You are on page 1of 30

1

‫‪ ‬المسؤولية القانونية للمهندس ‪:‬‬


‫‪ ‬هل يتحمل المهندس المسؤولية القانونية عن األضرار الناجمة عن أخطائه‬
‫أو إهماله أثناء وضعه للتصاميم والرسوم المعمارية و االنشائية أو إشرافه على عملية‬
‫التنفيذ وإشادة البناء؟‬
‫‪ ‬إن اإلجابة على هذا السؤال ستكون باإليجاب بداه ًة‪ ،‬إذ أن القانون يحمل كل‬
‫شخص ارتكب خطأً سبب ضر اًر للغير بالتعويض‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫‪ ‬غير أن مسؤولية المهندس في الواقع أقسى وأشد من مسؤولية اإلنسان العادي‪،‬‬
‫إذ أن المهندس خبير ومهني محترف‪ ،‬ودرجة الحرص والعناية التي يتطلب القانون‬
‫توافرها في سلوكه أكبر من تلك الواجب توافرها في سلوك اإلنسان العادي‪.‬‬
‫‪ ‬كما أن القانون قد رتَّب مسؤولية المهندس عن الضرر الناجم عن عمله ولو لم‬
‫يصدر عنه أي خطأ‪ ،‬فقد نصت القوانين المدنية على ما يلي‪:‬‬
‫((يضمن المهندس المعماري والمقاول متضامنين ما يحدث خالل عشر سنوات من‬
‫شيدوه من ٍ‬
‫مبان أو أقاموه من منشآت ثابتة أخرى‪))...‬‬ ‫تهدم كلي أو جزئي فيما َّ‬

‫‪2‬‬
‫‪ ‬أي أن القانون اعتبر المهندس مسؤوال عن األضرار التي ستنجم‬
‫جسر أو ٍ‬
‫سد كان مسؤوالً عن عملية اإلشراف‬ ‫أي ٍ‬
‫بناء أو ٍ‬ ‫عن ُّ‬
‫تهدم ِّ‬
‫على بنائه‪ ،‬ولو لم يثبت صدور أي خطأ من جانبه‪ ،‬بل ولو كان‬
‫الخطأ ناجماً عن عمل المقاول الذي يقوم بأعمال التنفيذ‪.‬‬
‫‪ ‬إذ أن القانون جعل المهندس متضامناً مع المقاول في دفع كافة‬
‫قيمة المبالغ الجابرة للضرر الناجم عن ُّ‬
‫تهدم البناء كلياً أو جزئياً‪.‬‬
‫لكل من المهندس والمقاول دافعاً‬ ‫وكأن القانون بهذا البند قد جعل ِّ‬
‫َّ‬ ‫‪‬‬

‫أي‬‫احد منهما الكتشاف ِّ‬ ‫للرقابة على عمل اآلخر‪ ،‬بحيث يسعى كل و ٍ‬
‫ٌ‬
‫أخطاء قد يقع بها اآلخر لينبهه إليها ويساعده على إصالحها‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫مفهوم عقد الهندسة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫اختلفت االتجاهات الفقهية والقضائية حول طبيعة عقد الهندسة ‪ ،‬وكان‬ ‫‪‬‬

‫مصدر االختالف هو تكييف هذا العقد هل هو عقد وكالة أم انه عقد مقاوله‪.‬‬

‫هل أن عقد الهندسه تغلب عليه صفه المهندس كوكيل عن صاحب العمل في‬ ‫‪‬‬

‫القيام بالتصاميم واإلشراف على حسن تطبيقها مقابل أجر‪.‬‬

‫أم تغلب عليه صفة أجير الصنعة أو المقاول الذي يقوم بأعمال مادية تعتمد‬ ‫‪‬‬

‫على قدرات فكرية وذهنية ناتجة عن التعليم الخاص الذي تلقاه المهندس‪.‬‬

‫ويختلف بالطبع نطاق و حدود المسؤولية بحسب ما إذا تم تغليب صفة ”‬ ‫‪‬‬

‫الوكالة ” أو صفة ” المقاولة”‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫و هنا سنحاول معالجة موضوع مسؤولية المهندس وفق المنهج التالي‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫المبحث األول‪ :‬نظام المسؤولية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫المطلب األول‪ :‬شروط قيام مسؤولية المهندس‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الخطأ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الضرر والعالقة السببية بينهما‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬آثار المسؤولية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مختلف الدعاوى المثارة في مواجهة المهندس‬ ‫‪‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬كيفية تقدير التعويض‬ ‫‪‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تقييم نظام المسؤولية على ضوء الواقع العملي‬ ‫‪‬‬

‫المطلب األول‪ :‬على المستوى التشريعي‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬على المستوى القضائي‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫‪5‬‬
‫المبحث األول‪ :‬نظام المسؤولية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫المطلب األول‪ :‬شروط قيام مسئولية المهندس ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫لتحميل المهندس مسؤولية مدنية ال بد من إثبات إخالله بااللتزامات القانونية أو التعاقدية‬ ‫‪‬‬

‫المفروضة عليه‪ ،‬وإثبات حصول ضرر بالشخص المتعاقد معه "صاحب العمل" ـ‬

‫باإلضافة إلى إثبات العالقة السببية بين الخطأ المرتكب والضرر الحاصل‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الخطأ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫يمكن تحديد أنواع الخطأ المرتكب من طرف المهندس في شكلين أساسيين‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪-1‬فهو إما خالل بالتزامات ذات طابع تقني وفني‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ -2‬أو إخالل بالتزامات ذات طابع استشاري وإداري‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪6‬‬
‫أوال‪ :‬اإلخالل بااللتزامات ذات الطبيعة التقنية والفنية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫يندرج ضمن هذه االلتزامات بصورة خاصة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ -1‬التقصير في واجب التأكد من طبيعة األرض‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪- 2‬عيوب التصميم‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ -1‬التقصير في واجب التحري عن طبيعة األرض‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫يتعين على المهندس قبل وضع تصميمه التأكد من خصائص وطبيعة‬ ‫‪‬‬

‫األرض التي سيقام عليها البناء‪ ،‬ودراسة نوع التربة‪ ،‬هل تسمح بالبناء أم ال‪،‬‬
‫ليتحدد على إثر ذلك نوع و عمق األساس والمواد الواجب استعمالها لتدعيم‬
‫األساس‪ ،‬وقد يتطلب األمر من المهندس بالنسبة للمشاريع الضخمة االستعانة‬
‫بالدراسات الجيوتقنية المتخصصة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ويذهب الرأي الغالب في الفقه إلى تحميل المهندس مسؤولية عيوب األرض‬ ‫‪‬‬

‫و لو اكتفى بوضع التصميم دون اإلشراف على تنفيذه‪.‬‬

‫و لقد ورد في القانون ما يلي ‪....":‬و ذلك و لو كان التهدم ناشئاً عن عيب‬ ‫‪‬‬

‫في األرض ذاتها ‪ ،‬او كان رب العمل قد أجاز إقامة المنشآت المعيبة" ‪.‬‬

‫ويذهب الفقه والقضاء إلى تحميل المهندس المسؤولية الناتجة عن مخالفة‬ ‫‪‬‬

‫ضوابط قانونية أو إدارية كوضع تصميم لبناء ضمن عقار ذات ملكية عامة‬
‫أو يخالف قوانين البناء و التنظيم المدني ‪..........‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ -2‬عيوب التصميم‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫قد يكون المهندس مسؤوال عن عيوب التصميم فقط إذا انحصرت مهمته على‬ ‫‪‬‬

‫وضع هذا التصميم‪ ،‬وقد تغطي هذه المسؤولية طريقة تنفيذ هذا التصميم متى‬
‫امتدت مهمه المهندس إلى مرحلة اإلشراف والرقابة على التنفيذ‪ ،‬بحيث ورد في‬
‫بعض النصوص القانونية ما يلي‪:‬‬

‫”المهندس الذي أجرى تصميم البناء ولم يشرف على أعمال التنفيذ ال يضمن‬ ‫‪‬‬

‫إال عيوب تصميمه”‬

‫ويندرج وضع التصميم ضمن المهام الفنية والتقنية للمهندس بوصفه شخص‬ ‫‪‬‬

‫مهني محترف يتعين عليه مراعاة قواعد و أصول فن و قواعد الهندسة ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ويعتبر الخطأ في وضع التصميم خطأ موجبا النعقاد مسؤولية المهندس‬ ‫‪‬‬

‫العقدية‪ ،‬سواء ظهر الضرر قبل تسليم البناء أو بعده‪ ،‬لكن يبقى التساؤل‬
‫المطروح ‪:‬‬

‫هل هذا الخطأ واجب اإلثبات من قبل صاحب العمل أو المقاول؟‬ ‫‪‬‬

‫أم هو خطأ مفترض يكتفى في إثباته بإثبات وقوع الضرر؟‬ ‫‪‬‬

‫لقد ذهبت األحكام القضائية إلى أنه يتوجب إثبات هذا الخطأ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪10‬‬
‫و هنا يجب التمييز بين حالتين‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪- ‬الحالة األولى‪ :‬هي التي يكون المهندس مسؤوال فيها عن وضع‬
‫التصميم الهندسي فقط‪ ،‬هنا يجب على المحكمة إجراء خبرة ضمن ما‬
‫تملكه من وسائل إثبات لتتأكد من أن الضرر الالحق بالبناء ناتج عن‬
‫عيب في التصميم أو عيب في تنفيذ هذا التصميم و بالتالي معرفة‪ ،‬ما إذا‬
‫كان المهندس هو المسؤول عن الضرر أو أن المقاول هو المسؤول‪.‬‬
‫‪– ‬الحالة الثانية‪ :‬وهي التي يكون فيها المهندس مسؤوال عن المرحلتين‪:‬‬
‫مرحلة وضع التصميم ومرحلة اإلشراف على التنفيذ‪ ،‬هنا يكون الخطأ‬
‫مفترضا من جانب المهندس‪ ،‬اللهم إال إذا أثبت المهندس سببا آخر كخطأ‬
‫الغير أو القوة القاهرة أو الحدث الفجائي‪ ،‬طبقا للقواعد العامة‪.‬‬
‫‪ ‬وإذا كان الخطأ مشتركا‪ ،‬أي في حالة حصول خطأ من المهندس واضع‬
‫التصميم و خطأ آخر من جانب المهندس أو الشخص المشرف على‬
‫التنفيذ يتعين مساأله الطرفين معا في حدود نسبه خطأ كل واحد منهما‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ثانيا‪ :‬اإلخالل بااللتزامات ذات الطابع االستشاري واإلداري‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫صحيح أن قانون الموجبات والعقود ال ينص بشكل صريح على هذه الموجبات ذات‬ ‫‪‬‬

‫الطبيعة االستشارية واإلدارية‪.‬‬

‫إال أن هذه الموجبات‪ ،‬تنبع من وظيفة المهندس بصفة عامة‪ ،‬هذه الوظيفة المرتبطة‬ ‫‪‬‬

‫بعمل المهندس كشخص مهني محترف ملتزم باحترام أعراف المهنة و أخالقياتها‪،‬‬

‫في هذا اإلطار تنص المادة ‪ 55‬من قانون تنظيم مهنة الهندسة في لبنان على ما‬ ‫‪‬‬

‫يلي‪" :‬على المهندس أن يراعي في أشغاله المهنية الدقة و األمانة و قواعد الفن و أن‬
‫يحافظ في أعماله و تصرفاته على كرامة المهنة و أن يتقيد في جميع الظروف بمادئ‬
‫الشرف و االستقامة و النزاهة و أن يمتنع عن األشغال التي تحط من كرامة المهنة‪".‬‬

‫‪12‬‬
‫كما تنص المادة ‪ 5-8‬من النظام الداخلي لنقابة المهندسين على ما‬ ‫‪‬‬

‫يلي‪" :‬على المهندس أن يعامل زبائنه معاملة قائمة على الثقة و االستقامة‬
‫و النزاهة و أن ينفذ األعمال المكلف بها من زبائنه بما يحقق و يؤمن‬
‫مصالح هؤالء الزبائن ضمن إطار القوانين و األنظمة المرعية‪.‬‬
‫وتنقسم هذه االلتزامات إلى نوعين ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ - 1‬واجب اإلعالم‬ ‫‪‬‬

‫‪ - 2‬واجب اإلشراف والرقابة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪13‬‬
‫‪ .1‬واجب اإلعالم‪.‬‬
‫إن المهندس ملزم بتقديم المشورة والنصيحة المفيدة لصاحب العمل ‪ ،‬والتي قد‬ ‫‪‬‬

‫تجنبه حصول أضرار له سواء نتيجة التأخر في التنفيذ أو نتيجة عيوب البناء‬
‫الراجعة إلى عيوب التصميم أو المواد المستعملة في البناء وغيرها ‪ ،‬فالمهندس‬
‫ليس شخصا محايدا وإنما شخص بحكم طبيعة مهنته و وظيفته‪ ،‬ملزم بتنوير‬
‫صاحب العمل ورسم الطريق الصحيحة له إلنجاز مشروع البناء في أحسن‬
‫الظروف ‪.‬‬

‫وتمتد هذه االلتزامات إلى جميع مراحل إنجاز المشروع بدءا من وضع التصميم‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫انتهاء بمرحلة التسليم‪.‬‬


‫ً‬ ‫مرو اًر بإنجاز وتنفيذ التصميم‪،‬‬

‫‪14‬‬
‫‪ ‬لكن يبقى التساؤل المطروح هو مدى اعتبار االلتزام بتقديم المشورة أو اإلعالم التزاماً‬
‫قانونياً يرتب مسؤولية مدنية على عاتق المهندس‪ ،‬أم أنه مجرد التزام أخالقي ال يرتب‬
‫أي أثر قانوني‪.‬‬

‫بعض القوانين تنص على أن انعقاد مسؤولية صاحب النصيحة أو المشورة مشروط‬ ‫‪‬‬

‫بوجود نية للتدليس‪ ،‬أو ارتكاب خطأ جسيم ال يقبل صدوره من شخص محترف أو في‬
‫حالة اشتراط ضمان نتيجة المعاملة‪.‬‬
‫اعاة للقواعد المدنية العامة التي تقدر الخطأ وفق معيار شخصي ولقواعد‬
‫‪ ‬إال أنه ومر ً‬
‫حماية المستهلك التي تفرض على األشخاص المهنيين و المحترفين إعالم زبائنهم سواء‬
‫تعلق األمر ببيع منتجات أو خدمات بكل ما من شأنه تنوير بصيرتهم ‪ ،‬أصبح من الالزم‬
‫تحميل المهندس مسؤولية التقصير في تقديم المعلومات المناسبة و تحذير صاحب العمل‬
‫من األمور التي تشكل خط ار على المشروع الذي يعهد إليه وضع تصميمه أو اإلشراف‬
‫على بنائه‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫‪ -2‬التقصير في اإلشراف و الرقابة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ ‬إذا تم تكليف المهندس باإلشراف على إنجاز المشروع ومراقبته فهذا ال يعني أنه المنفذ‬
‫الفعلي المباشر في إنجاز المشروع ‪ ،‬لكون هذه المهمة يختص بها المقاول و إنما يعني ذلك‬
‫قيام المهندس باإلشراف العام على مراحل سير المشروع وفق قواعد فن الهندسة ومدى احترام‬
‫تصميم البناء‪.‬‬

‫ويطرح موضوع اإلشراف و الرقابة على إنجاز الورش تداخل مسؤولية المهندس ومسؤولية‬ ‫‪‬‬

‫المقاول‪ ،‬بحيث يحاول كل واحد منهما نفي المسؤولية عنه و إلقاءها على الطرف اآلخر‪،‬‬
‫و عادة معظم القوانين تعتبر أن حصول أي ضرر ناتج عن القيام بتنفيذ أعمال البناء‪ ،‬األصل‬
‫فيه مسؤولية المقاول‪ ،‬إال إذا ثبت تقصير في اإلشراف والرقابة من جانب المهندس خاصة فيما‬
‫يتعلق باألخطاء المستمرة مع الزمن ‪ ،‬هنا تكون المسؤولية مشتركة ويتعين توزيعها بحسب‬
‫مساهمة خطأ كل واحد من الطرفين في الضرر الحاصل ‪.‬‬

‫و هي ليست مسؤولية تضامنية‪ ،‬ألن المهندس ليس بتاجر‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪16‬‬
‫‪ ‬وإذا كان القول بتقرير مسؤولية المهندس عن تقصيره في مهام اإلشراف‬
‫والرقابة التي يتقاض عنها أتعابا مسألة واقع تنفرد بالبت في شأنها محكمة‬
‫الموضوع‪ ،‬إال أنها ملزمة كما في جميع األحكام بإيراد تعليل منطقي وقانوني‬
‫يبرر النتيجة التي انتهت إليها‪.‬‬
‫‪ ‬الفقرة الثانية‪ :‬الضرر و إثبات العالقة السببية‪.‬‬
‫‪ ‬ينص قانون الموجبات و العقود على أن ‪ ”:‬كل شخص مسؤول عن‬
‫الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه ال بفعله فقط ولكن بخطئه أيضا‬
‫و ذلك عندما يثبت أن هذا الخطأ هو السبب المباشر في ذلك الضرر”‪.‬‬
‫‪ ‬إذن فالنص القانوني يفرض وجود ضرر مباشر نتج عن خطأ الشخص‬
‫المسؤول عنه‪.‬‬
‫و عليه فإن لم يكن الضرر مباش ار فال محل للمسؤولية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ ‬غير أن إثبات وقوع ضرر غير كاف لوحده إلثارة مسؤولية المهندس‪،‬‬
‫بل ال بد من إثبات الخطأ من جانب هذا األخير‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫و أن مسألة اإلثبات يتم حسمها عن طريق المحاكم المختصة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫و بما أن هذه األخيرة وباعتبار أن قضاتها ليس لديهم علم و خبرة علمية أو تقنية‬ ‫‪‬‬

‫في فن الهندسة تضطر إلى االستعانة بخبرة في الموضوع‪.‬‬

‫بحيث تقوم بتكليف خبير هندسي محلف لتحديد األضرار الالحقة بالبناء واألخطاء‬ ‫‪‬‬

‫المتسببة فيه‪.‬‬

‫وهو األمر الذي يجعل للخبير موقعا هاما في تحديد مسؤولية المهندس أو إعفائه‬ ‫‪‬‬

‫منها‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬آثار المسؤولية‬ ‫‪‬‬

‫من أجل تقرير مسؤولية المهندس القانونية عن أخطائه و الحكم عليه‬ ‫‪‬‬

‫بالتعويض المناسب لجبر الضرر‪ ،‬ال بد أوال من تقديم دعوى قضائية‬


‫ضده ‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الدعاوى القضائية ضد المهندس ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫إذا كانت القاعدة كما يقول فقهاء القانون بأن لكل حق دعوى تحميه‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫فإن حق صاحب العمل في الحصول على منشأ الئق وسليم و آمن يقابله‬
‫الحق في رفع الدعاوى القضائية التي تصون هذا الحق‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫وتختلف الدعاوى التي يمكن ان يرفعها صاحب العمل في وجه المهندس‬ ‫‪‬‬

‫بحسب نوع الضرر الحاصل و زمن حصول الضرر و إن كان المتفق عليه‬
‫هو أن مسؤولية المهندس في جميع األحوال مسؤولية عقدية بالنظر إلى العقد‬
‫واالتفاق الذي يربطه بصاحب العمل‪.‬‬

‫و ال تخلو أن تصنف الدعاوى القضائية التي يحق لصاحب العمل رفعها ضد‬ ‫‪‬‬

‫المهندس ضمن صنفين اثنين‪:‬‬

‫دعوى التعويض قبل التسليم ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫و دعوى التعويض بعد التسليم‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪20‬‬
‫والفرق بين الدعويين هو ” واقعة ” التسليم‪ ،‬التي تتضمن نتائج قانونية‬ ‫‪‬‬

‫هامة‪ ،‬فالتسليم ينقل حيازة البناء من المهندس أو المقاول إلى صاحب العمل‬
‫و بالتالي يضع المهندس أو المقاول حدا لمسؤوليته الناتجة عن حيازة و حراسة‬
‫البناء ‪ ،‬هذا من جهة ‪،‬‬

‫و من جهة ثانية يعتبر التسليم بمثابة إبراء من صاحب العمل لمسؤولية‬ ‫‪‬‬

‫المهندس أو المقاول و يعفيه من إثبات العيوب الظاهرة أي أن التسلم يعني‬


‫التنازل عن إثارة أي تحفظات بخصوص العيوب الظاهرة‪ ،‬ومن جهة ثالثة يعتبر‬
‫التسليم نقطة بداية ‪ ،‬لما يعرف بمسؤولية المهندس الناتجة عن الضمان‬
‫العشري ( في القانون البناني هذه المدة محددة بخمس سنوات ) ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫وإذا كانت الدعاوى القضائية التي ترجع ألسباب وقعت قبل حصول‬ ‫‪‬‬

‫” التسليم” خاضعة للقواعد العامة للمسؤولية العقدية سواء من حيث أساس‬


‫المسؤولية أو اإلثبات‪.‬‬

‫‪ ‬فإن الدعاوى القضائية المسجلة بعد حصول ” التسليم تخضع لقواعد خاصة‬
‫من بينها آجال رفع الدعوى وعبء اإلثبات‪.‬‬

‫فالدعوى القضائية المؤسسة على الضمان العشري يجب أن تستند إلى الضرر‬ ‫‪‬‬

‫الحاصل ضمن فترة عشر سنوات ابتداء من تاريخ ” التسليم” ‪.‬‬


‫كما يتعين تسجيل هذه الدعوى خالل المدة المحددة و التالية ليوم ظهور‬ ‫‪‬‬

‫أو إكتشاف الواقعة الموجبة للضمان تحت طائلة عدم القبول‪.‬‬


‫و قد اوجبت بعض القوانين على المتضررين ان يقيموا الدعوى ضد المهندس‬ ‫‪‬‬

‫خالل ثالث سنوات من تاريخ الحادث ‪ ،‬تحت سقوط حقهم بالتعويض‪.‬‬


‫‪22‬‬
‫‪ ‬باإلضافة إلى ذلك يتعين أن يكون الضرر الحاصل متمثال في انهيار البناء‬
‫كليا أو جزئيا أو إشرافه على االنهيار‪.‬‬
‫‪ ‬أما األضرار األخرى البسيطة فال تدخل في إطار الضمان العشري‬
‫و إنما تندرج ضمن العيوب األخرى التي تخضع للنظرية العامة للمسؤولية‬
‫العقدية‪.‬‬
‫ومن خصائص الضمان العشري أنه من النظام العام‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ ‬وبالتالي ال يجوز االتفاق على إسقاطه أو التخفيض من مدته‪ ،‬وأن‬


‫المسؤولية فيه مفترضة ال يتحلل منها المهندس أو المقاول إال بإثبات‬
‫السبب األجنبي باعتبار أن التزام المهندس أو المقاول هو التزام بتحقيق‬
‫نتيجة‪.‬‬
‫‪ ‬كما ذهبت إلى ذلك محكمة النقض الفرنسية بقولها‪ ”:‬إن المهندس‬
‫والمقاول يتحمالن التزاما بتحقيق نتيجة وهي تشييد بناء خال من العيوب‬
‫التي من شأنها أن تؤثر على صالحيته لما أعد له‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬كيفية تقدير التعويض‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫يعتبر التعويض بمثابة المقابل المحكوم به لصالح المتضرر جب ار للضرر‬ ‫‪‬‬

‫الالحق به‪.‬‬

‫و إذا كان المبدأ هو اتخاذ التعويض شكل مقابل نقدي‪ ،‬فانه يمكن تصوره‬ ‫‪‬‬

‫في شكل مقابل عيني كإلزام المهندس والمقاول بهدم البناء المتصدع و إعادة‬
‫بنائه‪.‬‬

‫إال أنه مع صعوبة تنفيذ االلتزام العيني فإنه غالبا ما ينحصر الطلب في‬ ‫‪‬‬

‫التعويض النقدي‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ويختلف حجم التعويض باختالف حجم األضرار وطبيعتها‪ ،‬ولذلك فهو خاضع‬ ‫‪‬‬

‫للسلطة التقديرية للمحكمة التي تستأنس بظروف كل حادثة على حدة ‪.‬‬

‫في هذا المعنى ينص ق‪.‬م‪.‬ع على ما يلي ‪“:‬الضرر هو ما لحق الدائن‬ ‫‪‬‬

‫من خسارة حقيقية ومافاته من كسب متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء‬
‫بااللتزام‪ ،‬وتقدير الظروف الخاصة بكل حالة موكول لفطنة المحكمة‪ ،‬التي يجب‬
‫عليها أن تقدر التعويضات بكيفية مختلفة حسب خطأ المدين أو تدليسه‪”.‬‬

‫ونظ ار للطابع التقني للموضوع ‪ ،‬فان المحكمة تستعين بالخبرة لتحديد‬ ‫‪‬‬

‫األضرار الحقيقية و المبالغ المستحقة في التعويض‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫ومادام أن صاحب العمل و المهندس تربطهما التزامات تبادلية فيمكن‬ ‫‪‬‬

‫إجراء المقاصة بين أتعاب المهندس و مبلغ التعويض المحكوم به‬


‫لصالح صاحب العمل‪.‬‬
‫ويبقى التساؤل قائما بخصوص وقت تحديد األضرار و المقابل النقدي‬ ‫‪‬‬

‫هل هو تاريخ النطق بالحكم أم تاريخ اكتشاف العيب أو الضرر؟‬

‫عادة في الجانب العملي‪ ،‬ومادام القضاء يستعين بخبرة في الموضوع‬ ‫‪‬‬

‫فغالبا ما يتم تقدير التعويض بناء على هذه الخبرة و في وقت انجازها‪،‬‬
‫ما لم يتفاقم هذا الضرر فيما بعد‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫‪ ‬إن موضوع مسؤولية المهندس قد يبدو للوهلة األولى قانونياً بحتاً‪ ،‬غير أن‬
‫مهندس من التسلح بها‪ ،‬وذلك لكي‬ ‫ٍ‬ ‫معرفته و اإلحاطة به ضرورة عملية ال بد لكل‬
‫يستطيع أن يضع في حسبانه المخاطر والمسؤوليات المالية التي قد يتعرض لها‬
‫حادث من الحوادث‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وتترتب عليه‪ ،‬فيكون في وضع أسلم في حال مواجهته ِّ‬
‫ألي‬
‫‪ ‬كما أن معرفة القانون و ما ينص عليه من أحكام يعتبر بعضها إلزامياً ال يجوز‬
‫االتفاق على خالفه‪ ،‬في حين يترك اآلخر التفاق المتعاقدين‪.‬‬
‫‪ ‬يساعد المهندسين و أصحاب العمل أو الزبائن على معرفة الشروط التي‬
‫يستطيعون تضمينها في العقود المبرمة فيما بينهم‪.‬‬
‫ويظن أن هذا‬
‫ُّ‬ ‫‪ ‬فقد يضع المهندس شرطاً يعفيه من المسؤولية كامل ًة في العقد‪،‬‬
‫الشرط صحيح‪ ،‬فال يأخذ بعين االعتبار الحيطة والحذر الالزمين من مراقب ٍة للعمال‬
‫وألعمال المقاول‪ ،‬ليفاجئ حين وقوع الحادث‪ ،‬وظهور النزاع بكونه مسؤوالً مسؤولية‬
‫كامل ًة عن التعويض الجابر للضرر كله ‪.‬‬
‫‪ ‬و هذا يذكرنا بالقاعدة التي يحفظها الكثير من الناس (ال جهل بالقانون)‬
‫أو (ال يعذر المرء بجهله)‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫‪ ‬و في الخالصة فان تقييم نظام المسؤولية‪:‬‬
‫‪ ‬مما سبق يتبين أن نظام المسؤولية المعمول به حاليا في معظم‬
‫مرجعة و تطوير حتى يواكب تطور هذا الصنف‬‫القوانين العربية يحتاج إلى ا‬
‫الخاص من األنشطة اإلنسانية التي تعاظم دورها بشكل كبير في العصر‬
‫الحالي‪.‬‬
‫‪ ‬ال شك أن نصوص قانون الموجبات والعقود هي قديمة و ال تستوعب‬
‫تطور نظام مسؤولية أجير الصنعة بشكل عام ومسؤولية المهندس بشكل‬
‫خاص‪.‬‬
‫‪ ‬ولذلك أصبح من الضروري إعادة صياغة النصوص المنظمة لمسؤولية‬
‫المهندس سواء من حيث النص بشكل صريح على االلتزامات األساسية له‬
‫والتي تبقى قائمة على الرغم من عدم وجود أي عقد مكتوب ينص عليها‪.‬‬
‫‪ ‬أو من حيث تنظيم نطاق مسؤولية المهندس ومداها وتمييزها عن‬
‫مسؤولية باقي المتدخلين كمكتب التدقيق الفني و المقاول‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫‪ ‬ومن بين المسائل التي يتعين تنظيمها مدة الضمان سواء بالنسبة للعيوب الخفيفة أو بالنسبة‬
‫للعيوب الخطيرة و أجل التقادم وكيفية تقدير التعويض واألسس المعتمدة في ذلك‪.‬‬

‫‪ ‬وينبغي في هذا اإلطار إصدار قانون يحتم إلزامية التأمين على العمل الهندسي خاصة‬
‫بالنسبة للعيوب الخطيرة التي تتهدد البناء‪ ،‬وهو األمر الذي من شأنه تفادي مخاطر إعسار‬
‫المهندس‪.‬‬

‫‪ ‬ويفرض االستثمار األجنبي في موضوع المشاريع اإلنشائية مواكبة القواعد المعمول بها‬
‫على الصعيد العالمي فيما يخص المشاريع الكبرى بالشكل الذي يجعل قوانينا الوطنية منسجمة‬
‫مع التشريعات المقارنة‪.‬‬

‫‪ ‬كما يتحتم من باب تحديد المسؤوليات بشكل واضح إعتماد العقود النموذجية الحديثة التي‬
‫تحدد حقوق و موجبات كل طرف من أطراف العقد بشكل مفصل و متوازن ‪ ،‬حتى يكون الزبون‬
‫أو المستهلك على بينة من العقد الذي يبرمه ومن اآلثار التي تنتج عنه ‪.‬‬

‫‪ ‬توحيد العقود الهندسية بين أقطار الدول العربية كمثل إعتماد العقود النموذجية الصادرة عن‬
‫إتحاد المهندسين العرب‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫شكرا ً على اإلستماع‬

‫‪30‬‬

You might also like