You are on page 1of 3

‫اسم الطالب ‪Muhammad Irfan syahrul :‬‬

‫رقم الجامعي ‪0180421 :‬‬

‫القدس في األدب العالمي والعربي‬

‫يعّد المكان عنصرًا محورّيًا من عناصر البناء الفنّي والدرامّي في أّي عمٍل أدبٍّي ‪ ،‬وال يمكن‬
‫االبتعاد عن تأثير المكان في األعمال األدبّية‪ ،‬لكوِنه يختبُر الظاهرَة الجمالّيَة لدى المؤلف‪،‬‬
‫وباعتباره أهّم ما ينُظم العناصر اإلبداعّية ويربطها سوّيًة‪ ،‬مكّو نًا البيئة التي تنمو فيها حبكة‬
‫العمل األدبّي ‪ ،‬وُيلقى بصناعة المكان على سردّية المؤلف الذي يدفع بكّل ما لديه من موهبٍة‬
‫لمحاولة نقل المكان الذي تشغله الشخصّية األدبّية الُم تخّيلة من حيث االسم والتاريخ واألبعاد‬
‫والعادات االجتماعّية واألحوال السياسّية‪ ،‬إذ ُتفّر د للمكان مساحٌة خاصٌة في أّي عمٍل روائٍّي ‪.‬‬
‫ولطالما ارتبط األدباء بمدنهم وارتبطت هي بهم أيضًا؛ فارتبطت موسكو بـ “تولوستوي”‪،‬‬
‫والقاهرة بنجيب محفوظ‪ ،‬وباريس بـ “بلزاك” و”موديانو”‪.‬‬

‫شغلت مدينة القدس حّيزًا كبيرًا في مخيلة األدباء في البناء الفنّي ‪ ،‬سواًء في األدب المقاوم‪ ،‬أو‬
‫في األدب العربي بشكٍل عاٍّم ‪ ،‬فضًال عن األدب الصهيوني‪ .‬ونقل هذا االهتمام الصراع‬
‫العسكرّي والسياسّي ‪ ،‬والتحّيزات الدينية واالجتماعّية‪ ،‬حول مدينة القدس إلى ساحات األدب‪.‬‬
‫فالمكان‪ ،‬وتحديدًا القدس‪ ،‬متشّعٌب ومتداخٌل في العالم األدبي‪ ،‬ويحتاُج للكثير من التدقيق الَقِلق‬
‫على مصير المكان حّتى على الورق؛ فالتاريخ يسّجل رؤيته الخاصة عن هذا الجانب الحيوّي‬
‫في العمل اإلبداعي‪.‬‬

‫خطورة وصفّية المكان – الرواية نموذجًا‬

‫يستوجب وصُف المكــان تحديــَد زمٍن ُيعطي مؤشــرًا إلى أّي اتجــاٍه ســيتحرك الوصــف‪ ،‬فــالزمن‬
‫يهيئ القارئ نفسّيًا ليتخيل المكان ويتقّبلــه حّس يًا‪ ،‬ومن هــذا المنطلــق فمكــان الروايــة – الواقعّي ة‬
‫تحديًدا‪ -‬بــالُغ األهمية والخطــورة في ذهنّي ة القــارئ‪ .‬تطـّو ر الوصــف المكــاني على يـّد كــٍّل من‬
‫“بلزاك” و”فلوبير”؛ إذ صارت المنازل‪ ،‬والشوارع‪ ،‬والرسومات على الجدران‪ ،‬واألثاث تحّد د‬
‫هوّية‬

‫األشــخاص في الروايــة ومــزاجيتهم وأصــولهم‪ ،‬وُيمكن للوصــف أن ُيضــيف قيمــًة جمالّي ًة أو‬
‫تحقيرّي ًة‪ ،‬كيفمــا يريــد األديب‪ .‬وحــول العالقــة بين الروايــة والتــاريخ‪ ،‬يــرى نجيب محفــوظ أّن‬
‫الرواية عبارٌة عن “استعراٍض للحياة اليومّية بكّل مشاكلها وقضــاياها وأشخاصــها…وجــزٌء من‬
‫تاريٍخ لم يكتبه المؤرخون‪ ،‬ثّم إّن التاريخ عبارٌة عن أحداث وتفســير ورؤيــة وأشــخاص‪ ،‬وكــذلك‬
‫الرواية”‪.‬‬
‫القدس في األدب العربّي‬

‫ســنّتخذ في هــذا المقــال روايــتْين عربّي تْين كنمــوذٍج للحــديث عن ظهــور القــدس كمكــاٍن في األدب والروايــة العربّي ة‪،‬‬
‫واخترُت روايَة (مصابيح أورشليم)‪ ،‬للروائّي العراقّي علي بدر‪ ،‬لتناولها القدس كـ”مكاٍن ” في سياٍق تــاريخٍّي ‪ ،‬وروايــة‬
‫(سوناتا أشباح القدس)‪ ،‬للروائي الجزائرّي واسيني األعرج‪ ،‬والتي تتناول المدينة في سياٍق رومانسٍّي عــاطفٍّي ‪ .‬وبينمــا‬
‫تولي كلتا الروايتين أهميًة لمدينة القدس‪ ،‬كظرٍف مكانٍّي للرواية‪ ،‬تستفيضان في وصفها‪ ،‬من زاويتين مختلفتين‪.‬‬

‫مصابيُح أورشليم – علي بدر‬

‫كُّل شيٍء صامٌت حول هذه المدينة‪ ..‬كُّل شيٍء أخرس‬

‫في هذه الرواية‪ ،‬يقّد م الروائي علي بدر خريطًة للقدس على مّر العصور‪ ،‬قام بتجميعهــا وتركيبهــا بنفســه‪ ،‬وجعــل أحــد‬
‫أشهر المثقفين الفلسطينيين والعرب بوصَلَتنا لقراءة هذه الخريطة‪ :‬إدوارد سعيد‪ ،‬واصفًا أعماله الفكرّي ة بأّنهــا “أخطــر‬
‫الحروب على إسرائيل”‪ .‬يبدأ بدر برسم القدس في روايته بوحٍي من صوٍر التقطها “جوزيف دو برانغي” للمدينة‪]1[،‬‬
‫والتي تعـّد من أقـدم صـور المدينـة‪ .‬كمـا اعتمـد على صـور “جيمس غراهـام”‪ ،‬أّول مصـّو ٍر يعيش في القـدس‪ ،‬خالل‬
‫خمســينّيات القــرن الماضــي‪ ،‬وأحــد رجــال البعثــات التبشــيرّية للقــدس‪ ،‬كمــا يســتنُد إلى العديــد من الوثــائق األمريكّي ة‬
‫والروسّية والقصص الخيالّية التي تناولت الحديث عن القدس؛ إذ ُيدرك علي بدر صعوبة الكتابة عن مدينـٍة ُه دمت ‪18‬‬
‫مرًة وأعيد بناؤها إثر كّل هدم‪ ،‬ويمتّد عمرها إلى ‪ 45‬قرنًا‪ ،‬ويصفها قـائًال‪“ :‬القــدس شــيٌء ال يمكن تصــنيفه‪ ،‬وحـده هللا‬
‫يمكنه الكتابة عنها” ‪.‬‬

‫يحاول علي بدر‪ ،‬من بداية الرواية‪ ،‬أن يرسم خّط التغّير في القدس وفي حياة ساكنيها مع مرور الزمن؛ فكان يعقد‬
‫المقارنات بين مالبس العرب منذ إعالن الدولة اليهودية؛ فحاول‪ ،‬مثًال‪ ،‬قراءة مالبس والي القدس الذي يظهر في‬
‫الصور ُم رتديًا األخضر الُم غّطى بقفطاٍن لونه أزرق ونعٍل أخضر اللون وُيمسك مسبحًة في يده‪ ،‬فيما نقرأ نحُن من هذه‬
‫األلوان الحَّس الصوفَّي وفكرَة الخير على أرض القدس التي ُيجّسدها خليط اللونين األخضر واألزرق‪.‬‬

‫نشَهد في الرواية ثنائّيًة وصفّيًة (فلسطينّيًة – صهيونّيًة) من وجهــة نظــر بــدر؛ فالقــدس الــتي ضــاعت مــا بين الســلوان‬
‫والّسهو تمتّد بين منازل قديمٍة وشرفاٍت مغلقٍة وبين شوارع ُم بّلطٍة ُم غبّر ٍة وأزّقٍة رطبٍة‪ ،‬وباعٍة على األرصفة‪ ،‬وأطفــاٍل‬
‫نائمين على أكتاف أُم هاتهم‪ ،‬وشّحاذين‪ ،‬وُع ّم اٍل بسواعٍد ُم تعّرقٍة يدخلون القــدس المحتلــة‪ ،‬وصــيادي يافــا الــذين يــبيعون‬
‫السمك في الِّش باك‪ ،‬وُع ّم ال النظافة التائهين في الحـدائق‪ ،‬وحـارة النصـارى بروائحهـا وعالمهـا ومناخهـا الحـاّر الُم فعم‬
‫بروائح الراهبات الُم مّيزة‪.‬‬

‫ويذكر البوابات القديمة‪ ،‬كباب العامود وباب الّز اهرة وباب الخليل‪ ،‬ويصف الطرق المؤّد ية إليهم بأّنها طـرق “األنبياء‬
‫والملوك”‪ ،‬وفي ذات المشهد القديم جعلها الطرق التي اّتخذها “الجنــود والتجــار والكولنياليون” مســارًا لهم‪ .‬ثم يــذهب‬
‫إلى ِذ كر تغُّير الماّر ين بطرق القدس على طول أزمانها؛ إذ شهدت المدينة عّد ة تحّوالٍت لطبيعتها ومركزها الذي جعلها‬
‫طريقًا مهّم ًا للمستعمر وحّتى مقِص دًا له‪ ،‬كما جعلها طريقًا تجارّيًا تخضع لتغّيرات التجارة الدولّية وطرقها؛ من هذا مــا‬
‫سّجله من تغُّير أحوال القدس مع افتتــاح قنــاة الســويس وكــثرة حضــور المستشــرقين والمستكشــفين إليهــا‪ ،‬مثــل األديب‬
‫الفرنسي الشهير “فولبير”‪ ،‬الذين لم ُترّحب المدينة بهم‪ ،‬والكثير من الصــور الـتي التقطتهــا هـذه البعثـات كــانت لنســاٍء‬
‫ُم حّجباٍت وبيوٍت وشبابيَك مغلقٍة ُأوِص دت في وجوههم‪.‬‬
‫تتغّير مالمح مدينة القدس مع مرور زمن الرواية وتختفي أحياؤها القديمة لتحّل محَّلها بنايــاٌت جديــدٌة ومحالُت مالبٍس‬
‫رياضّيٍة و”فاست فود”‪ .‬ويمّر بطل الرواية‪ ،‬إدوارد سعيد‪ ،‬على فندق الملك داوود‪ ،‬هذا الفندق الــذي ُيع ـّد نموذج ـًا حّي ًا‬
‫للتغّير ودليًال على إرهاب الصهاينة؛ إذ تّم تفجيره من قبل عصابات اإلرغون برئاسة مناحيم بيغن آنذاك‪ ،‬ومن ثّم أعاد‬
‫الصهاينة بناءه واالستحواذ عليه‪ ،‬وهو مثاٌل بسيٌط على عملية التهويد الواسعة لمدينة القدس‪.‬‬

‫باالنتقال إلى ُم ستعمرة “أورشليم إسرائيل” التي تختزل كّل هذا في حدائق توراتّيٍة وصورٍة ُم تخّيل ـٍة لحيوانات التــوراة‬
‫الناجية من الحرب‪ ،‬موضوعٍة في حديقٍة شّيدها “إهرون شولوف” [‪]2‬؛ إذ ترى شخوص الرواية اليهوديــة أّن القــرود‬
‫واألسود والغزالن هي التي شّك لت محور أحالم النبي يعقوب‪ ،‬كرمــوٍز ُتشــير إلى رفقــاء المجاعــة والحــرب‪ .‬وتتش ـّك ل‬
‫“إسرائيل” في حوارات شخوص علي بدر باعتبارها ُحلمًا يوتوبّيًا‪ ،‬بّل “صوتًا بال موسيقى”‪.‬‬

‫يتعّم د علي بدر ذكَر هرتزل وصنَع مونولوٍج على لسانه وهو يقول‪“ :‬إن “أورشليم” تعطي لنا فرص ـًة جديــدًة‪ ،‬فرص ـًة‬
‫أخرى لنكون أوروبا في مواجهة البربر”‪ ،‬وهذا خٌّط يبّين فيه بدر اســتخدام الصــهاينة للقــوة حــتى في الخطابــات؛ كمــا‬
‫يأتي على لسانهم في أحد فقرات الروايـة‪“ :‬اليوم نحُن التـاريخ ‪ ..‬نحُن نكتبـه‪ ..‬نحُن شـهوُده وُقضـاته وتوراتـه‪ ..‬وليس‬
‫هناك من معترضين‪ ،‬وال أّي شيٍء من هذا الخراء”! جملٌة ترّسخ حضور سياسة اإلقصاء في وجه كــّل ُم عــترٍض على‬
‫وجود هذا الكيان المغتصب‪.‬‬

‫تشرح الرواية أهمّية القدس االستثنائية في السردّيات اليهودّية وللسياسة الصهيونّية؛ فيقول “بن غوريون”‪“ :‬ال وجــوَد‬
‫لـ”إسرائيل” دون القدس‪ ،‬وال وجوَد للقــدس دون الهيكــل”‪ .‬هكــذا إذًا ُتعَت بر القــدس وعــاًء لصــناعة أيــديولوجيا احتالل‬
‫األرض‪.‬‬

‫وقد أجاد علي بدر ضبط أصــوات الَم شــاِهد؛ فســقوط فلســطين مــع صــراخ األّم وصــوت البقــاء يرافــُق حركــة خــروج‬
‫الفلسطينيين من قريٍة ألخرى‪ ،‬وحركة جنود “بن غوريون”‪ُ ،‬م ختِلطًا بدعاية األخير بأّنه حامي الهيكــل وآخــُر النــاجين‬
‫من محرقة أوروبا‪ ،‬فضًال عن همس األغنيات العربّية وُزْخ ر الشوارع بها‪.‬‬

‫يعّلل علي بدر كتابته هذه الرواية‪ ،‬فيقـول إّن “إسـرائيل” نشـأت كفكـرٍة أدبّي ٍة رومانسـّيٍة ُنسـجت من الخيال‪ ،‬فبالتـالي‬
‫“يجُب إعادة كتابتها عن طريق األدب‪ ،‬وهكذا يتم تكذيبها أيضًا‪ ،‬الرواية هي أفضُل حرٍب”‪.‬‬

You might also like