Professional Documents
Culture Documents
الــشعبيـــــــــة
وزارة الــتعليـــــــــم الــعـــالـــــي و الــبحـــث الــعلمــــــــــــي
المــــركــــز الجـــامعــــي العقيـــد آكلـــي محنـــد أولحـــاج بـالبــويـــرة
معهـــــد اللـغـــــــات و اآلدب الــعـــــــربـــــــــي
قســــم اللـغــــة العــربيـــة و آدابــهــــا
السنـــة
الجــامعيــة
«اللّهم إشرح لي صدري ،و يسّر لي أمري ،و أحلل عقدة من لساني يفقه قولي»
إلى روح أبي الطاهرة رحمه هللا.
إلى والدتي الحنونة التي سهرت على تربيتي.
إلى إخوتي ،و أخواتي و أزواجهن و جميع أبنائهم.
إلى الذي أشرقت بوجوده شمس حياتي ،و ازدهرت ورود حديقتي ،و إلى
عوضني و لو بالقليل من حنان أبي. من ّ
زوجي العزيز و عائلته الكريمة.
إلى من شاركتني سنّوات الدّراسة الجامعية و اإلقامة.
و قاسمتني حالوة و مرارة هذا العمل أختي نعيمة.
إلى أختي رشيدة و صديقة دربي و إلى كل صديقاتي :رتيبة،فتيحة ،حياة،
دليلة ،الزهرة ،عقيلة.
و إلى كل من ساعدني من قريب و من بعيد في إنجاز هذا البحث المتواضع.
اإلهداء
اللهم إني أسألك الرضى في عملي هذا ،و أسألك شكر نعمتك ،باسم أغلى كلمة تنطق
بها الشفاه «أمي» و باسم شمعة األمل التي أنار دربي «أبي».
إل يكما يا من أديت لهما بروحي و قلبي ،أهدي هذا النجاح ،و خالص حبي و احترامي و
تقديري.
إلى أعطر باقة ورد إخوتي و أخواتي :حميد ،ناصر ،توفيق ،عبد الغاني ،وهيبة و
زوجها نور الدين ،سامية ،شهرزاد.
إلى زوجة أخي و حبيبة الدرب حنان ،و إلى سباع البراءة :عبد الرحيم ،عالء الدين،
إسالم و إلى بركة األسرة أطال هللا في عمرها «جدتي».
إلى من حملت أعباء هذا العمل ،و شربت معي حلو عمله في كأس واحدة أختي و
زميلتي و حبيبتي نصيرة و إلى زوجها أخي حميد و له الشكر الجزيل.
إلى من سعدت ّ
بهن أيامي صديقاتي :مليكة ،المية ،وهيبة ،أمينة ،الكهينتين ،سامية،
زينب ،نسيمة ،ليلى ،رشيدة ،صورية ،سميرة ،زهرة ،دليلة ،سهيلة ،عقيلة ،صبيحة.
إلى كل النفوس التي تقاطعت معها نفسي في روضة العفة و الصدق.
إلى كل من ساعدني من بعيد أو من قريب في إنجاز هذا العمل المتواضع.
المقدمة
إن لكل عمل هدف يرمي إ ليه ،و كان هدفنا نحن من خالل هذا العمل المتواضع ،هو أن نلخص عشرات ّ
هذا الوطن ،التي تنوعت و تعددت و وسمت التاريخ العربي منذ سقوط األندلس إلى يومنا هذا بسمة يندى لها
الجبين و تنفطر لها األكباد.
إن أبناء هذا الوطن ال تكاد تجف لهم دمعة حزن عن مأساة وطنية أو اجتماعية ،إالّ وأصاب وطنّهم
مآسي أخرى تثير في قلوبهم أحزانا جديدة هذا من جهة ،و من جهة أخرى حاولنا قدر المستطاع أن نبرز
مصداقية الشعر العربي المعاصر في مسايرته و مواكبته لقضايا إنسانية و قومية.
وقد اعتمدنا في بحثنا المتواضع «نزار قباني» نموذجا باعتباره أحد الذين تبنوا والتزموا بالقضية
الوطنية و القومية.
أ ّما الدافع الذي انطلقنا منه في هذه الدراسة ،هو تغيير النظرة الضيّقة التي ينظر بها النقاد إلى هذا
الشاعر الوطني الفذ ،إذ اعتبروه شاعر للمرأة ألنه تفقه في شؤونها الصغيرة قبل الكبيرة و وضعوه في قالب
ضّيق فلقبوه «بشاعر المرأة و الحب» لكنّنا نرى غير ذلك ،فنزار كتب عن المرأة باعتبارها جزء من هذا الوطن
و جزء من المآسي العربية ،فكيف بأمتنا أن تزدهر و أن ترتقي إلى مصاف األمم العظمى ،بينما نصف مجتمعنا
–المرأة -يعيش مقهورا منبوذا و مذلوال ،هذه هي الفكرة التي انطلق منها « نزار» في كتاباته من المرأة ،أ ّما
الفكرة التي انطلق منها في كتاباته السياسية ،فهي المثل العربي القديم «آخر العالج الكي» فراح «نزار» يكشف
مناطق الوجع في األمة العربية ،و اكتشف أن العالج ال يكون إال بالتّواري و الهروب ،وإنّما بمواجهة عيوبنا و
سيئاتنا على في ه ذه المواجهة الصريحة إستقاظة لضمائرنا و استفاقة لهممنا لذا فإنه صرخ بقلمه في وجه هذا
العصر العربي المرفع بالبشاعة و الظلم و القمع.
ال بل هذا كله أردنا أن نختم دراستنا الجامعية بتناول موضوع يخدم األدب و الوطن في الوقت ذاته،
فاخترنا موضوع «الوطن في شعر نزار قباني».
ألن الموضوع أما المنهج الذي سلكناه في هذه الدراسة المتواضعة ،فإنه مزيج من التاريخ و التحليلّ ،
المختار هو الذي يحدد المنهج المناسب له ،و هكذا وجدنا أنفسنا و نحن نختار ظاهرة الوطن في شعر «نزار» ّ
أن
أنسب المناهج لتفسير هذه الظاهرة ،االتجاه إلى التاريخ باعتباره األقدر على إضاءة البيئة التي أفرزت شعر
أن هناك سببا آخر الختيارنا هذا المنهج إبراز العالقة التاريخية و قصائد «نزار» المعبّرة عن تلك «نزار» ،ثم ّ
الوقائع التاريخية.
وقد اتبعنا في بحثنا هذا على خطة تمثلت في:
مقدمة ،و اتبعناها بتمهيد يشمل فيه التعريف بنزار قباني أ ّما فصول بحثنا فقسمناها إلى فصلين ،يندرج
الفصل األول تحت عنوان:
تغزل نزار قباني بالمرأة فعبّر عما خجلت و أحجمت أن تعبر عنه من خواطر و مشاعر و أحاسيس.
فنحن بحاجة إلى التعريف بهذا االسم الذي ذاع صيته و لمع نجمه في سماء األدب العربي .و من أجل
ذلك ارتأينا الحديث عن شخوص عدّة جمعها نزار في شخص واحد ،فهو من حيث الدراسة رجل قانون ،و من
حيث العمل دبلوماسي ،و من حيث الهواية شاعر ،و هذا الشاعر من هو؟
هو نزار قباني الذي ولد يوم 21آذار (مارس) 1923في بيت من بيوت حي مئذنة الشحم أحد أحياء
دمشق العربية.
يقول هو عن ميالده و نشأته «ولدت في دمشق في آذار مارس 1923بيت واسع كثير الماء و ا ّ
لزهر من
منازل دمشق القديمة ،والدي توفيق قباني تاجر وجيه في حيّه ،عمل في الحركة الوطنية و وهب حياته و ماله
()2
لها».
بدأ نزار قباني حياته الدراسية بمدارس دمشق االبتدائية ،و تحصل على بكالوريا القسم األدبي من
مدرسة الكلية العلمية التي التحق بها و عمره ال يتجاوز السابع عشر ،بعدها انتقل إلى مدرسة التجهيز أين تحصل
على بكالوريا ثانية قسم الفلسفة ،و هذه المدرسة لعبت دورا أساسيا في تشكيل نزار المثقف ،حيث كانت المدرسة
صغيرة من تجار و مزارعين و موظفين و أصحاب مؤسسة وطنية يتردد إليها أبناء البرجوازية الدمشقية ال ّ
حرف.
و كانت الكلية العلمية تقف موقفا وسطا بين المدارس التبشيرية التي كانت تتبنى خط الثقافة الفرنسية و
مدرسة التجهيز التي كانت تتبنى الثقافة العربية ،و كان هذا من حسن تدبير األب «الذي اختار ألبنائه مدرسة
عبارة عن مزيج بين الثقافتين و ذلك سعيا منه ألن تكون ثقافة أبنائه متفتحة على العلم ،و في نفس الوقت ملتزمة
بالخط الوطني» )3(.من جهة أخرى ،هذه الثقافة سمحت لنزار بدراسة اللغة الفرنسية و التعرف على آدابها و
النهل من معانيها.
( )1ديوان المتنبي ،دار الجيل للنشر و الطباعة و التوزيع ،بيروت ،2005 ،ص .332
( )2نبيلة بركان ،نزار قباني شاعر العصر ،دط ،المكتبة العصرية ،دت ،ص .18
( )3نفسه ،ص .19
و باإلضافة إلى الثقافة الفرنسية ،كان لنزار الحظ في التتلمذ على يد الشاعر خليل مردم بك الذي أثرى
موهبة نزار بذوقه الرفيع « حيث ظل نزار يدين لهذا الشاعر الكبير بذلك المخزون الشعري الراقي الذي تركه
على طبقات عقله الباطن ،حيث كان له الفضل في زرع وردة شعر تحت جلد نزار و في تهيئة الضمائر التي
()4
كونت خالياه و أنسجته الشعرية».
و بعد حصول نزار قباني على إجازة الحقوق التي لم يرافع بها إالّ في قضية الشعر على حد قوله ،التحق
بالسلك الدبلوماسي حيث شغل عدّة مناصب في السفارة السورية في عدّة عواصم من العالم ،و كانت القاهرة أول
محطة دبلوماسية له ،و لقد ساعدته على الدخول في الوسط األدبي و الفني و الصحفي من أبوابه العريضة خاصة
بعد تعرفه إلى شخصيات فكرية وأدبية و فنية كتوفيق الحكيم و المازني و محمد عبد الوهاب وقد أصدر ديوانه
()5
الشعري األول طفولة نهد.
و يصرح على أثر القاهرة في حياته الشعرية « كانت القاهرة في األربعينات زهرة المدائن و عاصمة
()6
العواصم العربية ،و كانت بستانا للفكر و الفن ق ّل نظيرة».
و لقد امتدت فترة عمل نزار قباني الدبلوماسي بين عامي ،1965-1945حيث بدأ ملحقا بالسفارة
السورية بالقاهرة انتهاء باستقاللية من الدبلوماسية و استقراره ببيروت ،و بين هاتين المحطتين كانت رحالته قد
شملت كل من اسطنبول و هونغ كونغ و روم ا و لندن واسكتلندا و موسكو و تايلندا و الصين و سان جرمان و
إسبانيا و هولندا و سويسرا و مونتي كارلوا ،أو عن أثر رحالته الدبلوماسية في ملكاته الشعرية يقول:
« مع كل خطوة كنت أخطوها كان قلبي يكبر و شبكة عيني تتسع و آبار نفسي تمتلئ والبدوي في داخلي
()7
يرق يشف و يتحصر».
استقال نزار من العمل الدبلوماسي مبررا استقالته الخارجية برغبته في التفرغ للشعر.
كتب نزار أول قصيدته سنة 1939و هو مبحر على ظهر سفينة من بيروت إلى إيطاليا ،و يعتبر نزار
مؤسس مدرسة شعرية و فكرية تناولت دواوينه األربعة األولى قصائد رومانسية و كان ديوان من نزار قباني
()8
الصادر عام 1956م نقطة تحول في شعر نزار من شعر المرأة و الحب إلى شعر الوطن و السياسة.
و لنزار قباني عدّة مؤلفات شعرية جمعت كلّها في مجموعة األعمال الشعرية الكاملة ،وله أيضا مؤلفات
نثرية ،جمعت أيضا في األعمال النثرية الكاملة ،و له أيضا ديوان شعر باللغة اإلسبانية «أشعار الحب العربية» و
هو عبارة عن مختارات انتقيت من جميع دواوينه ،باإلضافة إلى القصائد التي ألقاها في مناسبات أدبية و
مؤتمرات ثقافية مختلفة خالل فترة وجوده في اسبانيا.
وقد تزوج نزار من "زهراء أقبيق" التي كانت ابنة لقاض من أقران سوريا معروفا بالورع و االستقامة،
و كان صديقا لوالده وقد أنجب منها ولد و بنت هما توفيق و هدباء ،ثم تزوج مرة أخرى من العراقية بلقين
الراوي ،و كان قد التقى بها عام 1962م ببغداد حين أقام أمسية شعرية و ارتبط بها سنة 1969م ،و لقد أحبّها
( )4سمر الضوئ ،روائع نزار قباني ،ط ،3دار الروائع للنشر ،2004 ،ص .9-8
( )5أحمد مهار ،نزار قباني ،محمود درويش ،مقتطفات من حدائق الشعراء ،دار البحار للطباعة و النشر و التوزيع ،عمان ،األردن،
ص .79-78
( )6نبيلة بركان ،المرجع السابق ،ص .12
( )7نفسه ،ص .15
( )8مرسي حجازي ،نزار قباني ،شاعر المرأة و الوطن ،دط ،دار النفيس ،الجزائر ،دت ،ص .17
نزار نظرا لما المسه منها من حب لإلنسان و الشاعرفية معا وقد كانت قارئة لكل ما يكتب .وقد أنجب منها زينب
و عمر ،و لكن بلقيس قتلت في بيروت ،فما كان منه إالّ أن (رثاما بقصيدته الرائعة التي جمعت بين لوعة الحب
ودمعة الفراق و لمسة السياسة.
و بعد مقتل بلقيس ترك نزار بيروت و انتقل إلى باريس و جنيف حتى استقر به المطاف في لندن التي
تحصى بها األعوام الخمسة عشر األخيرة من حياته ،حيث كان يكتب أشعاره ويثير المعارك و الجدل خاصة
قصائده السياسية خالل فترة التسعينات مثل «متى يعلنون وفاة العرب» و «المهرولون».
وافته المنية في لندن يوم 30أفريل 1998عن عمر يناهز خمسة و سبعون سنة ،قضى منها أكثر من
خمسين عاما في الحب و السياسة و الثورة ،و شيعته الجماهير العربية بالدّم والدموع.
و بالرغم من ّ
أن نزار قباني تعتبره األغلبية شاعر الحب و شاعر المرأة بالخصوص ولكن نجد عكس
ذلك.
فحبّه للمرأة يعادل حبه للوطن ،إذ يقول في أحد منتدياته «المرأة دائما حبيبتي و سوف تبقى دائما
()9
حبيبتي ،لكننّي أضفت إليها درة جديدة تدعى الوطن».
( )9
مجدي السيد عبد العزيز ،نزار قباني شعره بين المواطنة و اإلبداع و أسرار الجمال ،دار العالم العربي ،القاهرة ،ط ،1ص .45
الفصل األول
جـذور الشعـر الـوطنـي السيـاسـي عنـد نـزار قبـانـي:
إذا بحثنا عن الجذور و تتبعنا البدايات الشعرية و انطالقة المد الوطني لدى نزار قباني وجدنا أن بذور
أن اإلرهاصات األولى للحس الوطني قد جاءته عن طريق الشعر الوطني عنده قد تم غرسها عام 1954م ،و ّ
والده توفيق القباني «الحلواني» الذي فتح بيته للمقاومة الوطنية ضد الفرنسيين و كان منزله ملتقى للثوار ،ثم جاء
التحاق نزار بمدرسة الحقوق و هي مصنع الساسة و المناضلين ثم عمله في السلك الدبلوماسي ،فور تخرجه و
ارتباطه بشكل مباشر بالسياسة والسياسيين و لكن ك ّل ذلك لم يحرك ساكنا في نزار قباني ،و لم يشكل عنده
الحافز الملح و ال الدافع القوي لكي يتجه إلى االشتغال بهموم السياسة كتابة و شعرا بشكل فعلي مباشر.
فالمالحظ من سيرة نزار قباني و من أشعاره أ ّنه لم يهجر مخدع المرأة ،و لم يترك محرابها الذي وقف
على أبوابه متعبدًا و لم يتأخر عن الحديث عن جمالها و مفاتن جسدها ومرآتها و عطورها و مالبسها و ماكياجها
و أشياءها الصغيرة و الكبيرة ،حتى لحظة استقالل سوريا و خروج المحتل الفرنسي ،لم تلفت نظر نزار قباني و
لم تحرك فيه الحس السياسي ،و لم تفجر الطاقات الوطنية الكامنة فيه.
التحوالت الكبرى في حياة نزار قباني ارتبطت ارتباطا مباشرا بنكسة 1967م ،فلقد كانت حرب
ّ و لكن
هز وجدان حزيران و ما أسفرت عنه من واقع عسكري سياسي و اجتماعي و نفسي ،كانت هي الزلزال الذي ّ
حوله بزاوية مقدار 180درجة نحو هموم الوطن و أحزان و آالم األمة العربية بأسرها ،فاستغلنزار قباني و ّ
()10
بالشعر الوطني و السياسي و كتب أروع قصائده و سجل أعظم إبداعاته.
و نحن هنا نؤكد أن نكسة 1967م هي اإلعصار السياسي أو الزلزال الكبير الذي اعتصر وجدان شاعرنا
حوله من شاعر الحب و الحنين إلى شاعر يكتب بال ّسكين ،و هذا ما سنراه من خالل قصيدته «هوامش على و ّ
دفتر النكسة» و ذلك عندما أصدر منشوره السياسي الهام الذي أقام الدنيا و لم يقعدها في ذلك الوقت ،و ال يؤثر
ذلك في بعض المحاوالت التي قدمها نزار في مجال القصيدة الوطنية اعتبارا من عام 1954م و إن كانت تلك
القصائد لم تشغل بال القارئ العربي و لم يتوقف أمامها الكثير ،مثلما حدث مع قصائد نزار السياسة بعد النكسة
وكانت تلك القصائد الوطنية قبل 1967م تبدو باهتة باردة جافة خامدة ال تلمس فيها ذلك التوهج والبريق الموجود
في فتوحاته الغزلية و أشعاره العاطفية في المرأة التي تخصص فيها و توظف في بالطها.
()11
فهذا دليل على أن نزار قباني يجمع في حديثه الطويل في أغلب شعره عن المرأة وحديثه عن الوطن.
فمن المالحظ أن األحداث السياسية الكبرى التي حفلت بها المنطقة العربية خالل فترة ما قبل 1967م و
التحوالت الوطنية سواء على المستوى اإلقليمي في سوريا أو القومي على مستوى الوطن العربي ،لم تكن تشغل
مساحة مناسبة من اهتمامات نزار قباني لدرجة أن حدثا وطنيا كبيرا مثل استقالل سوريا عن االحتالل الفرنسي،
لم يحرك ساكنا عند نزار ق باني و لم يفكر في التعبير عنه و لو ببيت واحد من الشعر و مر الحدث مرور الكرام.
لذلك فقد ظل نزار محصورا في فلك الشعر النسائي و أعدّه النقاد و الكتّاب شاعر المرأة األول ،لذلك فقد
تألم نزار كثيرا من هذا التوظيف األدبي ،و نحن هنا نؤكد أن نكسة 1967م هي اإلعصار السياسي أو الزلزال
سكين كما أسلفنا القولحوله من شاعر الحب والحنين إلى شاعر يكتب بال ّ الكبير الذي هز وجدان شاعرنا ّ
هزا و ّ
( )10أحمد تاج الدين ،نزار قباني و الشعر السياسي ،دار النصر للطباعة اإلسالمية ،القاهرة ،ص .8
( )11حبيبة محمدي ،المرجع السابق ،موفم للنشر و التوزيع ،دط ،الجزائر ،2001،ص.75
()12
دويا هائال في ذلك الوقت و المس ّمى بقصيدة (هوامش على
الذي أحدث ّ و ذلك بإصدار منشور سياسي هام.
دفتر النكسة).
و رغم هذه الحقيقة التي لم ينكرها أحد من النقاد و يعترف بها نزار نفسه ،إالّ أنه راح يصرخ في وجه
القراء و النقاد بأن يخرجوه من ذلك النطاق الضّيق الذي حصروه فيه و هو «شاعر المرأة» و يقول لهم هل من ّ
صحافة العربية أي الممكن إكراما لك ّل األنبياء أن تخرجوني من هذه القارورة الضّيقة التي وضعتني فيها ال ّ
أن من زمان مستقيل من عملي كحارس ليلي على باب قارورة الحب و المرأة ،و يستطرد نزار قائال :يا جماعة ّ
()13
ي أن أقابل حبيبتي إالّ في أيام اإلجازات.
المرأة أنا اآلن أؤدي خدمتي العسكرية للوطن و ممنوع عل ّ
إنّه يعلن بكل صراحة أ ّنه كشاعر يؤدي خدمة العلم و مجند ألداء الخدمة العسكرية للوطن و هو في
معسكر الواجب الوطني و محظور عليه كل الممارسات السابقة حتى لقاء حبيبته غير مسموح به إال في يوم
اإلجازة هذا اإلعالن وج ّهه الشاعر إلى الشعراء و النقاد عام 1975م أي بعد مرور ثماني سنوات على كتابة
قصيدته الخطيرة «حزيران .»1967
أن الشاعر احترف الشعر السياسي ،و صحيح أن الشاعر أدرك أهمية دوره الوطني ،و صحيح ّ صحيح ّ
()14
أنّه جنّد نفسه ألداء الخدمة الوطنية ،و لكن ّ
صرح بنفسه أنه مسموح له بلقاء الحبيبة في أيام اإلجازات.
يقول نزار في بدايات عالقاته بهموم الوطن كانت معركة المقاومة ضد االنتداب الفرنسي تمتد من
سورية إلى المدن و األحياء الشعبية و كان حي الشاغور -حيث كنا نسكن -معقال من معاقل الوطن و
األرياف ال ّ
المقاومة.
كان غضبهم علي عظيما ،ألنني تجرأت بعد هزيمة حزيران 1967م أن أبكي على وطني ...حتى
دموعي الحزيرانية رفضوها ...فمن يبكي عل ى صدر حبيبته ال يحق له أن يبكي على صدر وطنه ...و من
يمارس العشق ال يحق له أن يمارس الثورة إن مثل هذا الكالم االنفعالي المغلق بالطهارة الثورية إالّ من ثقب
ضيق و أنه يفرغها من شموليتها و أبعادها اإلنسانية ليجسمها في زجاجة ضيقة العنق ،و يحول الثائرين إلى
()15
كائنات غيبية منفصلة عن لحمها ،و دمها ،و ارتباطاتها األرضية.
أن قصيدة نزار الوطنية المتمثلة في «هوامش على دفتر النكسة» هي التي أوقدت نارو من هنا نستنتج ّ
نزار من أجل التوازن على الواقع المهزوم ،و تحريض أمراء النفط و أثرياء العرب ...على الساسة و
المستعمرين حت ى تتربع األحداث ،و من خاللها نتوصل إلى محطة أعلن فيها مرارا ثورته على العرب و
تحولت القصيدة في أغلب األحيان هجاء مقذحا للعرب و العروبة .كما العروبة ،و تنكره لقيّمها و مفاخرها حيث ّ
حركت ما عجزت تحريكه من أن هزيمة حزيران أوقدت نار و مراحل الثورة في نفسية «نزار» و شعره ،و ّ ّ
قبل ،لقد انفجر الشعر الوطني و السياسي على لسان شاعرنا ِح َم ًما مقاتلة تؤكد وطنيته المخبوءة و صدق غيرته
على األمة العربية و مقداراتها و أهم عامال نفسي أذكى نار «نزار» ثورة و غضبًا هو وفاة زوجته «بلقيس»
التي كانت واحة حياته و ميالده ،و هويته و أقالمه ،فكتب قصيدة رثاها فيها أسماها «بلقيس» كتبها نزار بحبر
()16
القلب و دموع الحزن الكبير و بأبيات مشحونة بالحب و الحزن والثورة.
()12
أحمد تاج الدين ،نزار قباني و الشعر السياسي ،دار النصر للطباعة اإلسالمية ،القاهرة ،ص .9
( )13حبيبة محمدي ،المرجع السابق ،موفم للنشر و التوزيع ،دط ،الجـزائـر ،2001 ،ص .78-77
( )14أحمد تاج الدين ،المرجع السابق ،دار النصر للطباعة اإلسالمية ،ص .10
( )15أحمد تاج الدين ،المرجع السابق ،ص .172
( )16ينظر ،ص .144
فنقول ّ
أن نزار أحب وطنه و مات من أجل وطنيته ،فقال شعرا وطنيا سواء أحبّه الجمهور أم لم يحبّه،
سواء آمن به أم لم يؤمن به ،المهم أنّه شعر شعرا وطنيا من عمق أعماقه.
هكذا كانت بيئة نزار بيئة تشتعل بنيران الثورة و النضال و المقاومة ضد االستعمار الفرنسي.
و من هنا نستطيع القول أن نزار نشأ في بيئة عربية و وطنية و هي منطقة تعتبر مصنعا للحركة
الوطنية ،و في بيت كان كعبة يطوف حولها الزعماء و القادة و من صلب رجل كان من هؤالء الزعماء و
المناضلين البارزين و هو أباه ،الذي كما ذكرنا سالفا أنه يعتبر من بين اإلرهاصات األولى الذي مدّ نزار بهذا
الحس الوطني ،و يظهر اهتمام نزار بافتخاره بوطنية أبيه و نشأته في تلك البيئة التي نطق أول كلماته الشعرية
في أجوائها السياسية.
ّ
إن القول بعدم اكتراث نزار بالهموم الوطنية و القضايا السياسية منذ ميالده كشاعر حتى عام النكسة ،وقد
يكون بعض الظلم لنزار قبل البحث في بطون دواوينه .فعلى سبيل المثال إذا تأملنا ديوانه الشعري األول «قالت
سمراء» و الذي يحتوي على «ثمانية و عشرون» قصيدة تدور حول المرأة و الغزل ،نجد أنّه يتطرق إلى في ال ّ
ذكر الوطن في بعض المواضيع و إن كانت هذه المواضيع الوطنية قد جاءت على استحياء مثل قصيدة «ورقة
إلى القارئ» التي يقول فيها:
و كان من المفترض و المنطقي أن يشمل هذا الديوان على العديد من القصائد الوطنية التي تنسجم مع
افتخار نزار بوطنية الحي الذي ولد و نشأ فيه و ما شاهده فيه من ألوان مقاومة االحتالل الفرنسي و كذلك مع
افتخاره بوطنية أبيه الذي جعل بيته مقرا لألحرار و حصنا للثورة.
فإذا أرصدنا ديوانه الشعري الثاني الشهير «طفولة فهد» و الذي انتهى منه نزار قباني بعد تحرير
سورية من االحتالل الفرنسي بعام واحد و بعد أن تخرج نزار من كلية الحقوق والتحاقه بالعمل السياسي و
أن هذا الديوان قد احتوى على قصيدة أطلق على واحدة اسم «بالدي» تحدث فيها عن خيرات الدبلوماسي ،نجد ّ
بالده مفتخرا بها معددا حسناتها قائال:
جبالنا مروحة
ذرانا المحسنة
حدودنا بالياسمين
و هي إن كانت قصيدة وطنية لفظا و أسلوبا و عنوانا فهي على صعيد اللغة منبثقة من معجمه الغزلي ،و
على صعيد الصورة ال تختلف عن ألبوم صوره و على صعيد المضمون ال تترجم أي موقف سياسي أو انشغال
سدها في شكل قصائد فيها نوع من الذكورة ّ و لكنه في بأية قضية وطنية ،و إنّما إحساسه و شهوته و شعوره ج ّ
()18
حقيقة أمره يرمز لها برمز المرأة أي تجسيد الوطن في شكل أنوثة.
ي عروقي
و زحف السرور ط ّ
و في القصيدة الثالثة «حبيبة وشتاء» يرقى بهذا الحب إلى الحبيبة الكبرى سورية فيقول:
تلك هي المواطن األربعة التي تحدث فيها نزار عن الوطن و غيرها و اعتبرها اإلرهاصات األولى للشعر
السياسي عنده بل بعضهم يقول «نالحظ منذ الورقة األولى ّ
أن الشاعر لم يغفل عن الخط الوطني».
( )18أحمد تاج الدين ،المرجع السابق ،دار النصر للطباعة اإلسالمية ،القاهرة ،ص .16
بالرغم من ذلك فهذا القول نجد فيه نوع من المبالغة ،حيث جاء ذكره لبالده و وطنه مفرغا من أية داللة
سياسية أو بعد وطني ،فاكتشفنا هنا أن شاعرنا مسكون بهموم أخرى غير هموم الوطن ،إنها هموم الجنس و
()19
الشهوة التي يجسدها هذا الديوان.
أن همومو إذا كانت نكبة فلسطين لها خصوصية لدى نزار قباني و اهتمام متميز ،فإنّه ال يخفي على أحد ّ
فلسطين بدأت منذ النكبة ،و هذا ما أدّى بالكثير من الشعراء في قول الشعر عن هذه المدينة بخصوص نكبتها و
منهم« :إبراهيم طوقان» « ،برهان الدين العبوسي» وغيرهم ،و لكن شعراء لم يبلغوا شيئا من الذي بلغه نزار
()20
شعرا.
ً شعورا و
ً سا و أدا ًء
من الشهرة و الذيوع بالرغم من حضورهم على مستوى الحدث قلبا و قالبا حؤ ً
أ ّما ما كتبه نزار قباني من قصاصات في الوطن فأدى بنا هذا إلى أن نفرق فيها بين «الوطنية» و
«المواطنة».
بأن جذور المد الشعري الوطني عند نزار بدأت منذ أوائل الخمسينات أي قبل النكسة و رغم قولنا ّ
أن النكسة هي المحرك األول لشعر نزار السياسي و هي الحدث األكبر الذي ّ
هز بحوالي عشرين عاما ،إالّ ّ
أعماقه هزا و أفرز لنا شاعرا من نوع آخر خرج من بوتقة المحن وانصهر مع نار الويالت.
و لكن يجب أن نتوقف إلى أربعة قصائد هامة شكلت الحس الوطني عند نزار و بلورته بشكل يستحق
االشارة و منها( :عندنا -إلى عينين شماليتين -القميص -األبيض -عودة التنورة المزركشة) ،دون أن تحمل هذه
القصائد أي داللة سياسية أو مضمون وطني تكاد تكون متسقة مع سياق تلك القصائد العاطفية الغزلية و نعتبرها
نوعا من الغزل الوطني إن صح الت عبير أوالتغني بالبالد عوضا عن التغني بالمحبوبة ...وقد تعودنا من الشعراء
العرب في سوريا ولبنان و بالد الشام أن يتغنوا بالمدن و البالد مثلما يتغنى اللبنانيون كثيرا بلبنان أو بيروت
()22
بقصائد هي أقرب ما تكون إلى القصائد الغنائية العاطفية.
و لكن إذا تأملنا بصما ت الشاعر في قصائده المختلفة نستطيع القول أنه كان اشتراكيا ينحاز إلى الطبقة
الشعبية من عمال و فالحين و مواطنين فقراء بسطاء و انه كان ليبراليا يدافع عن الحريات الخاصة و العامة و
يقف في وجه الطغاة و المستبدين و ضد كل وسائل القمع والتعذيب و التنكيل بالمواطنين ،و أنّه كان قوميا عاش
و مات من أجل الحلم القومي الكبير مدافعا عن القضايا القومية و أنه كان وحدويا يضع الوحدة العربية الكبرى
نصب عينيه ،و يرى فيها الحل األمثل ألزمة العرب و يرى أنها نتيجة و ضرورة حتمية لكل العرب ،و من أجل
ذلك حارب كل دعاة الطائفية و االنفصال و التقوقع و تقسيم الوطن العربي كانتونات صغيرة يسهل على األعداء
التهامها.
فلقد كان إيمان نزار قويا بالوحدة العربية و هي الواجهة الحقيقية و الترجمة األمنية للحلم العربي و
القومية العربية التي تتجسد من خاللها على األماني القومية ،و يعتبر الوحدة العربية هي السبيل الوحيد الستعادة
الكرامة و القوة و المجد و االنتصار ،و بالتالي فإن إنكار الوحدة سبب لكل الهزائم إذ يقول:
و لكن رغم ذلك كان إيمان نزار قويا بالوحدة العربية و هي الواجهة الحقيقية و الترجمة األمينة للحلم
العربي و القومية العربية ،و تعتبر الوحدة العربية هي السبيل الوحيد الستعادة الكرامة و القوة و المجد و
أن نزار كان قوميا عاشا االنتصار ،و بذلك فإن إنكار الوحدة سببه لكل الهزائم و منها هزيمة ،1967و ال ننسى ّ
و مات من أجل الحلم القومي الكبير مدافعا عن القضايا القومية ،و هذا على ماذا يدل؟ حقا يدل على ّ
أن نزار لوال
()24
حبه لوطنه و ألمته لما أدى به كل هذا في سبيل هذا الوطن قال شعرا وطنيا في قمته.
و يخترع العاصفة
( )23خر ستو نجم ،النرجسية في أدب نزار قباني ،دار الرائد العربي ،ط ،1بيروت ،لبنان1983 ،م ،ص .81
( )24ينظر :نفسه.
لندخل ثقبا صغيرا.
و في قصيدة «قرص األسبرين» التي كتبها في بيروت حين كان يجلس نزار مع نفسه يستعرض حجم
المأساة ..و حجم الخديعة و حجم الوهم الذي عاشت فيه سنوات عمره و عاش معه الجماهير العربية تحلم بالوطن
العربي الكبير ،الذي تحول إلى تجمعات ثم أقطار مستقلة منفصلة ثم تحول الوطن الواحد إلى كردونات صغيرة
تمزقها الطائفية لدرجة أن الشاعر يخجل من هذا الوطن الضئيل ..الحقير ..الصغير ..المهان الحيران -الخائف
مثل الفأر المذعور ،المهزوم مثل السيف المكسور و الضائع بين أمجاد الماضي و مهانة اليوم حتى أصبح هشا
()25
ال يسهل ابتالعه كقرص األسبرين.
ال
ال
و من عشرين دكانا
و من عشرين صرفا
و حالفا
و شرطيا
و هذا الوطن بحكم عوامل التأقلم ،و التشرذم و التقزم أصبح فرقا و شرائح و دكاكين ،احتل كل قطعة
منه حاكم بأمره يتصرف على هواه دون الرجوع إلى عقل أو برلمان أو قاعدة شعبية أو حتى إلى حنكة شخصية.
ال
و من عشرين سبحانا
و الوطن ليس هو الجغرافيا فقط ...ليس هو المعنى األطلسي للمكان بل هو مرتبط مع المواطن ذلك
()26
اإلنسان الذي طحنته األحداث و حركته برحاها فامتأل بكل األمراض التي تسمى عادة مخلفات الحرب.
ال
و الشحاذ....و النفطي
حديقة األحالم
ال
و المجذوب و المغلوب
صرف
و المشغول في النحو و في ال ّ
و في قراءة الفنجان و التعبير
ال
فكل هذه األمراض من جهل و سلبية و خرافات أدت إلى هزيمة الوطن و هزيمة الشعب:
( )26أحمد تاج الدين ،المرجع السابق ،دار النصر للطباعة اإلسالمية ،القاهرة ،ص .63-62
ال ليس هذا الوطن المنكس األعالم
ال
ال
هذا الوطن الكبير أصبح صغيرا جدا مثل علبة السردين ...مثل حبة أسبرين هان على أهله فكان على
()27
الناس أهون.
يا وطني
كعلبة السردين
كقرص أسبرين
وقد ظل إحساس نزار بفقدان الوطن و الشعور بعدم التمتع بحق المواطنة يلح عليه خاصة أبناء فلسطين
الذين فقدوا الهوية و فقدوا الوطن.
صرصار
و السحلية و ال ّ
و أنا ما ملكني أحد وطنا
وطنا باإليجار
فهو غريب في الوطن حتى يشعر أنه يسكن وطنا باإليجار...و كلّما قام العربي بتشييد وطن و إعماره جاء
المغتصب المحتل سكن فيه و التهم خيراته و طرد أهله.
كل نهار
فتجرفه األمطار
و رغم سفر اآلالم و جبل المآسي و قاموس الهزائم و االنكسارات و التمزقات العربية ظ ّل نزار مؤمنا
فإن الحلم القومي و إن كان مجردآلخر لحظة في عمره و آخر قطرة في دمه بأن الوحدة العربية آتية ال محالةّ ،
()28
حلم فإن األحالم يمكن أن تتحقق مازلت برغم صراع األخوة أخترع األحالم.
و نزار يميل إلى التعبير عن معاناة الشعب بطموح إنساني ،مهيبا به للنهوض إلى الهموم الكبرى و التخلي
عن خموله ،و خلوده إلى نوع من الحياة الفاقدة لكل معنى المتجاورة عن كل مطمح من مطامح اإلنسان.
وقد أبرز ذلك من خالل قصيدته (خبز و ح شيش و قمر) إذ أن رؤية القمر عند قومه تبث فيهم نشوة
المخدر ،و هم في حالة استسالم كاملة لهذا المخدر الطبيعي إذ يقول فيها:
لمالقاة القمر
و معدات الخدر
و صور
و المقطع الموالي يصور لنا قوة و سحر القمر الذي يصيب البسطاء السذج ،فيضيع كبرياءهم فيصبحون
كسالى متخاذلين يستجدون السماء ،و يوكلون شؤونهم ألمر القضاء والقدر ،بزيارة األولياء كما يصور حياة
الناس في ظل ظلمة الجهل و الغفلة ،و يشير إلى حالة البؤس والحاجة التي يتخبطون فيها ،و هم يبحثون عن
بطوالتهم و أمجادهم الخوالي.
ببالدي
ببالد األنبياء
و بالد البسطاء
كسالى...ضعفاء
و قضاء
و يصلون و يزنون
و يحيون أنكال
و حشيش و نعاس
دمت لشرق...لنا
عقود ماس
و في يوم القيامة
()29
الماليين التي ال تلتقي بالخبز إالّ في الخيال
حولت نزار «قضية فلسطين» من شاعر يكتب بالحرير إلى شاعر يكتب بالنار ،فالمالحظ على كما ّ
قصائده األخيرة أنها صارت حارقة و جارحة « فلقد أصبح شاعرنا يحفر بأظافره ،و صار سلوكه كسلوك أرنب
بري كما نسي في هذه القصائد مهنة الدبلوماسية التي زاولها عشرين عاما و قرر أن يكون مباشرا كطلقة
مسدس( )30فما السبب الذي دفع «نزار» إلى التخلي عن مداعبة األوراق بالحرير و حمل أداة النار و السكين!؟
إن وطننا احترقت فيه ظلما ،و تفحمت فيه كل معاني األنفة و الكرامة و الكبرياء ،ودمرت فيه كل األشياء
الجميالت ،و حل محلها الخراب و الغدر و الخيانة و الجبن ،فمن أين لنزار أن يكتب بلغة رقيقة؟ و من أين له أن
()31
يلتقط مشاهد جميلة و صادقة في الوقت نفسه ،بينما كل ما يحيط به غاية بالبشاعة؟!
و تستهل أولى نماذج كتابات نزار الثائرة بقصيدة (راشيل ستوانزنبرغ) ،و التي يصور فيها شاعرنا كيف
وطأت أقدام اليهود أرض فلسطين المقدسة ،كما يصف لنا حالة العفن و الدنس و القذارة التي كانت عليها حالهم،
و هو في هذه القصيدة ،يعلن الثورة على الذي كان له ضلع في ضياع فلسطين ،إذ انه يخاطب الصغار و يخبرهم
بما اقترفه أجدادهم من خطايا و ذلك حتى يحثهم على استرداد ما أضاعه أسالفهم ،و نظرا ألن القصيدة في
أبياتها تسرد لنا أحداثا تار يخية دقيقة ،و تبث لنا في كل بيت و في كل مقطع صورة جديدة عن بشاعة هذا الحدث
التاريخي المفجع ،فإننا لم نستطع أن نحذف أي بيت حتى ال تختل الصورة التي نقلها الشاعر بكل دقة
وموضوعية.
( )29نزار قباني ،األعمال السياسية الكاملة ،منشورات نزار قباني ،بيروت ،1986 ،ج ،3ص .17 ،16 ،15
( )30المرجع السابق ،ص .23 ،22 ،21
( )31نزار قباني ،ديوان هل تسمعين صهيل أحزاني ،منشورات نزار قباني ،بيروت ،ط ،1998 ،4ص .24
أكتب للصغار
لهــم
و األعمار و العيون
للصغار
()32
ألعين يركض في أحداقها النهار
أ ّما في المقطع الموالي يسرد وقائع تاريخية عن الحملة اليهودية الموجهة إلى األراضي العربية ،كما
يصف حال اليهود المشتتين و المنبوذين في أوروبا قبل نهاية الحرب العالمية الثانية ،و يكشف عن مأمرة كل من
فرنسا و بريطانيا و الواليات المتحدة األمريكية و ا التحاد السوفياتي (سابقا) على العرب و كيفية تخلصهم من
()33
اليهود و دسهم في جسد الوطن العربي.
يدعونها (راشيل)
يزور النقود
يقصده الجنود
و أعلن السالم
و وقع الكبار
( )32نزار قباني ،ديوان هل تسمعين صهيل أحزاني ،ص .28 ،27
( )33نفسه ،ص.29 ،
صك وجود األمم المتحدة
مع الصباح
وجهتها الجنوب
من النمسا
()34
من اسطمبول
كما ذكرنا سابقا ّ
أن من أهم قصائد نزار السياسة هي قصيدة (هوامش على دفتر النكسة) ،التي قد تنبأ إليه -
قبل نشر القصيدة -بما سنتلقاه من معارضة.
و هذا الحوار يبين لنا صدق تنبأ شاعرنا...«:حين جاء «سهيل إدريس» إلى مكتبي ذات صباح و قرأت له
القصيدة صرخ كطائر ينزف..أنشرها...قلت لسهيل».
« إن القصيدة من نوع العبوات الناسفة التي قد تحرق مجلته ،أو تعرضها لإلغالق أوالمصادرة ..و أني ال
ي «سهيل» بعينين حزينتين تجمعت فيهما كل أمطار الدنيا أريد أن أورطه و أكون سببا في تدمير المجلة ..نظر إل ّ
صدق الكبير «:إذا كان حزيران قد د ّمر
و كل أشجار الخريف المنكسرة ،و قال بنظرة يمتزح فيها األلم الكبير بال ّ
كل أحالمنا الجميلة...و أحرق األخضر و اليابس ،فلماذا تبقى (اآلداب) خارج منطقة الدمار و الحرائق؟ هات
القصيدة »..وأعطيته القصيدة..وصدقت توقعاتي و توقعاته إذ صودرت المجلة و أحرقت أعدادها في أكثر من
مدينة عربية ...و جلسنا في بيروت «سهيل» و أنا ،نتفرج على ألسنة النار ،و نرثي لهذا الوطن الذي لم تعلمه
الهزيمة أن يفتح أبوابه للشمس و للحقيقة لكن (هوامش على دفتر النكسة) لم يستسلم للقمع و المطاردة ،بل أخذت
()35
تتناسل كما تتناسل األرانب بشكل خرافي.»...
و لم تقف ردود الفعل السلبية عند حد مصادرة األعمال النزارية ،بل تمادت في قسوتها إلى حدّ اعتبار
«نزار» خائنا و عميال للعدو ،فقد اتّهم نزار خالل هذه المحنة بمايلي:
-1أنه شاعر وهب روحه للشيطان و للمرأة ..و للغزل الفاحش فال يحق له أن يكتب شعر الوطنية.
-2هو المسؤول األول عن هزيمة حزيران بما كتبه و نشره خالل عشرين عاما من شعر عاطفي
ساعد على انحالل أخالق الجيل الجديد.
-3هو في (هوامش على دفتر النكسة) يعذب أمته و يرقص فوق جراحها.
( )34نزار قباني ،ديوان هل تسمعين صهيل أحزاني ،ص .32 ،31 ،30
( )35نزار قباني ،قصتي مع الشعر ،ط ،1منشورات نزار قباني ،بيروت ،1973 ،ص .214 ،213
-4هو يثبط الهمم و يقتل ،و بالتالي فهو عميل يخدم مصلحة العدو ،و لذا يجب شطب اسمه من
قائمة العرب.
-5نزار ليس وطنيا ،و لكنه يركب موجة الوطنية ،و والدته بعد حزيران كشاعر ثوري والدة غير
()36
طبيعية.
و فرجت أزمة «نزار» بعد رسالة كتبها بخط يده إلى الرئيس «جمال عبد الناصر» يتظلم فيها إليه من هذا
()37
العقاب المرير الذي مارسته وزارة اإلعالم المصرية بأجهزتها المختلفة ضده ...و ضد كل أعماله.
و يجيب نزار فيقول «:كتبت (الهوامش) في مناخ المرض و الهذيان ...و فقدان الرقابة على أصابعي لذلك
جاءت بشكل شحنات متقطعة و صدمات كهربائية متالحقة تشبه صدمات التيار العالي التوتر ..كما أنها من حيث
الشكل لم تكن تشبه أيا من قصائدي الماضية.
كانت مثلي مبعثرة ،و متناثرة كبقايا طائر الفينيق ،أني ال أذكر أني كتبت في كل حياتي الشعرية قصيدة
أعرف لكم أن هذا قد حدث و
بمثل هذه الحالة العصبية و التهيج ،التهيج هو ضد الشعر ،أنا أعرف ذلك ،ولكنني ّ
صارمة ،وأتعامل مع االنفعال تعامال مباشرا...إن حزيران كان شهرا
أنني للمرة األولى أخالف تقاليدي الكتابية ال ّ
()38
بال منطق لذلك فإن الكتابة عنه هي األخرى يجب أن تكون بال منطق».
لم يكتف نزار بقصيدة (هوامش على دفتر النكسة) للتعبير عن هذه الخيبة الكبيرة التي كان لجميع العرب،
بما فيهم «نزار» يد فيها و إنّما كانت له كتابات نثرية يقول في إحداها «و كان الخامس من حزيران الجنين
الميّت الذي حملناه إلى المقبرة ليال حتى ال يراه المارة ،ال أحد يستطيع أن يبرئ نفسه من دم هذا الطفل الذي قتل
سادس ،كلنا بما في ذلك الجدران ،و األبواب و األشجار ،و مصابيح الطرقات ،غارقون في التهمة في يومه ال ّ
مرة أخرى ،كان البد من عملية غسيل حتى الركب .و حتى ال يموت لنا أوالد آخرون ،و حتى ال يتكرر حزيران ّ
كاملة ألدمغتنا و لشعرنا و لنثرنا ،و كالمنا...
و لقد كفت قصيدتي (هوامش على دفتر النكسة) أول من غسل نفسه بنفسه ،أول من سكب الزيت الحارق
()39
على جلده..و جلد قصائده.»...
وقد جعل « نزار» من حزيران جزءا ال يتجزأ من سيرته الذاتية إذ خصص له فصال كامال تحدث فيه عن
أثر حزيران في الشعر :فهزيمة حزيران ولدت لدى شاعرنا «أدبا حزيرانيا».
هكذا انتهت تمثيليته المقاومة العربية إلسرائيل مخ ّلفة وراءها أنقاض عزة عربية و شرف قوم كان
سامية و خلفت وراءها صورة حطام وطن ،لكن العرب ال زالوا يتظاهرون بالقوة و الشرف لديهم أكبر مثلهم ال ّ
الشجاعة ،هذا ما ضمنته قصيدة «الممثلون» التي يرثي نزار في جزءها األول فلسطين الشهيدة المعطاة التي
أضاعها أبنائها ،كما أضاعوا أراضي أخرى من وطننا العربي ،و سمحوا لليهود بأن يتغلغلوا فيها و ينشروا فيها
عفنهم و سمهم.
طوبي لكم..
من ورق..
()40
فألف تشكرون
و استمرت قصائد نزار الغاضبة تتدفق حتى أنها أثارت تساؤالت الصحفيين و النقاد عن سبب غزارتها،
فكان رده عليهم كالتالي:
كثيـرا ما سألني أصدقائـي :إلى متى تستمر عمليـة الجلد العلنية التي بدأتها بـ (هوامش على دفتر النكسة)
و أكدتها في (الممثلون) و (االستجواب) و (الخطاب) و (الوصية) و(حوار مع أعرابي أضاع فرسه) و (بانتظار
()41
غودو) ،أليس هناك أسلوب آخر لتاريخ حزيران؟
و ل ّما كانت المرأة دائما ركيزة شعر «نزار» إليها يعود في كل منطلق لذلك يصورها ملتزمة تقف إلى
جانبه ،فينظر إليها نظرة جديدة مختلفة المالمح ،فبينما كانت عبارة عن وعاء شفاف من شأنه أن يستوعب
الشاعر ليشرح من خالله إذا به يحملها على التزام سياسي قومي فتتسع آفاقها و تبعد نظرتها لتشغل دورا محوريا
في القضية العربية تكون فيه الرائد و المحرك ،تضع األجيال و تقودها في وعورة المسالك إن وعيها لدورها
الخطير من شأنه أن يحدث انقالبا جذريا في األوضاع يغير خريطة الجيل و يبذل مجمل اتجاهاته النفسية و
العقلية و االجتماعية ،و على مدى الدّرب الشعري الذي سلك ه نلمح محطات معينة يركز فيها على شخصية
المرأة ويحملها على تحقيق ذاتها و إنعتاقها من الذّل.
ينقض على الحكام المجرمين ّ ففي كتاب «أشعار خارجة عن القانون» يتابع مسيرته معها ساعة
المتغطرسين ،فيرى فيها شريكا قادرا على نسف قطار الحكم العربي و االنقضاض على الفاسدين من أربابه في
سبيل انتشال األمة و السير بها قدما.
و في كتاب الشعر «قنديل أخضر» يعانق الفتاة و هي عائدة من معسكر التدريب رافضا رائحة العطور و
أشكال الطالء و التجميل ،و تغيب من باله ألوان الفساتين الجميلة و المواعيد الحلوة ،فتستبدل بصورة لفتاة جديدة
يعشقهاّ ،
لعزتها و يذوب فيها وحيدا ،إنها الفتاة المحاربة ،قميصك المعقود األكمام الذي تركت عليه البندقية بقعا
صوفي الخشن ،راحتاك الملوثتان بشمم الزناد، من الزيت أطهر من زيت المعابد ،أطهر من الطهر ،جوربك ال ّ
صخر ،يترك على أرض الحجرة قطعا من طين يابس هي أثمن ما تضمه حجرتي من حذاؤك اآلكل من جبين ال ّ
()42
تحف.
هذه الفتاة و هي تشاطر الشاب قضية المصير ،صارت تحتصر أمة و ترمز إلى وطن حملت معنى آخر
لوجودها ،إذ اكتسبت بعدا جديدا و أحيطت بهالة من الكرامة و المجد ،و إذا رآها «نزار» توسم فيها بالدا
برمتها ،تخطو خطوة شجاعة و تمشي إلى المصير المشرف « أرأيت كيف تنتقل بالدي إلى كيف تتحول بالدي
إلى ذرة غبار على قميص شجاع؟».
ها هي المرأة الجديدة حاملة حماال مختلفا يفوح منه عبق الوطن الثائر :فعدت أتأمل حسنك من زاوية
جديدة أنا أمام تجربة جمال لم أمر بها من قبل لم يمر بها هذا الشرق من قبل.
الرقة والشفافية و رهافةو هكذا اتجهت الفتاة إلى مجاورة السيف ،فت ّحول معها نزار من إنسان يبالغ في ّ
الحس في الحب إلى إنسان محارب ثائر ..خرج من إطار اللقاء الثنائي بها.
()42
جورج شكيب سعادة ،نزار قباني في عالمه الشعري ،دار الحداثة للطباعة و النشر و التوزيع ،بيروت ،لبنان ،2002 ،ص .217
و هكذا نمضي في هذه القصيدة ،بتعرف بالمرأة الجديدة ابنة الحرب المدللة ،و فتاة اإلصالح المنتودة
()44
طالما حلم بها نزار تتوج بالده بإكليل الفخر و االعتزاز و تزداد جماال بازدياد عزمها على القتال.
أالحظت؟
و نزار ككل رجل عربي كان يشعر بعقدة الذنب تجاه وطن انحدر إلى هوة االنحطاط نتيجة التقاعس ،ثم
أصاب بعض التعويض النفسي إذ وجد األمة تستعيد قسطا من عزتها وكرامتها انتصار تشرين.
و ختاما لهذه المرحلة ،نجد نزار قباني يح ّمل نفسه قسطا من الذنب و يلقي على ذاته بعضا من التبعية
الوطنية في بعده عن االلتزام بداية لذلك يعتذر عن تلك الحياة العابثة التي كان يحياها مع نفسه و مع المرأة ،كما
يعتذر لذلك الشعر الذي كتبه عنها ،و يدعوا إلى نسيان تلك الصورة القديمة المرسومة في قصائده ،و فيها إذالل
لها و انتقاص من كرامتها.
....
و شعري القديم.
أن ما كان يجتاز لهيب المدافع ،في حرب تشرين حتى شهدت نفسه تبدال جديدا فغاب من أفقه شعر إالّ ّ
حزيران الحزين المهزوم ،و حل شعر تشرين المنتصر فلمحنا معه األمل العربي المشرق يشع في ثنايا األبيات.
إن تبدل نظرة القباني إلى المرأة جاء بعد الهزيمة التي شكلت في نفسه قناعة ،بأن لها دورا أساسيا في بناء
األوطان و األمم ،و في نهضة المجتمعات و تحديدها و الثورة على الظلم في سبيل تحرير القوم ،فالتاريخ حافل
()46
بأمثلة تثبت الترابط بين تعبئة المرأة سياسيا و بين حركات التحرير الوطنية.
وقد سئل نزار في هذا الصدد من طرف صحفي و هو «األستاذ عيسى مخلوف» يسأل نزار «بدأت تكتب
الشعر السياسي منذ عام «« »1967مع هوامش على دفتر النكسة» فهل تعتبر اهتمامك السياسي يقلل من
اهتمامك بالمرأة .أم أنه يسير في خط مواز له؟
فيجيب نزار «أنا ال أضع خطا بين كتاباتي عن المرأة ،و كتاباتي عن الوطن ،فكل ما أكتب يستهدف
التعبير و التحرير وقد فسرت هذا في إحدى قصائدي القصيرة».
كلّما غنيت باسم امرأة !! /أسقطوا قوميتي ع ّني و قالوا كيف ال تكتب شعرا للوطن؟ /و هل المرأة شيء
()47
آخر غير الوطن؟ /..آه لو يدرك من يقرؤني /إن ما أكتبه في الحب /...مكتوب لتحرير الوطن.
( )46جورج شكيب سعادة ،نزار قباني في عالمه الشعري ،دار الطباعة للنشر و التوزيع ،بيروت ،لبنان ،2002 ،ص .225 ،224
( )47نزار قباني ،األعمال النثرية الكاملة ،ج ،8ص .516 ،515
( )48المرجع نفسه ،ص .257
جـديـد نـزار فـي مجـال الشعـر الـوطنـي السيـاسـي:
أن األوضاع في الوطن العربي ال زالتلم تتوقف مسيرة «نزار» الشعرية السيما السياسية منها ،ذلك ّ
تعرف توترات كبيرة ،و سوف نعرض اآلن بعض إنتاج «نزار» األخير الذي لم يضمه ديوان بعد وقد أصدرت
هذه القصائد في أواخر سنة .1967
فهذه قصيدة (سرقوا منا الزمان العربي) يتأسف فيها «نزار» عن ضياع زمان المجد واألنفة العربيين
سالم في أوسلو و هذا نص القصيدة: اللذان أضاعها رعاة ال ّ
سرقوا منا الزمان العربي.
أقالوه من الجيش
و لقد كانت لنزار آراء صريحة في أكثر من قصيدة و أكثر من مقالة ،و كانت آراءه كالعادة متفجرة و
متمردة تصب اللعنة على المواقف المتميعة و المتمردة و المتفككة.
( )49نوال مصطفى ،نزار و قصائد ممنوعة ،ط ،1مركز الراية للنشر و اإلعالم ،1998 ،ص .135 ،134
و هذه اآلن بعض المقاطع من مقاالته السياسية التي نشرها عام 1996م و التي ص ّخر فيها من أمريكا و
إسرائيل ،و نظرا ألهمية ما تضمنته ،أبَيْنا إال أن ندرجها ،باإلضافة إلى أنها آخر ما جاءت به قريحة شاعرنا في
ساحة األدبية.
ال ّ
و نستهل أولى هذه المقاالت بمقال عنوانه (القيصر اإلسرائيلي في البيت األبيض).
يزور «بنيامين نتنياهو» الواليات المتحدة األمريكية فاتحا و غازيا ...و مقتحما ...كما يزور أي غيتو
يهود ،أو كما يزور حائط المبنى...دون أن يشعر باختالف الزمان أو المكان ،يزور بيت أمه و أبيه ،ال ليقدم
فروض الطاعة و الوالء...و ال ليسمع وصاياهما ،و ينتفع بخبراتهما في شؤون السياسة و الحياة( )50و يواصل
نزار في الجزء األخير من المقال و فيه يتحدث عن إمكانية القيام في وجه إسرائيل باستجماع عزائم العرب
«أمام هذا األفق الرمادي القاتم ،ليس أمامنا من مخرج سوى تجميع قوانا ،فاالعتماد على كل الطاقات المخزونة
إن الفأر يأكلفي داخل األرض العربية...و داخل النفس العربية ...،ليس صحيحا أننا بال حول و ال قوة...و ّ
أن الهزائم قدرنا...و ليس صحيحا أن إسرائيل يمكنها أن تتغلب علينا مجتمعين...فالحروب ال تخاض طعامنا..و ّ
بالصواريخ ،و الدبابات و الطائرات فقط ،و إنما تخاض بالتحدي ،و المقاومة ،و الحرب الشعبية ،و الحرب
االقتصادية ...لن يكون أمريكا أبدا نهاية التاريخ...و لن تكون «نتنياهو» هو نهاية العرب ،فالعرب ليسوا
مصنوعين من زجاج ،أو من فخار...أو من بسكويت كما يتخيل بعض االنهزاميين..و التطبعيين...و
المهرولين...إن مائتي مليون عربي قادرون ،إذ توحدت إرادتهم ،و صدقت عزيمتهم ،و تجمعت طاقاتهم ،و
تالقت رياحهم ،و أمواجهم..و أن يصنعوا العاطفة...ليست هذه قصيدة جاهلية..و ال معلقة من معلقات الفخر..و ال
هي ملحق من قصيدة عمر بن كلثوم الشهيرة ..و لكنني أرى بعيني بصيرتي أشجار نخل تتحرك من بعيد ،و
عيون عربية تلتمع وراء األفق و شموعا عربية تنبثق من العتمة..وأجياال عربية تزرع األرض قمعا ،و وردا...و
()51
حلنار.
و عن «نتنياهو» و عملية التطبيع العربية-اإلسرائيلية يقول نزار في قصيدة (المتنبي و أم كلثوم على
خاتمة التطبيع) و حاالت التطبيع الثقافي.
إلى مفاهيمنا
و صالوناتنا
و دواوين شعر
و لهذا فقد دعا «نزار» العرب باال تحاد قبل أن ينقرضوا بسبب خالفاتهم و شقـاقاتـهم و ذلك في قصيدة
(أحبّوا بعضكم قبل أن تنقرضوا).
اسمحوا لي أن أحلم مع مائتي مليون عربي ،بأن هللا قد فتح عليكم أخيرا
هكذا هي نظرة نزار و آراؤه السياسية حول االتفاقيات المتتالية التي وقعها العرب مع إسرائيل في
السنوات الخيرة ،وقد حلّل «نزار» هذه االتفاقيات ،و كشق أبعادها التي مهما كانت نتائجها وخيمة ،إالّ أن
اإليجابي فيها هو زعزعتها للساحة السياسية في الشرق األوسط بعد أن عرفت سنوات من الجمود.
و أخيرا فإ ّن نزار يطلب من أصحاب القرار العربي أن يتخذوا قرارا عربيا لحماية التاريخ من األقوال و
يطلب منهم حماية الثقافة العربية من االغتصاب ،و اللغة العربية من اعتماد األحرف العبرية و حماية الكرامة
العربية من البهدلة ،و حماية األطفال العرب من التسول على أرصفة العالم ،و يطلب كذلك من العرب أن يتركوا
خالفاتهم و منازعاتهم وغرائزهم خارج أبواب المجالس العربية و يبتسموا قليال ،و هل هذا ال يعتبر حب الوطن؟
فأكيد من أحب وطنه وجب عليه أن يفكر فيه .يقول «نزار» في مطلبه األخير من العرب:
اخترع األحالم
و على كل ما تطرقنا إليه من قصائد لنزار و من جديد له ،و من إبراز حبه لوطنه ،سواء كان وطنه األم
أو وطنه األمة العربية فالمهم أن أول شاعر عبّر عن آالمه و حزنه على كل ما يجري لدى العرب ككل ،و لهذا
آخر ما نذكره من خالل بحثنا هذا هو مآسي وطننا العربي وكيف ألم شاعرنا به و سنبدأ في حديثنا هذا عن
(مأساة األندلس) و الذي برز فيها جليا عمق حزنه ،و مرارة اإلنهزامات التي لحقت كما أسلفنا القول بهذا الوطن
الغالي فمأساة األندلس جعلت جرحه ينزف ألما و دمعا رغم مضي خمسة قرون على هذا الوجع التاريخي على
تلك الفردوس المفقودة التي كلما ذكر اسمها أمام كل عربي –غيور -و مسلم –مؤمن -إالّ و أطلقت نفسه زخرات
الحسرة و الندم على المجد الضائع.
و هذا مقطع من قصيدة (أحزان في األندلس) يفصح فيها الشاعر و يبين لنا غالوة الكنز الكبير الذي فقده
العرب يقول:
منّــا
و من عصورنا الثمانية
يجوف اآلنية
و أعين كبيرة..كبيرة
ينام البادية
و من بني األحمر
و في نفس القصيدة يذ كر (نزار) أسباب فجيعة التي ترجع إلى األحقاد و الضغائن التي سكنت قلوب
العرب في األندلس كما ّ
أن نزار في هذا الجزء يشير إلى حال العرب اليوم ،هذه الحال التي لم تتغير رغم الدرس
الذي لقنته إياهم تجربتهم الفاشلة في األندلس.
من ر ّحل الخليفة الصغير ،عن إسبانيا ،و لم تزل أحقادنا الصغيرة
كما هي
كطفلة جائعة
و عارية
نصلبها
( )54نزار قباني ،األعمال السياسية الكاملة ،ج ،3ط ،4منشورات نزار قباني ،بيروت ،1986 ،ص .562 ،561
يـا غـاليـة
كـأننـا
و هذا مقطع آخر من قصيدة (غرناطة) و في إحدى المدن اإلسبانية التي كان العرب فيها تاريخ قديم و
خطتها أنامل أجدادنا ،و القصيدة عبارة عن حوار دار بينجميل ،و تكشف آثارها عن اللّمسات العربية التي ّ
الشاعر و فتاة إسبانية ترتسم على وجهها مالمح عربية ،و من خالل الحوار يكتشف (نزار) أن الفتاة عربية
األصل.
و هذا مقطع آخر من قصيدة (بقايا العرب) يجري نزار مقابلة بين حالة فرح و نشوة اإلسبان الذي تعبر
عنه رقصة الفالمينكو ،و حزن و بكاء الشاعر على أطالل العرب باألندلس.
فالمنكو
فالمنكو
و أجلس في زاوية
ألم دموعي
()56
ألم بقايا العرب
و قصيدة أخرى يشير فيها «نزار» و يؤكد على أن العربي ترك بصمات تفرض نفسها حتى اآلن في
الشوارع اإلسبانية و هي قصيدة (اللؤلؤ األسود) يقول فيها:
فمن مقعدي
«بيروت بللتني بأمطا ر الشعر من رأسي إلى قدمي..و أعطتني زوادة من التجارب الشعرية ال أزال آكل
منها كلما داهمني الجوع و العطش..إنّني ال أقارن بيروت بأي مدينة أخرى..فهي في كفة..و كل نساء العالم في
أحمل الزمن المحترف في عيني و أسافر إليكم أحمل بيروت قصيدة مطعونة على راحة يدي..و أقدم
جسدها للعالم شهادة ناصعة على عصر عربي يحترف قتل القصائد كنت أتصور أن الحزن يمكن أن يصبح
صديقا ،و لكنني لم أكن أتصور أن يصبح الحزن وطنا نسكنه و نتكلم لغته و نحمل جنسيته ككل األوطان.
و حين تصير الحرية موهوما بسرية غير مرخص لها بمزاولة المهنة...فأنت منفي...
و حين يقتلونك إذا كنت مؤمنا...و يقتلونك إذا كنت مشركا...و يقتلونك إذا قلت:
بيروت..بيروت..بيروت
هل يمكن أن أتلفظ باسمها ،دون أن تخرج دمعة من العين ،و يرتعش عصفور في القلب؟
بيروتكم و بيروتي...
حبكم و حبي
تاريخكم و تاريخي
ماذا بقي من بحرها ،و رملها،ـ و صدفها ،و قرميدها األحمر ،و أمطارها المجنونة؟
ماذا بقي من بحعتي البيضاء سوى ريشها الفضي المتأثر ،و سوى دموعها الممتزجة
و هذا ما جعلنا نعتبر «نزار قباني» من األبناء البررة الذي استعمل آخر عالج لهذه األمة ،و هو الكي
هذا ما جعل أشعاره السياسية و الوطنية و االجتماعية غاضبة على وطننا العابس ،و رغم كل هذا فنجد نبرة نزار
سادية إلى الالوطنية
الوطنية وجدت رفضا سواء من النقاد أو السياسيين وأسقطوا عليه تهما منها ما بين ال ّ
الوطنية ،و لكن الواقع و األحداث أنصفتا «نزار» و دليل ذلك أن التاريخ العربي منذ سقوط األندلس إلى يومنا
هذا مثقل بالدّموع واألحزان.
إن الذين اتهموا نزار في وطنيته و عابوا عليه جلده لألمة العربية ،إنّما هم أناس ع ّمت بصائرهم الحقيقة
ّ
المرة لواقع أمتنا المهان ،لكن شاعرنا «نزار» وحده استطاع أن يضع العالم العربي تحت مجهر و بيّن خطأه من
صحيحه ،فنزار لم يكتب فقط عن معاناة األمة العربية فقط ،و لكن أنصفها حين استحقت اإلنصاف و مدحها حيث
استحقت المديح ،و استشهد على ذلك بمجموعة من القصائد منها قصيدة (فتح) التي كتبها (نزار) بعد ميالد
(حركة فتح الفلسطينية).
ركب نزار سفينة اإلبحار...و بقي صامدا في وجه اإلعصار حقيقة تعرض نزار قباني خالل حياته
الشعرية لمواجهة شرسة سواء من طرف النقاد أو معارضون ،و كانت أوالها حين صدور ديوان «قالت لي
السمراء» عام 1945حيث قال نزار قباني « و بلحظة تحرك التاريخ ضدي..و تحرك التاريخيون رفضوا الكتاب
()58
جملة و تفصيال ،رفضوا عنوانه ،و رفضوا مضمونه ،و رفضوا حتى لون ورقة...و صورة غالفه».
و يقول نزار في هذه المواجهة « هاجموني بشراسة وحش مطعون كان لحمي يومئذ طريا..و سكاكينهم
()59
حادة ،و ابتدأت حفلة الرجم».
و رغم ذلك بقي نزار صامدا و واقفا و متمسكا بكتابة الشعر رغم كل الحروق تابع شاعرنا ألنه عرف
()60
بأن جيل من الشباب و الشابات رفضوا موت هذا الشاعر الذي عبر عنهم وعن انفعاالتهم.
و تلت هذا الديوان هجمات أخرى على قصائده (خبز و حشيش و قمر) عام 1954وبعدها (هوامش
على دفتر النكسة) عام ،1967و هي من القصائد التي وضعت شاعرنا في أشد ّ و أعنف مواجهة مع النقاد ،و
ظلت هذه المواجهة متواصلة إلى آخر أعماله الشعرية مثل قصيدة (متى يعلنون وفاة العرب؟) و قصيدة
(المهرولون) عام 1995التي ت ّم عرضها في السابق.
و رغم كل الخصوم ،و كل العداءات صمد «نزار» خمسين عاما أمام العاصفة ،ألنه كان يستند على أهم
حكم أال و هو الجمهور العربي ألنه أحب أعماله ،و وكب على إقتناءها ،هذا الحب الجماهيري كان له الفضل في
تواصل مسيرة «نزار» الشعرية ،كما كان جزءا أو طرف من أسباب المواجهات التي شنّها على شاعرنا.
صدد «هذا الحب بيني و بين جمهوري صار صليبا ثقيال على كتفي ،فكلّما اتسعت قاعدتييقول في هذا ال ّ
ي..اشتّدت المقاومة و ّ
الشعرية...زاد خصومي...كلما امتألت القاعات و سدت األبواب و امتدت األتوغرافات إل ّ
( )57نزار قباني ،األعمال الشعرية الكاملة ،ج ،2ط ،4منشورات نزار قباني ،بيروت ،1992 ،ص .297 ،293
( )58نزار قباني ،قصتي مع الشعر ،منشورات نزار قباني ،ط ،1بيروت ،1973 ،ص .87
( )59المرجع نفسه ،ص .88
( )60نفسه ،ص ( 89بتصرف).
كثر المقاومون ..كلّما ارتفعت نسبة توزيع كتبي ،و عدد قرائي أشعر أنّني اقترفت ذنبا كبيرا لم يقترفه شاعر
()61
قبلي».
لكن ال ننكر أن شاعرا دمشقيا مثل نزار ح ّل صبرا ،رغم أنّهم أنكروه على أن يكون شاعر الوطن ،و لم
يأب أحد على دواوينه السياسية ،لكن استطاع نزار أن يوفق بين حديثه عن المرأة و حديثه عن الوطن ،سواء
كان مدافعا على وطنه أو كان صوتا عربيا صادقا ،كشف مؤامرات و فضائع و عيوب اآلمة العربية ،لقد كتب
نزار بحبر واحد عن المرأة و الوطن ونزار الوحيد الذي استطاع أن يدخل قلوب مائة مليون عربي ألنه استطاع
أن يجعل من الشعر تنورة يرتديها كل الناس ،و كان نزار الشاعر الوحيد المعاصر الذي كتب بلغة يفهمها العامة
والخاصة ،فقد أنزل اللغة من برجها العالي لتكلم الناس العاديين على طبيعتهم و اختالف مستوياتهم الثقافية ،وقد
استطاع نزار الولوج إلى الضمير العربي بانفعال قلب محب و غاضب واألعظم من هذا و ذلك أنّه حيث كتب لم
يجمل عصره ،بل كشف أمام وطنه سيئاته و عيوبه ،وفضح اآلمة العربية أمام المأل لينهض الضمير العربي من
سباته و من غفلته ،و من تخاذله ،وهذا كلّه من أجل أن تصنع األمة العربية و اإلسالمية مصيرها ،و تنشر ال ّ
سالم
و األخوة من الخليج إلى المحيط.
كما يرى الدكتور «خفاجي» أن المقياس الخلقي عند نزار كشاعر سياسي هو المال فما من زعيم عربي
ذمه إالّ وقد سبق أن مدحه إالّ و عاد فذمه فهو صاحب دار نشر و صاحب تجارة في مختلف األنواع ،و يكاد
يكون حسه المادي هو الدافع إلى المدح و الهجاء!! ،و ال نغفل على وجود مثل «جهاد فاضل» الذي غلّط نزار
عندما انتقل من شاعر المرأة إلى شاعر الوطن و الوطنية ،و ال ندري من الذي غلط نفسه ،فالحديث عن المرأة
شيء و الحديث عن الوطن شيء آخر ،و الحديث عن الوطن و الوطنية أولى من الحديث عن المرأة ،عندما
تسود الحرية وتسود الطمأنينة في الوطن يسهل على أي شاعر أن يكتب عن المرأة.
الفصل الثاني
( )61نفسه ،ص .160
«حزيــران »1967هوامـش علـى دفتـر النكسـة
كلفنا ارتجالنا.
خمسين ألف خيمة جديدة.
ال تلعنوا السماء.
إذا تخلت عنكم...ال تلعنوا الظروف.
و هللا يؤتي المنصر من يشاء.
و ليس حدادًا لديكم يضع السّيوف.
صباح.
يوجعني أن أسمع األنباء في ال ّ
يوجعني.
أن أسمع النباح.
ما دخل اليهود من حدودنا.
و إنّما.
تشربوا كالنمل...من عيوبنا.
خمسة أالف سنة.
و نحن في السّرداب.
ذقوننا طويلة.
نقودنا مجهولة.
عيوبنا موانئ الذئاب.
يا أصدقائي.
جربوا أن تكسروا األبواب.
أن تغسلوا أفكاركم و تغسلوا األثواب.
يا أصدقائي جربوا أن تقرؤوا كتاب.
أن تكتبوا كتاب.
أن تزرعوا الحروف و الر ّمان و األعناب.
أن تبحروا في بالد الثلج و الضّباب.
فالناس يجهلونكم في خارج السّرداب.
الناس يحسبونكم نوعًا من الذئاب.
جلودنا ميّتة اإلحساس.
د
أرواحنا تشكوا من اإلفالس.
نركض في الشوارع.
نحن تحت أبطالنا الحباال.
نمارس السّحر بال تبصر.
نحطم الزجاج و األقفال.
نمدح كالضفادع.
نشم كالضّفادع.
نجعل من أقزامنا أبطال.
نجعل من أشرافنا أنذال.
نرتجل البطولة ارتجال.
نقعد في الجوامع.
تنابال كسالى.
نشطر األبيات...أو نؤلف األمثال.
نشحذ النصر على عدونا. و م
من عنده تعالى.
لو أحد يمنحني األمان.
لو كنت أستطيع أن أقابل السلطان.
قلت له يا سيّدي السلطان.
مزقت ردائي. كالبك المفترسات ّ
و مخبورك دائ ًما ورائي.
عيونهم ورائي.
أنوفهم ورائي.
أقدامهم ورائي.
كالقدر المحتوم ،كالقضاء.
يستجوبون زوجتي.و
و يكتبون عندهم أسماء أصدقائي.
يا حضرة السّلطان.
،يراها أ ّنها متكونة من أربع ملفوظات «هوامش على دفتر النّكسة»و لعل القارئ لعنوان القصيدة
صا هوامش/على/دفتر/النكسة و الذي يقوم متعالقة ببعضها البعض و هذا التعالق و التباين يعطينا مدلوالً خا ً
بتفكيك هذه األلفاظ يكشف البعد ال مأساوي أو األبعاد التهميشية لحادثة النكسة (انهزام العرب في 1967م) ،حيث
يبدأ العنوان بكل مة "هوامش" و هذه الكلمة تدل و تحيل إلى التهميش و األبعاد و االستثناء...الخ.
كما نجد حرف الجر "على" الذي يربط بين لفظة هوامش و لفظة "دفتر" و الذي يعتبر ملتقيًا.
المعجـم اللغـوي:
أ -حقـل الحـزن :ينزوي تحت هذا الحقل العديد من الملحوظات فنجد مثالً لفظة "أنعي" التي نجدها في العديد من أبيات القصيدة مثال في
البيت األول من القصيدة من المجموعة"أ".
أنعي لكم ،يا أصدقائي ،اللغة القديمة.
أ
باإلضافة إلى ألفاظ عديدة متنوعة على مساحة القصيدة منها الهزيمة ،وطني ،الحزين ،بالئي ،نمزق ،خسرنا ،يوجعني ،اللّيل،
السّرداب.
ب -حقـل الوسائـل :اللغة ،الكتب ،األحذية ،السكين ،الطبلة ،الربابة ،النّاي ،المزمار ،السّيف ،عيون ،أنوف ،أقدام ،الزار ،الشطرنج،
النفط ،كالب ،خنجر...الخ.
سخريـة :الشتيمة ،قشرة الحضارة ،روح الجاهلية ،عيوبنا ،النباح ،السرداب ،نقودنا مجهولة ،عيوننا مرافئ الذباب، ج -حقـل ال ّ
اإلفالس ،الضفادع ،النمل...الخ.
د -حقـل األمـل و التحفيـز :األطفال ،سنابل اآلمال ،يكسر األغالل ،يقتل األفيون ،يقتل الخيال ،طيبون ،تغسلوا أفكاركم ،تقرؤوا كتاب،
تزرعوا الحروق ،تبحروا.
ه -حقـل القبائـل :قريش ،أوس ،اليهود.
و -حقـل المراتـب :األصدقاء ،الشرقي ،الحضارة ،الجاهلية ،السلطان ،أبطال ،أنذال ،مخبرون ،جند ،شعب ،عسكر.
ز -حقـل القيـم :الشجاعة ،األشراف ،األبطال ،األنذال...الخ.
ح -حقـل العـرب :الشرقي ،الصحاري ،قريش ،أوس ،نزار ،المحيط ،الخليج ،الجوامع ،الدجل.
-3الجملـة الشعريـة:
من الشعر الحر فهي تتكون من أبيات مختلفة الحجم ،لكن نجد أغلبها «هوامش على دفتر النكسة»قصيدة
قصيرة من الطويلة ،حيث نجد أطول بيت يتكون من ستة ملفوظات ،وأقصره من ملفوظين.
أما بالنسبة لقضية القصر في األبيات ،و هذا نجده في البيتين السادس و السابع من الفقرة "أ"
-1أنعي -2 ،لكم.
ثم يعود في البيت األخير إلى اإلطالة فيه ،و المتكون في حدّ ذاته من ستة ملفوظات.
-7نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة.
و هذا ما بيّن لنا ّ
أن الشاعر قادر على التعبير و التحكم في شعره ،من حيث طولها وقصـرها ،و هذا ما يبرز لنا
طابعًا م ً
ميزا باإلضافة إلى جلبه لعدد كبير من القراء.
فهي «أنعي لكم»كما نجد ظاهرة التكرار بارزة في شعره فمث ً
ال نجد في فقـرة "أ" تكرار في جملـة
متكررة أربع مرات في كل من البيات ( )7 ،6 ،3 ،1من الفقرة "أ".
كذلك عبارة «لو أحد يمنحني األمان» فهي مذكورة في كل من الفقرة "م" من البيت .85
كذلك عبارة «يا أصدقائي» فهي متكررة ثالث مرات في كل من األبيات التالية (.)55 ،52 ،1
داللـة المضمـون:
كما ذكرنا سالفًا هته األبيات الشعرية هي من الشعر الوطني السياسي ،و هي تعتبر أول قصيدة سياسية
وطنية ،التي قالها أثر هزيمة العرب في حزيران 1967م ،و هي بمثابة صرخة إذ تعبر عن الجرح الذي أحدثه
خناجر اليهود المقوسة إلى كل جسم عربي ،و نزار في هذا الصدد يوجه اتهاماته إلى القادة و السلطات العربية
اثر تخاذلهم أمام آمال هذه الشعوب ،وبالرغم من ذلك لو يبق نزار صامدًا أمام هذا الوضع ،إن بكلماته المأثرة
استطاع أن يمنح لهذه الشعوب آماالً خاصة من قبل األجيال القادمة التي تستطيع أن تعيد لنا رفع الرؤوس بعد
طأطأتها.
و لهذا فارتأينا إلى تقسيم النص الشعري إلى عشرة فقرات ،كل واحدة منها تحمل فكرة رئيسية ،و تصب
«.هوامش على دفتر النكسة»كلّها في فكرة واحدة هي موضوع القصيدة أو عنوانها و هي
فالفكـرة األولـى:
تمثل موقف الشاعر من الشعب العربي إثر النكسة العربية 1967م عنوانها الشاعر والشعب العربي ،و
إلى غاية البيت «أنعي لكم يا أصدقائي ،اللغة القديمة»...نجدها في الفقرة األولى و المتكونة من 7أبيات من
«.نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة»السابع
الفكـرة الثانيـة:
تجسد في موقف الشاعر المتألم من وطنه ،و شدة تمسكه بقضية وطنه ،و الذي عبّر عنها بلغة قوية و هي
شاعر يكتب »لغة الصميم ،و كيف ال فهو يعبر بكلمة السكين الرشاش و غيرها من الكلمات و عنوان الفكرة هي
ال بد من أن نخجل من » إلى غاية «مالحة في فمنا القصائد »...و تمتد هذه الفقرة من البيت الثامن «بلغة السكين
«.أشعارنا
الفكـرة الثالثـة:
و تصب في نقد نزار لعيوبنا الفكرية و السلوكية التي كانت سببًا رئيسيًا في الهزيمة وحتى لم تكترث إليه
إذا خسرنا » و تمتد الفقرة من البيت التاسع عشر «عيوبنا و سببها للنكسة»العرب ،و فكرة الفقرة كالتالي:
«.ال يحدث انتصار» إلى غاية البيت الرابع و الثالثين «الحرب...ال غرابة
الفكـرة الرابعـة:
ظهور تراجع في فكر و سلوك األمة العربية التي أصبحت ال تكترث لما يدور حولها من أوضاع مزرية،
هل »و مؤلمة و حتى غاضبة ألنّها ال قلب لها في هذه الحياة ،ففكرتها مقتبسة من آية قرآنية تعكس واقعنا المرير
«كلفنا ارتجالنا» و تظهر من خالل األبيات التالية من البيت الخامس و الثالثون «نحن خير أ ّمة أخرجت للناس؟
(«.نحن خير أ ّمة أخرجت للناس؟)»إلى غاية البيت الرابع و الستين هل
الفكـرة الخامسـة:
سالح الفعال الذي تمتلكه و ال نعرف استغالله في الوقت المناسب ،و نهون يدور حول فكرة و قضية ال ّ
كبيرا.
بهذا الرزق الذي روقنا به ،فهو كنز يحرق به األعداء ولم نحرقه ،فأهملنا هذا الذهب إهماال ً
و يمتد من البيت الرابع و الستون «البترول سالح مهمل»فهذه الفقرة تتمحور حول فكرة أساسية هي
«.يراق تحت أرجل الجواري» إلى غاية البيت التاسع و ستون «كان بوسع نفطنا الدافق في الصحاري»
الفكـرة السادسـة:
و تدور حول سياسة نظـام الحكم السائـد في الوطن العربي ،والممـارسات الالقانونية و الالمشروعية من
قبل سلطة و حكام معظم األقطار العربية ،حيث تكثر سياسة االحتقار والظلم و القمع للمواطنين ،و حتى ممارسة
و تمتد من البيت السبعين «الحكم و سياسة التعسف»سياسة اإلرهاب على هذه الشعوب الظالمة و عنوان الفقرة:
«.من عنده تعالى» إلى غاية البيت الثالث و الثمانون «تركض في الشوارع»
الفكـرة السابعـة:
موجهة إلى النظام القائم و دوره في حصار الشعوب و القضاء على الحريات ،و أثرها في الهزائم الكثيرة
و المتكررة الواحدة تلوى األخرى أل ّمتنا العربية ،و ال حل لهذا األمر من طرفهم و رافضين حتى عن هذا ،و
«.يا سيّدي الحاكم»عنوان هذه الفقرة
ألنّك » إلى غاية البيت مائة والخامس عشر «لو أحد يمنحني األمان»و تمتد من البيت الرابع و الثمانون
«.انفصلت عن قضية اإلنسان
الفكـرة الثامنـة:
قوة و في التشتت ضعف ،و تقوم على إبراز قيمة الوحدة العربية و التالحم فيما بينها ،و في التالحم ّ
صمود»عنوانهالو أنّنا لم ندفن الوحدة » و تمتد من البيت المائة و السادس عشـر «الوحدة العربية رمز القوة و ال ّ
«.لما استباحت لحمنا الكالب» إلى غـاية البيت المائـة و تسعة و عشـرون «في التراب
الفكـرة التاسعـة:
تشير إلى الت فكير في استعادة مكانة العرب و الثأر و رد االعتبار للوجود اإلنساني و لألمة العربية ،و هذا
ال يتم إالّ بالبحث عن جيل ثائر و متمرد و قوي وعمالق و غاضب ،من أجل ذلك ،و يبدأ من البيت مائة و
«.نريد جيالًََ ...رائدًا...عمالقًا» إلى غاية البيت مائة و سبعة وعشرين «نريد جيالً غاضبًا»عشرون
الفكـرة العاشـرة:
صاعد المتمثل في و هي الفكرة األخيرة التي يخاطب فيها آمال و مستقبل األمة العربية ،و هو الجيل ال ّ
حب »أطفالها الذين سيغيّرون في بناء أ ّمتهم و هي تحت أقدامهم حقا هذه األمانـة و حفظها و حبّها إذ كما يقـال:
و يمتد هذا البيت من المـائـة و «األطفال سنابل في استرجاع اآلمال» و عنـوان هذه الفقـرة «الوطـن من اإليمـان
وأنتم الجيل الذي » إلى غاية البيت األخير المائة و السابع و األربعون «يا أيّها األطفال»ثمانيـة و عشـرون
«.سيهزم الهزيمة
و هذه األبيات الشعرية التي برهنت على مدى حب نزار قباني لوطنه الذي حوله من شاعر الحب إلى
شاعر يكتب بالسكين .كما ذكر ذلك من خالل البيت الرابع عشر و الخامس عشر.
فلسطيـن القضيـة:
لقد اختلف موقف الشعراء من بعض القضايا القومية و السياسية الكبرى و أهمها فلسطين ،فعبّر بعض
الشعراء عنها بما يواكب ما أثارت من أوضاع سياسية و اجتماعية و قومية ودولية ،و عبّر عنها آخرون كتجربة
()63
كبرى و مأساة إنسانية جسيمة امتزجت بالموت و الحنين والغربة.
من بين هؤالء الشاعر العربي نزار قباني ،الذي وجد في الواقع المأساوي الفلسطيني األرضية الخصبة
لكتاباته ،فتولدت لديه مشاعر التشرد و االغتراب و الحسرة...
و كان لهذه األحاسيس الثورية األثر الكبير في تشكيل صوره الشعرية المختلفة و التي ال تعكس إالّ
المعانات النفسية للشعب الفلسطيني ،فلقد تفاعل مع القضية الفلسطينية و رافقها خطوة بخطوة بداية من النكبة إلى
يومنا هذا ،و تتمثل ثورة الشاعر على هذا المستوى فيما تؤدّيه قصائده من دور نضالي مقاوم داخل الحركات
ضا أن يسهم إسها ًما فاعالً في
الجماهيرية ،فالمقاومة ليست فقط أن يقف الشاعر ،موقف الضد من العدو و لكن أي ً
توعية اإلنسان على قضاياه ثم المشاركة في أهدافه.
فنزار يرى ّ
أن وظيفة الشعر أن يقتل ا لوحش الذي استوطن كل مدينة عربية...من القرن العاشر (فلسطين)
()64
و ال زال يأكل أطفالها و يسبي نسائها ،و يمأل بالرعب لياليها.
إذن أمام حقيقة فلسطين المؤلمة ،و أمام وعي الشاعر بعدالة القضية الفلسطينية ،عبّر نزار بصدق عن الواقع
المر الذي تعيشه و بأقصى المعاني ،و هي معاني الموت...التشرد والتمزق...
ّ
سعير.
من آخر األرض ،من ال ّ
صغيـر.
جاؤوا إلـى موطننا ال ّ
موطــن المسالـم الصغيـر.
ّ
فـلطخــوا ترابنـــــا.
و أعدمـــوا نساءنـــا.
) (63عبد القادر قط" ،االتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر" ،ط ،1دار النهضة ،ص .534
) (64نزار قباني" ،قصتي مع الشعر" ،ط ،1بيروت ،1973 ،ص .220
()65
و يـتمـــوا أطفالنـــا.
إن نزار يتحدث في هذه المقطوعة عن فلسطين ،التي آلت إلى ذكرى وطن ،ذكرى لشاعر قديم ،و ذكرى
لطفولة حالمة ،في أمان و سالم ،في وطن قد كان سال ًما..إنّه يصف الظروف القاسية التي يعيشها أبناء الشعب
التشرد.
ّ الفلسطيني و أخطرها التمزق و
ّ
إن األرض و الفالح و اإلصرار بالنسبة لنزار منبع واحد يعبّر فيه عن حقيقة واحدة ،هي التعلق بالوطن و
النضال من أجله ،و من أجل البقاء يقول:
إذن مهما حاول المغتصب أن يبعد المواطن الفلسطيني عن أرضه فلن يستطيع ّ
ألن تعلقه بها أكبر من أي اعتبار،
فهي تعني وجوده.
كما تحدث نزار عن الواقع الفلسطيني ،كشف في شعره كذلك سياسة العمالء بشعارات مختلفة ،كلّها
أباطيل و ظالل و أضاعوا بها فلسطين:
بمـوت كل شــيء...
()67
بمـوت كل شــيء...
هذا الشاعر ساخط عن الوضع الذي آلت إليه البالد من جراء سياسة الحكام _العمالء_ كما تعرض في
شعره إلى المكانة التي احتلها هؤالء بما نالوا من المناصب الهامة التي وضعتهم فيها ظروف البالد البائسة،
فصاروا زعمائها و قادتها في وقت محنتها ،يتنعمون بخيراتها ،و إن عاد على البالد الشقاء و الخراب نتيجة
إهمالهم و أنانيتهم:
) (65نزار قباني" ،األعمال السياسية الكاملة" ،منشورات نزار قباني ،ط ،1بيروت ،1981 ،ص .31
) (66نزار قباني" ،األعمال السياسية الكاملة" ،منشورات نزار قباني ،ط ،1بيروت ،1981 ،ص .31
) (67المرجع نفسه ،ص .102
) (68نفسه ،ص .104
...
...
و تجهــض النســــاء.
()70
و سقط الشمس على ساحاتنا.
مـشنقـــة ســوداء...
كما يندر نزار بهم ،فلقد باعوا فلسطين مزايدين بها لمن يدفع الثمن الغالي ،و ال ه ّم لهم غير نفع وقتي،
مال ،أو جاه ،أو سلطان ،أو شهرة عارضة ،و ال يحسبون الوطن أو أهله أو شرف البالد:
طــــوب لكــــم...
مــــــــن ورق...
فألـــف تشكـــرون.
امـــرأة مباحـــة...
()71
فألـــف تشكـــرون.
و يصرخ الشاعر في وجه هؤالء الحكام ،معل ًنا سخطه و رفضه صفقات البيع التي يجرونها على الشعب
بأن نزاعهم و خصوصياتهم إنّما هي لخالفهم على أطماعهم الخاصة ال لتحرير فلسطين:
الفلسطيني ،و يعرض ّ
و بعـدمــا قتلنـــا..
بعـدمـــا دفـنّـــا.
...
و فجـــأة...
()73
كالسيّد المسحي ،بعد موتنا نهضنـا.
ّ
وكأن الشاعر كرمزا لعذاب الشعب الفلسطيني ،فهو يعبر عن صموده، ً يستحضر الشاعر شخصية المسيح
يستعرض موقف اإلنسانية و التاريخ من قضية الشعب الفلسطيني و حقه في األرض و الوطن...
و يمثل الشاعر العنفوان العربي و اإلرادة التي ال تقهر ،فهو متفائل ينبض النور من الظالم ،والماء من الصخر:
يصور نزار الدم العربي يغلي في عروق العرب جميعًا فيدفعهم لخوض معركة الثأر الفاضلة مع األعداء،
حيث يجمع التاريخ أشتات العرب في الحاضر ،كما جمعهم في الماضي ،وحيث تجمعهم في الحاضر وحدة
المصير فتتخذ جيوشهم تحت لواء واحد...و قائد واحد...ويسيرون نحو هدف واحد لتحرير فلسطين .و نجد نزار
و قد بلغت به ثورة النفس ،وثورة العاطفة حد اليأس و القنوط ،فهو يريدها ثورة شاملة...يريد من الشاعر العربي
أن يثور بقلمه لينشر الوعي...و من العقل العربي أن يثور ضد الجمود...و من العصر أن يثور ليساند القضية
الفلسطينية...حتى ال يصير أبناء الشعب الفلسطيني كلّه الجئ ،و تضيع الهوية تحت كل خيمة ،و ال يبقى مجاال
للشعور باالنتماء أو الشعور باألمل.
و يزداد وعي الشاعر بعمق القضية ،فينقلب شعره إلى نوع من الثورة و الغضب ،فهو يؤمن بأنّه ال يوجد
جسرا للنصر ،فإ ّما النصر بالبندقية ،و إ ّما الموت:
ً غير الفدائي
و العــــدل مسرحيــة.
تتشكل تجربة نزار من خالل هذه المقطوعة من أعماق المأساة ،حيث يصبح الفداء هو األمل الوحيد لوالدة
جديدة أو حياة أفضل و ال حقيقة غير الفداء.
يتأسف الشاعر عن فلسطين القضية التي آلت إلى مجرد كالم...و تحولت قضيتها من يوم إلى آخر مجرد احتفاء:
هكذا استمد الشاعر ما في الواقع الفلسطيني من أشياء صغيرة و كبيرة و ل ّخص لنا معنى الوطن الذي هو
حرم من معالم الطفولة...و ه ّم ثورة أرادوا لها أن تسجن في زجاجة الوطن ليس كذكرى
جرح الغريب...و طفل ّ
و ليست كنشيد.
هذه إذن كانت معظم المحاور التي تناولها نزار _باختصار_ عن القضية الفلسطينية في ديوانه السياسي
الجديد...لكن هذه مجرد بداية و فقط للشاعر العمالق ،ما زال يناضل بقلمه ضد االحتالل و يساند القضية في
مراحلها و يترصدها في كل المناسبات.
-2-
-3-
الجسـد
-4-
و ال فائــدة..
رائحـة واحـدة..
-5-
ي وثـن..
رفضت عبـادة أ ّ
-6-
-7-
عـا و قريـش...
ودا ً
عـا كليـــب...
ودا ً
ـــر
ض ْ عـا ُم َ
ودا ً
-8-
سفن...
لكي أعرف الفرق بين البالد و بين ال ّ
-9-
أحـاول منـذ ّ
الطفولـة
و قالوا ّ
بأن الهـوى ال يليق بماضي العـرب...
و طهـر العــرب...
و إرث العـــرب...
!!فيــا للعجـــب
-10-
-11-
أحاول بال ّ
شعـر...أن أمسك المستحيـل...
و أزرع نخــالً...
صهيل
!!و لكن أهل المدينة يحتقرون ال ّ
-12-
و خارج كل النّصوص...
و خارج كل ال ّ
شرائع و األنظمة...
أحاول_سيّدتي_ أن أحبّك...
-13-
ْ
أحاول _ ُمـذّ كنت طفـالً قـراءة أ ّ
ي كتـاب
!!فيــا للعجــب
-14-
و ال يهضمـــون...
-15-
-16-
التلفـــزة...
-17-
-18-
القديـــم...
يقوم هذا النص في بنائه الخارجي على بناء متقطع في صورة مقاطع مرقمة بحيث يتحول النص إلى
مسار جار يتقطع عند كل رقم جديد فنحس باالستمرار المتقطع أو التقطع المستمر وهذا يشي برؤية جدلية للعالم،
و هي رؤية حديثة تتجاوز السكون و الواحدية.
و يستخدم الشاعر إلنجاز عمارة نصه ،سمات فنية مختلفة تعضد رؤيته الكلية التي يسخر فيها من الوضع
العربي الممزق من مثل:
كما لو كانت رموز للقبائل العربية الحديثة أو بمعنى آخر [مضر] و [كليب] و [قريش] و [رجال القبيلة]
وغيرها ،و الشاعر يستند إلى [عدن] و [حكماء العرب]المجتمعات العربية الحديثة ،و يستخدم كذلك مفردات
مرتكزات قوية تعطي لنصه شعبية و قدرة على التغلغل في الحس العربي المعاصر الذي يبحث عن جذوره في
ظل الصراع العالمي و تميز الكيانات التي تؤسسها الكتل الغربية و الشرقية.
أن الشاعر و من خالل منطقه الجدلي هذا يستخدم ما يقابل هذا التراث ،فمن و في الوقت ذاته نجد ّ
الظواهر الالقنة في استخدامات اللغة الشعرية المعاصرة احتواؤها األدائي لمعطيات التاريخ و دالالت التراث
التي تنتج نماذ ًجا و تخلق تداخالً بين الحركة الزمانية حيث ينسكب الماضي بكل إثرائه و أحداثه على الحاضر
بكل ما له من طزاجة اللحظة الحاضرة ،فيما يشبه تواكبًا تاريخيًا يومئ الحاضر إلى الماضي ،و ّ
كأن هذا
االستلهام كذلك يمثل صورة احتجاجية على اللحظة الحاضرة التي تعادلها في الموقف اللحظة الغائرة في
سراديب الماضي.
إذن الشاعر تستخدم ما يقابل هذا التراث ،فنجد عنده معج ًما لأللفاظ الحديثة و المعاصرة بل و اللغة التي
و [الكهرباء] و [التلفزة] و [الفندق]نستخدم في حياتنا اليومية ،و في ممارسة تفاصيل الحياة العادية فنجد عنده
صداع]و غيرها من معان قد نجد لها ما يبررها في استخدام القاموس و [اإلجازة] و [المزاد] و [الزكام] و [ال ّ
لكنها تعبر عن مضامين معاصرة نستخدمها في حياتنا الحديثة ،و يستخدم الشاعر ألعاب لغوية ذكية تساعده على
المبتدأ و ] طرح فكرته ،فهو قد يستخدم المعجم الخاص بالتراث العربي النحوي_و اللغوي و البالغي من مثل
ضا المفردات التي تجد في الساحة العربية قبوالً جماليًا ً
نظرا لعمق الجذور [البالغة] و[الخبر و غيرها و هي أي ً
التراثية في التركيب الذهني لإلنسان العربي.
و نالحظ في استخدام الشاعر لسماته أ ّنه ينجح في استخدامها دون إشعارنا بالملل و في الوقت نفسه على
الرغم من تدخل الشاعر و اختياره الخاص لها إالّ أننا ال نكاد نشعر بهذا االختيار فقد دخلت بشكل عفوي في
نسيج النص و هذا نجاح كبير للشاعر.
و يعمل الشاعر على التركيز على االستفادة من جانب شائع في النصوص العربية يؤكد غنائية ال ّنص ،فهو
قد يستخدم التكرار للمطلع أو لبعض األبيات و يجعل من تكرارها محطات متتالية ،تفيد النّص موسيقيًا.
مكرسة لخدمة رؤيته الشعرية بشكل أساسي و كلها قادرة على طرح هذه
ّ التراكيب اللغوية عند نزار
الرؤية في أسلوب بسيط سريع الوصول إلى المتلقي.
أن المتلقي العربي ال يزال [ككل العصافير فوق الشجر]نحس عنده بالتركيب اللغوي الرومانسيألنّه يعلم ّ
يحتفظ في قرارة نفسه بالجانب الرومانسي الحميم الذي لم تبدله متغيرات الحياة الحديثة بعد لذلك فالشاعر يمس
الوتر الرومانسي فينا بقوة يقول محلقًا:
و نهـــور اللبـــن
و لعل أبرز ما يجسده التركيب اللغوي في تجربة الشاعر هو هذه البساطة الّلغوية في مفردات لغوية واضحة
و غيرها ،و لكن الشاعر [الكالم المعبأ] و[زجاج القمر]محددة قد تنحرف أحيانًا لخلق صورة شعرية مثيرة مثل
يمعن في تبسيط لغته إلى الدرجة التي يستخدم فيها كلمات أقرب إلى العامية أو أنّها تستخدم في اللغة العامية
كثيرا و في ممارسة تفاصيل الحياة اليومية العادية حتى لو كان لها أصلها العربي الفصيح ،و من هذه الكلماتً
ضا تحايل من الشاعر من أجل [تلحسُ ،ر ْز ،اإلجازة ،التلفزة ،قطع الكهرباء]على سبيل التمثيل و في هذا أي ً
المزيد من االقتراب من الجمهور العريض من خالل قصيدة ذات طابع سياسي.
،في بداية كل مقطع فقد بدأت [أحاول]و يتعمد الشاعر أن يضبط كلمات نصه بحيث تأتي كلّها بعد كلمة
جميع المقاطع بهذه الكلمة فيما عدا مقطعين فقط من ثمانية عشر مقط ًعا ،عالوة على تكرار هذه الكلمات داخل
بعض المقاطع و هي قدرة بارعة من الشاعر ،و يمكن من صياغة التركيب اللغوي داخل إطار خاص يبتكره
الشاعر و ينفذه بدقّة.
[من يعلنون وفاة العرب]كمـا ينجح الشاعر في صياغة لغة تجسد السخـرية بشكل بـارز بداية من العنـوان
و مثلها ورد في هذا المقطع:
ضا بقدرة الشاعر على تضمين النسيج اللغوي بالمعجم السياسي ببساطة و
و يتميز التركيب اللغوي أي ً
مهارة فذّة ،و قد صار نزار قباني أستاذ هذا األسلوب بال منازع في الشعر العربي فيستخدم مفردات من مثل
[.البركان ،الجرائد ،رجال المباحث ،السلطة ،الشرائع واألنظمة...إلخ]
و لكن هذه المفردات ال تلبث عندما تدخل إلى النسيج الشعري في قصيدة نزار أن تحول مضمونها الجاف
الذي ال نتخيل قبل قراءة نص نزار أنّها قابلة للدخول في نص شعري ،و لكن الشاعر يستطيع بحدقة و خبرته
برلمان من ]الطويلة أن يصنع التركيب اللغوي الذي يزيل هذا الجفاف ويطوعه عميقًا ،و عندما يقول الشاعر
.فهو لم يزل جفاف كلمة البرلمان فحسب بل ينسج في إدخالنا إلى منطقة داللية يتعدد فيها المعنى و [الياسمين
أفكارا ذات طابع شعري بالدرجة األولى ،و الحال كذلك عندما يقول مث ً
ال: ً يعطينا
أثوابها الداخلية
فقد دخل المعنى الجاف إلى معنى آخر يذكرنا بالمرأة التي تبيع نفسها بما يجمع المعنيين من أفكار متقاربة
كثيرا فهو يستغل
ً صحف كما لو كانت تبيع قضيتها ،و نزار من الشعراء الذين لعبوا بهذا المعنى فهو يرى ال ّ
اتّهام ]المكبوت الجنسي لدى المتلقي ليبرز معانيه السياسية ،و في هذا حيلة ماكرة لشاعر ذكي ،مما نراه في:
[.النساء ،مواعيد األنثى ،قبائل ليست تفرق ما بين لحم النساء...الخ
يستخدم الشاعر بحر المتقارب في شكله الذي اعتمد في مدرسة الشعر الحر ،أي أ ّنه يستخدم تفعيلة
سريعة بين المعاني مما يؤكد [فعولن]
و هي تفعيلة مرنة قريبة من مناخ النشر بموضوعاته المباشرة و انتقاالته ال ّ
االنسجام بين طبيعة الرؤية الشعرية التي طرحها نزار و هي رؤية سياسية ساخرة من ناحية و الموسيقى
الشعرية البسيطة القريبة من النشر من ناحية أخرى.
هو إذن اتساق التقطته حساسية الشاعر المفرطة و قدرته على طرح الجو الموسيقي المناسب.
و قد أفرط الشاعر في التبسيط لمزيد من جذب متلقيه ،فاعتمد شكالً شعريًا متقطعًا في صورة مقاطع
قصيرة منفصلة ليعطينا توقعًا يخفف من حدّة االسترسال الموسيقي الهادر ،كما يلجأ الشاعر إلى وسيلة موسيقية
أخرى تساهم في المزيد من جذب المتلقي هي استخدام القافية وتكرارها بين الحين و الحين ألنّه يعلم مدى تأثير
القافية على متلقي الشعر العربي ،و هو تأثير تاريخي تمتد جذوره حتى القرون العربية األولى ،و يتعمد الشاعر
أن ينهي كل مقطع بقافية تتكرر داخل المقطع من مثل قافية الدال في هذا المثال:
بل و أحيانًا يزيد من جرعة القافية حتى يصل بنا إلى نغمية عالية في جو تطريبي يثير الشجن مضمونيًا و
موسيقيًا:
و قالوا ّ
بأن الهوى ال يليق بما في العرب...
و طهـر العـرب...
و إرث العــرب...
!!فيـا للعجـــب
إنّنا عندما نقرأ عمالً فنيًا جيدًا فإنّه يفجر في أحاسيسنا قنوات وجدانية لها روافد ذات عطاء ثري ينتج من
توالي البناء الرمزي في القصيدة و كلّما انطلقنا في قراءتها تكو ّنت أحاسيس مختلفة تتجمع أمامنا و نحاول أن
نستمتع باستكشاف تلك المدائن الخبيئة و التي نقصد بها عالم القصيدة.
فالصورة الشعرية عليها أن توحي إلينا فقط و من وراء هذا اإليحاء و عن طريق عالقات متداخلة نستطيع
أن ندرك المقصود شرط أن يكون لدى القارئ قدرة أخرى تملك إرادة الخلق ،وقارئ نزار لديه القدرة دائ ًما على
صور...
تجديد ال ّ
الصـورة الشعريـة:
الصورة الشعرية في قصيدة نزار صورة بسيطة شفافة تعتمد الطريقة التقليدية في صنع الصورة الشعرية
في تراثنا ،في صنع التشبه البسيط وسيلة ال ت جهد ذهن المتلقي ،بل توصل له الشحنة الشعرية وبإتقان و عندما
يقول:
فالتشبيه هنا بسيط ال يحتاج إلى تعمق ،و تأمل عميق فيشبه الجنون كأنّه النهر لشدّته و فيضانه وتواصله ،و هكذا
تكون االستعارة دائ ًما في شعر نزار بسيطة ببساطة التشبيه البليغ.
و عندما يقـول:
و عندما يقـول:
ضا شديدة البساطة يكاد م تلقيها أن يفسرها في لحظة االستماع إليها ،ألن يشبه به و هو
فهذه االستعارة المكنية أي ً
المرأة البيضاء ،و هذا الوصف معروف لدى العامة ،و هكذا يكرس الشاعر صوره لخدمة رؤيته الشعرية جيّدًا.
صور و هي قليلة مما يخرج عن هذا القانون قليال عندما يقول: أحاول فتح فضاء من ]إالّ ّ
أن هناك بعض ال ّ
[.الياسمين و يقصون شعر النخيل_زجاج القمر...الخ
صه بعض الصور الجمالية شديدة التأثير ذات حس فانتازي قد نحس هنا بمحاولة الشاعر أن يضفي على ن ّ
كثيرا على أسلوبه الرومانسي و لكنه يشكل مرايا شديدة النّصوع قادرة على أن تعكس المعنى من زوايا
ال يخرج ً
أكثر صقالً و بهاء ف يتجادل الجانب المعنوي و اللغة البسيطة من جهة مع التصوير الجمالي رفيع المستوى من
جانب آخر و تكون الحصيلة هذه التركيبة اللغوية الشديدة التميز في قصائد نزار.
الخاتمة
وطننا العربي ،هذا المجروح في كبريائه المسلوب الحرية ،المفجوع في أبنائه...هذا الوطن جعل نزار
شريان ،و يكتب عن «الوطن» كي يفجر عصر االنحطاط العربي ،فقد كتب عن المرأة شريان إلى ال ّ
ينزف من ال ّ
لينقذها من مخالب مجتمع عربي متسلط و سلطة الرجل و كتب عن الحاكم ليفضح جوره و استعباده لشعبه ،و
كتب عن الوطن أيضا ليكسر أغالله ويستنهض أبنائه.
و من خالل هذا البحث المتواضع توصلنا إلى أربع استنتاجات حول «الوطن في شعر نزار قباني».
أوال :أن موضوع المرأة كان موضوعا وطنيا تحرريا محضا.
أن جملة أعمال «نزار» عامة و الوطنية السياسية خاصة قد أوجدت «لنزار» أعداء ونقادا ،كان هدفهم من ثانياّ :
خالل انتقاداتهم إخماد اإلقبال الجماهيري على أعماله ،لكن مساعيهم خابت و ظلت أعمال «نزار» هي الدواوين
التي تعرف اإلقبال األكثر و األكبر في الوطن العربي.
سياسيين.ساسة وال ّ ّ
ثالثا :من أحب وطنه عمل من أجله و إنقاظه و تحريره من الذل و االستعمار و ال ّ
رابعا :و ما توصلنا إليه كذلك من خالل دراستنا هذه ،هو أن «نزار» تربع على عرش الشعر العربي المعاصر
دون منازع ،ذلك أنه كتب للشعب العربي و كتب لكل مستويات هذا الشعب العربي دون استثناء فلقد كانت لغته
األبسط و األجمل في رسالته الشعرية المقدمة إلى كل عربي.
و خالصة هذا البحث أن نزار كان شاعرا مزج بين الحداثة الشعرية و التّراثية ،كما كان حالة وسطى
بين الكتابة النرجسية الخاصة و العطاء الوجداني المتفتح على هموم أمته فقد كان الشاعر الوحيد الذي استطاع
أن يطل على الناس من داخل المعاصرة فكان شعره جسرا حقيقيا بين الماضي و الحاضر ،بين الحداثة و
الجماهير و كان أكثر الشعراء التصاقا بالواقع عاطفيا أو وطنيا أو سياسيا.
مالحق
ملحــق – أ-
هوامـش علـى دفتـر النكسـة »حزيــران «1967
أنعي لكم يا أصدقائي اللغة القديمة.
و الكتب القديمة.
أنعي لكم.
كالمنا المثقوب كاألحذية القديمة.
و مفردات العهر ،و الهجاء ،و الشتيمة.
أ
أنعي لكم:
نركض في الشوارع.
نحن تحت أبطالنا الحباال.
نمارس السّحر بال تبصر.
نحطم الزجاج و األقفال.
نمدح كالضفادع.
نشم كالضّفادع.
نجعل من أقزامنا أبطال.
نجعل من أشرافنا أنذال.
نرتجل البطولة ارتجال.
نقعد في الجوامع.
تنابال كسالى.
نشطر األبيات...أو نؤلف األمثال.
نشحذ النصر على عدونا. و م
من عنده تعالى.
لو أحد يمنحني األمان.
لو كنت أستطيع أن أقابل السلطان.
قلت له يا سيّدي السلطان.
مزقت ردائي.كالبك المفترسات ّ
و مخبورك دائ ًما ورائي.
عيونهم ورائي.
أنوفهم ورائي.
أقدامهم ورائي.
كالقدر المحتوم ،كالقضاء.
يستجوبون زوجتي.
و يكتبون عندهم أسماء أصدقائي.
يا حضرة السّلطان.
ش
و نحن مثل قشرة البطيخ ،تافهون.
و نحن منخورون ،منخورون كالنّعال.
ال تقرؤوا أخبارنا.
ال تقتفوا آثارنا.
ال تقبلوا أفكارنا.
فنحن جيل القيء ،و الزهري ،و السّعال.
و نحن جيل الدجل ،و الرقص على الحبال.
يا أيها األطفال.
يا مطر الربيع ،يا سنابل اآلمال.
أنتم بذور الخصب في حياتنا العميقة.
ش الجيل الذي سيهزم الهزيمة. و أنتم
ملحــق – ب -
فلسطيـن القضيـة
سعير.
من آخر األرض ،من ال ّ
صغيـر. جاؤوا إلـى موطننا ال ّ
موطــن المسالـم الصغيـر.
ّ
فـلطخــوا ترابنـــــا.
و أعدمـــوا نساءنـــا.
و يـتمـــوا أطفالنـــا.
...
و انشغلـت في والدي كرامـة التراب.
فصـاح فيهــم :اذهبـوا إلى الجحيم.
لن تسلبوا أراضي يا ساللة الكـالب !!
...
حين تصير بلـدة بأسرهـا.
مصيدة...و الناس كالفئران.
و تصير الجرائد الموجهة.
أوراق نفي تمأل الحيطان.
بمـوت كل شــيء...
بمـوت كل شــيء...
...
حيـن يصير الناس في مدينة.
عـا مفقوعـة العيـون. ضفاد ً
...
حيـن يصير العدل في مدينة.
سفينــة يركبهـا قرصـان.
...
حيـن تصير أ ّمـة بأسرهـا.
ماشية تعلف في زربية السلطـان.
يختنق األطفال فـي أرحامهم.
و تجهــض النســــاء.
و سقط الشمس على ساحاتنا.
مـشنقـــة ســوداء...
...
طــــوب لكــــم...
على يديكم أصبحت حدودنا.
مــــــــن ورق...
فألـــف تشكـــرون.
على يديكم أصبحت بالدنا.
امـــرأة مباحـــة...
فألـــف تشكـــرون.
...
الناس في القاعة يشتمون...يبهقون.
كانــت فلسطيـــن لكـــم.
دجاجة ،من بيضها الثمين تأكلون.
...
و بعـدمــا قتلنـــا..
و بعدمـا صلـوا علينـا.
بعـدمـــا دفـ ّنـــا.
...
جــاءت إلينــا فتـح.
كوردة جميلـة طالعـة من جـرح..
كنبع ماء بارد يروي صحارى ملحى.
...
و فجـأة ثرنا..على أكفاننـا ،و قمنا..
و فجـــأة...
كالسيّد المسحي ،بعد موتنا نهضنـا.
...
فـي حبّــة الحنطــة.
أو فـي حبّـة الزيتـون.
يأتون في األشجار و الرياح ،و الغصون.
...
تسعـون مليـون من األعراب..
خلــف األفـق غاضبــون.
يــا ويلكـم مـن ثأرهــم.
يــوم مـن القمـم يطلعـون.
...
يـا شعرنـا كـن غاضبًـا.
يـا نثـرنـا كـن غاضبًـا.
يـا عقـلنـا كـن غاضبًـا.
يـا حقـدنـا كـن حاقــدًا.
كي ال نصير كلّنا قطيع الجئين.
...
فقضيـة السـالم مسرحيـة.
و العــــدل مسرحيــة.
إلى فلسطيــن طريق واحد.
فوهة بندقيـة. يمـر مـن ّّ
...
عن فلسطين التي صارت مع األيام.
احتفاالً مثل عيد الفطر..و األضحى..
أرجيـح و كع ًكـا و فطائــــر.
...
ملحــق – ج -
قصيــدة "متـى يعلنـون وفـاة العـرب" ؟؟
-1-
أحاول منذ الطفولـة رسم بـالد
تسمى _مجـازا_ بالد العـرب
تسامحني إن كسرت زجاج القمر
و تشكرني إن كتبت قصيدة حب
و تسمح لي أن أمارس فعل الهوى
شجـر..ككل العصافيـر فوق ال ّ
أحاول رسم بالد
تعلّمني أن أكون على مستوى العشق دو ًما
فأفـرش تحتـك صيفًـا ،عبـادة حبّـي
و أعصـر ثوبـك عند هطـول المطـر
-2-
أحاول رسم بالد
لهـا برلمـان مـن الياسميـــن
و شعـب رقيـق من الياسميــن
تنــام حمائمهــا فـوق رأسـي
و تبكــي مآذنهــا فـي عيونـي
أحاول رسم بالد تكون صديقة شعري
و ال تتدخـل بينـي و بيـن ظنوني
و ال يتجول فيها العساكر فوق جبيني
أحاول رسم بالد
تكافئنـي إن كتبـت قصيـدة شعـر
و تصفح عنّي ،إذا فاض نهر جنوني..
-3-
أحـاول رسـم مدينـة حُـبّ ..
تكون محـررة من جميع العقـد
فال يذبحون األنوثة فيها..و ال يقمعون
الجسـد
-4-
رحلـت جنوبًـا..رحلـت شمـاالً..
و ال فائــدة..
فقهوة كـل المقاهي ،لها نكهة واحدة..
و كل النسـاء ّ
لهـن..إذا ما تعرين _
رائحـة واحـدة..
و كل رجال القبيلة ال يمضغون الطعام
و يلتهمـون النسـاء بثانيـة واحـدة..
-5-
أحـاول منـذ البدايــات..
أن ال أكون شبي ًها بأي أحدْ..
رفضت الكالم المحلّب دو ًما
ي وثـن..
رفضت عبـادة أ ّ
-6-
صوص التي أرتديها أحاول إحراق كل الن ّ
فبعـض القصائـد قبــر
و بعـض اللّغـات كفـن
و واعـدت آخـر أنثـى
و لكنّني جئت بعد مرور الزمن..
-7-
أحاول أن أتبرأ من مفرداتي
و من لعنة المبتدأ و الخبر..
و أنفـض عنّـي غبـاري
و أغسل وجهي بماء المطر..
أحاول من سلطة الرمل أن أستقيل
عـا و قريـش... ودا ً
عـا كليـــب... ودا ً
ـــر
ض ْ عـا ُم َ ودا ً
-8-
أحاول رسم بالد
ً
_مجـازا_ بالد العـرب تسمى
سريـــري بها ثابـت
و رأســي بهـا ثابـت
سفن...
لكي أعرف الفرق بين البالد و بين ال ّ
و لكنّهم..أخـذوا علبـة الرسـم منـ ّ
ي
و لم يسمحوا لي بتصوير وجه الوطن..
-9-
أحـاول منـذ ّ
الطفولـة
فتح فضاء من الياسميـن
ّ
و أسست ّأول فندق حب...بتاريخ كل العرب...
ليستقبـــل العـاشقيــن...
و ألغيت كل الحروب القديمة...
بين الرجال...و بيـن النساء...
و بيـن الحمـام...و من يذبحـون الحمـام...
و بين الرخام...و من يجرحون بياض الرخام...
و لكنهــم أغلقـوا فندقـي...
بأن الهـوى ال يليق بماضي العـرب... و قالوا ّ
و طهـر العــرب...
و إرث العـــرب...
فيــا للعجـــب !!
-10-
أحـاول أن أتصور ما هو شكل الوطن؟
أحـاول أن أستعيد مكاني في بطن أ ّمي
و أسبــح ضـد ميـاه الزمـن...
لوزا ،و خو ًخـا
و أسـرق تينًـا ،و ً
و أركض مثل العصافير خلف السفن
أحــاول أن أتخيـل جنـة عــدن
و كيف سأقضي اإلجازة بين نهور العقيق...
و بيــن نهـور اللّبــن...
و حين أفقت...اكتشفت هشاشة ُحلمي
فال قمـر في سمـاء أريحـا
ْ
الفرات... و ال سمك في مياه
و ال قهـوة فــي عـدَ ْن...
-11-
شعـر...أن أمسك المستحيـل... أحاول بال ّ
و أزرع نخــالً...
و لكنهم في بالدي ،يقصون شعر النخيل...
أحاول أن أجعل الخيـل أعلى صهيـ ً
ال
صهيل !! و لكن أهل المدينة يحتقرون ال ّ
-12-
أحاول بالشعر...أن أمسك المستحيل...
أحـاول سيّدتـي أن أحبّـك...
خـارج كل ّ
الطقـوس...
و خارج كل النّصوص...
شرائع و األنظمة... و خارج كل ال ّ
أحاول_سيّدتي_ أن أحبّك...
ي منفى ذهبت إليـه... في أ ّ
ألشعر -حين أضمك يوما لصدري -
ّ
بأن أظـ ّم تراب الوطـن...
-13-
ْ
ي كتـابأحاول _ ُمـذّ كنت طفـالً قـراءة أ ّ
تحدث عن أنبياء العرب
و عن حكماء العرب...و عن شعراء العرب...
فلـم أر إالّ قصائـد تلحس ِرجْ ـل الخليفـة
مـن أجل حفنـة رز...و خمسيـن درهـم...
فيــا للعجــب !!
و لم أرى إالّ جرائد تخلع أثوابها الداخليـة...
ألي رئيـس مـن الغيـب يأتـــــي...
ي عقيد علـى جثة الشعـب...يمشي... وأ ّ
و أي مراب يكدس في راحتيـه الذهـب...
فيــا للعجــب !!
-14-
أنا منـذ خمسيـن عا ًمـا
أراقــب حـال العـرب
و هـم يـرعـد ُون ،و ال يمطـرون...
و هم يدخلون الحروب ،و ال يخرجون...
و هـم يعلكـون جلـود البالغة عل ًكـا
و ال يهضمـــون...
-15-
أنا منـذ خمسيـن عا ًمـا
أحـاول رسـم بـــالد
تسمى _مجازا_ بالد العرب
رسمتُ بلـون الشراييـن حينا
و حينما رسمت بلون الغصـب
و حين انتهى الرسم ،سألت نفسي !
إذا أعلنوا ذات يوم وفاة العرب...
ففــي أي مقبـرة يدفنـــون؟
و مـن سـوف يبكـي عليهــم
و ليـس لديهـم بنــات...
و ليـس لديهـم بنــون...
و ليـس هنـالك حــزن.
و ليس هنالك من يحزنون !!
-16-
أحـاول منذ بـدأت كتابـة شعـري
قياس المسافة بيني و بين حدود العرب
رأيت ُجيُوشـا...وال من جيــوش...
رأيت فتو ًحـا...وال مـن فتــوح...
و تابعت كل الحروب على شاشة التلفزة...
فقتلى على شاشـة التلفـزة...
و جرحى على شاشة التلفزة...
و نضر من هللا يأتي إلينا...على شاشة
التلفـــزة...
-17-
أيا وطني ،جعلوك مسلسل ُرعب
نتابـع أحداثــه فـي المســاء
فكيف نراك إذا قطعوا الكهرباء ؟؟
-18-
أنا...بعـد خمسيـن عامـا
أحاول تسجيل ما قد رأيت...
بأن رجـال المباحثرأيـت شعوبًا تظـن ّ
صداع...و مثل الزكام أمر مـن هللا...مثل ال ّ
و مثـل الجذام...و مثـل الجــرب...
رأيت العروبة معروضة في مزاد األثاث
القديـــم...
و لكنني...ما رأيت ال َع َربْ !!
الصفحـة فهــرس المــوضــوعــات
أ مقـدمـة........................................................................
تمهيــد07 ........................................................................
ملحـــق