You are on page 1of 41

‫نقد كتاب الدكتور طه حسين‬

‫في الشعر الجاهلي‬

‫تأليف‪ :‬عبد المتعال الصعيدي‬


‫كلمة يف الكتاب‬
‫حلضرة صاحب الفضيلة أستاذان شيخ اجلامع األمحدي‬

‫احلمــد هلل الــذي زيــن مســاء األدب بنجــوم البلغــاء والصــاة والســام علــى ســيدان حممــد‬
‫خــامت األنبيــاء‪ ،‬وبعــد فقــد اطلعــت علــى هــذا الكتــاب فوجدتــه لناقــدي كتــاب يف الشــعر‬
‫ـون وانصـ ًـرا‪ ،‬ورأيــت فيــه فوائــد مجــة‪ ،‬ومباحــث مهمــة‪ ،‬وأدلــة ســاطعة‪ ،‬وأق ـو ًال‬
‫اجلاهلــي عـ ً‬
‫قاطعــة؛ أبن مؤلــف كتــاب ((يف الشــعر اجلاهلــي)) ســارق مــا طعــن بــه علــى القــرآن الكــرمي‬
‫حــن أنكــر قصــة إمساعيــل مــن كتــب بعــض املبش ـرين الذيــن يروجــون بضاعتهــم لــدى‬
‫ضعفــاء املســلمني‪ ،‬وأبن اليهــود كانـوا قبــل اإلســام جيــدون يف التــوراة آايت بينــات تبشــر‬
‫بظهــور نــي مــن أبنــاء إمساعيــل أيب العــرب املســتعربة؛‪ ،‬فكيــف حتمــل اليهــود علــى تبشــر‬
‫العــرب بذلــك إرادة الــدس‪ ،‬وهــم جيدونــه يف كتبهــم مــن غــر لبــس‪.‬‬

‫ولقــد أثبــت هــذا الكتــاب أن الشــعر اجلاهلــي الــذي رواه لنــا الســلف الصــاحل صحيــح‬
‫أبدلــة قائمــة علــى أســاس مــن البحــث العملــي احلديــث‪ ،‬فجديــر بــذوي املعــارف أن يــردوا‬
‫ـرا وحبــاه ثـو ًاب وأجـًـرا‪.‬‬
‫مــورده الصــايف‪ ،‬وأن يغرتفـوا مــن حبــره الوافــر الـوايف جــزى هللا مؤلفــه خـ ً‬

‫عبد الغين حممود‬


‫شيخ اجلامع األمحدي‬
‫مبـاحث الكتـ ـ ــاب‬

‫‪7‬‬ ‫خالصة الكتا ‬


‫ب‬
‫‪9‬‬ ‫حظ الدين من الكتاب ‬
‫‪11‬‬ ‫ردان على الكتاب ‬
‫‪11‬‬ ‫إبراهيم وإمساعيل ‬
‫‪11‬‬ ‫هجرهتا إىل مكة ‬
‫‪12‬‬ ‫سرقات الدكتور ‬
‫‪14‬‬ ‫بشارات العهد القدمي ‬
‫‪15‬‬ ‫الدس من اليهود ‬
‫‪18‬‬ ‫دفع الشكوك يف انتساب العرب إىل إمساعيل ‬
‫‪21‬‬ ‫غلطة الدكتور ‬
‫‪26‬‬ ‫قدم اإلسالم ‬
‫‪28‬‬ ‫أنصاف املؤرخني املسلمني ‬
‫‪29‬‬ ‫مذهب ديكارت ‬
‫‪31‬‬ ‫الشعر اجلاهلي ‬
‫‪33‬‬ ‫الشعر اجلاهلي وهلجات العرب ‬
‫‪36‬‬ ‫غموض الشعر اجلاهلي ‬
‫‪37‬‬ ‫أسباب انتحال الشعر ‬
‫‪38‬‬ ‫امرؤ القيس ‬
‫‪39‬‬ ‫عمر بن قميئة – مهلهل – جليلة ‬
‫‪39‬‬ ‫عمر بن كلثوم – احلارث بن حلزة – طرفة ‬
‫‪40‬‬ ‫النتيجة ‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬
‫أمحــد هللا ســبحانه وتعــاىل وأســأله أن يوفقنــا لنصــرة دينــه يف عصــر طغــى فيــه ســبيل‬
‫اإلحلــاد‪ ،‬وأصبحــت كلمــة رجالــه هــي العليــا وكلمــة ديــن هللا ال جتــد مــن يســمع هلــا أو يهتــم‬
‫بنشــرها‪.‬‬
‫أرأيــت كيــف ألــف الدكتــور طــه حســن كتابــه ((يف الشــعر اجلاهلــي)) وطعــن فيــه علــى‬
‫الديــن والقــرآن مبــا طعــن فلمــا هــب مــن يغــار علــى الديــن مــن العلمــاء وغريهــم للــذب عــن‬
‫حوضــه ورأى مــن يهمهــم أمــر الدكتــور أن وراء هــذه احلركــة مــا وراءهــا رأوا أن تكــف اجلرائــد‬
‫عــن الكتابــة يف موضــوع كتابــه فكفــت وبقــي كتابــه يقــرؤه النــاس علــى مــا فيــه مــن خطــر‬
‫علــى الديــن‪.‬‬
‫ال اي ســاديت العلمــاء أن اجلرائــد ال تكفينــا ملناهضــة هــذه احلركــة اإلحلاديــة املدبــرة الــي‬
‫قــوي أمرهــا وأخــذت يف االنتشــار مــذ قــام رجــال مصطفــى كمــال يف تركيــا حبركتهــم املعلومــة‬
‫وحاربـوا جهــارا الديــن ورجالــه ومتــت هلــم الغلبــة عليهــم‪ ،‬فــإذا مل نشــمر عــن ســاعد اجلــد يف‬
‫مصـران وأنخــذ بيــد مــن حبســن الدفــاع عــن الديــن منــا وجنتهــد يف نشــر آرائــه وأفــكاره بــن‬
‫األمــة يف مدهنــا وقراهــا وكفورهــا فســيتم هنــا يف القريــب مــا مت هنــاك ويفعــل ابلديــن ورجالــه‬
‫يف مصــر مــا فعــل هبــم يف تركيــا‪.‬‬
‫جنيهــا‬
‫يف املعاهــد الدينيــة اإلســامية ألــف عــامل أو يزيــدون إذا قــدم كل واحــد منهــم ً‬
‫ـري يف الســنة أمكننــا أن ننشــئ هبــا جملــة تدافــع عــن ديننــا كل مــن يريــده أبذى ابلــي هــي‬
‫مصـ ً‬
‫وغرب‪ ،‬فال‬
‫أحســن وتنشــر علومنا وأفكاران وآراءان وتطلعنا على كل ما جيد يف العلم شــرقًا ً‬
‫نعيــش يف عزلــة عــن العــامل وال خيفــى عنــا شــيء ممــا جيــد كل يــوم يف العلــم وميكــن أن ننتفــع‬
‫بــه يف خدمــة الديــن‪.‬‬
‫هــذه اجمللــة إذا أنشــأانها ميكننــا أن نطبــع منهــا هبــذا املــال آالفًــا نــوزع منهــا بعدمــا يفضــل‬
‫عنــا نســخة يف كل قريــة مــن قــرى مصــر بــا مثــن خدمــة لديننــا وخدمــة ألنفســنا وخدمــة‬
‫ألمتنــا إزاء مــا يهددهــا مــن خطــر اإلحلــاد يف املســتقبل‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫فــا يظــن أحــد أنــه ســينجو مــن ذلــك اخلطــر فهــذه تركيــا قــد تنــاول أذى اإلحلــاد فيهــا‬
‫ملوكهــا قبــل رعاايهــم‪ ،‬وهــذه احلريــة الشــخصية تــداس فيهــا ابألقــدام فيكــره الشــخص فيهــا‬
‫أن يلبــس مــا يكــره‪ ،‬ومينــع أن يلبــس مــا حيــب وهــذه نســاؤها قــد اســتبدلن التبــذل ابلعفــاف‪،‬‬
‫والتهتــك ابحلشــمة وهــؤالء حكامهــا يعملــون علــى حمــو شــخصية أمتهــم ليجعلـوا منهــا أمــة‬
‫غربيــة يف شــكلها وزيهــا ونظــام حكمهــا‪.‬‬

‫ـرا مــن تلــك االحتجاجــات وطلــب احملاكمــات ومصــادرة مثــل هــذه‬ ‫أليــس هــذا أخـ ً‬
‫املؤلفــات فــا األمــة تنتظــر منــا أن نقتصــر يف الدفــاع عــن دينهــا علــى هــذا فقــط‪ ،‬وال ترضــى‬
‫منــا بذلــك‪ ،‬وال احلكومــة جتيبنــا إىل حماكمــة امللحديــن ومصــادرة كتبهــم يف عصــر يعــد هــذا‬
‫فيــه منافيًــا حلريــة اآلراء الــي يقدســها فيــه الصغــر والكبــر والعظيــم واحلقــر واحلاكــم واحملكــوم‬
‫علــى أن مثــل هــذا االضطهــاد ال يقضــي علــى تلــك الكتــب اإلحلاديــة واآلراء الزائفــة بــل‬
‫ينشــرها ويكثــر مــن أنصارهــا عط ًفــا علــى أصحاهبــا املضطهديــن‪ ،‬وقدميـًـا قومــت تلــك‬
‫الكتــب واآلراء وأصحاهبــا يف الغــرب مبثــل هــذا االضطهــاد فعجــز عــن مقاومتهــا ومتــت هلــا‬
‫الغلبــة عليــه‪.‬‬

‫وال يقضــي علــى مثــل تلــك الكتــب واآلراء إال مقاومتهــا مبثلهــا وقــرع الدليــل ابلدليــل‬
‫واحلجــة ابحلجــة‪ ،‬ونشــر ذلــك يف النــاس ليعلمـوا فســادها ويبتعــدوا عــن أصحاهبــا بــدون أن‬
‫نرهقهــم أو نضطهدهــم‪ ،‬أمــا حماكمتهــم ومصــادرة كتبهــم فلندعهــا لألمــة واحلكومــة صاحبــي‬
‫الشــأن حتاكماهنــم إن أرادات وتصــادران كتبهــم إن شــاءات‪ ،‬ولنقتصــر حنــن علــى املقاومــة‬
‫العلميــة ابلدليــل والربهــان فهــي بنــا أليــق‪ ،‬وال داعــي إىل إح ـراج احلكومــة بذلــك‪.‬‬

‫وبعــد فقــد ق ـرأت كتــاب الدكتــور طــه حســن يف الشــعر اجلاهلــي بعــد أن قامــت تلــك‬
‫الضجــة حولــه يف ســاعات مــن يــوم االثنــن ‪ 5‬ش ـوال ســنة ‪1344‬هـ ـ فرأيــت مــا فيــه مــن‬
‫اج ـراء علــى احلــق والديــن‪ ،‬ورأيــت أن ال أتركــه بــدون بيــان مــا فيــه مــن بعــد عــن احلــق‬
‫وخمالفــة للص ـواب بعــد تلخيــص مباحثــه للق ـراء‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫خالصة الكتاب‬
‫الغرض من الكتاب درس األدب والشعر اجلاهلي منه على طريقة ديكارت الفيلسوف‬
‫الفرنســي والقاعدة األساســية هلا الشــك وأن يتجرد الباحث من دينه وقوميته وحنومها فيما‬
‫يريــد أن يبحثــه لئــا حيــول ذلــك بينــه وبــن الوصــول إىل احلــق فيــه‪ ،‬وقــد وصــل بــه ذلــك إىل‬
‫أن الكثــرة املطلقــة مــن الشــعر اجلاهلــي خمتلفــة بعــد ظهــور اإلســام اخرتعهــا رواة الشــعر‬
‫كحمــاد الروايــة وخلــف األمحــر واألصمعــي ونســبوها إىل امــرئ القيــس وغــره مــن شــعراء‬
‫اجلاهلية‪.‬‬

‫وقد توصل إىل هذا مبا ذكره من أدلة على أن هذا الشعر مل يقل يف اجلاهلية‪ ،‬وأسباب‬
‫كانت حتمل على اختالقه بعد اإلسالم‪.‬‬

‫ »األدلة‬
‫صحيحــا‪ ،‬فهــو ميثــل لنــا تلــك احليــاة‬
‫ً‬ ‫أوهلــا‪ :‬هــذا الشــعر ال ميثــل احليــاة اجلاهليــة متثيـ ًـا‬
‫غامضــة جافــة بريئــة مــن الشــعور الديــي‪ ،‬وميثــل لنــا أمــة جاهلــة معتزلــة تعيــش يف صحرائهــا‬
‫ال تعــرف العــامل اخلارجــي وال يعرفهــا‪ ،‬والقــرآن وهــو عنــده أصــدق متثيـ ًـا لتلــك احليــاة مــن‬
‫ذلــك الشــعر ميثــل لنــا العــرب يف جاهليتهــم أمــة ذات حيــاة دينيــة قويــة وعقليــة مســتنرية‬
‫عظيمــا‪ ،‬وأهنــم كانـوا علــى اتصــال مبــن جياورهــم مــن الفــرس والــروم‬‫أنفــق يف جهادهــا حظًــا ً‬
‫حــى أن بعضهــم كان يفــرح إذا غلبــت الفــرس والــروم‪ ،‬وبعضهــم كان يفــرح إذا غلبــت الــروم‬
‫الفــرس وكذلــك حيدثنــا عــن اتصاهلــم االقتصــادي بتلــك األمــم يف رحلــي الشــتاء والصيــف‬
‫إىل الشــتاء حيــث الــروم‪ ،‬وإىل اليمــن حيــث احلبشــة أو الفــرس‪.‬‬

‫اثنيهــا‪ :‬أن هــذا الشــعر ال ميثــل حالــة اللغــة يف هــذا العصــر فقــد ثبــت أن هنــاك خالفًــا‬
‫ـوي بــن لغــة محــر يف اليمــن ولغــة عــدانن يف احلجــاز ولكــن هــذا الشــعر وفيــه طائفــة كثــرة‬ ‫قـ ً‬
‫تنســب إىل شــعراء اليمــن ال يوجــد فيــه فــرق قليــل وال كثــر بــن شــعر اللغتــن بــل كلــه ابللغــة‬
‫العداننيــة الــي نــزل هبــا القــرآن‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫اثلثهــا‪ :‬أن اللغــة العداننيــة نفســها مل تكــن متفقــة اللهجــة فــكان لــكل قبيلــة مــن القبائــل‬
‫العداننيــة لغتهــا وهلجتهــا ومذهبهــا يف الــكالم وال تــرى أثـًـرا لتلــك اللهجــات يف هــذا الشــعر‬
‫بــل كلــه بــوزن واحــد وهلجــة واحــدة‪.‬‬

‫ »األسباب‬
‫أوهلــا السياســة وحــرص كل قبيلــة مــن القبائــل العربيــة بعــد اإلســام وقــد رجعــت إىل‬
‫طمعــا يف امللــك الــذي أوجــده هلــم اإلســام يف أن يكــون‬
‫عصبيتهــا وانقســمت علــى نفســها ً‬
‫ماضيهــا يف اجلاهليــة خــر قــدمي فاســتكثرت كل قبيلــة مــن الشــعر منــا شــاءت ونســبته إىل‬
‫شــعرائها القدمــاء‪.‬‬

‫اثنيهــا‪ :‬الديــن فقــد كان لتأثــره أثــر يف هــذا الشــعر الــذي يزعــم أنــه قيــل يف اجلاهليــة ممهــد‬
‫للبعثــة النــي وال ينســب إىل اإلنــس فقــط بــل ينســب كثــر منــه إىل اجلــن‪ ،‬وكذلــك الشــعر‬
‫الــذي قيــل يف تعظيــم شــأن النــي مــن جهــة أسـرته ونســبه يف قريــش حــى يعتقــد النــاس أن‬
‫قومــه صفــوة اإلنســانية‪ ،‬وكذلــك الشــعر الــذي اختلقــه علمــاء الــكالم لنصــرة مذاهبهــم كمــا‬
‫اختلــق بعــض املعتزلــة هــذا الشــطر وال بكرســي علــم هللا خملــوق ليثبــت أن كرســي هللا الــذي‬
‫وســع الســموات واألرض هــو علمــه‪.‬‬

‫اثلثها‪ :‬القصص فقد كان للمسلمني قصاص يتحدثون إىل الناس يف مساجد األمصار‬
‫فيذكــرون هلــم قــدمي العــرب وكان النــاس كلفــن هبــم وقــد فطــن اخللفــاء واألمـراء لقــوة أتثريهــم‬
‫فاصطنعوهــم يف أتييــد دعوهتــم وأصبــح القصــص أداة سياســية يدخلهــا الكــذب كالشــعر‪،‬‬
‫وقــد احتــاج القصــاص إىل الشــعر لتــزدان بــه قصهــم فاســتكثروا منــه ونســبوه إىل شــعراء‬
‫اجلاهليــة‪ ،‬وإىل ذلــك يرجــع مــا جــاء مــن الشــعر عــن عــاد ومثــود وطســم وجديــس وحــرب‬
‫البســوس وحــرب داحــس والغـراء وغــر هــذا مــن أايم العــرب وحروهبــا‪.‬‬

‫رابعهــا‪ :‬الشــعوبية وأصــل هــذه الفرقــة احلقــد الــذي أضمــره الفــرس املغلوبــون للعــرب‬
‫الغالبــن وقــد كان فريــق مــن الفــرس اســتعرب وأتقــن العربيــة وهــم الذيــن أنطق ـوا العــرب يف‬

‫‪8‬‬
‫جاهليتهــم بكثــر مــن نثــر الــكالم وشــعره يف مــدح الفــرس فزعمـوا أن األعشــى زار كســرى‬
‫ـرا مــن الشــعر يف اإلشــادة‬
‫ومدحــه وظفــر جبوائــزه وأضاف ـوا إىل عــدي بــن زيــد وغــره كثـ ً‬
‫ابلفــرس وملوكهــم كل هــذا ليثبت ـوا فضــل قومهــم‪ ،‬وكان العــرب مضطريــن إىل أن يفعل ـوا‬
‫فعلهــم‪ ،‬ومــن هنــا جــاء حديــث الوفــود الــي حتدثــت أمــام كســرى مبحامــد العــرب وكذلــك‬
‫الوقائــع واألايم الــي كانــت للعــرب علــى الفــرس‪.‬‬

‫خامســها‪ :‬حــال الــرواة فقــد كان ـوا مســرفني يف اللهــو والعبــث واجملــون كحمــاد الراويــة‬
‫وخلــف األمحــر‪ ،‬وإذا فســدت مــروءة الــرواة وأحاطــت هبــم ظــروف خمتلفــة حتملهــم علــى‬
‫الكــذب ككســب املــال والتقــرب إىل األمـراء والظهــور علــى اخلصــوم مل جيــز االطمئنــان إىل‬
‫مــا يروونــه مــن شــعر القدمــاء‪ ،‬وكذلــك األعـراب الذيــن كان أولئــك الــرواة يذهبــون إليهــم‪،‬‬
‫ـرا إىل األمصــار حيملــون الشــعر والغريــب والن ـوادر إىل الــرواة وأغراهــم‬ ‫فقــد احنــدروا أخـ ً‬
‫الكســب علــى اإلس ـراف يف ذلــك حــى ظهــر كذهبــم لبعــض الــرواة كاألصمعــي‬

‫فهــذا مــا يف الكتــاب إمجـ ًـال وقــد درس بعــد هــذا شــعر امــرئ القيــس وعمــرو بــن قميئــة‬
‫درســا‬
‫ومهلهــل وجليلــة وعمــر بــن كلثــوم‪ ،‬واحلــارث بــن حلــزة وطرفــة بــن العبــد واملتلمــس ً‬
‫نتكلــم عليــه فيمــا نكتســبه يف إظهــار مــا يف هــذا الكتــاب مــن خطــأ أديب‪.‬‬

‫حظ الدين من الكتاب‬


‫هذا حظ األدب من الكتاب ومل يشأ الدكتور إال أن يكون للدين حظ من‬
‫كتابه وهذا حظ منه إبراهيم وإمساعيل‬
‫ال يكفي يف إثبات وجود إبراهيم وإمساعيل أن حتدثنا التوراة والقرآن عنهما‪.‬‬

‫ »هجرهتا إىل مكة‬


‫مل يهاجــر إبراهيــم اببنــه إمساعيــل إىل مكــة ومل يبنيــا الكعبــة ومل تكــن العــرب املســتعربة‬
‫ومنهــم قريــش قــوم النــي مــن أبنــاء إمساعيــل كمــا قــص كل هــذا القــرآن‪ ،‬وليســت هــذه القصــة‬

‫‪9‬‬
‫نوعــا مــن احليلــة يف إثبــات الصلــة بــن العــرب واليهــود واإلســام واليهوديــة‪ ،‬وأقــدم‬ ‫إال ً‬
‫عصــر ميكــن أن نكــون قــد نشــأت فيــه إمنــا هــو العصــر الــذي اســتوطن اليهــود فيــه مشــال‬
‫البــاد العربيــة وشــبت بينهــم وبــن أهلهــا حــروب انتهــت بشــيء مــن املســاملة واملهادنــة‪،‬‬
‫وكان هــذا الصلــح منشــأ هــذه القصــة الــي جتعــل العــرب واليهــود أبنــاء أعمــام‪ ،‬وقــد كانــت‬
‫قريش مســتعدة كل االســتعداد لقبول مثل هذه األســطورة يف القرن الســابع للمســيح‪ ،‬فقد‬
‫انتهــت يف أول هــذا القــرن إىل حــظ مــن النهضــة السياســية واالقتصاديــة والدينيــة الوثنيــة‪،‬‬
‫وكانــت حتــاول أن توجــد يف البــاد العربيــة وحــدة سياســية وثنيــة مســتقلة تقــاوم تدخــل الــروم‬
‫والفــرس واحلبشــة وداينتهــم يف البــاد العربيــة‪.‬‬

‫فمــن املعقــول أن تبحــث هــذه املدنيــة اجلديــدة عــن أصــل اترخيــي قــدمي يتصــل ابألصــول‬
‫التارخييــة املاجــدة الــي تتحــدث عنهــا األســاطري‪ ،‬وقــد قبلــت قريــش هــذه األســطورة كمــا‬
‫قبلــت رومــا قبلهــا أســطورة أخــرى صنعهــا هلــا اليــوانن تثبــت أن رومــا متصلــة أبينيــاس‬
‫صاحــب طــروادة‪ ،‬وقــد جــاء اإلســام فاســتغلها لســبب ديــي وقبلهــا كمــا قبلتهــا قبلــة قريــش‬
‫وإ ًذا فيســتطيع التاريــخ األديب واللغــوي أال حيفــل هبــا عندمــا يريــد أن يتعــرف أصــل اللغــة‬
‫العربيــة الفصحــى‪.‬‬

‫ »قدم اإلسالم‬
‫يزعــم املســلمون أن اإلســام كان لــه أوليــة يف بــاد العــرب كانــت قبــل أن يبعــث النــي‬
‫وأن خالصــة اإلســام هــي خالصــة الديــن احلــق الــذي أوحــاه هللا إىل األنبيــاء مــن قبــل‪،‬‬
‫وقــد ذكــر القــرآن شــيئًا مســاه صحــف إبراهيــم ودينًــا غــر ديــن اليهــود والنصــارى هــو ملــة‬
‫إبراهيــم أو احلنيفيــة الســمحة الــي ال يعــرف معناهــا الصحيــح‪ ،‬وملــا ظهــر اإلســام ووجــد أن‬
‫كل مــن اليهــود والنصــارى قــد اســتأثر بدينــه وأتويلــه ومل يكــن أحــد قــد احتكــر ملــة إبراهيــم‬
‫ً‬
‫أخــذ املســلمون يــرددون اإلســام يف خالصتــه إىل ديــن إبراهيــم الــذي هــو أقــدم وأنقــى مــن‬
‫ديــن اليهــود والنصــارى‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ردان على الكتاب‬
‫[ القسم الديين ]‬
‫إبراهيم وإمساعيل‬
‫لســنا يف حاجــة إىل إثبــات وجــود إبراهيــم وإمساعيــل فلــم أيتنــا الدكتــور مبــا يفيــد الشــك‬
‫فيــه‪ ،‬وكيــف يشــك عاقــل يف وجــود إبراهيــم وإمساعيــل وإســحاق بعــد أن جــاء بذلــك النقــل‬
‫الصحيــح يف التــوراة واإلجنيــل والقــرآن وهــي الكتــب الثالثــة الــي يديــن بصحتهــا أكثــر مــن‬
‫علمــا ومدنيــة وحضــارة وال شــك أن النقــل أهــم مصــادر التاريــخ‪.‬‬ ‫نصــف العلــم وأرقــاه ً‬

‫هجرهتا إىل مكة‬


‫يومهنــا الدكتــور أن مــا قالــه يف ذلــك رأي يـراه وأمــر مل يســبق إليــه‪ ،‬وملــا كان الدكتــور قــد‬
‫ســبق لــه دراســة يف األزهــر وال يـزال يزعــم أنــه مســلم ديــري فيــه فريــق مــن النــاس أنــه يتكلــم‬
‫صحيحــا مــن‬
‫ً‬ ‫درســا‬
‫بلســان العلــم‪ ،‬وقــد خيــدع ذلــك بعــض مــن مل يــدرس علــوم الديــن ً‬
‫املتعلمــن أو يعتــره بعــض أعــداء اإلســام شــهادة مــن بعــض أبنائــه عليــه أحببنــا أن ننقــل‬
‫هنــا مــن كتــاب لبعــض املبش ـرين ابلديــن املســيحي مــا يظهــر للنــاس أن الدكتــور مل يكــن‬
‫صادقًــا فيمــا زعمــه أن ذلــك مــن رأيــه وإنــه يف ذلــك يتكلــم بلســان املبش ـرين الــذي عرفــه‬
‫النــاس ابلتمويــه والتدليــس ال بلســان العلــم النزيــه‪.‬‬

‫بــن يــدي اآلن كتــاب ((مقالــة يف اإلســام)) جلرجيــس صــال اإلجنليــزي يقــع يف ‪321‬‬
‫صفحــة‪ ،‬عربــة مــن يدعــي هامشـًـا العــريب وقــال يل بعــض العلمــاء الباحثــن أنــه القيــس زوميــر‬
‫املعــروف للنــاس يف مصــر‪ ،‬وقــد جعــل لتعريبــه ذيـ ًـا يقــع يف ‪ 95‬صفحــة أيــد فيــه بعــض مــا‬
‫جــاء يف الكتــاب الــذي عربــه ورد البعــض اآلخــر الــذي ال يتفــق مــع وظيفتــه يف التبشــر‪،‬‬
‫وكان مــن هــذا قصــة إمساعيــل وهجرتــه إىل مكــة وانتســاب العــرب املســتعربة إليــه فجرجيــس‬
‫صــال وهــو مــن علمــاء القــرن الثامــن عشــر يــرى صحــة هــذا وهــو العــامل املدقــق الــذي كان‬

‫‪11‬‬
‫وخصوصــا اللغــة العربيــة الــي عرفهــا معرفــة مكنتــه مــن‬
‫ً‬ ‫ـرا مــن اللغــات الشــرقية‬ ‫يعــرف كثـ ً‬
‫ترمجــة القــرآن إىل اللســان اإلجنليــزي وكان مــن النزاهــة وحــب اإلنصــاف حبيــث محــل الغــاة‬
‫مــن أهــل دينــه علــى رميــه ابملــروق مــن النصرانيــة‪ ،‬وهاشــم العــريب اجملهــول يــرى يف ذيلــه الــذي‬
‫طبع مع أصله يف سنة ‪1891‬م ما يراه دكتور اجلامعة املصرية يف قصة إبراهيم وإمساعيل‪.‬‬

‫سرقات الدكتور‬

‫جــاء يف ذيــل كتــاب ((مقالــة يف اإلســام)) مــن صفحــة (‪ )10‬إىل صفحــة (‪ )25‬مــا‬
‫ميكــن اختصــاره يف الكلمــات اآلتيــة‪-:‬‬

‫ذهــب املســلمون إىل أن إمساعيــل ســكن مكــة والتــوراة الــي مل نعلــم بوجــوده إال منهــا‬
‫تقــول أنــه ملــا طــرد مــن بيــت أبيــه إبراهيــم ســكن يف بريــة فــاران وهــي بربيــة ســيناء بــن مصــر‬
‫وبــاد مثــود وتبعــد عــن مكــة بعـ ًـدا شاسـ ًـعا‪ ،‬وتقــول إنــه ملــا مــات أبــوه أتــى فدفنــه يف مغــارة‬
‫املكفيلــة بقريــة أربــع مــن حــرون الــي أبرض كنعــان وبــن هــذه القريــة ومكــة مســافة ال يقــدر‬
‫الراكــب اجملــد أن يقطعهــا يف أقــل مــن عشــرة أايم‪ ،‬فلــو كان إمساعيــل يف مكــة عندمــا أخــر‬
‫يومــا مــن موتــه وهــذا غــر معقــول‪،‬‬ ‫مبــوت أبيــه ملــا اســتطاع أن ميضــي فيدفنــه إال بعــد عشـرين ً‬
‫وتقــول إن أمــه اختــذت لــه زوجــة مصريــة وهــذا يــدل علــى أهنمــا كاان قريبــن مــن مصــر يف‬
‫بريــة ســيناء ويزعــم املســلمون أهنمــا ملــا نـزال يف مكــة وجــدا جبوارهــا قبيلــة جرهــم مــن العــرب‬
‫العاربــة فزوجتــه أمــه بنــت أمريهــا وهــذا غــر معقــول ألنــه مل يكــن إال عبـ ًـدا هجينًــا طريـ ًـدا أتىب‬
‫خنــوة العــرب أن أيخــذ بنــت أمريهــم مثلــه‪ ،‬وهــم الذيــن أنفـوا مــن مصاهــرة كســرى أبرويــز ألنــه‬
‫مل يكــن عربيًــا وكان هــذا ســببًا يف غضبــه علــى النعمــان ملــك عــرب احلــرة وقتلــه لــه‪ ،‬ومــن‬
‫اجلائــز أن يكــون إمساعيــل قــد تــزوج ابمـرأة مــن ســوقة العــرب بعــد امرأتــه املصريــة إال أهنــا مل‬
‫تكــن أم بنيــه ومل جيــيء ذكرهــا يف التــوراة وال يف اتريــخ يوســفوس‪ ،‬بــل ذكــر يوســفوس يف‬
‫اترخيــه أن زوجــة إمساعيــل أم بنيــه االثــى عشــر كانــت مصريــة‪ ،‬فليــس إ ًذا يف التــوراة وال يف‬
‫اتريــخ يوســفوس ومهــا أهــم مصــادر التاريــخ القــدمي مــا يثبــت أن إمساعيــل ســكن مكــة وأنــه‬

‫‪12‬‬
‫جــد العــرب املســتعربة وأنــه هــو الــذي بــى مــع أبيــه الكعبــة بــل الــذي فيهــا يثبــت خــاف‬
‫ذلــك وحقيقــة األمــر يف قصــة إمساعيــل وســكناه مكــة أهنــا دسيســة لفقهــا قدمــاء اليهــود‬
‫وتذرعــا هبــم إىل دفــع الــروم عــن بيــت املقــدس أو إىل أتســيس مملكــة‬ ‫للعــرب تزل ًفــا إليهــم ً‬
‫جديدة هلم يف بالد العرب فقالوا هلم حنن وأنتم أخوة وذرية أب واحد وهذا ســنن مألوف‬
‫يف اليهــود فإهنــم مــى رأوا املصلحــة يف التــودد إىل قــوم قالـوا هلــم أنتــم إخوتنــا وقــد حاولـوا مــرة‬
‫أن خيدع ـوا اليــوانن هبــذه احليلــة ليتعصب ـوا هلــم فخاب ـوا‪ ،‬مث فعل ـوا ذل مــع العــرب ملــا زحــف‬
‫عليهــم تيطــس جبيــش الــروم ليجروهــم إىل مســاعدهتم فلــم يظفــروا مبرادهــم‪ ،‬مث نكبـوا فهاجــر‬
‫كثــر منهــم إىل جزيــرة العــرب ومل أيلـوا جهـ ًـدا مــذ ذاك إىل ظهــور اإلســام يف تفهيــم العــرب‬
‫أن بينهــم وبينهــم قرابــة حــى صدقـوا هــذه األكذوبــة آخــر األمــر ألهنــم كانـوا أجهــل مــن أن‬
‫يردوهــا‪ ،‬وملــا ظهــر حممــد رأى املصلحــة يف أقرراهــا فأقرهــا وقــال للعــرب إنــه إمنــا يدعوهــم‬
‫إىل ملــة جدهــم هــذا الــذي يعظمونــه مــن غــر أن يعرفــوه وال ســبيل إىل معرفــة أصــل العــرب‬
‫علــى طريــق اجلــزم أال أن الــذي يرجحــه علمــاء هــذا العصــر أن العــرب العاربــة قــوم هاجــروا‬
‫مــن احلبشــة إىل اليمــن وعــروا حبــر القلــزم ابلقــرب مــن عــدن وأن العــرب املســتعربة الذيــن‬
‫يزعــم املؤرخــون أهنــم ذريــة إمساعيــل كذلــك مــن إفريقيــة إال أهنــم عــروا إىل احلجــاز مــن خليــج‬
‫العقبــة‪ ،‬أمــا أبنــاء إمساعيــل فقصــارى أمرهــم أهنــم دخل ـوا وهــم عــدد قليــل يف قبائــل العــرب‬
‫الســديدة الــي كانــت جتــاور منازهلــم فاختلطـوا هبــم ومــا كانـوا منهــم إال كحصــاة يف فــاة‪.‬‬

‫فهــذا اي دكتــور مــا قالــه قبلــك ذلــك املبشــر أبكثــر مــن ثالثــن ســنة ومل يكــن مــن األمانــة‬
‫العلميــة أن توهــم النــاس أنــه رأي ت ـراه مــن نفســك‪ ،‬فيتحــدث أعــداء اإلســام هــذا هــو‬
‫الدكتــور طــه حســن الــذي تــرىب يف األزهــر ينك ـران أن يكــون نــي املســلمني مــن أبنــاء‬
‫إمساعيــل كمــا نطــق بذلــك القــرآن الــذي جــاء بــه‪ ،‬وإ ًذا ال تنطبــق عليــه تلــك البشــارات‬
‫املوجــودة يف كتــب العهــد القــدمي الــي تبشــر النــاس بنــي مــن أبناءهــا جـرام إمساعيــل‪ ،‬وهــذا‬
‫هــو الســر يف تلــك اجلـرأة علــى التاريــخ الــي حيــاول هبــا املبشــرون أن ينكــروا أن النــي وقومــه‬
‫مــن قريــش والعــرب املســتعربة مــن أبنــاء إمساعيــل عليــه الســام‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫بشارات العهد القدمي‬
‫البشــارة األوىل‪ :‬جــاء يف البــاب الثامــن عشــر مــن ســفر االســتثناء وهــو مبنزلــة فصــل مــن‬
‫فصــول التــوراة وســوف أقيــم هلــم نبيًــا مثلــك مــن بــن أخوهتــم وأجعــل كالمــي يف فمــه وضمــر‬
‫إخوهتــم ألســباط إسـرائيل اإلثــى عشــر فــأذن ليــس إخوهتــم إال أبنــاء إمساعيــل فيكــون النــي‬
‫املبشــر بــه منهــم ومل يظهــر نــي بعــد موســى مــن غــر بــي إسـرائيل إال حممــد صلــى هللا عليــه‬
‫وســلم فيكــون مــن بــي إمساعيــل‪.‬‬

‫البشــارة الثانيــة‪ :‬جــاء يف البــاب الثالــث والثالثــن مــن ســفر االســتثناء جــاء الــرب مــن‬
‫ســيناء وأشــرق لنــا مــن ســاعري واســتعلن مــن جبــل فــاران ومعــه ألــوف األطهــار‪.‬‬

‫وفــاران جبــل مــن جبــال مكــة وبريــة فــاران هــي الــي ســكن هبــا إمساعيــل كمــا جــاء يف‬
‫التــوراة‪.‬‬

‫البشــارة الثالثــة‪ :‬جــاء يف البــاب الســابع عشــر مــن ســفر التكويــن وهــو مــن أســفار‬
‫ئيســا‬
‫التــوراة وعلــى إمساعيــل اســتجيب هــو ذا أابركــة وأكــره وأكثــره جـ ًـدا فســيلد اثــي عشــر ر ً‬
‫واجعلــه لشــعب كبــر ومــن هــو ذلــك الشــعب غــر العــرب املســتعربة الــي تنســب لــه أهــم‬
‫ذلــك العــدد القليــل الــذي قــال عنــه ذلــك املبشــر خمال ًفــا بشــارة التــوراة الــي يقدســها أنــه‬
‫اختلــط بقبائــل العــرب العديــدة الــي جتــاوره ومل يكــن منهــم إال كحصــاة يف فــاة‪.‬‬

‫البشــارة الرابعــة‪ :‬جــاء يف ســفر أشــعياء لرتفــع الربيــة صوهتــا الــداير الــي ســكنها قيــدار‬
‫وقيــدار مــن أبنــاء إمساعيــل وبعــض علمــاء املســيحيني حيمــل تلــك البشــارة علــى املســيح‬
‫عليــه الســام وإن داينتــه ستنتشــر يف بــاد العــرب ولكــن الــذي انتشــر يف تلــك البــاد هــو‬
‫اإلســام وبــه رفعــت الربيــة صوهتــا ابســم هللا بعــد أن كانــت ترفعــه ابســم األصنــام‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫الدس من اليهود‬
‫إ ًذا كان اليهــود أمــام بشــارات مــن كتبتهــم الدينيــة تبشــرهم بنــي مــن أبنــاء إمساعيــل‬
‫وختربهــم أبن أبنــاءه ســيكون منهــم شــعب كبــر يكــون هلــم شــأن عظيــم‪ ،‬فهــم مل خيرتع ـوا‬
‫اعــا ومل حيملهــم علــى تبشــر العــرب بنــي منهــم إال تلــك النصــوص‬ ‫ذلــك مــن أنفســهم اخرت ً‬
‫الــي جيدوهنــا يف كتبهــم ال إرادة الــدس وال حــب التزلــف إىل العــرب‪ ،‬وهــذا هــو الــذي كان‬
‫جيهلــه العــرب وعرفــه هلــم اليهــود ألهنــم مل يكونـوا أهــل كتــاب ومل يطلعـوا علــى تلــك البشــارات‬
‫أمــا أهنــم مــن أبنــاء إمساعيــل فكان ـوا يعرفونــه مــن أنفســهم ومل يكون ـوا يف حاجــة إىل اليهــود‬
‫ليعرفــوه هلــم‪ ،‬وهــم أعلــم األمــم ابألنســاب وأحفظهــا هلــا وال يزالــون كذلــك إىل يومنــا هــذا‪،‬‬
‫وذلــك إمجــال نفصلــه يف األمــور اآلتيــة‪.‬‬

‫رابعهــا‪ :‬أن بشــارة التــوراة تكــون غــر صحيحــة إذا مل يكــن أبنــاء إمساعيــل هــم العــرب‬
‫املســتعربة ذلــك الشــعب الكثــر العــدد العظيــم الشــأن الــذي قــام بذلــك الــدور العظيــم يف‬
‫اتريــخ اإلنســانية بعــد اإلســام‪ ،‬وإال فأيــن أبنــاؤه إذا مل يكون ـوا أولئــك العــرب أهــم ذلــك‬
‫العــدد القليــل الــذي ضــاع يف العــرب كمــا تضيــع احلصــاة يف الفــاة كمــا قالــه ذلــك املبشــر‬
‫الــذي أعمــاه التعصــب حــى خالــف بذلــك التــوراة الــي يديــن بصدقهــا وكــذب علــى التاريــخ‬
‫ـنيعا‪ ،‬أم قــد انقرضـوا وابدوا كمــا ابد غريهــم مــن األمــم فــا يعــرف هلــم خــر وال يعثــر‬
‫ـذب شـ ً‬
‫كـ ً‬
‫هلــم علــى أثــر‪ ،‬فأيــن قــول التــوراة إ ًذا وعلــى إمساعيــل اســتجيب هــوذا أابركــة إخل‪.‬‬

‫اثنيها‪ :‬أنه كان إلبراهيم إمساعيل وإســحاق وكان إلســحاق يعقوب وليعقوب األســباط‬
‫ـون‪ ،‬وال‬
‫االثنــا عشــر وإليهــم ينتســب شــعب اليهــود الــذي يبلــغ عــدده اليــوم حنــو ‪ 50‬مليـ ً‬
‫شــك أن أبنــاء إمساعيــل مــن العــرب املســتعربة يف احلجــاز واألقطــار الــي هاجــروا إليهــا بعــد‬
‫اإلســام يبلغــون اليــوم هــذا العــدد أو يزيــدون قليـ ًـا‪ ،‬وهــذا ممــا جيعــل النســبة حمفوظــة بــن‬
‫أبنــاء األخويــن إمساعيــل وإســحاق ال مــا يذهــب إليــه ذلــك املبشــر فيمــا ســبق‪.‬‬

‫اثلثها‪ :‬أنه لو صح أن انتســاب العرب املســتعربة إىل إمساعيل كان بدسيســة من اليهود‬

‫‪15‬‬
‫فلمــا جــاء اإلســام اســتغلها ملصلحتــه لبــادر اليهــود إىل تكذيــب النــي يف انتســابه إىل‬
‫إمساعيــل وقالـوا لــه إان كنــا نــدس علــى العــرب ونضحــك علــى ذقوهنــم‪.‬‬

‫ولكــن ذلــك مل يكــن ولــو كان لســمعنا صــداه يف القــرآن ورد عليهــم فيــه كمــا رد عليهــم‬
‫فيمــا كانـوا يطعنــون بــه علــى النــي مــن غــره‪.‬‬

‫رابعهــا‪ :‬أن القــرآن أخــر أن اليهــود يف اجلاهليــة كانـوا يســتفتحون علــى مــن كان يؤذيهــم‬
‫مــن األوس واخلــزرج وغريهــم ممــن نزل ـوا جبوارهــم بعــد أن أجالهــم الــروم عــن الشــام هبــذا‬
‫الــذي تبشــر بــه التــوراة وتقــول أنــه ميحــق الشــرك ديــن األوس واخلــزرج وغريهــم مــن العــرب‬
‫وتقديســا‪ ،‬قــال هللا تعــاىل يف ســورة البقــرة‪:‬‬
‫ً‬ ‫ـبيحا‬
‫وينصــر التوحيــد ديــن اليهــود وميــأ الربيــة تسـ ً‬
‫ْ َ ُ‬
‫ـن قبْــل‬
‫َّ ُ َ ّ ٌ َ َ َ ُ ْ َ ُ‬
‫ـم َوكنــوا ِمـ‬‫ـن عِن ـ ِد اللِ مصــدِق ل ِمــا معهـ‬
‫ْ ْ‬ ‫ـم ك َِتـ ٌ‬
‫ـاب ِمـ‬ ‫{ول َ َّمــا َج َ‬
‫اء ُهـ ْ‬ ‫َ‬
‫ََ ُ‬ ‫ك َفـ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ـروا فَلَ َّمــا َج َ‬
‫اء ُهـ ْ‬ ‫َ ْ َ ْ ُ َ َ َ َّ َ َ‬
‫ك َفـ ُ‬
‫ـروا ب ِـهِ فل ْع َنــة‬ ‫ـم َمــا َع َرفــوا‬ ‫يســتفتِحون ع الِيــن‬
‫ع الْ َكف ِر َ‬‫َّ َ َ‬
‫يــن} فلــم يكــن اليهــود إ ًذا يدســون علــى العــرب بــل كان ـوا يســتفتحون‬ ‫ِ‬ ‫اللِ‬
‫ويصرخــون مــن ظلمهــم ويعــزون أنفســهم هبــذا النــي الــذي يظهــر مــن ظامليهــم فينتقــم هلــم‬
‫منهــم‪ ،‬وقــد رضــي الدكتــور حبكــم القــرآن يف كل مــا يتعلــق ابلعــرب يف جاهليتهــم‪ ،‬وقــال إن‬
‫مــرآة احليــاة اجلاهليــة جيــب أن تلتمــس يف القــرآن ال يف الشــعر اجلاهلــي ألن نــص القــرآن ال‬
‫ســبيل إىل الشــك يف صحتــه فيمــا ينبــئ بــه عــن تلــك احليــاة‪.‬‬

‫خامســها‪ :‬أن اليهــود ملــا هاجــروا إىل جزيــرة العــرب بعــد أن أجالهــم اليهــود عــن الشــام‬
‫مل تتوجــه أنظارهــم حنــو مكــة وإمنــا توجهــت حنــو األمكنــة اخلصبــة يف اجلزيــرة ألن أمــة اليهــود‬
‫مل تنشــأ يف الصحــاري حــى أتلــب لســكىن ب ـوادي مكــة الــذي مل يكــن يصلــح للحــرث‬
‫والــزرع الالزمــن ألمــة متمدينــة مثــل أمــة اليهــود فنزل ـوا ابملدينــة ومــا حواليهــا‪ ،‬وكانــت هلــم‬
‫فيهــا زروع ومثــار وحصــون‪ ،‬ونزل ـوا ابليمــن وهنــاك نشــروا دينهــم حــى اعتنقــه س ـراة اليمــن‬
‫وأش ـرافها وكان لذلــك أثــر يف اخلصومــة الــي كانــت بــن أهــل اليمــن وبــن احلبشــة وهــم‬
‫نصــارى واســتتبع حركــة اضطهــاد لنصــارى جنـران ذكرهــا القــرآن يف ســورة الــروج كانــت تــرى‬
‫أن اليهــود مل ينزلـوا يف جزيــرة العــرب إال بــن العــرب العاربــة مــن األوس واخلــزرج يف املدينــة‬

‫‪16‬‬
‫ومــن قبائــل محــر يف اليمــن‪ ،‬والعــرب العاربــة أبنــاء قحطــان فلــو كان اليهــود يف حاجــة إىل‬
‫زورا أهنــم أبنــاء إمساعيــل بــن إبراهيــم ليثبتـوا بذلــك القرابــة‬
‫الــدس والتزلــف للعــرب وتفهيمهــم ً‬
‫بينهــم وبينهــم لــكان أوىل هبــذا العــرب العاربــة الذيــن خالطوهــم يف املدينــة واليمــن‪ ،‬ال ســكان‬
‫مكــة الذيــن مل يكونـوا يف حاجــة إىل التزلــف إليهــم لبعدهــم عــن دايرهــم‪.‬‬

‫سادســها‪ :‬أن اللغــة العداننيــة لغــة العــرب املســتعربة يوجــد بينهــا وبــن اللغــة العربيــة‬
‫لغــة إمساعيــل وإبراهيــم كثــر مــن وجــوه الشــبه‪ ،‬كمــا توجــد فــروق كثــرة بينهــا وبــن أختهــا‬
‫اللغــة احلمرييــة‪ ،‬وذلــك القــرب بــن اللغــة العداننيــة واللغــة العربيــة وهــذا البعــد بــن اللغتــن‬
‫الشــقيقتني العداننيــة واحلمرييــة يفســره لنــا علمــاء التاريــخ واللغــة مبــا هــو معــروف مــن أن‬
‫العــرب املســتعربة أبنــاء إمساعيــل فــكان للغتــه األصليــة ذلــك األثــر يف اللغــة العداننيــة الــذي‬
‫أحــدث ذلــك البعــد بينهــا وبــن اللغــة احلمرييــة‪ ،‬وذلــك القــرب بينهــا وبــن اللغــة العربيــة‪ ،‬وال‬
‫شــك أن إمساعيــل كان يعــرف العربيــة لغــة أبيــه تعلمهــا مــن أمــه الــي كانــت معــه يف هجرتــه‬
‫أن مل يكــن تعلمهــا مــن أبيــه الــذي كان يــزوره يف مكــة ويكلمــه هبــا‪.‬‬

‫ »نبل الدعوة اإلسالمية‬


‫ســابع األدلــة وآخرهــا عنــدي علــى صحــة هــذه القصــة أن الدع ـوات اإلســامية كانــت‬
‫دعــوة بريئــة نزيهــة مل يكــن يقصــد هبــا إال وجــه هللا ونشــر دينــه بــن النــاس ومل حيــرك إليهــا‬
‫ـرا ورضــي أن‬ ‫ـرا أو مــات فقـ ً‬
‫طمــع يف مــال أو غــره مــن إعـراض الدنيــا‪ ،‬عــاش صاحبهــا فقـ ً‬
‫حيشــر يف آخرتــه يف زمــرة املســاكني‪ ،‬ولقــد اعــرف بذلــك هلــا املنصفــون يف الشــرق والغــرب‬
‫فلــم تكــن لتســتحل اســتغالل الكــذب ملصلحتهــا واالعتمــاد علــى التدليــس يف أتييدهــا‪ ،‬ولــو‬
‫كان النيب يف قيامه بتلك الدعوة يغره النســب الشـريف واجلاه العريض فريضى ابالنتســاب‬
‫إىل غــر آابئــه ليكســب بذلــك شــرفًا عنــد النــاس لرضــى منهــم أن يعاملــوه معاملــة امللــوك‬
‫الذيــن يغرهــم مثــل هــذا ومل يتواضــع هلــم حــى عــاش فيهــم كأحدهــم ومل يؤثــر نفســه بشــيء‬
‫عليهــم‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫وبعــد فــإن العــرب يف جاهليتهــم كان ـوا يــرون أصلهــم أعــا األصــول وأرومتهــم أشــرف‬
‫األرومــات‪ ،‬ال يســتثنون مــن ذلــك الفــرس والــروم أصحــاب امللــك والســلطان يف عصرهــم‪،‬‬
‫وال تقول اليهود الذين كانوا مشــردين يف عصرهم وكانوا من الذلة واملســكنة حبيث مل يكن‬
‫هنــاك شــرف يف االنتســاب إىل أرومتهــم‪ ،‬فلــو مل تكــن قريــش والعــرب املســتعربة مــن أبنــاء‬
‫إمساعيــل حقيقــة ملــا رضـوا حبــال مــن األحـوال أن يرتكـوا أرومتهــم العربيــة الــي يروهنــا أعــا مــن‬
‫أرومــة الفــرس والــروم لينتســبوا إىل أرومــة اليهــود‪.‬‬

‫دفع الشكوك يف انتساب العرب إىل إمساعيل‬


‫أمــور ثالثــة ذكــرت يف ذيــل كتــاب ((مقالــة يف اإلســام)) للطعــن يف انتســاب العــرب‬
‫املســتعربة إىل إمساعيــل وســكناه يف مكــة وبنائــه الكعبــة لســنا يف حاجــة إىل ردهــا بعــد تلــك‬
‫األدلــة الكثــرة الــي تفيــد اجلــزم بصحــة انتســاب العــرب املســتعربة إىل إمساعيــل‪.‬‬

‫أوهلــا‪ :‬أن التــوراة ذكــرت أن إمساعيــل ســكن يف بريــة فــاران بعــد أن خــرج مــن بيــت أمــه‬
‫وهــي بربيــة ســيناء بــن مصــر وبــاد مثــود وتبعــد عــن مكــة بعـ ًـدا شاســعا‪.‬‬

‫وإان نبطــل هــذا أبن فــاران جبــال ابحلجــاز منهــا بكــر بــن القاســم بــن قضاعــة القضاعــي‬
‫الــذي مــات ابإلســكندرية ســنة ‪277‬هـ ـ وفــرج بــن ســهيل الفــاراين القضاعــي الــذي مــات‬
‫ســنة ‪238‬ه ـ ـ كــذا جــاء يف القامــوس وشــرحه‪ ،‬وأبن اإلمــام ابــن القيــم اجلوزيــة املتــوىف ســنة‬
‫خصوصــا يف هــذا العصــر‬
‫ً‬ ‫‪ 751‬هـ ـ وهــو مــن العلــم والثقــة يف الدرجــة الــي يعرفهــا لــه العلمــاء‬
‫الــذي بــدأ العلمــاء فيــه يعرفــون قــدر النابغــن مــن علمــاء املســلمني يف العصــور الســابقة ذكــر‬
‫أن جبــل ح ـراء الــذي ابتــدئ رســول هللا صلــى هللا عليــه وســلم بنــزول الوحــي إليــه وحولــه‬
‫جبــال كثــرة ال يـزال املــكان الــذي فيــه يســعى فــاران إىل اليــوم والربيــة الــي بــن مكــة وطــور‬
‫ســيناء تســمى بريــة فــاران‪ ،‬وأبنــه جــاء يف التــوراة أن هاجــر وابنهــا ملــا خرجــا مــن بيــت إبراهيــم‬
‫عطشــا مث ســكنا يف بريــة فــاران‪ ،‬وال شــك‬ ‫توجهــا إىل بريــة بئــر ســبع وكاد يهلــك ابنهــا فيهــا ً‬
‫أن بريــة بئــر ســبع هــي بريــة طــور ســيناء وال تـزال بئــر ســبع فيهــا إىل اليــوم فــا تكــون بريــة‬

‫‪18‬‬
‫فــاران فيهــا وإمنــا تكــون بعدهــا إىل احلجــاز ال إىل الشــام الــذي خرجــا منــه‪ ،‬وال إىل مصــر‬
‫الــي ليــس فيهــا بـراري‪.‬‬

‫وأمــا أن مكــة تبعــد عــن القريــة الــي مــات فيهــا إبراهيــم بعـ ًـدا شاسـ ًـعا ال ميكــن معــه أن‬
‫يومــا مــن موتــه وهــذا غــر معقــول فجوابنــا‬
‫أييت إمساعيــل منهــا فيدفــن أابه إال بعــد عشـرين ً‬
‫عليــه أن التــوراة مل تذكــر أن إبراهيــم مــات فأتــى ابنــه إمساعيــل مــن موطنــه ودفنــه حــى يعــرض‬
‫علينــا هبــذا وإمنــا ذكــرت مــوت إبراهيــم وأنــه دفنــه إســحاق وإمساعيــل‪ ،‬فقــد كان إمساعيــل‬
‫إ ًذا حاضـ ًـرا موتــه ومل يكــن يف مكــة وقتــه مث أتــى منهــا لدفنــه‪ ،‬وليــس يف التــوراة مــا مينــع أن‬
‫إمساعيــل خــرج مــن مكــة حــن علــم مبــرض أبيــه فأدركــه قبــل أن ميــوت واشــرك يف دفنــه‪.‬‬

‫اثنيهــا‪ :‬أن التــوراة ذكــرت أن أمــه اختــذت لــه زوجــة مصريــة ومل جيــيء فيهــا أنــه تــزوج‬
‫مــن العــرب الذيــن كانـوا أينفــون أن يزوجـوا بناهتــم غــر عــريب‪ ،‬وجوابنــا علــى هــذا أن التــوراة‬
‫ذكــرت هــذا حقيقــة وليــس يف ديننــا مــا مينــع أن يكــون إلمساعيــل زوجــة مصريــة مــع زوجــات‬
‫أخــرى‪ ،‬فقــد كان تعــدد الزوجــات ســنة ذلــك العصــر‪ ،‬ولكنهــا مل تذكــر أنــه مل يتــزوج مــن‬
‫غريهــا‪ ،‬والتــوراة مل تعــن بتاريــخ إمساعيــل ألنــه مل يكــن يهمهــا إال عامــود نســب بــي إسـرائيل‪،‬‬
‫كالمــا قليـ ًـا ال يذكــر يف حــن أهنــا ذكــرت أنــه عــاش ‪ 137‬ســنة‪ ،‬وولــد‬ ‫فلــم تذكــر عنــه إال ً‬
‫ئيســا‪ ،‬فأيــن قضــى تلــك الســنني الط ـوال؟ وكــم كان لــه فيهــا مــن الزوجــات؟‬ ‫اثــي عشــر ر ً‬
‫ومــا هــي األمكنــة الــي نــزل فيهــا أبوالده وكيــف كانـوا يعيشــون وحييــون؟ وأيــن أوالده وأوالد‬
‫أوالده إىل غــر ذلــك مــن أمــور كثــرة مل تذكرهــا التــوراة ألنــه مل يكــن يهمهــا أمــر إمساعيــل كمــا‬
‫كان يهمهــا أمــر إســحاق‪ ،‬وإمنــا كان يهــم أبنــاءه العــرب املســتعربة فلنأخــذ اترخيــه عنهــم‪،‬‬
‫وإذا كان فيــه مــا يؤخــذ عليهــم فــأي اتريــخ أمــة مــن األمــم القدميــة مل يؤخــذ عليــه مثــل مــا‬
‫أخــذ عليهــم؟‬

‫وأمــا أن العــرب كانــت أتنــف أن تــزوج بناهتــا غــر عــريب فهــذه عــادة كانــت فيهــم حقيقــة‬
‫ولكــن أي اتريــخ يثبــت لنــا أهنــا كانــت فيهــم علــى عهــد إبراهيــم وإمساعيــل ومل يكــن إمساعيــل‬
‫عبـ ًـدا هجينًــا طريـ ًـدا حــى أينــف العــرب أن يزوجــوه منهــم‪ ،‬وإمنــا كان أبــوه إبراهيــم العظيــم‬

‫‪19‬‬
‫الــذي كان لــه مــع ملــوك عصــره حـوادث وأحاديــث ختــران عنهــا التــوراة‪ ،‬وكانــت أمــه هاجــر‬
‫املصريــة مــن ذلــك الشــعب املصــري العريــق يف املدينــة واحلضــارة‪.‬‬

‫علــى أن الــذي أنكــر أن يكــون إمساعيــل تــزوج غــر مصريــة مل يســعه أمــام نصــوص التاريــخ‬
‫القاطعــة إال أن يقــول أبنــه مــن اجلائــز أن يكــون قــد اختــذ لــه زوجــة مــن ســوقة العــرب ومل‬
‫أيضــا إال أن يرجــع فيقــول أن أبنــاء إمساعيــل اختلطـوا ابلعــرب فأصبحـوا‬ ‫يســعه أمــام ذلــك ً‬
‫رجوعــا عــن ذلــك‬
‫ال يعرفــون بينهــم ومــا كانـوا منهــم إال كحصــاة يف فــاة‪ ،‬وليــس ذلــك إال ً‬
‫اإلنــكار والعنــاد ولكــن بثــوب شــفاف مــن الـرايء‪.‬‬

‫اثلثهــا‪ :‬أن اتريــخ يوســيفوس مل يذكــر أن إمساعيــل ســكن مكــة ومل جيــيء فيــه أنــه جــد‬
‫العــرب املســتعربة بــل جــاء فيــه أن أبنــاءه االثــي عشــر كانـوا أبنــاء زوجتــه املصريــة‪ ،‬وجوابنــا‬
‫علــى هــذا أن اتريــخ يوســيفوس ال يهمنــا أمــره ألنــه اتريــخ وضعــي جيــوز عليــه اخلطــأ والغفلــة‪،‬‬
‫علــى أنــه مل يكــن إال خالصــة للتــوراة فــا ميكــن أن يؤخــذ منــه اتريــخ إمساعيــل بتفصيــل‪.‬‬

‫ومل تذكــر التــوراة أن أم بــي إمساعيــل كانــت مصريــة فمــن أيــن أخــذ هــذا املــؤرخ أهنــا كانــت‬
‫مصريــة وهــو مل يكــن يعتمــد إال علــى التــوراة‪.‬‬

‫فهــذه دعامتــك أيهــا الدكتــور الــي بنيــت عليهــا مــا ذكرتــه يف كتابــك مــن إنــكار قصــة‬
‫إبراهيــم وإمساعيــل املذكــورة يف القــرآن تراهــا قــد اهنــارت أمامــك‪ ،‬فهــل كنــت يف حاجــة إىل‬
‫تلــك الورطــة الــي أوقعــت نفســك فيهــا وكتابــك الــذي ألفتــه يف األدب والشــعر واجلاهلــي‬
‫وال عالقــة بينــه وبــن القــرآن والديــن‪ ،‬ولكنــك غلطــت غلطــة شــنيعة أدت بــك إىل ذلــك‬
‫رغــم أنفــك‪ ،‬ورغــم بعــده عــن موضــوع كتابــك‪ ،‬فامســع غلطتــك اي دكتــور‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫غلطة الدكتور‬
‫ظــن الدكتــور أنــه ال يســتقيم لــه الطعــن يف الشــعر اجلاهلــي أبنــه ال ميثــل حــال اللغــة يف‬
‫العصــر اجلاهلــي إذا كان العــرب املســتعربة مــن أبنــاء إمساعيــل وكانــت لغتهــم مأخــوذة مــن‬
‫اللغــة احلمرييــة لغــة جرهــم مــن العــرب العاربــة الذيــن كان ـوا جب ـوار مكــة ونــزل فيهــم أبوهــم‬
‫إمساعيــل وتعلــم العربيــة منهــم‪ ،‬فإنــه علــى مــا يزعــم إذا كان أبنــاء إمساعيــل قــد تعلمـوا العربيــة‬
‫مــن العــرب العاربــة كانــت لغــة الفريقــن واحــدة ومل يكــن هنــاك مــا يؤخــذ علــى الشــعر‬
‫اجلاهلــي يف وروده بلغــة واحــدة هــي اللغــة العداننيــة س ـواء منــه مــا ينســب إىل شــعراء‬
‫اليمــن ومــا ينســب إىل شــعراء احلجــاز ومل ميكــن أن يقــال أنــه ال ميثــل حــال اللغــة ومــا فيهــا‬
‫مــن فــروق بــن اللغــة احلمرييــة واللغــة العداننيــة يف ذلــك العصــر‪ ،‬ولكــن الفــروق اثبتــة ال‬
‫ميكــن إنكارهــا فقــد كان هنــاك خــاف جوهــري بــن اللغتــن يف اللفــظ ويف قواعــد النحــو‬
‫والتصريــف ولــدى العلمــاء اآلن نقــوش ونصــوص تثبــت ذلــك‪ ،‬وقــد روي عــن أيب عمــرو ابــن‬
‫العلمــاء أنــه كان يقــول‪ :‬مــا لســان محــر بلســاننا وال لغتهــم بلغتنــا‪ ،‬وإ ًذا فلــم تكــن الصلــة بــن‬
‫اللغــة العداننيــة واللغــة احلمرييــة إال كالصلــة بــن اللغــة العربيــة وأي لغــة أخــرى مــن اللغــات‬
‫الســامية كالعربيــة والس ـراينية فتعــال اي دكتــور حناســبك علــى هــذا وأان نــرده عليــك أبمــور‪:‬‬

‫أوهلــا‪ :‬أنــك أخــذت علــى الشــعر اجلاهلــي أنــه ال ميثــل مــا كان بــن اللغــة العداننيــة مــن‬
‫اختــاف يف اللهجــات ومذاهــب الــكالم‪ ،‬فــإ ًذا كانــت هنــاك فــروق يف اللغــة العداننيــة‬
‫نفســها وهــي لغــة قبائــل جتمعهــا رابطــة واحــدة وقطــر واحــد هــو قطــر احلجــاز‪ ،‬وإ ًذا ال يصــح‬
‫أن يقــول الدكتــور أنــه إذا كان أبنــاء إمساعيــل قــد تعلمـوا العربيــة مــن العــرب العاربــة وجــب‬
‫أن تكــون لغــة الفريقــن واحــدة وأن ال يكــون بينهمــا فــروق فأنــه إذا كان اختــاف املــكان‬
‫يف قطــر واحــد أحــدث تلــك االختالفــات يف اللغــة العداننيــة نفســها فبــاألوىل يقتضــي أكثــر‬
‫مــن ذلــك بــن اللغــة احلمرييــة واللغــة العداننيــة انف ـراد املتكلمــن ابللغــة األوىل يف اليمــن‪،‬‬
‫وانف ـراد املتكلمــن ابللغــة الثانيــة يف احلجــاز‪ ،‬وإ ًذا مل يكــن الدكتــور يف حاجــة إىل إنــكار‬
‫نســبة العــرب املســتعربة إىل إمساعيــل وال إىل إنــكار تعلــم إمساعيــل وأبنائــه العربيــة مــن العــرب‬

‫‪21‬‬
‫العاربــة لــوال هــذا الظــن اخلاطــئ الــذي مــا كنــا نظــن أن قــع فيــه دكتــور اجلامعــة‪ ،‬والــذي‬
‫أوقعــه يف تلــك العثــرة التارخييــة الشــنيعة فــآذى نفســه ونفــر النــاس منــه ووقــف ذلــك املوقــف‬
‫املخجــل ابلكتــاب الــذي بعــث بــه إىل البحــر اجلرائــد ليثبــت للنــاس أنــه مســلم يؤمــن ابهلل‬
‫ونبيــه ومالئكتــه وكتبــه وهــو الــذي كــذب القــرآن فيمــا حــكاه مــن قصــة إمساعيــل وإبراهيــم‬
‫ْ ََْ ُ‬
‫ـع إب ْ َراه ُ‬
‫ِيم‬ ‫وهجرهتمــا إىل مكــة وبنائهمــا الكعبــة‪ ،‬قــال هللا تعــاىل يف ســورة البقــرة‪ِ{ :‬إَوذ يرفـ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َ ُ َ َّ َ َ َ َّ ْ َّ َّ َ َ ْ‬ ‫َْ َ َ َ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ـت ِإَوســماعِيل ربنــا تقبــل مِنــا إِنــك أنــت السـ ِميع العل ِيم}‬ ‫ـن الَيْـ ِ‬ ‫القوا ِعــد ِمـ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ـواد غــر ذِي َز ْر ٍع عِنـ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ّ َّ‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ َّ َ‬
‫ـد‬ ‫ِ‬ ‫ـي بِـ َ ٍ‬ ‫وقــال يف ْســورة إبراهيــم‪{ :‬ربنــا إ ِ ِن أســكنت ِمــن ذ َرِيـ ِ‬
‫ـاس َت ْهــوي إ َلْهـ ْ‬
‫ـم‬ ‫ِ‬ ‫ـ‬ ‫ـدةً ِمـ َ‬
‫ـن انلَّ‬ ‫ـل أفْئـ َ‬ ‫َّ َ َ َ ْ َ ْ‬
‫يمــوا الصــاة فاجعـ‬ ‫ـر ِم َر َّب َنــا ِلُقِ ُ‬
‫حـ َّ‬‫ـك ال ُم َ‬‫َْ َ‬
‫بيتِـ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ْ ْ‬‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ـم يَشــك ُرون} كمــا كذبــه يف أن العــرب أبنــاء إمساعيــل‬ ‫ات لعلهـ‬ ‫ـن اثلَّ َمـ َ‬
‫ـر ِ‬ ‫ار ُزق ُهـ ْ‬
‫ـم ِمـ َ‬ ‫َو ْ‬
‫اك ُم ال ْ ُم ْسـلِمنيَ‬
‫َ ُ َ َ َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫وإبراهيــم إذ قــال يف ســورة احلــج‪{ :‬مِلــة أبِيكــم إِبراهِيــم هــو ســم‬
‫كـ ْ‬ ‫ْ َ ْ ُ َ َ َ َ ُ َ َّ ُ ُ َ ً َ َ ْ ُ‬
‫ـم} اآليــة‪.‬‬ ‫ِمــن قبــل و ِف هــذا ِلكــون الرســول شـ ِهيدا علي‬

‫اثنيهــا‪ :‬أن إمساعيــل كمــا تقــول التــوراة خــرج مــن بيــت أبيــه وهــو مراهــق يعــرف لغتــه وال‬
‫بــد أن يكــون لذلــك أتثــر يف لغــة أبنائــه مــن العــرب املســتعربة يوجــب أن يكــون بينهــا وبــن‬
‫لغــة العــرب العاربــة خــاف وفــروق إذ ال يكــون الطــارئ كاألصيــل يف هلجتــه كمــا يشــاهد‬
‫ذلــك اآلن‪ ،‬وهــذا يســتلزم أن تكــون اللغتــان خمتلفتــن ال متحدتــن كمــا يزعــم الدكتــور ال‬
‫لشــيء ســوى مــا يقولــه مــن أنــه إذا صــح أن إمساعيــل تعلــم هــو وأبنــاؤه لغتــه مــن العــرب‬
‫العاربــة فــا بــد أن تكــون لغتــه ولغــة أبنائــه كلغتهــم انســيًا أنــه كانــت لــه لغــة أخــرى ألفهــا‬
‫لســانه واعتــاد النطــق هبــا فــا ميكــن أن يكــون نطقــه ابللغــة اجلديــدة كنطــق أهلهــا مــن العــرب‬
‫العاربــة‪.‬‬

‫اثلثهــا‪ :‬أنــه يزعــم أن الفــروق جوهريــة بــن اللغــة احلمرييــة واللغــة العداننيــة وأن الصلــة‬
‫بــن اللغتــن كالصلــة بــن اللغــة العربيــة وأي لغــة أخــرى مــن اللغــات الســامية‪ ،‬وال نــدري‬
‫أيهــزل الدكتــور أم جيــد؟ فأنــه إذا أصــح أن الصلــة بــن اللغتــن كذلــك مل يصــح اندراجهمــا‬
‫أيضــا علــى اللغــة العربيــة واللغــة‬
‫حتــت اســم واحــد هــو اللغــة العربيــة‪ ،‬وإال يصــح أن يطلــق ً‬
‫الس ـراينية ألن منزلتهمــا مــن اللغتــن العربيتــن كمنزلــة أحدمهــا مــن األخــرى‪ ،‬والــذي يثبتــه‬
‫‪22‬‬
‫التاريــخ أن اخلــاف بــن اللغــة احلمرييــة واللغــة العداننيــة مل يكــن إال كاخلــاف بــن فــروع‬
‫اللغــة العداننيــة‪ ،‬فمــا متتــاز بــه لغــة محــر ابليمــن الــومت وهــو جعــل الســن اتء كالنــات يف‬
‫النــاس‪ ،‬واملشنشــنة وهــو جعــل الــكاف شــينًا مثــل لبيــش يف لبيــك‪ ،‬والطمطمانيــة وهــي وضــع‬
‫أم مــكان أل مثــل طــاب امهـواء يف طــاب اهلـواء‪ ،‬وهــذه الفــروق ال متتــاز عــن الفــروق الــي‬
‫حدثــت بــن فــروع اللغــة العداننيــة فربيعــة ومضــر جتعــل بعــد كاف اخلطــاب يف املؤنــث شــينًا‬
‫وهــو مــا يســمى ابلكشكشــة مثــل رأيتكــش يف رأيتــك بكســر الــكاف‪ ،‬وجتعــل بعــد كاف‬
‫اخلطــاب يف املذكــر أو مكاهنــا ســينًا وهــو مــا يســمى ابلكسكســة‪ ،‬وقيــس جتعــل اهلمــزة‬
‫املبــدوء هبــا عينًــا مثــل عنــك بتشــديد النــون يف أنــك وهذيــل جتعــل احلــاء عينًــا مثــل العــال‬
‫ـون إذا جــاورت الطــاء مثــل أنطــى‬ ‫يف احلــال‪ ،‬وســعد وهذيــل وقيــس جتعــل العــن الســاكنة نـ ً‬
‫يف أعطــى‪ ،‬إىل غــر ذلــك مــن فــروق كثــرة جتعــل البعــد بــن هــذه اللغــات العداننيــة وبــن لغــة‬
‫قريــش الــي نــزل هبــا القــرآن وورد هبــا الشــعر اجلاهلــي وهــي فــرع مــن هــذه اللغــة مثــل البعــد‬
‫بينهــا أعــي لغــة قريــش وبــن لغــة محــر‪ ،‬وكلــه اختــاف يف اللهجــات ومذاهــب الــكالم ال‬
‫يصــح معــه أن يقــال أن الصلــة بــن اللغتــن العربيتــن الشــقيقتني مثــل الصلــة بــن إحدامهــا‬
‫وأي لغــة أخــرى مــن اللغــات الســامية وإال فمــا هــذه الرابطــة الــي كانــت تربــط بــن تلــك‬
‫القبائــل يف اجلزيــرة العربيــة كلهــا وكانــت قريــش حتــاول بواســطتها قبيــل اإلســام أن توجــد يف‬
‫البــاد العربيــة وحــدة سياســية وثنيــة مســتقلة تقــاوم تدخــل الــروم والفــرس واحلبشــة وداينتهــم‬
‫يف البــاد العربيــة كمــا يقــول الدكتــور يف كتابــه إن مل تكــن هــذه الرابطــة رابطــة اللغــة العربيــة‬
‫الــي مل يكــن يوجــد بــن فروعهــا يف ســائر اجلزيــرة إال مثــل تلــك الفــروق الســابقة الــي ال تؤثــر‬
‫يف وحدهتــا وال جتعلهــا لغــات مســتقلة‪.‬‬

‫أمــا تلــك النقــوش والنصــوص الــي عثــر عليهــا العلمــاء وتثبــت أن الفــرق جوهــري بــن‬
‫اللغــة احلمرييــة واللغــة العداننيــة يف النحــو والتصريــف فــإذا صحــت فــا ميكــن ال أن تكــون‬
‫مــن آاثر احلمــر بــن قبــل حادثــة ســيل العــرم وتفرقهــم يف اجلزيــرة تفرقًــا أوجــد يف اللغــة العربيــة‬
‫آاثرا وأح ـو ًال مل تكــن فيهــا قبــل تلــك احلادثــة‪ ،‬وكان ذلــك بتأثــر اختالطهــم بغريهــم بعــد‬ ‫ً‬
‫تركهــم اليمــن‪ ،‬وإذا كان هــذا حــال تلــك النقــوش والنصــوص فــا ميكــن أن يؤخــذ منهــا إال‬

‫‪23‬‬
‫أن اللغــة احلمرييــة مــرت يف دور قبــل حادثــة ســيل العــرم خيالــف مــا صــارت إليــه بعدهــا يف‬
‫النحــو والتصريــف إذا أصبحــت بتأثــر االختــاط كاللغــة العداننيــة يف حنوهــا وتصريفهــا‪.‬‬

‫وأمــا قــول أيب عمــر بــن العــاء مــا لســان محــر بلســاننا وال لغتهــم بلغتنــا‪ ،‬فلــم يكــن يعــي‬
‫بعضــا منهــا وال تزيــد عــن الفــروق بــن فــروع اللغــة العداننيــة‬
‫بــه إال تلــك الفــروق الــي ذكـران ً‬
‫ومل يكــن يعــي أن منزلــة اللغــة احلمرييــة مــن اللغــة العداننيــة كمنزلــة إحدامهــا مــن اللغــة العربيــة‬
‫أو السـراينية‪.‬‬
‫رابعهــا‪ :‬أن وفــود اليمــن الــي وفــدت علــى النــي بعــد ظهــور اإلســام كان يكلمهــم‬
‫ويكلمونــه بــدون حاجــة إىل مرتجــم ولــو كانــت الصلــة بــن لغــة اليمــن واللغــة العربيــة‬
‫الفصحــى لغــة قريــش كالصلــة بــن إحدامهــا وأي لغــة أخــرى مــن اللغــات الســامية كالعربيــة‬
‫مــا أمكــن هــذا ألنــه مــا كان ميكنــه أن خياطــب اليهــود بعربيتهــم أو الس ـراين بس ـراينيتهم‪،‬‬
‫فكيــف أمكنــه أن خياطــب أهــل اليمــن بلغتهــم إذ كان البعــد بينهــا وبــن لغتــه كالبعــد بــن‬
‫لغتــه والعربيــة أو الس ـراينية‪.‬‬

‫خامســها‪ :‬أن العــرب كانــت هلــم يف اجلاهليــة أس ـواق جامعــة يف ســائر بــاد اجلزيــرة‬
‫فكانـوا ينزلــون دومــة اجلنــدل أو يــوم مــن شــهر ربيــع األول مث ينتقلــون إىل هجــر ابلبحريــن‬
‫فتقــوم ســوقهم هبــا يف شــهر ربيــع اآلخــر مث يرحتلــون حنــو عمــان ابلبحريــن فتقــوم ســوقهم هبــا‬
‫إىل أواخــر مجــادي األوىل مث ينزلــون ســوق املشــقر ابلبحريــن أول يــوم مــن مجــادى اآلخــرة‪،‬‬
‫مث ينزلــون ســوق صحــار فيقيموهنــا مخســة أايم لعشــر ميضــن مــن رجــب الفــرد‪ ،‬مث ينزلــون‬
‫ابلشــحر فيقيمــون ســوقها يف النصــف مــن شــعبان‪ ،‬مث يرحتلــون إىل عــدن أبــن ابليمــن وبعــد‬
‫ســوقها يرحتلــون إىل ســوق حضرمــوت نصــف ذي القعــدة مث ينزلــون صنعــاء فتقــوم أسـواقهم‬
‫هبــا‪.‬‬

‫وكانــت هلــم أسـواق أخــرى كــذي اجملــاز بعرفــة وســوق جمنــة وهــي تقــام قــرب موســم احلــج‬
‫ويؤمهــا كثــر مــن قبائلهــم‪ ،‬وكســوق حبــاش يف داير ابرق وأسـواق كانــت بــن دورهــم ودور‬
‫العجم‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫فهــل عهــد مثــل هــذا االختــاط إال يف أمــة هلــا لغــة واحــدة وإن كانــت خمتلفــة اللهجــات‬
‫حــى ميكنهــا أن تتفاهــم يف تلــك األس ـواق وتتبــادل البيــع والش ـراء‪ ،‬كمــا يتفاهــم املصريــون‬
‫اليــوم يف أسـواقهم وال يؤثــر يف ذلــك اختــاف هلجاهتــم‪.‬‬

‫سادســها‪ :‬أن ســوق عــكاظ وقــد أنشــئت بعــد عــام الفيــل خبمــس عشــرة ســنة وذلــك‬
‫ســنة ‪ 540‬للميــاد كان يؤمهــا الشــعراء واخلطبــاء مــن ســائر القبائــل العربيــة مــن عداننيــة‬
‫وقحطانية فيتناشدون األشعار ويلقون اخلطب‪ ،‬وفيها ضربت للنابغة قبة من أدم ليتحاكم‬
‫إليــه الشــعراء وقــد أنشــده فيهــا األعشــى واخلنســاء وحســان يف قصــة مشــهورة‪ ،‬وكان هــؤالء‬
‫الشــعراء مــن قبائــل خمتلفــة فالنابغــة مــن ذبيــان مــن العــرب العداننيــة وحســان مــن األوس‬
‫واخلــزرج مــن القبائــل احلمرييــة‪ ،‬فهــل كان مثــل هــذا يصــح لــو كانــت منزلــة اللغــة احلمرييــة‬
‫مــن اللغــة العداننيــة كمنزلــة إحدامهــا مــن أي لغــة أخــرى ســامية‪.‬‬
‫ســابعها‪ :‬أن النــي صلــى هللا عليــه وســلم وهــو مــن قريــش نــزل ابألوس واخلــزرج بعــد‬
‫قومــا‬
‫اهلجــرة ومهــا مــن العــرب العاربــة وبــن مكــة واملدينــة بعــد شاســع فلــم جيــد منهــم إال ً‬
‫توافــق لغتهــم لغتــه ولغــة مــن كان معــه مــن املهاجريــن‪.‬‬

‫اثمنهــا‪ :‬أن النابغــة الذبيــاين وهــو مــن قلــب اجلزيــرة العربيــة كان ميــدح النعمــان بــن املنــذر‬
‫ملــك احلــرة يف جنــوب اجلزيــرة فلمــا غضــب عليــه قصــد الغساســنة يف مشاهلــا جبـوار الشــام‬
‫فمدحهــم‪ ،‬ومثــل هــذا ال يكــون إال إذا كانــت لغــة هــذا الشــاعر وهــو مــن قلــب اجلزيــرة‬
‫ولغــة املنــاذرة ابحلــرة ولغــة الغساســنة واحــدة ال ختتلــف إال يف هلجاهتــا اختالفًــا ال يؤثــر يف‬
‫وحدهتــا‪.‬‬

‫اتســعها‪ :‬أان إذا ســلمنا للدكتــور أن الفــرق جوهــري بــن اللغــة احلمرييــة واللغــة العداننيــة‬
‫فهــذا ال يــدل علــى أكثــر مــن أن اللغــة العداننيــة مل يتعلمهــا العــرب املســتعربة مــن العــرب‬
‫العاربــة وال ينفــي حبــال نســبتهم إىل إمساعيــل وإبراهيــم وليــس يف القــرآن أن إمساعيــل تعلــم‬
‫أساســا‬
‫العربيــة مــن العــرب العاربــة‪ ،‬واحلديــث الــذي ذكــر الدكتــور أهنــم يروونــه ويتخذونــه ً‬
‫هلــذه النظريــة‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫وخالصتــه‪ :‬أن أول مــن تكلــم ابلعربيــة نســي لغــة أبيــه إمساعيــل بــن إبراهيــم أن صــح فرمبــا‬
‫يفيــد عكــس هــذه النظريــة فإنــه إذا كان إمساعيــل أول مــن تكلــم ابلعربيــة فهــو إ ًذا مل أيخذهــا‬
‫عــن غــره مــن العــرب العاربــة ومل يتعلمهــا منهــم فليكــن إمساعيــل أاب العــرب املســتعربة‪،‬‬
‫ولتكــن مــع هــذا اللغــة العداننيــة لغــة مســتقلة عــن اللغــة احلمرييــة‪ ،‬وليثبــت العلــم احلديــث‬
‫ذاك بنقوشــه ونصوصــه أو ال يثبتــه فليــس يف ذلــك مــا يؤثــر يف ديننــا اي دكتــور وقــد كان أبــو‬
‫عمــرو بــن العــاء يــرى هــذا ال ـرأي يف زعمــك ومل يقــدح عنــده يف نســبة العــرب املســتعربة‬
‫إىل إمساعيــل‪.‬‬

‫قدم اإلسالم‬
‫يقــول الدكتــور يف شــيء مــن التهكــم أن املســلمني أرادوا أن يثبتـوا أن لإلســام أوليــة يف‬
‫بــاد العــرب وأن خالصــة الديــن اإلســامي هــي خالصــة الديــن احلــق الــذي أوحــاه هللا إىل‬
‫األنبيــاء وأنــه ليــس إال ملــة إبراهيــم الــي كانــت ديــن العــرب قبــل أن تنصــرف عنهــا إىل عبــادة‬
‫األواثن‪ ،‬فحك ـوا لنــا عــن إف ـراد قليلــن كان ـوا يظهــرون بــن العــرب قبــل اإلســام مــن حــن‬
‫إىل حــن ويرفضــون عبــادة األصنــام ويعبــدون هللا رب أبيهــم إبراهيــم‪.‬‬

‫ووضع ـوا أحاديــث وأشــعار يف ذلــك نســبوها إىل اجلاهلــن ال لشــيء إال لتثبــت أن‬
‫لإلســام يف بــاد العــرب قدمــة وســابقة فاعلــم اي دكتــور إن كنــت ال تعلــم أن املســألة‬
‫ليســت مســألة أحاديــث وأشــعار وإمنــا ذلــك أمــر جــاء بــه القــرآن الكــرمي‪ ،‬قــال هللا تعــاىل يف‬
‫ً َ ً َّ َ‬
‫ـة إب ْ َراه َ‬ ‫صاط ُم ْسـ َ‬
‫َ‬ ‫َ َ َّ َ‬ ‫ُ ْ َّ‬
‫ِيم‬ ‫ِ‬ ‫ـ‬ ‫ِل‬
‫م‬ ‫ا‬‫م‬ ‫ِي‬ ‫ق‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫ِين‬ ‫د‬ ‫يم‬
‫ِ ٍ‬ ‫ق‬‫ـت‬ ‫ـي هــد ِان ر ِب إ ِ ِ ٍ‬
‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ســورة األنعــام‪{ :‬قــل إِنـ‬
‫كـ ْ‬
‫ـم‬
‫َ َ َ َ ُ‬
‫ـن} وقــال تعــاىل يف ســورة الشــورى‪{ :‬شع ل‬ ‫ـن ال ْ ُم ْشك ِـ َ‬
‫ِيفــا َو َمــا َك َن مِـ َ‬
‫َ ً‬
‫حن‬
‫ِ‬
‫ُ ً َ َّ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ‬
‫ـك َو َمــا َو َّصيْ َنــا ب ـهِ إب ْ َراهِيــمَ‬ ‫َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ـن َمــا َوص ب ِـهِ نوحــا والِي أوحينــا إِلـ‬
‫ِ‬
‫ـن ّ‬
‫ادلِيـ‬ ‫ِمـ َ‬
‫ّ َ َ َ َ َ َ َّ ُ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫َو ُمـ َ‬
‫ـوس َوعِيــى أن أقِيمــوا ادلِيــن ول تتفرقــوا فِي ـهِ}‪.‬‬
‫ُ‬

‫وقــد أثبتنــا ابألدلــة القاطعــة أن إمساعيــل ســكن مكــة وأســس فيهــا أول بيــت وضــع لعبــادة‬
‫هللا‪ ،‬فقــد كان لإلســام إ ًذا ســابقة يف بــاد العــرب مث تركــوه إىل عبــادة األصنــام ملــا طــال‬

‫‪26‬‬
‫عليهــم العهــد ومل أيت مــن يرشــدهم إليــه بعــد إمساعيــل‪ ،‬وال يصــح أن يســتبعد هــذا ويؤخــذ‬
‫مــن انتشــار عبــادة األصنــام يف العــرب قبــل اإلســام أنــه مل يكــن هلــم ســابقة إســام‪ ،‬فهــؤالء‬
‫بنــو إسـرائيل كانـوا يرتكــون عبــادة هللا علــى مــا ســنه هلــم إبراهيــم وإســحاق ويعقــوب وموســى‬
‫إىل عبــادة األصنــام حينمــا بعــد حــن واألنبيــاء مل ينقطــع وجودهــم بينهــم مــن موســى إىل‬
‫عيســى عليــه الســام فكيــف يســتبعد أن يكــون يف العــرب إميــان مث انصرفـوا عنــه إىل عبــادة‬
‫األصنــام وهــم مل يبعــث إليهــم مــن يرشــدهم إليــه بعــد إمساعيــل إىل بعثــة حممــد صلــى هللا‬
‫عليــه وســلم‪.‬‬

‫علــى أن العــرب كانـوا يعرفــون هللا ويقــرون ابلتوحيــد ويقولــون عــن أصنامهــم إمنــا نعبدهــم‬
‫ليقربــوان إىل هللا زلفــى كمــا جــاء يف القــرآن الكــرمي الــذي ال يشــك الدكتــور فيمــا يرويــه عــن‬
‫العــرب يف جاهليتهــم فمــن أيــن عرفـوا هللا وأقــروا لــه ابلوحدانيــة إن مل يكــن ذلــك متـوارًث فيهــم‬
‫جيـ ًـا عــن جيــل عــن أبيهــم إبراهيــم وإمساعيــل‪ ،‬هــل ميكــن أن يكونـوا قــد أخــذوه عــن اليهــود‬
‫والنصــارى؟ اللهــم ال وإال لدخلـوا يف اليهوديــة أو النصرانيــة وأخــذوا غــره مــن عقائدهــم ومل‬
‫يقتصــروا عليــه وحــده‪.‬‬

‫وإين أرجــو مــن الدكتــور أن يطالــع التــوراة وكتــب العهــد القــدمي أو يعيــد مطالعتهــا إن كان‬
‫قــد طالعهــا‪ ،‬فســيجدها حتدثنــا أبن هللا وحــده كان وجهــة األنبيــاء مــن آدم إىل عيســى‪،‬‬
‫وهــذا هــو اإلســام الــذي جــاء بــه القــرآن الكــرمي ولعلــه ال يتهكــم بعــد هــذا علــى املســلمني‬
‫إذ يعتقــدون أن خالصــة الديــن اإلســامي هــي خالصــة الديــن احلــق الــذي أوحــي بــه إىل‬
‫األنبيــاء مــن قبــل‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫أنصاف املؤرخني املسلمني‬
‫وبعد فإ ًذامل ينصف الدكتور ومن جيدون لذة يف الطعن على املسلمني والزراية بعلمائهم‬
‫األقدمني املؤرخني املسلمني فيما يروونه عن العرب العاربة واملستعربة فقد أنصفتهم أعظم‬
‫جملة علمية يف الشــرق وهي جملة املقتطف اليت هلا فضل عظيم على الدكتور وأمثاله‪.‬‬

‫جــاء يف اجمللــد الثــاين والثالثــن مــن جملــدات املقتطــف فيمــا كتبــه عــن مهــد اجلنــس‬
‫الســامي أن بعــض علمــاء هــذا العصــر ال يثقــون اببــن خلــدون وال غــره عــن مؤرخــي العــرب‬
‫ألهنــم مل يبحثـوا يف آاثر األمــم الســالفة‪ ،‬بــل نقلـوا عمــن كان قبلهــم بقــرن أو قرنــن أو ترمجـوا‬
‫ترمجــة غــر صحيحــة مــن كتــب اليــوانن وغريهــم‪ ،‬وهــذا إفـراط يف القــدح يف أمــة هلــا حضــارة‬
‫قدميــة وحديثــة مل تظفــر مبثلهــا أمــة مــن األمــم‪ ،‬ويف اليمــن وحضرمــوت مــن اآلاثر علــى‬
‫احلجــارة ابخلــط املســند مــا يضــارع آاثر مصــر وبــاد مــا بــن النهريــن‪ ،‬وهــذا اخلــط كان يقـرأ‬
‫إىل اجليــل الثالــث بعــد اهلجــرة‪ ،‬وكان ســند مؤرخــي العــرب فيمــا رووه عــن العصــور اخلاليــة‪.‬‬

‫وجــاء يف جملــة املنــار يف جملدهــا العاشــر فيمــا كتبتــه عــن التدويــن يف اإلســام أن التدويــن‬
‫وكتابــة األخبــار قــد وجــدا يف اإلســام مــن ابتــداء القــرن األول بــل كان قبــل اإلســام‬
‫شــيء منهــا بدليــل قــول الكلــي يف كتــاب ((األنســاب)) أنــه كان يســتخرج أخبــار العــرب‬
‫وأنســاهبم وأنســاب آل نصــر بــن ربيعــة مــن كتبهــم ابحلــرة‪.‬‬

‫فقــارن أيهــا القــارئ بــن هــذا التواضــع العلمــي الــذي يزيــن العــامل يف جملــة املقتطــف وبــن‬
‫قــول الدكتــور يف كتابــه حيدثنــا الــرواة أن الشــعر تنقــل يف قبائــل عــدانن‪ ،‬كان يف ربيعــة مث‬
‫انتقــل إىل قيــس مث إىل متيــم فظــل فيهــا إىل مــا بعــد اإلســام أي إىل أايم بــي أميــة حــن‬
‫نبــغ الفــرزدق وجريــر وحنــن ال نســتطيع أن نقبــل هــذا النــوع مــن الــكالم إال ابمســن ألننــا ال‬
‫نعــرف مــا ربيعــة ومــا قيــس ومــا متيــم معرفــة علميــة أي ألننــا ننكــر أو نشــك علــى أقــل تقديــر‬
‫يف قيمــة الســماء ونعتقــد أن هــذا أقــرب إىل األســاطري منــه إىل العلــم اليقــن‪.‬‬

‫جــازاك هللا اي دكتــور أئــذا عثــر الباحثــون اليــوم علــى حجــر أو حجريــن يف جزيــرة العــرب‬

‫‪28‬‬
‫فيهــا نقــوش ابخلــط املســند الــذي ال جييــدون قراءتــه نقــوم هلــم ونقعــد‪ ،‬مث ال نعــرف بعلــم‬
‫أســافنا وقــد نقل ـوا علمهــم عمــا ال يعــد مــن تلــك األحجــار ونقوشــها فضـ ًـا عــن تلــك‬
‫الكتــب الــي قدمنــا ذكرهــا‪.‬‬

‫[ القسم األديب ]‬
‫مذهب ديكارت‬
‫قال الدكتور‪ :‬أن هناك مذهبني يف األدب مذهب أنصار القدمي الذي يقبل يف األدب‬
‫واترخيــه مــا قــال القدمــاء مــع قليــل مــن البحــث والنقــد ال يتجــاوز ترجيــح روايــة علــى روايــة‬
‫وإيثــار ضبــط علــى ضبــط‪ ،‬فيذهبــون يف األدب وفنونــه مذهــب الفقهــاء يف الفقــه بعــد‬
‫إغــاق ابب االجتهــاد‪ ،‬ومذهــب أنصــار اجلديــد الــذي يضــع علــم املتقدمــن كلــه موضــع‬
‫الشــك وال يقبــل منــه شــيئًا إال بعــد حبــث ينتهــي إىل اليقــن أو الرجحــان فينهــج يف حبــث‬
‫األدب املذهب الفلســفي الذي اســتحدثه ديكارت الفرنســي للبحث عن حقائق األشــياء‬
‫والقاعــدة األساســية هلــذا املذهــب أن يســتقبل الباحــث موضــوع حبثــه خــايل الذهــن ممــا قيــل‬
‫فيــه انســيًا قوميتــه وكل مشــخصاهتا‪ ،‬ودينــه وكل مــا يتصــل بــه والدكتــور مــن رجــال املذهــب‬
‫األخــر الذيــن يدرســون األدب العــريب غــر حافلــن بتمجيــد العــرب أو الغــض منهــم وال‬
‫مكرتثــن بنصــر اإلســام أو النعــي عليــه‪ ،‬وال معنيــن ابملالءمــة بينــه وبــن نتائــج البحــث‬
‫العلمــي احلديــث‪.‬‬

‫وإان نقــول للدكتــور أن اإلســام مل يقــم علــى أســاس الشــعر اجلاهلــي الــذي يريــد إنــكاره‬
‫حــى يهمــه أمــره أو يتعصــب لــه أن اإلســام مل أيمــر اإلنســان أن ينســى عقلــه أو يلغيــه‬
‫وهــو مســتعد لقبــول كل نتائــج العلــم الصحيحــة‪ ،‬وقدميـًـا قــرر علمــاؤان هــذه القاعــدة ‪ -‬إذا‬
‫تعــارض دليــل العقــل والنقــل وجــب أتويــل النقــل ليوافــق العقــل ‪ -‬فهــل ديــن كهــذا خيــاف‬
‫الباحــث منــه أن يضلــه عــن الص ـواب يف حبثــه وهــو نصــر الص ـواب وعــدو الباطــل فلمــاذا‬
‫ينســاه إ ًذا يف حبثــه وهــو ال خيــاف منــه‪ ،‬وملــاذا ال نعــي ابملالءمــة بينــه وبــن نتائــج البحــث‬

‫‪29‬‬
‫العلمــي احلديــث إذا كانــت صحيحــة أليــس يف هــذا مــا جيــب العلــم إىل النــاس وال جيعلهــم‬
‫يفهمــون أنــه عــدو الديــن فينــأون جبانبهــم عنــه ومــى حبــب العلــم إىل النــاس أينعــت مثرتــه‪،‬‬
‫وطــاب هلــم أكلــه‪ ،‬واســتخدموه يف مصاحلهــم اخلاصــة والعامــة‪.‬‬

‫أمــا علــم القدمــاء فلمــاذا نضعــه كلــه موضــع الشــك وال نضــع منــه موضــع الشــك مــا‬
‫يســتحقه فقــط؟‪ ،‬أليــس هــذا هــو اإلنصــاف اي دكتــور‪ ،‬أمل يكــن يف علــم القدمــاء غــر الشــعر‬
‫اجلاهلــي مــن الشــعر اإلســامي ومــن علــوم النحــو والصــرف والبالغــة إىل غــر ذلــك ممــا ال‬
‫ميكنــك أن تشــك يف صحتــه إذا أمكنــك أن تشــك يف صحــة الشــعر اجلاهلــي‪ ،‬احلــق أن‬
‫هــذه مغــاالة منــك اي دكتــور وأنــه كمــا ال يصــح أقفــال ابب البحــث يف علــم القدمــاء‪ ،‬ال‬
‫يصــح أن نشــك فيــه كلــه جزافًــا وبــدون دليــل‪ ،‬فليــس هــذا مــن العلــم يف شــيء وإمنــا هــو‬
‫اجلهــل بعينــه‪.‬‬

‫ـرا منــه‬
‫لقــد حبــث القدمــاء فيمــا ينســب إىل شــعراء اجلاهليــة وأظهــروا للنــاس أن كثـ ً‬
‫موضــوع عليهــم فــإذا عث ـران علــى شــيء مــن ذلــك بعدهــم فيجــب أن نعــرف هلــم بفضــل‬
‫الســبق وال نتخــذ ذلــك وســيلة للطعــن فيهــم‪ ،‬فكــم تــرك األول لآلخــر وهــذا حممــد بــن ســام‬
‫صاحــب كتــاب ((طبقــات الشــعراء)) يقــول يف الشــعر مصنــوع مفتعــل كثــر ال خــر فيــه وال‬
‫حجــة يف غريبــه وللشــعر صناعــة وثقافــة يعرفهــا أهــل العلــم فــا خيفــى عليهــم صحيحــه مــن‬
‫موضوعــه‪ ،‬وهــذا يونــس بــن حبيــب ينكــر مــا روي مــن الشــعر علــى لســان عــاد ومثــود وحنوهــم‬
‫ـعرا‬
‫فيقــول‪ :‬إن أول مــن تكلــم ابلعربيــة إمساعيــل وحنــن ال جنــد ألوليــة العــرب املعروفــن شـ ً‬
‫فكيــف بعــاد ومثــود‪ ،‬وهــذا أبــو عمــرو بــن العــاء يقــول‪ :‬ملــا راجعــت العــرب روايــة الشــعر يف‬
‫اإلســام بعــد فراغهــا مــن اجلهــاد اســتقل بعــض العشــائر شــعر شــعرائهم ومــا ذهــب مــن ذكــر‬
‫وقائعهــم وكان قــوم قلــت وقائعهــم وأشــعارهم فــأرادوا أن يلحقـوا مبــن لــه الوقائــع واألشــعار‬
‫فقال ـوا علــى ألســن شــعرائهم وليــس يشــكل علــى أهــل العلــم زايدة ذلــك وال مــا وضع ـوا‪،‬‬
‫وهــذا أبــو بكــر الزبيــدي ذكــر يف طبقــات النحويــن أن الميــة العــرب الــي ينســبها النــاس إىل‬
‫الشــنفري ليســت لــه وإمنــا هــي ممــا وضعــه خلــف األمحــر إىل غــر ذلــك مــن أمــور كثــرة تــدل‬

‫‪30‬‬
‫علــى أن قدمــاءان مل يهملـوا يف حبــث األدب وعلومــه وأن مــا وصــل إلينــا بعــد هــذا التحــري‬
‫ـرا ممــا وضــع علــى شــعراء اجلاهليــة ال يســتحق مــن الدكتــور هــذا االزدراء‪.‬‬
‫الــذي عرفـوا بــه كثـ ً‬

‫الشعر اجلاهلي‬
‫إن الشعر اجلاهلي الذي روي لنا ال جياوز أقدم ما روي لنا منه مائة سنة قبل اإلسالم‬
‫أو أزيــد مــن ذلــك قليـ ًـا‪ ،‬ومــا روي مــن الشــعر قبــل هــذا فعلمــاء األدب القدمــاء قــد ذهبـوا‬
‫قبــل الدكتــور وغــره إىل أنــه ال يوثــق بشــيء منــه‪ ،‬فــإذا عرفنــا هــذا وعرفنــا أن أمــة العــرب مل‬
‫يكــن هلــا بضاعــة غــر الشــعر والبالغــة حــى نــزل القــرآن وهــو كتــاب هللا يتحداهــم فيهــا‪،‬‬
‫وأهنــا مــا كانــت جتــل إحداكمــا جتــل شــعراءها حــى قــال ابــن رشــيق إن القبيلــة مــن العــرب‬
‫كانــت إذا نبــغ فيهــا شــاعر أتتهــا القبائــل فهنأهتــا بذلــك وصنعــت األطعمــة واجتمعــت‬
‫أيضــا أنــه كان للعــرب‬
‫النســاء يلعــن ابملزاهــر كمــا يصنعــن يف األعـراس‪ ،‬وإذا أضفنــا إىل هــذا ً‬
‫يف اجلاهلية ســوق عكاظ أنشــئ قبل اإلســام خبمســن ســنة تقريبًا‪ ،‬وكان يقصده الشــعراء‬
‫مــن كل القبائــل يســمعون النــاس شــعرهم فيحكمــون للمجيــد منهــم ويســمعه وحيفظــه عنهــم‬
‫ألــوف وألــوف ممــن أدرك اإلســام وعــاش فيــه وروى ملــن روى ذلــك الشــعر لعلمائنــا الذيــن‬
‫أيضــا أن ذلــك الشــعر الــذي وصــل إلينــا مــر علــى دور‬ ‫دونــوه‪ ،‬إذا عرفنــا ذلــك كلــه وعرفنــا ً‬
‫مــن البحــث الــذي قــام بــه العلمــاء القدمــاء الذيــن بينـوا لنــا مــا صــح منــه ومــا مل يصــح‪ ،‬فــإان‬
‫نــرد علــى الدكتــور بــكل مــا فينــا مــن قــوة زعمــه أن الكثــرة املطلقــة مــن هــذا الشــعر بعــد ذلــك‬
‫التمحيــص خمتلفــة‪ ،‬وإال فــإان ال نصــدق الدكتــور يف أن العــرب قبــل اإلســام كانــت أمــة‬
‫متحضــرة راقيــة ســامية‪ ،‬فــأي أمــة راقيــة تلــك األمــة الــي ال حتفــظ مــا قيــل فيهــا مــن شــعر‬
‫أودع فيــه أخبارهــا ووقائعهــا وحكمتهــا وأمثاهلــا قبــل اإلســام مبائــة ســنة مائــة ســنة فقــط؛‬
‫فأيــن كان إ ًذا إجالهلــا لشــعرائها‪ ،‬وأيــن كان إ ًذا ســوق عــكاظ الــي كان يقصدهــا النــاس‬
‫لســماع الشــعر وبقيــت يف اإلســام إىل أن هنبهــا اخلـوارج ســنة ‪ 129‬للهجــرة فخلفهــا مربــد‬
‫البصــرة الــذي كانــت بــه مفاخـرات األشـراف وجمالــس اخلطبــاء يتوافــون إليــه ســاعة مــن هنــار‬
‫للحديــث واملناشــدة واملفاخــرة‪ ،‬هــذا إىل أن سلســلة الشــعر مل تنقطــع بعــد اإلســام بــل كان‬

‫‪31‬‬
‫فيــه كثــر مــن الشــعراء املخضرمــن الذيــن أدركـوا اجلاهليــة واإلســام وأخــذ عنهــم الشــعر مــن‬
‫نشــأ مــن الشــعراء يف اإلســام وكلنــا يعــرف عنايــة الشــعراء الالحقــن ابلشــعراء الســابقني‬
‫وتتبعهــم آلاثرهــم وحفظهــم ألشــعارهم لتســاعدهم يف صناعتهــم‪.‬‬

‫كمــا أن تدويــن األدب واألشــعار قــد ابتــدأ يف القــرن األول للهجــرة فــكان شــعر تلــك‬
‫املائــة مــن الســنني قبــل اإلســام غــر بعيــد عــن رواة أشــعار اجلاهليــة ألهنــم كانـوا معاصريــن‬
‫ملــن أدركهــا أو أدرك مــن أدركهــا مــن الشــعراء املخضرمــن وغريهــم‪.‬‬

‫وهــذا طرفــة بــن العبــد مل ميــت إال ســنة ‪ 70‬قبــل اهلجــرة وزهــر بــن أيب ســلمى مــات قبــل‬
‫ـهورا ال يعقــل أن يهمــل شــعر أبيــه هــو كعــب‬ ‫ـاعرا مشـ ً‬
‫البعثــة بســنة وتــرك وراءه مــن أوالده شـ ً‬
‫بــن زهــر صاحــب قصيــدة ابتــت ســعاد الــي مــدح هبــا النــي صلــى هللا عليــه وســلم وهــذا لبيــد‬
‫بــن ربيعــة مــن شــعراء اجلاهليــة أدرك اإلســام وعــاش إىل ســنة ‪ 42‬للهجــرة‪ ،‬وهــذا عمــرو بــن‬
‫كلثــوم مــات ســنة ‪ 52‬قبــل اهلجــرة وتــرك وراءه قبيلتــه تغلــب تتغــى بشــعره ويرويــه صغارهــم‬
‫عــن كبارهــم؛ وهــذا عنــرة بــن شــداد مــات ســنة ‪ 52‬قبــل اهلجــرة واحلــارث بــن حلــزة مــات‬
‫يف تلــك الســنة‪ ،‬وهــذا النابغــة الذبيــاين مــات ســنة ‪ 18‬قبــل اهلجــرة وحــامت الطائــي مــات‬
‫يف تلــك الســنة وتــرك وراءه ابنــه عــداي وبنتــه ســفانة وكاان مــن أئمــة البيــان فــا يعقــل أن‬
‫يفرطــا يف شــعر أبيهمــا‪ ،‬وهــذا املهلهــل أقــدم شــعرائهم مــات ســنة ‪ 122‬قبــل اهلجــرة‪ ،‬فلــم‬
‫يكــن ذلــك الشــعر علــى العمــوم‪ ،‬وغــا يف القــدم حبيــث بعــد اتصــال رواتــه بــه‪ ،‬فبــاهلل عليــك‬
‫اي دكتــور ال تســتكثر علينــا شــعر مائــة ســنة يف قــرون مــرت علــى اللغــة العربيــة وأبــت ثقــة‬
‫علمائنــا الذيــن تقــدح يف علمهــم إال أن حتكــم بعــدم صحــة مــا روي عنهــا مــن الشــعر لبعــد‬
‫العهــد وانقطــاع الصلــة بينهــا وبينهــم‪ ،‬وإن علينــا أن نبــن لــك القيمــة العلميــة لوساوســك‬
‫الــي أوقعتــك يف تلــك الورطــة‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫الشعر اجلاهلي وهلجات العرب‬

‫نريــد أن ننصــف الدكتــور فنعــرف لــه أبن اللغــة العربيــة يف اجلاهليــة كانــت خمتلفــة‬
‫اللهجــات‪ ،‬وأن شــعراء اجلاهليــة كان ـوا مــن قبائــل متعــددة ختتلــف يف اللهجــة ومذاهــب‬
‫الــكالم نريــد أن نعــرف لــه هبــذا بعــد أن أثبتنــا لــه مبــا ال يقبــل الشــك أن اخلــاف بــن اللغــة‬
‫العربيــة عداننيهــا وقحطانيهــا مل يكــن يتجــاوز االختــاف يف اللهجــات ومذاهــب الــكالم‬
‫وأنــه كان خالفًــا ال يؤثــر يف وحــدة اللغــة إن مل يكــن هــذا مــن قبــل تلــك الســنني الــي روى‬
‫لنــا عنهــا ذلــك الشــعر ففــي حدودهــا علــى األقــل‪.‬‬

‫وال نريــد أن ننكــر تعــدد هلجــات القبائــل الــي روى لنــا عنهــا ذلــك الشــعر كمــا أنكــر‬
‫ذلــك بعــض الكاتبــن يف الــرد علــى الدكتــور فقــال أن الــرواة أعرض ـوا يف روايــة الشــعر عــن‬
‫ســكان السـواحل واألطـراف مــن أهــل اليمــن والبحريــن والعـراق والشــام ممــن كثــر الدخيــل‬
‫يف لغتهــم ومل يعنـوا إال بشــعراء األرحــاء واجلمـرات عداننيهــا وقحطانيهــا مثــل كلــب وطــيء‬
‫مــن أهــل اليمــن ومتيــم وأســد مــن قبائــل عــدانن‪ ،‬وهــؤالء كان ـوا يف األرحــاء وهــي القبائــل‬
‫الــي ثبتــت يف دورهــا ال تربحهــا‪ ،‬ومثــل بــي احلــارث وبعــس يف اجلم ـرات وهــي كل قبيلــة‬
‫اجتمعــت حــول نفســها مــن التجمــر وهــو التجميــع‪ ،‬وكانــت هــذه القبائــل كلهــا ذات لغــة‬
‫واحــدة وهلجــة واحــدة‪ ،‬وإذا كان الشــعر اجلاهلــي مل يــرو إال عنهــا مل جيــيء إال بلغــة واحــدة‬
‫هــي العربيــة الفصحــى لغــة تلــك القبائــل فقبائــل األرحــاء واجلمـرات كانــت خمتلفــة اللهجــات‬
‫أيضــا فهــذه ربيعــة ومضــر ومنهــا كثــر مــن الشــعراء اجلاهلــن الذيــن ينســب إليهــم بعــض‬ ‫ً‬
‫ذلــك الشــعر كان يف لغتهــا الكشكشــة وتوافقهــا فيهــا أســد وهـوازن‪ ،‬وهبــا ورد هــذا الشــعر‪:‬‬
‫بيضاء ترضيين وال ترضيش‬ ‫على فيما ابتغى ابغيش‬
‫وهــذه متيــم كانــت يف لغتهــا العنعنــة وغريهــا‪ ،‬وهــذه طــيء كانــت يف لغتهــا القطعــة فيقولــون‬
‫يف اي أاب احلكــم اي أابحلــكا وكانــت تبــدل اهلمــزة يف بعــض املواضــع هــاء ومــن ذلــك قــول‬
‫شــاعرها‪:‬‬

‫‪33‬‬
‫هلنك من برق على كرمي‬ ‫أال ابسنا برق على قلل احلمى‬
‫الما ومن ذلك قول الشاعر‪:‬‬
‫وهذه أسد وغريها كانوا يقصرون أوالء ويلحقون هبا ً‬
‫أول لك‬
‫وهل يعظ الضليل إال ً‬ ‫أوال لك قومي مل يكونوا إشابة‬
‫وهــذه بكــر وتغلــب وغريهــم كان ـوا يســكنون املتحــرك اســتخفافًا كمــا قــال شــاعرهم لــو‬
‫عصــر منهــا ألبــان واملســك انعصــر‪.‬‬

‫وهــذه كلــب كان يف لغتهــا الوهــم فيقولــون منهــم وعنهــم بكســر اهلــاء وكل هــذه القبائــل‬
‫يــروي لنــا شــعرها احلــايل خاليًــا مــن تلــك اللهجــات وهــي مــن قبائــل األرحــاء واجلمـرات‪.‬‬

‫وإان لســنا يف حاجــة إىل مثــل هــذا يف دفــع ذلــك الشــك الــذي قــام بنفــس الدكتــور‬
‫فأعماهــا عــن احلــق‪ ،‬وأىب حبــه للعنــاد أن يبحــث لــه عــن حــل هــو عنــدان يف متنــاول اليــد‪،‬‬
‫فعنــدان مــن األدلــة مــا ميكننــا أن أنخــذ منــه أن رجــال البيــان يف اجلاهليــة مــن شــعراء وخطبــاء‬
‫كانـوا يف حــدود تلــك املائــة مــن الســنني قــد اتفقـوا علــى هلجــة مــن هلجــات العربيــة تكــون‬
‫أفصحهــا وأعذهبــا وأســهلها علــى اللســان‪ ،‬وأحســنها يف النطــق‪ ،‬وأسلســها للشــعر حــى‬
‫ميكنهــم مبســاعدهتا أن حيركـوا بــه العواطــف‪ ،‬ويثــروا الشــعور فيجعلوهــا لغــة الشــعر واخلطابــة‪،‬‬
‫أيضــا للغــة قريــش فضلهــا علــى ســائر اللهجــات وأن مــا‬‫وأهنــم عرفـوا يف حــدود تلــك املائــة ً‬
‫خيالفهــا مــن اللهجــات ليــس إال شــذو ًذا عنهــا فاختذوهــا لغــة هلــم‪ ،‬ومل يرضـوا ألنفســهم أن‬
‫جيــاروا عامــة العــرب يف تلــك الشــذوذ الــي ال تنتهــي عنــد حــد توحيــد اللغــة للشــعر الــذي‬
‫أرادوا أن جيعلــوه للعــرب مجيعهــم ميدحــون بــه ملوكهــم علــى اختــاف قبائلهــم‪ ،‬ويودعونــه‬
‫أخبارهــم وحكمتهــم وأمثاهلــم‪ ،‬فليــس مــن املعقــول أن نعــرف حنــن بعدهــم تلــك الشــذوذ‬
‫املخلــة ابلبالغــة والفصاحــة وال يعــرف ذلــك أئمــة البيــان يف اجلاهليــة فيتحاشــون عنهــا‬
‫يف شــعرهم وخطابتهــم كمــا نتحاشــى عنهــا اليــوم وقــد كانــت أذواقهــم أســلم مــن أذواقنــا‪،‬‬
‫وطباعهــم أصــح مــن طباعنــا‪ ،‬ودليــل آخــر ســوق عــكاظ الــذي أنشــئ جب ـوار مكــة ســوقًا‬
‫للشــعر واخلطابــة يؤمــه الشــعراء واخلطبــاء مــن ســائر القبائــل ويقيمــون هلــم حكومــة فيــه وكان‬

‫‪34‬‬
‫أيضــا‪ ،‬فهــل كانــت متكــن تلــك احلكومــة لــو مل تكــن للشــعر لغــة‬ ‫يف حــدود تلــك املائــة ً‬
‫واحــدة يتحاكمــون إليهــا هــل كانــت تلــك اللغــة إال لغــة قريــش الذيــن أنشــأوا تلــك الســوق‬
‫جبوارهم؟ ودليل اثلث القرآن الكرمي ونزوله بلغة قريش فلو مل تكن لغة الشــعر واخلطابة يف‬
‫ذلــك العصــر وكان هنــاك لغــة هلمــا غريهــا ملــا نــزل القــرآن هبــا يتحــدى شــعراءهم وخطباءهــم‬
‫وســائر رجــال البيــان فيهــم‪.‬‬

‫فهــذا هــو املعقــول اي دكتــور ال مــا تذهــب إليــه مــن أن فحــول الشــعراء واخلطبــاء يف‬
‫اجلاهليــة كان ـوا يتســكعون يف تلــك الشــذوذ الــي احنرفــت هبــا تلــك اللهجــات عــن العربيــة‬
‫الفصحــى‪ ،‬وال تتحمــل الشــعر القــوي الفصيــح الــذي كان يقولــه أولئــك الفحــول أمــام‬
‫امللــوك ويف احملافــل العظيمــة واألمــور الكبــرة‪ ،‬ولقــد كان هنــاك شــعراء دون طبقتهــم قصــرت‬
‫مهمهــم عــن قــرض الشــعر بتلــك العربيــة الفصحــى كمــا تقصرهــم شــعراء العاميــة اليــوم عــن‬
‫منوذجــا منهــا يف‬
‫قــرض الشــعر هبــا فجــاء يف شــعرهم كثــر مــن تلــك الشــذوذ الــي ذكـران لــك ً‬
‫شــعر بعضهــم وهــؤالء كانـوا شــعراء موضعيــن ال جيــاوزون حــدود قبائلهــم أمــا أولئــك فكانـوا‬
‫شــعراء العــرب كافــة شــعراء ملوكهــم وعظمائهــم يف العـراق والشــام وســائر أحنــاء اجلزيــرة‪ ،‬وهــم‬
‫الذيــن اهتــم الــرواة بشــعرهم ورووه لنــا أمــا أولئــك فلــم يــرووا لنــا إال قليـ ًـا مــن شــعرهم‪.‬‬

‫فــإن أبيــت إال إصـر ًارا علــى الشــك بعــد هــذا احلــق الصـراح الــذي يــزول معــه كل شــك‬
‫إليــك حـ ًـا آخــر نســوقه إليــك ال عــن ضعــف يقــن هبــذا الــذي قدمنــا وإمنــا نريــك بــه أن‬
‫مســألة هــذا الشــعر مل تكــن معقــدة حبيــث توقعــك يف ذلــك االرتبــاك‪.‬‬

‫أنــك تعــرف أنــه كان لعلمــاء املصريــن البصــرة والكوفــة دور مــن التهذيــب يف اللغــة العربيــة‬
‫كان غرضهــم منــه توحيــد اللغــة العربيــة وجعلهــا لغــة واحــدة تقابــل اللغــة األعجميــة بتقليــل‬
‫الفــروق بينهــا والبحــث عــن الفصيــح منهــا ليســتعمله النــاس ويرتك ـوا الشــاذ‪ ،‬وهــذا الــذي‬
‫عملــوه يف اللغــة ال بــد أن يكون ـوا قــد عمل ـوا مثلــه يف الشــعر الــذي أخــذ النــاس يتداولونــه‬
‫مــن الشــعر اجلاهلــي ليجعلـوا لغتــه واحــده حــى يتــم هلــم مــا أرادوه مــن توحيــد اللغــة العربيــة‪،‬‬
‫فــإذا كان يف شــعر بعــض شــعراء اليمــن طــاب امهـواء مثـ ًـا رووه طــاب اهلـواء وإذا كان فيــه‬

‫‪35‬‬
‫النــات رووه النــاس وهكــذا ليقضـوا علــى الشــاذ فيمــا أولــع النــاس حبفظــه وروايتــه مــن شــعر‬
‫اجلاهليــة ليســتقيم لســاهنم ويتــم هلــم غرضهــم‪ ،‬ومل يفعلـوا مثــل هــذا يف القليــل الــذي مل يولعـوا‬
‫ـاهدا علــى‬
‫بــه مــن شــعر أولئــك الشــعراء املوضعيــن بــل أبقــوه علــى حالــة لعــدم شــيوعه شـ ً‬
‫مــا كان يف اللغــة مــن فــروق وشـواذ ومثــل هــذا ال يقــدح يف صحــة الشــعر اجلاهلــي ألنــه ال‬
‫ـرآن قرأتــه بلغــة قريــش أو بغريهــا‬
‫يتعــاق مبادتــه وإمنــا يتعلــق بصورتــه؛ وإذا كان القــرآن الكــرمي قـ ً‬
‫مــن اللغــات الســبع الــي رخــص لنــا يف قراءتــه هبــا‪ ،‬فكذلــك شــعر امــرئ القيــس مثـ ًـا هــو‬
‫شــعر امــرئ القيــس رويتــه بلغــة كنــدة قبيلتــه أو بلغــة قريــش الــي وصــل إلينــا‪.‬‬

‫فهــذان حــان ألشــكالك اي دكتــور فيهمــا مــا يزيــل الشــك مــن نفســك عنــد كل منصــف‬
‫وينجيــك مــن شــيطانك الــذي يوسوســك لــك فيوقعــك يف املشــكالت وال يهديــك إىل‬
‫حلهــا‪.‬‬

‫غموض الشعر اجلاهلي‬


‫أمــا أن العلــم ال يعــرف املغــاالة فتلــك وظيفــة املنشــئ ال وظيفــة العــامل‪ ،‬ولقــد كان الدكتــور‬
‫مغاليًــا حــن أخــذ مــن ذكــر القــرآن لرحلــي الشــتاء والصيــف وفــرح قريــش حــن غلــب‬
‫يشــا كانــت قبيلــة‬
‫الفــرس الــروم ألهنــم كان ـوا مشــركني مثلهــم إىل غــر هــذا ممــا تقــدم أن قر ً‬
‫راقيــة متحضــرة ذات علــم وديــن وصناعــة وثــروة وجتــارة‪ ،‬فــإن التاريــخ ال حيدثنــا عــن شــيء‬
‫مــن هــذا يف قريــش وإال فأيــن دور العلــم والصناعــة والتجــارة والقصــور واآلاثر الــي كانــت‬
‫هلــم يف مكــة فــإن املدينــة واحلضــارة ال تكــون بغــر ذلــك‪ ،‬وإذا كان يف العــرب قبيــل اإلســام‬
‫مدنيــة وحضــارة فقــد كان ذلــك يف احلــرة حيــث املنــاذرة ويف الشــام حيــث الغساســنة وهــذا‬
‫ال حيدثنــا عنــه القــرآن بــل الشــعر اجلاهلــي والشــعراء الذيــن قصــدوا ملوكهــم ووصفـوا عزهــم‬
‫وقصورهــم وهبــاء ملكهــم كالنابغــة وحســان بــن اثبــت وغريهــم‪ ،‬قــال األســود بــن يعفــر‬
‫النهشــلي يرثــي آل حمــرق املنــاذرة‪:‬‬
‫تركوا منازهلم وبعد إايد‬ ‫ماذا أؤمل بعد آل حمرق‬

‫‪36‬‬
‫والقصر ذي الشرفات من سنداد‬ ‫أهل اخلورنق والسدير وابرق‬
‫وقال حسان بن اثبت ميدح الغساسنة‪:‬‬
‫يوما جبلق يف الزمان األول‬ ‫هلل در عصابة اندمتهم‬
‫بردى يصفق ابلرحيق السلسل‬ ‫يسقون من ورد الربيص عليهم‬
‫شم األنوف من الطراز األول‬ ‫بيض الوجوه كرمية أحساهبم‬
‫ومل خيــل الشــعر اجلاهلــي مــن وصــف حيــاة العــرب الدينيــة كمــا زعــم الدكتــور بــل فيــه كثــر‬
‫يف وصــف عاداهتــم الدينيــة كتحــرمي القتــال يف أشــهر معينــة‪ ،‬ومحلهــم امللــوك علــى األعنــاق‬
‫إذا مرض ـوا‪ ،‬وخلــع الرجــل ابنــه فــا يضمنــه وال يؤخــذ جبرمــه إىل غــر ذلــك مــن عاداهتــم‬
‫وختيالهتــم كالتعشــر وتعليــق احللــي واجلالجــل علــى اللديــغ وعقــر النــوق علــى القبــور وغــر‬
‫ذلــك‪.‬‬

‫أسباب انتحال الشعر‬


‫كان حيــق للدكتــور أن يتهــم رواة الشــعر اجلاهلــي ابختالقــه لــو كان هــو الــذي أظهــر‬
‫وقادحــا يف الــكل‪ ،‬ولكــن‬
‫ً‬ ‫ـرا عليهــم‬
‫أن منهــم كتبــة فيكــون ســكوت غريهــم عنهــم يعــد تسـ ً‬
‫الدكتــور مل يكــن يف ذلــك إال انقـ ًـا عــن غــره مــن القدمــاء الذيــن أظهــروا كــذب بعــض‬
‫الــرواة فيمــا رووه مــن الشــعر اجلاهلــي‪ ،‬ومثــل هــذا أكــر دليــل علــى أمانتهــم وال يصــح أن‬
‫يكــون إظهارهــم لــه مصــدر إهتامهــم اللهــم إال أن يكــون جـزاء اإلحســان اإلســاءة واجلميــل‬
‫النك ـران‪.‬‬

‫فحمــاد الروايــة مل يكــن خيفــى حالــه علــى الثقــات وكــذا خلــف األمحــر الــذي نســك آخــر‬
‫حياتــه وعــرف النــاس مــا أدخلــه يف الشــعر مــن عنــده‪ ،‬وكــذا غريمهــا مــن الوضــاع فمــا كانــت‬
‫تقبــل روايتهــم وال كذهبــم ولــو كان احلامــل هلــم عليــه التعصــب للعــرب أو غــره مــن األســباب‬
‫الســابقة‪ ،‬ولقــد بلــغ مــن عنايــة رواة الشــعر بــه أن قــال حيــى بــن ســعيد القطــان – رواة‬
‫‪37‬‬
‫ـرا ورواة الشــعر ســاعة‬
‫مصنوعــا كثـ ً‬
‫ً‬ ‫الشــعر أعقــل مــن رواة احلديــث ألن رواة احلديــث يــروون‬
‫ينشــدون املصنــوع ينتقدونــه ويقولــون هــذا مصنــوع‪.‬‬

‫امرؤ القيس‬
‫يــرى الدكتــور أن امــرئ القيــس مل يذهــب إىل قيصــر ليســتنجده علــى قتلــه أبيــه ومل يقــل‬
‫تلــك القصيــدة الــي وصــف هبــا البــاد الــي مــر عليهــا يف طريقــه ومطلعهــا‪:‬‬
‫وحلت سليمى بطن ظيب فعرعرا‬ ‫مسا لك شوق بعد ما كان اقصرا‬
‫وكــذا غريهــا مــن األشــعار الــي قاهلــا يف هــذا الســفر‪ ،‬واألدلــة الفنيــة عنــده علــى ذلــك أنــه‬
‫ال يعقــل أن يــرى امــرؤ القيــس مظاهــر احلضــارة يف القســطنطينية مــن قصــور وكنائــس وغريهــا‬
‫وال يصفهــا يف شــعره‪ ،‬وهــذا منطــق غريــب كمــا تــرى فأنــه ال يصــح هــذا بعــد أن كــذب‬
‫القصائــد الــي وصــف فيهــا مــا رآه يف طريقــه إىل القســطنطينية‪ ،‬فهــل يصــح أن تكذبــه ألنــه‬
‫وصــف مــا رآه مث تكذبــه ألنــه مل يصــف مــا رآه؟ وأي شــيء يف أن يكــون ذلــك فــات امــرئ‬
‫القيــس كمــا يفــوت غــره وكذلــك قصيدتــه الــي مطلعهــا‪:‬‬
‫نقض لباانت الفؤاد املعذب‬ ‫خليلي مر أيب على أم جندب‬
‫ألن فيهــا رقــة إســامية‪ ،‬وقــد أخــذ الدكتــور علــى الشــعر اجلاهلــي أنــه خشــن ال ميثــل‬
‫عــرب اجلاهليــة يف رقيهــم وحضارهتــم فلمــاذا أيخــذ عليــه مــا ال خشــونة فيــه؟ وملــاذا ال يكــون‬
‫شــعر امــرئ القيــس رقي ًقــا وقــد كان ابــن مالــك وعــاش عيشــة الــرف؟ وهــل يصــح أن تســقط‬
‫كل شــعره وحتكــم ابختالقــه ألنــه أن جــاء حســنًا قلــت رقــة إســامية‪ ،‬وأن مل جيــيء حســنًا‬
‫قلــت تكلــف ال يليــق بشــاعر قــدمي فمــا أعجــب منطقــك اي دكتــور‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫عمر بن قميئة – مهلهل – جليلة‬
‫وعمر بن قميئة قصيدته اليت مطلعها‪:‬‬
‫غدا‬
‫وأن جتمعا مشلي وتنتظرا ً‬ ‫خليلي ال تستعجال أن تزودا‬
‫ليســت مــن شــعره ملــا فيهــا مــن ســهولة وتكلــف وشــعر مهلهــل ليــس شــعره ألنــه أول مــن‬
‫وزن وإعـر ًاب وال يتفــق مثلــه ملبتــدي يف شــيء‪ ،‬وكذلــك وقصيــدة‬
‫قــال الشــعر وشــعر مســتقيم ً‬
‫جليلــة الــي مطلعهــا‪:‬‬
‫تعجلي ابللوم حىت تسأيل‬ ‫اي ابنة األقوام إن شئت فال‬
‫ملــا فيهــا مــن ســهولة ال تســتطيعها شــاعرة يف هــذا العصــر احلديــث وأنــت تعلــم أنــه إذا‬
‫كانت الســهولة تثبت االختالق فيجب أن يكون املتكلف غري خمتلف‪ ،‬وأن الشــعر قدمي‬
‫قبــل مهلهــل ولكــن مل يصــل إلينــا فقــط‪ ،‬وأن جليلــة كانــت حتــت كليــب ملــك العــرب فاحــر‬
‫بشــعرها أن يكــون رقي ًقــا‪.‬‬

‫عمر بن كلثوم – احلارث بن حلزة – طرفة‬


‫يرى الدكتور أن معلقة عمر وخمتلقة ومطلعها‪:‬‬
‫وال تبقى مخور االندرينا‬ ‫أال هيب بصحنك فأصبحينا‬
‫ألن فيهــا رقــة وســهولة ال يناســبان العصــر اجلاهلــي وقــد عرفــت فســاد ذلــك ويــرى أن‬
‫معلقــة احلــارث كذلــك ألنــه ال ميكــن أن تكــون مرجتلــة كمــا يزعــم الــرواة أنــه ارجتلهــا أمــام‬
‫عمــرو بــن هنــد وظاهــر أن كوهنــا غــر مرجتلــة ال يلــزم منــه أن تكــون خمتلقــة وأمــا طرقــة بــن‬
‫العبد فهو من ربيعة ولكن شــعره ال يشــبه شــعر غريه من الشــعراء لربعيني يف رفته وســهولته‬
‫بــل فيــه مــن متانــة اللفــظ وغرابتــه مــا يشــهب شــعر املضريــن‪ ،‬فليــس ذلــك الشــعر إال خمتل ًقــا‬
‫وإال فكيــف شــذ طرفــة عــن شــعراء ربيعــة‪ ،‬وال خيفــى أن يف مصــر شــعراء ميتــاز أكثرهــم برقــة‬

‫‪39‬‬
‫الشــعر وقيهــم قليــل ال رقــة يف شــعره ويشــذ عــن إخوانــه فــا غرابــة يف أن يشــذ طرفــة يف‬
‫ذلــك‪.‬‬

‫النتيجة‬
‫إن الكتــاب ليــس لــه قيمــة علميــة وأن الدكتــور أراد أن يقيــم حولــه ضجــة ليجعــل لــه قيمــة‬
‫ابلباطــل فتعــرض يف غــر حاجــة إىل قصــة إمساعيــل وأنكرهــا لرتتفــع األص ـوات ابإلنــكار‬
‫نفســا‪.‬‬
‫علــى كتابــه ويكــر كالم اجلرائــد عنــه وقــد كان للدكتــور مــا أراد فليهنــأ ويطــب ً‬

‫‪ 10‬شوال سنة ‪1344‬‬

‫‪40‬‬

You might also like