Professional Documents
Culture Documents
الرئيسية /الشعر العربي /تحليل و شرح قصيدة النهر المتجمد لميخائيل نعيمة
بحث
أحبتنا زوار موقع أنا البحر .يسعدنا أن نصطحبكم اليوم مع جولة باردة مع األديب الكبير
ميخائيل نعيمة .
تخيل يا صديقي أنك اعتدت أن تقف يوميا أمام نهر جميل ،يجري ماؤه مترقرقا ،فراقك هذا
المنظر ،وأسرك هدوءه الساكن ،لكن فجأة أصبح هذا النهر متجمدا بفعل البرد الشديد في فصل
الشتاء ،فبماذا سيوحي إليك ذلك ؟
شخصيا سأحضر أدوات التزلج وأعيث في النهر تزحلقا…هههه…لحظة لحظة …األمر أعمق من
ذلك بكثير عند أديبنا ميخائيل نعيمة ،فلقد وقف على نفس المنظر ،فما هي الخواطر التي
أوحاها إليه النهر المتجمد ؟
محتويات
ما أجملها من خواطر المست القلوب ،حيث وقف شاعرنا على النهر وناجاه كإنسان به روح ،
ويسمع ويعي ما يقول ،فكان الخطاب مؤثرا ألنه يحمل عالقة صفاء وحب بين النهر والشاعر
ميخائيل نعيمة .
يقف الشاعر في بداية قصيدته أمام النهر المتجمد وكأنه جثة هامدة ،وقد أخذ الحزن من قلب
الشاعر مأخذه ،فرثاه بعبارات مؤثرة لمسناها جليا في كلماته .
يقف مندهشا وهو يرى النهر الذي كان في األمس القريب يتمتع بالنشاط والحركة ،واآلن أضحى
كعجوز هرم أخذت منه األيام والسنين .
لكن الحقيقة أن تجمد النهر هو توقف عن الحياة وبالتالي موت ونهاية .
يتذكر الشاعر أيام كان يعتريه الحزن والشقاء فال يجد التسلية واألنس إال من صديقه النهر
الرقراق ،هذا النهر الذي كان يفرح لفرح الشاعر ويبكي لحزنه ،لكن الموت غّي به ،فترك صاحبه
يبكي وحدته ،ويشكو وحشته .
تأثير النهر المتجمد – أو باألحر النهر الميت – كان وضحا على الطبيعة ككل ،وكأن الحزن خيم
على الجميع ،فال طائر يغرد ،وال أوراق شجر تزهو بخضرتها ،بل أتى سرب من طيور الغربان
السوداء تشيع النهر المتجمد إلى مثواه األخير .
تنفرج العقد واألحزان ،وتنكسر الهموم واآلالم ،فموتة النهر المتجمد لم تكن سوى انبعاثا ليس
كأي انبعاث !
كطائر العنقاء الذي يموت ثم ينبعث من رماده ،كذلك النهر انبعث في فصل الربيع بنفس متجدد ،
وحياة مليئة بحب البقاء ،وتمتع بالبهجة والهناء كما هو الحال لنهر سبو في فصل الربيع .
وبدورها تبتهج الطبيعة بعودة الحياة للنهر المتجمد ،فتنشر نسيمها العليل فوق أغصان األشجار
اليانعة ،وتهدي الشمس الدافئة حلة من األزهار تكسو جوانب النهر البّس ام ،فتشكل لوحة ربيعية
جميلة ،وتختمها في الليل انعكاس نجوم السماء على صفحة مياهه الشفافة .
أما مشهد الغربان المشيعة لجثمان النهر المتجمد ،فيتحول في فصل الربيع إلى مشهد طائر
الحسون وهو يحلق مغردا بالحياة واألمل ،فتعود لألغصان حيويتها ،وتكتسي األرض خضرة
،فيغدو النهر شابا مفعما بالنشاط والحيوية .
لطالما كان الشاعر واألديب ميخائيل نعيمة يحمل في كتاباته وخواطره رسائل وغايات هادفة ،
وخير مثال قصيدة النهر المتجمد التي تناولناها في موضوعنا ،فهي في مظهرها تحمل صورة
طبيعية خالصة ( النهر المتجمد شتاء ) و ( عودة الحياة للنهر المتجمد في فصل الربيع ) .
لكنها تحمل في العمق فكرة أخالقية واضحة ،وتتعلق بثنائية اليأس واألمل ،فلطالما كانت حياة
اإلنسان تحكمها فصول متعاقبة بين يأس وجمود حينا ،وأمل وانفراج أحايين أخرى ،والعبرة
بمن يصبر وينتظر الفرج ،وال يستسلم لقيود الظلمة والهموم ،فيكون كالنهر المتجمد الذي ينتظر
حتما فصل الربيع ليعيد الحياة إليه .
وما دام لهذا الكون رب يسيره ،تعالى وتبارك في إبداعه وعظمته ،فستظل قلوبنا تحيى برحمته ،
وتنبعث نشيطة مبتهجة بعد كل يأس وآالم .
شاركها
Facebook
Twitter
Pinterest
اقرأ أيضا
صفحات