You are on page 1of 75

‫الـجمهـــــــوريـــــــة الـجـــــزائــــريــــــة الــديمقـــــراطيـــــــة‬

‫الــشعبيـــــــــة‬
‫وزارة الــتعليـــــــــم الــعـــالـــــي و الــبحـــث الــعلمــــــــــــي‬
‫المــــركــــز الجـــامعــــي العقيـــد آكلـــي محنـــد أولحـــاج بـالبــويـــرة‬
‫معهـــــد اللـغـــــــات و اآلدب الــعـــــــربـــــــــي‬
‫قســــم اللـغــــة العــربيـــة و آدابــهــــا‬

‫الـــوطـــــن فـــــي شعــــــر‬


‫نــــــزار قبــــانـــــي‬
‫مــذكــــرة تخــــرج لنيـــل شهــــادة ليســـانــس‬

‫إشـراف األستـاذة‪:‬‬ ‫إعـداد الطـالبتيـن‪:‬‬


‫لـعمــــوري أمينـــة‬ ‫شـــريـــف نـصيــرة‬
‫بـلــخيــــر نـعيمــــة‬

‫السنـــة‬
‫الجــامعيــة‬

‫اإلهداء‬ ‫‪2011 - 2010‬‬

‫«اللّهم إشرح لي صدري‪ ،‬و يسّر لي أمري‪ ،‬و أحلل عقدة من لساني يفقه قولي»‬
‫إلى روح أبي الطاهرة رحمه هللا‪.‬‬
‫إلى والدتي الحنونة التي سهرت على تربيتي‪.‬‬
‫إلى إخوتي‪ ،‬و أخواتي و أزواجهن و جميع أبنائهم‪.‬‬
‫إلى الذي أشرقت بوجوده شمس حياتي‪ ،‬و ازدهرت ورود حديقتي‪ ،‬و إلى‬
‫عوضني و لو بالقليل من حنان أبي‪.‬‬ ‫من ّ‬
‫زوجي العزيز و عائلته الكريمة‪.‬‬
‫إلى من شاركتني سنّوات الدّراسة الجامعية و اإلقامة‪.‬‬
‫و قاسمتني حالوة و مرارة هذا العمل أختي نعيمة‪.‬‬
‫إلى أختي رشيدة و صديقة دربي و إلى كل صديقاتي‪ :‬رتيبة‪،‬فتيحة‪ ،‬حياة‪،‬‬
‫دليلة‪ ،‬الزهرة‪ ،‬عقيلة‪.‬‬
‫و إلى كل من ساعدني من قريب و من بعيد في إنجاز هذا البحث المتواضع‪.‬‬

‫اإلهداء‬
‫اللهم إني أسألك الرضى في عملي هذا‪ ،‬و أسألك شكر نعمتك‪ ،‬باسم أغلى كلمة تنطق‬
‫بها الشفاه «أمي» و باسم شمعة األمل التي أنار دربي «أبي»‪.‬‬
‫إل يكما يا من أديت لهما بروحي و قلبي‪ ،‬أهدي هذا النجاح‪ ،‬و خالص حبي و احترامي و‬
‫تقديري‪.‬‬
‫إلى أعطر باقة ورد إخوتي و أخواتي‪ :‬حميد‪ ،‬ناصر‪ ،‬توفيق‪ ،‬عبد الغاني‪ ،‬وهيبة و‬
‫زوجها نور الدين‪ ،‬سامية‪ ،‬شهرزاد‪.‬‬
‫إلى زوجة أخي و حبيبة الدرب حنان‪ ،‬و إلى سباع البراءة‪ :‬عبد الرحيم‪ ،‬عالء الدين‪،‬‬
‫إسالم و إلى بركة األسرة أطال هللا في عمرها «جدتي»‪.‬‬
‫إلى من حملت أعباء هذا العمل‪ ،‬و شربت معي حلو عمله في كأس واحدة أختي و‬
‫زميلتي و حبيبتي نصيرة و إلى زوجها أخي حميد و له الشكر الجزيل‪.‬‬
‫إلى من سعدت ّ‬
‫بهن أيامي صديقاتي‪ :‬مليكة‪ ،‬المية‪ ،‬وهيبة‪ ،‬أمينة‪ ،‬الكهينتين‪ ،‬سامية‪،‬‬
‫زينب‪ ،‬نسيمة‪ ،‬ليلى‪ ،‬رشيدة‪ ،‬صورية‪ ،‬سميرة‪ ،‬زهرة‪ ،‬دليلة‪ ،‬سهيلة‪ ،‬عقيلة‪ ،‬صبيحة‪.‬‬
‫إلى كل النفوس التي تقاطعت معها نفسي في روضة العفة و الصدق‪.‬‬
‫إلى كل من ساعدني من بعيد أو من قريب في إنجاز هذا العمل المتواضع‪.‬‬

‫المقدمة‬
‫إن لكل عمل هدف يرمي إ ليه‪ ،‬و كان هدفنا نحن من خالل هذا العمل المتواضع‪ ،‬هو أن نلخص عشرات‬ ‫ّ‬
‫هذا الوطن‪ ،‬التي تنوعت و تعددت و وسمت التاريخ العربي منذ سقوط األندلس إلى يومنا هذا بسمة يندى لها‬
‫الجبين و تنفطر لها األكباد‪.‬‬
‫إن أبناء هذا الوطن ال تكاد تجف لهم دمعة حزن عن مأساة وطنية أو اجتماعية‪ ،‬إالّ وأصاب وطنّهم‬
‫مآسي أخرى تثير في قلوبهم أحزانا جديدة هذا من جهة‪ ،‬و من جهة أخرى حاولنا قدر المستطاع أن نبرز‬
‫مصداقية الشعر العربي المعاصر في مسايرته و مواكبته لقضايا إنسانية و قومية‪.‬‬
‫وقد اعتمدنا في بحثنا المتواضع «نزار قباني» نموذجا باعتباره أحد الذين تبنوا والتزموا بالقضية‬
‫الوطنية و القومية‪.‬‬
‫أ ّما الدافع الذي انطلقنا منه في هذه الدراسة‪ ،‬هو تغيير النظرة الضيّقة التي ينظر بها النقاد إلى هذا‬
‫الشاعر الوطني الفذ‪ ،‬إذ اعتبروه شاعر للمرأة ألنه تفقه في شؤونها الصغيرة قبل الكبيرة و وضعوه في قالب‬
‫ضّيق فلقبوه «بشاعر المرأة و الحب» لكنّنا نرى غير ذلك‪ ،‬فنزار كتب عن المرأة باعتبارها جزء من هذا الوطن‬
‫و جزء من المآسي العربية‪ ،‬فكيف بأمتنا أن تزدهر و أن ترتقي إلى مصاف األمم العظمى‪ ،‬بينما نصف مجتمعنا‬
‫–المرأة‪ -‬يعيش مقهورا منبوذا و مذلوال‪ ،‬هذه هي الفكرة التي انطلق منها « نزار» في كتاباته من المرأة‪ ،‬أ ّما‬
‫الفكرة التي انطلق منها في كتاباته السياسية‪ ،‬فهي المثل العربي القديم «آخر العالج الكي» فراح «نزار» يكشف‬
‫مناطق الوجع في األمة العربية‪ ،‬و اكتشف أن العالج ال يكون إال بالتّواري و الهروب‪ ،‬وإنّما بمواجهة عيوبنا و‬
‫سيئاتنا على في ه ذه المواجهة الصريحة إستقاظة لضمائرنا و استفاقة لهممنا لذا فإنه صرخ بقلمه في وجه هذا‬
‫العصر العربي المرفع بالبشاعة و الظلم و القمع‪.‬‬
‫ال بل هذا كله أردنا أن نختم دراستنا الجامعية بتناول موضوع يخدم األدب و الوطن في الوقت ذاته‪،‬‬
‫فاخترنا موضوع «الوطن في شعر نزار قباني»‪.‬‬
‫ألن الموضوع‬ ‫أما المنهج الذي سلكناه في هذه الدراسة المتواضعة‪ ،‬فإنه مزيج من التاريخ و التحليل‪ّ ،‬‬
‫المختار هو الذي يحدد المنهج المناسب له‪ ،‬و هكذا وجدنا أنفسنا و نحن نختار ظاهرة الوطن في شعر «نزار» ّ‬
‫أن‬
‫أنسب المناهج لتفسير هذه الظاهرة‪ ،‬االتجاه إلى التاريخ باعتباره األقدر على إضاءة البيئة التي أفرزت شعر‬
‫أن هناك سببا آخر الختيارنا هذا المنهج إبراز العالقة التاريخية و قصائد «نزار» المعبّرة عن تلك‬ ‫«نزار»‪ ،‬ثم ّ‬
‫الوقائع التاريخية‪.‬‬
‫وقد اتبعنا في بحثنا هذا على خطة تمثلت في‪:‬‬

‫مقدمة‪ ،‬و اتبعناها بتمهيد يشمل فيه التعريف بنزار قباني أ ّما فصول بحثنا فقسمناها إلى فصلين‪ ،‬يندرج‬
‫الفصل األول تحت عنوان‪:‬‬

‫‪ ‬الوطن في شعر نزار‪ ،‬وقد قسمناه إلى ثالثة مباحث‪:‬‬


‫‪ -‬المبحث األول‪ :‬جذور الشعر الوطني السياسي عند نزار قباني‪.‬‬
‫‪ -‬المبحث الثاني‪ :‬القومية العربية في شعر نزار قباني‪.‬‬
‫‪ -‬المبحث الثالث‪ :‬جديد نزار قباني في مجال الشعر الوطني السياسي‪.‬‬
‫أ ّما فيما يخص الفصل الثاني فقد تطرقنا فيه إلى تحليل نماذج من قصائده الوطنية السياسية ومثال على ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬هوامش على دفتر النكسة «نكبة حزيران ‪.»1967‬‬
‫‪ -2‬فلسطين القضية‬
‫‪ -3‬متى يعلنون وفاة العرب‪.‬‬
‫و أنهينا بحثنا بخاتمة كانت خالصة كل ما توصلنا إليه من خالل أشعار نزار قباني‪ ،‬ولقد اعتمدنا في‬
‫بحثنا هذا على جملة من المصادر و المراجع‪.‬‬
‫و ال يخفى على أي قارئ من أنّه ال يخلو أي بحث علمي من صعوبة ما‪ .‬سواء تعلق األمر بالشرط‬
‫المادي االجتماعي أو الشرط الثقافي و حتى من ناحية المصادر و المراجع‪ ،‬فهي تخلو الكثير منها عن تحليل‬
‫األعمال النزارية‪ ،‬فلم ينل نزار حظه الوافر من الدراسة في هذا المجال فقد انحصرت في اجتهادات سريعة و‬
‫مختزلة في الكتب‪ ،‬و لم تعالج اجتهادات الدراسة أيضا ألعمال نزار الوطنية و السياسية منها خاصة‪.‬‬
‫تمهيد‬
‫ال نجد شاعرا من الشعراء العرب المعاصرين شغل ال ّناس قراءة و نقدا مثل نزار قباني‪ .‬شغلهم قديما و‬
‫شغلهم حديثا‪ ،‬شغلهم و هو شاعر الغزل و المرأة و شغلهم و هو شاعر الوطن والسياسة و المقاومة‪ ،‬و كأنه يقول‬
‫كما قال أبو الطيب المتنبي‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أنام ملئ جفوني عن شواردها‬ ‫و يسهر الخلق جراها و يختصم‬

‫تغزل نزار قباني بالمرأة فعبّر عما خجلت و أحجمت أن تعبر عنه من خواطر و مشاعر و أحاسيس‪.‬‬

‫فنحن بحاجة إلى التعريف بهذا االسم الذي ذاع صيته و لمع نجمه في سماء األدب العربي‪ .‬و من أجل‬
‫ذلك ارتأينا الحديث عن شخوص عدّة جمعها نزار في شخص واحد‪ ،‬فهو من حيث الدراسة رجل قانون‪ ،‬و من‬
‫حيث العمل دبلوماسي‪ ،‬و من حيث الهواية شاعر‪ ،‬و هذا الشاعر من هو؟‬

‫هو نزار قباني الذي ولد يوم ‪ 21‬آذار (مارس) ‪ 1923‬في بيت من بيوت حي مئذنة الشحم أحد أحياء‬
‫دمشق العربية‪.‬‬

‫يقول هو عن ميالده و نشأته «ولدت في دمشق في آذار مارس ‪ 1923‬بيت واسع كثير الماء و ا ّ‬
‫لزهر من‬
‫منازل دمشق القديمة‪ ،‬والدي توفيق قباني تاجر وجيه في حيّه‪ ،‬عمل في الحركة الوطنية و وهب حياته و ماله‬
‫(‪)2‬‬
‫لها»‪.‬‬

‫بدأ نزار قباني حياته الدراسية بمدارس دمشق االبتدائية‪ ،‬و تحصل على بكالوريا القسم األدبي من‬
‫مدرسة الكلية العلمية التي التحق بها و عمره ال يتجاوز السابع عشر‪ ،‬بعدها انتقل إلى مدرسة التجهيز أين تحصل‬
‫على بكالوريا ثانية قسم الفلسفة‪ ،‬و هذه المدرسة لعبت دورا أساسيا في تشكيل نزار المثقف‪ ،‬حيث كانت المدرسة‬
‫صغيرة من تجار و مزارعين و موظفين و أصحاب‬ ‫مؤسسة وطنية يتردد إليها أبناء البرجوازية الدمشقية ال ّ‬
‫حرف‪.‬‬

‫و كانت الكلية العلمية تقف موقفا وسطا بين المدارس التبشيرية التي كانت تتبنى خط الثقافة الفرنسية و‬
‫مدرسة التجهيز التي كانت تتبنى الثقافة العربية‪ ،‬و كان هذا من حسن تدبير األب «الذي اختار ألبنائه مدرسة‬
‫عبارة عن مزيج بين الثقافتين و ذلك سعيا منه ألن تكون ثقافة أبنائه متفتحة على العلم‪ ،‬و في نفس الوقت ملتزمة‬
‫بالخط الوطني»‪ )3(.‬من جهة أخرى‪ ،‬هذه الثقافة سمحت لنزار بدراسة اللغة الفرنسية و التعرف على آدابها و‬
‫النهل من معانيها‪.‬‬

‫(‪ )1‬ديوان المتنبي‪ ،‬دار الجيل للنشر و الطباعة و التوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،2005 ،‬ص ‪.332‬‬
‫(‪ )2‬نبيلة بركان‪ ،‬نزار قباني شاعر العصر‪ ،‬دط‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬دت‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫(‪ )3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫و باإلضافة إلى الثقافة الفرنسية‪ ،‬كان لنزار الحظ في التتلمذ على يد الشاعر خليل مردم بك الذي أثرى‬
‫موهبة نزار بذوقه الرفيع « حيث ظل نزار يدين لهذا الشاعر الكبير بذلك المخزون الشعري الراقي الذي تركه‬
‫على طبقات عقله الباطن‪ ،‬حيث كان له الفضل في زرع وردة شعر تحت جلد نزار و في تهيئة الضمائر التي‬
‫(‪)4‬‬
‫كونت خالياه و أنسجته الشعرية»‪.‬‬

‫و بعد حصول نزار قباني على إجازة الحقوق التي لم يرافع بها إالّ في قضية الشعر على حد قوله‪ ،‬التحق‬
‫بالسلك الدبلوماسي حيث شغل عدّة مناصب في السفارة السورية في عدّة عواصم من العالم‪ ،‬و كانت القاهرة أول‬
‫محطة دبلوماسية له‪ ،‬و لقد ساعدته على الدخول في الوسط األدبي و الفني و الصحفي من أبوابه العريضة خاصة‬
‫بعد تعرفه إلى شخصيات فكرية وأدبية و فنية كتوفيق الحكيم و المازني و محمد عبد الوهاب وقد أصدر ديوانه‬
‫(‪)5‬‬
‫الشعري األول طفولة نهد‪.‬‬

‫و يصرح على أثر القاهرة في حياته الشعرية « كانت القاهرة في األربعينات زهرة المدائن و عاصمة‬
‫(‪)6‬‬
‫العواصم العربية‪ ،‬و كانت بستانا للفكر و الفن ق ّل نظيرة»‪.‬‬

‫و لقد امتدت فترة عمل نزار قباني الدبلوماسي بين عامي ‪ ،1965-1945‬حيث بدأ ملحقا بالسفارة‬
‫السورية بالقاهرة انتهاء باستقاللية من الدبلوماسية و استقراره ببيروت‪ ،‬و بين هاتين المحطتين كانت رحالته قد‬
‫شملت كل من اسطنبول و هونغ كونغ و روم ا و لندن واسكتلندا و موسكو و تايلندا و الصين و سان جرمان و‬
‫إسبانيا و هولندا و سويسرا و مونتي كارلوا‪ ،‬أو عن أثر رحالته الدبلوماسية في ملكاته الشعرية يقول‪:‬‬

‫« مع كل خطوة كنت أخطوها كان قلبي يكبر و شبكة عيني تتسع و آبار نفسي تمتلئ والبدوي في داخلي‬
‫(‪)7‬‬
‫يرق يشف و يتحصر»‪.‬‬

‫استقال نزار من العمل الدبلوماسي مبررا استقالته الخارجية برغبته في التفرغ للشعر‪.‬‬

‫كتب نزار أول قصيدته سنة ‪ 1939‬و هو مبحر على ظهر سفينة من بيروت إلى إيطاليا‪ ،‬و يعتبر نزار‬
‫مؤسس مدرسة شعرية و فكرية تناولت دواوينه األربعة األولى قصائد رومانسية و كان ديوان من نزار قباني‬
‫(‪)8‬‬
‫الصادر عام ‪1956‬م نقطة تحول في شعر نزار من شعر المرأة و الحب إلى شعر الوطن و السياسة‪.‬‬

‫و لنزار قباني عدّة مؤلفات شعرية جمعت كلّها في مجموعة األعمال الشعرية الكاملة‪ ،‬وله أيضا مؤلفات‬
‫نثرية‪ ،‬جمعت أيضا في األعمال النثرية الكاملة‪ ،‬و له أيضا ديوان شعر باللغة اإلسبانية «أشعار الحب العربية» و‬
‫هو عبارة عن مختارات انتقيت من جميع دواوينه‪ ،‬باإلضافة إلى القصائد التي ألقاها في مناسبات أدبية و‬
‫مؤتمرات ثقافية مختلفة خالل فترة وجوده في اسبانيا‪.‬‬

‫وقد تزوج نزار من "زهراء أقبيق" التي كانت ابنة لقاض من أقران سوريا معروفا بالورع و االستقامة‪،‬‬
‫و كان صديقا لوالده وقد أنجب منها ولد و بنت هما توفيق و هدباء‪ ،‬ثم تزوج مرة أخرى من العراقية بلقين‬
‫الراوي‪ ،‬و كان قد التقى بها عام ‪ 1962‬م ببغداد حين أقام أمسية شعرية و ارتبط بها سنة ‪1969‬م‪ ،‬و لقد أحبّها‬

‫(‪ )4‬سمر الضوئ‪ ،‬روائع نزار قباني‪ ،‬ط‪ ،3‬دار الروائع للنشر‪ ،2004 ،‬ص ‪.9-8‬‬
‫(‪ )5‬أحمد مهار‪ ،‬نزار قباني‪ ،‬محمود درويش‪ ،‬مقتطفات من حدائق الشعراء‪ ،‬دار البحار للطباعة و النشر و التوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫ص ‪.79-78‬‬
‫(‪ )6‬نبيلة بركان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫(‪ )7‬نفسه‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫(‪ )8‬مرسي حجازي‪ ،‬نزار قباني‪ ،‬شاعر المرأة و الوطن‪ ،‬دط‪ ،‬دار النفيس‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دت‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫نزار نظرا لما المسه منها من حب لإلنسان و الشاعرفية معا وقد كانت قارئة لكل ما يكتب‪ .‬وقد أنجب منها زينب‬
‫و عمر‪ ،‬و لكن بلقيس قتلت في بيروت‪ ،‬فما كان منه إالّ أن (رثاما بقصيدته الرائعة التي جمعت بين لوعة الحب‬
‫ودمعة الفراق و لمسة السياسة‪.‬‬

‫و بعد مقتل بلقيس ترك نزار بيروت و انتقل إلى باريس و جنيف حتى استقر به المطاف في لندن التي‬
‫تحصى بها األعوام الخمسة عشر األخيرة من حياته‪ ،‬حيث كان يكتب أشعاره ويثير المعارك و الجدل خاصة‬
‫قصائده السياسية خالل فترة التسعينات مثل «متى يعلنون وفاة العرب» و «المهرولون»‪.‬‬

‫وافته المنية في لندن يوم ‪ 30‬أفريل ‪ 1998‬عن عمر يناهز خمسة و سبعون سنة‪ ،‬قضى منها أكثر من‬
‫خمسين عاما في الحب و السياسة و الثورة‪ ،‬و شيعته الجماهير العربية بالدّم والدموع‪.‬‬

‫و بالرغم من ّ‬
‫أن نزار قباني تعتبره األغلبية شاعر الحب و شاعر المرأة بالخصوص ولكن نجد عكس‬
‫ذلك‪.‬‬

‫فحبّه للمرأة يعادل حبه للوطن‪ ،‬إذ يقول في أحد منتدياته «المرأة دائما حبيبتي و سوف تبقى دائما‬
‫(‪)9‬‬
‫حبيبتي‪ ،‬لكننّي أضفت إليها درة جديدة تدعى الوطن»‪.‬‬

‫( ‪)9‬‬
‫مجدي السيد عبد العزيز‪ ،‬نزار قباني شعره بين المواطنة و اإلبداع و أسرار الجمال‪ ،‬دار العالم العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1‬ص ‪.45‬‬
‫الفصل األول‬
‫جـذور الشعـر الـوطنـي السيـاسـي عنـد نـزار قبـانـي‪:‬‬

‫إذا بحثنا عن الجذور و تتبعنا البدايات الشعرية و انطالقة المد الوطني لدى نزار قباني وجدنا أن بذور‬
‫أن اإلرهاصات األولى للحس الوطني قد جاءته عن طريق‬ ‫الشعر الوطني عنده قد تم غرسها عام ‪1954‬م‪ ،‬و ّ‬
‫والده توفيق القباني «الحلواني» الذي فتح بيته للمقاومة الوطنية ضد الفرنسيين و كان منزله ملتقى للثوار‪ ،‬ثم جاء‬
‫التحاق نزار بمدرسة الحقوق و هي مصنع الساسة و المناضلين ثم عمله في السلك الدبلوماسي‪ ،‬فور تخرجه و‬
‫ارتباطه بشكل مباشر بالسياسة والسياسيين و لكن ك ّل ذلك لم يحرك ساكنا في نزار قباني‪ ،‬و لم يشكل عنده‬
‫الحافز الملح و ال الدافع القوي لكي يتجه إلى االشتغال بهموم السياسة كتابة و شعرا بشكل فعلي مباشر‪.‬‬

‫فالمالحظ من سيرة نزار قباني و من أشعاره أ ّنه لم يهجر مخدع المرأة‪ ،‬و لم يترك محرابها الذي وقف‬
‫على أبوابه متعبدًا و لم يتأخر عن الحديث عن جمالها و مفاتن جسدها ومرآتها و عطورها و مالبسها و ماكياجها‬
‫و أشياءها الصغيرة و الكبيرة‪ ،‬حتى لحظة استقالل سوريا و خروج المحتل الفرنسي‪ ،‬لم تلفت نظر نزار قباني و‬
‫لم تحرك فيه الحس السياسي‪ ،‬و لم تفجر الطاقات الوطنية الكامنة فيه‪.‬‬

‫التحوالت الكبرى في حياة نزار قباني ارتبطت ارتباطا مباشرا بنكسة ‪1967‬م‪ ،‬فلقد كانت حرب‬
‫ّ‬ ‫و لكن‬
‫هز وجدان‬ ‫حزيران و ما أسفرت عنه من واقع عسكري سياسي و اجتماعي و نفسي‪ ،‬كانت هي الزلزال الذي ّ‬
‫حوله بزاوية مقدار ‪ 180‬درجة نحو هموم الوطن و أحزان و آالم األمة العربية بأسرها‪ ،‬فاستغل‬‫نزار قباني و ّ‬
‫(‪)10‬‬
‫بالشعر الوطني و السياسي و كتب أروع قصائده و سجل أعظم إبداعاته‪.‬‬

‫و نحن هنا نؤكد أن نكسة ‪1967‬م هي اإلعصار السياسي أو الزلزال الكبير الذي اعتصر وجدان شاعرنا‬
‫حوله من شاعر الحب و الحنين إلى شاعر يكتب بال ّسكين‪ ،‬و هذا ما سنراه من خالل قصيدته «هوامش على‬ ‫و ّ‬
‫دفتر النكسة» و ذلك عندما أصدر منشوره السياسي الهام الذي أقام الدنيا و لم يقعدها في ذلك الوقت‪ ،‬و ال يؤثر‬
‫ذلك في بعض المحاوالت التي قدمها نزار في مجال القصيدة الوطنية اعتبارا من عام ‪1954‬م و إن كانت تلك‬
‫القصائد لم تشغل بال القارئ العربي و لم يتوقف أمامها الكثير‪ ،‬مثلما حدث مع قصائد نزار السياسة بعد النكسة‬
‫وكانت تلك القصائد الوطنية قبل ‪ 1967‬م تبدو باهتة باردة جافة خامدة ال تلمس فيها ذلك التوهج والبريق الموجود‬
‫في فتوحاته الغزلية و أشعاره العاطفية في المرأة التي تخصص فيها و توظف في بالطها‪.‬‬
‫(‪)11‬‬
‫فهذا دليل على أن نزار قباني يجمع في حديثه الطويل في أغلب شعره عن المرأة وحديثه عن الوطن‪.‬‬

‫فمن المالحظ أن األحداث السياسية الكبرى التي حفلت بها المنطقة العربية خالل فترة ما قبل ‪1967‬م و‬
‫التحوالت الوطنية سواء على المستوى اإلقليمي في سوريا أو القومي على مستوى الوطن العربي‪ ،‬لم تكن تشغل‬
‫مساحة مناسبة من اهتمامات نزار قباني لدرجة أن حدثا وطنيا كبيرا مثل استقالل سوريا عن االحتالل الفرنسي‪،‬‬
‫لم يحرك ساكنا عند نزار ق باني و لم يفكر في التعبير عنه و لو ببيت واحد من الشعر و مر الحدث مرور الكرام‪.‬‬

‫لذلك فقد ظل نزار محصورا في فلك الشعر النسائي و أعدّه النقاد و الكتّاب شاعر المرأة األول‪ ،‬لذلك فقد‬
‫تألم نزار كثيرا من هذا التوظيف األدبي‪ ،‬و نحن هنا نؤكد أن نكسة ‪1967‬م هي اإلعصار السياسي أو الزلزال‬
‫سكين كما أسلفنا القول‬‫حوله من شاعر الحب والحنين إلى شاعر يكتب بال ّ‬ ‫الكبير الذي هز وجدان شاعرنا ّ‬
‫هزا و ّ‬

‫(‪ )10‬أحمد تاج الدين‪ ،‬نزار قباني و الشعر السياسي‪ ،‬دار النصر للطباعة اإلسالمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫(‪ )11‬حبيبة محمدي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬موفم للنشر و التوزيع‪ ،‬دط‪ ،‬الجزائر‪ ،2001،‬ص‪.75‬‬
‫(‪)12‬‬
‫دويا هائال في ذلك الوقت و المس ّمى بقصيدة (هوامش على‬
‫الذي أحدث ّ‬ ‫و ذلك بإصدار منشور سياسي هام‪.‬‬
‫دفتر النكسة)‪.‬‬

‫و رغم هذه الحقيقة التي لم ينكرها أحد من النقاد و يعترف بها نزار نفسه‪ ،‬إالّ أنه راح يصرخ في وجه‬
‫القراء و النقاد بأن يخرجوه من ذلك النطاق الضّيق الذي حصروه فيه و هو «شاعر المرأة» و يقول لهم هل من‬ ‫ّ‬
‫صحافة العربية أي‬ ‫الممكن إكراما لك ّل األنبياء أن تخرجوني من هذه القارورة الضّيقة التي وضعتني فيها ال ّ‬
‫أن من زمان مستقيل من عملي كحارس ليلي على باب‬ ‫قارورة الحب و المرأة‪ ،‬و يستطرد نزار قائال‪ :‬يا جماعة ّ‬
‫(‪)13‬‬
‫ي أن أقابل حبيبتي إالّ في أيام اإلجازات‪.‬‬
‫المرأة أنا اآلن أؤدي خدمتي العسكرية للوطن و ممنوع عل ّ‬
‫إنّه يعلن بكل صراحة أ ّنه كشاعر يؤدي خدمة العلم و مجند ألداء الخدمة العسكرية للوطن و هو في‬
‫معسكر الواجب الوطني و محظور عليه كل الممارسات السابقة حتى لقاء حبيبته غير مسموح به إال في يوم‬
‫اإلجازة هذا اإلعالن وج ّهه الشاعر إلى الشعراء و النقاد عام ‪1975‬م أي بعد مرور ثماني سنوات على كتابة‬
‫قصيدته الخطيرة «حزيران ‪.»1967‬‬

‫أن الشاعر احترف الشعر السياسي‪ ،‬و صحيح‬ ‫أن الشاعر أدرك أهمية دوره الوطني‪ ،‬و صحيح ّ‬ ‫صحيح ّ‬
‫(‪)14‬‬
‫أنّه جنّد نفسه ألداء الخدمة الوطنية‪ ،‬و لكن ّ‬
‫صرح بنفسه أنه مسموح له بلقاء الحبيبة في أيام اإلجازات‪.‬‬

‫يقول نزار في بدايات عالقاته بهموم الوطن كانت معركة المقاومة ضد االنتداب الفرنسي تمتد من‬
‫سورية إلى المدن و األحياء الشعبية و كان حي الشاغور ‪-‬حيث كنا نسكن‪ -‬معقال من معاقل الوطن و‬
‫األرياف ال ّ‬
‫المقاومة‪.‬‬

‫كان غضبهم علي عظيما‪ ،‬ألنني تجرأت بعد هزيمة حزيران ‪1967‬م أن أبكي على وطني‪ ...‬حتى‬
‫دموعي الحزيرانية رفضوها‪ ...‬فمن يبكي عل ى صدر حبيبته ال يحق له أن يبكي على صدر وطنه‪ ...‬و من‬
‫يمارس العشق ال يحق له أن يمارس الثورة إن مثل هذا الكالم االنفعالي المغلق بالطهارة الثورية إالّ من ثقب‬
‫ضيق و أنه يفرغها من شموليتها و أبعادها اإلنسانية ليجسمها في زجاجة ضيقة العنق‪ ،‬و يحول الثائرين إلى‬
‫(‪)15‬‬
‫كائنات غيبية منفصلة عن لحمها‪ ،‬و دمها‪ ،‬و ارتباطاتها األرضية‪.‬‬

‫أن قصيدة نزار الوطنية المتمثلة في «هوامش على دفتر النكسة» هي التي أوقدت نار‬‫و من هنا نستنتج ّ‬
‫نزار من أجل التوازن على الواقع المهزوم‪ ،‬و تحريض أمراء النفط و أثرياء العرب‪ ...‬على الساسة و‬
‫المستعمرين حت ى تتربع األحداث‪ ،‬و من خاللها نتوصل إلى محطة أعلن فيها مرارا ثورته على العرب و‬
‫تحولت القصيدة في أغلب األحيان هجاء مقذحا للعرب و العروبة‪ .‬كما‬ ‫العروبة‪ ،‬و تنكره لقيّمها و مفاخرها حيث ّ‬
‫حركت ما عجزت تحريكه من‬ ‫أن هزيمة حزيران أوقدت نار و مراحل الثورة في نفسية «نزار» و شعره‪ ،‬و ّ‬ ‫ّ‬
‫قبل‪ ،‬لقد انفجر الشعر الوطني و السياسي على لسان شاعرنا ِح َم ًما مقاتلة تؤكد وطنيته المخبوءة و صدق غيرته‬
‫على األمة العربية و مقداراتها و أهم عامال نفسي أذكى نار «نزار» ثورة و غضبًا هو وفاة زوجته «بلقيس»‬
‫التي كانت واحة حياته و ميالده‪ ،‬و هويته و أقالمه‪ ،‬فكتب قصيدة رثاها فيها أسماها «بلقيس» كتبها نزار بحبر‬
‫(‪)16‬‬
‫القلب و دموع الحزن الكبير و بأبيات مشحونة بالحب و الحزن والثورة‪.‬‬

‫(‪)12‬‬
‫أحمد تاج الدين‪ ،‬نزار قباني و الشعر السياسي‪ ،‬دار النصر للطباعة اإلسالمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫(‪ )13‬حبيبة محمدي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬موفم للنشر و التوزيع‪ ،‬دط‪ ،‬الجـزائـر‪ ،2001 ،‬ص ‪.78-77‬‬
‫(‪ )14‬أحمد تاج الدين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬دار النصر للطباعة اإلسالمية‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫(‪ )15‬أحمد تاج الدين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.172‬‬
‫(‪ )16‬ينظر‪ ،‬ص ‪.144‬‬
‫فنقول ّ‬
‫أن نزار أحب وطنه و مات من أجل وطنيته‪ ،‬فقال شعرا وطنيا سواء أحبّه الجمهور أم لم يحبّه‪،‬‬
‫سواء آمن به أم لم يؤمن به‪ ،‬المهم أنّه شعر شعرا وطنيا من عمق أعماقه‪.‬‬

‫هكذا كانت بيئة نزار بيئة تشتعل بنيران الثورة و النضال و المقاومة ضد االستعمار الفرنسي‪.‬‬

‫و من هنا نستطيع القول أن نزار نشأ في بيئة عربية و وطنية و هي منطقة تعتبر مصنعا للحركة‬
‫الوطنية‪ ،‬و في بيت كان كعبة يطوف حولها الزعماء و القادة و من صلب رجل كان من هؤالء الزعماء و‬
‫المناضلين البارزين و هو أباه‪ ،‬الذي كما ذكرنا سالفا أنه يعتبر من بين اإلرهاصات األولى الذي مدّ نزار بهذا‬
‫الحس الوطني‪ ،‬و يظهر اهتمام نزار بافتخاره بوطنية أبيه و نشأته في تلك البيئة التي نطق أول كلماته الشعرية‬
‫في أجوائها السياسية‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن القول بعدم اكتراث نزار بالهموم الوطنية و القضايا السياسية منذ ميالده كشاعر حتى عام النكسة‪ ،‬وقد‬
‫يكون بعض الظلم لنزار قبل البحث في بطون دواوينه‪ .‬فعلى سبيل المثال إذا تأملنا ديوانه الشعري األول «قالت‬
‫سمراء» و الذي يحتوي على «ثمانية و عشرون» قصيدة تدور حول المرأة و الغزل‪ ،‬نجد أنّه يتطرق إلى‬ ‫في ال ّ‬
‫ذكر الوطن في بعض المواضيع و إن كانت هذه المواضيع الوطنية قد جاءت على استحياء مثل قصيدة «ورقة‬
‫إلى القارئ» التي يقول فيها‪:‬‬

‫أنـا لبـالدي‪ ...‬لنجماتها‬

‫لغيماتها للشذى‪ ...‬للنـدى‬

‫سفحت قوارير لوني نُهورا‬


‫(‪)17‬‬
‫على وطني األخضر المفتدى‬

‫و كان من المفترض و المنطقي أن يشمل هذا الديوان على العديد من القصائد الوطنية التي تنسجم مع‬
‫افتخار نزار بوطنية الحي الذي ولد و نشأ فيه و ما شاهده فيه من ألوان مقاومة االحتالل الفرنسي و كذلك مع‬
‫افتخاره بوطنية أبيه الذي جعل بيته مقرا لألحرار و حصنا للثورة‪.‬‬

‫فإذا أرصدنا ديوانه الشعري الثاني الشهير «طفولة فهد» و الذي انتهى منه نزار قباني بعد تحرير‬
‫سورية من االحتالل الفرنسي بعام واحد و بعد أن تخرج نزار من كلية الحقوق والتحاقه بالعمل السياسي و‬
‫أن هذا الديوان قد احتوى على قصيدة أطلق على واحدة اسم «بالدي» تحدث فيها عن خيرات‬ ‫الدبلوماسي‪ ،‬نجد ّ‬
‫بالده مفتخرا بها معددا حسناتها قائال‪:‬‬

‫جبالنا مروحة‬

‫للشرق‪ ...‬غرقى لينه‬

‫توزع الخير على الدنيا‬

‫ذرانا المحسنة‬

‫يطيب للعصفور أن‬

‫(‪ )17‬نفسه‪ ،‬ص ‪.14‬‬


‫يبنى لدينا مسكنه‬

‫و يغزل الصفصاف في حضن أشواقي موطنه‬

‫حدودنا بالياسمين‬

‫و هي إن كانت قصيدة وطنية لفظا و أسلوبا و عنوانا فهي على صعيد اللغة منبثقة من معجمه الغزلي‪ ،‬و‬
‫على صعيد الصورة ال تختلف عن ألبوم صوره و على صعيد المضمون ال تترجم أي موقف سياسي أو انشغال‬
‫سدها في شكل قصائد فيها نوع من الذكورة ّ و لكنه في‬ ‫بأية قضية وطنية‪ ،‬و إنّما إحساسه و شهوته و شعوره ج ّ‬
‫(‪)18‬‬
‫حقيقة أمره يرمز لها برمز المرأة أي تجسيد الوطن في شكل أنوثة‪.‬‬

‫و في قصيدة أخرى بعنوان «اسمها» يقول و هو يلمح إلى الوطن‪:‬‬


‫كقطيع من المواويل ّ‬
‫حطت‬

‫في ذرى موطني األنيق األنيق‬

‫اسمها نكضة النبيذ بأعصابي‬

‫ي عروقي‬
‫و زحف السرور ط ّ‬
‫و في القصيدة الثالثة «حبيبة وشتاء» يرقى بهذا الحب إلى الحبيبة الكبرى سورية فيقول‪:‬‬

‫أحبّك في مراهقة الدوالي‬

‫و فيما يضمر الكرم الرضيع‬

‫و في نزع الغمائم في بالدي‬

‫و في النجمات في وطني تضيع‬

‫و في القصيدة الرابعة «إلى مصطاقة» يربط بين الوطن و المحبوبة فيقول‪:‬‬

‫ألغزل غيم بالدي شريط‬

‫يلّف جدائله الراعدة‬

‫ألغسل رجليك يا طفلتي‬

‫بماء ينابيعها الباردة‬

‫تلك هي المواطن األربعة التي تحدث فيها نزار عن الوطن و غيرها و اعتبرها اإلرهاصات األولى للشعر‬
‫السياسي عنده بل بعضهم يقول «نالحظ منذ الورقة األولى ّ‬
‫أن الشاعر لم يغفل عن الخط الوطني»‪.‬‬

‫(‪ )18‬أحمد تاج الدين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬دار النصر للطباعة اإلسالمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫بالرغم من ذلك فهذا القول نجد فيه نوع من المبالغة‪ ،‬حيث جاء ذكره لبالده و وطنه مفرغا من أية داللة‬
‫سياسية أو بعد وطني‪ ،‬فاكتشفنا هنا أن شاعرنا مسكون بهموم أخرى غير هموم الوطن‪ ،‬إنها هموم الجنس و‬
‫(‪)19‬‬
‫الشهوة التي يجسدها هذا الديوان‪.‬‬

‫أن هموم‬‫و إذا كانت نكبة فلسطين لها خصوصية لدى نزار قباني و اهتمام متميز‪ ،‬فإنّه ال يخفي على أحد ّ‬
‫فلسطين بدأت منذ النكبة‪ ،‬و هذا ما أدّى بالكثير من الشعراء في قول الشعر عن هذه المدينة بخصوص نكبتها و‬
‫منهم‪« :‬إبراهيم طوقان» ‪ « ،‬برهان الدين العبوسي» وغيرهم‪ ،‬و لكن شعراء لم يبلغوا شيئا من الذي بلغه نزار‬
‫(‪)20‬‬
‫شعرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫شعورا و‬
‫ً‬ ‫سا و أدا ًء‬
‫من الشهرة و الذيوع بالرغم من حضورهم على مستوى الحدث قلبا و قالبا حؤ ً‬
‫أ ّما ما كتبه نزار قباني من قصاصات في الوطن فأدى بنا هذا إلى أن نفرق فيها بين «الوطنية» و‬
‫«المواطنة»‪.‬‬

‫سكن و اإلقامة‪ ،‬و ما كتبه نزار هو نوع‬


‫«فالوطنية» هي الشعور الوطني أ ّما «المواطنة» فهي الشعور بال ّ‬
‫من المواطنة من حيث الحديث عن البلد و الوطن و التغزل في ربوعه وسمائه و نجومه و نسيمه و أشجاره‪ ،‬و‬
‫(‪)21‬‬
‫هذا يختلف عن الشاعر المسكون بهموم الوطن و آماله و آالمه‪.‬‬

‫بأن جذور المد الشعري الوطني عند نزار بدأت منذ أوائل الخمسينات أي قبل النكسة‬ ‫و رغم قولنا ّ‬
‫أن النكسة هي المحرك األول لشعر نزار السياسي و هي الحدث األكبر الذي ّ‬
‫هز‬ ‫بحوالي عشرين عاما‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أعماقه هزا و أفرز لنا شاعرا من نوع آخر خرج من بوتقة المحن وانصهر مع نار الويالت‪.‬‬

‫و لكن يجب أن نتوقف إلى أربعة قصائد هامة شكلت الحس الوطني عند نزار و بلورته بشكل يستحق‬
‫االشارة و منها‪( :‬عندنا‪ -‬إلى عينين شماليتين‪ -‬القميص‪ -‬األبيض‪ -‬عودة التنورة المزركشة)‪ ،‬دون أن تحمل هذه‬
‫القصائد أي داللة سياسية أو مضمون وطني تكاد تكون متسقة مع سياق تلك القصائد العاطفية الغزلية و نعتبرها‬
‫نوعا من الغزل الوطني إن صح الت عبير أوالتغني بالبالد عوضا عن التغني بالمحبوبة‪ ...‬وقد تعودنا من الشعراء‬
‫العرب في سوريا ولبنان و بالد الشام أن يتغنوا بالمدن و البالد مثلما يتغنى اللبنانيون كثيرا بلبنان أو بيروت‬
‫(‪)22‬‬
‫بقصائد هي أقرب ما تكون إلى القصائد الغنائية العاطفية‪.‬‬

‫و لكن إذا تأملنا بصما ت الشاعر في قصائده المختلفة نستطيع القول أنه كان اشتراكيا ينحاز إلى الطبقة‬
‫الشعبية من عمال و فالحين و مواطنين فقراء بسطاء و انه كان ليبراليا يدافع عن الحريات الخاصة و العامة و‬
‫يقف في وجه الطغاة و المستبدين و ضد كل وسائل القمع والتعذيب و التنكيل بالمواطنين‪ ،‬و أنّه كان قوميا عاش‬
‫و مات من أجل الحلم القومي الكبير مدافعا عن القضايا القومية و أنه كان وحدويا يضع الوحدة العربية الكبرى‬
‫نصب عينيه‪ ،‬و يرى فيها الحل األمثل ألزمة العرب و يرى أنها نتيجة و ضرورة حتمية لكل العرب‪ ،‬و من أجل‬
‫ذلك حارب كل دعاة الطائفية و االنفصال و التقوقع و تقسيم الوطن العربي كانتونات صغيرة يسهل على األعداء‬
‫التهامها‪.‬‬

‫فلقد كان إيمان نزار قويا بالوحدة العربية و هي الواجهة الحقيقية و الترجمة األمنية للحلم العربي و‬
‫القومية العربية التي تتجسد من خاللها على األماني القومية‪ ،‬و يعتبر الوحدة العربية هي السبيل الوحيد الستعادة‬
‫الكرامة و القوة و المجد و االنتصار‪ ،‬و بالتالي فإن إنكار الوحدة سبب لكل الهزائم إذ يقول‪:‬‬

‫(‪ )19‬نفسه‪ ،‬ص ‪.15‬‬


‫(‪ )20‬صالح األشتر‪ ،‬مأساة فلسطين و أثرها في الشعر العربي المعاصر‪،‬مطبعة جامعة دمشق‪ ،1961،‬ص‪.8-7‬‬
‫(‪ )21‬أحمد تاج الدين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬دار النصر للطباعة اإلسالمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.18-17‬‬
‫(‪ )22‬صالح األشتر‪ ،‬مأساة فلسطين و أثرها في الشعر العربي المعاصر‪،‬مطبعة جامعة دمشق‪ ،1961،‬ص‪.11-10‬‬
‫لو أنّنا لم ندفن الوحدة في التراب‬

‫لو لم نمزق جسمها الطري بال َحراب‬

‫لو بقيت في داخل العيون و األهداب‬

‫لما استباحت لحمنا الكالب‬


‫فنزار رغم أنه جال و جال العالم‪ ،‬و احتك بمختلف الثقافات إالّ ّ‬
‫أن جذوره الضاربة لم تنسيه أصول فن‬
‫سير على منواله‪.‬‬
‫الشعر العربي و ال ّ‬
‫نزار عاش البعد و الحنين‪ ،‬و عاش الحب و الحرب و الحزن و األلم و مثل هذه الظروف تجعل من‬
‫صورة الراهنة لكل فترة‬
‫صاحبنا يخوض في مختلف االتجاهات الشعرية و االنفعاالت الوجدانية حتى يكون في ال ّ‬
‫مر بها هو و الشعب العربي‪ ،‬فرغم بعده عن وطنه و نزار كان حاضرا دائما في كل لحظة من‬ ‫من الفترات التي ّ‬
‫لحظات القضايا العربية‪ ،‬كلّها لبست وجوده رغم غيابه و بعده عنها و كما عاش الحنين إلى الوطن عاش أيضا‬
‫الجمود الفكري الذي أص اب مجتمعه و الحرية المقيدة التي ال تسمح لهم حتى التعبير عن الحب الذي يفتقد‬
‫(‪)23‬‬
‫المجتمع العربي بجميع أنواعه‪.‬‬

‫و لكن رغم ذلك كان إيمان نزار قويا بالوحدة العربية و هي الواجهة الحقيقية و الترجمة األمينة للحلم‬
‫العربي و القومية العربية‪ ،‬و تعتبر الوحدة العربية هي السبيل الوحيد الستعادة الكرامة و القوة و المجد و‬
‫أن نزار كان قوميا عاشا‬ ‫االنتصار‪ ،‬و بذلك فإن إنكار الوحدة سببه لكل الهزائم و منها هزيمة ‪ ،1967‬و ال ننسى ّ‬
‫و مات من أجل الحلم القومي الكبير مدافعا عن القضايا القومية‪ ،‬و هذا على ماذا يدل؟ حقا يدل على ّ‬
‫أن نزار لوال‬
‫(‪)24‬‬
‫حبه لوطنه و ألمته لما أدى به كل هذا في سبيل هذا الوطن قال شعرا وطنيا في قمته‪.‬‬

‫القـوميـة العـربيـة فـي شعـر نـزار قبـانـي‪:‬‬


‫الوحدة العربية هي تالحم القوى النضالية و ترابط الجماهير العربية و وقوفها صفا واحدا في وجه كل‬
‫القوى المعادية‪ ،‬لذلك فقد ألم نزار ذلك التمزق الذي قضى على الوحدة العربية المأمولة و بدال من أن يزداد‬
‫العرب اقترابا و اتحادا‪ ..‬ازدادوا تمزقا و شتاتا‪.‬‬

‫و أين هو الشارع العربي‬

‫الذي كان يمضغ لحم الطغاة‬

‫و يخترع العاصفة‬

‫و كيف خرجنا من الحلم الوحدوي الكبير‬

‫(‪ )23‬خر ستو نجم‪ ،‬النرجسية في أدب نزار قباني‪ ،‬دار الرائد العربي‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬لبنان‪1983 ،‬م‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫(‪ )24‬ينظر‪ :‬نفسه‪.‬‬
‫لندخل ثقبا صغيرا‪.‬‬

‫و في قصيدة «قرص األسبرين» التي كتبها في بيروت حين كان يجلس نزار مع نفسه يستعرض حجم‬
‫المأساة‪ ..‬و حجم الخديعة و حجم الوهم الذي عاشت فيه سنوات عمره و عاش معه الجماهير العربية تحلم بالوطن‬
‫العربي الكبير‪ ،‬الذي تحول إلى تجمعات ثم أقطار مستقلة منفصلة ثم تحول الوطن الواحد إلى كردونات صغيرة‬
‫تمزقها الطائفية لدرجة أن الشاعر يخجل من هذا الوطن الضئيل‪ ..‬الحقير‪ ..‬الصغير‪ ..‬المهان الحيران‪ -‬الخائف‬
‫مثل الفأر المذعور‪ ،‬المهزوم مثل السيف المكسور و الضائع بين أمجاد الماضي و مهانة اليوم حتى أصبح هشا‬
‫(‪)25‬‬
‫ال يسهل ابتالعه كقرص األسبرين‪.‬‬

‫ليس هذا وطني‬

‫ال‬

‫ليس هذا الوطن المربع الخانات كالشطرنج‬

‫و القابع مثل نملة في أسفل الخريطة‬

‫هو الذي قال لنا مدرس التاريخ في شبابنا‬

‫بأنه موطننا الكبير‬

‫فالوطن هنا ينكره التاريخ مثلما أنكرته الجغرافيا‬

‫ال‬

‫ليس هذا الوطن المصنوع من عشرين كانتونا‬

‫و من عشرين دكانا‬

‫و من عشرين صرفا‬

‫و حالفا‬

‫و شرطيا‬

‫و طباال‪ ..‬و راقصة‬

‫يسمى وطني الكبير‬

‫و هذا الوطن بحكم عوامل التأقلم‪ ،‬و التشرذم و التقزم أصبح فرقا و شرائح و دكاكين‪ ،‬احتل كل قطعة‬
‫منه حاكم بأمره يتصرف على هواه دون الرجوع إلى عقل أو برلمان أو قاعدة شعبية أو حتى إلى حنكة شخصية‪.‬‬

‫ال‬

‫ليس هذا الوطن المحكوم من عشرين مجنونا‬

‫(‪ )25‬نزار قباني‪ ،‬األعمال الشعرية الكاملة‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.58-57‬‬


‫و من عشرين سلطانا‬

‫و من عشرين سبحانا‬

‫يسمى وطني الكبير‬

‫و الوطن ليس هو الجغرافيا فقط‪ ...‬ليس هو المعنى األطلسي للمكان بل هو مرتبط مع المواطن ذلك‬
‫(‪)26‬‬
‫اإلنسان الذي طحنته األحداث و حركته برحاها فامتأل بكل األمراض التي تسمى عادة مخلفات الحرب‪.‬‬

‫ال‬

‫ليس هذا الوطن السائي و الفاشي‬

‫و الشحاذ‪....‬و النفطي‬

‫و الفنان‪ ...‬و األمي‬

‫و الثوري‪ ...‬و الرجعي‬

‫صوفي‪ ...‬و الجنسي‬


‫و ال ّ‬
‫و الشيطان‪ ...‬و النبّي‬

‫و الفقيه و الحكيم و اإلمام‪.‬‬

‫هو الذي كان لنا في سالف األيام‬

‫حديقة األحالم‬

‫و ينظر نزار من حوله إلى وطنه فيراه كاألبله المعتو‪:‬‬

‫ال‬

‫ليس هذا األبله المعاق‪ ...‬و المرقع الثياب‬

‫و المجذوب و المغلوب‬

‫صرف‬
‫و المشغول في النحو و في ال ّ‬
‫و في قراءة الفنجان و التعبير‬

‫ال‬

‫ليس هذا وطني الكبير‬

‫فكل هذه األمراض من جهل و سلبية و خرافات أدت إلى هزيمة الوطن و هزيمة الشعب‪:‬‬

‫(‪ )26‬أحمد تاج الدين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬دار النصر للطباعة اإلسالمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.63-62‬‬
‫ال ليس هذا الوطن المنكس األعالم‬

‫و الغارق في مستنقع الكالم‬

‫و الحافي على سطح من الكبريت و القصدير‬

‫ال‬

‫ليس هذا الرجل المنقول في سيارة اإلسعاف‬

‫و المحفوظ في ثالجة األموات‬

‫و المعطل اإلحساس و الضمير‬

‫ال‬

‫ليس هذا وطني الكبير‬

‫هذا الوطن الكبير أصبح صغيرا جدا مثل علبة السردين‪ ...‬مثل حبة أسبرين هان على أهله فكان على‬
‫(‪)27‬‬
‫الناس أهون‪.‬‬

‫يا وطني‬

‫يا أيها الضائع في الزمان و المكان‬

‫و الباحث في منازل العربان‬

‫عن سقف و عن سرير‬

‫لقد كبرنا و اكتشفنا لعبة التزوير‬

‫فالوطن المن أجله مات صالح الدين‬

‫يأكله الجائع في سهولة‬

‫كعلبة السردين‬

‫و الوطن المن أجله قد غنت الخيول في حطين‬

‫يبلعه اإلنسان في سهولة‬

‫كقرص أسبرين‬

‫وقد ظل إحساس نزار بفقدان الوطن و الشعور بعدم التمتع بحق المواطنة يلح عليه خاصة أبناء فلسطين‬
‫الذين فقدوا الهوية و فقدوا الوطن‪.‬‬

‫إن النملة تملك وطن‬

‫(‪ )27‬أحمد تاج الدين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.64‬‬


‫إن الدودة تملك وطنا‬

‫إن الضفدع يملك وطنا‬

‫إن الفأرة تملك وطنا‬

‫إن األرنب يملك وطنا‬

‫صرصار‬
‫و السحلية و ال ّ‬
‫و أنا ما ملكني أحد وطنا‬

‫و لذا أسكن يا سيدتي‬

‫وطنا باإليجار‬

‫فهو غريب في الوطن حتى يشعر أنه يسكن وطنا باإليجار‪...‬و كلّما قام العربي بتشييد وطن و إعماره جاء‬
‫المغتصب المحتل سكن فيه و التهم خيراته و طرد أهله‪.‬‬

‫كل نهار‬

‫أبني وطنا أسكن فيه‬

‫فتجرفه األمطار‬

‫و رغم سفر اآلالم و جبل المآسي و قاموس الهزائم و االنكسارات و التمزقات العربية ظ ّل نزار مؤمنا‬
‫فإن الحلم القومي و إن كان مجرد‬‫آلخر لحظة في عمره و آخر قطرة في دمه بأن الوحدة العربية آتية ال محالة‪ّ ،‬‬
‫(‪)28‬‬
‫حلم فإن األحالم يمكن أن تتحقق مازلت برغم صراع األخوة أخترع األحالم‪.‬‬

‫و نزار يميل إلى التعبير عن معاناة الشعب بطموح إنساني‪ ،‬مهيبا به للنهوض إلى الهموم الكبرى و التخلي‬
‫عن خموله‪ ،‬و خلوده إلى نوع من الحياة الفاقدة لكل معنى المتجاورة عن كل مطمح من مطامح اإلنسان‪.‬‬

‫وقد أبرز ذلك من خالل قصيدته (خبز و ح شيش و قمر) إذ أن رؤية القمر عند قومه تبث فيهم نشوة‬
‫المخدر‪ ،‬و هم في حالة استسالم كاملة لهذا المخدر الطبيعي إذ يقول فيها‪:‬‬

‫عندما يولد في الشرق القمر‬

‫فالسطوح البيض تقفز‬

‫(‪ )28‬أحمد تاج الدين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.64‬‬


‫يترك الناس الحوانيت و يمضون زمر‬

‫لمالقاة القمر‬

‫يحملون الخبز‪...‬و الحاكي‪ ...‬إلى رأس الجبال‬

‫و معدات الخدر‬

‫و يبيعون و يشترون خيال‬

‫و صور‬

‫و المقطع الموالي يصور لنا قوة و سحر القمر الذي يصيب البسطاء السذج‪ ،‬فيضيع كبرياءهم فيصبحون‬
‫كسالى متخاذلين يستجدون السماء‪ ،‬و يوكلون شؤونهم ألمر القضاء والقدر‪ ،‬بزيارة األولياء كما يصور حياة‬
‫الناس في ظل ظلمة الجهل و الغفلة‪ ،‬و يشير إلى حالة البؤس والحاجة التي يتخبطون فيها‪ ،‬و هم يبحثون عن‬
‫بطوالتهم و أمجادهم الخوالي‪.‬‬

‫ما الذي يفعله قرص ضياء؟‬

‫ببالدي‬

‫ببالد األنبياء‬

‫و بالد البسطاء‬

‫ما الذي يفعله فينا العمر؟ فنضيع الكبرياء‬

‫و نعيش لنستجدي السماء‬

‫كسالى‪...‬ضعفاء‬

‫يهزون قبور األولياء‬

‫و يمدون السجاجيد األنيقات الطرر‪.‬‬

‫يتسلون بأفيون نسيمه قدر‬

‫و قضاء‬

‫في بالدي يحيا الناس من دون عيون‬

‫حيث يبكي الساذجون‬

‫و يصلون و يزنون‬

‫و يحيون أنكال‬

‫منذ أن كانوا يعيشون أنكال‬


‫و ينادون الهالل‪ :‬أيها المنبع الذي يمطر ماس‬

‫و حشيش و نعاس‬

‫أيها الرب الخامي المعلق المعلق‬

‫أيها الشيء الذي ليس يصدق‬

‫دمت لشرق‪...‬لنا‬

‫عقود ماس‬

‫للماليين التي قد عطلت فيها الحواس‬

‫فالماليين التي تركض من غير نعال‬

‫و التي تؤمن في أربع زوجات‬

‫و في يوم القيامة‬
‫(‪)29‬‬
‫الماليين التي ال تلتقي بالخبز إالّ في الخيال‬

‫حولت نزار «قضية فلسطين» من شاعر يكتب بالحرير إلى شاعر يكتب بالنار‪ ،‬فالمالحظ على‬ ‫كما ّ‬
‫قصائده األخيرة أنها صارت حارقة و جارحة « فلقد أصبح شاعرنا يحفر بأظافره‪ ،‬و صار سلوكه كسلوك أرنب‬
‫بري كما نسي في هذه القصائد مهنة الدبلوماسية التي زاولها عشرين عاما و قرر أن يكون مباشرا كطلقة‬
‫مسدس(‪ )30‬فما السبب الذي دفع «نزار» إلى التخلي عن مداعبة األوراق بالحرير و حمل أداة النار و السكين!؟‬

‫إن وطننا احترقت فيه ظلما‪ ،‬و تفحمت فيه كل معاني األنفة و الكرامة و الكبرياء‪ ،‬ودمرت فيه كل األشياء‬
‫الجميالت‪ ،‬و حل محلها الخراب و الغدر و الخيانة و الجبن‪ ،‬فمن أين لنزار أن يكتب بلغة رقيقة؟ و من أين له أن‬
‫(‪)31‬‬
‫يلتقط مشاهد جميلة و صادقة في الوقت نفسه‪ ،‬بينما كل ما يحيط به غاية بالبشاعة؟!‬

‫و تستهل أولى نماذج كتابات نزار الثائرة بقصيدة (راشيل ستوانزنبرغ)‪ ،‬و التي يصور فيها شاعرنا كيف‬
‫وطأت أقدام اليهود أرض فلسطين المقدسة‪ ،‬كما يصف لنا حالة العفن و الدنس و القذارة التي كانت عليها حالهم‪،‬‬
‫و هو في هذه القصيدة‪ ،‬يعلن الثورة على الذي كان له ضلع في ضياع فلسطين‪ ،‬إذ انه يخاطب الصغار و يخبرهم‬
‫بما اقترفه أجدادهم من خطايا و ذلك حتى يحثهم على استرداد ما أضاعه أسالفهم‪ ،‬و نظرا ألن القصيدة في‬
‫أبياتها تسرد لنا أحداثا تار يخية دقيقة‪ ،‬و تبث لنا في كل بيت و في كل مقطع صورة جديدة عن بشاعة هذا الحدث‬
‫التاريخي المفجع‪ ،‬فإننا لم نستطع أن نحذف أي بيت حتى ال تختل الصورة التي نقلها الشاعر بكل دقة‬
‫وموضوعية‪.‬‬

‫في الجزء األول من القصيدة يعلن «نزار» منذ البداية ّ‬


‫أن الكالم موجه للصغار‪ ،‬ألنهم أمل المستقبل‪ ،‬و‬
‫ألنهم يمثلون البراءة‪ ،‬و ألن عقولهم ما زالت نية طاهرة‪ ،‬يمكن أن تفهم و تستوعب حقيقة وجع فلسطين‪.‬‬

‫(‪ )29‬نزار قباني‪ ،‬األعمال السياسية الكاملة‪ ،‬منشورات نزار قباني‪ ،‬بيروت‪ ،1986 ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.17 ،16 ،15‬‬
‫(‪ )30‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.23 ،22 ،21‬‬
‫(‪ )31‬نزار قباني‪ ،‬ديوان هل تسمعين صهيل أحزاني‪ ،‬منشورات نزار قباني‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1998 ،4‬ص ‪.24‬‬
‫أكتب للصغار‬

‫للعرب الصغار حيث يوجدون‬

‫لهــم‬

‫على اختالف اللون‬

‫و األعمار و العيون‬

‫أكتب للذين سوف يولدون‬

‫لهم أنا أكتب‬

‫للصغار‬
‫(‪)32‬‬
‫ألعين يركض في أحداقها النهار‬

‫أ ّما في المقطع الموالي يسرد وقائع تاريخية عن الحملة اليهودية الموجهة إلى األراضي العربية‪ ،‬كما‬
‫يصف حال اليهود المشتتين و المنبوذين في أوروبا قبل نهاية الحرب العالمية الثانية‪ ،‬و يكشف عن مأمرة كل من‬
‫فرنسا و بريطانيا و الواليات المتحدة األمريكية و ا التحاد السوفياتي (سابقا) على العرب و كيفية تخلصهم من‬
‫(‪)33‬‬
‫اليهود و دسهم في جسد الوطن العربي‪.‬‬

‫أكتب باختصار قصة إرهابية مجندة‬

‫يدعونها (راشيل)‬

‫قضيت سنين الحرب في زنزانة منفردة‬

‫سدها األلمان في براغ‬

‫كان أبوها قذرا من أقذار اليهود‬

‫يزور النقود‬

‫و هي تدير منزال للفحش في براغ‬

‫يقصده الجنود‬

‫و آلت الحرب إلى الختام‬

‫و أعلن السالم‬

‫و وقع الكبار‬

‫أربعة يلقبون نفسهم كبار‬

‫(‪ )32‬نزار قباني‪ ،‬ديوان هل تسمعين صهيل أحزاني‪ ،‬ص ‪.28 ،27‬‬
‫(‪ )33‬نفسه‪ ،‬ص‪.29 ،‬‬
‫صك وجود األمم المتحدة‬

‫و أبحرت من شرق أوروبا‬

‫مع الصباح‬

‫سفينة تلعنها الرياح‬

‫وجهتها الجنوب‬

‫تغص بالجرذان و الطاعون‪ ،‬و اليهود‬

‫كانوا خليطا من سقاطة الشعوب‬

‫من أرض بولندا‬

‫من النمسا‬
‫(‪)34‬‬
‫من اسطمبول‬
‫كما ذكرنا سابقا ّ‬
‫أن من أهم قصائد نزار السياسة هي قصيدة (هوامش على دفتر النكسة)‪ ،‬التي قد تنبأ إليه ‪-‬‬
‫قبل نشر القصيدة‪ -‬بما سنتلقاه من معارضة‪.‬‬

‫و هذا الحوار يبين لنا صدق تنبأ شاعرنا‪...«:‬حين جاء «سهيل إدريس» إلى مكتبي ذات صباح و قرأت له‬
‫القصيدة صرخ كطائر ينزف‪..‬أنشرها‪...‬قلت لسهيل»‪.‬‬

‫« إن القصيدة من نوع العبوات الناسفة التي قد تحرق مجلته‪ ،‬أو تعرضها لإلغالق أوالمصادرة‪ ..‬و أني ال‬
‫ي «سهيل» بعينين حزينتين تجمعت فيهما كل أمطار الدنيا‬ ‫أريد أن أورطه و أكون سببا في تدمير المجلة‪ ..‬نظر إل ّ‬
‫صدق الكبير‪ «:‬إذا كان حزيران قد د ّمر‬
‫و كل أشجار الخريف المنكسرة‪ ،‬و قال بنظرة يمتزح فيها األلم الكبير بال ّ‬
‫كل أحالمنا الجميلة‪...‬و أحرق األخضر و اليابس‪ ،‬فلماذا تبقى (اآلداب) خارج منطقة الدمار و الحرائق؟ هات‬
‫القصيدة‪ »..‬وأعطيته القصيدة‪..‬وصدقت توقعاتي و توقعاته إذ صودرت المجلة و أحرقت أعدادها في أكثر من‬
‫مدينة عربية‪ ...‬و جلسنا في بيروت «سهيل» و أنا‪ ،‬نتفرج على ألسنة النار‪ ،‬و نرثي لهذا الوطن الذي لم تعلمه‬
‫الهزيمة أن يفتح أبوابه للشمس و للحقيقة لكن (هوامش على دفتر النكسة) لم يستسلم للقمع و المطاردة‪ ،‬بل أخذت‬
‫(‪)35‬‬
‫تتناسل كما تتناسل األرانب بشكل خرافي‪.»...‬‬

‫و لم تقف ردود الفعل السلبية عند حد مصادرة األعمال النزارية‪ ،‬بل تمادت في قسوتها إلى حدّ اعتبار‬
‫«نزار» خائنا و عميال للعدو‪ ،‬فقد اتّهم نزار خالل هذه المحنة بمايلي‪:‬‬

‫‪ -1‬أنه شاعر وهب روحه للشيطان و للمرأة‪ ..‬و للغزل الفاحش فال يحق له أن يكتب شعر الوطنية‪.‬‬
‫‪ -2‬هو المسؤول األول عن هزيمة حزيران بما كتبه و نشره خالل عشرين عاما من شعر عاطفي‬
‫ساعد على انحالل أخالق الجيل الجديد‪.‬‬
‫‪ -3‬هو في (هوامش على دفتر النكسة) يعذب أمته و يرقص فوق جراحها‪.‬‬

‫(‪ )34‬نزار قباني‪ ،‬ديوان هل تسمعين صهيل أحزاني‪ ،‬ص ‪.32 ،31 ،30‬‬
‫(‪ )35‬نزار قباني‪ ،‬قصتي مع الشعر‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات نزار قباني‪ ،‬بيروت‪ ،1973 ،‬ص ‪.214 ،213‬‬
‫‪ -4‬هو يثبط الهمم و يقتل‪ ،‬و بالتالي فهو عميل يخدم مصلحة العدو‪ ،‬و لذا يجب شطب اسمه من‬
‫قائمة العرب‪.‬‬
‫‪ -5‬نزار ليس وطنيا‪ ،‬و لكنه يركب موجة الوطنية‪ ،‬و والدته بعد حزيران كشاعر ثوري والدة غير‬
‫(‪)36‬‬
‫طبيعية‪.‬‬
‫و فرجت أزمة «نزار» بعد رسالة كتبها بخط يده إلى الرئيس «جمال عبد الناصر» يتظلم فيها إليه من هذا‬
‫(‪)37‬‬
‫العقاب المرير الذي مارسته وزارة اإلعالم المصرية بأجهزتها المختلفة ضده‪ ...‬و ضد كل أعماله‪.‬‬

‫و المالحظ أن هذه القصيدة خالفت كل سابقياتها فما وجه الجد فيها؟‬

‫و يجيب نزار فيقول‪ «:‬كتبت (الهوامش) في مناخ المرض و الهذيان‪ ...‬و فقدان الرقابة على أصابعي لذلك‬
‫جاءت بشكل شحنات متقطعة و صدمات كهربائية متالحقة تشبه صدمات التيار العالي التوتر‪ ..‬كما أنها من حيث‬
‫الشكل لم تكن تشبه أيا من قصائدي الماضية‪.‬‬

‫كانت مثلي مبعثرة‪ ،‬و متناثرة كبقايا طائر الفينيق‪ ،‬أني ال أذكر أني كتبت في كل حياتي الشعرية قصيدة‬
‫أعرف لكم أن هذا قد حدث و‬
‫بمثل هذه الحالة العصبية و التهيج‪ ،‬التهيج هو ضد الشعر‪ ،‬أنا أعرف ذلك‪ ،‬ولكنني ّ‬
‫صارمة‪ ،‬وأتعامل مع االنفعال تعامال مباشرا‪...‬إن حزيران كان شهرا‬
‫أنني للمرة األولى أخالف تقاليدي الكتابية ال ّ‬
‫(‪)38‬‬
‫بال منطق لذلك فإن الكتابة عنه هي األخرى يجب أن تكون بال منطق»‪.‬‬

‫لم يكتف نزار بقصيدة (هوامش على دفتر النكسة) للتعبير عن هذه الخيبة الكبيرة التي كان لجميع العرب‪،‬‬
‫بما فيهم «نزار» يد فيها و إنّما كانت له كتابات نثرية يقول في إحداها «و كان الخامس من حزيران الجنين‬
‫الميّت الذي حملناه إلى المقبرة ليال حتى ال يراه المارة‪ ،‬ال أحد يستطيع أن يبرئ نفسه من دم هذا الطفل الذي قتل‬
‫سادس‪ ،‬كلنا بما في ذلك الجدران‪ ،‬و األبواب و األشجار‪ ،‬و مصابيح الطرقات‪ ،‬غارقون في التهمة‬ ‫في يومه ال ّ‬
‫مرة أخرى‪ ،‬كان البد من عملية غسيل‬ ‫حتى الركب‪ .‬و حتى ال يموت لنا أوالد آخرون‪ ،‬و حتى ال يتكرر حزيران ّ‬
‫كاملة ألدمغتنا و لشعرنا و لنثرنا‪ ،‬و كالمنا‪...‬‬

‫و لقد كفت قصيدتي (هوامش على دفتر النكسة) أول من غسل نفسه بنفسه‪ ،‬أول من سكب الزيت الحارق‬
‫(‪)39‬‬
‫على جلده‪..‬و جلد قصائده‪.»...‬‬

‫وقد جعل « نزار» من حزيران جزءا ال يتجزأ من سيرته الذاتية إذ خصص له فصال كامال تحدث فيه عن‬
‫أثر حزيران في الشعر‪ :‬فهزيمة حزيران ولدت لدى شاعرنا «أدبا حزيرانيا»‪.‬‬

‫هكذا انتهت تمثيليته المقاومة العربية إلسرائيل مخ ّلفة وراءها أنقاض عزة عربية و شرف قوم كان‬
‫سامية و خلفت وراءها صورة حطام وطن‪ ،‬لكن العرب ال زالوا يتظاهرون بالقوة و‬ ‫الشرف لديهم أكبر مثلهم ال ّ‬
‫الشجاعة‪ ،‬هذا ما ضمنته قصيدة «الممثلون» التي يرثي نزار في جزءها األول فلسطين الشهيدة المعطاة التي‬
‫أضاعها أبنائها‪ ،‬كما أضاعوا أراضي أخرى من وطننا العربي‪ ،‬و سمحوا لليهود بأن يتغلغلوا فيها و ينشروا فيها‬
‫عفنهم و سمهم‪.‬‬

‫كانت فلسطين لكم‬

‫(‪ )36‬نزار قباني‪ ،‬قصتي مع الشعر‪ ،‬ص ‪.216‬‬


‫(‪ )37‬نوال مصطفى‪ ،‬نزار و قصائد ممنوعة‪ ،‬ط‪ ،1‬مركز الراية للنشر و اإلعالم‪ ،1998 ،‬ص ‪.103 ،102‬‬
‫(‪ )38‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.213 ،212 ،211‬‬
‫(‪ )39‬نزار قباني‪ ،‬قصتي مع الشعر‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات نزار قباني‪ ،‬بيروت‪ ،1973 ،‬ص ‪.231 ،230‬‬
‫دجاجة‪ ،‬من بيضها الثمين تأكلون‪..‬‬

‫كانت فلسطين لكم‬

‫قميص عثمان الذي به تنجارون‬

‫طوبي لكم‪..‬‬

‫على يديكم أصبحت حدودنا‬

‫من ورق‪..‬‬
‫(‪)40‬‬
‫فألف تشكرون‬

‫و استمرت قصائد نزار الغاضبة تتدفق حتى أنها أثارت تساؤالت الصحفيين و النقاد عن سبب غزارتها‪،‬‬
‫فكان رده عليهم كالتالي‪:‬‬

‫كثيـرا ما سألني أصدقائـي‪ :‬إلى متى تستمر عمليـة الجلد العلنية التي بدأتها بـ (هوامش على دفتر النكسة)‬
‫و أكدتها في (الممثلون) و (االستجواب) و (الخطاب) و (الوصية) و(حوار مع أعرابي أضاع فرسه) و (بانتظار‬
‫(‪)41‬‬
‫غودو)‪ ،‬أليس هناك أسلوب آخر لتاريخ حزيران؟‬

‫و أقول بأن هللا‬

‫سيجمع يوما ما بين األرحام‬

‫جسدي يشتاق إلى بغداد‬

‫و قلبي عند نساء الشام‬

‫و ل ّما كانت المرأة دائما ركيزة شعر «نزار» إليها يعود في كل منطلق لذلك يصورها ملتزمة تقف إلى‬
‫جانبه‪ ،‬فينظر إليها نظرة جديدة مختلفة المالمح‪ ،‬فبينما كانت عبارة عن وعاء شفاف من شأنه أن يستوعب‬
‫الشاعر ليشرح من خالله إذا به يحملها على التزام سياسي قومي فتتسع آفاقها و تبعد نظرتها لتشغل دورا محوريا‬
‫في القضية العربية تكون فيه الرائد و المحرك‪ ،‬تضع األجيال و تقودها في وعورة المسالك إن وعيها لدورها‬
‫الخطير من شأنه أن يحدث انقالبا جذريا في األوضاع يغير خريطة الجيل و يبذل مجمل اتجاهاته النفسية و‬
‫العقلية و االجتماعية‪ ،‬و على مدى الدّرب الشعري الذي سلك ه نلمح محطات معينة يركز فيها على شخصية‬
‫المرأة ويحملها على تحقيق ذاتها و إنعتاقها من الذّل‪.‬‬

‫ينقض على الحكام المجرمين‬ ‫ّ‬ ‫ففي كتاب «أشعار خارجة عن القانون» يتابع مسيرته معها ساعة‬
‫المتغطرسين‪ ،‬فيرى فيها شريكا قادرا على نسف قطار الحكم العربي و االنقضاض على الفاسدين من أربابه في‬
‫سبيل انتشال األمة و السير بها قدما‪.‬‬

‫(‪ )40‬نزار قباني‪ ،‬األعمال السياسية الكاملة‪ ،‬ص ‪.111 ،110‬‬


‫(‪ )41‬نفسه‪ ،‬ص ‪.234‬‬
‫و أنا أحبك في وجوه القادمين لقتل هارون الرشيد‬

‫هل تصبحين شريكتي في قتل هارون الرشيد‬

‫و في كتاب الشعر «قنديل أخضر» يعانق الفتاة و هي عائدة من معسكر التدريب رافضا رائحة العطور و‬
‫أشكال الطالء و التجميل‪ ،‬و تغيب من باله ألوان الفساتين الجميلة و المواعيد الحلوة‪ ،‬فتستبدل بصورة لفتاة جديدة‬
‫يعشقها‪ّ ،‬‬
‫لعزتها و يذوب فيها وحيدا‪ ،‬إنها الفتاة المحاربة‪ ،‬قميصك المعقود األكمام الذي تركت عليه البندقية بقعا‬
‫صوفي الخشن‪ ،‬راحتاك الملوثتان بشمم الزناد‪،‬‬ ‫من الزيت أطهر من زيت المعابد‪ ،‬أطهر من الطهر‪ ،‬جوربك ال ّ‬
‫صخر‪ ،‬يترك على أرض الحجرة قطعا من طين يابس هي أثمن ما تضمه حجرتي من‬ ‫حذاؤك اآلكل من جبين ال ّ‬
‫(‪)42‬‬
‫تحف‪.‬‬

‫هذه الفتاة و هي تشاطر الشاب قضية المصير‪ ،‬صارت تحتصر أمة و ترمز إلى وطن حملت معنى آخر‬
‫لوجودها‪ ،‬إذ اكتسبت بعدا جديدا و أحيطت بهالة من الكرامة و المجد‪ ،‬و إذا رآها «نزار» توسم فيها بالدا‬
‫برمتها‪ ،‬تخطو خطوة شجاعة و تمشي إلى المصير المشرف « أرأيت كيف تنتقل بالدي إلى كيف تتحول بالدي‬
‫إلى ذرة غبار على قميص شجاع؟»‪.‬‬

‫ها هي المرأة الجديدة حاملة حماال مختلفا يفوح منه عبق الوطن الثائر‪ :‬فعدت أتأمل حسنك من زاوية‬
‫جديدة أنا أمام تجربة جمال لم أمر بها من قبل لم يمر بها هذا الشرق من قبل‪.‬‬

‫الرقة والشفافية و رهافة‬‫و هكذا اتجهت الفتاة إلى مجاورة السيف‪ ،‬فت ّحول معها نزار من إنسان يبالغ في ّ‬
‫الحس في الحب إلى إنسان محارب ثائر‪ ..‬خرج من إطار اللقاء الثنائي بها‪.‬‬

‫حولها إلى الخنجر قائم‬ ‫ّ‬


‫حطم المرآة الصقلية التي كانت تنتقل تقاسيم وجهه و تعكس جمال بشرته‪ ،‬ال بل ّ‬
‫اللون مقاتل‪ .‬التقيا عند قمة من الزمان و المكان و الحالة فسارا معا على درب المصير في صخب المجتمع‬
‫(‪)43‬‬
‫صارخ‪ .‬هذا النمط من التحول نشهده في قصيدة «مالحظات في زمن الحب و الحرب»‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫أحبّك‪.‬‬

‫عند اشتداد العواصف‪.‬‬

‫ال تحت ضوء الشموع‪.‬‬

‫و ال تحت ضوء القمر‪.‬‬

‫و أعلن للنّاس أنّي أعارض ضوء القمر‪.‬‬

‫و أكره ضوء القمر‪.‬‬

‫(‪)42‬‬
‫جورج شكيب سعادة‪ ،‬نزار قباني في عالمه الشعري‪ ،‬دار الحداثة للطباعة و النشر و التوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،2002 ،‬ص ‪.217‬‬

‫(‪)43‬جورج شكيب سعادة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.218‬‬


‫تستجمع هذه القصيدة أشكال العالقة الجديدة التي نمت بين نزار و المرأة إثر انتصار العرب في حرب‬
‫صلة حملت طابعا جديدا‪ ،‬و ت قمصت كيانا آخر‪ ،‬و يرى الشاعر أن الرجل العربي ما بين حربي‬ ‫تشرين‪ ،‬فال ّ‬
‫حزيران و تشرين كان مهزما يشعر بفقدان رجولته‪ ،‬و يحس بتخاذله و اختزاله دوره المبدئي‪ ،‬في غضون هذه‬
‫المرحلة المريرة يجد صعوبة في الحب ألنه في حالة ال تكون إالّ في ذات معتزة فخورة‪ ،‬ال حب في ظل‬
‫الهزيمة‪ ،‬و عبثا يحاول إنسان ظليل أن يرتفع إلى مستوى الحب الحقيقي‪...‬أ ّما وقد انتهت حرب تشرين فانتفض‬
‫العربي عمالقا يحمل قلبا جديدا و فكرا جديدا‪ ،‬و حبّا نابضا‪ ،‬حب اإلنسان المنتصر الذي حقق ذاته و صار أهال‬
‫لعشقه‪.‬‬

‫و هكذا نمضي في هذه القصيدة‪ ،‬بتعرف بالمرأة الجديدة ابنة الحرب المدللة‪ ،‬و فتاة اإلصالح المنتودة‬
‫(‪)44‬‬
‫طالما حلم بها نزار تتوج بالده بإكليل الفخر و االعتزاز و تزداد جماال بازدياد عزمها على القتال‪.‬‬

‫أالحظت؟‬

‫كيف اخترقها جدار الزمن‪.‬‬

‫و صارت مساحة عينيك‪.‬‬

‫ثلث مساحة الوطن‪.‬‬


‫(‪)45‬‬
‫أالحظت‪.‬‬

‫هذا التحول في لون عينيك‪.‬‬

‫حين استمتعنا معا لبيان العبور‪.‬‬

‫و نزار ككل رجل عربي كان يشعر بعقدة الذنب تجاه وطن انحدر إلى هوة االنحطاط نتيجة التقاعس‪ ،‬ثم‬
‫أصاب بعض التعويض النفسي إذ وجد األمة تستعيد قسطا من عزتها وكرامتها انتصار تشرين‪.‬‬

‫و ختاما لهذه المرحلة‪ ،‬نجد نزار قباني يح ّمل نفسه قسطا من الذنب و يلقي على ذاته بعضا من التبعية‬
‫الوطنية في بعده عن االلتزام بداية لذلك يعتذر عن تلك الحياة العابثة التي كان يحياها مع نفسه و مع المرأة‪ ،‬كما‬
‫يعتذر لذلك الشعر الذي كتبه عنها‪ ،‬و يدعوا إلى نسيان تلك الصورة القديمة المرسومة في قصائده‪ ،‬و فيها إذالل‬
‫لها و انتقاص من كرامتها‪.‬‬

‫أحبك أيتها الغالية‪.‬‬

‫‪....‬‬

‫فهل تسمحين بنسيان وجهي القديم‪.‬‬

‫و شعري القديم‪.‬‬

‫و نسيان أخطائي الماضية‪.‬‬

‫(‪ )44‬نفسه‪ ،‬ص ‪.219‬‬


‫(‪ )45‬جورج شكيب سعادة‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.220‬‬
‫و هكذا تبدل عند حدود حزيران‪ ،‬فكأن ما ترتب عن تلك النكسة قد كسر شيئا في داخله‪ ،‬أو كان بمنزلة‬
‫محول قلب كيانه رأسا على عقب‪ .‬فجاءت كتاباته السياسية قاسية‪ ،‬تصور واقعا أسود ألمة عربية مهزومة‪.‬‬

‫أن ما كان يجتاز لهيب المدافع‪ ،‬في حرب تشرين حتى شهدت نفسه تبدال جديدا فغاب من أفقه شعر‬ ‫إالّ ّ‬
‫حزيران الحزين المهزوم‪ ،‬و حل شعر تشرين المنتصر فلمحنا معه األمل العربي المشرق يشع في ثنايا األبيات‪.‬‬

‫إن تبدل نظرة القباني إلى المرأة جاء بعد الهزيمة التي شكلت في نفسه قناعة‪ ،‬بأن لها دورا أساسيا في بناء‬
‫األوطان و األمم‪ ،‬و في نهضة المجتمعات و تحديدها و الثورة على الظلم في سبيل تحرير القوم‪ ،‬فالتاريخ حافل‬
‫(‪)46‬‬
‫بأمثلة تثبت الترابط بين تعبئة المرأة سياسيا و بين حركات التحرير الوطنية‪.‬‬

‫وقد سئل نزار في هذا الصدد من طرف صحفي و هو «األستاذ عيسى مخلوف» يسأل نزار «بدأت تكتب‬
‫الشعر السياسي منذ عام «‪« »1967‬مع هوامش على دفتر النكسة» فهل تعتبر اهتمامك السياسي يقلل من‬
‫اهتمامك بالمرأة‪ .‬أم أنه يسير في خط مواز له؟‬

‫فيجيب نزار «أنا ال أضع خطا بين كتاباتي عن المرأة‪ ،‬و كتاباتي عن الوطن‪ ،‬فكل ما أكتب يستهدف‬
‫التعبير و التحرير وقد فسرت هذا في إحدى قصائدي القصيرة»‪.‬‬

‫كلّما غنيت باسم امرأة !!‪ /‬أسقطوا قوميتي ع ّني و قالوا كيف ال تكتب شعرا للوطن؟‪ /‬و هل المرأة شيء‬
‫(‪)47‬‬
‫آخر غير الوطن؟‪ /..‬آه لو يدرك من يقرؤني‪ /‬إن ما أكتبه في الحب‪ /...‬مكتوب لتحرير الوطن‪.‬‬

‫صدد هو قول نزار‪:‬‬


‫و آخر قول في هذا ال ّ‬
‫الزواج من امرأة و الزواج من وطن‪....‬مشروع قومي واحد‪...‬‬

‫و ال تصدقوا من يقول إن المرأة شيء‪....‬و الوطن شيء آخر‪...‬‬

‫فعندما يختار رجل امرأة ليسكن معها‪ ،‬أو ليسكن إليها‪....‬‬


‫(‪)48‬‬
‫فهذا يعني أنه اختار وطنا»‪.‬‬

‫(‪ )46‬جورج شكيب سعادة‪ ،‬نزار قباني في عالمه الشعري‪ ،‬دار الطباعة للنشر و التوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،2002 ،‬ص ‪.225 ،224‬‬
‫(‪ )47‬نزار قباني‪ ،‬األعمال النثرية الكاملة‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪.516 ،515‬‬
‫(‪ )48‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.257‬‬
‫جـديـد نـزار فـي مجـال الشعـر الـوطنـي السيـاسـي‪:‬‬
‫أن األوضاع في الوطن العربي ال زالت‬‫لم تتوقف مسيرة «نزار» الشعرية السيما السياسية منها‪ ،‬ذلك ّ‬
‫تعرف توترات كبيرة‪ ،‬و سوف نعرض اآلن بعض إنتاج «نزار» األخير الذي لم يضمه ديوان بعد وقد أصدرت‬
‫هذه القصائد في أواخر سنة ‪.1967‬‬

‫فهذه قصيدة (سرقوا منا الزمان العربي) يتأسف فيها «نزار» عن ضياع زمان المجد واألنفة العربيين‬
‫سالم في أوسلو و هذا نص القصيدة‪:‬‬ ‫اللذان أضاعها رعاة ال ّ‬
‫سرقوا منا الزمان العربي‪.‬‬

‫سرقوا فاطمة الزهراء‪.‬‬

‫من بيت النّبي‪.‬‬

‫يا صالح الدين‪.‬‬

‫يا صالح الدين‬

‫باعوك و باعونا جميعا‬

‫في المزاد العلني‬

‫سرقوا من طارق معطفه األندلسي‬

‫سرقوا منه النباشين‬

‫أقالوه من الجيش‬

‫أحالوه إلى محكمة األمن‬

‫أدانوه بجرم النّصر‬

‫هل جاء زمان‬

‫صار فيه النصر محضورا‬


‫(‪)49‬‬
‫عليك يا بني؟‬

‫و لقد كانت لنزار آراء صريحة في أكثر من قصيدة و أكثر من مقالة‪ ،‬و كانت آراءه كالعادة متفجرة و‬
‫متمردة تصب اللعنة على المواقف المتميعة و المتمردة و المتفككة‪.‬‬

‫(‪ )49‬نوال مصطفى‪ ،‬نزار و قصائد ممنوعة‪ ،‬ط‪ ،1‬مركز الراية للنشر و اإلعالم‪ ،1998 ،‬ص ‪.135 ،134‬‬
‫و هذه اآلن بعض المقاطع من مقاالته السياسية التي نشرها عام ‪1996‬م و التي ص ّخر فيها من أمريكا و‬
‫إسرائيل‪ ،‬و نظرا ألهمية ما تضمنته‪ ،‬أبَيْنا إال أن ندرجها‪ ،‬باإلضافة إلى أنها آخر ما جاءت به قريحة شاعرنا في‬
‫ساحة األدبية‪.‬‬
‫ال ّ‬

‫و نستهل أولى هذه المقاالت بمقال عنوانه (القيصر اإلسرائيلي في البيت األبيض)‪.‬‬

‫يزور «بنيامين نتنياهو» الواليات المتحدة األمريكية فاتحا و غازيا‪ ...‬و مقتحما‪ ...‬كما يزور أي غيتو‬
‫يهود‪ ،‬أو كما يزور حائط المبنى‪...‬دون أن يشعر باختالف الزمان أو المكان‪ ،‬يزور بيت أمه و أبيه‪ ،‬ال ليقدم‬
‫فروض الطاعة و الوالء‪...‬و ال ليسمع وصاياهما‪ ،‬و ينتفع بخبراتهما في شؤون السياسة و الحياة(‪ )50‬و يواصل‬
‫نزار في الجزء األخير من المقال و فيه يتحدث عن إمكانية القيام في وجه إسرائيل باستجماع عزائم العرب‬
‫«أمام هذا األفق الرمادي القاتم‪ ،‬ليس أمامنا من مخرج سوى تجميع قوانا‪ ،‬فاالعتماد على كل الطاقات المخزونة‬
‫إن الفأر يأكل‬‫في داخل األرض العربية‪...‬و داخل النفس العربية‪ ...،‬ليس صحيحا أننا بال حول و ال قوة‪...‬و ّ‬
‫أن الهزائم قدرنا‪...‬و ليس صحيحا أن إسرائيل يمكنها أن تتغلب علينا مجتمعين‪...‬فالحروب ال تخاض‬ ‫طعامنا‪..‬و ّ‬
‫بالصواريخ‪ ،‬و الدبابات و الطائرات فقط‪ ،‬و إنما تخاض بالتحدي‪ ،‬و المقاومة‪ ،‬و الحرب الشعبية‪ ،‬و الحرب‬
‫االقتصادية‪ ...‬لن يكون أمريكا أبدا نهاية التاريخ‪...‬و لن تكون «نتنياهو» هو نهاية العرب‪ ،‬فالعرب ليسوا‬
‫مصنوعين من زجاج‪ ،‬أو من فخار‪...‬أو من بسكويت كما يتخيل بعض االنهزاميين‪..‬و التطبعيين‪...‬و‬
‫المهرولين‪...‬إن مائتي مليون عربي قادرون‪ ،‬إذ توحدت إرادتهم‪ ،‬و صدقت عزيمتهم‪ ،‬و تجمعت طاقاتهم‪ ،‬و‬
‫تالقت رياحهم‪ ،‬و أمواجهم‪..‬و أن يصنعوا العاطفة‪...‬ليست هذه قصيدة جاهلية‪..‬و ال معلقة من معلقات الفخر‪..‬و ال‬
‫هي ملحق من قصيدة عمر بن كلثوم الشهيرة‪ ..‬و لكنني أرى بعيني بصيرتي أشجار نخل تتحرك من بعيد‪ ،‬و‬
‫عيون عربية تلتمع وراء األفق و شموعا عربية تنبثق من العتمة‪..‬وأجياال عربية تزرع األرض قمعا‪ ،‬و وردا‪...‬و‬
‫(‪)51‬‬
‫حلنار‪.‬‬

‫و عن «نتنياهو» و عملية التطبيع العربية‪-‬اإلسرائيلية يقول نزار في قصيدة (المتنبي و أم كلثوم على‬
‫خاتمة التطبيع) و حاالت التطبيع الثقافي‪.‬‬

‫إلى مفاهيمنا‬

‫و صالوناتنا‬

‫و غرف نومنا المكيفة الهواء‬

‫و نزل منها أشخاص غامضون‬

‫يحملون معهم معاجم‬

‫و دواوين شعر‬

‫و مصاحف مكتوبة باللغة العبرية‬

‫و لهذا فقد دعا «نزار» العرب باال تحاد قبل أن ينقرضوا بسبب خالفاتهم و شقـاقاتـهم و ذلك في قصيدة‬
‫(أحبّوا بعضكم قبل أن تنقرضوا)‪.‬‬

‫(‪ )50‬نوال مصطفى‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.207‬‬


‫(‪ )51‬نفسه‪ ،‬ص ‪.213‬‬
‫أهال بكم‪...‬إلى (قمة الحب) في القاهرة‬

‫اسمحوا لي أن أحلم مع مائتي مليون عربي‪ ،‬بأن هللا قد فتح عليكم أخيرا‬

‫و زرع في قلوبكم وردة العشق‪...‬و عمدكم بماء المحبة‬

‫اسمحوا لي بأن أفرح بفرحي‬

‫فأنا منذ السبعينات أسكن في مدينة األحزان‬

‫و أسافر من دمعة إلى دمعة‬

‫و من جرح إلى جرح‬

‫و من هزيمة إلى هزيمة‬

‫و من كارثة قومية كبرى‬

‫إلى كارثة قومية أكبر‬

‫غير مسموح لهم‬

‫أن يقتلوا أشجار الوطن‬


‫(‪)52‬‬
‫فالوطن هو البيت المشترك‬

‫هكذا هي نظرة نزار و آراؤه السياسية حول االتفاقيات المتتالية التي وقعها العرب مع إسرائيل في‬
‫السنوات الخيرة‪ ،‬وقد حلّل «نزار» هذه االتفاقيات‪ ،‬و كشق أبعادها التي مهما كانت نتائجها وخيمة‪ ،‬إالّ أن‬
‫اإليجابي فيها هو زعزعتها للساحة السياسية في الشرق األوسط بعد أن عرفت سنوات من الجمود‪.‬‬

‫و أخيرا فإ ّن نزار يطلب من أصحاب القرار العربي أن يتخذوا قرارا عربيا لحماية التاريخ من األقوال و‬
‫يطلب منهم حماية الثقافة العربية من االغتصاب‪ ،‬و اللغة العربية من اعتماد األحرف العبرية و حماية الكرامة‬
‫العربية من البهدلة‪ ،‬و حماية األطفال العرب من التسول على أرصفة العالم‪ ،‬و يطلب كذلك من العرب أن يتركوا‬
‫خالفاتهم و منازعاتهم وغرائزهم خارج أبواب المجالس العربية و يبتسموا قليال‪ ،‬و هل هذا ال يعتبر حب الوطن؟‬

‫فأكيد من أحب وطنه وجب عليه أن يفكر فيه‪ .‬يقول «نزار» في مطلبه األخير من العرب‪:‬‬

‫« كل ما هو مطلوب منهم أن يتقوا هللا قليال‪...‬‬

‫و يفكروا في أحزان الوطن قليال‬

‫‪‬‬

‫(‪ )52‬نفسه‪ ،‬ص ‪.199‬‬


‫« كل ما هو مطلوب منهم أن ال يتفردوا بالشأن القومي‪...‬‬

‫و أن ال يتصرفوا بممتلكات األمة بيعا‪..‬أو رهنا‪..‬أو تأجيرا‪..‬‬

‫و أن ال يقامروا بالذاكرة الجماعية‪ ..‬و أن ال يوقعوا األوراق في العتمة‬


‫(‪)53‬‬
‫و يخلعوا ثيابهم في العتمة!!»‬

‫و رغم ما قاله «نزار»في هذا الوطن ككل إالّ ّ‬


‫أن شعاع األمل الزال ينفذ إلى قلب شاعرنا‪ ،‬فيجعله يحلم‬
‫بيوم يجتمع فيه الشمل العربي‪ .‬وقد غيرت قصيدة (حلم قومي) عن هذا األمل‪.‬‬

‫مازلت برغم صراع األخوة‬

‫اخترع األحالم‬

‫و أقول بأن هللا‬

‫سيجمع يوما بين األرحام‬

‫جسدي يشتاق إلى بغداد‬

‫و قلبي عند نساء الشام‬

‫و على كل ما تطرقنا إليه من قصائد لنزار و من جديد له‪ ،‬و من إبراز حبه لوطنه‪ ،‬سواء كان وطنه األم‬
‫أو وطنه األمة العربية فالمهم أن أول شاعر عبّر عن آالمه و حزنه على كل ما يجري لدى العرب ككل‪ ،‬و لهذا‬
‫آخر ما نذكره من خالل بحثنا هذا هو مآسي وطننا العربي وكيف ألم شاعرنا به و سنبدأ في حديثنا هذا عن‬
‫(مأساة األندلس) و الذي برز فيها جليا عمق حزنه‪ ،‬و مرارة اإلنهزامات التي لحقت كما أسلفنا القول بهذا الوطن‬
‫الغالي فمأساة األندلس جعلت جرحه ينزف ألما و دمعا رغم مضي خمسة قرون على هذا الوجع التاريخي على‬
‫تلك الفردوس المفقودة التي كلما ذكر اسمها أمام كل عربي –غيور‪ -‬و مسلم –مؤمن‪ -‬إالّ و أطلقت نفسه زخرات‬
‫الحسرة و الندم على المجد الضائع‪.‬‬

‫و هذا مقطع من قصيدة (أحزان في األندلس) يفصح فيها الشاعر و يبين لنا غالوة الكنز الكبير الذي فقده‬
‫العرب يقول‪:‬‬

‫لم يبق في إسبانيا‬

‫منّــا‬

‫و من عصورنا الثمانية‬

‫غير الذي يبقى من الخمر‬

‫يجوف اآلنية‬

‫و أعين كبيرة‪..‬كبيرة‬

‫(‪ )53‬نفسه‪ ،‬ص ‪.206 ،205‬‬


‫ما زال في سوادها‬

‫ينام البادية‬

‫لم يبق في قرطبة‬

‫سوى دموع المؤذنات الباكية‬

‫لم يبق من غرناطة‬

‫و من بني األحمر‬

‫إال ما يقول الرواية‬


‫(‪)54‬‬
‫و غير ال غالب إالّ هللا‬

‫و في نفس القصيدة يذ كر (نزار) أسباب فجيعة التي ترجع إلى األحقاد و الضغائن التي سكنت قلوب‬
‫العرب في األندلس كما ّ‬
‫أن نزار في هذا الجزء يشير إلى حال العرب اليوم‪ ،‬هذه الحال التي لم تتغير رغم الدرس‬
‫الذي لقنته إياهم تجربتهم الفاشلة في األندلس‪.‬‬

‫مضت قرون خمسة‬

‫من ر ّحل الخليفة الصغير‪ ،‬عن إسبانيا‪ ،‬و لم تزل أحقادنا الصغيرة‬

‫كما هي‬

‫و لم تزل عقلية العشيرة‬

‫في دمنا كما هي‬

‫حوارنا اليومي بالخناجر‬

‫أفكارنا أشبه باألظافر‬

‫مضت قرون خمسة‬

‫و ال تزال لفظة العروبة‬

‫كطفلة جائعة‬

‫و عارية‬

‫نصلبها‬

‫على جدار الحقد و الكراهية‬

‫مضت قرون خمسة‬

‫(‪ )54‬نزار قباني‪ ،‬األعمال السياسية الكاملة‪ ،‬ج‪ ،3‬ط‪ ،4‬منشورات نزار قباني‪ ،‬بيروت‪ ،1986 ،‬ص ‪.562 ،561‬‬
‫يـا غـاليـة‬

‫كـأننـا‬

‫نخرج هذا اليوم من إسبانية‬

‫و هذا مقطع آخر من قصيدة (غرناطة) و في إحدى المدن اإلسبانية التي كان العرب فيها تاريخ قديم و‬
‫خطتها أنامل أجدادنا‪ ،‬و القصيدة عبارة عن حوار دار بين‬‫جميل‪ ،‬و تكشف آثارها عن اللّمسات العربية التي ّ‬
‫الشاعر و فتاة إسبانية ترتسم على وجهها مالمح عربية‪ ،‬و من خالل الحوار يكتشف (نزار) أن الفتاة عربية‬
‫األصل‪.‬‬

‫في مدخل (الحمراء) كان لقاؤنا‬

‫ما أطيب اللقيا بال ميعاد‬

‫هل أنا إسبانية؟‬

‫سألتها و قالت و في غرناطة ميالدي‬

‫غرناطة؟ وضحت قرون سبعة‬

‫في ثينيك العينين بعد رقاد‬

‫ما أغرب التاريخ‪ ..‬كيف أعادني‬

‫لحفيدة سمراء من أحفادي‬

‫وجه دمشقي‪..‬رأيت جالله‬

‫أجفان بلقيس وجيد سعاد‬

‫و مشيت خلف دليلتي و ورائي التاريخ كوم رماد‬

‫قالت‪ :‬هنا الحمراء زهر جدودنا‬

‫فاقرا على جدرانها أمجادي‬

‫أمجادها!! و مسحت جرحا نازفا‬

‫و مسحت جرحا ثانيا بفؤادي‬

‫يا ليت وارثني الجميلة أدركت‬

‫أن الذين عنتهم أجدادي‬

‫عانقت فيها عندما ودعتها‬


‫(‪)55‬‬
‫رجال سمي (طارق بن زياد)‬

‫و هذا مقطع آخر من قصيدة (بقايا العرب) يجري نزار مقابلة بين حالة فرح و نشوة اإلسبان الذي تعبر‬
‫عنه رقصة الفالمينكو‪ ،‬و حزن و بكاء الشاعر على أطالل العرب باألندلس‪.‬‬

‫فالمنكو‬

‫فالمنكو‬

‫و تنشيط الحانة الغافية‬

‫على قهقهات صنوج الخشب‬

‫وبحة صوت حزين‬

‫يسيل كنافورة من ذهب‬

‫و أجلس في زاوية‬

‫ألم دموعي‬
‫(‪)56‬‬
‫ألم بقايا العرب‬

‫و قصيدة أخرى يشير فيها «نزار» و يؤكد على أن العربي ترك بصمات تفرض نفسها حتى اآلن في‬
‫الشوارع اإلسبانية و هي قصيدة (اللؤلؤ األسود) يقول فيها‪:‬‬

‫شوارع غرناطة في الظهيرة‬

‫حقول من اللؤلؤ األسود‬

‫فمن مقعدي‬

‫أرى وطني في العيون الكبيرة‬

‫أرى مؤذنات دمشق‬

‫صورة فوق كل صغيرة‬


‫م ّ‬
‫كما عدت (بيروت) هذه المدينة العظيمة الكبيرة بالنسبة لشاعرنا‪ ،‬و كان لها بالغ األثر في نضج تجاربه‬
‫الشعرية‪ ،‬وقد اعترف نزار بفضل بيروت عليه قائال‪:‬‬

‫«بيروت بللتني بأمطا ر الشعر من رأسي إلى قدمي‪..‬و أعطتني زوادة من التجارب الشعرية ال أزال آكل‬
‫منها كلما داهمني الجوع و العطش‪..‬إنّني ال أقارن بيروت بأي مدينة أخرى‪..‬فهي في كفة‪..‬و كل نساء العالم في‬

‫(‪ )55‬نزار قباني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.573 ،569‬‬


‫(‪ )56‬نفسه‪ ،‬ص ‪.556‬‬
‫الكفة الثانية‪..‬لقد تربيت على يدي بيروت شعريا وذوقيا و حضاريا‪..‬فإذا سميتها (ست الدنيا) فإن االسم قليل‬
‫عليها‪.‬و إذا سئل «نزار» ع ّما تعنيه له بيروت شعريا يجيب «ليس سهال أن تشرح لماذا تحب امرأة‪..‬أو تحب‬
‫إن ما يحدد عالقتي بالمدن هو قدرتها على (تحريضي شعريا)‬ ‫مدينة‪ .‬من طبيعة الشروح أن تغتال التي تشرحها‪ّ .‬‬
‫و على إعطائي الضوء األخضر ألبدأ الكتابة و بيروت كانت من هذه المدن النادرة التي حرضت أصابعي‬
‫ي‪.‬‬
‫ي‪..‬و حرضت دفاتري عل ّ‬ ‫ي‪..‬و حرضت صوتي عل ّ‬ ‫عل ّ‬
‫و إن عرضنا تحليلنا الالحق ببعض قصائد ديوان (إلى بيروت األنثى مع حبي) أن يكون مكتمال و ال‬
‫وظيفيا إالّ إذا عرضنا أجزاء من مقدمة الديوان المشبّعة باألحزان العربية عامة‪ ،‬واألحزان البيروتية خاصة و‬
‫التي يقول فيها نزار»‪.‬‬

‫أحمل الزمن المحترف في عيني و أسافر إليكم أحمل بيروت قصيدة مطعونة على راحة يدي‪..‬و أقدم‬
‫جسدها للعالم شهادة ناصعة على عصر عربي يحترف قتل القصائد كنت أتصور أن الحزن يمكن أن يصبح‬
‫صديقا‪ ،‬و لكنني لم أكن أتصور أن يصبح الحزن وطنا نسكنه و نتكلم لغته و نحمل جنسيته ككل األوطان‪.‬‬

‫أحمل منفاي في حقائبي‪...‬و أسافر إليكم‪...‬‬

‫حين ال تستطيع أن تكتب‪ ،‬فأنت منفي‬

‫و حين ال تستطيع أن تبصق على السكين التي تذبحك‪...‬فأنت منفي‪...‬‬

‫و حين تصير الحرية موهوما بسرية غير مرخص لها بمزاولة المهنة‪...‬فأنت منفي‪...‬‬

‫و حين يقتلونك إذا كنت مؤمنا‪...‬و يقتلونك إذا كنت مشركا‪...‬و يقتلونك إذا قلت‪:‬‬

‫(أشهد أن ال إله إالّ هللا) و يقتلونك إذا لم تقتلها‪...‬فأنت منفي‪.‬‬

‫أحمل بيروت نجمة مضرجة بدمها و أسافر إليكم‬

‫بيروت‪..‬بيروت‪..‬بيروت‬

‫هل يمكن أن أتلفظ باسمها‪ ،‬دون أن تخرج دمعة من العين‪ ،‬و يرتعش عصفور في القلب؟‬

‫بيروتكم و بيروتي‪...‬‬

‫حبكم و حبي‬

‫تاريخكم و تاريخي‬

‫خزانة أحالمكم و خزانة أحالمي‪..‬‬

‫ماذا بقي من بيروت؟‬

‫ماذا بقي من بحرها‪ ،‬و رملها‪،‬ـ و صدفها‪ ،‬و قرميدها األحمر‪ ،‬و أمطارها المجنونة؟‬

‫ماذا بقي من بحعتي البيضاء سوى ريشها الفضي المتأثر‪ ،‬و سوى دموعها الممتزجة‬

‫بمياه البحر األبيض المتوسط؟‬


‫(‪)57‬‬
‫آه ما أصعب موت البجع!‬

‫و هذا ما جعلنا نعتبر «نزار قباني» من األبناء البررة الذي استعمل آخر عالج لهذه األمة‪ ،‬و هو الكي‬
‫هذا ما جعل أشعاره السياسية و الوطنية و االجتماعية غاضبة على وطننا العابس‪ ،‬و رغم كل هذا فنجد نبرة نزار‬
‫سادية إلى الالوطنية‬
‫الوطنية وجدت رفضا سواء من النقاد أو السياسيين وأسقطوا عليه تهما منها ما بين ال ّ‬
‫الوطنية‪ ،‬و لكن الواقع و األحداث أنصفتا «نزار» و دليل ذلك أن التاريخ العربي منذ سقوط األندلس إلى يومنا‬
‫هذا مثقل بالدّموع واألحزان‪.‬‬

‫إن الذين اتهموا نزار في وطنيته و عابوا عليه جلده لألمة العربية‪ ،‬إنّما هم أناس ع ّمت بصائرهم الحقيقة‬
‫ّ‬
‫المرة لواقع أمتنا المهان‪ ،‬لكن شاعرنا «نزار» وحده استطاع أن يضع العالم العربي تحت مجهر و بيّن خطأه من‬
‫صحيحه‪ ،‬فنزار لم يكتب فقط عن معاناة األمة العربية فقط‪ ،‬و لكن أنصفها حين استحقت اإلنصاف و مدحها حيث‬
‫استحقت المديح‪ ،‬و استشهد على ذلك بمجموعة من القصائد منها قصيدة (فتح) التي كتبها (نزار) بعد ميالد‬
‫(حركة فتح الفلسطينية)‪.‬‬

‫ركب نزار سفينة اإلبحار‪...‬و بقي صامدا في وجه اإلعصار حقيقة تعرض نزار قباني خالل حياته‬
‫الشعرية لمواجهة شرسة سواء من طرف النقاد أو معارضون‪ ،‬و كانت أوالها حين صدور ديوان «قالت لي‬
‫السمراء» عام ‪ 1945‬حيث قال نزار قباني « و بلحظة تحرك التاريخ ضدي‪..‬و تحرك التاريخيون رفضوا الكتاب‬
‫(‪)58‬‬
‫جملة و تفصيال‪ ،‬رفضوا عنوانه‪ ،‬و رفضوا مضمونه‪ ،‬و رفضوا حتى لون ورقة‪...‬و صورة غالفه»‪.‬‬

‫و يقول نزار في هذه المواجهة « هاجموني بشراسة وحش مطعون كان لحمي يومئذ طريا‪..‬و سكاكينهم‬
‫(‪)59‬‬
‫حادة‪ ،‬و ابتدأت حفلة الرجم»‪.‬‬

‫و رغم ذلك بقي نزار صامدا و واقفا و متمسكا بكتابة الشعر رغم كل الحروق تابع شاعرنا ألنه عرف‬
‫(‪)60‬‬
‫بأن جيل من الشباب و الشابات رفضوا موت هذا الشاعر الذي عبر عنهم وعن انفعاالتهم‪.‬‬

‫و تلت هذا الديوان هجمات أخرى على قصائده (خبز و حشيش و قمر) عام ‪ 1954‬وبعدها (هوامش‬
‫على دفتر النكسة) عام ‪ ،1967‬و هي من القصائد التي وضعت شاعرنا في أشد ّ و أعنف مواجهة مع النقاد‪ ،‬و‬
‫ظلت هذه المواجهة متواصلة إلى آخر أعماله الشعرية مثل قصيدة (متى يعلنون وفاة العرب؟) و قصيدة‬
‫(المهرولون) عام ‪ 1995‬التي ت ّم عرضها في السابق‪.‬‬

‫و رغم كل الخصوم‪ ،‬و كل العداءات صمد «نزار» خمسين عاما أمام العاصفة‪ ،‬ألنه كان يستند على أهم‬
‫حكم أال و هو الجمهور العربي ألنه أحب أعماله‪ ،‬و وكب على إقتناءها‪ ،‬هذا الحب الجماهيري كان له الفضل في‬
‫تواصل مسيرة «نزار» الشعرية‪ ،‬كما كان جزءا أو طرف من أسباب المواجهات التي شنّها على شاعرنا‪.‬‬

‫صدد «هذا الحب بيني و بين جمهوري صار صليبا ثقيال على كتفي‪ ،‬فكلّما اتسعت قاعدتي‬‫يقول في هذا ال ّ‬
‫ي‪..‬اشتّدت المقاومة و‬ ‫ّ‬
‫الشعرية‪...‬زاد خصومي‪...‬كلما امتألت القاعات و سدت األبواب و امتدت األتوغرافات إل ّ‬

‫(‪ )57‬نزار قباني‪ ،‬األعمال الشعرية الكاملة‪ ،‬ج‪ ،2‬ط‪ ،4‬منشورات نزار قباني‪ ،‬بيروت‪ ،1992 ،‬ص ‪.297 ،293‬‬
‫(‪ )58‬نزار قباني‪ ،‬قصتي مع الشعر‪ ،‬منشورات نزار قباني‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،1973 ،‬ص ‪.87‬‬
‫(‪ )59‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫(‪ )60‬نفسه‪ ،‬ص ‪( 89‬بتصرف)‪.‬‬
‫كثر المقاومون‪ ..‬كلّما ارتفعت نسبة توزيع كتبي‪ ،‬و عدد قرائي أشعر أنّني اقترفت ذنبا كبيرا لم يقترفه شاعر‬
‫(‪)61‬‬
‫قبلي»‪.‬‬

‫لكن ال ننكر أن شاعرا دمشقيا مثل نزار ح ّل صبرا‪ ،‬رغم أنّهم أنكروه على أن يكون شاعر الوطن‪ ،‬و لم‬
‫يأب أحد على دواوينه السياسية‪ ،‬لكن استطاع نزار أن يوفق بين حديثه عن المرأة و حديثه عن الوطن‪ ،‬سواء‬
‫كان مدافعا على وطنه أو كان صوتا عربيا صادقا‪ ،‬كشف مؤامرات و فضائع و عيوب اآلمة العربية‪ ،‬لقد كتب‬
‫نزار بحبر واحد عن المرأة و الوطن ونزار الوحيد الذي استطاع أن يدخل قلوب مائة مليون عربي ألنه استطاع‬
‫أن يجعل من الشعر تنورة يرتديها كل الناس‪ ،‬و كان نزار الشاعر الوحيد المعاصر الذي كتب بلغة يفهمها العامة‬
‫والخاصة‪ ،‬فقد أنزل اللغة من برجها العالي لتكلم الناس العاديين على طبيعتهم و اختالف مستوياتهم الثقافية‪ ،‬وقد‬
‫استطاع نزار الولوج إلى الضمير العربي بانفعال قلب محب و غاضب واألعظم من هذا و ذلك أنّه حيث كتب لم‬
‫يجمل عصره‪ ،‬بل كشف أمام وطنه سيئاته و عيوبه‪ ،‬وفضح اآلمة العربية أمام المأل لينهض الضمير العربي من‬
‫سباته و من غفلته‪ ،‬و من تخاذله‪ ،‬وهذا كلّه من أجل أن تصنع األمة العربية و اإلسالمية مصيرها‪ ،‬و تنشر ال ّ‬
‫سالم‬
‫و األخوة من الخليج إلى المحيط‪.‬‬

‫كما يرى الدكتور «خفاجي» أن المقياس الخلقي عند نزار كشاعر سياسي هو المال فما من زعيم عربي‬
‫ذمه إالّ وقد سبق أن مدحه إالّ و عاد فذمه فهو صاحب دار نشر و صاحب تجارة في مختلف األنواع‪ ،‬و يكاد‬
‫يكون حسه المادي هو الدافع إلى المدح و الهجاء!!‪ ،‬و ال نغفل على وجود مثل «جهاد فاضل» الذي غلّط نزار‬
‫عندما انتقل من شاعر المرأة إلى شاعر الوطن و الوطنية‪ ،‬و ال ندري من الذي غلط نفسه‪ ،‬فالحديث عن المرأة‬
‫شيء و الحديث عن الوطن شيء آخر‪ ،‬و الحديث عن الوطن و الوطنية أولى من الحديث عن المرأة‪ ،‬عندما‬
‫تسود الحرية وتسود الطمأنينة في الوطن يسهل على أي شاعر أن يكتب عن المرأة‪.‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫(‪ )61‬نفسه‪ ،‬ص ‪.160‬‬
‫«حزيــران ‪»1967‬هوامـش علـى دفتـر النكسـة‬

‫أنعي لكم يا أصدقائي اللغة القديمة‪.‬‬


‫و الكتب القديمة‪.‬‬
‫أنعي لكم‪.‬‬
‫كالمنا المثقوب كاألحذية القديمة‪.‬‬
‫و مفردات العهر‪ ،‬و الهجاء‪ ،‬و الشتيمة‪.‬‬
‫أ‬
‫أنعي لكم‪:‬‬

‫نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة‪.‬‬


‫مالحة في فمنا القصائد‪.‬‬
‫مالحة ضفائر النساء‪.‬‬
‫و الليل و األستار‪ ،‬و المقاعد‪.‬‬
‫مالحة أمامنا األشياء‪.‬‬
‫يا وطني الحزين‪.‬‬
‫حولتني بلحظة‪.‬‬
‫من شاعر يكتب شعر الحب و الحنين‪.‬‬
‫لشاعر يكتب بالسكين‪.‬‬
‫ألن ما نحسه‪.‬‬
‫أكبر من أوراقنا‪.‬‬
‫ال بد من أن نخجل من أشعارنا‪.‬‬
‫ب‬

‫إذا خسرنا الحرب‪ ...‬ال غرابة‪.‬‬


‫ألننا نغفلها‪.‬‬
‫بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابة‪.‬‬
‫بالعشريات التي ما قتلت ذبابة‪.‬‬
‫ألنّنا نغفله‪.‬‬
‫بمنطق الطبلة و الربابة‪.‬‬
‫الشرقي مأساتنا‪.‬‬
‫صراخنا أضخم من أصواتنا‪.‬‬ ‫ج‬
‫و سيفنا أطول من قاماتنا‪.‬‬
‫خالصة القضية‪.‬‬
‫توجد في عبارة‪.‬‬
‫لقد لبسنا قشرة الحضارة‪.‬‬
‫و الروح جاهلية‪.‬‬
‫بالنايجو المزمار‪.‬‬
‫ال يحدث انتصار‪.‬‬

‫كلفنا ارتجالنا‪.‬‬
‫خمسين ألف خيمة جديدة‪.‬‬
‫ال تلعنوا السماء‪.‬‬
‫إذا تخلت عنكم‪...‬ال تلعنوا الظروف‪.‬‬
‫و هللا يؤتي المنصر من يشاء‪.‬‬
‫و ليس حدادًا لديكم يضع السّيوف‪.‬‬
‫صباح‪.‬‬
‫يوجعني أن أسمع األنباء في ال ّ‬
‫يوجعني‪.‬‬
‫أن أسمع النباح‪.‬‬
‫ما دخل اليهود من حدودنا‪.‬‬
‫و إنّما‪.‬‬
‫تشربوا كالنمل‪...‬من عيوبنا‪.‬‬
‫خمسة أالف سنة‪.‬‬
‫و نحن في السّرداب‪.‬‬
‫ذقوننا طويلة‪.‬‬
‫نقودنا مجهولة‪.‬‬
‫عيوبنا موانئ الذئاب‪.‬‬
‫يا أصدقائي‪.‬‬
‫جربوا أن تكسروا األبواب‪.‬‬
‫أن تغسلوا أفكاركم و تغسلوا األثواب‪.‬‬
‫يا أصدقائي جربوا أن تقرؤوا كتاب‪.‬‬
‫أن تكتبوا كتاب‪.‬‬
‫أن تزرعوا الحروف و الر ّمان و األعناب‪.‬‬
‫أن تبحروا في بالد الثلج و الضّباب‪.‬‬
‫فالناس يجهلونكم في خارج السّرداب‪.‬‬
‫الناس يحسبونكم نوعًا من الذئاب‪.‬‬
‫جلودنا ميّتة اإلحساس‪.‬‬
‫د‬
‫أرواحنا تشكوا من اإلفالس‪.‬‬

‫أيامنا تدور بين الذّار و الشطرنج و النعاس‪.‬‬


‫هل ذ(نحن خير أ ّمة أخرجت للناس)؟‪.‬‬

‫صحاري‪.‬‬‫كان بوسع نفطنا الدافق في ال ّ‬


‫خنجرا من لهب و نار‪.‬‬
‫ً‬ ‫أن يستحيل‬
‫لكنّـه‪.‬‬
‫و أخجلة األشراف من قريش‪.‬‬
‫و أخجلة األحرار من أوس و من نزار‪.‬‬
‫يراقه تحت أرجل الجواري‪.‬‬

‫نركض في الشوارع‪.‬‬
‫نحن تحت أبطالنا الحباال‪.‬‬
‫نمارس السّحر بال تبصر‪.‬‬
‫نحطم الزجاج و األقفال‪.‬‬
‫نمدح كالضفادع‪.‬‬
‫نشم كالضّفادع‪.‬‬
‫نجعل من أقزامنا أبطال‪.‬‬
‫نجعل من أشرافنا أنذال‪.‬‬
‫نرتجل البطولة ارتجال‪.‬‬
‫نقعد في الجوامع‪.‬‬
‫تنابال كسالى‪.‬‬
‫نشطر األبيات‪...‬أو نؤلف األمثال‪.‬‬
‫نشحذ النصر على عدونا‪.‬‬ ‫و م‬
‫من عنده تعالى‪.‬‬
‫لو أحد يمنحني األمان‪.‬‬
‫لو كنت أستطيع أن أقابل السلطان‪.‬‬
‫قلت له يا سيّدي السلطان‪.‬‬
‫مزقت ردائي‪.‬‬ ‫كالبك المفترسات ّ‬
‫و مخبورك دائ ًما ورائي‪.‬‬
‫عيونهم ورائي‪.‬‬
‫أنوفهم ورائي‪.‬‬
‫أقدامهم ورائي‪.‬‬
‫كالقدر المحتوم‪ ،‬كالقضاء‪.‬‬
‫يستجوبون زوجتي‪.‬‬‫و‬
‫و يكتبون عندهم أسماء أصدقائي‪.‬‬
‫يا حضرة السّلطان‪.‬‬

‫ألنّني اقتربت من أسوارك ال ّ‬


‫صماء‪.‬‬
‫ألنّنـي‪.‬‬
‫حاولت أن أكشف عن حزني و عن بالئي‪.‬‬
‫ضربت بالحذاء‪.‬‬
‫أرغمني جندك أن آكل بالحذاء‪.‬‬
‫يا سيّدي‪.‬‬
‫يا سيّدي السلطان‪.‬‬
‫لقد خسرت الحرب مرتين‪.‬‬
‫ألن نصف شعبنا‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ليس له لسان؟‪.‬‬
‫ما قيمة الشعب الذي‪.‬‬
‫ليس له لسان؟‪.‬‬
‫ألن نصف شعبنا‪.‬‬ ‫ّ‬
‫محاصر كالنّمل و الجرذان‪.‬‬
‫في داخل الجدران‪.‬‬
‫لو أحد يمنحني األمان‪.‬‬
‫من عسكر السّلطان‪.‬‬
‫قلت له‪:‬‬
‫لقد خسرت الحرب مرتين‪.‬‬
‫ألنّك إن فصلت عن قضية اإلنسان‪.‬‬
‫لو أنّنا لم ندفن الوحدة في التراب‪.‬‬
‫لو لم نمزق جسمها ّ‬
‫الطري بالحراب‪.‬‬
‫لو بقيت في داخل العيون و األهداب‪.‬‬
‫استباحت لحمنا الكالب‪.‬‬
‫لما ك‬
‫نريد جيالً غاضبًا‪.‬‬
‫نريد جيالً يفلح األفاق‪.‬‬
‫و ينكش التاريخ من جذوره‪.‬‬
‫و ينكش الفكر من األعماق‪.‬‬
‫نريد جيالً قاد ًما مختلف المالمح‪.‬‬
‫ال يغفر األخطاء‪ ،‬ال يسامح‪.‬‬
‫ال ينحني‪ ،‬ال يعرف النفاق‪.‬‬
‫نريد لجيالً رائدًا‪...‬عمالق‪.‬‬

‫يا أيّها األطفال‪.‬‬


‫من المحيط للخليج‪ ،‬أنتم سنابل اآلمال‪.‬‬
‫و أنتم الجيل الذي سيكسر األغالل‪.‬‬
‫و يقتل األفيون في رؤوسنا‪.‬‬
‫و يقتل الخيال‪.‬‬
‫يا أيها األطفال أنتم بعد طيبون‪.‬‬
‫و طاهرون‪ ،‬كالنّدى و الثلج‪ ،‬طاهرون‪.‬‬
‫ال تقرؤوا عن جيلنا المهزوم يا أطفال‪.‬‬
‫فنحن خائبون‪.‬‬
‫و نحن مثل قشرة البطيخ‪ ،‬تافهون‪.‬‬
‫و نحن منخورون‪ ،‬منخورون كالنّعال‪.‬‬
‫تقرؤوا أخبارنا‪.‬‬
‫ال ش‬
‫ال تقتفوا آثارنا‪.‬‬
‫ال تقبلوا أفكارنا‪.‬‬
‫فنحن جيل القيء‪ ،‬و الزهري‪ ،‬و السّعال‪.‬‬
‫و نحن جيل الدجل‪ ،‬و الرقص على الحبال‪.‬‬
‫يا أيها األطفال‪.‬‬
‫يا مطر الربيع‪ ،‬يا سنابل اآلمال‪.‬‬
‫أنتم بذور الخصب في حياتنا العميقة‪.‬‬
‫(‪)62‬‬
‫ش الجيل الذي سيهزم الهزيمة‪.‬‬ ‫و أنتم‬

‫)‪ (62‬نزار قباني‪ :‬األعمال السياسية الكاملة‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪.487‬‬


‫تحليـل قصيـدة هـوامـش علـى دفتـر النكسـة ‪:1967‬‬
‫ّ‬
‫إن هذه القصيدة الغاضبة من الشعر الحر كتبها الشاعر عبر محطات تختلف مقاطعها بين فكرة و أخرى‪،‬‬
‫ع دد فقراتها عشر محطات‪ ،‬تدخل ضمن إطار الشعر السياسي و الوطني الذي فجرته هزيمة حزيران ‪1967‬‬
‫التي تمثل هزيمة العرب العسكرية و السياسية‪ ،‬و نقسم تصميمها من حيث المضامين إلى عشرة أفكار أساسية‪ ،‬و‬
‫تتكون القصيدة من مائة و سبعة وأربعين بيتًا‪.‬‬
‫داللـة العنـوان‪:‬‬
‫هوية متكررة عند نزار‪ ،‬حيث نجد لـديه العديد من قصائد التي «هوامش على فترة النكسة»يمثل العنـوان‬
‫‪« ،‬اليـوميـات السـرديـة لقصيـدة عـربيـة»‪« ،‬هوامش على دفتر الهزيمة»تصب في نفس اإلطار و منهـا‬
‫الخ فهي تصب في «الكتابة بالحبر السري»‪« ،‬إلى أين يذهب موتى الوطن»‪« ،‬تـاريخنـا ليـس سـوى إشـاعـة»‬
‫اإلطار السياسي‪.‬‬

‫‪ ،‬يراها أ ّنها متكونة من أربع ملفوظات «هوامش على دفتر النّكسة»و لعل القارئ لعنوان القصيدة‬
‫صا هوامش‪/‬على‪/‬دفتر‪/‬النكسة و الذي يقوم‬ ‫متعالقة ببعضها البعض و هذا التعالق و التباين يعطينا مدلوالً خا ً‬
‫بتفكيك هذه األلفاظ يكشف البعد ال مأساوي أو األبعاد التهميشية لحادثة النكسة (انهزام العرب في ‪1967‬م)‪ ،‬حيث‬
‫يبدأ العنوان بكل مة "هوامش" و هذه الكلمة تدل و تحيل إلى التهميش و األبعاد و االستثناء‪...‬الخ‪.‬‬

‫كما نجد حرف الجر "على" الذي يربط بين لفظة هوامش و لفظة "دفتر" و الذي يعتبر ملتقيًا‪.‬‬

‫هوامــش‬ ‫دفتــر النكسة‬

‫المعجـم اللغـوي‪:‬‬
‫أ‪ -‬حقـل الحـزن‪ :‬ينزوي تحت هذا الحقل العديد من الملحوظات فنجد مثالً لفظة "أنعي" التي نجدها في العديد من أبيات القصيدة مثال في‬
‫البيت األول من القصيدة من المجموعة"أ"‪.‬‬
‫أنعي لكم‪ ،‬يا أصدقائي‪ ،‬اللغة القديمة‪.‬‬
‫أ‬
‫باإلضافة إلى ألفاظ عديدة متنوعة على مساحة القصيدة منها الهزيمة‪ ،‬وطني‪ ،‬الحزين‪ ،‬بالئي‪ ،‬نمزق‪ ،‬خسرنا‪ ،‬يوجعني‪ ،‬اللّيل‪،‬‬
‫السّرداب‪.‬‬
‫ب‪ -‬حقـل الوسائـل‪ :‬اللغة‪ ،‬الكتب‪ ،‬األحذية‪ ،‬السكين‪ ،‬الطبلة‪ ،‬الربابة‪ ،‬النّاي‪ ،‬المزمار‪ ،‬السّيف‪ ،‬عيون‪ ،‬أنوف‪ ،‬أقدام‪ ،‬الزار‪ ،‬الشطرنج‪،‬‬
‫النفط‪ ،‬كالب‪ ،‬خنجر‪...‬الخ‪.‬‬
‫سخريـة‪ :‬الشتيمة‪ ،‬قشرة الحضارة‪ ،‬روح الجاهلية‪ ،‬عيوبنا‪ ،‬النباح‪ ،‬السرداب‪ ،‬نقودنا مجهولة‪ ،‬عيوننا مرافئ الذباب‪،‬‬ ‫ج‪ -‬حقـل ال ّ‬
‫اإلفالس‪ ،‬الضفادع‪ ،‬النمل‪...‬الخ‪.‬‬
‫د‪ -‬حقـل األمـل و التحفيـز‪ :‬األطفال‪ ،‬سنابل اآلمال‪ ،‬يكسر األغالل‪ ،‬يقتل األفيون‪ ،‬يقتل الخيال‪ ،‬طيبون‪ ،‬تغسلوا أفكاركم‪ ،‬تقرؤوا كتاب‪،‬‬
‫تزرعوا الحروق‪ ،‬تبحروا‪.‬‬
‫ه‪ -‬حقـل القبائـل‪ :‬قريش‪ ،‬أوس‪ ،‬اليهود‪.‬‬
‫و‪ -‬حقـل المراتـب‪ :‬األصدقاء‪ ،‬الشرقي‪ ،‬الحضارة‪ ،‬الجاهلية‪ ،‬السلطان‪ ،‬أبطال‪ ،‬أنذال‪ ،‬مخبرون‪ ،‬جند‪ ،‬شعب‪ ،‬عسكر‪.‬‬
‫ز‪ -‬حقـل القيـم‪ :‬الشجاعة‪ ،‬األشراف‪ ،‬األبطال‪ ،‬األنذال‪...‬الخ‪.‬‬
‫ح‪ -‬حقـل العـرب‪ :‬الشرقي‪ ،‬الصحاري‪ ،‬قريش‪ ،‬أوس‪ ،‬نزار‪ ،‬المحيط‪ ،‬الخليج‪ ،‬الجوامع‪ ،‬الدجل‪.‬‬
‫‪ -3‬الجملـة الشعريـة‪:‬‬
‫من الشعر الحر فهي تتكون من أبيات مختلفة الحجم‪ ،‬لكن نجد أغلبها «هوامش على دفتر النكسة»قصيدة‬
‫قصيرة من الطويلة‪ ،‬حيث نجد أطول بيت يتكون من ستة ملفوظات‪ ،‬وأقصره من ملفوظين‪.‬‬

‫فمثالً في الفقرة األولى "أ" من القصيدة‪.‬‬


‫أنعي لكم يا أصدقائي‪ ،‬اللغة القديمة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫و الكتب القديمة‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أنعي لكم‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫كالمنا المثقوب كاألحذية القديمة‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫و مفردات العهر‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫أنعي لكم‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫فمثالً نجد في البيت األول من الفقرة "أ" ستّة ملفوظات‪:‬‬
‫‪ -1‬أنعي‪ -2 ،‬لكم‪ -3 ،‬يا‪ -4 ،‬أصدقائي‪ -5 ،‬اللغة‪ -6 ،‬القديمة‪.‬‬
‫أما بالنسبة للبيت الثاني فيتكون من ملفوظتين اثنتين‪:‬‬
‫‪ -1‬الكتب‪ -2 ،‬القديمة‪ ،‬و كذلك بالنسبة للبيت الثالث من الفقرة "أ" ‪ -1‬أنعي‪ -2 ،‬لكم‪.‬‬
‫ثم يواصل في الجمل الطويلة فنجده يمزج بينها و بين القصيرة‪ ،‬ثم يعود إلى الطويلة ففي البيت الرابع من العقدة‬
‫"أ" نجد أربع ملفوظات هي على التوالي كما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬كالمنا‪ -2 ،‬المثقوب‪ -3 ،‬كاألحذية‪ -4 ،‬القديمة‪.‬‬
‫و نفس الشيء نجده في البيت الذي يليه ‪ -1‬و مفردات‪ -2 ،‬العهر‪ -3 ،‬الهجاء‪ -4 ،‬الشتيمة‪.‬‬

‫أما بالنسبة لقضية القصر في األبيات‪ ،‬و هذا نجده في البيتين السادس و السابع من الفقرة "أ"‬

‫‪ -1‬أنعي‪ -2 ،‬لكم‪.‬‬

‫ثم يعود في البيت األخير إلى اإلطالة فيه‪ ،‬و المتكون في حدّ ذاته من ستة ملفوظات‪.‬‬
‫‪ -7‬نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة‪.‬‬
‫و هذا ما بيّن لنا ّ‬
‫أن الشاعر قادر على التعبير و التحكم في شعره‪ ،‬من حيث طولها وقصـرها‪ ،‬و هذا ما يبرز لنا‬
‫طابعًا م ً‬
‫ميزا باإلضافة إلى جلبه لعدد كبير من القراء‪.‬‬
‫فهي «أنعي لكم»كما نجد ظاهرة التكرار بارزة في شعره فمث ً‬
‫ال نجد في فقـرة "أ" تكرار في جملـة‬
‫متكررة أربع مرات في كل من البيات (‪ )7 ،6 ،3 ،1‬من الفقرة "أ"‪.‬‬

‫كذلك عبارة «لو أحد يمنحني األمان» فهي مذكورة في كل من الفقرة "م" من البيت ‪.85‬‬

‫كذلك عبارة «يا أصدقائي» فهي متكررة ثالث مرات في كل من األبيات التالية (‪.)55 ،52 ،1‬‬

‫كذلك عبارة يا أيها األطفال فهي متكررة في كل من األبيات التالية‪.)129،135،146( :‬‬

‫داللـة المضمـون‪:‬‬
‫كما ذكرنا سالفًا هته األبيات الشعرية هي من الشعر الوطني السياسي‪ ،‬و هي تعتبر أول قصيدة سياسية‬
‫وطنية‪ ،‬التي قالها أثر هزيمة العرب في حزيران ‪ 1967‬م‪ ،‬و هي بمثابة صرخة إذ تعبر عن الجرح الذي أحدثه‬
‫خناجر اليهود المقوسة إلى كل جسم عربي‪ ،‬و نزار في هذا الصدد يوجه اتهاماته إلى القادة و السلطات العربية‬
‫اثر تخاذلهم أمام آمال هذه الشعوب‪ ،‬وبالرغم من ذلك لو يبق نزار صامدًا أمام هذا الوضع‪ ،‬إن بكلماته المأثرة‬
‫استطاع أن يمنح لهذه الشعوب آماالً خاصة من قبل األجيال القادمة التي تستطيع أن تعيد لنا رفع الرؤوس بعد‬
‫طأطأتها‪.‬‬

‫و لهذا فارتأينا إلى تقسيم النص الشعري إلى عشرة فقرات‪ ،‬كل واحدة منها تحمل فكرة رئيسية‪ ،‬و تصب‬
‫‪«.‬هوامش على دفتر النكسة»كلّها في فكرة واحدة هي موضوع القصيدة أو عنوانها و هي‬

‫فالفكـرة األولـى‪:‬‬

‫تمثل موقف الشاعر من الشعب العربي إثر النكسة العربية ‪1967‬م عنوانها الشاعر والشعب العربي‪ ،‬و‬
‫إلى غاية البيت «أنعي لكم يا أصدقائي‪ ،‬اللغة القديمة‪»...‬نجدها في الفقرة األولى و المتكونة من ‪ 7‬أبيات من‬
‫‪«.‬نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة»السابع‬

‫الفكـرة الثانيـة‪:‬‬

‫تجسد في موقف الشاعر المتألم من وطنه‪ ،‬و شدة تمسكه بقضية وطنه‪ ،‬و الذي عبّر عنها بلغة قوية و هي‬
‫شاعر يكتب »لغة الصميم‪ ،‬و كيف ال فهو يعبر بكلمة السكين الرشاش و غيرها من الكلمات و عنوان الفكرة هي‬
‫ال بد من أن نخجل من » إلى غاية «مالحة في فمنا القصائد‪ »...‬و تمتد هذه الفقرة من البيت الثامن «بلغة السكين‬
‫‪«.‬أشعارنا‬

‫الفكـرة الثالثـة‪:‬‬

‫و تصب في نقد نزار لعيوبنا الفكرية و السلوكية التي كانت سببًا رئيسيًا في الهزيمة وحتى لم تكترث إليه‬
‫إذا خسرنا » و تمتد الفقرة من البيت التاسع عشر «عيوبنا و سببها للنكسة»العرب‪ ،‬و فكرة الفقرة كالتالي‪:‬‬
‫‪«.‬ال يحدث انتصار» إلى غاية البيت الرابع و الثالثين «الحرب‪...‬ال غرابة‬

‫الفكـرة الرابعـة‪:‬‬

‫ظهور تراجع في فكر و سلوك األمة العربية التي أصبحت ال تكترث لما يدور حولها من أوضاع مزرية‪،‬‬
‫هل »و مؤلمة و حتى غاضبة ألنّها ال قلب لها في هذه الحياة‪ ،‬ففكرتها مقتبسة من آية قرآنية تعكس واقعنا المرير‬
‫«كلفنا ارتجالنا» و تظهر من خالل األبيات التالية من البيت الخامس و الثالثون «نحن خير أ ّمة أخرجت للناس؟‬
‫‪(«.‬نحن خير أ ّمة أخرجت للناس؟)»إلى غاية البيت الرابع و الستين هل‬

‫الفكـرة الخامسـة‪:‬‬

‫سالح الفعال الذي تمتلكه و ال نعرف استغالله في الوقت المناسب‪ ،‬و نهون‬ ‫يدور حول فكرة و قضية ال ّ‬
‫كبيرا‪.‬‬
‫بهذا الرزق الذي روقنا به‪ ،‬فهو كنز يحرق به األعداء ولم نحرقه‪ ،‬فأهملنا هذا الذهب إهماال ً‬
‫و يمتد من البيت الرابع و الستون «البترول سالح مهمل»فهذه الفقرة تتمحور حول فكرة أساسية هي‬
‫‪«.‬يراق تحت أرجل الجواري» إلى غاية البيت التاسع و ستون «كان بوسع نفطنا الدافق في الصحاري»‬
‫الفكـرة السادسـة‪:‬‬

‫و تدور حول سياسة نظـام الحكم السائـد في الوطن العربي‪ ،‬والممـارسات الالقانونية و الالمشروعية من‬
‫قبل سلطة و حكام معظم األقطار العربية‪ ،‬حيث تكثر سياسة االحتقار والظلم و القمع للمواطنين‪ ،‬و حتى ممارسة‬
‫و تمتد من البيت السبعين «الحكم و سياسة التعسف»سياسة اإلرهاب على هذه الشعوب الظالمة و عنوان الفقرة‪:‬‬
‫‪«.‬من عنده تعالى» إلى غاية البيت الثالث و الثمانون «تركض في الشوارع»‬

‫الفكـرة السابعـة‪:‬‬

‫موجهة إلى النظام القائم و دوره في حصار الشعوب و القضاء على الحريات‪ ،‬و أثرها في الهزائم الكثيرة‬
‫و المتكررة الواحدة تلوى األخرى أل ّمتنا العربية‪ ،‬و ال حل لهذا األمر من طرفهم و رافضين حتى عن هذا‪ ،‬و‬
‫‪«.‬يا سيّدي الحاكم»عنوان هذه الفقرة‬

‫ألنّك » إلى غاية البيت مائة والخامس عشر «لو أحد يمنحني األمان»و تمتد من البيت الرابع و الثمانون‬
‫‪«.‬انفصلت عن قضية اإلنسان‬

‫الفكـرة الثامنـة‪:‬‬

‫قوة و في التشتت ضعف‪ ،‬و‬ ‫تقوم على إبراز قيمة الوحدة العربية و التالحم فيما بينها‪ ،‬و في التالحم ّ‬
‫صمود»عنوانها‬‫لو أنّنا لم ندفن الوحدة » و تمتد من البيت المائة و السادس عشـر «الوحدة العربية رمز القوة و ال ّ‬
‫‪«.‬لما استباحت لحمنا الكالب» إلى غـاية البيت المائـة و تسعة و عشـرون «في التراب‬

‫الفكـرة التاسعـة‪:‬‬

‫تشير إلى الت فكير في استعادة مكانة العرب و الثأر و رد االعتبار للوجود اإلنساني و لألمة العربية‪ ،‬و هذا‬
‫ال يتم إالّ بالبحث عن جيل ثائر و متمرد و قوي وعمالق و غاضب‪ ،‬من أجل ذلك‪ ،‬و يبدأ من البيت مائة و‬
‫‪«.‬نريد جيالًََ ‪...‬رائدًا‪...‬عمالقًا» إلى غاية البيت مائة و سبعة وعشرين «نريد جيالً غاضبًا»عشرون‬

‫الفكـرة العاشـرة‪:‬‬

‫صاعد المتمثل في‬ ‫و هي الفكرة األخيرة التي يخاطب فيها آمال و مستقبل األمة العربية‪ ،‬و هو الجيل ال ّ‬
‫حب »أطفالها الذين سيغيّرون في بناء أ ّمتهم و هي تحت أقدامهم حقا هذه األمانـة و حفظها و حبّها إذ كما يقـال‪:‬‬
‫و يمتد هذا البيت من المـائـة و «األطفال سنابل في استرجاع اآلمال» و عنـوان هذه الفقـرة «الوطـن من اإليمـان‬
‫وأنتم الجيل الذي » إلى غاية البيت األخير المائة و السابع و األربعون «يا أيّها األطفال»ثمانيـة و عشـرون‬
‫‪«.‬سيهزم الهزيمة‬

‫و هذه األبيات الشعرية التي برهنت على مدى حب نزار قباني لوطنه الذي حوله من شاعر الحب إلى‬
‫شاعر يكتب بالسكين‪ .‬كما ذكر ذلك من خالل البيت الرابع عشر و الخامس عشر‪.‬‬
‫فلسطيـن القضيـة‪:‬‬
‫لقد اختلف موقف الشعراء من بعض القضايا القومية و السياسية الكبرى و أهمها فلسطين‪ ،‬فعبّر بعض‬
‫الشعراء عنها بما يواكب ما أثارت من أوضاع سياسية و اجتماعية و قومية ودولية‪ ،‬و عبّر عنها آخرون كتجربة‬
‫(‪)63‬‬
‫كبرى و مأساة إنسانية جسيمة امتزجت بالموت و الحنين والغربة‪.‬‬

‫من بين هؤالء الشاعر العربي نزار قباني‪ ،‬الذي وجد في الواقع المأساوي الفلسطيني األرضية الخصبة‬
‫لكتاباته‪ ،‬فتولدت لديه مشاعر التشرد و االغتراب و الحسرة‪...‬‬
‫و كان لهذه األحاسيس الثورية األثر الكبير في تشكيل صوره الشعرية المختلفة و التي ال تعكس إالّ‬
‫المعانات النفسية للشعب الفلسطيني‪ ،‬فلقد تفاعل مع القضية الفلسطينية و رافقها خطوة بخطوة بداية من النكبة إلى‬
‫يومنا هذا‪ ،‬و تتمثل ثورة الشاعر على هذا المستوى فيما تؤدّيه قصائده من دور نضالي مقاوم داخل الحركات‬
‫ضا أن يسهم إسها ًما فاعالً في‬
‫الجماهيرية‪ ،‬فالمقاومة ليست فقط أن يقف الشاعر‪ ،‬موقف الضد من العدو و لكن أي ً‬
‫توعية اإلنسان على قضاياه ثم المشاركة في أهدافه‪.‬‬
‫فنزار يرى ّ‬
‫أن وظيفة الشعر أن يقتل ا لوحش الذي استوطن كل مدينة عربية‪...‬من القرن العاشر (فلسطين)‬
‫(‪)64‬‬
‫و ال زال يأكل أطفالها و يسبي نسائها‪ ،‬و يمأل بالرعب لياليها‪.‬‬

‫إذن أمام حقيقة فلسطين المؤلمة‪ ،‬و أمام وعي الشاعر بعدالة القضية الفلسطينية‪ ،‬عبّر نزار بصدق عن الواقع‬
‫المر الذي تعيشه و بأقصى المعاني‪ ،‬و هي معاني الموت‪...‬التشرد والتمزق‪...‬‬
‫ّ‬
‫سعير‪.‬‬
‫من آخر األرض‪ ،‬من ال ّ‬

‫صغيـر‪.‬‬
‫جاؤوا إلـى موطننا ال ّ‬
‫موطــن المسالـم الصغيـر‪.‬‬
‫ّ‬
‫فـلطخــوا ترابنـــــا‪.‬‬

‫و أعدمـــوا نساءنـــا‪.‬‬

‫)‪ (63‬عبد القادر قط‪" ،‬االتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر"‪ ،‬ط‪ ،1‬دار النهضة‪ ،‬ص ‪.534‬‬
‫)‪ (64‬نزار قباني‪" ،‬قصتي مع الشعر"‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،1973 ،‬ص ‪.220‬‬
‫(‪)65‬‬
‫و يـتمـــوا أطفالنـــا‪.‬‬

‫إن نزار يتحدث في هذه المقطوعة عن فلسطين‪ ،‬التي آلت إلى ذكرى وطن‪ ،‬ذكرى لشاعر قديم‪ ،‬و ذكرى‬
‫لطفولة حالمة‪ ،‬في أمان و سالم‪ ،‬في وطن قد كان سال ًما‪..‬إنّه يصف الظروف القاسية التي يعيشها أبناء الشعب‬
‫التشرد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الفلسطيني و أخطرها التمزق و‬
‫ّ‬
‫إن األرض و الفالح و اإلصرار بالنسبة لنزار منبع واحد يعبّر فيه عن حقيقة واحدة‪ ،‬هي التعلق بالوطن و‬
‫النضال من أجله‪ ،‬و من أجل البقاء يقول‪:‬‬

‫و انشغلـت في والدي كرامـة التراب‪.‬‬

‫فصـاح فيهــم‪ :‬اذهبـوا إلى الجحيم‪.‬‬

‫(‪!!)66‬لن تسلبوا أراضي يا ساللة الكـالب‬

‫إذن مهما حاول المغتصب أن يبعد المواطن الفلسطيني عن أرضه فلن يستطيع ّ‬
‫ألن تعلقه بها أكبر من أي اعتبار‪،‬‬
‫فهي تعني وجوده‪.‬‬

‫كما تحدث نزار عن الواقع الفلسطيني‪ ،‬كشف في شعره كذلك سياسة العمالء بشعارات مختلفة‪ ،‬كلّها‬
‫أباطيل و ظالل و أضاعوا بها فلسطين‪:‬‬

‫حين تصير بلـدة بأسرهـا‪.‬‬

‫مصيدة‪...‬و الناس كالفئران‪.‬‬

‫و تصير الجرائد الموجهة‪.‬‬

‫أوراق نفي تمأل الحيطان‪.‬‬

‫بمـوت كل شــيء‪...‬‬
‫(‪)67‬‬
‫بمـوت كل شــيء‪...‬‬

‫هذا الشاعر ساخط عن الوضع الذي آلت إليه البالد من جراء سياسة الحكام _العمالء_ كما تعرض في‬
‫شعره إلى المكانة التي احتلها هؤالء بما نالوا من المناصب الهامة التي وضعتهم فيها ظروف البالد البائسة‪،‬‬
‫فصاروا زعمائها و قادتها في وقت محنتها‪ ،‬يتنعمون بخيراتها‪ ،‬و إن عاد على البالد الشقاء و الخراب نتيجة‬
‫إهمالهم و أنانيتهم‪:‬‬

‫حيـن يصير الناس في مدينة‪.‬‬


‫(‪)68‬‬
‫عـا مفقوعـة العيـون‪.‬‬
‫ضفاد ً‬

‫)‪ (65‬نزار قباني‪" ،‬األعمال السياسية الكاملة"‪ ،‬منشورات نزار قباني‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،1981 ،‬ص ‪.31‬‬
‫)‪ (66‬نزار قباني‪" ،‬األعمال السياسية الكاملة"‪ ،‬منشورات نزار قباني‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،1981 ،‬ص ‪.31‬‬
‫)‪ (67‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.102‬‬
‫)‪ (68‬نفسه‪ ،‬ص ‪.104‬‬
‫‪...‬‬

‫حيـن يصير العدل في مدينة‪.‬‬


‫(‪)69‬‬
‫سفينــة يركبهـا قرصـان‪.‬‬

‫‪...‬‬

‫حيـن تصير أ ّمـة بأسرهـا‪.‬‬

‫ماشية تعلف في زربية السلطـان‪.‬‬

‫يختنق األطفال فـي أرحامهم‪.‬‬

‫و تجهــض النســــاء‪.‬‬
‫(‪)70‬‬
‫و سقط الشمس على ساحاتنا‪.‬‬

‫مـشنقـــة ســوداء‪...‬‬

‫كما يندر نزار بهم‪ ،‬فلقد باعوا فلسطين مزايدين بها لمن يدفع الثمن الغالي‪ ،‬و ال ه ّم لهم غير نفع وقتي‪،‬‬
‫مال‪ ،‬أو جاه‪ ،‬أو سلطان‪ ،‬أو شهرة عارضة‪ ،‬و ال يحسبون الوطن أو أهله أو شرف البالد‪:‬‬

‫طــــوب لكــــم‪...‬‬

‫على يديكم أصبحت حدودنا‪.‬‬

‫مــــــــن ورق‪...‬‬

‫فألـــف تشكـــرون‪.‬‬

‫على يديكم أصبحت بالدنا‪.‬‬

‫امـــرأة مباحـــة‪...‬‬
‫(‪)71‬‬
‫فألـــف تشكـــرون‪.‬‬

‫و يصرخ الشاعر في وجه هؤالء الحكام‪ ،‬معل ًنا سخطه و رفضه صفقات البيع التي يجرونها على الشعب‬
‫بأن نزاعهم و خصوصياتهم إنّما هي لخالفهم على أطماعهم الخاصة ال لتحرير فلسطين‪:‬‬
‫الفلسطيني‪ ،‬و يعرض ّ‬

‫الناس في القاعة يشتمون‪...‬يبهقون‪.‬‬

‫كانــت فلسطيـــن لكـــم‪.‬‬


‫(‪)4‬‬
‫دجاجة‪ ،‬من بيضها الثمين تأكلون‪.‬‬

‫)‪ (69‬نزار قباني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.105‬‬


‫(‪ )70‬نفسه‪ ،‬ص ‪.109‬‬
‫)‪ )4( – (71‬نزار قباني‪" ،‬األعمال السياسية الكاملة"‪ ،‬منشورات نزار قباني‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،1981 ،‬ص ‪.111-110‬‬
‫لكن سرعان ما تتبدد كل هذه الصور األليمة في شعر نزار‪ ،‬و يعود إليه التفاؤل و األمل بالنصر‪ ،...‬و‬
‫بكلمات مناضلة‪ ،‬مقاومة‪ ،‬يعبر نزار عن إيمانه بعدم استمرارية هذا الواقع المؤلم واقع االحتالل‪ .‬فهو يؤمن أنّه‬
‫حين تسود أوساط الشعب المشرد مظاهر البؤس و التعاسة‪ ،‬يصبر الشعب‪ ،‬و يثبت في محنته‪ ،‬و يعاني ضراوة‬
‫الواقع برجولة و حزم‪ ،‬فال يشكو و ال يتذمر‪.‬‬

‫و بعـدمــا قتلنـــا‪..‬‬

‫و بعدمـا صلـوا علينـا‪.‬‬

‫بعـدمـــا دفـنّـــا‪.‬‬

‫‪...‬‬

‫جــاءت إلينــا فتـح‪.‬‬

‫كوردة جميلـة طالعـة من جـرح‪..‬‬


‫(‪)72‬‬
‫كنبع ماء بارد يروي صحارى ملحى‪.‬‬
‫إذن الفرج جاء مع فتح‪ ،‬التي أضاءت شعلة األمل من جديد في نفوس الفلسطينيين كما يبين نزار ّ‬
‫أن النكبة‬
‫أن تحققها ال يكون بالبكاء و‬ ‫التي أصابت الشعب الفلسطيني‪ ،‬أذكرت فيه شعلة األمل بالعودة إلى وطنه‪ ،‬فأيقن ّ‬
‫الرضا بالواقع ال ُم ْر‪ ،‬و إنّما بالعمل المثمر الجاد‪ ،‬و إعداد العدّة لالنتقام و الثورة‪:‬‬

‫و فجـأة ثرنا‪..‬على أكفاننـا‪ ،‬و قمنا‪..‬‬

‫و فجـــأة‪...‬‬
‫(‪)73‬‬
‫كالسيّد المسحي‪ ،‬بعد موتنا نهضنـا‪.‬‬
‫ّ‬
‫وكأن الشاعر‬ ‫كرمزا لعذاب الشعب الفلسطيني‪ ،‬فهو يعبر عن صموده‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يستحضر الشاعر شخصية المسيح‬
‫يستعرض موقف اإلنسانية و التاريخ من قضية الشعب الفلسطيني و حقه في األرض و الوطن‪...‬‬

‫فنزار يؤمن بالفرح القادم من عمق الغليان و عمق الشعب الصامد‪..‬‬

‫مهما تأخروا‪ .‬فإنّهم يأتون‪.‬‬

‫فـي حبّــة الحنطــة‪.‬‬

‫أو فـي حبّـة الزيتـون‪.‬‬


‫(‪)3‬‬
‫يأتون في األشجار و الرياح‪ ،‬و الغصون‪.‬‬

‫)‪ (72‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.139‬‬


‫)‪ )3( – (73‬نفسه‪ ،‬ص ‪.141 -140‬‬
‫هذه المقطوعة الصغيرة تقوم بدور التحريض و بث الحماس الجماهيري في أوساط الشعب‪ ،‬فنزار قباني‬
‫أن حصاد التضحية‬‫يأخذ من الطبعة صورا بليغة المعاني و يربطها بالقضية الفلسطينية عاطفيًا‪ ،‬فهو بذلك يؤكد ّ‬
‫هو الحيز لألرض و الوطن‪.‬‬

‫و يمثل الشاعر العنفوان العربي و اإلرادة التي ال تقهر‪ ،‬فهو متفائل ينبض النور من الظالم‪ ،‬والماء من الصخر‪:‬‬

‫تسعـون مليـون من األعراب‪..‬‬

‫خلــف األفـق غاضبــون‪.‬‬

‫يــا ويلكـم مـن ثأرهــم‪.‬‬


‫(‪)74‬‬
‫يــوم مـن القمـم يطلعـون‪.‬‬

‫يصور نزار الدم العربي يغلي في عروق العرب جميعًا فيدفعهم لخوض معركة الثأر الفاضلة مع األعداء‪،‬‬
‫حيث يجمع التاريخ أشتات العرب في الحاضر‪ ،‬كما جمعهم في الماضي‪ ،‬وحيث تجمعهم في الحاضر وحدة‬
‫المصير فتتخذ جيوشهم تحت لواء واحد‪...‬و قائد واحد‪...‬ويسيرون نحو هدف واحد لتحرير فلسطين‪ .‬و نجد نزار‬
‫و قد بلغت به ثورة النفس‪ ،‬وثورة العاطفة حد اليأس و القنوط‪ ،‬فهو يريدها ثورة شاملة‪...‬يريد من الشاعر العربي‬
‫أن يثور بقلمه لينشر الوعي‪...‬و من العقل العربي أن يثور ضد الجمود‪...‬و من العصر أن يثور ليساند القضية‬
‫الفلسطينية‪...‬حتى ال يصير أبناء الشعب الفلسطيني كلّه الجئ‪ ،‬و تضيع الهوية تحت كل خيمة‪ ،‬و ال يبقى مجاال‬
‫للشعور باالنتماء أو الشعور باألمل‪.‬‬

‫يـا شعرنـا كـن غاضبًـا‪.‬‬

‫يـا نثـرنـا كـن غاضبًـا‪.‬‬

‫يـا عقـلنـا كـن غاضبًـا‪.‬‬

‫يـا حقـدنـا كـن حاقــدًا‪.‬‬

‫كي ال نصير كلّنا قطيع الجئين‪.‬‬


‫(‪)75‬‬

‫و يزداد وعي الشاعر بعمق القضية‪ ،‬فينقلب شعره إلى نوع من الثورة و الغضب‪ ،‬فهو يؤمن بأنّه ال يوجد‬
‫جسرا للنصر‪ ،‬فإ ّما النصر بالبندقية‪ ،‬و إ ّما الموت‪:‬‬
‫ً‬ ‫غير الفدائي‬

‫فقضيـة السـالم مسرحيـة‪.‬‬

‫و العــــدل مسرحيــة‪.‬‬

‫إلى فلسطيــن طريق واحد‪.‬‬


‫(‪)76‬‬
‫فوهة بندقيـة‪.‬‬
‫يمـر مـن ّ‬
‫ّ‬

‫)‪ (74‬نزار قباني‪،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.109‬‬


‫)‪ (75‬نزار قباني‪" ،‬األعمال السياسية الكاملة"‪ ،‬ص ‪.148‬‬
‫)‪ (76‬نفسه‪ ،‬ص ‪.330‬‬
‫ّ‬
‫إن هذه الم قطوعة الصغيرة تعبر عن إنسانية الثورة الفلسطينية أجمل تعبير و ترسم معالمها و أهدافها‬
‫بدقة‪ ،‬و أمانة‪ ،‬و تبين هويّتها التي تقوم على الفدائي‪.‬‬

‫تتشكل تجربة نزار من خالل هذه المقطوعة من أعماق المأساة‪ ،‬حيث يصبح الفداء هو األمل الوحيد لوالدة‬
‫جديدة أو حياة أفضل و ال حقيقة غير الفداء‪.‬‬

‫يتأسف الشاعر عن فلسطين القضية التي آلت إلى مجرد كالم‪...‬و تحولت قضيتها من يوم إلى آخر مجرد احتفاء‪:‬‬

‫عن فلسطين التي صارت مع األيام‪.‬‬

‫احتفاالً مثل عيد الفطر‪..‬و األضحى‪..‬‬


‫(‪)77‬‬
‫أرجيـح و كع ًكـا و فطائــــر‪.‬‬

‫هكذا استمد الشاعر ما في الواقع الفلسطيني من أشياء صغيرة و كبيرة و ل ّخص لنا معنى الوطن الذي هو‬
‫حرم من معالم الطفولة‪...‬و ه ّم ثورة أرادوا لها أن تسجن في زجاجة الوطن ليس كذكرى‬
‫جرح الغريب‪...‬و طفل ّ‬
‫و ليست كنشيد‪.‬‬

‫هذه إذن كانت معظم المحاور التي تناولها نزار _باختصار_ عن القضية الفلسطينية في ديوانه السياسي‬
‫الجديد‪...‬لكن هذه مجرد بداية و فقط للشاعر العمالق‪ ،‬ما زال يناضل بقلمه ضد االحتالل و يساند القضية في‬
‫مراحلها و يترصدها في كل المناسبات‪.‬‬

‫)‪ (77‬نزار قباني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.265‬‬


‫قصيــدة "متـى يعلنـون وفـاة العـرب" ؟؟‬
‫‪-1-‬‬

‫أحاول منذ الطفولـة رسم بـالد‬

‫تسمى _مجـازا_ بالد العـرب‬

‫تسامحني إن كسرت زجاج القمر‬

‫و تشكرني إن كتبت قصيدة حب‬

‫و تسمح لي أن أمارس فعل الهوى‬


‫ككل العصافيـر فوق ال ّ‬
‫شجـر‪..‬‬

‫أحاول رسم بالد‬

‫تعلّمني أن أكون على مستوى العشق دو ًما‬

‫فأفـرش تحتـك صيفًـا‪ ،‬عبـادة حبّـي‬

‫و أعصـر ثوبـك عند هطـول المطـر‬

‫‪-2-‬‬

‫أحاول رسم بالد‬

‫لهـا برلمـان مـن الياسميـــن‬

‫و شعـب رقيـق من الياسميــن‬

‫تنــام حمائمهــا فـوق رأسـي‬

‫و تبكــي مآذنهــا فـي عيونـي‬

‫أحاول رسم بالد تكون صديقة شعري‬

‫و ال تتدخـل بينـي و بيـن ظنوني‬

‫و ال يتجول فيها العساكر فوق جبيني‬

‫أحاول رسم بالد‬


‫تكافئنـي إن كتبـت قصيـدة شعـر‬

‫و تصفح عنّي‪ ،‬إذا فاض نهر جنوني‪..‬‬

‫‪-3-‬‬

‫أحـاول رسـم مدينـة حُـبّ ‪..‬‬

‫تكون محـررة من جميع العقـد‬

‫فال يذبحون األنوثة فيها‪..‬و ال يقمعون‬

‫الجسـد‬

‫‪-4-‬‬

‫رحلـت جنوبًـا‪..‬رحلـت شمـاالً‪..‬‬

‫و ال فائــدة‪..‬‬

‫فقهوة كـل المقاهي‪ ،‬لها نكهة واحدة‪..‬‬


‫و كل النسـاء ّ‬
‫لهـن‪..‬إذا ما تعرين _‬

‫رائحـة واحـدة‪..‬‬

‫و كل رجال القبيلة ال يمضغون الطعام‬

‫و يلتهمـون النسـاء بثانيـة واحـدة‪..‬‬

‫‪-5-‬‬

‫أحـاول منـذ البدايــات‪..‬‬

‫أن ال أكون شبي ًها بأي أحدْ‪..‬‬

‫رفضت الكالم المحلّب دو ًما‬

‫ي وثـن‪..‬‬
‫رفضت عبـادة أ ّ‬
‫‪-6-‬‬

‫صوص التي أرتديها‬


‫أحاول إحراق كل الن ّ‬
‫فبعـض القصائـد قبــر‬

‫و بعـض اللّغـات كفـن‬


‫و واعـدت آخـر أنثـى‬

‫و لكنّني جئت بعد مرور الزمن‪..‬‬

‫‪-7-‬‬

‫أحاول أن أتبرأ من مفرداتي‬

‫و من لعنة المبتدأ و الخبر‪..‬‬

‫و أنفـض عنّـي غبـاري‬

‫و أغسل وجهي بماء المطر‪..‬‬

‫أحاول من سلطة الرمل أن أستقيل‬

‫عـا و قريـش‪...‬‬
‫ودا ً‬
‫عـا كليـــب‪...‬‬
‫ودا ً‬

‫ـــر‬
‫ض ْ‬ ‫عـا ُم َ‬
‫ودا ً‬

‫‪-8-‬‬

‫أحاول رسم بالد‬


‫ً‬
‫_مجـازا_ بالد العـرب‬ ‫تسمى‬

‫سريـــري بها ثابـت‬

‫و رأســي بهـا ثابـت‬

‫سفن‪...‬‬
‫لكي أعرف الفرق بين البالد و بين ال ّ‬

‫و لكنّهم‪..‬أخـذوا علبـة الرسـم منـ ّ‬


‫ي‬

‫و لم يسمحوا لي بتصوير وجه الوطن‪..‬‬

‫‪-9-‬‬
‫أحـاول منـذ ّ‬
‫الطفولـة‬

‫فتح فضاء من الياسميـن‬

‫و أسست ّأول فندق حب‪...‬بتاريخ ك ّل العرب‪...‬‬


‫ليستقبـــل العـاشقيــن‪...‬‬

‫و ألغيت كل الحروب القديمة‪...‬‬

‫بين الرجال‪...‬و بيـن النساء‪...‬‬

‫و بيـن الحمـام‪...‬و من يذبحـون الحمـام‪...‬‬

‫و بين الرخام‪...‬و من يجرحون بياض الرخام‪...‬‬

‫و لكنهــم أغلقـوا فندقـي‪...‬‬

‫و قالوا ّ‬
‫بأن الهـوى ال يليق بماضي العـرب‪...‬‬

‫و طهـر العــرب‪...‬‬

‫و إرث العـــرب‪...‬‬

‫!!فيــا للعجـــب‬

‫‪-10-‬‬

‫أحـاول أن أتصور ما هو شكل الوطن؟‬

‫أحـاول أن أستعيد مكاني في بطن أ ّمي‬

‫و أسبــح ضـد ميـاه الزمـن‪...‬‬

‫لوزا‪ ،‬و خو ًخـا‬


‫و أسـرق تينًـا‪ ،‬و ً‬

‫و أركض مثل العصافير خلف السفن‬

‫أحــاول أن أتخيـل جنـة عــدن‬

‫و كيف سأقضي اإلجازة بين نهور العقيق‪...‬‬

‫و بيــن نهـور اللّبــن‪...‬‬

‫و حين أفقت‪...‬اكتشفت هشاشة ُحلمي‬

‫فال قمـر في سمـاء أريحـا‬


‫ْ‬
‫الفرات‪...‬‬ ‫و ال سمك في مياه‬

‫و ال قهـوة فــي عـدَ ْن‪...‬‬

‫‪-11-‬‬

‫أحاول بال ّ‬
‫شعـر‪...‬أن أمسك المستحيـل‪...‬‬
‫و أزرع نخــالً‪...‬‬

‫و لكنهم في بالدي‪ ،‬يقصون شعر النخيل‪...‬‬


‫أحاول أن أجعل الخيـل أعلى صهيـ ً‬
‫ال‬

‫صهيل‬
‫!!و لكن أهل المدينة يحتقرون ال ّ‬

‫‪-12-‬‬

‫أحاول بالشعر‪...‬أن أمسك المستحيل‪...‬‬

‫أحـاول سيّدتـي أن أحبّـك‪...‬‬


‫خـارج كل ّ‬
‫الطقـوس‪...‬‬

‫و خارج كل النّصوص‪...‬‬
‫و خارج كل ال ّ‬
‫شرائع و األنظمة‪...‬‬

‫أحاول_سيّدتي_ أن أحبّك‪...‬‬

‫ي منفى ذهبت إليـه‪...‬‬


‫في أ ّ‬
‫ألشعر ‪ -‬حين أضمك يوما لصدري ‪-‬‬
‫ّ‬
‫بأن أظـ ّم تراب الوطـن‪...‬‬

‫‪-13-‬‬
‫ْ‬
‫أحاول _ ُمـذّ كنت طفـالً قـراءة أ ّ‬
‫ي كتـاب‬

‫تحدث عن أنبياء العرب‬

‫و عن حكماء العرب‪...‬و عن شعراء العرب‪...‬‬

‫فلـم أر إالّ قصائـد تلحس ِرجْ ـل الخليفـة‬

‫مـن أجل حفنـة رز‪...‬و خمسيـن درهـم‪...‬‬

‫!!فيــا للعجــب‬

‫و لم أرى إالّ جرائد تخلع أثوابها الداخليـة‪...‬‬

‫ألي رئيـس مـن الغيـب يأتـــــي‪...‬‬

‫ي عقيد علـى جثة الشعـب‪...‬يمشي‪...‬‬


‫وأ ّ‬
‫و أي مراب يكدس في راحتيـه الذهـب‪...‬‬
‫!!فيــا للعجــب‬

‫‪-14-‬‬

‫أنا منـذ خمسيـن عا ًمـا‬

‫أراقــب حـال العـرب‬

‫و هـم يـرعـد ُون‪ ،‬و ال يمطـرون‪...‬‬

‫و هم يدخلون الحروب‪ ،‬و ال يخرجون‪...‬‬

‫و هـم يعلكـون جلـود البالغة عل ًكـا‬

‫و ال يهضمـــون‪...‬‬

‫‪-15-‬‬

‫أنا منـذ خمسيـن عا ًمـا‬

‫أحـاول رسـم بـــالد‬

‫تسمى _مجازا_ بالد العرب‬

‫رسمتُ بلـون الشراييـن حينا‬

‫و حينما رسمت بلون الغصـب‬

‫!و حين انتهى الرسم‪ ،‬سألت نفسي‬

‫إذا أعلنوا ذات يوم وفاة العرب‪...‬‬

‫ففــي أي مقبـرة يدفنـــون؟‬

‫و مـن سـوف يبكـي عليهــم‬

‫و ليـس لديهـم بنــات‪...‬‬

‫و ليـس لديهـم بنــون‪...‬‬

‫و ليـس هنـالك حــزن‪.‬‬

‫!!و ليس هنالك من يحزنون‬

‫‪-16-‬‬

‫أحـاول منذ بـدأت كتابـة شعـري‬

‫قياس المسافة بيني و بين حدود العرب‬


‫رأيت ُجيُوشـا‪...‬وال من جيــوش‪...‬‬

‫رأيت فتو ًحـا‪...‬وال مـن فتــوح‪...‬‬

‫و تابعت كل الحروب على شاشة التلفزة‪...‬‬

‫فقتلى على شاشـة التلفـزة‪...‬‬

‫و جرحى على شاشة التلفزة‪...‬‬

‫و نضر من هللا يأتي إلينا‪...‬على شاشة‬

‫التلفـــزة‪...‬‬

‫‪-17-‬‬

‫أيا وطني‪ ،‬جعلوك مسلسل ُرعب‬

‫نتابـع أحداثــه فـي المســاء‬

‫فكيف نراك إذا قطعوا الكهرباء ؟؟‬

‫‪-18-‬‬

‫أنا‪...‬بعـد خمسيـن عامـا‬

‫أحاول تسجيل ما قد رأيت‪...‬‬

‫رأيـت شعوبًا تظـن ّ‬


‫بأن رجـال المباحث‬

‫صداع‪...‬و مثل الزكام‬


‫أمر مـن هللا‪...‬مثل ال ّ‬
‫و مثـل الجذام‪...‬و مثـل الجــرب‪...‬‬

‫رأيت العروبة معروضة في مزاد األثاث‬

‫القديـــم‪...‬‬

‫!!و لكنني‪...‬ما رأيت ال َع َربْ‬


‫تحليـل قصيـدة "متـى يعلنـون وفـاة العـرب"‬
‫البنـاء الشعـري‪" :‬العمـارة الشعريـة"‬

‫يقوم هذا النص في بنائه الخارجي على بناء متقطع في صورة مقاطع مرقمة بحيث يتحول النص إلى‬
‫مسار جار يتقطع عند كل رقم جديد فنحس باالستمرار المتقطع أو التقطع المستمر وهذا يشي برؤية جدلية للعالم‪،‬‬
‫و هي رؤية حديثة تتجاوز السكون و الواحدية‪.‬‬

‫و يستخدم الشاعر إلنجاز عمارة نصه‪ ،‬سمات فنية مختلفة تعضد رؤيته الكلية التي يسخر فيها من الوضع‬
‫العربي الممزق من مثل‪:‬‬

‫كما لو كانت رموز للقبائل العربية الحديثة أو بمعنى آخر [مضر] و [كليب] و [قريش] و [رجال القبيلة]‬
‫وغيرها‪ ،‬و الشاعر يستند إلى [عدن] و [حكماء العرب]المجتمعات العربية الحديثة‪ ،‬و يستخدم كذلك مفردات‬
‫مرتكزات قوية تعطي لنصه شعبية و قدرة على التغلغل في الحس العربي المعاصر الذي يبحث عن جذوره في‬
‫ظل الصراع العالمي و تميز الكيانات التي تؤسسها الكتل الغربية و الشرقية‪.‬‬

‫أن الشاعر و من خالل منطقه الجدلي هذا يستخدم ما يقابل هذا التراث‪ ،‬فمن‬ ‫و في الوقت ذاته نجد ّ‬
‫الظواهر الالقنة في استخدامات اللغة الشعرية المعاصرة احتواؤها األدائي لمعطيات التاريخ و دالالت التراث‬
‫التي تنتج نماذ ًجا و تخلق تداخالً بين الحركة الزمانية حيث ينسكب الماضي بكل إثرائه و أحداثه على الحاضر‬
‫بكل ما له من طزاجة اللحظة الحاضرة‪ ،‬فيما يشبه تواكبًا تاريخيًا يومئ الحاضر إلى الماضي‪ ،‬و ّ‬
‫كأن هذا‬
‫االستلهام كذلك يمثل صورة احتجاجية على اللحظة الحاضرة التي تعادلها في الموقف اللحظة الغائرة في‬
‫سراديب الماضي‪.‬‬

‫إذن الشاعر تستخدم ما يقابل هذا التراث‪ ،‬فنجد عنده معج ًما لأللفاظ الحديثة و المعاصرة بل و اللغة التي‬
‫و [الكهرباء] و [التلفزة] و [الفندق]نستخدم في حياتنا اليومية‪ ،‬و في ممارسة تفاصيل الحياة العادية فنجد عنده‬
‫صداع]‬‫و غيرها من معان قد نجد لها ما يبررها في استخدام القاموس و [اإلجازة] و [المزاد] و [الزكام] و [ال ّ‬
‫لكنها تعبر عن مضامين معاصرة نستخدمها في حياتنا الحديثة‪ ،‬و يستخدم الشاعر ألعاب لغوية ذكية تساعده على‬
‫المبتدأ و ] طرح فكرته‪ ،‬فهو قد يستخدم المعجم الخاص بالتراث العربي النحوي_و اللغوي و البالغي من مثل‬
‫ضا المفردات التي تجد في الساحة العربية قبوالً جماليًا ً‬
‫نظرا لعمق الجذور [البالغة] و[الخبر‬ ‫و غيرها و هي أي ً‬
‫التراثية في التركيب الذهني لإلنسان العربي‪.‬‬
‫و نالحظ في استخدام الشاعر لسماته أ ّنه ينجح في استخدامها دون إشعارنا بالملل و في الوقت نفسه على‬
‫الرغم من تدخل الشاعر و اختياره الخاص لها إالّ أننا ال نكاد نشعر بهذا االختيار فقد دخلت بشكل عفوي في‬
‫نسيج النص و هذا نجاح كبير للشاعر‪.‬‬

‫و يعمل الشاعر على التركيز على االستفادة من جانب شائع في النصوص العربية يؤكد غنائية ال ّنص‪ ،‬فهو‬
‫قد يستخدم التكرار للمطلع أو لبعض األبيات و يجعل من تكرارها محطات متتالية‪ ،‬تفيد النّص موسيقيًا‪.‬‬

‫التراكيـب اللغويـة و االنحرافـات التعبيريـة‪:‬‬

‫مكرسة لخدمة رؤيته الشعرية بشكل أساسي و كلها قادرة على طرح هذه‬
‫ّ‬ ‫التراكيب اللغوية عند نزار‬
‫الرؤية في أسلوب بسيط سريع الوصول إلى المتلقي‪.‬‬

‫أن المتلقي العربي ال يزال [ككل العصافير فوق الشجر]نحس عنده بالتركيب اللغوي الرومانسي‬‫ألنّه يعلم ّ‬
‫يحتفظ في قرارة نفسه بالجانب الرومانسي الحميم الذي لم تبدله متغيرات الحياة الحديثة بعد لذلك فالشاعر يمس‬
‫الوتر الرومانسي فينا بقوة يقول محلقًا‪:‬‬

‫و أسـرق تينـا و لـوزا و خوخا‬

‫و أركض مثل العصافير خلف السفن‬

‫أحـاول أن أتخيــل جنّــة عدن‬

‫و كيف سأقضي اإلجازة بين نهور العميق‬

‫و نهـــور اللبـــن‬

‫رمزا طفوليًا ممثالً في علبة األلوان‪.‬‬


‫ضا عندما يستخدم ً‬
‫و يستخدم الحس الرومانسي بصورة غير مباشرة أي ً‬
‫و لكنهـم أخذوا علبـة الرسم منـّي‬

‫و لم يسمحوا لي بتصوير وجه الوطن‬

‫و لعل أبرز ما يجسده التركيب اللغوي في تجربة الشاعر هو هذه البساطة الّلغوية في مفردات لغوية واضحة‬
‫و غيرها‪ ،‬و لكن الشاعر [الكالم المعبأ] و[زجاج القمر]محددة قد تنحرف أحيانًا لخلق صورة شعرية مثيرة مثل‬
‫يمعن في تبسيط لغته إلى الدرجة التي يستخدم فيها كلمات أقرب إلى العامية أو أنّها تستخدم في اللغة العامية‬
‫كثيرا و في ممارسة تفاصيل الحياة اليومية العادية حتى لو كان لها أصلها العربي الفصيح‪ ،‬و من هذه الكلمات‬‫ً‬
‫ضا تحايل من الشاعر من أجل [تلحس‪ُ ،‬ر ْز‪ ،‬اإلجازة‪ ،‬التلفزة‪ ،‬قطع الكهرباء]على سبيل التمثيل‬ ‫و في هذا أي ً‬
‫المزيد من االقتراب من الجمهور العريض من خالل قصيدة ذات طابع سياسي‪.‬‬

‫‪ ،‬في بداية كل مقطع فقد بدأت [أحاول]و يتعمد الشاعر أن يضبط كلمات نصه بحيث تأتي كلّها بعد كلمة‬
‫جميع المقاطع بهذه الكلمة فيما عدا مقطعين فقط من ثمانية عشر مقط ًعا‪ ،‬عالوة على تكرار هذه الكلمات داخل‬
‫بعض المقاطع و هي قدرة بارعة من الشاعر‪ ،‬و يمكن من صياغة التركيب اللغوي داخل إطار خاص يبتكره‬
‫الشاعر و ينفذه بدقّة‪.‬‬
‫[من يعلنون وفاة العرب]كمـا ينجح الشاعر في صياغة لغة تجسد السخـرية بشكل بـارز بداية من العنـوان‬
‫و مثلها ورد في هذا المقطع‪:‬‬

‫رأيت جيو ًشا‪...‬وال من جيوش‬

‫رأيت فتو ًحا‪...‬وال من فتوح‬

‫فقتلـى على شاشـة التلفزة‬

‫و جرحى على شاشة التلفزة‬

‫و نصر من هللا يأتي إلينا‪...‬على شاشة التلفزة‬

‫ضا بقدرة الشاعر على تضمين النسيج اللغوي بالمعجم السياسي ببساطة و‬
‫و يتميز التركيب اللغوي أي ً‬
‫مهارة فذّة‪ ،‬و قد صار نزار قباني أستاذ هذا األسلوب بال منازع في الشعر العربي فيستخدم مفردات من مثل‬
‫‪[.‬البركان‪ ،‬الجرائد‪ ،‬رجال المباحث‪ ،‬السلطة‪ ،‬الشرائع واألنظمة‪...‬إلخ]‬

‫و لكن هذه المفردات ال تلبث عندما تدخل إلى النسيج الشعري في قصيدة نزار أن تحول مضمونها الجاف‬
‫الذي ال نتخيل قبل قراءة نص نزار أنّها قابلة للدخول في نص شعري‪ ،‬و لكن الشاعر يستطيع بحدقة و خبرته‬
‫برلمان من ]الطويلة أن يصنع التركيب اللغوي الذي يزيل هذا الجفاف ويطوعه عميقًا‪ ،‬و عندما يقول الشاعر‬
‫‪ .‬فهو لم يزل جفاف كلمة البرلمان فحسب بل ينسج في إدخالنا إلى منطقة داللية يتعدد فيها المعنى و [الياسمين‬
‫أفكارا ذات طابع شعري بالدرجة األولى‪ ،‬و الحال كذلك عندما يقول مث ً‬
‫ال‪:‬‬ ‫ً‬ ‫يعطينا‬

‫و لم أر إالّ جرائد تخلع‬

‫أثوابها الداخلية‬

‫فقد دخل المعنى الجاف إلى معنى آخر يذكرنا بالمرأة التي تبيع نفسها بما يجمع المعنيين من أفكار متقاربة‬
‫كثيرا فهو يستغل‬
‫ً‬ ‫صحف كما لو كانت تبيع قضيتها‪ ،‬و نزار من الشعراء الذين لعبوا بهذا المعنى‬ ‫فهو يرى ال ّ‬
‫اتّهام ]المكبوت الجنسي لدى المتلقي ليبرز معانيه السياسية‪ ،‬و في هذا حيلة ماكرة لشاعر ذكي‪ ،‬مما نراه في‪:‬‬
‫‪[.‬النساء‪ ،‬مواعيد األنثى‪ ،‬قبائل ليست تفرق ما بين لحم النساء‪...‬الخ‬

‫أمـا بالنسبـة للموسيقـى‪:‬‬

‫يستخدم الشاعر بحر المتقارب في شكله الذي اعتمد في مدرسة الشعر الحر‪ ،‬أي أ ّنه يستخدم تفعيلة‬
‫سريعة بين المعاني مما يؤكد [فعولن]‬
‫و هي تفعيلة مرنة قريبة من مناخ النشر بموضوعاته المباشرة و انتقاالته ال ّ‬
‫االنسجام بين طبيعة الرؤية الشعرية التي طرحها نزار و هي رؤية سياسية ساخرة من ناحية و الموسيقى‬
‫الشعرية البسيطة القريبة من النشر من ناحية أخرى‪.‬‬

‫هو إذن اتساق التقطته حساسية الشاعر المفرطة و قدرته على طرح الجو الموسيقي المناسب‪.‬‬

‫و قد أفرط الشاعر في التبسيط لمزيد من جذب متلقيه‪ ،‬فاعتمد شكالً شعريًا متقطعًا في صورة مقاطع‬
‫قصيرة منفصلة ليعطينا توقعًا يخفف من حدّة االسترسال الموسيقي الهادر‪ ،‬كما يلجأ الشاعر إلى وسيلة موسيقية‬
‫أخرى تساهم في المزيد من جذب المتلقي هي استخدام القافية وتكرارها بين الحين و الحين ألنّه يعلم مدى تأثير‬
‫القافية على متلقي الشعر العربي‪ ،‬و هو تأثير تاريخي تمتد جذوره حتى القرون العربية األولى‪ ،‬و يتعمد الشاعر‬
‫أن ينهي كل مقطع بقافية تتكرر داخل المقطع من مثل قافية الدال في هذا المثال‪:‬‬

‫أحاول رسم مدينة حب‬

‫تكون محررة من جميع العقد‬

‫فال يذبحون األنوثة فيها‪...‬و ال يقمعون الجسد‬

‫بل و أحيانًا يزيد من جرعة القافية حتى يصل بنا إلى نغمية عالية في جو تطريبي يثير الشجن مضمونيًا و‬
‫موسيقيًا‪:‬‬
‫و قالوا ّ‬
‫بأن الهوى ال يليق بما في العرب‪...‬‬

‫و طهـر العـرب‪...‬‬

‫و إرث العــرب‪...‬‬

‫!!فيـا للعجـــب‬

‫إنّنا عندما نقرأ عمالً فنيًا جيدًا فإنّه يفجر في أحاسيسنا قنوات وجدانية لها روافد ذات عطاء ثري ينتج من‬
‫توالي البناء الرمزي في القصيدة و كلّما انطلقنا في قراءتها تكو ّنت أحاسيس مختلفة تتجمع أمامنا و نحاول أن‬
‫نستمتع باستكشاف تلك المدائن الخبيئة و التي نقصد بها عالم القصيدة‪.‬‬

‫شعرا رديئًا‪ ،‬وإ ّنما نقصد‬


‫ً‬ ‫إن الشعر ليس معناه الدخول في متاهات ينزلق فيها التخيل ّ‬
‫ألن ذلك يكون‬ ‫ّ‬
‫بغموض الشعر المقبول‪ ،‬هذا الغموض الفني الذي سرعان ما يشف عن آفاق أرحب عن طريق نوع من الشفافية‪.‬‬

‫فالصورة الشعرية عليها أن توحي إلينا فقط و من وراء هذا اإليحاء و عن طريق عالقات متداخلة نستطيع‬
‫أن ندرك المقصود شرط أن يكون لدى القارئ قدرة أخرى تملك إرادة الخلق‪ ،‬وقارئ نزار لديه القدرة دائ ًما على‬
‫صور‪...‬‬
‫تجديد ال ّ‬

‫الصـورة الشعريـة‪:‬‬

‫الصورة الشعرية في قصيدة نزار صورة بسيطة شفافة تعتمد الطريقة التقليدية في صنع الصورة الشعرية‬
‫في تراثنا‪ ،‬في صنع التشبه البسيط وسيلة ال ت جهد ذهن المتلقي‪ ،‬بل توصل له الشحنة الشعرية وبإتقان و عندما‬
‫يقول‪:‬‬

‫إذا فـاض نهـر جنونـي _فبعـض القصائـد قبـر‪.‬‬

‫فالتشبيه هنا بسيط ال يحتاج إلى تعمق‪ ،‬و تأمل عميق فيشبه الجنون كأنّه النهر لشدّته و فيضانه وتواصله‪ ،‬و هكذا‬
‫تكون االستعارة دائ ًما في شعر نزار بسيطة ببساطة التشبيه البليغ‪.‬‬

‫و عندما يقـول‪:‬‬

‫و يلتهمـون النسـاء بثانيـة واحـدة‪.‬‬


‫فاالستعارة هنا شديدة البساطة تفقد قيمتها االستعارية ألنّها تقترب من المعنى العامي المبتذل‪.‬‬

‫و عندما يقـول‪:‬‬

‫و مـن يجرحـون بيـاض الرخـام‪.‬‬

‫ضا شديدة البساطة يكاد م تلقيها أن يفسرها في لحظة االستماع إليها‪ ،‬ألن يشبه به و هو‬
‫فهذه االستعارة المكنية أي ً‬
‫المرأة البيضاء‪ ،‬و هذا الوصف معروف لدى العامة‪ ،‬و هكذا يكرس الشاعر صوره لخدمة رؤيته الشعرية جيّدًا‪.‬‬

‫صور و هي قليلة مما يخرج عن هذا القانون قليال عندما يقول‪:‬‬ ‫أحاول فتح فضاء من ]إالّ ّ‬
‫أن هناك بعض ال ّ‬
‫‪[.‬الياسمين و يقصون شعر النخيل_زجاج القمر‪...‬الخ‬

‫صه بعض الصور الجمالية شديدة التأثير ذات حس فانتازي قد‬ ‫نحس هنا بمحاولة الشاعر أن يضفي على ن ّ‬
‫كثيرا على أسلوبه الرومانسي و لكنه يشكل مرايا شديدة النّصوع قادرة على أن تعكس المعنى من زوايا‬
‫ال يخرج ً‬
‫أكثر صقالً و بهاء ف يتجادل الجانب المعنوي و اللغة البسيطة من جهة مع التصوير الجمالي رفيع المستوى من‬
‫جانب آخر و تكون الحصيلة هذه التركيبة اللغوية الشديدة التميز في قصائد نزار‪.‬‬

‫الخاتمة‬
‫وطننا العربي‪ ،‬هذا المجروح في كبريائه المسلوب الحرية‪ ،‬المفجوع في أبنائه‪...‬هذا الوطن جعل نزار‬
‫شريان‪ ،‬و يكتب عن «الوطن» كي يفجر عصر االنحطاط العربي‪ ،‬فقد كتب عن المرأة‬ ‫شريان إلى ال ّ‬
‫ينزف من ال ّ‬
‫لينقذها من مخالب مجتمع عربي متسلط و سلطة الرجل و كتب عن الحاكم ليفضح جوره و استعباده لشعبه‪ ،‬و‬
‫كتب عن الوطن أيضا ليكسر أغالله ويستنهض أبنائه‪.‬‬
‫و من خالل هذا البحث المتواضع توصلنا إلى أربع استنتاجات حول «الوطن في شعر نزار قباني»‪.‬‬
‫أوال‪ :‬أن موضوع المرأة كان موضوعا وطنيا تحرريا محضا‪.‬‬
‫أن جملة أعمال «نزار» عامة و الوطنية السياسية خاصة قد أوجدت «لنزار» أعداء ونقادا‪ ،‬كان هدفهم من‬ ‫ثانيا‪ّ :‬‬
‫خالل انتقاداتهم إخماد اإلقبال الجماهيري على أعماله‪ ،‬لكن مساعيهم خابت و ظلت أعمال «نزار» هي الدواوين‬
‫التي تعرف اإلقبال األكثر و األكبر في الوطن العربي‪.‬‬
‫سياسيين‪.‬‬‫ساسة وال ّ‬ ‫ّ‬
‫ثالثا‪ :‬من أحب وطنه عمل من أجله و إنقاظه و تحريره من الذل و االستعمار و ال ّ‬
‫رابعا‪ :‬و ما توصلنا إليه كذلك من خالل دراستنا هذه‪ ،‬هو أن «نزار» تربع على عرش الشعر العربي المعاصر‬
‫دون منازع‪ ،‬ذلك أنه كتب للشعب العربي و كتب لكل مستويات هذا الشعب العربي دون استثناء فلقد كانت لغته‬
‫األبسط و األجمل في رسالته الشعرية المقدمة إلى كل عربي‪.‬‬
‫و خالصة هذا البحث أن نزار كان شاعرا مزج بين الحداثة الشعرية و التّراثية‪ ،‬كما كان حالة وسطى‬
‫بين الكتابة النرجسية الخاصة و العطاء الوجداني المتفتح على هموم أمته فقد كان الشاعر الوحيد الذي استطاع‬
‫أن يطل على الناس من داخل المعاصرة فكان شعره جسرا حقيقيا بين الماضي و الحاضر‪ ،‬بين الحداثة و‬
‫الجماهير و كان أكثر الشعراء التصاقا بالواقع عاطفيا أو وطنيا أو سياسيا‪.‬‬

‫قـائمـة المصـادر و المـراجـع‬


‫‪ -I‬المصــادر‪:‬‬
‫‪ -1‬نزار قباني‪ ،‬األعمال السياسية الكاملة‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات نزار قباني‪ ،‬بيروت‪.1981 ،‬‬
‫‪ -2‬نزار قباني‪ ،‬األعمال السياسية الكاملة‪ ،‬ط‪ ،4‬منشورات نزار قباني‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪.1986 ،3‬‬
‫‪ -3‬نزار قباني‪ ،‬األعمال الشعرية‪ ،‬ط‪ ،4‬منشورات نزار قباني‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪.1992 ،2‬‬
‫‪ -4‬نزار قباني‪ ،‬األعمال الشعرية‪ ،‬ط‪ ،4‬منشورات نزار قباني‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪.1992 ،4‬‬
‫‪ -5‬نزار قباني‪ ،‬األعمال السياسية الكاملة‪ ،‬منشورات نزار قباني‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪.6‬‬
‫‪ -6‬نزار قباني‪ ،‬األعمال النثرية الكاملة‪ ،‬منشورات نزار قباني‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪.8‬‬
‫‪ -7‬نزار قباني‪ ،‬قصتي مع الشعر‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات نزار قباني‪ ،‬بيروت‪.1973 ،‬‬
‫‪ -II‬المـراجـع‪:‬‬
‫‪ -1‬أحمد تاج الدين‪ ،‬نزار قباني و الشعر السياسي‪ ،‬دار النهضة للطباعة اإلسالمية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -2‬أحمد مطر‪ ،‬نزار قباني‪ ،‬محمود درويش‪ ،‬مقتطفات من حدائق الشعراء‪ ،‬دار الب ّحار للطباعة و النشر و‬
‫التوزيع‪ ،‬األردن‪.‬‬
‫‪ -3‬حبيبة محمدي‪ ،‬القصيدة السياسية في شعر نزار قباني‪ ،‬دط‪ ،‬موفم للنشر و التوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.2001 ،‬‬
‫‪ -4‬جورج شكيب سعادة‪ ،‬نزار قباني في عالمه الشعري‪ ،‬دار الطباعة للنشر و التوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫‪.2002‬‬
‫‪ -5‬خريستو نجم‪ ،‬النرجسية في أدب نزار قباني‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الرائد العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.1983 ،‬‬
‫‪ -6‬ديوان المتنبي‪ ،‬دار الجيل للنشر و الطباعة و التوزيع‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -7‬سمر الضوء‪ ،‬روائع نزار قباني‪ ،‬ط‪ ،3‬دار الروائع للنشر و التوزيع‪.‬‬
‫‪ -8‬صالح األشتر‪ ،‬مأساة فلسطين و أثرها في الشعر العربي المعاصر‪ ،‬مطبعة جامعة دمشق‪.1961 ،‬‬
‫سيد عبد العزيز‪ ،‬نزار قباني بين المواطنة و اإلبداع و أسرار الجمال‪ ،‬ط‪ ،1‬دار العالم للراّية و‬‫‪ -9‬مجدي ال ّ‬
‫اإلعالم‪.‬‬
‫‪ -10‬مرسي حجازي‪ ،‬نزار قباني شاعر المرأة و الوطن‪ ،‬دط‪ ،‬دار النفيس‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دت‪.‬‬
‫‪ -11‬نبيلة بركان‪ ،‬نزار قباني شاعر العصر‪ ،‬دط‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬دت‪.‬‬
‫‪ -12‬نوال مصطفى‪ ،‬نزار و قصائد ممنوعة‪ ،‬ط‪ ،1‬مركز الراية للنشر و اإلعالم‪.1998 ،‬‬

‫مالحق‬
‫ملحــق – أ‪-‬‬
‫هوامـش علـى دفتـر النكسـة »حزيــران ‪«1967‬‬
‫أنعي لكم يا أصدقائي اللغة القديمة‪.‬‬
‫و الكتب القديمة‪.‬‬
‫أنعي لكم‪.‬‬
‫كالمنا المثقوب كاألحذية القديمة‪.‬‬
‫و مفردات العهر‪ ،‬و الهجاء‪ ،‬و الشتيمة‪.‬‬
‫أ‬
‫أنعي لكم‪:‬‬

‫نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة‪.‬‬


‫مالحة في فمنا القصائد‪.‬‬
‫مالحة ضفائر النساء‪.‬‬
‫و الليل و األستار‪ ،‬و المقاعد‪.‬‬
‫مالحة أمامنا األشياء‪.‬‬
‫يا وطني الحزين‪.‬‬
‫حولتني بلحظة‪.‬‬
‫من شاعر يكتب شعر الحب و الحنين‪.‬‬
‫لشاعر يكتب بالسكين‪.‬‬
‫ألن ما نحسه‪.‬‬
‫أكبر من أوراقنا‪.‬‬
‫ال بد من أن نخجل من أشعارنا‪.‬‬
‫ب‬

‫إذا خسرنا الحرب‪ ...‬ال غرابة‪.‬‬


‫ألننا نغفلها‪.‬‬
‫بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابة‪.‬‬
‫بالعشريات التي ما قتلت ذبابة‪.‬‬
‫ألنّنا نغفله‪.‬‬
‫بمنطق الطبلة و الربابة‪.‬‬
‫الشرقي مأساتنا‪.‬‬
‫صراخنا أضخم من أصواتنا‪.‬‬ ‫ج‬
‫و سيفنا أطول من قاماتنا‪.‬‬
‫خالصة القضية‪.‬‬
‫توجد في عبارة‪.‬‬
‫لقد لبسنا قشرة الحضارة‪.‬‬
‫و الروح جاهلية‪.‬‬
‫بالنايجو المزمار‪.‬‬
‫ال يحدث انتصار‪.‬‬
‫كلفنا ارتجالنا‪.‬‬
‫خمسين ألف خيمة جديدة‪.‬‬
‫ال تلعنوا السماء‪.‬‬
‫إذا تخلت عنكم‪...‬ال تلعنوا الظروف‪.‬‬
‫و هللا يؤتي المنصر من يشاء‪.‬‬
‫و ليس حدادًا لديكم يضع السّيوف‪.‬‬
‫صباح‪.‬‬‫يوجعني أن أسمع األنباء في ال ّ‬
‫يوجعني‪.‬‬
‫أن أسمع النباح‪.‬‬
‫ما دخل اليهود من حدودنا‪.‬‬
‫و إنّما‪.‬‬
‫تشربوا كالنمل‪...‬من عيوبنا‪.‬‬
‫خمسة أالف سنة‪.‬‬
‫و نحن في السّرداب‪.‬‬
‫ذقوننا طويلة‪.‬‬
‫نقودنا مجهولة‪.‬‬
‫عيوبنا موانئ الذئاب‪.‬‬
‫يا أصدقائي‪.‬‬
‫جربوا أن تكسروا األبواب‪.‬‬
‫أن تغسلوا أفكاركم و تغسلوا األثواب‪.‬‬
‫أصدقائي جربوا أن تقرؤوا كتاب‪.‬‬ ‫يا د‬
‫أن تكتبوا كتاب‪.‬‬
‫أن تزرعوا الحروف و الر ّمان و األعناب‪.‬‬
‫أن تبحروا في بالد الثلج و الضّباب‪.‬‬
‫فالناس يجهلونكم في خارج السّرداب‪.‬‬
‫الناس يحسبونكم نوعًا من الذئاب‪.‬‬
‫جلودنا ميّتة اإلحساس‪.‬‬
‫د‬
‫أرواحنا تشكوا من اإلفالس‪.‬‬

‫أيامنا تدور بين الذّار و الشطرنج و النعاس‪.‬‬


‫هل ذ(نحن خير أ ّمة أخرجت للناس)؟‪.‬‬

‫صحاري‪.‬‬‫كان بوسع نفطنا الدافق في ال ّ‬


‫خنجرا من لهب و نار‪.‬‬
‫ً‬ ‫أن يستحيل‬
‫لكنّـه‪.‬‬
‫و أخجلة األشراف من قريش‪.‬‬
‫و أخجلة األحرار من أوس و من نزار‪.‬‬
‫يراقه تحت أرجل الجواري‪.‬‬

‫نركض في الشوارع‪.‬‬
‫نحن تحت أبطالنا الحباال‪.‬‬
‫نمارس السّحر بال تبصر‪.‬‬
‫نحطم الزجاج و األقفال‪.‬‬
‫نمدح كالضفادع‪.‬‬
‫نشم كالضّفادع‪.‬‬
‫نجعل من أقزامنا أبطال‪.‬‬
‫نجعل من أشرافنا أنذال‪.‬‬
‫نرتجل البطولة ارتجال‪.‬‬
‫نقعد في الجوامع‪.‬‬
‫تنابال كسالى‪.‬‬
‫نشطر األبيات‪...‬أو نؤلف األمثال‪.‬‬
‫نشحذ النصر على عدونا‪.‬‬ ‫و م‬
‫من عنده تعالى‪.‬‬
‫لو أحد يمنحني األمان‪.‬‬
‫لو كنت أستطيع أن أقابل السلطان‪.‬‬
‫قلت له يا سيّدي السلطان‪.‬‬
‫مزقت ردائي‪.‬‬‫كالبك المفترسات ّ‬
‫و مخبورك دائ ًما ورائي‪.‬‬
‫عيونهم ورائي‪.‬‬
‫أنوفهم ورائي‪.‬‬
‫أقدامهم ورائي‪.‬‬
‫كالقدر المحتوم‪ ،‬كالقضاء‪.‬‬
‫يستجوبون زوجتي‪.‬‬
‫و يكتبون عندهم أسماء أصدقائي‪.‬‬
‫يا حضرة السّلطان‪.‬‬

‫صماء‪.‬‬‫ألنّني اقتربت من أسوارك ال ّ‬


‫ألنّنـي‪.‬‬
‫حاولت أن أكشف عن حزني و عن بالئي‪.‬‬
‫ضربت بالحذاء‪.‬‬
‫أرغمني جندك أن آكل بالحذاء‪.‬‬
‫يا سيّدي‪.‬‬
‫يا سيّدي السلطان‪.‬‬
‫لقد خسرت الحرب مرتين‪.‬‬
‫ألن نصف شعبنا‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ليس له لسان؟‪.‬‬
‫ما قيمة الشعب الذي‪.‬‬
‫ليس له لسان؟‪.‬‬
‫ألن نصف شعبنا‪.‬‬ ‫ّ‬
‫محاصر كالنّمل و الجرذان‪.‬‬
‫في داخل الجدران‪.‬‬
‫لو أحدكيمنحني األمان‪.‬‬
‫من عسكر السّلطان‪.‬‬
‫قلت له‪:‬‬
‫لقد خسرت الحرب مرتين‪.‬‬
‫ألنّك إن فصلت عن قضية اإلنسان‪.‬‬
‫لو أنّنا لم ندفن الوحدة في التراب‪.‬‬
‫الطري بالحراب‪.‬‬‫لو لم نمزق جسمها ّ‬
‫لو بقيت في داخل العيون و األهداب‪.‬‬
‫استباحت لحمنا الكالب‪.‬‬
‫لما ك‬
‫نريد جيالً غاضبًا‪.‬‬
‫نريد جيالً يفلح األفاق‪.‬‬
‫و ينكش التاريخ من جذوره‪.‬‬
‫و ينكش الفكر من األعماق‪.‬‬
‫نريد جيالً قاد ًما مختلف المالمح‪.‬‬
‫ال يغفر األخطاء‪ ،‬ال يسامح‪.‬‬
‫ال ينحني‪ ،‬ال يعرف النفاق‪.‬‬
‫نريد لجيالً رائدًا‪...‬عمالق‪.‬‬

‫يا أيّها األطفال‪.‬‬


‫من المحيط للخليج‪ ،‬أنتم سنابل اآلمال‪.‬‬
‫و أنتم الجيل الذي سيكسر األغالل‪.‬‬
‫و يقتل األفيون في رؤوسنا‪.‬‬
‫و يقتل الخيال‪.‬‬
‫يا أيها األطفال أنتم بعد طيبون‪.‬‬
‫و طاهرون‪ ،‬كالنّدى و الثلج‪ ،‬طاهرون‪.‬‬
‫ال تقرؤوا عن جيلنا المهزوم يا أطفال‪.‬‬
‫فنحن خائبون‪.‬‬

‫ش‬
‫و نحن مثل قشرة البطيخ‪ ،‬تافهون‪.‬‬
‫و نحن منخورون‪ ،‬منخورون كالنّعال‪.‬‬
‫ال تقرؤوا أخبارنا‪.‬‬
‫ال تقتفوا آثارنا‪.‬‬
‫ال تقبلوا أفكارنا‪.‬‬
‫فنحن جيل القيء‪ ،‬و الزهري‪ ،‬و السّعال‪.‬‬
‫و نحن جيل الدجل‪ ،‬و الرقص على الحبال‪.‬‬
‫يا أيها األطفال‪.‬‬
‫يا مطر الربيع‪ ،‬يا سنابل اآلمال‪.‬‬
‫أنتم بذور الخصب في حياتنا العميقة‪.‬‬
‫ش الجيل الذي سيهزم الهزيمة‪.‬‬ ‫و أنتم‬

‫ملحــق – ب ‪-‬‬
‫فلسطيـن القضيـة‬
‫سعير‪.‬‬
‫من آخر األرض‪ ،‬من ال ّ‬
‫صغيـر‪.‬‬ ‫جاؤوا إلـى موطننا ال ّ‬
‫موطــن المسالـم الصغيـر‪.‬‬
‫ّ‬
‫فـلطخــوا ترابنـــــا‪.‬‬
‫و أعدمـــوا نساءنـــا‪.‬‬
‫و يـتمـــوا أطفالنـــا‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫و انشغلـت في والدي كرامـة التراب‪.‬‬
‫فصـاح فيهــم‪ :‬اذهبـوا إلى الجحيم‪.‬‬
‫لن تسلبوا أراضي يا ساللة الكـالب !!‬
‫‪...‬‬
‫حين تصير بلـدة بأسرهـا‪.‬‬
‫مصيدة‪...‬و الناس كالفئران‪.‬‬
‫و تصير الجرائد الموجهة‪.‬‬
‫أوراق نفي تمأل الحيطان‪.‬‬
‫بمـوت كل شــيء‪...‬‬
‫بمـوت كل شــيء‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫حيـن يصير الناس في مدينة‪.‬‬
‫عـا مفقوعـة العيـون‪.‬‬ ‫ضفاد ً‬
‫‪...‬‬
‫حيـن يصير العدل في مدينة‪.‬‬
‫سفينــة يركبهـا قرصـان‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫حيـن تصير أ ّمـة بأسرهـا‪.‬‬
‫ماشية تعلف في زربية السلطـان‪.‬‬
‫يختنق األطفال فـي أرحامهم‪.‬‬
‫و تجهــض النســــاء‪.‬‬
‫و سقط الشمس على ساحاتنا‪.‬‬
‫مـشنقـــة ســوداء‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫طــــوب لكــــم‪...‬‬
‫على يديكم أصبحت حدودنا‪.‬‬
‫مــــــــن ورق‪...‬‬
‫فألـــف تشكـــرون‪.‬‬
‫على يديكم أصبحت بالدنا‪.‬‬
‫امـــرأة مباحـــة‪...‬‬
‫فألـــف تشكـــرون‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫الناس في القاعة يشتمون‪...‬يبهقون‪.‬‬
‫كانــت فلسطيـــن لكـــم‪.‬‬
‫دجاجة‪ ،‬من بيضها الثمين تأكلون‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫و بعـدمــا قتلنـــا‪..‬‬
‫و بعدمـا صلـوا علينـا‪.‬‬
‫بعـدمـــا دفـ ّنـــا‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫جــاءت إلينــا فتـح‪.‬‬
‫كوردة جميلـة طالعـة من جـرح‪..‬‬
‫كنبع ماء بارد يروي صحارى ملحى‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫و فجـأة ثرنا‪..‬على أكفاننـا‪ ،‬و قمنا‪..‬‬
‫و فجـــأة‪...‬‬
‫كالسيّد المسحي‪ ،‬بعد موتنا نهضنـا‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫فـي حبّــة الحنطــة‪.‬‬
‫أو فـي حبّـة الزيتـون‪.‬‬
‫يأتون في األشجار و الرياح‪ ،‬و الغصون‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫تسعـون مليـون من األعراب‪..‬‬
‫خلــف األفـق غاضبــون‪.‬‬
‫يــا ويلكـم مـن ثأرهــم‪.‬‬
‫يــوم مـن القمـم يطلعـون‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫يـا شعرنـا كـن غاضبًـا‪.‬‬
‫يـا نثـرنـا كـن غاضبًـا‪.‬‬
‫يـا عقـلنـا كـن غاضبًـا‪.‬‬
‫يـا حقـدنـا كـن حاقــدًا‪.‬‬
‫كي ال نصير كلّنا قطيع الجئين‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫فقضيـة السـالم مسرحيـة‪.‬‬
‫و العــــدل مسرحيــة‪.‬‬
‫إلى فلسطيــن طريق واحد‪.‬‬
‫فوهة بندقيـة‪.‬‬ ‫يمـر مـن ّ‬‫ّ‬
‫‪...‬‬
‫عن فلسطين التي صارت مع األيام‪.‬‬
‫احتفاالً مثل عيد الفطر‪..‬و األضحى‪..‬‬
‫أرجيـح و كع ًكـا و فطائــــر‪.‬‬
‫‪...‬‬

‫ملحــق – ج ‪-‬‬
‫قصيــدة "متـى يعلنـون وفـاة العـرب" ؟؟‬
‫‪-1-‬‬
‫أحاول منذ الطفولـة رسم بـالد‬
‫تسمى _مجـازا_ بالد العـرب‬
‫تسامحني إن كسرت زجاج القمر‬
‫و تشكرني إن كتبت قصيدة حب‬
‫و تسمح لي أن أمارس فعل الهوى‬
‫شجـر‪..‬‬‫ككل العصافيـر فوق ال ّ‬
‫أحاول رسم بالد‬
‫تعلّمني أن أكون على مستوى العشق دو ًما‬
‫فأفـرش تحتـك صيفًـا‪ ،‬عبـادة حبّـي‬
‫و أعصـر ثوبـك عند هطـول المطـر‬
‫‪-2-‬‬
‫أحاول رسم بالد‬
‫لهـا برلمـان مـن الياسميـــن‬
‫و شعـب رقيـق من الياسميــن‬
‫تنــام حمائمهــا فـوق رأسـي‬
‫و تبكــي مآذنهــا فـي عيونـي‬
‫أحاول رسم بالد تكون صديقة شعري‬
‫و ال تتدخـل بينـي و بيـن ظنوني‬
‫و ال يتجول فيها العساكر فوق جبيني‬
‫أحاول رسم بالد‬
‫تكافئنـي إن كتبـت قصيـدة شعـر‬
‫و تصفح عنّي‪ ،‬إذا فاض نهر جنوني‪..‬‬

‫‪-3-‬‬
‫أحـاول رسـم مدينـة حُـبّ ‪..‬‬
‫تكون محـررة من جميع العقـد‬
‫فال يذبحون األنوثة فيها‪..‬و ال يقمعون‬
‫الجسـد‬
‫‪-4-‬‬
‫رحلـت جنوبًـا‪..‬رحلـت شمـاالً‪..‬‬
‫و ال فائــدة‪..‬‬
‫فقهوة كـل المقاهي‪ ،‬لها نكهة واحدة‪..‬‬
‫و كل النسـاء ّ‬
‫لهـن‪..‬إذا ما تعرين _‬
‫رائحـة واحـدة‪..‬‬
‫و كل رجال القبيلة ال يمضغون الطعام‬
‫و يلتهمـون النسـاء بثانيـة واحـدة‪..‬‬
‫‪-5-‬‬
‫أحـاول منـذ البدايــات‪..‬‬
‫أن ال أكون شبي ًها بأي أحدْ‪..‬‬
‫رفضت الكالم المحلّب دو ًما‬
‫ي وثـن‪..‬‬
‫رفضت عبـادة أ ّ‬
‫‪-6-‬‬
‫صوص التي أرتديها‬ ‫أحاول إحراق كل الن ّ‬
‫فبعـض القصائـد قبــر‬
‫و بعـض اللّغـات كفـن‬
‫و واعـدت آخـر أنثـى‬
‫و لكنّني جئت بعد مرور الزمن‪..‬‬
‫‪-7-‬‬
‫أحاول أن أتبرأ من مفرداتي‬
‫و من لعنة المبتدأ و الخبر‪..‬‬
‫و أنفـض عنّـي غبـاري‬
‫و أغسل وجهي بماء المطر‪..‬‬
‫أحاول من سلطة الرمل أن أستقيل‬
‫عـا و قريـش‪...‬‬ ‫ودا ً‬
‫عـا كليـــب‪...‬‬ ‫ودا ً‬
‫ـــر‬
‫ض ْ‬ ‫عـا ُم َ‬ ‫ودا ً‬
‫‪-8-‬‬
‫أحاول رسم بالد‬
‫ً‬
‫_مجـازا_ بالد العـرب‬ ‫تسمى‬
‫سريـــري بها ثابـت‬
‫و رأســي بهـا ثابـت‬
‫سفن‪...‬‬
‫لكي أعرف الفرق بين البالد و بين ال ّ‬
‫و لكنّهم‪..‬أخـذوا علبـة الرسـم منـ ّ‬
‫ي‬
‫و لم يسمحوا لي بتصوير وجه الوطن‪..‬‬
‫‪-9-‬‬
‫أحـاول منـذ ّ‬
‫الطفولـة‬
‫فتح فضاء من الياسميـن‬
‫ّ‬
‫و أسست ّأول فندق حب‪...‬بتاريخ كل العرب‪...‬‬
‫ليستقبـــل العـاشقيــن‪...‬‬
‫و ألغيت كل الحروب القديمة‪...‬‬
‫بين الرجال‪...‬و بيـن النساء‪...‬‬
‫و بيـن الحمـام‪...‬و من يذبحـون الحمـام‪...‬‬
‫و بين الرخام‪...‬و من يجرحون بياض الرخام‪...‬‬
‫و لكنهــم أغلقـوا فندقـي‪...‬‬
‫بأن الهـوى ال يليق بماضي العـرب‪...‬‬ ‫و قالوا ّ‬
‫و طهـر العــرب‪...‬‬
‫و إرث العـــرب‪...‬‬
‫فيــا للعجـــب !!‬
‫‪-10-‬‬
‫أحـاول أن أتصور ما هو شكل الوطن؟‬
‫أحـاول أن أستعيد مكاني في بطن أ ّمي‬
‫و أسبــح ضـد ميـاه الزمـن‪...‬‬
‫لوزا‪ ،‬و خو ًخـا‬
‫و أسـرق تينًـا‪ ،‬و ً‬
‫و أركض مثل العصافير خلف السفن‬
‫أحــاول أن أتخيـل جنـة عــدن‬
‫و كيف سأقضي اإلجازة بين نهور العقيق‪...‬‬
‫و بيــن نهـور اللّبــن‪...‬‬
‫و حين أفقت‪...‬اكتشفت هشاشة ُحلمي‬
‫فال قمـر في سمـاء أريحـا‬
‫ْ‬
‫الفرات‪...‬‬ ‫و ال سمك في مياه‬
‫و ال قهـوة فــي عـدَ ْن‪...‬‬
‫‪-11-‬‬
‫شعـر‪...‬أن أمسك المستحيـل‪...‬‬ ‫أحاول بال ّ‬
‫و أزرع نخــالً‪...‬‬
‫و لكنهم في بالدي‪ ،‬يقصون شعر النخيل‪...‬‬
‫أحاول أن أجعل الخيـل أعلى صهيـ ً‬
‫ال‬
‫صهيل !!‬ ‫و لكن أهل المدينة يحتقرون ال ّ‬
‫‪-12-‬‬
‫أحاول بالشعر‪...‬أن أمسك المستحيل‪...‬‬
‫أحـاول سيّدتـي أن أحبّـك‪...‬‬
‫خـارج كل ّ‬
‫الطقـوس‪...‬‬
‫و خارج كل النّصوص‪...‬‬
‫شرائع و األنظمة‪...‬‬ ‫و خارج كل ال ّ‬
‫أحاول_سيّدتي_ أن أحبّك‪...‬‬
‫ي منفى ذهبت إليـه‪...‬‬ ‫في أ ّ‬
‫ألشعر ‪ -‬حين أضمك يوما لصدري ‪-‬‬
‫ّ‬
‫بأن أظـ ّم تراب الوطـن‪...‬‬
‫‪-13-‬‬
‫ْ‬
‫ي كتـاب‬‫أحاول _ ُمـذّ كنت طفـالً قـراءة أ ّ‬
‫تحدث عن أنبياء العرب‬
‫و عن حكماء العرب‪...‬و عن شعراء العرب‪...‬‬
‫فلـم أر إالّ قصائـد تلحس ِرجْ ـل الخليفـة‬
‫مـن أجل حفنـة رز‪...‬و خمسيـن درهـم‪...‬‬
‫فيــا للعجــب !!‬
‫و لم أرى إالّ جرائد تخلع أثوابها الداخليـة‪...‬‬
‫ألي رئيـس مـن الغيـب يأتـــــي‪...‬‬
‫ي عقيد علـى جثة الشعـب‪...‬يمشي‪...‬‬ ‫وأ ّ‬
‫و أي مراب يكدس في راحتيـه الذهـب‪...‬‬
‫فيــا للعجــب !!‬
‫‪-14-‬‬
‫أنا منـذ خمسيـن عا ًمـا‬
‫أراقــب حـال العـرب‬
‫و هـم يـرعـد ُون‪ ،‬و ال يمطـرون‪...‬‬
‫و هم يدخلون الحروب‪ ،‬و ال يخرجون‪...‬‬
‫و هـم يعلكـون جلـود البالغة عل ًكـا‬
‫و ال يهضمـــون‪...‬‬
‫‪-15-‬‬
‫أنا منـذ خمسيـن عا ًمـا‬
‫أحـاول رسـم بـــالد‬
‫تسمى _مجازا_ بالد العرب‬
‫رسمتُ بلـون الشراييـن حينا‬
‫و حينما رسمت بلون الغصـب‬
‫و حين انتهى الرسم‪ ،‬سألت نفسي !‬
‫إذا أعلنوا ذات يوم وفاة العرب‪...‬‬
‫ففــي أي مقبـرة يدفنـــون؟‬
‫و مـن سـوف يبكـي عليهــم‬
‫و ليـس لديهـم بنــات‪...‬‬
‫و ليـس لديهـم بنــون‪...‬‬
‫و ليـس هنـالك حــزن‪.‬‬
‫و ليس هنالك من يحزنون !!‬

‫‪-16-‬‬
‫أحـاول منذ بـدأت كتابـة شعـري‬
‫قياس المسافة بيني و بين حدود العرب‬
‫رأيت ُجيُوشـا‪...‬وال من جيــوش‪...‬‬
‫رأيت فتو ًحـا‪...‬وال مـن فتــوح‪...‬‬
‫و تابعت كل الحروب على شاشة التلفزة‪...‬‬
‫فقتلى على شاشـة التلفـزة‪...‬‬
‫و جرحى على شاشة التلفزة‪...‬‬
‫و نضر من هللا يأتي إلينا‪...‬على شاشة‬
‫التلفـــزة‪...‬‬
‫‪-17-‬‬
‫أيا وطني‪ ،‬جعلوك مسلسل ُرعب‬
‫نتابـع أحداثــه فـي المســاء‬
‫فكيف نراك إذا قطعوا الكهرباء ؟؟‬
‫‪-18-‬‬
‫أنا‪...‬بعـد خمسيـن عامـا‬
‫أحاول تسجيل ما قد رأيت‪...‬‬
‫بأن رجـال المباحث‬‫رأيـت شعوبًا تظـن ّ‬
‫صداع‪...‬و مثل الزكام‬ ‫أمر مـن هللا‪...‬مثل ال ّ‬
‫و مثـل الجذام‪...‬و مثـل الجــرب‪...‬‬
‫رأيت العروبة معروضة في مزاد األثاث‬
‫القديـــم‪...‬‬
‫و لكنني‪...‬ما رأيت ال َع َربْ !!‬
‫الصفحـة‬ ‫فهــرس المــوضــوعــات‬

‫أ‬ ‫مقـدمـة‪........................................................................‬‬

‫تمهيــد‪07 ........................................................................‬‬

‫‪41-11‬‬ ‫قبـانـي‪.........................‬‬ ‫الفصـــل األول‪ :‬الـوطــن فــي شعــر نـزار‬

‫‪11‬‬ ‫‪ -1‬جذور الشعر الوطني "السياسي" عند نزار قباني‪.............................‬‬


‫‪ -2‬القومية العربية في شعر نزار قباني‪18 .........................................‬‬
‫‪32‬‬ ‫‪ -3‬جديد نزار في مجال الشعر الوطني "السياسي"‪...............................‬‬

‫‪70-43‬‬ ‫للتحليـــل‪................................‬‬ ‫الفصـــل الثــانـي‪ :‬قصــائــد‬

‫‪43‬‬ ‫‪ -1‬هوامش على دفتر النكسة «نكبة حزيران ‪...........................»1967‬‬


‫‪54‬‬ ‫‪ -2‬فلسطيـن القضيــة‪.......................................................‬‬
‫‪ -3‬متى يعلنون وفاة العرب‪70 .....................................................‬‬
‫خــاتمـــة‪72 ..................................................................‬‬

‫قـائمـة المصـادر و المـراجـع‬

‫ملحـــق‬

You might also like