You are on page 1of 14

‫المتنبي‬

‫أبو الطيب أمحد املتنيب‪ ،‬شاعر حكيم‪ ،‬وأحد مفاخر األدب العريب‪ ،‬له األمثال السائرة‬

‫واحلكم البالغة املعاين املبتكرة‪ 4.‬يف شعره اعتزاز بالعروبة‪ ،‬وتشاؤم وافتخار بنفسه‪ .‬و تدور‬

‫معظم قصائده حول مدح امللوك‪ .‬ترك تراثاً عظيماً من الشعر‪ ،‬يضم ‪ 326‬قصيدة‪ ،‬متثل‬

‫عنواناً لسرية حياته‪ ،‬صور فيها احلياة يف القرن الرابع اهلجري أوضح تصوير‪ .‬قال الشعر‬

‫صبياً‪ .‬فنظم أول اشعاره و عمره ‪ 9‬سنوات ‪ .‬اشتهر حبدة الذكاء واجتهاده وظهرت‬

‫موهبته الشعرية باكراً‪.‬‬

‫وأبو الطيب كنيته اما لقبه فهو املتنيب وامسه أمحد بن احلسني بن احلسن بن عبد الصمد‬

‫اجلعفي الكويف الكندي ولد سنة ‪ 303‬هـ املوافق ‪ 915‬م بـ الكوفة يف حملة تسمي كندة‬

‫(وهم ملوك مينيون) اليت انتسب إليها وقضى طفولته فيها (‪ 308-304‬هـ املوافق ‪-916‬‬

‫‪920‬م)‪ .‬قتله فاتك بن أيب جهل األسدي غريب بغداد سنة ‪ 354‬هـ املوافق ‪ 965‬م‪.‬‬

‫نشأته و تعليمه‬

‫نشأ بـ الشام مث تنقل يف البادية السورية يطلب األدب وعلم العربية‪ .‬مث عاد إىل الكوفة‬

‫حيث أخذ يدرس بعناية‪ 4‬الشعر العريب‪ ،‬وخباصة شعر أيب نواس وابن الرومي ومسلم بن‬

‫الوليد وابن املعتز‪ .‬وعين على األخص بدراسة شعر أيب متام وتلميذه البحرتي‪ .‬انتقل إىل‬

‫الكوفة والتحق بكتاب (‪ 316-309‬هـ املوافق ‪928-921‬م) يتعلم فيه أوالد أشراف‬
‫الكوفة دروس العلوية شعراً ولغة وإعراباً‪ .‬مل يستقر أبو الطيب يف الكوفة‪ ،‬فقد اجته إىل‬

‫الشام ليعمق جتربته يف احلياة وليصبغ ِشعره بلوهنا‪ ،‬أدرك مبا يتملك من طاقات وقابليات‬

‫ذهنية أن مواجهة احلياة تزيد من جتاربه ومعارفه‪ ،‬فرحل إىل بغداد برفقة والده‪ ،‬وهو يف‬

‫الرابعة عشرة من عمره‪ ،‬قبل أن يتصلب عوده‪ ،‬وفيها تعرف على الوسط األديب‪ ،‬وحضر‬

‫بعض حلقات اللغة واألدب‪ ،‬مث احرتف الشعر ومدح رجال الدولة ‪ .‬ورحل بعدها برفقة‬

‫والده إىل بادية الشام يلتقي القبائل واألمراء هناك‪ ،‬يتصل هبم و ميدحهم‪ ،‬فتقاذفته دمشق‬

‫وطرابلس والالذقية ومحص وحلب ‪ .‬دخل البادية فخالط األعراب‪ ،‬وتنقل فيها يطلب‬

‫األدب واللغة العربية وأيام الناس‪ ،‬ويف بادية الشام والبالد السورية التقي‪ 4‬احلكام واألمراء‬

‫والوزراء والوجهاء ‪ ،‬اتصل هبم ومدحهم‪ ،‬وتنقل بني مدن الشام ميدح األمراء والوزراء‬

‫وشيوخ القبائل واألدباء ‪.‬‬

‫المتنبي و سيف الدولة الحمداني‬

‫ظل باحثاً عن أرضه وفارسه غري مستقر عند أمري وال يف مدينة حىت حط رحاله يف‬

‫إنطاكية حيث أبو العشائر ابن عم سيف الدولة سنة ‪ 336‬هـ‪ ،‬واتصل بسيف الدولة بن‬

‫محدان‪ ،‬امري وصاحب حلب ‪ ،‬سنة ‪ 337‬هـ وكانا يف سن متقاربه‪ ،‬فوفد عليه املتنيب‬

‫وعرض عليه أن ميدحه بشعره على أال يقف بني يديه لينشد قصيدته كما كان يفعل‬

‫الشعراء فأجاز له سيف الدولة أن يفعل هذا واصبح املتنيب من شعراء بالط سيف الدولة‬

‫يف حلب‪ ،‬وأجازه سيف الدولة على قصائده باجلوائز الكثرية‪ 4‬وقربه إليه فكان من أخلص‬
‫خلصائه وكان بينهما مودة واحرتام‪ ،‬وخاض معه املعارك‪ 4‬ضد الروم‪ ،‬وتعد سيفياته أصفى‬

‫شعره‪ .‬غري أن املتنيب حافظ على عادته يف إفراد اجلزء األكرب من قصيدته لنفسه وتقدميه‬

‫إياها على ممدوحة‪ ،‬فكان أن حدثت بينه وبني سيف الدولة جفوة وسعها كارهوه وكانوا‪4‬‬

‫كثراً يف بالط سيف الدولة ‪.‬‬

‫ازداد أبو الطيب اندفاعاً وكربياء واستطاع يف حضرة سيف الدولة أن يلتقط أنفاسه‪ ،‬وظن‬

‫أنه وصل إىل شاطئه األخضر‪ ،‬وعاش مكرماً مميزاً عن غريه من الشعراء يف حلب ‪ .‬وهو ال‬

‫يرى إال أنه نال بعض حقه‪ ،‬ومن حوله يظن أنه حصل على أكثر من حقه‪ .‬وظل حيس‬

‫بالظمأ إىل احلياة‪ ،‬إىل اجملد الذي ال يستطيع هو نفسه أن يتصور أبو الطيب املتنبيحدوده‪،‬‬

‫إىل أنه مطمئن إىل إمارة حلب العربية الذي يعيش يف ظلها وإىل أمري عريب يشاركه‬

‫طموحه وإحساسه‪ .‬وسيف الدولة حيس بطموحه العظيم‪ ،‬وقد ألف هذا الطموح وهذا‬

‫الكربياء منذ أن طلب منه أن يلقي شعره قاعداً وكان الشعراء يلقون أشعارهم واقفني بني‬

‫يدي األمري‪ ،‬واحتمل أيضاً هذا التمجيد لنفسه ووضعها أحياناً بصف املمدوح إن مل‬

‫يرفعها عليه‪ .‬ولرمبا احتمل على مضض تصرفاته العفوية‪ ،‬إذ مل يكن حيس مداراة جمالس‬

‫امللوك واألمراء‪ ،‬فكانت‪ 4‬طبيعته على سجيتها يف كثري من األحيان‪.‬‬

‫خيبة األمل وجرح الكبرياء‬


‫أحس الشاعر بأن صديقه بدأ يتغري عليه‪ ،‬وكانت اهلمسات تنقل إليه عن سيف الدولة بأنه‬

‫غري راض‪ ،‬وعنه إىل سيف الدولة بأشياء ال ترضي األمري‪ .‬وبدأت املسافة تتسع بني الشاعر‬

‫واألمري‪ ،‬ولرمبا كان هذا االتساع مصطنعاً إال أنه اختذ صورة يف ذهن كل منهما‪ .‬وظهرت‬

‫منه مواقف حادة مع حاشية األمري‪ ،‬وأخذت الشكوى تصل إىل سيف الدولة منه حىت بدأ‬

‫يشعر بأن فردوسه الذي الح له بريقه عند سيف الدولة مل حيقق السعادة اليت نشدها‪.‬‬

‫وأصابته خيبة األمل العتداء ابن خالويه عليه حبضور سيف الدولة حيث رمى دواة احلرب‬

‫على املتنيب يف بالط سيف الدولة ‪ ،‬فلم ينتصف له سيف الدولة ‪ ،‬ومل يثأر له األمري‪،‬‬

‫وأحس جبرح لكرامته‪ ،‬مل يستطع أن حيتمل‪ ،‬فعزم على مغادرته‪ ،‬ومل يستطع أن جيرح‬

‫كربياءه برتاجعه‪ ،‬وإمنا أراد أن ميضي بعزمه‪ .‬فكانت مواقف العتاب الصريح والفراق‪،‬‬

‫وكان آخر ما أنشده إياه ميميته يف سنة ‪ 345‬هـ ومنها‪( :‬ال تطلنب كرمياً بعد رؤيته)‪ .‬بعد‬

‫تسع سنوات ونيف يف بالط سيف الدولة جفاه االمري وزادت جفوته له بفضل كارهي‬

‫املتنيب وألسباب غري معروفة قال البعض أهنا تتعلق حبب املتنيب املزعوم خلولة شقيقة سيف‬

‫الدولة اليت رثاها املتنيب يف قصيدة ذكر فيها حسن مبسمها ‪ ،‬وكان هذا مما ال يليق عند‬

‫رثاء بنات امللوك ‪ .‬إنكسرت العالقة الوثيقة اليت كانت تربط سيف الدولة باملتنيب ‪.‬‬

‫فارق أبو الطيب سيف الدولة وهو غري كاره له‪ ،‬وإمنا كره اجلو الذي مأله حساده‬

‫ومنافسوه من حاشية األمري‪ .‬فأوغروا قلب األمري‪ ،‬فجعل الشاعر حيس بأن هوة بينه وبني‬
‫صديقة ميلؤها احلسد والكيد‪ ،‬وجعله يشعر بأنه لو أقام هنا فلرمبا تعرض للموت أو‬

‫تعرضت كربياؤه للضيم‪ .‬فغادر حلب ‪ ،‬وهو يكن ألمريها احلب‪ ،‬لذا كان قد عاتبه وبقي‬

‫يذكره بالعتاب‪ ،‬ومل يقف منه موقف الساخط املعادي‪ ،‬وبقيت الصلة بينهما بالرسائل اليت‬

‫تبادالها حني عاد أبو الطيب إىل الكوفة‪ 4‬وبعد ترحاله يف بالد عديده بقي سيف الدولة يف‬

‫خاطر ووجدان املتنيب ‪.‬‬

‫المتنبي و كافور اإلخشيدي‬

‫الشخص الذي تال سيف الدولة احلمداين أمهية يف سرية املتنيب هو كافور اإلخشيدي‪ .‬فقد‬

‫فارق أبو الطيب حلباً إىل مدن الشام ومصر وكأنه يضع خطة لفراقها ويعقد جملساً يقابل‬

‫سيف الدولة‪ .‬من هنا كانت فكرة الوالية أمال يف رأسه ظل يقوي‪ .‬دفع به للتوجه إىل‬

‫مصر حيث (كافور اإلخشيدي) ‪ .‬و كان مبعث ذهاب املتنيب إليه على كرهه له ألنه طمع‬

‫يف والية يوليها إياه‪ .‬و مل يكن مديح املتنيب لكافور صافياً‪ ،‬بل بطنه باهلجاء و احلنني إىل‬

‫سيف الدولة احلمداين يف حلب ‪ ،‬فكان مطلع أول قصيدته مدح هبا كافور‪:‬‬

‫كفى بك داء أن ترى املوت شافياً وحسب املنايا‪ 4‬أن يكن أمانيا‬

‫فكأنه جعل كافورا املوت الشايف واملنايا اليت تتمىن ومع هذا فقد كان كافور حذراً‪ ،‬فلم‬

‫ينل املتنيب منه مطلبه‪ ،‬بل إن وشاة املتنيب كثروا عنده‪ ،‬فهجاهم املتنيب‪ ،‬و هجا كافور و‬

‫مصر هجاء مرا ومما نسب إىل املتنيب يف هجاء كافور‪:‬‬


‫ال تشرتي العبد إال والعصا معه إن العبيد ألجنــاس مناكــيد‬

‫نامت نواطري مصر عن ثعالبها وقد بشمن وما تفىن العناقيد‬

‫ال يقبض املوت نفسا من نفوسهم إال ويف يده من نتنها عود‬

‫من علم األسود املخصي مكرمة أقومه البيض أم آباؤه السود‬

‫أم أذنه يف يد النخاس دامية أم قدره وهو بالفلسني مردود‬

‫و استقر يف عزم أن يغادر مصر بعد أن مل ينل مطلبه‪ ،‬فغادرها يف يوم عيد‪ ،‬و قال يومها‬

‫قصيدته الشهرية‪ 4‬اليت ضمنها ما بنفسه من مرارة على كافور و حاشيته‪ ،‬و اليت كان‬

‫مطلعها‪:‬‬

‫عيد بأية حال عدت يا عيد مبا مضى أم ألمر فيك جتديد‬

‫ويقول فيها أيضا‪:‬‬

‫إذا أردت كميت اللون صافية وجدهتا وحبيب النفس مفقود‬

‫ود‬ ‫ٍ ِ‬
‫ماذا لقيت من الدنيا وأعجبه أين ملا أنا شاك مْنهُ حَمْ ُس ُ‬

‫ويف القصيدة‪ 4‬هجوم شرس على كافور وأهل مصر مبا وجد منهم من إهانة له وحط منزلته‬

‫وطعنا يف شخصيته اجملنونة‪ 4‬مث إنه بعد مغادرته ملصر قال قصيدةن‪ 4‬يصف هبا منازل طريقه‬

‫وكيف أنه قام بقطع القفار واألودية املهجورة اليت مل يسلكها أحد قال يف مطلعها‪:‬‬
‫أال كل ماشية اخليزىل فدى كل ماشية اهليدىب‬

‫وكل ناجة جباوية خنوف وما يب حسن املشى‬

‫وقال يصف ناقته‪ :‬ضربت هبا التيه ضرب القمار إما هلذا وإما لذا إلذا فزعت قدمتها اجلياد‬

‫وبيض السيوف ومسر القنا‬

‫وهي قصيدة مييل فيها املتنيب إىل حد ما إىل الغرابة يف األلفاظ ولعله يرمي هبا إىل مساواهتا‬

‫بطريقه‬

‫مل يكن سيف الدولة وكافور مها من اللذان مدحهما املتنيب فقط‪ ،‬فقد قصد امراء الشام و‬

‫العراق وفارس‪ ،‬فمدح عضد الدولة ابن بويه الديلمي يف شرياز و ذالك بعد فراره من‬

‫مصر إىل الكوفة‪ 4‬ليلة عيد النحر سنة ‪ 370‬هـ‪.‬‬

‫عائدا يريد الكوفة‪ ،‬وكان يف مجاعة منهم ابنه حمشد وغالمه مفلح‪ ،‬لقيه‬
‫فلما كان املتنيب ً‬

‫أيضا‪ .‬فاقتتل الفريقان وقُتل‬


‫فاتك بن أيب جهل األسدي‪ ،‬وهو خال ضبّة‪ ،‬وكان يف مجاعة ً‬

‫غريب بغداد‪.‬‬
‫املتنيب وابنه حمشد وغالمه مفلح بالنعمانية‪ 4‬بالقرب من دير العاقول ّ‬

‫قصة قتله أنه ملا ظفر به فاتك‪ ...‬أراد اهلرب‬

‫فقال له ابنه‪ ...‬اهترب وأنت القائل‬


‫اخليل والليل والبيداء‪ 4‬تعرفين والسيف والرمح والقرطاس والقلم‬

‫فقال املتنيب‪ :‬قتلتين ياهذا‪ ,‬فرجع فقاتل حىت قتل‬

‫وهلذا اشتهر بأن هذا البيت‪ 4‬هو الذي قتله‪ .‬بينما األصح أن الذي قتله هو تلك القصيدة‬

‫شعره وخصائصه الفنية‬

‫املتنيب كان صورة صادقة لعصره‪ ،‬وحياته‪ ،‬فهو حيدثك عما كان يف عصره من ثورات‪،‬‬

‫واضطرابات‪ ،‬ويدلك على ما كان به من مذاهب‪ 4،‬وآراء‪ ،‬ونضج العلم والفلسفة‪ .‬كما‬

‫ميثل شعره حياته املضطربة‪ :‬فذكر فيه طموحه وعلمه‪ ،‬وعقله وشجاعته‪ ،‬وسخطه ورضاه‪،‬‬

‫وحرصه على املال‪ ،‬كما جتلت القوة‪ 4‬يف معانيه‪ ،‬وأخيلته‪ ،‬وألفاظه‪ 4،‬وعباراته‪.‬وقد‪ 4‬متيز خياله‬

‫بالقوة واخلصابة فكانت ألفاظه جزلة‪ ،‬وعباراته رصينة‪ ،‬تالئم قوة روحه‪ ،‬وقوة معانيه‪،‬‬

‫وخصب أخيلته‪ ،‬وهو ينطلق يف عباراته انطالقاً وال يعىن فيها كثرياً باحملسنات والصناعة‪4.‬‬

‫أغراضه الشعرية‬

‫المدح‬

‫اشتهر باملدح‪ ،‬وأشهر من مدحهم سيف الدولة احلمداين و كافور اإلخشيدي‪ ،‬ومدائحه‬

‫يف سيف الدولة ويف حلب تبلغ ثلث شعره او أكثر ‪ ،‬وقد استكرب عن مدح كثري من‬

‫الوالة والقواد حىت يف حداثته‪ .‬ومن قصائده يف مدح سيف الدولة‪:‬‬


‫الردى وهو نائم‬
‫شك لواقف *** كأنك يف جفن َّ‬
‫وقفت وما يف املوت ٌّ‬

‫وثغر َك باسم‬
‫وضاح ‪ُ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫متـر بك األبطال َك ْل َمى هزميـةً *** ووجهك‬

‫جتاوزت مقدار الشجاعة والنهى‪ *** 4‬إىل قول ٍ‬


‫قوم أنت بالغيب عامل‬

‫الوصف‬

‫أجاد املتنيب وصف املعارك واحلروب البارزة اليت دارت يف عصره وخاصة يف حضرة‬

‫وبالط سيف الدولة ‪ ،‬فكان شعره يعترب سجالً تارخيياً‪ .‬كما أنه وصف الطبيعة‪ ،‬وأخالق‬

‫الناس‪ ،‬ونوازعهم‪ 4‬النفسية‪ 4،‬كما صور نفسه وطموحه‪ .‬وقد قال يصف ِشعب َّبوان‪ 4،‬وهو‬

‫منتزه بالقرب من شرياز ‪:‬‬

‫هلا مثر تشـري إليك منـه *** بَأشرب ٍـة وقفن بـال أوان‪4‬‬

‫وأمواه ِ‬
‫يص ُّل هبا حصاهـا *** صليل احلَلى يف أيدي الغواين‬ ‫ٌ‬

‫الو ْر ُق فيها *** أجابتـه أغـاينُّ القيـان‬


‫إذا غىن احلمام ُ‬

‫الفخر‬

‫مل ينسى‪ 4‬املتنيب نفسه حني ميدح أو يهجو أو يرثى‪ ،‬وهلذا نرى روح الفخر شائعةً يف‬

‫شعره‪.‬‬
‫ـف أن تـسكـن اللحـم والعظمـا‬
‫وإين ملـن قـوم كـَأن نفـوسهـم *** هبـا أنَ ٌ‬

‫الهجاء‬

‫مل يكثر الشاعر من اهلجاء‪ .‬وكان يف هجائه يأيت حبكم جيعلها قواعد عامة‪ ،‬ختضع ملبدأ أو‬

‫خلق‪ ،‬وكثرياً ما يلجأ إىل التهكم‪ ،‬أو استعمال ألقاب حتمل يف موسيقاها معناها‪ ،‬وتشيع‬

‫حوهلا جو السخرية مبجرد الفظ هبا‪ ،‬كما أن السخط يدفعه إىل اهلجاء الالذع يف بعض‬

‫األحيان‪ .‬وقال يهجو طائفة من الشعراء الذين كانوا ينفسون‪ 4‬عليه مكانته‪:‬‬

‫عر *** ضعيف يقاويين ‪ ،‬قصري يطاول‬ ‫ِ‬


‫أيف كل يوم حتت ضبين ُش َويْ ٌ‬

‫ضاحك منه هازل‬


‫ُ‬ ‫لساين بنطقي صامت عنه عادل *** وقليب بصميت‬

‫ظ َمن عاداك َمن ال تُشاكل‬ ‫وَأْت َع ُ‬


‫ب َمن ناداك من ال جُت يبه *** وَأغي ُ‬

‫ىل اجلاهـل املتعاقِـل‬


‫ـض ِإ َّ‬ ‫ِ‬
‫وما التِّيهُ طىِّب فيهم ‪ ،‬غري أنين *** بغي ٌ‬

‫الرثاء‬

‫للشاعر رثاء غلب فيه على عاطفته‪ ،‬وانبعثت‪ 4‬بعض النظرات الفلسفية فيها‪ .‬وقال يرثى‬

‫جدته‪:‬‬

‫ضما‬ ‫ِ‬
‫أح ُن إىل الكأس اليت شربت هبا *** وأهوى ملثواها‪ 4‬الرتاب وما َّ‬
‫ْل صاحبه قِدما‬ ‫ِ‬
‫بكيت عليها خيفة يف حياهتـا *** وذاق كالنا ثُك َ‬
‫ُ‬

‫غما‬
‫ت هبا َّ‬ ‫ِ‬
‫أتاها كتايب بعد يأس وَت ْر َحـة *** فماتت سروراً يب ‪ ،‬وم ُ‬

‫حرام على قليب السرور ‪ ،‬فإنين *** َأعُ ُّد الذي ماتت به بعدها مُسَّا‬
‫ٌ‬

‫الحكمة‬

‫اشتهر املتنيب باحلكمة وذهب كثري من أقواله جمرى األمثال ألنه يتصل بالنفس اإلنسانية‪،‬‬

‫ويردد نوازعها وآالمها‪ .‬ومن حكمه ونظراته يف احلياة‪:‬‬

‫ومراد النفوس أصغر من أن *** نتعادى فيـه وأن نتـفاىن‬

‫غري أن الفىت يُالقي املنايـا *** كاحلات ‪ ،‬ويالقي اهلـوانا‬

‫حلي *** لعددنا أضلـنا الشجـعانا‬


‫ولـو أن احلياة تبقـى ٍّ‬

‫وإذا مل يكن من املوت بُ ٌّـد *** فمن العار أن متوت جبانا‬

‫املهارات اليت أمتاز هبا أبو الطيب املتنيب‪ -:‬كان أبو الطيب املتنيب سريع احلفظ ‪،‬فقد حفظ‬

‫أبو الطيب املتنيب كتاباً مبجرد أن نظر إليه‪ ،‬فقد كان عدد صفحات الكتاب ‪ 30‬صفحة‪.‬‬
‫رحلته يف بادية الشام‪ -:‬كان أبو الطيب املتنيب على اتصال باألمراء والقبائل اليت توجد يف‬

‫بادية الشام فقد كان ميدحهم‪ .‬و كان أبو الطيب املتنيب لديه قضية تشغل تفكريه‪ 4‬وأراد أن‬

‫يعلن عنها من خالل شعره بشكل صريح حىت وصل األمر أن أصدقائه قامو بتحذيره‬

‫بسبب هذه القضية‪ 4.‬وفشل أبو الطيب املتنيب يف أن أن يقوم بتنفيذ القضية اليت تشغل‬

‫تفكريه مما أدى إىل دخوله إىل السجن ‪.‬‬

‫وكان لدخوله السجن أثر سليب واضح عليه فأدرك أبو الطيب املتنيب انه ليس الوحيد الذي‬

‫مل يستطع الوصول إاىل حلمه فقد كان يريد ان يُنهي الفساد الذي يوجد يف اجملتمع ‪.‬‬

‫ولكن هناك العديد داخل جدران هذا السجن مل يستطيعوا‪ 4‬حتقيق ما يطمحون إليه‪.‬‬

‫حياة املتنيب بعد خروجه من السجن‪ -:‬عادت حياة أبو الطيب املتنيب كما كانت مليئة‬

‫بالقلق واخلوف وذهب إىل طربيا ( وهي من أقدم املدن الفلسطينية ) وألتقى بشخص‬

‫يدعى بدر بن عمار( وهو أمري طربيا ) وأخذ أبو الطيب املتنيب ميدح فيه ولكنه أحس ان‬

‫بدر بن عمار لن يستطيع أن يساعده يف حتقيق أحالمه ‪ .‬وظل أبو الطيب املتنيب ينتقل من‬

‫بلد إىل أخرى حىت أستقر يف أنطاكيا (تركيا حالياً) وأصبح على أتصال مع سيف الدولة‬

‫ورحل معه إىل حلب‪.‬‬


‫وقد أحس أبو الطيب املتنيب أن سيف الدولة هو الذي سيكون‪ 4‬العون‪ 4‬له يف حتقيق أماله‪،‬‬

‫فأصبح املتنيب هو الذراع األمين لسيف الدولة فقد كان املتنيب يشارك سيف الدولة كل‬

‫أنتصاراته‪ .‬ومن خالل مساعدة وحب سيف الدولة ألبو الطبيب املتنيب أستطاع املتنيب أن‬

‫يعيش عيشه كرمية وكان من أكثر الشعراء متيزاً عن غريه‪ ،‬هذا األمر الذي جعل العديد من‬

‫الشعراء حيسدوه والقيام بالعديد من احملاوالت حيت يتم الوقيعة‪ 4‬بني املتنيب و سيف الدولة‪،‬‬

‫وبالفعل أستطاعوا‪ 4‬أن تتم الوقيعة‪ .‬وعلى أثره ترك أبو الطيب املتنيب سيف الدولة وظل‬

‫يعاتبه يف قصائده‪.‬‬

‫أبو الطيب وحلم الوالية‪ 4-:‬أراد أبو الطيب املتنيب ان يذهب إىل مصر أمالً يف الوالية‪4،‬‬

‫وحيت يصل إىل هذا احللم قدم العديد من التنازالت حىت يصل إىل مراده‪ .‬وكان وحيداً يف‬

‫مصر وهذا السبب‪ 4‬جعله يشعر بالغربة فقد كان بعيداً عن أهله وكان يشتاق إىل سيف‬

‫الدولة‪ .‬وبسبب أن أبو الطيب املتنيب كان صرحياً وكان غري قادراً على السيطرة على لسانه‬

‫كان هذا هو الدافع الذي جيعل منافسيه يقوموا‪ 4‬بتدبري الوقيعة‪ 4‬بينه وبني وايل مصر وقتها‬

‫وهو ” كافور “‪ .‬وبالفعل حدثت الوقيعة‪ 4‬بينهم ومل ينال املتنيب مراده يف الوالية فقام‬

‫املتنيب هبجاءه هجاءً الذعا‪.‬‬


‫من أشهر أقواله ‪-:‬‬

‫إذا رأيت أنياب الليث بارزة ‪ ..‬فال تظن أن الليث يبتسم‪.‬‬

‫إذا أنت أكرمت الكرمي ملكته ‪ ..‬وإن انت‪ 4‬أكرمت اللئيم متردا‪.‬‬

‫مقتله ‪ -:‬بعد أن حدثت الوقيعة بينه وبني كافور‪ ،‬سافر إىل بغداد ومل ميدح امللك هبا‬

‫فغضب عليه عضد الدولة فأرسل إليه ايب جهل األسدي وتقاتل فريق األسدي مع فريق‬

‫املتنيب‪ ،‬والذ املتنيب بالفرار بسبب أنتصار فريق األسدي‪ ،‬وقال غالم يف فريقة ‪ :‬أهترب‬

‫وأنت القائل اخليل والليل والبيداء تعرفين والسيف والرمح والقرطاس والقلم؟!‬

‫(البيداء معناها ‪ :‬الصحراء & القرطاس معناها‪ :‬الورقة )‬

‫فرد عليه املتنيب قائالً‪ :‬قتلتين قتلك اهلل‪ .‬وعلى أثره رجع املتنيب وقاتل حىت قُتل هو وغالمه‬

‫وكان عمره ‪ 51‬عاماً‪.‬‬

You might also like