You are on page 1of 156

‫ترجمة عبدالسالم الغرياني‬

‫‪54‬‬
‫يوزع مجانا ً مع العدد ‪ 97‬من مجلة الدوحة نوفمبر ‪2015‬‬

‫ترجمة عبدالسالم الغرياني‬

‫الناشر ‪:‬‬
‫وزارة الثقافة والفنون والتراث ‪ -‬دولة قطر‬
‫رقم اإليداع بدار الكتب القطرية ‪:‬‬
‫الترقيم الدولي (ردمك) ‪:‬‬

‫اإلخراج والتصميم‪ :‬عالء األلفي ‪ -‬مجلة الدوحة‬

‫المواد المنشورة في الكتاب ُتعبِّر عن آراء كتّابها وال ُتعبِّر بالضرورة عن رأي الوزارة أو المجلة‪.‬‬
‫مقدمة‬
‫ِّ‬

‫القــرن التاســع عشــر‪ ،‬تقــود أوروبــا العالــم فــي االزدهــار والتنويــر‪،‬‬


‫بفضــل أشــخاص عظمــاء‪ ،‬مــا زال التاريــخ يديــن بفضلهــم علــى‬
‫اإلنســانية‪ .‬لقــد قــادوا مجتمعاتهــم إلــى التحــ ُّرر مــن قيــود الجهــل‬
‫والتخ ُّلــف‪ ،‬وظهــرت تيــارات قويّــة اســتقطبت آالف المؤ ِّيديــن‬
‫ِّ‬
‫والمتحمســين‪ ،‬لمــا فيهــا مــن الصــدق والمعرفــة والخــاص مــن نيــر‬
‫البقيــة تحــت ســياط االضطهــاد‬
‫ّ‬ ‫الظــام واإلفــك والعبوديــة‪ ،‬فيمــا ظــل‬
‫ـجية اإلنســانية موجــودة فــي ّ‬
‫كل‬ ‫الفكــري والتقاليــد الباليــة‪ ،‬لكــن السـ ّ‬
‫ّ‬
‫وكل عصــر‪.‬‬ ‫زمــن‬
‫فــي هــذه األجــواء‪ ،‬وفــي منتصــف ذاك القــرن‪ُ ،‬و ِلــد إبراهيــم‬
‫قونانبــاي عــام ‪ ،1845‬فــي جبــال جنكيــز‪ ،‬لعائلــة معروفــة فــي‬
‫كازاخســتان الشــرقية‪ ،‬والــده متــز ِّوج بأربــع نســاء‪ ،‬وهــو إقطاعــي‬
‫وشــيخ قبيلــة طوبقطــي‪ .‬الوالــدة (أولغــان) أ ّثــرت فــي الطفــل‪َ ،‬‬
‫وح ِظــي‬
‫برعايتهــا الكاملــة‪ ،‬وكانــت تُط ِلــق عليــه اســم (آبــاي) تح ُّببــ ًا‪ ،‬وهــو‬
‫(المتمعــن الحــذر) أيضــ ًا‪ ،‬وهــذا‬
‫ِّ‬ ‫تصغيــر إلبراهيــم‪ ،‬وتعنــي الكلمــة‬

‫‪5‬‬
‫صاح َبــه طــوال حياتــه‪.‬‬
‫َ‬ ‫االســم‬
‫الم ـ ّلا أحمــد زيــرا‪ ،‬لكـ ّ‬
‫ـن‬ ‫أرســله والــده إلــى مدرســة دينيــة يديرهــا ُ‬
‫وســع مــن‬
‫الفتــى خالــف زمــاءه الذيــن يدرســون الديــن فقــط‪ ،‬بــأن ّ‬
‫دائــرة معارفــه باهتمامــه بالشــعر‪ ،‬موقظــ ًا روح الكلمــة البديعــة التــي‬
‫جدتــه (زهــرة) التــي كانــت تغ ّنــي لــه األهازيــج واأللحان‪،‬‬
‫غرســتها فيــه ّ‬
‫إضافــة إلــى الحكايــات واألســاطير وقصــص األبطــال‪.‬‬
‫يتــردد إلــى المدرســة الروســية‪ ،‬باإلضافــة إلــى دراســته فــي‬
‫ّ‬ ‫أخــذ‬
‫المدرســة اإلســامية‪ ،‬وعشــق اللغــات الشــرقية‪ ،‬وواظــب علــى تع ُّلــم‬
‫العربيــة والفارســية‪.‬‬
‫كانــت األغانــي والقصائــد تنتشــر فــي مجتمعه عن طريق المشــافهة‪،‬‬
‫ويتناقلهــا جيــل بعــد جيــل‪ .‬وعنــد ُّ‬
‫تمكنــه مــن اللغــة والكتابــة‪ ،‬أخــذ‬
‫يــد ِّون تلــك األشــعار‪ ،‬ويزيــد عليهــا مــن عنــده‪ ،‬ويطــ ِّور القصائــد‪،‬‬
‫ِّ‬
‫المبكــرة فــي األدب‪.‬‬ ‫ويبــدع فــي صقلهــا؛ ممــا يـ ّ‬
‫ـدل علــى موهبتــه‬
‫تجربتــه هــذه‪ ،‬جعلــت منــه خطيبـ ًا مُ َفوَّهــا‪ ،‬وكان والــده يعـوّل عليــه‬
‫فــي خالفتــه بالمشْ ـ َيخة‪ ،‬مفاخــر ًا بابنــه الموهــوب‪.‬‬
‫اســتدعاه والــده ليد ِّربــه علــى إدارة شــؤون القضــاء واألعمــال‬
‫ليتصــدى ألعدائــه المنافســين‪ ،‬لكــن الشــاب الــذي ُجــ ّر‬
‫ّ‬ ‫اإلداريــة‪،‬‬
‫المرهقــة‪ ،‬غالبـ ًا مــا كان يعــارض مصالــح أبيــه‬
‫ِ‬ ‫عنــو ًة إلــى هــذه القضايــا‬
‫ومطامعــه‪ ،‬بتقديمــه للحـ ّ‬
‫ـل العــادل فــي كثيــر مــن القضايــا‪ .‬وحدثــت‬
‫ـد القطيعــة‪ ،،‬لكــن المســألة ُح َّلــت‬
‫ـادة بينهمــا قاربــت َحـ ّ‬
‫خالفــات حـ ّ‬

‫‪6‬‬
‫عندمــا بلــغ (آبــاي) الثامنــة والعشــرين‪ ،‬بانصرافــه إلــى تع ُّلــم اللغــة‬
‫الروســية التــي انقطــع إليهــا مُ ـ ّ‬
‫ـدة طويلــة‪.‬‬
‫أعجــب بمؤ َّلفــات ّ‬
‫كل مــن بوشــكين‪ ،‬وليرمنتــوف‪ ،‬وكريلــوف‪،‬‬
‫وتولســتوي‪ ،‬وأعمــال أخــرى ألدبــاء ألمــان‪ ،‬مثــل غوتــه‪ ،‬وترجــم‬
‫أعمالهــم إلــى اللغــة الكازاخيــة‪ ،‬بأســلوب يفهمــه النــاس‪.‬‬
‫فلحــن أشــعار ًا‬
‫إلــى جانــب ذلــك‪ ،‬كان يتم َّتــع بموهبــة التلحيــن‪ّ ،‬‬
‫اســتحدثت فــي الشــعر الكازاخــي أشــكا ً‬
‫ال جديــدة‪ ،‬لــم تكــن معروفــة‬
‫ســابق ًا‪.‬‬
‫لقــد تــداول الــكازاخ‪ ،‬فــي ذلــك الوقــت‪ ،‬المالحــم الشــرقية‬
‫الكبيــرة‪ ،‬بألفــاظ (آبــاي)‪ ،‬مثــل‪ :‬الشــاهنامة‪ ،‬ومجنــون ليلــى‪ ،‬وكيــر‬
‫أوغلــي‪.‬‬
‫أرســل أبنــاءه إلــى المدرســة الروســية‪ :‬ابنتــه (غولبــادان)‪ ،‬وابنيــه‬
‫(عبدالرحمــن) و(معاويــة)‪ ،‬وكان (معاويــة) وابــن (آبــاي) البكــر‬
‫(عقيــل) قــد أصبحــا شــاعرين فيمــا بعــد‪ ،‬ونظــم (معاويــة) ملحمــة‬
‫«مقــدام ‪ -‬قاســم» بتوجيــه مــن (آبــاي)‪ ،‬ونظــم عقيــل ملحمــة عاطفية‬
‫بعنــوان «داغســتان»‪.‬‬
‫ِّ‬
‫المفكــر واألديــب الكبيــر؛ فباإلضافــة‬ ‫لقــد توالــت النوائــب علــى‬
‫إلــى قلقــه الوجــودي‪ ،‬نزلــت عليــه فاجعــة وفــاة ابنــه (عبدالرحمــن)‬
‫بــداء التــدرُّن الرئــوي‪ ،‬ورثــاه بقصائــد حزينــة‪ ،‬ثــم لحقــت بــه نائبــة‬
‫أخــرى بوفــاة ابنــه (معاويــة)‪ ،‬الشــاعر المبــدع‪ ،‬بالمــرض نفســه الــذي‬

‫‪7‬‬
‫قضــى علــى شــقيقه‪.‬‬
‫بعــد أربعيــن يوم ـ ًا مــن وفــاة (معاويــة)‪ ،‬توفــي (آبــاي)‪ ،‬وهــو فــي‬
‫التاســعة والخمســين‪ ،‬وذلــك عــام ‪ ،1904‬ودُ ِفــن قــرب منزلــه بالقــرب‬
‫مــن جبــال جنكيــز‪.‬‬
‫يصــل (آبــاي) أوج إبداعــه فــي ثمانينيــات القــرن التاســع عشــر مــع‬
‫«كتــاب األقــوال»‪ ،‬ومضمونــه األســاس يــدور حــول تأمُّــات الكاتــب‬
‫فــي مغــزى الحيــاة ورســالة اإلنســان‪ ،‬وعــن الشــعب وعذابــه؛ بكلمــات‬
‫ـن باأللــم والشــكوى‪ .‬و«األقــوال» نظــرة ثاقبــة إلــى مجتمعــه‪ ،‬يصــف‬
‫تئـ ّ‬
‫بشــدة‪ ،‬وبســخرية‪ -‬الســلبيات التــي ِ ّ‬
‫تؤخــر‬ ‫ّ‬ ‫فيهــا حيــاة شــعبه‪ ،‬وينتقــد‪-‬‬
‫ـدم المجتمــع إلــى األمــام‪ .‬فــي النصــف الثانــي مــن القــرن التاســع عشــر‬
‫تقـ ّ‬
‫دعــا‪ ،‬بحمــاس‪ ،‬إلــى التخ ُّلــص مــن ّ‬
‫كل مــا يحـ ّ‬
‫ـط مــن كرامــة اإلنســان‪،‬‬
‫كمــا دعــا إلــى التســامح‪ ،‬وإلــى ســلوك طريــق المعرفــة‪ ،‬و َقـ َّ‬
‫ـدم اإلســام‬
‫التعصــب‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫المســتنير بمنــأى عــن‬
‫ــد (آبــاي) عميــد األدب الكازاخــي الحديــث‪ ،‬ويعتــ ّز باللغــة‬
‫ي َُع ّ‬
‫الكازاخيــة وبالشــعب الكازاخــي‪ .‬وبالمقابــل‪ ،‬يجـ ّ‬
‫ـل الــكازاخ أديبهــم‬
‫الكبيــر‪ ،‬ويتغ ّنــون بشــعره‪ ،‬وبأدبــه‪ ،‬وبقصصــه‪ ،‬وبحكمــه‪.‬‬
‫كتــب أعمالــه باللغــة الكازاخيــة القديمــة الســائدة ذاك الوقت‪ ،‬ذات‬
‫الحــروف العربيــة‪ ،‬واآلن‪ ،‬نجــد أعمالــه باللغــة الكازاخيــة الحديثــة‬
‫وبخاصــة «كتــاب‬
‫ّ‬ ‫وباللغــات األخــرى‪ ،‬حيــث ت ُِرجمــت مؤ َّلفاتــه‪،‬‬
‫األقــوال»‪ ،‬إلــى أغلــب لغــات العالــم‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫إنــه معــروف علــى المســتوى العالمــي‪ ،‬كشكســبير‪ ،‬وغوتــه‪،‬‬
‫وبوشــكين‪.‬‬
‫لــم يصلنــا ســوى مختــارات مــن شــعره‪ ،‬بالعربيــة‪ ،‬نشــرتها دار‬
‫التقــدم‪ ،‬فــي موســكو‪ ،‬عــام ‪ ،1970‬بترجمــة جيلــي عبدالرحمــن‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ـادة فــي مســيرة‬
‫«كتــاب األقــوال» أصبــح مــن أنبــل الكتابــات الجـ ّ‬
‫األدب العالمــي‪.‬‬
‫ثمــة جامعــة باســمه‪ ،‬ولــه تماثيــل فــي كثيــر مــن‬
‫فــي كازاخســتان‪ّ ،‬‬
‫مــدن كازاخســتان‪ ،‬وكذلــك فــي موســكو‪.‬‬
‫عام ‪ُ ،1995‬أن ِتج فيلم عن حياته بعنوان «آباي»‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪1‬‬

‫ســواء أ كنـ ُ‬
‫ـت بصحــة جيــدة أم لــم أ كــن‪ ،‬فقــد عشــت حياتــي‪ ،‬علــى‬
‫امتدادهــا‪ ،‬مفعمــ ًا بالكفــاح والنقــد والنقــاش والمناظــرة‪ ،‬معانيــ ًا‬
‫ـدم مــن ســنوات عمــري‪َ ،‬ت ِعبـ ًا مــن كل‬
‫وقلقـ ًا‪ ،‬ألجــد نفســي‪ ،‬مــع مــا تقـ َّ‬
‫شــيء‪.‬أدركت عبــث جهــدي وفراغــه‪ ،‬ومعنــى وجــودي‪ .‬بمــاذا أشــغل‬
‫نفســي‪ ،‬اآلن وبقيــة حياتــي؟ أنــا فــي حيــرة‪ ،‬ألننــي لــم أجــد إجابــة‬
‫عــن هــذا الســؤال‪.‬‬

‫هــل أحكــم النــاس؟ النــاس غيــر قابلــة للحكــم‪ .‬ليضــع أحــد مــا علــى‬
‫كاهلــه هــذا العــبء‪ :‬شــخص مريــض بــداء الحكــم العضــال‪ ،‬أو آخــر‬
‫ِّ‬
‫متوهــج‪ .‬ذلــك أن اللــه أعفانــي مــن هــذا الحمــل‬ ‫ِّ‬
‫متحمــس بقلــب‬
‫الــذي هــو فــوق طاقتــي! هــل أضاعــف قطعــان أنعامــي؟ ال‪ ،‬أبــد ًا‪ ،‬دع‬
‫ينمــون دوابهــم‪ ،‬إن هــم فــي حاجــة إليهــا؛ ألننــي لــن أظلــم‬
‫الشــباب ّ‬
‫مســاءات أيامــي راعي ـ ًا للمواشــي ألهـ َ‬
‫ـب المتعــة لألوغــاد واللصــوص‬
‫والطفيلييــن‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫أأشــغل نفســي بالتعليــم؟ لكــن‪ ،‬كيــف أنهمــك فــي ثقافــة‪ ،‬عندمــا ال‬
‫أجــد أحــد ًا أتبــادل معــه كلمــة ذات معنــى؟ ثــم‪ ،‬لمــن أعطــي معرف ـ ًة‬
‫جمعتهــا؟ مــن أســأله عــن شــيء‪ ،‬أنــا نفســي ال أعرفــه؟ مــا جــدوى‬
‫ّ‬
‫ــهب قفــر‪ ،‬واألرشــين(‪ )1‬فــي اليــد‪ ،‬محــاو ً‬
‫ال بيــع‬ ‫الجلــوس فــي ُس ْ‬
‫وتعجــل بنهايــة‬
‫ّ‬ ‫القمــاش؟ كثيــر مــن المعرفــة تُصبــح بطعــم المــرارة‬
‫العمــر‪ ،‬عندمــا ال تجــد أحــد ًا بجانبــك يشــاركك البهجــة والحــزن‪.‬‬

‫أأختــار نهــج الصوفيــة‪ ،‬وأهــب نفســي لخدمــة الديــن؟ ال‪ ،‬أخــاف مــن‬
‫التــام‬
‫ّ‬ ‫المهمــة تتط ّلــب الســكينة‪ ،‬والســام‬
‫ّ‬ ‫هــذا الفعــل أيضــ ًا‪ .‬هــذه‬
‫للذهــن‪ .‬لكنــي لــم أعــرف الســام فــي روحــي أو حياتــي! ثــم مــا نــوع‬
‫التقــوى الموجــودة‪ ،‬اآلن‪ ،‬بيــن النــاس‪ ،‬وعلــى هــذه األرض!؟‪.‬‬

‫هــل ُأ َع ِ ّلــم األطفــال؟ ال‪ ،‬هــذا‪ -‬أيض ـ ًا‪ -‬فــوق طاقتــي‪ .‬فــي الحقيقــة‬
‫أســتطيع تعليمهــم‪ ،‬لكــن‪ ،‬ال أعــرف مــا الــذي يجــب أن أع ِ ّلمهــم إيــاه‪،‬‬
‫ّ‬
‫وألي نــوع مــن المجتمــع‬ ‫ّ‬
‫وألي غــرض‪،‬‬ ‫وكيــف؟ وأليّــة وظيفــة‪،‬‬
‫ِّ‬
‫وأوجههــم فــي طريــق‪ ،‬يســتطيعون فيــه تطبيــق‬ ‫أع ِ ّلمهــم؟ كيــف أعلمهــم‬
‫مــا تع َّلمــوه‪ ،‬وبشــكل مفيــد؟‪.‬‬

‫إلى هنا‪ ،‬أجد نفسي غير مؤهَّ ل للقيام ّ‬


‫بأي عمل‪.‬‬

‫حســن ًا‪ ،‬أخيــر ًا قــررت‪ :‬مــن اآلن فصاعــد ًا‪ ،‬ســيكون القرطــاس والقلــم‬

‫استعملت قديماً‪.‬‬
‫‪ ---1‬أرشين‪ :‬قصبة قياس للطول تساوي ‪ 28‬إنشاً‪ُ ،‬‬

‫‪13‬‬
‫ّ‬
‫لعــل شــخص ًا يجــد فيهــا شــيئ ًا‬ ‫عزائــي الوحيــد‪ ،‬ســأد ِّون أفــكاري‪،‬‬
‫ّ‬
‫يتذكرهــا‪ .‬وإذا لــم يجــد فيهــا مــا يحتاجــه‪،‬‬ ‫مفيــد ًا‪ ،‬ليستنســخها أو‬
‫فســتبقى لــي وحــدي‪ ،‬علــى أيّــة حــال‪.‬‬

‫أهم من هذا األمر‪.‬‬ ‫َّ‬


‫لدي شيء ّ‬ ‫واآلن‪ ،‬ليس‬

‫‪14‬‬
‫‪2‬‬

‫فــي طفولتــي‪ ،‬اعتــدت ســماع الــكازاخ يســخرون من األوزبــك‪« :‬أنت‬


‫ّ‬
‫لتســقف بيتــك‬ ‫الســمار‪ 1‬مــن بعيــد‬
‫تقفــز فــي تنــورة واســعة‪ ،‬تجلــب َّ‬
‫بالقــش! تنحنــي وتُرجــع قدمــ ًا إلــى الــوراء‪ ،‬ماســح ًا األرض ّ‬
‫تحيــ ًة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫تحقــره مــن ورائــه‪ .‬تخــاف مــن كل‬ ‫عندمــا تقابــل شــخص ًا مــا‪ ،‬لكنــك‬
‫أجمــة‪ ،‬تثرثــر دون ُّ‬
‫توقــف‪ ،‬لهــذا ينادونــك بـــ «ســارت ســورات»‪.2‬‬

‫إن صــادف الكازاخــي واحــد ًا مــن الـ «نوغاي»‪ ،3‬يســخر منــه‪ ،‬ويو ِّبخه‬
‫بعنــف أيضـ ًا‪« :‬النوغــاي يخــاف مــن الجمــل‪ ،‬وســريع ًا مــا يتعــب مــن‬
‫مفــرج ســاقيه علــى الحصــان‪ ،‬ليكمــل بقيــة طريقــه ماشــي ًا‪ .‬يذهــب‬

‫السمار‪ :‬نبات ُتستعمل أوراقه األسطوانية الطويلة في صنع مقاعد الكراسي‪ ،‬وأشياء‬‫‪َّ ---1‬‬
‫أخرى‪.‬‬
‫‪ ---2‬سارت سورات‪ :‬عبارة كازاخية تعني‪( :‬شخص ثرثار)‪.‬‬
‫‪ ---3‬نوغاي ‪ :‬مفردة كازاخية‪ ،‬االسم الذي يطلقه الكازاخ على التاتار‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫‪1‬‬
‫بعيــد ًا ليكــون جندي ـ ًا أو تاجــر ًا‪ ،‬الجميــع يمطــر النوغــاي‪« :‬نــوكاي‬
‫هو ما يجب أن ننعتك به‪ ،‬وليس نوغاي!»‪.‬‬

‫أمــا عــن الــروس فقــد اعتــادوا القــول‪« :‬ذات م ـ ّرة‪ ،‬حــاول ثــور مــن‬
‫‪3‬‬
‫نــوع أورس‪ 2‬ذي الــرأس األحمــر البحــث عــن قريــة مــن طــراز اوول‬
‫ــدو ســريعة‪ ،‬فكســر عنقــه وهــو يبحــث عنهــا‪ ،‬الروســي‬
‫فــي نوبــة َع ْ‬
‫ويصــدق كل مــا يقــال لــه»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يفعــل مــا يخطــر فــي بالــه‪،‬‬

‫ثمــة‪ ،‬فــي‬
‫«يــا اللــه!»‪ .‬قلــت عندهــا بفخــر‪« .‬صرخــت‪ ،‬بأنــه ليــس ّ‬
‫ال ونب ـ ً‬
‫ا مــن الــكازاخ!»‪ ،‬قــد يبهجنــي‬ ‫العالــم‪ ،‬مــن هــم أ كثــر إجــا ً‬
‫مثــل هــذا الحديــث ويســ ِ ّليني‪ ،‬لكــن مــا أراه اآلن كاآلتــي‪:‬‬

‫ثمــة‬
‫ثمــة شــجرة إال ويســتطيع األوزبكــي االعتنــاء بهــا‪ ،‬ليــس ّ‬
‫ليــس ّ‬
‫ثمــة شــيء إال وطوّرتــه أناملهــم‬
‫تجارهــم‪ ،‬ليــس ّ‬
‫بقعــة إال وزارهــا ّ‬
‫الرشــيقة‪ .‬رجالهــم ينعمــون بالســام‪ ،‬وال يبحثــون عــن أعــداء‪ .‬قبــل‬
‫ـدون الــكازاخ بالمالبــس فــي‬
‫مجــيء التجــار الــروس‪،‬كان األوزبــك يمـ ّ‬
‫الحيــاة‪ ،‬وبأرديــة الدفــن عنــد المــوت‪ ،‬إنهــم يشــترون قطعــان الماشــية‬

‫تالعب بالكلمات بين نوغاي و‬‫‪ ---1‬نوكاي ‪ :‬مفردة كازاخية تعني‪( :‬بليد‪ ،‬غبي)‪ ،‬وهنا ُ‬
‫نوكاي‪.‬‬
‫‪ ---2‬أوروس‪ :‬ثور بري منقرض‪ ،‬سلف الثور الحالي‪ ،‬كان يوجد‪ ،‬على نطاق واسع‪ ،‬في‬
‫ّ‬
‫المسطحة‪.‬‬ ‫النصف الشرقي من الكرة األرضية‪ ،‬يتميز بالضخامة‪ ،‬وبجمجمته‬
‫محصنة‪ ،‬كانت موجودة في أنحاء جبال القوقاز‪ ،‬وخصوص ًا في‬‫َّ‬ ‫‪ ---3‬أوول‪ :‬قرية‬
‫داغستان‪ ،‬مبنية من الحجر على أحد التالل أو المنحدرات من أجل توفير حماية ضّد‬
‫الهجمات المفاجئة‪ ،‬وهي عصية على االقتحام‪ ،‬بسبب نظام البناء الداخلي فيها‪ .‬أنهكت‬
‫الروس كثيراً‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫ك ّلهــا مــن الــكازاخ‪ ،‬عندمــا ال يتفاهــم األب مــع ابنــه فــي تقســيم‬
‫القطعــان بينهمــا‪.‬‬

‫اآلن مــع مجــيء الــروس‪ ،‬تب ّنــى التاتــار التجديــد بشــكل أســرع مــن‬
‫«البيــات»‪ 1‬ويع ّلمــون الماللي‪ ،‬هــم أصحاب‬
‫ّ‬ ‫غيرهــم‪ .‬يعلــون مــن شــأن‬
‫مهنــة وتــرف وكياســة‪ ،‬نعــم األوزبــك يملكــون كل ذلــك‪ .‬انظــر إليهــم‬
‫يتحملــون الحرمــان برزانــة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫اآلن‪ ،‬يســتطيعون تكويــن جيــش مهــاب‪،‬‬
‫يواجهــون المــوت باتّضــاع‪ ،‬يشـ ِ ّـيدون المــدارس ويحمونهــا‪ ،‬ويحترمون‬
‫وينمــون ثروتهــم‪ ،‬يلبســون بشــكل متأ ِ ّنــق‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بمشــقة‪،‬‬ ‫الديــن‪ ،‬يعملــون‬
‫ويعرفــون المــرح‪.‬‬

‫«بياتهــم» مــن أجــل كســرة‬


‫لســنا نحــن الــكازاخ‪ .‬فكــرت‪ :‬نعمــل عنــد ّ‬
‫خبــز‪ ،‬ال يســمحون لب ّياتنــا بدخــول منازلهــم‪ ،‬يقولــون‪« :‬أنــت‪ ،‬أيّهــا‬
‫أرضيــة بيتنــا ليســت لــدوس حذائــك القــذر»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الكازاخــي‪:‬‬

‫لن أتك َّلم على الروس‪ ،‬لن نستطيع حمل شمعة مقابل خدماتهم‪.‬‬

‫أين ذهب مرحنا السابق؟‬

‫أين ضحكنا السابق؟‬

‫بي‪ ،‬وبيه‪ ،‬و بك‪ :‬لقب تشريف في ليبيا و تركيا ومصر‪ ،‬جرى‬ ‫«بي»‪ْ .‬‬
‫‪ ---1‬بّيات ‪ :‬جمع ْ‬
‫حكام‬
‫استعماله‪ .‬البك‪ :‬حاكم مقاطعة ثانوية في اإلمبراطورية العثمانية‪ .‬الباي‪ :‬لقب ّ‬
‫تونس القدماء‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫‪3‬‬

‫عندمــا يكــون الكــذب ســبب ًا فــي نفــور الــكازاخ‪ ،‬بعضهــم مــن بعــض‪،‬‬
‫مــن مــرض العــداء المتفشّ ــي بينهــم‪ ،‬لمــاذا هم حديثهــم نفــاق‪ ،‬ويبليهم‬
‫الكســل‪ ،‬ومتهافتــون علــى امتــاك القوّة؟‬

‫حكمــاء الدنيــا الحظــوا مــن قديــم الزمــان‪ :‬الكســول‪ -‬عمومـ ًا‪ -‬جبــان‬
‫ـي‬
‫المتبجــح جبــان وغبـ ّ‬
‫ّ‬ ‫ومتبجــح‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وضعيــف اإلرادة‪ ،‬ضعيــف اإلرادة‬
‫وجاهــل‪ :‬الجهــول ليــس لديــه إلماعــة االحتــرام‪ ،‬زد علــى ذلــك أنــه‬
‫ـدم أ ّيــة فائــدة‬
‫طفيلــي ونهــم‪ ،‬منطلــق العنــان وغيــر صالــح لشــيء‪ :‬ال يقـ ّ‬
‫للنــاس مــن حولــه‪.‬‬

‫مصــدر هــذه الرذائــل أن شــعبنا منهمــك فــي شــيء واحــد ال غيــر‪ :‬أن‬
‫يمتلــك أ كبــر عــدد ممكــن مــن المواشــي ليظفــر بالفخــر واالحتــرام‪.‬‬
‫هــل زرعــوا أرضـ ًا أو مارســوا التجــارة؟ هــل اهتمــوا بتع ُّلــم الفــن؟ لــم‬

‫‪18‬‬
‫يتحوّلــوا إلــى هــذه االهتمامــات َقـ ّ‬
‫ـط‪.‬‬

‫اآلبــاء يكاثــرون قطعانهــم‪ ،‬ســيبذلون مــا فــي وســعهم لضمــان نمــ ّو‬
‫قطعــان أبنائهــم‪ ،‬يعهــدون بهــا إلــى الرعــاة‪ ،‬فيمــا ينصرفــون إلــى حيــاة‬
‫ّ‬
‫والتبطــل‪ ،‬يأ كلــون اللحــم بِ َن َهــم‪ ،‬ويشــربون «الكومــس»‪،1‬‬ ‫الكســل‬
‫يلهــون بالنســاء الجميــات‪ ،‬ويم ِ ّتعــون أبصارهــم بســباق الخيــل‪.‬‬

‫أخيــر ًا‪ ،‬يصبــح عشــب المرعــى الشــتوي قصيــر ًا جــد ًا‪ ،‬يســتخدمون‬
‫نفوذهــم ومكانتهــم‪ ،‬وبالســلب والخــداع والتم ُّلــق يســطون علــى‬
‫أراضــي جيرانهــم‪ ،‬هــذا الشــخص الــذي تع ـوّد علــى الســلب ســرعان‬
‫مــا ينهــب جــار ًا بعــد آخــر‪ ،‬أو يســرق آخــر غــادر بلدتــه‪.‬‬

‫ـم الفقر‬
‫هــل يأمــل هــؤالء القــوم الخيــر‪ ،‬بعضهــم مــن بعــض؟ عندمــا يعـ ّ‬
‫ـم العمــل التافــه الرخيــص‪ .‬عندمــا يكثــر المعدمــون تغــزر المراعــي‬
‫يعـ ّ‬
‫متلهف إلــى وقوعه‬ ‫الشــتوية العا ّمــة‪ .‬جــاري ِ ّ‬
‫متلهــف إلــى خرابــي‪ ،‬وأنــا ِ ّ‬
‫فــي الفقــر المدقــع‪ .‬شــيئ ًا فشــيئ ًا‪ ،‬ينمــو الحقــد الدفيــن فيغــدو عــداوة‬
‫مُ ــ ّرة ظاهــرة‪ .‬نتقاضــى بمكــر‪ ،‬ننقســم إلــى زمــر‪ ،‬ونرشــو أصحــاب‬
‫ـد الخصــم‪ ،‬ثــم نتدافــع‬
‫النفــوذ مــن أجــل الدعــم‪ ،‬لكســب فائــدة ضـ ّ‬
‫علــى المنزلــة االجتماعيــة‪ ،‬تعويض ـ ًا‪.‬‬

‫الخاســر لــن يكــدح أو يعــرق‪ ،‬ســوف يبحــث عــن النفــوذ عنــد آخــر‬

‫مخمر كانت تصنعه‪ -‬في األصل‪ -‬قبائل آسيا الوسطى‪ ،‬من لبن‬
‫‪ ---1‬كومس ‪ :‬شراب ُ‬
‫الفرس‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫بشــكل مــراوغ‪ ،‬لــن يُظهــر مي ـ ً‬
‫ا للتجــارة أو لحــرث األرض‪ ،‬ســيقف‬
‫بجانــب شــخص مــا تــارةً‪ ،‬وبجانــب فريــق آخــر تــار ًة أخــرى‪ ،‬يبيــع‬
‫ثمــة نهايــة‬
‫نفســه بالرخيــص‪ ،‬ويتــورّط فــي الفاقــة والخــزي‪ .‬ليــس ّ‬
‫ثمــة وحــدة بيــن أهلنــا فلــن يغفــروا للــص أن‬
‫ـهب‪ .‬إن كان ّ‬
‫لســلب السـ ْ‬
‫يســتعمل دهــاءه ومســاندة آخريــن لــه‪ ،‬ليســتم ّر فــي ســرقته الصفيقــة‪.‬‬

‫األبنــاء األبريــاء‪ ،‬وهــم علــى درجــات الحيــاة‪ ،‬يكونــون ضحايــا لهــذه‬


‫مــادة‬
‫ّ‬ ‫األعمــال اإلجراميــة‪ ،‬علــى قاعــدة اتّهامــات باطلــة‪ ،‬ويكونــون‬
‫للـ ّ‬
‫ـذل واالســتجواب‪.‬‬

‫الشــهود علــى اســتعداد للقســم أنهــم لــم يشــاهدوا‪ ،‬أو يســمعوا مــا‬
‫يشـ ِّوه ســمعة رجــل صــادق لمنعــه مــن تو ّلــي وظيفــة أو منصــب‪ .‬إلنقــاذ‬
‫مضحيـ ًا بكرامتــه‪ ،‬وإن‬
‫ّ‬ ‫ضطهــد إلــى األوغــاد أنفســهم‪،‬‬
‫َ‬ ‫الم‬
‫نفســه‪ ،‬يلجــأ ُ‬
‫َّ‬
‫المشــقة‬ ‫لــم يذعــن لهــم فســوف يجنــي علــى نفســه‪ ،‬ســوف يعانــي‬
‫والع ـوَز‪ ،‬ســوف لــن يجــد مكان ـ ًا يليــق بــه‪.‬‬

‫لكســب القــوّة بالخــداع والمخاتلــة‪ ،‬رئيــس المقاطعــة (المتصــ ِّرف)‬


‫ويعدهــم كمــا البــاء‪،‬‬
‫ّ‬ ‫َــن هــو صــادق‪ ،‬والنــاس البســطاء‪،‬‬
‫يتج َّنــب م ْ‬
‫وملتــو‪ ،‬يخيــف الخصــوم‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫يبحــث عــن غريــب مثلــه‪ ،‬ماكــر‬

‫ـم والمؤ ِ ّثــر‪ ،‬ليــس صالبــة الموضــوع‬


‫ثمــة قــول يــزداد تداولــه اآلن‪ :‬المهـ ّ‬
‫ّ‬
‫الحجــة‪ ،‬بــل الشــخص المناســب للتأثيــر فــي الموضوع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وقــوة‬

‫‪20‬‬
‫ُنتخبــون لثــاث ســنوات‪ :‬تمضــي‬
‫رؤســاء المقاطعــات (المتص ِّرفــون) ي َ‬
‫الســنة األولــى فــي ســماع ّ‬
‫كل أشــكال الشــكاوى للناخبيــن‪« :‬ال‬
‫ـس أننــا نحــن مــن انتخبــك» والســنة الثانيــة فــي صــراع الخصــوم‬
‫تنـ َ‬
‫والمتنافســين‪ ،‬وفــي الثالثــة ينشــغل بالحملــة االنتخابيــة‪ .‬مــاذا ّ‬
‫تبقــى‬
‫إذ ًا؟‬

‫ـدة‪ ،‬فــي النزاعــات‪ ،‬خرجــت باســتنتاج هــو‪:‬‬


‫أشــاهد قومــي يغرقــون‪ ،‬بشـ ّ‬
‫يجــب أن يُنتخــب الحاكــم (المتصــ ِّرف) الــذي يتوافــر علــى تعليــم‬
‫روســي‪ ،‬مهمــا كان قليـ ً‬
‫ا‪ .‬وإن لــم يوجــد ذلــك الشــخص‪ ،‬أو أن النــاس‬
‫ال تريــد ترشــيحه‪ ،‬فليكــن الحاكــم مع َّينــ ًا مــن ِق َبــل اإلدارة التنفيذيــة‬
‫للمقاطعــة الكبــرى ومــن الحاكــم العســكري‪.‬‬

‫ـواح‪ :‬أو ً‬
‫ال‪ :‬طمــوح الــكازاخ فــي‬ ‫هــذا ســوف يكــون مفيــد ًا فــي عـ ّ‬
‫ـدة نـ ٍ‬
‫تعليــم أطفالهــم‪ ،‬ثانيـ ًا‪ :‬بعــد وقــت‪ ،‬ليــس بطويــل‪ ،‬يخضــع المتصـ ِّرف‬
‫المحلييــن‪ ،‬لكنــه ّ‬
‫يتلقــى األوامــر مــن الســلطات‬ ‫ّ‬ ‫لهــوى األقطــاب‬
‫العليــا‪ .‬لتج ُّنــب االعتراضــات المحتومــة واالتّهامــات‪ ،‬المع َّيــن لــن‬
‫محليــة‪ ،‬وتأ كيــد شــيء بشــأنه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يكــون موضوعــ ًا ّ‬
‫ألي حكــم أو رقابــة‬

‫المنتخبيــن فــي‬
‫َ‬ ‫ُأتيحــت لنــا الفرصــة لرؤيــة عبــث القضــاة المح ّل ّييــن‬
‫التحصــن‬
‫ُّ‬ ‫ّ‬
‫كل مقاطعــة‪ .‬ليــس ثمــة مــن يســتغني عــن العدالــة‪ .‬ولوجــوب‬
‫بالمشــورة‪ ،‬مــن الجوهــري أن نســتحضر قوانيــن األســاف وشــرائعهم‪:‬‬

‫‪21‬‬
‫«الطريــق المضــيء» لقاســم خــان‪ ،‬و«الطريــق القديــم» لعاصــم خــان‪،‬‬
‫و«القواعــد الســبع» ألزطــاوق خــان‪ .‬لكــن هــذه الشــرائع أصبحــت‬
‫عتيقــة ومهملــة بفعــل الزمــن‪ ،‬وتتط َّلــب التنقيــح والتفســير والتقويــم‪،‬‬
‫إن كان ثمــة مــن يســتطيع القيــام بذلــك فــي مجتمعنــا‪ .‬الذيــن يعرفــون‬
‫أســلوب حيــاة الشــعب الكازاخــي يقولون‪«:‬عندمــا يلتقــي اثنــان مــن‬
‫القضــاة المح ّل ّييــن ســيكون ّ‬
‫ثمــة أربعــة خالفــات‪ ،‬بالتأ كيــد»‪ .‬النقيصــة‬
‫األبــرز فــي عدالــة هــؤالء القضــاة وفــي عددهــم‪ ،‬هــؤالء الذيــن‬
‫يســمعون القضايــا‪ ،‬كمــا أنهــا تكمــن فــي تعقيــد الحكــم القضائــي فــي‬
‫النزاعــات‪ .‬لمــاذا عــدد القضــاة يــزداد؟ أليــس مــن األفضــل انتخــاب‬
‫يتميــزون بتعليــم وذكاء‪ ،‬فــي ّ‬
‫كل مقاطعــة‪ ،‬لفتــرة غيــر‬ ‫ّ‬ ‫ثالثــة أشــخاص‬
‫حــدد‬
‫محــددة‪ ،‬ونســتبدل‪ ،‬فقــط‪ ،‬مــن يكــون ســلوكه غيــر الئــق؟ ل ُت ّ‬
‫النزاعــات القانونيــة مــن ِق َبــل َح َكميــن‪ :‬واحــد يُختــار مــن ّ‬
‫كل طــرف‪،‬‬
‫ُّ‬
‫التحقــق مــن‬ ‫والوســيط مقبــول مــن الجميــع‪ .‬عندمــا يفشــلون فــي‬
‫الصــواب‪ ،‬يجــب‪ ،‬عندهــا‪ ،‬الرجــوع إلــى القضــاة الثالثــة الدائميــن‪.‬‬
‫عنــد ذلــك‪ ،‬لــن يطــول أمــد القضيــة‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫‪4‬‬

‫الحــظ األســاف‪ ،‬منــذ زمــن بعيــد‪ ،‬أن الضحــك دون ســبب كحال ـ ِة‬
‫َــن هــو ثَمِ ــل‪ .‬نــرى‪ ،‬اآلن‪ ،‬أن الثَّمالــة تقــود إلــى ســوء الســلوك‪،‬‬
‫م ْ‬
‫ّ‬
‫الســكير يوجــع الــرأس‪.‬‬ ‫فالحديــث مــع‬

‫المــرء الــذي ينغمــس‪ ،‬علــى نحــو متواصــل‪ ،‬فــي مــرح ال معنــى لــه‪،‬‬
‫يتجاهــل وعيــه‪ ،‬ويهمــل شــؤونه‪ ،‬ويخطــئ خط ـ ًأ فادح ـ ًا فــي َحـ ّ‬
‫ـق مــن‬
‫يُوقــع بــه القصــاص‪ ،‬إن لــم يكــن فــي هــذا العالــم‪ ،‬ففــي العالــم اآلخر‪.‬‬

‫وح ِ‬
‫ــذر فــي‬ ‫ِّ‬
‫ومتبصــر َ‬ ‫َــن لديــه رؤيــة تأمُّ ليــة واســعة‪ ،‬هــو حصيــف‬
‫م ْ‬
‫ُّ‬
‫التعقــل فــي التفكير‬ ‫حركتــه‪ ،‬فــي هــذه الحيــاة‪ ،‬وفــي مواجهــة المــوت‪،‬‬
‫والعمــل همــا عمــاد ســعادته‪ ،‬لكــن‪ ،‬هــل يعنــي هــذا أننــا يجــب أن‬
‫نعيــش فــي بــؤس؟ هــل يجــب علــى أرواحنــا أن تعــرف الكآبــة فقــط؟‬
‫ك ّلا‪ ،‬علــى اإلطــاق‪ .‬ال أقــول هــذا الــكالم ألنــه علينــا أن نحــزن دون‬

‫‪23‬‬
‫ّ‬
‫ونفكــر فــي إهمالنــا‪ ،‬وســبل الســعادة‬ ‫ّ‬
‫نتوقــف‬ ‫ســبب‪ ،‬بــل يجــب أن‬
‫والمــرح نتركهــا إلــى حينهــا‪ ،‬ليــس المــرح الكاذب مــا يشــفي أرواحنا‪،‬‬
‫بــل العمــل العقالنــي المفيــد‪ ،‬الذيــن يســمحون للــروح الضعيفــة بــأن‬
‫تســتق ّر داخلهــم يتخ ّلــون عــن التفكيــر الســليم دون الظفــر بـ ّ‬
‫ـأي عــزاء أو‬
‫ســلوى‪ .‬إذا ضحكــت بحماقــة وغبــاء تفقــد المب ـ ِّرر األخالقــي للعمــل‬
‫الخ ـ ّلاق‪ ،‬إذ ًا‪ ،‬ال تفــرح بهــذا الغبــاء األخــرق‪.‬‬

‫عندمــا تــرى شــخص ًا مــا يعيــش حيــاة هانئــة‪ ،‬ويضحــك بقلــب ســعيد‪،‬‬
‫ببهجــة صادقــة‪ ،‬يعـ ّ‬
‫ـف بنفســه عــن العمــل الخاطــئ ومعاقــرة الخمــرة‪،‬‬
‫جيــد لتعليــم‬ ‫ّ‬
‫تســتحق المحــاكاة‪ ،‬وهــي مثــال ِ ّ‬ ‫مآثــر هــذا الشــخص‬
‫التواضــع‪.‬‬

‫ثمــة ضحــك ال‬ ‫ّ‬


‫يســتحقان االستحســان‪ّ ،‬‬ ‫ليــس ّ‬
‫كل ضحــك ومــرح‬
‫يأتــي مــن فــؤاد المــرء‪ ،‬كمــن يتك َّلــم فجــأةً‪ ،‬بــكالم أجــوف‪ ،‬ويُحــدث‬
‫ضجيجــ ًا مُ فزعــ ًا‪ ،‬فقــط‪ ،‬بقصــد االبتهــاج الــكاذب‪.‬‬

‫متأســف ًا‪ .‬بيــن حــدث المجيء‬


‫يأتــي المــرء إلــى الدنيــا باكيـ ًا‪ ،‬ويغادرهــا ِ ّ‬
‫وحــدث المغــادرة‪ ،‬ينفــق أيّامــه فــي جــداالت بائســة‪ ،‬ويســرف فــي‬
‫النزاعــات التافهــة‪ ،‬غيــر مــدرك فــرادة الحيــاة وكيفيــة االســتفادة منهــا‪،‬‬
‫ولــن يــذوق طعمـ ًا للســعادة الحقيقيــة‪.‬‬

‫حبــات رمــل حياتــه تنهــار‬ ‫ّ‬


‫ســيتوقف ليراجــع أفــكاره‪ ،‬عندمــا يــرى ّ‬

‫‪24‬‬
‫ثمــة كنــز علــى وجــه‬
‫دفعــة واحــدة‪ ،‬عندهــا‪ ،‬فقــط‪ ،‬ســي ّتضح أنــه ليــس ّ‬
‫األرض قــادر علــى إطالــة عمــره يوم ـ ًا واحــد ًا‪.‬‬

‫أن تعيــش باألكاذيــب‪ ،‬بالخــداع واالســتعطاء! أن تكــون عديــم القيمــة‬


‫كاألوغاد!‬

‫ليكن إيمانك بالله دافع ًا لثقتك في قوتك وقدراتك‪.‬‬

‫األرض القاحلــة تهــب الغــال‪ -‬أيضــ ًا‪ -‬لمــن يكــدح وينكــر ذاتــه‪،‬‬
‫بأمانــة وتواضــع‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫‪5‬‬

‫ّ‬
‫يبــث القشــعريرة فــي البــدن‪،‬‬ ‫الحــزن يجلــب الكآبــة إلــى الــروح‪،‬‬
‫يجعــل المــرء فاقــد ًا لحـ ّ‬
‫ـس فعــل الخيــر‪ ،‬عندهــا تنفجــر االنفعــاالت‬
‫بالكلمــات أو الدمــوع‪ .‬رأيــت النــاس يتض ّرعــون‪« :‬يــا اللــه‪ ،‬اجعلنــي‬
‫يتخيلــون أنفســهم بأنهــم يقاســون الغــم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الرضــع»‬ ‫خاليـ ًا مــن الهـ ّ‬
‫ـم كمــا‬
‫والبليــة وســوء الحــظ‪ ،‬ويعتقــدون بأنهــم أ كثــر حساســية مــن األطفــال‪.‬‬
‫يمكــن الحكــم علــى هــذا الســلوك مــن خــال األمثــال‪« :‬إن كنــت‬
‫ســتعيش حتــى الظهيــرة فــزوّد نفســك باحتياطــي لطــوال اليــوم»‪.‬‬
‫و«حتــى األب يكــون غريب ًابالنســبة إلــى المتسـ ِّول»‪ ،‬و«قطيــع الماشــية‬
‫بالنســبة إلــى الكازاخــي هــو جــزء مــن لحمــه ودمــه»‪ ،‬و«الرجــل الثــري‬
‫قــاس كالحجــر» و«الفــارس‬
‫ٍ‬ ‫يشــع الضــوء مــن مُ َح ّيــاه» و«الفقيــر‬
‫ّ‬
‫ِّ‬
‫«المتبطــر يعهــد بقطعانــه إلــى‬ ‫والذئــب ال ي َِح ْيــران فــي غذائهمــا»‪،‬‬
‫اآلخريــن‪ ،‬إال إذا كان ليــس لديــه مــا يشــغل نفســه بــه»‪ ،‬و«اليــد التــي‬

‫‪26‬‬
‫يخطــط ألن يكــون ثر ّي ـ ًا‪ ،‬هــو دائم ـ ًا علــى‬
‫ّ‬ ‫تأخــد تعطــي»‪ ،‬و«الــذي‬
‫ـي» ال ت ّتــكل علــى اللــه‬ ‫حـ ّ‬
‫ـق»‪ ،‬و«إن لــم تســتطع االعتمــاد علــى «البـ ّ‬
‫أيضـ ًا »‪ ،‬و«إن قرصــك الجــوع اركــض إلــى وليمــة فــي عــزاء م ّيــت»‪،‬‬
‫و«كــن حــذر ًا مــن بحيــرة بــدون ميــاه‪ ،‬و«مــن النــاس الذيــن ال يعرفــون‬
‫الرحمــة»‪.‬‬

‫ثمة الكثير من هذه األمثلة‪.‬‬

‫اآلن‪ ،‬ماذا تريد هذه األمثلة أن تخبرنا؟‬

‫إنهــا ليســت معرفــة أو تعليــم وال ســكينة أو عدالــة‪ ،‬الكازاخــي يقلقــه‬


‫غنيـ ًا‪ .‬لذلــك يلـ ّ‬
‫ـف ويــدور ويتم ّلــق‬ ‫أمــر وحيــد عزيــز‪ ،‬هــو كيــف يكــون ّ‬
‫األغنيــاء‪ ،‬وإن لــم ينجــح ســيعتبر العالــم بأســره عــد ّو ًا لــه‪.‬‬

‫ـردد فــي ســلب‪ ،‬حتــى والــده‪ .‬ليــس مألوف ـ ًا لدينــا لــوم‬


‫ســوف لــن يتـ ّ‬
‫َمـ ْ‬
‫ـن‪ ،‬واســتهجان مــن!‬

‫مــن يكســبون قطيعــ ًا مــن الماشــية بالخــداع والســلب والنهــب أو‬

‫جرائــم أخــرى‪ .‬إذ ًا‪َ ،‬‬


‫بــم يختلفــون عــن األطفــال؟‬

‫األطفــال يخافــون مــن لهــب الموقــد‪ ،‬فــي حيــن ال يخــاف الكبــار‬


‫مــن نــار جه ّنــم‪ .‬يتم ّنــى األطفــال أن تبتلعهــم األرض عندمــا يشــعرون‬
‫بالخجــل‪ ،‬لكــن الكبــار ال حيــاء لهــم‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫هــل هــذا يجعلهــم أفضــل مــن األطفــال؟ إن لــم نمنحهــم مــا نملــك‪،‬‬
‫إن رفضنــا أن ندعهــم يد ِ ّمروننــا‪ ،‬إن لــم ننــزل إلــى مســتواهم‪ ،‬ســوف‬
‫يديــرون لنــا ظهورهــم‪.‬‬

‫حبنا؟‬ ‫هل يجب أن نمنح هؤالء القوم ّ‬


‫كل ّ‬

‫‪28‬‬
‫‪6‬‬

‫وفقــ ًا للمثــل الكازاخــي‪« :‬مصــدر النجــاح هــو الوحــدة والتوافــق‪،‬‬


‫وعمــل الخيــر»‪ ،‬إذ ًا‪ ،‬مــن هــم هــؤالء القــوم الذين يعيشــون في انســجام‬
‫ِّ‬
‫يحققــون مثــل هــذا اإلنجــاز؟‬ ‫وتوافــق؟ وكيــف‬

‫الــكازاخ يجهلــون هــذا األمــر‪ .‬إنهــم يعتقــدون أن االنســجام يكمــن في‬


‫امتــاك قطيــع مــن الماشــية علــى غــرار اآلخريــن‪ ،‬وامتــاك مقــدرات‬
‫العيــش‪ ،‬مــن غــذاء وكســاء‪.‬‬

‫َّ‬
‫تحقق ذلك‪ ،‬فما جدوى الثراء والفقر؟‬ ‫إن‬

‫بجديــة‪ ،‬جديــر ًا باالهتمــام‪ ،‬للحصــول علــى‬


‫ّ‬ ‫هــل ســيكون العمــل‪،‬‬
‫ثــروة‪ ،‬دون التخ ُّلــص‪ -‬بالدرجــة األولــى‪ -‬مــن األصدقــاء واألقــارب؟‬

‫ال‪ ،‬االنســجام والوحــدة يجــب أن يكونــا فــي عقــول النــاس‪ ،‬ال فــي‬

‫‪29‬‬
‫مشــاعة الثــروة‪.‬‬

‫مــن الممكــن توحيــد أنــاس متباينيــن مــن حيــث المنشــأ واألخــاق‬


‫والديــن‪ ،‬بإغــداق الماشــية عليهــم بســخاء‪ ،‬ولكــن بلــوغ الوحــدة بثمــن‬
‫كالماشــية‪ ،‬هــو بدايــة االنحطــاط األخالقــي‪ .‬األخــوة يجــب أن يعيشــوا‬
‫فــي ســام‪ ،‬ليــس بســبب ا ِ ّتــكال الواحــد علــى اآلخــر‪ ،‬بــل بالتعويــل‬
‫عليــه‪ ،‬فــي حذقــه وقوتــه وقدرتــه‪ .‬وإال فســوف ينســون اللــه‪ ،‬ولــن‬
‫ـد بعــض‪ ،‬ســوف‬
‫يجــدوا مهنــة الئقــة‪ .‬ســيدبّرون المكائــد‪ ،‬بعضهــم ضـ ّ‬
‫يغرقــون فــي االتّهامــات والقــذف‪ ،‬ســوف يخادعــون ويخاتلــون‪.‬‬
‫عندهــا‪ّ ،‬‬
‫أي نــوع مــن التوافــق يمكــن أن يكــون؟‬

‫الخيــر‪« :‬مــاذا نعنــي بالحيــاة هنــا؟‬


‫ّ‬ ‫«الحيــاة مصــدر الرفاهــة والعمــل‬
‫ّ‬
‫المتحقــق بقــدرة اللــه‪ ،‬واالحتفــاظ بالبــدن‬ ‫هــل هــي مج ـ ّرد الوجــود‬
‫والــروح مع ـ ًا؟‬

‫الكلــب‪ -‬أيض ـ ًا‪ -‬مُ ِنـ َ‬


‫ـح هــذا الوجــود‪ .‬ومــن ِ ّ‬
‫يثمــن حيــاة كهــذه‪ ،‬ومــن‬
‫يــرى أن المــوت هــو الكارثــة بعينهــا‪ ،‬فســوف يصبــح العــد ّو الدائــم‬
‫للحيــاة‪ .‬يفـ ّر بحياتــه مــن الخصــم‪ ،‬ســوف يُعــرف بالجبــان‪ :‬المتهـ ِّرب‬
‫ـد‪ ،‬ســوف يكــون عديــم النفــع‪ ،‬ســوف يكــون عــد ّو ًا للخيــر‪.‬‬ ‫مــن َ‬
‫الكـ ّ‬

‫ال‪ ،‬المثــل يشــير إلــى نــوع آخــر مــن الحيــاة‪ ،‬هــو جعــل الــروح َح ّيــة‪،‬‬
‫حيــ ًا وروحــك ِ ّ‬
‫ميتــة‪ ،‬فلــن تصلــك‬ ‫والعقــل ســليم ًا‪ .‬إذا كان بدنــك ّ‬

‫‪30‬‬
‫مفــردات الصــواب‪ ،‬لــن تكــون قــادر ًا علــى كســب عيشــك مــن عمــل‬
‫شــريف‪.‬‬

‫ِّ‬
‫المتســكع والمتم ِّلــق والطفيلــي وقحــون وصفيقــون‪ ،‬شــجعان فــي‬
‫مظاهرهــم‪ ،‬جبنــاء فــي قلوبهــم‪ ،‬يخلــون مــن شــعور الخجــل‪.‬‬

‫إن كنــت مــن هــذا الطــراز‪ ،‬فــا تتخ َّيــل نفســك فــي عــداد األحيــاء‪.‬‬
‫موتــك هــو المب ـ ِّرر األخالقــي لحالتــك‪ ،‬أ كثــر مــن وجــودك‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪7‬‬

‫يرث الطفل‪ ،‬عند والدته‪ ،‬شيئين أساسيين‪:‬‬

‫األول‪ ،‬هــو الغــذاء والمــاء والنــوم مــن أجــل النمــو والقــدرة العقليــة‬
‫والقــدرة الروحيــة‪ ،‬واآلخــر هــو التــوق الشــديد إلــى المعرفــة‪.‬‬

‫الطفــل يــدرك األشــياء مــن خــال األلــوان الب ّراقــة‪ ،‬يضعهــا فــي فمــه‪،‬‬
‫ـده‪ .‬ســيبدأ فــي إصــدار األصــوات مــن‬
‫يتذوّقهــا‪ ،‬يضغــط بهــا علــى خـ ّ‬
‫حبــال حنجرتــه‪ ،‬ثــم يكبــر قليــ ً‬
‫ا‪ ،‬يســمع نبــاح الــكالب‪ ،‬ضجيــج‬
‫الحيوانــات‪ ،‬ضحــك النــاس وبكاءهــم‪ ،‬ســيبدأ فــي طــرح األســئلة عــن‬
‫المشــاهد التــي أثارتــه‪« :‬مــا هــذا؟ ولمــاذا؟ لمــاذا يفعــل كــذا وكــذا؟‬
‫«هــذه رغبــة طبيعيــة للــروح‪ :‬أن تأمــل فــي رؤيــة كل شــيء‪ ،‬وســماع‬

‫‪32‬‬
‫كل شــيء‪ ،‬وتع ُّلــم كل شــيء‪.‬‬

‫بــدون المحاولــة لســبر غــور ألغــاز الدنيــا‪ :‬الظاهــر منهــا والباطــن‪ ،‬دون‬
‫البحــث عــن تفســير األشــياء‪ ،‬ال يمكــن للمــرء أن يكــون إنســان ًا‪ .‬وإال‬
‫فلــن تختلــف الحيــاة الروحيــة لإلنســان عــن ّ‬
‫أي مخلــوق آخــر‪.‬‬

‫منــذ البــدء‪ ،‬فصــل اللــه اإلنســان عــن الحيــوان بــأن نفــخ فيــه الــروح‪.‬‬
‫لمــاذا‪ -‬إذ ًا‪ -‬فــي تدرُّجنــا فــي النم ـوّ‪ ،‬نكتســب الحكمــة؟ أال نبحــث‬
‫عمــا يرضــي فضولنــا‪ ،‬الفضــول الــذي نســيناه فــي الطفولــة‪ ،‬مشــغولين‬
‫ّ‬
‫ـج البحــث عــن‬ ‫ـش فــي طريــق َمـ ْ‬
‫ـن ن ََهـ َ‬ ‫بالغــذاء والنــوم؟ لمــاذا لــم نمـ ِ‬
‫المعرفــة؟‬

‫وننمــي الحكمــة مــن‬


‫ّ‬ ‫ينبغــي علينــا أن نناضــل لتوســيع دائــرة اهتمامنــا‪،‬‬
‫أجــل تغذيــة أرواحنا‪.‬يجــب علينــا إدارك الفضيلــة الروحيــة الســامية‬
‫للجســد الممنــوح لنــا‪ ،‬وتع ُّلــم كيــف ن ِ‬
‫ُخضــع رغباتنــا الدنيويــة إلــى مــا‬
‫تمليــه عليــه أرواحنــا‪ .‬لكــن‪ ،‬ال‪ ،‬لقــد كرهنــا ذلــك‪ :‬نهــذي ونتذ َّمــر‪ ،‬لــم‬
‫ـدم أبعــد مــن كومــة روث إلــى القريــة المجــاورة‪َ ،‬ح َكمتنــا الــروح‪،‬‬ ‫نتقـ َّ‬
‫َّ‬
‫وتمك ّنــا مــن المقــدرة‬ ‫فقــط‪ ،‬فــي طفولتنــا‪ ،‬وعندمــا ن ََموْنــا‬

‫رفضنــا إمالءاتهــا‪ ،‬وأخضعنــا الــروح للبــدن‪ ،‬وتأمَّلنــا محيطنــا بعيوننــا‬

‫‪33‬‬
‫ال بعقولنــا‪:‬‬

‫لــم نؤمــن بدوافــع الــروح‪ ،‬مكتفيــن باإلشــباع الظاهــري‪ ،‬لــم نحــاول‬


‫كشــف باطــن األســرار‪ .‬بإيماننــا التافــه لــم نخســر شــيئ ًا بمثــل هــذا‬
‫ِّ‬
‫يقــدم لنــا النصيحــة والمشــورة‪« :‬أنــت تعيــش‬ ‫الجهــل‪ .‬نقــول لمــن‬
‫ّ‬
‫«نفضــل أن نكــون‬ ‫جيــد لــي‪ ،‬بمــا فيــه الكفايــة»‪ ،‬أو‬
‫بعقلــك‪ ،‬وعقلــي ّ‬
‫فقــراء بعقولنــا علــى أن نكــون أغنيــاء بعقــول غيرنــا»‪ .‬نحــن عاجــزون‬
‫ُّ‬
‫والترفــع فــي معنــى كلماتهــم‪.‬‬ ‫عــن إدراك التف ـوُّق‬

‫ال تخفــق شــعلة نــار فــي صدورنــا‪ ،‬وال ّ‬


‫أي إيمــان فــي أرواحنــا‪ .‬فبمــاذا‬
‫نختلــف عــن الحيوانــات‪ -‬إذ ًا‪ -‬إن كنــا نــدرك محيطنــا مــن خــال‬
‫عيوننــا فقــط؟ يبــدو أننــا ك ّنــا أفضــل فــي طفولتنــا‪ ،‬ك ّنــا بشــر ًا حينهــا‪،‬‬
‫لكننــا‪ ،‬اليــوم‪ ،‬أســوأ مــن الوحــوش‪ .‬الحيــوان ال يعــرف شــيئ ًا‪ ،‬وليــس‬
‫لــه هــدف فــي الحيــاة‪.‬‬

‫نحن ال نعرف شيئ ًا‪ ،‬لكننا نجادل حتى ّ‬


‫تبح أصواتنا‪.‬‬

‫َالدتنا‪ ،‬نحاول تمرير الجهل كنوع من المعرفة‪.‬‬


‫في دفاعنا عن ب َ‬

‫‪34‬‬
‫‪8‬‬

‫ثمة من يلتفت إلى نصيحتنا‪ ،‬ويسمع مشورتنا؟‬


‫هل ّ‬

‫ربّمــا يكــون المــرء حاكمــ ًا أو قاضيــ ًا‪ .‬إن كان هــؤالء لديهــم أدنــى‬
‫رغبــة ليكونــوا حكمــاء‪ ،‬وليتع ّلمــوا األحاســيس؛ هــل كانــوا ليبحثــوا‬
‫ـدون أنفســهم أذكيــاء بمــا فيــه‬
‫عــن المناصــب والوظائــف؟ هــؤالء يعـ ّ‬
‫ِّ‬
‫وموجهيــن لآلخرين؛‬ ‫الكفايــة‪ ،‬ويبحثــون عــن الســلطة ليكونــوا مع ِ ّلميــن‬
‫كمــا لــو أنهــم ّ‬
‫حققــوا الكمــال‪ ،‬وليــس لديهــم مــا يفعلونــه أ كثــر مــن‬
‫أن يع ِ ّلمــوا النــاس‪.‬‬

‫هــل هــم مــن النــوع الــذي لديــه الرغبــة‪ ،‬أو فائضــ ًا مــن الوقــت‬
‫لســماعنا؟‬

‫عقولهــم مملــوءة باهتمامــات أخــرى‪ :‬ال يزعجــون أنفســهم‪ ،‬ال يثيــرون‬


‫غضــب اللصــوص‪ ،‬لــن يكونــوا ســبب ًا فــي التشــويش بيــن النــاس‪ ،‬لــن‬
‫ِّ‬
‫يحققــون مصالــح شــخصية‪ ،‬إلــى‬ ‫ينزلــوا إلــى الخســارة‪ ،‬غيــر أنهــم‬

‫‪35‬‬
‫ذلــك‪ ،‬يجــب عليهــم مســاعدة شــخص مــا دائمـ ًا‪ ،‬أن يســاعدوا شــخص ًا‬
‫مــا للخــروج مــن مشــكلة؛ إنهــم دائم ـ ًا مشــغولون‪.....‬‬

‫أهــو الغنــى؟ هــم أثريــاء‪ّ ِ ،‬‬


‫يفكــرون فــي يومهــم‪ ،‬يعتقــدون أنهــم‬
‫بثروتهــم يملكــون نصــف العالــم تقريب ـ ًا‪ ،‬يســتطيعون شــراء أ ّيــة ثــروة‬
‫حيوانيــة تنقصهــم‪ ،‬رؤيتهــم عاليــة‪ ،‬وطموحهــم أعلــى‪ ،‬الشــرف‬
‫والضميــر والصــدق ليســت أعـ ّز مــن قطعــان الــدواب لديهــم‪ .‬متأ ِ ّكــدون‬
‫العلــي‬
‫ّ‬ ‫مــن أنهــم‪ ،‬بامتالكهــم قطعــان الــدواب‪ ،‬بإمكانهــم أن يرشــوا‬
‫الكبيــر‪ .‬قطعانهــم هــي كل شــيء بالنســبة إليهــم‪ ،‬وليــس الوطــن‬
‫واألرض والنــاس والديــن واألســرة والتعليــم‪ .‬لمــاذا‪ -‬إذ ًا‪ -‬يصغــون‬
‫إلــى نصيحــة النــاس؟ بعضهــم‪ -‬ربّمــا‪ -‬يميلــون إلــى إعــارة ســمعهم؛‬
‫لكــن‪ ،‬ليــس لديهــم وقــت لذلــك‪ :‬يجــب عليهــم توفيــر العلــف والمــاء‬
‫لقطعانهــم‪ ،‬وبيعهــا فــي الوقــت المناســب‪ ،‬حمايتهــا مــن اللصــوص‬
‫والذئــاب‪ ،‬وقايتهــا مــن البــرد‪ ،‬والبحــث عــن الشــخص المناســب‬
‫للقيــام بهــده األعمــال‪ ،‬بمقابــل‪.‬‬

‫جــد ًا عــن أن يســمع نصيحــة أو مشــورة‪.‬‬


‫ّ‬ ‫ال‪ ،‬هــذا الشــخص مشــغول‬
‫عندمــا يــرى كل هــذا ســيتباهى ويتفاخــر؛ لذلــك ليــس لديــه وقــت ّ‬
‫ألي‬
‫شــيء آخــر؛ كمــا اللصــوص واألوغــاد‪ ،‬مــن الواضــح أنهــم ال يريــدون‬
‫الســماع علــى أ ّيــة حــال‪ .‬الفقــراء خنوعــون كمــا الخــراف‪ ،‬اهتمامهــم‬
‫ينحصــر فــي خبزهــم اليومــي‪ .‬مــا نفــع النصيحــة والمشــورة والتعليــم‬

‫‪36‬‬
‫عندهــم إذا كان األغنيــاء منصرفيــن عنهــا؟‬

‫«دعنــا وشــأننا‪َ ،‬ك ِّلـ ْ‬


‫ـم َمـ ْ‬
‫ـن هــم أ كثــر ذكا ًء م ّنــا» يقولــون‪ ،‬معتقديــن أن‬
‫المعرفــة ال تجــدي مــع أنــاس فقــراء‪ ،‬ال يعيــرون اهتمام ـ ًا ألحــد‪ .‬إن‬
‫تحصــل الفقــراء علــى صنــو مــا عنــد اآلخريــن‪ ،‬فلــن يعرفــوا القلــق‪.‬‬
‫َّ‬

‫‪37‬‬
‫‪9‬‬

‫أحب الكازاخ‪ ،‬أم ال؟‬


‫ّ‬ ‫أنا‪ -‬أيض ًا‪ -‬كازاخي‪ ،‬لكن‪ ،‬هل‬

‫إن نعــم‪ ،‬فســوف أستحســن نمــط حياتهــم‪ ،‬وســوف أبحــث عــن‬


‫أي شــيء‪ ،‬مهمــا كان تافهــ ًا‪ ،‬فــي ســلوكهم‪ ،‬ليبهجنــي أو يواســيني‪،‬‬
‫ّ‬
‫األقــل‪ -‬بعضــ ًا مــن ســجاياهم‪،‬‬ ‫عــن ســبب يُكبــر فــي عينــي‪ -‬علــى‬
‫حيــ ًا‪ .‬وإن ال فهــل أ كــف عــن حبهــم‪ ،‬عــن‬
‫ويبقــي بصيــص األمــل ّ‬
‫الــكالم معهــم مــن قلبــي‪ ،‬أو أتبــادل المشــورة معهــم‪ ،‬أن أتو َّقــف عــن‬
‫االختــاط بهــم وأشــاركهم شــؤونهم‪ ،‬أتســاءل‪«:‬ماذا يفعــل النــاس؟‬
‫مــاذا يجــري؟ «ســأتراجع وأصمــت فــي هــدوء‪ ،‬أو ُأ َ‬
‫دهــش»‪.‬‬

‫لســت آمــل فــي تصحيــح مســارهم أو جلبهم للجــدال ومحاولــة إقناعهم‬


‫أو إصالحهــم‪ .‬حتــى هــذه العاطفــة ال أشــعر بهــا‪ .‬لكــن‪ ،‬كيــف ذلــك؟‬
‫يجــب أن أختــار‪.‬‬

‫حي ـ ًا‪ ،‬ال أعــرف لمــاذا‪ :‬ربمــا ألننــي مغتــاظ مــن ِق َبــل‬
‫ـد نفســي ّ‬
‫ال أعـ ّ‬

‫‪38‬‬
‫شــعبي‪ ،‬أو مســتا ٌء مــن نفســي‪ ،‬أو لســبب آخــر‪ .‬ظاهريــ ًا‪ ،‬أنــا َح ّ‬
‫ــي‪،‬‬
‫لكنــي‪ ،‬داخليــ ًا‪ ،‬م َّيــت تمامــ ًا‪.‬‬

‫مــا الحــال الــذي عليــه أنــا؟ ظاهري ـ ًا‪ ،‬أنــا ســريع الغضــب‪ ،‬وال أشــعر‬
‫بغضــب! أضحــك‪ ،‬وغيــر قــادر علــى االبتهــاج‪ .‬الكلمــات التــي أتفـوّه‬
‫بهــا‪ ،‬والضحــك الــذي أطلقــه‪ ،‬يبــدو أنهمــا ليســا لــي! ّ‬
‫كل شــيء غريب!‬
‫فــي ســنوات شــبابي لــم يخطــر فــي بالــي أن ينبــذ ّ‬
‫أي شــخص ناســه‪.‬‬
‫أحببــت الــكازاخ مــن ّ‬
‫كل قلبــي‪ ،‬ووثقــت بهــم‪ .‬لكــن‪ ،‬عندمــا أردت‬
‫فهمهــم‪ ،‬بشــكل أفضــل‪ ،‬تالشــى كل أمــل لـ ّ‬
‫ـدي‪ :‬اكتشــفت أننــي أفتقــر‬
‫المقــدرة علــى مغــادرة موطنــي وتشــكيل قرابــة ونســب مــع غربــاء؛‬
‫ثمــة فــراغ فــي قلبــي اآلن‪ ،‬لكــن‪ ،‬ربّمــا يكــون لألفضــل!‬
‫لهــذا الســبب ّ‬
‫هــذا مــا دار فــي خلــدي‪.‬‬

‫عندمــا ُأح َت َضــر‪ ،‬لــن أرثــي‪« :‬واحســرتاه‪ ،‬لــم أجـ ِّرب هــذا أو ذاك مــن‬
‫المتــع‪.»...‬‬
‫ُ‬

‫لــن أعـ ِّـذب نفســي بالنــدم علــى متــاع الدنيــا‪ ،‬ســوف أجــد عزائــي فــي‬
‫الحيــاة اآلخرة‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫‪10‬‬

‫يتض ـ ّرع النــاس إلــى اللــه كــي يرزقهــم أطفــا ً‬


‫ال‪ ،‬مــا حاجــة المــرء إلــى‬
‫طفــل؟‬

‫يقولــون‪ :‬ذلــك حتــى يكــون الطفــل وريثــ ًا‪ ،‬ويعتنــي بهــم فــي‬
‫شــيخوختهم‪ ،‬ويص ّلــي مــن أجلهــم بعــد موتهــم‪ ،‬أهــذا كل شــيء؟‬

‫حتــى يكــون وريثـ ًا‪ ..‬مــاذا يعنــي هــذا؟ هــل تخشــى علــى ممتلكاتــك‬
‫مــن الضيــاع؟ ولكــن‪ ،‬لمــاذا يؤ ِّرقــك شــيء ســوف تخ ّلفــه وراءك؟‬

‫مــا الــذي ســتتركه للنــاس وأنــت آســف عليــه؟ مــا الكنــوز التــي‬
‫وتتحســر عليهــا بهــذا القــدر؟‬
‫َّ‬ ‫كســبتها‪،‬‬

‫الجيــد بهجــة‪ ،‬لكــن الطفــل السـ ّـيئ مســؤولية مرهقة‪..‬مــا أدراك‬


‫ّ‬ ‫الطفــل‬
‫كيــف ســيكون الطفــل الــذي يرزقــك اللــه إ ّيــاه؟ أال يكفيــك اإلذالل‬
‫الــذي ابتلعتــه طــوال حياتــك؟ أو بعــض اآلثــام التــي ارتكبتهــا؟ لمــاذا‬

‫‪40‬‬
‫متلهــف لطفــل؟ ِل ُت َربّيــه علــى الدنــاءة واإلســاءة‪ ،‬وتميتــه فــي‬
‫أنــت ِ ّ‬
‫اإلذالل نفســه الــذي ذقتــه؟‬

‫تريــد أن يص ّلــي ابنــك مــن أجلــك بعــد موتــك‪ ..‬لكــن‪ ،‬إن صنعــت‬
‫الخيــر فــي حياتــك‪ ،‬أتــدري مــا الــذي تضيفــه الصلــوات إلــى ســكينة‬
‫روحــك؟‬

‫إذا كنت ش ّرير ًا في حياتك‪ ،‬ما فائدة صالة ابنك؟‬

‫جيد ًا عن الذي فشلت فيه سابق ًا؟‬


‫سيؤدي لك صنيع ًا ِ ّ‬
‫ِّ‬ ‫هل‬

‫إن اســتعطيت مــن أجــل طفــل‪ ،‬ألفــراح اآلخــرة؛ هــذا يعنــي أنــك‬
‫تتم ّنــى لــه موتـ ًا مبكــر ًا! لكــن‪ ،‬إن أردتــه أمانـ ًا لــك‪ ،‬لمباهــج حياتــك‪،‬‬
‫فأيــن رأيــت كازاخيـ ًا يلــد ابنـ ًا يحنــو علــى أبويــه عندمــا ينمــو ويكبــر‪،‬‬
‫ويحميهمــا مــن اآلالم؟‪ :‬أنــاس كهــؤالء‪ ،‬وأب مثلــك‪ :‬هــل ابــن كهــذا‬
‫ـتح ّق؟‬
‫مسـ َ‬

‫تريــد منــه أن يطعمــك ويكس ـوَك فــي شــيخوختك؟ أيض ـ ًا‪ ،‬هــذا أمــل‬
‫بــا قيمــة!‪:‬‬

‫أو ً‬
‫ال‪ ،‬هــل ســتعيش حتــى مرحلــة الخــرف؟ ثانيـ ًا‪ ،‬هــل ســيكون ابنــك‬
‫رحيم ـ ًا كــي يعتنــي بــك فــي شــيخوختك؟ إن كان لديــك قطيــع مــن‬
‫الماشــية‪ ،‬فســتجد‪ ،‬دائمــ ًا‪ ،‬م ْ‬
‫َــن يعتنــي بــك‪ ،‬وإن لــم يكــن‪ ،‬فمــن‬

‫‪41‬‬
‫يقــوم عليــك؟ وكيــف؟ أضــف إلــى ذلــك‪ :‬مــا أدراك إن كان ابنــك‬
‫ـيبددها؟‬
‫ســيضاعف ثروتــك التــي كســبتها بشــقائك وتعبــك‪ ،‬أم أنــه سـ ّ‬

‫حســن ًا‪ ،‬لنفــرض أن اللــه اســتجاب لــك‪ ،‬ومنحــك طف ً‬


‫ال‪،‬هــل ســتع ِ ّلمه‬
‫جيــد ًا؟ لــن تفعــل‪ ،‬ســوف تضاعــف ذنوبــك بذنــوب ابنــك‪،‬‬
‫تعليم ـ ًا ّ‬
‫ّ‬
‫المبكــرة‪ ،‬ســوف تقــول لــه أ كاذيــب‪ ،‬تعــده بهــذا‬ ‫منــذ مطلــع حياتــه‬
‫اآلن‪ ،‬وذاك فيمــا بعــد‪ ،‬وســوف ت َُسـ ّر بخداعــك إ ّيــاه‪ ،‬عندهــا‪ ،‬مــن هــو‬
‫الملــوم؟ عندهــا‪ ،‬يصبــح ابنــك ّ‬
‫كذاب ـ ًا‪.‬‬

‫ســوف تع ِّلمــه لغــة رديئــة وسيشــتم النــاس‪ ،‬وســتتغاضى عــن آثامــه‪« :‬ال‬
‫تلمســوا هــذا الولــد العنيــد»!‪ ،‬تسـ ّ‬
‫ـتحث صفاقتــه‪.‬‬

‫بخصــوص تعليمــه‪ ،‬تختــار لــه (مُ ـ ّلا) تدفــع لــه القليــل‪ ،‬ليع ِ ّلمــه القــراءة‬
‫والكتابــة‪ ،‬فحســب‪ ،‬وأنــت تع ِ ّلمــه كيــف يكــون مخادعـ ًا وماكــر ًا‪ ،‬هــل‬
‫ّ‬
‫تتوقــع الرحمــة مــن ابــن كهــذا؟‬ ‫هــذه هــي التربيــة‪ ،‬ثــم‬

‫فــي الســياق نفســه‪ ،‬يتضـ ّرع النــاس إلــى اللــه مــن أجــل الثــروة‪ ،‬لمــاذا‬
‫يحتــاج المــرء إلــى الثــروة؟ أأنــت ســألت اللــه؟ نعــم‪ ،‬أنــت ســألته‪ ،‬وهو‬
‫اســتجاب‪ ،‬غيــر أنــك لــم تكســب!! منحــك الموهبــة للعمــل ونجحــت‪،‬‬
‫لكــن‪ ،‬هــل اســتثمرت عملــك فــي الخيــر؟ ال‪ ،‬اللــه منحــك القـوّة كــي‬
‫تتع َّلــم‪ .‬العقــل قــادر علــى تمييــز المعرفــة‪ ،‬لكــن‪ ،‬مــن يــدري فــي أي‬
‫ـد يســتفيد مــن فشــله عبــر المثابــرة‪،‬‬ ‫شــيء ّ‬
‫وظفتهــا! الــذي يعمــل بجـ ّ‬

‫‪42‬‬
‫دون كلــل‪ ،‬الســتعادة توازنــه‪ ،‬لكــن‪ ،‬أنــت لســت بحاجــة إلــى ذلــك!‬
‫غنيـ ًا‪ ،‬ومــن الخــوف الــذي فــي داخلــك‬
‫أنــت تســأل اللــه كــي تصبــح ّ‬
‫تغـ ّ‬
‫ـش النــاس وتســتعطي‪ ،‬مــا هــذا التضـ ُّرع؟ مــا هــذه الصــاة؟ إنهمــا‪،‬‬
‫ببســاطة‪ ،‬النهــب والفقــر فــي ذلــك الجــزء مــن اإلنســان الــذي َف َقــد‬
‫ضميــره وكبريــاءه‪ ،‬لنفتــرض أنــك اختــرت هــذا الطريــق‪ ،‬وامتلكــت‬
‫قطيعــ ًا مــن الماشــية‪ ،‬حســن ًا‪ ،‬أال ّ‬
‫وظفتــه فــي التعليــم؟ إن لــم يكــن‬
‫ألجلــك‪ ،‬فمــن أجــل ابنــك؛ بــدون تعليــم‪ ،‬ال الصلــوات وال الصــوم وال‬
‫الحــج‪َ ،‬م ـ ّر ًة بعــد أخــرى‪ّ ِ ،‬‬
‫تحقــق مــا تصبــو إليــه‪.‬‬

‫ّ‬
‫بــأي‬ ‫تحصــل علــى ثــروة بــدون غــش‪،‬‬
‫َّ‬ ‫لــم أ َر شــخص ًا‪ ،‬حتــى اآلن‪،‬‬
‫وســخرها تســخ ّير ًا حســن ًا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫معنــى مــن المعانــي‪،‬‬

‫الكسب الحرام مثل المرض المرهق‪ ،‬تمام ًا‪.‬‬

‫ّ‬
‫يعــذب الــروح ويحبطهــا كاالحتفــاظ بمثــل هــذه الثــروة‪،‬‬ ‫ال شــيء‬
‫بمج ـ ّرد حصولــه علــى الثــروة‪ ،‬ســيزهو المــرء ويتبختــر‪ ،‬ليأتــي عليهــا‬
‫تبديــد ًا‪ ،‬ثــم يفخــر بثرائــه الســابق‪ ،‬بعــد ذلك‪ ،‬يســتعطي‪ ،‬وهــو مطاطىء‬
‫الــرأس!‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫‪11‬‬

‫ثمــة طريقــان‪ :‬األوّل عــن طريــق الســرقة؛ يأمــل‬


‫كيــف يعيــش شــعبنا؟ ّ‬
‫و«البــي» يبحــث فــي كيــف يزيــد‬
‫ّ‬ ‫اللــص بــأن يثــري بمــا ســرق‪،‬‬
‫يســترد مــا ُســرق منــه‪ ،‬إلــى جانــب أشــياء‬
‫ّ‬ ‫مــن قطعــان دوابــه‪ ،‬بــأن‬
‫ـي» واللــص‪:‬‬
‫أخــرى‪ .‬الذيــن فــي الســلطة ســوف يســلبون االثنيــن‪« ،‬البـ ّ‬
‫بوعدهــم لــأوّل بالمســاعدة لحمايــة قطعانــه‪ ،‬وللثانــي بالتم ّلــص مــن‬
‫العدالــة‪ .‬أنــت‪ ،‬الرجــل العــادي‪ ،‬ســوف تُب ِّلــغ الســلطات عــن اللــص‪،‬‬
‫وفــي الوقــت نفســه تســاعده وتح ّرضــه علــى بيــع المســروق بثمــن‬
‫بخــس‪.‬‬

‫والطريــق اآلخــر‪ :‬النــاس العاديــون يقنعــون بالخــداع‪ ،‬باللجــوء إلــى‬


‫الحيلــة بصيغــة أخــرى‪ ،‬ليــس لديهــم حلــم‪ .‬افعــل هــذا وذاك‪ ،‬وســوف‬
‫ّ‬
‫ويتعــذر إيــذاؤك‪،‬‬ ‫تكــون غنيــ ًا ومشــهور ًا‪ ،‬ســوف تكــون محترمــ ًا‪،‬‬
‫وســوف يهابــك خصومــك‪ .‬انشــر الش ـ ّر‪ ،‬والغضــب الشــديد‪ ،‬واضــرب‬
‫النــاس‪ ،‬بعضهــم ببعــض‪ ،‬بأمــل الغـ ّ‬
‫ـش والخــداع تكــون فــي خدمــة‬

‫‪44‬‬
‫شــخص مــا لتكســب‪ ،‬وتنتفــع مــن ورائــه‪.‬‬

‫ـي»‪ ،‬وتعريــة ال ّلــص‪،‬‬


‫هــذه طريقــة حياتهــم‪ :‬النبالــة فــي مســاعدة «البـ ّ‬
‫والرجــل الفقيــر يقــوم بتم ُّلــق األقويــاء وتوريطهــم فــي النزاعــات‪،‬‬
‫يقــف اآلن مــع شــخص‪ ،‬وغــد ًا مــع زمــرة أخــرى‪ ،‬ويبيــع‪ ،‬بســعر‪ ،‬هــو‬
‫األرخــص‪ ،‬شــرفه وزوجتــه وأطفالــه وأقاربــه وجيرانــه وأصدقــاءه‪.‬‬

‫جيــد‪،‬‬ ‫إن انتفــى اللصــوص واالحتيــال ســوف ِ ّ‬


‫يفكــر شــعبنا بشــكل ّ‬
‫ســوف يكونــون ســعداء بالعمــل الشــريف والبحــث عــن الخيــر‬
‫«البــي» يريــد أن يعملــوا فــي أمالكــه‪ ،‬وســيجني‬
‫ّ‬ ‫والحكمــة إن كان‬
‫الفقيــر‪ ،‬ويكســب رزقــه دون فقدانــه األمــل أو اإليمــان‪.‬‬

‫عمــوم النــاس يتورّطــون فــي أعمــال قــذرة‪ ،‬بســبب احتقــار بعضهــم‬


‫للبعــض اآلخــر‪ ،‬القــوي الــذي يجتـ ّ‬
‫ـث هــذا الشــر‪ ،‬ســوف يكــون لــه‬
‫الشــرف والنخــب ونقــاء الضميــر والتم ُّتــع بالســلوان!‬

‫ربّمــا تكــون القــوّة قــادرة علــى ترويــض ال ّلــص‪ ،‬لكــن‪ :‬مــاذا عــن‬
‫والنهــاب؟ مــن يجعلــه‬
‫ّ‬ ‫الطمــاع والمخــادع‬
‫ّ‬ ‫ـي» الــذي يتآمــر مــع‬
‫«البـ ّ‬
‫فــي طريــق الصــواب؟ وكيــف؟‬

‫‪45‬‬
‫‪12‬‬

‫عمــا إذا كان ذلــك‬ ‫عندمــا يع ِ ّلــم أحــد مــا كلمــات اللــه‪ ،‬بغـ ّ‬
‫ـض النظــر ّ‬
‫بطريقــة حســنة أم ال‪ ،‬ســرعان مــا نلذعــه بألســنتنا مح ّرميــن عليــه عظتــه‪،‬‬
‫دون أن ِ ّ‬
‫نفســر لمــاذا نو ِّبخــه‪ ،‬ربّمــا يفتقــر إلــى التنويــر الكافــي! لكــن‪،‬‬
‫َّ‬
‫يتذكــر شــرطين‬ ‫كل‪ ،‬يجــب علــى هــذا الشــخص أن‬
‫دعــه يعــظ‪ .‬علــى ٍ‬
‫متيقنـ ًا مــن إيمانــه‪ ،‬والثانــي‪ :‬يجــب‬
‫ّ‬ ‫أساســيين‪ :‬األول‪ :‬يجــب أن يكــون‬
‫يحســن عقلــه باســتمرار‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عليــه أ ّلا يرضــى بمــا يعــرف‪ ،‬بــل عليــه أن‬
‫الــذي يهجــر التعليــم يحــرم نفســه مــن بركــة اللــه‪ ،‬ســوف تبحــث عــن‬
‫أيــة فائــدة عقيمــة مــن تعليمــه‪ .‬فــي الحقيقــة‪ :‬مــا فائــدة وضعــه العمامــة‬
‫ـؤدي صلواتــه بتقــوى؟‬
‫علــى رأســه‪ ،‬وصومــه بصرامــة‪ ،‬وتظاهــره بأنــه يـ ّ‬
‫لكنــك ال تعــرف إن كانــت صالتــه فــي المــكان الصحيــح أم ال‪.‬‬

‫الشــخص المتهــاون‪ ،‬الــذي ال يكــون صارم ـ ًا فــي حياتــه‪ ،‬وال يبــادر‬


‫ـد مؤمنـ ًا؛ فــدون ضبــط الذات واالســتقامة‪،‬‬
‫إلــى الحنـ ّو والشــفقة‪ ،‬ال ي َُعـ ّ‬
‫ال يمكــن للمــرء أن يحتفــظ باإليمــان فــي روحــه‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫‪13‬‬

‫اإليمــان‪ ،‬اإليمــان الــذي ال يتزعــزع فــي قلــب المــرء‪ّ .‬‬


‫كل قــدرة اللــه‬
‫تعالــى‪ ،‬فــي جوهــر الوجــود‪ ،‬أن نتع ّلــم مــن الوحــي الــذي نــزل علــى‬
‫رســوله‪ ،‬عليــه الصــاة والســام‪.‬‬

‫ثمــة طريقــان لإليمــان‪ :‬البعــض يكــون مســلم ًا‪ ،‬هكــذا‪ ،‬ببســاطة‪ ،‬مدرك ًا‬
‫ّ‬
‫االحتيــاج الحيــوي للحقيقــة‪ ،‬ويقــوّي إيمانــه مــن خــال الحجــج‬
‫نســمي هــذا (اإليمــان اليقينــي)‪ .‬وآخــرون‪ ،‬يؤمنــون مــن‬
‫ّ‬ ‫الصائبــة‪.‬‬
‫خــال تكويــن الحكمــة مــن الكتــب ومــن كلمــات (الم ّلا)‪.‬مثــل هؤالء‬
‫ـاص لهدفهــم‪ ،‬وهــو اإليمــان والقـوّة‬
‫النــاس يحتاجــون إلــى تكريــس خـ ّ‬
‫الروحيــة مــن أجــل الصمــود أمــام آالف اإلغــواءات‪.‬وال يرتعــش أبــد ًا‬
‫فــي مواجهــة المــوت؛ هــذا هــو (اإليمــان التقليــدي)‪.‬‬

‫للحفــاظ علــى اإليمــان فــي عمــق الــذات‪ ،‬يجــب علــى المــرء أن‬
‫يتح ّلــى بقلــب جــريء‪ ،‬راســخ‪ ،‬ووطيــد الثقــة فــي قدراتــه‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫ولكــن‪ ،‬مــاذا عــن أولئــك الذيــن يفتقــرون إلــى المعرفــة ليكونــوا‬
‫فــي ركــب اإليمــان اليقينــي‪ ،‬أو أولئــك الذيــن ليــس لديهــم اإليمــان‬
‫الراســخ‪ ،‬الذيــن يستســلمون‪ ،‬بســهولة‪ ،‬لإلغــواءات ويتم ّلقــون‪ ،‬الذيــن‪،‬‬
‫مــن أجــل كســب رخيــص‪ ،‬يقولــون‪ :‬األســود أبيــض‪ ،‬واألبيــض أســود‪،‬‬
‫ـمهم؛ لتمريــر األكاذيــب علــى أنهــا حقيقــة؟ أال‬
‫قسـ َ‬
‫الذيــن يحنثــون فــي َ‬
‫يمكــن حســبانهم مؤمنيــن تقليدييــن؟ ليحفظنــا اللــه مــن مثــل هــؤالء!‬
‫ثمــة إيمــان أخــر يحفظنــا‪.‬‬ ‫َّ‬
‫يتذكــر أنــه ليــس ّ‬ ‫يجــب علــى ٍ ّ‬
‫كل م ّنــا أن‬
‫َــن ال يحصــي نعمــة اللــه المطلقــة‪ :‬ال‬
‫المرتديــن فــي حــال م ْ‬
‫ّ‬ ‫لنــدع‬
‫يسـ ّ‬
‫ـتحقون مغفــرة اللــه‪ ،‬وال شــفاعة رســوله‪ .‬ملعــون مــن يصــدق أمثلــة‬
‫القســم»‪ ،‬و«يغفــر اللــه ّ‬
‫كل‬ ‫َ‬ ‫ـد مــن‬ ‫ّ‬
‫«حافــة الســيف أحـ ّ‬ ‫كاذبــة‪ ،‬مثــل‪:‬‬
‫الخطايــا»‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫‪14‬‬

‫هــل يملــك المــرء عزيــز ًا أ كثــر مــن قلبــه؟ النــاس تُعـ ّز مــن ي َ‬
‫ُنعــت بأنــه‬
‫يملــك قلب ـ ًا شــهم ًا‪ ،‬وتحترمــه‪ ،‬لكــن النــاس لديهــم فكــرة سـ ّـيئة عــن‬
‫مناقــب أخــرى لفــؤاد اإلنســان‪ :‬الرحمــة‪ ،‬والعطــف‪ ،‬والقــدرة علــى‬
‫معاملــة الغريــب كأخ عزيــز‪ ،‬والتم ّنــي لــه مــا يتم ّنــاه المــرء لنفســه‪ ،‬كل‬
‫ـب مــن القلــب‪.‬‬
‫هــذا يأتــي بإيعــاز مــن القلــب‪ ،‬وبالمثــل‪ ،‬يأتــي الحـ ّ‬

‫اللســان الــذي يطيــع القلــب ال يكذب‪.‬المنافــق‪ -‬فقــط‪ -‬ينســى‬


‫قلبــه‪ ،‬مــع ذلــك فــإن هــؤالء «أصحــاب القلــوب الشــهمة»‪ ،‬غالبــ ًا‪،‬‬
‫يثبتــون أنهــم غيــر جديريــن بهــذا اإلطــراء‪ ،‬مــا لــم يك ِّرســوا شــرفهم‬
‫وكياســتهم فــي النفــور مــن الشـ ّر‪ ،‬لقيــادة األرواح التائهــة‪ ،‬عبــر طريــق‬
‫وضيــق‪ ،‬وليــس فــي اتّبــاع الحشــود الخسيســة والبائســة‪ ،‬ومــا‬
‫ِّ‬ ‫طويــل‬
‫لــم يقفــوا للدفــاع عــن قضيــة عادلــة فــي وجــه الصعوبــات ومســاندة‬
‫الحقيقــة‪ ،‬طالمــا بمقدورهــم ذلــك؛ عندئــذ‪ ،‬ســتكون القلــوب التــي‬
‫ـوب ذئــاب‪،‬‬
‫ـدم لهــم االحتــرام‪ ،‬قلـ َ‬
‫فــي صدورهــم‪ ،‬والتــي مــن أجلهــا يُقـ َّ‬

‫‪49‬‬
‫وليســت قلــوب بشــر‪.‬‬

‫فــي الواقــع‪ ،‬الــكازاخ‪ ،‬هــم‪ -‬أيض ـ ًا‪ -‬أطفــال اإلنســانية‪ .‬العديــد مــن‬
‫الــكازاخ يض ّلــوه طريــق الحـ ّ‬
‫ـق‪ .‬ليــس بســبب عجــز العقــل‪ ،‬بــل لضعف‬
‫فــي العزيمــة‪ ،‬وتعطيــل القلــب عــن قبــول النصيحــة والمشــورة‪ .‬ال‬
‫ـدق مــن يزعــم بأنــه اضط ـ ّر لعمــل الش ـ ّر بســبب الجهــل‪.‬ال‪ ،‬عنــده‬
‫أصـ ّ‬
‫مــا يكفــي مــن المعرفــة‪ ،‬لكــن ضعــف اإلرادة المخــزي لعمــل الخيــر‪،‬‬
‫والكســل همــا الســبب فــي التجاهــل‪ .‬قــد نخطــئ َمـ ّرةً‪ ،‬لكــن القليليــن‬
‫منــا مــن يملكــون الشــجاعة الكافيــة لتصحيــح خطئهــم‪ .‬هــؤالء الذيــن‬
‫نثنــي عليهــم‪ ،‬بوصفهــم شــجعان وفــوارس‪ ،‬أذكيــاء وبواســل‪ ،‬غالبـ ًا مــا‬
‫يضــع أحدهــم اآلخــر فــي عمــل خســيس‪ ،‬ونتيجــة للتقليــد األعمــى‪،‬‬
‫مــن ِق َبــل بعضهــم للبعــض اآلخــر‪ ،‬يسـ ّـببون المحــن‪ ،‬ثــم يثبــون مرحـ ًا‪.‬‬

‫ّ‬
‫يتوقــف‬ ‫للتبجــح فلــن‬
‫ُّ‬ ‫إذا انغمــس المــرء فــي الشــ ّر‪ ،‬وأطلــق العنــان‬
‫ّ‬
‫ويهذبهــا‪ ،‬ولــن يحــاول تطهيرهــا أمــام اللــه أو أمــام‬ ‫ليراجــع نفســه‬
‫ضميــره‪ .‬كيــف ننعــت هــذا اإلنســان بـ(ال َب َطــل) إذا لــم يتســاءل المــرء‬
‫إن كان ســ ُيدعى إنســان ًا؟‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫‪15‬‬

‫والغبي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الذكي‬
‫ّ‬ ‫ثمة فرق جوهري بين‬
‫في رأيي‪ّ ،‬‬

‫فــي هــذه الحيــاة‪ ،‬ال يمكــن للمــرء أن يتجاهــل مــا يجذبــه مــن‬
‫حولــه ويثيــره‪ ،‬ويفتنــه‪ .‬تلــك األيــام مــن التســاؤالت‪ ،‬والعواطــف‪،‬‬
‫واالهتمامــات‪ ،‬تبقــى فــي ذاكــرة المــرء بمثابــة المرحلــة المضيئــة مــن‬
‫حياتــه‪.‬‬

‫بالجد ّيــة‪ ،‬يالحــق أهدافــه‬


‫ّ‬ ‫ـم بالمســائل الجديــرة‬
‫اإلنســان الواعــي يهتـ ّ‬
‫بثبــات‪ ،‬وأيضـ ًا‪ ،‬ذاكرتــه عــن ماضيــه‪ ،‬المفعمــة بالنضــال‪ ،‬ســوف تكون‬
‫مُ ســتمع ًا إليهــا مــن اآلخريــن‪ ،‬بــكل الــدفء‪.‬‬

‫مثــل هــذا الشــخص لــن يضـ ّ‬


‫ـل‪ ،‬وأيضـ ًا‪ ،‬لــن يأســف علــى حياتــه‪ ،‬علــى‬
‫امتدادها‪.‬‬

‫اإلنســان التافــه ينفــق وقتــه فــي الالجــدوى‪ ،‬ويشــرع فــي الســخف‬

‫‪51‬‬
‫والضآلــة‪ .‬عندمــا يعــود إلــى رشــده يــدرك أن أفضــل ســنوات عمــره‬
‫متأخــر ًا‪ .‬فــي أيــام‬
‫ّ‬ ‫ذهبــت‪ ،‬ســريع ًا‪ ،‬هبــا ًء منثــور ًا‪ ،‬وهنــا يكــون النــدم‬
‫يشــك‪ ،‬أبــد ًا‪ ،‬فــي أن أيــام‬
‫ّ‬ ‫شــبابه يتصــرف وكأنــه لــن يشــيخ‪ ،‬وال‬
‫البهجــة واالفتتــان‪ ،‬ســوف يأتيــه يــوم‪ ،‬ال يجــد منهــا لحظــة‪ .‬بعدهــا‪،‬‬
‫وفــي لحظــة قريبــة حاســمة‪ ،‬يخســر قوّتــه الســابقة ورشــاقته‪ ،‬ويصبــح‬
‫عديــم النفــع ّ‬
‫ألي شــيء‪.‬‬

‫التحمــس الروحــي‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ومــع آخريــن‪ ،‬يكمــن اإلغــواء عندهــم فــي‬
‫َّ‬
‫تحقــق‪ ،‬أو هــو بيــن أيديهــم‪ ،‬هــذا األمــر ي ُْســكر‬ ‫معتقديــن أن النجــاح‬
‫تلبــد الغيــوم‬
‫حواســهم‪ ،‬ويجعــل منهــم حمقــى‪ .‬بمثــل هــذه النجاحــات ِ ّ‬
‫عقولهــم‪ ،‬وتو ِّرطهــم فــي التخ ُّبــط وارتــكاب األخطــاء‪ .‬إنســان مثــل هذا‬
‫ـد إرادتــه‪ ،‬يصبــح موضوع ـ ًا‬
‫يجــذب االنتبــاه‪ ،‬حتــى ولــو كان ذلــك ضـ ّ‬
‫للقيــل والقــال‪ ،‬وهدف ـ ًا للســخرية‪.‬‬

‫النــاس العقــاء يحتفظــون بتوازنهــم‪ ،‬حتــى فــي اللحظــات الحرجــة‬


‫لــن يفقــدوا رشــدهم‪ ،‬بــل يتح ّلــون بضبــط النفــس‪ ،‬وال يكشــفون‬
‫مشــاعرهم لآلخريــن‪.‬‬

‫األحمــق مثــل فــارس‪ ،‬يعــدو ممتطيـ ًا جــواد ًا مــن دون لجــام‪ :‬يرفــع عينه‬
‫الحمــى‬
‫ّ‬ ‫إلــى الســماء كمــا لــو كان مجنون ـ ًا‪ ،‬ليخســر الســباق فــي نوبــة‬
‫مؤخــرة الجــواد‬ ‫حافــة عباءتــه ال ّ‬
‫تغطــي ِ ّ‬ ‫هــذه‪ ،‬يجمــح‪ ،‬وال يــدري أن ّ‬
‫حتــى‪ ...‬هــذا مــا الحظتــه‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫إذا أردت أن تكــون فــي عــداد األذكيــاء َ‬
‫الف ِطنيــن‪ ،‬اســأل نفســك‪،‬‬
‫ّ‬
‫األقــل‪ -‬مَــ ّر ًة فــي‬ ‫مَــ ّر ًة فــي اليــوم‪ ،‬مَــ ّر ًة فــي األســبوع‪ ،‬أو‪ -‬علــى‬
‫ـت مــا تع ّلمتــه مــن أجــل حياتــي أو‬
‫طبقـ ُ‬
‫الشــهر‪« :‬كيــف أعيــش؟ هــل ّ‬
‫ليــوم حســابي؟ هــل ســأبتلع تفــل المــرارة‪ ،‬بــكل أســف‪ ،‬فــي وقــت‬
‫الحــق؟»‪.‬‬

‫َّ‬
‫تتذكر كيف عشت‪ ،‬ولماذا!‪.‬‬ ‫أو‪ -‬ربّما‪ -‬ال تعرف‪ ،‬أو‬

‫‪53‬‬
‫‪16‬‬

‫يهتــم إن كانــت صالتــه ترضــي اللــه أم ال! إنــه يفعــل‬


‫ّ‬ ‫الكازاخــي ال‬
‫مــا يفعلــه اآلخــرون‪ :‬يقــف‪ ،‬ويركــع‪ ،‬ويســجد فــي تضـ ُّرع‪ .‬إنــه يعامــل‬
‫اللــه كمــا لــو كان التاجـ َر الــذي جــاء لتحصيــل الديــون‪« :‬هــذا ّ‬
‫كل مــا‬
‫ّ‬
‫لدي‪،‬خــذه إن شــئت‪ ،‬وإن لــم تشــأ ال تســألني عــن قطيــع المواشــي‪،‬‬
‫ومــن أيــن أتــى»‪ .‬الكازاخــي لــن يجهــد نفســه فــي عنــاء المعرفــة‪،‬‬
‫تطهيــر عقيدتــه وإيمانــه‪« :‬حســن ًا‪ ،‬هــذا كل مــا أعرفــه‪ ،‬لــم ينصحنــي‬
‫أحــد طــوال عمــري‪ ،‬لذلــك‪ ،‬يكفــي النــاس لومــ ًا لــي عــن تركــي‬
‫يهــم‪ ،‬علــى أيّــة حــال»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫للصــاة‪ .‬إن كان كالمــي أخــرق‪ ،‬فهــذا ال‬

‫أتساءل‪ :‬هل يختلف هذا اللسان عن اآلخرين؟‬

‫‪54‬‬
‫‪17‬‬

‫تجــادل‪ ،‬ذات َم ـ ّرة‪ ،‬العقــل واإلرادة والقلب‪،‬عــن أيّهــم أ كثــر ّ‬


‫أهم ّيــة‪،‬‬
‫فطلبــوا مــن المعرفــة حســم الخــاف بينهــم‪ .‬قالــت اإلرادة‪« :‬أيّتهــا‬
‫ثمــة شــيء ِ ّ‬
‫يحقــق الكمــال مــن‬ ‫المعرفــة‪ ،‬يجــب أن تعرفــي أنــه ليــس ّ‬
‫دونــي‪ .‬كــي يعــرف اإلنســان نفســه‪ ،‬عليــه أن يواظــب علــى التعليــم‪،‬‬
‫وهــذا مســتحيل مــن دونــي‪ ،‬بمســاعدتي‪ -‬فقــط‪ -‬يمكــن للمــرء أن‬
‫ـي الكبيــر دون كلــل‪ ،‬ويكســب الثــروة والمهــارة واالحتــرام‬
‫يخــدم العلـ ّ‬
‫والمهنــة الناجحــة‪:‬‬

‫ألست أنا من يحمي الناس من الهوى التافه‪ ،‬ويكبح جماحهم؟‬

‫ِّ‬
‫يحذرهم من الخطيئة ومن الحسد ومن اإلغواء؟‬ ‫ألست أنا من‬

‫غيهــم‪ ،‬فــي اللحظــة األخيــرة‪ ،‬عندمــا‬


‫يردهــم عــن ّ‬
‫ألســت أنــا مــن ّ‬
‫يكونــون علــى شــفا الهاويــة؟ كيــف لهذيــن أن يتجــادال معــي؟‬

‫‪55‬‬
‫قــال العقــل‪« :‬أنــا‪ -‬فقــط‪ -‬مــن يعــرف ُكنــه الكلمــات‪ :‬مــا يفيــد منهــا‪،‬‬
‫ومــا يؤلــم‪ ،‬ســواء فــي هــذه الحيــاة أو فــي الحيــاة األخــرى‪.‬‬

‫أنــا مــن يفهــم لســانك‪ ،‬مــن دونــي ال أحــد يقــدر علــى تج ُّنــب الش ـ ّر‪،‬‬
‫وأن يكســب المعرفــة‪ ،‬أو يفيــد نفســه‪ .‬لمــاذا يجادلنــي هــؤالء؟ مــن‬
‫دونــي ليــس لهمــا شــأن»‪.‬‬

‫ســيد بــدن اإلنســان‪ .‬أنــا مصــدر دمــه‪ ،‬والــروح‬


‫قــال القلــب‪« :‬أنــا ِ ّ‬
‫تكمــن عنــدي‪ .‬ال يمكــن تخ ُّيــل الحيــاة مــن دونــي‪ .‬أنــا مــن يحــرم‬
‫َــن يجعلهــم‬
‫األســ ّرة الوثيــرة النــوم‪ ،‬أنــا م ْ‬
‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫المضجعيــن علــى‬ ‫هــؤالء‬
‫يتق ّلبــون‪ ،‬وهــم يفكــرون بالمحروميــن مــن ســقف يحميهــم‪ ،‬وهــم‬
‫جوعــى وبــردى‪ .‬أنــا مــن يدعــو الصغيــر الحتــرام الكبيــر‪ ،‬ويتســامح مــع‬
‫مــن هــو أصغــر منــه‪ .‬لكــن النــاس ال يســعون إلبقائــي طاهــر ًا‪ ،‬لذلــك‬
‫نقيـ ًا ال ّ‬
‫أميــز بيــن النــاس‪ُ .‬أكبــر‬ ‫تراهــم يقاســون ويعانــون‪ .‬عندمــا أكــون ّ‬
‫ضــد الحقــد والعنــف‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الفضيلــة‪ ،‬وأثــور‬

‫احتــرام الــذات‪ ،‬والضميــر‪ ،‬والرحمــة‪ ،‬والعطــف‪ ،‬كل هــذا ينبــع منــي‪.‬‬


‫مــا قيمــة هذيــن مــن دونــي؟ كيــف يجــرؤا علــى مجادلتــي؟‬

‫بعد االستماع إلى ٍ ّ‬


‫كل من الثالثة‪ ،‬أجابت المعرفة‪:‬‬

‫«مــا قل ِتــه‪ ،‬أيّتهــا اإلرادة‪ ،‬صحيــح‪ ،‬ولديــك مزايــا أخــرى لــم تذكريهــا‪.‬‬
‫ال يمكــن إنجــاز شــيء دون مشــاركتك‪ ،‬مــع ذلــك‪ ،‬أنــت تخفيــن‬

‫‪56‬‬
‫وحشــي ًة تعــادل قوّتــك‪ .‬أنــت عازمــة علــى خدمــة الخيــر‪ ،‬ولكنــك‪-‬‬
‫بالعــزم نفســه‪ -‬تخدميــن الشــ ّر‪ .‬هــذا هــو خطــؤك‪.‬‬

‫ّ‬
‫حــق‪ ،‬أيّهــا العقــل‪ ،‬ال يمكــن للمــرء القيــام‬ ‫«وأنــت‪ -‬أيضــ ًا‪ -‬علــى‬
‫بشــيء مــن دونــك‪ .‬بفضلــك‪ ،‬عــرف النــاس الخالــق‪ ،‬وانخرطــوا فــي‬
‫أســرار الدنيــا واآلخــرة‪ .‬لكــن هــذه ليســت ّ‬
‫كل حــدودك‪ .‬المكــر والشــر‬
‫الجيــدون مــن النــاس وأردؤهــم‪ ،‬وجودهــم‬
‫ّ‬ ‫يأتيــان ‪-‬أيضــ ًا‪ -‬منــك‪.‬‬
‫يعتمــد عليــك‪ ،‬وأنــت تخــدم الطرفيــن‪ ،‬بالحــرص نفســه‪.‬‬

‫إذ ًا‪ ،‬خطيئتك تكمن هنا‪.‬‬

‫حبذا لو كان القلب وسيط ًا‪:‬‬


‫«مهمتي التوفيق بينكما‪ّ ،‬‬
‫ّ‬

‫أمامــك مســارات عديــدة‪ ،‬أيّهــا العقــل‪ ،‬لكــن القلــب ال يمكنــه ســلوكها‬


‫جميعـ ًا‪ .‬ســيبتهج إن باشــرت مهامــك األخالقيــة بيــن النــاس‪ ،‬وس ُي َسـ ّر‬
‫بمســاعدتك فــي عملــك‪ ،‬لكنــه لــن يتبعــك إن ِح ْكـ َ‬
‫ـت المكائــد وفعـ َ‬
‫ـل‬
‫الشــر‪ ،‬ســوف يدبــر عنــك مشــمئ ّز ًا»‪.‬‬

‫«أنــت‪ ،‬أيّتهــا اإلرادة‪ ،‬لديــك وفــرة مــن الطاقــة والشــجاعة‪ ،‬لكنــك‬


‫مق َّيــدة بالقلــب‪ .‬لــن يقــف فــي طريقــك ألعمــال النيــة الحســنة‪ ،‬لكنــه‬
‫يقيــد يــدك وقدمــك‪ ،‬إن كان هدفــك الضعــف والش ـ ّر‪.‬‬
‫ســوف ّ‬

‫«يجب التكاتف مع القلب‪ ،‬وإطاعته في ّ‬


‫كل شيء!»‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫إذا كنتمــا ‪ -‬أنتمــا االثنــان‪ -‬تعيشــان بســام‪ ،‬داخــل المــرء‪ ،‬فــإن غبــار‬
‫قدميــه ســيفتح أعيــن العميــان‪ ،‬وإن لــم تصــا إلــى اتّفــاق‪ ،‬فإننــي‬
‫أعطــي األفضليــة للقلــب؛ ألنــه هد ّيــة اإلنســانية قبــل ّ‬
‫كل شــيء‪ ،‬ومنــه‬
‫ـي القديــر‪ .‬إنــه مــد َّون هنــا فــي الكتــاب»‪ .‬هــذا مــا‬
‫يحكــم علينــا العلـ ّ‬
‫قالتــه المعرفــة‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫‪18‬‬

‫يجــب علــى المــرء أن يكــون محتشــم ًا فــي لباســه‪ ،‬وأن يكــون نظيفــ ًا‬
‫يهتمــون أ كثــر مــن غيرهــم بزيّهــم‬‫ّ‬ ‫وأنيقــ ًا‪ .‬فقــط‪ ،‬شــديدو التأنُّــق‬
‫وبمظهرهــم‪ .‬إنهــم يتباهــون بطــرق عديــدة‪ ،‬منهــم مــن يولــي اهتمامــ ًا‬
‫كبيــر ًا بوجهــه‪ ،‬يصقــل شــاربه ولحيتــه‪ ،‬يد ّلــل بدنــه‪ ،‬ويمشــي مختــا ً‬
‫ال‪،‬‬
‫ـراخ‪ ،‬ينقــر بأصابعــه‪ ،‬أو يســتعرض مالبســه واضع ـ ًا‬
‫يرفــع حاجبــه فــي تـ ٍ‬
‫يتعمــد إهمــال أناقتــه‪ ،‬ويوحي‪ -‬بشــكل‬
‫ّ‬ ‫يديــه علــى خاصرتيــه وثمــة آخــر‬
‫ليلمــح إلــى حصانــه العربــي أو إلــى‬
‫مرتجــل‪ -‬بأنــه «رجــل بســيط»‪ّ ،‬‬
‫ثمــة شــيء علــى وجــه الخصــوص !»‪.‬‬
‫ثيابــه غاليــة الثمــن‪« :‬آه‪ ،‬ليــس ّ‬
‫إنــه يلفــت النظــر إلــى حســن ســلوكه‪ ،‬مثيــر ًا الحســد بيــن أقرانــه‪ ،‬طالبـ ًا‬
‫قمــة نقائــه وترفــه‪ ،‬حتــى‬
‫ممــن أدنــى منــه‪ ،‬كمــا لــو أنــه فــي ّ‬
‫اإلجــال ّ‬
‫يقــال عنــه‪« :‬ليــس لديــه مــا يشــكو منــه‪ ،‬وهــو الــذي يملــك جــواد ًا‬
‫ـن هــذا أمــر ســخيف ومخـ ٍـز‪.‬‬
‫ومالبــس مثــل هــذه !»‪ ،‬لكـ ّ‬

‫يجــب علــى المــرء أن ال ي ّتصــف بهــذا الهــراء‪ ،‬وإال ســيجد صعوبــة فــي‬

‫‪59‬‬
‫عودتــه إلى رشــده‪.‬‬

‫فــي المفــردة «كيربــز» (شــديد التأنــق)‪ ،‬نــرى العالقــة بيــن المفردتين‪:‬‬


‫ثمــة شــيء يجــب تحذيــر‬
‫كيــر (مغــرور)‪ ،‬وكيــردن (متغطــرس)؛ هنــا‪ّ ،‬‬
‫النــاس منــه‪ ،‬إنــه المعــادل للرذيلــة‪ ،‬فــي صنوفهــا‪:‬‬

‫علــى المــرء أن يتم َّيــز بالعقــل‪ ،‬والمعرفــة‪ ،‬والعزيمــة‪ ،‬والضميــر‪،‬‬


‫والخلــق‪.‬‬

‫بمعان أخرى‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫يظن أنه يمكنه التم ُّيز‬
‫ّ‬ ‫فقط‪ ،‬األحمق هو م َْن‬

‫‪60‬‬
‫‪19‬‬

‫ٍ‬
‫خــال مــن العقــل‪ .‬باالســتماع والمشــاهدة‬ ‫ال يولــد الطفــل وهــو‬
‫الجيد‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫وبتفحــص األشــياء عــن طريــق اللمــس والتــذوق‪ ،‬يتع ّلــم مــا هــو‬
‫ُّ‬
‫الســيئ‪.‬ك ّلما شــاهد وســمع‪،‬عرف‪ .‬يمكــن للمــرء أن يتع َّلــم‬
‫ّ‬ ‫ومــا هــو‬
‫الجيــدة مــن خــال االســتماع إلــى الحكمــاء‪ .‬هبــة العقــل‬
‫ِّ‬ ‫الصفــة‬
‫ليســت كافيــة‪ .‬بالتعليــم وحــده‪ ،‬وبالحفــظ‪ -‬عــن ظهــر قلــب‪ -‬كيفيــة‬
‫تج ُّنــب الرذائــل‪ ،‬يمكــن للمــرء أن ينمــو فــي صيغــة إنســان‪.‬‬

‫بتعصــب مفــرط‪ ،‬أو‪ -‬علــى‬


‫ُّ‬ ‫لكــن‪ ،‬إن اســتمع المــرء إلــى الحكمــة‬
‫العكــس‪ -‬باهتمــام قليــل‪ ،‬دون أن يســأل عــن توضيــح‪ ،‬فــي محاولــة‬
‫للوصــول إلــى قلــب الموضــوع أو الســتخالص اســتنتاجات‪ ،‬حتــى ولــو‬
‫كان يشــعر بالحكمــة والعدالــة فــي مثــل هــذه النصائــح‪ ،‬فمــا فائــدة‬
‫هــذا االســتماع؟‬

‫مــا جــدوى الحديــث مــع شــخص ال يعــرف قيمــة الكلمــة؟ أو‪ ،‬كمــا‬
‫بشــدة كــي‬
‫ّ‬ ‫قــال أحــد الحكمــاء‪« :‬مــن األفضــل ضــرب الخنزيــر‬
‫يالحظــك»‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫‪20‬‬

‫جميعنــا يعــرف أنــه ليــس ألحــد أن يفــرض القضــاء والقــدر‪ .‬الشــعور‬


‫بالشــبع صفــة إنســانية‪ ،‬ال تأتــي باختيــار المــرء‪ ،‬وإنمــا بالقضــاء والقــدر‬
‫فقــط‪.‬‬

‫مــن َخبِ ــر الشــبع ال يقــدر التخ ّلــي عنــه‪ ،‬حتــى لــو بذلــت قصــارى‬
‫ثمــة هــذا‬
‫جهــدك‪ ،‬ســيكون مصــدر اهتمامــك ونصــب عينيــك‪ .‬ليــس ّ‬
‫القليــل أو هــذا الكثيــر ليشــبع المــرء مــن الطعــام واللهــو واألزيــاء‬
‫والوالئــم والحفــات والرغبــة فــي ابتــزاز الرجــال والنســاء‪ .‬عاجـ ً‬
‫ا أم‬
‫آجــ ً‬
‫ا‪ ،‬تكتشــف تفاهــة كل تلــك المباهــج وفســادها‪ ،‬حينهــا يصبــح‬
‫ـال‪ .‬مثــل ّ‬
‫كل شــيء آخــر فــي الدنيا‪،‬‬ ‫المــرء متحـ ِّرر ًا مــن الوهــم وغيــر مبـ ٍ‬
‫حيــاة المــرء وقــدره فــي تغ ُّيــر‪ ،‬ليــس ثمــة كائــن علــى وجــه األرض‬
‫يظـ ّ‬
‫ـل ســاكن ًا‪ ،‬لــذا‪ :‬مــن أيــن يأتــي شــعور االســتقرار؟‬

‫الشــبع هــو نــوع مــن القــدر‪ ،‬حتــى ألولئــك النــاس الباحثيــن عــن‬

‫‪62‬‬
‫الكمــال فــي الحيــاة‪ ،‬الذيــن يعرفــون قيمــة األشــياء‪ ،‬الذيــن هم شــديدو‬
‫الحساســية‪ ،‬ويدركــون تفاهــة الوجــود اإلنســاني‪.‬‬

‫من يدرك الطبيعة الزائلة لمتاع الدنيا‪ ،‬يسأم الحياة‪.‬‬

‫وخ ِل ُّي البال‪.‬‬


‫إلي‪ ،‬أعتقد أن السعيد هو الساذج َ‬
‫بالنسبة ّ‬

‫‪63‬‬
‫‪21‬‬

‫من الصعب تج ُّنب الغرور والرضا الذاتي‪ ،‬ولو بدرجة صغيرة‪.‬‬

‫لقد حددت صفتين‪ :‬الفخر‪ ،‬والتباهي‪.‬‬

‫الرجــل الفخــور لــه تقديــر عـ ٍ‬


‫ـال فــي قيمتــه‪ ،‬إنــه يبــذل قصــارى جهــده‬
‫لضمــان عــدم اعتبــاره بمثابــة الجهــول الــذي ال يمكــن االعتمــاد‬
‫والعيــاب‬
‫ّ‬ ‫عليــه فــي وعــوده‪ ،‬أو المتعجــرف الوقــح والــكاذب الحاقــد‬
‫والمحتــال‪ .‬وهــو علــى َب ِ ّينــة مــن انحطــاط هــذه الرذائــل‪ ،‬وطموحــه أن‬
‫يكــون فــوق تلــك المشــائن‪.‬‬

‫هــذه الصفــات هــي التــي يتم َّيــز بهــا الرجــل ذو الضميــر الصافــي‪.‬‬
‫صائــب الفكــر‪ ،‬ســامي المبــادئ‪ .‬إنــه يبغــض ســماع النــاس تتغ ّنــى‬
‫بإطرائــه‪ ،‬بيــد أنــه ال يســمح ألحــد بــأن ِ ّ‬
‫يلطــخ ســمعته‪.‬‬

‫ِّ‬
‫المتبجــح يبــذل قصــارى جهــده فــي الحديــث عــن‬ ‫مــن جهــة أخــرى‪،‬‬

‫‪64‬‬
‫كل شــيء‪ ،‬ومتــى مــا ســنحت الفرصــة‪ ،‬ليوحــي للجميــع أنــه بطــل‪،‬‬
‫وغنــي‪ ،‬ومــن ســالة نبيلــة! لكــن‪ ،‬يفوتــه االنتبــاه إلــى أن النــاس تقــول‬
‫عنــه أشــياء أخــرى‪ ،‬ال يرغــب فــي ســماعها‪ .‬لكــن‪ ،‬للحقيقــة‪ ،‬رداءة‬
‫ِّ‬
‫للمتبجــح‪:‬‬ ‫الســمعة ال تضايقــه‪ .‬ثمــة ثالثــة أنمــاط‬

‫األول هــو الت ـوّاق للشــهرة‪ ،‬فــي الخــارج‪ ،‬بيــن الغربــاء‪ .‬وهــذا إنســان‬
‫جهــول‪ ،‬لكنــه يحتفــظ بفضيلــة إنســانية‪.‬‬

‫الثانــي‪ ،‬هــو الــذي يريــد الشــهرة داخــل قبيلتــه‪ .‬وهــذا النــوع جهــول‬
‫تمام ـ ًا‪ ،‬وتنــدر فيــه اإلنســانية‪.‬‬

‫الثالــث‪ ،‬هــو الــذي يســعى للفــت األنظــار فــي أســرته أو فــي مســقط‬
‫رأســه‪ ،‬ألنــه ليــس ثمــة دخيــل يأبــه بتفاخــره‪ .‬هــذا النــوع هــو األ كثــر‬
‫جه ـ ً‬
‫ا‪ ،‬وال يحمــل صفــات اإلنســان‪.‬‬

‫الــذي يناضــل مــن أجــل الثنــاء مــن ِق َبــل الغربــاء يســعى إلى تمييز نفســه‬
‫بيــن أبنــاء قبيلتــه‪ .‬والــذي يرغــب فــي اإلشــادة بــه مــن قبيلتــه يســعى‬
‫لالستحســان مــن أقاربــه وأعزائــه‪ .‬والــذي يحصــل علــى الثنــاء مــن‬
‫عائلتــه هــو علــى يقيــن بــأن هــذا اإلطــراء ســيحلق بــه فــي الســماوات‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫‪22‬‬

‫أحب‪ ،‬أو أحترم‪ ،‬من كازاخ اليوم؟‬


‫ّ‬ ‫أتساءل‪ :‬من يمكنني أن‬

‫«البــي»‪ ،‬لكــن‪ ،‬ليــس ثمــة «بيــات» حقيقيــون‪ ،‬هــذه‬


‫ّ‬ ‫أود احتــرام‬
‫ّ‬
‫األيــام‪ ،‬حتــى لــو ُو ِجــد أحــد‪ ،‬فهــو ليــس سـ ِ ّـيد نفســه أو ثروتــه‪ .‬إنــه‬
‫فــي عــداوة مريــرة مــع أحــد مــا‪ ،‬وكتدبيــر وقائــي‪ ،‬ســيعهد بقطيــع‬
‫ماشــيته إلــى اآلخريــن‪ ،‬لينتهــي بــه المطــاف مدين ـ ًا بالفضــل للمئــات‬
‫مــن النــاس‪ .‬يعتقــد‪ -‬لبالهتــه‪ -‬أنــه أظهــر ســماحة النفــس باســتجابته‬
‫لطلبــات الوضيعيــن مــن حولــه‪ ،‬لكنــه فــي الواقــع‪ ،‬أصبــح خاضعـ ًا لهــم‪.‬‬

‫هــل ننعتــه بالشــهم‪ ،‬أم بالرحيــم؟ فــي مســقط رأســه‪ ،‬هــو فــي جــدال‬
‫يبــدد ثروتــه‪ ،‬ويتم ّلــق المِ ّنــة مــن أتفــه الرجــال‪.‬‬
‫مســتم ّر مــع ناســه‪ّ ِ ،‬‬
‫عندمــا يكــون البيــات فــي حالــة خصــام‪ ،‬يظهــر األوغــاد مــن ِ ّ‬
‫كل نــوع‬
‫ليرعبوهــم‪ ،‬ويعيشــوا علــى نفقتهــم‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫أود احتــرام الميــرزا(‪ ،)1‬لكــن‪ ،‬لــن تجــد شــهم ًا واحــد ًا بمعنــى الكلمــة‪،‬‬
‫ّ‬
‫منهــم‪ ،‬هــذه األيــام‪ ،‬كمــا أولئــك الذيــن ِ ّ‬
‫يبــددون ثروتهــم الحيوانيــة‬
‫يمن ـ ًة ويســرة‪ ،‬كمــا أنهــم هــؤالء كالــكالب التائهــة‪ .‬بعضهــم يحتفــظ‬
‫بقطعانــه‪ ،‬فــي محاولــة لكســب ميــزة مــا‪ ،‬فــي حيــن يتماهــى معــه آخــر‪،‬‬
‫علــى مضــض‪ ،‬وغالبـ ًا يفعلــون ذلــك لكســب الســمعة؛ إنهــم يركضــون‬
‫فــي كل اتّجــاه كمــن ن َثــر ملحـ ًا علــى ظهورهــم‪ ،‬ومــع ذلــك يصبحــون‪،‬‬
‫فــي أحيــان كثيــرة‪ ،‬فريســة لألشــرار‪.‬‬

‫أود احتــرام القاضــي المح ّلــي‪ ،‬والمتصـ ِّرف‪ ،‬لكــن‪ ،‬فــي ســهبنا‪ ،‬ليــس‬
‫ّ‬
‫ثمــة عدالــة دينيــة أو إنســانية‪ .‬الســلطة تُشــترى بالخنــوع أو بالمــال‬
‫الــذي ال يك ِّلــف كثيــر ًا‪ .‬مــن الممكــن أن أحتــرم الرجــل الحصيــف‬
‫الثابــث‪ ،‬لكــن‪ ،‬أرى أن جميعنــا لهــم القــدرة علــى عمــل الشــر‪ ،‬فــي‬
‫حيــن ليــس ثمــة مــن هــو علــى اســتعداد لعمــل الخيــر‪.‬‬

‫أتم ّنــى أن أجــد رجـ ً‬


‫ا حكيمـ ًا فطنـ ًا كــي أحترمــه‪ .‬ليــس ثمــة مــن هــو‬
‫علــى اســتعداد ليســتخدم فطنتــه لخدمــة روح الضميــر أو العدالــة‪ ،‬فــي‬
‫حيــن يتهافــت الجميــع مــن أجــل الخــداع والغــدر‪.‬‬

‫ربمــا أحتــرم متســ ِّو ً‬


‫ال واهنــ ًا‪ ،‬لكنــه ليــس خاليــ ًا مــن خطيئــة‪ .‬ليــس‬
‫مهمـ ًا أنــه ال يقــدر علــى تسـ ُّلق جمــل رابــض‪ ،‬ولــو ّ‬
‫توفــرت لــه القــدرة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫فســوف يجــد البراعــة فــي ســرقة بعــض األشــياء‪.‬‬

‫‪ ---1‬ميرزا‪ :‬نبيل‪ ،‬منوط بالسلطة أو القوة‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫ّ‬
‫يتوقــف هــؤالء‬ ‫تبقــى إذ ًا؟ الماكــرون والجشــعون؟ لــن‬
‫مــن الــذي ّ‬
‫حتــى يد ِ ّمــروا اآلخــر تدميــر ًا كامــ ً‬
‫ا‪.‬‬

‫نحــب‪ ،‬وندعــو لــه؟ أهــم القضــاة الدنيئــون‪ ،‬والمتص ِّرفــون‬


‫ّ‬ ‫إذ ًا‪ ،‬مــن‬
‫الذيــن ال يمكــن تبجيلهــم؟‬

‫«البــي» بفضيلــة حلمــه‪ ،‬يعيشــون‬


‫ّ‬ ‫إنهــم مــا يزالــون علــى وفــاق مــع‬
‫بالقــول‪« :‬إذا أردت النجــاح تج َّنــب النزاعــات»‪ .‬هــؤالء يتع ّرضــون‬
‫لالســتياء مــن الجميــع‪ .‬ضــع فــي حســابك‪ -‬أيضــ ًا‪ -‬أن بإمكانهــم‬
‫تبديــد نصــف ثروتهــم وجهودهــم‪ ،‬فــي مــا ال يفيــد‪ ،‬لحمايــة اللصــوص‬
‫والهمــج‪.‬‬

‫ليس ثمة ما يمكن فعله‪ :‬على من يجب أن نشفق؟ ولمن ندعو؟‬

‫كما هو الحال‪ :‬لم أجد أحد ًا‪ ،‬كذلك!‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫‪23‬‬

‫يخيمان على الكازاخ‪.‬‬


‫ثمة بهجة وعزاء‪ ،‬بمثابة اللعنة‪ّ ،‬‬

‫ال‪ ،‬أو يــرى عمــ ً‬


‫ا‬ ‫الواحــد منهــم يبتهــج عندمــا يقابــل رجــ ً‬
‫ا معلــو ً‬
‫ا فاضـ ً‬
‫ا‪،‬‬ ‫ـاد ًا نفســه رجـ ً‬
‫شــائن ًا‪ ،‬يقــول‪« :‬اللهــم‪ ،‬احمنــا مــن هــذا» عـ ّ‬
‫مقارن ـ ًة بالحالــة التــي واجههــا آخــرون أنقيــاء كمــا ال ُّرضــع‪ .‬أم‪ :‬هــل‬
‫ال لــو ُوجــد مــن هــو أكثــر منــه جهــ ً‬
‫ا أو‬ ‫ُو ِعــد مــن لــم يكــن معلــو ً‬
‫فســاد ًا؟ لكــن‪ ،‬هــل ســتكون أحســن إذا قورنــت بالنــذل؟ الخيــر يُع ّلمــه‬
‫الخ ِ ّيــرون‪ .‬فــي األصــل‪ ،‬يجــب عليــك أن تــدرك‪ ،‬وتســأل نفســك‪ :‬كــم‬
‫جــواد ًا ســريع ًا‪ ،‬هنــاك‪ ،‬فــي الــوراء؟ بــل كــم عددهــم فــي األمــام؟‬

‫إن كان هنــاك خمســة أو عشــرة مــن الجيــاد العربيــة وراء الخاســر‪ ،‬هــل‬
‫ذلــك ســيجعله أ كثــر ســعادة؟‪.‬‬

‫ـم يجــد الــكازاخ العــزاء؟ أحدهــم يقــول‪« :‬لســنا وحدنــا مــن‬


‫اآلن‪ ،‬بِ ـ َ‬
‫تحبــذ ذلــك‪ .‬األفضــل أ ّلا تغـ ِّرد خــارج الســرب‪.‬‬
‫ـود ذلــك‪ ،‬كل النــاس ِ ّ‬
‫يـ ّ‬

‫‪69‬‬
‫الوليمــة الجماعيــة هــي أفضــل وليمــة»‪ .‬لكــن‪ ،‬هــل اللــه دعــاه كــي‬
‫يقيــد الحشــود؟‬
‫العلــي القديــر ال ِ ّ‬
‫ّ‬ ‫يكــون وســط الجمــوع؟ هــل‬
‫هــل يحــرز الجميــع المعرفــة العاليــة؟ أم هــي مقصــورة علــى أنــاس‬
‫مختاريــن؟ هــل كل النــاس متعادلــون فــي هبــة العبقريــة؟ أم واحــد‪،‬‬
‫فقــط‪ ،‬مــن ألــف؟ مــن قــال أن ليــس فــي اســتطاعة الجميــع أن يكونــوا‬
‫متواضعيــن؟ إذا أصيــب النــاس بــداء‪ ،‬أليــس مــن األفضــل أن يبقــى‬
‫نصفهــم بحالــة ج ّيــدة؟ أال نحتــاج إلــى شــخص يتم ّيــز بمعرفــة واســعة‬
‫علــى امتــداد األرض‪ ،‬فــي حيــن يفتقــر إليهــا اآلالف‪ ،‬ويتخبطــون فــي‬
‫الرحالــة جوعــ ًا‪ ،‬مــ ّرة‬
‫ّ‬ ‫الضاللــة؟ أيّهمــا أفضــل‪ :‬أن تمــوت كل جيــاد‬
‫واحــدة‪ ،‬أم أن يمــوت نصفهــا؟ أيّهمــا أفضــل أن يعانــي النــاس مــن‬
‫نفــوق الماشــية نتيجــة المجاعــة التــي تحـ ّ‬
‫ـل بهــا‪ ،‬أم أن ينجــو نصفهــا؟‬
‫ـي يحيــط بــه اآلالف مــن ال ُب َلهــاء؟ طالــب يــد العــروس‬
‫مــا الســلوى لغبـ ّ‬
‫ُّ‬
‫التنفــس‪.‬‬ ‫ينــال مــراده إن أعلمهــا بــأن جـ ّ‬
‫ـل عائلتــه يعانــون مــن ســوء‬
‫ســتكون خطيبتــه لــه عونـ ًا عندمــا تعــرف أنــه ليــس وحــده مــن يعانــي‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫‪24‬‬

‫عدد ّ‬
‫سكان العالم أ كثر من َ‬
‫ألف ْي مليون‪ ،‬اآلن‪.1‬‬

‫ِّ‬
‫نشكل‪ ،‬نحن‪ -‬الكازاخ‪ -‬أ كثر من مليونين منهم‪.‬‬

‫الــكازاخ ليســوا كغيرهــم مــن البشــر‪ ،‬الذيــن يرغبــون فــي الرخــاء‪،‬‬


‫ويبحثــون عــن المعرفــة فــي إعجابهــم بالفــن‪ ،‬فــي إظهارهــم للصداقــة‬
‫والمقــدرة‪ ،‬فــي التباهــي أو فــي العــداوة‪.‬‬

‫ويتجســس بعضنــا علــى‬


‫َّ‬ ‫يقاتــل بعضنــا اآلخــر‪ ،‬يد ِ ّمــر بعضنــا بعض ـ ًا‪،‬‬
‫بعــض‪ ،‬قبــل أن يجــد الجــار الوقــت لالنتبــاه‪.‬‬

‫ثمــة مــدن فــي العالــم‪ ،‬يفــوق عــدد سـ ّ‬


‫ـكانها ثالثــة مالييــن‪ .‬ثمــة مــن‬ ‫ّ‬
‫ســافر حــول العالــم ثــاث مــرات‪.‬‬

‫هــل يجــب أن نســتم ّر فــي حيــاة كهــذه‪ :‬يتر ّبــص أحدنــا باألخــر؟ هــل‬

‫‪ ---1‬الزمن‪ ،‬هنا هو القرن التاسع عشر‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫ســنبقى أ كثــر النــاس بخـ ً‬
‫ا علــى وجه األرض؟ أم ســنرى أيام ًا ســعيدة‪،‬‬
‫ونتوجــه‬
‫ّ‬ ‫عندمــا تنســى النــاس الســرقة والخــداع واالغتيــاب والعــداوة‪،‬‬
‫بأدمغتنــا صــوب المعرفــة والعمــل‪ ،‬عندمــا نتعلــم كيــف نكســب الثــروة‬
‫بالطــرق الصحيحــة؟ أشـ ّ‬
‫ـك فــي مجــيء مثــل تلــك األيــام‪ .‬فــي هــذه‬
‫األيــام يتــوق مئتــان مــن النــاس إلــى مئــة مــن رؤوس الماشــية‪ ،‬كانــوا‬
‫يدمــر بعضهــم بعضـ ًا‪ ،‬فــي هــذا التدافــع للكســب‪.‬‬
‫فــي ســام‪ ،‬قبــل أن ِ ّ‬

‫‪72‬‬
‫‪25‬‬

‫تحصــل أطفــال الــكازاخ علــى التعليــم‪ .‬فليشــرعوا‬


‫ّ‬ ‫ســيكون مفيــد ًا إن‬
‫فــي ذلــك‪ .‬ســيكون كافيــ ًا إن تع ّلمــوا الحــروف التركيــة‪ ،‬طالمــا أننــا‬
‫فــي بلــد غيــر متد ِّيــن‪ .‬قبــل أن نرســل أبناءنــا إلــى المدرســة يجــب‬
‫أن نكســب الثــروة‪ ،‬إلــى جانــب أنــه يجــب عليهــم تع ُّلــم الفارســية‪،‬‬
‫والعربيــة‪ .‬لكــن‪ ،‬هــل باســتطاعة هــؤالء الجوعــى أن يحتفظــوا بعقــل‬
‫ويهتمــوا باالحتــرام‪ ،‬ويظهــروا االجتهــاد فــي التعليــم؟ العــوز‬
‫ّ‬ ‫صـ ٍ‬
‫ـاف‪،‬‬
‫والشــجار بيــن القبائــل والعائــات ينتــج نهــج اللصوصيــة‪ ،‬والعنــف‪،‬‬
‫والجشــع‪ .‬إن كان لديــك قطيــع مــن الماشــية فأنــت ممتلــئ البطــن‪.‬‬
‫التــوق إلــى المعرفــة وإتقــان حرفــة تأتــي الحق ـ ًا؛ عندهــا يبــدأ النــاس‬
‫فــي التفكيــر فــي تعليــم أبنائهــم شــيئ ًا مــا‪.‬‬

‫علــى المــرء أن يتع ّلــم الروســية‪ :‬قــراء ًة وكتابــ ًة‪ .‬اللغــة الروســية هــي‬
‫المفتــاح للغنــى الروحــي والمعرفــة‪ ،‬للفنــون‪ ،‬وكنــوز أخــرى‪ .‬إذا تفادينا‬
‫العيــوب عندهــم‪ ،‬والتفتنــا لتب ّنــي إنجازاتهــم‪ ،‬يجــب أن نتع َّلــم لغتهــم‪،‬‬

‫‪73‬‬
‫ونــدرس ثقافتهــم وعلومهــم‪ .‬أصبــح الــروس‪ ،‬بتع ّلــم لغــات أجنبيــة‬
‫واســتيعاب ثقافــة العالــم‪ ،‬علــى ماهــم عليــه‪ .‬الــروس فتحــوا عيوننــا‬
‫علــى العالــم‪ .‬بدراســة لغــات األمــم األخــرى وثقافاتهــا‪ ،‬يصبــح المــرء‬
‫متســاوي ًا مــع اآلخريــن‪ ،‬وال ينزلــق إلــى طلبــات وضيعــة‪.‬‬

‫يعــش حيــاة التز ُّلــف والتذ ُّلــل مــن‬


‫ْ‬ ‫التنويــر مفيــد للديــن أيضــ ًا‪ .‬مــن‬
‫الســهل عليــه بيــع أ ّمــه وأبيــه‪ .‬ســيبيع أســرته‪ ،‬يبيــع إيمانــه وضميــره قصد‬
‫التنــازل أمــام مــن هــو أرفــع مقامـ ًا منــه‪ .‬البعــض يذعــن‪ ،‬وينحنــي غيــر‬
‫آبــه بالعــار الــذي يخ ِّلفــه وراءه‪ .‬كل ذلــك مــن أجــل الظفــر بابتســامة‬
‫ّ‬
‫الموظفيــن‪.‬‬ ‫إطــراء مــن بعــض‬

‫تع ُّلــم الثقافــة واللغــة الروســي َت ْين هــو المفتــاح لــإرث العالمــي؛ مــن‬
‫يمتلــك هــذا المفتــاح سيكســب حيــاة مديــدة‪ ،‬دون بــذل جهــد كبيــر‪.‬‬

‫بعــض الــكازاخ الذيــن يع ِّلمــون أطفالهــم فــي مــدارس روســية‪ ،‬يفعلــون‬


‫ذلــك للتباهــي أمــام أقاربهــم‪ ،‬عنــد االختــاف‪ ،‬بــأن أبناءهــم يعرفــون‬
‫القــراءة والكتابــة‪ .‬يجــب أ ّلا يكــون هــذا هــو دافعــك للتباهــي‪ .‬يجــب‬
‫ود ِع اآلخريــن‬
‫تعليــم طفلــك كــي يكســب رزقــه بعمــل ذي منفعــة‪َ ،‬‬
‫ُّ‬
‫تحكــم طــرق النبــاء‬ ‫يحــذون حــذوك‪ ،‬بعدهــا‪ ،‬لــن نبقــى تحــت‬
‫الــروس؛ ألنــه ليــس لديهــم قانــون ي َُط َّبــق فــي تســاوي الجميــع‪ .‬يجــب‬
‫أن نع ّلــم أنفســنا مــا تع َّل َمــه اآلخــرون فــي التســاوي‪ ،‬ولنكــن الواقــي‬
‫ثمــة حالــة فرديــة ظاهــرة بيــن‬
‫لشــعبنا‪ ،‬والدعامــة لــه‪ .‬حتــى اآلن‪ ،‬ليــس ّ‬

‫‪74‬‬
‫اليافعيــن لمــن قــد تلقــى تعليم ـ ًا روسـ ّـي ًا؛ ذلــك ألن آباءهــم وأقاربهــم‬
‫يفســدونهم‪ ،‬ويقودونهــم إلــى الضــال‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬يظ ّلــون أفضــل‬
‫يتلقــوا تعليم ـ ًا علــى اإلطــاق‪.‬‬ ‫حــا ً‬
‫ال ممــن لــم ّ‬

‫وإنــه لمــن المؤســف أن ّ‬


‫كل مــا تع ّلمــوه ال يعــدو أبعــد مــن ترجمــة‬
‫كلمــات اآلخريــن‪.‬‬

‫األثريــاء‪ ،‬نــادر ًا مــا يرســلون أطفالهــم إلــى للمدرســة‪ّ ِ :‬‬


‫يفضلــون بــدل‬
‫األشــد فقــر ًا‪ ،‬ل ُيعا َقبــوا وي َُذ ّلــوا علــى أيــدي‬
‫ّ‬ ‫ذلــك إرســال األطفــال‬
‫المع ِّلميــن الــروس‪ .‬لكــن‪ ،‬مــا الــذي يتع ّلمــه هــؤالء التعســاء‪ ،‬هنــاك؟‬

‫عنــد الشــجار بيــن األقــارب‪ ،‬يصــرخ أحدهــم‪ ،‬أ كثــر مــن معاناته بســبب‬
‫تحقيــرك لــه‪ :‬سأرســل ولــدي إلــى التجنيــد‪ ،‬ول َي ُطـ ْ‬
‫ـل شــعري ولحيتــي!‬
‫مثــل هــؤالء النــاس ال يخافــون العقــاب اإللهي أو اإلحســاس بالخجل‪.‬‬
‫انكــب‬
‫َّ‬ ‫مــاذا تكــون نتيجــة اإلنجــاز لمثــل هــذا الشــخص‪ ،‬حتــى إن‬
‫ممــا‬
‫علــى الدراســة؟ هــل ســيجني منفعــة كبيــرة؟ هــل ســيذهب أبعــد ّ‬
‫ذهــب إليــه اآلخــرون؟ لــن يعطــي مقــدار ذرّة مــن االهتمــام للتعليــم‪،‬‬
‫إنــه يذهــب إلــى المدرســة‪ ،‬حيــث يجلــس لبرهــة‪ ،‬ثــم يغــادر‪ .‬ليــس‬
‫ثمــة عالمــة لهفــة أو اجتهــاد! والــده يوافــق‪ ،‬بصعوبــة‪ ،‬علــى تعليمــه‪،‬‬
‫ّ‬
‫وإن لــم يجــد أحــد ًا يدفــع المصاريــف‪ .‬مثــل هــذا األب يجتــزئ مــن‬
‫ثروتــه لتعليــم ابنــه‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫لــك هــذه النصيحــة‪ :‬لســت مضطـ ّر ًا أن تجــد زوجــة البنــك‪ ،‬أو تجعــل‬
‫غنيـ ًا‪ ،‬بــل امنحــه تعليمـ ًا روســي ًا دون تقصيــر‪ ،‬حتــى لــو دفعــت ّ‬
‫كل‬ ‫منــه ّ‬
‫ـتحق ّ‬
‫كل التضحيــة‪.‬‬ ‫مــا جنيتــه؛ ألن هــذا يسـ ّ‬

‫إن كنــت تجـ ّ‬


‫ـل اللــه‪ ،‬ولديــك الحيــاء‪ ،‬إن أردت أن يكــون ابنــك رجـ ً‬
‫ا‬
‫ـن عليــه بالنفقــة‪.‬‬
‫بمعنــى الكلمــة‪ ،‬أرســله إلــى المدرســة‪ ،‬ال تضـ ّ‬

‫أمــا إن بقــى أم ّّيــ ًا ونــذ ً‬


‫ال‪ ،‬فمــن سيســتفيد؟ هــل ســيكون عــزاءك‬
‫وســلواك؟ هــل ســيكون هــو نفســه ســعيد ًا؟ هــل ســيكون قــادر ًا علــى‬
‫تقديــم أيّــة منفعــة إلــى شــعبه؟‬

‫‪76‬‬
‫‪26‬‬

‫يبتهــج الكازاخــي إذا فــاز جــواده بالســباق‪ ،‬إذا كســب المصــارع‬


‫الــذي راهــن عليــه‪ ،‬أو إذا أبلــى كلــب صيــده أو صقــره بــا ًء حســن ًا فــي‬
‫ثمــة مــا يسـ ّره فــي الحيــاة خــاف ذلــك؟ أشـ ّ‬
‫ـك‪.‬‬ ‫الصيــد‪ .‬أتســاءل‪ :‬هــل ّ‬

‫لكــن‪ ،‬مــا البهجــة العظيمــة فــي مشــاهدة مخلــوق يتف ـوّق علــى غيــره‬
‫فــي الســرعة والرشــاقة‪ ،‬أو أن يطــرح مصارعــ ًا غيــره علــى األرض؟‬
‫ليــس المــرء نفســه أو ابنــه هــو مَــن نجــح‪ ،‬حتــى يدخــل فــي طــرب‬
‫النشــوة‪ .‬لســبب هــو األتفــه‪ ،‬يريــد أن يزعــج جــاره‪ ،‬ويجعــل منــه‬
‫حســود ًا‪ .‬حق ـ ًا‪ ،‬ليــس ّ‬
‫ثمــة مــن عــد ّو أســوأ للكازاخــي مــن كازاخــي‬
‫ضــد نواميــس الشــريعة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مثلــه‪ .‬مــن الشــائع أن الغيــظ والحســد همــا‬
‫أ ّيــة راحــة يجنيهــا الكازاخــي فــي إثــارة حقــد النــاس عليــه؟ لمــاذا هــو‬
‫مســتمتع بذلــك؟ لمــاذا يغتــاظ النــاس مــن النجــاح أ كثــر مــن الحـ ّ‬
‫ـظ؟‬
‫يعــدون أنفســهم مذلوليــن؟‬
‫ّ‬ ‫هــل‬

‫‪77‬‬
‫الجيــد أو كلــب الصيد‬
‫ّ‬ ‫َفـ َرس الرهــان موجــودة اآلن فــي القريــة‪ ،‬الصقــر‬
‫فــي يــد رجــل واحــد اآلن‪ ،‬فــي حيــن يكــون آخــر فــي يــد أخــرى‪.‬‬
‫وأقــوى الرجــال ال ينحــدرون جميعهــم مــن القريــة نفســها أيض ـ ًا‪ .‬كل‬
‫هــذه النوعيــات ليســت مــن صنــع اليديــن‪ .‬هــؤالء الذيــن أحــرزوا‪ ،‬مـ ّرةً‪،‬‬
‫قصــب الســبق‪ ،‬وابتهجــوا بالنصــر‪ ،‬لــن يكونــوا‪ ،‬دائمـ ًا‪ ،‬هــم األســرع أو‬
‫األقــوى‪ .‬لمــاذا إذ ًا؟ هــل هــؤالء يغتاظــون‪ ،‬كمــا لــو أن مكيــدة ســوداء‬
‫ا وضيعـ ًا صنعــوه‪ ،‬قــد ُك ِشــفا؟ لمــاذا يعانــون كمــا لــو أنهــم َتـ ّ‬
‫ـم‬ ‫أو عمـ ً‬
‫الحــط منهــم ومــن مراكزهــم؟ ليــس صعبــ ًا كشــف الســبب‪َ :‬‬
‫الج َهلــة‬ ‫ّ‬
‫شــدة‬
‫ّ‬ ‫يبتهجــون أليّــة مبذلــة‪ّ ،‬‬
‫ألي شــيء تافــه‪ .‬عقولهــم تثمــل مــن‬
‫الســرور‪ ،‬هــم ليســوا كمــا يقولــون أو يفعلــون‪ .‬يشــعرون بالخجــل ممــن‬
‫ليــس أقـ ّ‬
‫ـل منهــم خجـ ً‬
‫ا‪ ،‬لكنهــم يســلكون أ كثــر المســالك خزيـ ًا‪ ،‬دون‬
‫خجــل؛ هــذه عالمــة الجهــول والمتهــ ِّور‪ .‬إن قلــت هــذا للكازاخــي‪،‬‬
‫سيســتمع وســيوافقك‪« :‬نعــم‪ ،‬هــذه حقيقــة»‪ .‬لكــن‪ ،‬ال تأخــد بكلماته‪،‬‬
‫ويتفهــم كل ذلــك‪ ،‬هــو كالمخلــوق العنيــد‬
‫ّ‬ ‫هــو مثــل األغلبيــة‪ :‬إنــه يــرى‬
‫الــذي لــن يتراجــع عــن ســلوكه الشــرير‪ ،‬ولــن يقــدر أحــد علــى أن يثنيــه‬
‫أو يكبــح جماحــه‪ ،‬أو يرجعــه إلــى رشــده‪ .‬عمــل اإلثــم ديدنــه‪ ،‬لــن‬
‫يتخ ّلــى عــن ذلــك‪ .‬فقــط‪ ،‬خــوف كبيــر‪ ،‬أو المــوت‪ ،‬همــا مــا يقطــع‬
‫عنــه ســوء الســلوك‪.‬‬

‫حسن ًا‪ ،‬لن تجد شخص ًا يص ِّرح بخطئه‪ ،‬حاول أن تضبطه‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫‪27‬‬

‫كلي القــدرة‪ ،‬فــي محاورة‬


‫هاهــي كلمــات ســقراط العظيــم عــن الخالــق ّ‬
‫مــع تلميذه أرســطو‪:‬‬

‫ســقراط‪« :‬حســن ًا‪ ،‬أرســطو‪ ،‬هــل تعتقــد أن ثمــة أناســ ًا فــي الدنيــا‪،‬‬
‫وجودهــم جديــر باإلعجــاب؟»‪.‬‬

‫أرسطو‪« :‬يوجد العديد منهم‪ ،‬أيّها األستاذ»‪.‬‬

‫ســقراط‪« :‬أنــا معجــب بهوميــروس وبأشــعاره الملحميــة‪ ،‬ومآســي‬


‫تقمــص أدوار أخــرى‪ ،‬وأعجــب‬
‫ســوفوكليس‪ ،‬قــدرة بعــض البشــر علــى ُّ‬
‫بصــورة زيــوس‪».‬‬

‫(يورد‪ ،‬هنا‪ ،‬أرسطو بعض األسماء الكبيرة)‪.‬‬

‫ســقراط‪« :‬مــن‪ -‬برأيــك‪ -‬األكثــر إثــارة لإلعجــاب‪ :‬شــخص تعــوزه‬


‫العلــي القديــر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الحيويــة‪ ،‬فــي صــورة إنســان‪ ،‬أم المخلــوق بقــدرة‬

‫‪79‬‬
‫الموهــوب بالعقــل والــروح؟»‬

‫أرســطو‪« :‬الثانــي بــكل تأ كيــد‪ ،‬لكــن‪ ،‬أن يكــون خلقــه نتيجــة لســبب‪،‬‬
‫وليــس بالصدفــة»‪.‬‬

‫جليــة‬
‫ســقراط‪« :‬الدنيــا فيهــا أشــياء كثيــرة مفيــدة‪ .‬غايــة بعضهــا ّ‬
‫واضحــة‪ ،‬فــي حيــن ال تكشــف بعضهــا اآلخــر بالحــدس‪ ،‬فــي شــكلها‬
‫الخارجــي‪ .‬مــا رأيــك فــي مــا تكــون نتيجــة ســبب‪ ،‬ومــا هــي حاصلــة‬
‫بالصدفــة؟»‪.‬‬

‫الجلية هي نتيجة سبب»‪ ،‬أجاب أرسطو‪.‬‬


‫ّ‬ ‫«بالتأ كيد‪ ،‬األشياء‬

‫العلــي القديــر خمــس حــواس‬


‫ّ‬ ‫«جيــد‪ ،‬اإلنســان فــي خلقــه‪ ،‬و ََهبــه‬
‫ضروريــة‪ :‬وهبــه عينيــن ليــرى البهجــة والجمــال مــن حولــه‪ ،‬وجعــل‬
‫لهمــا جفنيــن ليغمضهمــا ويفتحهمــا‪ ،‬وأهدابــ ًا لحمايــة العيــن مــن‬
‫الغبــار‪ ،‬وحاجبيــن لتفــادي العــرق النــازل مــن الجبهــة‪.‬‬

‫مــن دون أذنيــن ال نســتطيع ســماع الصــوت األجــش أو العــذب‪ ،‬ولــن‬


‫نســتمتع بالغنــاء والموســيقى‪ .‬بــدون أنــف ال نقــدر علــى االنتبــاه‬
‫لألريــج الشـ ّ‬
‫ـذي‪ ،‬أو تج ّنــب الروائــح الكريهــة‪ ،‬بــدون لســان وتجويــف‬
‫الحلــق العلــوي‪ ،‬ال نقــدر علــى تــذوق الطعــم الحلــو والطعــم المــ ّر‪،‬‬
‫وتمييــز الناعــم مــن الخشــن‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫جيدة؟‬
‫أليست تلك الهبات غايات ّ‬

‫عيوننــا وأنوفنــا قريبــة مــن أفواهنــا‪ ،‬األمــر الــذي ِ ّ‬


‫يمكننــا مــن رؤيــة مــا‬
‫محببــة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫نــأ كل وتذوُّقــه‪ .‬باقــي األعضــاء األساســية‪ ،‬والتــي هــي غيــر‬
‫غيــر ظاهــرة كمــا األعضــاء فــي الــرأس‪ .‬أليــس هــذا شــهادة علــى أن‬
‫اللــه خلقنــا بتدبيــر؟»‪.‬‬

‫بعــد تأمُّ ــل‪ ،‬اعتــرف أرســطو بــأن الخالــق ك ّلــي القــدرة‪ ،‬صنــع صنيعــه‬
‫ـب عظيــم‪.‬‬
‫بحـ ّ‬

‫قــال ســقراط‪« :‬إذ ًا‪ ،‬قـ ْ‬


‫ـل لــي‪ :‬لمــاذا كل مخلوق هو حنون علــى ذرّيته؟‬
‫لمــاذا يكــره المــوت‪ ،‬ويســعى للحيــاة أطـ َ‬
‫ـول زمــن ممكــن؟ لمــاذا هــو‬
‫ـم بالخلــود؟ كل المخلوقــات ُو ِجــدت للحيــاة‪ ،‬واالســتمرار فيهــا»‪.‬‬
‫مهتـ ّ‬

‫ومضــى ســقراط فــي حديثــه‪«:‬أال يشــبه بــدن اإلنســان األرض التــي‬


‫عليهــا يمشــي؟ أليســت قطــرة المــاء مــن جســدك هــي قطــرة مــن مــاء‬
‫األرض؟ مــن أيــن يأتــي إدراكك؟ مــا أصلــه؟ إنــك بفضــل هبــة الــروح‬
‫التــي أصبحــت وعــا ًء لذكائــك الســامي هــذا‪ .‬تعــي الكمــال‪ ،‬والتناغــم‬
‫الــذي بــه ُخ ِلقــت الطبيعــة‪ ،‬أنــت تــرى‪ ،‬وت َ‬
‫ُدهــش‪ ،‬لكنــك ال تفهــم مــا‬
‫تــرى!‪.‬‬

‫هــل الطبيعــة صدفــة بــا معنــى‪ ،‬أم بســبب المالــك للمطلــق؟ األحجيــة‬
‫تمتــد علــى أفــق التفكيــر اإلنســاني‪ ،‬ويمكــن فهمهــا بســبب إرادة‬
‫ّ‬

‫‪81‬‬
‫المشــيئة‪ ،‬وبق ـوّة القوانيــن الثابثــة‪ ،‬التــي تتناســق بحكمــة فــي ســبب‬
‫الخلــق»‪.‬‬

‫«صدقــت‪ ،‬أيّهــا األســتاذ»‪ ،‬أجــاب التلميذ‪«.‬مــن الواضــح أن الخالــق‬


‫ـك فــي قدرتــه الك ّل ّيــة‪ .‬مــع هــذا‪ ،‬لــن أ كـ ّ‬
‫ـف‬ ‫يملــك رؤيــة ســامية‪ ،‬ال أشـ ّ‬
‫عــن التســاؤل‪ :‬لمــاذا يريــد الخالــق صالتــي؟»‪.‬‬

‫َــن يعتنــي بــك‬


‫ســقراط‪« :‬أنــت مخطــىء يــا أرســطو‪ ،‬إن كان ثمــة م ْ‬
‫وبخيــرك ورفاهيتــك‪ ،‬فأنــت مديــن لــه بالفضــل‪ .‬مثــل هــذه الحقيقــة‬
‫البســيطة يجــب أن تكــون واضحــة لــك»‪.‬‬

‫قال أرسطو‪ :‬لكني ال أعرف إن كان يعتني بي أم ال!‬

‫ســقراط‪ « :‬إذ ًا‪ ،‬انظــر إلــى الحيوانــات وإلــى نفســك‪ .‬هــل نــدرك‪،‬‬
‫بالحــواس‪ ،‬الحقيق ـ َة‪ ،‬بالطــرق نفســها؟ اإلنســان قــادر علــى التفكيــر‬
‫فــي ماضيــه وفــي حاضــره وفــي مســتقبله‪ .‬هــذا التفكيــر مبهــم عنــد‬
‫الحيــوان‪ ،‬وال يمكنــه التفكيــر فــي مســتقبله‪.‬‬

‫قــارن الظواهــر الخارجيــة لإلنســان بالحيــوان‪ .‬اإلنســان يقــف علــى‬


‫ســاقين‪ ،‬كــي يــرى مــا حولــه‪ ،‬يســتطيع إخضــاع ّ‬
‫أي حيــوان‪ .‬الحيوانات‬
‫تعتمــد علــى أوصالهــا وأجنحتهــا‪ ،‬وال تســتطيع إخضــاع جنســها‪ .‬هــل‬
‫ـق اإلنســان عاجــز ًا‪ ،‬كمــا الحيــوان‪ ،‬كــي يكــون غيــر صالــح‬
‫ـق الخالـ ُ‬
‫خلـ َ‬
‫ســيد ًا علــى األرض‪ .‬حتــى إن‬
‫ّ‬ ‫لشــيء؟ لقــد خلــق اإلنســان ليكــون‬

‫‪82‬‬
‫كان للحيــوان بعــض صفــات اإلنســان فهــو غيــر مــزوّد بالقــدرة علــى‬
‫ـد‪ ،‬أو تع ُّلــم الخطابــة أو الفضيلــة‪ّ .‬‬
‫فكــر‪ ،‬هــل بإمــكان الثــور بنــاء‬ ‫َ‬
‫الكـ ّ‬
‫مدينــة‪ ،‬أن يصنــع األدوات‪ ،‬ويكــون حرفيـ ًا ماهــر ًا‪ .‬الواقــع أن الخالــق‬
‫ـد‪،‬‬
‫وهــب اإلنســان معرفــة عاليــة ووضعهــا فــي الجســد المناســب‪ ،‬لت َّتحـ َ‬
‫مع ـ ًا‪ ،‬الق ـوّة الروحيــة واألخــاق الحميــدة؛ وهــذا دليــل أن اللــه خلــق‬
‫محبــ ًا للعنايــة واالهتمــام والحــرص‪ ،‬كل ذلــك مــدروس؛‬
‫ّ‬ ‫اإلنســان‬
‫أليــس البشــر ملزميــن بعبــادة الخالــق؟»‬

‫بهذا‪ ،‬ختم األستاذ حديثه‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫‪28‬‬

‫المسلمون!‬

‫الغنــي وفيهــا الفقيــر‪ ،‬الصحيــح والمريــض‪ ،‬الحكيــم‬


‫ّ‬ ‫الدنيــا فيهــا‬
‫الجيــد والــرديء‪ .‬إن ســأل أحــد‪ :‬لمــاذا هــي كذلــك؟‬
‫ّ‬ ‫والغبــي‪،‬‬
‫ســتجيب‪« :‬إنهــا إرادة اللــه»‪.‬‬

‫يحــدث أحيانــ ًا‪ ،‬علــى أيــة حــال‪ ،‬أن اللــه ي ََهــب الغنــى لمــن يشــاء‪،‬‬
‫ـد‪ ،‬وبالــكاد يطعــم زوجتــه‬
‫ثمــة مــن يعبــد اللــه ويكــدح بجـ ّ‬
‫فــي حيــن ّ‬
‫ـؤذ‪ ،‬وغالب ـ ًا‪ ،‬هــو واهــن وضعيــف‪ ،‬غيــر‬
‫وأطفالــه‪ ،‬هــو مســالم وغيــر مـ ٍ‬
‫بصحــة جيــدة‪ .‬يحــدث أن يكــون‬
‫ّ‬ ‫ـص ويتم ّتــع‬
‫أن ثمــة مــن هــو وغــد ولـ ّ‬
‫ـي‪ .‬يحـ ّ‬
‫ـض الله كل إنســان علــى أن يكون‬ ‫ـي وآخــر غبـ ّ‬
‫لألبويــن ابــن ذكـ ّ‬
‫ُ‬
‫والخطاة إلى‬ ‫طاهــر ًا ومســتقيم ًا‪ .‬يرشــد الصالحيــن إلى الطريــق الســليم‪،‬‬
‫الطريــق األخــر‪ .‬يكافــئ الصالحيــن بنعيــم الجنــة‪ ،‬واآلثميــن بعــذاب‬
‫جهنــم‪ .‬أليــس ذلــك يناقــض العدالــة اإللهيــة؟ النــاس وأمالكهــم مــن‬

‫‪84‬‬
‫اللــه‪ .‬وهــو يـوّزع ملكــه كمــا يشــاء‪.‬‬

‫كيف نفهم أفعاله؟‬

‫بافتــراض أن اللــه اليخطــئ‪ ،‬وتُنســب إليــه تلــك األخطــاء‪ ،‬أيعنــي هــذا‬


‫أن نلتــزم الصمــت خوفــ ًا منــه؟ إن كانــت هــذه قضيــة‪ ،‬مــاذا كســب‬
‫اإلنســان الفانــي مــن أعمالــه وجهــوده إذا كان كل شــيء بــإرادة‬
‫الخالــق؟ إذ ًا‪ ،‬البشــر غيــر ملوميــن‪ .‬ســواء أ كانــت أعمالهــم ِ ّ‬
‫خيــرة أم‬
‫كانــت شــريرة؛ أهــم ِ ّ‬
‫ينفــذون إرادة اللــه؟‬

‫اإلنســان العاقــل يجــب أن يعــرف أنــه مــن واجــب المؤمــن أن يفعــل‬


‫الخيــر‪.‬‬

‫إن لــم تُمنــح الح ّريــة لســبب؛ إذ ًا‪ :‬مــاذا عــن الحقيقــة‪« :‬ليع ِّرفنــي مــن‬
‫ّ‬
‫يحظــر علــى‬ ‫ا»‪ .‬لــو أن فــي ديننــا خلــ ً‬
‫ا‪ ،‬لمــاذا‪ -‬إذ ًا‪-‬‬ ‫يملــك عقــ ً‬
‫اإلنســان العاقــل التفكيــر فــي ذلــك؟ اإلنســان الــذي هــو فــي أحســن‬
‫تقويــم وبــدون إيمــان‪ ،‬مــا قيمتــه؟ يجــب أن تعــرف أن اللــه أوجــد‬
‫الخيــر والشــر‪ ،‬لكــن‪ ،‬ليــس هــو مــن ّ‬
‫ينفذهمــا‪ .‬واللــه هــو الــذي أوجــد‬
‫الغنــى والفقــر‪ ،‬لكــن ليــس هــو مــن يجعــل البشــر أغنيــاء أو فقــراء‪ ،‬اللــه‬
‫هــو مــن أوجــد األمــراض‪ ،‬لكــن ليــس هــو مــن يجعــل البشــر تعانــي‬
‫منهــا‪ ،‬وإال فســيغدو ّ‬
‫كل شــيء غبــار ًا وهبــاءً‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫‪29‬‬

‫بعــض أقــوال الــكازاخ تسـ ّ‬


‫ـتحق االهتمــام‪ ،‬وبعضهــا اآلخــر ال يؤبــه بــه‪،‬‬
‫ألنهــا ال تحمــل أ ّيــة إشــارة إلهيــة أو إنســانية‪.‬‬

‫يقــول الــكازاخ‪« :‬إذا كنــت تعيــش فــي عــوز‪ ،‬اطــرح مــن حســابك‬
‫الخجــل»‪ .‬ملعونــة تلــك الحيــاة التــي ال تعــرف الخجــل!‬

‫لكــن‪ ،‬إذا كانــت األمثلــة تحـ ّ‬


‫ـض علــى تج ُّنــب الكــدح في العمــل‪ ،‬فإن‬
‫الوضيــع هــو مــن يعمــل بهــا‪ .‬اإلنســان األخالقــي يجــب أن يكســب‬
‫قوتــه بإخــاص‪ ،‬ال أن يعيــش علــى الصدقــات‪ ،‬أو يعمــد إلــى الكســل‪.‬‬

‫ويقولــون‪« :‬اإلنســان الذكــي يقــدر علــى البهجة في أحلــك الظروف»‪،‬‬


‫و«تســتطيع الحصــول علــى أي شــيء‪ ،‬إن عرفــت كيــف تســأل»‪ .‬بعض‬
‫األقــوال مدانــة مــن اللــه! أليــس مــن األفضــل أن تكســب قوتــك مــن‬
‫ـدك وعــرق جبينــك‪ ،‬بــدل أن تعـوّل علــى المكــر واســتعطاء‬
‫األرض بكـ ّ‬
‫كســرة الخبــز علــى موائــد األخريــن؟‬

‫‪86‬‬
‫«إن كنــت مجهــو ً‬
‫ال فالجحيــم أمامــك»‪ .‬لكــن‪ ،‬مــا حاجتــك إلــى‬
‫الســمعة الســيئة؟‬

‫مخصيــ ًا لمئــة‬
‫ّ‬ ‫«أن تكــون فحــ ً‬
‫ا ليــوم واحــد أفضــل مــن أن تكــون‬
‫يــوم» لكــن‪ ،‬مــا الفائــدة التــي ســتجنيها مــن انغماســك فــي الملـ ّ‬
‫ـذات‬
‫ليــوم واحــد لتخ ِّلــف الخــراب فــي أعقــاب ذلــك؟‬

‫ّ‬
‫تضــل الطريــق عنــد رؤيــة بريــق الذهــب»‪ .‬مــا‬ ‫«حتــى المالئكــة‬
‫حاجــة المالئكــة للذهــب؟ بمثــل هــذه األقــوال يبـ ِّرر النــاس جشــعهم‪،‬‬
‫فحســب‪.‬‬

‫«خزنــة المجوهــرات أع ـ ّز مــن األب واألم‪ ،‬إال أن حياتــك أغلــى مــن‬


‫قصــر مــن الذهــب»‪ .‬اآلن‪ ،‬مــا الثمــن الــذي يضعــه وغــد فــي حســابه‬
‫عندمــا يُعلــي مــن قيمــة خزنــة المجوهــرات علــى قيمــة والديــه؟‪ .‬فقط‪،‬‬
‫األم واألب‬ ‫َــن ِ ّ‬
‫يبــدل ّ‬ ‫الشــخص الــذي يكــون بــا عقــل أو نامــوس م ْ‬
‫بالذهــب‪ .‬األبــوان يكدحــان مــن أجــل رفاهيــة أطفالهــم‪ ،‬والــذي‬
‫يســاوي والديــه بالمجوهــرات يقتــرف إثم ـ ًا وضيع ـ ًا‪.‬‬

‫التعصــب‪ ،‬والطيــش‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ـال تو َّلــد‬
‫علــى اإلنســان أن يحــذر فــي ترديــد أمثـ ٍ‬
‫وعــدم مراعــاة حقــوق اآلخريــن ومشــاعرهم‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫‪30‬‬

‫ِّ‬
‫بـ(المتبجــح‪ ،‬الثرثــار) موجــود بيننــا؛ إذا اختبــرت أربعيــن‬ ‫َمـ ْ‬
‫ـن ننعتــه‬
‫مــن النــاس ســوف تجــد واحــد ًا منهــم مــن تلــك النوعيــة‪ .‬فيــم ينفعون؟‬
‫ضيــق وســطحيون‪،‬‬
‫ينقصهــم اإلحســاس واحتــرام الــذات‪ ،‬أفقهــم ِ ّ‬
‫ِّ‬
‫المتيقــظ‪.‬‬ ‫تنقصهــم الشــجاعة والضميــر‬

‫البعــض منهــم يقــذف كالم ـ ًا فــي ُّ‬


‫تبجــح‪« :‬ال تزعجنــي‪ .‬هــل اآلخــر‬
‫أفضــل منــي؟ هــل قامــة اآلخــر أطــول مــن قامتــي؟ هــل وضــع لحم ـ ًا‬
‫فــي ِقــدري‪ ،‬أو منحنــي ماشــية ل َّلبــن؟»‪ .‬أو يتك َّلــم بحـ ّ‬
‫ـدة قصــد النيــة‬
‫الســيئة‪« :‬لمــاذا أبخــل علــى نفســي؟ أليســت حياتــي تسـ ّ‬
‫ـتحق الكثيــر؟‬
‫ـتعد لمواجهــة الرصــاص بشــجاعة‪ ،‬أو أنــا أبتعــد لســبب نبيــل!‬
‫أنــا مسـ ّ‬
‫نحــن نمــوت ميتــة واحــدة»‪.‬‬

‫هــل صادفــت هــؤالء الــكازاخ الذيــن يعملــون بمثــل هــذه األقــوال؟‬


‫عــن نفســي أقــول‪ :‬لــم أ َر واحــد ًا ر َّوض نفســه علــى المــوت‪ ،‬غيــر أنــه‬

‫‪88‬‬
‫ليــس ثمــة مــن يعتــرف بخوفــه مــن المــوت‪ .‬الحقيقــة أن ّ‬
‫أي واحــد‬
‫منهــم كمــا لــو أنــه سيشـ ّ‬
‫ـق حنجرتــه براحــة يــده فــي إيمــاءة اســتعداد‬
‫للتضحيــة‪« :‬أل كــن القتيــل فــي الحــال» هــل هــذه األقــوال صادقــة؟‬
‫حديثهــم‪ -‬ربّمــا‪ -‬يخدعنــا‪ :‬إن لــم يكــن بــذكاء صاحبــه‪ ،‬فبجرأتــه‬
‫المذهلــة‪ .‬بعدهــا‪ ،‬مــاذا نقــول عــن أحدهــم عندمــا يجبــن وينسـ ّ‬
‫ـل إلــى‬
‫ـد؟ هــذا ال يعــدو كونــه شــجاعة زائفــة لترويــع‬
‫أقــرب حفــرة ســاعة الجـ ّ‬
‫ـوع الفــؤاد كــي يعتــرف‪« :‬فــي الحقيقــة‪ ،‬غضبــه فظيــع»‪.‬‬
‫مخلـ ِ‬

‫يــا اللــه‪ ،‬لــو كان ط ّيــب القلــب شــهم ًا وغيــر أنانــي! إن كان شــجاع ًا‬
‫محيــاه؟‬
‫ّ‬ ‫وصادق ـ ًا فــي قولــه‪ ،‬أال تظهــر هــذه الصفــات المباركــة علــى‬

‫هــذا الشــخص مــن النمــاذج المخزيــة التــي نقــول عنهــا‪« :‬وجــه صفيق‬
‫ال يمـ ّ‬
‫ـل الثرثرة»‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫‪31‬‬

‫يمكننــا تعييــن أربعــة مفاهيــم أساســية لــإدراك الحســي ونفــاذ‬


‫البصيــرة‪ ،‬وحفظهــا عــن ظهــر قلــب‪:‬‬

‫أو ً‬
‫ال‪ ،‬يجب أن تكتسب الواعز الديني والعزم‪.‬‬

‫ثانيــ ًا‪ ،‬يجــب أن تولــي اهتمامــ ًا بالنصيحــة‪ ،‬بيقظــة وقلــب مفتــوح‪،‬‬


‫تــوّاق لفهــم المغــزى منهــا؛ أي مــن النصيحــة‪.‬‬

‫وترددهــا دائم ًا‪،‬‬


‫ِّ‬ ‫مليـ ًا‪ -‬فــي األقــوال الحكيمــة‬
‫ثالثـ ًا‪ ،‬يجــب أن تتأ ّمــل‪ّ -‬‬
‫األهميــة بالنســبة للذاكرة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فلهــا موضــع‬

‫رابعـ ًا‪ ،‬يجــب تج ُّنــب المواقــف والحــاالت الضــارّة للعقــل‪ ،‬ومقاومتها‪،‬‬


‫حتــى لــو كانــت مغريــة‪ .‬هــذه الحــاالت هــي‪ :‬الكســل‪ ،‬واإلهمــال‪،‬‬
‫والالمبــاالة‪ ،‬واللهــو األحمــق الفــارغ‪ ،‬والميــل للكآبــة التــي تحبــط‬
‫العاطفــة‪.‬‬

‫هذه النقائص تد ِ ّمر عقلك وموهبتك‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫‪32‬‬

‫هــؤالء الذيــن يبحثــون عــن التعليــم‪ ،‬ينبغــي عليهــم معرفــة شــروط‬


‫أساســية‪ ،‬بدونهــا ال يمكنهــم تحقيــق أهدافهــم‪:‬‬

‫أو ً‬
‫ال‪ ،‬يجــب أ ّلا تطمــح فــي كســب مــن وراء تعليمــك‪ .‬يجــب أن تتع ّلــم‬
‫مــن أجــل ترقيــة نفســك‪ ،‬وأن تكافــح مــن أجــل ذلــك‪ .‬إذا عــددت‬
‫المعرفــة نعمــة ســامية‪ ،‬فــكل حقيقــة صغيــرة تكتشــفها ســوف تعــود‬
‫عليــك بالســام‪ ،‬والرضــى الروحــي‪ ،‬الحفــظ‪ ،‬عــن ظهــر قلــب‪ ،‬لمــا‬
‫يشـ ِ ّ‬
‫ـكل لــك جديــد ًا‪ ،‬عندهــا‪ ،‬ستشــعر بالرغبــة فــي البحــث عــن المزيد‪،‬‬
‫ـتمتص ذاكرتــك ّ‬
‫كل‬ ‫ّ‬ ‫ـب المعرفــة‪ -‬حينئـ ٍـذ‪ -‬ســيو َلد فــي قلبــك‪ .‬وسـ‬
‫وحـ ّ‬
‫مــا ســمعته وشــاهدته‪.‬‬

‫لكــن‪ ،‬إن كان لديــك مبتغــى آخــر فــي ذهنــك‪ ،‬فابحــث عــن المعرفــة‬
‫قصــد الثــراء‪ ،‬فحســب‪ ،‬موقفــك مــن التعليــم ســيكون كالربيبــة بالنســبة‬
‫للمــرأة‪ .‬إن كانــت روحــك وعقلــك بخيــر قصــد المعرفــة‪ ،‬ســيكون‬

‫‪91‬‬
‫اســتعدادك عــن طيــب خاطــر‪.‬‬

‫ثانيـ ًا‪ ،‬الدراســة ألهــداف ج ّل ّيــة ونبيلــة‪ ،‬وليــس للداللــة علــى مجادلتــك‬
‫لآلخريــن‪ .‬المحاججــة فــي حــدود المعقــول تســاعد المرء فــي قناعاته‪،‬‬
‫لكــن الحماســة المفرطــة تفســده‪ .‬عشّ ــاق الجــدل يندفعــون فــي‬
‫ُّ‬
‫التحقــق مــن الشــيء بالتجربــة‪ ،‬بــل للتباهــي‬ ‫الخالفــات‪ ،‬ليــس بقصــد‬
‫بمعرفتهــم وبســط أيديهــم علــى النــاس‪ .‬مثــل هــذه النزاعــات تنتــج‬
‫الحســد‪ ،‬وال تضيــف مثقــال ذرّة لإلنســانية‪ ،‬بــل علــى العكــس مــن‬
‫ذلــك‪ ،‬هــي ال تخــدم المعرفــة‪ ،‬وببســاطة‪ ،‬تشـ ِّوش النــاس‪ .‬هــذا ســلوك‬
‫عقيــم ومثيــر للمتاعــب‪ .‬الــذي ض َّلـ َ‬
‫ـل مئــات األشــخاص عــن الصــراط‬
‫المســتقيم ال يســاوي أصبعـ ًا صغيــر ًا لشــخص نجــح فــي إعــادة شــخص‬
‫واحــد إلــى نهــج الحقيقــة‪.‬‬

‫صحيــح أن المناظــرة هــي إحــدى طــرق المعرفــة‪ ،‬إال أن الشــخص‬


‫الــذي يهــب نفســه‪ -‬تمامــ ًا‪ -‬لهــذه المســارات المجازفــة يصبــح‬
‫ومتكبــر ًا‪ ،‬عرضـ ًة للحســد وللقيــل والقــال‪ .‬مثــل هــذا الشــخص‬
‫ِّ‬ ‫مغــرور ًا‬
‫لــن يبغــض تشــويه ســمعته‪ ،‬وكذلــك حــال االغتيــاب‪ ،‬والقــدح‪ ،‬اللذيــن‬
‫يق ِ ّلــان مــن كرامــة اإلنســان‪.‬‬

‫ثالثـ ًا‪ ،‬إذا نجحــت فــي ســعيك وراء الحقيقــة‪ ،‬فــا تتراجــع عنهــا حتــى‬
‫تتخيل‬
‫ّ‬ ‫مــع أوجــاع المــوت‪ .‬لكــن‪ ،‬إن لــم تكــن مقتنعـ ًا بمعرفتــك‪ ،‬فــا‬
‫ـدر أنــت معرفتــك‪ ،‬كيــف‬ ‫أن شــخص ًا آخــر ســوف ِ ّ‬
‫يقدرهــا‪ .‬إن لــم تقـ ّ‬

‫‪92‬‬
‫تتو َّقــع االعتــراف بهــا مــن الغربــاء؟‪.‬‬

‫رابعــ ًا‪ّ ،‬‬


‫ثمــة وســيلتان تســاعدانك فــي اكتســاب المعرفــة‪ :‬األولــى‬
‫مــوالكازا (فــن المناظــرة)‪ ،‬واألخــرى موكافــازا (قــوّة الدفــاع عــن‬
‫الفكــرة)‪ .‬ولضــرورة الكفــاح المســتم ّر إلنجــاز ذلــك‪ ،‬مــن المســتحيل‬
‫تعزيــز معرفتــك وتطويرهــا‪ ،‬مــن غيرهمــا‪.‬‬

‫تحدثــت‪ ،‬منــذ قليــل‪ ،‬عــن أربعــة مواقــف مؤذيــة للعقــل‪ ،‬ومــن‬


‫ّ‬ ‫خامسـ ًا‪،‬‬
‫خاللهــا تع ّرفنــا إلــى الكســل والتفاهــة‪ .‬أفــرض عليــك أن تكــون حــذر ًا‬
‫مــن هــذه الشــرور؛ إنهــا مهلكــة فــي مواجهــة اللــه‪ ،‬وللمــرء نفســه‪،‬‬
‫مهلكــة لكينونتــك وشــرفك‪ .‬إنهــا العــدو الرئيســي لــكل شــيء! مــع‬
‫ذلــك‪ ،‬ليــس ثمــة مــكان للش ـ ّر عندمــا يســكن المــر َء الضميــر‪.‬‬

‫سادســ ًا‪ ،‬شــخص المــرء وعــاء للــذكاء والمعرفــة؛ لذلــك طــوّر‬


‫شــخصيتك‪ ،‬وأنــت‪ -‬بســماحك لنفســك أن تكــون تحــت تأثيــر كلمــات‬
‫ـخصيتك‪ .‬التعليــم ال فائــدة‬
‫ّ‬ ‫اآلخريــن وهــوى خاطــف‪ -‬ســتفقد قـوّة شـ‬
‫منــه إن كان الوعــاء الــذي يســتقبل المعرفــة ليــس ســليم ًا‪.‬‬

‫بالج َلــد‬
‫َ‬ ‫لتحقيــق هدفــك‪ ،‬ولتكــون مخلصـ ًا لواجبــك‪ ،‬يجــب أن تتح ّلــى‬
‫فــي ســبيل غايتــك‪ ،‬وبعزمــك وبقوّتــك؛ لذلــك احتفــظ برزانتــك‬
‫ورشــدك ونقــاء ضميــرك‪.‬‬

‫ّ‬
‫كل شيء يجب أن يخدم كينونتك وشرفك‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫‪33‬‬

‫إن أردت اإلثــراء فتع َّلــم التجــارة‪ .‬الثــروة تنقــص بمــرور الزمــن‪ ،‬لكــن‬
‫المهــارة تــدوم‪ .‬الــذي يبيــع الفواكــه نتــاج عملــه دون غـ ّ‬
‫ـش س ـ ُيكبِ ره‬
‫ـن منحهــم اللــه موهبــة المهــارة أن‬
‫لمـ ْ‬
‫النــاس‪ ،‬ومــع ذلــك‪ ،‬ال يمكــن َ‬
‫يتج ّنبــوا بعــض الرذائــل‪:‬‬

‫أو ً‬
‫ال‪ ،‬هــم ال يســعون لصقــل مهارتهــم بالبحــث عــن التع ُّلــم مــن أمهــر‬
‫الحرفييــن‪ .‬مكتفيــن بالقليــل مــن البراعــة التــي لديهــم‪ ،‬مثــل هــؤالء‪،‬‬
‫يطلقــون العنــان للتراخــي والكســل‪.‬‬

‫ثمــة مــن‬ ‫ثانيــ ًا‪ ،‬يجــب علــى المــرء أن ّ‬


‫يبجــل عمــل اآلخــر‪ ،‬لكــن‪ّ ،‬‬
‫متبجح ـ ًا‬
‫ِّ‬ ‫ـري‪ ،‬وأصبــح كســو ً‬
‫ال‬ ‫اكتســب بعــض الماشــية‪ ،‬فاعتقــد أنــه ثـ ّ‬
‫ومهمــ ً‬
‫ا لعملــه‪.‬‬

‫ثالثــ ًا‪ ،‬إن فاتــح شــخص أحدهــم فــي طلــب مثــل‪« :‬أنــت رجــل‬
‫يكلفــك كثيــر ًا إن خدمتنــي فــي هــذا أو‬
‫ّ‬ ‫علــى مقــدرة‪ ،‬وشــهم‪ ،‬ولــن‬

‫‪94‬‬
‫مهم ـ ًا‪ ،‬ويدنــو منــه النــاس‬
‫ذاك» فســينتفخ فخــر ًا‪ ،‬ويعتقــد أنــه أصبــح ّ‬
‫للمســاعدة‪ ،‬يستســلم لإلطــراء والغــرور‪ ،‬ينفــق وقتــه الثميــن في الســماح‬
‫للمكــر والتم ُّلــق يخدعــاه‪.‬‬

‫رابعــ ًا‪ ،‬مثــل هــؤالء توّاقــون لصداقــة ّ‬


‫أي أحــد‪ .‬إن احتــال عليهــم‬
‫محتــال بالشــيء القليــل‪َ ،‬فســ َي ِعدونه بالمســاعدة‪ ،‬ويشــعرون بالحبــور‬
‫مــن أن شــخص ًا مــا يحتــاج صداقتهــم‪ .‬هنــا‪ ،‬تنكشــف ســذاجتهم وق ّلــة‬
‫لتحية‬
‫ّ‬ ‫ـتعدون لتصديق اللســان الــكاذب‪ ،‬ويبتهجــون‬
‫درايتهــم‪ .‬إنهــم مسـ ّ‬
‫يدخــرون وســع ًا فــي مســاعدة‬
‫مزيَّفــة مــن أصدقــاء مزيَّفيــن‪ ،‬إنهــم ال َّ‬
‫هــذه النوعيــة فــي مزاعمهــم‪ .‬يعطــون بقــدر نســيانهم‪ .‬مــاذا يجنــون فــي‬
‫يهتمــون بــه ويلتزمــون‪ ،‬وإن لــزم األمــر يســتدينون لــه مــن‬
‫ّ‬ ‫المقابــل؟‬
‫يضيعــون أوقاتهــم‪ ،‬ويراكمــون‬
‫ِّ‬ ‫أ ّيــة جهــة‪ .‬مــن أجــل إرضــاء اآلخريــن‪،‬‬
‫ديونهــم‪ ،‬ويتورّطــون فــي نزاعــات بســبب هــذه الديــون‪ ،‬يخســرون مــاء‬
‫وجوههــم‪ ،‬ويعيشــون الحاجــة والخــزي‪.‬‬

‫لمــاذا يحــدث هــذا؟ ألنهــم فــي ميلهــم لخــداع اآلخريــن‪ ،‬يخدعــون‬


‫أنفســهم‪ ،‬ومــن َثـ ّ‬
‫ـم يقعــون فريســة الخــداع‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫‪34‬‬

‫ـان‪ ،‬ذلــك أن المــوت ال يأتــي بســبب‬


‫الجميــع يعرفــون أن اإلنســان فـ ٍ‬
‫الهــرم وحــده‪ ،‬المــوت الــذي يأخــد اإلنســان بعيــد ًا‪ ،‬وال يعيــده‪.‬‬
‫الــكازاخ قلقــون بســبب هــذا‪ ،‬ولكــن‪ ،‬دون عمــق فــي التفكيــر‪.‬‬

‫الــكازاخ يؤمنــون باللــه الــذي ســوف يحاســبهم بعــد مماتهــم‪ :‬يكافــىء‬


‫األخيــار‪ ،‬ويعاقــب األشــرار‪ .‬إنهــم يؤمنــون بــأن ك ّل ًا مــن المكافــأة‬
‫والعقــاب يختلــف بالنســبة إلــى هــؤالء الذيــن كانــوا يعيشــون علــى‬
‫األرض‪ :‬مكافأة الله لهم ال حدود لها‪ ،‬ال لســبب إال لســماحة أنفســهم‪،‬‬
‫فــي حيــن يكــون قصاصــه قاســي ًا وهائـ ً‬
‫ا‪ .‬لكنــي ال أثــق فــي كلماتهــم‬
‫ينــم عــن ضميــر‪ .‬إن كان‬
‫ّ‬ ‫هــذه؛ ذلــك أن إيمانهــم ليــس صادقــ ًا‪ ،‬وال‬
‫إيمانهــم يوافــق قولهــم فلــن يعرفــوا األســف‪ .‬هــل يمكــن إقنــاع بشــر‬
‫كهــؤالء ببعــض األمــور األخــرى إن كان إيمانهــم ضعيفـ ًا‪ ،‬حتــى فيمــا‬
‫يتع ّلــق بمثــل هــذه الحقائــق؟ كيــف يمكــن تصحيــح مســاراتهم؟ هــل‬
‫مــن الممكــن تســميتهم مســلمين؟‬

‫‪96‬‬
‫علــى الــذي يريــد تج ُّنــب العــذاب فــي هــذه الدنيــا وفــي اآلخــرة أن‬
‫َّ‬
‫يتذكــر شــيئ ًا واحــد ًا‪ :‬ليــس ثمــة ســعادتان وعاطفتــان وارتيابان َ‬
‫وأســفان‬
‫فــي قلــب المــرء‪ ،‬فــي وقــت واحــد‪ .‬هــذا مســتحيل‪ ،‬الــذي يضــع‬
‫األفــراح واألتــراح الدنيويــة بعيــدة عــن العالــم القــادم ليــس مســلم ًا‪.‬‬
‫اآلن‪ ،‬لــك أن تحكــم‪ّ :‬‬
‫أي نــوع هــم الــكازاخ‪ .‬لــو ُخ ِ ّيــروا بيــن شــيئين‪:‬‬
‫أن يكونــوا خالديــن فــي قبــر‪ ،‬أم خالديــن فــي الحيــاة‪ .‬ســوف يختارون‬
‫الخيــار الثانــي بالتأ كيــد‪ ،‬علــى أمــل أن يحظــوا بالخيــار األوّل فــي‬
‫مناســبة أخــرى‪ ،‬ويؤمنــون بــأن اللــه‪ ،‬لرحمتــه الواســعة‪ ،‬ســيغفر لهــم‬
‫يبدلــوا‬ ‫خيارهــم الخاطــئ‪ ،‬قبــل يــوم الحســاب‪ْ ،‬‬
‫سيقســمون بأنهــم لــن ّ‬
‫مباهــج الدنيــا بمباهــج اآلخــرة‪ ،‬كيــف يمكــن تصديقهــم؟‬

‫محبـ ًا ألخيــه اإلنســان طــوال حياتــه‪ .‬ذلــك أن‬


‫ّ‬ ‫علــى اإلنســان أن يكــون‬
‫الــوالدة والتربيــة والرضــى والجــوع واألســف والحــزن وشــكل البــدن‬
‫والطريقــة التــي يأتــي بهــا إلــى الحيــاة‪ ،‬والطريقــة التــي يغــادر بهــا‪،‬‬
‫ك ّلهــا واحــدة للجميــع‪ ،‬فــي العالــم اآلخــر األشــياء نفســها تنتظرنــا‪ :‬مــن‬
‫والتفســخ إلــى يــوم الحســاب‪ .‬كيــف تعــرف إن كنــت‬
‫ُّ‬ ‫المــوت والدفــن‬
‫ســتعيش خمســة أيــام أخــرى أم ال؟ كل النــاس ضيــوف‪ ،‬بعضهــم علــى‬
‫الجيــد‪-‬‬
‫ِّ‬ ‫بعــض‪ ،‬اإلنســان نفســه ضيــف فــي هــذه الحيــاة‪ ،‬هــل مــن‬
‫إذ ًا‪ -‬أن نتحـ ّ‬
‫ـدث بحقــد‪ ،‬وننســاق فــي شــجار بســبب الثــروة‪ ،‬ويحســد‬
‫بعضنــا بعضــ ًا بســبب ســعادة أحدنــا‪ ،‬ونمضــي‪ ،‬يســيء بعضنــا إلــى‬
‫اآلخــر مــن أجــل أشــياء تافهــة؟ أن نهــاب شــخص ًا وال نهــاب اللــه؟‬

‫‪97‬‬
‫أن نصلــي‪ ،‬ليــس مــن أجــل الســعادة الروحيــة‪ ،‬بــل مــن أجــل أمــور‬
‫دنيويــة؟ أن نحســد اآلخــر علــى ِن َعــم يتم َّتــع بهــا؟ هــل نرجــع إلــى اللــه‬
‫بمثــل هــذه األســباب وااللتماســات؟ هــل اللــه يـ ّ‬
‫ـذل شــخص ًا ويحرمــه؛‬
‫إكرام ـ ًا لشــخص آخــر؟‬

‫عندمــا ال يكــون لــك عقــل ســليم وتعليــم نافــع وال تســتطيع قــول‬
‫كلمتيــن‪ ،‬وتتجــادل بعنــاد وصلــف مــع رجــل حكيــم‪ ،‬هــل يمكــن أن‬
‫تكــون إنســان ًا؟ هــل هــذه صفــة اإلنســان‪ ،‬اإلنســان الحقيقــي؟‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫‪35‬‬

‫ّ‬
‫الحــق‪ ،‬يســأل العلــي القديــر المراتــب الدينيــة‪ ،‬كالســادة‬ ‫فــي يــوم‬
‫والحجــاج الشــيء الكثيــر عــن مــدة حياتهــم علــى األرض‪،‬‬
‫ّ‬ ‫والماللــي‬
‫ـيميزهم عــن‬
‫عــن أعمالهــم التــي يبغــون مــن ورائهــا االحتــرام فقــط‪ ،‬سـ ِ ّ‬
‫أولئــك الذيــن ينشــدون رضــوان اللــه‪.‬‬

‫لهــؤالء ســيقول‪« :‬خــال حياتــك األرضيــة خدمتنــي ريــاءً‪ ،‬قصــد‬


‫البحــث عــن االحتــرام عنــد النــاس‪ ،‬لكــن ذلــك انتهــى اآلن‪ ،‬حياتــك‬
‫الســعيدة انتهــت‪ ،‬وكذلــك ســلطتك علــى النــاس‪ .‬هنــا ليــس مــكان‬
‫التكريــم‪ ،‬بــل الحســاب عــن كل أعمالــك‪ ،‬وســتجيب عــن األســئلة‪.‬‬
‫وهبتــك الحيــاة ومنحتــك الثــروة‪ ،‬لكنــك ّ‬
‫وظفتهــا لفائدتــك الشــخصية‪،‬‬
‫خدعــت النــاس تحــت ســتار هيئــة الحريــص علــى العالــم اآلخــر»‪.‬‬

‫العلــي القديــر‪« :‬طــوال‬


‫ّ‬ ‫لكــن‪ ،‬للذيــن خدمــوه حقيقــ ًة‪ ،‬ســيقول لهــم‬
‫راض عنكــم‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫حياتكــم‪ ،‬وفــي كل أعمالكــم ســعيتم لرضــاي‪ ،‬فأنــا‬

‫‪99‬‬
‫رحــب بكم‪ ،‬ربّما ســتقابل أشــخاص ًا‬
‫مــكان الشــرف فــي اســتقبالكم‪ ،‬ومُ َّ‬
‫ســاعدتهم أو آخريــن ســاعدوك بحســن نواياهــم‪ ،‬إذ ًا‪ ،‬ابتهــج)‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫‪36‬‬

‫يقــول نبينــا الكريــم‪ -‬صلــوات اللــه وســامه عليــه‪ -‬أن الحيــاء شــعبة‬
‫مــن اإليمــان»‪ .‬قومنــا‪ -‬بالمثــل‪ّ ِ -‬‬
‫يؤكــدون هــذا الحديــث فــي بعــض‬
‫أمثالهــم‪« :‬الــذي لديــه حيــاء لديــه إيمــان»‪.‬‬

‫ي ّتضح‪ ،‬اآلن‪ ،‬أن الحياء جزء ِ ّ‬


‫متمم لإليمان‪ ،‬لكن‪ ،‬ما الحياء؟‬

‫ـردد الطفــل الــذي يخجــل‬


‫ثمــة حيــاء وليــد الجهــل‪ ،‬إنــه القريــب مــن تـ ُّ‬
‫ّ‬
‫ـي مــن قوانين‬
‫مــن التفـوُّه بكلمــة أو الدنـ ّو مــن الغريــب‪ ،‬الــذي هــو معفـ ّ‬
‫الشــريعة‪ ،‬ولــم يتبلــور الضميــر لديــه بعــد‪ .‬لكنــه يخجــل ممــا ليــس منــه‬
‫خجــل مُ ظهــر ًا عالمــة علــى الغبــاء وق ّلــة التهذيــب‪.‬‬

‫لكــن الهــوان الحقيقــي هــو الــذي يشــعر بــه مــن يعمــد إلــى مخالفــة‬
‫قوانيــن الشــريعة‪ ،‬وإيــذاء الضميــر وســم ّو المنزلــة اإلنســانية‪.‬‬

‫مثل هذا الهوان نوعان‪:‬‬

‫‪101‬‬
‫األول هــو أن تخجــل‪ ،‬ليــس مــن أجــل نفســك‪ ،‬بــل مــن ذنــب شــخص‬
‫ِّ‬
‫وتفكــر بينــك وبيــن نفســك‪ :‬يــا‬ ‫آخــر‪ ،‬بســبب إحساســك بهــذا اإلثــم‪،‬‬
‫اللــه‪ ،‬مــاذا حــدث لهــذا الرجــل؟ لمــاذا أقــدم علــى مثــل هــذا العمــل‬
‫غيــر الالئــق؟‪ ،‬ثــم تشــعر باالســتحياء مــن أجلــه‪.‬‬

‫الثانــي هــو إثمــك فــي مخالفــة ّ‬


‫كل مــن الشــريعة‪ ،‬وضميــرك‪،‬‬
‫ـاني ِتك‪ ،‬عنــد ارتكابــك خطـ ًأ أو عمـ ً‬
‫ا غيــر صالــح عــن غيــر قصد‪.‬‬ ‫وإنسـ ّ‬
‫ـم الخطــأ غيـ ُرك‪ ،‬لذلــك فــإن عقلــك وكيانــك فــي‬
‫ربّمــا‪ ،‬ال يــدرك حجـ َ‬
‫كــرب‪ ،‬وســيعاقبانك‪ .‬تعيــش القلــق‪ ،‬غيــر قــادر علــى النظــر فــي عيــون‬
‫اآلخريــن‪ ،‬وتضحــي تعانــي‪.‬‬

‫شــهيتهم للطعــام‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الذيــن لهــم هــذا الشــعور مــن الحيــاء‪ ،‬يفقــدون‬
‫يجــدون صعوبــة فــي النــوم‪ ،‬وفــي غمــرة هــذا القنــوط واليــأس‪ -‬ربَّمــا‪-‬‬
‫يعمــدون إلــى االنتحــار‪ .‬شــعور الحيــاء والخجــل مرتبــة مــن الكرامــة‬
‫اإلنســانية التــي تُخضــع المــرء لالعتــراف بذنبــه أمــام نفســه‪ ،‬ومواجهــة‬
‫مــا يتر ّتــب عليــه مــن عقــاب‪ .‬فــي مثــل هــذه األيــام‪ ،‬أنــت عاجــز عــن‬
‫التفكيــر ومُ رتَبِ ـ ٌ‬
‫ـك فــي الحديــث‪ ،‬ليــس لديــك الوقــت الكافــي لمســح‬
‫الدمــوع عــن وجهــك‪ ،‬تشــعر بنفســك كمــا الجبــان المتباكــي‪ ،‬غيــر‬
‫قــادر علــى مواجهــة نظــرات النــاس إليــك‪ ،‬تتعامــى عمــا يحيــط بــك‪.‬‬
‫الشــخص الــذي يعــرف عــن مثــل تلــك العذابــات‪ ،‬بــد ً‬
‫ال مــن مســامحة‬
‫اآلثــم برحابــة صــدر‪ ،‬يجعــل مــن معاناتــه النقيصـ َة األســوأ فــي الرحمــة‬

‫‪102‬‬
‫اإلنســانية‪.‬‬

‫القــوم الذيــن أراهــم حولــي هــذه األيــام ال يســتحون مــن شــيء‪،‬‬


‫وعاجــزون عــن الخجــل‪ .‬يقولــون‪ :‬اعترفــت بذنبــي‪ ،‬مــاذا تتو َّقــع منــي‬
‫ســيئ ًا‪،‬‬
‫أن أفعــل فــوق هــذا؟‪ ،‬أو يجــدون أعــذار ًا‪ :‬نعــم ســلوكي كان ِ ّ‬
‫ولكــن‪ ،‬ألــم تســلك أنــت مســلكي؟‪ ،‬أو يجادلــون‪ :‬هــذا وهــذا مــن‬
‫النــاس فعلــوا كــذا وكــذا‪ ،‬ولكنهــم يســيرون فــي األرض كمــا أنــه لــم‬
‫يحــدث شــيء‪ .‬مقارن ـ ًة بهــم لــم أقــدم علــى خطــأ‪ ،‬علــى الرغــم مــن‬
‫ُّ‬
‫توفــري علــى األســباب لعمــل هــذا الشــيء أو غيــره‪ .‬بــدل الشــعور‬
‫بالحيــاء مــن عملهــم يظ ّلــون يبحثــون عــن تبرئــة أنفســهم‪.‬‬

‫مــاذا نطلــق علــى َمـ ْ‬


‫ـن يكــون مــن هــؤالء‪ :‬وجهــه خجــول‪ ،‬أو صفيــق‬
‫الوجــه؟ الحديــث الشــريف واألقــوال الحكيمــة ال تســمح لنــا بوصفــه‬
‫بأنــه ذو وجــه خجــول‪.‬‬

‫اآلن‪ ،‬هل يملك مثل هؤالء اإليمان أم ال؟‬

‫‪103‬‬
‫‪37‬‬

‫‪ - 1‬الحكــم علــى طبيعــة اإلنســان يكــون مــن خــال مغــزى عملــه‪،‬‬


‫وليــس حصيلــة ذلــك العمــل‪.‬‬

‫جيــدة‪ ،‬فإنهــا تتش ـوّه عبــر مرورهــا بالشــفاه‬


‫‪ - 2‬مهمــا كانــت الفكــرة ّ‬
‫اإلنســانية‪.‬‬

‫‪ - 3‬قــد تجــد العــزاء فــي إســداء نصــح للمغروريــن بكلمــات حكيمــة‪،‬‬


‫إال أن تلــك النصائــح‪ -‬فــي الغالــب‪ -‬تتالشــى فــي الهــواء‪.‬‬

‫جيد لإلنسان الحكيم‪ ،‬لكن األحمق يفسد به‪.‬‬


‫الرد ّ‬
‫‪ّ -4‬‬

‫‪ - 5‬أبو االبن عد ّو لآلخرين‪ ،‬لكن ابن اإلنسانية هو أخوك األعزّ‪.‬‬

‫‪ - 6‬اإلنســان القنــوع قــد يســأل عــن الكثيــر‪ ،‬لكنــه يرضــى بالقليــل‪،‬‬


‫اإلنســان الخســيس يســأل عــن الكثيــر‪ ،‬لكنــه يكــون مســتا ًء حتــى وإن‬
‫ممــا طلــب‪.‬‬
‫ظفــر بأ كثــر ّ‬

‫‪104‬‬
‫‪ - 7‬الــذي يعمــل لمصلحتــه الشــخصية‪ ،‬كالحيــوان الــذي يرعــى لمــلء‬
‫ـيميزه‬
‫بطنــه‪ ،‬لكــن الــذي يعمــل مــن أجــل تأديــة واجبــه اإلنســاني سـ ِ ّ‬
‫ـي القديــر بح ّبــه‪.‬‬
‫العلـ ّ‬

‫َــن صلــب‬
‫َــن أحــرق جــان دارك؟ و م ْ‬
‫ــمم ســقراط؟ و م ْ‬
‫َــن َس َّ‬
‫‪-8‬م ْ‬
‫نبينــا؟ العا ّمــة‪ ،‬الدهمــاء!؟ الدهمــاء ال عقــل‬
‫المســيح؟ مــن أســاء إلــى ِ ّ‬
‫لهــا‪ ،‬ابحــث‪ ،‬مباشــرةً‪ ،‬فــي طريــق الحقيقــة‪.‬‬

‫سيئ ًا فاللوم يقع على معاصريه‪.‬‬


‫‪ - 9‬اإلنسان ابن عصره‪ ،‬إن كان ّ‬

‫ـأقطع ْن لســان مــن يجزم بأن اإلنســان‬


‫‪ - 10‬لــو كانــت عنــدي ســلطة فسـ َ‬
‫فاســد‪ ،‬وال ســبيل إلــى تقييمه‪.‬‬

‫‪ - 11‬أن تكــون وحيــد ًا‪ ،‬هــذا يشــبه أن تكــون م ِ ّيتـ ًا‪ .‬اإلنســان الوحيــد‬
‫يعانــي مــن ِم َحــن شـ ّتى‪.‬‬

‫العالــم عــرف أشــياء آثمــة وفاســدة‪ ،‬مــن ّ‬


‫كل نــوع‪ ،‬وعــرف الســرور‬
‫تتحمــل كرام ُتــه األولــى؟ ومــن الــذي لــن‬
‫َّ‬ ‫مــن ّ‬
‫كل نــوع أيضــ ًا‪ ،‬مــن‬
‫يفســد مــن الثانــي؟‬

‫‪َ - 12‬مـ ْ‬
‫ـن م ّنــا لــم يعــرف المتاعــب؟ الضعيــف‪ -‬فقــط‪ -‬يفقــد األمــل‪.‬‬
‫ثمــة شــيء ثابــت فــي الدنيــا‪ ،‬وســوء الحـ ّ‬
‫ـظ ال يــدوم إلــى األبــد‪،‬‬ ‫ليــس ّ‬
‫أليــس الربيــع المزهــر يأتــي بعــد الشــتاء القــارس؟‬

‫‪105‬‬
‫ـب‪،‬‬
‫‪ - 13‬الــذي يكظــم غيظــه يحــوي غضبــه داخــل نفســه‪ ،‬الــذي يسـ ّ‬
‫ِّ‬
‫متبجــح أو جبــان‪.‬‬ ‫ويشــتم‪ :‬إمــا‬

‫ّ‬
‫الحــظ يُثمِ ــان المــرء‪ ،‬واحــد مــن ألــف‪-‬‬ ‫‪ - 14‬النجــاح وحســن‬
‫فقــط‪ -‬يحتفــظ با ِ ّتزانــه‪.‬‬

‫‪ - 15‬إذا أردت ألعمالــك النجــاح‪ ،‬فابــدأ بمــا فــي يــدك مــن عمــل‪،‬‬
‫بحكمــة‪.‬‬

‫‪ - 16‬المنصــب العالــي كالمنحــدر العالــي‪ .‬األفعــى البطيئــة ســتزحف‬


‫ّ‬
‫ســينقض عليهــا‪ ،‬ســأطري أولئــك الذيــن لــم‬ ‫إلــى فــوق‪ ،‬والصقــر‬
‫يتط ّلعــوا إلــى أعلــى‪ ،‬فيمــا بعــد‪ ،‬سيكتشــفون ســبب اإلطــراء‪.‬‬

‫‪ - 17‬العالــم محيــط‪ ،‬الزمــن نفحــة هــواء‪ ،‬الموجــات األقــدم هــي‬


‫األخــوة واألخــوات األقــدم‪ ،‬والموجــات التاليــة هــي األخــوة‬
‫واألخــوات األحــدث‪ .‬جيــل يخلــف آخــر‪ ،‬رغــم أن األمــور تبــدو غيــر‬
‫قابلــة للتغييــر‪ ،‬فــي منــاخ الســكون والهــدوء‪ ،‬فــي هــذه األحــداث‪.‬‬

‫‪ - 18‬الرجــل العــادي المعــروف بفطنتــه‪ ،‬أفضــل مــن ملــك جــاء نتيجة‬


‫ـاب الــذي يبيــع نتــاج عملــه أفضــل مــن الشــيخ‬ ‫الحـ ّ‬
‫ـظ الحســن‪ .‬الشـ ّ‬
‫الــذي يســتعطف النــاس بشــعيرات لحيتــه‪.‬‬

‫مجســد ًا‪ ،‬الصوفــي‬


‫َّ‬ ‫‪ - 19‬المتســ ِّول وبطنــه ممتلــئ هــو الشــيطان‬

‫‪106‬‬
‫الكســول منافــق‪.‬‬

‫‪ - 20‬الصديــق المز َّيــف كالظـ ّ‬


‫ـل‪ :‬عندمــا تكــون الشــمس مشــرقة عليــك‬
‫تتجمــع فوقــك الســحب لــن تــراه أبــد ًا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫لــن تتخ ّلــص منــه‪ ،‬وعندمــا‬

‫َ‬
‫ابــق علــى عالقــة‬ ‫‪ - 21‬كــن صادقــ ًا مــع مــن ليــس لديــه صديــق‪،‬‬
‫متبادلــة مــع هــؤالء الذيــن لديهــم العديــد مــن األصدقــاء‪ .‬احــذر‬
‫عــدم‪.‬‬
‫والم َ‬
‫ُ‬ ‫اإلنســان الطائــش‪ ،‬كــن ســتر ًا للمحــروم‬

‫ـب بــدون إخــاص‪،‬‬


‫‪ - 22‬ال حاجــة إلــى الغضــب بــدون قـوّة‪ ،‬وإلــى حـ ّ‬
‫ذلــك كمــا المع ِّلــم بــدون تالميذ‪.‬‬

‫‪ - 23‬عندمــا تبحــث عــن الســعادة فــإن الجميــع يتم ّنونهــا لــك‪ ،‬لكــن‪،‬‬
‫عندمــا ِ ّ‬
‫تحققهــا تــدرك أنــك أنــت‪ -‬فقــط‪ -‬مــن ســعى إليهــا‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫‪38‬‬

‫أطفالــي األع ـزّاء‪ ،‬يــا ســلوان القلــب‪ ،‬كتبــت‪ ،‬لت ـوّي‪ ،‬بعــض األقــوال‬
‫عــن األعمــال اإلنســانية‪ ،‬أورثكــم مــا كتبــت علــى ســبيل التذكــرة‪،‬‬
‫الحــب أفئدتكــم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وســيغمر‬

‫والمحبــة‬
‫ّ‬ ‫الحــب اإلنســاني متــازم مــع الوجــود بــإدراك إنســاني‪،‬‬
‫ّ‬
‫والتعاطــف مصــدر هــذه المزايــا التــي تنشــأ عنــد اإلنســان منــذ والدتــه‪:‬‬
‫ّ‬
‫فيتوقــف علــى نبــل‬ ‫الجيــدة‪ ،‬والمظهــر الحســن‪ ،‬أمــا الباقــي‬
‫ّ‬ ‫الصحــة‬
‫واألم‪ ،‬وعلــى الناصــح المخلــص واألصدقــاء الجيديــن‪.‬‬
‫ّ‬ ‫روح األب‬
‫والمحبــة يثيــران الشــوق‬
‫ّ‬ ‫الحــب يو ِّلــد الطمــوح والتفاهــم‪ ،‬اإلدراك‬
‫ّ‬
‫للتع ُّلــم‪ .‬الطفــل ال يتــوق إلــى التع ّلــم مــن محــض إرادتــه‪ ،‬بــل يجــب‬
‫إجبــاره علــى البحــث‪ ،‬أو إقناعــه حتــى يكتســب العطــش للمعرفــة‪.‬‬
‫ـد إنســان ًا بمعنــى الكلمــة‪،‬‬
‫الطفــل الباحــث عــن المعرفــة‪ -‬ربّمــا‪ -‬ي َُعـ ّ‬
‫هــو‪ -‬بــدوره‪ -‬يناضــل لمعرفــة اللــه‪ ،‬ويعــرف نفســه‪ ،‬ويعــي مــا حولــه‪،‬‬
‫ســوف يفعــل الخيــر‪ ،‬لكــن ليــس علــى حســاب شــرفه‪ ،‬وســيتج َّنب‬

‫‪108‬‬
‫الشـ ّر‪ ،‬وإال ســيكون محكومـ ًا عليــه أن يعيــش فــي الجهــل‪ ،‬أو كحيوان‪،‬‬
‫وينــال معرفــة ســطحية‪ .‬مــن المخــزي أن بعــض اآلبــاء يُنشــئون أطفالهم‬
‫تنشــئة سـ ِ ّـيئة‪ ،‬ثــم يعهــدون بهــم إلــى الماللــي‪ ،‬إال أن مثــل هــذا التعليــم‬
‫ال نفــع مــن ورائــه‪ .‬األطفــال الذيــن تع ّرضــوا إلفــراط فــي التدليــل‪ ،‬منــذ‬
‫الــوالدة‪ ،‬ال يظهــرون شــغف ًا بالتعليــم أو بالديــن‪ ،‬أو احتــرام مد ِّرســيهم‬
‫الخاصيــن‪ .‬ســوف لــن ينمــوا كبشــر حقيقييــن‪.‬‬
‫ّ‬

‫بالمحبــة‬
‫ّ‬ ‫أصعــب األشــياء هــي غــرس روح اإلنســانية وتطبيعهــا‬
‫ّ‬
‫الحــق والصــدق واإلخــاص‪،‬‬ ‫والعطــف‪ ،‬ذلــك أن اللــه هــو طريــق‬
‫ـد الش ـ ّر‪ .‬هــل يقبــل صديــق دعــوة مــن عــدوّ؟ ال‬
‫وهــذه الصفــات ضـ ّ‬
‫يمكــن الظفــر بالحقيقــة مــا لــم تكــن النفــس فــي شــغف لهــا‪ .‬المعرفــة‬
‫حــب الحقيقــة‪ ،‬ومــن خــال‬
‫ّ‬ ‫اإلنســانية تُك َت َســب عــن طريــق معانــي‬
‫العطــش لمعرفــة المــرء لجوهر نفســه وطبيعتهــا‪ .‬بالطبع‪ ،‬ليســت المعرفة‬
‫اإللهيــة‪ .‬فضــول اإلنســان‪ ،‬والســعي للمعرفــة يُضفيــان‪ -‬فقــط‪ -‬معرفــة‬
‫تتناســب مــع وجــود اإلنســان‪ .‬لكــن‪ ،‬فــوق كل ذلــك يجــب علــى المــرء‬
‫العلــي‬
‫ّ‬ ‫يحــب اللــه‪ .‬مــن المســ َّلم بــه أن المعرفــة إحــدى صفــات‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫ـب المعرفــة عالمــة علــى اإلنســانية واالســتقامة‪.‬‬
‫القديــر؛ لذلــك فــإن حـ ّ‬
‫هــؤالء الذيــن يســعون للكســب الزائــف والــرديء واألنانيــة لــن يصلــوا‬
‫قمــة المعرفــة‪ .‬دع الثــروة واحتــرام العا ّمــة والشــهرة التــي تأتــي‬
‫إلــى ّ‬
‫لصاحبهــا بالمفخــرة تالئــم بعــض مــن ي َّتفــق معهــا‪ ،‬لكــن هــؤالء‬
‫ـدون مــن ســفلة القــوم‪.‬‬
‫ي َُعـ ّ‬

‫‪109‬‬
‫إذا كنــت شــغوف ًا بمعرفــة الحقيقــة والرغبــة فــي التعليــم‪ ،‬اســتمع بيقظة‪،‬‬
‫وكــن مجتهــد ًا‪ .‬المؤمــن باإلســام يجــب أن يعــرف أيــن تكمــن حقيقــة‬
‫اإليمــان؛ ذلــك أن اإليمــان ليــس عبــادة عميــاء ببســاطة‪ ،‬لنفتــرض أننــا‬
‫تعبــر عــن داللتــه‪ ،‬والنبــي‬
‫نؤمــن باللــه‪ ،‬هــذا يعنــي أن حكمــة القــرآن ِ ّ‬
‫المصطفــى‪ -‬ص ّلــى اللــه عليــه وســلم‪ -‬هــو مب ّلــغ رســالة اللــه‪ ،‬وهــي‬
‫القــرآن‪ .‬مــا الكســب مــن وراء هــذا اإليمــان؟ هــل تؤمــن باللــه ألنــه‬
‫اللــه‪ ،‬أم مــن أجــل نجاتــك وخالصــك؟ اللــه هــو العظيــم‪ ،‬ولــن يؤذيــه‬
‫فقدانــك اإليمــان بــه‪ .‬إذا قلــت إن إيمانــك ضــروري لنفســك فهــذا‬
‫جيــد‪ ،‬وهــذا يعنــي أنــك‪ ،‬فــي الحقيقــة‪ ،‬مؤمــن‪ ،‬ولكــن إذا كان إيمانك‬
‫ّ‬
‫مــن أجــل اإليمــان‪ ،‬فحســب‪ ،‬فلــن تظفــر بشــيء‪ .‬إيمانــك ســوف يثبــت‬
‫حقيقــة اســتقامتك‪ ،‬وســوف يعــود عليــك بالمنفعــة‪ ،‬إن رغبــت فيــه‬
‫رغبــة صادقــة‪ .‬يجــب أن تعــرف شــعور المعنــى والمقصــد‪ ،‬وتعــرف أن‬
‫َّ‬
‫تحققــت‪.‬‬ ‫عقالنيــة إيمانــك قــد‬

‫تقــول إنــك تؤمــن باللــه‪ ،‬وتؤمــن بصفاتــه وأســمائه الحســنى؛ إذ ًا‪،‬‬


‫ـان‬
‫يجــب أن تعــرف أســماء اللــه الحســنى‪ ،‬يجــب أن تعــرف عظمــة ثمـ ٍ‬
‫مــن صفــات اللــه‪ ،‬مــا إن تدعــو نفســك مســلم ًا‪ ،‬وتعبــد العلـ ّ‬
‫ـي القديــر‪،‬‬
‫العلــي القديــر ال‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫وتخضــع فكــرك ومقصــدك إلرادتــه العليــا‪ .‬خلــق‬
‫يمكــن تقليــده‪ ،‬ولكــن‪ ،‬يمكنــك اتّبــاع مناهجــه فــي أعمالــك‪ .‬هــذه‬
‫أ كثــر صفــات اللــه إشــعاع ًا‪ :‬الحيــاة‪ ،‬والمعرفــة‪ ،‬والقــوة‪ ،‬واإلرادة‪،‬‬
‫والبصيــرة‪ ،‬والســمع‪ ،‬والقــول أو الحديــث‪ ،‬واإلبــداع‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫الخالــق وهــب اإلنســان هــذه الصفــات الثمانيــة‪ ،‬وهــي مــن صفاتــه‪َ ،‬ع ّز‬
‫ـي القدير‪.‬‬ ‫وجـ ّ‬
‫ـل‪ ،‬ولــو أنهــا ليســت الكمــال المطلــق كمــا ينبغــي للعلـ ّ‬ ‫َ‬

‫ـد أنفســنا مســلمين إذا لــم ِ ّ‬


‫نوظــف هــذه الصفــات الموهوبــة مــن‬ ‫هــل نعـ ّ‬
‫اللــه وفق ـ ًا لمشــيئته وإرضائــه؟ يجــب أن نعــرف كيــف نتص ـ َّرف وفق ـ ًا‬
‫لهــذه الســمات العليــا للــه؛ ذلــك أن طبيعــة اللــه ال تحتــاج وصفـ ًا أ كثــر‬
‫ممــا هــي عليــه مــن الكمــال‪ .‬مــع ذلــك‪ ،‬يجــب أن تكــون لدينــا فكــرة‬
‫واضحــة‪ ،‬فــي أذهاننــا‪ ،‬عــن تلــك الصفــات المذكــورة آنفـ ًا‪ ،‬وإ ّلا فلــن‬
‫للعلــي القديــر‪ .‬لكــن‪ ،‬طالمــا أننــا نعــرف اللــه‬
‫ّ‬ ‫يكــون عندنــا إدراك‬
‫ظاهري ـ ًا فلــن يعــرف أحــد منــا اللــه فــي كمالــه المطلــق‪ .‬حتــى أحكــم‬
‫الحكمــاء لــن يســتوعب المعنــى الباطنــي ألفعالــه‪ ،‬ناهيــك عــن جوهــر‬
‫طبيعتــه‪ .‬اللــه ك ّلـ ّ‬
‫ـي القــدرة‪ ،‬لكــن قدرتنــا محــدودة‪ ،‬ومــن المســتحيل‬
‫مقارنــة الالمحــدود بالمحــدود‪ .‬فــي الحــرص علــى تثبيــث فكرتنــا‬
‫عنــه نـ ِ ّ‬
‫ـردد‪« :‬ال إلــه إال اللــه‪ ،‬وحــده ال شــريك لــه‪ ،‬الواحــد األحــد»‪،‬‬
‫فــوق ذلــك هنــاك مفهومــا «كينونــة اللــه»‪ ،‬و«الواحــد» ال يمكــن أن‬
‫ثمــة‬
‫ماهيــة اللــه؛ ذلــك أنهــا فــوق الفهــم اإلنســاني‪ ،‬وليــس ّ‬
‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫يوضحــا‪-‬‬
‫ظاهــرة لنقيــس بهــا وحــدة الواحــد‪ .‬وبالمثــل‪ ،‬هــذا القيــاس ينطبــق‬
‫علــى كمــال الكــون وســلطان اللــه عليــه‪ ،‬كمــا يتج ّلــى ذلــك فــي ُسـوَر‬
‫القــرآن الكريــم‪ ،‬حيــث اإلشــارة إلــى الثوابــث الثمانيــة المتج ّليــة فــي‬
‫وجـ ّ‬
‫ـل‪.‬‬ ‫أســمائه التســعة والتســعين التــي تص ـوّر قدرتــه‪َ ،‬ع ـ ّز َ‬

‫‪111‬‬
‫أود إمعــان النظــر فــي أربــع صفــات فقــط‪ :‬االثنتــان‬
‫لكــن‪ ،‬هنــا ّ‬
‫ِّ‬
‫تشــكل األخريــان ك ّل ًا‬ ‫ُ‬
‫األو َليــان‪ :‬المعرفــة‪ ،‬والقــدرة‪ ،‬فــي حيــن‬
‫ـص بالذكــر صفــة‬
‫وأود أن أخـ ّ‬
‫ّ‬ ‫اليتجـزّأ‪ ،‬وإضافــة إلــى جوهــر األو َل َي ْيــن‪.‬‬
‫إلهيــة أخــرى هــي الحيــاة‪ .‬نقــول‪« :‬ال إلــه إال اللــه الواحــد األحــد»‪،‬‬
‫ِّ‬
‫لنفكــر‪ ،‬م ّلي ـ ًا‪ ،‬فــي مــدى‬ ‫إننــا نخشــاه بصفتــه مصــدر المعرفــة‪ ،‬لكــن‪،‬‬
‫مفهومنــا لـ«الكينونــة» و«الواحــد» و«القــدرة» و«المعرفــة»‪ .‬ممــا ال‬
‫ّ‬
‫شــك فيــه أن قــوّة المعرفــة هــي قــوّة حقيقيــة‪ :‬حيثمــا توجــد الحيــاة‬
‫توجــد اإلرادة‪ ،‬وهذا‪-‬أيض ـ ًا‪ -‬ينطبــق علــى المعرفــة‪ .‬المعرفــة نفســها‬
‫ال تعطــي شــيئ ًا‪ّ .‬‬
‫كل حركــة علــى األرض بــإرادة قــدرة اللــه الك ّل ّيــة‪.‬‬
‫إحــدى الصفــات الجوهريــة لــإرادة هــي الكلمــة‪ ،‬ومــن الكلمــة‬
‫تتشـ َّ‬
‫ـكل الكلمــات؛ هــل فــي وســع الكلمــة االســتغناء عــن الحــروف‬
‫المكتوبــة والصــوت؟ كلمــة اللــه‪ -‬فقــط‪ -‬بــدون حــروف أو صــوت‪.‬‬
‫ـد مــن ســماع مــا يُقــال‪ ،‬ورؤيــة‬
‫طالمــا أن هنــاك حاجــة للــكالم فالبـ ّ‬
‫مــا هــو مرئــي‪ .‬اللــه ال يســمع‪ ،‬وال يــرى مثلنــا‪ ،‬فإحــدى صفاتــه‪َ -‬ع ـ ّز‬
‫ــي المعرفــة‪ ،‬ومصــدر المعرفــة‪.‬‬ ‫وج ّ‬
‫ــل‪ -‬أنــه ك ّل ّ‬ ‫َ‬

‫صفــة أخــرى مــن صفــات اللــه هــي الخلــق‪ ،‬أي أنــه ليــس لخلقــه‬
‫ّ‬
‫لــكل األشــياء‪.‬‬ ‫حــدود‪ .‬إنــه الخالــق‬

‫إذ ًا‪ ،‬مــن َثـ ّ‬


‫ـم فــإن المعرفــة والقــوة تُعطيــان اللــه صفاتــه الثمانــي ك ّلهــا‪.‬‬
‫المعرفــة مطلقــة وغيــر محــدودة‪ ،‬والقــدرة مطلقــة ومعصومــة‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫الحرفــي ي َ‬
‫ُحكــم عليــه مــن خــال عملــه‪ .‬اإلنســان ليــس لديــه القــدرة‬ ‫ِ‬
‫ويوجــد ّ‬
‫كل شــيء‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫المطلقــة علــى أن يخلــق‪،‬‬

‫إذا كان العقــل هــو سـ ّـيد اإلنســان‪ ،‬والمقــدرة تخدمــه فــي ّ‬


‫كل أفعالــه‪،‬‬
‫هــل هــي بالكيفيــة نفســها عنــد اللــه؟ بكلمــة أخــرى‪ :‬واحــدة تقــود‬
‫إلــى األخــرى‪ .‬ولكــن عندهــا‪ ،‬هــل يمكــن لصفــات اللــه الثمانــي‪ ،‬أن‬
‫تكــون فــي صــورة واحــدة‪ ،‬ولكنهــا مختلفـ ٌة ومســتق ّل ٌة كينونـ ًة؟ ّ‬
‫كل هذه‬
‫ِّ‬
‫تجســد‪ ،‬فــي مجملهــا‪،‬‬ ‫الخــواص الثمانــي صــادرة مــن خالــق واحــد‪،‬‬
‫الكمــال الفريــد لصــورة اللــه‪.‬‬

‫ســوف نقــع فــي خطــأ عندمــا نعــزو بعــض التصاميــم المســبقة إلــى‬
‫وحدتهــا فــي األســاس؛ ومــن َثـ َّ‬
‫ـم نؤمــن أن صياغتهــا هــي للتوضيــح أو‬
‫للتعبيــر عــن صــورة القديــر‪ .‬تكمــن مقــدرة اإلنســان فــي عقلــه وفــي‬
‫ـي القديــر تتج ّلــى فــي المعرفــة والحن ـ ّو والرحمــة‪.‬‬
‫معرفتــه‪ .‬قــدرة العلـ ّ‬
‫رغــم أن الحنـ ّو والرحمــة لــم تُذكــرا ضمــن صفاتــه الثمانــي‪ ،‬ذلــك أنهــا‬
‫مــن أســمائه‪ :‬الرحمــن‪ ،‬والرحيــم‪ ،‬والــرؤوف‪ ،‬والغفــور‪ ،‬والــودود‪....‬‬
‫حجتــي وبرهانــي وتؤيّدهمــا‪.‬‬ ‫تلــك األســماء ِ ّ‬
‫تؤكــد ّ‬

‫منطــق اســتنتاجي ِ ّ‬
‫يؤكــد أيض ـ ًا‪ ،‬وبطريقــة مماثلــة‪ ،‬التناســق المدهــش‬
‫لكونيــة الخالــق‪ .‬فــي الواقــع‪ ،‬كل شــيء ُص ّمــم لتبــادل المنفعــة‪:‬‬
‫ـدم غــذا ًء للمخلوقــات‬
‫الحيــة التــي ال تشــعر باأللــم تُقـ ّ‬
‫ّ‬ ‫األجســام غيــر‬
‫الحيــة؛ تُغـ ّ‬
‫ـذي الحيوانــات حيــاة الكائــن الذكــي‪ :‬اإلنســان‪ .‬الحيوانات‬ ‫ّ‬

‫‪113‬‬
‫مســتثناة مــن البعــث‪ ،‬فــي حيــن‪ ،‬يكــون اإلنســان‪ ،‬موهــوب العقــل‬
‫والســلطان علــى كل شــيء فــي األرض‪ ،‬قــادر ًا علــى اإلجابــة عــن‬
‫أعمالــه يــوم القيامــة ليدلــي بشــهادته أمــام اللــه ورحمتــه‪ .‬لقــد خلــق‬
‫اللــه اإلنســان‪ ،‬ليــس بصــورة الديــدان‪ ،‬أو الطيــور‪ ،‬أو المخلوقــات‬
‫قمــة جســده رأس ـ ًا‬
‫األخــرى‪ .‬إنــه جعــل لإلنســان ســاقين‪ ،‬وجعــل فــي ّ‬
‫ـدب علــى أربــع ليجمــع قوّتــه مثــل‬
‫لينظــر إلــى مــا حولــه‪ ،‬ولــم يجعلــه يـ ّ‬
‫الحيوانــات؛ وهــب الخالــق لإلنســان ذراعيــن ويديــن ليخدمــا رأســه‪،‬‬
‫ومنحــه أنفـ ًا ليســتروح باألريــج‪ ،‬منحــه عينيــن‪ -‬أيضـ ًا‪ -‬ل ُي ّ‬
‫لم بمــا حوله‪،‬‬
‫منحــه جفنيــن لحمايــة العينيــن‪ ،‬وأهدابــ ًا لمنــع احتــكاك الجفنيــن‪،‬‬
‫المتصبــب مــن الجبهــة‪ ،‬واللســان للتواصــل‬
‫ِّ‬ ‫لصــد العــرق‬
‫ّ‬ ‫وحاجبيــن‬
‫وللتفاهــم وللعمــل معـ ًا‪ .‬أليــس هــذا يثبــت حـ ّ‬
‫ـب اللــه لإلنســان؟ أليــس‬
‫أح ّبــك؟‬ ‫واجب ـ ًا عليــك ّ‬
‫رد الجميــل ِل َمــن َ‬

‫ـحب ًا لتنهمر‬
‫ـص الرطوبــة‪ ،‬وتعيدها ُسـ ُ‬ ‫ـف ِ ّ‬
‫وفكـ ْر‪ :‬الشــمس تمتـ ّ‬ ‫فقــط‪ ،‬تو َّقـ ْ‬
‫مطــر ًا علــى الــزرع‪ ،‬والعشــب واألزهــار التــي تُبهــج عيــن اإلنســان‬
‫ّ‬
‫لتغــذي الحيــاة علــى األرض‪،‬‬ ‫وقلبــه‪ّ ،‬‬
‫كل أنــواع الفاكهــة تنضــج‬
‫ـب فــي البحــار‪ ،‬والبحيــرات تطفــئ عطــش الطيــور‬
‫األنهــار التــي تصـ ّ‬
‫ُ‬
‫والق ّنــب والفاكهــة‬ ‫والحيوانــات‪ .‬األرض التــي تمنــح الخبــز والقطــن‬
‫والتــوت‪ ،‬تكمــن فــي أحشــائها المعــادن والثــروات‪ .‬الطيــور تمنــح‬
‫اإلنســان الريــش وال َبيــض واللحــم‪ ،‬المواشــي ّ‬
‫توفــر الحليــب والصــوف‬
‫ّ‬
‫يتكفــل النحــل‬ ‫والجلــد‪ .‬الميــاه تهــب الســمك وســمك َ‬
‫الك ْفيــار‪ ،‬فيمــا‬

‫‪114‬‬
‫بالعســل والشــمع‪ ،‬والحريــر يأتــي مــن دودة الق ـزّ‪.‬‬

‫ّ‬
‫«كل هــذا‬ ‫ليــس ثمــة أحــد فــي الدنيــا يقــول عــن هــذه الخيــرات‪:‬‬
‫لــي»‪ .‬كل هــذه الخيــرات لإلنســانية‪ .‬المعامــل واآلالت ُصنعــت بجهــد‬
‫عمــال مهــرة‪ ،‬وهــي‪ -‬أيض ـ ًا‪ -‬مُ َعـ ّ‬
‫ـدة لخدمــة البشــر‪.‬‬

‫العلــي القديــر لإلنســان؟ أليــس مــن‬


‫ّ‬ ‫حــب‬
‫ّ‬ ‫أليــس هــذا دليــ ً‬
‫ا علــى‬
‫بالحــب؟‬
‫ّ‬ ‫الحــب‬
‫ّ‬ ‫واجــب اإلنســان مكافــأة‬

‫ٍ‬
‫خــال‬ ‫مــن أجــل أال يفنــى الجنــس البشــري فــإن الصنــف الحيوانــي‬
‫ثمــة ضــرر لألجيــال الالحقــة‪،‬‬ ‫مــن الجشــع المطلــق؛ ومــن َثـ َّ‬
‫ـم‪ ،‬فليــس ّ‬
‫الشــيء ذاتــه جعلــه اللــه لإلنســان‪ ،‬طامعــ ًا وجشــع ًا‪ ،‬ثــم وقــاه مــن‬
‫الحيوانــات‪.‬‬

‫الحيوانــات تســتخدم قوّتهــا وســرعتها‪ ،‬الجئـ ًة فــي قــاع الميــاه‪ ،‬وعاليـ ًا‬
‫ــي لديــه الحافــز‬ ‫عنــد الجبــال‪ ،‬وفــي أعمــاق الغابــات؛ ّ‬
‫كل كائــن َح ّ‬
‫علــى التكاثــر بغريــزة البقــاء والعنايــة بنشــئه‪ .‬فــي تخطيــط األشــياء‬
‫ونظامهــا ال يتســاوى الحيــوان باإلنســان‪ ،‬بــل يجــب أن يــزوّد الحيــوان‬
‫اإلنســان بالغــذاء‪ ،‬كل هــذا يتج ّلــى فــي فضــل اللــه وعدالتــه لنــا‪.‬‬

‫يجــب أ ّلا نتو َّقــف عــن التفكيــر بــأن الرحمــة والعدالــة مــن وصايــا‬
‫الشــريعة‪ .‬كوننــا مســلمين ومؤمنيــن باللــه‪ ،‬أال يعنــي أن ن ّتبــع وصايــاه‬
‫دون وهــن؟ هــل نحتــاج مزيــد ًا مــن األد ّلــة‪ ،‬التــي هــي واضحــة‪ ،‬علــى‬

‫‪115‬‬
‫عنايــة اللــه واهتمامــه بنــا؟‬

‫نحمــل أنفســنا عبء‬


‫ّ‬ ‫نريــد أن نــرى عمــل الخيــر مــن النــاس‪ ،‬ولكننــا ال‬
‫االهتمــام بجيراننــا‪ .‬أليــس ذلــك إثم ًا؟‬

‫ـد مســلم ًا‪ .‬فــي أحــس أحوالــه‬


‫الــذي يســمح بالش ـ ّر‪ ،‬وال يقاومــه‪ ،‬ال ي َُعـ ّ‬
‫هــو مســلم فاتــر‪ ،‬تعــوزه الحماســة‪.‬‬

‫العلــي القديــر؟ كثيــرون م ّنــا ال يعرفــون‪ .‬لــم أ َر مســلم ًا‬


‫ّ‬ ‫أيــن يتج ّلــى‬
‫مســتغرق ًا ِ ّ‬
‫مفكــر ًا فــي أحاديــث النبــي‪ :‬يتأ ّمــل فــي صنــع اللــه أو يتبــع‬
‫يحببــك‪ .‬أحســن إلــى النــاس‪ ،‬ذلــك أن‬
‫ْ‬ ‫ابتهــال المص ّلــي‪ :‬أحبــب اللــه‬
‫ـب المحســنين‪ .‬المؤمــن الــذي ينجــز عملــه مثــواه الجنــة‪.‬‬
‫اللــه يحـ ّ‬

‫ـب واإلحســان وعمــل الخيــر‪،‬‬ ‫القــرآن يزخــر بآيــات تحـ ّ‬


‫ـث علــى الحـ ّ‬
‫مــع ذلــك ال أحــد م ّنــا ينظــر‪ ،‬بعمــق‪ ،‬فــي معنــى تلــك اآليــات؛ تعوزنــا‬
‫القــدرة والمعرفــة الكافيــة لفهــم هــذه الحقائــق‪.‬‬

‫«ثمــة أنــاس يؤمنــون باللــه‪ ،‬ويحســبون أنفســهم يك ّرســون عبادتهــم للــه‬


‫ّ‬
‫ـب هــؤالء المعلوليــن»‪.‬‬
‫بعمــل الخيــر لآلخريــن‪ ،‬فليعلمــوا أن اللــه ال يحـ ّ‬

‫اإلســام الــذي أتــى بــه النبــي‪ -‬عليــه الصــاة والســام‪ -‬يع ِّلمنــا أن‬
‫«الظالــم ال ضميــر لــه‪ ،‬والــذي ال ضميــر لــه‪ ،‬ال إيمــان لــه»؛ مــن‬
‫َــم نحــن نــرى أن اإليمــان ال يأتــي مــن تلقــاء نفســه‪ ،‬بــل يولــد‬
‫ث ّ‬

‫‪116‬‬
‫مــن العــدل والعمــل الصالــح‪ ،‬لكــن العــدل والفضيلــة ال ت ُْكتســبان‬
‫ـد مــن هــذا البرهــان‪ :‬تــرى‬
‫بالصــاة والعبــادة العميــاء فقــط‪ .‬وهنــا‪ ،‬البـ ّ‬
‫ِّ‬
‫متحمســين فــي صالتهــم‪ ،‬وصارميــن فــي صومهــم‪ ،‬لكــن‬ ‫المســلمين‬
‫أم العمــل الصالــح‪ .‬الضميــر والســمعة‬‫هــذا ال يكفــي‪ .‬االســتقامة هــي ّ‬
‫مليـ ًا‪ ،‬ويســأل نفســه‪:‬‬ ‫ّ‬
‫ويفكــر ّ‬ ‫ـرئ ّ‬
‫يتوقــف‬ ‫ُب امـ ٍ‬
‫يأتيــان مــن االســتقامة‪ .‬ر َّ‬
‫«لمــاذا أستحســن العمــل الصالــح وأطريــه‪ ،‬بينمــا ال أشــارك فيــه؟»‬
‫أال يـ ّ‬
‫ـدل ذلــك علــى االســتقامة والصــدق؟ أليــس ذلــك بدايــة العمــل‬
‫الصالــح؟‪ ،‬والمــرء باآلخريــن‪ ،‬أليــس تعبيــر ًا عــن التع ّلــق بالخالــق؟‬

‫الرغبــة فــي عمــل الخيــر تولــد مــع القــدرة علــى الرضــى بالقليــل‪ .‬ال‬
‫ـس االســتقامة‪ ،‬والتـ ّ‬
‫ـكل مــن فعــل الخيــر‪ .‬اإليمــان واإلنســانية‬ ‫تفقــد حـ ّ‬
‫ّ‬
‫أقــل مــن االســتقامة‪ .‬كمــا يع ِ ّلمنــا الصوفــي‬ ‫وحــب الرحمــة ليســوا‬
‫ّ‬
‫الهــادي أن خطيئــة واحــدة تو ِّلــد مئـ ٍ‬
‫ـات غيرهــا‪.‬‬

‫ـي القديــر‪ ،‬فــي عقولنــا‪ ،‬أنــه ك ّلــي العلــم والرحمــة حقيقـ ًة‪.‬‬
‫نتصـوّر العلـ ّ‬
‫لــو أن ســمات المعرفــة والشــفقة واالســتقامة ظاهــرة عنــدك‪ ،‬هــذا يعني‬
‫أنــك باحــث عــن التعليــم‪ ،‬وأنــك مســلم حقيقــي وموهــوب لإلنســانية‪.‬‬
‫يتجســدان في ثــاث مناقــب‪ :‬الصدق‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مــن الشــائع أن الشــهامة والنبــل‬
‫والنيــة الحســنة‪ ،‬والعقل الســليم‪.‬‬
‫ّ‬

‫والنيــة الحســنة والرحمــة‪ ،‬والعقــل‪ -‬كمــا‬


‫ّ‬ ‫الصــدق تجســيد لالســتقامة‬
‫نعلــم‪ -‬مــن ســمات المعرفــة‪ .‬هــذه الســجايا‪ ،‬ولــو كانــت صغيــرة فــي‬

‫‪117‬‬
‫خاصــة باإلنســان‪ ،‬وهــي عملــه‪ ،‬ف ْليكافــح فــي‬
‫ّ‬ ‫المقارنــة‪ ،‬إال أنهــا‬
‫َّ‬
‫ويتذكرهــا‪ ،‬ويحفظهــا فــي قلبــه‪ .‬وال‬ ‫ضبطهــا وفــي أعمــال الخيــر‪،‬‬
‫يمكــن تحقيــق ذلــك إال بالرغبــة الخالصــة‪ ،‬وبالجهــد المتواصــل الــذي‬
‫ّ‬
‫يــكل صاحبــه‪ .‬يمتلــك النبــي الســجايا الثــاث الســابقة‪ ،‬وكذلــك‬ ‫ال‬
‫األوليــاء والعلمــاء والمســلمون الخ ّلــص؛ تلــك الخصــال مُ َعـ ّ‬
‫ـدة لخدمــة‬
‫ـب‪ ،‬بــل‬
‫ـي القديــر‪ ،‬لقــد بشّ ــر بهــا النبــي‪ ،‬واعتنقهــا األوليــاء بحـ ّ‬
‫العلـ ّ‬
‫ـب‪ ،‬فقــط‪ ،‬علــى حيــاة الخلــود وراء القبــر‪ .‬مــع‬
‫ـب األوليــاء منصـ ّ‬
‫إن حـ ّ‬
‫ذلــك‪ ،‬فقــد انصرفــوا عــن لهــو الدنيــا ومباهجهــا‪ .‬علــى ّ‬
‫كل حــال‪،‬‬
‫ومهتمــون بهــا‪ .‬أحــكام‬
‫ّ‬ ‫العلمــاء ّ‬
‫يفكــرون بالحيــاة فــي هــذه الدنيــا‪،‬‬
‫األوليــاء والعلمــاء متعارضــة‪ ،‬ولــو أنهــم ليســوا بعيديــن فــي نظرتهــم‪،‬‬
‫وكل منهــم يدعــم تعاليــم اللــه‪ .‬ولكــن‪ ،‬أليســت ّ‬
‫كل مجادلــة تنتهــي‬ ‫ّ‬
‫متبــادل؟‬
‫َ‬ ‫برضــى‬

‫مثــل طبيعــة اإلنســان‪ ،‬المعرفــة والعقــل‪ ،‬يســند أحدهمــا اآلخــر مــن‬


‫دون عنــف‪ .‬إنهمــا ينفــران مــن االزدواجيــة‪ ،‬إنهمــا يع ِّلماننــا الرحمــة‬
‫والصــدق وعمــل الخيــر‪ ،‬ومــا شــابه ذلــك‪ ،‬يع ِ ّلماننــا الشــفقة‪.‬‬

‫ّ‬
‫بالشــك‪ ،‬فقــط‪،‬‬ ‫أعتقــد أن األوليــاء والعلمــاء يبحثــون عــن اليقيــن‬
‫إلرضــاء غرورهــم‪ .‬قــد يختــار البشــر المذاهــب التــي يحـ ّ‬
‫ـث أصحابهــا‪،‬‬
‫ـدد الصــارم والتواضــع الكامــل‬
‫عــن طريــق الوعــظ الروحــي‪ ،‬علــى التشـ ُّ‬
‫اللذيــن َمـ ْ‬
‫ـن شــأنهما أن يذهبــا بالعالــم إلــى الخــراب والفســاد‪ .‬آنئــذ‪،‬‬

‫‪118‬‬
‫ويصــد األعــداء‪ ،‬ويحيــك المالبــس‪ ،‬ويبــذر‬
‫ّ‬ ‫مــن يرعــي القطعــان‪،‬‬
‫القمــح‪ ،‬وينتــزع الثــروة مــن أحشــاء األرض؟ أال يعنــي ذلــك أننــا‬
‫ّ‬
‫الفــظ والجاحــد هــذا‪ ،‬للخطــر‪ ،‬وذلــك بإنكارنــا‬ ‫نتعــ ّرض‪ ،‬بســلوكنا‬
‫العلــي القديــر؟‬
‫ّ‬ ‫للخيــرات الممنوحــة لنــا مــن‬

‫هــؤالء الذيــن اختــاروا هــذا الطريــق‪ ،‬ربَّمــا يكونــون محكوميــن‬


‫ّ‬
‫للكفــار‪ ،‬والضعــف داخلهــم يتركهــم‬ ‫بالــزوال‪ ،‬أو يكونــون فريســة ســهلة‬
‫ـدر ًا لنصــف المســلمين‪،‬‬
‫فــي طريــق الخــزي‪ .‬إن كان هــذا الطريــق مقـ ّ‬
‫ـح للنصــف‬
‫ثمــة‪ -‬بالمقابــل‪ -‬شــيء يصـ ّ‬
‫فهنــا ينشــأ هــذا الســؤال‪ :‬هــل ّ‬
‫اآلخــر‪ ،‬مثــل الحقيقــة؟ يجــب أن تكــون الحقيقــة لـ ّ‬
‫ـكل إنســان‪ .‬هــل‬
‫ثمــة انتقــاء فــي الحقيقــة‪ ،‬أو انتقــاء فــي االســتقامة؟ إن كان ذلــك‬
‫كذلــك‪ ،‬فليــس ثمــة حيــاة للنــاس مطلقـ ًا‪ .‬بالنســبة إلــى الحيــاة‪ ،‬األهـ ّ‬
‫ـم‬
‫ثمــة كمــال بــدون الحيــاة‪ .‬عندهــا‪ّ ،‬‬
‫كل األوليــاء لــن‬ ‫هــو المطلــق‪ ،‬ليــس ّ‬
‫ثمــة ثالثــة مــن أقــرب‬
‫الخيــرة فــي العالــم‪ .‬نعــرف أنــه ّ‬
‫ّ‬ ‫يــزدروا األعمــال‬
‫أنصــار النبــي إليــه‪ ،‬وهــم مشــهورون بثرائهــم‪ :‬عثمــان‪ ،‬وعبدالرحمن بن‬
‫نفســر صرامــة تقشُّ ــف األوليــاء‬ ‫عــوف‪ ،‬وســعد بــن أبــي ّ‬
‫وقــاص‪ .‬لعلنــا ّ‬
‫بنقــص إيمانهــم بمقدرتهــم‪ ،‬بخشــيتهم اللــه مــن مغريــات متــاع الدنيــا‬
‫يقدمــون المثــال‬
‫ولهوهــا‪ ،‬أو‪ -‬ربَّمــا‪ -‬هــم‪ ،‬بنكرانهــم لذواتهــم‪ ،‬إنمــا ّ‬
‫ل َث ْنــي النــاس عــن الجشــع‪ ،‬والتخ ّلــي عــن هــوى الشــيطان وعــن حـ ّ‬
‫ـب‬
‫ـث‬ ‫ـب واإلحســان! إذا كان ّ‬
‫كل ذلــك لحـ ّ‬ ‫الــذات‪ ،‬أو اختيــار صــراط الحـ ّ‬
‫ـب فحســب‪ ،‬فــإن تضحيتهــم غيــر مبـ َّررة‪ ،‬هــذا النهــج‬
‫النــاس علــى الحـ ّ‬

‫‪119‬‬
‫خطــأ وخطيــر‪.‬‬

‫فقــط‪ ،‬األشــخاص الذيــن يلتزمــون باإليمــان المطلــق‪ ،‬والذيــن يتم ّتعون‬


‫بــروح قو ّيــة‪ ،‬والذيــن يتوافــرون علــى معرفــة كبيــرة‪ ،‬ويمتلكــون إرادة‬
‫صلبــة‪ ،‬يــرون ضــوء الحقيقــة‪ .‬مــن المســتحيل‪ -‬تقريبـ ًا‪ -‬أن تجــد هــذه‬
‫الخصــال عنــد شــخص واحــد‪ ،‬أو إنهــم بإحرازهــم المزعــوم لتلــك‬
‫الخصــال‪ ،‬ربّمــا يتحوّلــون إلــى ُخبثــاء أو مشــعوذين أو ّ‬
‫أفاكيــن‪.‬‬

‫الرغبــة فــي أن يم ِ ّيــز المــرء نفســه أو يتعالــى عــن الجميــع تفســد طبيعتــه‬
‫اإلنســانية‪ .‬اإلنســان الجهــول الــذي يســلك مذهــب التشــدد زاعمـ ًا أنهــا‬
‫ّ‬
‫المفكــر والعالــم‬ ‫معرفــة‪ ،‬إنمــا هــو‪ ،‬بتلــك الوســيلة‪ ،‬يعتــرف بفجــوره‪.‬‬
‫ينتهجــان الســبيل نفســه‪ ،‬ولكــن‪ ،‬بطريقــة أخــرى‪ ،‬للمعرفــة‪.‬‬

‫الماديــة عــن العالــم إنمــا تنتقــل إلينــا عــن قاعــدة ســلوكية‬


‫ّ‬ ‫المعرفــة‬
‫أخالقيــة‪ ،‬المع ِّلمــون لهــذه القاعــدة ندعوهــم علمــاء‪.‬‬

‫ثمــة خلــق دون ســبب‪ .‬ربّمــا يكــون العلمــاء ممسوســين‬


‫ليــس ّ‬
‫بتوقهــم لســبر أغــوار كينونــة اللــه‪ ،‬التــي هــي غيــر مح ّرمــة علــى أحــد‪،‬‬
‫ـب اللــه! إال أنــه مــن المناســب‬
‫أو‪-‬ربّمــا‪ -‬يســعون إلــى المطلــق فــي حـ ّ‬
‫الحــب إذا كان المــرء تعــوزه معرفــة اللــه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الحديــث عــن مثــل هــذا‬
‫الحــب نتــاج المعرفــة الواضحــة‪ ،‬واإليمــان المطلــق‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مــع ذلــك فــإن‬
‫ـس األخالقــي بالعرفــان تجــاه اللــه؛ ألنــه خلــق اإلنســان بكثيــر‬
‫والحـ ّ‬

‫‪120‬‬
‫ـب والرحمــة‪ ،‬هــذا‪ ،‬فقــط‪ ،‬مــا‬
‫ـب‪ ،‬ومنحــه القــدرة علــى الحـ ّ‬
‫مــن الحـ ّ‬
‫ـي القديــر‪.‬‬
‫ـب الخالــص للعلـ ّ‬
‫ـميه الحـ ّ‬
‫نسـ ّ‬

‫فقــط‪ ،‬هــؤالء الباحثــون عــن معرفــة اللــه‪ ،‬المتنـ ِّورون‪ ،‬والذيــن ينظــرون‬
‫(المســبب) األ َّول‪ ،‬إلــى ظاهــرة األشــياء المدركــة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫إلــى الســبب أو‬
‫هــؤالء هــم الذيــن يسـ ّ‬
‫ـتحقون لقــب (علمــاء)‪.‬‬

‫إنهــم يبحثــون عــن الحقيقــة واالســتقامة‪ ،‬والصــاح لإلنســانية‪ ،‬ذلــك‬


‫ثمــة مثــل هــؤالء‬
‫ثمــة متعــة تســاوي متعــة بحثهــم هــذا‪ ،‬ليــس ّ‬
‫أنــه ليــس ّ‬
‫ممــن يســلكون الطريــق الصحيــح‪ .‬العالــم بأســره ي ّتجــه‬ ‫ِّ‬
‫المفكريــن ّ‬
‫إلــى الدمــار والخــراب‪ .‬هــؤالء العلمــاء الخ ّلــص هــم العمــود الفقــري‬
‫ـكل أعمــال اإلنســانية‪ :‬يضعــون أفكارهــم فــي خدمــة ّ‬
‫كل شــيء علــى‬ ‫لـ ّ‬

‫موجــه لحيــاة أفضــل؛ ذلــك‪ -‬كمــا يقــال‪ -‬أن الحيــاة‬


‫األرض‪ ،‬نشــاطهم ّ‬
‫الدنيــا هــي الفــاح مــن أجــل الحيــاة اآلخــرة‪.‬‬

‫لكن َّ‬
‫كل حكيم هو عالم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ليس كل عالم حكيم ًا‪،‬‬

‫اإليمــان التقليــدي يُكتســب بمســاعدة مــن التعليــم األخالقــي للعقــول‬


‫ّ‬
‫المثقفــة‪ ،‬غيــر أن التنويــر الــذي يأتــي مــن الحكيــم يتحـوّل إلــى إيمــان‬
‫ّ‬
‫يتحقــق عــن طريــق الحكمــاء الذيــن فهمــوا المعنــى‬ ‫صــادق‪ .‬هــذا‬
‫الســامي لإلســام‪ ،‬طــ ّلاب المعرفــة الدنيويــة‪ ،‬علــى ٍ ّ‬
‫كل‪ ،‬ال يعرفــون‬
‫مبــادئ الديــن‪ ،‬بالرغــم مــن نجاحهــم‪ ،‬فــي أثنــاء بحثهــم عــن الحقيقــة‪،‬‬

‫‪121‬‬
‫فــي فـ ّ‬
‫ـك ألغــاز الكــون وظهــور اإلنســان‪ .‬فيمــا يتع ّلــق بالشــروط الســبعة‬
‫للشــريعة هــم قــادرون علــى إدراك اللــه فقــط‪ ،‬إال أنهــم ال يمكنهــم‬
‫إخبــار عبــاد اللــه عــن أعــداء اللــه‪ .‬رغــم أنهــم ال يمكــن أن يكونــوا‬
‫ّ‬
‫يســتحقون عرفاننــا لهــم بالجميــل‪ ،‬أو‪-‬‬ ‫رُعاتنــا الروحييــن‪ ،‬إ ّلا أنهــم‬
‫كمــا قــال النبــي فــي الحديــث الشــريف‪ : -‬خيــر النــاس أنفعهــم‬
‫النــاس»‪ .‬هــؤالء الرجــال ال يعرفــون النــوم أو االســتكانة أو اللهــو؛‬
‫إنهــم يثابــرون علــى اكتشــاف كل مــا يفيــد اإلنســانية دون تعــب أو‬
‫كلــل‪ .‬لقــد أعطــوا لإلنســانية الكهربــاء‪ّ ،‬‬
‫ومكنــوا اإلنســان مــن االتّصــال‬
‫بأخيــه اإلنســان عبــر مســافات هائلــة‪ ،‬لقــد أخضعــوا المــاء والنــار‬
‫إلنجــاز أعمــال ضخمــة ال يقــدر عليهــا آالف الرجــال‪ .‬إنهــم يحســنون‬
‫توظيــف العقــل البشــري‪ ،‬لقــد علمونــا التمييــز مابيــن الخيــر والشــر‪،‬‬
‫ونحــن‪ -‬بالتأ كيــد‪ -‬مدينــون لهــم بكثيــر مــن األشــياء‪.‬‬

‫ـد تعليــم النــاس‪ ،‬والحقيقــة‪:‬‬


‫فــي وقتنــا الحاضــر‪ ،‬الماللــي يقفــون ضـ ّ‬
‫الســيئة‬
‫ِّ‬ ‫هــم يعلمــون‪ -‬أيضــ ًا‪ -‬أن جهــل رجــال الديــن أو نواياهــم‬
‫تكمــن فــي قولهــم إن اإلنســان م ّيــال بطبعــه إلــى الخطيئــة‪ .‬العديــد‬
‫مــن تالميذهــم تع ّلــم بعــض الصلــوات‪ ،‬بالعربيــة أو بالفارســية‪ ،‬ويــرون‬
‫أنفســهم قادريــن علــى الدخــول فــي نقــاش وجــدال‪ ،‬بكبريــاء كاملــة؛‬
‫بــد ً‬
‫ال مــن العمــل الصالــح‪ ،‬يســيئون للنــاس‪ ،‬ويقودونهــم إلــى الضــال‬
‫والتبجــح الفــارغ‪ .‬بعضهــم يســيء‪ ،‬ليــس عــن‬
‫ّ‬ ‫بلجوئهــم إلــى الصخــب‬
‫نيــة خبيثــة‪ ،‬بــل امتثــا ً‬
‫ال لغريــزة طبيعيــة‪ .‬إنــه َلمِ ــن دواعــي الســرور أن‬ ‫ّ‬

‫‪122‬‬
‫نــرى بعض ـ ًا منهــم يلتفتــون إلــى حكمــة النصيحــة بالعــودة إلــى ثنايــا‬
‫الضميــر لديهــم‪ ،‬لكــن‪ ،‬هــل تقولــون عــن شــخص يعيــق الحقيقــة‬
‫إنــه صاحــب ضميــر؟ الغــرور يفســد إدراك المــرء‪ .‬إن كانــت الحقيقــة‬
‫حســن بالمــرء أ ّلا‬
‫مازالــت تدعــى الحقيقــة‪ ،‬والحقيقــة هــي اللــه‪ ،‬ف َي ُ‬
‫تفهــم ذلــك جيــد ًا؛ ذلــك أن الضــال يقــود إلــى‬
‫يعارضهــا‪ ،‬وليحــاول ُّ‬
‫مخاطــر النفــور مــن الديــن‪.‬‬

‫ــك َك َأ ْل ِ‬
‫ــف‬ ‫ًا‪ ‬ع ْن َد‪ ‬ر ِ َّب َ‬
‫يقــول اللــه تعالــى‪ ،‬فــي كتابــه العزيــز‪َ « :‬و ِإنَّ‪َ  ‬ي ْوم ِ‬
‫ون» (ســورة الحــج ) والســؤال‪ :‬كــم مــن المص ّليــن‬
‫ــد َ‬
‫َســ َن ٍة ِم َّمــا ت َُع ُّ‬
‫ســيكونون هنــاك ذاك اليــوم؟ العالمــون ســيعرفون ذاك اليــوم‪.‬‬

‫أال تد ّلنــا أحاديــث النبــي علــى أن شــريعة الديــن ومبادئــه ســتتغ ّير إلــى‬
‫شــكل آخــر‪ ،‬مــع الزمــن؟‬

‫فــي الزمــن الحاضــر‪ ،‬تعليــم المــدارس ميئــوس منــه‪ ،‬وهــو خــارج‬


‫الزمــن؛ ممــا يـ ّ‬
‫ـدل‪ ،‬ال علــى عقمهــا فحســب‪ ،‬بــل علــى أذاهــا أيض ـ ًا‪.‬‬
‫وفقـ ًا لذلــك‪ُ ،‬فتحــت مــدارس جديــدة فــي تركيــا فــي مــوازاة الالهــوت‬
‫والعســكرة وعلــوم أخــرى‪ ،‬شــبابنا أنفقــوا ســنوات عديــدة فــي حفــظ‬
‫فــارغ‪ ،‬عــن ظهــر قلــب‪ ،‬فــي المــدارس‪ ،‬ليصبحــوا جهلــة‪ ،‬وغيــر‬
‫عقالنييــن‪ ،‬وعاجزيــن عــن العمــل‪ ،‬وسيعيشــون عــن طريــق الحيلــة‬
‫والخــداع‪ .‬تعاليــم الماللــي ال تجلــب غيــر األلــم‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫جمــال الكــون المخلــوق ّ‬
‫يعظــم العقــل البشــري‪ .‬يحــدث أن يجــد‬
‫المــرء نفســه فــي َعــوَز وحاجــة‪ ،‬ســيفقد طبيعتــه اإلنســانية ويتحــوّل‬
‫إلــى حيــوان‪ .‬ليســت لديــه الرغبــة فــي فهــم العلــوم وفــي التع ّلــم‪ ،‬هــذه‬
‫ثمــة عا َلــم مــن االختــاف بيــن الثــروة التــي‬
‫الجهالــة يدينهــا القــرآن‪ّ .‬‬
‫ـد تلبيــة الحاجــة‪ ،‬دون اللجــوء‬
‫تقــود إلــى القـوّة‪ ،‬وبيــن تكديســها؛ قصـ َ‬
‫إلــى اآلخريــن‪ .‬يجــب أ ّلا نبحــث عــن المعرفــة قصـ َ‬
‫ـد الربــح‪ ،‬يجــب‬
‫ثمــة أنبــل ِمــن‬
‫ـن كنــز ال ينضــب‪ ،‬وليــس ّ‬
‫توظيفهــا لكســب المعرفــة‪ .‬الفـ ّ‬
‫تع ُّلمــه‪ ،‬يجــب أن تكــون المعرفــة فــي خدمــة االســتقامة وتكييفهــا بمــا‬
‫يتط ّلبــه نامــوس الديــن‪ .‬يجــب علــى المــرء أن ي ُْكبــر أعمــال اآلخريــن‬
‫الخيــرة‪ ،‬بــل يعمــل هــو نفســه الخيــر‪.‬‬
‫ّ‬

‫أود أن أحذركــم مــن هــؤالء‪ ،‬أصحــاب‬


‫بالنســبة إلــى أقــوال الماللــي‪ّ ،‬‬
‫المرتبــة الدينيــة الدنيــا‪ :‬تعاليمهــم زائفــة ومحفوفــة بالمخاطــر‪ .‬الكثيــر‬
‫منهــم جهلــة‪ ،‬وال يفقهــون شــيئ ًا فــي الشــريعة‪ ،‬رغــم اختيارهــم هــذا‬
‫الطريــق‪ .‬إنهــم يحاولــون تعليــم اآلخريــن‪ ،‬فــي حقــد‪ ،‬القليــل مــن‬
‫معرفتهــم‪ ،‬تعاليمهــم الدينيــة المضللــة ال تضــ ّر فحســب‪ ،‬إنمــا هــي‬
‫زائفــة‪ .‬إنهــم يجــدون مــن يســاندهم مــن األغبيــاء‪ ،‬وكالمهــم مز َّيــف؛‬
‫عالماتهــم فــي التعليــم صلــوات مصحوبــة بســبحة‪ ،‬وعمامــة‪ ،‬وال شــيء‬
‫غيــر ذلــك‪.‬‬

‫أطفالــي األعـزّاء‪ ،‬يجــب أن تعرفــوا أن الطريــق إلــى اللــه غيــر نهائــي‪،‬‬

‫‪124‬‬
‫وليــس مقصــور ًا علــى أحــد‪ .‬الــذي يعــزم علــى اتّبــاع هــذا الطريــق‬
‫ـد مســلم ًا حقيقيـ ًا‪ .‬ولكــن‪ ،‬إن كان غرضــك هــو كســب الثــروة فاعلــم‬
‫ي َُعـ ّ‬
‫أن هــذه العقليــة الض ّيقــة ال تقــود إلــى اللــه‪ .‬إذا عزمــت علــى مشــاركة‬
‫خيــرة‪ ،‬فأنــت فــي‬
‫اآلخريــن مالــك وقطعانــك وتعليمــك وأشــياء أخــرى ّ‬
‫ـي القديــر‪ ،‬الطريــق الــذي ال نهايــة لــه‪.‬‬
‫طريــق الصــواب نحــو العلـ ّ‬

‫ـدون عبــاد ًا صالحيــن‪ ،‬الطريــق‬


‫هــؤالء الذيــن اختــاروا هــذا الطريــق ي َُعـ ّ‬
‫الــذي ليــس ثمــة مــا هــو أفضــل منــه‪ ،‬مقارن ـ ًة ببعــض النــاس‪ّ ،‬‬
‫ممــن‬
‫ـدون‬
‫همهــم إظهــار أنفســهم‪ ،‬بعنايتهــم بمالبســهم وطريقــة مشــيهم‪ ،‬يعـ ّ‬
‫ّ‬
‫أفعالهــم هــذه جديــرة بالثنــاء‪ ،‬مثــل هــؤالء توّاقــون للتباهــي‪ ،‬كمــا لــو‬
‫أنهــم فــي ســوق‪ ،‬مثيــرون حســد البلهــاء الذيــن تكمــن عقولهــم فــي‬
‫عيونهــم‪ .‬انظــر إليهــم‪ :‬بعضهــم تأ كلــه الغيــرة حســد ًا‪ ،‬فــي حيــن يحــاول‬
‫آخــرون تقليدهــم‪ .‬مــن يكســب مــن هــذا ك ّلــه؟ كــم مــن الجهــد ينفقــه‬
‫هــؤالء لمجـ ّرد التأثيــر فــي اآلخريــن‪ ،‬بمظهرهــم؟ غيــر أن فضيلــة المــرء‬
‫يميــز‬
‫ال تكمــن فــي مظهــره‪ ،‬بــل فــي جوهــر روحــه؛ ذلــك أن اللــه ِ ّ‬
‫المتعصبــون يضيفــون مثقــال َذرّة‬
‫ِّ‬ ‫النــاس بهــذه المنقبــة‪ .‬هــل هــؤالء‬
‫يتحســن إلــى مــا ال نهايــة‪ ،‬وال يـ ّ‬
‫ـكل‬ ‫َّ‬ ‫إلــى عقولهــم؟ العقــل البشــري‬
‫ـب الخيــر والعمــل الصالــح‪.‬‬
‫مــن حـ ّ‬

‫والتجــدد‪ .‬مــن‬
‫ُّ‬ ‫خلــق اللــه الكــون ببراعــة مطلقــة‪ ،‬ليســتطيع النمــ ّو‬
‫ننمــي عــدد أصدقائنــا؛ وهــذا يتو َّقــف علــى عملنــا‬
‫ـدس أن ّ‬
‫واجبنــا المقـ َّ‬

‫‪125‬‬
‫ـود‪ -‬علــى‬
‫الصالــح وطيبــة القلــب بيننــا‪ ،‬شــيء يســتدعي االســتجابة للـ ّ‬
‫ّ‬
‫األقــل‪ -‬ال تأمُّ ــل الشــر عنــد اآلخريــن‪ ،‬أن ال تلوكهــم بكلماتــك أو‬
‫عــدة طــرق لتهذيــب النفــس‪ :‬أو ً‬
‫ال‪،‬‬ ‫ثمــة ّ‬
‫أفعالــك‪ .‬فــي هــذا الســبيل ّ‬
‫صــون شــرف المــرء حتــى فــي أعظــم المحــن‪ .‬ثانيـ ًا‪ ،‬إطــراؤك لنفســك‬
‫الخيــرة‪ ،‬فقــط‪ ،‬هــو مــا يؤذيــك‪ .‬ثالث ـ ًا‪ ،‬الحقــد‬
‫ّ‬ ‫والثنــاء علــى أعمالــك‬
‫يُفســد احتــرام اآلخريــن‪ ،‬ويسـ ّـبب اإلذالل الــذي يو ّلــد الحقــد‪ .‬التفاخر‬
‫المتكـ ِّرر‪ ،‬لــه عواقــب وخيمــة‪ ،‬ومن شــأنه إثارة الحســد‪ ،‬والحســد يعقبه‬
‫مزيــد مــن الحســد‪ .‬انعــدام هــذه الرذائــل يجلــب الســكينة إلــى روح‬
‫المــرء‪ ،‬والنفــس التــي تنعــم بالســام‪ ،‬يبــدأ الطمــوح عندهــا بالنشــوء‪.‬‬
‫ثمــة ثالثــة أشــياء مــن شــأنها جلــب الخــزي للجنــس البشــري‪ ،‬أشــياء‬
‫ّ‬
‫يجــب أن تتج َّنبهــا‪ ،‬هــي‪ :‬الجهــل‪ ،‬والكســل‪ ،‬والش ـ ّر‪.‬‬

‫الجهــل‪ ،‬الــذي هــو نقــص فــي المعرفــة‪ .‬فــي غيــاب المعرفــة ال يمكــن‬
‫تحقيــق شــيء؛ فنقــص المعرفــة يجعــل اإلنســان ال يختلــف عــن‬
‫الحيــوان‪ .‬الكســل أســوأ أعــداء الفنــون‪ .‬عــدم المقــدرة وفقــدان إرادة‬
‫الق ـوّة والوقاحــة والفقــر‪ّ ،‬‬
‫كل هــذا وليــد الكســل‪.‬‬

‫الضعــف عــد ّو لإلنســان‪ :‬بفعلــك الش ـ ّر لآلخريــن‪ ،‬تبعــد نفســك عــن‬


‫جنســك‪ ،‬وتصبــح مثــل الحيوانــات الجامحــة‪.‬‬

‫حــب النــاس‪ ،‬والرغبــة فــي العمــل‬


‫ّ‬ ‫التريــاق لهــذه الرذائــل هــو فــي‬
‫الصالــح‪ ،‬وثبــات الــروح‪ ،‬والحصافــة‪ ،‬والحكمــة‪ ،‬وســعة المعرفــة‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫ـق (عـ ّز وجـ ّ‬
‫ـل)‪ ،‬الــذي لــم يبخــل‬ ‫وجـ ْه ّ‬
‫كل معرفتــك باتّجــاه صــراط الحـ ّ‬ ‫ّ‬
‫فــي خلــق التوافــق المحكــم للكــون‪ ،‬أنــت‪ -‬أيضـ ًا‪ -‬يجــب أن تحمــل‬
‫علــى عاتقــك مزيــد ًا مــن العمــل المثمــر‪ ،‬بقصــد خـ ّلاق‪.‬‬

‫كل ماخلقــه اللــه لــه هدفــه؛ فاكهــة عملــك فــي صنــع الخيــر للنــاس‪،‬‬
‫ثمــة فكــرة‬
‫أمــا غيــر ذلــك فهــو هــراء‪ ،‬وإيمانــك ال طائــل مــن ورائــه‪ّ .‬‬
‫شــائعة تقــول إن خلــق اللــه لــم يوجــدوا دون متاعــب‪ ،‬وليــس ثمــة‬
‫شــيء دون هــدف‪ .‬كل شــيء لــه قصــد‪ ،‬وهــدف‪ ،‬وســبب‪ .‬يجــب علــى‬
‫المــرء التـوّاق إلــى المعرفــة أن يضــع نصــب عينيــه أن عملــه يجــب أن‬
‫يكــون مــن أجــل هــدف‪.‬‬

‫ـي‪ -‬عليــه صلــوات اللــه‪ -‬تــرك لنــا هــذا الحديــث‪« :‬إنمــا األعمــال‬
‫النبـ ّ‬
‫تتهيــأ للوضــوء مــن‬
‫ّ‬ ‫بالنيــات‪ ،‬ولــكل امــرئ مــا نــوى»‪ .‬اآلن‪ :‬أنــت‬
‫أجــل‪ ،‬الصــاة‪ ،‬وعزمــت علــى الصــوم‪ .‬هــذا جيــد‪ ،‬أليــس مــن اإلثــم‬
‫ـم بالمظهــر الخارجــي‪ ،‬فقــط‪ ،‬فــي تق ّيــدك بالطقــوس؟ إن كانت‬
‫أن تهتـ ّ‬
‫روحــك طاهــرة فســتنعكس هــذه الطقــوس علــى حياتــك‪ ،‬المحافظــة‬
‫علــى المظاهــر الخارجيــة فعــل حســن‪ ،‬ألنــه يزيــد مــن عظمــة إيمانــك‪.‬‬
‫أليــس‪ ،‬لهــذا الســبب‪ ،‬قــال الحكمــاء إنــه ليــس ثمــة إال إيمــان واحــد‪،‬‬
‫مبجــل بطــول األنــاة‪ ،‬وبــدون هــذا التق ُّيــد قــد ّ‬
‫تلطــخ إيمانــك وتحكــم‬ ‫ّ‬
‫مخافــ َة الجهــل‪ ،‬يُه َت ّ‬
‫ــم بالطقــوس الخارجيــة‬ ‫عليــه بالهــاك‪ .‬يقــال‪َ :‬‬
‫وحدهــا‪ .‬فــي هــذه الحالــة‪ ،‬هــل ننســى الهــدف األســمى‪ ،‬وهــو‬

‫‪127‬‬
‫اإليمــان؟ االقتنــاع بــأن جهــل المــرء بالفــرق بيــن الطقــوس الخارجيــة‬
‫والطقــوس الداخليــة‪ ،‬وااللتــزام‪ ،‬فقــط‪ ،‬بالطقــوس الخارجيــة يجعــل‬
‫المــرء مســلم ًا‪ ،‬هــو كالم غيــر مقنــع‪.‬‬

‫ـم أنــه ال يعفــي مــن‬


‫قــد تكــون الطقــوس أداة تنبيــه لإليمــان‪ ،‬لكــن األهـ ّ‬
‫المهمــة األثيرة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أداء‬

‫كيف يكون اإليمان دون اليقظة الثابتة؟‬

‫أليســت حمايــة اإليمــان وصونــه ورعايتــه كونــه الجوهــر النفســي‪،‬‬


‫نقيــ ًا وســليم ًا) هــي الهــدف األســمى؟‬
‫(حمايتــه ّ‬

‫أنــت‪ ،‬يامــن تتعامــى عــن المعنــى العميــق لعمــل الشــعائر‪ ،‬وإيماءاتهــا‪،‬‬


‫ـد ًا فــي الصــاة؛ ذلــك أنــه‪ ،‬قبــل شــروعك‬
‫ثمــة جــزء أساســي جـ ّ‬
‫انتبــه! ّ‬
‫ّ‬
‫تتوضــأ‪ .‬هــذا بعــد أن تُفــرغ مــن بدنــك‬ ‫فــي الصــاة‪ ،‬يجــب أن‬
‫القــاذورات‪َّ .‬‬
‫تذكــر ذلــك! فــي نهايــة الوضــوء يجــب أن تمســح بيديــك‬
‫المبت َّلتيــن علــى قدميــك‪ :‬بعــض هــذه الشــعائر ذات مغ ـزًى رمــزي‪.‬‬

‫ّ‬
‫تتوضــأ بغســلك األطــراف المرئيــة لآلخريــن‪ .‬هــذا‪-‬‬ ‫بعــد االســتفراغ‪،‬‬
‫مهمـ ًا للغربــاء‪ ،‬لكــن هــذه األفعــال ِ ّ‬
‫توضــح للنــاس أن‬ ‫بالتأ كيــد‪ -‬ليــس ّ‬
‫روحــك طاهــرة‪ ،‬وأن ظاهــرك مطابــق لباطنــك‪ .‬فــي حالــة هــذه الطهــارة‬
‫الكاملــة وســامة العقــل‪ ،‬تواصــل صالتــك‪ .‬الصــاة هــي تعويــذة‪،‬‬
‫المســح بأصابعــك المبلولــة علــى وجهــك وقدميــك يعنــي أن روحــك‬

‫‪128‬‬
‫طاهــرة‪.‬‬

‫وتكبــر برفــع يديــك حتــى أذنيــك‪ ،‬ليــس معنــاه أنــك‬


‫ِّ‬ ‫أن تبــدأ صالتــك‪،‬‬
‫وجـ ّ‬
‫ـل‪ :‬هــذه الحركــة لتشــهد بــأن ال إلــه إال اللــه‪.‬‬ ‫ـدى اللــه‪َ ،‬ع ـ ّز َ‬
‫تتحـ ّ‬
‫وجـ ّ‬
‫ـل‪« :‬أســتعين بــك مــن‬ ‫وهــي دليــل لحماســك فــي التضــرع لــه َعـ ّز َ‬
‫الباطــل»‪.‬‬

‫ركوعــك‪ ،‬ليــس معنــاه انحنــاء العبــد للحاكــم‪ ،‬ليــس كمــا يفعــل رجــل‬
‫تتوجــه إلــى ال ِقبلــة ألنهــا بيــت اللــه‬
‫ّ‬ ‫مــن العا ّمــة أمــام الملــك‪ .‬بــل أنــت‬
‫ثمــة‪ ،‬علــى األرض‪ ،‬أ كثــر مقامـ ًا للــه‪ -‬ســبحانه‪ -‬مــن‬
‫ســبحانه‪ ،‬وليــس ّ‬
‫ـي القديــر‪.‬‬
‫القبلــة‪ ،‬بأمــل أن يســتجيب اللــه العلـ ّ‬

‫أن تبــدأ بالفاتحــة فــي صالتــك‪ ،‬لهــا المغــزى الكبيــر‪ .‬وركوعــك‬


‫مســتند ًا علــى ركبتيــك إشــارة علــى أن المســلم يظهــر تض ُّرعــه للــه‪.‬‬

‫أوّل ســجودك‪ ،‬عندمــا تلمــس بجبهتــك األرض‪ ،‬داللــة علــى أن‬


‫اإلنســان مــن تــراب‪ ،‬والســجدة الثانيــة تعنــي‪ :‬وللتــراب نعــود‪ .‬رفعــك‬
‫لوجهــك إلــى الســماء إشــارة إلــى النشــور بعــد المــوت‪.‬‬

‫تنهــي صالتــك بالســام علــى اللــه عــز وجــل‪ ،‬ووتتم ّنــى الســام‬
‫والوحــدة واالزدهــار للمســلمين‪.‬‬

‫اآلن‪ ،‬ماذا تع َّلمنا من هذا القول؟‬

‫‪129‬‬
‫‪39‬‬

‫نعــم‪ ،‬أســافنا كانــوا أقـ ّ‬


‫ـل شــأن ًا‪ ،‬بالنســبة إلــى الجيــل الحاضــر‪ ،‬فــي‬
‫الكياســة والبراعــة وحســن التدبيــر‪ .‬مــع ذلــك كانــوا يملكــون فضيلتيــن‬
‫ال نملكهمــا نحــن‪ ،‬وتناســيناهما بفعــل الزمــن‪ .‬هــل لدينــا العــزم علــى‬
‫بــذل أقصــى جهــد للحفــاظ علــى تلــك الفضائــل القديمــة‪ ،‬إلــى جــوار‬
‫اكتســاب مزايــا وصفــات جديــدة؟ يجــب أن نكــون مســاوين لباقــي‬
‫األمــم‪ ،‬لكــن‪ ،‬عندمــا تنقصنــا العزيمــة واالســتعداد الشــخصي‪ ،‬فإننــا‪،‬‬
‫بذلــك‪ ،‬نعطــي مجــا ً‬
‫ال للصفــات الشــيطانية‪ ،‬أ كثــر مــن الصفــات‬
‫اإلنســانية‪ ،‬فــي بلــورة أنفســنا‪ .‬هــذه واحــدة مــن األســباب التــي‬
‫نفتقدهــا عندنــا‪ .‬مــا تلــك الفضائــل؟‬

‫ثمــة مــا يُعــرف (زعيــم القبيلــة) وحكيــم‬


‫فــي األزمنــة القديمــة‪ ،‬كان ّ‬
‫ّ‬
‫يفضــون المنازعــات‪،‬‬ ‫القبيلــة أو األقــدم فــي القبيلــة‪ ،‬كان هــؤالء‬
‫ويضبطــون مســار المجتمــع‪ ،‬النــاس يديــرون شــؤونهم‪ ،‬بطريقــة أو‬
‫بأخــرى‪ ،‬ال يطعنــون فــي أحكامهــم‪ ،‬أو يســعون بالشــكوى بيــن هــذا‬

‫‪130‬‬
‫وذاك‪ ،‬مــن أصحــاب المقــام الرفيــع‪ .‬نقــول‪« :‬ضــع العصــا‪ ،‬فــي يــدك‬
‫ـتعد للنقــاش»‪ ،‬أو «إذا احتكــم كل شــخص بنفســه لنفســه‬
‫وأنــت تسـ ّ‬
‫فلــن يعيــش النــاس معـ ًا‪ ،‬حتــى فــي أرض ال حــدود لهــا‪ ،‬عندمــا يكــون‬
‫للمجتمــع زعيــم فلــن يحتــرق أحــد‪ ،‬حتــى مــع وجــود النــار»‪ .‬بالتســليم‬
‫بهــذه الحقيقــة تهتــدي األنفــس‪ ،‬بصالتهــا‪ ،‬إلــى ربّهــا‪ .‬اإلجمــاع علــى‬
‫تعهــد بــه للنــاس يفرضــان عليــه‬
‫المنتخــب مــن الجميــع وتأييــده فــي مــا َّ‬
‫َ‬
‫التح ّلــي بالصفــات الفاضلــة؛ فهــو بذلــك يكســب احتــرام النــاس‪،‬‬
‫ويجعلهــم ينتبهــون إلــى كالمــه ويطيعونــه‪ ،‬دون تقصيــر‪ ،‬حتــى ذوو‬
‫المعمــم علــى الجميــع‪ .‬كيــف يفشــل‬
‫َّ‬ ‫الســلطة ال ينتهكــون االلتــزام‬
‫مجتمــع يتح ّلــى بهــذه الصفــات‪ ،‬والجميــع أخــوة‪ ،‬والثــروة فــي متنــاول‬
‫اليــد؟‬

‫نقطــة أخــرى‪ :‬قومنــا يعتــزّون بالوحــدة‪ ،‬ألنهــا قــدس األقــداس‪ ،‬إذا‬


‫ـب لنجدتــه‬
‫احتــاج أحــد المســاعدة يســتحضر أســماء األســاف‪ ،‬فيهـ ّ‬
‫ـتعدين‬
‫الجميــع متناســين خالفاتهــم فــي ســبيل تقديــم يــد العــون‪ ،‬مسـ ّ‬
‫للتضحيــات والتنــازالت‪ ،‬أو‪ -‬كمــا يقــول النــاس‪« :-‬الــذي ال يغفــر‬
‫خطيئــة جــاره سـ ّ‬
‫ـيتأذى مــن الغريــب»‪« .‬قــد يتشــاجر األخــوة‪ ،‬لكــن‪ ،‬ال‬
‫يتخ ّلــى أحدهــم عــن اآلخــر»‪( .‬لــو تنــازع س ـ ّتة أشــخاص فســيفقدون‬
‫مــا فــي أيديهــم‪ ،‬لكــن‪ ،‬إن اتَّفــق أربعــة فسـ ّ‬
‫ـتحل بينهــم رحمــة اللــه»‪.‬‬
‫«الــذي يســعى فــي الطريــق الصحيــح ســيجد الكنــوز‪ ،‬لكــن الــذي‬
‫يســعى وراء المشــاكل لــن يظفــر بغيــر البــاء»‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫أين الروح النبيلة للمجتمع؟‪ ،‬وأين الحرص على الشرف؟‬

‫ـي وشــجاعة‪ .‬أيــن هــم‬


‫كان ثمــة مــن يسـوّغون إراقــة الــدم‪ ،‬بضميــر َحـ ّ‬
‫ـود‪ ،‬بــل بخيانــة األمانــة والغدر‪.‬‬
‫اآلن‪ ،‬حيــث الصداقــة ال عالقــة لهــا بالـ ّ‬

‫حبـ ًا فــي الحقيقــة تنشــأ العــداوة‪ ،‬بــل بســبب العجــز عــن العيــش‬
‫ليــس ّ‬
‫بسالم‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫‪40‬‬

‫أود أن أسألكم إياه‪:‬‬


‫أيها السادة المحترمون‪ ،‬هذا ما ّ‬

‫كيــف يتأ ّتــى أ ّلا نتحـ َّ‬


‫ـدث‪ ،‬بكآبــة‪ ،‬عــن المــوت‪ ،‬فــي حيــن ال تجــد‬
‫أحــد ًا جديــر ًا بالحيــاة بيــن األحيــاء؟‬

‫لمــاذا الشــجار بيــن األجيــال األقــدم واألجيــال األحــدث‪ ،‬ومــع‬


‫معاصريهــم‪ ،‬أيضــ ًا؟‬

‫إن حــدث أن ســافر أحدنــا إلــى أماكــن أجنبيــة‪ ،‬فإننــا نبــدأ فــي إظهــار‬
‫ـب لــه كأخ‪ ،‬وعندمــا يعــود نُكرهــه علــى اجتنابنــا‪ ،‬لمــاذا؟‬
‫الحـ ّ‬

‫لمــاذا نــرى بعــض النــاس يُطــرون رجــ ً‬


‫ا خ ِ ّيــر ًا مــن قبيلــة أخــرى‪،‬‬
‫ويضعــون أنفســهم فــي خدمتــه‪ ،‬فــي حيــن يتجاهلــون رجـ ً‬
‫ا خ ِ ّيــر ًا مــن‬
‫قومهــم‪ ،‬ولــو َب ـ َّز الغريــب فــي الحكمــة والنبــل؟‬

‫حيــن نكــون فــي أرض غريبــة نشــيد بقريتنــا‪ ،‬ونعلــي مــن شــأنها إلــى‬

‫‪133‬‬
‫الســموات العليــا‪ ،‬وعنــد عودتنــا إليهــا نشــيد بــاألرض الغريبــة‪ .‬كيــف‬
‫هــذا؟‬

‫حبـ ًا ألبنائهــم وعنايــة بهــم‪ ،‬وهــم أطفــال‪ ،‬ولكــن‪،‬‬


‫لمــاذا يظهــر اآلبــاء ّ‬
‫تبــرد هــذه العاطفــة عندمــا يكبــرون؟‬

‫لمــاذا نجــد صعوبــة فــي جمــع أقاربنــا فــي فــرح أو تــرح‪ ،‬ولكــن‪،‬‬
‫يكونــون جســد ًا واحــد ًا فــي أوّل َه ّبــة للســرقة أو لقطــع الطريــق؟‬

‫لماذا يغتاظ قريبك إن كسب جوادك السباق؟‬

‫فــي األيــام الخوالــي‪ ،‬كان النــاس يذكــرون‪ ،‬بخيــر‪ ،‬وإلــى آخــر أيامهــم‪،‬‬
‫صنيــع شــخص‪ ،‬ولــو كان العمــل لمــ ّرة واحــدة فقــط‪ ،‬لكــن‪ ،‬اآلن‪،‬‬
‫الخيــرة‪ .‬لمــاذا؟‬
‫ِّ‬ ‫ســرعان مــا ينســى النــاس األعمــال‬

‫ـي مــن الســرقة إن َج َنــت عليــه األيــام‪ ،‬ولكنــه‬


‫لمــاذا ال يخجــل ابــن البـ ّ‬
‫يعدهــا خزيـ ًا إن خــدم (بـ ْ‬
‫ـي) آخــر؟‬ ‫ّ‬

‫لمــاذا ال يقــدر اثنــان مــن الرجــال الجيديــن ومــن العائلــة نفســها علــى‬
‫إقامــة مصادقــة فيمــا بينهــم‪ ،‬فــي حيــن تجمــع الصداقــة اثنيــن مــن‬
‫األوغــاد؟‬

‫مطهمـ ًا‪ ،‬بمجـ ّرد حصولــه‬


‫َّ‬ ‫منح َتــه جــواد ًا‬
‫لمــاذا ينقلــب عليــك صديــق‪ْ ،‬‬
‫علــى مُ هـ ْر مــن عــد ّو لــك؟‬

‫‪134‬‬
‫لمــاذا ال يقـ ِ ّ‬
‫ـدر المــرء صداقــة مســتم ّرة ومثاليــة مــع آخــر‪ ،‬ويكــون علــى‬
‫اســتعداد أن يرضــخ لعــد ّو َقـ َّ‬
‫ـد َم لــه خدمــة ســابقة؟‬

‫لمــاذا ال يتم ّنــى الكثيــرون م ّنــا الخيــر لألصدقــاء‪ ،‬وإذا ضحــك الحـ ّ‬
‫ـظ‬
‫ـد األعــداء؟‬
‫لواحــد مــن صديقيــن يصبحــان ألـ َّ‬

‫لمــاذا يبحــث النــاس عــن شــخص ينصحهــم‪ ،‬فــي حيــن يتج ّنبــون مــن‬
‫يعرفــون أنــه النصــوح‪ ،‬ويعرفهــم؟‬

‫لمــاذا يتص ـ ّرف بعــض الضيــوف وكأنهــم جلبــوا معهــم ّ‬


‫كل ماشــيتهم‪،‬‬
‫ولكــن‪ ،‬عندمــا تكــون أنــت ضيفهــم يتظاهــرون بــأن ماشــيتك ليســت‬
‫معــك؟‬

‫يتــوق النــاس إلــى الســام والســكينة‪ ،‬لكــن‪ ،‬ســرعان مــا يســأمونها‪،‬‬


‫لمــاذا يحــدث هــذا علــى األرض؟‬

‫لمــاذا ي َ‬
‫ُحكــم شــعبنا مــن ِق َبــل األذكيــاء؟ ولمــاذا هــم فقــراء فــي‬
‫الحكــم؟‬

‫لمــاذا تكــون الزوجــات الجديــدات ســليطات؟ لمــاذا األنــذال‬


‫وقحــون؟ لمــاذا بعــض الفقــراء مغــرورون؟‬

‫ـاس مــن يعيــش فــي ســام‪ ،‬ويضبــط نفســه‪ ،‬ضعيف ـ ًا‪،‬‬


‫لمــاذا يــرى النـ ُ‬
‫والمتبجــح جريئ ـ ًا وشــجاع ًا؟‬
‫ِّ‬ ‫فــي حيــن يــرون المفســد‬

‫‪135‬‬
‫لمــاذا الــكازاخ ال يصغــون إلــى األقــوال الصالحــة‪ ،‬وليــس لديهــم‬
‫وقــت لهــا‪ ،‬فــي حيــن هــم علــى اســتعداد أن يســمعوا ّ‬
‫كل أنــواع القيــل‬
‫والقــال‪ ،‬مــن قــذارة وقــذف‪ ،‬وال يعرضــون عنهــا حتــى يســمعوها إلــى‬
‫آخرهــا‪ ،‬حتــى لــو كان ذلــك علــى حســاب تدهــور شــؤونهم فــي تــرك‬
‫األقــوال الصالحــة‪ ،‬مــن أجــل ســماع تلــك القــاذورات؟‬

‫‪136‬‬
‫‪41‬‬

‫ِّ‬
‫يخطــط لتعليــم الــكازاخ وإصالحهــم يجــب أن يملــك‬ ‫ّ‬
‫أي شــخص‬
‫ميزتيــن‪:‬‬

‫فــي األولــى‪ ،‬يجــب عليــه اســتخدام الق ـوّة القصــوى والنفــوذ الكبيــر‬
‫لتمكينــه مــن إثــارة الخــوف لــدى البالغيــن‪ ،‬لجعلهــم يرســلون أبناءهــم‬
‫تحملهــم النفقــات‪ .‬ويكفي‬
‫ُّ‬ ‫إلــى المدرســة لتع ُّلــم صنــوف المعرفــة‪ ،‬مــع‬
‫البنــات تع ُّلــم دينهــم اإلســامي‪ ،‬علــى األقــل كــي يصــرن قويّــات‬
‫فــي دينهــم‪ .‬فــي هــذه الحالــة‪ ،‬عندمــا يشــيخ الوالــدان يكــون الجيــل‬
‫الجديــد قــد نهــج الطريــق القويــم‪.‬‬

‫وفــي الثانيــة‪ ،‬يجــب أن يملــك ثــروة ضخمــة‪ ،‬كــي يرشــو اآلبــاء‪ ،‬مــن‬
‫أجــل إرســال أبنائهــم إلــى المدرســة‪ ،‬كمــا أســلفنا‪.‬‬

‫ثمــة مــن يمتلــك تلــك الق ـوّة المخيفــة‪ ،‬أو مــا‬


‫فــي هــذه األيــام‪ ،‬ليــس ّ‬
‫يكفــي مــن الثــروة‪ ،‬حتــى يكســب المبتغــى مــن اآلبــاء‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫إنــه مــن المســتحيل حـ ّ‬
‫ـث الكازاخــي علــى شــيء أو إقناعــه بشــيء‪ ،‬إال‬
‫إذا َأ َخ ْفتــه أو ر ََشـوْته‪.‬‬

‫لقــد ورث الجهــل عــن أســافه‪ ،‬وتشــ َّربه مــع حليــب أمّــه‪ ،‬فضــرب‬
‫نخاعــه‪ ،‬وقتــل ّ‬
‫كل معنــى لإلنســانية لديــه‪ ،‬مثــل هــؤالء‪ ،‬عندمــا‬
‫يجتمعــون ال يمكنهــم فعــل شــيء غيــر التكشــيرات الغريبــة والتص ُّنــع‬
‫فــي الســلوك‪ ،‬يهمســون‪ ،‬ويتفوّهــون بتلميحــات غامضــة‪ .‬حتــى عندمــا‬
‫محــددة‪ ،‬وإذا ك ّلمتهــم ال ينتبهــون‬
‫ّ‬ ‫يركــزون علــى فكــرة‬ ‫ِّ‬
‫يفكــرون ال ِ ّ‬
‫إليــك‪ ،‬بــل ِ ّ‬
‫يحدقــون‪ ،‬هنــا وهنــاك‪.‬‬

‫أفكارهم مش ّتتة‪.‬‬

‫كيف نعيش؟‬

‫كيف سنصبح؟‬

‫‪138‬‬
‫‪42‬‬

‫الكســل أحــد األســباب التــي تقــود النــاس إلــى الرذيلــة‪ .‬إذا اشــتغل‬
‫الكازاخــي فــي األرض‪ ،‬أو اقتحــم التجــارة‪ ،‬هــل يعيش حيــاة التفاهة؟‬
‫إنــه بــدل ذلــك‪ ،‬يمتطــي جــواد ًا اســتلفه مــن أحــد مــا‪ ،‬ويتنقــل مــن‬
‫قريــة إلــى أخــرى ناشــر ًا اإلشــاعات والقيــل والقــال بمكــر ونفــاق‪،‬‬
‫يقــود النــاس إلــى الضــال‪ ،‬أو يقــع هــو نفســه تحــت ســطوة األوغــاد‪،‬‬
‫ينجــرف معهــم وال يفعــل شــيئ ًا‪ .‬لكــن‪ ،‬مــن يريــد أن يعيــش بشــكل‬
‫جيــد‪ ،‬وقــد أمعــن النظــر فــي مثــل هــذه الحيــاة المهينــة‪ ،‬هــل يتخ ّلــى‬
‫عــن ذلــك‪ ،‬ويعيــش حيــاة الـ ّ‬
‫ـذل‪ ،‬دون هــدف أو غايــة؟‬

‫ِّ‬
‫يخطــط لكســب‪ ،‬ولــو قطيــع صغير مــن الماشــية‪ ،‬فلن يقتنــع بحياته‬ ‫مــن‬
‫هــذه‪ ،‬ولــن يعتنــي بقطيعــه الصغيــر‪ .‬ســيطارد الملـ ّ‬
‫ـذات تــارك ًا قطيعــه‬
‫ـم يصبــح قطيعــه غنيمــة لـ ّ‬
‫ـكل أنــواع‬ ‫ألحــد الرعــاة أو األطفــال؛ ومــن َثـ َّ‬
‫اللصــوص وال ُن ّهــاب‪ ،‬وســيموت فــي حالــة مزريــة‪ .‬المــرء منهــم سيخســر‬
‫أ كثــر مــن ذلــك‪ ،‬ولــن يتغ َّلــب علــى إغــراء المكائــد الســ ّرية وتفاهــة‬

‫‪139‬‬
‫أهم ّيــة فــي المجتمــع‪،‬‬
‫القيــل والقــال والمشــاجرات‪ .‬لــن تكــون لــه ّ‬
‫والح َيــل القــذرة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وســيتورّط فــي ّ‬
‫كل أنــواع الفحــش والخــداع‬

‫آخــرون‪ ،‬ممــن لديهــم بعــض النفــوذ‪ ،‬يتركــون ممتلكاتهــم‪ -‬أيضــ ًا‪-‬‬


‫(احــم هــذه الممتلــكات)‪ .‬يســ ِّلمون أنفســهم إلــى اللغــو‪،‬‬
‫ِ‬ ‫للغربــاء‪.‬‬
‫ويطوفــون مســتجدين‪ ،‬فــي كل مــكان‪.‬‬

‫يقــدرون قيمــة الفطنــة والســمعة الحســنة‪ ،‬بــل مــن‬


‫ّ‬ ‫اليــوم‪ ،‬النــاس ال‬
‫لديــه القــدرة علــى خربشــة الشــكاوى واللـ ّ‬
‫ـف والــدوران علــى شــخص‬
‫ـن يُح َتــرم‪ .‬مــن ينجــح فــي ذلــك‪ ،‬ربَّمــا يكــون فقيــر ًا‬
‫مــا‪ ،‬هــذا هــو َمـ ْ‬
‫ومعــدم التفكيــر‪ ،‬وهــو مــع ذلــك يُم َنــح منزلــة مــن االحتــرام‪ ،‬ويكــون له‬
‫ـدم لــه القطعــة الدســمة مــن اللحــم‪ ،‬وجــواد قـ ّ‬
‫ـوي‪ ،‬مثــل هــذا‬ ‫شــأن‪ .‬وتُقـ َّ‬
‫الوغــد يكســب‪ ،‬بســهولة‪ ،‬وبقليــل مــن التم ُّلــق‪ ،‬حظــوة (بـ ْ‬
‫ـي) بســيط‪:،‬‬
‫«كلمــة واحــدة منــك‪ ،‬وســأدخل وســط النــار مــن أجلــك» وهــذا يكون‬
‫كافيــ ًا دون أن يطلــب الحصــول علــى طعــام شــهي ومالبــس الئقــة‪،‬‬
‫وأن يمتطــي جــواد ًا رائعـ ًا‪ ،‬ويتم ّتــع باالحتــرام‪.‬‬

‫ـدث‬
‫ـي ال يأســف علــى خســرانه الســام وال تبعاتــه‪ ،‬قبــل أن يتحـ ّ‬
‫البـ ّ‬
‫إلــى أي شــخص‪ ،‬هــو يبحــث عــن النصيحــة مــن هــذا المحتــال الــذي‬
‫ُصاح ـ ًا آخريــن‪.‬‬ ‫يذعــن خوف ـ ًا مــن خســرانه ثقــة البـ ّ‬
‫ـي‪ ،‬إن هــو ســأل ن ّ‬
‫«ليكــن اللــه معــك»‪ ،‬ســيقول المحتــال بخنــوع‪« ،‬كيــف ِ ّ‬
‫تفكــر فــي‬
‫هــذا األمــر البســيط؟»‪ ،‬ثــم يذهــب القتــراح ِح َيــل؛ واحــدة أســوأ مــن‬

‫‪140‬‬
‫ـي‪.‬‬ ‫األخــرى‪ ،‬ويغــرز الشـ ّ‬
‫ـك عنــد النــاس وعنــد البـ ّ‬

‫ّ‬
‫محــل ثقــة مــن النــاس‪،‬‬ ‫البــي نفســه ال يعــود‬
‫ّ‬ ‫فــي نهايــة المطــاف‪،‬‬
‫ـي ســيظهر الوغــد فــي هــذه األثنــاء‪:‬‬
‫إذا اختلــف أحــد الفطنــاء مــع البـ ّ‬
‫«أتــرى؟ ألــم أحـ ِّـذرك منهــم؟»‪ ،‬ليصبــح هــذا البـ ّ‬
‫ـي الســادج عجينــة‬
‫فــي يديــه‪.‬‬

‫بهذا الشكل‪ ،‬يك ِّرس الجيل الحالي فكره‪ ،‬وبهذه الطريقة يعيش‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫‪43‬‬

‫ُو ِهــب اإلنســان الجســد والــروح‪ .‬يجــب علــى المــرء أن يعــرف‬


‫بالكــد والممارســة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الخــواص الفطريــة‪ ،‬وتلــك المكتســبة‬

‫الحاجــة إلــى المــأ كل والمشــرب والنــوم غرائــز طبيعيــة‪ .‬الرغبــة فــي‬


‫لكــن الفطنــة والتع ُّلــم‬
‫ّ‬ ‫التع ُّلــم تأتــي ضمــن الغريــزة الطبيعيــة أيضــ ًا‪،‬‬
‫يأتيــان مــن خــال العمــل؛ فباالســتماع‪ ،‬وبالنظــر‪ ،‬وباللمــس باليديــن‪،‬‬
‫وبالتــذوُّق باللســان‪ ،‬وبالتنشُّ ــق باألنــف‪ ،‬يبلــور المــرء فكــره عــن العالم‪.‬‬

‫الشــعور أو اإلحســاس بالســعادة أو اليــأس يُســتق َبل مــن خــال خمــس‬


‫ويوجــه عقــل اإلنســان وفقـ ًا لمــا يــراه ومــا ِ ّ‬
‫يقدمــه‪ ،‬فــي صــور‬ ‫ّ‬ ‫حــواس‪،‬‬
‫محد دة‪.‬‬
‫َّ‬

‫رضــاك عــن الحســن‪ ،‬ورفضــك للسـ ِ ّـيئ أمــران طبيعيــان فــي اإلنســان‪.‬‬
‫فــي البدايــة تكــون الصــور ضعيفــة‪ ،‬وعلــى المــرء أن يســعى فــي‬
‫تطويــر هــذه المعطيــات؛ بــدون عنايــة واهتمــام مناسـ َب ْين يذبــل المــرء‪،‬‬

‫‪142‬‬
‫ويصبــح عقيمــ ًا‪ ،‬أو يمــوت‪.‬‬

‫جيــد ًا يحيــط بمعرفــة واســعة‬


‫اإلنســان الــذي يمعــن النظــر‪ ،‬ويســتمع ِ ّ‬
‫عــن العالــم‪ ،‬ويكســب الكثيــر‪ :‬ســيكون قــادر ًا علــى التفكيــر ّ‬
‫النيــر‪،‬‬
‫ويميــز بيــن المفيــد والضــارّ‪.‬‬
‫ّ‬

‫الشخص الذي يح ِّلل الحقائق واألحداث هو م َّتقد الذهن‪.‬‬

‫الجهــول الــذي ال يســتخدم عقلــه‪ ،‬وغيــر معتــاد علــى العمــل يلقــي‬


‫بتفاهتــه علــى اللــه‪« :‬مــا عســاني أفعــل إن لــم يمنحنــي اللــه عقـ ً‬
‫ا؟»‬
‫أو «اللــه لــم يخلقنــا سواســية»‪ .‬هكــذا يبـ ِّرر موقفــه‪ .‬لكــن‪ ،‬أليــس اللــه‬
‫ميــزه بالســمع والبصــر‪ ،‬ليتذكــر مــا ســمعه ومــا شــاهده؟ هــل‬
‫هــو الــذي ّ‬
‫قــال اللــه لــه‪ :‬كل مــلء بطنــك‪ ،‬وتم ّتــع بالملـ ّ‬
‫ـذات‪ ،‬واكتـ ِ‬
‫ـف بالتفاخــر‪،‬‬
‫ـد ّ‬
‫كل الثــروات الروحيــة؟‬ ‫وتحـوَّل إلــى حيــوان‪ ،‬وافقـ ْ‬

‫ســيجادل البعــض‪« :‬حســن ًا‪ ،‬العقــل ِ ّ‬


‫النيــر يأتــي مــع الوقــت‪ ،‬لكــن‬
‫الطمــوح هبــة طبيعيــة‪ ،‬الــذي يزخــر بقابليــة واســتعداد للخيــر هــو ذو‬
‫جيــد‪ .‬الذيــن يفتقــرون إلــى الموهبــة هــم أغبيــاء‪ ،‬علــى أيّــة‬
‫عقــل ّ‬
‫حــال»‪ ،‬مــع ذلــك‪ ،‬هــذا خطــأ‪ ،‬أيضــ ًا‪.‬‬

‫فــي الحقيقــة‪ ،‬األطفــال لديهــم طمــوح‪ ،‬وهــذا َّ‬


‫مؤكــد‪ ،‬كمــا قلنــا للتــو‪:‬‬
‫الموهبــة والفكــرة تكونــان ضعيفتيــن فــي البدايــة‪ ،‬لكــن‪ ،‬أال رعيتهمــا‬
‫تتحســن يوم ـ ًا بعــد يــوم‪ ،‬إذا كان‬
‫َّ‬ ‫الحرفــي‪،‬‬
‫وح ّســنتهما؟ حتــى مهــارة ِ‬
‫َ‬

‫‪143‬‬
‫وراءهــا الحمــاس‪ .‬مــا لــم تمــارس مهارتــك فســوف تفقدهــا‪ ،‬وتتحـوّل‬
‫إلــى إنســان آخــر‪ ،‬دون أن تشــعر‪ .‬أليســت المهــارة والكفــاءة‪ ،‬حيــن‬
‫تهجرهــا‪ ،‬تحذيــر ًا لــك لكــي ترتقــي بهــا‪ ،‬وتعلــي مــن شــأنها؟ بــذل‬
‫الجهــد األعظــم فــي اســتردادها أبهــظ مــن االحتفــاظ بهــا حينهــا‪.‬‬

‫المواهــب الذهنيــة متعـ ِ ّ‬


‫ـددة ومختلفــة‪ ،‬ولهــا أكثــر مــن وصــف‪ ،‬النشــاط‬
‫الذهنــي للمــرء ِ ّ‬
‫يمكنــه مــن صــون مهــارة التجــارة لزمــن طويــل؛ لذلــك‬
‫فإنــه مــن دون العنايــة الوافيــة تتناقــص المهــارة‪ ،‬وتذهــب‪ ،‬دفعــ ًة‬
‫واحــدةً‪ ،‬القـوّة المعـوَّل عليهــا‪ .‬ســيكون مــن المســتحيل اســترداد هــذا‬
‫النشــاط الذهنــي‪.‬‬

‫قــوّة الــروح اإلنســانية تمتلــك ثــاث خــواص‪ ،‬يجــب التع ُّلــق بهــا‬
‫واالعتــزاز بهــا‪ ،‬بدونهــا يتحــوَّل المــرء إلــى حيــوان‪:‬‬

‫تســمى (عنصــر القــوة الدافعــة)‪ ،‬هــذه القــوة ال تســاعدنا‬


‫ّ‬ ‫األولــى‬
‫علــى التركيــز والســمع فحســب‪ ،‬بــل تمنحنــا اإلدراك المســتنير‬
‫الخاصيــة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫للســبب والنتيجــة‪ .‬ن ََهــم القــراءة ال ينفــع العقــل دون هــذه‬
‫ألنــه ال يقـ ِ ّ‬
‫ـدم النتيجــة أو الفعــل المناســب فــي الوقــت المناســب‪ ،‬أو‬
‫التفكيــر الصحيــح والقــول الصحيــح فــي اللحظــة المناســبة‪ ،‬وتكــون‬
‫متأخــر ًا دائمـ ًا‪ ،‬وســوف تضيــع منــك الفرصــة‪ ،‬وتعيــش طــوال حياتــك‬
‫ِّ‬
‫علــي فعــل هــذا وذاك‪ ،‬فــي اللحظــة‬
‫َّ‬ ‫فــي غيــظ‪« :‬يــا لألســف‪ ،‬كان‬
‫المناســبة»‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫ــمى (ســحر قــوّة المقارنــة)‪ ،‬عندمــا تتع ّلــم شــيئ ًا جديــد ًا‬
‫الثانيــة ت َُس ّ‬
‫تشــرع فــي مقارنتــه بأشــياء مماثلــة‪ .‬هــل هــذه األشــياء متماثلــة فــي‬
‫كل مــكان‪ ،‬أم أن تماثلهــا فــي بعضهــا‪ ،‬ممــا لــه عالقــة بهــا فحســب؟‬
‫ِّ‬
‫وتؤكــد‬ ‫المســببات‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫تتمكــن مــن شــرح‬ ‫لــن يســتريح عقلــك حتــى‬
‫الفرضيــات‪.‬‬

‫ـمى ّ‬
‫(رقــة الشــعور)‪ ،‬وفيهــا يجــب‬ ‫الخاصيــة الثالثــة للــروح اإلنســانية تسـ ّ‬
‫ّ‬
‫أن تصــون قلبــك مــن أربــع رذائــل‪ :‬الغــرور‪ ،‬وحــب المــال‪ ،‬والطيــش‪،‬‬
‫واإلهمــال‪ .‬االنطبــاع األوّلــي عــن العالــم ينعكــس علــى مــرآة‪ ،‬مثــل‬
‫طهــارة قلبــك‪.‬‬

‫هــذه االنطباعــات بمثابــة الغــذاء للعقــل‪ ،‬وهــي تبقــى فــي الذاكــرة‬


‫إلــى وقــت طويــل‪ .‬لكــن‪ ،‬إن لــم تحافــظ علــى نقــاء القلــب‪ ،‬مــرآة‬
‫روحــك‪ ،‬فســتنمو فــي العتمــة‪ ،‬ويصبــح كل شــيء ضبابيــ ًا ومشــوَّه ًا؛‬
‫َــم فــإن فكرتــك عــن العالــم تضحــي مشــوّهة‪.‬‬
‫ومــن ث َّ‬

‫كل مــا تكســبه يأتــي بالعمــل‪ ،‬إال إذا كنــت علــى درايــة مألوفــة‬
‫بحـ ّ‬
‫ـل المشــاكل‪ ،‬ســتجد صعوبــة فــي االحتفــاظ بمــا لديــك‪ ،‬إال أنــه‬ ‫َ‬
‫مــن الصعــب‪ -‬بالمقــدار نفســه‪ -‬االحتفــاظ بثروتــك الروحيــة التــي‬
‫اكتســبتها‪ .‬وبالمناســبة‪ ،‬يمكــن للتع ُّلــم والــذكاء أن يسـ ِ ّـببا ضــرر ًا كبيــر ًا‪:‬‬

‫عــدم معرفــة هــذا وفقدانــك الحــذر ي ِ ّ‬


‫ُخســرانك مــا اكتســبت‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫الجيــدة‬
‫ِّ‬ ‫ثمــة مقيــاس لـ ّ‬
‫ـكل شــيء علــى األرض‪ ،‬بمــا فــي ذلــك األشــياء‬ ‫ّ‬
‫فــي الحيــاة‪ ،‬إنهــا نعمــة عظيمــة أن يكــون ثمــة معنــى لهــذا القيــاس‪،‬‬
‫حقيقــ ًة‪ ،‬إن القــدرة علــى التفكيــر جديــرة بالتمجيــد‪ ،‬لكــن بعــض‬
‫النــاس ال يعرفــون قياســ ًا لهــذا‪ :‬يفقــدون حســن تفكيرهــم والفطــرة‬
‫الســليمة‪ .‬علــى المــرء أن يكــون معتــد ً‬
‫ال فــي أ كلــه وشــربه وفــي الترويح‬
‫ّ‬
‫وكل إفــراط‬ ‫عــن النفــس وفــي تحصيلــه للمــال وفــي الحيطــة والحــذر‪.‬‬
‫مُ ْه ِلــك‪.‬‬

‫الحكمــاء قالــوا قديمــ ًا‪« :‬مــا نســعى إليــه‪ ،‬بإصــرار‪ ،‬نجــده شــ ّر ًا»‪.‬‬
‫يجــب أن تعــرف صف َتــي الق ـوّة الروحيــة اللتيــن ع ّرفناهمــا بــكل مــن‪:‬‬
‫(ســحر قــوّة المقارنــة)‪ ،‬و(عنصــر القــوّة الدافعــة) فهمــا تخفيــان‬
‫الجيــدة واألشــياء الشــريرة‪ ،‬فــي العالــم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األشــياء‬

‫الرغبــة فــي الســيطرة واألنانيــة والغضــب والخــداع وكل مــا يلــوث‬


‫اإلنســان‪ ،‬تنبــع مــن مصــدر واحــد؛ لذلــك فــإن قــوّة المــرء الروحيــة‬
‫جيــد ومفيــد‪ ،‬ووأد ّ‬
‫كل مــا‬ ‫توجــه نحــو تحســين ّ‬
‫كل مــا هــو ِ ّ‬ ‫يجــب أن َّ‬
‫هــو فاســد وأثيــم‪ ،‬فــي المهــد‪.‬‬

‫يميــز مابيــن المفيــد والضــارّ‪ ،‬لكــن‪ ،‬حتــى قـوّة العقــل ال تهــزم‬


‫العقــل ِ ّ‬
‫الش ـ ّر أحيان ـ ًا‪ .‬ينجــح‪ ،‬فقــط‪ ،‬مــن يجمــع فــي نفســه بيــن ق ـوّة العقــل‬
‫وقـوّة اإلرادة‪ ،‬ويكــون مثــل الجــواد العربــي الســريع‪ ،‬ويبســط ســلطانه‬
‫علــى ّ‬
‫كل شــيء‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫ـواص ضعيفــة‪ ،‬أو غابــت إحداهمــا‪ ،‬فربّمــا‬
‫لكــن‪ ،‬إن كانــت هــذه الخـ ّ‬
‫التوحــش‪ ،‬الجــواد الجامــح يقــذف بــك‪ :‬علــى‬
‫ُّ‬ ‫تنقلــك روحانيتــك إلــى‬
‫الصخــور تــارةً‪ ،‬وفــي المــاء تــار ًة أخــرى‪ ،‬أو فــي لـ ّ‬
‫ـج ال قــرار لــه‪ .‬أنــت‬
‫عاجــز أمــام هــذا التهـوُّر وهــذه الفوضــى‪ ،‬بقفطانــك الملـوَّن المتطايــر‬
‫وعينيــك الشــاخصتين إلــى الســماء‪...‬‬

‫وحتى آخر أيامك‪ ،‬سوف لن تمسح العار الذي لحق بك‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫‪44‬‬

‫جد ًا ومعدوم الطموح بين الرجال‪.‬‬


‫ذاك البائس ّ‬

‫ثمــة تط ُّلعــات مختلفــة‪ .‬هــؤالء الذيــن يتوقــون إلــى شــيء ال يناســب‬


‫ّ‬
‫متلهفــون لإلطــراء‪ ،‬ســواء‬
‫ق ـوّة إرادتهــم‪ ،‬أهــم موهوبــون أم ال؟ إنهــم ِ ّ‬
‫عــن اســتحقاق أم عــن غيــر اســتحقاق‪ .‬النــاس يخلطــون األشــياء‪،‬‬
‫بعضهــا مــع بعــض‪ ،‬أحيانـ ًا يثقــون بفكــرة شــخص مــا عنهــم أو فكرتــه‬
‫ّ‬
‫يتوقعــون الثنــاء مــن النــاس الذيــن يعيشــون معهــم‪،‬‬ ‫هــو عنهــم‪ ،‬إنهــم‬
‫وليــس مــن الغريــب‪ ،‬تمامـ ًا‪ ،‬البعــض يتوقــون إلــى التبجيــل واالحتــرام‪،‬‬
‫وآخــرون إلــى الثــروة‪ ،‬بغـ ّ‬
‫ـض النظــر عــن مصدرهــا‪ ،‬ســواء أ كانــت مــن‬
‫جشــع أم كانــت مــن براعــة‪« .‬الــذي أصــاب ثــروة ال خطيئــة لــه» أو‬
‫«الثــري مشــرق الوجــه»‪ ،‬هــذا مــا يقولونــه‪ ،‬واعلــم أنــه ال يلومهــم‬
‫أحــد‪ ،‬إنهــم يــرون الشــرف والفضيلــة فــي الثــراء‪ ،‬يحكمــون علــى‬
‫المــرء بطــرق فاســدة‪ ،‬وهــذا هــو الحــال فعـ ً‬
‫ا‪ ،‬ولكــن‪ ،‬مــن وجهــة نظــر‬
‫إنســانية‪ ،‬هــذه أبغــض الرذائــل‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫بعــض النــاس يقلقــون‪ ،‬فــي توقهــم إلــى التمجيــد والثنــاء عليهــم؛‬
‫ـم آخــرون بنعتهــم‬ ‫كونهــم أبطــا ً‬
‫ال‪ ،‬أو أوليــاء‪ ،‬أو بيــات‪ ،‬فــي حيــن ال يهتـ ّ‬
‫بالمخادعيــن‪ .‬ســينفخهم غــرور الشــهرة‪ ،‬وســيحاولون كســب فائــدة‪،‬‬
‫حتــى مــن هــذا النعــت‪.‬‬

‫ّ‬
‫كل شــخص يطمــح إلــى شــيء مــا‪ ،‬وال يتــوق إلــى قــراءة أفــكار‬
‫الكتــب‪ ،‬بــل وجــوه النــاس‪« :‬حســن ًا‪ ،‬هــذا يجــب أن يكــون ممتــاز ًا‬
‫اليــوم‪ ،‬وباســتطاعتي كســب شــيء مــا»‪ .‬قبــل أن تكســب معرفــة مــن‬
‫الكتــب‪ ،‬مــن الضــروري‪ -‬أ ّو ً‬
‫ال‪ -‬تطهيــر الــروح مــن األفــكار القــذرة‪،‬‬
‫وســاعتها‪ ،‬فقــط‪ ،‬يمكنــك القــراءة‪.‬‬

‫إذا ّ‬
‫فضلــت قــراءة وجــوه النــاس ال تفتعــل ذلــك‪ ،‬محــاو ً‬
‫ال إظهــار‬
‫روحــك بمظهــر النقــاء‪ ،‬ألنــه ال أحــد يعــرف مــا فــي نفســك‪ .‬كمــا‬
‫وطيــات كنــت صلبـ ًا‬
‫طيــات ّ‬
‫يقــال‪« :‬كلمــا كانــت روحــك تتوافــر علــى ّ‬
‫ومنيعــ ًا‪ ،‬بحســب الحالــة التــي تعيــش»‪.‬‬

‫إذ ًا‪ ،‬كوّن رأي ًا لنفسك‪ ،‬واعرف ما تتع َّلمه‪ ،‬وإلى ماذا أنت توّاق‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫‪45‬‬

‫ّ‬
‫كل األد ّلــة علــى وجــود اللــه الواحــد األحــد القديــر الصمــد ِ ّ‬
‫تــردده‬
‫ـب‬ ‫ّ‬
‫وكل األديــان تــرى أن الحـ ّ‬ ‫ألســن آالف البشــر‪ ،‬عبــر آالف الســنين‪،‬‬
‫والعــدل مــن صفــات اللــه ســبحانه وتعالــى‪.‬‬

‫ماد ّيــة)‪ ،‬بــل نحــن مخلوقــات‬


‫نحــن لســنا ديمورغوسـ ّـيين (مخلوقــات ّ‬
‫بشــرية‪ ،‬نعــرف العالــم بخلــق الخالــق‪ .‬نحــن عبــاد المحبــة والعدالــة‪،‬‬
‫ـي القديــر‪.‬‬
‫ويختلــف بعضنــا عــن بعــض فــي كيفيــة فهــم إبــداع العلـ ّ‬

‫وع ّبــاد‪ ،‬وليــس فــي وســعنا القــول إننــا نســتطيع إجبــار‬


‫نحــن مؤمنــون ُ‬
‫اآلخريــن علــى اإليمــان والعبــادة‪ .‬إن مصــدر اإلنســانية همــا المح ّبــة‬
‫والعدالــة‪ ،‬إنهمــا ك ّل ّيــة الوجــود‪ ،‬وقــرار ّ‬
‫كل شــيء‪ ،‬إنهمــا س ـ ّنة الخلــق‬
‫الحب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اإللهــي‪ .‬حتــى طريقــة الجــواد فــي ظفــره بالفرس تأتــي بإظهــار‬

‫الحب هو رجل حكيم وعليم‪.‬‬


‫ّ‬ ‫الذي يؤ ِثر مشاعر‬

‫‪150‬‬
‫ال حاجــة الختــراع علــم أو تعليــم‪ ،‬بإمكاننــا مشــاهدة إبــداع الخالــق‬
‫للدنيــا‪ ،‬وإدراكــه‪ ،‬وفهــم التناغــم فيــه‪ ،‬بعقولنــا‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫عبد الرحمن الكواكبي‬ ‫طبائع االستبداد‬ ‫‪1‬‬
‫غسان كنفاين‬ ‫برقوق نيسان‬ ‫‪2‬‬
‫سليامن فياض‬ ‫األمئة األربعة‬ ‫‪3‬‬
‫عمر فاخوري‬ ‫الفصول األربعة‬ ‫‪4‬‬
‫عيل عبدالرازق‬ ‫اإلسالم وأصول الحكم ‪ -‬بحث يف الخالفة والحكومة يف اإلسالم‬ ‫‪5‬‬
‫نبي‬
‫مالك بن ّ‬ ‫رشوط النهضة‬ ‫‪6‬‬
‫محمد بغدادي‬ ‫صالح جاهني ‪ -‬أمري شعراء العامية‬ ‫‪7‬‬
‫أبو القاسم الشايب‬ ‫نداء الحياة ‪ -‬مختارات شعرية ‪ -‬الخيال الشعري عند العرب‬ ‫‪8‬‬
‫سالمة موىس‬ ‫حرية الفكر وأبطالها يف التاريخ‬ ‫‪9‬‬
‫ميخائيل نعيمة‬ ‫الغربال‬ ‫‪10‬‬
‫الشيخ محمد عبده‬ ‫اإلسالم بني العلم واملدنية‬ ‫‪11‬‬
‫بدر شاكر السياب‬ ‫أصوات الشاعر املرتجم ‪ -‬مختارات من قصائده وترجامته‬ ‫‪12‬‬
‫ترجمة‪ :‬غادة حلواين‬ ‫• فتنة الحكاية جون أيديك ‪ -‬سينثيا أوزيك ‪ -‬جيل ماكوركل ‪ -‬باتريشيا هامبل‬
‫الطاهر حداد‬ ‫امرأتنا يف الرشيعة واملجتمع‬ ‫‪13‬‬
‫طه حسني‬ ‫الشيخان‬ ‫‪14‬‬
‫محمود درويش‬ ‫ورد أكرث ‪ -‬مختارات شعرية ونرثية‬ ‫‪15‬‬
‫توفيق الحكيم‬ ‫يوميات نائب يف األرياف‬ ‫‪16‬‬
‫عباس محمود العقاد‬ ‫عبقرية عمر‬ ‫‪17‬‬
‫عباس محمود العقاد‬ ‫عبقرية الصدّيق‬ ‫‪18‬‬
‫عيل أحمد الجرجاوي‪/‬صربي حافظ‬ ‫رحلتان إىل اليابان‬ ‫‪19‬‬
‫ميخائيل الصقال‬ ‫لطائف السمر يف سكان ال ُّزهرة والقمر أو (الغاية يف البداءة والنهاية)‬ ‫‪20‬‬
‫د‪ .‬محمد حسني هيكل‬ ‫ثورة األدب‬ ‫‪21‬‬
‫ريجيس دوبريه‬ ‫يف مديح الحدود‬ ‫‪22‬‬
‫اإلمام محمد عبده‬ ‫الكتابات السياسية‬ ‫‪23‬‬
‫عبد الكبري الخطيبي‬ ‫نحو فكر مغاير‬ ‫‪24‬‬
‫روحي الخالدي‬ ‫تاريخ علم األدب‬ ‫‪25‬‬
‫عباس محمود العقاد‬ ‫عبقرية خالد‬ ‫‪26‬‬
‫خمسون قصيدة من الشعر العاملي‬ ‫أصوات الضمري‬ ‫‪27‬‬
‫يحيى حقي‬ ‫مرايا يحيى حقي‬ ‫‪28‬‬
‫عباس محمود العقاد‬ ‫عبقرية محمد‬ ‫‪29‬‬
‫حوار أجراه محمد الداهي‬ ‫عبدالله العروي من التاريخ إىل الحب‬ ‫‪30‬‬
‫فتاوى كبار الكتّاب واألدباء يف مستقبل اللغة العربية‬ ‫‪31‬‬
‫ترجمة‪ :‬رشف الدين شكري‬ ‫عام جديد بلون الكرز (مختارات من أشعار ونصوص مالك حداد)‬ ‫‪32‬‬
‫خالد النجار‬ ‫ِساج ال ُّرعاة (حوارات مع ُكتاب عامل ّيني)‬ ‫‪33‬‬
‫ترجمة‪ :‬مصطفى صفوان‬ ‫مقالة يف العبودية املختارة (إيتيان دي البويسيه)‬ ‫‪34‬‬
‫د‪.‬بنسامل حِ ّميش‬ ‫سريت ابن بطوطة وابن خلدون‬ ‫عن َ‬ ‫‪35‬‬
‫ابن طفيل‬ ‫حي بن يقظان ‪ -‬تحقيق‪ :‬أحمد أمني‬ ‫‪36‬‬
‫ميشال سار‬ ‫اإلصبع الصغرية ‪ -‬ترجمة‪ :‬د‪.‬عبدالرحمن بوعيل‬ ‫‪37‬‬
‫محمد إقبال‬ ‫محمد إقبال ‪ -‬مختارات شعرية‬ ‫‪38‬‬
‫ترجمة‪ :‬محمد الجرطي‬ ‫تزفيتان تودوروف (تأ ُّمالت يف الحضارة‪ ،‬والدميوقراطية‪ ،‬والغريية)‬ ‫‪39‬‬
‫أحمد رضا حوحو‬ ‫مناذج برشية‬ ‫‪40‬‬
‫د‪.‬زيك نجيب محمود‬ ‫الرشق الفنان‬ ‫‪41‬‬
‫ترجمة‪ :‬يارس شعبان‬ ‫تشيخوف ‪ -‬رسائل إيل العائلة‬ ‫‪42‬‬
‫إلياس أبو شبكة “العصفور الصغري” ‪ -‬مختارات شعرية‬ ‫‪43‬‬
‫األمري شكيب أرسالن‬ ‫ملاذا تأخر املسلمون؟ وملاذا تقدم غريهم؟‬ ‫‪44‬‬
‫عيل املك‬ ‫مختارات من األدب السوداين‬ ‫‪45‬‬
‫ُجرجي زيدان‬ ‫رحلة إىل أوروبا‬ ‫‪46‬‬
‫د‪.‬عبدالدين حمروش‬ ‫ا ُملعتمدُ بنُ ع َّباد يف سنواته األخرية باألرس‬ ‫‪47‬‬
‫سالمة موىس‬ ‫تاريخ الفنون وأشهر الصور‬ ‫‪48‬‬
‫إيدوي بلينيل ‪ -‬ترجمة‪ :‬عبداللطيف القريش‬ ‫من أجل املسلمني‬ ‫‪49‬‬
‫يوسف َذنّون‬ ‫زِينة املعنى (الكتابة ‪ ،‬الخط ‪ ،‬الزخرفة )‬ ‫‪50‬‬
‫أحمد فارس الشدياق‬ ‫الواسطة يف معرفة أحوال مالطة‬ ‫‪51‬‬
‫د‪ُ .‬محسن املوسوي‬ ‫النخبة الفكرية واالنشقاق ( تحـ ُّوالت الصـفـوة العارفة يف املجتمع العريب الحديث)‬ ‫‪52‬‬
‫إيزابيل إيربهاردت ‪ -‬ترجمة وتقديم‪ :‬بوداود عمري‬ ‫ياسمينة وقصص أخرى‬ ‫‪53‬‬
‫ترجمة‪ :‬عبدالسالم الغرياين‬ ‫آباي ( كتاب األقوال )‬ ‫‪54‬‬
154
155

You might also like