Professional Documents
Culture Documents
منازعات التعمير
أيوب اسويركة
تحت إشراف :
عثمان قديري
~~1
~2~
مقدمة :
يكتسي موضوع التعمير أهمية بالغة في الوقت الحالي ،نظرا للتوسع الحضري والنمـو الديمغرافي المتزايد
اللذين تعرفهما المدن والتجمعات العمرانية فـــي الدول ،وخاصـــة منها الناميـــة ،هـــذه المتغيرات أصبحت
تستوجب البحث عن سياسة تعميرية فـــي مستوى هــذه التحديــات لمالئمة األوضاع االقتصادية واالجتماعية
والسياسية.
فالتعمير حسب بعض المهتمين ،هو مجموعة من اإلجــراءات التقنيـــة والقانونيــــة واالقتصادية واالجتماعيــة
التــي يجب أن تعمــل علـــى تحقيــق نمــو متناســـق ،منسجم ،عقالني وإنسانـــــي للكتل العمرانية.1
كمـــا عرفـــه جون ماري اوبي و روبير ديكو " في مؤلفهمــا المشتــــرك " القــانون االداري " بأنه "
مجمـــوعة الوسائل التنقية و القانونية و االقتصادية و االجتماعية التي يجب ان تسمح بتنمية متناسقة و عقالنية
و إنسانية للكتل " ،ويهدف بشكل عام إلى مسألتين اثنين أولهما تنمية المجتمع وذلك بتنظيـــم الحياة الجماعية
لألفراد المنتمين إليه ،وثانيهما تدبير المجال بغيــة تخطيط التوسع العمراني.
و بالنظر لما يعرفه قطاع التعمير من تدخالت مركبة و متداخلة العناصر نتيجة التقاطع الذي يحصل بين ما
هو عقاري و تقني مع ما هو مالي و اجتماعي و سياسي ،باإلضافة إلى تعدد النصوص القانونية المنظمة له
و تداخلها مع نصوص قانونــية أخــرى و تعدد المتدخلين و عدم وضوح مجال تدخلهم ،فإنه غالبا ما تثار
مـنازعات فــي هذا الصدد ،إذ نجد بعضها تكتسي صفة جنحية صرفة و بالتالي يكون القضاء الجنحي هو
المختص بالبت فيها ،في حين البعض اآلخر يكتسي صبغة مدنية و بالتالي فالقضاء المدني هو المختص هنا،
ثم توجد منازعات التعمير ذات صبغة إدارية تختص المحاكم اإلدارية في البت فيها.
وفي هذا السياق ،كان طبيعيا أن يهتم التشريع المغربي بتنظيم المجال ،وأن تصدر بهذا الخصوص جملة من
النصوص القانونية لضبط اإلشكاالت المتعلقة بمنازعات التعمير ،و من أبرزها القانون رقم 12.90المتعلــق
بالتعميرو القانون رقـــم 25.90المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعـــات السكنية وتقسيــــم العقارات و
المراسيم التطبيقية لهما ،و غيرها من القوانين ذات الصلة بالتعمير .
أهمية الموضوع:
إن التعمير اليـــوم يطرح قضايا ومشاكل أكثر تعقيدا ،وتشعبا من أي وقت مضـــى ،نظــــرا لتباين عناصره
وارتباطه المباشر بالحاجيات اليومية واألساسية للسكان ،قضايا ال يمكن تدبيرها بقرارات مرتجلة ،ألن ذلك
من شأنه أن يساهم في إنتاج مجاالت حضرية غير قادرة على أداء وظائفهـــا التنموية.
و نظرا لألهمية التي عرفها قطاع التعمير ببالدنا فإن هذه األهمية تتنوع على عدة مجاالت :
-أهمية اقتصادية :تتمثل في تحقيق االستثمار و المشاريع من خالل سياسة تعمير ناجحة تساهم في رفع قيمة
العقار داخل المغرب .
- 1األستاذ الهادي مقداد ،السياسة العقارية في ميدان التعمير و السكنى ،الطبعة األولى ،2000،1421مطبعة النجاح الجديدة ،الدار
البيضاء ،ص .18
~~3
-أهمية اجتماعية :تتجسد في حل أزمات السكن العشوائي و ظاهرة البناء بدون رخصة و غيرها من
الظواهر ،و بالتالي تحقيق توازن اجتماعي فيما يتعلق بالتعمير والعمران اللذان يشكالن أساسيات الفرد وضمان
ملكية عقارية بدون مشاكل داخل المجتمع .
-أهمية بيئية :تشكل منازعات التعمير أهمية على المستوى البيئي خاصة فيما يتعلق بحماية الهواء من
التلوث ،مما يفرض وضع مخطط للتعمير عند تحديد المناطق المخصصة لألنشطة الصناعية ومناطق إقامة
المنشآت التي تكون مصدرا لتلوث الهواء .
-أهمية قضائية :خص المشرع المغربي الجهاز القضائي اختصاصات هامة في هذا المجال ،تتجسد في
مراقبة تنفيذ قانون التعمير و قيوده ،وهي رقابة مشتركة بين المحاكم العادية والمحاكم اإلدارية ،كل في حدود
اختصاصه.
اإلشكالية :
انطالقا مما سبق يمكن طرح اإلشكالية التالية:
ما هي أهم منازعات التعمير المثارة أمام المحاكم العادية و المتخصصة وأثرها على المجال العمراني والبيئي؟
و تتفرع عن هذه اإلشكالية مجموعة من التساؤالت كاآلتي:
•ما هي منازعات التعمير المعروضة أمام القضاء ؟
•ما مدى تأثير منازعات التعمير على المجال العمراني ؟
•ما مدى تأثير منازعات التعمير على المجال البيئي ؟
المناهج المعتمدة :
كما هو معلوم في مجال البحث العلمي و خاصة دراسة القانون ،أنه إلنجاز بحث قانوني علمي يشترط سلوك
منهج معين ،و ارتأينا في موضوع عرضنا توظيف المنهج التحليلي و الوصفي للجواب على اإلشكالية
المطروحة.
خطة البحث :
لإلجابة عن هذه اإلشكالية سنحاول االعتماد على التصميم اآلتي:
المبحث األول :منازعات التعمير في التشريع المغربي
المبحث الثاني :تأثير منازعات التعمير على المجال العمراني والبيئي
~~4
المبحث األول :منازعات التعمير في التشريع المغربي
إن التعمير في أساسه هو سياسة تهدف من خاللها السلطات العامة إلى التحكم أكثر و بشكل عقالني في المجال
الترابي قصد تنظيمه و التحكم فيه بما يحقق التنمية الشمولية و المتوازنة لمختلف جهات التراب الوطني ،و
إذا كانت عملية مراقبة هذه القواعد و اإلجراءات تقتصر على اإلدارة المكلفة بالتعمير باعتبارها الجهة
المخولة قانونا للقيام بهذه المهمة ،فإن القضاء يساهم بدوره في القيام بهذه المراقبة ،و بالتالي تنشأ عن التعمير
منازعات مختلفة ومتباينة يتقاسمها كل من القضاء اإلداري والقضاء العادي ،وتنقسم منازعات التعمير أمام
القضاء اإلداري (المطلب األول) إلى منازعات تخص قرارات منح رخص البناء والطعن فيها وأخرى تخص
قرارات إيقاف األشغال والهدم ،أما فيما يخص المنازعات التعمير أمام القضاء العادي (المطلب الثاني) فهي
تنقسم إلى منازعات يختص بها القضاء الزجري وأخرى يختص بها القضاء المدني.
المطلب األول :منازعات التعمير أمام القضاء اإلداري
ال يخفى على أحد ما قد تثيره عمليات التعمير من خالفات و منازعات بين الراغبين في إحداث أشغال البناء
او إحداث تجزئة سكنية او غيرها و بين اإلدارة المعنية المانحة للرخص ،على اعتبار ان التعمير هو مجموعة
من الضوابط و القواعد و كذا اإلجراءات التي تتم صياغتها في شكل قوانين يكون الهدف منها تنظيم المجال
الترابي و التحكم فيه ،وبالتالي فتجاوز أي إخالل قد يصدر عن أي متدخل فيه يمكن أن يؤدي الى المساس
بجمالية العمران و ذلك بمنع أي عملية بناء او تجزئ قد تتم خالفا لهذه الضوابط و القواعد المعمول بها.
و هو ما يدفعنا في هذا الجزء من الدراسة إلى مناقشة منازعات رخص التعمير(فقرة أولى) ،على أن نتطرق
إلى عاوى ايقاف األشغال و الهدم (فقرة ثانية).
الفقرة األولى :منازعات رخص التعمير
إن كل عملية بناء أو إعادة بناء أو إدخال تغييرات و إصالحات على البناءات القائمة و التجزئة تخضع حسب
مقتضيات المادة 40من قانون 90ـ 12المتعلق بالتعمير ،و كذا المادة 2من قانون 90ـ 25المتعلق بالتجزئة
إلى ضرورة الحصول على ترخيص بذلك.
و إذا كان هذا هو المبدأ -ضرورة الحصول على اذن بذلك -فقد يقع في بعض الحاالت ان تكون القرارات
التي بمقتضاها يتم منح هذه الرخص ،سواء كانت صريحة أو ضمنية بالرفض أو القبول ،محل منازعة كسلوك
دعوى الطعن أمام جهة القضاء اإلداري ،الذي يتولى البث في مشروعيتها كسائر القرارات اإلدارية األخرى.
ومن خالل هذه الفقرة سنحاول التطرق لمنازعات رخص البناء في (أوال) ،على أن نتطرق لمنازعات رخص
التجزئات العقارية في (ثانيا).
أوال :منازعات رخص البناء
يعتبر رئيس المجلس الجماعي هو المختص بمنح تراخيص البناء ومستنده في ذلك المادة 101من القانون
التنظيمي رقم 113-14المتعلق بالجماعات والذي ينص على أنه ":يقوم رئيس الجماعة في مجال التعمير
بما يلي ؛ ....منح رخص البناء ،ويتعين عليه تحت طائلة البطالن التقيد في هذا الشأن بجميع اآلراء الملزمة
المنصوص عليها في النصوص التشريعية الجاري بها العمل والسيما بالرأي الملزم للوكالة الحضرية المعنية".
باإلضافة إلى المادة 50من الميثاق الجماعي ،و كذا المــواد 13و 22و 40و 41و 45و 48و55
~~5
و ... 58من القانون 12.90المتعلق بالتعمير ،في حين ورد على سبيل االستثناء اختصاص الوالي أو عامل
العمالة أو اإلقليم بخصوص مجاالت محددة كمنح رخص البناء بالنسبة لألماكن المخصصة إلقامة شعائر
الدين اإلسالمي...
كما أن العامل يقوم بسلطة الحلول مكان رئيس المجلس الجماعي في حالة ما إذا رفض هذا األخير منح رخصة
البناء لصالح من يريد إقامة مشروع استثماري ،ويعد قرار الترخيص بالبناء الصادر عن العامل في هذا
المجال كأنه صدر عن رئيس المجلس الجماعي.
كما أن قرارات الترخيص بالبناء لم يبين المشرع المغربي صيغة منحها من طرف صاحب االختصاص في
ذلك ،هل يجب أن يتخذ القرار الشكل المكتوب أم يكفيه أن يكون شفويا ،و الحال أن الواقع العملي هو أن
يتلقى صاحب الطلب ردا كتابيا بواسطة رسالة غير مضمونة الوصول يعمل على وضعها رهن إشارة صاحبها
حاملة عنوانه الشخصي و تحمل الطابع البريدي ،األمر الذي قد يستعصي معه معرفة تاريخ تبليغ القرار
الحتساب أجل الطعن فيه المحدد في 60يوما.
بحيث يحق لكل ذي مصلحة الطعن في قرارات منح التراخيص من عدمها ،أمام المحكمة اإلدارية مما يعطي
لقاضي اإللغاء صالحية التدخل إما لرفض الطعون المقدمة أو تأييدها بإلغاء هذه القرارات.
و بحسب المادة 43من قانون 90ـ 12المتعلق بالتعمير ،فإن رخص البناء ال تسلم إال بعد التحقق من أن
المبنى المزمع إقامته تتوفر على الشروط التي تفرضها األحـــكام التشـريعية و التنظيمية الجاري بها العمل
خصوصا األحكام الواردة في تصــاميم التـــهيئة ،و أن أي خرق من جانب طالب الرخصة لهذه الضوابط قد
يكون موضوع رفض من طرف السلطة المختصة ،مما قد يدفعه إلي رفع دعوى قضائية للطعن في مشروعية
هذا القرار على اعتبار ان رخصة البناء تعتبر قرارا اداريا قابال للطعن فيه عن طريق دعوى اإللغاء أمام
القضاء اإلداري و هذا ما جاء في احد االجتهادات القضائية مثل القرار رقم 87بتاريخ 1999/02/18في
الملف رقم 98/192الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط حيث جاء فيه ":ان رخصـــة البنـــاء تعتـــبر
قـــرارا إداريا قابال للطعن فيه عن طريق دعوى اإللغاء ،ما دام صادرا عن سلطة إدارية – مجلس جماعي
– و مؤثرا في المركز القانوني للطاعن ،و بالتالي فان المحكمة اإلدارية مختصة بالبت في الطلب الرامي
الى إلغاء هذا القـــرار طبقا للمـــادة 8من القانون رقم 41-90المحدث للمحاكم اإلدارية".
وكيفا كان الحال ،فإن الطعن في قرارات رفض الترخيص بالبناء يجب أن تقيد بشرط آجال الطعن المحدد
قانونا في 60يوما تفاديا لتعسف اإلدارة ،أما إذا تم سحب القرار خارج هذا األجل بدعوى وجود نزاع قضائي
فإنه فضال عن كونه تعسفا ،يعتبر تدخال في نزاع يخرج عن نطاق اختصاص الساحب ، 2وهذا ما ذهب إليه
القضاء اإلداري في عدة أحكام . 3خاصة إذا علمنا أن صالحية اإلدارة في سحب القرار تبقى واردة داخل
أجل الطعن إذا تعلق األمر بقرار غير مشروع.
- 2محمد المحجوبي :دور قاضي اإللغاء في النزاعات المتعلقة بالتعمير :مداخلة بمناسبة الندوة الفصلية والتي نظمتها الجمعية
العمومية الموسعة لمحكمة االستئناف بتطوان يوم 26دجنبر 2004في موضوع تداول العقار بين المساطر اإلدارية ومساطر الحكم.
- 3راجع في هذا الصدد قرار الغرفة اإلدارية رقم 234بتاريخ 25فبراير 1999في الملف اإلداري عدد 99/154/59بين سامية
البقالي ضد رئيس المجلس البلدي لتطوان حيث أيدت الغرفة اإلدارية الحكم القاضي بإلغاء القرار الذي عمل على سحب الرخصة التي
ال تخرق قانون التعمير.
~~6
ومن اإلشكاالت الحقيقية التي تطرح على القضاء اإلداري في هذا الصدد تلك المتعلقة بمدى اختصاص اإلدارة
في مراقبة الجوانب العقارية حين البث في طلبات البناء ،حيث يؤكد البعض 4أنه بالرجوع إلى القانون رقم
12.90المتعلق بالتعمير ومرسومه التطبيقي ال نجد فيه ما يفيد أن طالب الرخصة يشترط فيه وجوبا أن يكون
مالكا للعقار ،غير أنه إذا كان العقار متنازع عليه فقد أكد القضاء في هذه الحالة على ضرورة تسوية النزاع
قضائيا لمعرفة مالك العقار وإال رفض الترخيص بالبناء ،وهذا ما جاء في مجموعة من االجتهادات القضائية
الحديثة ،كاجتهاد محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط والتي أكدت من خالل قرارها الصادر بتاريخ
2015/02/24في الملف رقم 549/7205/2014على أنه ":لما كان الثابت من خالل عناصر المنازعة
ومعطياتها وما تم اإلدالء به من وثائق ومستندات ،كون طرف آخر سبق له وأن تقدم بطلب من أجل
الترخيص له ببناء نفس القطعة األرضية التي تتمسك المستأنفة بكونها هي المالكة لها ،فإن ذلك يعني أن
هناك منازعة جدية حول ملكية هذه القطعة ومن تم فإن مركزها القانوني حيالها يبقى منازع فيه مما يحول
دون منح الترخيص ببنائها إلى أن تتم تسوية وضعيتها القانونية أمام الجهات القضائية المختصة".
وجدير بالذكر أنه في الحالة التي يمتنع فيها المجلس الجماعي عن اإلجابة على طلب الرخصة داخل أجل
الشهرين ،فيعتبر هذا ترخيصا ضمنيا بالبناء ،وتبعا لذلك فالطعن في الرفض الضمني لطلب الترخيص بالبناء،
يجد سنده القانوني في أحكام المادة 48من القانون 12.90والتي تنص على أنه في حالة سكوت مجلس
الجماعة ،تعتبر رخصة البناء مسلمة عند انقضاء شهرين من تاريخ إيداع طلب الحصول عليها ،والمالحظ أن
هناك تضارب قضائي بخصوص الترخيص الضمني فقد سارت مجموعة من المحاكم في نفس نهج المادة 48
من قانون التعمير ،ومن أمثلة هذه المحاكم نجد المحكمة اإلدارية بوجدة ،5و المحكمة اإلدارية بمراكش ،6في
حين اعتبرت محاكم أخرى أن نص المادة 48ال يجب أن يؤخد على إطالقه ،كالمحكمة اإلدارية بالرباط في
قرار لها عدد 2664الصادر بتاريخ 02/06/2015في الملف رقم 723/13/5والذي جاء في ملخصه
بأن ":سكوت رئيس المجلس الجماعي ال يعتبر قط ترخيصا ضمنيا بالبناء ،بل يتعين على طالب الرخصة
إثبات توفره على باقي الشروط األخرى التي تخول له الحق في الحصول على هذه الرخصة".
أما محكمة النقض فقد أكدت ما جاءت به المادة 48في قرار لها عدد 5/1الصادر بتاريخ 07/01/2016
في الملف اإلداري عدد ":1560/4/1/2013حيث صح ما عابت به الوسيلتان القرار المطلوب نقضه ذلك
أن الطاعنة ،وحسب ما عرض أمام محاكم الموضوع وكما هو ثابت في الملف ،بحيث تقدمت بتاريخ
03/03/2009بواسطة مهندس معماري لدى المصالح المختصة بطلب يتعلق بتغيير البناء والقيام بأشغال
توسيع المصحة وأن هذا الطلب قد حضي بموافقة قسم التعمير التابع لوزارة السكنى والتعمير والتنمية
المجالية حسب ما هو وارد في التصميم المدلى به والحامل لعبارة "رأي مطابق" وأن تقديمها لطلب الحصول
على الرخصة الخاصة بالبناء إلى رئيس المجلس البلدي قد بقي بدون جواب وهو ما يعتبر إذنا ضمنيا
بالترخيص بالبناء حسب ما تنص عليه المادة 48من قانون التعمير".
- 4موالي عبد السالم شيكري :مدى اختصاص اإلدارة في مراقبة الجوانب العقارية حين البث في طلبات البناء والتجزيء ،مداخلة
مشارك بها في اليوم الدراسي حول العقار والتنمية المجالية المنظم من طرف المجلس البلدي لتزنيت ومركز الدراسات القانونية المدنية
والعقارية بكلية الحقوق جامعة القاضي عياض 13ماي ،2006ص.3:
- 5حكم رقم 97/465ملف 96/85بتاريخ 09أبريل 1997مشار إليه عند الشريف البقالي :رقابة القاضي اإلداري على مشروعية
القرارات الصادرة في مجال التعمير بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام جامعة محمد الخامس الرباط -2003
2003ص .144
- 6حكم رقم 48ملف 99/35ت بتاريخ 16فبراير 2000بين السيد هضمي المحجوب ضد جماعة آسفي الداودية.
~~7
هذا وتجدر اإلشارة إلى أن الرخصة الضمنية ال تصح إذا كانت متوقفة على رخصة أو رخص إدارية أخرى
مسبقة كما ذهبت إلى ذلك إدارية الرباط.7
ثانيا :منازعات رخص التجزئات العقارية
قد يؤدي إحداث تجزئة عقارية إلى خالفات بين المجزء من جهة وبين اإلدارة المعنية من جهة أخرى وقد تقع
خالفات كذلك مع المستفيدين من بقع التجزئة ،ومن أجل الحد من الشطط في تجاوز سلطة اإلدارة فقد أعطى
القانون للمجزء إمكانية اللجوء إلى القضاء اإلداري للطعن في قرارات اإلدارة ما لم يكن بإمكانه المطالبة
بحقوقه في إطار القضاء العادي والمالحظ أن أغلب المنازعات في هذا الشأن تهم رفض الترخيص ( )1أو
سحبه (.)2
- 1الطعن في قرارات رفض اإلذن بإحداث تجزئة عقارية :
يسلم اإلذن بالتجزيء مبدئيا من قبل رئيس المجلس الجماعي ،إال أنه قد يمتنع عن تسليم اإلذن إما يشكل
صريح أو ضمني فيكون بذلك قراره معرضا للطعن باإللغاء من قبل كل من له مصلحة ،وتسهيال لعملية
الرقابة القضائية وحماية لحقوق الخواص ألزم المشرع اإلدارة بتعليل قرار الرفض حتى يتمكن صاحب الطلب
من االستجابة للمالحظات التي كانت سببا في رفض طلبه . 8ومن بين األحكام التي صدرت في شأن الرفض
الصريح مثال حكم إدارية الرباط بين ودادية “الصياد ، 9″2و رئيس المجلس البلدي للمعمورة بالقنيطرة الذي
اعتبر القرار اإلداري غير المشوب بتجاوز السلطة ،مبررا يجعل طلب اإللغاء غير مرتكز على أساس وموجب
للتصريح برفضه.10
وقد يتم الطعن في الرفض الضمني لطلب اإلذن بإحداث تجزئة حيث يمكن للمجزئ –حسب المادة الثالثة من
قانون - 25.90أن يحصل على موافقة ضمنية إلحداث تجزئة وذلك عند انصرام أجل ثالثة أشهر من تقديم
طلب إحداثها دون الحاجة إلى إجبار رئيس المجلس الجماعي على تسليم اإلذن بالتجزيء ،ولعل هذا ما ذهبت
إليه إدارية الرباط في أحد أحكامها 11حيث قضت بعدم قبول الطلب الرامي إلى الحكم على رئيس المجلس
البلدي بتسليم رخصة تجزئة بعد مرور ثالثة أشهر على تقديم الطلب لتوفر الطاعنين على رخصة ضمنية
بقوة القانون.
وتجدر اإلشارة إلى أن إحداث تجزئات بالمناطق القروية يحتاج إلى إذن تسلمه السلطة المحلية بعد موافقة
رئيس مقاطعة الهندسة القروية عليه ،ويعتبر طلب اإلذن بإحداث هذه التجزئات مرفوضا إذا لم تبث فيه السلطة
المحلية في ظرف ثالثة أشهر .ويحق لصاحب الطلب في حالة الرفض الصريح أو الضمني أن يطلع عامل
- 7حكم رقم 1523بتاريخ 09دجنبر 1997مشار إليه عند الشريف البقالي :مرجع سابق.
- 8تنص المادة السابعة من قانون 25.90على ما يلي”:يجب أن يكون رفض اإلذن في القيام بالتجزئة معلال باألسباب التي تبرره.
ويرفض اإلذن في القيام بالتجزئة بوجه خاص إذا كان العقار المراد تجزئته غير موصول بشبكات الطرق والصرف الصحي وتوزيع الماء
الصالح للشرب والكهرباء وذلك دون إخالل بأحكام المادة 21من هذا القانون”.
- 9حكم عدد 1427بتاريخ 97/11/05ملف رقم .97/22
- 10الشريف البقالي :مرجع سابق ،ص.101 :
- 11الحكم رقم 172بتاريخ 18يونيو 1995في الملف رقم 94/147غ بين عبد الرزاق الحيحي ومن معه ضد رئيس المجلس البلدي
لجماعة اليوسفية بالرباط.
~~8
اإلقليم على ذلك ،والذي يجب عليه البث في األمر في ظرف ثالثة أشهر ويعتبر مشروع التجزئة مصادقا
عليه إذا لم يصدر أي مقرر في بحر هذا اآلجال.12
-2الطعن في قرارات سحب الترخيص بإحداث تجزئة عقارية:
يقصد بسحب القرار اإلداري تجريده من قوته القانونية بالنسبة للماضي والمستقبل فيعتبر بذلك كأنه لم يكن،13
حيث يجوز لإلدارة سحب القرار إذا ارتأت أنه مخالف للقوانين واألنظمة المعمول بها وذلك وفق شروط
معينة ،وفي هذا السياق قضى المجلس األعلى في إحدى قراراته ،14أن سحب الرخصة المذكورة من طرف
اإلدارة بذريعة وجوب انتظار نتيجة ودراسة إمكانية تغيير تصميم التهيئة يكتسي شططا في استعمال السلطة،
حيث ال يمكن إيقاف أشغال التجزئة أو سحب الرخصة المتعلقة بها ،إال إذا ثبت أن المعني باألمر قد أخل
بااللتزامات التي يتحملها في هذا المجال.
ونشير إلى أن المجاالت التي تم التطرق إليها هي مجرد أمثلة فقط تهم ميدان التدبير العمراني ،علما أن
القاضي قد عمد إلى ترسيخ مجموعة من األحكام والمبادئ همت كذلك مجال التخطيط العمراني ،خاصة منها
تلك المتعلقة بالنتائج المترتبة عن المصادقة على تصاميم التهيئة ،ووضع اليد على العقار المنزوعة ملكيته
دون سلوك اإلجراءات القانونية المواكبة إلصدار قرار التخلي ،باإلضافة كذلك إلى مباشرة بعض األعمال
الناتجة عن تصاميم التهيئة دون استئذان القضاء المختص ومن غير تحديد التعويض المستحق من قبل الجهة
المختصة.15
والخالصة أنه إذا كان القضاء اإلداري المغربي قد عبر عن اجتهاده في كثير من المنازعات اإلدارية بشكل
عام ،فإن ميدان التعمير وحسب األبحاث والدراسات المنجزة في الموضوع ،يبقى المجال الذي لم تمتد إليه
رقابة القاضي اإلداري بالشكل الكافي ،نظرا لجملة من األسباب المرتبطة بشكل أساسي بالفرد وأسباب أخرى
تتعلق بتعقد المساطر القضائية واإلدارية.16
الفقرة الثانية :منازعات إيقاف األشغال والهدم
بعد قيام السلطات المختصة بتسليم رخص البناء أو التجزئات العقارية ،يقوم المستفيد من هذه الرخص بالشروع
في األشغال موضوع الرخصة ،كما أن هناك من يقوم بالبناء بدونها ،في هذا اإلطار تثار عدة نزاعات تتصل
بهذه األشغال المراد إقامتها في بداية إنجازها أو حتى حين إحداثها واالنتهاء من إقامتها ،خاصة في حالة
اإلخالل بهذه الرخص وعدم التقيد بضوابط التعمير ،مما يستدعي تدخل السلطات المختصة لتصحيح هذه
األوضاع المختلة في شكل اتخاد قرارات تقضي إما بإيقاف األشغال أو الهدم ،وهذه القرارات تكتسي الصبغة
- 12الفصل 10من الظهير الشريف رقم 063.60.1بشأن توسيع نطاق العمارات القروية كما تم تعديله بالقانون رقم 66.12المتعلق
بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء.
- 13تجدر اإلشارة إلى أن السحب يهم القرارات اإلدارية المعيبة.
- 14قرار رقم 180بتاريخ 25مارس 1999في الملف اإلداري رقم 98/164منشور في مجلة قضاء المجلس األعلى عدد 55ص
.251
- 15للمزيد من التفصيل في هذا الشأن ،يراجع محمد األعرج :المنازعات المترتبة عن تطبيق قانون التعمير في قرارات وأحكام القضاء
اإلداري المغربي ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية –دراسات -عدد ،74ماي – يونيو ،2007ص.61:
- 16الحاج شكرة :آفاق قضاء اإللغاء في مجال التعمير ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية –سلسلة مواضيع الساعد -العدد ،47
،2004ص .248
~~9
اإلدارية بحيث غالبا ما تكون محل طعن قضائي من قبل المعنيين باألمر ،وهذا ما سنتناوله بداية بالطعن في
قرارات إيقاف األشغال (أوال) ،على أن نتطرق للطعن في قرارات الهدم (ثانيا).
أوال :الطعن في قرارات إيقاف األشغال
عندما تعتزم اإلدارة إصدار مقرر إداري تنفيذي ،البد أن تضع نصب عينها الحالة الواقعية للمشكل المطروح
والقاعدة القانونية المتماشية معه ، 17فالسبب في نظر "دي لوبادير" هو " الواقعة الموضوعية السابقة على
القرار والخارجة عنه ،ووجودها هو الذي دفع مصدر القرار إلى إصداره". 18
لذلك من الضمانات التي منحها القانون لألفراد ،اتجاه تعسفات اإلدارة ،هو تسبيب قراراتها ألنه يمكن القاضي
من مراقبة مشروعيتها.
ويراد بتسبيب أو تعليل القرارات ذكر مبررات وأسباب اتخادها مباشرة ضمن البنود المكونة لمنطوقها ،حيث
أصبح التعليل في القرار اإلداري شرطا لمشروعيته ،ويؤدي ذلك إلى اعتبار القرار الخالي من التعليل قرارا
مشوبا بالتجاوز شكال ،ويخرج من نطاق الحماية القانونية ليقع في الالمشروعية.19
فباإلضافة إلى رئيس مجلس الجماعة يختص بإصدار قرار إيقاف األشغال كذلك :ضباط الشرطة القضائية،
ومراقبو التعمير التابعون للوالي أو العامل أو لإلدارة المخولة لهم صفة ضباط الشرطة القضائية ،المخول لهم
صالحية تحرير محاضر بمعاينة المخالفات ،طبقا لما هو منصوص عليه في المادة 65و 67من القانون
12.90المتعلق بالتعمير.
أما اإلشكال القانوني الذي يثار بهذا الخصوص فيتمثل في الطبيعة القانونية ألوامر إيقاف األشغال ،هل تعتبر
ممهدة التخاد اإلجراء المالئم لنوعية المخالفة المرتكبة والتي قد تؤدي إلى صدور قرار بالهدم ،أم أنها تعتبر
في حد ذاتها قرارات إدارية قابلة للطعن فيها باإللغاء للتجاوز في استعمال السلطة؟
فخالفا لما ذهبت إليه بعض المحاكم اإلدارية كالمحكمة اإلدارية بأكادير من خالل حكمها عدد 35/95الصادر
بتاريخ 2005/04/27في الملف عدد 50غ 94/الذي اعتبرت فيه أن قرار إيقاف األشغال من القرارات
الممهدة وبالتالي ال تقبل الطعن ،فإن أغلب المحاكم األخرى كالمحكمة اإلدارية بالرباط كما جاء في حكمها
عدد 873الصادر بتاريخ 2000/11/02في الملف عدد 394غ 99/اعتبرت قرارات إيقاف األشغال وإن
كانت مجرد إجراء احترازي الهدف منه تفادي التمادي في المخالفة المرتكبة من طرف المخالف في انتظار
اتخاد القرار المالئم ،فإنه بالنظر لخطورة هذه القرارات ،وما يمكن أن يترتب عنها من مساس واضح بالمراكز
القانونية والمادية لألطراف ،فإنها تبقى ذات صبغة تنفيذية وبالتالي مستجمعة لعناصر ومقومات القرار
اإلداري ،وقابلة من تم للطعن فيها باإللغاء اعتبارا لآلثار الخطيرة التي يمكن أن تترتب عنها.
- 17موالي إدريس الحالبي الكتاني ،مسطرة التقاضي اإلدارية ( الجزء الثاني ) ،منشورات المجلة المغربية اإلدارة المحلية والتنمية،
سلسلة مواضيع الساعة ،عدد 17سنة ،1998ص.75:
Délaubadére traité élémentaire de droit administratif, éditions L.G.D.J.3ème éditions, Paris 1980,p: - 18
.483
- 19عبد هللا إدريس" ،نظرات في تعليل القرارات اإلدارية شكال ومضمونا حصيلة قضائية وآفاق" سلسلة الندوات واأليام الدراسية العدد
،5أعمال الندوة العلمية الدولية التي نظمتها كلية الحقوق بمراكش يومي 05-04فبراير ،1994ص.45:
~ ~ 10
باإلضافة إلى ذلك ،فقد سبق لهذه المحاكم أن أصدرت عدد من األحكام التي ثبت فيها في مشروعية هذه
القرارات ومدى سالمتها القانونية ،ففي حكم صادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط ،20قضت فيه بإلغاء قرار
رئيس مقاطعة السويسي اآلمر باإليقاف الفوري ألشغال البناء.
ولقد سبق للغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى أن سارت على نفس النهج ،منذ صدور ظهير 30يوليوز 1952
بشأن قانون التعمير المعدل والمتمم بظهير 17يونيو ،1992الصادر بتنفيذه القانون ،90-12من خالل
قرارها عدد 504الصادر بتاريخ 13شتنبر 1984ملف إداري عدد ،2326عندما قضت بإلغاء القرار
الصادر عن رئيس المجلس البلدي لمدينة طنجة والقاضي بإيقاف البناء ،مستندة في تعليلها على الفصلين
19و 20من ظهير 30يوليوز 1952المنظم للتعمير والبناء.
ثانيا :الطعن في قرارات الهدم
لعل أخطر اإلجراءات اإلدارية التي تلتجئ إليها اإلدارة لممارسة مهام الضبط اإلداري وخاصة في مجال
البناء ،ولمحو آثار المخالفات الخطيرة في هذا المجال ،هو إمكانية قيامها بهدم البنايات المخالفة للضوابط
والقواعد القانونية.
وباعتبار قرار الهدم يصدر عن سلطة إدارية ،وأنه مؤثر في الوضعية القانونية للمخاطب به ،وأنه مستجمع
لكافة مقومات القرار اإلداري ،فهو بالتالي قرار إداري قابل للطعن باإللغاء أمام القضاء اإلداري.
ولحماية األفراد من تعسفات اإلدارة ،يمكن تفعيل إجراء وقف التنفيذ ،الذي يحقق أفضل حماية للحقوق
والحريات المكتسبة ،قبل أن ينطق القضاء بكلمته.
وقد حددت القوانين المتعلقة بالتعمير جهتين أساسيتين تختصان باتخاد قرار الهدم ،وهما السلطة اإلدارية
المحلية المتمثلة في الوالي أو عامل العمالة أو اإلقليم(المادة 68من قانون .)12-90
ويجب التمييز بين قرارات الهدم التي يتمم اتخاذها من قبل الوالي أو العامل ،وقرارات الهدم التي يتم اتخاذها
من قبل رئيس المجلس الجماعي في إطار الضوابط المنصوص عليها في القانون التنظيمي رقم 14-113
المتعلق بالجماعات كسلطة من سلطات الشرطة اإلدارية الجماعية ،بحيث تنص المادة 100على أنه ":مع
مراعاة أحكام المادة 110أدناه ،يمارس رئيس مجلس الجماعة صالحيات الشرطة اإلدارية في ميادين
الوقاية الصحية والنظافة والسكينة العمومية وسالمة المرور ،وذلك عن طريق اتخاذ قرارات تنظيمية
وبواسطة تدابير شرطة فردية تتمثل في اإلذن أو األمر أو المنع ،ويضطلع على الخصوص بالصالحيات
التالية ....":مراقبة البنايات المهملة أو المهجورة أو اآليلة للسقوط واتخاذ التدابير الضرورية في شأنها
بواسطة قرارات فردية أو تنظيمية وذلك في حدود صالحياته وطبقا للقوانين واألنظمة الجاري بها العمل"".
وبالتالي فرئيس المجلس الجماعي يمكن أن يصدر قرار الهدم إذا تعلق األمر بالبنايات سابقة الذكر ،وهذا ما
أكدته الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض في قرار 21لها جاء فيه ":لما كان من الثابت من وثائق الملف أن قرار
الترخيص بالهدم عدد 761بتاريخ 14/11/2011صادر عن رئيس المجلس البلدي لمدينة سيدي سليمان
فإن احتجاج الطالبين بكون العامل أو الوالي هو المختص في إصدار مثل هذه القرارات طبقا للمواد
68و69و 70من قانون التعمير يعتبر غير مبرر لنص المادة 50من القانون رقم 78.00المتعلق بالميثاق
- 25الفصل 91من ق ل ع ":للجيران الحق في إقامة دعوى على أصحاب المحالت المضرة بالصحة أو المقلقة للراحة بطلب ،إما إزالة
هذه المحالت ،وإما إجراء ما يلزم فيها من التغيير لرفع األضرار التي يتظلمون منها .وال يحول الترخيص الصادر من السلطات المختصة
دون مباشرة هذه الدعوى".
-الفصل 92من ق ل ع ":ومع ذلك ،ال يحق للجيران أن يطلبوا إزالة األضرار الناشئة عن االلتزامات العادية للجوار ،كالدخان الذي
يتسرب من المداخن ،وغيره من المضار التي ال يمكن تجنبها والتي ال تتجاوز الحد المألوف.
- 26الفصل 71من م ح ع ":ليس للجيران أن يطالبوا بإزالة مضار الجوار المألوفة التي ال يمكن تجنبها وإنما لهم أن يطالبوا بإزالة
المضار التي تتجاوز الحد المألوف على أن يراعى في ذلك العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة لآلخر والغرض الذي خصصت
له.
ال يحول الترخيص الصادر من السلطات المختصة دون استعمال الحق في المطالبة بإزالة الضرر".
~ ~ 13
أمام القاضي المدني ،إال أن المتضرر غالبا ما يقع في حيرة حول المحكمة المختصة للبث في هذه الدعوى
أي مايسمى بإشكالية اإلختصاص للبث في دعوى رفع الضرر.
قبل التطرق إلشكالية اإلختصاص البد أن نفرق بين حالتين تطرحان أمام القضاء المدني وهما الحالة التي ال
ينازع فيها األشخاص الخاصة في شرعية رخصة البناء ،والحالة التي ينازع فيها األشخاص الخاصة قي
شرعية رخصة البناء.
ففي الحالة األولى :حيث تتم إقامة البناء على خالف أحكام ومقتضيات رخصة البناء ،وعندما يسبب أضرارا
للغير فإنه يكون مخالفة لقواعد التهيئة والتعمير من ناحية ،ولقواعد القانون المدني في باب المسؤولية المدنية
للمرخص له بالبناء تجاه الغير من ناحية ثانية ،كعدم مراعاة االرتفاق القانوني المقرر بشكل يتنافى توجيهات
مخطط شغل األراضي أو حالة إقامة البناء على أرض مملوكة للغير.27
أما الحالة الثانية :وهي حالة المنازعة في شرعية رخصة البناء من طرف األشخاص الخاصة ،وفي هذه
الحالة ال يمكن الحكم ضد صاحب بناية إال إذا تم إلغاء هذه الرخصة مسبقا أمام جهات القضاء اإلداري ،وعليه
يكون للغير المتضرر منها دعويان دعوى إلغاء رخصة البناء لتجاوز السلطة أمام القاضي اإلداري ،ثم اللجوء
إلى القاضي المدني إلصالح الضرر الناتج عن المسؤولية المدنية للمرخص له بالبناء من جراء األشغال التي
أنجزت وفقا لهذه الرخصة الملغاة ،ذلك أن رخصة البناء هي قرار إداري والقاضي المدني غير مختص
إللغائه مما يستدعي التصريح بعدم االختصاص النوعي.
وفي كلتا الحالتين قد يتيه المدعي المتضرر بين أقسام القضاء العادي واإلداري ،فقد يقع في لبس حول المحكمة
التي ستكون مختصة للبث في طلب رفع الضرر ،هل أمام المحكمة االبتدائية أم أمام المحكمة اإلدارية ؟
وجوابا على هذا التساؤل قضت المحكمة اإلدارية بأكادير 28في قضية " تتعلق بطلب إلغاء رخصة البناء التي
سلمها رئيس المجلس الجماعي لصاحب البناء ،بعلة أنه سيفتح مطال على منزل الطاعن وسيصبح مصدر
تشويش اجتماعي وصحي ومناخي وعمراني فرفضت المحكمة طلب الطاعن بعلة أن الخبرة المأمور بها
أثبثت أن المدعى عليه احترم تصاميم البناء " .كما ذهبت المحكمة اإلدارية بمراكش 29في قضية "تتعلق بطلب
إلغاء رخصة البناء التي سلمتها بلدية لبناء عمارة وذلك ألسباب متصلة باألضرار التي لحقت بمنزل الطاعن
المجاور للعقار الجارية به أشغال البناء بمقتضى الترخيص المذكور ،رفت المحكمة الطلب لكون الرخصة
صادرة عن جهة مختصة ....ولكون األضرار التي يدعي الطاعن أنها لحقت بمنزله ال ترجع إلى عيب في
رخصة البناء بل هي أضرار لها عالقة بكيفية إنجاز أشغال البناء التي لم يثبت الطاعن مخالفته لتصميم
التهيئة".
يتضح من خالل األحكام المشار إليها المشار إليها أعاله أن منازعة رخصة البناء تطرح مشكل االختصاص
بين انعقاده للقضاء اإلداري وبين انعقاده للقضاء العادي ،فالمتضرر ال يعر بالضبك المحكمة التي يجب أن
- 30الميلود بوطريكي ،منازعات رخصة البناء بين اختصاص القضاء اإلداري والقضاء العادي www.majalah.new.maصفحة
.12
- 31حكم رقم 2007/118صادر بتاريخ 2007/11/01في الملف رقم ( 2007/008غير منشور) .أشارت إليه الذكتورة غيتة
الدكراوي في "منازعات التعمير بين المحاكم اإلدارية والمحاكم العادية" ،مطبعة األمنية ،الرباط – –2019صفحة.155
- 32أشار إليه محمد األعرج ،قانون منازعة الجماعات المحلية ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،سلسلة مواضيع الساعة ،
عدد ،2008صفحة .68
~ ~ 14
يرفع دعواه .لكن المسألة بسيطة إذ يجب التمييز بين حالتين اثنتين وهما :حالة المنازعة في شرعية رخصة
البناء كقرار إداري وهنا االختصاص ينعقد للمحكمة اإلدارية ،أما الحالة الثانية وهي المنازعة في األضرار
التي تسببها هذه الرخصة نتيجة تنفيدها وهنا يكون القاضي المدني هو المتخصص ،غير أن االعتقاد الذي
يسود عند العامة هو أن المحمة اإلدارية هي المختصة للبث في دعوى رفع الضرر على اعتبار أن الفرع يتبع
األصل فيرفع المتقاضي المتضرر دعواه أمام قاضي اإللغاء وهنا يصطدم طلبه بعدم القبول ،ألن األصل عو
رفع الدعوى أمام القاضي المدني الذي يعتبر مختصا طبقا للفصل 91من ق ل ع وكذا الفصل 71من قانون
39.08المتعلق بمدونة الحقوق العينية.
ثانيا :دور القاضي المدني في مجال رفع دعوى الضرر
إذا كان القاضي اإلداري يقيم نوعان من الموازنة بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة وذلك من خالل
سهره على احترام مقتضيات قانون التعمير والتجزئات ،وفي نفس الوقت يحرص على حماية الملكية الخاصة
كحق مقدس ومحمي دستوريا ،فإن القاضي المدني بدوره يضع بصمته في هذا المجال وذلك من خالل رفعه
للضرر الذي يصيب الجار نتيجة رخصة بناء أوتجزيء ،مما يجعلنا نطرح التساؤل حول مظاهر هذه الحماية
التي يمارسها القاضي المدني في هذا المجال؟
من بين شروط دعوى رفع الضرر وجود عالقة سببية بين الفعل الضار الصادر من الجار والضرر الذي
حصل للجار المتضرر ،وفي هذا اإلطار ذهبت ابتداية لفقيه بن صالح في قضية 30عرضت عليها" ،حيث
يعرض فيها المدعي بأن المدعى عليها التي تقطن بالمنزل المجاور له أحدثت ثقب بحائطها مما جعل حائطه
يعرف تصدعا بسبب الطرق العنيف ملتمسا قبول الطلب شكال وموضوعا أساسا الحكم على المدعى عليها
برفع الضرر الذي ألحقته بجداره والحكم بتعويض قدره 5000درهم وتحميل المدعى عليها الصائر،
واحتياطيا األمر تمهيديا بإجراء خبرة.وبعد إجراء الخبرة خلص التقرير المنجز بشأنها أن المدعي يجاور
منزل المدعى عليها من جهة اليمين وقد ظهر على جزء من جدار غرفة المدعي الموالية لجدار المدعى عليها
آثار للتصدع ،إال أنه عند معاينة الخبير للجهة الموالية للمدعى عليها تبين له عدم وجود جدار حجري على
سمك 30سنتيما من جهة المدعي وال يظهر عليه أي آثار للحفر أو ثقب يؤدي إلى جدار المدعى عليه أو آية
آثار للضرب أو العنف على هذا الجدار ،وأن التصدع موضوع الدعوى راجع إلى عملية الترميم الناقصة لهذا
الموقع مما جعله مع مرور الزمن تظهر عليه عالمات التشقق والتصدع ،األمر الذي تبقى معه عالقة السببية
بين فعل المدعى عليها وبين التصدع الموجود بمنزل المدعى عليه غير قائمة مما يبقى معه طلب المدعي غير
مؤسس على سند قانوني سليم ويتعين رده ".
يتضح من خالل هذا الحكم أن المحكمة ال تبث في طلبات رفع الضرر باالستجابة أو الرفض ،إال إذا أمرت
بإجراء خبرة كون المحكمة ال تتوفر على العناصر الكافية للبث في القضية ،فالقاضي المدني له دور كبير في
حماية حقوق األفراد خاصة الجيران إذ يسهر على تطبيق الفصل 91و 92من ق ل ع بكل فعالية وال يتوانى
- 33حكم ابتدائية الفقيه بن صالح رقم 10/138صادر بتاريخ ( 2011/02/02غير منشور) ،أشارت إليه الذكتورة غيتة الدكراوي
في " منازعات التعمير بين المحاكم اإلدارية والمحاكم العادية" ،مطبعة األمنية ،الرباط – - 2019صفحة .160
~ ~ 15
في االستجابة إلى طلب رفع الضرر متى اتضح له خروج الضرر الذي يتحمله الجار عن األضرار األلوفة
التي يتحملها الجيران ،معتمدا في ذلك بشكل أساسي على نتائج الخبرة كإجراء من إجراءات التحقيق.31
الفقرة الثانية :منازعات التعمير التي يختص بها القضاء الزجري
تعتبر قواعد التعمير والبناء المنصوص عليها قانونا بمثابة اإلطار الذي يجب ان يحترمه كل من يباشر عملية
من عمليات البناء ،و تطبيق هذه القواعد واحترام هـــذا اإلطار ال يمكن ان يكـــون فعليا اال اذا تمــت حمايته
بمجموعة من التدابير الزجرية التي تهــدف اساسا الى الوقاية وتفادي كل مخالفة قبل وقوعها ،من أجل ضمان
مراقبة أفضل لميدان التعمير والبناء و الحيلولة دون قيام بناء عشوائي او غير قانوني ،لهذا من خالل هذا
المطلب سنحاول التطرق إلى أنواع المخالفات في ميدان التعمير(أوال) ،والتدخل الزجري للقضاء في مجال
التعمير(ثانيا).
أوال :أنواع المخالفات في ميدان التعمير
يقصد بالمخالفات في ميدان التعمير القيام بأعمال وتصرفات مخالفة للنظم والضوابط المنصوص عليها في
القوانين المنظمة 32لكل من قانون التعمير رقم 12.9033والقانون رقم 25.9034المتعلق بالتجزئات العقارية
والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات ،ويبقى أهم قانون يتطرق لهذه المخالفات بشكل مفصل هو القانون رقم
12.6635المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء الذي صدر مؤخرا بتاريخ 25غشت
2016والذي عدل وتمم بموجبه المشرع المغربي القوانين السالف ذكرها ،والذي جاء باألساس من أجل
مواجهة الخروقات واالختالالت التي يعرفها هذا الميدان وتبيان مختلف أنواع المخالفات وتجاوز اإلكراهات
القانونية والعملية التي كانت تطرحها ،ولهذا سنقسم هذه الفقرة للحديث عن المخالفات التي لها عالقة برخص
ماقبل البناء (أ) والمخالفات التي لها عالقة برخص مابعد البناء (ب).
المخالفات المتعلقة برخص التعمير ماقبل البناء :
الترخيص اإلداري في مجال التعمير والبناء ال يكون إال في المجال العمراني القانوني المنظم وبعبارة أكثر
وضوحا فإن مجال إعمال وتطبيق الرخص ال يكون إال في المناطق المشمولة بمخططات التعمير وتصاميمه،
و عموما يمكن القول أن الرخص التمنح إال بالتأكد من توفر عدة شروط قانونية ،وكل تقاعس في الحصول
على هذه الرخص يرتب مسؤولية صاحبها ،فماهي أهم المخالفات المتعلقة برخص ماقبل البناء واالشكاليات
التي تطرحها على المستوى العملي ؟
~ ~ 16
البناء أوالتجزيء بدون رخصة :
-البناء أو الشروع في البناء بدون رخصة :
يشكل البناء بدون رخصة مسبقة في المناطق التي تستلزم ذلك مخالفة تستوحب معاقبة مرتكبها ،وهذا ما
نصت عليه صراحة المادة 40من مدونة التعمير التي تم تعديلها بموجب القانون رقم 12.66إذ جاء فيها
"يمنع القيام بالبناء دون الحصول على رخصة لمباشرة ذلك " ..و تجدر اإلشارة أن الجهة المختصة بتسليم
الرخص هو رئيس مجلس الجماعي وهذا ما أشارت له المادة 41من قانون ،12.66وعندما نتحدث عن
مخالفة البناء بدون رخصة كجريمة يعاقب عليها القانون نستحضر المادة 64من قانون التعمير كما تم نسخها
و تعويضها بمقتضيات آخرى بموجب القانون رقم 12.66والتي تجري في ذات السياق بحيث جاء فيها" :يعد
ارتكاب األفعال المبينة أدناه مخالفة للقانون الجاري به العمل في مجال التعمير:
إنجاز بناء أو الشروع في إنجازه:
-من غير رخصة سابقة
وقد قامت المادة أعاله بتعداد أهم أنواع المخالفات التي لها عالقة برخص ماقبل البناء ،والتي تتجلى باإلضافة
الى البناء من غير رخصة كإنجاز بناء أو الشروع في إنجازه:
-دون احترام مقتضيات الوثائق المكتوبة و المرسومة موضوع الرخص المسلمة في شأنها.
-في منطقة غير قابلة الستقبالها بموجب النظم المقررة.
-فوق ملك من األمالك العامة أو الخاصة للدولة والجماعات الترابية وكذا األراضي التابعة للجماعات الساللية
بدون رخصة سابقة يجب الحصول عليها قبل مباشرة ذلك من طرف السلطات الوصية على تسيير هذه األمالك.
وبخصوص مسألة الرخص الضمنية والتي كانت تطرح عدة مشاكل على مستوى الواقع العملي أو القانوني
فالمشرع المغربي من خالل المادة 48من قانون التعمير بعد تعديلها قد تجاوز هذه المسألة بحيث قضت بأنه
" في حالة سكوت رئيس مجلس الجماعة تعتبر رخصة البناء مسلمة عند انقضاء أجل شهرين من تاريخ إيداع
طلب الحصول عليه.
-التجزئ بدون رخصة مسبقة :
بخصوص المستجدات التي أضفاها القانون رقم 12.66على القانون رقم 25.90في الشق المتعلق بضبط
وزجر المخالفات أنه في المادة 63اعتبر إحداث تجزئة عقارية أو مجموعة سكنية أو القيام بالبناء من غير
الحصول على إذن سابق بذلك أو العمل على تقسيم مخالف لمقتضيات المادة 58من نفس القانون بدون
ترخيص من الجهات المختصة بمثابة مخالفة توجب مؤاخذة صاحبها ،36وقد قضت المحكمة اإلبتدائية بصفرو
في الملف الجنحي بالتالي " إن المحكمة لما أدانت المتهم من أجل النصب وتقسيم وتجزئة عقار وبيعه دون
ترخيص اعتمادا على اعترافه بإقدامه على تقسيم العقار و بيعه قطع ارضية من أجل إقامة بناء عليها من غير
أن يحصل على أي ترخيص بذلك ،تكون قد عللت قرارها تعليال سليما " .37
- 36هشام صبري ،قراءة في المقتضيات الزجرية للقانون رقم 66-12المتعلق بالتعمير مقال منشور بالمجلة المغريية للقانون
الجنائي والعلوم العدد 4/5السنة 2017ص .172
- 37قرار عدد 286الصادر بتاريخ 20مارس 2013في الملف الجنحي عدد .10270/6/5/2012
~ ~ 17
مخالفة رخصة البناء :
إن ضبط مجال التعمير ال يعني فقط الحصول على رخصة البناء للقيام بكل األشغال المرغوب فيها ،بل البد
من احترام مضمون الرخصة و التصاميم المرفقة بها والتي كانت موضوع مصادقة من طرف اللجنة التقنية
التي تتولى دراسة طلبات رخص البناء والبث فيها 38وعدم الخروج عن مقتضاها وذلك بضرورة التقييد
بمضمونها حصرا ،ألن ما نالحظه غالبا هو مخالفة التصاميم بعد تسليم الرخصة لصاحبها إذ يقوم المخالف
بإدخال تعديالت عليها ،مما يجعل هذا الفعل يقع تحت طائلة الممنوع ،وبالتالي تسري عليه األحكام الجزائية
الواردة في قوانين التعمير عموما وقانون زجر المخالفات رقم 12.66بشكل خاص .فمخالفة التصميم
المرخص كانت دائما تعتبرها المحاكم بمثابة البناء بدون ترخيص و يسري عليها نفس الحكم وفي هذا اإلطار
صدرحكم عن ابتدائية صفرو 39سنة 2016جاء في إحدى حيثياته " حيث يستفاد من وثائق الملف ومستنداته
وخاصة الشكلية المقدمة من طرف السيد رئيس المجلس الجماعي لصفرو أنه بتاريخ 2016/01/06ضبط
المتهم من طرف األشخاص المكلفين بمراقبة البناء وهو يقوم بالبناء بدون رخصة والمتمثل في :مخالفة
التصميم المرخص بتاريخ 3مارس 2016تحت عدد 69وذلك بإحداث الدرج بالملك العمومي ،فتح نوافذ
للقبو من جهة اليمين مع إحداث قبو ثاني تحت القبو المرخص ..وحيث أن المتهم بإقدامه على مباشرة البناء
من غير الحصول على إذن صريح أو ضمني من الجهة المختصة يكون قد خرق أحكام المادة 40من الظهير
الشريف المتعلق بالبناء و يتعين بالتالي مؤخداته من أجله ".40فالمحكمة بتوجهها ذلك اعتبرت أن إضافة طابق
خارج مضمون الرخصة يعتبر بمثابة بناء بدون رخصة ،وهو توجه صائب إذ ال يحق لألشخاص اإلختباء
وراء ترخيص بمضمون محدد ويفعلون به ما يشاءون 41فقيام المخالف بإدخال تغييرات على بناء موجود دون
الحصول على رخصة بذلك عبر اتباع مجموعة من المساطر القانونية يجعل الفعل مجرما يجب مؤاخذته
عليه".
المخالفات المتعلقة برخص مابعد البناء :
نصت المادة 55من قانون التعمير" ال يجوز لمالك المبنى أن يستعمله بعد انتهاء األشغال فيه إال إذا حصل
على رخصة السكن إذا تعلق األمر بعقار مخصص للسكن أو على شهادة المطابقة إن تعلق األمر بعقار
مخصص لغرض أخر غير السكن "...فباستقراء هذه المادة يتضح أن عدم الحصول على رخصة السكن من
الجهات المختصة إذا تعلق األمر بعقار مخصص للسكن بعد تشييده يشكل مخالفة توجب مؤاخدة فاعلها ،ونفس
األمر بالنسبة لبناء وتشييد عقارات مخصصة لغرض غير السكن حيث يجب بالضرورة الحصول على
- 38سعيد الوردي ،مراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء مطبعة آنفو-برانت 12شارع القادسية -الليدو -فاس الطبعة األولى
.2017
- 39حكم عدد 1533في الملف عدد 1173-16بتاريخ 4يوليوز 2016أشار إليه سعيد الوردي م.س .ص .35
- 40وفي حكم اخر صادر عن نفس المحكمة من ضمن ما جاء في حيثاته ما يلي:
"...حيث يستفاد من وثائق الملف ومستنداته وخاصة المقدمة من طرف السيد رئيس المجلس الجماعي لعين تمكناي أنه بتاريخ 25
يناير 2016ضبط المتهم من طرف االشخاص المكلفين بمراقبة البناء وهو يقوم بالبناء بدون رخصة والمتمثل في ما يلي:
تجاوز مضمون الرخصه عدد 83بتاريخ 4نونبر 2015وذلك ببناء طابق أرضي و الطابق االول على مساحة حوالي 120متر مربع
في محل سكناه وحيث ان المتهم باقدامه على مباشرة البناء من غير الحصول على إذن صريح او ضمني من الجهه المختصة يكون قد
خرق احكام المادة 40من الظهير الشريف المتعلق بالبناء مؤاخدتة من أجله وحيث يتعين الحكم على المخالف بهدم البناء غير المرخص
به على نفقته تطبيقا للمادة 66من القانون المتعلق بالتعمير"...حكم عدد 2007صادر عن المحكمة االبتدائية بصفرو في الملف
عدد 16-1361بتاريخ 21نونبر .2016
- 41سعيد الوردي م.س ص . 36
~ ~ 18
ترخيص بذلك حتى يتسنى شغلها هي األخرى تحت طائلة المسؤولية .وبهذا يتضح أن القانون رقم 12.66
المتعلق بضبط وزجر المخالفات ألزم المستفيد من السكن بضرورة الحصول على رخصة السكن وشهادة
المطابقة حتى ولو تولى مهندس معماري إدارة األشغال ،42فشهادة هذا األخير وفق هذا القانون تعفي من القيام
بالمعاينة ال أقل وال أكثر.
وباإلضافة الى ماذكر أعاله فقد أشارت المادة 40من قانون التعمير بعد تعديلها وتتميمها بالقانون رقم 12.66
إلى رخص جديدة يجب بالضرورة الحصول عليها وذلك في حالة إدخال تغييرات على بناء موجود دون
الحصول على رخصة وكذلك فيما بتعلق بإدخال تغييرات كيفما كانت طبيعتها على واجهة بناية من دون
الحصول على رخصة ،ومن الرخص الجديدة كذلك ما يسمى برخصة تسوية البناء غير القانوني و التي يسلمها
رئيس الجماعة لطالبها بعد موافقة الوكالة الحضرية ،زد على ذلك رخصة اإلصالح هي األخرى من نفس
الجهه وذلك في المناطق الخاضعة إللزامية الحصول على رخصه البناء دون إحراز الرخص األخرى و دون
استشارة السلطات اإلدارية األخرى المعينة بميدان التعمير والبناء ،إال أنه أهم هذه الرخص الجديدة على
اإلطالق ما يسمى برخصة الهدم أشارت إليها المادة 63مكرر مرة وهي رخصة تسلم من قبل رئيس الجماعة
سواء تعلقت بالهدم الجزئي أو الكلي لبناية من البنايات داخل أجل شهر إال أن المالحظ على هذه المادة أن
المشرع لم يحدد آجال معينة للبث في هذه الطلبات المتعلقة برخصة الهدم ،كما أنه لم يبين مآل طلب المستفيد
بعد انقضاء آجال الشهر 43المذكور مما سيطرح إشكاالت عملية ال محالة ؟
يتضح لنا من خالل مقتضيات هذه المادة أن كل إصالح أو تغيير ال يسبقه الحصول على ترخيص بذلك يرتب
المسؤولية ويجعل ذلك الفعل مشوبا ومن تم خرقا للقانون ومخالفة توجب زجر فاعلها.
ثانيا :التدخل الزجري للقضاء في مجال التعمير
تهدف المقتضيات الزجرية الواردة في قوانين التعمير الى حماية النظام العام االجتماعي وتنظيم نطاق توزيع
المجال العمراني للمدينة وعدم المس بجماليتها نظرا لإلرتباط الوطيد بين التعمير والظروف الصحية
واإلقتصادية للمجتمع ككل .44هذا الدور المؤثر لسياسة التعمير هو الذي دفع المشرع الى تضمين نصوص
زجرية تساهم عبر تدخل القضاء لتطبيقها في حماية وضبط المجال العمراني .من خالل إضافة الصفة اآلمرة
على معظم نصوص هذه القوانين .بعد اإلطالع على المقتضيات الزجرية التي جاءت بها قوانين التعمير اتضح
أنها تضم المخالفات وكذلك الجنح ،إذ أن جل الجزاءات المقررة بهذا الخصوص تتراوح ما بين الغرامات،
المالية والعقوبات الحبسية .مما يعني أن التنظيم التشريعي لهذا المجال لم يتصور جرائم تصل الى صف
الجنايات .لعل هذا ما يؤكد ضعف التجريم والعقاب الذي ينعكس سلبا على المجال برمته.
وقد نصت المادة 71من القانون " 12.90يعاقب بغرامة من 10000الى 100الف درهم ،كل من باشر
البناء أو شيده من غير اذن سابق ،او في منطقة غير قابلة بموجب النظم المقرر ألن يقام بها المبنى المشيد
- 42الحاج شكرة قراءة في القانون رقم 66. 12المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء المجلة المغربية
لإلدارة المحلية والتنمية العدد 133مارس ابريل 2017ص .90
- 43الحاج شكرة ،مرجع سابق ص .91
- 44جياللي بوحيص ،دور القضاء الزجري في مجال مخالفات البناء " سلسلة ندوات المحكمة اإلبتدائية بالريصاني" عدد
.2003/2
~ ~ 19
أوالموجود في طور التشييد .إذا عاد المخالف إلى اقتراف نفس المخالفة داخل السنة الموالية للتاريخ الذي
صدر فيه الحكم القاضي بالمخالفة مكتسب لقوة الشيء المقضي به ،يعاقب بالحبس من شهر الى 3أشهر.
ويعاقب كذلك بالغرامة المنصوص عليها في الفقرة األولى من الماده 71من القانون 12. 90كما تم تعديله
وتتميمه كل من ادخل تغيرات على العقار من غير الحصول على رخصة الترميم او البناء .ويعاقب ايضا
بغرامة من 2000الى 20الف درهم .كل من قام بإدخال تغيير على واجهة البناية من دون الحصول على
رخصة بذلك كيف ما كانت طبيعة هذا التغيير.
أما في حالة استعمال المالك المبنى لنفسه من غير ان يحصل على رخصة السكن أو شهادة المطابقة من
السلطات المختصة يعاقب بغرامة من 5000الى 50الف درهم .بينما إذا جعل المالك هذا المبنى في متناول
الغير من اجل استعماله ،قبل أن يحصل على رخصة السكن وشهادة المطابة يعاقب المالك بغرامة من 10000
إلى 100الف درهم ،هذا إضافة إلى العديد من العقوبات الزجرية التي جاء بها قانون 12.66إذ تبقى النتيجة
األساسية من وراء هذه العقوبات هي تلك التي جاءت بها المادة 80-1من نفس القانون إذ أوجبت على المحكمة
في حالة اإلدانة ان تحكم على نفقة المخالف بهدم األبنية موضوع المخالفة وبإعادة الحالة الى ماكانت عليه.
وهو أمر تتواله لجنة إدارية بعد توصلها بالمقرر القضائي النهائي.
كما هو الشأن بالنسبة للتجريم والعقاب في نطاق قانون .12.90فإن المشرع المغربي اعتمد نفس النهج في
إطار القانون رقم 25. 90كما عدل وتمم هو اآلخر .إذ نص على العقوبة السالبة للحرية إضافة الى العقوبات
المالية ،وتتجسد أبرز العقوبات المالية في الغرامة ما بين 100الف الى خمسة ماليين درهم في حالة القيام
بتجزئة سكنية من غير إذن مسبق أو القيام بتقسيم مخالف ألحكام المادة 51من قانون 25.90كما تم تعديله
وتتميمه ،كذلك العقوبة بغرامة مالية تتراوح بين 100الف درهم و 200الف درهم في حالة القيام بتجزئة
فوق ملك الدولة العام أو الخاص أو ملك تابع للجماعات الساللية من غير الحصول على األذون المنصوص
عليها في األنظمة الجاري بها العمل .هذا إضافة الى الغرامة ما بين 50الف الى 100الف درهم في حالة
اإلخالل بمقتضيات مسك دفتر الورش .بالنظر تقريبا لنفس االعتبارات التي سبق ان أشرنا إليها بخصوص
قانون 12.90نجد ان المشرع لم يكتفي في قانون التجزئات العقارية بالغرامات لوحدها ،بل قام بالتنصيص
ايضا على عقوبات حبسية تساهم الى حد ما في ضبط هذا المجال هو األخر والحفاظ على األسس التي ينبني
عليها .وبهذا نجد المادة 66من القانون 25.90تعاقب بالحبس من سنة الى خمس سنوات وغرامة مالية ما
بين 100الى 200الف درهم كل من قام بإحداث تجزئة سكنية في منطقة غير قابلة إلستقبالها بموجب النظم
المقررة .نفس العقوبة تم اقرارها بموجب الفصل 67من نفس القانون في الحالة التي يتم فيها البيع أو اإليجار
أو القسمة أو العرض للبيع أو اإليجار بقعة قبل اإلذن باحداثها أو لم تكن محل التسلم المؤقت لألشغال ،مع
مراعاة األحكام المتعلقة ببيع العقار في طور اإلنجاز.
وأخير من خالل المقارنة ابسيطة بين القانون 12.90والقانون 25.90بعد التعديل اتضح جليا أن المشرع
شدد نوعا ما العقوبات التي جاء بها في التعديل الجديد إذ نص على العقوبات الحبسية إضافة الى الغرامات،
في بعض الحاالت التي يكون لها تاثير خطير على مجموعة من النظم .وذلك من أجل ضبط المجال العمراني
والبيئي .
~ ~ 20
المبحث الثاني :تأثير منازعات التعمير على المجال العمراني والبيئي
إن القضايا و المنازعات المثارة بخصوص التعمير ،وما يرافقها من غموض في االختصاصات بين المتدخلين
في هذا القطاع الحيوي ،قد ساهم في عرقلة النمو الطبيعي للمدينة المغربية ،و أدى إلى انعكاسات سلبية على
مستوى التخطيط و التدبير العمراني و المجال البيئي ،و عليه سوف نعالج في هذا المطلب تأثير هذه المنازعات
على المجال العمراني (المطلب األول) ،ثم نبرز تجليات هذه المنازعات على المجال البيئي (المطلب الثاني) .
المطلب األول :تأثير منازعات التعمير على المجال العمراني
تشكل منازعات التعمير واإلسكان مشاكل كبيرة بسبب ارتباطها الوثيق بحق الملكية وتجد اإلدارة نفسها في
كثير من األحيان بين سندان تدبير هذا المرفق الحيوي ومطرقة احترام الحقوق وتجنب أي تعسف في ممارسة
سلطاتها طالما أن التوفيق بين طرفي هذه المعادلة كثيرا ما يكون أمرا صعبا إن لم نقل مستحيال ،و عليه
سنحاول التطرق في هذا المطلب الختصاص اإلدارة المكلفة بالتعمير بالنظر في الجوانب العقارية (الفقرة
األولى) ،ثم الوقوف على تجليات تأثير هذه النزاعات على التدبير العمراني (الفقرة الثانية).
الفقرة األولى :اختصاص اإلدارة المكلفة بالتعمير في الجوانب العقارية للتدبير العمراني
إذا كان من المفروض أن يجد تدخل اإلدارة المكلفة بالتعمير في الميدان العقاري مرجعيته في النصوص
القانونية والتنظيمية المعمول بها ،فإن تفحص هاته األخيرة يكشف عن غموض كبير يلف هذا الجانب ،ففي
الوقت الذي ال نجد في القانون 12.90المتعلق بالتعمير والمرسوم الصادر لتطبيقه سنة 1993ما يستشف
منه اشتراط الملكية في ملف طلب الحصول على رخصة للبناء ،وال حتى اإلشارة إلى الوثيقة التي ينبغي أن
يتضمنها الملف بهذا الشأن (رسم عقاري ،شهادة ملكية ،استمرار ،انتفاع ،)…،نصادف لبسا كبيرا على
مستوى القانون 25.90المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات ،حيث أن المشرع
يتحدث عن صاحب التجزئة وصاحب الشأن وال يستعمل مصطلح " المالك " 45
ولعل ما زاد هذا األمر غموضا ،ما جاءت به بعض الدوريات في هذا الشأن ،فالدورية الوزارية عدد
2000/1500المتعلقة بتبسيط مسالك ومساطر دراسة رخص البناء وإحداث التجزئات العقارية والمجموعات
السكنية وتقسيم العقارات ،قد اعتبرت شهادة الملكية ضمن الوثائق التي يستوجبها طلب الحصول على رخصة
البناء ،46بالنسبة إلى المشاريع المتواجدة داخل الجماعات الحضرية والمراكز المحددة والمناطق المحيطة
والمناطق ذات الصبغة الخاصة ،دون اشتراطها ضمن الوثائق التي يستوجبها طلب رخصة البناء بالنسبة إلى
المناطق األخرى ،األمر الذي يستنتج معه غياب خيط واضح بالنسبة لواضع الدورية ،حيث ال يعقل أن يتم
اشتراط شهادة الملكية في مناطق دون أخرى ،هذا دون أن ننسى دورية وزير الداخلية عدد 398المؤرخة
في 28مارس 1996في شأن نطاق إلزامية رخصة البناء في الوسط القروي وشروط تسليمها حيث جاء فيها
بأن " المهمة األساسية المنوطة بمختلف المصالح اإلدارية المتدخلة في ميدان التعمير بصدد دراسة طلبات
- 45مالكي احمد :التدبير العمراني بين اكراهات العقار ومتطلبات التنمية .مداخلة بمناسبة اليوم الدراسي المنظم حول “العقار والتنمية
المجالية بتزنيت” من طرف مركز الدراسات القانونية والمدنية والعقارية وبلدية تزنيت يوم السبت 13مايو 2006بتزنيت ،ص .3
- 46لقد جاءت الصيغة في هذا الشأن كما يلي :شهادة ملكية البقعة أو البناء القائم أو البناء المزمع تغييره أو كل وثيقة تقوم مقامها أو
تخول لصاحب الشأن حق القيام بالبناء أو التغيير المزمع إنجازه.
~ ~ 21
رخص البناء هي السهر على احترام المقتضيات القانونية والتنظيمية الخاصة باستعمال األراضي واالرتفاقات
المرتبطة بها دون االهتمام بالملكية العقارية اهتماما مفرطا ،علما أن النزاعات المحتملة بين األشخاص بهذا
الخصوص هي من اختصاص المحاكم".
وفي السياق نفسه ،توصلت الوكاالت الحضرية بدورية من الوزارة الوصية عليها عدد 9510بتاريخ 16
يونيو 2003بخصوص الجوانب التي يشملها رأي الوكاالت الحضرية فيما يتعلق بدراسة المشاريع العمرانية
المعروضة عليها ،تنص على ضرورة اقتصار الوكاالت الحضرية حين دراسة الطلبات المتعلقة بمشاريع
تقسيم األراضي وتجزئتها وإقامة المجموعات السكنية والمباني على الجانب التقني المتعلق بالتعمير ،وترك
الجانب العقاري في هاته المشاريع للجماعات المعنية المختصة في الموضوع للنظر فيه ،47حيث أن هذه
الدورية تجعلنا نتساءل عن السند القانوني المعتمد لسحب نظر الوكاالت الحضرية في الجوانب العقارية مع
أن البند الرابع من المادة الثالثة من ظهير 10شتنبر 1993المحدث للوكاالت الحضرية قد جاء عاما ولم
يفصل بين الجوانب العقارية والجوانب التقنية المتعلقة بالتعمير ،48كما نتساءل كذلك عن السند القانوني
المعتمد الذي تم بواسطته منح اختصاص النظر في الجانب العقاري للجماعات أمام غياب أي نص مرجعي
في الموضوع.
و تؤكد المعطيات السابقة بما ال يدع مجاال للشك ،عدم وضوح الرؤية بهذا الخصوص عكس بعض التشريعات
المقارنة التي اتسمت بالوضوح ،فالمشرع المصري ،بغض النظر عن موقفنا من ذلك ،نص في المادة العاشرة
من القانون رقم 106لسنة 1976في شأن توجيه أعمال البناء وتنظيمها على ما يلي:
" يكون طالب الترخيص مسؤوال عما يقدمه من بيانات متعلقة بملكية األرض المبنية في طلب الترخيص؛
وفي جميع األحوال ال يترتب على منح الترخيص أو تجديده أي مساس بحقوق ذوي الشأن المتعلقة بهذه
األرض".
أما بالنسبة إلى التجزئات العقارية وإن كان المشرع المغربي أكثر وضوحا باشتراطه أن تكون األرض المراد
تجزئتها محفظة أو بصدد التحفيظ شريطة أن يكون األجل المحدد لتقديم التعرضات قد انصرم دون تقديم أي
تعرض ،فإن سؤال حدود صالحية تدخل اإلدارة المكلفة بالتعمير يبقى مطروحا خاصة حينما يتعلق األمر
برسوم عقارية تتضمن تقييدا احتياطيا أو ارتفاقا من ارتفاقات القانون الخاص ،أو غير ذلك من الضمانات
والحقوق أو مملوكة على الشياع.
فبغض النظر عن التباينات التي يعرفها الموضوع واالختالفات التي أفرزتها الممارسة اإلدارية ،فإن األمر
يستوجب تدخال تشريعيا لسد الفراغ في هذا الشأن من جهة وتحقيق االستقرار القانوني من جهة أخرى وإن
كنا ال ننادي بالفصل التام بين التعمير والتحفيظ العقاري كما ال ننادي كذلك بالربط التام بينهما ،حيث يستوجب
- 47من المبررات التي اعتمدت عليها الدورية المذكورة في هذا الشأن تعرض الوكاالت لالنتقاد لكونها تعرقل مشاريع استثمارية ،إضافة
إلى الزج بها في بعض األحيان في نزاعات أمام المحاكم.
- 48ينص البند الرابع على أن الوكالة الحضرية تتولى في نطاق اختصاصها إبداء الرأي في جميع المشاريع المتعلقة بتقسيم وتجزئة
األراضي وإقامة المجموعات السكنية والمباني وذلك داخل أجل أقصاه شهرا ابتداء من توجيه تلك المشاريع إليها من قبل الجهات
المختصة ،ويكون الرأي الذي تبديه في ذلك ملزما.
~ ~ 22
األمر حال وسطا يجمع بين محاسن العقار المحفظ ومحاسن العقار غير المحفظ طالما أن هذا األخير قد يكون
في بعض الحاالت أرحم بتنفيذ وثائق التعمير من العقار المحفظ.49
الفقرة الثانية :تجليات تأثير منازعات التعمير على المجال العمراني
يقتضي تقدير حجم األثر الذي تخلفه منازعات التعمير على التدبير العمراني الوقوف على األسباب المتعددة
المؤدية للمنازعات والتي يمكن حصر أبرزها فيما يلي:
•فتح العديد من األراضي في وجه التعمير رغم طبيعتها القانونية المعقدة كما هو حال مثال تصميم تهيئة
سيدي رحال الشاطئ المصادق عليه سنة 2001الذي جعل رسما عقاريا محبسا تحبيسا معقبا يمتد على مساحة
أزيد من 490هكتارا قابال للبناء والتعمير . 50فحدث تعارض بين إرادة المحبس وسلطة الرقابة (وزارة
األوقاف) من جهة وبين متطلبات التعمير والتهيئة العمرانية من جهة أخرى ،مما نتج عنه انتشار معامالت
وتصرفات عقارية على هامش الشرعية واستفحال ظاهرة السكن غير الالئق ،وبالتالي كثرة المنازعات على
مستوى المحاكم. 51
•حرية التعاقد في الميدان العقاري وغياب إقرار إجبارية العقود الرسمية في المعامالت العقارية حيث أن
السكن غير الالئق والتجزئات السرية والمضاربة العقارية وجدت في العقود العرفية التي كثيرا ما تفتقد
للشروط القانونية للتعاقد وسيلة سهلة النتشارها وسط المجاالت الحضرية .فمثل هذه العقود أدت في العديد من
الحاالت إلى بيع القطعة األرضية نفسها إلى أكثر من مشتري ،مما نتج عنه عدم استقرار المعامالت العقارية
وأدى إلى نشوب عدة نزاعات معقدة تثقل كاهل األفراد وتعرقل إنتاج المجال الحضري بشكل معقلن ومتوازن.
•الترامي على ملك الغير أو تقديم ملفات للبناء أو على أراضي مشاعة ملكيتها ،حيث تؤثر هذه الظاهرة سلبا
على مسار التدبير العمراني عموما خاصة أمام كثرة التعرضات الكيدية وطول آجال بث المحاكم في هذه
القضايا .
•عدم مباشرة مصالح الجماعات الحضرية والقروية لإلجراءات المسطرية والقانونية من أجل استصدار
قرارات تصفيف الطرق الجماعية قبل الشروع في إنجاز وشق هذه الطرق طالما أن إعالن المنفعة العامة
لوحده ال يعد كافيا بل يجب إيداع مبلغ التعويض وفق مقتضيات قانون 7.81المتعلق بنزع الملكية واالحتالل
المؤقت .وفي نفس السياق نشير إلى المنازعات التي تفرزها التراخيص لمشاريع عمرانية على ارتفاقات
بوثائق التعمير خاصة فتح الواجهات على بعض الطرق والساحات قبل استصدار الجماعات لقرارات التصفيف
وقبل إجراء مسطرة نزع الملكية.
- 49عبد الواحد اإلدريسي وأحمد مالكي :العقار غير المحفظ وأثاره على تنفيد وثائق التعمير .منشورات مركز الدراسات القانونية
المدنية والعقارية بكلية الحقوق بمراكش ،الطبعة ،مراكش ، .2006ص.74.
- 50لقد ذهب المشرع المصري إلى إلغاء هذا النوع من الوقف (الوقف األهلي) بمقتضى القانون رقم 108لسنة 952حاديا بذلك حدو
المشرع السوري الذي سبقه إلى ذلك سنة 1949ومستجيبا للمنطق الذي قام عليه اإلصالح االقتصادي واالجتماعي في مصر .وقد
سار على نفس الن هج كل من المشرع العراقي والتركي والتونسي واللبناني وذلك باإلقدام على تصفية هذا النوع من الوقف .راجع في
هذا الشأن محمد أبو زهرة :محاضرات في الوقف .دار الفكر العربي :القاهرة ،1972 ،ص 42و 43ومحمد بن عبد العزيز بنعبد هللا:
الوقف في الفكر اإلسالمي .الجزء الثاني ،مطبعة فضالة ،المحمدية ،1996 ،ص .267
- 51للمزيد من التفصيل في هذا الشأن يراجع :عبد الواحد اإلدريسي وأحمد مالكي :األحباس المعقبة بين متطلبات التعمير والتدبير
اإلداري .ندوة األمالك الحبسية ،مركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية بكلية الحقوق بمراكش ،الطبعة األولى ،المطبعة والوراقة
الوطنية 2006 ،ص 96و.97
~ ~ 23
•إنجاز تجزئات عقارية أو مجموعات سكنية دون تصفية الوعاء العقاري للمشروع أو ألجزاء منه ،وخاصة
من قبل المؤسسات العمومية التابعة لوزارة اإلسكان والتعمير.
وإذا كانت جل المنازعات التي تثار في هذا الصدد تعود لعدم التقيد بالمقتضيات القانونية وعدم ضبط المساطر
وجود منازعات تخلف أثارا سلبية على التدبير العمراني تتمثل في بعض األحكام التي تصدر مخالفة للقوانين
المعمول بها في ميدان التعمير والبناء.
- 52مصطفى البوداني ،البيئة قيد وارد على الملكية العقارية ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة محمد األول بوجدة ،السنة الجامعية 2015/2016ص .75
- 53مصطفى البوداني ،م س ص .72-71
~ ~ 24
ان مفعول اآلثار المترتبة عن إعالن هذه االرتفاقات يستمر الى مرور أجل 10سنوات تبتدئ من تاريخ نشر
النص القاضي بالموافقة على تصميم التهيئة في الجريدة الرسمية. 54
ومن جملة االرتفاقات التي تمنع البناء بمقتضى تصميم التهيئة والتي تهدف إلى حماية البيئة العقارية نجد:
-حدود الطرقات والساحات ومواقف السيارات الواجب الحفاظ عليها.
-المناطق التي يحظر البناء فيها بجميع أنواعه والتي من الممكن أن تكون واردة على الغابات او لزراعة
الخضروات…
-االحياء واالثار والمواقع التاريخية أو االثرية والمواقع والمناطق الطبيعية كالمناطق الخضراء العامة او
الخاصة الواجب حمايتها او ابراز قيمتها الجمالية او التاريخية او الثقافية.
-حدود المساحات الخضراء العامة (األماكن المشجرة والحدائق والبساتين).
-ورغم كل هذا فثمة قصور في ايالء البعد البيئي االهتمام الالزم ضمن السياسة التشريعية التي تعتريها
فراغات اساسية في ظل غياب اطار مرجعي صريح يبرز االنشغاالت البيئة.مما افرز تقصيرا واضحا من
جانب وثائق التعمير مرده حسب بعض الباحثين ،الى كون تشريعات التعمير بالمغرب ال تحدد االطار الذي
على التهيئة اال تتجاوزه تاركا لالدارة حرية االختيار بمعنى ليس هناك الزام في هذا الصدد. 55
الفقرة الثانية :األثار المترتبة عن ارتفاقات التعمير
بالرجوع الى قانون التعمير رقم 12.90فإننا نجد بأنه ينص فقط على قيد حرية المالك للعقارات التي ورد
عليها تصميم التهيئة لمدة 10سنوات ،ولكن دون حديثه عن أي تعويض مقابل هذا الحرمان ،واالضرار
الناتجة عنه ،مع تأكيده على أحقية المالك في استعادة حق التصرف في عقاراتهم بعد مضي 10سنوات من
تاريخ نشر المرسوم المتعلق بتصميم التهيئة.56
ولهذا فإنه بعد المصادقة على مرسوم تصميم التهيئة فإن االدارة عندما تلجأ الى تنفيذ مخططها فإنه يكون من
الضروري أن تسلك مسطرة نزع الملكية وذلك وفقا ما يقتضيه الدستور كأعلى قانون في البالد ضمن الفصل
35منه ،وذلك بعد تعيين خبير يحدد القيمة النقدية لألرض وبالتالي فإنه في حالة عدم التفاهم بين اإلدارة
- 57قرار عدد 127الصادر بتاريخ 2007 3 27ملف اداري عدد ،2002 / 4 / 533قرار اورده عبد هللا بونيت م،س ،ص .79
- 58حكم صادر عن المحكمة اإلدارية بوجدة ،حكم عدد ، 8700بتاريخ 7يونيو 000 2حكم منشور.
- 59تقرير المجلس االقتصااااااادي واالجتماعي والبيئي الصااااااادر بتاريخ 14نونبر 2014المتعلق بتقنين حاالت االسااااااتثناء في ميدان
التعمير منشور بالموقع االلكتروني للمجلس وبوقع مغرب القانونون .www.maroclaw.com
~ ~ 26
خاتمة :
وفي األخير نخلص إلى أن التعمير هو إحدى السياسات العمومية التي تقوم الدولة بإعدادها
وتشرف على تطبيقها مختلف األجهزة سواء االدارية أو القضائية ،فإذا كــان تطـــور
المنازعـــات المتعلقة برخص التعمير وتنوعها يوضح انشغال القضاة سواء اإلداريين والعاديين
" في إطار بناء دولة الحق والقانون " بتشجيع مراقبة قضائية موسعة و فعالة في مجال التعمير،
فإنه أيضا مصدر تعقيدات لمجرد قراءة بسيطة لهذا القضاء نظرا لالختصاصات القضائية
المتعددة (قاضي اإللغاء ،قاضي القضاء الشامل ،القاضي المدني ،القاضي الجنحي) وهو ما ال
يعتبر في مصلحة المتقاضين الذين عادة ما يبحثون عن األمن والوضوح القانونيين ،فقد أصبح
تقاسم االختصاص بين أنواع المحاكم في العديد من الحاالت يصعب ضبطه هذا من جهة.
أما من جهة أخرى فالمغرب الزال يعرف تطورا سريعا في مجال النمو سواء الديمغرافي
أواالقتصادي والصناعي والذي يؤثر بشكل كبير في تحديد سياسة التعمير ،إذ قد يفرض في
بعض الحاالت عدم مراعاة الضوابط البيئية والشروط الدولية التي يجب اعتمادها من أجل الحفاظ
على جمالية المجال العمراني وضمان بيئة سليمة ،وهذا قد يؤدي إلى عدة أضرار على المستوى
الصحي للمواطنين وقد يتجاوز ذلك إلى اإلضرار بالمناخ.
لذلك يجب على المشرع أن يستحضر البعد البيئي والعمراني في جميع التشريعات سواء ذات
الصلة بالتعمير أو غيرها ،وكذلك يجب تحديد القضاء المختص في كل قضية أو في كل حالة
وذلك من أجل التسهيل على المتقاضي اللجوء إلى طريق واحد يسلكه فإحالته من محكمة إلى
أخرى في كل مرة يصعب عليه من البداية معرفة القضاء المختص.
~ ~ 27
الئحة المراجع :
~ ~ 28
-عبد هللا إدريس " :نظرات في تعليل القرارات اإلدارية شكال ومضمونا حصيلة قضائية وآفاق" سلسلة
الندوات واأليام الدراسية العدد ،5أعمال الندوة العلمية الدولية التي نظمتها كلية الحقوق بمراكش يومي -04
05فبراير .1994
-الميلود بوطريكي :منازعات رخصة البناء بين اختصاص القضاء اإلداري والقضاء العادي
. www.majalah.new.ma
-الحبيب السرناني :اإلشكاالت العملية من خالل تطبيق القانون 12.66المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات
في مجال التعمير والبناء ،مقال منشور بمجلة القانون و األعمال ،العدد 19يوليوز . 2018
-هشام صبري :قراءة في المقتضيات الزجرية للقانون رقم 66-12المتعلق بالتعمير مقال منشور بالمجلة
المغريية للقانون الجنائي والعلوم العدد 4/5السنة .2017
-الحاج شكرة :قراءة في القانون رقم 66. 12المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء
المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية العدد 133مارس ابريل . 2017
-جياللي بوحيص :دور القضاء الزجري في مجال مخالفات البناء " سلسلة ندوات المحكمة اإلبتدائية
بالريصاني" عدد .2003/2
-موالي عبد السالم شيكري :مدى اختصاص اإلدارة في مراقبة الجوانب العقارية حين البث في طلبات البناء
والتجزيء ،مداخلة مشارك بها في اليوم الدراسي حول العقار والتنمية المجالية المنظم من طرف المجلس
البلدي لتزنيت ومركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية بكلية الحقوق جامعة القاضي عياض 13ماي
.2006
-مالكي احمد " :التدبير العمراني بين اكراهات العقار ومتطلبات التنمية .مداخلة بمناسبة اليوم الدراسي
المنظم حول “العقار والتنمية المجالية بتزنيت " من طرف مركز الدراسات القانونية والمدنية والعقارية وبلدية
تزنيت يوم السبت 13مايو 2006بتزنيت.
-المكنيسي عبد االله ،وثائق التعمير والبيئة ،المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية،عدد .15.1987
القوانين :
-القانون 12.90المتعلق بالتعمير الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.92.31صادر في 15ذي الحجة
1412الموافق ل 1يونيو .1992الجريدة الرسمية 9514بتاريخ 15يوليوز .1992
-القانون رقم 39.08المتعلق بمدونة الحقوق العينية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.178صادر
في 25من ذي الحجة 22( 1432نوفمبر .)2011
-قانون اإللتزامات والعقود الصادر بتنفيده ظهير 9رمضان 12 ( 1331أغسطس .)1913
-القانون رقم 25.90المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات الصادر بتنفيذه
الظهير الشريف رقم 1.92.7صادر في 15من ذي الحجة 17( 1412يونيو .)1992
-القانون رقم 66.12المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء الصادر بتنفيذه الظهير
الشريف رقم 1.16.124صادر في 21من ذي القعدة 25( 1437أغسطس . )2016
~ ~ 29
الفهرس :
مقدمة 3...............................................................................................:
المبحث األول :منازعات التعمير في التشريع المغرب5..........................................
المطلب األول :منازعات التعمير أمام القضاء اإلداري5..........................................
الفقرة األولى :منازعات رخص التعمير5..........................................................
الفقرة الثانية :منازعات إيقاف األشغال والهدم9....................................................
المطلب الثاني :منازعات التعمير أمام القضاء العادي12...........................................
الفقرة األولى :منازعات التعمير التي يختص بها القضاء المدني12................................
الفقرة الثانية :منازعات التعمير التي يختص بها القضاء الزجري15..............................
المبحث الثاني :تأثير منازعات التعمير على المجال العمراني والبيئي20.........................
المطلب األول :تأثير منازعات التعمير على المجال العمراني20.................................
الفقرة األولى :اختصاص اإلدارة المكلفة بالتعمير في الجوانب العقارية للتدبير العمراني21...
الفقرة الثانية :تجليات تأثير منازعات التعمير على المجال العمراني22..........................
المطلب الثاني :تأثير منازعات التعمير على المجال البيئي24.....................................
الفقرة األولى :االرتفاقات الناتجة عن قانون التعمير 24...................................12.90
الفقرة الثانية :األثار المترتبة عن ارتفاقات التعمير25..............................................
خاتمة 27..............................................................................................
الئحة المراجع 28...................................................................................:
الفهرس 30..........................................................................................:
~ ~ 30