بعمله َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإلنسان‬ ‫َ‬
‫يبتغي‬ ‫إخوة الكرام‪ ،‬ي ِ‬
‫سمح هللا ‪ -‬فهذا ُيحبط العمل! ْ‬
‫فإن‬ ‫الناس ‪ -‬ال َ‬ ‫يقوم بالعمل ألجل مدح َّ‬ ‫وجل‪ .‬أي ْأن َ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َ ُ ْ ُ‬ ‫فإياك ّ‬‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫واملن‪ .‬قال هللا تعالى‪﴿ :‬يا أيها ال ِذين آمنوا ال تب ِطلوا‬ ‫خلصا‬ ‫كنت في عملك م ِ‬
‫اإلنسان ّ‬
‫ُ‬ ‫األ َذ ٰى‪( ﴾...‬البقرة‪ّ .)264 :‬‬ ‫َ َ َ ُ ْ َْ ّ َ ْ َ‬
‫ثم ُيم ُّن على‬‫منا الخير‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫يفعل‬ ‫املن‪:‬‬ ‫صدقا ِتكم ِبامل ِن و‬
‫تمن على‬‫وعملت لك كذا‪ّ ...‬‬ ‫ُ‬ ‫يوم كذا وكذا‪..‬‬ ‫لك كذا وكذا‪َ ...‬‬ ‫فعلت َ‬ ‫ُ‬ ‫صاحبه‪ ...‬يقو ُل ُله‪:‬‬
‫ِ‬
‫من فعلت له خيرا أو معروفا‪.‬‬
‫عز ّ‬
‫وجل‪ .‬وال‬ ‫غيرك من املسلمين ازداد قربك من هللا َّ‬ ‫نفعت َ‬ ‫َ‬ ‫إخوة الكرام‪ ،‬كلما‬
‫ِ‬
‫دخلك ُ‬
‫هللا تعالى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عينك صغيرا قد ُي‬ ‫تقوم بعمل ُّ‬
‫تظنه في‬ ‫تحتقر ّن من املعروف شيئا ‪.‬رّبما ُ‬
‫ٍ‬
‫وأستغفر هللا لي ولكم ولسائر املسلمين من كل‬ ‫ُ‬ ‫يوم القيامة‪ .‬أقول قولي هذا‬ ‫الجن َة َ‬
‫به َّ‬
‫ِ‬
‫ذنب فاستغفرواه إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‬
‫الحمد هلل حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه والصالة والسالم على سيدنا محمد وبعد‪،‬‬
‫أشك َر ُه‪ ،‬لقول ّ‬‫ُ‬
‫النبي‬ ‫ِ‬ ‫إخوة الكرام‪ ،‬إذا قض ى لي أخي املسلم حاجتي‪ ،‬فاألصل أن‬
‫الل َه َم ْن ال َي ْش ُك ُر َّ‬
‫َ ْ ُ ُ َّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫اإلمام أحمد‪َ .‬و َع ِن ْاب ِن‬
‫ُ‬ ‫اس))‪ُ .‬‬
‫رواه‬ ‫الن َ‬ ‫عليه وسلم‪(( :‬ال يشكر‬
‫صلى هللا ِ‬
‫َّ َ َ ُ‬ ‫ُ َ َ َ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ َ ُ‬
‫اس َت َعاذك ْم ِبالل ِه فأ ِعيذ ُوه‪َ ،‬و َم ْن‬ ‫عمر‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الل ِه صلى الله علي ِه وسلم‪(( :‬م ِن‬

‫‪55‬‬
‫َ‬ ‫ً ََ‬ ‫َ َ َ ُ ْ َّ َ َ ْ ُ ُ َ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ ُ ُ َ َ ْ َ َ ُ‬
‫ص َن َع ِإل ْيك ْم َم ْع ُروفا فكا ِف ُئو ُه‪ ،‬ف ِإ ْن‬ ‫سألكم ِبالل ِه‪ ،‬فأعطوه‪ ،‬ومن دعاكم فأ ِجيبوه‪ ،‬ومن‬
‫وه))‪ .‬رواه اإلمام ابن ِح َّبان‬ ‫الل َه َل ُه َح َّتى َت َر َوا َأ ْن َق ْد َك َاف ْأ ُت ُم ُ‬
‫َ ْ َ ُ َ ُ َ ُ َ ُ َ ْ ُ َّ‬
‫لم ت ِجدوا ما تكا ِفئونه‪ ،‬فادعوا‬
‫سداده بعمل‬ ‫عجزت عن‬ ‫ُ‬ ‫علي مكافأة غيري بعمل الخير إن استطعت‪ ،‬وإن‬ ‫وغيره‪ .‬أي ّ‬‫ُ‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫دعاء كثي ًرا‪ .‬ور َ‬ ‫الخير أدعو هللا تعالى ُله ً‬
‫حضرت مجلسا للشافعي ‪ -‬أي‬ ‫حم هللا من قال‪:‬‬
‫موته‪.‬‬ ‫ً َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫درس ِعلم ‪ -‬وال زلت أدعو له أربعين سنة بعد ِ‬

‫قال ﷺ‬
‫مِش أم أع أيخ املسمل يف حاج ٍة أ ُّ‬
‫حب إا َّيل من أ ْن أعت يك أف يف هذا املسجد شهرًا))‬ ‫أَ‬
‫((ولن أ ي أ‬

‫‪56‬‬
‫خطورة الوقت‬
‫إعداد ‪ :‬محمد إقبال‬ ‫‪17‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الخطبة األولى‬
‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات‬
‫أعمالنا من يهده هللا فال مضل له ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬أشهد أن ال إله إال هللا‬
‫وحده ال شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬أوص ي نفس ي وإياكم أيها املؤمنون‬
‫َّ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َّ ُ‬
‫ين آ َمنوا اتقوا الل َه َح َّق‬ ‫بتقوى هللا فقد فاز املتقون‪ ،‬قال هللا تبارك وتعالى‪﴿ :‬يا أيها ال ِذ‬
‫َََ ُ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ ُ َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ َّ َ ْ ُ‬ ‫َُ‬
‫اس اتقوا َرَّبك ُم ال ِذي خلقك ْم‬ ‫تقا ِت ِه َوال ت ُموت َّن ِإال َوأنت ْم ُم ْس ِل ُمون﴾‪ ،‬وقال‪﴿ :‬يا أيها الن‬
‫َّ َّ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ا َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫م ْن َن ْف َ‬
‫اح َد ٍة َوخل َق ِم ْن َها ز ْو َج َها َو َبث ِم ْن ُه َما ِر َجاال ك ِث ايرا َو ِن َس ااء َواتقوا الل َه ال ِذي‬ ‫سو ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َّ ُ‬ ‫َّ َ َ َ ُ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ ُ َ‬
‫ين آ َمنوا اتقوا‬ ‫ام ِإ َّن الل َه كان َعل ْيك ْم َر ِق ايبا﴾‪ ،‬وقال‪﴿ :‬يا أيها ال ِذ‬ ‫األ ْر َح َ‬‫ت َس َاءلون ِب ِه و‬
‫َّ‬ ‫ُ ْ ْ َ ُ ْ َ ْ َ َ ُ ْ ََ ْ ْ َ ُ ْ ُُ َ ُ‬ ‫َّ ُ ُ َ ا‬
‫وبك ْم َو َم ْن ُي ِط ِع الل َه‬ ‫الل َه َوقولوا ق ْوال َس ِد ايدا (‪ )70‬يص ِلح لكم أعمالكم ويغ ِفر لكم ذن‬
‫يما﴾‪ ،‬أما بعد ‪ :‬فإن أصدق الحديث كتاب هللا وخير الهدي‬ ‫ول ُه َف َق ْد َف َاز َف ْو ازا َع ِظ ا‬‫ََ ُ َ‬
‫ورس‬
‫هدي محمد ﷺ وشر األمور محدثاتها فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضاللة وكل‬
‫ضاللة في النار‪.‬‬
‫﴿فإ َذا َف َر ْغ َت َف ْان َ‬
‫ص ْب﴾‪ .‬لو تدبرتم‬
‫َ‬
‫أيها املؤمنون‪ ،‬قال تعالى في القرآن العظيم‪ِ :‬‬
‫هذه اآلية لعلمتم أنها قاعدة حياتية عظيمة يجب أن يطبقها املؤمنون في حياتهم‪ ،‬هذه‬
‫اآلية تدل بوضوح وصراحة أنه الينبغي ألي مؤمن أن تخلو حياته من العمل والنشاط‪،‬‬
‫بحيث تأتي اآلية بحرف العطف الفاء الدالة على الترتيب والتعقيب‪ ،‬أي‪ :‬إذا انتهيت من‬
‫عمل ما فقم لعمل آخر مباشرة‪.‬‬
‫أيها اإلخوة‪ ،‬لو تأملتم فيما يصيب األمة من الضعف والهوان والعجز عن‬
‫النهوض والتقدم لضاقت عليكم األرض بما رحبت وضاقت عليكم أنفسكم‪ .‬أتعلمون‬
‫أيها اإلخوة ما الذي أوقعنا في هذا التخلف والذل؟ وهللا ما أوقعنا في هذا إال ألننا أمة‬
‫يحسنون إضاعة األوقات واألعمار وليس إدارتها‪ .‬اليخفى عليكم أن الكثير من املسلمين‬

‫‪57‬‬
‫في هذا الزمان كبارهم وصغارهم‪ ،‬شبابهم وفتياتهم أفنوا أعمارهم في املالهي والتافهات‬
‫فمنهم من قض ى معظم أوقاته بين يدي الشاشة ساعات ملشاهدة أفالما ومسلسالت‬
‫ليس فيه نفع لنفسه وال لألمة‪ ،‬ومنهم من قضوا أوقاتهم في مجالس ليس لذكر هللا وال‬
‫للتذكر املوت بل يمزحون ويضحكون فيقعوا في الغيبة والنميمة والعياذ باهلل‪ ،‬ومنهم‬
‫من يتقلب على فراشه طوال اليوم كأنه لم يخلق إال للنوم والراحة‪ ،‬واألعجب من هذا‬
‫أيها اإلخوة رحمكم هللا أن الذي وقعوا في هذه املصيبة هم طالب العلم وهم مستقبل‬
‫هذه األمة وعلى أكتافهم يقوم بناؤها‪ .‬لتعلموا أيها اإلخوة أن هذا ليس لوما وال إهانة‬
‫لحق أصحاب العلم‪ ،‬وإنما لنحاسب أنفسنا ولنتذكر أن هللا تبارك وتعالى قد وفقنا‬
‫لنسير في هذا الطريق السوي وهو طريق العلم فال نضيعها وقد اختارنا هللا من سائر‬
‫عباده ملهنة عظيمة شريفة وهي إخراج الناس من الظلمات إلى النور‪ .‬فكيف نخرج‬
‫الناس من الظلمات إلى النور ونحن في الظالم‪ ،‬ونحن في الغفلة‪ ،‬ونحن غير منضبطين‬
‫ال في سلوكنا وال في مواعيدنا وضيعنا أعمارنا فيما ال يعنينا‪ ،‬ألم نفهم قول النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪(( :‬من حسن إسالم املرء تركه ما ال يعنيه))‪.‬‬
‫أيها اإلخوة رحمكم هللا‪ ،‬إن استثمار األوقات واستغاللها في األشياء املفيدة لهو‬
‫من أرقى مقاصد ديننا ومن أجل مبادئه وقد بلغ اهتمام ديننا باألوقات مبلغا عظيما‬
‫حتى جعل أصول العبادات مرتبطة دائما باألوقات‪ ،‬كالصالة والصوم والزكاة والحج‪.‬‬
‫َ َُ َ‬ ‫ُ ا‬ ‫َّ َ َ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ‬
‫﴿ي ْسألون َك‬ ‫الصالة كانت َعلى املؤ ِم ِنين ِكت اابا َم ْوقوتا﴾‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫﴿إ َّن‬
‫قال تبارك وتعالى‪ِ :‬‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ َ َّ ُ ْ َ َ َ ُ َّ‬
‫اس والح ِج﴾‪.‬‬‫ع ِن األ ِهل ِة قل ِهي مو ِاقيت ِللن ِ‬
‫أيها اإلخوة‪ ،‬لو تصفحنا صفحات التاريخ لوجدنا أن أسالفنا كانوا أمثاال رائعة‬
‫ونماذج فريدة في استثمار األوقات‪ ،‬فتجد منهم من ألف مئات مجلد من الكتب في‬
‫مختلف الفنون والعلوم‪ ،‬ومنهم من ال يأكل في اليوم إال مرة واحدة ألنه يشتغل بالدروس‬
‫والعلم‪ ،‬بل منهم من صدمته دابة فمات ألنه ينغرق في مطالعة الدروس وهو يمش ي في‬
‫الطريق‪ .‬فالشاهد أيها اإلخوة ما الذي دفعهم إلى فعل هذه الغرائب؟ وما الذي أوصلهم‬
‫إلى هذا النجاح الباهر؟ هل ألنهم أذكى منا؟ أو طعامهم أفضل من طعامنا؟ أو وسائلهم‬

‫‪58‬‬
‫للتعلم أكمل من وسائلنا؟ ال‪ ،‬وإنما ألنهم يعرفون قيمة األوقات فال يقدر عندهم ثنية‬
‫واحدة بأي ثمن‪.‬‬
‫أيها املؤمنون رحمكم هللا‪ ،‬إننا لن نستطيع أن نتغير إلى أحسن الحال ما لم ننتبه‬
‫من غفلتنا ولن تتحسن أبدا حال األمة ما لم يعرف أبناءها قيمة األوقات‪ .‬واعلموا أيها‬
‫ُ‬
‫اإلخوة أن الوقت من أعظم النعم وسوف نسأل عنها يوم الحساب يقول ﷻ‪﴿ :‬ث َّم‬
‫الن ِع ِيم﴾‪ .‬فالواجب علينا اآلن أن نتوب إلى هللا وننهض فننطم من‬ ‫َل ُت ْس َأ ُل َّن َي ْو َمئذ َعن َّ‬
‫ٍِ ِ‬
‫جديد أوقاتنا وال نبكي على ما قدمنا من التقصير ألن األمة ال تحتاج إلى بكائنا‪ .‬إذ البكاء‬
‫ال تغير شيئا‪ .‬وإنما تحتاج األمة إلى حركاتنا وأفكارنا‪ ،‬عساه سبحانه أن يعيننا عليه‬
‫ويوفقنا فيما يحبه ويرضاه‪.‬‬
‫بارك هللا لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من اآليات والذكر الحكيم‬
‫فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‬
‫الحمد هلل الذي هدانا لهذا الدين وما كنا لنهتدي لوال أن هدانا هللا أشهد أن ال إله إال‬
‫هللا وحده ال شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪.‬‬
‫أيها اإلخوة رحمكم هللا إذا علمنا أن الوقت أمره عظيم فالواجب علينا أن‬
‫نستغلها فيما ينفع األمة ونذكر إخواننا الغريقين في اللهوي والهوى ليعودوا إلى نور‬
‫الهدى والصالح‪.‬‬
‫أيها املؤمنون‪ ،‬إن هللا أمركم بأمر عظيم بدأ بنفسه وثنى بمالئكته وثلث بكم أيها‬
‫َّ َّ َ َ َ َ َ َ ُ ُ َ ُّ َ َ َ َّ َ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ َ ُّ َ‬
‫صلوا َعل ْي ِه‬ ‫﴿إن الله ومال ِئكته يصلون على الن ِب ِي يا أيها ال ِذين آمنوا‬
‫املؤمنون إذ قال‪ِ :‬‬
‫يما﴾‪ ،‬اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى‬ ‫َو َس ِل ُموا َت ْس ِل ا‬
‫آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم‬
‫وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ .‬اللهم اغفر للمسلمين واملسلمات واملؤمنين واملؤمنات‬
‫األحياء منهم واألموات يا قاض ي الحاجات‪ ،‬اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا‬
‫وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا‪ .‬يا محول الحول‬

‫‪59‬‬
‫واألحوال حول أحوالنا إلى أحسن الحال‪ .‬ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفرلنا وترحمنا‬
‫لنكونن من الخاسرين‪ ،‬ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرة حسنة وقنا عذاب النار‪.‬‬
‫أيها املؤمنون‪ ،‬إن هللا يأمركم بالعدل واإلحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن‬
‫الفحشاء واملنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون‪ ،‬فاذكروه يذكركم واشكروه على نعمه‬
‫يزدكم ولذكر هللا أكبر‪.‬‬

‫جترع ن ّل اجلهل طول حياته‬ ‫ومن مل يذق ّمر ا ّ‬


‫لتعمل ساعة ‪ّ ...‬‬
‫ومن فاته التعلمي وقت ش بابه ‪ّ ...‬‬
‫فكرب عليه أربعًا لوفاته‬
‫(االإمام الشافعي ‪-‬رمحه هللا‪)-‬‬

‫‪60‬‬
‫عظمة هللا تعالى‬
‫إعداد ‪ :‬محمد حبيب األولياء‬ ‫‪18‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الخطبة األولى‬
‫الحمد هلل العظيم؛ تعاظم في ذاته عن اإلحاطة والتكييف وجل في صفاته عن النقائص‬
‫والتشبيه‪ ،‬وتعالى في ملكه ومجده فهو العلي العظيم‪ ،‬نحمده كما ينبغي له أن يحمد‪،‬‬
‫ونشكره فهو أحق أن يشكر‪ ،‬ونستغفره فهو الذي يستغفر‪.‬‬
‫وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له؛ ذلت لعظمته جميع املوجودات‪ ،‬وتالشت‬
‫ْ َ‬ ‫ْ‬
‫عظمة املخلوقات‪ ،‬فكل الكائنات مفتقرة إليه وهو غني عنها ﴿ ُيخ ِر ُج الخ ْب َء ِفي‬
‫َ‬ ‫َّ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ُ َ ُ ْ ُ َ َ َ ُ ْ ُ َ َّ ُ َ َ َ َّ ُ َ َ ُّ ْ َ ْ ْ‬
‫ض ويعلم ما تخفون وما تع ِلنون *الله ال ِإله ِإال هو رب العر ِش الع ِظ ِيم ﴾‬ ‫ات واألر ِ‬
‫السماو ِ‬
‫[النمل‪.]26 ،25 :‬‬
‫وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ كان يقول عند الكرب‪(:‬ال إله إال هللا العليم الحليم‪،‬‬
‫ال إله إال هللا رب العرش العظيم‪ ،‬ال إله إال هللا رب السماوات ورب األرض رب العرش‬
‫الكريم‪ ،‬صلى هللا وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫أيها الناس‪ ،‬أوصيكم ونفس ي بتقو هللا فقد فاز املتقون‪ .‬قال هللا تعالى ( ياأيها‬
‫الذين آمنوا اتقوا هللا حق تقاته وال تموتن إال و أنتم مسلمون)‪ .‬وقال ( ياأيها الذين‬
‫آمنوا اتقوا هللا وقولو قوال سديدا‪ .‬يصلح لكم أعمالكم ويغفرلكم ذنوبكم ومن يطع هللا‬
‫ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)‪ .‬وقال أيضا ‪ :‬يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة‬
‫ش يء عظيم‪.‬يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت‪.........‬إلى قوله‪ :‬ولكن عذاب هللا‬
‫شديد)‪.‬‬
‫فإن أصدق الحديث كتاب هللا‪ ،‬وخير الهدي هدي محمد _صلى هللا عليه وسلم_‬
‫وشر األمور محدثاتها‪ ،‬وكل محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضاللة‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫أيها الناس‬
‫اتقوى هللا عز وجل فاتقوه حق التقوى‪ ،‬اتقوا من بيده ملكوت كل ش يء وهو‬
‫يجير وال يجار عليه‪ ،‬واتقوا من رفع السموات بغير عمد ترونها وألقى في األرض رواس ي‬
‫أن تميد بكم‪ ،‬وبث فيها من كل دابة‪ ،‬اتقوا من (يمسك السموات واألرض أن تزوال ولئن‬
‫زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا)‪ .‬فهو العظيم الذي خضع‬
‫كل ش يء ألمره‪ ،‬ودان لحكمه‪ ،‬والكل تحت سلطانه وقهره‪ ،‬وهو ذو العظمة الذي كل‬
‫ُ‬ ‫ض َ َوال َي ُئ ُ‬ ‫َ َ ُ ْ ُّ ُ َّ َ َ َ ْ َ‬
‫ود ُه ِح ْفظ ُه َما‬ ‫األ ْر َ‬ ‫ات و‬
‫شييء دونه فال شييء أعظم منه ﴿ و ِسع كر ِسيه السماو ِ‬
‫يم ﴾ [البقرة‪ ]255 :‬وكرسيه الذي وسع السموات واألرض ما السماوات‬ ‫َو ُه َو ْال َعل ُّي ْال َع ِظ ُ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫السبع فيه إال كحلقة ملقاة بأرض فالة‪ ،‬وعظمة العرش بالنسبة للكرس ي كعظمة تلك‬
‫الفالة على تلك الحلقة‪ ،‬وهللا تعالى مستوى على عرشه‪.‬عبادهللا‪ ..‬وهو سبحانه وتعالى‬
‫الواحد األحد الذي أوجد الكون‪ .‬وهو هللا منزه عن كل نقص وعيب كالشبيه واملثيل‬
‫والولد واملكان والصورة والشكل‪ ،‬سبحانه وتعالى عما يقولون‪ .‬وهللا أعظم من كل عظيم‬
‫في القدر والجالل‪ ،‬والخالق وحده املوجد لألشياء من العدم‪ ،‬ألم ترى كيف خلق هللا‬
‫سبع سماوات طباقا‪ ،‬وجعل القمر فيها نورا وجعل الشمس سراجا‪ .‬أفال تنظرون إلى‬
‫الكائنات كيف خلقت‪ ،‬وإلى السماء كيف رفعت‪ ،‬وإلى الجبال كيف نصبت‪ ،‬و إلى األرض‬
‫كيف سطحت‪ .‬بل انظر إلى نفسك التي جعل هللا بين جنبيك وما جعل هللا فيهما من‬
‫العجب العجاب( وفي أنفسكم أفال تبصرون)‪ .‬فيا سبحان من خلقك‪ ،‬وعلى ما شاء‬
‫جعل شكلك وهيئتك‪ ،‬وأسمعك وأبصرك‪ ،‬وأضحكك وأبكاك‪ ،‬وأضعفك وقواك‪ ،‬قال‬
‫َ َ َ َ َ َ َّ َ َ َ‬
‫اك ف َع َدل َك * ِفي‬
‫َّ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫ان َما غ َّر َك ِب َرِّب َك الك ِر ِيم * ال ِذي خلقك فسو‬ ‫هللا تعالى ‪﴿ :‬يا َأ ُّي َها ْاإل َ‬
‫نس ُ‬
‫ِ‬
‫َ َّ‬
‫ور ٍة َّما شاء َرك َب َك﴾‪.‬‬ ‫ص َ‬‫َأ ّي ُ‬
‫ِ‬
‫عباد هللا‪...‬‬
‫َ‬
‫العظيمة والبر َ‬ ‫َ‬
‫اهين‬ ‫الحقائق‬ ‫إذن ما بال اإلنسان يتغافل ويتجاهل وينس ى هذه‬
‫الساطعة!! ثم يكون غافال عن تعظيم ربه وخالقه ومواله بتوحيده وعبادته ورجائه‬
‫والخوف منه‪ .‬فيا عجبا ملن أصابه من مصائب الدنيا‪ ،‬من غم وهم وحزن وفقر وظلم‬
‫وضيق‪ ،‬ويفتقد منه بأن هللا هو مواله‪ .‬فمن كان هللا مواله فمن يكيده؟ من كان هللا‬

‫‪62‬‬
‫نصره فمن يحزبه؟ من كان هللا مواله ‪ ،‬فمعه حي الذي ال يموت‪ ،‬ومعه القيوم الذي ال‬
‫ينام‪ ،‬ومعه الغني الذي ال يفتقر‪ ،‬ومعه امللك الحق الذي ال ُيقهر‪ .‬هللا‪ ...‬اسم لصاحبه‬
‫ّ‬
‫كل جمال‪ ،‬هللا‪ ...‬اسم لصاحبه كل كمال‪ ،‬فهو االسم الذي ما ذكر في قليل إال كثره‪،‬‬
‫وهو االسم الذي ما ذكر عند خوف إال ّأمنه‪ ،‬وهو االسم الذي ما ذكره فقير إال أغناه‪،‬‬
‫ُ‬
‫وهو االسم الذي ما تعلق به فقير ومظلوم إال نصره وآواه‪ ،‬هللا‪ ...‬هو االسم الذي تستنطر‬
‫ستنزل به البركات‪ ،‬وتقال به العثرات‪ ،‬وتستجاب به الدعوات‪ ،‬ومن‬ ‫به الرحمات‪ُ ،‬وت َ‬

‫أجله قامت األرض والسماوات‪ .‬واعتصموا باهلل‪ ،‬هو موالكم فنعم املوال ونعم النصير‪،‬‬
‫َ‬ ‫من اعتصم به ّ‬
‫نجاه‪ ،‬ومن ّ‬
‫فوض إليه أموره كلها هداه‪ ،‬وأغناه‪ .‬قال جل على‪ ﴿:‬أليس‬
‫هللا بكاف عبده﴾‪ ..‬اليس هللا بكاف عبده؟‪ .‬بارك هللا لي ولكم في لقرآن العظيم ونفعني‬
‫وإياكم بما فيه من اآليات وذكر الحكيم‪ ،‬أقول قولي هذا فاستغفروه‪ .‬إنه هو الغفور‬
‫الرحيم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‬
‫الخلق يفرون من عظماء الخلق فيطلبونهم وال يجيدونهم‪ ،‬ويسخرون ما يملكون‬
‫فيعجزون في طلبهم‪ ،‬وأما ذو العظمة ْ هللا جل جالله ْ فال فرار للخلق منه إال إليه‪ ،‬وال‬
‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ َّ َ َ َ ْ َ َ ْ ُ ْ َ ْ ُ َ َ ُ َ ْ َ َ َ‬
‫ضاق ْت َعل ْي ِه ْم أن ُف ُس ُه ْم َوظ ُّنوا‬ ‫معاذ منه إال به‪ ﴿:‬حتى ِإذا ضاقت علي ِهم األرض ِبما رحبت و‬
‫َ ْ َ َ ْ َ َ َ َّ َّ َ ْ ُ َّ َ َ َ‬
‫اب َعل ْي ِه ْم ِل َي ُت ُوبوا ﴾ [التوبة‪.]118 :‬‬‫أن ال ملجأ ِمن الل ِه ِإال ِإلي ِه ثم ت‬
‫ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود ‪ -‬رض ي هللا عنه ‪ -‬قال‪ (( :‬جاء حبر من األحبار‬
‫إلى رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬فقال‪ :‬يا محمد إنا نجد أن هللا يجعل السموات‬
‫َ‬
‫وسائر‬ ‫والشجر على إصبع‪َ ،‬‬
‫واملاء والثرى على إصبع‪،‬‬ ‫َ‬ ‫على إصبع‪ ،‬واألرضين على إصبع‪،‬‬
‫الخالئق على إصبع فيقول‪ :‬أنا امللك‪ .‬فضحك النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬حتى بدت‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫نواجذه تصديقا لقول ال َحبر؛ ثم قرأ رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪َ ﴿ -:‬و َما ق َد ُروا‬
‫ات َم ْطو َّي ٌ‬
‫ات ب َيمينه ُس ْب َح َانهُ‬ ‫الس َم َاو ُ‬
‫َّ‬ ‫ض ُت ُه َي ْو َم ْالق َي َامة وَ‬
‫يعا َق ْب َ‬
‫ض َجم ً‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ َ َّ َ ْ َ َ‬
‫ِ ِ ِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الله حق قد ِر ِه واألر‬
‫ْ ُ َ‬ ‫َ َ‬
‫َوت َعالى َع َّما ُيش ِركون ﴾ [الزمر‪.))] 67 :‬‬

‫‪63‬‬
‫ّ‬
‫عباد هللا‪ ،‬إن هللا يأمركم بأمر عظيم‪ ،‬بدأ بنفسه وثنى بمالئكته وثلث بكم أيها املؤمنون‪.‬‬
‫إذ قال‪﴿ :‬إن هللا ومالئكته يصلون على النبي‪ ،‬يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا‬
‫تسليما﴾‪ .‬اللهم صل على محمد‪......‬إلخ‪ .‬إنك حميد مجيد‪ .‬الدعاء للمسلمين واملسلمات‪.‬‬
‫عباد هللا‪ ،‬أن هللا يأمركم بعدل وإحسان‪ .‬و إيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء واملنكر‬
‫والبغي‪ ،‬يعظكم لعلكم تذكرون‪ .‬فاذكروا هللا العظيم يذكركم‪ ،‬واشكروه على نعمه‬
‫يزدكم‪ ,‬ولذكر هللا أكبر‪.‬‬

‫من رغب عن التعب هلل‪ ،‬ابتيل ابلتعب يف خدمة اخللق وال ب ّد‬
‫القمي ‪-‬رمحه هللا)‬
‫(ابن ّ‬

‫‪64‬‬
‫أحسن أخالقك تدخل جنة ربك‬
‫إعداد ‪ :‬محمد ريزا رفسنجاني‬ ‫‪19‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الخطبة األولى‬
‫ْ ُ ْ َْ ُ َ َ ْ َّ‬ ‫َّ ْ َ َ َّ َ ْ ُ ُ َ َ َ ُ ُ َ َ َ ْ ْ َ َ ُ‬
‫ِإن الح ْمد ِلل ِه نح َمده ون ْست ِع ْينه ون ْستغ ِف ُره ون ُعوذ ِباهللِ ِمن ش ُرو ِر أنف ِسنا و ِمن َس ِيئ ِ‬
‫ات‬
‫ضل ْل َف َال َهاد َي َله‪َ ُ.‬و َأ ْش َه ُد َأ ْن َال إ َل َه إ َّال ُ‬
‫هللا‬ ‫هللا َف َال ُمض َّل َل ُه َو َم ْن ُي ْ‬ ‫َأ ْع َمال َنا‪َ ،‬م ْن َي ْهده ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َو ْح َد ُه ال ش ِرْي َك ل ُه َوأش َه ُد أ َّن ُم َح َّم ًدا َع ْب ُد ُه َو َر ُس ْول ُه‪.‬‬
‫اللهم صل على محمد وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد‪.‬‬
‫فيا أيها املؤمنين أوص ي نفس ي وإياكم بتقوى هللا فقد فاز املتقون إذ قال هللا ﷻ في كتابه‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ َّ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ‬
‫ين آ َم ُنوا َّات ُقوا الل َه َح َّق ت َقا ِت ِه َوال ت ُموت َّن ِإال َوأن ُت ْم ُم ْس ِل ُمون﴾‪.‬‬ ‫العزيز‪﴿ :‬يا أيها ال ِذ‬
‫َّ‬ ‫ََ‬
‫س َو ِاح َد ٍة َوخل َق ِم ْن َها َز ْو َج َها َو َبث‬ ‫ف‬‫اس َّات ُقوا َ َّب ُك ُم َّالذي َخ َل َق ُك ْم م ْن َن ْ‬
‫ر‬ ‫ُ‬ ‫وقال‪َ ﴿ :‬يا َأ ُّي َها َّ‬
‫الن‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ْ ْ َ َ َّ َّ َ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َّ َ ُ َ‬ ‫ً َ‬
‫ان َعل ْيك ْم‬ ‫ِم ْن ُه َما ِر َجاال ك ِث ًيرا َو ِن َس ًاء َو َّات ُقوا الل َه ال ِذي ت َس َاءلون ِب ِه واألرحام ِإن الله ك‬
‫َر ِق ًيبا﴾‬
‫ُ ْ َُ َ َُ‬ ‫َّ ُ ُ َ ً‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ‬
‫ص ِل ْح لك ْم أ ْع َمالك ْم‬ ‫ين آ َم ُنوا َّات ُقوا الل َه َوقولوا ق ْوال َس ِد ًيدا (‪ )70‬ي‬ ‫وقال‪﴿ :‬يا أيها ال ِذ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َ ُ ُُ ُ‬
‫َو َيغ ِف ْر لك ْم ذن َوبك ْم َو َم ْن ُي ِط ِع الل َه َو َر ُسول ُه ف َق ْد ف َاز ف ْو ًزا َع ِظ ًيما﴾‪.‬‬
‫فإن أصدق الحديث كتاب هللا وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر األمور محدثاتها وكل‬
‫محدثة بدعة وكل بدعة ضاللة وكل ضاللة في النار‪.‬‬
‫معاشر املؤمنين‪ ،‬إن اإلسالم دين الرحمة حمله سلف األمة إلى الناس بالحكمة‬
‫ونشره إلى العالم باأللفة واملحبة‪ .‬نعم‪ ،‬فبصفاء قلوبهم وبسمو أخالقهم وبعلو همتهم‬
‫وصلت رسالة القرآن إلى العالم‪ ،‬وانتشر اإلسالم ليس بالحروب بل بالسالم‪ ،‬وليس‬
‫باألموال وإنما باإليمان‪ .‬وبهذا فتح املسلمون البلدان وبلغوا درجة ال تتخيله العقول‬
‫واألذهان وحكموا بالعدل على العالم‪ .‬فجاءت بعد ذلك عصور مظلمة تقاتلت األمة‬
‫وابتعدوا عن القرآن والسنة وانشغلوا باالختالفات املذمومة فتنازعوا وضعفت األخوة‬

‫‪65‬‬
‫اإليمانية وذهبت عنهم األخالق النبوة السامية وتخلقوا باألخالق الرديئة‪ .‬إنما األمم‬
‫األخالق ما بقيت فإن هم ذهبت أخالقهم ذهبوا‪.‬‬
‫معاشر املؤمنين‪ ،‬فتعالوا ننظر في جيل الصحابة الذين رباهم حبيبنا ﷺ بأحسن‬
‫التربية وقد غرز في قلوبهم كيف يحبون إخوانهم بأقوى املحبة اإليمانية ومثل لهم كيف‬
‫َّ ْ َ َ َ ُ ْ َ‬ ‫َ‬
‫يعاملون إخوانهم بأحسن املعاملة‪ .‬وقد قال ﷻ {ف ِب َما َر ْح َم ٍة ِم َن الل ِه ِلنت ل ُه ْم َول ْو كنت‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ َ َ ْ ُ َ ُْ ْ َ ْ َ ْ َ‬ ‫َ ًّ َ َ‬
‫يظ ْال َق ْلب َال ْن َف ُّ‬
‫استغ ِف ْر ل ُه ْم َوش ِاو ْر ُه ْم ِفي األ ْم ِر‬‫ضوا ِمن حو ِلك فاعف عنهم و‬ ‫ِ‬ ‫فظا غ ِل‬
‫ُُ‬ ‫َّ َ‬ ‫َُْ َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ َ َ َّ َ َّ‬ ‫َ َ‬
‫ف ِإذا َع َز ْمت فت َوك ْل َعلى الل ِه ِإ َّن الله ُي ِح ُّب املت َو ِك ِلين}‪ ،‬وقال‪{َ :‬و ِإن َك ل َعلى خل ٍق َع ِظ ٍيم}‪،‬‬
‫وقال ﷺ‪(( :‬إنما بعثت ألتمم مكارم األخالق))‪ .‬نعم‪ ،‬كان لصحابته في األخالق قدوة‪ ،‬وفي‬
‫أقواله وأفعاله أروع األسوة‪ ،‬وقد كان يأسر قلوب الناس بأخالقه العالية ويظهر عليهم‬
‫محبته الصادقة‪.‬‬
‫معاشر املؤمنين‪ ،‬ها هو عمرو بن العاص صحابي جليل سأل النبي ﷺ ً‬
‫ظانا أنه‬
‫أحب الناس إليه‪" :‬يا رسول هللا أي الناس أحب إليك؟"‪ ،‬قال ﷺ‪(( :‬عائشة))‪ ،‬فقال‬
‫عمرو‪" :‬ال‪ ،‬من الرجال يا رسول هللا"‪ ،‬فقال ﷺ‪(( :‬أبوها))‪ ،‬قال عمرو‪" :‬ثم من؟"‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫((عمر بن الخطاب))‪ ،‬فجعل النبي ﷺ يعدد الرجال‪ ،‬فقال عمرو‪" :‬فسكت مخافة أن‬
‫يجعلني في آخرهم‪ .‬فسبحان هللا فهل يأتي هذا الظن إال من معاملته الراقية ومن محبته‬
‫الصادقة ومن أخالقه النابلة‪ .‬نعم‪ ،‬كان حبيبنا ﷺ إذا صافحه أحد لم ينزع يده حتى‬
‫ينزع املصافح منه يده‪ ،‬وكان إذا كلمه أحد التفت إليه بكل وجهه وجسمه يستمع إليه‬
‫وينصت‪ ،‬وكان يتفقد حال أصحابه يسأل الناس عما في الناس ويجلس في أصحابه كأنه‬
‫فيوما يجالس الفقراء ويعود املساكين‪ً ،‬‬
‫ويوما يسعى في‬ ‫ً‬
‫تواضعا‪ً .‬‬ ‫منهم‪ ،‬وكان أشد الناس‬
‫حاجة مسكين‪ً ،‬‬
‫ويوما يفصل خصومة بين املؤمنين‪.‬‬
‫معاشر املؤمنين‪ ،‬فهكذا تربى الجيل األول من هذه األمة فأمامهم أحسن القدوة‪.‬‬
‫فال عجب أن تحلوا باألخالق الرفيعة وتحابوا بأحسن املحبة اإليمانية‪ .‬فتأملوا أن من‬
‫منهج النبوة العالقة القوية بين حسن الخلق واملحبة وبين كمال اإليمان ودخول الجنة‬
‫فقد قال ﷺ‪(( :‬ال يؤمن أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه))‪ ،‬وقال‪(( :‬والذي‬
‫ً‬
‫نفس ي بيده ال تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا وال تؤمنوا حتى تحابوا))‪ .‬بل ذكر له ﷺ يوما‬

‫‪66‬‬
‫حال امرأة أنها تصلي وتصوم وتتصدق لكنها تؤذي جيرانها بلسانها فماذا قال ﷺ‪(( :‬هي‬
‫ً‬
‫في النار))‪ .‬والعكس غفر هللا للباغية وأدخلها الجنة ألنها سقت كلبا‪ .‬وقد قال ﷺ‪:‬‬
‫ً‬
‫((أكمل املؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا))‪.‬‬
‫ُْ ْ ْ َ َ ُْ ْ َ َ ْ ْ‬
‫اس َتغ ِف ُر ْو ُه‬‫ات ف‬‫م‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫امل‬‫و‬ ‫ن‬‫ي‬ ‫م‬‫ل‬ ‫س‬ ‫امل‬ ‫ر‬‫ئ‬ ‫ا‬‫س‬‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫َأ ُق ْو ُل َق ْول ْي َه َذا َو َأ ْس َت ْغف ُر َ‬
‫هللا ْال َعظ ْي َم ل ْي َو َل ُك ْم َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إ ّن ُه ُه َو ْال َغ ُف ْو ُر ّ‬
‫الر ِح ْي ِم‬ ‫ِ‬

‫الخطبة الثانية‬
‫الحمد هلل الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو ال أن هدانا هللا‪َ .‬و َأ ْش َه ُد َأ ْن َال إ َل َه إ َّال ُ‬
‫هللا‬ ‫ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫َو ْح َد ُه ال ش ِرْي َك ل ُه َوأش َه ُد أ َّن ُم َح َّم ًدا َع ْب ُد ُه َو َر ُس ْول ُه‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فيا عبد هللا‪ ،‬أكثر ما يدخل هللا به الناس الجنة خصلتان‪ :‬تقوى هللا وحسن‬
‫الخلق‪ .‬فإن صعب عليك أن تتقي هللا كتقوى أبي بكر وعمر فلماذا التحسن أخالقك‬
‫فلعل هللا يدخلك به جنته‪.‬‬
‫فيا عبد هللا‪ ،‬فما أحوج املسلمين اليوم إلى حسن الخلق إنما األمم األخالق ما‬
‫بقيت فإن هم ذهبت أخالقهم ذهبوا‪.‬‬
‫فيا أيها الداعي‪ ،‬فكيف تحسن أخالق األمة ولم تحسن أخالقك؟ وكيف تربي‬
‫ً‬
‫األمة على حسن الخلق ولم ترب عليه نفسك؟ قال القائل‪" :‬كن للناس مسعدا فإن لم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تستطع فكن ألحزانهم مزيال فإن لم تستطع فال تكن لقلوبهم مؤذيا"‪.‬‬
‫ّ َ‬ ‫َّ َ َ َ َ َ َ ُ ُ َ ُّ ْ َ َ َ َّ ّ َ َ ُّ َ َّ ْ َ َ َ ُ ْ َ ُّ َ‬
‫صل ْوا َعل ْي ِه َو َس ِل ُم ْوا ت ْس ِل ْي ًما‪.‬‬ ‫ِإن هللا ومال ِئكته يصلون على الن ِب ِي‪ ،‬يا أيها ال ِذين ءامنوا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َّ َ َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ُ َّ َ َ‬
‫صل ْي َت َعلى ِإ ْب َر ِاه ْي َم َو َعلى ِآل ِإ ْب َر ِاه ْي َم‪ِ ،‬إ َّن َك‬ ‫ص ِ ّل َعلى ُم َح َّم ٍد َو َعلى ِآل محم ٍد كما‬ ‫اللهم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َح ِم ْي ٌد َم ِج ْي ٌد‪َ .‬و َبا ِر ْك َعلى ُم َح َّم ٍد َو َعلى ِآل ُم َح َّم ٍد ك َما َب َارك َت َعلى ِإ ْب َر ِاه ْي َم َو َعلى ِآل‬
‫ِإ ْب َر ِاه ْي َم‪ِ ،‬إ َّن َك َح ِم ْي ٌد َم ِج ْيد‪.‬‬
‫اللهم اغفر للمسلمين واملسلمات واملؤمنين واملؤمنات األحياء منهم واألموات إنك سميع‬
‫قريب مجيب الدعوات فيا قاض ي الحاجات‬
‫اللهم كما أحسنت خلقنا فأحسن خلقنا‬

‫‪67‬‬
‫اللهم اهدنا ألحسن األخالق ال يهدي ألحسنها إال أنت واصرف عنا سيئها ال يصرف عنا‬
‫سيئها إال أنت‬
‫ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرة حسنة وقنا عذاب النار‬
‫سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسالم على املرسلين والحمد هلل رب العاملين‬
‫ولذكرهللا أكبر‪ ،‬قوموا إلى صالتكم‪.‬‬

‫كن للناس ُمسعد ًا فاإن مل تس تطع فكن لحزاهنم مزي ًال فاإن مل تس تطع فال تكن لقلوهبم مؤذ ًاي‬

‫‪68‬‬
‫فقه األخوة اإليمانية‬
‫إعداد‪ :‬محمد صديق‬ ‫‪20‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الخطبة األولى‬
‫إن الحمد هلل نحمدك ربي ونستعين بك ونستغفرك ونتوب إليك‪ ،‬ونثني عليك الخير‬
‫كله‪ ،‬فلله الحمد ال انقضاء لعهده على عد ما أسدى وقد قصر الشكر‪ ،‬أحمده تعالى‬
‫على نعمه ذات اإلكثار وأشكره على فضله املدرار سبحانه ذو املن واالقتدار املتفرد‬
‫بالخلق واالختيار القائل في محكم تنزيله وربك يخلق ما يشاء ويختار‪ ،‬وأشهد أن ال إله‬
‫إال هللا وحده ال شريك له العزيز الغفار سبحانه هو هللا الواحد القهار وأشهد أن نبينا‬
‫وسيدنا محمد عبد هللا و ورسوله‪ ،‬املصطفى املختار‪ ،‬خير من درج على سرى طيبة ديار‬
‫األنصار ومهاجر الصحابة األخيار‪ ،‬وصلى هللا وسلم وبارك عليه وعلى آله األطهار وصحبه‬
‫األبرار والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فيا عباد هللا‪ ،‬من منبر مسجد جامعة الراية أوصيكم ونفس ي بخير الوصايا‪ ،‬أال‬
‫فاتقوا هللا عز وجل فهي جماع الخيرات وينبوع البركات‪ ،‬وأمان من الباليا وحصن من‬
‫الرزايا‪﴿ .‬ياأيها الذين ءامنوا اتقوا هللا حق تقاته وال تموتن إال أنتم مسلمون﴾‬
‫أيها املؤمنون‪ ،‬إن األخوة في هللا لبنة أساسية من لبنات إقامة األمة اإلسالمية‬
‫الصالحة‪ ،‬لذلك أول ما أنشأه املصطفى ﷺ مع أساس املسجد النبوي هو أساس األخوة‬
‫اإليمانية‪ .‬فغرز في قلوبهم أن الحب في هللا أساس يربط قلوبهم وال تعرف قيمة املؤمنين‬
‫ً‬
‫وعزتهم إال بقوة أخوتهم اإليمانية‪ .‬نعم إنها العالقة تجمع قلوبهم وال تنفصل أبدا‪ ،‬إنها‬
‫العالقة الدائمة ال يقطعها أي ش يء إال ذهاب اإليمان‪ .‬فال يزال املؤمنؤن أقوياء ما دامت‬
‫املحبة بينهم في هللا قوية‪ ،‬وإذا ضعفت ضعفوا‪.‬‬
‫أيها املؤمنون‪ ،‬تعالوا نتأمل من أقوى األجيال في األخوة اإليمانية وهم الصحابة‬
‫رض ي هللا عنهم‪ ،‬كيف فقهوا قيمة العالقة اإليمانية‪ ،‬وفهموا فقه األخوة الذي فقده‬

‫‪69‬‬
‫املسلمون اليوم‪ ،‬فهذا الفقه ال يبقى في األذهان والكالم ولكن عاش معهم في األعمال‬
‫واألفعال‪.‬‬
‫فالفقه األول‪ ،‬هو املحبة في هللا طريق إلى كمال اإليمان ودخول الجنة‪ .‬قال ﷺ‬
‫((والذي نفس ي بيده ال تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا وال تؤمنوا حتى تحابوا ‪ ))...‬وقال ((ال‬
‫يؤمن أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه))‪ .‬فكم من الناس يتساهل في قطع‬
‫األخوة مع اآلخرين بخطإ يرتكبونه ويخفى عنه سر من أسرار دخول الجنة وهو املحبة‬
‫ً‬
‫في هللا‪ .‬نعم‪ ،‬بمجرد أن تحب أخاك املؤمن قد يكون سببا في دخولك الجنة‪ .‬وبالعكس‬
‫إن التشاحن والبغضاء بين املؤمنين يمنع مغفرة هللا لهم‪ .‬فلقد روى اإلمام مسلم عن‬
‫أبي هريرة رض ي هلل عنه قال‪ :‬قال ﷺ ((تفتح أبواب الجنة يوم اإلثنين و يوم الخميس‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فيغفر لكل عبد ال يشرك باهلل شيئا إال رجال كانت بينه وبين أخيه شحناء‪ ،‬فيقال‪:‬‬
‫أنظروا هذين حتى يصطلحا ثالث مرات))‪ .‬فلهذا ترسخ لدى الصحابة أن دخزل الجنة‬
‫مقرون بحبهم إلخوانهم دون مصلحة أو رحم كما ترسخ لديهم أن الشحناء والبغضاء‬
‫والهجر معوقات واضحة لدخول الجنة‪ ،‬وعلى حبهم للجنة أحبوا إخوانهم‪ ،‬وعلى قدر‬
‫اشتياقهم إلى الجنة غفر بعضهم لبعض‪.‬‬
‫فياأيها املؤمنون‪ ،‬فالفقه الثاني‪ ،‬هو األخوة في هللا بذل وعطاء وإنفاق بال طلب‬
‫مردود‪ ،‬إن األخوة إيثار على النفس وحب خالص من القلب‪ ،‬وليست منافع أو مصالح‬
‫دنيوية‪ ،‬أي باختصار إن األخوة مسؤلية وتضحية‪ ،‬فكلما ازدادت معارفك إلخوانك كثرت‬
‫أعمالك وتضحيتك من أجلهم‪ .‬فهذا الذي وضحه حديث النبي ﷺ عن أبي هريرة عند‬
‫رواية مسلم ((من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس هللا عنه كربة من كرب‬
‫يوم القيامة‪ ،‬ومن يسر على معسر يسر هللا عليه في الدنيا واآلخرة‪ ،‬وهللا في عون العبد‬
‫ما دام العبد في عون أخيه))‪ .‬هللا أكبر‪ ،‬فألجل هذا الثواب الجزيل كان الصحابة رض ي‬
‫هللا عنه يبذلون حياتهم كلها لنفع اآلخرين وملساعدتهم وللتضحية ألجلهم‪ .‬فهذه قاعدة‬
‫ً‬
‫الحياة عندهم ألنهم فقهوا أن املردود واألجور أعلى‪ ،‬وهللا الذي يعطيهم أضعافا‬
‫ً‬
‫مضاعفا‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫ذكر ابن عباس أن الناس قحطوا في زمان أبي بكر‪ ،‬وفي هذا الوقت جاءت قافلة‬
‫لعثمان رض ي هللا عنه إلى املدينة فتسارع التجار لشراء هذه القافلة فسألهم عثمان‪،‬‬
‫ً‬
‫كم تربحون؟ فقالوا‪ :‬العشرة اثني عشر أي لكل عشرة دراهم اثني عشر درهما يربحون‪.‬‬
‫قال عثمان‪ :‬هناك من زادني على هذا الربح‪ .‬قالوا‪ :‬فالعشرة خمسة عشر‪.‬قال‪ :‬هناك‬
‫من زادني على هذا الربح‪ .‬قالوا‪ :‬من الذي زادك ونحن تجار املدينة؟ فقال‪ :‬هللا زادني‬
‫بكل درهم عشرة حيث قال﴿من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها﴾‪ ،‬فهل لديكم من‬
‫مزيد؟ ثم قال اللهم إني وهبتها فقراء املدينة‪.‬‬
‫وروي عن ابن عباس أنه خرج من اعتكافه ليقض ي حاجة رجل فقال‪ :‬سمعت‬
‫صاحب هذا القبر أي رسول هللا ﷺ قال ((من مش ى في حاجة أخيه وبلغ فيها أي قضاها‬
‫ً‬
‫كان خيرا له من اعتكافه عشر سنين))‪ .‬فما أعلى هذا الفقه ملعنى األخوة في هللا والبذل‬
‫ً‬
‫ألجل اآلخرين‪ ،‬فهذه أسس راسخة لبناء املجتمع املسلم القوي‪ ،‬فما كان هذا كالما‬
‫ً‬
‫فحسب بل كان أفعاال متكررة‪.‬‬
‫بارك هللا لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم‪ ،‬أقول قولي هذا‬
‫وأستغفر هللا الجليل العظيم لي ولكم ولسائر املسلمين واملسلمات من كل الذنوب‬
‫ً‬
‫والخطيئات فاستغفروه وتوبوا إنه كان لألوابين غفورا‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‬
‫الحمد هلل املنان والصالة والسالم على سيد ولد عدنان وعلى آله وصحبه حملة رسالة‬
‫القرآن‪ ،‬أما بعد‪.‬‬
‫ً‬
‫إخوة اإليمان‪ ،‬فالفقه الثالث‪ ،‬هو األخوة تكون لكل من آمن باهلل قريبا كان أو‬
‫ً‬
‫بعيدا‪ ،‬يعجبك أو ال يعجبك‪ ،‬فأي مسلم من املسلمين يستحق كل حقوق األخوة حتى‬
‫وإن كنت ال تعرفه من قبل‪ .‬يروى عن أبي هريرة أنه عندما أسلم ثمامة بن أثال رض ي‬
‫هللا عنه بعد حياة طويلة من محاربة الرسول ﷺ يقول عمر رض ي هللا عنه‪ :‬لقد كان‬
‫وهللا في عيني أصغر من الخنزير وأنه اآلن أعظم من الجبل‪ .‬نعم‪ ،‬اختلفت النظرة بمجرد‬
‫ً‬
‫أن أسلم وآمن فأصبح له حقوق األخوة من املحبة في هللا‪ .‬ويوما من األيام أخرج النبي‬

‫‪71‬‬
‫ً‬
‫ﷺ بني قنيقاع من املدينة دفاعا عن مسلم واحد قتل وامرأة أوذيت‪ .‬فهذا هو مفهوم‬
‫األخوة في اإلسالم‪ ،‬فكل من آمن باهلل ورسوله يستحق حقوق اإلسالم حتى وإن كرهت‬
‫صفته ومظهره‪ .‬فهذه هي مفاهيم األخوة التي أمرنا هللا بتحقيقها لتقوية بناء هذه األمة‬
‫اإلسالمية حتى تعود عزتها ويعلو قدرها عند هللا جل وعال‪.‬‬
‫إن هللا أمركم بأمر عظيم بدأ بنفسه وثنى بمالئكته وثلث بكم أيها املؤمنون إذ‬
‫ً‬
‫قال‪﴿ :‬إن هللا ومالئكة يصلون على النبي ياأيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تيليما﴾‬
‫اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل‬
‫إبراهيم إنك حميد مجيد‪.‬‬
‫اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك‬
‫اللهم ألف بين قلوبنا واجعلنا من املتقين‬
‫اللهم وفقنا لحب الخير إلخواننا‬
‫اللهم اجعلنا من املتحابين فيك واملتناصحين فيك واملتباذلين فيك‬
‫ً‬
‫اللهم اغفرل لنا وإلخواننا الذين سبقونا باإليمان وال تجعل في قلوبنا غال للذين ءامنوا‬
‫ربنا إنك رؤوف رحيم‬
‫اللهم اغفر للمسلمين واملسلمات واملؤمنين واملؤمنات األحياء منهم واألموات إنك سميع‬
‫قريب مجيب الدعوات‬
‫ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرة حسنة وقنا عذاب النار‬

‫س ئل حكمي‪ :‬كيف تعرف أخاك؟ فقال‪ :‬حيمل مهّي‪ ،‬ويسأل ّعّن‪ ،‬ويس ّد خليل‪ ،‬ويغفر زليل‪ ،‬ويذ ّكرين‬
‫بريب‪ .‬فقيل هل‪ :‬كيف تاكفئه؟ فقال‪ :‬أدعو هل بظهر الغيب‬
‫ّ‬

‫من طلب أخًا بال عيب‪ ،‬بقي بال أخ‬


‫(فضيل بن عياض ‪-‬رمحه هللا‪)-‬‬

‫‪72‬‬
‫السخرية خلق ذميم‬
‫إعداد‪ :‬مكرمة‬ ‫‪21‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الخطبة األولى‬
‫ْ ُ ُ ْو َ ْ ُ َ َ ْ َ ّ َ‬ ‫َّ ْ َ َ َّ َ ْ ُ ُ َ َ َ ُ ُ َ َ َ ْ ْ َ َ ُ‬
‫ات‬‫ِإن الح ْمد ِلل ِه نح َمده ون ْست ِع ْينه ون ْستغ ِف ُره ون ُعوذ ِباهللِ ِمن شر ِر أنف ِسنا و ِمن س ِي ِ‬
‫ئ‬
‫ضل ْل َف َال َهاد َي َله‪َ ُ.‬و َأ ْش َه ُد َأ ْن َال إ َل َه إ َّال هللاُ‬ ‫هللا َف َال ُمض َّل َل ُه َو َم ْن ُي ْ‬ ‫َأ ْع َمال َنا‪َ ،‬م ْن َي ْهده ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫َو ْح َد ُه ال ش ِرْي َك ل ُه َوأش َه ُد أ َّن ُم َح َّم ًدا َع ْب ُد ُه َو َر ُس ْول ُه‪.‬‬
‫اللهم صل على محمد وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد‪.‬‬
‫فيا أيها املؤمنين أوص ي نفس ي وإياكم بتقوى هللا فقد فاز املتقون إذ قال هللا ﷻ في كتابه‬
‫ن‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ َّ ُ َّ َ َ َّ ُ َ َ َ َ ُ ُ َّ َّ َ َ ْ ُ ْ ُ ْ ُ َ‬
‫العزيز ﴿يا أيها ال ِذين آمنوا اتقوا الله حق تقا ِت ِه وال تموتن ِإال وأنتم مس ِلمو ﴾‬
‫َّ‬ ‫ََ‬
‫س َو ِاح َد ٍة َوخل َق ِم ْن َها َز ْو َج َها َو َبث‬ ‫ف‬‫اس َّات ُقوا َ َّب ُك ُم َّالذي َخ َل َق ُك ْم م ْن َن ْ‬
‫ر‬ ‫﴿يا َأ ُّي َها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫وقال َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ْ َ ْ َ َ َّ َّ َ َ َ َ ُ‬ ‫َّ َّ َ ُ َ‬ ‫ً َ‬
‫ان َعل ْيك ْم‬ ‫ِم ْن ُه َما ِر َجاال ك ِث ًيرا َو ِن َس ًاء َو َّات ُقوا الل َه ال ِذي ت َس َاءلون ِب ِه واألرحام ِإن الله ك‬
‫َر ِق ًيبا﴾‬
‫ْ‬ ‫ُ ْ َُ َ َُ‬ ‫َّ ُ ُ َ ً‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ‬
‫ص ِل ْح لك ْم أ ْع َمالك ْم َو َيغ ِف ْر‬ ‫ين آ َم ُنوا َّات ُقوا الل َه َوقولوا ق ْوال َس ِد ًيدا (‪ )70‬ي‬ ‫وقال ﴿يا أيها ال ِذ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ ُُ ُ‬
‫لك ْم ذن َوبك ْم َو َم ْن ُي ِط ِع الل َه َو َر ُسول ُه ف َق ْد ف َاز ف ْو ًزا َع ِظ ًيما﴾‬
‫فإن أصدق الحديث كتاب هللا وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر األمور محدثاتها وكل‬
‫محدثة بدعة وكل بدعة ضاللة وكل ضاللة في النار‪.‬‬
‫عباد هللا‪ ،‬خلق هللا البشر وفضل بينهم‪ ،‬فمنهم غني وفقير‪ ،‬طويل وقصير‪ ،‬كبير‬
‫ً‬
‫وصغير‪ .‬وجعل بعضهم في بعض ابتالء وتسخيرا‪ .‬قال تعالى ﴿وهو الذي جعلكم خالئف‬
‫األرض ورفع بعضهم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما ءاتاكم﴾‪.‬‬
‫عباد هللا‪ ،‬الرفعة في الدنيا ال تستلزم الرفعة عند هللا‪ ،‬فإن هللا أكرمكم عند هللا‬
‫أتقاكم‪ .‬ديننا اإلسالم قد علمنا االحترام بالخالف ال االكتفاء بما ظهر على الغالف‪،‬‬
‫وحذرنا من السخرية واالستهزاء ألنه من صفة املنافقين‪ ،‬كانوا من املؤمنين يضحكون‬
‫وإذا مروا بهم يتغامزون‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كم ترى إنسانا عاديا متواضعا في األرض وعند هللا عظيما‪ ،‬مخفيا في األرض وفي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫السماء مشهورا‪ ،‬رخيصا عند الناس وعند هللا غاليا‪.‬‬
‫عباد هللا‪ ،‬امرأة كانت وظيفتها تنظيف املسجد‪ ،‬كلما مر النبي ﷺ باملسجد وحدها‬
‫تنظف املسجد‪ .‬يوم من األيام تفقدها النبي ﷺ فتساءل في نفسه ((أين املرأة التي كانت‬
‫من عادتها تقم املسجد؟)) فجعل يسأل الصحابة‪ ،‬فقالوا‪ :‬بأنها قد ماتت‪-‬كأنهم‬
‫استصغروا أمرها‪ -‬فقال النبي ﷺ ‪ :‬دلوني على قبرها‪ .‬فدله الصحابة على قبرها ثم صلى‬
‫عليها‪ .‬فيا عباد هللا‪ ،‬ما فعل النبي ﷺ ذلك إال لعظمة أمرها عند هللا ‪-‬عز وجل‪-‬‬
‫عباد هللا‪ ،‬سباب املؤمن فسق‪ ،‬فاملؤمن يتميز بأخالقه وجماله وكماله‪ .‬والسخرية‬
‫ً‬
‫من أقبح األخالق وأخبثها يرى نفسه أحسن من غيره‪ ،‬وهللا قد حذرنا منه تحذيرا إذ‬
‫ً‬
‫قال ﴿ياأيها الذين ءامنوا ال يسخر قوم من قوم عس ى أن يكونوا خيرا منه﴾‪.‬‬
‫عباد هللا‪ ،‬السخرية ال تقع إال من قلب ممتلئ بمساوئ األخالق متخلق بكل خلق‬
‫ذميم‪ .‬لهذا يقول حبيبنا ﷺ ((بحسب امرء من الشر أن يحقر أخاه املسلم))‪.‬‬
‫عباد هللا‪ ،‬النبي ﷺ حذرنا من االستهزاء حتى بالطعام‪ ،‬فما بال قوم يسخر‬
‫ويستهزئ بأخيه املسلم وقد خلق هللا اإلنسان في أحسن تقويم‪ ،‬واألعجب أن يبلغ‬
‫اإلنسان االستهزاء بمن أحسن إليه‪ ،‬والعياذ باهلل‪.‬‬
‫ً ً‬ ‫ً‬
‫عباد هللا‪ ،‬نبينا ﷺ خير البرية إطالقا‪ ،‬أحسنهم أخالقا‪ .‬يوما ما جاءته امرأة عجوز‬
‫فأهدت إليه فاكهة (عنب) والصحابة ‪-‬رضوان هللا عليهم‪ -‬يراقبونه من بعيد‪ .‬فلما أكل‬
‫ً‬
‫وجد أن طعمها حامض جدا‪ ,‬فجعل يستمر في أكل الفاكهة بكل شهية وأظهر في وجهه‬
‫أنه يحب الفاكهة ولم يدع الصحابة إلى طعامه‪ .‬فرحت العجوز بصنع النبي ﷺ حتى إذا‬
‫انتهى من أكل الفاكهة انصرفت عنه‪ .‬ثم اقترب الصحابة ‪-‬رضوان هللا عليهم‪ -‬منه‬
‫َ‬
‫متعجبين مستغربين‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول هللا ِل َم ل ْم تشركنا في طعامك كما هي من عادتك؟‬
‫ً ً‬
‫فاسمعوا عباد هللا‪ ،‬ما أجاب النبي ﷺ فقال‪(( :‬كان طعام الفاكهة حامضا جدا فخشيت‬
‫أال تتحملوا فتظهروا في وجوهكم الكره وتأذت به املرأة))‪ .‬ما أجمل هذا الخلق وليس‬
‫من العجب أن يكون هو خير البشر‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫ُْ ْ ْ َ َ ُْ ْ َ َ ْ ْ‬ ‫ََ ُ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َُ ُ َ َ َ ََ َ ْ‬
‫اس َتغ ِف ُر ْو ُه‬ ‫أق ْول ق ْو ِل ْي هذا وأ ْستغ ِف ُر هللا الع ِظ ْي َم ِل ْي ولك ْم وِل َسا ِئ ِر املس ِل ِمين واملس ِلم ِ‬
‫ات ف‬
‫إ ّن ُه ُه َو ْال َغ ُف ْو ُر ّ‬
‫الر ِح ْي ِم‬ ‫ِ‬

‫الخطبة الثانية‬
‫ً‬
‫أخي املؤمن‪ ،‬إن هللا جعل فيك مزايا كالجمال والكمال وجعل في غيرك نقصانا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ابتالء واختبارا‪ ،‬أتشكر أم تكفر؟ فويل أن تكون على أخيك متكبرا‪ .‬فإنك لن تخرق‬
‫ً‬
‫األرض ولن تبلغ الجبال طوال‪ .‬وتصبح تقلب كفيك على ما قد قدمت‪.‬‬
‫أخي املؤمن‪ ،‬ليست العبرة أن تشتهر بين الناس بالجمال واملال ولكن العبرة كيف‬
‫تكون عند هللا‪ ،‬هل قدرك عظيم عنده أم حقير؟‪.‬‬

‫قال ﷺ ((حبسب امرء من الرش أن حيقر أخاه املسمل))‬

‫‪75‬‬
‫رحمة هللا وسعت كل ش يء‬
‫إعداد ‪ :‬هاجومات‬ ‫‪22‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الخطبة األولى‬
‫الحمد هلل رب العاملين‪ .‬الحمد هلل الذي وسعت رحمته كل ش يء‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال‬
‫هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫﴿يأيها الذين آمنوا اتقوا هللا حق تقاته وال تموتن إال وأنتم مسلمون﴾‪.‬‬
‫﴿يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما‬
‫رجاال كثيرا ونساء واتقوا هللا الذي تساءلون به واألرحام إن هللا كان عليكم رقيبا﴾‪.‬‬
‫﴿يأيها الذين آمنوا اتقوا هللا وقولوا قوال سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفرلكم ذنوبكم‬
‫ومن يطع هللا ورسوله فقد فاز فوزا عظيما﴾‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫((فإن أصدق الحديث كتاب هللا‪ ،‬وخير الهدي هدي محمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وشر‬
‫األمور محدثاتها‪ ،‬وكل محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضاللة‪ ،‬وكل ضاللة في النار))‪.‬‬
‫أيها املسلمون‬
‫ُ‬
‫عن عمر بن الخطاب رض ي هللا عنه أنه قال‪" :‬ق ِدم على رسول هللا صلى هللا‬
‫َ‬ ‫عليه وسلم ب َسب ّي‪ ،‬فإذا امر ٌأة من ّ‬
‫السبي تبتغي‪ ،‬إذ َوجدت صبيا في السبي أخذته‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫فألصقته ببطنها وأر َ‬
‫َ‬
‫ضعت"‪ ،‬فقال لنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬أت َرون هذه‬
‫طر َحه"‪ ،‬فقال رسول‬ ‫ّ‬
‫أال َت َ‬ ‫قدر على‬
‫َ‬ ‫ً َ‬ ‫َ‬
‫املرأة طارحة ولدها في النار؟)) قلنا‪" :‬ال وهللا وهي ت ِ‬
‫بولدها))‪.‬‬ ‫هللا صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬هللا أر ُ‬
‫حم بعباده من هذه ِ‬
‫أيها املسلمون‬
‫ََ ْ‬
‫هل تعرفون شيئا عن رحمة هللا؟ هل تذ َّوق ُتم رحمة هللا عز وجل؟ هل عرفتم‬
‫ماذا يريد منا أرحم الراحمين؟‬

‫‪76‬‬
‫لقد أمرنا هللا تعالى بطاعته والدخول في رحمته ومخالفة الهوى والشيطان‪،‬‬
‫َ‬
‫ووضع لنا جائزة تلك الطاعة واالستجابة‪ ،‬نعيم دائم وقرة عين ال تنقطع في جنات‬
‫تجري من تحتها األنهار‪ ،‬وأخبرنا جل وعال أن له مائة رحمة أنزل واحدة بين سائر‬
‫مخلوقاته في األرض‪ ،‬وأخر الباقي لعباده يوم الحساب‪ ،‬فعن أبي هريرة رض ي هللا عنه‬
‫عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪(( :‬إن هلل مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين‬
‫وش على‬ ‫الجن واإلنس والبهائم والهوام‪ ،‬فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها َتعطف ُ‬
‫الو ُح ُ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫أوالدها‪ ،‬وأخر هللا تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة))‪ .‬فمن رحمة هللا‬
‫ُ‬ ‫جل وعلى أنه ّ‬‫ّ‬
‫سهل علينا التكاليف الشرعية‪ ،‬فأسهل األعمال تدخلك في رحمته‪ ،‬ألم‬
‫يغفر هللا لزانية ألنها سقت كلبا كاد يموت من العطش‪ ،‬ألم ُيدخل هللا الجنة رجال أزال‬
‫غصن شو ٍق من طريق الناس‪ .‬فمن رحمة هللا تعالى أنه أمرنا بسؤاله ليعطينا‪ ،‬بل‬ ‫َ‬
‫أعطانا أعظم العطايا بال سؤال‪َ ،‬‬
‫ووهب لنا نعمة السمع والبصر والكالم‪ ،‬ومع هذا فقد‬
‫استخدم كثير من الناس هذه النعم في معصية هللا تعالى ولم يشكروها‪ ،‬ومع كل هذا‬
‫لم ُي َؤ ّي ْسنا بنا من حمته بل قال‪ :‬متى جئتني يا عبدي ُ‬
‫قبلتك‪ ،‬إن أتيتني ليال قبلتك‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ِ ر‬
‫َ‬
‫تقربت مني ذراعا‬ ‫ُ‬
‫تقربت منك ذراعا‪ ،‬وإن‬ ‫َ‬
‫تقربت إلي شبرا‬ ‫وإن أتيتني نهارا قبلتك‪ ،‬وإن‬
‫َ‬
‫عنان السماء ثم‬ ‫ُ‬
‫هرولت إليك‪ ،‬ولو بلغت ذنوبك‬ ‫َ‬
‫مشيت إلي‬ ‫ُ‬
‫تقربت منك باعا‪ ،‬وإن‬
‫غفرت لك وال أبالي‪ ،‬وإذا َه َم ْم َت بحسنة فلم تعملها ُ‬
‫كتبتها حسنة كاملة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫استغفرتني‬
‫أعظم من هللا ُجودا وكرما‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وإذا هممت بسيئة فلم تعملها كتبتها حسنة كاملة‪َ ،‬‬
‫فمن‬
‫أيها املسلمون‬
‫إن هللا َي َت َو َّد ُد إلينا بالنعم وهذا شأن بنا معنا ونحن ال نستحي منه ُ‬
‫فن َج ِاه ُره‬ ‫ر‬
‫باملعاص ي‪ ،‬فما شأننا مع أرحم الراحمين؟! ألم تروا يا إخواني إلى من قتل مائة نفس‬
‫َ‬
‫فأسرع هللا إليه بالتوبة‬ ‫كيف قبله هللا وتاب عليه‪ ،‬ألنه َه َرو َل إلى هللا‪ ،‬يريد أن يتوب‪،‬‬
‫َ‬
‫والقبول‪.‬‬
‫َ َ‬
‫ُ‬
‫الكفار بعد كل‬ ‫فمن رحمة هللا عز وجل أنه نادى أهل اإليمان وأخبرهم أن لو أسل َم‬
‫أحقا يفعل الرب ذلك؟ نعم‪،‬‬ ‫الجرائم التي ا تكبوها لو عادوا إلى هللا لقبل منهم توبتهم‪ً ،‬‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ألن رحمته وسعت كل ش يء‪ ،‬وألنه يحب التوابين‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬قل للذين كفروا إن‬

‫‪77‬‬
‫ينتهوا ُيغفر لهم ما قد سلف﴾‪ ،‬فكيف باملسلم لو عاد إلى هللا وتاب إليه؟! أسأل هللا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ويجنبنا معصيته‪ ،‬أقول قولي هذا وأستغفر هللا العظيم لي‬ ‫تعالى أن ُيدخلنا في رحمته‬
‫ولكم ولسائر املسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه فهو أرحم الراحمين‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‬
‫الحمد هلل رب العاملين‪ .‬الحمد هلل الذي كتب على نفسه الرحمة‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال‬
‫هللا وحده الشريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى هللا عليه وسلم‪ .‬وبعد‪:‬‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ال تقنطوا من رحمة هللا إن هللا‬
‫يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم﴾‪ .‬هذه رحمة هللا وهذا هو عفو هللا‪ ،‬فالنتب‬
‫إليه ولنخجل من مخالفة أمره‪ ،‬فالنتب إليه قبل أن يأتينا املوت فنندم‪ .‬إن هللا ومالئكته‬
‫يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما‪ .‬اللهم اغفر للمسلمين‬
‫واملسلمات واملؤمنين واملؤمنات األحياء منهم واألموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات‬
‫َ‬
‫يا قاض ي الحاجات‪ ،‬اللهم إن رحمتك وسعت كل ش يء ونحن ش يء فالت َس ْعنا رحمتك يا‬
‫أرحم الراحمين‪ .‬ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرة حسنة وقنا عذاب النار‪ ،‬عباد هللا‬
‫إن هللا أمركم بثالث‪ ،‬إن هللا يأمر بالعدل واإلحسان وإيتاء ذي القربى‪ ،‬ونهاكم عن ثالث‬
‫ينهى عن الفحشاء واملنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون‪ ،‬ولذكر هللا أكبر‪ ،‬قوموا إلى‬
‫صالتكم‪.‬‬

‫قال ﷺ ‪(( :‬ال يرمح هللا من ال يرمح الناس))‬

‫‪78‬‬
‫الهمة العالية‬
‫إعداد‪ :‬يانا سوريانا عبد الفتاح‬ ‫‪23‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الخطبة األولى‬
‫ْ ُ ُ ْو َ ْ ُ َ َ ّ َ‬ ‫َ ْ ُ ُ ََ َ ُ ُ ََ َ ْ ُ ََ ُ‬ ‫َّ ْ َ َ‬
‫ات‬ ‫ِإن الح ْمد هلل نح َمده ون ْست ِع ْينه ون ْستغ ِف ُره‪ ،‬ون ُع ْوذ باهلل ِمن شر ِر أنف ِسنا وس ِي ِ‬
‫ئ‬
‫َ َ ُ َّ َ ُ َ َ ْ ُ ْ ْ َ َ َ َ َ ُ َ ْ َ ُ َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫أعم ِالنا‪ ،‬من يه ِد ِه هللا فال م ِضل له ومن يض ِلل فال ه ِادي له‪ ،‬أشهد أن ال إله إال هللا‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َو ْح َد ُه ال ش ِرْي َك ل ُه جل عن الشبيه واملثيل و الكفي والنظير‪َ ،‬وأش َه ُد أ َّن ُم َح َّم ًدا َع ْب ُد ُه‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫َو َر ُس ْول ُه وصفيه وخليله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه أرسله ربه رحمة للعاملين‬
‫وحجة على العباد أجمعين فهدى هللا تعالى به من الضاللة وبصر به من الجهالة وكثر‬
‫به بعد القلة وأغنى به بعد العيلة فصالة هللا وسالمه عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه‬
‫كثيرا‬ ‫ً‬
‫تسليما ً‬ ‫غر امليامن ما اتصلت عين بالنظر ووعت أذن بخبر وسلم‬
‫أوصيكم وإياي بتقوى هللا فقد فاز املتقون‪ ،‬كما قال جل وعال في كتابه العزيز‪:‬‬
‫َّ‬ ‫ََ‬
‫س َو ِاح َد ٍة َوخل َق ِم ْن َها َز ْو َج َها َو َبث ِم ْن ُه َما‬ ‫اس َّات ُقوا َ َّب ُك ُم َّالذي َخ َل َق ُكم ّم ْن َن ْ‬
‫ف‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫﴿ي َاأ ُّي َها َّ‬
‫الن‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َّ َ ُ َ‬ ‫ً َ‬
‫ان َعل ْيك ْم َر ِق ًيبا﴾‬ ‫هللا ال ِذي ت َس َآءلون ِب ِه َواأل ْر َح َام ِإ َّن هللا ك‬ ‫ِر َجاال ك ِث ًيرا َو ِن َس ًآء َو َّات ُقوا‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ َّ َ‬ ‫ُ‬ ‫﴿ي َاأ ُّي َها َّالذ َ‬
‫ين َء َام ُنوا َّات ُقوا هللا َح َّق ت َقا ِت ِه َوال ت ُموت َّن ِإال َوأ ُنتم ُّم ْس ِل ُمون﴾‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ َُ‬ ‫َُ ُ َْ ً َ ً ُ ْ َُ َ َُ‬ ‫﴿ي َاأ ُّي َها َّالذ َ‬
‫ص ِل ْح لك ْم أ ْع َمالك ْم َو َيغ ِف ْر لك ْم‬ ‫ين َء َام ُنوا َّات ُقوا هللا وقولوا قوال س ِديدا ‪ .‬ي‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫ُذ ُن َوب ُك ْم َو َمن ُيطع َ‬
‫هللا َو َر ُسول ُه ف َق ْد ف َاز ف ْو ًزا َع ِظ ًيما﴾‬ ‫ِِ‬
‫اب هللا َوخ ْي َر ال َه ْد ِي َه ْد ُي ُم َح َّم ٍد صلى هللا عليه وسلم‬
‫َ ْ‬ ‫ص َد َق ْال َح ِد ْي ِث ِك َت ُ‬ ‫َأ َّما َب ْع ُد‪َ :‬فإ َّن َأ ْ‬
‫ِ‬
‫ض َال َلة في َّ‬ ‫ض َال َل ٌة‪َ ،‬و ُك َّل َ‬
‫األ ُم ْور ُم ْح َد َث ُات َها‪َ ،‬و ُك َّل ُم ْح َد َثة ب ْد َع ٌة‪َ ،‬و ُك َّل ب ْد َعة َ‬ ‫َ َ َّ ْ ُ‬
‫الن ِار‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وشر‬
‫معاشر املسلمين رحمكم هللا‪...‬‬
‫ذكرالطبراني في معجمه أن النبي ﷺ رجع مرة من بعض أسفاره فنزل على أعرابي‬
‫في الصحراء فأكرم النبي ﷺ فقال له النبي ﷺ "إذا جئت املدينة فأتنا" فلم تمض أيام‬
‫حتى أقبل ذلك األعرابي إلى املدينة فنزل على رسول هللا ﷺ فلما أراد أن ينصرف قال‬
‫له النبي ﷺ "سلني " ‪-‬يعنى اطلب مني حاجة‪ -‬فقال الرجل في هذا املوقف الذي يسأله‬

‫‪79‬‬
‫النبي ﷺ أن يسأله حاجة وكان حري به أن يسأله الجنة أو شهادة في سبيل هللا أو أن‬
‫يكون مستجاب الدعوة ‪ ،‬فإذا بذلك الرجل يقول " أسألك دابة أركبها" فوهب النبي ﷺ‬
‫ً‬
‫له دابة‪ ،‬ثم قال له "سلني" فقال الرجل " وأسألك كلبا يحرس غنمي " فأمر النبي ﷺ‬
‫أن يوهب إليه كلب يحرس غنمه ‪ ،‬ثم قال له "سلني " فقال "و أسألك جارية تخدم‬
‫أهلي " فوهب له جارية ‪ ،‬ثم سكت الرجل فقال النبي ﷺ للرجل ‪ -‬ال إيمان معنفا على‬
‫قصور همته و على عدم علوها‪ -‬فقال له " أعجزت أن تكون كعجوز بني إسرائيل؟" ‪،‬‬
‫فقال الصحابة رض ي هللا عنهم "يا رسول هللا وما عجوز بني إسرائيل؟" فقال ﷺ ((إن‬
‫موس ى ملا أراد أن يرتحل بقومه ‪ ،‬قال له قومه "إن يوسف عليه السالم يعن النبي الذي‬
‫قبله ‪،‬أمرنا أال نجاوز املكان وأال نرحل منه حتى نحمله معنا " قال لهم "فأين قبر يوسف‬
‫عليه السالم ؟" قالوا "اليعرفه منا أحد إال عجوز منا" فجيئ إليه بهذه العجوز‪ ،‬فإذا‬
‫عجوز قد كبرت سنها ورق عظمها وتقدم بها سنها حتى هي تترقب املوتى وتودع الحياة ‪،‬‬
‫فقال لها موس ى عليه السالم "أين قبر يوسف عليه السالم؟" قالت املرأة "وهللا ال أدلك‬
‫عليه حتى تعطيني سؤلي" قال لها "وما سؤلك ؟" قالت "أن أرافقك في الجنة "‪ ،‬فكأن‬
‫األمر كبر في قلب موس ى عليه السالم أن تكون هذه العجوز على قلة العمل الذي ستعمله‬
‫وهي تخبرهم فقط أين قبر يوسف ثم تريد أن ترافق األنبياء في علو الجنات كأن موس ى‬
‫تردد في أن يدعولها بذلك‪ ،‬فأوحى هللا لها إليه أن "قل لها أنت رفيقتنا في الجنة" فقال‬
‫لها موس ى عليه السالم ذلك‪ .‬فأمرتهم فأقبلوا على ماء على مستنقع ماء‪ ،‬قالت لهم‬
‫"انزحوه"فنزحوا املاء‪ ،‬ثم حفروا وأخرجوا ما تبقى من يوسف عليه السالم‪.‬‬
‫ً‬
‫فكان النبي ﷺ يامر أصحابه دائما أن يكون أحدهم عالي الهمة فيما يطلبه من‬
‫أمور الحياة كما عند الطبراني من حديث الحسن رض ي هللا عنه أن رسول هللا ﷺ قال‬
‫((إن هللا يحب معالى األمور وأشرافها))‬
‫معاشر املسلمين رحمكم هللا‪...‬‬
‫إن موضوع علو الهمة مما يثير اهتمام ذوي الشخصية القوية ويشوق أهل املجد‬
‫والحضارة‪ ،‬فما هي الهمة؟ الهمة هي الباعث على الفعل وتوصف بعلو أو سفول قال‬
‫أحد الصالحين ‪ :‬همتك فاحفطها‪ ،‬فإن الهمة مقدمة األشياء‪ ،‬فمن صلحت له همتة‬

‫‪80‬‬
‫وصدق فيها‪ ،‬صلح له ما وراء ذلك من األعمال‪ ...‬والهمة محلها القلب‪ ..‬وقد أشار النبي‬
‫ﷺ إلى هذا املعنى في قوله ((من هم بحسنة فلم يعملها‪ ،‬كتبها هللا عنده حسنة كاملة))‬
‫فعلي الهمة يجود بالنفس والنفيس في سبيل تحصيل غايته‪ ،‬وتحقيق بغيته‪،‬‬
‫ألنه يعلم املكارم منوطة باملكاره‪ ..‬وعلي الهمة يرى منطلقا بثقة وقوة وإقدام نحو غايته‬
‫الذي حدده على بصيرة وعلم‪ ،‬فيقتحم األهوال ويستهين الصعاب‪..‬‬
‫وذو الهمة العالية اليرض ى بالدون واليرضيه إال معالي األمور‪ ،‬فهو نوع من البشر‬
‫ً‬
‫تتحدى همته ما يراه مستحيال‪...‬‬
‫فعلي الهمة شريف النفس يعرف قدر نفسه في غير كبير وال عجب وال غرور‪ ،‬وإذا‬
‫عرف املرء قدر نفسه صانها عن الرذائل ونزهها عن دنايا األمور وسفاسفها في السر‬
‫والعلن‪...‬‬
‫ً‬
‫فعلي الهمة يكون طموحه علي دائما‪ ..‬يقول عمر بن العزيز رحمه هللا تعالى‪":‬إن‬
‫ً‬
‫لي نفسا طواقة طاقة إلى اإلمارة فنلتها أردت أن أصبح أميرا فعملت ألجل ذلك أعددت‬
‫نفس ي حتى نلتها‪ ،‬قال‪ :‬ثم طاقت إلى الخالفة فنلتها ثم طاقت بعذ ذلك إلى الجنة وأرجو‬
‫بإذن هللا تعالى أن أنالها"‬
‫معاشر املسلمين رحمكم هللا ‪...‬‬
‫وصدق الهمة قدره عظيم بل هو محور القبول عند هللا كما ذكر في الحديث‬
‫الذي رواه مسلم قال رسول هللا ﷺ ((من سأل هللا الشهادة بصدق‪ ،‬بلغه هللا منازل‬
‫الشهادة‪ ،‬وإن مات على فراشه))‬
‫بارك هللا لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من اآليات والذكر الحكيم‬
‫فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم‬

‫الخطبة الثانية‬
‫َا ْل َح ْم ُد ل ّله َح ْم ًدا َكث ْي ًرا َك َما َأ َم َر‪َ .‬و َا ْش َه ُد َأ ْن َال ا َله ا َّال هللُ َو ْح َده َال َشرْي َك َل ُه‪ .‬ا ْر َغ ًاما ملَنْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َج َح َد به َو َك َف َر‪َ .‬و َأ ْش َه ُد َا َّن َس ّي َد َنا ُم َح َّم ًدا َع ْب ُد ُه َو َر ُس ْو ُل ُه َس ّي ُد ْا ِال ْنس َو ْال َب َشر‪َ .‬ا ّلل ُه َّم َ‬
‫ص ِ ّل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َ ُُ َ‬ ‫َ َ ّ ْ َ َ َ ّ َ ُ َ َّ َ َ َ َ َ َ ْ َ َّ َ َ‬
‫صل ْت َع ْي ٌن ِب َنظ ٍر َواذ ٌن ِبخ َب ٍر‬ ‫وس ِلم على س ِي ِدنا محم ٍد وعلى ا ِل ِه وصح ِب ِه ما ات‬

‫‪81‬‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ َ َّ َ َ ُ َ‬ ‫َا َّما َب ْع ُد ‪َ :‬ف َيا َا ُّي َها َّ‬
‫هللا ا َم َرك ْم ِبأ ْم ٍر َب َدأ ِب َن ْف ِس ِه‪.‬‬ ‫اس!! ِا َّت ُقوا هللا تعالى واعلموا ان‬ ‫الن ُ‬
‫َ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ َ َ ُ ُ َ ُّ ْ َ َ َ َّ ْ َ َ ُّ َ َّ ْ َ َ ُ ْ َ ُّ‬
‫صل ْوا‬ ‫وثنى ِبمال ِئك ِته‪ .‬فقال تعالى‪ِ :‬إن هللا ومال ِئكته يصلون على الن ِبى يا يها ال ِذين آمنوا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َع َل ْيه َو َس ّل ُم ْوا َت ْسل ْي ًما‪َ .‬ا ّلل ُه َّم َ‬
‫ص ِ ّل َو َس ِل ْم َع َلى َس ِّي ِدنا ُم َح َّم ٍد َو َع َلى ا ِل َس ِّي ِدنا ُم َح َّم ٍد ك َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫صل ْي َت َع َلى َس ِّي ِدنا ِا ْب َر ِاه ْي َم َو َع َلى ا ِل َس ِّي ِدنا ِا ْب َر ِاه ْي َم‪ .‬في ِال َع ِامل ْي َن ِإ َّن َك َح ِم ْي ٌد َم ِج ْي ٌد‬
‫ات ِب َر ْح َم ِت َك َيا‬
‫ْ َْ َ‬ ‫اغف ْر ل ْل ُم ْسلم ْي َن َو ْاملُ ْسل َمات َو ْاملُ ْؤمن ْي َن َو ْاملُ ْؤم َن ْ َ ْ‬ ‫َ ّ َّ ْ‬
‫ات االح َي ِاء ِمن ُه ْم واال ْم َو ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الل ُهم ِ ِ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ ْ َ َّ َ ّ ُ َّ ْ َ ْ َ َّ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ّ َ َ َّ َ ْ‬
‫الزال ِز َل َو ِامل َح َن‪َ .‬و ُس ْو َء ال ِفت ِن َماظ َه َر‬ ‫الزنا و‬‫ات‪ .‬اللهم ادفع عنا الغالء والوباء و ِ‬ ‫و ِاهب الع ِطي ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ً‬ ‫َ ُْ‬ ‫ْ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َّ ً‬
‫اصة َو َع ْن َسا ِئ ِر َبال ِد امل ْس ِل ِم ْي َن َع َّامة َيا َر َّب ال َع ِامل ْي َن‪َ .‬رَّب َنا‬ ‫ِمنها ومابطن عن بل ِدنا هذا خ‬
‫اب َّ‬
‫الن ِار‬ ‫الد ْن َيا َح َس َن ًة َوفى ْا َالخ َرة َح َس َن ًة َوق َنا َع َذ َ‬ ‫َات َنافى ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُْ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫هللا َيأ ُم ُر ِبال َع ْد ِل َوا ِال ْح َس ِان َوِا ْي َت ِاء ِذى ال ُق ْرَبى َو َي ْن َهى َع ِن الف ْحش ِاء َوامل ْنك ِر‬ ‫ع َب َادهللا ا َّن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫اش ُك ُر ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ َ ْ َ ُ ُ ْ َ َ َّ ُ ْ َ َ َّ ُ ْ َ َ ْ ُ ُ َ ْ‬
‫وه َع َلى ِن َع ِم ِه َي ِز ْدك ْم‪.‬‬ ‫واهللا ال َع ِظ ْي ِم يذكركم و‬ ‫والبغ ِى ي ِعظكم لعلكم تذكرون فاذكر‬
‫ََ ْ ُ َْ‬
‫هللا اك َب ُر‬
‫ول ِذكر ِ‬

‫من عالمات كامل العقل علو اهلمة والرايض ابدلون دين‬


‫(ابن اجلوزي ‪-‬رمحه هللا‪)-‬‬

‫‪82‬‬
83
‫تنظيم الوقت‬
‫إعداد‪ :‬أحمد فطري‬ ‫‪1‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل رب العلمين والصالة والسالم على نبينا محمد ﷺ وعلى آله وأصحابه‬
‫أجمعين‪ ،‬أما بعد‪.‬‬
‫َ َ ُ َ َ ْ َ ْ َ ُ ْ َ َ َّ َ ْ ُ َ َّ َ َ ُ َ ْ َ‬
‫اْل ْر ُ‬
‫ض‬ ‫قال هللا تعالى ‪﴿ :‬وسا ِرعوا ِإلى مغ ِفر ٍة ِمن رِبكم وجن ٍة عرضها السموات و‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫أ ِع َّد ْت ِلل ُم َّت ِق َين ﴾(سورة آل عمران ‪.)133 :‬‬
‫إخوتي الكرام‪،‬‬
‫إن اإلنسان بطبيعته قد يميل قد يميل لى التسويف والكسل في البدء باْلمور‬
‫التي يريد تحقيقها‪ ،‬وبالتالي تمض ي اْليام والشهور وهو لم يبدأ بعد‪ْ ،‬لنه يسوف ويؤجل‬
‫البداية‪ ،‬وهذا التأجيل بضعف اإلرادة والعزيمة‪.‬‬
‫إخوتي الكرام‪،‬‬
‫ومن اْلمثلة البسيطة على ذلك عند ما يريد الطالب أن يستعد لالختبارات ً‬
‫مبكرا‬
‫فإنه مقتنع بأهمية االستعداد املبكر ولكنه يؤجل البداية إلى الغد‪ ،‬فيستمر على ذلك‬
‫حتى يأتي موعد االختبارات وهو لم يستعيد ً‬
‫جيدا‪ ،‬فيصيبه حينئذ القلق والخوف لعدم‬
‫تمكنه من مراجعة الدروس بتأن وهدوء‪.‬‬
‫إخوتي الكرام‪،‬‬
‫ومما يساعد على إنجاز اْلعمال وأدائها‪ ،‬هو الدقة في تنظيم الوقت‪ .‬أرأيت‬
‫الصلوات الخمس لو لم تكن محددة بوقت معلوم وترك للناس اختيار الوقت املناسب‬
‫ْلدائها‪ .‬كم كم من الناس سيصلي في كل يوم خمس صلوات دون تأجيل أو تسويف؟؟؟‬
‫إخوتي الكرام‪،‬‬
‫ملا كانت للصالة أوقات محددة كان ذلك تسهيال على املسلم أداءها‪ ،‬فإذا نظم‬
‫املسلم وقته وحاسب نفسه على ذلك بورك له فيه‪ ،‬وكلما مضت اْليام فإنه يزداد عمال‬
‫ونشاطا‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫إخوتي الكرام‪،‬‬
‫وانظر إلى تاريخ سلفنا الصالح كيف كانوا يعيشون‪ ،‬وانظر إلى ما قدموا لهذه‬
‫اْلمة من أعمال عظيمة في سنين قليلة‪ ،‬وذلك لتقواهم ودقتهم في أوقاتهم ومحافظتهم‬
‫عليها‪.‬‬
‫إخوتي الكرام‪،‬‬
‫والعاقل من اليؤجل عمل الخير‪ ،‬ويبادره ويدع التسويف ووساوس الشيطان‬
‫التي تجعله يؤجل ويؤجل حتى تفوته الفرص ويندم حيث ال ينفع الندم‪.‬‬

‫ابحلق شغلتك ابلباطل (إلإمام إلشافهي ‪-‬رمحه هللا‪)-‬‬


‫نفسك‪ ،‬إإن مل تشغلها ّ‬

‫‪85‬‬
‫ّ‬
‫أشقي أم سعيد؟‬
‫أزهر بشير عبدهللا‬ ‫‪2‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل رب العاملين والعاقبة للمتقين وال عدوان إال على الظاملين‪ ،‬أشهد أن ال إله إال‬
‫هللا وحده ال شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪...‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن لقائنا اليوم معكم بمشيئة هللا تعالى تحت عنوان – شقي أم سعيد ‪، -‬‬
‫فتعالوا معي لنتعرف على اْلشقياء والسعداء‪.‬‬
‫أما السعداء فيأخذون كتبهم بأيمانهم فيفرحون فرحا لم يفرحوا مثله قط‪ ،‬وإذا‬
‫بهم يساقون إلى مقعد صدق عند ملك مقتدر‪.‬‬
‫وأما اْلشقياء فكيف يساقون؟ يساقون باإلهانة ﴿وسيق الذين كفروا إلى جهنم‬
‫َ‬ ‫﴿يا َل ْي َت َها َك َانت ْال َ‬
‫زمرا﴾ يساقون بالسالسل واْلغالل؛ فيقول قائل منهم ‪َ :‬‬
‫اض َية (‪)27‬‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫َما أغ َن ٰى َع ِني َم ِال َي ْه ۜ (‪َ )28‬هل َك َع ِني ُسلطا ِن َي ْه (‪ ﴾)29‬فيأتي الجواب؛ الذي ال جواب بعده‬
‫اس ُل ُك ُ‬
‫وه‬ ‫وه (‪ُ )31‬ث َّم في س ْلس َلة َذ ْر ُع َها َس ْب ُعو َن ذ َر ً‬
‫اعا َف ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ٍ‬
‫ص ُّل ُ‬ ‫وه (‪ُ )30‬ث َّم ْال َجح َ‬
‫يم َ‬ ‫﴿خ ُذ ُوه َف ُغ ُّل ُ‬‫ُ‬
‫ِ‬
‫(‪ ﴾)32‬انظر! وهم يصطرخون فيها‪ ،‬وينادون‪ :‬يا مالك‪ ...‬يا مالك‪ ...‬قد أثقلنا الحديث‪.‬‬
‫يا مالك‪ ...‬قد نضجت منا الجلود‪ ،‬يا مالك‪ ..‬قد تقطعت منا اْلكباد‪ ،‬يا مالك‪ ..‬العدم‬
‫خير من هذا الوجود‪ ،‬يا مالك‪ ...‬أخرجنا منها‪ ،‬فإنا إلى املعاص ي والذنوب ال نعود‪.‬‬
‫نعم‪ ،،‬فيجيب عليهم املولى بعد ألف عام‪ ،‬ولكن اإلجابة هي أشد وأغلظ من‬
‫ً‬
‫شديدا‪.‬‬ ‫العقاب‪ ،‬فيقول لهم املولى ﴿قال اخسؤوا فيها وال تكلمون﴾ فيبكون بكاء‬
‫أما السداء‪ ،‬فمازالوا يمشون حتى يدخلوا الجنة‪ ،‬وإذا بهم يسمعون مناديا ينادي‬
‫ويقول‪ :‬السالم عليكم يا أهل الجنة السعداء‪ .‬على اْلرائك ينظرون‪ ،‬وقد أجر هللا على‬
‫وجوههم نضرة النعيم‪ ،‬وطعامهم فاكهة مما يتخيرون‪.‬‬
‫وإن سألت عن الشراب؛ ﴿وسقاهم ربهم شرابا طهورا﴾‪.‬‬
‫وإن سألت عن اْلنهار؛ فاْلنهار من ماء غير آس‬

‫‪86‬‬
‫وإن سألت عن الثياب؛ فاليثاب من حرير‬
‫وإن سألت عن اْلساور؛ فاْلساور من فضة‬
‫وإن سألت عن اْلصوات؛ فاْلصوات حريات‬
‫وأعظم من ذلك أصوات املالئكة‪ ،‬وأعظم من ذلك أصوات النبيين‪ ،‬وأعظم من‬
‫ذلك كله كالم رب العاملين‪.‬‬
‫فاختار لنفسك أيها الحبيب‪ ،‬أتكون مع اْلشقياء من أهل النار؟ أم تكون مع‬
‫السعداء من أهل الجنة؟‬
‫يجب عليك أن تسلك طريق السعداء‪ ،‬يا من يريد الخلود في الجنة الخلود‪،‬‬
‫عليكم بااللتزام بطريق املصطفى صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫وإلى هذا الحد أكتفي‪ ،‬سائال َ‬
‫هللا عز وجال أن يغفر لنا ذنوبنا‬

‫ليس إختالف نفوس نا هو إختالف سعادة وشقاء‪ ،‬و إإمنا إختالف موإقف‬

‫ل سعادة تعادل رإحة إلضمري‬

‫‪87‬‬
‫أخالق املسلم‬
‫إعداد‪ :‬إلهام نور دين‬ ‫‪3‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫ٌ‬
‫الحمد هلل الذي قال‪( :‬إنما املؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) أما بعد‪:‬‬
‫فيقول النبي صلى هللا عليه وسلم‪() :‬سباب املسلم فسوق‪ ،‬وقتاله كفر)) ((وليس‬
‫املؤمن باللعان‪ ،‬وال الطعان‪ ،‬وال الفاحش‪ ،‬والالبذئ))‪ .‬املسلم اليذئ!‪ ،‬املسلم اليكون‬
‫قليل اْلدب! مع املسلمين ومع غير املسلمين‪ .‬أولم يقل ربنا‪{ :‬وقولوا للناس حسنى} كل‬
‫الناس‪ .‬للصالح والطالح‪ ،‬للعاص والطائع‪ ،‬للمسلم وغير املسلم‪ .‬هذه أخالقنا‪.‬‬
‫أنت معدلك ذهب‪ .‬اإلسالم حرم على املسلم‪ ،‬أذية املسلم بكلمة في وجهه أو‬
‫بكلمة في غيابه‪ .‬من الناس من ليسوا على أخالق الرجال‪ .‬يجيد الطعن في الظهر فيلقاك‬
‫بكر على قلب أبي لهب‪ .‬يضحك في وجهك‪ ،‬ويمدحك في وجهك‪ ،‬ويرفعك إلى‬
‫بوجه أبي ٍ‬
‫قبة الفلك‪ ،‬فإذا غبت عنه طعن وسب وشتم‪ .‬اإلسالم حرم على املسلم أن يذكر املعايب‬
‫في أخيه املسلم في غيابه‪ ،‬مع أنه صادق‪ .‬وهذه املعايب فيه‪ .‬هذه من الكبائر‪.‬‬
‫نقص نصحه‬‫خلل‪ ،‬أو ٌ‬ ‫عيب‪ ،‬أو ٌ‬
‫املسلم الذي تربوا على اإلسالم إذا رأى في أخيه ٌ‬
‫ً‬
‫نصيحة‪ .‬يتلطف معه‪ ،‬ويعظه موعظة حسنة‪ ،‬ويهدي إليه العيوب‪ ،‬إلى هذا املدى‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بأدب‬
‫ٍ‬
‫ً‬
‫بل نهاك اإلسالم! أن تسب كافرا‪ ،‬مات كافرا‪ ،‬أمام أوليائه املسلمين حتى التؤذيهم‪ .‬فقال‬
‫نبي اإلنسان‪( :‬السبوا اْلموات فتؤذوا اْلحياء) أي اإلنسانية! أي اإلنسانية! الى هذا املدى‪.‬‬
‫املسلم له الحرمة‪ ،‬وله الكرامة على هللا‪ .‬إذا لم تستطع أن تقلع عن الذنوب‪،‬‬
‫َ‬
‫وقعت في نفس الذنب بعد توب ِتك ‪ 100‬مرة‪ ،‬جدد في كل‬ ‫فأكثر من الحسنات‪ .‬وتب!‪ .‬وإن‬
‫مرة توبة‪ ،‬وتوبة‪ ،‬وتوبة‪ ،‬ومليون توبة‪ .‬وزاح الذنوب بالحسنات‪.‬‬
‫وفي الآلخرة ميزان فيه كفة تصب فيها الحسنات وأخرى توضع فيها السيئات‪.‬‬
‫قال‪(( :‬وأتبع السيئة الحسنة تمحها)) وفي القرآن ﴿إن الحسانات يذهبن السيئات﴾‬
‫اللهم كفر سيئاتنا‪(( .‬اتق َ‬
‫هللا حيثما كنت‪ ،‬وأتبع السيئة الحسنة تمحها)) ثم قال‪:‬‬

‫‪88‬‬
‫حسن)) كل الناس‪ .‬العاص ي والطائع‪ ،‬والصالح والطالح‪ ،‬والكافر‬
‫ٍ‬ ‫بخلق‬
‫((وخالق الناس‪ٍ ،‬‬
‫واملسلم‪.‬‬
‫حرمات هللا‪ .‬اللهم اجعلنا ممن يعظمون‬
‫ِ‬ ‫أسأل هللا أن يجعلنا ممن يعظمون‬
‫الحرمات‪ ،‬برحمتك ياأرحم الراحمين‪.‬‬

‫قال ﷺ ((أمكل إملؤمنني إإمياًنا أحس هنم خل اقا))‬

‫‪89‬‬
‫املرء على دين خليله‬
‫إعداد ‪ :‬أوكتا سومارجا‬ ‫‪4‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫الحمدهلل رب العاملين وبه نستعين على أمور الدنيا والدين الذي يقول ﴿لئن شكرتم‬
‫ْلزيدنكم﴾ والصالة والسالم على أفصح الفصحاء وأفضل من نطق بلغة الضاد‪ ،‬وعلى‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫آله وصحبه وسلم‪ .‬الشكر أوال وأخيرا هلل ‪-‬جل جالله‪ -‬فهو املستحق للشكر‪ ،‬ووعد من‬
‫شكره الزيادة‪ ،‬فلك الحمد والشكر يا ربنا على ما أنعمت به علينا من نعم ال تحص ى‬
‫وال تعد‪.‬‬
‫يل يا َر ُسو َل‬ ‫قال‪ِ :‬ق َ‬ ‫إخواني رحمكم هللا جميعا‪َ .....‬عن ْابن َع َّباس َرض َي ُ‬
‫هللا َع ْن ُهما َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ َّ ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫قال َم ْن ذك َرك ْم ِباهللِ ُرؤ َي ُت ُه‪ ،‬وز َادك ْم في ِعل ِمك ْم َم ْن ِط ُق ُه‪ ،‬وذك َرك ْم‬
‫ْ‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫هللا َأ ُّي ُج َلسا ِئنا َخ ْي ٌر؟ َ‬ ‫ِ‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ُُ ْ ْ َُ‬
‫الطاعات‬
‫ِ‬ ‫صاح َب َك وذ ِل َك ْل َّن أكث َر ما ُي ِع ُين َك َعلى‬ ‫الء اخت ْر ِ‬ ‫اآلخ َر ِة ع َمله ِمن ِمث ِل هؤ ِ‬ ‫ِب ِ‬
‫َّ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ُ ُْْ‬ ‫َّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ََْ‬ ‫َ َ ُ ُْ‬
‫الصالة‬ ‫قال َعل ْي ِه‬ ‫ُمخالطة امل ِطي ِع َين‪ ،‬وأكث ُر ما ُي ْد ِخل َك في الذن ِب ُمخالطة املذ ِن ِب َين‪ ،‬ما‬
‫خال ُل [رواه أحمد في مسنده]‬ ‫ي‬ ‫الم ْاملَ ْر ُء َعلى دين َخليله‪َ ،‬ف ْل َي ْن ُظ ْر َأ َح ُد ُك ْم َم ْن ُ‬ ‫والس ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ْ َ ْ ْ ُ ُ َّ‬
‫والت َش ُّب ُ‬
‫فات‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ص‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫إخواني رحمكم هللا جميعا‪ ....‬فإن النفس ِمن شأ ِنها املحاكاة‬
‫مام مال ٌك ال َت ْ‬ ‫وق ْد َ‬ ‫َ‬ ‫ََْ‬ ‫ص ْح َب ُة الغافل َين َس َب ٌب ِل ُح ُ‬ ‫َم ْن قا َ َرنها‪َ ،‬ف ُ‬
‫ص َح ْب‬ ‫ِ‬
‫قال اإل ُ‬
‫ِ‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫الغ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫ص‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫ص َح َب ِإال َم ْن ُي ْق َت َدى ِب ِه‬ ‫قال ْاب ُن ُر ْش ٍد ال َي ْن َبغي َأ ْن ُي ْ‬ ‫وق ْد َ‬ ‫َ‬
‫ور ِه‪.‬‬ ‫ج‬ ‫فاج ًرا ل َئ َّال َت َت َع َّل َم م ْن ُف ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َْ ُ‬ ‫وخ ْيره؛ َْل َّن َقر َ‬ ‫َ‬
‫صاح َب َم ْن ال ت ِث ُق ِب ِه ِوبأمان ِت ِه وت ْع ِرف‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫أ‬ ‫اك‬ ‫ي‬ ‫إ‬‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ي‪.‬‬ ‫د‬‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫وء ُ‬
‫ي‬ ‫ِ‬ ‫الس‬‫ُّ‬ ‫ين‬ ‫ِ‬ ‫في ِدي ِن ِه ِ ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ َ ْ ُ َ َّ ْ َ ْ َ َ ُ ُ‬
‫اآلخ َر ِة َم َع َم ْن أ َح َّب‪َ ،‬وين َب ِغي أ ْن َيكون ِف َيم ْن تؤث ُر‬ ‫ِ‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫صالحه وتقواه ف ِإن املرء يكو‬
‫الخ ُلق ال فاس ًقا وال ُم ْب َت ِد ًعا وال َحر ً‬ ‫ً َ َ َ ُ‬ ‫ن‬ ‫َْ َُ َ‬ ‫ص ْح َب َت ُه َخ ْم ُ‬ ‫ُ‬
‫يصا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫ال‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫عا‬ ‫و‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫صال‬ ‫ٍ‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫س ْاملال‪ ،‬وال َخ ْي َر في ُ‬ ‫الع ْق ُل‪َ ،‬ف ُه َو َ ْرأ ُ‬ ‫الد ْنيا‪َ .‬ف َأما َ‬
‫ص ْح َب ِة اْل ْح َم ِق‪ْ ،‬ل َّن ُه ُي ِر ُيد أ ْن َي ْن َف َع َك‬ ‫ِ‬
‫َعلى ُّ‬
‫ض ٌب َأ ْو َش ْه َو ٌة َف ُيط ُيع َه ُ‬
‫واه‬ ‫ض ُّر َك‪َ ،‬وأما ُح ْس ُن ْال ُخ ُلق َفال ُب َّد م ْن ُه‪ ،‬إ ْذ ُر َّب عاقل َي ْغل ُب ُه َغ َ‬ ‫َف َي ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ َ َّ ُ َ ُ َ َ ْ َ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َف َال َخ ْي َر في ُ‬
‫هللا تعالى ال ت ْؤ َم ُن‬ ‫الفاسق‪ ،‬ف ِإنه ال يخاف هللا ومن ال يخاف‬ ‫ِ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫وأ‬ ‫ص ْح َب ِته‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫غا ِئل ُت ُه وال ُيوث ُق ِبه‪ .‬وفي الختام نسأل هللا تعالى أن يعيننا على اختيار اْلصحاب‬
‫الصالحين واملتقين‪..‬أمين‪...‬‬
‫إلطيور عىل أشاكلها تقع‬

‫‪90‬‬
‫موقف اإلسالم من التطورات العصرية‬
‫إعداد‪ :‬إيجا أرديانشاه‬ ‫‪5‬‬
‫بسم هللا الرحمن الريم‬

‫الحمد هلل وكفى والصالة والسالم على نبينا املصطفى وعلى آله وأصحابه أهل الصدق‬
‫والوفاء أما بعد ‪:‬‬
‫َّ‬
‫أيها اإلخوة في الدين! إن دين اإلسالم دين الشمول والكمال‪ ،‬فقد حث على‬
‫ً‬ ‫التدبر والتفكر في كون هللا‪َّ ،‬‬
‫وشجع على استخدام العقل والفهم‪ ،‬ولم يترك شيئا فيه‬
‫ً‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫نفع للبشرية ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وخير لها إال حث عليه ورغب فيه‪ ،‬ولم يقف جامدا أمام االكتشافات‬
‫العلمية واملخترعات الحديثة‪ ،‬بل أمر باستخدامها في نصرة اإلسالم وحياضه‪ ،‬والدفاع‬
‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ ُّ َ ُ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ْ ْ ُ‬
‫اط الخي ِل‬
‫عن املسلمين وبالدهم‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬وأ ِعدوا لهم ما استطعتم ِمن قو ٍة و ِمن ِرب ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ت ْر ِه ُبون ِب ِه َع ُد َّو الل ِه َو َع ُد َّوك ْم﴾ [اْلنفال‪.]60:‬‬
‫وما أحوج املسلمون اليوم إلى االستفادة من العلوم املعاصرة‪ ،‬والصناعات‬
‫الحديثة في ضوء العقيدة اإلسالمية الصحيحة‪ ،‬فهي مصدر العزة والقوة والخير‬
‫ً‬
‫للبشرية جميعا‪ ،‬وكيف يكون ٍ‬
‫ْلمة من اْلمم مهما بلغت من التقدم العلمي واملادي‬
‫والتحضر العصري أن تصل إلى ما وصلوا إليه من السعادة والقوة والنصرة والكرامة‪،‬‬
‫وهي في معزل عن العقيدة اإلسالمية‪ ،‬غير خاضعة منقادة إلى تحكيم الكتاب والسنة!‬
‫يا أمة اإلسالم! لقد َّ‬
‫من هللا على البشرية في هذا العصر إذ سخر لها ما نراه من‬
‫ً‬
‫الترقي في علوم الصناعة؛ الذي بلغ في زماننا ‪-‬هذا‪ -‬مبلغا يفوق الوصف‪ ،‬فهذه املراكب‬
‫البحرية والبرية والجوية‪ ،‬وهذه اآلالت الحربية الحديثة التي تبهر العقول؛ بدقة صنعتها‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ووفرة منجزاتها‪ ،‬وأدائها لوظيفتها ً‬
‫أداء محكما دقيقا‪ ،‬وإن هذه اْلمور من ابتالء هللا‬
‫لخلقه؛ لينظر من يستعين بها على طاعته‪ ،‬ويشكره عليها‪ ،‬ممن يكفر بها ويستعملها‬
‫فيما ُيسخط هللا‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫ويجب على املسلمين أن يعلموا أن ما وصلوا إليه من تقدم في مجاالت الحياة ال‬
‫يمكن أن يحصل لوال تعليم هللا عز وجل‪ ،‬فلو شاء لسلبهم العلم‪ ،‬وكانوا جاهلين‬
‫من عليهم بالعلم والقدرة وهللا عليم قدير‪.‬‬ ‫بمصالحهم‪ ،‬ولكنه تعالى َّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فعلينا أن نعتبر بهذه الوسائل الحديثة‪ ،‬على كمال هللا علما وقدرة ورحمة‪ ،‬وأنه وحده‬
‫َ ُ َ‬ ‫َّ َ َ ُ‬
‫الخالق لهذه اْلمور كلها‪{َ :‬والل ُه خل َقك ْم َو َما ت ْع َملون} [الصافات‪ ]96:‬فهو الذي أبدع هذه‬
‫وفهمهم‪َّ ،‬‬
‫ومن عليهم باإلدراك‬ ‫الصناعات‪ ،‬وهو الذي خلق صانعيها‪ ،‬وهو الذي َّدلهم َّ‬
‫َ َ ْ َ َ َّ‬
‫الل ُه َما َف َع ُل ُ‬
‫وه} [اْلنعام‪.]137:‬‬ ‫والعلم والعقل‪{ ،‬ولو شاء‬
‫نسأل هللا عز وجل أن يرزقنا التفكر في مخلوقاته‪ ،‬والتدبر في آياته‪ ،‬وأن يجعل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ما أفاء على البشرية من العلوم‪ ،‬والصناعات‪ ،‬واملخترعات‪ ،‬خيرا لإلسالم ونصرة له‪،‬‬
‫ً‬
‫ودفاعا عن املسلمين وبالدهم‪ ،‬وأن يصرف عنهم شر ذلك‪ ،‬ونقمته وفتنته‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العاملين‪.‬‬

‫إلتعلمي إإيقاد إلشعةل وليس ملء وعاء‬

‫‪92‬‬
‫ال تمل من التوبة‬
‫إعداد‪ :‬جيلورا جونسون‬ ‫‪6‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫إن الحمد هلل وحده‪ ،‬والصالة والسالم على من ال نبي بعده‪ ،‬أما بعد‪ .‬أخي الكريم رحمني‬
‫ُ‬ ‫ورحمك هللا‪ .‬وهللا إني َّ‬
‫ْلحبنك في هللا‪ ،‬وإن لم أستطع أن أ َع ِب َر ُح ِبي إليك لوجود املشقة‪،‬‬
‫ُْ‬
‫لصعدته من أجلك أنت للوصول إلى القمة‪،‬‬ ‫لو كان أمامي جبل من الجبال املرتفعة‪،‬‬
‫َ‬
‫جميع الناس َّأن ِني أحبك في هللا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫حتى يعرف‬
‫لس ُت بش يء‪ ،‬ولكني أحاول أن‬ ‫أبل َغك شيئا‪ ،‬وإن ْ‬
‫علم َت أنني ْ‬ ‫ُّ‬
‫أخي الكريم‪ ،‬أود أن ِ‬
‫أكون قريبا من ر ِب كل ش يء‪ .‬وهذا الش يء هو الرسالة التي أخبرنا بها رسول هللا ﷺ‪،‬حيث‬
‫قال‪(( :‬كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون))‪ .‬أخي الكريم‪ ،‬أنا وأنت بشر‪ ،‬وما‬
‫دمنا بشرا فال بد أن نقع في الخطأ أو الذنب أو املعصية‪ ،‬وليست املشكلة أن نقع في‬
‫املعصية‪ ،‬ولكن املشكلة إذا وقعنا في املعصية ال نحاول أن نخرج منها ونترك الطاعة‪.‬‬
‫عمرى‪ ,‬كان هو وزوجه على سفر‪ ،‬إذ قطعت طريقهما‬ ‫ُ َْ‬ ‫ْ‬
‫لتسمع قصة سهيل ابن ٍ‬
‫وحينئذ‪ ،‬يرى سهيل ابن‬
‫ٍ‬ ‫مجموعة من اللصوص‪ ،‬فأخذوا ما معهما من طعام وشراب‪.‬‬
‫عمرى منظرا عجيبا‪َّ ،‬أن قائد قطاع الطرق لم يكن يتناول الطعام معهم‪ .‬فسأله سهيل‬
‫"إني صائم"‪ .‬فضك سهيل ابن عمرى َّ‬ ‫َ‬
‫ثم قال‪" :‬‬ ‫ابن عمرى‪" :‬لم ال تأكل معهم؟"‪ ،‬فقال‪ِ :‬‬
‫أتسرق وأنت صائم؟"‪ .‬قال‪ِ " :‬إني تركت بابا بيني وبين هللا‪ ،‬لعل هللا يدخلني الجنة من‬
‫ذلك الباب"‪ ،‬وفي رواية " لعل هللا يجعل توبتي عن طريق ذلك الباب‪ .‬وفعال بعد عدة‬
‫سنوات بينما يطوف سهيل ابن عمرى الكعبة‪ ،‬رأى الرجل الذي كان يقطع طريقه وهو‬
‫قائد اللصوص لقد تاب إلى هللا‪ ،‬وقال لسهيل‪" :‬أعرفت َّأن من ترك بينه وبين هللا بابا‬
‫دخل منه يوما‪.‬‬
‫أخي الكريم‪ ،‬من هذه القصة ال أقول لك‪" :‬ال بأس أن تجمع بين السرقة والصوم‪,‬‬
‫ال"‪ ،‬بل أقول لك‪" :‬فإن لم تستطع أن تترك أي معصية ال تترك الطاعة‪ ،‬مهما كنت‪،‬‬
‫وزاحمها بالطاعة‪ ،‬لعل طاعتك سبب لتتوب إلى هللا ويتوب عليك‪ .‬أحيانا‪ ،‬الذنب‬

‫‪93‬‬
‫يدفعك إلى الطاعة وأنت ال تدري‪ ،‬كان عمر ابن الخطاب يكره االسالم‪ ،‬وحمل سيفا‬
‫أراد به قتل النبي ﷺ‪ .‬فرجع يقاتل عن النبي ﷺ‪ ،‬وجاهد في سبيل هللا حق جهاده‪.‬‬
‫وأحيانا جمل الدنيا بموجها‪ ،‬نذنب ونتوب‪ ،‬نذنب ونتوب‪ ،‬وقلبنا منيب إلى ربنا القريب‪.‬‬
‫أخي الكريم‪ِ ،‬ج ْي َء برجل إلى النبي ﷺ شرب الخمر‪ُ ،‬ج ِل َد ثم عاد ثم جلد ثم عاد ثم جلد‪،‬‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫فقال له خالد ابن الوليد‪" :‬ل َع َنه هللا"‪ ،‬فقال رسول هللا ﷺ‪(( :‬ال تل َع ْن ُه‪ ،‬إنه يحب هللا‬
‫ورسوله))‪ .‬ليس كل مذنب يكره هللا ورسوله‪ ،‬ولكن النفس تغلب‪ ،‬النفس أمارة بالسوء‪.‬‬
‫َ َ ُّ َ َّ ْ َ َ ُ ْ ُ ْ ُ ْ َ‬
‫هللا‬
‫تب إلى ربك يتب عليك ويعطك الزيادة‪ .‬قال ربنا ﷻ‪﴿ :‬يا ئيها ال ِذين آمنوا توبوا ِإ ِ‬
‫ى‬ ‫ل‬
‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َت ْو َب ًة َن ُ‬
‫ص ْو ًحا﴾‪ ،‬وما الرجاء من التوبة؟ ﴿ َع َس ى َرُّبك ْم أ ْن ُيك ِف َر َع ْنك ْم َس ِيئا ِتك ْم﴾‪ ،‬وماذا؟‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َُ ْ َ ُ ْ َ َ ْ ْ ْ ْ َ َْ‬
‫﴿ويد ِخلكم جنت ٍتج ِري ِمن ِتح ِتها اْلنهار﴾‪.‬‬
‫ُ‬
‫فإن الجنة تنال بعد تكفير الذنوب‪ ،‬وتكفير الذنوب ال َّبد من التوبة‪ ،‬فط ْو َب ملن‬
‫ْ‬ ‫تاب وإن كان في هذه الدنيا غريبا‪ .‬اللهم ْ‬
‫تب علينا إنك التواب الرحيم‪ ،‬واغفر لنا ذنوبنا‬
‫و ِقنا عذاب النار‪.‬‬

‫إلتربير يف ذنبك طريق الانتاكس‬

‫‪94‬‬
‫أربعة مفاتيح لتقدم األمة اإلسالمية‬
‫إعداد ‪ :‬رحمت شفاعة‬ ‫‪7‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫الحمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا أما بعد‬
‫أخي الكريم وأختي الكريمة‪...‬إذا نسيت مفتاح رقمك السري لبطاقة الصراف‪...‬‬
‫ً‬
‫وأدخلتها في الصرافة‪...‬فلن تتمكن من سحب أموالك‪ ...‬ولو جلست شهورا أمام‬
‫الصرافة‪...‬‬
‫إال برقم واحد يتكون من ست خانات‪...‬‬
‫ً‬
‫فإن أصر أحدهم وقال‪" :‬لنجرب أرقاما غير رقم سري صحيح‪..‬‬
‫ْلننا نسينا حتى نصل ونتمكن من سحب املبلغ‪...‬لقلنا هذا جنون وضياع الوقت‪....‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وكذا مفتاح تمكين اْلمة اإلسالمية‪..‬صناعيا واقتصاديا‪..‬‬
‫ً ُ‬
‫فقد تأخرنا ْلننا نجرب مفاتيح سرية لن تجري!!!!‬
‫باني واحد‪..‬هو يتكون من أربع ال غير‪ ،..‬هي‪ :‬إقامة صالتنا‪ ....‬وإيتاء‬ ‫بمفتاح ر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إال‬
‫زكاتنا‪....‬وأمرنا باملعروف‪ ...‬ونهينا عن املنكر‪...‬‬
‫َّ َ َ‬ ‫َّ َ ْ َ َّ َّ ُ ْ ْ َ ْ َ َ‬
‫الصالة‬ ‫ض أق ُاموا‬
‫قال العليم بمفتاح سيادة في اْلرض‪﴿ :‬ال ِذين ِإن مكناهم ِفي اْلر ِ‬
‫ور﴾ (الحج‪.)40:‬‬ ‫م‬
‫َ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َّ َ َ ُ ْ ُ‬
‫اْل ُ‬ ‫ة‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫ا‬‫ع‬ ‫ه‬‫ل‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫امل‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ا‬‫و‬ ‫ه‬‫ن‬‫و‬ ‫وف‬ ‫ر‬‫ُ‬ ‫الز َك َاة َو َأ َم ُروا ب ْاملَ ْ‬
‫ع‬ ‫َو َآ َت ُوا َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فأما الصالة‪ ،‬فإن هللا سبحانه وتعالى أمرنا باالستعانة بها‪ ..‬فقال العليم سبحانه‪:‬‬
‫َّ ْ َ َّ َ َ َّ َ َ ٌ َّ َ َ ْ َ‬
‫اش ِع َين﴾ (البقرة‪ .)45:‬وْلن الصالة‬ ‫الصال ِة وِإن َها لك ِب َيرة ِإال على الخ ِ‬ ‫اس َت ِع ُينوا ِبالصب ِر و‬ ‫﴿ َو ْ‬
‫ْ ُ َ ُ َ َْ َ َ ْ َ ََ‬
‫اب وأ ِق ِم‬
‫وحي ِإليك ِمن ال ِكت ِ‬ ‫من أكبر العون على الثبات في اْلمر‪ ..‬قال تعالى‪﴿ :‬اتل ما أ ِ‬
‫َّ َ َ َّ َّ َ َ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ ْ ُ َّ َ ْ َ ُ َ َّ ُ َ ْ َ ُ َ َ ْ َ‬
‫ص َن ُعون﴾‬ ‫الصالة ِإن الصالة تنهى ع ِن الفحش ِاء واملنك ِر ول ِذكر الل ِه أكبر والله يعلم ما ت‬
‫(العنكبوت‪.)45:‬‬
‫ألم تر أن من أسباب الخسارة في الدنيا واآلخرة إضاعة الصالة؟؟ قال العليم سبحانه‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َ ََ َ ْ َ ْ ْ َْ ٌ َ‬
‫ات ف َس ْوف َيل َق ْو َن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وتعالى‪﴿ :‬فخلف ِمن بع ِد ِهم خلف أضاعوا الصالة واتبعوا الشهو ِ‬
‫َ‬
‫غ ًّيا﴾ (مريم‪.)59:‬‬

‫‪95‬‬
‫ٌ‬
‫وأما الزكاة‪ ،‬فإنها أحد وسائل التكافل االجتماعي‪ ..‬وإنها وسيلة من وسائل توزيع‬
‫الدخل والثروة في املجتمع‪ ،،‬ففيها مواساة الفقراء‪.....‬وإن الزكاة أحد الدوافع نحو‬
‫َ َ ُ َ ًَ‬
‫االستثمار‪....‬فمن حكمة مشروعيتها قال تعالى كما في شان الفيء ‪﴿ :‬ك ْي ال َيكون ُدولة‬
‫ُ‬ ‫َْْ‬
‫َب ْي َن اْلغ ِن َي ِاء ِم ْنك ْم﴾ (الحشر‪.)7:‬‬
‫وأما اْلمر باملعروف والنهي عن املنكر أليس فضل هذه اْلمة بأنها خير أمة بسبب‬
‫اس‬ ‫أنهم يأمرون باملعروف وينهون عن املنكر؟؟ قال تعالى‪ُ ﴿ :‬ك ْن ُت ْم َخ ْي َر ُأ َّمة ُأ ْخر َج ْت ل َّ‬
‫لن‬
‫ِ ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫َ َّ‬ ‫ُْ َ ُ‬
‫وف َوت ْن َه ْون َع ِن امل ْنك ِر َوت ْؤ ِم ُنون ِبالل ِه﴾ (ال عمران‪.)110:‬‬
‫َ َ‬
‫ر‬‫ُ‬ ‫ع‬ ‫َت ْأ ُم ُر َ‬
‫ون ب ْاملَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ألم تعلم أن سبب لعنة هللا على بني إسرائيل أنهم ال يتناهون عن منكر فعلوه؟؟؟‬
‫َ‬
‫ود َو ِع َيس ى ْاب ِن َم ْرَي َم ذ ِل َك‬ ‫يل َع َلى ل َسان َد ُاو َ‬‫ين َك َف ُروا ِم ْن َبني إ ْس َرا ِئ َ‬ ‫قال تعالى ﴿ ُلع َن َّالذ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ َ َََ َ ْ َ َ ْ ُ ْ َ َ َُ ُ َ ْ َ َ‬ ‫َ َ َ َ ُ‬
‫س َما ك ُانوا َي ْف َعلو َن‬ ‫َ‬
‫ص ْوا َوكانوا َي ْع َت ُدون (‪ )78‬كانوا ال يتناهون عن منك ٍر فعلوه ل ِبئ‬ ‫ِبما ع‬
‫(‪( ﴾)79‬املائدة‪.)79-78:‬‬
‫فإن قال أحدنا لنجرب غير ذلك‪ ...‬لقلنا هذا جنون وضياع الوقت‪..‬‬
‫اللهم وفق أمتنا لألمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬بوالتها‪ ،‬ووزاراتها‪،‬وهيئاتها‪ ،‬وأسرها‪،‬‬
‫وأفرادها‪ .‬قال ابن عقيل الحنبلي‪" :‬من أعظم منافع اإلسالم ‪ ......‬وآكد قواعد اإليمان‬
‫‪ ...‬اْلمر باملعروف والنهي عن املنكر والتناصح ‪ ....‬فهذا أشق ما َّ‬
‫تحمله املكلف ‪ْ ....‬لنه‬
‫مقام الرسل ‪ !!!......‬حيث يثقل صاحبه على الطباع ‪ !!...‬وتنفر منه ‪ !!...‬نفوس أهل اللذات‬
‫‪ !!.....‬ويمقته ‪ ..‬أهل الخالعة ‪ !!...‬وهو إحياء السنن وإماتة البدع ‪ ...‬لو سكت املحقون‬
‫‪ !!......‬ونطق املبطلون ‪ !!...‬لتعود النشوء على ما شاهدوه ‪ ......‬وأنكروا مالم يشاهدوا ‪!!...‬‬
‫فمتى رام املتدين ‪ ...‬إحياء سنة ‪ .....‬أنكرها الناس ‪ ...‬وظنوها بدعة ‪ ..‬وقد رأينا ذلك”‪.‬‬
‫ً‬
‫وصلى هللا على من إذا صليت عليه صلى هللا عليك بها عشرا‪..‬‬

‫قال ﷻ‬
‫وف َوَنَ َ ْوإ َع ِن إ ْل ممنْ َك ِر َوِ ذ ِّلِل ع َ ِاقب َ مة‬
‫إلص َال َة َوَأتَ موإ ذإلز ََك َة َو َأ َم مروإ ِاب ْل َم ْع مر ِ‬
‫اُه ِيف ْ َإْل ْر ِض َأ َقا مموإ ذ‬ ‫ذِ‬
‫﴿إَّلي َن إ ْن َم ذكن ذ م ْ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ُإْل ممو ِر﴾ (إحلج‪.)40:‬‬

‫‪96‬‬
‫الدعاء‬
‫إعداد ‪ :‬سوغنج وارسمان‬ ‫‪8‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمدهلل‪..‬الحمدهلل الذي جعل الدعاء سالح املؤمنين‪ ،‬والصالة والسالم على حبيبنا‬
‫ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪ ،‬وبعد ‪:‬‬
‫أيها املباركون‪ ..‬إن من أعظم نعم هللا على عباده توفيقه لهم في الدعاء‪ ،‬وهو أن‬
‫يتشاق العبد إلى سؤال هللا في كل حين‪ ،‬يخشع فيه‪ ،‬ويتذلل أمام خالقه‪ ،‬وكان قلبه‬
‫مطمئنا‪ .‬ولذلك العبد الذي تعلق قلبه باهلل أكثر من سؤاله إياه‪ .‬والدعاء ش يء عجيب‪،‬‬
‫كم من الناس أصابته مصيبة ثم دعا ربه طلبا إزالتها فأزالها‪ .‬قال هللا عز وجال في القرآن‬
‫الكريم‪﴿ :‬وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان﴾[البقرة‪.]186:‬‬
‫أيها املباركون‪ ..‬إن هللا تعالى يخبرنا بأن من دعاه فهو سيستجيب له‪ ،‬وأيضا من‬
‫َ َّ َّ َ‬ ‫دعا هللا فإنه لن يخيبه أبدا أي ال يرجع عبثا‪َ .‬ع ْن َس ْل َم َ‬
‫صلى الل ُه َعل ْي ِه‬ ‫ان َع ْن َّ‬
‫الن ِب ِي‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َو َس َّل َم َقال‪":‬إ َّن َرَّب ُك ْم َحي ٌّي َكر ٌ‬
‫يم َي ْس َت ْح ِيي ِم ْن َع ْب ِد ِه أ ْن َي ْرف َع ِإل ْي ِه َي َد ْي ِه ف َي ُر َّد ُه َما ِص ْف ًرا"‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َْ َ َ َ‬
‫ال خا ِئ َب َت ْين"‪ .‬والدعاء هو سالح املؤمن‪ ،‬ال يستطيع أحد من املخلوقين أن يتداخل‬ ‫أو"ق‬
‫فيه‪ ،‬فإنه يجاوز املكان والزمان‪ ،‬ويصل إلى ربه مباشرة‪ .‬وكذلك من مزيات أنه من سأل‬
‫هللا فإنه سيعطيه ثالثة أشياء‪ ،‬اْلول أنه يستجيب له في الدنيا عاجال أو آجال‪ ،‬الثاني‬
‫أنه يصرفه عن البالء أو املصيبة املكتوبة له‪ ،‬واْلخير هو أن يمسك ويدخر إجابة دعاءه‬
‫في اآلخرة هدية له‪ .‬ولذا أيها اإلخوة أكثروا من الدعاء‪ ،‬فإنك لن تندم عليه‪ .‬إن كنت لم‬
‫تجد عمال يناسبك فادع هللا‪ ،‬وإن كنت ترغب في زوجة تعينك على العمل والعبادة‬
‫فاسأل هللا إياها‪ ،‬وإن كنت لم تجد حال ملشكلتك فلماذا لم ترجع إليه‪ ..‬فإنه غني حميد‪.‬‬
‫وكان نبينا محمد صلى عليه وسلم مع كونه نبيا ورسوال ومعصوما من الذنوب ومضمونا‬
‫دخول الجنة أكثر من الدعاء‪ ،‬وكان من دعاءه ((اللهم يامقلب القلوب ثبت قلبي في‬
‫دينك))‪.‬فبهذا أحث نفس ي وإياكم على اإلكثار من الدعاء‪.‬نسأل هللا أن يجعلنا من‬
‫املوفقين في الدعاء‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫االستغفار‬
‫إعداد ‪ :‬طبيب روحاني‬ ‫‪9‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫الحمد هلل الذي َّ‬
‫من على عباده بمواسم الخيرات ‪...‬ليغفر لهم بذلك ذنوب الشهوات‪...‬‬
‫ويكفر عنهم السيئات‪ ...‬وليضعف لهم بذلك الثواب والحسنات‪ .‬والصالة والسالم على‬
‫نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫ً‬
‫غفورا‬ ‫قال هللا تعالى ‪﴿ :‬ومن يعمل ً‬
‫سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر هللا يجد هللا‬
‫ر ً‬
‫حيما﴾ (النساء ‪) 110 :‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أيها املسلمون الكرام‪ ,‬أسألكم سؤاال‪ ,‬كم مرة تستغفرون ربكم في اليوم؟ وكم‬
‫ً‬
‫مرة تقولون ‪ :‬يا رَّبنا نستغفرك ونتوب إليك‪ .‬االستغفار‪...‬نعم االستغفار وقد ورد في‬
‫اْلدلة الكثيرة‪ ،‬قال الرسول ﷺ ))إن للقلوب صدأ كصدإ النحاس وجالؤها‬
‫االستغفار((‪ (.‬رواه البيهقي و الطبراني وضعفه اْللباني )‬
‫يا أيها املسلمون‪ ..‬استغفروا هللا‪ ،‬أنا وأنتم خطاؤون وخير الخطائين التوابون‪.‬‬
‫قال هللا تعالى ‪:‬في الحديث القدس ي (( يا عبادي إنكم تخطؤون بالليل والنهار وأنا أغفر‬
‫الذنوب جميعا‪ ,‬فاستغفروني أغفرلكم ))‬
‫ُ‬
‫الرزق قال نبينا محمد ﷺ ))من‬ ‫يفر ُج َ‬
‫اله ُّم ويكثر‬ ‫إخواني الكرام ‪...‬وباالستغفار َّ‬
‫ْ‬
‫يق َمخ َر ًجا ورزقه من حيث ال‬ ‫ًََ‬
‫هم فرجا ومن كل ِض ٍ‬ ‫لزم االستغفار جعل هللا لكل ٍ‬
‫يحتسب)( (رواه أبو داود و النسائي و ابن ماجه)‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري رحمه هللا " أكثروا من االستغفار في بيوتكم وعلى موائدكم‬
‫وفي طرقكم وفي أسواقكم وفي مجالسكم وأينما كنتم فإنكم ما تدرون متى تنزل املغفرة"‬
‫أيها املسلمون الفضالء ‪,‬عليكم بااالستغفار في كل مكان وزمان فإن هللا غفور‬
‫ً‬
‫نصوحا‪ .‬وأن يجمعنا في‬ ‫رحيم نسأل هللا أن يجعلنا من املستغفرين والتوابين إليه توبة‬
‫جنته الفردوس اْلعلى‬
‫أقول قولي هذا وأستغفر هللا لي ولكم‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫قل‪ :‬الحمد هلل‬
‫إعداد ‪ :‬عبد الحكم قرآني‬ ‫‪10‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل الذي مأل قلوبنا باإليمان والحمد هلل الذي أنعم علينا نعمة اإلسالم واإليمان‬
‫وصلى هللا على نبينا محمدﷺ سيد اْلنام‪ ،‬أما بعده‪:‬‬
‫تسجد هلل؟ تستغفره؟ تلجأ إليه؟ تسبحه؟ واملاليين يسجدون لبوذا‪ ،‬يستغفرون‬
‫َ‬
‫الشمس يلتجئون اْلجداد يسبحون الكواكب‪ ،‬فقل الحمد هلل‪ ،‬تفكر في املنطقية وتتأمل‬
‫والعصاب والخرف‬ ‫بالوضوح وتقارن بالدقة وماليين من البشر مصابون بالذهان ُ‬
‫أفكارهم َه َو ِالس مشاكل مختلطة‪ ،‬فقل الحمد هلل‪ ،‬كل ما يدور فيك أنت من املشاعر‬
‫واْلحالم‪ ،‬تقوله وتعبر عن تفاصيله‪ ،‬وماليين من الناس يتفاهمون بلغة اإلشارة يعبرون‬
‫بها عن بعض حاجاته‪ ،‬فقل الحمد هلل‪ ،‬تسير للصالة؟ تسير للعمل؟ تسير في الشارع؟‬
‫َ‬
‫والسوق؟ والبيت؟ تتنقل من حجرة من حجرة؟ وماليين ُي ْدفعون على كراس ي متحركة‬
‫َ‬
‫فقل الحمد هلل‪ ،‬تسمع اْلذان تسمع القرآن تسمع أهلك وأطفالك وإخوانك تسمع‬
‫العصافير واملطر تسمع الحياة‪ ،‬واملاليين من البشر اليسمعون إال الصمت فقل الحمد‬
‫ً‬
‫هلل‪ ،‬تفتح عينيك صباحا فترى الدنيا بأضوائها وألوانها وأشجارها‪ ،‬واملاليين من البشر‬
‫يفتحون أعينهم وال يرون إال الظالم فقل الحمد هلل‪ ،‬تعرف أناسا ال ينامون إال باملخدر‪،‬‬
‫وال يأكلون إال بفواتح الشهية‪ ،‬واليبتسمون إال بأقراس الكآبة‪ ،‬وأنت تنام وتأكل وتبتسم‬
‫فقل الحمد هلل‪ ،‬ماليين من البشر انتحروا‪ ،‬واملاليين يفكرون باالنتحار للهم والفقر‬
‫َ‬
‫واملرض‪ ،‬وأنت لم يخطر ببالك مجرد خاطر أن تفعل ِفعلهم فقل الحمد هلل‪ ،‬على وجه‬
‫الكرة اْلرضية اآلن أكثر من خمسة مليار إنسان لم يسجد هلل وأنت فرغت وقتك لتسجد‬
‫هلل فقل الحمد هلل‪ ،‬عدد املصابين بالصمم الكلي أو الجزئي في العالم َّ‬
‫يقدر بحوالي ثالث‬
‫مائة مليون إنسان‪ ،‬بفضل هللا لست منهم فقل الحمد هلل‪ ،‬تشعر بالحب؟ هناك من‬
‫قلبه مستودع أحقاد‪ُ ،‬‬
‫تصدق؟ هناك من لون حياته باْلكاذيب‪ ،‬تتفاءل؟ هناك من‬
‫شقق جدران نفسه بالتشاءم فقل الحمد هلل‪ ،‬لديك أم؟ هناك من فقدها وهو طفل‪،‬‬

‫‪99‬‬
‫لديك أب؟ هناك من لم يره في حياته‪ ،‬لديك أخ؟ هناك من ُح ِل َم معنى اْلخ‪ ،‬لديك‬
‫ً‬
‫أخت؟ هناك من دفنها منذ زمن فقل الحمد هلل‪ ،‬هناك من يتمنى أن يصوم يوما فال‬
‫يستطيع‪ ،‬هناك من يرغب أن يتصدق بمال فال يجد‪ ،‬تتعلم العلم في املدارس والكلية‬
‫باالطمئنان؟ ماليين الشباب والشابات يريدون أن يتعلموا وال يقدرون على ذلك فقل‬
‫الحمد هلل‪ ،‬تحب املساجد؟ تمكث فيها مصليا تابعا ذاكرا؟ هناك من ينظر إليها من‬
‫بعيد كالتلطخ خطاياه أن يكون من أهلها فقل الحمد هلل‪ ،‬تقرأ كالم هللا؟ تتدبره؟ تأنس‬
‫ً‬
‫به؟ وهناك من يكفر بآياته ويجحد أحكامه‪ ،‬يرى تالوته رجعية والعمل به تخلفا‪،‬‬
‫ً‬
‫والتحاكم إليه نقوصا‪ ،‬فقل الحمد هلل‪ ،‬الحمد هلل‪ ،‬الحمد هلل‪.‬‬

‫قيّدوإ نعم هللا بشكر هللا‬


‫(معر بن عبد إلعزيز ‪-‬ريض هللا عنه‪)-‬‬

‫‪100‬‬
‫كن أهال للمعروف وأحسن إلى الناس‬
‫إعداد ‪ :‬عزي عرفان العارفين‬ ‫‪11‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل رب العاملين‪ ،‬الحمد هلل الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على‬
‫الدين كله ولو كره الكافرون ولو كره املشركون ولو كره املنافقون وكفى باهلل شهيدا‪.‬‬
‫أشهد أن ال إله إال هللا البر الكريم الرؤوف الرحيم القوي اْلمين العزيز الحكيم‪ .‬وأشهد‬
‫أن محمدا عبده ورسوله وحبيبه وخليله وصلوات هللا وسالمه عليه وعلى النبيين وآل‬
‫كل وسائر الصالحين‪ .‬أما بعد‪.....‬‬
‫ٍ‬
‫أيها اإلخوة ‪........‬‬
‫خذ نصيحة مباشرة من رسول هللا ﷺ إذ يقول ‪" :‬عليكم باصطناع املعروف‬
‫أحسن إلى الناس واصنع لهم املعروف‬
‫فإنه يمنع مصارع السوء‪ ".‬يعني يا أيها اإلخواة ِ‬
‫وراع املعروف لتقي نفسك وأهلك وولدك املكروه بكل ما تحمله وتشمله كلمة املكروه‬
‫من سوء وضار‪.‬‬
‫نعم أيها اإلخواة الفضالء‪.....‬‬
‫عليكم باملعروف‪ ،‬فإن صاحبه محفوظ من هللا‪ ،‬محمود بين الناس‪ ،‬مذكور‬
‫بالفضل‪ ،‬مخصوص بالخير‪ ،‬فال أحد مثله يعمل وال أحد مثله يصنع‪ ،‬وكيف يكون أحد‬
‫مثله وهو املتخصص في تفريج الكروب‪ .‬فهو رجل يعلم من نفسه وقفا هلل تعالى‪ ،‬ال ينام‬
‫وال يرتح وال يأنس إال بقضاء حوائج الناس واصتناع املعروف للخلق‪ ،‬وأفضل الناس ما‬
‫ُ‬
‫بين الوراع رجل تقض ى على يده للناس حاجة‪.‬‬
‫فما املانع يا أخي الكريم أن تكون واحدا من أهل املعروف‪ .‬عن رسول هللا ﷺ‬
‫حين قال ‪" :‬من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس هللا عنه كربة من كرب يوم‬
‫ً‬
‫القيامة‪ ،‬ومن يسر على معسر يسر هللا عليه في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ومن ستر مسلما ستره‬
‫هللا في الدنيا واآلخرة‪ ،‬وهللا في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه‪".‬‬

‫‪101‬‬
‫أيها اإلخواة ‪........‬‬
‫إن السعي في خدمة الناس وقضاء حوائجهم أمر دعت إليه الفطرة القويمة‬
‫وأقرته النفوس السليمة وتعارف عليه أصحاب العقول الرشيدة في كل زمان ومكان‪،‬‬
‫حتى قبل أن ُيبعث نبي الكريم ﷺ برسالته الخالدة‪.‬‬
‫أيها اإلخواة ‪........‬‬
‫قد يكون العمل في نظرنا هينا وبسيطا ولكنه في ميزان هللا عظيم‪ .‬جاء في حديث‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫الطريق إ َّما َك َ‬ ‫َ َ َ َ ُ ٌ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ ً َ ُّ ُ ْ َ‬
‫ان ِفي ش َج َر ٍة‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ص َن ش ْو ٍك َع ِن‬ ‫الصحيح " نزع رجل لم يعمل خيرا قط غ‬
‫َ َ َ َ ُ َ َ ْ َ ُ َ َّ َ َ َ ْ ُ ً َ َ َ َ ُ َ َ َ َ َّ ُ َ ُ َ َ َ ْ َ َ ُ ْ َ َّ َ‬
‫فقطعه وألقاه‪ ،‬وِإما كان موضوعا فأماطه فشكر الله له ِبها فأدخله الجنة"‪ .‬وكذلك‬
‫املرأة الباغية من بني إسرائيل كانت تحترف البغاء‪ ،‬فرأت كلبا يلهث من شدة العطش‪.‬‬
‫ْ‬
‫فأسقته املاء فغفر هللا لها ما أسلفت‪.‬‬ ‫فنزلت إلى البئر‬
‫أال ترون يا أيها اإلخواة أننا في أمس الحاجة للعودة إلى املفاهم اإلسالمية السامة‬
‫ُ‬
‫في التعامل اليوم فيما بيننا‪ ،‬بحيث يكون املعروف وقضاء الحوائج منهجا الزما وخلقا‬
‫عصيال وسلوكا يوميا لكل فرد في هذه اْلمة‪ ،‬وبه تتميز اْلمة عن غيرها‪.‬‬
‫أيها اإلخواة ‪........‬‬
‫يقول عليه الصالة والسالم ‪" :‬خير الناس أنفعهم للناس"‪ .‬ويقول عليه الصالة‬
‫َ َ َ ُّ ْ َ ْ َ َ َّ ُ ُ ٌ ُ ُ‬ ‫الله َأ ْن َف ُع ُه ْم ل َّ‬
‫َ َّ‬ ‫والسالم ‪َ « :‬أ َح ُّب َّ‬
‫ور ت ْد ِخل ُه‬‫اس ‪ ،‬وأحب اْلعم ِال ِإلى الل ِه سر‬ ‫لن‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ى‬‫ل‬ ‫إ‬ ‫اس‬
‫ِ ِ‬ ‫الن‬
‫َْ ُ ًَْ ْ َ ُُْ َْ ُ ُ ً ََ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ ْ ُ َ ْ ُ ُ َْ ً ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َعلى ُم ْس ِل ٍم ‪ ،‬أو تك ِشف عنه كربة ‪ ،‬أو تق ِض ي عنه دينا ‪ ،‬أو تطرد عنه جوعا‪ ،‬ومن مش ى‬
‫َ َ َ َّ ُ َ َ َ َ ُ َ َّ َ َّ ُ َ َ َ ُ َ ْ َ َ ُ ُ ْ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ول اْلق َد ُام»‪.‬‬ ‫َم َع أ ِخ ِيه املسلم ِفي حاج ٍة حتى يث ِبتها له ثبت الله قدمه يوم تز‬
‫اللهم اجعلنا من مفاتح الخير‪.‬‬
‫ً‬
‫اللهم اجعلنا هداة مهتدين برحمتك يا أرحم الرحمين‪.‬‬

‫قال ﷺ ((ل حتقر ّن من إملعروف شيئاا ولو أن تلق أخال بوجه طلق))‬

‫‪102‬‬
‫من كبائر‪ :‬ترك الصلوات الخمسة‬
‫إعداد ‪ :‬عمر حقي‬ ‫‪12‬‬
‫بسم هللا الحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل حمدا حمدا و نشكره شكرا‪ ،‬أشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له و‬
‫أشهد أن محمدا عبده ورسوله ﷺ أما بعد‪:‬‬
‫إخوة الكرام أعزني هللا و إياكم جميعا‪...‬‬
‫قال هللا تعالى ﴿فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصالة و اتبعوا الشهوات فسوف‬
‫يلقون غيا (‪ )59‬إال من تاب ءامن و عمل صالحا (‪[ ﴾)60‬مريم‪]60-59 :‬‬
‫قال ابن عباس رض ي هللا تعالى عنهما ‪ :‬ليس معنى أضاعوا تركوها بالكلية‪ ،‬وإنما‬
‫أخروها عن وقتها‪ .‬وقال سعيد بن املسيب إمام التابعين رحمه هللا‪ :‬أال يصلي الظهر حتى‬
‫يأتي العصر‪ ،‬وال يصلي العصر إلى املغرب‪ ،‬وال يصلي املغرب إلى العشاء‪ ،‬وال يصلي العشاء‬
‫إلى الفجر‪ ،‬وال يصلي الفجر إلى طلوع الشمس‪ .‬فمن مات مصرا على هذه الحالة ولم‬
‫يتب وعده هللا بغي‪ ،‬وهو واد في جهنم بعيد قعره خبيث طعمه‪.‬‬
‫وقال تعالى ﴿فويل للمصلين () الذين هم عن صالتهم ساهون﴾ [ املاعون ‪،]5-4‬‬
‫أي‪ :‬غافلون عنها متهاونون بها‪ ،‬وقال سعد بن أبي وقاص رض ي هللا عنه‪ :‬سألت رسول‬
‫هللا ﷺ عن الذين عن صالتهم ساهون‪ ،‬قال‪ :‬هو تأخير الوقت أي تأخير الصالة عن‬
‫وقتها‪ ،‬سماهم مصلين ملا تهاونوا بالصالة وأخروها عن وقتها‪ ،‬وعدهم بويل وهو شدة‬
‫العذاب‪ ،‬وقيل هو واد في جهنم لو سير في جبال الدنيا لذاب من شدة حرة‪ ،‬هو مسكن‬
‫من يتهاون الصالة ويؤخرها عن وقتها إال أن يتوب إلى هللا تعالى و يندم على ما فرط‪.‬‬
‫سئل علي بن أبي طالب رض ي هللا عن امرأة ال تصلي‪ :‬فقال‪ :‬من لم يصل فهو‬
‫كافر‪ ،‬وقال ابن مسعود رض ي هللا عنه ‪ :‬ومن لم يصل فال دين له‪.‬‬
‫و قال ابن عباس رض ي هللا عنهما ‪ :‬من ترك الصالة متعمدا لقي هللا وهو عليه‬
‫غضبان‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫وقال رسول هللا ﷺ من لقي هللا وهو مضيع الضالة لم يعبأ هللا بشيئ من‬
‫حسناته‪ ،‬إذا كان مضيعا للصالة‪.‬‬
‫وقال ابن حزم ‪ :‬ال ذنب بعد الشرك أعظم من ترك الصالة حتى يخرج عن وقتها‪،‬‬
‫وقتل مؤمن بغير حق‪.‬‬
‫وقال إبراهيم النخعي‪ :‬من ترك الصالة فقد كفر‪ ،‬وقال عون بن عبد هللا ‪ :‬إن‬
‫العبد غذا أدخل قبره سئل عن الصالة أول شيئ يسأل عنها‪ ،‬فإن جارت له نظر فيها‬
‫دون ذلك من عمله‪ ،‬وإن لم تجز له لم ينظر في شيئ من عمله بعد‪.‬‬
‫وقال ﷺ من جمع بين صالتين من غير عذر فقد أتى بابا عظيما من باب الكبائر‪.‬‬
‫ونسأل هللا أن يبعدنا من هذه الصفة كلها‪.‬‬

‫قال تعاىل ﴿فوي ٌل للمص ّلني () إَّلين ُه عن صالهتم ساهون()﴾‬

‫‪104‬‬
‫أوامر اإلسالم‬
‫إعداد‪ :‬فارس فتحان‬ ‫‪13‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا‪ .‬وهو الذي جعل الليل‬
‫و النهار ِخلفة ملن أراد أن يذكر أو أراد شكورا‪ .‬والصالة والسالم على رسول هلل ﷺ وعلى‬
‫آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد‪،‬‬
‫إخواني في هلل رحمني ورحمكم هللا‪ .‬إن اإلسالم دين الحق‪ .‬والشريعة الكاملة‪.‬‬
‫أنزلها هللا رحمة للعاملين‪ ،‬واختاركم بأن تكونوا من املؤمنين‪ ،‬ومن املتفقهين في الدين‪ ،‬و‬
‫من املنذرين‪ ،‬وينبغي ملسلم أن يشكره عل نعمة اإلسالم ويدعوه لكي يثبته على هذا‬
‫الدين‪.‬‬
‫إخواني في هلل رحمني ورحمكم هللا‪ .‬إن اإلسالم أمرنا بأن ننفق مما رزقنا هللا‬
‫من الطيبات‪ ،‬وأن نؤتوا الزكاة‪ .‬كي ال يكون دولة بين اْلغنياء منا فيصبح الفقراء فرحين‪.‬‬
‫وإن هللا أمرنا بالصوم كما أمر الذين من قبلنا لنكون من املتذكرين أحوال‬
‫املساكين‪ .‬وأمرنا هللا أن ال نعبد إال إياه وبالوالدين إحسانا و نهينا أن نقول لهما أف‬
‫فنكون من الصالحين والبارين بالوالدين‪.‬‬
‫وإن اإلسالم أمرنا بأن نحفظ ألسنتنا من غيبة وسخرية وتكبر مما يأدي إلى‬
‫فساد وسفك الدماء كي ال نصبح مجرمين‪.‬‬
‫وإن هللا أمرنا بأن نذكره كثيرا‪ ،‬اآل بذكر هلل تطمئن القلوب‪ ،‬فأصحبحنا‬
‫مطمئنين‪ .‬وإن اإلسالم علمنا إذا عطس أحدكم فاليحمد هلل ْلن الفيروزات تخرج من‬
‫اْلنف فأصبحنا من الشاكرين‪.‬‬
‫وإن اإلسالم أمرنا بأن نغض أبصارنا لكي ال نقع في الزنا وال نصاب بأمراض‬
‫حطيرة فاصبحنا ساملين‪ .‬وإن اإلسالم نهانا عن ندخل بيوتا غير بيوتنا حتى نستأنس‬
‫ونسلم على أهلها‪ .‬فإن لم نجد فيها أحدا فال ندخلها حتى يؤذن لنا لكي نكون املتأدبين‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫وإن اإلسالم أمرنا بأن نبادر إلى التوبة ونسارع إلى مغفرة من هللا فأصبحنا من‬
‫التوابين‪ .‬وإن اإلسالم أمرنا باالجتهاد في عبادة هلل كي نكون من الناجحين في الدارين‪.‬‬
‫قال هللا تعالى‪﴿ :‬والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن هللا ملع املحسنين﴾‬
‫والصالة والسالم على رسول هلل ﷺ‪.‬‬

‫لكمة إلتوحيد قبل توحيد إللكمة‬

‫‪106‬‬
‫الداعي املفكر ملستقبل مجتمعه‬
‫إعداد‪ :‬فينديك سافوترا‬ ‫‪14‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل وكفى والصالة والسالم على النبي املصطفى محد بن عبد هللا ﷺ وعلى آله‬
‫وصحبه أهل الصدق والوفى أما بعد‪.‬‬
‫يا أيها الداعي املفكر‪ ،‬حينما نتأمل أحوال مجتمعنا اليوم‪ ،‬وجدنا بعضهم‬
‫يبتعدون عن الشخصية التي يريدها اإلسالم ولقد شاهدنا كثيرا من وسائل اإلعالم أو‬
‫اْلخبار املختلفة في التلفاز والجرائد واملجالت و غير ذلك بل ليس غريبا أن نرى بأعيننا‬
‫الخصومات والصراعات بينهم واستخدام املخدرات القاتلة والعالقات املحرمة بين‬
‫الشباب و الفتيات وما أشبه ذلك من أفعال محزنة‪.‬‬
‫ولقد ظهرت في مجتمعنا وأجيالنا اليوم أزمة أخالقية كاإليذاء واالحتقار بينهم‬
‫واالستهزاء بعضهم ببعض مع أن الرحمن الرحيم قد قال ﴿ إنما املؤمنون إخوة‪ ....‬اآلية﴾‬
‫يا أيها الداعي املفكر‪ ،‬بعد أن عرفنا هذه اْلحوال كلها هل مازلنا نتكاسل في‬
‫العبادة ؟!‪ .‬مع أن من صفة الداعي الناجح البد من كونه قريبا دائما من ناصره وهو‬
‫هللا ﷻ‪ ،‬وهل بهذه اْلحوال كلها مازلنا نتكاسل في الدراسة ؟!‪ .‬مع أن من صفة الداعي‬
‫الناجح البد من كونه عاملا‪...‬عاملا بقوله وفعله وتصرفاته وموقفه مع الناس‪ ،‬وقائما‬
‫بحقوق إخوانه من املسلمين يقتدي بها شخصية نبيه وتكون بها قدوة لآلخرين‪.‬‬
‫يا أيها الداعي املستقبل لهذه اْلمة‪ ...‬مجتمعنا اليوم متعطسون إلى من يدعوهم‬
‫إلى الخير لينجيهم من عذاب الرحمن ولينقذهم من ظلمة الحياة إلى نور الهداية‪..‬فيا‬
‫أيها اإلخوة‪ ،‬الدعوة تحتاج إلى االستعداد واالجتهاد التام روحيا كانت أم جسديا‪ ،‬ولذلك‬
‫أيها اْلحباء هيا بنا نجتهد بكل اجتهاد وال نتكاسل في طلبنا للعلم وال سيما في‬
‫العبادة‪...‬وكونوا أنتم الصلحين ْلنفسكم واملصلحين لغيركم‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫نسأل هللا أن يوافقنا في جميع أمورنا‪ ،‬ويا محول الحول واْلحوال حول أحوالنا‬
‫إلى أحسن الحال‪ ،‬ويا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك‪ ،‬ويا مصرف القلوب صرف‬
‫قلوبنا إلى طاعتك‪.‬‬

‫جناحك غداإ يع متد عىل هجودك إليوم‬

‫أحسن إلبدإية ول ختش إلهناية‬

‫‪108‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫األمانة‪ ...‬األمانة‪...‬‬
‫إعداد‪ :‬كورنياوان‬ ‫‪15‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ َّ َ َ ْ ُ ُ ُ ْ َ ْ ُ َ ُّ ْ َ َ َ‬
‫ات ِإلى أ ْه ِل َها َوِإذا َحك ْم ُت ْم َب ْي َن‬ ‫الحمد هلل الذي قال﴿ ِإن الله يأمركم أن تؤدوا اْلم ِ‬
‫ان‬
‫الل َه َك َ‬
‫َّ َّ‬ ‫َّ َ ْ َ ْ ُ ُ ْ َ ْ َّ َّ َ َّ َ ُ ُ‬
‫يعا َب ِص ًيرا ﴾ والصالة‬ ‫ان َسم ً‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ْ‬
‫اس أن تحكموا ِبالعد ِل ِإن الله ِن ِعما ي ِعظ ِ ِ ِ‬
‫م‬ ‫ك‬ ‫الن ِ‬
‫والسالم على النبي املصطفى القائل ((أد اْلمانة إلى من ائتمنك و ال تخن من خانك))‬
‫أما بعد‪...:‬‬
‫فيا أيها اإلخوة‪ ،‬روي عن أبي هريرة قال ‪ :‬بينما كان النبي ﷺ يحدث إذ جاء‬
‫أعرابي فقال ‪ :‬متى الساعة ؟ قال ‪ " :‬إذا ضيعت اْلمانة فانتظر الساعة " ‪ .‬قال ‪ :‬كيف‬
‫إضاعتها ؟ قال ‪ " :‬إذا وسد اْلمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " رواه البخاري‪ .‬فهذا‬
‫الحديث دليل على عظم شأن اْلمانة واآلثار الخطيرة من إضاعتها وأن ضياعها دليل‬
‫على أنها من أمارات الساعة‪ ،‬فكم منا اليوم يرى كثيرا من الناس بل من املسلمين‬
‫أنفسهم ال يئتمنون ويخونون‪ ،‬أولم يعرف هؤالء أن عصيانهم لربهم هو سبب غضب‬
‫الرحمن وسبب حدوث الزالزل والفيضانات وغير ذلك‪ .‬وذلك ْلن كثيرا من الناس اليوم‬
‫قد دخل عليهم وهن وهو حب املال وكراهية املوت كما وصف به نبينا ﷺ في الحديث‬
‫عن ثوبان رض ي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬يوشك اْلمم أن‬
‫تداعى عليكم كما تداعى اْلكلة إلى قصعتها)) فقال قائل‪ :‬ومن قلة نحن يومئذ؟ قال‪:‬‬
‫((بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء الليل‪ ،‬ولينزعن هللا من صدور عدوكم املهابة‬
‫منكم‪ ،‬وليقذفن هللا في قلوبكم الوهن؟)) قال‪(( :‬حب الدنيا وكراهية املوت)) رواه أبو‬
‫داود وأحمد‪ .‬فقدموا مصالحهم الدنيوية على مصالحهم اْلخروية لحبهم للدنيا وزينتها‬
‫ففعلوا ما حرم هللاﷻ ورسوله من ترك اْلمانة التي أمر هللا ﷻ بها من أجل دنياهم‬
‫الفانية‪ .‬ومن صور الخيانة أن يصرف أموال الناس إليه بدال من أن يصرفه إلى املطلوب‬
‫إشباعا لحاجة نفسه وأسرته‪ ،‬والعياذ باهلل‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫فيا أيها اإلخوة‪ ،‬لو نظرنا إلى حياة سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين ومن‬
‫بعدهم ممن تمسكوا بدين هللا لوجدنا أن حياتهم حياة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت‬
‫وفرعها في السماء ملا فيهم من طاعة أمر هللا ورسوله وخشيتهم من عدم وفاء باْلمانة‬
‫وفعل الخيانة‪ .‬فإليكم هذه القصة‪....‬‬
‫في عهد الفاروق رض ي هللا عنه أتى شابان إليه وكان في املجلس وهما يقودان‬
‫ً‬
‫رجال من البادية‪ ..‬فأوقفوه أمامه‪ ،‬قال عمر ‪ :‬ما هذا ؟ قالوا‪ :‬يا أمير املؤمنين هذا قتل‬
‫أبانا‪ ،‬قال ‪ :‬أقتلت أباهم؟‪ ،‬قال الرجل ‪ :‬نعم قتلته قال عمر ‪ :‬كيف قتلته؟ قال ‪ :‬دخل‬
‫ً‬
‫بجمله في أرض ي‪ ،‬فزجرته ولم يخرج فأرسلت عليه حجرا فوقع على رأسه فمات‪ ،‬فقال‬
‫عمر ‪ :‬القصاص‪ ،‬وهو ال يعلم أصل هذا الرجل وأهله‪ٌ ،‬‬
‫أغني أم فقير‪ ،‬هل هو من قبيلة‬
‫شريفة أم ال‪ ،‬كل هذا ال يهم عند عمر فتطبيق شرع هللا أهم من هذا فقال الرجل ‪ :‬يا‬
‫أمير املؤمنين‪ ،‬أسألك بالذي خلق السماوات واْلرض أن تتركني ليلة أذهب بها لزوجتي‬
‫وأطفالي في البادية فأخبرهم بأمري وأودعهم وأعود إليك‪ ،‬وهللا ليس لهم عائل سواي‪.‬‬
‫ً‬
‫قال عمر ‪ :‬من يكفلك حتى تذهب ْلهلك وتعود؟ فسكت الناس جميعا‪ ،‬ال أحد يعرف‬
‫اسمه‪ ،‬وال خيمته‪ ،‬وال داره‪ ،‬وال قبيلته‪ ،‬فكيف يكفلونه وهي ليست كفالة على عشرة‬
‫دنانير وال على أرض وال على ناقة إنها كفالة على قطع رقبة بالسيف‪ ،‬فسكت الناس ولم‬
‫يتقدم أحد وعمر بن الخطاب في حيرة من أمره‪ ،‬هل يقدم على قتل الرجل وأطفاله‬
‫ً‬
‫يموتون جوعا هناك أم يتركه يذهب بال كفالة‪ ،‬فيضيع دم املقتول وسكت الناس‪ ،‬وعمر‬
‫نكس رأسه‪ ،‬والتفت إلى الشابين أتعفوان عنه؟ قاال ‪ :‬ال يا أمير املؤمنين من قتل أبانا‬
‫يقتل قال عمر ‪ :‬من يكفل هذا أيها الناس؟ فقام أبو ذر الغفاري وقال ‪ :‬أنا يا‬ ‫البد أن َ‬
‫ً‬
‫أمير املؤمنين أكفله فقال عمر ‪ :‬هو قاتل فأجابه أبو ذر‪ :‬ولو كان قاتال قال عمر ‪ :‬أتعرفه؟‬
‫قال ‪ :‬ال أعرفه قال عمر ‪ :‬وكيف تكفله؟ فقال أبو ذر ‪ :‬رأيت في وجهه سمات املؤمنين‬
‫فعلمت أنه ال يكذب وسيأتي إن شاء هللا قال عمر ‪ :‬يا أبا ذر أتظن أنه لو تأخر عن ثالثة‬
‫أيام أني تاركك؟ قال ‪ :‬هللا املستعان يا أمير املؤمنين وذهب الرجل وأعطاه عمر بن‬
‫الخطاب مهلة ثالثة أيام حتى ييهئ بها نفسه ويودع أطفاله وأهله وينظر في أمرهم وبعد‬
‫ثالثة أيام لم ينس عمر املوعد وفي العصر نادى في املدينة الصالة جامعة‪ ،‬ثم يأتي‬

‫‪110‬‬
‫لتنفيذ حكم القصاص فجاء الشابان واجتمع الناس وأتى أبو ذر وجلس أمام عمر بعد‬
‫قال عمر ‪ :‬أين الرجل ؟فقال أبو ذر ‪ :‬ال أعلم وتلفت أبو ذر نحو الشمس وكأنها تغرب‬
‫ً‬
‫بسرعة على غير عادتها‪ ،‬وسكت الصحابة جميعا وهم ال يعلمون ماذا سيحدث‪ .‬صحيح‬
‫أن أبا ذر يحبه عمر وأنه صديقه ولكن حكم هللا وشريعته أسمى من كل ش يء‪ .‬وقبل‬
‫ً‬
‫مغيب الشمس بلحظات واذا بالرجل يظهر‪ ،‬فكبر املسلمون جميعا‪ .‬فقال عمر ‪ :‬أيها‬
‫الرجل أما لو أنك بقيت في دارك ما شعرنا بك وما عرفنا مكانك؟ فقال ‪ :‬يا أمير املؤمنين‬
‫ُ‬
‫وهللا إني أخاف ربي الذي خلقني تركت أطفالي وجئت ْلقتل وخشيت أن يقال لقد ذهب‬
‫الوفاء بالعهد من الناس‪ .‬فسأل عمر أبا ذر ‪ :‬ملاذا كفلته ؟ فقال ‪ :‬خشيت أن يقال ذهب‬
‫الخير من الناس فوقف عمر ‪ ..‬وقال للشابين ‪ :‬ماذا تريان ؟ فقاال وهما يبكيان ‪ :‬لقد‬
‫عفونا عنه يا أمير املؤمنين لصدقه و خشينا أن يقال ذهب العفو من الناس قال عمر ‪:‬‬
‫ً‬
‫هللا أكبر ـ والدموع تسيل على لحيته ـ (جزاكما هللا خيرا على عفوكما عنه وجزاك هللا‬
‫ً‬
‫خيرا يا أبا ذر يوم فرجت عن هذا الرجل كربته‪ ,‬وجزاك هللا خيرا أيها الرجل لصدقك‬
‫ونزاهتك) فكلنا يعرف مكانة هذا اْلمر عند هللا‪ ،‬فما بقي لنا إال أن نعمل به ونحافظ‬
‫على فعله‪ ،‬فما فائدة البكاء بعد سماع القصص املؤثرة ولم نعمل به‪ ،‬إنما ثمرة العلم‬
‫تترجم على العمل‪ .‬نسأل هللا ﷻ اأن يثبتنا على الوفاء باْلمانة والعهود كما نسأله أن‬
‫يرزقنا حسن الخاتمة‪...‬‬

‫أصدق إلصدق إْلمانة‪ ،‬وأكذب إلكذب إخليانة‬


‫(أبو بكر إلصديق ‪-‬ريض هللا عنه‪)-‬‬

‫‪111‬‬
‫شجرة صغيرة‬
‫إعداد ‪ :‬محمد أندي كورنياوان‬ ‫‪16‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫الحمد هلل‪ .‬ثم الصالة والسالم على رسول هللا‪ .‬أما بعد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فأي أخي الكريم‪ .‬لنفترض قليال‪ ،‬أنك تدخل حديقة‪ ،‬ثم تجد فيها شجرة كبيرة وتحتها‬
‫وتقربها إليك‪ ،‬فسمعت صوتا كأنها تقول‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫الورقة‪،‬‬ ‫هذه‬ ‫تأخذ‬ ‫ثم‬ ‫ويابسة‪.‬‬ ‫ساقطة‬ ‫قة‬ ‫ور‬
‫َ‬
‫أكون مع أصحابي"‪ .‬فجأة‪ ،‬ت َتذكر شيئا‪ ،‬أنها كانت ورقة صغيرة‪.‬‬
‫لك بكل حزن‪" ،‬أريد أن ْ‬
‫ولم تعرف أصال حينها‪ ،‬هل ستعيش هذه الورقة ملدة طويلة‪ ،‬أم أنها ستموت عما قريب‪،‬‬
‫وتغادر شجرتها‪ .‬وبعد مرور اْليام‪ ،‬تنمو تلك الشجرة وكذا ورقتها ُ‬
‫وتكبر شيئا فشيئا‪ .‬لكن‬
‫كانت هناك ريح شديدة َت ُه ُّبها يوما بعد يوم‪ .‬وكأنها تصبح أشد من أيامها املاضية‪ .‬وكأنها‬
‫تحاول دائما سقوط هذه الورقة‪ .‬لكنها أبت وتدافع عن نفسها بكل قوة وشجاعة‪.‬‬
‫أي أخي الكريم‪ .‬هكذا الحياة‪ .‬تدخل وتبدأ فيها وأنت صغير‪ .‬ثم بدأت تتعلم وتتعلم رغما‬
‫ُ‬
‫عن املشكالت التي تأتيك كل يوم‪ .‬فلما ُكبرت في كل جوانب حياتك‪ ،‬بدأت تظهر نفسك‪.‬‬
‫وقد تنس ى أصال‪ ،‬من الذي يجعلك مثل ما كنت عليه اليوم‪ .‬فمثال‪ ،‬يقع أحد في مشكلة‪،‬‬
‫املطلوب منك أن تعنقه وتنصره‪ .‬فكن مثل ذلك الساق الذي يحافظ من حوله‪ .‬وال‬
‫تكن مثل تلك الريح التي تزيد مشكلة فوق أخرى‪.‬‬
‫عامل أخاك بأنه أخوك إن تعتبره أنه أخوك أصال‪ .‬فلو ال صاحب‬ ‫ْ‬ ‫أي أخي الكريم‪.‬‬
‫الشجرة الذي يسقيها ويربيها كل يوم‪ ،‬ملا ُ‬
‫تكبر وتنبت‪ ،‬وتكون تلك الشجرة ثابتة في اْلرض‬
‫تظل من تحتها‪.‬‬

‫الاعرتإف ابحلق فضيةل‬

‫‪112‬‬
‫انصح بفعلك قبل قولك‬
‫إعداد‪ :‬محمد إلياس‬ ‫‪17‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل الواحد القهار والصالة والسالم على سيد املختار وعلى آله وصحبه قاموا‬
‫الليالي وصاموا النهار أما بعد‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أب يشرب الدخان ليال ونهارا يشرب الدخان منذ أن يفتح عينيه من االستقاظ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫صباحا إلى أن يغمض عينيه للنوم ليال يشرب الدخان‬
‫ً‬
‫يقول البنه يا بني ال تشرب الدخان إنه لخطير جدا وإنه مقاتل لشاربه‬
‫هل يسمع قوله؟‬
‫هل سيطيعه ولده؟‬
‫ال‪..‬ال‪..‬لن يسمع قوله ولن يطيعه ولده‬
‫ملاذا‪ْ ...‬لن إذا كان هذا الدخان خطير جدا أو هو مقاتل لشاربه ملاشربه وملا اقترب منه‬
‫ً‬
‫وسيجتنبه اجتنابا ‪،‬لذلك اليسمع قوله واليطيعه ولده‬
‫رجل نحيف ضعيف يذهب إلى السوق يقول للمشتري هذا دواء القوة من يشربه ستزيد‬
‫طاقته عشرة أضعاف اشتري هذا الدواء اشتري‬
‫هل يصدقه املشتري؟‬
‫هل يشترى دواؤه؟‬
‫ال‪..‬ال‪ ..‬لن يصدقه املشتري ولن يشترى دواؤه‬
‫ملاذا‪ْ ...‬لن إذا كان هذا الدواء للقوة ملا نحف جسمه وملا ضعف بدنه‬
‫لذالك إذا أراد اْلب أن يسمع قوله أو يطيعه ولده فليترك شرب الدخان قبل أن ينهى‬
‫ولده من شرب الدخان‬
‫وكذلك البائع إذا أراد أن يصدقه املشتري أن هذا الدواء للقوة أو يشترى دواؤه فليسمن‬
‫جسده وليقوي بدنه‪....‬وقس على الباقي‬
‫حال رجل يف ألف رجل خري من قول ألف رجل يف رجل (عيل بن أيب طالب ‪-‬ريض هللا عنه‪)-‬‬

‫‪113‬‬
‫كلما عرف العبد ربه اطمأن وأحبه‬
‫إعداد‪ :‬محمد خيرون‬ ‫‪18‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل الذي ال ملجأ وال منجى منه إال إليه‪ .‬والصالة والسالم على حبيبنا محمد ﷺ‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪ .‬أما بعد‬
‫أيها اإلخوة أعزني هللا وإياكم‪...‬‬
‫قصة حدثت في إحدى مواقف الحافالت في مدينة سولو ‪-‬جاوا الوسطى‪ -‬رويت‬
‫أن رجلين معروفين بجريمتهما يقال عنهما مجرم الحافلة‪ .‬أحدهما كان صغير الجسم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫نحيفا قصيرا‪ ،‬واآلخر أكبر من اْلول جسما جسيم طويل‪.‬‬
‫ذات يوم حين حدث بينهما الكالم‪ ،‬إذ ضرب الصغير رأس الكبير فجأة مرة بعد‬
‫ً‬
‫أخرى ورفع صوته غاضبا على الرجل الكبير‪ .‬والعجيب أنه سكت عنه الكبير ولم يفعل‬
‫شيئا ولم ينتقم منه قط‪ .‬فتبين سر ذالك أن املجرم الصغير كان له أب وهو من كبار‬
‫املجرمين في تلك املنطقة ولم يتجرأ منه أحد‪.‬‬
‫أيها اإلخوة أعزني هللا وإياكم‪...‬‬
‫ً‬
‫هكذا كان املجرم الصغير بمجرد أن عرف جيدا أباه كان من أكبر املجرمين وتيقن‬
‫أنه يحفظه ويحميه‪ ،‬يتصرف كما يريد وال يخاف من ش يء‪ .‬فالقياس اْلولى منه أن يكون‬
‫للعبد رب قد اجتمعت له صفات الكمال ونعوت الجالل‪ ،‬منزه عن املثال‪ ،‬بريء من‬
‫النقائص والعيوب‪ ،‬له كل اسم حسن وكل وصف كمال‪ ،‬فعال ملا يريد‪ ،‬فوق كل ش يء‬
‫ً‬
‫قادر على كل ش يء أكبر من كل ش يء‪ .‬فإذا عرفت ربك جيدا اطمأننت وكلما عرف العبد‬
‫ربه أحبه‪.‬‬
‫والصالة والسالم على حبيبنا محمد‪.‬‬

‫إإذإ أردت أن تعرف قدرك عند هللا فانظر فامي يق ميك‬


‫(إبن عطاء هللا إلسكندري ‪-‬رمحه هللا‪)-‬‬

‫‪114‬‬
‫النصيحة‬
‫إعداد‪ :‬محمد سلطان‬ ‫‪19‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل امللك الجبار‪ ،‬الواحد القهار‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬رب‬
‫السماوات واْلرض وما بينهما العزيز الغفار‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله املصطفى‬
‫املختار‪ ،‬صلى هللا عليه وعلى آله وصحبه اْلطهار اْلخيار‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫يقول ﷺ في حديثه‪ :‬الدين النصيحة قلنا‪ :‬ملن يا رسول هللا؟ قال‪ :‬هلل ولكتابه‬
‫ولرسوله وْلئمة املسلمين وعامتهم‪.‬‬
‫أيها اإلخوان الكرام‪.‬‬
‫هذا الحديث يدل على أن النصيحة هي الدين‪ ،‬وهي اإلخالص في الش يء‪،‬‬
‫والصدق فيه‪ ،‬حتى يؤدى كما أوجب هللا‪ ،‬فالدين هو النصيحة في جميع ما أوجب هللا‪،‬‬
‫وفي ترك ما حرم هللا‪ ،‬وهذا عام يعم حق هللا‪ ،‬وحق الرسول‪ ،‬وحق القرآن‪ ،‬وحق اْلئمة‪،‬‬
‫وحق العامة‪.‬‬
‫أيها اإلخوان الكرام‪.‬‬
‫النصيحة كما تقدم هي اإلخالص في الش يء والعناية به‪ ،‬والحرص على أن يؤدى‬
‫ً‬
‫كامال ً‬
‫تاما ال غش فيه وال خيانة وال تقصير‪ ،‬يقال في لغة العرب‪ :‬ذهب ناصح‪ ،‬أي ليس‬
‫فيه غش‪ .‬ويقولون أيضا‪ :‬عمل ناصح‪ ،‬يعني ليس فيه غش‪ .‬وهكذا يجب أن يكون املؤمن‬
‫ً‬
‫ناصحا هلل ولكتابه ولرسوله وْلئمة املسلمين وعامتهم‪.‬‬ ‫في أعماله‬
‫أيها اإلخوان الكرام‪.‬‬
‫فالنصيحة هلل توحيده واإلخالص له وصرف العبادة له جل وعال من صالة‬
‫وصوم وحج وجهاد وغير ذلك‪ ،‬يعني أن يعمل في غاية من اإلخالص هلل‪ ،‬ال يعبد معه‬
‫سواه‪ ،‬بل يعبده وحده‪ ،‬ينصح في هذه العبادة ويكملها مع اإليمان به وبكل ما أمر به‪،‬‬

‫‪115‬‬
‫ً‬
‫وهكذا ينصح في أداء ما فرض هللا عليه‪ ،‬وترك ما حرم هللا عليه‪ ،‬يؤدي ذلك كامال‬
‫لعلمه بحق هللا‪ ،‬وأن هللا أوجبه عليه فهو يخلص في ذلك يعتني به‪.‬‬
‫أيها اإلخوان الكرام‪.‬‬
‫وهكذا في حق القرآن يتدبره ويتعقل به ويعمل بما فيه من أوامر وينتهي عن‬
‫ً‬
‫النواهي وهو كتاب هللا العظيم وحبله املتين‪ ،‬فالواجب العناية به والنصح في ذلك قوال‬
‫ً‬
‫وعمال‪ ،‬وذلك بحفظ اْلوامر وترك النواهي والوقوف عند الحدود التي بينها هللا في القرآن‬
‫شيئا من محارم هللا‬‫الكريم حتى ال تخل بش يء من أوامر هللا في القرآن‪ ،‬وحتى ال ترتكب ً‬

‫مع اإليمان بأنه كالم هللا منزل غير مخلوق‪.‬‬


‫أيها اإلخوان الكرام‪.‬‬
‫وهكذا النصح للرسول ﷺ يكون بطاعة أوامره‪ ،‬واجتناب نواهيه‪ ،‬واإليمان بأنه‬
‫سول هللا ً‬
‫حقا‪ ،‬وأنه خاتم اْلنبياء واملرسلين‪ ،‬مع الدفاع عن سنته‪ ،‬والذب عنهما‪ ،‬كل‬ ‫ر‬
‫هذا من النصح للرسول ﷺ‪ ،‬وهكذا العناية بأحاديثه ﷺ وبيان صحيحها من سقيمها‬
‫والذب عنها واالمتثال لها والوقوف عند الحدود التي حددها هللا ورسوله كما قال تعالى‪:‬‬
‫الله َف َال َت ْع َت ُد َ‬
‫وها﴾ (البقرة‪.)229 :‬‬
‫ْ َ ُ ُ ُ َّ‬
‫﴿ ِتلك حدود ِ‬
‫هذه النصيحة للرسول ﷺ‪ ،‬وما زاد على ذلك من الواجبات وترك املحرمات كان‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وتماما لها‪ .‬نسأل هللا أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون‬ ‫كماال للنصيحة‬
‫أحسنه‪.‬‬

‫تعمدين بنصحك يف إنفرإدي ‪ .....‬وجنبين إلنصيحة يف إمجلاعة‬


‫فاإن إلنصح بني إلناس نوع ‪ .....‬من إلتوبيخ ل أرىض إس امتعه‬
‫و إإن خالفتين وعصيت قويل ‪ .....‬فال جتزع إإذإ مل تعط طاعة‬
‫(إلإمام إلشافع )‬

‫‪116‬‬
‫كيف نكثر الثواب بعمر قصير‬
‫إعداد‪ :‬محمد فيصل‬ ‫‪20‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫ْ ُ ُْ َْ ُ َ َ َ َ َ‬ ‫ْ َ َ َ ْ ُ ُ ََ َ ُ ُ ََ َ ْ ُ ََ ُ‬
‫ات أ ْع َم ِال َنا‬
‫ِإن الح ْمد ِهللِ نح َمده ون ْست ِع ْينه ون ْستغ ِف ُره ون ُع ْوذ ِباهللِ ِمن شرو ِر أنف ِسنا وسيئ ِ‬
‫ُ َ ْ َ‬ ‫َ َ ْ َ َ‬ ‫َُ ََ ْ ُ ْ َ َ‬ ‫ُ َ َ‬
‫هللا َوأش َه ُد أن‬ ‫ض ِل ْل فال َه ِاد َي ل ُه أش َه ُد أ ْن ال ِإ َله ِإال‬ ‫هللا فال ُم ِضل له ومن ي‬ ‫َم ْن َي ْه ِد ِه‬
‫ُ‬
‫ُم َحم ًدا َع ْب ُد ُه َو َر ُس ْول ُه أما بعد‪:‬‬
‫إن أكبر مشكلة تواجه كل مسلم أن حياته محدودة‪ ،‬وبالخاص أمة النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪ ،‬فإن أعمارهم أقصر باعتبار أمم السابقات‪ .‬لحديث أبي هريرة أن النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم قال‪" :‬أعمار أمتي ما بين ستين إلى سبعين‪ ،‬وأقلهم ما يجوز ذلك"‪.‬‬
‫فجاء السؤال‪ :‬كيف طريقة إكثار اْلعمال كي نجد الثواب كالثواب الذي يعمر مئات‬
‫سنة بل آالف سنة؟ فالجواب فيما يلي‪:‬‬
‫‪.1‬قيام ليلة القدر وهي إحدى ليالي الوتر من العشر اْلخير من رمضان‪ ،‬عبادة‬
‫فيها أفضل عند هللا من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر‪ ،‬وذلك لقوله تبارك وتعالى‬
‫((ليلة القدر خير من ألف شهر)) أي ثواب قيامها أفضل من ثواب العبادة ملدة ثالث‬
‫وثمانين سنة وثالث أشهر تقريبا‪.‬‬
‫‪.2‬الصالة في الحرمين الشريفين‪ ،‬لنعرف أن ركعة في الحرم املكي يساوي بمئة‬
‫ألف ركعة فيما سواه‪ ،‬ملا رواه جابر بن عبد هللا أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪:‬‬
‫"صالة في مسجدي هذا أفضل من ألف صالة فيما سواه إال املسجد الحرام‪ ،‬وصالة في‬
‫املسجد الحرم أفضل من مئة ألف صالة فيما سواه"‪.‬‬
‫‪.3‬املحافظة على صيام شوال بعد رمضان‪ ،‬وذلك ملا رواه أبو أيوب اْلنصاري أن‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪" :‬من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام‬
‫الدهر"‪.‬‬
‫‪.4‬تكرار سورة اإلخالص‪ ،‬ال شك أن لختم القران يحتاج إلى أكثر من يوم‪ ،‬أتعلم‬
‫أنك بوقت قصير يمكنك أن تحصل ثواب ختم القران الكريم بتكرار سورة اإلخالص‬

‫‪117‬‬
‫ثالث مرات فقط‪ .‬عن ابن عمر قال‪ :‬قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪" :‬قل هو هللا أحد‬
‫تعدل ثلث القرآن وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القران"‪.‬‬
‫‪.5‬االستغفار للمؤمنين وللمؤمنات‪ ،‬عن عبادة بن الصامت قال سمعت النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم يقول‪" :‬من استغفر للمؤمنين وللمؤمنات كتب هللا له بكل مؤمن‬
‫ومؤمنة حسنة"‪.‬‬
‫‪.6‬تفطير الصائمين‪ ،‬ما رأيك أن تكسب ثواب صيام عدة أيام في أقل من الساعة‬
‫وذلك بتفطير الصائمين‪ .‬ملا رواه زيد بن خالد الجنهي أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪:‬‬
‫"من فطر صائما كان له مثل أجره‪ ،‬غير أنه لم ينقص من أجر الصائم شيئا"‪.‬‬
‫ً‬
‫أخيرا هيا بنا نكثر هذه اْلعمال كي نجد الثواب كالثواب الذي يعمر مئات سنة‬
‫بل آالف سنة اللهم ارزقنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطال وارزقنا اجتنابه‪،‬‬
‫سبحانك ربك رب العزة عما يصفون وسالم على املرسلين والحمد هلل رب العاملين‪.‬‬

‫ورب معل كبري حتقره إلنيّة‬


‫رب معل صغري تعظمه إلنيّة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫(عبد هللا بن إملبارك ‪-‬رمحه هللا)‬

‫‪118‬‬
‫أسعد الناس‬
‫إعداد‪ :‬محمد يوسف باني‬ ‫‪21‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل رب العاملين والصالة والسالم على أشرف اْلنبياء واملرسلين وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين أمابعد‪ ،‬قال هللا تعالى ‪﴿:‬وذكر فإن الذكر تنفع املؤمنين﴾‪ ،‬وقال عليه الصالة‬
‫والسالم ((الدين النصيحة))‪.‬‬
‫أيها اإلخوة اْلفاضل‪.‬‬
‫نصيحة مني لكم عالمة حبي‪ ،‬فأقول لكم انطالقا لحديث النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم إذ قال ((إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره)) أو كما قال‪.‬‬
‫أخي في هلل‪.‬‬
‫َ‬
‫الناس"‪.‬‬ ‫الناس؟"‪ .‬قال‪" :‬من أسعد‬ ‫سئل أحد اْلئمة‪" :‬يا إمام‪ ،‬من أسعد‬
‫ِ‬
‫أيها اإلخوة‪.‬‬
‫إن من أعظم سعادة املرء أن يعلق سعادته بسعادة غيره‪ .‬أن يحزن بحزنه وأن‬
‫يبكي ببكائه‪ ،‬وأن يفرح بفرحه وليس عكسه‪ْ ،‬لن السعادة الحقيقية أن تجعل غيرك‬
‫يذوق بذوق سعادتك‪ ،‬قال ابن قيم الجوزي‪" :‬إن في سعادة الناس لذة ال تعرفها إال من‬
‫جربها"‪.‬‬
‫فلذا أخي الحبيب ما دمت على قيد الحياة‪ ،‬اجعل ساعات حياتك من أجل قضاء حوائج‬
‫غيرك ولو كان بش يء حقير في نظرة الناس‪ ،‬لكنه أعظم في نظرة خالق الناس ال يهمك‬
‫أقوال الناس عنك‪.‬‬
‫سر أنت على ما يرض ي هللا فقط‪ْ .‬لن كالم الناس لن ينتهي وإنه غاية التدرك‬
‫وهللا غاية ال تترك‪ .‬وتحسبوه هينا وهو عند هللا عظيم‪.‬‬
‫وهذ نسأل هللا رب العرش العظيم أن يستعملنا وال يستبدل بنا‪ .‬وآخر دعوانا‬
‫أن الحمد هلل رب العاملين‪.‬‬
‫لناس‬ ‫أسعدم إ ِ‬
‫لناس من أسع َد إ َ‬

‫‪119‬‬
‫تفاءل بمستقبلك‬
‫إعداد‪ :‬مزمل الدين‬ ‫‪22‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل رب العاملين والصالة والسالم على أشرف اْلنبياء واملرسلين وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين أما بعد‪:‬‬
‫أيها الناس‪ ،‬جاء عن أنس بن مالك رض ي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫َ‬
‫أنه قال‪(( :‬إن قامت الساعة وفي يد أحدكم ف ِسيلة فإن استطاع أال تقوم حتى يغرسها‪،‬‬
‫فليغرسها))‪.‬‬
‫ما أحسن هذا التفاؤل في هذا النص النبوي الشريف! إنه نور سطع من مشكاة‬
‫َُ‬
‫النبوة ليض يء للناس طريق الفجر في حالك الظلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫الناس إلى استغالل فرصة الحياة ولو في آخر لحظاتها‬ ‫أشرق بضيائه مرشدا‬
‫ُ‬
‫لتستثمر فيما ينفع اْلحياء‪ ،‬وإن لم يدرك الغارس ثمرة غرسه‪.‬‬
‫عباد هللا‪ ،‬إن هذا النص الكريم‪ ،‬والبيان النبوي العظيم أشرق على الحياة‬
‫ليقول ْلهلها‪ :‬إن اإلسالم دين إعمار وبناء‪ ،‬وعمل ونماء‪ ،‬ال يؤمن بالقعود والكسل‬
‫والفتور واالنتظار‪ ،‬إنه دين يضخ دماء اْلمل في شرايين اإلنسان املشرف على نهاية‬
‫الحياة‪ ،‬فكيف بمن الزال في عنفوان الحياة‪ ،‬وناصية العيش‪ ،‬وهو كذلك دين يبث‬
‫التفاؤل في وجه اإلنسان رغم ما يعترض طريقه من أعاصير اآلالم الهوجاء‪ ،‬وأصوات‬
‫َّ‬
‫اليأس والقنوط التي تصك سمعه في دربه تناديه‪ْ :‬أن توقف!‬
‫هنا يحق لنا أن نفخر بديننا كل الفخر‪ ،‬ونسعى أن نكون ممتثلين له في واقع‬
‫الحياة مهما تدثرت الدنيا بأسمال الكربات واملصائب‪ ،‬ونربأ بنفوسنا أن يكون مفارقو‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫أحسن حاال منا في التفاؤل واْلمل‪.‬‬ ‫ديننا‬
‫وغرس نخل في آخر عمره‪ ،‬فقيل له‬
‫ِ‬ ‫قال املناوي‪ " :‬أخذ معاوية في إحياء أرض‪،‬‬
‫فيه! ‪-‬يعني‪ :‬عابوا عليه ذلك وهو في تلك السن‪ -‬فقال‪ :‬ما غرسته ً‬
‫طمعا في إدراكه‪ ،‬بل‬
‫حملني عليه قول اْلسدي‪:‬‬

‫‪120‬‬
‫ليس الفتى بفتى ال ُيستضاء به‬
‫وال يكون له في اْلرض ُ‬
‫آثار‬
‫َ‬
‫فسائل العزم في داخلك‪ ،‬وروح املثابرة في حياتك‪ ،‬وتحرك‬ ‫ْ‬
‫اغرس‬ ‫أيها املسلم‪،‬‬
‫لفعل ما يفيد‪ ،‬وانتصر على غموم الواقع ومشكالته‪ ،‬وامأل الفراغ حتى ال يشغلك الفراغ‬
‫َ َ‬ ‫بالهم والغم‪ ،‬فقد قال هللا تعالى‪َ ﴿ :‬فإ َذا َف َر ْغ َت َف ْان َ‬
‫ص ْب ﴾ [الشرح‪ .]7 :‬وفي قوله‪﴿ :‬ف ِإذا‬ ‫ِ‬
‫ص ْب﴾ [الشرح‪ .]7 :‬حل ملشكلة الفراغ التي شغلت العالم حيث لم تترك‬ ‫َف َر ْغ َت َف ْان َ‬
‫ً‬
‫للمسلم فراغا في وقته؛ ْلنه إما في عمل للدنيا وإما في عمل لآلخرة"‪.‬‬
‫أيها اْلحباب الفضالء‪ ،‬إن من العقل أال نسمح لجحافل اليأس أن تقتحم‬
‫نفوسنا فتفسدها علينا‪ ،‬حتى تدمر حاضرنا ومستقبلنا‪ ،‬فالعاقل ال ييأس مع الحياة‬
‫وطيب ما خلق هللا تعالى عليها‪.‬‬
‫مهما حاولت الحياة أن تقنطه من حسن ما فيها‪ِ ،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ينبغي أن نكون أكثر أمال وتفاؤال من الكافرين الذين قد نرى من بعضهم ِجدا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫واجتهادا وتفاؤال وأمال وهم في أحلك الظروف وأبأس اْلحوال ‪.‬ألسنا أولى بذلك منهم؛ إذ‬
‫ُ‬
‫ديننا يأمرنا بذلك‪.‬‬
‫أفال يدري اليائس البائس أن آثار يأسه وعجزه وبؤسه أشد عليه من صبره على‬
‫مجاهدة نفسه على التفاؤل واْلمل؟ فإن قدر هللا ٍ‬
‫جار في الحياة على العباد‪ ،‬ولن يغيره‬
‫اليأس‪ ،‬ولن يعيق حركته العجز والفتور واالنقباض وكثرة الهم والقلق‪ .‬بل إن هذه‬
‫ُ‬
‫وتصدع الرأس‬ ‫ِ‬ ‫وتكدر القلب‪،‬‬ ‫الخصال تضاعف املصيبة وترهق النفس‪ ،‬وتذبل البدن‪ِ ،‬‬
‫ُْ‬
‫املجدون؟ ﴿ ِم َن امل ْؤ ِم ِن َين‬ ‫ُّ‬ ‫من غير فائدة‪ .‬أرأيتم كيف يصنع الرجال املتفائلون العاملون‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َ ٌ َ ُ‬
‫ص َدقوا َما َع َاه ُدوا الل َه َعل ْي ِه ف ِم ْن ُه ْم َم ْن ق َض ى ن ْح َب ُه َو ِم ْن ُه ْم َم ْن َين َت ِظ ُر َو َما َب َّدلوا‬ ‫ِرجال‬
‫َ ً‬
‫ت ْب ِديال﴾ (اْلحزاب‪.)23 :‬‬
‫أيها املسلم‪ْ ،‬‬
‫اعمل من العمل النافع ما استطعت‪ ،‬وال تقعد وال تجعل اليأس‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يتسلل إلى نفسك‪ .‬وفوت على أعداء الحق رؤيتك ذابال غير عامل‪ ،‬ممسكا عن نفع‬
‫املجتمع غير باذل‪ .‬فإن صانعي أزمات املسلمين من أغراضهم في هذا الكيد‪ :‬أن يوقفوا‬
‫املسلمين عن اإلنتاج النافع لدينهم ودنياهم حتى ال ُيرى مكانهم في سلم النهضة والبناء‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ومن أكثر ما يغيظهم ويؤجج حنقهم أن يروا املسلم نشيطا متفائال لم تقيده اْلزمات‪،‬‬
‫ولم توقفه العقبات‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫يجتمع الكفار ويسيرون إلى املدينة النبوية كالبحر الهائج‪ ،‬ويحيطون بها من كل‬
‫جانب‪ ،‬وتشتد برسول هللا وأصحابه الألواء‪ ،‬وتضيق عليهم اْلحوال‪ ،‬ولكن مع كل ذلك‬
‫انظر ماذا حدث‪ :‬قال البراء‪ :‬ملا كان يوم الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة ال‬
‫تأخذ منها املعاول‪ ،‬فاشتكينا ذلك لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فجاء وأخذ املعول‬
‫فقال‪( :‬بسم هللا)‪ ،‬ثم ضرب ضربة‪ ،‬وقال‪( :‬هللا أكبر‪ ،‬أعطيت مفاتيح الشام‪ ،‬وهللا إني‬
‫ْلنظر قصورها الحمر الساعة)‪ ،‬ثم ضرب الثانية فقطع آخر‪ ،‬فقال‪( :‬هللا أكبر‪ ،‬أعطيت‬
‫فارس‪ ،‬وهللا إني ْلبصر قصر املدائن اْلبيض اآلن)‪ ،‬ثم ضرب الثالثة‪ ،‬فقال‪( :‬بسم هللا‬
‫)‪ ،‬فقطع بقية الحجر‪ ،‬فقال‪( :‬هللا أكبر‪ ،‬أعطيت مفاتيح اليمن‪ ،‬وهللا إني ْلبصر أبواب‬
‫صنعاء من مكاني)‪.‬‬
‫فتأملوا في هذه الكلمات املتفائلة ْ‬
‫وهم‪ -‬رض ي هللا عنهم‪ -‬في ذلك الظرف الحرج‪،‬‬
‫وذهاب الضيق والضعف عن املسلمين‪،‬‬
‫ِ‬ ‫إنها كلمات استشرافية لفتح البلدان باإلسالم‬
‫وسائر بالد العرب‬
‫ِ‬ ‫إنه في ذلك املوقف العصيب لم يفكر بفتح الجزيرة وما حول املدينة‬
‫فحسب‪ ،‬بل بفتح الدنيا وهزيمة أباطرة اْلرض في ذلك الزمان‪.‬‬

‫ل يشء يثبت أنك ل يشء‬


‫(أبو أمين إلقمري ‪-‬حفظه هللا)‬

‫‪122‬‬
‫عمرك حياتك‬
‫إعداد ‪ :‬واحد عبد الرحمن‬ ‫‪23‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫‪1‬‬
‫الحمد هلل الذي جعل الليل والنهار خلفة ملن أراد أن يذكر أو أراد شكورا‪ .‬والصالة‬
‫والسالم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا‪ .‬أما بعد‪.‬‬
‫فقال هللا تعالى ‪ ﴿ :‬والعصر‪ .‬إن اإلنسان لفي خسر﴾‬
‫وقال النبي صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة‬
‫والفراغ))‪.‬‬
‫إن الوقت هو عمر اإلنسان وحياته‪ ،‬وأوقاتنا هي رأس مالنا في هذه الدنيا‪ ،‬ومن‬
‫فرط في وقته وعمره فقد فرط في خير كبير‪ .‬فأيام هللا تتسارع‪ ،‬واْلزمنة تتالحق‪ ،‬وكل‬
‫ش يء من حولك يذكرك بقيمة الوقت والزمن الذي نعيشه‪.‬‬
‫أيها اإلخوة…‪ .‬هيا بنا اآلن ننظر إلى أحوال سلف اْلمة‪ ،‬كيف كانوا يقدرون قيمة‬
‫الوقت والزمن‪ .‬هذا ابن جرير الطبري مكث أربعين سنة يكتب في يوم منها أربعين ورقة‪.‬‬
‫وانظر إلى اإلمام مجد الدين ابن تيمية طلب من خادمه أن يقرأ عليه كتابا وهو في داخل‬
‫الخالء حريصا على وقته‪ .‬وهذا الخليل ابن أحمد الفراهيدي إذ قال‪ " :‬أثقل الساعات‬
‫علي ساعة آكل فيها"‪ .‬وذاك الشيخ الذي يقرأ وهو يمش ي حتى إن قد ارتطم بجدار فمات‬
‫أو سقط في حفرة وهو ال يشعر‪ .‬وذاك العابد الذي يمض ي أوقاته في االستغفار ةالتسبيح‬
‫والذكر وقراءة القرآن‪.‬‬
‫وهللا إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن‪ .‬كثير من‬
‫وإذا نظرنا إلى أحوالنا اليوم‪ِ ،‬‬
‫شبابنا أعمارهم عبث ولهو ولغو‪ ،‬ال يطلبون إال قتل الوقت‪ ،‬كأن الوقت عدو من‬
‫أعدائهم‪ .‬يقولون إننا مشغولون‪ ،‬وواجباتنا أكثر من أوقاتنا‪ ،‬مشغولون كما قال اْلوائل‪:‬‬
‫{شغلتنا أموالنا وأهلونا} مشغولون باللهو واللعب عن مراجعة الدروس‪ ،‬مشغولون‬
‫بالكالم عن الزواج وعما اليعنيهم عن قراءة القرآن‪ ،‬مشغولون فهم مشغولون دائما‬
‫{فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين}‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫وعجبا… تضيع منك حبة فتبكي‪ ،‬وقد ضاع منك عمرك وأنت تضحك‼‼‬
‫أمة اإلسالم‪ .‬يقول أحد العلماء‪ " :‬الفوت –وهو ضياع الوقت‪ -‬أشد من املوت؛‬
‫ْلن الفوت انقطاع عن الحق واملوت انقطاع عن الخلق‪ .‬فاملوت يقطعك عن الدنيا‬
‫وأهلها وأما الفوت فإنه يقطعك عن هللا وعن الدار اآلخرة"‪.‬‬
‫وأخيرا أيها املسلمون‪ .‬إن هللا عز وجل ذكر منته علينا بالوقت والعمر‪ ،‬ولكن أين‬
‫من يتذكر العمر والوقت وهذه املنة‪ ،‬فقال‪{ :‬أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر‬
‫وجاءكم النذير فذوقوا فما للظاملين من نصير}‪.‬‬
‫نسأل هللا عز وجل أن يبارك في أوقاتنا وأعمارنا‪ .‬اللهم إنا نسألك فعل الخيرات‬
‫وترك املنكرات وحب املساكين‪ .‬وصلى هللا على نبينا محمد وعلى آله وصجبه وسلم‪.‬‬

‫ما ندمت عىل يشء نديم عىل يوم غربت مششه نقص فيه أجيل ومل يزد فيه معيل‬
‫(إبن مسعود ‪-‬ريض هللا عنه‪)-‬‬

‫‪124‬‬
‫الرفق‪ ...‬الرفق‪...‬‬
‫إعداد ‪ :‬يانتو‬ ‫‪24‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل الذي جعل اإلسالم دين الرحمة‪ ،‬والصالة والسالم على من دعا إلى اإلسالم‬
‫بالحكمة وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم القيامة‪ .‬أما بعد‪:‬‬
‫فيا مصلح اْلمة‪ ،‬إن من طبيعة قلوب الناس أنها ال تقبل العنف والشدة‪ ،‬لذلك‬
‫جاء اإلسالم بحث على الرفق والرحمة‪ ،‬بل أرسل املصطفى ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬رحمة‬
‫لألمة‪ ،‬قال هللا عز وجل‪﴿ :‬فبما رحمة من هللا لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب‬
‫النفضوا من حولك﴾‪.‬‬
‫يا مصلح اْلمة‪ ،‬فما أجمل كالم النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬إذ قال‪(( :‬إن الرفق‬
‫ال يكون في ش يء إال زانه وال ينزع من ش يء إال شانه))‪.‬‬
‫نعم فكم من عداوة أولها العنف والشدة‪ ،‬وكم من مشاكل حلت بالرفق والرحمة‪.‬‬
‫فها هو حبيبنا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬أحسن قدوة في تربية الصحابة على الرفق‬
‫والرحمة‪ .‬جاء أعربي يوما فبال في طائفة املسجد فزجره الناس فماذا فعل النبي ‪-‬صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪-‬؟ فهل زجر مثل ما فعلوا؟ كال ثم كال‪ ،‬بل نهاهم عن الزجر‪.‬‬
‫فلما قض ى من بوله أمر ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬بذنوب من ماء فأهرق عليه‪ ،‬وقال‬
‫لألعرابي‪(( :‬إن هذه املساجد ال تصلح لش يء من هذا البول والقذر وإنما هي لذكر هللا‬
‫وقراءة القرآن))‪ .‬وانتهت املشكلة‪.‬‬
‫فيا أيها الداعية‪ ،‬كن داعيا إلى هذه اْلمة بالحكمة واملوعظة الحسنة‪ ،‬وأطفئ‬
‫بين الناس البغضاء العداوة‪.‬‬
‫وأخيرا‪ ،‬نسأل هللا عز وجل أن يجعلنا ممن يدعو إلى دينه بالحكمة والرحمة‪ .‬والصالة‬
‫والسالم على حبيبنا محمد ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪.-‬‬
‫قال ﷺ ((إإن إلرفق ل يكون يف يشء إإل زإنه ول يزنع من يشء إإل شانه))‬

‫‪125‬‬

You might also like